التقرير الشهري التاسع عشر

أكتوبر 2016م

ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر أكتوبر 2016م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:

  • الحج .. ليشهدوا منافع لهم
  • المحافظة على البيئة في المملكة العربية السعودية والتقنين القادم
  • تمكين الأسرة من مكافحة التطرف والإرهاب
  • البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية: الواقع والتطلعات

محتويات التقرير

المحور الأول: الحج .. ليشهدوا منافع لهم

  • الورقة الرئيسة: م. أسامة كردي
  • التعقيب الأول: د. زياد الدريس
  • التعقيب الثاني: د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • التعقيب الثالث: أ. مها عقيل
  • التعقيب الرابع: د. عيسى الغيث
  • المداخلات حول القضية:
  • تحليل للأبعاد ذات الصلة بقضية الحج
  • مقترحات عملية لتطوير الفعاليات المصاحبة للحج

المحور الثاني: المحافظة على البيئة في المملكة العربية السعودية والتقنين القادم

  • الورقة الرئيسة: أ. ليلى الشهراني
  • التعقيب الأول: د. حميد المزروع
  • التعقيب الثاني: أ. فاطمة الشريف
  • التعقيب الثالث: أ. وليد الحارثي
  • المداخلات حول القضية:
  • واقع الجهود المبذولة للمحافظة على البيئة في المملكة
  • الحلول المقترحة للمحافظة على البيئة ومعالجة قضاياها

المحور الثالث: تمكين الأسرة من مكافحة التطرف والإرهاب

  • الورقة الرئيسة: د. علي بن صديق الحكمي
  • التعقيب الأول: د. عبدالسلام الوايل
  • التعقيب الثاني: د. عائشة حجازي
  • التعقيب الثالث: د. منصور المطيري
  • المداخلات حول القضية:
  • الأسرة و تحصين الأبناء من التطرف والإرهاب: الدور والفاعلية
  • آليات تمكين الأسرة لمكافحة التطرف والإرهاب

المحور الرابع: البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية: الواقع والتطلعات

  • الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان
  • التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
  • التعقيب الثاني: أ. خالد الحارثي
  • المداخلات حول القضية:
  • الواقع الراهن للبحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية
  • رؤية استشرافية للارتقاء بالبحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية
  • مساهمة الدكتور يحيى اليحياوي: مراكز البحوث وثقافة التفكير الاستراتيجي.. دروس للعالم الإسلامي

المحور الأول

الحج .. ليشهدوا منافع لهم

الورقة الرئيسة: م. أسامة كردي

يقول الله في كتابه الكريم في شأن الحج ( ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله في أيام معدودات ).

لا أدعي المعرفة بتفسير القرآن الكريم ، و لكن فهمي الخاص ل ( ليشهدوا منافع لهم ) أنها تشمل الأمور الدنيوية التي تنفع المسلمين أفرادا و جماعات.

فمنذ نعومة أظافري في مكة المكرمة و نحن نرى أن الحج عبادة على قدر ما هو مصالح اقتصادية .. و من علامات ذلك المقولة الشهيرة ( حج و بيع سبح ) و بهذا يتحقق ما ورد في الآية الكريمة.

لا تهدف هذه الورقة إلى تقديم أي تحليلات أو دراسات حول الحج بل تهدف و بكل اختصار إلى طرح مجموعة من المقترحات و التوصيات المتعلقة بتطوير الفعاليات المصاحبة للحج تحقيقا لصدر الآية الكريمة و تأكيدا للدور القيادي للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي و في إطار إعادة تقييمنا لعملنا في البيئة الإسلامية (جملة مستعارة من د. مساعد).

و انتقل الآن إلى المقترحات مباشرة:

  • عقد قمة إسلامية سنوية متزامنة مع الحج لتطوير العلاقات بين الدول الإسلامية و تنسيق المواقف. و يمكن تكليف منظمة التعاون الإسلامي بهذه المهمة.
  • عقد قمة تنسيقية عسكرية لنفس الغرض.
  • عقد قمة اقتصادية إسلامية لرفع مستوى التعاون الاقتصادي يكون من ضمن أهدافها إقامة منطقة اقتصادية حرة في مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
  • تنظيم معرض سنوي للمنتجات و الخدمات الإسلامية لرفع مستوى التبادل التجاري بين الدول الإسلامية. و يمكن تكليف البنك الإسلامي للتنمية أو أحد مؤسساته لتنظيم ذلك.
  • عقد لقاءات للجامعات الإسلامية لتطوير التعاون فيما بينهم و بالذات فيما يتعلق بالبحث العلمي و التطوير.
  • فتح الاستثمار في قطاع البنوك و الخدمات البنكية وخدمات التأمين أمام البنوك و شركات التأمين الإسلامية و بالذات في مكة المكرمة و المدينة المنورة.
  • تعديل فترة تأشيرة الحج بحيث تشمل أيضاً زيارة مدن المملكة الأخرى مما يكون له أثر إيجابي في نفل الصورة الحقيقية عن المملكة و شعبها لدي شعوب مختلفة حول العالم الإسلامي و يكون للسياحة الداخلية مساهمتها في إعداد البرامج المناسبة للحجاج الزائرين . و قد تم إقرار ذلك من ناحية المبدأ و لكن التفاصيل أعاقت التنفيذ.

ملاحظات متفرقة:

  • ‌أ- قد يقول قائل أنه يمكن تنظيم كل هذا خلال السنة كلها و لكن تصوروا معي ارتفاع درجة الاهتمام و المشاركة لو تزامنت مع الحج.
  • ‌ب- قد يرى البعض صعوبة تنفيذ هذه المقترحات بالتزامن مع الحج من ناحية حجم العمل المطلوب ، و أرى أنا أن توزيعها على جهات مختلفة قد تحقق النجاح.
  • ‌ج- أعلم أن بعض هذه المقترحات صعبة التنفيذ و لكنها من قبيل التفكير خارج الصندوق.
  • ‌د- لا بد من ملاحظة أهمية التوزيع الجغرافي لهذه المقترحات بين مكة المكرمة و المدينة المنورة.
  • ‌ه- لا ننسى أن أهم مرتكز لرؤية المملكة ٢٠٣٠ هو كون المملكة قلب العالم الإسلامي و لكن تفاصيل الرؤية لم تأخذ هذا في الاعتبار.

التعقيب الأول: د. زياد الدريس

أشكر م. أسامه كردي على ورقته التي قدمها بشأن “منافع” الحج، وأهنئه وأغبطه على أن كانت ورقته موجزة وعملية، وأستأذنه وإياكم في طرح تعليقي (المطوّل) التالي:

أولاً: منذ زمن ليس بالبعيد أصبح لدي حساسية بالغة تجاه (رسملة) أماكن العبادة ومواسم العبادات، وأعني بذلك توظيف أماكن العبادة (تحديداً مكة والمدينة) ومواسم العبادات (تحديداً رمضان والحج)، توظيف ذلك في مشاريع استثمارية تزيد من دخل البلد أو من دخل الناس.

الآن سأعترف أنني عندما وضع م. أسامة قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم) شعرت وكأني أقرأ الآية الكريمة لأول مرة، رغم أنها مرّت علي مراراً كثيرة في حياتي ولم أفطن يوماً من الأيام إلى هذا الأمر الرباني الذي جمع بين مصلحتين أو منفعتين في الحج، المنفعة الأولى دنيوية (ليشهدوا منافع لهم)، والمنفعة الثانية أخروية (وليذكروا اسم الله)، وهذا بلا شك يفتح الباب المباح للتكسب والاستفادة من موسم الحج، لكن هذا الاعتراف لن يجعلني أنجرّ للاستجابة إلى دعوات الانغماس الرأسمالي في المواسم الزمانية والمواسم المكانية، نعم الآية تنص على الاستفادة الدنيوية وبالتالي لا مناص من الإقرار بذلك وأن كل من يظن بأن مواسم العبادات وبالتحديد موسم الحج ينبغي أن يكون دينياً شرعياً صرفاً لا منافع فيه فهو يتجاوز على منطوق هذه الآية الكريمة وعلى الأمر الرباني المقدس، لكن بعض ما يجري الآن في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة لا أرى أنه منسجم مع التوازن الذي تقدمه الآية الكريمة بالقول (ليشهدوا منافع لهم) في شطر، والشطر الثاني (وليذكروا اسم الله)، أشعر بأن الشطر الأول أصبح يطغى على الشطر الثاني، وأن المنافع تكاد تطغى على ذكر الله، وهذا أراه يأتي منسجماً مع الهيجان الرأسمالي الذي يغشى العالم كله الآن، حتى أصبحت الثقافة مرسملة والرياضة مرسملة والفنون مرسملة، ثم آخر معقل من المعاقل التي كان يمكن أن تتمنع عن الانغماس في الرأسمالية هو معقل الدين والوعظ، وللأسف لاحظنا في السنوات الأخيرة أنه حتى هذا المجال أصبح مُخترَقاً من خلال دوافع رأسمالية لا أريد الدخول في تفاصيلها الآن.

ومثلما أن هناك حساسية من تسييس الحج فإني أشعر أيضاً بأننا يجب أن يكون لدينا حساسية تجاه رسملة الحج. فالتسييس والرسملة كلتاهما سوأتان يمكن أن تُفسدا المقاصد الروحية والإنسانية لموسم الحج المبارك.

هذا سيقودني إلى بعض التعليقات على المقترحات التي ذكرها م. أسامة وهي مقترحات مثالية جميلة، مثل أن يتم توظيف الحج لعقد قمة تنسيقية إسلامية وتنسيقية عسكرية واقتصادية وتنظيم معرض سنوي للمنتجات وعقد لقاءات للجامعات الإسلامية وفتح استثمار في قطاع البنوك، هذه التوصيات بلا شك أنها تقدم جانباً إيجابياً لتكريس فعالية موسم الحج، وأن لا يكون مجرد طقس ديني لا منافع دنيوية فيه. لكن بعضها سيجرّنا رغماً عنا إلى ما نخشاه من قضية التسييس. وبلا شك أننا نعرف أن مشكلتنا مع إيران هي في قضية تسييس الحج، وإذا أردنا أن نطبّق التوصيات الجميلة التي ذكرها م. أسامة فقد نجد أنفسنا وقعنا في فخ تسييس الحج الذي لا يكون بمقدورنا السيطرة عليه بعد ذلك.

ما هي حدود التسييس الذي يمكن أن نسمح به أو الذي نمنعه حتى لا يتحول الحج إلى موسم  للشعارات السياسية ؟!صحيح أنني أتفق مع م. أسامة في التمني بأن يكون موسم الحج هو قمة سنوية للدول وللشعوب الإسلامية، من هذا المنطلق أنظر إلى الحج بهذا التوسع، ولكن في الوضعية التي عليها العالم الآن في ظل التكوين الدولي والسياسي الحديث قد يغدو مزلقاً الانفتاح على جعل موسم الحج مؤتمراً للدول الإسلامية وللشعوب الإسلامية.

وبعد، فلا يمكن لأي مكابر أن ينكر الجهود والخدمات التي تقدمها بلادي المملكة العربية السعودية للحرمين الشريفين بما لم يحدث في تاريخهما من قبل، لكن هذا لا يمنع من ضرورة مراجعة الإجراءات والمسارات كل حين.

التعقيب الثاني: د. عبدالله بن ناصر الحمود

شكرا للزميل القدير م. أسامة الكردي على ورقته لهذا الأسبوع.. وعلى جملة المقترحات المهمة جدا التي طرحها.. ولوجاهة ما ذكره من مقترحات .. فإنني أتفق معه على أهميتها .. وأتجاوز ذلك لمحاولة النظر لموضوع فضية هذا الأسبوع بشكل تكاملي..

سيكون تعليقي على الموضوع مركزا فقط على موضوع الورقة الذي وصلني: (كيف يمكن الاستفادة من الحج بشكل أكبر لتطوير العلاقات بين الدول الإسلامية).

مدخل..

للحديث عن العلاقات بين الدول الإسلامية.. لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات الراهنة بين الدول الإسلامية هي في أسوأ مراحلها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ولذلك شواهد كثيرة.. فقد عصف الربيع العربي بما بقي من علاقات كانت الدول الإسلامية تحاول المحافظة عليها رغم تصدعاتها من زوايا عدة.. نتيجة تداعيات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.. لنصف قرن.. واختلاف الأخوة الفرقاء فتح وحماس.. وبروز حزب الله في لبنان .. وحربي الخليج.. و حرب أفغانستان.. وتشكل المثلث الشيعي بداية الألفية الحالية.. وانقسام السودان.. وتدهور الأوضاع في البوسنة والشيشان والصومال ومناطق أخرى في العالم الإسلامي..

لكن رغم كل ذلك الأسى .. كانت هناك محاولات لرأب التصدع دوما.. والوقوف ولو على الأنقاض لترقب آفاق من التعاون الإسلامي وتجاوز المحن والكوارث ..

كانت منظمات المسلمين كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي تحاول تجاوز ما تواجهه من فساد داخلي في الأيديولوجيا وضغوط خارجية في كل شيء..

وكانت تنجح حينا .. ويغلبها الأمر الواقع الذي تشكل ضدها.. أحيانا كثيرة .. حتى اضطر بعضها للترجل نهائيا وإغلاق أبوابها .. كما حدث للندوة..

كل تلك المعاناة.. وكل ذلك الأسى .. الذي مرت به الدول الإسلامية .. فت في عضدها.. وكدر علاقاتها وولاءاتها وبراءاتها .. بشكل كبير .. ولكن رغم كل ذلك .. لا يمكن مقارنة سوءه وسطوته بما حدث بعد العام 2010 الذي شهد بداية الثورات العربية ..

لعلها .. الأقدار…

بل .. لعلها  الفوضى الخلاقة.. التي أريدت للشرق الأوسط والإسلامي العربي منه بوجه خاص..

وللبدء .. لا بد من محاولة لتشخيص الوضع الراهن في مجال العلاقات بين الدول الإسلامية.

= محاولة لتشخيص الوضع الراهن للعلاقات بين الدول الإسلامية

منذ أحداث الربيع العربي.. في العام 2010  عاش العالم العربي حتى اليوم سبع سنين عجاف .. كالحات..

لم يشهد المسلمون في التاريخ المعاصر كم الخيانات والفساد ونقض العهود والتآمر والعمالات مع الغرب والشرق .. مثلما حدث وبحدث الآن في هذه السنوات السبع

عدد من الدول الإسلامية لم تعد دولا أصلا .. وتعيش في صراع دائم وتخلف سياسي واقتصادي ومجتمعي .. من أبرزها  ليبيا وسوريا والعراق واليمن .

دول تماسكت بعد أن كادت أن تهلك .. لكنها تماسكت بكل آلام وأوجاع التضحيات التي مرت بها.. ومستوى التآمر الذي تراه اليوم رؤيا العين بين جنباتها.. من أبرزها تونس ومصر

دول ماكرة .. بأنظمة متآمرة .. تلهث للاصطياد في الماء العكر .. تتسيدها إيران بكل مليشياتها ووكالاتها التخريبية في المنطقة

دول لم تعد تروق .. للغرب الذي بات يبحث بجنون عن تغيير حلفائه.. ولو على أنقاض حلفاء الماضي الذين لم يعودوا في نظر الغربي أهلا لحمل الأمانة .. وتتقدمهم السعودية والخليج..

دول عميقة .. لكنها مرتع مخيف لكل شيء.. ويمكن أن تكون وقودا.. كما يمكن أن تكون بردا وسلاما فمنها تخرج جماعات متطرفة.. وفيها يقبر متطرفون.. ومن أبرزها باكستان .. وأفغانستان

استبدال القاعدة التي تم تصميمها لمرحلة ما بعد 11 سبتمبر  بالنسخة المعدلة والمطورة   داعش التي علبها مواصلة المشوار بأدوات مرحلة ما بعد الربيع العربي..

معايير ومقاييس للعلاقات المتجددة بين مجموعة الدول الإسلامية والدول العظمى.. لم تعد واضحة ولا نزيهة .. ولا موثوقة.. وعبثت بها التحولات المفاجئة للأحداث بشكل عميق جدا..

وهكذا .. يصبح المشهد الراهن للعلاقات بين المسلمين بعضهم ببعض.. وبينهم والدول الأخرى .. مأساة حقيقية.. عسكريا .. واقتصاديا .. وسياسيا .. وكل شيء..

ليكتمل عقد المأساة في غروزني بمؤتمر .. (من هم أهل السنة والجماعة؟) .. حيث هنا.. يتم العمل بكل قوة.. ومكر.. وخيانة.. وعمالة..  لمصادرة البنى الفوقية كلها للمسلمين.. التي تم تعظيمها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى ما بعد 11 سبتمبر .. مرورا .. بكوارث الربيع العربي..

بعد أن تم الإجهاز على معظم البنى التحتية للمسلمين..

ويصبح العالم الإسلامي في خطط الغرب والشرق .. ورؤاهم المستقبلية.. وفعلهم الراهن … مسخا من الضعفاء المشردين المتخلفين..

والمفرغين عقائديا ومنهجا وفكرا.. بإبراز النماذج المبتدعة من طوائف تتسمى بالإسلام وجعل عقائدها ومناهجها المرجعية المعتبرة.. للمستقبل.. فينتهي .. كل شيء ..

هذا هو المشهد الراهن.. للمسلمين .. للدول الإسلامية .. للمجتمعات الإسلامية.. لطبيعة العلاقات التي نأمل أن نرممها من خلال موسم الحج..

وليبرز السؤال العظيم بحق..

ما الذي يمكن أن يفعله الحج في تحقيق العلاقات المتينة بين الدول الإسلامية .. وسط هذا الواقع الأردى على مر التاريخ الإسلامي المعاصر؟

وحتى يمكن تقديم بعض الرؤى.. لا بد من بيان الموقف والتطلع الذي ننشده.

= موقفنا .. و .. وتطلعنا

على الرغم من كل ما يقود إليه الواقع من إحباطات.. فإن الأمل معقود بالله تعالى بأن ينصر دينه ويعلي كلمته.. كما أراد سبحانه في كتابه المبين وفي سنة نبيه المصطفي صلى الله عليه وسلم..

إن حفظ الذكر الذي اقتضت حكمة الله تعالى الوعد به.. يجعلنا في شعور آمن بأن الدوائر تدور على الآثمين من المبتدعة والمخربين والخائنين.. ومن خلفهم .. وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين..

التطلع .. هكذا.. ينبذ اليأس.. ويستند إلى مراحل تاريخية كثيرة.. استعاد المسلمون فيها دينهم وعزتهم بعد أن تم اختطافهما..

وهذا التطلع يقتضي فعل أشياء مهمة من أجل التغيير بالإفادة من موسم الحج .. فموسم الحج ليس كغيره من مواسم العام؛ من أجل إعادة عرى العلاقة بين المسلمين في موسم الحج ..خاصة

يقول الحق تبارك وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)

فالحل.. بالعمل .. ليس بالقول..

وفي موسم الحج فرص كبرى ليست في سواه.. يمكن أن يتم توظيفها لتحقيق قدر من التقارب والتعاون واستعادة العزة .. رغم الجروح..

فالحج:

  • أزمنة وأمكنة محددة يتفق حولها معظم المسلمين..
  • ركن من أركان الإسلام يتفق جل المسلمين على صفته وواجباته وشروطه.. ففيه شيء من التوافق لا يشهده المسلمون في غيره.. رغم بعض مختلفين لا يعتد بهم
  • زمن التقاء لأعداد غفيرة من كل مسلمي الأرض بكل اختلافاتهم السياسية وغيرها.

وفي ضوء ما سلف ذكره من سمات الواقع.. وللطبيعة الخاصة بموسم الحج.. أعتقد أنه، إضافة لبرامج العمل المباشرة، كالمؤتمرات ونحوها.. مما ذكره م. أسامه الكردي .. ربما تكون الأولوية لإيجاد وتعزيز قيم الوحدة.. والمصير المشترك لمجموعة الدول الإسلامية ..

وفي حال أمكن تحقيق هذا الأمر .. سوف يتيسر فعل أشياء كثيرة.. بإذن الله تعالى.. وسوف ترتفع جدا فرص تكوين وتعزيز علاقات متجددة وإيجابية وصلبة بين الدول الإسلامية..

وبالتالي .. يمكن الإفادة من موسم الحج .. لإنتاج (قيم جديدة) وتعزيز (قيم حالية) تدفع في اتجاه تعظيم أهمية الوحدة والتوافق.. ونبذ الفرقة والخصام.. واستعادة العزة.. في مشروع أقترح تسميته:

(مشروع القيم العشر لاستعادة العزة والتمكين لمجموعة الدول الإسلامية.. وبناء علاقات متينة بينها)

والقيم تعبر عن منظومة أخلاقية عليا تقود الغرد في آرائه واتجاهاته وسلوكه. وتصنع القيم نسيج الشخصية وتجعلها قادرة على التفاعل مع المجتمع والعالم.

أعتقد أننا بحاجة ظاهرة في عالمنا الإسلامي اليوم إلى أن نفيد من موسم الحج بكل تفاصيله لنعيد بناء سلم القيم عندنا.. ونعمل على تمثلها واقعا .. ليمكننا بعد ذلك التفكير في أي سلوك وفعل رشيد..

والمقصود هنا.. أنه لا بد من التأكد من امتلاك مجموعة الدول الإسلامية (إرادة) التحول.. و القدرة على (إدارة) عملية التحول تلك، مع الأهلية الكاملة ل (التزام) بمقتضيات التحول وإعادة تقوية العلاقة. و (مواجهة) كل عوامل الإفشال بشفافية ووحدة وصلابة وعزيمة ومنهج قويم.

ويتم ذلك من خلال بناء مرجعية موحدة للفعل الاستراتيجي الإسلامي على مستويي الداخل والخارج…

وبعد ذلك يمكن توظيف فرصة اجتماع المسلمين في مشاعر الحج  لإيجاد وتعزيز القيم التالية:

1- الحرية

يشعر كثير من المسلمين اليوم إما بمصادرة حرياتهم.. أو بسوء فهم وتطبيق قيمة الحرية.

وقد خلق الله الناس أحرارا.. فلزم البدء بإعادة بناء قيمة الحرية لكل مسلم باعتبارها القيمة الأهم الدافعة للعمل والإنتاج والمنافسة والإبداع. فينادى في المسلمين في الحج أن الله خلقهم أحرارا.. لهم حريات مكفولة بالشرع في الاعتقاد والتدين والرأي والتعبير عنه واتخاذ المواقف والدفاع المشروع عنها. وتعمل منظومة الدول الإسلامية وفق مشروع أممي على صيانة ذلك قانونا وحكما.

2- المساواة

المسلم أخو المسلم يتساوى معه في كل شيء. فينادى في الحج بقيمة المساواة.. وتكفلها الدول .. وفق دساتير وقوانين محكمة. ويتم تجريم كل مظاهر المساواة في مشاعر الحج أولا.. وفي كل بقعة من بقع العالم الإسلامي.

3- العدالة

فبإظهار قيمة العدل.. وحمل المؤسسات عليها.. تطمئن نفوس الناس.. ويرتفع الإنتاج .

4- البنائية

ومن أهم ما يقود لتحقيق هذه القيمة المهمة.. إذكاء الشعور لدى الفرد بضرورة أن يكون وجوده في الحياة الدنيا داعما ومساهما ومفيدا لبيئته بأي شيء يمكنه فعله. فينادى في الحج لتعظيم الإنتاج والفعل الرشيد لبناء مجتمعات قوية مستقلة ومتكاملة مع محيطها.

5- الإخلاص

والإخلاص قوام الإنتاج كله ومناط النجاح فيه. فينادى في الحج بضرورة تحري الإخلاص في النية والإخلاص في القول والإخلاص في الفعل.

6- التعاطف والتراحم والمودة

هذه القيمة ثلاثية المقاصد عظيمة في بناء الشخصية المتزنة.. وفي الحج، راهنا، مظاهر من اللا تعاطف واللا تراحم واللا مودة.. نتيجة ما يقوده الزحام الشديد وضيق المشاعر المقدسة .. واضطراب السلم القيمي عند بعض الحجاج .. من إيثار النفس والذات..

فينادى في الحج بضرورة إذكاء روح التعاطف والتراحم والمودة بين المسلمين.. ومع الناس كافة .. لأن الرحمة رسالة الله للعالمين كافة..

7- التسامح

من أعظم صفات المرء النبيل التسامح.. فينادى في الحج أن نتسامح في ما بيننا .. ونتسامح مع الآخرين.. تسامح النبلاء الكرام.. الأعزة العظام.. وننبذ تراث الثأر والغل والفرقة والخلاف..

8-  الخصوصية والفردية

سأرفع هنا من الخصوصية والفردية.. لأجعلها إحدى القيم العشر التي ندعو إليها في الحج. وذلك نتيجة ما يشهده المسلمون حاليا من التضييق على خصوصيات الناس وفرديتهم.. في معرض السعي للتماثل المجتمعي غير المحمود الذي ابتلينا به في العقود المتأخرة.

فينادى في الحج بضرورة منح الأفراد من الناس خصوصياتهم وفردياتهم بالشكل الذي يريدونه طالما لا يؤثر ذلك سلبا على المجموع من الناس.

9- القوة والأمانة

فينادى في الحج بأن المسلم القوي الأمين.. هو من نعول عليه لاجتياز هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا المعاصر

10- حسن الخلق

فينادى في الحج.. بحسن الخلق. بأن يجعل المسلمون الخلق الحسن خيارهم في أقوالهم وأفعالهم وردود الفعل.. وأن يدفعوا دائما بالتي هي أحسن..

تلك .. هي القيم العشر لترميم البنية الفوقية للمسلمين .. التي يمكن أن نعبر بها .. فنكون بحول الله أفضل .. وأعظم.. وأجود.. وأنفع لنا وللعالمين..

وأخشى .. أنه دون التفكير بهذه الطريقة.. والعمل بمقتضاها..  فسيؤول كل فعل نفعله.. إلى ما اعتدناه من نقص .. وعجز.. وعوائد عكسية على الأفراد والمجتمعات..

حفظ الله لنا كل أمر حميد.. وبسر لنا كل أمر رشيد.. وكفانا شر أنفسنا.. وأشرار غيرنا من مريدي الاختراق .

التعقيب الثالث: أ. مها عقيل

أشكر م. أسامة كردي على ورقته القيمة وخاصة ما طرحه من مقترحات وسأحذو حذوه بالدخول مباشرة في الموضوع دون مقدمات حيث أننا جميعا ندرك مكانة الحج وأهمية الاستفادة منه في ترسيخ العلاقات بين المسلمين وتطويرها بين الدول الإسلامية، وذلك منذ فجر الإسلام وليس بشيء جديد.

وتعقيبا على ورقة م. كردي لا أعتقد أننا بحاجة إلى عقد المزيد من القمم والمؤتمرات المتزامنة مع الحج بقدر حاجتنا إلى تنظيم فعاليات وأنشطة وبرامج تخدم الحجاج وتقوي أواصر المعرفة بينهم وتطور العلاقات التجارية بين المسلمين وتثبت مكة المكرمة كعاصمة دينية واقتصادية وثقافية. فمنظمة التعاون الإسلامي تعقد قمة إسلامية كل ثلاث سنوات وكل مرة في مدينة من مدن الدول الأعضاء (وبعد القمة الأخيرة في اسطنبول في ابريل ٢٠١٦ تقرر عقدها كل سنتين) بالإضافة إلى القمم الاستثنائية فيما بين القمم العادية (واثنان منهم كان في مكة، في عام ٢٠٠٥ وعام ٢٠١٢) وبالتالي عقد قمة إسلامية سنوية في مكة يصبح نوع من التكرار ناهيك عن متاعب التنسيق والتكلفة والإجراءات وخاصة في الحج.

من جهة أخرى تنظم وزارة الحج والعمرة (ندوة الحج الكبرى) كل عام منذ ١٩٧٠. وشارك ويشارك في هذه الندوة كبار علماء ومفكري ومثقفي وأدباء العالم الإسلامي وذلك خلال مواسم الحج. والهدف من هذه الندوة بحسب الوزارة هو: إتاحة الفرصة لمن حضر دراسة ومناقشة القضايا المطروحة على الساحة والمتعلقة بالحج والحجاج وتكريس الاخاء والتعاون بين علماء ومفكري الأمة الإسلامية وترسيخ خطاب الاعتدال والوسطية. وإبراز الدور الثقافي والحضاري الذي تضطلع به المملكة لخدمة الحج والحجيج. والتأكيد على الدور الثقافي والحضاري للمدينة المقدسة وأبنائها عبر العصور المختلفة. وإبراز أهم الإنجازات والمشروعات الرائدة والتطورات المتلاحقة في الحرمين الشريفين لخدمة المسلمين خصوصاً في عهد خادم الحرمين الشريفين. وترسيخ مبدأ الحوار الفكري الهادئ لقضايا الأمة الإسلامية من خلال موسم الحج عبر تواجد هذه الأعداد الغفيرة من الحجيج. والتواصل العلمي البناء مع المؤسسات والمحافل العلمية والباحثين المتخصصين في معظم دول العالم. وتحقيق المزيد من التكامل والتآخي والتعارف بين أبناء الأمة الإسلامية. وإرساء قواعد للعمل الجماعي الموحد لأبناء العالم الإسلامي في الرد على الشبهات التي تحوم حول العقيدة والأمة والثقافة. والتعريف بإنجازات الوزارة لخدمة الحج والحجاج وذلك إسهاماً منها في تنفيذ سياسة الدولة الهادفة لتقديم أفضل الخدمات للحجاج والعمار والزوار.

إذا فكرة الاستفادة من الحج طرحت منذ عقود وهذه الندوة السنوية تجسيد لكيفية الاستفادة اتساقا بما اقترحه م. كردي بعقد لقاءات للجامعات الإسلامية لتطوير التعاون بينهم وخاصة فيما يتعلق بالبحث العلمي والتطوير، ولكن في تقديري هي ليست كافية بل ربما أيضا ليست مجدية. فأين نتائجها على الأرض وهل علمنا بها أو تابعها أحد سواء داخل المملكة أو خارجها وهل استفاد منها الحجاج. ندوة هذا العام، على سبيل المثال والتي انتهت قبل أيام وكانت بعنوان (الحج بين الماضي والحاضر.. التطورات والتنظيمات في الحج وأثرها في تحقيق مقاصد الحج الكبرى)، وأوصت المجامع العلمية والهيئات بإنشاء وحدات متخصصة لرصد مستجدات الحج والعمرة بما يكفل تقرير أحكام تحقق مقاصد الشرع الحنيف. ودعت إلى توعية الحجاج بالأحكام الشرعية والأمور التنظيمية الشاملة المتعلقة بالحج بما يضمن الأداء السليم لهذه الشعيرة وتلافي المظاهر السلبية المتكررة من افتراش وتزاحم وتدافع. كما شهدت الندوة جلسة علمية تم فيها مناقشة الدور الإعلامي في تعريف المسلمين بمناسك الحج ومقاصده ووسائله. وخصصت جلسة للإعلام الجديد وأثره في نشر ثقافة الحج والتعريف بالإسلام وتحقيق مقاصد الحج.

توصيات مهمة ومواضيع آنية ولكن دائما مشكلتنا مع المتابعة والتطبيق ولا أرى داعي لعقد مزيد من الاجتماعات والندوات والمحاضرات إذا لم يكن هناك تطبيق واستفادة عملية. ولكن اقترح في المقابل تفعيل دور المجتمع المدني مثلا عن طريق مؤسسات الطوافة فهي تقوم بدور مهم ومباشر في خدمة الحجاج ويمكن الاستفادة منهم في تنظيم فعاليات توعوية دينية وصحية وزيارات لبعض الأماكن الأثرية والتاريخية (إن بقي منها شيء) والمتاحف في مكة والمدينة والأحياء القديمة.

أما بالنسبة للاقتراحات حول تطوير المصالح والمنافع الاقتصادية فهو شيء ضروري وأعتقد الملتقى الذي نظمته غرفة مكة للتجارة هذا العام منذ بضعة أيام بعنوان (ملتقى منافع الاقتصادي الاستثماري) خطوة جيدة فهو يهدف للاستفادة من التجمع الإيماني العظيم في مكة المكرمة، لتبادل المنافع بين التجار المسلمين، ولتعزيز التبادل التجاري لتحقيق نمو اقتصادي إسلامي مستدام، ولتحقيق الفرص الاقتصادية والاستثمارية في اقتصاديات العالم الإسلامي، وليكون هذا الملتقى بداية لتوليد وظائف لشباب المسلمين في جميع الدول الإسلامية. وتم فيه طرح العديد من التوصيات الجديرة بالاهتمام والتنفيذ، فقد ذكر وزير الحج أنه يتطلع من خلال هذا الملتقى إلى أن تصبح مكة المكرمة عاصمة الاقتصاد الإسلامي، وبضرورة إنشاء مطار الملك سلمان الدولي بمكة المكرمة لمقابلة الطلب الكبير الذي سيتولد على خلفية رؤية المملكة 2030. وبالحاجة إلى مركز دولي للمعارض والمؤتمرات بمكة، وذلك للمساعدة على استقطاب الشركات والدول، والحاجة إلى مركز دولي للتجارة وتبادل السلع، حيث سيكون عبارة عن معرض دائم للتبادل المستمر. وغيرها من الأسواق وما يسمى “بالمسافنة” أو التجارة بين السفن والأماكن الحرة بما ينعكس على اقتصاد المملكة. وقال وزير الحج أن وزارته ستساهم في المنصة الإلكترونية والتي ستكون وسيلة لتواصل التجار فيما بينهم وتبادل وعرض الفرص الاستثمارية.

وكان هناك معرض مصاحب للملتقى، وتم فيه تبادل الأفكار التجارية وعقد الصفقات بين الدول والتجار، إلى جانب وجود الشركات السعودية والشركات الناشئة للتعريف بخدماتهم وتطلعاتهم لرؤية ٢٠٣٠.

كما عقدت غرفة مكة ورشة عمل “الأمن الغذائي في الحج مسؤولية تضامنية ” لرجال الأعمال والمستثمرين في قطاع الحج والعمرة بمكة، ولفت نظري موضوع تدوير المخلفات في المشاعر المقدسة، والمطالبات باستثمارها لتصبح صناعة اقتصادية، أوضح وزير الحج والعمرة أنه سيتحدث شخصياً مع البنك الإسلامي في الموضوع ومناقشته خلال الفترة المقبلة.

ختاما، أذكر مثال لفكرة بسيطة للاستفادة من رمضان والحج في التقريب والتعريف بين الشعوب الإسلامية وتبادل المنافع نفذتها منظمة التعاون الإسلامي هذا العام وهي مسابقة تصوير عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرمضان في الدول الإسلامية يشارك فيها عامة الناس والجائزة لأفضل ستة صور هي أداء فريضة الحج. تلقينا المئات من الصور وكانت تجربة ناجحة وممتعة نسعى لتطويرها. واخترنا الستة الفائزين وتكفلنا بحضورهم للحج وطلبنا منهم تزويدنا بالصور لأدائهم الحج. اقتراحي هو الاستفادة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم الاقتراحات والمشاريع والأفكار وتبادل التجارب والسلع بطريقة مبتكرة وغير مكلفة، وقد لا يكون هناك عائد مادي مباشر ولكن هناك عائد معنوي وتلاحم وتقارب بين الشعوب بالإضافة إلى تحسين صورة المملكة بأنها تحتوي جميع المسلمين ومنفتحة على مختلف الآراء لخدمة الإسلام والمسلمين.

في السنوات الأخيرة أصبح الهاجس الأمني والخطابات العدوانية هو تقريبا الطاغي في خطاباتنا حول الحج. هذا يؤثر على صورة الحج بصفة عامة وعلى صورة المملكة. ورغم أهمية هذا الخطاب للتأكيد على سلامة وأمن الحج والحجيج والرد على ما يثار من دول أخرى ولكن أرى أننا لا نركز كثيرا في إعلامنا قبل فترة الحج على الجوانب الروحانية والمقاصد من الحج والمنافع الاقتصادية.

التعقيب الرابع: د. عيسى الغيث

أشكر م. أسامة الكردي على طرحه، وأعجبني الاهتمام بهذا الموضوع الذي طالما تم التساؤل عنه وتقديم الرؤى بشأنه، ولذا أؤيد مبدأ هذه الفكرة وهي:

كيف نستفيد من الحج في ديننا ودنيانا؟

وبالطبع فمن حقنا كوطن الاستفادة من موسم الحج على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والفكرية والإعلامية وغيرها، وأرى أننا فرّطنا في الاستفادة من فرصة موسمَي الحج والعمرة في مقابل الذي ندفعه ونقدمه لهاتين الشعيرتين، ولنا أن نتخيل كون الحرمين بإدارة إيرانية مثلاً – لا قدر الله – فماذا سيكون الاستغلال حينئذ والتوظيف لمصلحة المشروع الصفوي، في حين أن الحرمين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) والشعيرتين (الحج والعمرة) تحت إدارتنا منذ قرابة قرن ولا زال التقصير مستمراً في الاستفادة من ذلك للمصلحة العامة الوطنية والقومية والدينية والإنسانية، وعليه فأرجو أن تعقد ورش عمل فاعلة لعصف ذهني من جميع الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة إضافة للأفراد المتخصصين وأصحاب الرأي ثم يتمخض عنه تقديم مشروع استراتيجية كاملة وشاملة بخططها التنفيذية وبرامجها الزمنية ومقاييس الأداء اللازمة للاستفادة من ذلك، لاسيما أن الوطن يمر بمنعطف حرج وخطير ولا ينبغي التورع عن ذلك، ولو نظرنا لأمرين فقط وهما قنوت التراويح في رمضان بالحرمين وخطب الجمعة فيهما وخطبة عرفة والعيدين لأدركنا أنه بإمكاننا توظيف نصوص حكيمة وذكية للقنوت والخطب وتغطيتهما إعلامياً بشكل محترف وبهذا نقاوم مشاريع الأعداء ضد وطننا ومصالحنا العامة، وهذا فقط في جانب الخطاب (القنوت والخطب) فكيف بالتوظيف الشامل للشعيرتين والاستفادة الكاملة من الحرمين، ويجب أن ندرك أن من يملك شؤون الحرمين والشعيرتين قادر على قيادة قلوب وعقول قرابة مليارَي مسلم في العالم بدلاً من ترك هذه الفرص تذهب بلا استغلال شرعي وقانوني وأخلاقي في شتى المجالات التي تخدم الوطن السعودي والقومية العربية والدين الإسلامي والإنسانية جمعاء لاسيما في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها وطننا في ظل عداء صفوي وحرب حوثية وتغول طائفي وكيد صهيوني ومكر صليبي وخذلان داخلي وخارجي.

ولا يعني هذا استغلال الشعيرتين والحرمين بشكل غير مقبول شرعاً وقانوناً وعرفاً وأدباً وإنما وفق المقبول لما فيه مصلحة الأمم الأربع (السعودية. العرب. المسلمون. البشر).

وتبقى هذه الأسطر مجرد عصف ذهني ومسودة قابلة للحذف والإضافة والتعديل لتحقيق مناط المصلحة العامة.

المداخلات حول قضية: (الحج .. ليشهدوا منافع لهم)

  • تحليل للأبعاد ذات الصلة بقضية الحج

يرى د. ناصر القعود: أن شهود الحجاج لمنافع لهم محسوس على مدى التاريخ وبصيغ مختلفة ، تبادل تجاري ، وتزاوج حضاري وثقافي بالدراسة في الحرمين الشريفين أو التدريس به ، وغالبا على مستوى الأفراد وليس على مستوى المؤسسات الرسمية ، والأفضل أن يبقى كذلك كما أشار البعض؛ فيكون تشجيع التبادل التجاري من خلال جهود الأفراد ومؤسسات الأعمال ، خاصة غرف التجارة والصناعة وتشجيع التواصل الثقافي والعلمي من خلال المؤسسات العلمية والثقافية كلما أمكن ، أما تقوية العلاقات بين الدول الإسلامية على مختلف الأصعدة فله آلاته ومؤسساته ومنتدياته لاسيما وأنه لن يتم في أيام معدودات .

وعقب د. خالد الرديعان بقوله : أعتقد انه لا يجوز شرعا أن يقرن الحج بفوائد دنيوية للحصول عليها في مكة اتساقا مع حديث النية الذي رواه عمر رضي الله عنه.

بينما أوضح أ. عبدالله الضويحي أن المنافع المشار إليها في قوله تعالى: ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقكم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير )

المنافع هنا دينية بالتقرب إلى الله ودنيوية من تجارة حلال.

بينما ذكر أ. أسامة نقلي أنه واجب بنص الآية ( ليشهدوا منافع لهم وليعبدوا الله في أيام معلومات ).

وفي الإطار ذاته قال م. خالد العثمان: أميل إلى الاتفاق مع د. زياد الدريس في مخاوفه من رسملة شعيرة الحج وطغيان الجانب المادي والاقتصادي على الجانب الديني والروحاني .. كنت قد ناقشت في مقال سابق قبل سنوات ظاهرة “المتاجرة بالدين” وطرحت عدة نماذج لهذه المتاجرة ومنها مشهد الأبراج الفندقية الشاهقة حول الحرم وتسعير الغرف الفندقية بحسب الاطلالة على الحرم والكعبة وهو ما رأيته جارحا لروحانية المكان وقدسية الحدث.

ومع ذلك .. فإن الآية الكريمة أقرت فكرة تحصيل المنافع إلى جانب أداء الشعيرة وهو ما أظنه يحتم تحقيق التوازن بين هذين الجانبين .. وفي ظني فإن فكرة تنظيم مؤتمرات ومعارض ومناشط أثناء موسم الحج ربما تميل بالميزان إلى جانب طغيان الجانب المادي على الجانب الروحاني علاوة على ما أثاره البعض من مخاوف التسييس والجدل الفكري الذي ربما ينجرف إلى حد الرفث والفسوق في الحج.

ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: أود هنا التفريق في المنفعة في مكة بين عامة الحجاج وبين الدولة بوصفها المهيمن على القرار في مكة والبيت الحرام …

على المستوى الفردي كانت قريش قبل الإسلام تفتخر بخدمتها للحجيج ..وكانوا يتنافسون في ذلك ..

وحين جاء الإسلام أكد هذا الشرف حيث تنافس المسلمون بأداء هذه الخدمة .. و أقاموا السبل والأربطة وأوصلوا المياه وقدموا الطعام للحجاج تقربا لله وضيوفه ..

وقد شمل ذلك الآخرين من خارج مكة بدءا بزبيدة ومشروع توصيل المياه العذبة، وحتى مشاركة المصريين والهنود في تقديم الخدمات للمسجد الحرام ونظافته وما يقدم للحجاج ولبيت الله الحرام …

ومنذ عهد الملك عبد العزيز تغير حال الحرم والمشاعر وبدأ فيها اهتمام خاص جعل هذه الأماكن تتحول لتكون قادرة بفضل الله على استيعاب الحجاج وتقديم كل الخدمات التي يحتاجونها ..حتى وصلنا إلى التوسعة الكبيرة الحالية حيث ‏استغرقت توسعة الملك عبدالله  6 سنوات وكانت تكلفتها  70 مليار ريال، ولذا أصبحت الطاقة الاستيعابية للحرم تزيد عن  3 مليون مصلي. و105 آلف طائف في الساعة.

و ‏تقدر مساهمة الحج بـ 3% من الناتج المحلي الاجمالي، نحو 100 مليار ريال. أما النفقات الرأسمالية والتشغيلية فتخصصها ‫السعودية خدمةً  للحج والحجيج.

أما على المستوى الشخصي؛ فإن الله قد أذن للحاج أن يبتغي فضلا من الله حيث قال الله

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ..

وقد روى البخاري عن ابن عباس قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فنزلت “ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم”

وحين جاء الإسلام تأثم الصحابة أن يتجروا فسألوا رسول الله ﷺ عن ذلك ..فأنزل الله هذه الآية ..

وعن ابن عباس قال كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج يقولون أيام ذكر فانزل الله

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم

وقال ابن جرير سمعت ابن عمر سئل عن الرجل يحج ومعه تجارة فقال ابن عمر

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم

وقد روي مرفوعا عن ابي امامة التميمي قال قلت لابن عمر أنا نكري فهل لنا من حج قال أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعروف وترمون الجمار وتحلقون رؤوسكم قال بلى فقال ابن عمر جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية ‏”ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ” فدعاه النبي ﷺ فقال أنتم حجاج رواه أحمد

وعن أبي صالح مولى عمر قال قلت يا أمير المؤمنين كنتم تتاجرون في الحج قال وهل كانت معايشهم إلا في الحج ..

قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا هشيم  ، أخبرنا حجاج ، عن عطاء  ، عن ابن عباس: أنه قال : ” ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ” .

وقال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس في هذه الآية : لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده . وهكذا روى العوفي، عن ابن عباس.

وقال وكيع : حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي  ، عن عطاء  ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ” ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ” . [ وقال عبد الرزاق  : عن أبيه عيينة  ، عن عبيد الله بن أبي يزيد  : سمعت ابن الزبير  يقول : ” ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ” ] .

ورواه عبد بن حميد  ، عن محمد بن الفضل  ، عن حماد بن زيد  ، عن عبيد الله بن أبي يزيد  ، سمعت ابن الزبير  يقرأ فذكر مثله سواء . وهكذا فسرها مجاهد  ، وسعيد بن جبير  ، وعكرمة  ، ومنصور بن المعتمر وقتادة  ، وابراهيم النخعي والربيع بن انس وغيرهم .

والتجارة في الحج قديمة حيث كانت القوافل تأتي محملة من الشرق والغرب واليمن محملة بالبضائع والثمرات ..

حتى أضحت مكة مكانا لعرض المنتجات من كل جهة حتى كان العلماء والنساخ يبتاعون ويبيعون الكتب في مكة ..

وقد ذكر الفاكهي والازرقي وغيرهما من مؤرخي مكة أكثر من ٤٧ سوقا يتخصص كل واحد في بضاعة محددة ولكل سلعة شيخ.

يضاف لذلك الاهتمام بإنشاء سوق للخدمات التي تقدم للحجاج كالمطوفين والزمازمة وإرشاد الحجاج والسكن والمطاعم …

ومكة اليوم أضحت مدينة كبيرة تزخر بكل ما يحتاجه الحجاج والمعتمرون، بل أصبحت طوال العام تعنى بكل زوار البيت العتيق .. لاسيما بعد الفنادق الكبيرة والفاخرة التي تولتها كبريات الشركات ..

هذا على المستوى الفردي …

أما على مستوى الدولة فلا أظن أن الواقع ولا النصوص الشرعية ولا الظرف السياسي يتيح للدولة أن تجعل الحج وسيلة تعزيز لمواردها المادية مباشرة …

إذ الملك اختار لقب خادم الحرمين الشريفين، والدولة تتحدث عن رعايتها وخدمتها لضيوف الرحمن وذلك ونحوه لا يسمح إطلاقا بأن تبيع الدولة خدماتها ..

ولا أشك أن البعد التجاري هو أحد الاسباب التي ستفتح علينا تدويل الإشراف على الحرم والمشاعر المقدسة إذ ستتسابق على ذلك دول كثيرة وسيتحدثون عن عدم فضل للمملكة إذ ستكون المملكة في نظر هؤلاء جابية للأموال وما تقدمه من خدمة ستأخذ ضعفه الكثير.

وقال د.م. نصر الصحاف: ما هو مصدر المعلومات المشار إليها بمداخلة د. مساعد بخصوص الطاقة الاستيعابية للحرم ثلاث مليون؟  فحسب معلوماتي الموثقة من رئاسة الحرمين الشريفين أن الطاقة الاستيعابية الداخلية للحرم لا تزيد عن خمسمائة الف مصل قبل التوسعة الجديدة !! ومعنى ذلك أن التوسعة الجديدة رفعت سقف الطاقة الاستيعابية للحرم ستة أضعاف ؟؟؟.  الرقم كبير جداً بالنسبة للمساحة الإجمالية !!!

وأوضح د. مساعد المحيا في هذا الصدد أن الهيئة العامة للإحصاء أعلنت يوم الأحد التاسع من ذي الحجة نتائج إحصاءات الحج لهذا العام 1437هـ، حيث بلغ إجمالي عدد الحجاج (1.862.909) حجاج، منهم (1.325.372) حاجًا من خارج المملكة، فيما بلغ إجمالي حجاج الداخل (537.537) حاجًا، الغالبية العظمى منهم من المقيمين غير السعوديين منهم (207.425) حاجا وفدوا إلى مكة من باقي مدن المملكة، و ( 330.112 ) حاجًا من داخل مكة المكرمة.

وبلغ إجمالي الحجاج من غير السعوديين ( 1.692.417 ) حاجًا، فيما بلغ إجمالي الحجاج السعوديين ( 170.492 ) حاجاً، وإجمالي الحجاج الذكور ( 1.082.228 ) حاجًا، وإجمالي الحجاج من الإناث (780.681)حاجة .

وقد قامت الهيئة العامة للإحصاء بحصر الحجاج القادمين إلى مدينة مكة المكرمة من داخل المملكة سعوديين وغير سعوديين عن طريق مراكز إحصاءات الحج الواقعة على مداخل مدينة مكة المكرمة حيث بلغت نسبة الحجاج القادمين إلى مكة المكرمة من داخل المملكة عن طريق جدة/مكة السريع ما نسبته (35.5)% وطريق السيل/مكة المكرمة ما نسبته (28.5)%، وطريق المدينة المنورة/مكة المكرمة ما نسبته (21)% وبقية الطرق الثلاثة الأخرى وهي طريق الجنوب/مكة، وطريق الطائف/مكة وطريق جدة/مكة القديم بنسبة مقدارها (15)%.

وفيما يخص أيام القدوم للحجاج القادمين من داخل المملكة فقد شهدت الأيام الثلاثة الأخيرة السابع والثامن والتاسع من شهر ذي الحجة توافد ما نسبته (80)% من إجمالي حجاج الداخل القادمين إلى مكة المكرمة، أما من حيث عدد السيارات الناقلة لحجاج الداخل إلى مدينة مكة المكرمة فقد بلغت (29.169) سيارة.

وأشار د. حمزة بيت المال إلى أن هذه الاحصائيات دقيقة بدرجة كبيرة ؛ لأنها مسجلة في الحاسب لدى الداخلية كما أنه يتم التصريح لمؤسسات أو شركات الداخل بعدد محدد مسبقا لا يمكن تجاوزه إلا في هامش محدود جدا.

  • مقترحات عملية لتطوير الفعاليات المصاحبة للحج

أشار أ. أسامة نقلي إلى أنه وعلى مر السنين، ومهما اجتهدت الدولة ( جزاها الله خيرا ) في تطوير المشاعر المقدسة، وتقديم كافة التسهيلات لضيوف بيت الله الحرام .. الا أن إرادة المولى عز وجل شاءت أن يكون الحج مشقة، جائزتها تصفير الذنوب دقها وجلها، ليخرج المسلم في هذا اليوم كيوم ولدته أمه

وفي الماضي كانت المشقة في السفر للحج، والتيسير في أداء الشعيرة، بينما اليوم أصبح التيسير في الوصول للمشاعر المقدسة مع تقدم وسائل المواصلات وسهولتها، بينما المشقة في أداء الشعيرة مع ضيق المكان، ومحدودية الزمان، وتراتبية أداء الشعيرة.

ورغم أن الرسول صَل الله عليه وسلم لم يؤدِ الشعيرة إلا مرة واحدة، إلا أن النزعة الروحية للمسلمين تأبى وأن تسير إلا على خطى الرسول في أداءه للشعيرة، وذلك على الرغم من محاولة العلماء بفتح باب ذرائع الحج مثل توسيع السعي والمطاف ورمي الجمرات، بل واباحة الرمي في غير الساعات المخصصة له لفك الاختناقات.

وهذا الجانب الروحي يشكل أحد المعضلات التي تحاول الدولة التعامل معها بأسلوب الإرشاد والتنظيم والتنسيق مع بعثات الحج.

ومع ذلك سيظل الحج مشقة حتى قيام الساعة، على غرار المبدأ الاقتصادي المعروف كلما زادت نسبة المخاطرة .. كلما زادت نسبة الربح والخسارة .

ومن جانبه يعتقد د. خالد الرديعان أن ما طرحه م. أسامة سيشكل ضغوط إضافية (إدارية وتنظيمية) على المملكة وهي التي يهمها في المقام الأول نجاح موسم الحج ومغادرة الحجاج إلى بلدانهم بأسرع وقت.

قضية تسييس الحج مقلقة للجميع؛ وبالتالي يلزم أن ننأى بالحج عن كل ما يدفع إلى تسييسه أو استخدامه بأي صورة غير صورة الشعيرة الدينية الخالصة.

المقترح الذي أود طرحه هنا فيما يخص المملكة وإدارة الحج هو ما يتعلق بسلوك المملكة كدولة تضم الحرمين الشريفين.. مقترحي ينصب على:

  • عقد مؤتمر عالمي (في غير وقت الحج) تعلن فيه المملكة حياديتها التامة وأنها لن تكون طرف في أي حرب خارج حدودها بحكم موقعها كحامية للحرمين الشريفين. حروبها تكون فقط لحماية حدودها تماما مثل سويسرا والنمسا بحيث تنأى بنفسها عن أي مشكلات أو حروب تشغلها عن حماية الحرمين؛ وهي مهمتها الأساسية.
  • تنأى المملكة بنفسها عن أي أحلاف عسكرية وتحالفات تتعارض مع ما سبق.
  • تتعهد الدول الإسلامية (٥٦ دولة) بتقديم العون اللازم للمملكة في حال الاعتداء عليها وتمنع كل ما يعكر صفو الحج أو الوصول إلى المملكة لتأدية الحج والعمرة.
  • تتفرغ المملكة لإدارة الحج وتخصص لذلك ميزانية سنوية معروفة يشترك الشعب السعودي بجزء منها بصورة تبرعات سنوية غير الزامية تسمى “صندوق الحج” ولا مانع من اشتراك سائر المسلمين من دول أخرى في دعم هذا الصندوق بتبرعات نقدية.

وطرح م. خالد العثمان عددا من النقاط التي تصب في المحور الاقتصادي المصاحب لموسم وشعيرة الحج كما يلي:

  • أولا .. توسعة الطاقة الاستيعابية لمشعر منى .. وهو يمثل التحدي الأكبر في زيادة عدد الحجاج بما طرحته رؤية ٢٠٣٠ .. وكنا قد أعددنا  دراسة تخطيطية قبل عدة سنوات وطرحنا حلولا تصميمية لزيادة الطافة الاستيعابية في منى بحوالي مليون ونصف مليون حاج وبتكلفة استثمارية معقولة كوننا تبنينا توظيف الخيام وليس العمائر .. وهناك أيضا دراسات أخرى أنجزت حول هذا الموضوع لكن لم يجد أي منها طريقه حتى الآن للاعتماد والتنفيذ .. وهو مشروع يمكن تنفيذه بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
  • ثانيا .. التبادل التجاري في ظني يجب أن يكون في الاتجاهين .. أحد السمات التي فقدها الحج بعد أن كنا نراها في الزمن القديم هو تمكين  الحجاج من بيع منتجات وسلع من بلدانهم من مأكولات ومنسوجات وغير ذلك .. هذا الآمر في ظني يحقق ما دعت إليه المنافع لتحقيق المنافع للحجاج وليس فقط للتجار المحليين ويعينهم على تغطية نفقات الحج .. وبالطبع مثل هذا الطرح يستلزم شيئا من التقنين والتنظيم الإجرائي والمكاني .. وأذكر مثلا أن سوف المناخة في المدينة المنورة هو السوق النبوي الذي أشاعه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام للتبادل التجاري المفتوح لعموم المسلمين.
  • ثالثا .. اتفق تماما مع طرح م. أسامة حول تمديد تأشيرات الحج والعمرة والسماح للحجاج والمعتمرين بالتنقل في أنحاء المملكة في  مناشط سياحية وثقافية واجتماعية .. ولا أدري ما هو السر وراء تعطيل تطبيق هذا الطرح بالرغم من الأحاديث المتكررة حول اعتماده رسميا من الجهات الرسمية المختصة وعلى رأسها وزارة الداخلية وهيئة السياحة.

ومن جهته أضاف د. سعد الشهراني أنه مهما عملنا فسيبقى موضوع الحج موضوعا يدندن عليه أعداء المملكة بين حين و آخر و أرى أهمية ما يلي:

  • الحرص بشكل دائم و مستمر على ألا يشوب أداء هذا الركن أي شائبة تحسب علينا من وجهة نظر الدول و المجتمعات الإسلامية، مع الإصرار على عدم تسييس الحج؛ و لو لاحظنا أن إيران هي التي منعت حجاجها و لم نمنعهم نحن و هي التي تسيسه  و لم نفعل نحن؛ هذا يقوي وجهة نظرنا مع الدول و المجتمعات الإسلامية الأخرى.
  • أن يكون هناك بازارات في أماكن منظمة و محددة و مراقبة و يسمح للحجاج بعرض ما يمكن عرضه في هذه الأسواق بدفع رسم بسيط.
  • أن تقام حول الحرم و في المشاعر أو قريبا منها مجمعات سكنية للحجاج و المعتمرين ميسوري الحال بمواصفات أقل و بأجور منخفضة حتى لا تطغى فنادق المقتدرين على منطقة الحرم و المشاعر و حتى لا يحس حجاج الدول الأقل دخلا بتهميشهم؛ و من الملاحظ أن غالبية من يسكن هذه الفنادق هم من السعوديين و الخليجيين و كان هناك تفرقة و تمييز ضد الآخرين.
  • استضافة السياسيين و المفكرين و الإعلاميين  المؤثرين في مجتمعاتهم لأداء الحج و العمرة حتى و إن اختلفنا معهم، حتى يروا بأعينهم خواء الدعاية المضادة للمملكة من إيران و من غيرها و نشرح لهم على الطبيعة قضايا الحج و قضايانا مع الفئات و الدول و الأفراد الذين لا يريدون خيرا لا بالحج و لا بالمملكة.

ومن جديد أوضح د. خالد الرديعان أن مقترحه هو لجعل المملكة العربية السعودية دولة سلام… دولة مسالمة بخصوصية وجود الحرمين الشريفين فيها وأن تبتعد عن الحروب وتفاهات السياسيين الذين يعمقون الفروق بين الشعوب ويشعلون الحروب.. نريد دولة محايدة الكل يحترمها ويبذل الغالي والنفيس في الدفاع عنها.

كما أن من المهم وجود قناة كاملة تبث باللغة الفارسية لتغطية أخبار الحج وجهود المملكة في هذا الجانب لأن الشعب الإيراني مغرر به ويتلقى معلوماته من جهة واحدة… قناة كهذه ملحة للغاية وليست مما يصعب تنفيذه. والمقصد أن لا تكون قناة موسمية خاصة بالحج ولكن كقناة دائمة حتى يزداد عدد مشاهديها بمرور الوقت ويصبح لها تأثير قوي.

كذلك من المقترحات المفيدة للسنوات القادمة، الإفادة من جهود الحجاج أنفسهم (بعض الحجاج السعوديين) وذلك للعمل التطوعي في موسم الحج، وتشمل مهامهم مراقبة الوضع الأمني في المشاعر، ومراقبة مستويات النظافة والخدمات المقدمة للحجاج، وتوجيه الحجاج وإرشادهم، ومساعدتهم وتوفير ما يحتاجون إليه بحدود ما هو متاح وأن ينسقوا مع الجهات الحكومية المختصة وأصحاب حملات الحج. (المقترح أن يكون عدد المتطوعين بالآلاف).

ويستوجب ذلك عقد دورات تسبق الحج لإيضاح مهمات المشاركين وكيفية تنفيذ عملهم بما لا يخل بأدائهم للحج..

أعتقد أن إشراك بعض الحجاج في العمل وتحمل المسؤولية سيخفف بعض العبء على الأجهزة الحكومية المختلفة وسيعمق فكرة العمل التطوعي في الحج.

وقالت أ. علياء البازعي: أتفق مع د. الدريس عن الآية الكريمة “كأني أقرأها لأول مرة”!! أغرب شيء أني و أنا أكتب هذه الكلمات أشاهد فيلم وثائقي في قناة mbc عن الحج أيام الملك عبدالعزيز.. جاء فيه:

أنه بعد اكتمال مناسك الحج يستقبل الملك رؤساء بعثات الحج و كتعظيم لموسم الحج يقوم الجيش السعودي بعمل استعراض يشهده الملك و ضيوفه و كافة الحجيج..

هذا العرض بدأ بفرقة عرضة سعودية ثم الجيش بالآلات الموسيقية العسكرية!!

بغض النظر عن استعراض الجيش و هل هو مقبول الآن أم لا…لكن يبدو أن أفكارهم كانت أكثر تحررا و يتقبلها الناس بشكل عادي بعيدا عن الأدلجة!!

في الواقع أحببت هذا المشهد!!

  • لدينا 12 شهر لنخطط لموسم حج 1438 و أعتقد أنه أكثر مشروع سيحظى بمشاركة شعبية تطوعية عن غيره من المشاريع!!
  • لدينا طاقة شبابية كبيرة و عظيمة…و ذكية و مبدعة و متجددة…و تغار على وطنها و دينها..
  • أقترح على من بيده القرار إقامة ورشة عمل عصف ذهني شبابية وطنية تقدم مقترحات لهذا الموسم العظيم.
  • تنبثق منها ورش صغيرة في جميع مناطق المملكة و كل ورشة تناقش كل قيمة من القيم العشر المذكورة بمداخلة د. الحمود.
  • استخدام الآلة الإعلامية السعودية بكل طاقاتها الرسمية و غير الرسمية لتكريس القيم.
  • نلمس كل يوم أثر خواطر الشقيري الذي استغرقه 10 سنوات ليثبت بعض السلوكيات و المفاهيم…و هو شخص واحد.. و برنامج واحد.. لكن لو تم اختيار توقيت بثه بعناية!! فأنه سيكون له بالغ الأثر!!
  • إشراك كل مواطن سعودي و تحميله مسؤولية خدمة حجاج بيت الله الحرام من مكانه أينما كان.. حتى لو كان بأضعف الإيمان “وسائل التواصل الاجتماعي” وهي في الواقع الأكثر تأثيرا!…ليصبح الحج موسما وطنيا أيضا والوطنية هنا تندرج تحت “منافع لهم”..

اختار الله سبحانه و تعالى هذه البلاد و سخر لها من الخيرات و النعم بدأت بدعاء إبراهيم عليه السلام…فعلينا أن نستشعرها و نفعلها و نشعر بها الجيل الجديد.

بينما ذكر د. حاتم المرزوقي أن متابعة التغطية الإعلامية لمراسم الحج عبر القناة السعودية.. تؤكد أنها بحاجة إلى تطوير حقيقي، وعمل مهني منفك عن التقليدية بما يعكس أهمية الحدث، وبما يحقق الوصول بلغتها ومحتواها إلى ما ينبغي أن تصل له تغطية إعلامية لأهم حدث في العام بالنسبة للمملكة والعالم الإسلامي.

وقال أ. مسفر الموسى في هذا السياق: شاهدت نشرة أخبار كاملة على القناة السعودية.. تستعرض أمن الحج… وكأننا نزف للعالم موسم الإرهاب… بأي عقلية نخاطب العالم..

من ضمن المشاهد.. رجال أمن الحج يطاردون شخصية إرهابية.. وهو يصرخ: الله أكبر؛ نحتاج إلى قدر أكبر من الوعي.

ويرى د.م. نصر الصحاف أن مشكلة إعلامنا الأزلية هي العقلية البالية التي تسيطر على الإدارة منذ القرن الماضي بدون أدنى شعور بالمسؤولية حيال تطويرها ؛ فلا الإرادة ولا الإدارة موجودة.

وذهب أ. سلمان العمري إلى أنه مما يؤسف له أن إعلامنا على وتيرة واحدة وكأنه شغل قص ولزق، ولم يتغير الحال منذ عدة سنوات؛ ولم نستفد من المؤتمر الإسلامي الكبير في توظيفه التوظيف الصحيح.

وفي قراءة لاستخلاص المنفعة الاقتصادية من موسم كل حج، قال د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته: أود هنا أن أقدم جزء من تفسير ابن كثير حول هذه الآية الكريمة ، ( يشهدو منافع لهم)

قال ابن عباس : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : منافع الدنيا والآخرة; أما منافع الآخرة فرضوان الله ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات . وكذا قال مجاهد ، وغير واحد : إنها منافع الدنيا والآخرة ، كقوله تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) [ البقرة : 198 ] .

من هنا يتأكد لنا الأمر أنه بعد منافع الآخرة وهو كسب رضوان الله تعالى ، أن هناك منافع دنيوية في البدن والربح والتجارات ، فمن هنا لعلي انطلق كما قلت من منطلق اقتصادي صرف نحو الاستفادة الكبرى من هذا المؤتمر الكبير العظيم .

الاستفادة تتضح لنا من خلال ما هو مشاهد من أن المنافع متعددة الأوجه عند حلول موسم الحج؛ إلا أن هذه المنافع المتعددة ومنذ زمن طويل والمنفعة الاقتصادية منها على (وجه الخصوص) والتي نعتقد أنها تعود لوطننا اقتصاديا هي في الواقع لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من ذاك الجهد الوطني الكبير الذي تبذله قطاعاتنا الحكومية ، خصوصا الجهدين الأمني والاجتماعي ، وأمام ما هو متاح وميسر لنا من الإتيان به للنيل من مردود اقتصادي أجزم  بضخامة حجمه .

ولهذا أرى أن الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي سواء وزارة الاقتصاد والتخطيط أو أي جهات أخرى ذات علاقة بالاقتصاد الوطني ، مع تعاون من معهد أبحاث الحج في مكة المكرمة، عليهم أن يبذلون جهدا يتفق ونوعية هذا المؤتمر الديني الكبير ، استفادة من طبيعة الأنشطة الإيمانية لهذا الركن ، ومن خلال الأعداد الكبيرة الهائلة من أولئك البشر الذين يفدون من أصقاع الدنيا ، بتعدد جنسياتهم وثقافاتهم ، فضلا عن احتياجاتهم أثناء وبعد تأديتهم للحج.

والسؤال هنا لماذا لا يكون هناك منهجية ذات منظومة متكاملة ، نخرج من خلالها بمنافع ومكاسب وطنية ، منها الاقتصادية ومنها أيضا السياسية بطريقة غير مباشرة.

أعتقد بل أجزم أننا حكومة وشعبا محظوظون أمام تواجد حشد بشري كل عام يصل تعداده إلى أكثر من مليوني نسمة .

ومسألة أن تأتي هذه الوفود وتذهب دون أن يستفاد منها اقتصاديا أو سياسيا ، فذاك أمر لا يمكن قبوله ، ومسألة أن يكون هناك إحصاء أو الخروج بحج أمن ولله الحمد، دون النيل من منافع اقتصادية وشيء من السياسية ، فهذا يعني أن ما يتحقق من حج كل عام هو خدمات عامة تقدم للكل ، وان كان ذلك واجب إسلامي يفرضه علينا الواجب الديني تجاه الحرمين الشريفين ، إلا أن هذا لا يمنع من الإفادة استنادا إلى قول الله تعالى ( ليشهدوا منافع لهم… الآية ).

ومن وجهة نظر د. نوف الغامدي فإنه لابد من تطوير الخدمات والمنتجات المعرفية للحج والعمرة لـ إيجاد فرص شراكة وتكامل بين الأفراد والشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والناشئة حتى نتمكن من تطوير التقنيات والبرامج والمنصات للمساهمة في تحقيق برامج التحول الوطني 2020 والإسهام في تحقيق رؤية المملكة 2030….

كما أنه لابد من تفعيل دور رواد الأعمال المعرفيين  لتقديم الخدمات والاستفادة منها تجارياً لتطوير وتقديم الخدمات للحج والعمرة، والتنسيق بين الوزارات الخدمية كالنقل والبلدية لوضع مشاريع والسماح باستعمال المعلومات التي ترتبط بالقطاع لتطوير خدماتها والسماح لرواد الأعمال لتقديم الخدمات من خلال تلك المشاريع.

والسؤال: أليس من آلية تمكننا من الاستفادة من موسم الحج الدوري ثقافيًّا، ومعرفيًّا؛ تحقيقًا لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم)؟

وفي قناعة د. نوف فإن ذلك ليس صعبًا كما يتصوّره المرء للوهلة الأولى، لكنّه يحتاج إلى وضوح رؤية، ودقة عمل، وتهيئة مكان للالتقاء بعد ذلك، والأهم الاستفادة من خدمات الشبكة العنكبوتية بشكلٍ دقيق، وقبل ذلك ضرورة تأسيس إدارة مستقلة متعلّقة بالشأن الثقافي في موسم الحج، يقوم على عاتقها إيجاد آلية لتوثيق قدوم كل المثقفين في مختلف الفنون خلال الموسم، كإرفاق استمارة متخصصة مرفقة باستمارات بعثات الحج مثلاً.

وبرأي د. علي الحارثي فإنه يبدو للوهلة الأولى وكأن الموضوع لم يبحث بشكل أو بآخر من أي جهة بالرغم من أن بعض ما سطره م. أسامة من اقتراحات بالإمكان بحثها من خلال المنظمات الإسلامية، فقط لو تتبعنا المواضيع والأبحاث والندوات والمؤتمرات والرؤى الفردية والجمعية التي صدرت عن المجالس والمجمعات والهيئات والمؤسسات التابعة لرابطة العالم الإسلامي والتي يفوق عددها أكثر من ٢٠ هيئة ومجلس ومؤسسة مختصة بكل الطروحات والتخصصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية والتقنية والتمويلية والتجارية والقانونية والتعليمية والثقافية والبيئية والإعلامية وفروعها المتعددة التي تعزز العلاقات والروابط بين الدول الإسلامية وشعوبها ولأكثر من ٥٠ عاماً لكفتنا مؤونة البحث في هذا الموضوع ، سواءٌ أثناء موسمي الحج والعمرة أو في بقية أيام السنة. وقد أشارت أ. مها عقيل إلى بعض الجهود الصادرة عن بعض مؤتمرات هذه الهيئات أثناء موسم الحج وغيره ، وما يمنع تنفيذ التوصيات والقرارات الصادرة عن هذه الهيئات والمجالس والمؤسسات لتحقيق التكامل بين الدول الإسلامية ومؤسساتها وشعوبها إلا ما أوضحه د. عبدالله الحمود في تعقيبه عن الواقع المرير المتنافر بين الدول الإسلامية وما تمليه الدول القوية الغربية بالذات على كثير من هذه الدول بعدم التنفيذ أو التعاون مع تلك الجهود المبذولة من قبل الرابطة التي مقرها في مكة المكرمة وكذلك من قبل منظمة التعاون الإسلامي ولجانها الدائمة وأجهزتها المتخصصة كالبنك الإسلامي ، إضافة إلى ما ذهب إليه البعض سلفا من أن ذلك سيثير مشاكل سياسية للمملكة ولغيرها بسبب خلافات فقهية وأيدولوجيات متنافرة ، وما يجسده من ضغوطات إدارية وأمنية المملكة في غنى عنها .

إذا كنّا نرى أن رابطة العالم الإسلامي وهيئاتها وكذلك منظمة التعاون الإسلامي ولجانها وأجهزتها لم تحقق شيئاً يذكر على كافة الأصعدة ولهذه الفترة الطويلة  لتحقيق شيء من توثيق الروابط والتعاون والتكامل بين هذه الدول ، رغم الميزانيات القوية والدعم السياسي من المملكة، فهل أي شيء آخر سينتج عنه ما نريد؟

وركزت أ.د فوزية البكر علي قضية الاستفادة من موسم الحج كفرصة استثمارية هائلة لو قدمت إلى أي شركة عالمية لجنت منها البلايين ليس من خلال ضرائب علي الحجاج بل عبر تطوير الخدمات المختلفة التي يحتاجها الحاج. ومن خلال التجربة ومن خلال ما نسمع و نري أنها ليست بالمستوي الذي يتلاءم مع مناسبه عظيمة كهذه ولا بمستوي الزخم البشري الذي تحمله ..

الحجاج بحاجة الي الأكل والتنقل والرعاية وتنظيم الأوراق الخ وكل هذه المهام متروكة بشكل متفرق وعشوائي لمبادرات الأشخاص وتحديدا من المنطقة الغربية أو بعض الخدمات التطوعية كالكشافة وتتفوق عليها بالطبع كل الخدمات الطبية والأمنية واللوجستية المجانية التي تقدمها حكومتنا قياما بدورها التاريخي في رعاية هذه الشعيرة.

إذا هناك فرص استثمارية كبيرة موجودة لكن الدولة نفسها لا تحظي منها بعوائد مناسبة (مثال عوائد بعض المطاعم والأسواق والمحلات التجارية الخ )

والسؤال الآن أيضا: هو لماذا لا تتم المشاركة في المنفعة الاقتصادية المتحققة بالضرورة من الحج من قبل كل مناطق المملكة وليس فقط تركيزا علي المنطقة الغربية. من المفهوم طبعا أن يكون أبناء الغربية أكثر وعيا بالفرص الاستثمارية بحكم وجودهم في المكان وتواصلهم مع بعضهم لكن لابد من الشفافية لتعميم الفائدة لجميع أبناء الوطن و رفع سقف التوقعات من خلال المنافسة.

وأوردت أ.د فوزية البكر مقالة مهمة منشورة بصحيفة مكة بعنوان: اقتصاديات الحج والعمرة كتبها أ. بسام فتيني، وجاء فيها:

بلغة الأرقام يوما ما ستكون مكة المكرمة من أكثر المدن الإسلامية زيارة بسبب توافد الحجاج والمعتمرين عليها بشكل دائم حتى تقوم الساعة، وذلك يعني أن للحج والعمرة انعكاسا اقتصاديا كبيرا، علينا تطويره وتطويعه لخدمة الإسلام والمسلمين، فالمملكة العربية السعودية لم تتوان في ضخ الأموال ولم تبخل بتطوير البنى التحتية فأنشأت جسرا للجمرات أضحى تحفة معمارية فضلا عن حله للكثير من المشاكل التي أصبحت ماضيا لا يذكر كالزحام والتدافع وصعوبة الرمي، وشرعت حكومة المملكة على استحداث ترام للمشاعر المقدسة، وأقرت مشروعا ضخما للنقل كقطار الحرمين، ووسعت مطار جدة بمبالغ مليارية ليكون الأضخم والأبرز خدمة للحجاج والمعتمرين.

والسؤال الآن ماذا بعد؟ ماذا بعد مجهودات الحكومة الرسمية؟ وماذا على القطاع الخاص من دور الآن؟ وللإجابة على هذا السؤال علينا تحويل الأرقام لاحتياجات ولتبسيطها أكثر دعونا نقول ما التبعات التي يحتاجها السوق لاستيعاب الأعداد التي ذكرها وزير الحج الأسبق د. بندر الحجار حين توقع في السنوات القادمة أن تخدم المملكة 5 ملايين حاج وحوالي 30 مليون معتمر، فكيف نحول هذا العدد الضخم لأرقام خدماتية تنعكس على مجال الخدمة المتوقع؟ وبشكل أسهل علينا أن نسأل القطاع الخاص هل أنت مستعد للاستثمار في مجال الفندقة وزيادة عدد الوحدات الجاهزة لإسكان هذا العدد؟ ونفس السؤال للمستثمرين في مجال الإعاشة والخدمات اللوجستية – النظافة – الصيانة –التشغيل .. إلخ.

لذلك على الشاب المكي اليوم أن يستوعب هذه الفرصة وينفض من على جسده التفكير في مجرد وظيفة حكومية تتصدق عليه براتب نهاية الشهر، إن الفرص الحقيقية قد لا تتكرر دائما، وعلى القناص الذكي اختيار التوقيت الصحيح للظفر بغنيمة الاجتهاد حلالا زلالا ليكسب الأجر والأجرة كما يقول أهل مكة، وقد يعتقد البعض أن ما أكتبه الآن مجرد رومانسيات وأمنيات وخواطر تم سردها في مقال، لكن التاريخ يقول إن التجارة شطارة، وعليك فقط التنقيب والبحث في تاريخ الأثرياء الشرفاء، وستجد أن بدايات نجاحهم لها ارتباط بشكل أو بآخر بخدمة الحاج والمعتمر، ولكي أكون أكثر دقة سأقول للشاب المتأهب لاقتناص الفرصة خذ مجال الهدايا التذكارية من قلب مكة محورا للتطوير والتجارة، وستجد أنك خرجت من صندوق استيراد سلع صينية لتكون هدايا عينية من الأراضي المكية وافهم يا فهيم!

خاتمة/ يوما ما سينضب النفط، ولن يعمر المكان إلا العلم والإنسان، ولأن الإنسان ميزه الله بالعقل فعليه فقط استخدامه وسينجح لا محالة بتوفيق الله.

وعقب د. خالد الرديعان بأن الفوائد المتحصلة من الحاج ( أي حاج) تظل محدودة للغاية؛ فالحاج ينتظم بحملة ويقوم صاحب الحملة بتوفير كل احتياجات الحاج.. يفترض أن لا ننظر للحاج كسائح جيبه مليء بالنقود وينفق كيفما شاء.. بعضهم يصل للمملكة وليس معه إلا القليل والقليل جدا.

الحاج يؤدي عبادة وليس في سياحة.

المقترح المفيد هو تمديد فترة تأشيرة الحج إلى ما بعد الحج لمن يرغبون زيارة بعض مناطق المملكة فهذا هو الذي قد يكون له تأثير اقتصادي ملموس.

وقد تكون الفوائد المتحصلة من المعتمرين طيلة أيام السنة أعظم فائدة مما ينفقه الحجاج في أيام معدودات؛ بحكم أن العمرة مستمرة طيلة العام.

وتظل خدمة الحاج حتى لو اضطررنا للإنفاق عليه شرف كبير للمملكة وبالتالي فلا نغلب الحس الرأسمالي على هذه الشعيرة تحديدا.

وأضافت أ.د فوزية البكر أن اقتصاديات الحج والعمرة تحتاج إلى تنظيم بالتعريف الإداري الحديث إذ لا يمكن أن نجعل نقل الحجاج أو المعتمرين شأن خاص لكل من امتلك سيارة خاصة، إذ ليس بالضرورة أن تتوافر شروط الأمانة أو السلامة في كل الأحوال ومن السذاجة أن نفترض أن الجميع صادقون مع زوارنا.

علينا تنظيم اقتصاديات هذه الشعائر الدينية بما يحفظ لها روحانيتها في قلب الزائر ويكرس لديه صورة إيجابية عن خبرته في بلادنا، ثم ما الذي يمنع من جعل مكة والمدينة مدن مؤهلة للسياحة الدينية بالمعني الحديث؟

هناك الكثير من الأماكن التاريخية التي يمكن زيارتها في المدينتين بعد أداء الشعائر وكذلك  في المدن بينهما ويمكن أن تنظم طبقا للشروط السياحية لتكون دخلا إضافيا.

أتوقع أن الكثير من المسلمين الذين يعرفون أنهم يزورون هذه المدينتين لمرة وحيدة مستعدون لبذل الغالي والرخيص لرؤية وزيارة ما يمكن من الأماكن. وكلها في النهاية ستشكل الذاكرة التاريخية والدينية لهاتين المدينتين.

وترى أ. علياء البازعي أن عملية النقل بين المشاعر و بين جدة و مكة تحتاج لترسيم و تنظيم، كما يوجد كثير من الأماكن التاريخية المهملة…أو المقصود إهمالها للأسف.

وأشار د. حميد المزروع إلى أن أكثر المستفيدين من الحجاج والمعتمرين بشكل مباشر هم أصحاب الفنادق والمحلات التجارية ، لذلك يجب أن يدفعوا للدولة ضرائب مناسبة علي سبيل المثال ٥٪ من إيجار الغرفة أو مرافق الإيواء الأخرى، ورسوم مناسبة علي رخص المحلات التجارية التي تقع حول المناطق المركزية .

بينما يرى د. حاتم المرزوقي أن اقتصاديات الحج لا تخضع لمعطيات الاقتصاد السياحي.. سكن الحجاج (فنادق، شقق، مساكن مواطنين) تعاني من ضغوطات متعددة.. أولا الطاقة الاستيعابية أعلى من الاحتياج.. استئجار المساكن يتم من خلال بعثات الحج والتي تمارس ضغطا رهيبا للأسعار.. الحجاج لا يسكنون الفنادق وإنما عمائر مستأجرة من البعثات لسنوات متواصلة بأسعار منافسة (تهاوت من خمس آلاف إلى أقل من ألف ريال في المواسم المتأخرة)، نسبة الاشغال السنوي لفنادق مكة ضعيفة جدا مقارنة بغيرها من المدن.

ومن جانبه قال أ. خالد الحارثي في مداخلته: وددت حقيقة أن أعلق على كل المداخلات الرئيسة لما لامستني به من قضايا ومعالجات لولا الإطالة. وسأوجز فيما يلي النقاط التي أحببت أن أسلط عليها الضوء.

تدور حساسية قضية الأسبوع في تصوري على ثلاثة محاور:

– تسييس الحج: وهنا لابد من الاشارة أن المملكة قد حباها الله بأنها مهد العروبة وبلد الحرمين الشريفين ومن الطبيعي أن ينافسها العرب  والسنة والشيعة على هذه المكانة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي بين الثلاث قارات والمطلة على أهم المعابر المائية والمضائق في العالم يجذب الأطماع من خارج الدوائر المذكورة. والتصدي لأي محاولة لتسييس الحج أو المناورات الهادفة للتلاعب بالسيادة  هو وعي أولي وأساسي بمؤامرات ومكائد وأطماع إيران وغيرها في استخدام شعيرة الحج للدعوة الطائفية والمذهبية وتفويت موسم الحج على المسلمين والعبث بطمأنينة الحجاج. وأعتقد أن أي دعوة لتسييس الحج أو تدويله هو من “أفعال الحرب” Act of War وحبذا أن تفعل سياسات عامة بهذا الشأن Public Policies ، وما تقوم به المملكة من العناية بالشعائر وتطوير خدمات المشاعر المقدسة وخدمة ضيوف بيت الله دون تمييز أو كيد يغني عن أي مزايدات، بل قامت به المملكة حتى في أحلك الظروف السياسية والاقتصادية صعوبة تعبيرا عن دورها الرسالي الجديرة به في تواضعها وسلوكها الرصين رغم المنغصات .

– اقتصاديات الحج : من بديهيات الطبيعة أن ينتفع الناس من الامتيازات التي منحهم الله بها ، من موارد طبيعية ومواقع أثرية ومواقع مقدسة  ، والرد على الحاسد الأثيم ليس من الحكمة ، ومن الضروري أن نستثمر بكل طاقاتنا مواسم الحج والعمرة والزيارة النبوية بأقصى الحدود وأنجح الوسائل وأحدث التطبيقات والتقنيات. الاستثمارات التي قامت بها المملكة في خدمة الحرمين تشمل كافة البنية التحتية للنقل جوّا وبرا وبحرا ، والإيواء والاعاشة على أعلى المعايير المتاحة للمملكة ، وتتعدى إلى شئون وخدمات لوجستية ومصرفية وأمنية وبلدية تبلغ مئات المليارات وترصد لها سنويا عشرات المليارات في الموازانات السعودية. ومن الحكمة تطوير وتحفيز البيئة الاستثمارية المحلية لخدمة الحرمين بكل ما نستطيع.

– تطوير الحج وخيارات المملكة: المملكة بمكانتها الدولية على كافة الصعد أنجزت استحقاقات متعددة ، والاستدامة باتت عنصر قياسي مهم في  تركيب المنجز ومد الجذور نحو المجتمع ، وبالتالي هناك أهمية كبرى في توظيف وتنشيط وزيادة الفعاليات الأكاديمية المجتمعية ، وقيادة الدور التوجيهي والإرشادي في تعزيز المنافسة في ابتكار التصاميم الحديثة وتطوير مناهج هندسة تحسين البيئات المأهولة لتكون مواسم الحج والعمرة أرقى وأعظم خبرة مدنيا وحضاريا يقوم بها أي مسلم أتى لتعظيم شعائر الله.

المحور الثاني

المحافظة على البيئة في المملكة العربية السعودية والتقنين القادم

الورقة الرئيسة: أ. ليلى الشهراني

صنفت منظمة الصحة العالمية المملكة العربية السعودية كخامس دولة عالميا في ارتفاع نسبة التلوث في الهواء , وأشارت الإحصائيات الرسمية المحلية إلى أن 80% من الشعاب المرجانية في الخليج العربي تأثرت بسبب التلوث الناتج عن حوادث ناقلات النفط وتسرب الزيت , أو تفريغ مياه التوازن في هذه الناقلات وما تحويه هذه المياه من مواد كيماوية , وأيضا عدم وجود معالجة فاعلة للصرف الصحي والذي يصب معظمه في البحار مما يؤثر على الشعاب المرجانية ويحدث خللا في التوازن الغذائي في الحياة البحرية وهناك مخاوف من اختفاء الشعب المرجانية خلال ال ٣٠ سنة القادمة إن بقي الوضع على ما هو عليه” نقلا عن صحيفة الحياة.

ومع ما تقوم به المملكة من جهد في الرقابة وفرض الغرامات المالية الكبيرة على من يضر بالبيئة البحرية إلا أن الوضع مازال غير مطمئن وما زالت تحتاج لجهود على المستوى الحكومي والشعبي ، فالشواطئ تختنق من مخلفات المتنزهين بدون أدنى حس بالمسئولية تجاه هذه الأماكن التي يفسدها الإنسان : {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها}، والإنسان هو أكبر مفسد للبيئة بين كل المخلوقات.

لا يخفى على عاقل أهمية البيئة: فالبيئة الصحية بمثابة الحياة للبلدان, وليس للإنسان فحسب، بل كل من يشاركه في هذا الكوكب من حيوان ونبات وجماد.

إن من أكبر مهددات البيئة: التعدي على الغطاء النباتي مثل “الاحتطاب الجائر” والتعدي على المساحات الخضراء في بعض المناطق وتحويل بعض الغابات إلى مخططات سكنية استثمارية .

والملاحظ أنه- ومع تقدم الثورة الصناعية وتغير نمط الحياة المعيشية- بدأنا نشهد مخاطر تضر بالبيئة , ومنها سوء تصريف “النفايات” وعدم الاستفادة من تجارب بعض البلدان في تحويل المحن إلى منح .

لنبدأ بتجربة الإمارات الدولة الشقيقة مع “تدويرها والاستفادة منها” عبر مؤسسات متخصصة تعمل في مجال إعادة تدوير الورق والألمنيوم والزجاج والبلاستيك والحديد , أو تعيد تدوير الأجهزة التقنية والكهربائية , أو بتدوير الأطعمة وتحويلها لسماد زراعي والاستفادة منها في الحدائق العامة وتشجير الشوارع .

والمفيد في مسألة “التدوير” أنه لا يقلل المخاطر البيئية فقط، بل يفتح مداخيل اقتصادية ويخدم السياحة المحلية بتقليل نسب التلوث والعيش في مدن نظيفة وراقية .

بنظرة سريعة على بعض مناطقنا السياحية أو شواطئنا أو صحارينا , نرى مناظر لعلب البلاستيك والورق والعلب المعدنية وبقايا الأطعمة التي شوهت جمالية بعض الأماكن , فكم تسببت في الإضرار بالغطاء النباتي أو حتى بالحياة الحيوانية والثروة السمكية .

هناك لا مبالاة من بعض المواطنين وهناك تقصير شديد من البلديات وهناك شبه غياب لمثل هذه المؤسسات التي تعنى بالتدوير وإعادة استخدام التالف بتجديده وإعادة عرضه بدلا من رميه لتتراكم في بلادنا أطنان من النفايات المهددة للبيئة, ويكون التخلص منها إما بالحرق أو الدفن؛ والنتيجة: تلوث باطن الأرض وظاهرها” .

لنبدأ من البلديات ودورها في تشويه المدن والمرافق العامة بعدم القيام بواجبها بالشكل المطلوب ! فليس هناك اهتمام بتوعية المواطن وليس هناك تنظيم ومراقبة فيما يخص جانب النظافة , فتكتفي بوضع حديقة تزينها بالأشجار والزهور وبعض الألعاب , من دون أن تضع حاويات نفايات كافية ومنظمة كما تفعل كل البلدان المتحضرة .

عندما تنظر للكثير من الأحياء تجدها تئن من مسألة النفايات المنزلية ومخلفات البناء وتبقى بعضها بالسنوات في مكانها !

ومن الحلول المقترحة للحفاظ على البيئة:

  • البدء بتوزيع حاويات منفصلة وبألوان وحث المواطن على تنظيم ما يرميه, وفرض غرامات مادية على المخالفين.
  • تكثيف الندوات التوعوية لتنبيه الناس على مخاطر ما يقومون به من الإجرام في حق هذه الأرض .

ولا بأس أن يتحدث الداعية على منبره والمعلم في مدرسته والأب بين أولاده والطبيب مع مرضاه عنها , وأجزم أنه لا ينقصهم العلم بذلك , ولو أننا نعمل ربع ما نسمع فقط لقطعنا مسافات لا بأس بها في طريق الحلول المتعثرة.

فن الديكوباج الذي تبرع فيه بعض النساء والفتيات لدينا هو في أصله عبارة عن تدوير للأشياء وأول ما عرف في الصين ثم فرنسا وقد اشتهر به الفقراء , وهو استخدام الأوراق أو المواد القديمة لصنع لوحات فنية أو مجسمات جمالية , ماذا لو توحدت جهود هؤلاء في مؤسسات تدعمهم وتوجههم وتوفر لهم الخامات اللازمة , بل حتى الإطارات التالفة التي يراها البعض مشكلة بالإمكان تحويلها لكراسي وطاولات ومجسمات جمالية في الحدائق والطرق بدلا من الأسوار الإسمنتية أو الحديدية .

نحن أمام مشكلة إن لم تعالج بشكل عاجل وبطرق منظمة وإلا ستزداد الأمور تعقيدا ولن نفيق إلا على كارثة بيئية حقيقية .

التعقيب الأول: د. حميد المزروع

تعريف البيئة : هناك أكثر من تعريف للبيئة ، لعل أكثرها شيوعا التعريف الذي يصف البيئة  بالوسط الذي نعيش به ، والذي يمكن أن يقسم  بمفهومه الي قسمين الأول : البيئة الحيوية للإنسان، من حيث مكان تكاثره وطبيعة علاقته مع الكائنات النباتية والحيوانية المحيطة به . الثاني: البيئة الطبيعية والفيزيقية وتشمل الأرض والمياه والجو وجميع الموارد الطبيعية المتوفرة بالبيئات الموجودة بالمملكة بأنماطها المتنوعة مثل ؛ البيئة الصحراوية ، الساحلية ، الجبلية وأخري.

يمكن تحديد الإطار العام لقضية الأسبوع انطلاقا من رصد المتطلبات التشريعية أو التنظيمية لشئون البيئة بالمملكة العربية السعودية ، وأنواع التلوث البيئي ومصادره وأساليب علاجه.  ويمكن تصنيف ذلك بالآتي :

  • أولا : الجهات الحكومية المسئولة عن إدارة الشئون البيئية في المملكة وأدوارها .
  • ثانيا: أنواع التلوث البيئي ومصادرة (الطبيعي و الصناعي).
  • ثالثا: طرق أو أساليب علاج التلوث البيئي بأنواعه .

تعتبر الهيئة السعودية للحياة الفطرية التي تأسست عام ١٤0٦هـ، ومقرها الرياض ، أهم الجهات الحكومية المتخصصة والمسئولة عن الحياة الفطرية وإنمائها بالمملكة ، ويهدف نظامها إلى حماية البيئة البرية والبحرية بالمملكة ، والمحافظة عليها ، ولديها مركز للبحوث وتتواصل مع المراكز الدولية ذات العلاقة لعقد الاتفاقات والاستفادة من تجاربها .

أما الجهة الحكومية  الثانية فهي وزارة شئون البلدية والقروية ، ومهامها بالحقيقة متنوعة يَصب معظمها علي الشئون التنظيمية (إجرائية) والبيئية، خاصة تلك التي ترتبط بنظافة البيئة وصحة المواطن .

وعلي الرغم من الجهود التي تبذلها هذه الجهات الحكومية بدرجات متفاوتة ، إلا أنها بالحقيقة ما زالت متأخرة في تحقيق أهدافها وإكمال ومتابعة مهامها بالدرجة التي ترتقي لمستوي الدول المتطورة . وهي بالحقيقة تحتاج أولا الي إعادة هيكلة في إدارتها وتعزيز كوادرها بمجموعة من المختصين والمختصات بمجالات البيئة انطلاقا من تحديث الأنظمة الحالية وتفعيلها ، وتوفير الميزانيات الكافية لتنفيذ برامجها ، ولعل البداية الأساسية تنطلق بإعداد استراتيجية إعلامية توعوية دائمة لثقيف المواطن وجعله شريك بالمحافظة علي البيئة ، وكذلك تفعيل معايير الجودة الخاصة بإدارة النفايات وإعادة تدويرها وفقا للتقنيات الحديثة وهنا يشرك القطاع الخاص . كذلك تطبيق الأنظمة البيئية الخاصّة بإدارة المصانع، والتي أصبحت تقع ضمن النطاق العمراني لسكن الإنسان خاصة الورش الصناعية ومصانع الإسمنت.

إن تشتت الأنظمة البيئية وتداخلها بين أكثر من جهة حكومية ساهم في تقديري في ضعف الأداء والتهاون في تطبيق هذه الأنظمة ومتابعتها .

كما أصبحت الحاجة ملحة لتأسيس عدد من جمعيات المجتمع المدني الخاصة بالمحافظة علي البيئة ولتكون حارسة ومقومة لأداء الجهات الحكومية المختصة ، إضافة لأدوارها التثقيفية الموجهة لجميع الفئات العمرية مثل؛ إقامة المؤتمرات والمحاضرات وورش العمل النوعية .

إن الطبيعة الصحراوية الناتجة عن قلة الأمطار في الجزيرة العربية نتج عنها عبر الزمن اختفاء الغطاء النباتي و بالتالي انقراض أنواع مختلفة من الكائنات النباتية و الحيوانية مثل النعام والجواميس والأسود وغيرها ، وقد حفظت لنا الرسوم الصخرية الأثرية صورها ، ترتب علي ذلك ازدياد ظهور العواصف الترابية التي تثير ذرات الغبار والذي يعد أحد أبرز مظاهر التلوث الطبيعي . ولذلك فإن زيادة المسطحات الخضراء والتوسع بإقامة المحميات الطبيعية أضحت مطالب بيئية و وطنية ملحة ، ويجب أن تدرج ضمن الاستراتيجية الوطنية لرؤية  المملكة ٢٠٣٠ .

أما التلوث البيئي الصناعي الذي يصدره الإنسان وبشكل دائم ، وبأنواع متعددة من الملوثات التي تطلق بالبيئات ومن مصادر مختلفة (محلي ، عالمي ) ، فإن أبرزها الغازات والأدخنة الناتجة من المصانع بأنواعها ،  والغازات  السامة التي تنبعث من عوادم السيارات والاستهلاك الغير مقنن للزيت الأحفوري ، وكذلك الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية والتي لها مضار دائمة علي البيئة وصحة الإنسان . وتشير الدراسات أن استخدام ورمي المنتجات البلاستيكية دور أساسي في التلوث خاصة للتربة ، وذلك لعدم إمكانية تحللها عبر الزمن مثل المواد العضوية الأخرى مثل الورق . ولتخفيض أثر استخدام الوقود الأحفوري اتجهت الدول المتطورة لتوليد الطاقات النظيفة أو المتجددة مثل الرياح والألواح الشمسية ، وهذا ما يجب أن تتبناه المملكة بأسرع وقت لحماية البيئة من ناحية ، وللاستفادة من الوقود الأحفوري للأجيال القادمة أو لتعزيز القدرات التصديرية للمملكة بدلا عن استهلاكه محليا بشكل غير مقنن. وهل ستشهد المملكة قريبا إصدار قانون يمنع استخدام الزيت الأحفوري؟.

تجدر الإشارة هنا بأن الدول الصناعية الكبرى تساهم بالنسبة العظمي للتلوث الجوي و البيئي ، خاصة بإطلاقها المتواصل لثاني أكسيد الكربون ، والذي له دور مباشر بما يعرف بالاحتباس الحراري، والمؤسف بأن هذه الدول لا تلتزم بما ورد بالاتفاقات العالمية الخاصة بالمحافظة علي سلامة البيئة العالمية وحمايتها، وذلك حتي تحافظ علي مكتسباتها الاقتصادية. وتؤكد الإحصائيات الدولية بأن أمريكا تبعث ما يعادل 2.795 طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون ، يليها الصين بنسبة 2.680 طن، وتأتي روسيا بالمركز الثالث بنسبة 661  طن سنويا ، يأتي بعد ذلك وبنسب أقل دول مثل الهند ، أستراليا الاتحاد الأوربي  ودول أخري .

لا شك أن هناك ملوثات محلية أخري مثل الإضاءة العالية وأصوات المعدات الثقيلة تساهم أيضا بتجريد البيئة من جمال سكونها.

التعقيب الثاني: أ. فاطمة الشريف

قال تعالى:

( والأرض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شيء موزون).  (الآية 19 سورة الحجر).

مبدأ الاتزان :

تمثل البيئة التراث المشترك وكذلك المسئولية المشتركة لكافة المجتمعات فهي الوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي وهي مجموعة عناصر تشمل المناخ المحلي من حرارة ورطوبة وأمطار ورياح ، وطبيعة الأرض من تضاريس وسهول وصخور وتربة ومياه ونباتات ، نوعاً وكماً والحيوان أنواعه وأعداده ومتطلباته الغذائية ، والإنسان وفعالياته ونمط وطراز حياته اليومية والاجتماعية وما يتطلبه من استغلال لموارد الأرض الطبيعية . ومن المنظور البحثي نجد أن تدهور البيئة يرجع إلى أسباب عدة ( الجفاف والتصحر، وسوء الأساليب الزراعية وتدهور التربة، والتبذير في استخدام الماء، ، الصيد الجائر، والتنمية الاقتصادية على حساب الموارد الطبيعية، وضعف إدارة البيئة، وزيادة السكان، واتساع المناطق المدنية، والتعدين والتنقيب والنشاط الصناعي المفرط , قلة الوعي البيئي لدى السكان ).

جهود الدولة:

من المعروف أن موضوع البيئة وحمايتها أُعتمد  ضمن النظام الأساسي للحكم وفقاً للمادة (32) من النظام الأساسي التي تنص على التزام الدولة المحافظة على البيئة وحمايتها. وأنشأت المملكة المديرية العامة للأرصاد الجوية عام 1950 ليعاد بعد ذلك هيكلتها في عام 1981 لتصبح مصلحة الأرصاد وحماية البيئة ثم في عام 2001 أصبحت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ورفعها إلى درجة وزارة وتهدف إلى تنمية ثقافة المجتمع البيئية والتعريف بكيفية التعامل والمحافظة على البيئة والثروات الطبيعية , وقامت الرئاسة بإنشاء 16 منطقة محمية , كما اهتمت الدولة بمشكلة التصحر في مراحل زمنية متقدمة ووقعت اتفاقية مكافحة التصحر عام 1998م. كما قامت باتخاذ إجراءات وقائية لمنع زحف الرمال وإزالة خطورتها بإنشاء خط من الأشجار (الحرجية) على امتداد الجبهة الشمالية لواحة الأحساء حيث أدى هذا المشروع حسب رأي الخبراء والتقارير الصادرة آنذاك إلى إنقاذ وحماية حوالي عشرين قرية كانت مهددة بالدمار.

واستكمالا لسعيها في المجال البيئي انضمت المملكة الى عضوية العديد من الهيئات والمنظمات البيئية.

الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي للمملكة عضوية بها:

  • الاتفاقية الإقليمية لحماية البيئة البحرية (Ropme) عام 1978م. وتختص هذه الاتفاقية بالخليج العربي وتشترك بها جميع الدول المطلة على الخليج.
  • الاتفاقية الإقليمية لحماية البيئة البحرية للبحر الأحمر وخليج عدن عام 1982م.
  • اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمية عام 1972م.
  • اتفاقية حفظ الأنواع المتنقلة من الحيوانات المتوحشة ( اتفاقية بون 1979م ) وقد انضمت المملكة لهذه الاتفاقية عام 1410هـ (1990م).
  • اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من مجموعات الحيوان والنبات البرية ( اتفاقية CITES سايتس 1973 م ) وقد أصبحت المملكة عضواً كاملاً بالاتفاقية عام 1416هـ (1996م).

وتبقى جميع تلك الجهود إن لم تُفعّل ويتم ربطها بشكل تنموي واضح حبرا على ورق , فالتنمية التي لا تأخذ بالاعتبارات البيئية ستزيد من تفاقم المشاكل البيئية الموجودة حالياً والتي تطرقت الورقة الرئيسة لمعظمها، لذا فإنه يتعين علينا جميعاً أن نفهم حقيقة محدودية الموارد وقدرات النظام البيئي الطبيعي على التحمل مما يتعين عليه وضع خططٍ تؤدي إلى تنميةٍ ذات طابع استمراري لا تميل إلى الاستنزاف والتدمير ، هادفة إلى تلبية حاجات الجيل الحاضر دون أن تعرض للخطر مقدرات الأجيال القادمة البيئية . وهنا تبرز أهمية نشر الوعي البيئي والتربية البيئية التي تنمي الشعور لدى كل فرد بالمجتمع بأهمية العلاقة بين سلوكيات الإنسان والأنظمة التي صنعها بنفسه من اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وتكنولوجية وبين النظم الطبيعية الموجودة أصلاً في البيئة التي يعيش فيها.

ولعلي أخلص هنا لبعض المقترحات :

على مستوى الفرد:

  • الاهتمام بالفرد منذ صغره عن طريق تضمين مناهج التعليم العام والجامعي المفاهيم البيئية، وشرح ذلك بأسلوب يضمن تفاعلهم وإدراكهم لأهمية المحافظة عليها.
  • تطوير أساليب التوعية البيئية وتكثيفها عن طريق وسائل الإعلام الحديث بأسلوب يجمع بين الصورة الجذابة والشرح وبعض المقارنات المعبرة والتعريف بالتجارب الإقليمية والدولية المؤثرة في هذا الشأن.
  • إقامة مهرجانات ترفيهية سياحية في مناطق مختلفة تحتفل بأحد المكونات البيئية في تلك المنطقة كـ ( مهرجان التمور في القصيم ) وتعرف به على غرار بعض المهرجانات الدولية ( مهرجان الطماطم في إسبانيا ( لا توماتينا) .
  • سن القوانين التي تعاقب وتجرم المخالفات البيئية الفردية وتطبيقها بشكل حازم والتعريف بها وقد تطرقت الورقة الرئيسية لبعض الأمثلة .

على مستوى الدولة :

  • التعامل بحزم مع الأوضاع البيئية الراهنة للمصانع والمنشآت المسببة للتلوث والنشاط العمراني العشوائي والتعدي الصارخ على مقومات البيئة دون أي تحليل اقتصادي سليم أو شامل يأخذ بالاعتبار رأس المال الطبيعي وإعادة تأهيله.
  • فرض القوانين الصارمة على الشركات والمصانع والكيانات الاقتصادية الكبرى التي لا تلتزم بمعايير السلامة البيئية العالمية على أن تحدد هذه القوانين العقوبات ووسائل الرصد والمراقبة .
  • تقييم الأثر البيئي للمشاريع قبل إعطاء التراخيص أو الرخص الخاصة بأي مشروع تجاري أو صناعي أو سياحي .

يبقى أخيرا أن نعرف أن منهج معالجة المشاكل البيئية هو منهج تكاملي طويل المدى وشامل يؤكد على مراجعة الذهنية الفردية لتكوين وعي بيئي على مستوى الفرد وتوجه استهلاكي رشيد في مراحل عمره المبكرة ليتحول إلى سلوك دائم ينتهج مبدأ “الوقاية خير من الحلول” ويوظف القيم الثقافية والحضارية الأصلية في المجتمع , وليس مبادرات آنية تأتي مع حدوث المشكلة وتختفي مع غيابها عن السطح القريب .

سأختم التعقيب بمقولة رئيس قبائل الهنود الحمر ” بأن الأرض ليست إرثا ورثناه عن آبائنا ولكنها قرضا اقترضناه من أبنائنا “

التعقيب الثالث: أ. وليد الحارثي

إننا نتعامل مع كثير من قضايانا ومشكلاتنا على أنها “أزمة”، وليست “فرصة”، ومثل هذه القضية الحالية، مثل قضيتنا السابقة في الاستفادة من الحج. عندما نتعامل مع قضايانا بهذا التفكير في المشكلات تستمر، والحلول تقف عاجزة عن تقدم أو تحسين أو تطوير. وفي الظن أن قضية مثل هذه القضية تأتي في ذيل اهتمامات الإنسان العادي، وربما ينسحب على أصحاب المسؤولية عن حماية البيئة.

وتأكيدا لهذا الكلام، فقد ذكر أحد الخبراء البيئيين أن المملكة تخسر ما يزيد على 4 مليارات ريال سنويا نتيجة عدم الاستفادة من مشروعات إعادة تدوير النفايات، إلى جانب إهدار مساحات كبيرة من الأراضي في عمليات الدفن الصحي للنفايات. هذا من جانب واحد فقط!

ومن أجل المحافظة على البيئة بصورة حضارية جميلة تعكس تراثنا الإسلامي العظيم، وثقافتنا العريقة، وصورتنا الجميلة، التي يعمل أعداؤنا جاهدين على تشويهها .. أظن أن القضية تحتاج إلى اهتمام عال بما يأتي:

  • الإعلام، المتوجه نحو التوعية بالمحافظة على البيئة، وبناء ثقافة لدى المجتمع، بمختلف فئاته، واهتماماته، ومنهم المسؤولين عن حماية  البيئة ورعايتها. بمعنى أن قضية المحافظة على البيئة يجب أن تصل إلى كل الناس، وأن يأخذوها كأنها قضيتهم الأساسية، من خلال أدوات مثل: إيجاد إعلام خاص بالبيئة قائم بذاته ، يعمل على تنمية السلوك البيئي للإنسان، وترشيده، وتغطية كل ما يتعلق بالبيئة من أخبار وفعاليات، ومشاريع جديدة.
  • القوانين. والمقصود هو تفعيل تلك القوانين القائمة للمحافظة على البيئة، وجعل تطبيقها والعمل بها، أمرا أساسياً ، لا محاباة ، وتهاون  فيه.

وعندما تعمل الدولة على النهضة بالإعلام فيما يتعلق بالبيئة، وتفعيل القوانين، والارتفاع بها إلى أعلى مستوى من التشريع والتطبيق ، فإن البيئة ستكون ضرورة لا ترفا لدى الإنسان الذي يعيش فيها .

المداخلات حول قضية: (المحافظة على البيئة في المملكة العربية السعودية والتقنين القادم)

  • واقع الجهود المبذولة للمحافظة على البيئة في المملكة

أوضح د.م. نصر الصحاف أنه يود الاختصار والتصحيح لبعض ما ورد ليس لغرض الدفاع عن البلديات، وأضاف: الواقع أنها مقصرة جداً في كثير من أعمالها ولكن لتبيان بعض الحقائق والإنصاف :

  • ليس من دور البلديات تثقيف المواطن بل هذا دور يناط بالمؤسسات التعليمية على مختلف المستويات ويكفي أن تقوم البلديات بدورها المطلوب وعدم التقصير فيه كما نرى.
  • ليس صحيح بأن البلديات لا تضع حاويات للنفايات ولقد شاهدت بنفسي في ينبع البحر كيف أن البلدية وضعت الحاويات في منتزهات الكورنيش الجديد واللوحات الإرشادية وبالرغم من ذلك أهمل المستخدم ذلك ورمى بالنفايات بجانب الحاويات !!! وتكرر المشهد عند كل حاوية وعندما ذهبت إلى كل حاوية للتحقق وجدت أنها فارغة بل نظيفة مما يدل على أنها لم تستخدم قط بالطريقة الصحيحة فما هو المطلوب من البلدية ؟ أن توضح للمستخدم كيفية استخدام الحاوية ؟
  • أما مخلفات البناء وما ذكر عنها في ورقة الأستاذة ليلى: فياليت نأخذ صفحة من كتاب بريدة (عاصمة النظافة بدون منازع في المملكة) في تعاون المواطن والمقيم مع بلديتهم!!

تجد كل المشاريع الانشائية مرتبة ونظيفة كأنك في ألمانيا فالصورة مختلفة تماماً عن أي مدينة زرتها في المملكة بحق !!

كذلك استبعد كل البعد أن تكون ميزانية بلدية بريدة أكبر من المدن مثيلاتها حجماً وكثافة سكانية في المملكة ! إن دل ذلك على شيء فهو التعاون الواضح والمثمر بين البلدية وسكّان المدينة !! فإذا كان المواطن والمقيم في بريدة على هذه الدرجة العالية من الوعي والتعاون مع بلديتهم فلماذا لا ينطبق ذلك في أنحاء أخرى من مدن المملكة ؟؟

معرفة الإجابة على هذه الأسئلة هي الحل لكل مشاكل البيئة في المملكة باختصار !!

وقال م. خالد العثمان: كأني ألمس شيئا من التركيز على موضوع النفايات خصوصا من بين كل القضايا المتعلقة بالبيئة وما يعيث فيها بنو البشر من تدمير وتلوث .. ربما لأن النفايات أكثر قربا والتصاقا بحياتنا اليومية .. ومع ذلك فالتلوث البيئي صورة متعددة تشمل أيضا التلوث البصري الناتج عن التشويه العمراني وقطع وتقزيم الأشجار.. والتلوث السمعي الناجم عن ضوضاء المدن والطائرات وغيرها .. وتلوث الهواء الناجم عن عوادم السيارات والمصانع والروائح الكريهة .. وغير ذلك الكثير.

فات على معد الورقة والمعقبين عليها ذكر الجهة الرئيسية المناط بها إدارة قضايا البيئة وهي هيئة الأرصاد وحماية البيئة .. والتي ألحقت مؤخرا بوزارة المياه والزراعة والبيئة ضمن الهيكلة الأخيرة لأجهزة الدولة.

هيئة البيئة قصرت كثيرا في أداء دورها في إدارة ملف البيئة بمختلف جوانبه منذ تأسيسها .. وربما يكون أحد الأسباب هو تنازع الاختصاصات مع عدد من الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة الشئون البلدية والقروية التي تدير ملفات النفايات البلدية وصحة البيئة وهيئة الحياة الفطرية وغيرهما.

أحد أسباب تعثر هيئة البيئة سابقا هو تبعيتها لوزارة الدفاع والطيران وهو الأمر الذي كبلها وحد من سلطتها على القطاع في مواجهة جهات حكومية أخرى .. والمأمول أن تنطلق الهيئة في أداء مهامها بعد فك هذا الارتباط .. هذا إن منحت الصلاحيات والإمكانات والموارد اللازمة.

في موضوع النفايات البلدية خصوصا يتكرر الحديث عن ضرورة الفرز من المصدر كأحد ركائز معالجة وتدوير النفايات .. وأود الإشارة إلى أن هذا ليس صحيحا بالضرورة في ظل وجود تقنيات للفرز في المرادم والفرز اللاحق للمعالجة .. وكثير من دول العالم التي تطبق الفرز من المصدر بدأت بالتخلي عنه خاصة بسبب أعباء النقل والعبوات الخاصة للنفايات المفروزة .. ناهيك عن صعوبة فرض ثقافة الفرز على مجتمع لم يعتد عليه وما ينتج عنه من تدن في كفاءة الفرز ودقته وبالتالي التقليل من عوائده ونتائجه العملية.

وفيما يتعلق بالمرادم .. أنبه وبشده إلى فقر المملكة للمرادم الفنية المصممة وفق المعايير الفنية العالمية وخاصة ما يتعلق منها بالنفايات الطبية والصناعية والكيميائية الخطرة .. وهذه النفايات خصوصا مدمرة للبيئة والمياه الجوفية وصحة الإنسان والكائنات الحية عموما.

وأوضح د.م. نصر الصحاف أنه يتفق بشدة مع القول بأن التلوث له أبعاد أكثر مما ذكر في الورقة بما في ذلك التلوث البصري/ العمراني/ الخ…

والسؤال هنا : هل وزارة البلديات والشؤون القروية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن ذلك؟ ألا توجد مؤسسات شبه حكومية لتحديد (الجمال والنمط العمراني) على غرار مؤسسة (أخوات سانتاباربارا ) الشهيرة ؟ ولما لا توجد ؟

وذكر م. خالد العثمان أن النفايات العضوية في الرياض حوالي ٥٦٪ من النفايات البلدية حسب آخر دراسة أعدتها هيئة تطوير الرياض.

ومن ثم فإن النفايات العضوية هي التحدي الأكبر والعنصر الضار بالبيئة في المملكة من بين مكونات النفايات البلدية نظرا لعدم وجود أية جهود لمعالجتها حاليا وما ينتج عن ردمها من أبخرة سامة وتحلل وتسرب لطبقات الأرض والمياه الجوفية.

هناك أيضا نوع آخر من النفايات خطر جدا وعالي القيمة .. وهو النفايات الالكترونية التي تضم بقايا الأجهزة الالكترونية وشاشات التلفزيون والكومبيوتر والأقراص المدمجة والهواتف الجوالة .. ولا يوجد حاليا في المملكة أية حلول لاستخلاصها ومعالجتها وتدويرها والاستفادة من مكوناتها التي تشمل معادن ثمينة.

وعلقت أ. فاطمة الشريف بأن مسألة التشويه العمراني مهمة جداً ولعلها من أهم مشاكل التلوث لأنها تبقى وتمثل حضارة عمرانية تعطي بشكل أو آخر الانطباع الأول والأخير عن المجتمعات.

وإجابة عل سؤال هل توجد مؤسسة لتحديد النمط العمراني فإنه على حد علمها لا توجد مثل هذه المؤسسة؛ بدليل اختلاف النمط والأساليب العمرانية وعدم تبعية أي منها لنمط محدد أو طراز عمراني خاص بالبيئة المحلية.

وأكدت على أن النفايات الإلكترونية تهدد سلامة البيئة وتراكم المعادن والبلاستيك والمواد الكيماوية السامة التي تتكون منها الأجهزة الإلكترونية، كلوحات الدوائر وأنابيب الزجاج والأسلاك والمقاومات والمكثفات وغيرها من الأجزاء الداخلية الدقيقة، معروف أن أكثر من 70% من المعادن الثقيلة بما فيها الزئبق، الكاديوم، والقصدير.

كما أثبتت معظم الدراسات الطبية الحديثة أن مخلفات الرصاص في التربة والتي تنفذ للمنتجات الزراعية تعتبر من أشد المعادن خطورة على صحة الإنسان حيث يؤدي تراكم الرصاص في الجسم إلى تلف في خلايا الدماغ وضمور في أنسجة الكليتين وتلف في الكبد  والعديد من الأمراض الأخرى.

وهناك جانب مهم من جوانب التلوث لعلنا لم نتطرق له بشكل كامل وهو التلوث السمعي و الضوضاء وما يصاحبها من ظهور سلبيات متعددة وضارة على الإنسان سواء من الناحية النفسية أو الصحية أو العقلية على المدى البعيد أو المدى القريب.

وهناك العديد من  الدراسات العلمية على التأثيرات الجسدية للضوضاء ونتج عنها فرضية تربط ردود الأفعال الفسيولوجية بالانفعالات الصحية وبقدرة الفرد على إنجاز مهامه اليومية والأداء في عمله بشكل متقن.

وقال د. خالد الرديعان في مداخلته حول قضية المحافظة على البيئة في المملكة: تعني لي البيئة ستة عناصر: الهواء والماء والنبات والحيوان والطير والتربة. وهي العناصر التي يجب الحفاظ عليها لصيانة النظام الايكولوجي من الانهيار ولسلامة كوكبنا ومن فوقه.

هناك إتلاف لهذه العناصر بعضه عن قصد وبعضه عن غير قصد وبعضه قسري وللحاجة الماسة؛ كقطع أخشاب الغابات بغرض استغلالها تجاريا ولحاجات إنسانية متعددة ( مع ذلك فالدول المتقدمة وضعت قيود صارمة لضمان التوازن البيئي وللحد من التصحر ولضمان نمو الغابات مرة أخرى).

أعترف كذلك أن بيئة المملكة العربية السعودية جميلة مهما قيل غير ذلك؛ فهناك تنوع تضاريسي ومناخي والهواء عموما نقي رغم ما نراه من تلوث هوائي محدود في المدن الكبرى كالرياض وجدة ومكة والمنطقة الشرقية. ورغم شح المياه في بعض المناطق فإن بيئتنا تظل جميلة وتستحق منا الرعاية والحفاظ عليها؛ فصحارينا الحمراء جذابة وبعض مناطقها بكر ربما لم تطأها قدم بشر وخاصة منطقة الربع الخالي والمناطق المحاذية لليمن وسلطنة عمان جنوبا وجنوب شرق.

ما يقلق بحق هو سلوكنا الاجتماعي تجاه عناصر البيئة وشعورنا بانعدام المسؤولية الوطنية تجاهها، وهو ما أعيده إلى نمط التنشئة الاجتماعية التي درجنا عليها؛ فنحن جائرون في الصيد (الطير والحيوان) ونحن جائرون في الاحتطاب ( النبات) ونحن جائرون في الرعي over-grazing ( الغطاء النباتي)، ونحن مسرفون في استهلاك المياه للزراعة والاستخدامات الأخرى ( الماء)، ونحن نلوث الهواء بكثرة سياراتنا (الهواء) ونحن مسرفون في كميات القمامة التي لا نتخلص منها بطريقة صحيحة مما يعد اعتداء على الارض (التربة).

سلوكنا أفسره على النحو التالي:

هناك ما يسمى بنظرية “الغنيمة”؛ فما تستطيع الحصول عليه فهو حقك وإن تركته سيأخذه غيرك لذلك بادر بأخذه بصرف النظر عن العواقب.

هذه الفرضية أو النظرية تنعكس على سلوكنا في الصيد والاحتطاب ومحاولة امتلاك ما هو مشاع كعناصر البيئة الست ما يدفعنا إلى الجور والاعتداء على البيئة بكل الطرق؛ فنصيد فوق حاجتنا ونحتطب لعدة مواسم ونزيد أعداد الأغنام فوق طاقة المراعي ونزرع أكثر مما نحتاج أحيانا.

تتوسد هذه النظرية على فكر غيبي يجادل بعدم ندرة عناصر البيئة؛ فالله كفيل بتعويض ما ينقص من عناصرها، وهي كلمة حق يراد بها باطل والباطل هنا هو اتلاف البيئة بداعي الطمع والجهل بنظامها.

ويعضد شيوع نظرية “الغنيمة” غياب القوانين الرادعة وحتى عند توفرها فهناك صعوبة تنفيذها ومراقبة سلوك المسيئين للبيئة. أشير بعجالة أن نظرية الغنيمة تصلح كذلك لتفسير الفساد المالي وسرقة أموال الدولة بحكم أنها تندرج تحت “الغنيمة” فإن لم تنهبها نهبها غيرك.

ومن الأسباب التي ساعدت في إتلاف البيئة ما يلي:

  • السيارة: أسهم دخول السيارة في الاعتداء على البيئة بصورة واضحة؛ فقادة السيارات استطاعوا الوصول إلى أماكن لم يكن من السهل الوصول إليها سابقا وبالتالي تعرضت البيئة البرية للتلف بسبب السائقين. من المعلوم أن طرق السيارات تجعل التربة صلبة وغير مناسبة لنمو النباتات البرية. أعداد السيارات التي تتوغل في المناطق البرية كبيرة ولا يوجد قيود كافية على هذا السلوك عدا المحميات التي يُمنع الدخول إليها. الاعتداء هنا شمل النبات والتربة. هناك دراسات كثيرة عن أثر السيارة في إتلاف البيئة وأذكر منها بعض دراسات المستعربة دون شاتي من جامعة اوكسفورد التي قامت بدراسات حقلية في سلطنة عمان وفي لبنان وسبق لي العمل معها في دراسة عن البدو والجماعات الرحل في العالم.
  • انتشار الأسلحة وخاصة بنادق الصيد ولاسيما ما يسمى (ساكتون الرش) الذي يصيب عدد كبير من الطيور بالرمية الواحدة وصعوبة تقنين حمل الأسلحة من هذا النوع فهي تباع في الأسواق ولا أعلم إن كان لها ترخيص خاص كالمسدسات والأسلحة الأتوماتيكية. الاعتداء بالأسلحة هنا شمل الطيور والحيوانات البرية التي اختفى بعضها بسبب الصيد الجائر.
  • ازدهار رياضة الصيد بالصقور وزيادة عدد الصقارين الأمر الذي قلص من أعداد طيور الحبارى والأرانب البرية وغزلان الريم الذي تشتهر به الصحراء العربية.
  • وبسبب قلة الطيور في بيئتنا فقد توجه الصقارون إلى دول أخرى مثل السودان والمغرب وباكستان لممارسة هوايتهم. وبعضهم يذهبون بأعداد كبيرة من الصقور مما أثر على البيئة خارج الحدود.
  • ومن أسباب تلف البيئة التوسع في استخدام أوعية البلاستيك بصورة غير معهودة ومن ثم التخلص منها في الصحراء دون مراعاة لضررها.

وأوضح د. منصور المطيري أن الصيد العبثي .. و الهوس بقتل كل دابة تدب على الأرض، و كل طائر يطير بجناحية، و كل وعل لاذ بأعلى قمة جبل اهتدى إليها، لن يوقفه قوانين مكتوبة بل تنفيذ صارم للمنع ، و نشر لثقافة عميقة متصالحة مع البيئة ترى الجمال في العيش مع المخلوقات لا في التهامها ..

وفي نفس السياق أضاف أ. مطشر المرشد أنه رأى أيضا تجار الحطب يقطعون الأشجار ، سعوديين وعماله أجنبية .. ومن تجول في عروق الصمان القريبة من الرياض بالأخص (ساقان ومحارق) قبل سنوات قليلة ، ويزورها اليوم سيرى الفرق … لقد تم اقتلاع كافة الأشجار بربط “كيبل” حول الشجرة  واقتلاعها من جذورها بالسيارات .. الغرض بيع الحطب.

وذكر د. حامد الشراري يبدو أنه في الآونة تم التضييق عليهم من قبل الجهات المختصة وبالذات أمن الطرق وقلت أعداد سيارات الحطب.

وفي سياق متصل قالت أ. ليلى الشهراني: لماذا نركز على النفايات عند الحديث عن البيئة؟ لأنها أساس كل تلوث ، فالنفايات أنواع منها الغاز والصلب والسائل ، والمعالجة السلبية للتخلص منها إما بالطمر في باطن الأرض أو بالحرق أو بتصريفها في مياه البحر ، وهي حلول تفاقم مشاكل البيئة لكن البعض يلجأ لها لأنها غير مكلفة ومريحة ، ولا يشعر بأدنى تأنيب للضمير .

فالنفايات التي تجد طريقها للبحر مجرد سموم نأخذها من البر لنفرغها في البحر ، وتتأثر منها الحياة البحرية والمرجانية !

أما عملية الطمر العشوائية (مردم النفايات) فهي أكبر ملوث للبيئة وللصحة ، فالغازات المنبثقة من تحلل بعض المواد المطمورة فيها خطورة على صحة الإنسان وتتسبب في بعض الأمراض مثل سرطان الكبد وبعض العاهات بالنسبة للمواليد ، وقد تتسرب لباطن الأرض فتؤثر على مخزون المياه الجوفية وتلوثه ، وتكون مهدد حقيقي للغطاء النباتي ، أما حرق النفايات فهو أكبر ملوث للهواء مما ينتج عنه عدة مشاكل بيئية مثل الاحتباس الحراري وانتشار الأمراض الصدرية والأمطار الحمضية .

منطقة مهد الذهب وما يعانيه بعض سكانها من أمراض صدرية وجلدية هناك دراسات تعزو ذلك للإهمال في معالجة مخلفات مناجم التعدين هناك ، وتشهد المستشفيات هناك تزايدا ملحوظا في أعداد مرضى الربو ، وكل جهة ترمي بالمسئولية على الأخرى . إذا فالبحث الجاد عن حلول يجنبنا الأسوأ.

وبدوره قال د. مساعد المحيا: دون شك يظل موضوع البيئة والمحافظة عليها مطلب مهم في ضوء الاستخدام السيئ للإنسان حتى أصبحنا نسمع بالاحتطاب الجائر والرعي الجائر ..

قبل أيام كنت في منتزه كبير جدا يتبع لوزارة الزراعة كان فيه الكثير من الأقسام التي تحاول زرع معلومات حول ما يسمى بتنمية الغطاء النباتي كما يوجد معارض مهمة تقدم الكثير من الصور التعريفية …

المهم أن هذا المنتزه في الغالب لا يزوره إلا مسؤولون كبار بينما المواطنون ممنوعون ..

قلت للمسؤول هذا اسمه منتزه وليس مشتل والذين ساهموا فيه كبار تجار .. لماذا لا يفتح للمواطنين قال فتحنا مرة فواجهنا التنزه الجائر …

قلت له لو أخذنا بهذا التحوط لأغلقنا كل شيء …

هنا أريد أن أقول أننا ونحن نحاول مواجهة كل استخدام جائر من أجل البيئة يبدو أننا فعلنا المنع الجائر لحرمان الناس من أدنى حقوقهم، لاسيما مع ضخ مالي كبير جدا من الدولة ومن المواطنين.

وأضافت أ. ليلى الشهراني: اذا أردت أن تعرف حجم الإجرام في حق الأشجار فأنظر لظاهرة (بيت الشعر) أو (المجلس التراثي) التي توسعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ، للمفاخرة والهياط المذموم بعرض أجود أنواع الحطب وإشعال شجرة لصنع دلة قهوة أو إبريق من الشاي !!!

سابقا كان الطبخ على الحطب لأنه الوسيلة المتوفرة لديهم وكانت بيئتهم الخضراء في ازدياد ولا يعانون من التصحر أو اختفاء الغطاء النباتي ، السبب أنهم لا يتعاملون مع الشجر بمبدأ (القاتل والضحية) يقتلون في الشجرة كل معاني الحياة ، بل كانوا يحتطبون الأغصان اليابسة المهشمة أو من بعض الأشجار التي لا حياة فيها ، كان لديهم حس فطري بهذه الأخطار .

هذا بالإضافة لانتشار مطاعم المندي والمظبي والتي تحتاج تحرك جاد لإيقاف هذا الاستنزاف المخيف للأشجار ، بل إن هذه الطريقة غير صحية بشهادة الكثير من الأطباء فلماذا نراها في ازدياد !

الغريب أن قطع الأشجار في غابات بعض البلدان تقوم بها شركات تجارية لصنع الورق والأثاث وغيرها ، نحن نقطع الشجر للعبث فقط والذي يكون تحت غطاء (شبة النار) ويا كليب شب النار يا كليب شبه !!

قبل مدة اطلعت على وثيقة قديمة بحساب (وثائق عسير) وهي عبارة عن اتفاقية وقعها شيوخ قبيلة آل رشيد من شهران مع ابن مشيط لمنع قطع الأشجار الخضراء ، وفاجأتني حقيقة لم أكن أتصور أن هناك اتفاقيات وتنظيم حتى فيما يخص المحافظة على الأشجار !

واليوم هناك شبه غياب لمثل هذه المبادرات حتى بين النخب المؤثرة من تجار وعلماء ومثقفين وشيوخ قبائل .

نتحدث عن دور المجتمع المدني في المشاركة ببعض الحلول لأنه جزء من المشكلة لكن لا نرى أي دور فاعل له على أرض الواقع ، ماذا لو رأينا اليوم مثل هذه الاتفاقيات ضد الصيد الجائر وضد الإجرام بحق الأشجار والمساحات الخضراء ؟

وأشار أ. سلمان العمري أن للبيئة أثر جلي على الإنسان وتطوره ورقيه بل تكاد أن تكون راسمة جزء من حياته وتراثه. وتناول جزئية لها دلالات كبيرة جدا من وجهة نظره كونها لم تحظى بالاهتمام والرعاية المطلوبة ألا وهي النخلة؛ حيث تمثل النخلة بالنسبة إلينا في هذه البلاد المباركة قيماً وطنية وتاريخية واقتصادية واجتماعية، فهي شجرة مباركة ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ)، وقوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}، وروى أنس بن مالك قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقناع عليه بُسْر، فقال: (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ) قال: هي النخلة، وأما الكلمة الطيبة فقد فسرها بعض أهل العلم بأنها هي لا إله إلا الله، فهي كالشجرة الطيبة لايزال صاحبها يجتني منها خيراً: صياماً أو صدقةً أو حجةً أو عمرةً.

وأما فضائل النخلة في السنة النبوية فكثيرة جدًّا, فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن كشجرة لا يتحات ورقها) (أي لا يسقط). قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها نخلة، وعنده رجال من العرب، فذكروا الشجر فما أصابوا حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي النخلة). فقلت لأبي: لقد وقع في نفسي أنها النخلة فقال: يا بني ما منعك أن تتكلم بها؟. فقلت: الحياء، وكنت من أصغر القوم سناً، فقال: لأن تكون حيياً أحب إليّ من كذا وكذا. (الحديث في تيسير الوصول، وأخرجه الشيخان مع اختلاف يسير).

وقد اهتمت الدولة بالنخلة بوصفها رمزاً من رموز الوطن وشعاراً له يتألف شعار المملكة العربية السعودية من رسم النخلة تحتها سيفان عربيان منحنيان متقاطعان، وقد اختيرت شجرة النخيل نظراً لانتشارها في جميع أرجاء المملكة حيث توجد فيها عدة ملايين من مختلف أنواع النخيل . ولأن هذه الشجرة كان لها دور كبير في حياة سكان الجزيرة العربية، كما ترمز النخلة في وسط السيفين المتقاطعين إلى أن الرخاء لا يأتي إلا عن طريق العدل.

وقد ارتبطت النخلة بتاريخنا وتراثنا منذ أمد بعيد، وكان لها تأثيرها الملموس في الغذاء، والكساء، والتعمير، فهي شجرة مباركة يؤكل ثمرها ويستفاد من جريدها وعذقها في صناعات عديدة فرشاً وبناءً وغيرها من الصناعات ولذا فقد كانت عنصراً مهماً في الحياة من حيث الغذاء والبناء والعمران والحضارة, وإذا كان القدماء قد عرفوا منافع التمر منذ فجر التاريخ غذاء، ودخوله في أساسيات الصناعات القديمة، فإن المتأخرين أدركوا أيضا الفوائد العديدة لهذه الشجرة المباركة طبياً. ومما ساعد في حضور النخلة وأهميتها في المنطقة ما تميزت به شجرة النخيل من مزايا أبرزها الثبات، والتكيف مع الأحوال المناخية القاسية، وكانت الجزيرة العربية منذ القدم من المواطن الأولى للنخيل، نظراً لطبيعتها الصحراوية وطقسها الحار.

وما من مزرعة في بلادنا إلا وفيها أصناف وأنواع من النخيل، فهي الأصل وغيرها من الأشجار تبع لها، وحينما فكرت الأمانات والبلديات بزراعة وتشجير الشوارع كانت النخلة في المقدمة كما تزينت مداخل مدننا وخصوصاً عند المطارات بهذه الحلية الجميلة، بل وكان مما تهديه بلادنا إلى الحدائق العالمية ضمن هذا الإطار النخلة، لأنها رمز من رموز بلادنا.

وأمانة منطقة الرياض، وهي السباقة إلى تزيين الشوارع والمداخل والميادين بالنخيل عنَّ لها في الآونة الأخيرة الجفاء مع شجرتنا المباركة، وتحولت عن هذا الحب والعشق الطويل، إلى محبوبة أجنبية لم نألفها ولم تألفنا، هذه الأجنبية الغربية التي ضايقت محبوبتنا هي النخلة الأمريكية (واشنطونياً)، فقد رأيناها تزاحم شعارنا ورمزنا وحبيبتنا في أرقى شوارع وطرق مدينة الرياض، ونأمل أن تعيد الأمانة وبلدياتها  للنخلة اعتبارها بقطع وإتلاف جميع النخل الأجنبي الذي لا فائدة منه ثمراً أو شكلاً أو ظلاً، وإذا كنا نستهجن من بعض أصحاب المنازل والاستراحات الخاصة وضعهم لهذه الشجرة الغريبة فإننا نتعجب مما قامت به الأمانة.

  • الحلول المقترحة للمحافظة على البيئة ومعالجة قضاياها

أوضح د. حامد الشراري أن إعادة الشجرة هي إعادة للحياة؛ فالمملكة من أكثر دول العالم التي تعاني من زيادة رقعة التصحر الذي قد يكون مرده للرعي الجائر والاحتطاب وعدم وعي المواطن أو ضعف في تطبيق القوانين التي تسهم في حماية البيئة وتضارب المسؤوليات بين الجهات فيما يخص البيئة.

فقد نكون بحاجة لجمعيات مدنية تعنى بالبيئة وتساهم في الحد من التصحر وهو ما أشار له د. حميد، – مثلا- قد يكون من المناسب التفكير في إنشاء جمعية مدنية وصندوق لمكافحة التصحر وزيادة الغطاء النباتي يكون لها فروع في كل أنحاء المملكة ويكون لقطاع التعليم بجانب وزارة المياه والزراعة والبيئة دور محوري فيها، يدعم الصندوق من قبل الدولة ومن رسوم تفرض على الجهات والشركات والمؤسسات التي عملها وإنتاجها يؤثر سلبا على البيئة مثلا الكسارات والمحتطبون … الخ، ويكون للجمعية دور عملي وتوعوي فاعل في حماية البيئة وزيادة الرقعة الخضراء.

أيضا، قد يكون من المناسب التفكير في إعادة النظر في الإجراءات والأنظمة التي لم يكن لها أثر ولم تحقق الهدف من إيجادها في حماية البيئة ، ومن ذلك مثلا: إعادة النظر في ما يسمى “أسبوع الشجرة” السنوي التوعوي الذي لم يتضح أنه ساهم في معالجة القضية، وبدل عن ذلك، أن يخصص يوم واحد في العام باسم “يوم مكافحة التصحر” يكون أول سبت في بداية موسم زراعة الأشجار تسخر له الجهود والامكانيات ..يصاحبه احتفال وتكريم من قبل أمير المنطقة أو المحافظ أو رئيس المركز لمن ساهم في معالجة التصحر في كل مدينة وقرية. نحن بحاجة للتوسع في الجمعيات الفاعلة التي تعنى بالبيئة ومعالجة التصحر.

و أشارت أ. فاطمة الشريف فيما يخص معالجة التصحر إلى أن هناك طرق فعالة إضافة للتشجير وتثبيت الرمال بطرق ميكانيكية تحفظ التربة في مكانها لمدة زمنية معينة لحين ثبات التشجير. كذلك فقد تساءلت: هل الحل الأمثل للتخلص من النفايات يتمثل فقط في الطمر ، الكبس ، الحرق ،؟ حسب التجارب العالمية.

ويرى م. خالد العثمان أن السبيل الأهم لمعالجة قضايا البيئة عموما هو رفع راية وتبني مفاهيم الاستدامة في كل جوانب التنمية .. الاستدامة هي المفتاح للحفاظ على البيئة وعناصرها ومن يعيش فيها والموارد الطبيعية التي تضمها، و الغريب أن رؤية ٢٠٣٠ لم ترد فيها كلمة الاستدامة. أما عن الحل الأمثل بالنسبة للنفايات العضوية هو تحويلها لمحسنات تربة أو أسمدة نباتية؛ فالحرق تقنية تنحسر في العالم .. وكثير من الدول بدأت بتحريمها لأنها تنتج رماد مسرطن وضار بالبيئة ولا سبيل للتعامل معه إلا بالردم مع كل ما يحمله من مخاطر.

ومن جانبه يرى د. حاتم المرزوقي أنه و في ما يتعلق بقضايا البيئة ، فنحن بحاجة إلى دراسة اقتصاديات هذا القطاع وبخاصة تدوير النفايات وكيف يمكن من خلال هذه الدراسة تحويل المشكلة إلى فرصة. كذلك نحن بحاجة إلى تطوير صناعة تدوير النفايات وحفز المواطنين والمقيمين بالمساهمة في إنجاح هذا البرنامج. ولابد من التأكيد أن تدوير النفايات هو غير محور في قضايا البيئة بإجمالها، والتي تشمل عده محاور لا تقل أهمية عن تدوير النفايات ومنها المحافظة على المكون البيئي الوطني، الوقاية من الملوثات البيئية وغيرها.

وقال أ. خالد الوابل في مقال له بصحيفة عكاظ (العدد 5569) بعنوان: هل نحن أعداء للبيئة؟

الاحتطاب الجائر

تقزيم الأشجار وقطعها من قبل بلديات المدن

المخلفات البلاستيكية

تدمير المنتزهات

الصيد الجائر في البر والبحر

الرعي الجائر

ملوثات الصرف الصناعي وتصريفها في مياه البحر

لنر ماذا تقول الأخبار:

‏‏‏‏السعودية الخامسة عالمياً في معدلات التلوث، وتنفق ٤٠ بليوناً سنوياً لمعالجته.. (جريدة الحياة).

ملوثات الصرف الصناعي تسمم البيئة البحرية السعودية.. (جريدة مكة(

“الاحتطاب الجائر” يستنزف 120 ألف هكتار سنويا.. (جريدة الوطن(

12 مليون طن كمية النفايات في المملكة وما يتم إعادة تدويره خليجياً لا يتجاوز 5%.. (جريدة الرياض)

29 مليار ريال للتخلص من 12 مليون طن نفايات سنويا.. كشف عنها معرض «بيئتنا حياتنا» بالشرقية.. (جريدة المدينة)

السعودية تفرز مليوني طن نفايات بلاستيكية سنوياً.. (جريدة الحياة)

رئيس الحياة الفطرية: لا توجد عقوبات تردع المجاهرين بالصيد الجائر.. (جريدة الاقتصادية)

في ظل غياب تطبيق التشريعات.. الحطابون يقتلعون الأشجار اليابسة والخضراء دون تفريق من أجل المال.. (جريدة الرياض)

لا يعقل ما نقوم به ضد بيئتنا!

مشكلة يتحملها تهاون مسؤول وعدم وعيه بحجم المسؤولية التي يحملها، ومواطن فاقد للوعي بما يرتكبه في حق بيئته!

الصور المنشورة في وسائل الإعلام عن الجرائم التي تمارس في حق قطع الأشجار وقتل الحيوانات البرية لا يصدقها عقل، والمشكلة الأعظم أن من ينشر هذه الصور هم المجرمون أنفسهم كنوع من المباهاة!!

نظرة إلى منتزهاتنا وبرارينا وحجم المخلفات التي يتركها المتنزهون بعدهم؛ أيضا شيء لا يصدق.

فإن لم يكن هناك وعي من قبل البعض فأعتقد أن العقوبة وتطبيقها كفيلة بترسيخ الوعي لديهم.

كذلك منظر بائعي الحطب وبكميات كبيرة جداً في شوارع مدننا دون خوف ولا رادع من قبل الأجهزة المعنية، ومع الأسف غالبية من يقوم بهذا التعدي هم من العمالة الوافدة التي همها الكسب المادي. وما يحزن أكثر أنها تلقى تشجيعا من المواطن وذلك بالشراء منهم!!

فما الذي يمنعهم من تكرار التجربة؟

ما نحتاجه اليوم هو شرطة بيئية تطوعية، وأقول تطوعية حتى نضمن عملها على أكمل وجه؛ فالمتطوع هو من يعي خطر التلوث البيئي وأثره الكارثي على الأرض والبشر.

الأمر الآخر وجود متخصصين في الجهات الحكومية المعنية، فمن غير المعقول ما تمارسه بعض البلديات من تقزيم وقطع للأشجار في الشوارع حيث تكفل المهمة لعمالة لا تعي دور الشجرة في الحفظ على التوازن البيئي وتخفيف درجة الحرارة وزيادة مساحة الظل.

وأخيراً لابد من الرقابة المستمرة وتطبيق العقوبات، فنحن لا نحتاج إلى سن قوانين جديدة ولكن نحتاج إلى رقابة وتطبيق، فالقوانين الصادرة كافية لوضع حد لهذه المأساة، وهذا بالإمكان بلوغه عندما تكون المهمة مناصفة بين الدولة والمواطن ممثلا في جمعية أصدقاء البيئة والتي يجب أن تملك صلاحيات تطبيق المخالفة على كل متعد على البيئة.

وأخيراً فإن المحافظة على البيئة ليست ترفا اجتماعيا وإنما مسألة حياة أو موت لنا جميعاً.

وأوضح د. حامد الشراري أننا بحاجة للجمعيات المهنية والتي تخدم الصالح العام، وعليه فقد تساءل: ماذا عن التوسع بالجمعيات التخصصية التي تتكامل وتحقق خدمة للبيئة السعودية ، فمثلا: جمعية للبيئة البحرية، وجمعية لحماية الشواطئ ، وجمعية لحماية أشجار الأودية ، وجمعية لتوعية المحتطبين وأهل المواشي بخصوص البيئة، وجمعية للحماية من التصحر ، وجمعية لحماية الغابات … وهكذا

وذكر م. خالد العثمان بأن هذا يعيدنا للهيكل والإطار التنظيمي لمؤسسات المجتمع المدني وهو حاليا وبكل أسف لا يشجع على نهوض هذا القطاع الهام. كذلك فإن فكرة الشرطة البيئية فكرة رائعة مع أهمية توظيف الجهد المدني فيها.

وأشار أ. عبد المحسن القباني إلى أن محال السوبر ماركت في فرنسا على سبيل المثال ممنوعة من رمي أو إفساد الطعام غير المباع. الحل: الجمعيات الخيرية.

وعقبت أ. ليلى الشهراني على ما تقدم من مداخلات حول قضية المحافظة على البيئة في المملكة بقولها: ما ذكره د. نصر حول التوعية لا اختلف معه فيه ، لكن التوعية أيضا جزء من مهام البلديات ، تستطيع البلديات عرض شاشات إلكترونية ولوحات توعوية في الحدائق والشوارع وعلى مداخل المدن ، ولا نستهين أبدا بتكثيف الجهود التوعوية فهي البداية الحقيقية لكل تغيير ، في صغري كان هناك لوحة ترحيبية بمدخل مدينة جدة مكتوب فيها (ابتسم فأنت في جدة) أكثر عبارة علقت في الذهن منذ ذلك الحين .

التوعية الحقيقية تبدأ من المنزل والأسرة (وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه) ما يراه الصغار في تعامل الكبار مع البيئة يقلدونه ، هناك عدوانية غير مبررة لبعض المتنزهين مع الحدائق والمرافق العامة في الداخل ، ثم تجد أنهم قمة الرقي والانضباطية في الخارج ، والعكس بعض المواطنين نظيف ويحافظ على الحدائق والمتنزهات البرية في مدينته وبمجرد ذهابه لمدينة أخرى سياحية تراه بوجه آخر مختلف ، أما البلديات وخدماتها فتختلف من مدينة لأخرى ، بعض المدن أماناتها بلا أمانة ، البلديات فيها لا وجود لها ، وترى أثر ذلك في حدائق مهملة وأحياء مختنقة بالنفايات .

أما عن تعاون المواطن والبلدية فهذا أمر واجب ، الوطن ليس فندقا نسكنه بالمجان لنحصل فقط على الخدمة دون مقابل ، بل هو الأرض والنبض والانتماء ، وصورته ماهي إلا انعكاس لصورة من يعيش فيه (رقي المكان من رقي الإنسان) وإن تعذر هذا التعاون في البداية فلا أفضل من سن قوانين للتنظيم والحزم في تطبيقها ، لا يكفي أن أضع مئات القوانين والأنظمة دون تطبيق !  في موضوع البيئة والحفاظ عليها هي حلقة متصلة ببعضها ، فالمسببات كثيرة ويشترك فيها الجميع والحلول ممكنة و يستطيعها الجميع فقط تحتاج جدية وتكاتف.

وذكرت أ. كوثر الأربش أن ما يوازي 82% من المواطنين في أوروبا يعتبرون الحفاظ على البيئة قضية الساعة. كيف تصاعد الوعي لدى المواطن الأوروبي إلى هذا الحد؟ هل هو مسعى فردي أم مؤسساتي؟ وماذا لو أجرينا استفتاء عام يبحث عن نسبة المواطنين السعوديين الذين يعتبرون الحفاظ على البيئة قضية الساعة، فكم النسبة المتوقعة؟

لأنه لا يوجد احصاء رقمي لدينا الآن.  فيمكننا أن نحصل على إجابة من خلال المشاهدة والاستنتاج.  نظافة المرافق العامة، مساحة التصحر، انقراض بعض الحيوانات كالنعام والجاموس، تلوث البحار، وغيرها مما لم يعالج للآن. فيما يخص الحس الفردي لنظافة المرافق، وترشيد المياه، هل هناك فارق ملحوظ علي مدى ثلاثين عاما؟

بكل صدق ودون اجحاف للواقع. يمكنني أن ألمس فارق كبير، هناك مشاهد سلبية كثيرة اختفت أو تقلصت من حولنا، كرمي المخلفات من نافذة السيارة، أو ترك بقايا الاغذية على الشواطئ والحدائق مثلا.  تقلصت هذه السلوكيات وانحصرت في بعض العائلات الأقل وعيا وللأسف في الجاليات والعمال والسياح!   سؤال آخر: أليس غريبا أن السعودي حين يسافر للبلدان الأخرى يصبح أكثر التزاما بالنظافة، بينما يصبح الوافد لنا أكثر تسيبا فيها؟

وفي تصور د. مساعد المحيا فإننا نحتاج إلى أن نلزم الناس بأن يكونوا أكثر وعيا، ثم نساعدهم على أن يكونوا مستخدمين برشد للبيئة.

وأضاف: مثلا كنت قبل أيام في النرويج وهذا معروف في كثير من الدول ، وكانت الحاويات المخصصة للنفايات ثلاث أقسام : قسم للبلاستيك ونحوه ، وقسم لبقايا الأطعمة ، وقسم للنفايات، وكان كثير من الحاويات مغلقا إذ لا يفتحها إلا أصحابها، وكنت أجد حرجا كبيرا في وضع النفايات في غير مكانها إذا امتلأت إحداها، وكنت منذ فترة في النفود في رحلة مبيت فوضعت كل النفايات في كيس وأحضرتها للمدينة لأضعها في إحدى الحاويات؛ هذه القناعة لدي تشكلت بناء على حب البيئة النظيفة وأن أترك المكان خيرا كما كان أو خيرا مما كان؛ وهذا السلوك يتعزز لدي حين أخرج بنزهة لحديقة أو للبر فاجد استخداما جائرا .. فاشعر بألم شديد .. لذا أنقل هذا الأمر والشعور دائما لأولادي. هذا الاستخدام السيئ يحتاج فعلا إلى نظام وعقوبة صارمة، والناس حينها سيتعدل سلوكها، وبدون ذلك فلن يتحقق وعي إطلاقا.

وتساءل م. حسام بحيري عن دور المنظمات المحلية غير الحكومية في الاهتمام والتوعية بالبيئة وهل توجد؟ ولماذا لا ننشئ جمعيات أو منظمات غير حكومية تهتم بالبيئة وبرامج توعيتها. لا يمكن أن نلقي المسؤولية بالاهتمام والتوعية بالبيئة على الدولة فقط لأن هذا الأمر يخص كل مواطن ومواطنه ومقيم في بلدنا ، ومن المهم أن نتمكن من تذليل صعوبات إنشاء الجمعيات والمنظمات المدنية غير الحكومية والتي تعتمد على تمويلها من الأفراد والمؤسسات لنشر التوعية البيئية والصرف على البرامج الحيوية مثل الدراسات والأبحاث العلمية. وأضاف م. حسام: أتذكر قبل عدة سنين أردت أن أشتري كتاب علمي مفصل عن النباتات والحيوانات والحشرات والطيور الموجودة بالمملكة وصعقت لعدم وجود أي كتاب علمي مفصل عن الحياه الفطرية. أفضل الكتب الموجودة نشرت من قبل هواة غير أكاديميين ولكن توجد لديهم معلومات جميلة عن حياتنا الفطرية والبعض منهم يعتبر خبير في هذا المجال.  الحفاظ على البيئة فعليا مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق كل من يقيم في البلاد بغض النظر عما إذا كان مواطن أو غير مواطن. الكل متوقع منهم أن يقوموا بدورهم بالمساهمة في الحفاظ على البيئة سواء كان بالمساهمة المالية أو المشاركة الفعلية عن طريق التطوع أو بأي شكل آخر المهم أن تكون عندنا القدرة المنظمة على تحقيق أهدافنا في الحفاظ والتوعية بالبيئة.

أما أ. خالد الحارثي فذكر في مداخلته أنه يتفق مع جميع الطروحات التي سبقته لكنه يعتقد أن هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق وزارة التخطيط ووزارة البلدية والقروية في ضعف وقصور التصور عن شكل المدن السعودية ومواصفاتها والمعايير والمقاييس التي تسمح للإنسان بالعيش في المدينة دون مخاطر عالية على الحياة والسلامة والممارسة المعيشية لليوميات لمختلف الأعمار في أرجاء المدن والحواضر من وفرة الظلال ومسارات التنقل الراجل والدراجات والمساحات الخضراء التي تخفف من آثار المناخ والطبيعة القاسية التي توجد فيها المدن ، وتخطيط الطرق بما يتيح لمستخدمي الطرق التمتع بالأمن والسلامة ودون مخاطر عالية على الأسر التي قد تذهب بالكامل ضحية تداخل الطرق السريعة مع الشوارع ، إلى معايير ومواصفات الاستقلال والاكتفاء الأدنى للأحياء السكنية ، والكثافة الحجمية والعددية للمسطحات الخضراء وتوزيعها اللازم في أرجاء المدينة لتوفير الظلال وتيارات الهواء.  تطوير البيئات المأهولة من مدن وقرى باختلاف أحجامها هو أحد أهم الموضوعات في الهندسة المدنية والتخطيط الحضري ، ويولد الكثير من الابتكارات المحلية والدولية لتحسين الظروف الملائمة لحياة الأفراد والأسرة والمجتمع ككل.

وترى أ. هيا السهلي أن من الحلول للحفاظ على البيئة البرية تحديداً أن يصنف الاحتطاب كمهنة ؛ حتى تخرج العمالة المفسدة والجائرة منها ، وبالتالي صاحب المهنة سيحافظ على مصدر رزقه في الحفاظ على الأصل ، وكذلك سن قوانين في أماكن الاحتطاب وكمياته ونوعه . البدو سابقا كانوا لا يحتطبون من الجذور ، حتى البهائم تفهم وتحرص على البيئة أكثر من بني الإنسان ، إذا رعت لا تأكل جذر النبتة إنما أوراقها !

وعلق د. الرديعان بأن البدو كانوا أكثر رأفة بالبيئة في السابق فلم يمارسوا الرعي الجائر وكانوا يقلصون أعداد الحيوانات حسب ما هو متاح. ويرى د. الرديعان أنه ما لم ينشأ وعي جماعي بأهمية الحفاظ على البيئة البرية فإنه لن يحدث تغيير… من الضروري استشعار الانتماء إلى هذا البلد للحفاظ على بيئته. وعلى المدارس دور كبير في تعميق هذا الوعي. وليتنا نشكل جمعية لهذا الغرض تشبه ما يقوم به أتباع حزب الخضر للحفاظ على بيئتنا.

بينما يعتقد م. خالد العثمان أن الوعي وحده لا يكفي في ظل ثقافة الغنيمة التي تم الإشارة لها سلفاً، مع الوعي بأنه لابد من الفرض والرقابة والعقوبة والتحفيز أيضا، كذلك فإن أحد الحلول أن يكون لدينا شرطة بيئية وهو أحد اختصاصات هيئة الأرصاد وحماية البيئة.

ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه قبل نشر الوعي ، من المهم العمل على إيجاد المتنزه البديل ، ومن ثم يتم نشر الوعي ، ويعقبه العقاب اللازم حسب قانون مكتوب. إيجاد نظام متكامل، وأجهزة رقابية ، قد يصل بنا إلى حل ولو شبه شامل. الانتماء لوحده لا يكفي؛ فقد أكون ذو انتماء شديد لوطني وللبيئة التي أعيش فيها ، لكنني أحتاج إلى متنفس ، أحتاج إلى خدمات بيئية تغنيني عن التمرد إن صح القول.

ومن وجهة نظر د. حميد المزروع فإنه يجب أن يكون أيضا لوزارة الزراعة دور حيوي بالشئون البيئية  وفقا لإمكاناتها ؛ علي سبيل المثال أن تُطلق حملة للإعادة زراعة أنواع محددة من الأشجار المعمرة في المناطق المناسبة ، وإشراك طلاب المدارس بهذه الحملة للتوعية  وتعزيز المسئولية  الاجتماعية عند النشء .

وأوضح د. حامد الشراري أن زيادة حرم حدود المملكة الشمالية ( مع الأردن والعراق) بمسافة قد تصل ٢٠ كم من الحدود الدولية (توسعة الشريط الحدودي)، أعاد الحياة داخل الشريط فبدأت الأشجار البرية تزداد بكثافة وكذلك الحيوانات البرية منها الأرنب البري بوجه خاص.. وهذا ما يلاحظه المسافر في الطرق المحاذية للحدود…وخروج الأرانب البرية من الشريط بعد أن شبه أبيدت بسبب الصيد الجائر.. فقد كانوا يصيدوا حسب حاجتهم ويتجنبوا الأنثى قدر المستطاع … هذا في الماضي! الكل مدرك ما تتعرض له البيئة من دمار، وكتب وتحدث الكثير عن هذه الكارثة التي حلت ببيئتنا في جميع وسائل الإعلام .. لكن ما هي النتائج.!!!. الاستمرار في دمار البيئة دون رادع أو وعي، وقد تم التطرق لأنواع ملوثات البيئة ( نفايات سامة وكيمياوية ونووية والكترونية…الخ)، إلا أن الأمل يحدونا بما نراه من زيادة في الأعمال التطوعية والتوعية التي يقوم فيها الشباب وهو ما نشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي، من هذا المنطلق اقترح – استكمالا للمقترحات النوعية السابقة- التالي:

  • أن تحدد الأولويات لحماية بيئتنا المحلية؛ فالحفاظ على الشجرة الصحراوية وزيادة عددها (الحد من التصحر) ، حماية الحياة الفطرية، وحماية الشواطئ قد تكون لها الأولوية.
  • في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، العمل على استهداف الشباب وتوعيتهم وإشراكهم كأعضاء فاعلين في حماية البيئة. فهناك مجالس شباب المناطق والمحافظات قد يكون لهم دور فاعل في حمايتها والحفاظ عليها.
  • التوسع في إنشاء الجمعيات ذات العلاقة بحماية البيئة وزيادة الرقعة الخضراء.
  • تقييم أعمال وجهود المراكز الوطنية ذات العلاقة بأبحاث البيئة وتطويرها.
  • إعادة النظر في المحميات الحالية والعمل على استثمارها وفتحها للسياح مع إيجاد برامج توعوية تفاعلية للسياح بأهمية البيئة والحفاظ عليها.
  • إعادة النظر في بعض السدود ودراسة أثرها السلبي على البيئة، وعمل مكامن لمياه الأمطار في الأودية والشعاب.
  • تكريم الأشخاص والمؤسسات الفاعلة في حماية البيئة في ملتقى سنوي كبير.
  • فرض رسوم على المؤسسات والشركات التي لها دور مباشر في تدمير البيئة (كمصانع الإسمنت ، والكسارات…)، توضع في صندوق خاص باسم “صندوق حماية البيئة وتنميتها”.
  • إعادة النظر في النظام العام للبيئة وتطويره، الصادر عام ١٤٢٢هـ.

المحور الثالث

تمكين الأسرة من مكافحة التطرف والإرهاب

الورقة الرئيسة: د. علي بن صديق الحكمي

الأسرة هي المعلم الأول للطفل، وهي خط الدفاع وعنصر الوقاية الرئيس من وقوع النشء في التطرف أو اقدامهم على الانضمام لجماعات إرهابية، أو مساعدتها، أو التعاطف معها.  وعندما تقوم الأسرة بدورها بفاعلية، فإن ذلك يقلل من احتمالية انحراف الأطفال والشباب وانتشار التطرف والإرهاب والعنف بشكل عام.

وفي نظرة لواقع الكثير من الأسر في عالمنا العربي نجد أنها تعاني من مشكلات تسهم في تشكل الاتجاهات والسلوكيات السلبية لدى النشء واعتناقهم للأفكار المتطرفة وتحد من قدرة الأسرة على التعامل معها بفاعلية. فالتفكك الأسري، والطلاق، والفقر، والمستوى التعليمي المتدني، وغياب الدور الفاعل للآباء في التربية بالإضافة إلى ضعف المهارات التربوية لدى الوالدين وعدم قدرتهم على إدارة الصراع والتعامل مع موجات الغضب عند المراهقين هي أمثلة لعوامل الخطر التي تتعرض لها الأسرة. كما أن بعض الأسر تشعر بالعجز وعدم القدرة على التعامل مع الأبناء عند ظهور بعض مؤشرات التطرف والعنف عندهم.

إن قيام الأسرة بدورها المتوقع، يتطلب من الجهات الرسمية، والجمعيات الأهلية والمؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية والأكاديمية وجميع المعنيين الإسهام في تمكينها وجعلها قادرة على التعامل مع المخاطر التي يتعرض لها أطفالها، خاصة أن التطرف أصبح في الوقت الحاضر متعدد الاستراتيجيات والأساليب وموظف للتقنية بفاعلية ويستطيع الوصول للطفل والمراهق بسهولة، مما جعل الأساليب التقليدية التي تعتمد على المنع أو التوجيه المباشر أو المراقبة غير فعالة.

وتتنوع استراتيجيات تمكين الأسرة وفقاً للوضع الذي يعيشه الطفل أو المراهق داخل الأسرة، الذي يمكن تقسيمه لثلاثة أقسام رئيسية:

  • أولاً: الوضع الطبيعي، وهو الوضع الذي لا تبرز فيه أي مؤشرات تدل على تأثر الأطفال أو المراهقين بالأفكار المتطرفة، وهذا حال معظم  الأسر، وهنا يكون التركيز على البرامج الوقائية الموجهة، والمستدامة، والتي تُوَفر لها الموارد البشرية والمادية اللازمة ويقوم بتصميمها وتنفيذها خبراء مختصون. ومن أهم استراتيجيات تمكين الأسر بشكل عام في هذا الوضع:
    • تعريف الأسرة (استناداً على البحث العلمي) بالمؤشرات الدالة على تأثر الطفل أو المراهق بالاتجاهات المتطرفة.
    • تعزيز تواصل الأسرة والمدرسة وتعاونهما للتعرف على المشكلات السلوكية والاتجاهات المتطرفة وتمكين المؤسسات التربوية والاجتماعية، وبناء قدراتها لتصبح فاعلة في بناء جسور تعاون مع الأسرة.
    • تدريب الوالدين والمُقدمين على الزواج من الجنسين على المهارات التربوية الفعالة.
    • توفير الدعم والمساندة للأسر التي تعاني أوضاعاً خاصة، مثل الأسر التي يغيب فيها الأب وتكون الأم مسؤولة بشكل كامل عن التربية، أو التي تعاني من التفكك أو استخدام الوالدين للمخدرات أو الإدمان.
  • ثانياً: الوضع الذي تظهر فيه بعض المؤشرات لاعتناق الابن والبنت للأفكار المتطرفة، وهذا يتطلب بالإضافة للاستراتيجيات العامة المذكورة أعلاه:
    • إنشاء مراكز تقدم خدمات الاستشارات الأسرية الميدانية في كيفية التعامل مع المشكلات السلوكية والتربية الإيجابية للنشء.
    • تفعيل دور مؤسسات الصحة النفسية في القطاع الحكومي والأهلي والخيري للقيام بأدوار أكبر في تقديم الخدمات الوقائية والعلاجية والإرشادية والتوعية.
    • توفير خدمات الإحالة (Referral Services) للأسر في حالة حاجة الطفل أو الشاب لتدخلات وقائية أو علاجية أكثر، تقوم بإحالة الأسرة لمؤسسات رسمية أو مجتمعية تقدم مساعدات متخصصة، بما يحقق تعزيز التواصل بين الأسرة والجهات التي تستطيع توفير الدعم لها.
  • ثالثاَ: الوضع الذي يتأكد فيه لدى الأسرة اعتناق أحد أفرادها لأفكار أو اتجاهات متطرفة أو النزعة لأعمال عنف أو إرهاب، وفي هذا الوضع  في الغالب تشعر الأسرة بأنها لا تتوفر لديها المعرفة بالأساليب المناسبة أو القدرة على التعامل معه، أو قد تقدم الأسرة على محاولات قد تزيد الأمر سوءاً أو تعرضها هي للخطر (كما حدث في بعض حالات اعتداء على الأب أو الأم أو أحد أفراد الأسرة والضحايا التي وقعت نتيجة لذلك).

هذا الوضع يتطلب استراتيجيات تقودها الجهات المسؤولة الرسمية ولا تترك الأسرة بمفردها لمواجهته، من أهم الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها:

  • توعية الأسر بالمؤشرات على وجود حالة لديها وكيفية التعامل معها.
  • تسهيل تواصل الأسرة مع الجهة الرسمية المعنية بطريقة سرية تضمن سلامتها وعدم تعرضها للمخاطر وتوظيف وسائل اتصال متعددة.
  • توفير آليات للتدخل السريع حال وجود خطر محدق على الأسرة أو أحد أفرادها.

التعقيب الأول: د. عبدالسلام الوايل

سأركز في تعقيبي على هذه الورقة على بعد آخر يتعلق بالدور المحتمل للأسرة في زرع القابليات لسقوط الأبناء في براثن التطرف.

إن مصطلح “التنشئة الاجتماعية” يشير إلى تأهيل الفرد ليصبح عضواً في المجتمع. و المؤسسات الرئيسية للتنشئة الاجتماعية هي بالترتيب، الأسرة و المدرسة و الأقران. و بحكم غزو وسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا و قضاء الأفراد كثير من وقتهم داخل عالم افتراضي، حتى الأطفال منهم، فإنه يمكنني إضافة هذا العالم الافتراضي كمؤسسة رابعة للتنشئة الاجتماعية.

وموضوع التطرف و الإرهاب بالغ الجدية للمجتمع السعودي، بحكم الظاهرة الإرهابية التي لم تغب عن المشهد السعودي لأكثر من عقدين متواليين. أحد أوجه هذا الظاهرة المقلقة هو طبيعة التنشئة الاجتماعية التي تلقاها هؤلاء الشباب مما جعلهم أدوات طيعة في أيد قوى تتهدد أمن المجتمع و سلامته. و يمكن إثارة السؤال البسيط التالي: أي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، السابق ذكرها أعلاه، مكّن الخطاب الإرهابي من أذهان أبنائنا و جعلهم طيعين في يديه؟ ستكون الإجابة صعبة في غياب بحث أمبريقي صارم. لكن من الملاحظات المباشرة يمكن القول أن أي من مؤسسات التنشئة الاجتماعية ليس بريئا التزويد بالتطرف. وفيما يلعب الأقران و وسائل التواصل الاجتماعي أدوارا بارزة، فإن بعض حالات التورط في الإرهاب تبين دوراً ما للأسرة، إما بدفع الابن مباشرة له كما توضح أحد حالات القائمة الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية الأسبوع الماضي. أو، و هذا الأخطر و هو المعني بقضية هذا الأسبوع، عبر تبني مواقف واتجاهات داخل الأسرة و على طول خط طفولة الأبناء تجعل منهم ثمرة جاهزة للسقوط في الصحن البغيض لشر الإرهاب.

لقد طرح د. علي رؤية منطلقة من مفهوم “التمكين”، ملتزماً بقضية الأسبوع. و هذا قاده بطبيعة الحال إلى طرح أساليب و مقترحات لـ”تمكين” الأسرة من ممارسة دورها في مكافحة التطرف و نزعات الإرهاب لدى أبناءها، منطلقا من فرضية وجود وعيوب بنيوية في الأسرة العربية تحد من دورها في مكافحة التطرف لدى أبناءها و تتمثل بـ”مشكلات تسهم في تشكل الاتجاهات والسلوكيات السلبية لدى النشء واعتناقهم للأفكار المتطرفة وتحد من قدرة الأسرة على التعامل معها بفاعلية.  فالتفكك الأسري، والطلاق، والفقر، والمستوى التعليمي المتدني، وغياب الدور الفاعل للآباء في التربية بالإضافة إلى ضعف المهارات التربوية لدى الوالدين وعدم قدرتهم على إدارة الصراع والتعامل مع موجات الغضب عند المراهقين هي أمثلة لعوامل الخطر التي تتعرض لها الأسرة.  كما أن بعض الأسر تشعر بالعجز وعدم القدرة على التعامل مع الأبناء عند ظهور بعض مؤشرات التطرف والعنف عندهم”. وإذ يصدق هذا التقييم على جزء من الأسر التي وقع أبناءها في براثن التطرف و الإرهاب بسبب عيوب بنيوية داخلها، فإنه لا يشمل أسر سلمت من كل تلك العيوب لكنها أنتجب متطرفين وإرهابيين و نافرين إلى مواقع النزاعات في الخارج بدعوى تلبية داعي “الجهاد”. و أظن أن المدخل للإلمام بهذه الظاهرة، أي ظاهرة الأسر التي لا تعاني من مشاكل عويصة في بناها لكن أبناءها تحولوا للإرهاب، يكمن في التفريق بين مفهومي “التطرف” و “الإرهاب”.

التطرف ليس هو الإرهاب. و إذ يمكن معرفة الإرهاب و معرفة سماته و أصحابه عبر مقاييس واضحة، أهمها استخدام العنف من قبل أشخاص و تنظيمات خارج الدولة لتنفيذ أجندات سياسية، فإن معيرة التطرف ليست سهلة و محل نزاع لا ينتهي. و الفرضية التي أنطلق منها أن بعض البيئات الأسرية “المتطرفة” تحولت حواضن للإرهاب و مفرخة له، حتى لو كانت هذه الأسر متماسكة و لا تعاني من الفقر و ضعف الأدوار الوالدية و خلافه من علل أسرية. و من أجل الوضوح و التحديد، فإني أقصد بالبيئة الأسرية المتطرفة هو ذاك المناخ الأسري الناقم حيال مفاهيم ما، غالباً عقائدية كا “الكفار و الصليبيين …الخ”، قد يكون “نشّأ” الأطفال و برمجهم على تقبل الخطاب الإرهابي و تلقف وعوده و رؤيته للعالم . و بناء على مقاربة كهذه، فإني أضيف للاستراتيجيات التي طرحها د. علي، استراتيجية أخرى تتعلق بإبعاد الأسرة عن مناخ التطرف و ضرورة و عي الآباء بتعاطي لغة إيجابية، سببية، وعقلانية داخل محيط الأسرة بما يبعد الأطفال عن مناخات التطرف و بالتالي يقلل من قابليتهم حين يكبرون لتلقف الخطاب الإرهابي و التجّنيد لأهدافه الوحشية والمدمرة.

التعقيب الثاني: د. عائشة حجازي

أجمع المتخصصون على أن للأسرة دور كبير في تربية النشء حيث أنها أحد أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية. وبذلك أصبح لها دور هام في تعزيز الأمن الفكري ورعاية الأبناء وحمايه عقولهم من الانحرافات الفكرية والسلوكية ، وكذلك دور أعظم في محاربة ظواهر التطرف من أدنى إلى أعلى مستوياتها كالتكفير والتفجير والقتل والإرهاب.

كما شدد كثير من العلماء على أن الأسرة مهما كان حجمها فهي الأساس في بناء وتطور المجتمعات ولها الدور الرئيس في اكتشاف ومعالجة كثير من المشكلات التربوية والاجتماعية وبدون مشاركتها وتحملها للمسؤولية الاجتماعية الشاملة يصعب مواجهة مشكلات المجتمع صغيرة كانت أم كبيرة.  فالكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية ربطت بين كثير من الانحرافات السلوكية وبين دور الأسرة في الوقاية منها ومعالجتها لها.

فدور الأسرة لا يقتصر على توفير النواحي المادية والمعيشية فحسب بل إن دورها يتعدى إلى التربية والتهذيب والتوجيه للأبناء وتعويدهم على المهارات السلوكية الحسنة، فالأسرة مسؤولة عن وقايتهم من الانحراف من خلال إيجاد الجو الأسري المناسب ومتابعتهم ورعايتهم وملاحظة التغيرات غير السوية في سلوكهم وأفكارهم والتعامل معها بشكل سليم.  وعند استعراض العديد من الدراسات التي ربطت بين الأسرة وتعاملها وظهور بذور الإرهاب والتطرف نجد أن أغلبها توصل إلى أن:

  • العنف والإرهاب ظاهرة خطيرة باتت تهدد الأمم والشعوب كلها بدون استثناء.
  • أن للعنف والإرهاب دوافع وأسباب متعددة ومختلفة تحتاج إلى معالجة جذرية للتخلص منها.
  • للأسرة دور كبير في مواجهة التطرف والإرهاب و الانحرافات السلوكية فهي المسؤولة عن أبنائها بالدرجة الأولى وأن التفكك الأسري يسهم في إيجاد مثل تلك المشكلات .

ففي إحدى الدراسات العربية ذكرت أن نسبة كبيرة من الجانحين الأحداث ناتج عن التقصير الأسري مما يدل هنا على أهمية تماسك الأسرة في هذه الفترة من حياة الطفل والتي تساعد في نموه بشكل متزن وسليم وبعده عن الكثير من الانحرافات. ومن الاستراتيجيات التي يمكن العمل عليها داخل الأسرة لتمكينهم من حماية أبنائهم من التطرف والإرهاب وذلك من خلال:

  • توفير مناخ الأسرة المناسب والعدل بين الأولاد والمساواة بينهم في المعاملة.
  • مساعدة الأولاد على حسن اختيار الأصدقاء والجلساء لما له من تأثير عميق على شخصياتهم لأن الأخلاق تنتقل من شخصية إلى أخرى.
  • مراقبة سلوك الأبناء وإبعادهم عن النزاعات الشريرة والعمل على إزالة الحواجز المعيقة للتفاهم بين الأولاد وآبائهم.
  • الكشف عن القدرات الفعالة التي يمتلكها الأبناء وزيادة العناية بمعالجة ما يعانون من مشكلات نفسية واجتماعية.
  • تنمية ثقافة ولغة الحوار واعتمادها داخل الأسرة فهو من الأمور المهمة جدا لفتح آفاق المعرفة وتغير سلوك واتجاهات الأبناء ،كما أنه يسهم في تكوين شخصية الأبناء السوية وهواياتهم  الأخلاقية وحمايتهم من مظاهر التطرف والإرهاب.
  • محاولة إصلاح الأخطاء أولاً بأول بمنظور سليم يقوم على الحزم والعدل والمكاشفة لمختلف الجوانب السلبية.
  • الحوار مع الأبناء وفتح موضوعات ذات طابع خلافي يتعلق ببعض الأفكار والأفعال التي لها علاقة بالانحرافات الفكرية والتطرف والتعرف على نظرة الأبناء لها وتعديل المنحرف منها.

وفي إطار تعقيبي حول هذا الموضوع رغبت بمشاركة بعض المتخصصين وأرباب الأسر ومعرفة آرائهم في الاستراتيجيات والطرق التي تمكن الأسرة من حماية أبنائها من التطرف والإرهاب. فقد ذكر لي أحد الآباء أن لديه ابن عنيف نوعا ما في ردود أفعاله وغضبة وتعصبه في الرأي فقام بجلب عصافير وأسماك وبعض الحيوانات الأليفة للفت اهتمامه وحثه على رعايتهم ليتدرب على الاعتدال في ردود الأفعال اقتداء برسول الرحمة في نشر ثقافة الرفق والرحمة في قوله ما كان الرفق في شيء إلا زانه. وذكرت إحدى الأمهات أيضا فكرة أن ما نحاربه قد يزداد ، مثال على ذلك أنه بدلاً من محاربة البطالة كن مع العمل وبدلاً من محاربة التدخين كن مع الصحة الجيدة وبدلاً من محاربه الإرهاب كن مع السلام.

وأن من الطرق المجدية في مساعدة الأبناء للبعد عن الانحرافات حثهم على الانخراط في مشاريع العطاء والمبادرات التطوعية الخدمية فالدراسات كثيرة حول أن أحد أسباب اتجاه الفرد للفكر المتطرف البطالة والجهل. كذلك حثهم على الاندماج في مشاريع العطاء الخدمية مع الجمهور لما له من نتائج نفسية إيجابية منها ما يحصل في الحج من شباب الكشافة وشباب مكة في الإرشاد والخدمة في الحج. وخلاصة التوصيات التي ذكرت من قبل من تم استطلاع آرائهم من المتخصصين في العلوم الاجتماعية ورعاية الأسرة ما يأتي:

  • التوعية للأسرة والمجتمع بأساليب التربية ودورها في غرس بذور التطرف والانحراف كالقسوة والتدليل والتفرقة في المعاملة.
  • التوعية بأن الثقة لا تعني بأي حال من الأحوال ضعف الرقابة وعدم ملاحظة العلاقات الاجتماعية للأبناء سواء التواصل الانساني أو الإلكتروني ما له أثر في انجراف الأبناء نحو جماعات غير سوية وعدم الانتباه لها إلا بعد فوات الأوان.
  • الانتباه إلى أثر تغير أنماط الحياة للأسرة العربية وانشغال الأبوين بأعباء الحياة مما يجعلهما مغيبان عن دورهما الفطري تجاه أبنائهم.
  • التوعية بتأثير وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وذلك بإبراز أشخاص جاذبين يمثلون النموذج والقدوة للأبناء ويزداد هذا الأثر في ظل غياب القدوة من الأبوين.
  • الإجابة على تساؤلات الأبناء خصوصاً في مرحلة المراهقة والاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص.
  • حث الوالدين على تعلم وممارسة وسائل التربية الحديثة لاستيعاب ومواكبة تغيرات الأجيال.
  • قبول الخلافات ووجهات النظر المختلفة ومعالجتها بطريقة سليمة.
  • تأصيل دور القراءة والاطلاع لدى الأبناء والتشجيع عليه.
  • قبول أفراد العائلة كما هم مهما كانت سلوكياتهم حتى لا يكون هناك انقطاع في التواصل واللجوء إلى الجماعات المنحرفة طلبا للقبول.
  • الانتباه إلى التغيرات التي تطرأ على تصرفات الأبناء وسلوكياتهم ومعالجتها بشكل سريع.

ومن ناحية أخرى فإن للجانب النفسي وعدم استقراره دور كبير في نمو وظهور الانحرافات بكل أشكالها ومن الاستراتيجيات والطرق التي يمكن من خلالها مساعدة الأسرة وتمكينها من تعديل سلوكيات وانحرافات الأبناء التي قد توجههم للتطرف والإرهاب:

  • غرس تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة والقيم المعتدلة كـالرحمة والرفق وحب الخير للغير والتكافل الاجتماعي والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .. والكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة التي تدل على فضل الرفق بعباد الله.
  • العمل على التربية القويمة للمفاهيم الخاطئة لدى الأبناء كنبذ العنف والظلم والعنصرية التي نبذها رسولنا الكريم ” دعوها فإنها منتنة” والحث على تكوين اتجاهات إيجابية تجاه الآخرين والتعايش السلمي مع الغير وترك دور الرقابة والمحاسبة لأفعال العباد لرب العباد والدعوة والإصلاح بالحسنى كلٍ بحسب مجاله واختصاصه ، و الفهم الصحيح لتغيير المنكر فليس من حق أي أحد أن يغير بيده.

هدي النبي عليه السلام الدعوة بالحكمة والرحمة والموعظة الحسنة .. خالصة النية لله لا رغبة فيها لتحزبات ولا تحيزات لصالح فئة ولا طائفة.

  • إشباع حاجات الأبناء في جميع الاتجاهات سواء حاجات معنوية كالتقدير والاحترام وإعطاء الرأي المستقل وإتاحة فرصة لإثبات الوجود بالنقاش أو حاجات مادية وتدريبهم على استغلال أوقات الفراغ والوعي الكامل بإشباع الحاجات بالطرق السليمة التي لا تحمل ضرراً بالذات وبالآخرين.
  • الوعي بأضرار التقنية الحديثة ووسائل التواصل بالفرد غير المحصن حصانة فكرية واعية وحصانة نفسية كافية .
  • الاهتمام الحثيث الجاد بالتعرف على أنماط شخصية الأبناء فهناك الشخصية الضعيفة الهشة من الداخل سهلة الاصطياد وتشرب الأفكار المسمومة، واتخاذ مسار التبعية وإثبات الذات بالطريقة المؤذية للذات وللآخر.
  • اكتشاف جوانب الخلل المعرفي في أفكار الأبناء عن طريق الحوار والاستمتاع والتقبل، بعض الأفكار المنحرفة تتولد من عدم الاستقرار في الانفعال والمزاج وتتزامن معها مشاعر اكتئابية ورغبة في تدمير الذات.
  • تفهم مراحل النمو للأبناء وما تمر به فترة المراهقة من تغيرات هرمونية ونفسية وسلوكية ككثرة التذمر والبحث عن إثبات الذات .. تفهمها بالاحتواء. حيث لوحظ في الأعوام الأخيرة أن النسبة الغالبة ممن قاموا بالعمليات الإرهابية تتراوح أعمارهم بين ١٦-٢١.
  • تعزيز الثقة في نفوس الأبناء وتحصينهم بالأفكار الواعية تجاه خطر الانحراف الفكري وتعزيز احترامه لنفسه وإعمال الفكر والمنطق والنظر للواقع بالحجج الصحيحة والبعد عن التدليس ودحض شبهات الأفكار المنحرفة المتطرفة.
  • تنمية التفكير الناقد وتحليل كل ما يمر على الشخص ليقوم بالتفريق بين الصالح والطالح والرأي السليم والخطأ.

وأخيرا وفي إطار حرص المملكة على رعاية وتثقيف وتعزيز دور الأسرة في الوقاية من التطرف والإرهاب تقام عدة مناشط وملتقيات على سبيل المثال الملتقى العلمي الذي تعتزم جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية إقامته خلال الفترة القادمة في شهر محرم من هذا العام وتسعى فيه لتحقيق عدد من الأهداف منها:

  • إظهار الدور الوقائي الراهن للأسرة في الوقاية من التطرف.
  • التعرف على الوسائل الوقائية لدور الأسرة في الوقاية من التطرف.
  • تعزيز العلاقة بين الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في مجال الوقاية من التطرف.
  • الاستفادة من التجارب العربية والعالمية الرائدة في مجال تفعيل دور الأسرة في الوقاية من التطرف.
  • إبراز أهمية الإعلام في توعية الأسرة والوقاية من التطرف.

التعقيب الثالث: د. منصور المطيري

  • في البدء أشكر د. علي الحكمي على ورقته المركزة و المفيدة التي نحت منحى الواقعية و العملية. وأعلن صراحة أنني أوافقه في كل ما طرح من أفكار، و لا اعتراض على ما طرح ؛ لكن تمنيت ( و الأماني ليست رأس مال ) لو كانت المعالجة لم تُحصر في التطرف و الإرهاب لأنه موضوع قُتل وكُفِّن و دُفن بحثاً ومقترحات .. و يبدو أن الأحداث تتسارع متجاوزة موضوع الإرهاب إلى أخطار أفظع تتعلق بالبقاء و الوجود .. واسمحوا لي أن أسترسل في الحديث حول حواشي الموضوع بعيداً عن صلبه الذي أعلنت موافقتي على كل ما أورد د. علي الحكمي بخصوصه.
  • أشعر أن طرح الأفكار التي تضمنتها الورقة (على قيمتها الرفيعة في نظري) في هذا الوقت كأنها التفاتة إلى الخلف لمتابعة العاصفة التي مرت و أوشكت على التلاشي لنقول لو أننا فعلنا كذا و كذا .. هذه الأفكار الرائعة وصلت متأخرة، و كان حقها أن تطرح و تنفذ قبل خمس عشرة سنة أو أكثر حينما كانت العاصفة تتجمع لتثور، و حينما كان المجتمع بكافة مؤسساته يعيش لحظة الدهشة و الحيرة في التعامل مع الظاهرة.( وأعني ربط معالجة التطرف والإرهاب بالأسرة لا بالأوضاع السياسية مثلاً التي تتسم بالتجدد و التغير).
  • لذلك أتمنى على د. علي و الزملاء تطوير وتحوير الموضوع أو العنوان ليتناول تمكين الأسرة من أداء دورها في مواجهة الانحراف بشكل عام ( الفكري و القيمي و السلوكي ). المستقبل هو المهم فالنظرة يجب أن تكون إلى الأمام .. و المشكلات التي يجب أن نهتم بها كمثقفين هي المشكلات التي هي في طور التشكل و ما تحمله السنوات و العقود المقبلة في رحمها .. و هذا لا يمكن أن يتم دون دراسة متعمقة في واقع الأسرة الحالي وطبيعة الأخطار و التحديات التي تواجهها هذه الأسرة. و من هنا تأتي أهمية استشراف مستقبل الأسرة السعودية.
  • في النظام الأساسي للحكم شكلت المادتان التاسعة و العاشرة اعترافاً طبيعياً لا مناص منه بدور الأسرة كنواة للمجتمع السعودي المسلم الذي يربي أفراده على العقيدة الإسلامية و ما يتبعه من الولاء لله ولرسوله و لأولي الأمر و احترام النظام و تنفيذه و حب الوطن والاعتزاز به. كما نصتا على دور الدولة في توثيق أواصر الأسرة.

وهذا يحتم علينا النظر في المشاريع و البرامج المتنوعة التي تخص الأسرة في مجتمعنا ومدى مساهمتها في إبقاء هذه المؤسسة قوية و متماسكة و قادرة على أداء دورها المعروف المنصوص عليه دستورياً.

  • ترى المدرسة الوظيفية في علم الاجتماع أن دور الأسرة الأساسي يتمثل في تحقيق أمرين أساسيين هما : التنشئة الاجتماعية ؛ و تحقيق الاستقرار في الشخصية.

الأول يتم بتعليم الأطفال المعايير القيمية والسلوك المقبول في المجتمع.

والثاني يكون بتوفير العاطفة والأمان والاستقرار النفسي و الشعوري للفرد.

إذاً هي المصنع الذي تصنع فيه شخصية الفرد، و أي عطل في هذا المصنع سينعكس على جودة المصنوع.

  • في العصر الحاضر الذي يتصف بصفتي الحداثة والعولمة (أي التغريب و الأمركة كما أراها ) و ما تدفعان إليه من التغيير المستمر المتسارع يصبح رأي المدرسة الوظيفية و المدرسة التقليدية التي درج عليها مجتمعنا من إلقاء عبء نقل المعايير و القيم و توفير العاطفة و الأمان على الأسرة وحدها ضرب من العته و العيش في غيبوبة .. حينما نلقي العبء وحده على الأسرة فإننا نحملها ما لا تطيق ، و نسارع بذلك في هدمها وتقويضها لأنها ستعجز عن أداء دورها وستنهار.. حينما نطالب ولي أمر الأسرة و رب البيت بتنشئة الأطفال على القيم السليمة وتوفير التعليم و مصاريف الصحة و تكوين مهارات أطفاله و الحفاظ عليهم من المؤثرات السلبية و توفير الترفيه لهم إلى غير ذلك من الأعباء إضافة إلى المسكن و سائر الضروريات في ظل غياب تام لأي مساندة فنحن نحكم على دور هذا المسكين بالتلاشي والفشل لأنه لن يستطيع فعل ذلك وحده في ظل عوامل أخرى تهدم ما يبني و تنقض ما يفتل. فهناك الإعلام الذي يلقنهم عكس ما يقول رب البيت ، وهناك الرفاق الذين من المحتمل أن يؤثروا عليه سلباً ، و هناك المدرسة التي لا تضيف له شيئا ، وزاد الطين بلة انفراط العقد بوصول وسائل التواصل الحديثة.. إضافة إلى ضمور أو ضعف المؤسسات التي تساعد الفرد على تحقيق معنى وجوده ورغبته في الإنجاز و النجاح.

و لعل من أكبر  الطوام على الأسرة امتداد و طول فترة حضانة الابن و البنت لتصل إلى العقد الثالث من العمر في ظل البطالة أو صعوبة الحصول على مسكن .. و من ناحية أخرى تأتي الأخطار المفاهيمية المدعومة من منظمات دولية التي تقف وراءها الاتجاهات الأنثوية المتطرفة و التي تنادي بالأسرة المبدعة في مقابل الأسرة التقليدية ( التمرد على الزواج كمؤسسة وحيدة و سليمة للجمع بين الرجل و المرأة ) فضلاً عن الطرْق الذي لا يكل و لا يمل ضد توزيع الأدوار الذي رسمته الشريعة بين الرجل و المرأة و في مقدمة ذلك التمرد على قوامة الزوج ، و تصوير العلاقة بين الذكر و الأنثى على أنها علاقة صراع لا تكامل .. ثم يأتي دور فلسفة العمل خارج البيت لكلا الطرفين الزوج و الزوجة أو الأم و الأب الذي تدفع إليه طبيعة الحياة المعاصرة رغماً عن أنف الجميع متجاوزة بذلك الأنموذج التاريخي المتعارف عليه الذي يقوم فيه أحد الوالدين بالعمل خارج المنزل بينما يتولى الآخر شؤون البيت و الأطفال دون الإخلال بممارسة العمل عند خارج المنزل عند الحاجة. هذا التخصص في الأدوار داخل الأسرة  يعني كما يقول عالم الاجتماع الشهير ” أنتوني جدنز ” : أن يقوم الزوج بالدور الأداتي النفعي لكسب الرزق بينما تتولى الزوجة الدور الشعوري العاطفي في الأنشطة البيتية. و من المعلوم ما كتب حول هذا التوزيع من ناحية مساهمته القيمة في الاقتصاد الكلي .

هذا الإشارات السريعة تدفعنا إلى توقع مستقبل الأسرة في السعودية التي لا أعتبرها فريدة أو بدعا في هذا الوضع بل كل المجتمعات تواجه هذه التحديات .. و لكن هناك مجتمعات تشعر بحجم المشكلة فأخذت في التخطيط لتلافي السلبيات المتوقعة لهذا الاتجاه الذي تسير فيه الأسرة . و أظن أن الصين حسب ما قرأت شعرت بتغيرات سلبية في أداء الأسرة لدورها تبعاً لتغير شكلها فلجأت إلى تشجيع الزواج التقليدي المرتب أسرياً إدراكا منها لأهمية الحفاظ على الأسرة في شكلها التاريخي المعروف.

  • أقصد من كل ما سبق أن الأسرة تواجه تحديات ضخمة في ظل هذ التغيرات السريعة المتلاحقة تهدد وجودها و ستؤدي إلى ظهور مشكلات أشد من التطرف قد تكون على شكل انحلال أو انصراف عن الزواج بالكامل كما حصل في بعض المجتمعات الغربية، مع ما يتبع ذلك من خلل في نقل القيم و ما يتبعه من خلل عاطفي و وجداني. و لذلك فلا مناص من التخطيط الحكومي الداعم للأسرة والمحافظ عليها بالشكل الذي حدده الشرع .. و من ذلك النظر بجد في فلسفة عمل المرأة من ناحية البيئة التي تعمل بها ومن ناحية تقليص ساعات عملها، وتشجيعها على دورها الأسري بدلاً من تزهيدها فيه. و لعل مجلس الأسرة الذي أقر إنشاءه مجلس الوزراء يسهم في تجلية مشاكل الأسرة السعودية و التخطيط لها بشكل سليم. و الاهتمام بتوحيد الرسالة التعليمية و الإعلامية و الشرعية و الترفيهية لتصب في خانة تقوية وتعزيز دور الأسرة ..فمن الحقائق الثابتة أن الانحراف الفكري و القيمي و السلوكي مرتبط غالباً بضعف البيئة الأسرية غير المتماسكة و غير القادرة على ضبط سلوك أبنائها مما يعني تلقائياً أن تتشكل شخصيات هؤلاء الأبناء بعيداً عن إطار الأسرة و قيمها السليمة.

و لذلك فإن تفعيل كافة المؤسسات الحكومية ذات المساس المباشر بالأسرة والشباب كالتعليم و الإعلام و الإسكان ورعاية الشباب والمؤسسات الدينية والمؤسسات الخيرية والتطوعية ، و فوق ذلك التوظيف أصبح ضرورياً لتقوم الأسرة بدورها .. لابد من مساندة الدولة والمؤسسات الخاصة و التطوعية..

  • في ما يتعلق بموضوع التطرف والإرهاب كنت و لا زلت أرى أن ما يحصل من استقطاب لبعض الشباب هو جهد تنظيم ( منظمة ) يستغل الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية و الفكرية لبعض الأشخاص في جميع أنحاء العالم و ليس فقط السعوديين لتجنيدهم و ضمهم لهذه المنظمة . والغالب أن هذه التنظيمات تنجح في جعل ولاء أتباعها لها أقوى وأشد بمراحل من ولائهم لأسرهم و أوطانهم .. ولكونه عمل تنظيم فإن الأعم الأغلب من الأسر لا تعلم عن انضمام أبنائها للتنظيم إلا عن طريق الجهات الأمنية؛ لأن من أشد خصائص التنظيم السرية و التكتم. هذا ما يحصل. و لذلك فإن لوم الأسرة خطأ في نظري إلا في حالات معينة حين إخلالها بواجباتها المعروفة.. أنا شخصيا أعرف شاباً كان رفيقاً لوالده في سفراته ورحلاته و كانا معاً يجهزان ويؤثثان شقة الولد للزواج و فجأة تفاجأ الوالد بسفر ابنه إلى العراق منضما لداعش..

تبقى قضية القابلية للاستقطاب عند بعض الشباب السعودي حيث يعود بعض ذلك في رأيي إلى عوامل متعددة لعل من أهمها فشل الأسرة في أداء دورها لانعدام المساندة لها؛ فالأسرة السعودية تعرضت لتغيرات عميقة خلال مراحل التحديث التي مرت بها المملكة مما أفقدها قوة الضبط الاجتماعي و فاعلية التنشئة التي كانت تتمتع به قبل تعمق التحديث.. وأتمنى تشجيع الباحثين لإيجاد طريقة يعاد بها تفعيل دور الأسرة الممتدة بدلاً من ترك الأسرة النووية تصارع وتعاني ( قد يكون حلماً فالواقع قطع مرحلة بعيدة بعيدا عن الأسرة الممتدة ).

المداخلات حول قضية: (تمكين الأسرة من مكافحة التطرف والإرهاب)

  • الأسرة و تحصين الأبناء من التطرف والإرهاب: الدور والفاعلية

أشار د. عبد الله بن صالح الحمود أنه سيعرض قبل أن يشرع في مداخلته تعريف مختصر عن ماهية التطرف والإرهاب حتى يستطيع من خلال المداخلة الموازنة في الطرح بين هذين الأمرين ، وهل كلاهما يعطينا معنى واحد ، وأيضا هل درجة الضرر الذي يقع منهما يأتي في تساو واحد أم لا.

التطرف :

هو مصطلح يستخدم للدلالة على كل ما يناقض الاعتدال ، زيادة أو نقصان، ولأن الاعتدال يأتي نسبيا بطبيعة الحال ، فضلا عن تباينه من مجتمع لآخر وفقا لقيم وثقافة كل منهما ، فقد تعددت مفاهيم التطرف وبالتالي من الصعوبة تحديد أطرها .

ومع ذلك لابد لنا أن نؤكد أنه مهما يكن أمامنا من العديد من التعاريف حول التطرف إلا أن الأمر هنا يحتم أن نؤمن من أن هذه المفردة تعني نقيض الاعتدال ، من هنا يمكننا القول أن التطرف بإيجاز هو :

  • التطرف هو الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع .
  • التطرف هو اتخاذ الفرد أو الجماعة موقفا متشددا إزاء فكر أو أيديولوجيا قائمة أو قضية قائمة .
  • التطرف قد يكون إيجابيا، يتمثل بالقبول التام لذلك الفكر الأيديولوجيا أو القضية ذاتها ، أو سلبيا أيضا ويتمثل بالرفض التام لهما .
  • التطرف هو أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى الإرهاب، فقد حدثت العديد من الوقائع الإرهابية نتيجة بلوغ التطرف إلى منتهاه الذي أضحى هو الإرهاب بعينه.

الإرهاب:

هو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة، بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية.

وبهذا تكونت للإرهاب أنواع عدة وكذا الأشكال التي يتخذها وهي ( الإرهاب الفردي – الإرهاب الجماعي الغير منظم – الإرهاب الجماعي المنظم – الإرهاب الدولي ).

ولعنوان القضية الذي يبدأ بمفردة ( تمكين ) ، قد أتى بشمولية لأن مفردة تمكين اتبعت بمفرده الأسرة، ولأن الأسرة مكون من أب وأم وأولاد، فهذا يعني أن عنوان القضية ألقى بالمسؤولية على كافة أفراد الأسرة مجتمعين ، فإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن المسؤولية لا تقع على عاتق الأبوين فحسب ، لأن الأسرة هي مجموع أفراد يعيشون تحت سقف واحد ، وباعتبارهم متضامين في توجهاتهم إذا ما أردنا أن تكون الأسرة هي المنتج للتربية.

بينما إذا ما حصرنا المسؤولية على الأبوين، وهذا ما يفترض القول فيه، لا أن نجعل من الأسرة بمفهومها السبب الرئيس تربويا ، والذي منها وفيها الصالح وغير الصالح، ومنها من تقع عليه مسؤولية التربية ومنها من لا مسؤولية عليه.

ولكون التربية الصالحة وغير الصالحة تتأتى في الأصل من النبتة التربوية سواء من الأب أو من الأم ، من هنا نقول أن المسؤولية تقع على عاتق الأبوين دون غيرهما .

ولكن لا يمكن أن نضع المسؤولية التربوية على الأبوين فحسب ، فالمجتمع برمته مسؤولا مسؤولية غير مباشرة في مشاركة الأبوين في بناء جيل صالح .

وقال د. خالد الرديعان في مداخلته: أختلف طبعا مع الطرح المقدم في هذا الموضوع تحديدا وأجادل بقوة أن الأسر عموما هي التي بحاجة إلى تحصين من التطرف بشتى صوره فكريا ودينيا.  الطفل هو جزء من منظومة الأسرة “المتطرفة” وبالتالي فإنه نتاج تنشئة هذه الأسرة المتطرفة التي لن تستطيع أن تقدم له الكثير في هذا الجانب ففاقد الشيء لا يعطيه.  إن قولنا أن الابن في الأسرة قد يتطرف بمعزل عن تأثير الأسرة قول فيه تطرف لأننا نعتقد أنه منفصل عن أسرته وأنه يخضع لتأثير عوامل خارجية أكثر من تأثير الأسرة نفسها.

كلامي هنا قد يغضب البعض لكنني صادق معكم لاعتقادي أن بعض الأبناء قد يتشربون التطرف من والديهم أو من إخوتهم.. نعم الأسرة لا تدفع ابنها للانضمام إلى جماعات متطرفة ولا تتحدث له عن الولاء والبراء وتكفير الحاكم، ولكن ممارسة أفراد الأسرة لبعض السلوكيات وترديد بعض الأقوال قد يعمق التطرف عند الابن بطريقة غير مباشرة أو غير مقصودة.. ما أقترحه بهذا الخصوص هو أن تتوجه برامج التوعية ضد التطرف نحو الأسرة بشكل عام والوالدين تحديدا. لن اختفي خلف أصابعي؛ فطريقة تديننا وتنطعنا في كثير من الأمور يعمق التطرف عند أطفالنا وبالتالي فنحن نحصد ذلك في زيادة وتيرة التطرف عند أبنائنا.

وعقب د. علي الحكمي على ما ذكره د. خالد بقوله: أن الأسر عموما تحتاج تحصين من التطرف، لكن بصراحة استغرب من القول بأن الابن في الأسرة قد يتطرف، قد يتطرف بتأثير عوامل خارجة عن الأسرة.  الواقع أن هذا يحصل كثيراً. بعض المتطرفين تربوا في أسر غير متدينة. التطرف له عدة أسباب. بعضها من الأسرة وبعضها من خارجها. أيهما أكثر تأثيرا نحتاج دراسات علمية تحكم.

وأكد م. خالد العثمان أن الأسرة برأيه هي أحد أهم أسباب التطرف إما باحتضانها للفكر المتطرف أو لتغافلها عنه نتيجة تفككها وتشتتها. التطرف ممارسة تمس تقريبا كل جوانب حياتنا .. حتى في القيادة في الطرق وفي التعصب الرياضي وغير ذلك الكثير .. علينا ترويض عقليات النشأ لتقبل الرأي الآخر حتى يمكننا أن نحاصر التطرف بصوره المختلفة.

وأوضح د. خالد الرديعان أن فكرته بسيطة وهي أن الأسرة ربما كانت متطرفة فكيف تحمي أبناءها من التطرف وهي التي قد تمارسه. ورمي تهمة التطرف على عوامل خارجية غير الأسرة قد تكون فرضية خاطئة.  وعندما قلت أن الأسرة هي ضحية أخرى للتطرف فإنني أقصد أبعد من ذلك. أردت القول أن التطرف وثيق الصلة بخطابنا الديني اليومي وبممارساتنا، وأن أول ضحاياه هم الأسر أنفسهم وبالتالي كيف نتوقع من الأسرة أن تكون سدا منيعا في وجه التطرف وهي التي بحاجة إلى من يساعدها.. وقد كتبت أن فاقد الشيء لا يعطيه فلا نتوقع من الأسرة ما لا تستطيع القيام به.

وبالطبع فإننا نتفق جميعا أن للتطرف عدة أسباب وأن هناك عدة متغيرات تؤثر في هذه الظاهرة والأسرة أحد هذه المتغيرات بما تتعرض له من مؤثرات وإرهاصات أشارت المداخلات إلى بعضها ولذلك لن أكرر ما ذكر. مشكلة أخرى تثير حفيظة البعض وتحد من بحث الموضوع هو القول “أننا متطرفون بصورة أو أخرى”؛ إذ حالما يأتي من يقول هذه العبارة فإنه ينبري البعض لنفيها وربما تخوين قائلها، بل إن البعض يحاول أن يسوق عدة أدلة للبرهنة اننا “وسطيين”… ما لم نعترف بأننا متطرفون في كثير من الأمور وإن بنسب متفاوتة فإننا لن نتقدم خطوة واحدة في علاج المشكلة. يجب أن نتحلى بالشجاعة الكافية ونواجه أنفسنا ونحدد مواطن الخلل ونعالجها لأن هذا من متطلبات النجاح وتصحيح الوضع القائم.

نحن والحال كذلك أشبه بالمريض الذي لديه علّة قاتلة لكنه ظل ردحا من الزمن ينكر وجودها. وحتى عندما اعترف بوجودها فإنه نسبها إلى أسباب لا تخص جسمه ونظامه الفسيولوجي؛ بل هي بنظره عدوى من جسم خارجي يكيد له المكائد ويسعى لفناءه. هذه اللغة الخشبية لم تعد مفيدة وبالتالي علينا أن نشخص علتنا بأنفسنا وأن نعرف مصدرها ونعالجها دون أن يخبرنا غيرنا ماذا نفعل بها. أما القول أن الأمور على ما يرام وأن الوضع مطمئن فهذا لن يحل المشكلة. وحتى لا يكون الكلام مرسلا أشير إلى عدة أمور يرى الجميع التطرف فيها ومنها:

  • قضايا المرأة وهي كثيرة.
  • قضية الفنون، والترفيه ودور الترفيه والموقف منهما.
  • قضية عمل المرأة وبعبع الاختلاط الذي يقف سدا منيعا في وجه سعودة قطاع العمل.
  • الموقف من الانتاج الأدبي وشل الإبداع بداعي الخوف من التغريب.
  • سهولة الصاق تهم العلمنة والليبرالية على كل من يطرح فكرة مختلفة عن السائد.
  • الموقف من التحديث في كثير من القطاعات وخاصة قطاع التعليم والمناهج.

كل من يقف بوجه ما أشرت إليه هو فكر متطرف يتدثر بالدين ويفرض أجندته على المجتمع ويجيش من أجل ذلك الغوغاء لشل كل جهد مخلص يصب في مصلحة البلد.

واتفقت أ. فاطمة الشريف مع ما ذكره د. خالد من أن الأسرة هي أحد الحواضن الرئيسة للتطرف وأحد منابته وعلاج الأسرة أبدى من تمكينها لعلاج التطرف؛ سواء كان هذا التطرف دينيا أو فكريا أو حتى اجتماعيا.

وذكر أ. خالد الحارثي أنه ليس القصد إنكار الأسباب والبيئات ولكن أن لا نغيب أن الدافع الذاتي بمعزل عن الأسرة؛ فالدافع الذاتي والاستعداد النفسي أولا وكذلك تأثير المجتمع والتشريعات.

كما أشار إلى أن قول أ. فاطمة بأن الأسرة أحد الحواضن الرئيسية، فيه تطرف ضد الأسرة؛ فالاستثناء أن تكون الأسرة متطرفة وإلا كنا نتقاتل في المجتمع.

وبدورها أوضحت أ. فاطمة الشريف أن التطرف صحيح له عدة أسباب ودون قصد التعميم لكن تبقى الأسرة هي السبب الأهم في اعتقادها، وتبقى الأسرة عامل مهم ورئيس في ظهور التطرف وفي تبنيه لدى أطفالها مهما تنوعت الأسباب الخارجية. صحيح لا يمكن حصر التطرف فقط في الأسرة وإن كانت الأهم لكن يبقى العديد من العوامل والمؤثرات البيولوجية أحيانا والاجتماعية والثقافية والدينية التي تؤدي بشكل أو بآخر إلى تطرف الشخص أو تبنيه فكر متطرف خارج عن الوسطية المتعارف أو المتفق عليها وإن كانت نسبية كما أشار د. خالد سابقا.

ومن جانبه قال د. عبدالله بن ناصر الحمود: من الأمور المستقرة في العلم اليوم أن الحياة  (حالة) من العيش في واقع (متعدد المتغيرات). وتلك (المتغيرات) تتحكم في تلك (الحالة).

يمكن مثلا الرجوع لكتابات من نوع:

Life Balance: Multidisciplinary Theories and Research

لكاترين ما توسكا

وكافة الأطروحات التي تنظر بواقعية علمية للأشياء. وعليه .. لا يمكن الحديث عن متغير واحد (الأسرة مثلا) لمناقشة قضية جوهرية من قضايا (الحياة). هذا اللجوء .. لمتغير واحد هو نتيجة (هروب ضمني) من مواجهة (المسؤولية الكلية) لبناء حياة إنسانية راشدة. فلا يمكن الحديث عن دور (الأسرة)  في حماية النشء من التطرف مثلا .. دون الوعي الكامل بكافة (المتغيرات) التي تتحكم في هذه الأسرة.  ومن هنا.. يمكن فهم الدور الحقيقي للأسرة في تربية النشء مقابل حوامل ومناط الأدوار الأخرى. فعند اختلال السياق العام لكافة المتغيرات لن تكون الأسرة سوى (كبش فداء) لإحباطات مجتمع .. لا تستطيع الأسرة فيه فعل كثير من الأشياء وبالتالي.. حتى ننصف في تحديد الدور الدقيق والمهم جدا للأسرة في قضية من نوع  التطرف.. يجب أولا فحص حقيقة كافة المتغيرات المتحكمة في الأسرة والمؤثرة عليها وعلى موضوع التطرف نفسه. مثلا.. إذا كانت وسائل الإعلام تثير القلق الفكري في المجتمع بشدة.. وإذا كانت منابر المساجد تدعو على الإعلاميين وتزندقهم.. وإذا كانت المدرسة تعبث بالتعليم كما يشاء كل معلم وكما يعتقد هو في ضرورات الحياة.. وإذا كان الشارع منفلتا دون قانون في الأخلاق العامة والتعاملات.. فإن تحميل الأسرة وزر تطرف النشء أو حمل صلاحه.. أمر لا يستقيم عقلا.. ولا علما..

وفي تصور أ. ليلى الشهراني فإنه لا يمكن بحال من الأحوال وضع كامل اللوم على الأسرة في تطرف الأبناء ، وأيضا لا يمكن أن نقلل من دورها في تغذية التطرف لديهم ، فالأسرة هي الحاضن الأول ومنها يتلقى الأطفال كل السلوكيات إن خيرا فخير وإن شرا فشر .

في الحديث الشريف (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وهذا ينطبق على كل ما تغرسه الأسرة في الأبناء . ليس بالضرورة أن يكون التطرف نابع من تشدد ديني ، قد يتطرف حتى الأشخاص المفرطون ، ولو نظرنا لبعض رموز الإرهاب أو المتطرفين نجد أنهم تحولوا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وفجأة أصبح لديهم كل هذا العنف والتطرف . بعض الأسر تدفع بالأبناء دفعا إلى محاضن الإرهاب ، إما بالشدة المبالغ فيها في أمور الدين والدنيا فحولت عقولهم لأقفال محكمة ما يدخل فيها من قناعات أو أفكار من المحال تغييره ، أو بإهمالهم مما يسقطهم في مستنقعات التطرف الأخلاقي أو الديني وكلاهما يؤدي في النهاية للتطرف أو الجريمة .أنا لا أقول بتطرف الأسر إجمالا .. عندنا لكن يمكن أن أقبل فكرة أن السمة الغالبة (للسلوك الجمعي) للأسر هي التشدد.. حتى لو كانت الأسرة داخل أسوارها متحررة. هذه السمة.. جعلت المنظور العام للمجتمع فيه تشدد ظاهر.. كما ألقت عبئا كبيرا على الأسرة عندما (حمانا الله جميعا) ينحرف أحد أفرادها تطرفا.. أيا كان نوع التطرف يميني أو يساري..  وبالتالي من أولويات العمل على تمكين الأسرة من وقاية أبنائها من التطرف والإرهاب.. تنظيف البيئة من التشدد. فالتشدد وقود التطرف.. والتطرف وقود الإرهاب..

أما ما دون ذلك فهو من باب حماية الذات..   بمعنى أن تقوم الأسرة بجهود ذاتية لحماية أبناءها من مشكلات موجودة في بيئتها..

ويرى د. حمزة بيت المال أن الأسرة أصبحت الجدار المنخفض الذى نرمي عليه كل مشكلة تظهر في المجتمع. الأسر مثل ما ذكر الزملاء سلفاً هي جزء يسير من المشكلة خصوصا موضوع التطرف؛ كلنا كنا نسعد عندما ينتظم أحد أبناء الأسرة في جماعة تحفظ القرآن… لكن عرفنا لاحقا أن هذه كانت هي حاضنات الإرهاب الأولى… كنا كأسر نثق في المدرسة لكنها خذلتنا بسبب عدم وجود جهات مستقلة تراقبها…ولعل السبب معروف لأنه حتى إدارة بعض المدارس كانت هي جزء من المشكلة. باختصار إن الأسرة ضحية؛ فكلنا أرباب أسر وكل واحد يكافح مع زوجة ومجموعة أبناء: {بنات أولاد، مستويات معرفية متفاوتة، مراحل عمرية متعددة، كل واحد له احتياجات مرحلية مختلفة} وكل هذا على رأس الأب والأم المساكين.

وأضاف د. مساعد المحيا: يوجد تطرف في النظرة لمجتمعنا وللأسر التي تمثل هذا المجتمع الطيب والوسطي فعلا … يؤلمني كثيرا أن نكون متطرفين في حكمنا على مجتمع شذ منه قلائل، وشذت منه أسر قليلة، لماذا هذه النرجسية؟ لماذا نرى أننا الأطهار وغيرنا غير ذلك؟ أرجوكم وأدعوكم أن تتأملوا خطورة هذا الخطاب، وأرجوكم أن تتوقفوا عنه وأن لا ينشر فهو كارثة فعلا ..لنكن منطقيين يا سادة، أفهم أن تقولوا هناك أسر متطرفة، وهناك متطرفون؛ لكن أن نجعل التدين والالتزام والمحافظة تطرفا فهذا سوء في التصور والفهم … أسوأ ما نفعله نحن الباحثون هو أن نتقاذف كرة اللهب ونحن ندرك تماما أن الأسر لو كانت متطرفة لأنتجت لنا كل أسرة على الأقل ثلاثة متطرفين؛ يعني يفترض أن نكون أمام أكثر من عشرة ملايين متطرف وإذا أضفنا إليهم ربا الأسرة المتهمين بالتطرف ظلما سيكون لدينا خمسة عشر مليون متطرف .. هل هذا معقول!!

نحن نشاهد شبابنا في الملاعب وفي المساجد وفي المدارس وأكثرهم عاديون جدا ، وهؤلاء تقريبا يمرون بالظروف والبيئة نفسها .. لماذا هناك فئة قليلة انحرفت بينما غالب شبابنا الذين يعيشون ذات الظروف لم يختاروا الطريق نفسه؟ هذا وحده كاف للوصل لرأي منصف تجاه الأسرة …

أحدهم تطرف ووصف المجتمع بالتطرف وهو يستمتع كثيرا باتهام المجتمع بذلك، ولكي يخرج بتطرف آخر اتهم مشجعي أندية الهلال والنصر بالتطرف وأن سلوكياتهم سببها البيئة المتشددة التي يعيشونها ..هذا الرجل من فرط تطرفه نسي مثلا أن مشجعي هذين الناديين في كل مدن المملكة بما فيها منطقته …البعض يحمل المجتمع كل المشكلة، ويضع المسؤول في دائرة المكافح من أجل إخراج ما يسميه هذا المجتمع من العزلة …أي أن المسؤول بريء والمجتمع هو المتهم .. وهذه لا أراها تناسب النخبوي إطلاقا ..

الانصاف عزيز ومطلوب، سأضرب مثالا: في اليوم الوطني هناك من يرفض الاحتفالات فيه وهؤلاء إما طلاب علم أو دعاة أو من عامة المواطنين …نحن نغضب من هؤلاء ونصفهم بالتشدد .. وهذا عندي مقبول، أعني وصفهم بالتشدد؛ لكن هناك من رموز هيئة كبار العلماء من يتبنى هذا الرأي ويشدد فيه وله فتاوى مكتوبة وبالصوت والآخرون يأخذون برأيه .. هذه الشخصية من اختارها ومن جعلها في قمة هرم العلماء .. وكيف يقول ما يقول دون أن يغضب منه هذا المسؤول ..هذا الأمر يحيرني كثيرا، وهو مما يجعلني في أحيان عديدة لا أتقبل أن نقسو على الجمهور وبخاصة الأسر .. الأسرة مسكينة لا حول لها ولا طول، بل أكثر الأسر تكافح من أجل الحصول على معيشة كريمة ، وتبذل الكثير من أجل استصلاح أبنائها؛ لكن المؤثر الأكبر اليوم هو خارج الأسرة  وربما خارج المدرسة.

وعقبت أ.د. سامية العمودي بقولها: أخشى أن نفقد الرغبة في الحوار فنحن نواجه بمن يكيل التهم بمجرد محاولة معالجة الوضع، نحن مطالبون بالشفافية مع أنفسنا لكن كيف نعالج ونحن ننكر كيف نناقش ونحن غير مقتنعين أن لدينا مشكلة من يكسر هذه الحلقة المفرغة.

وذكر د. الرديعان أن هناك عقلية ترّبت على التشدد والتطرف فحتى لو أفتى لهم بعض الشيوخ المعتدلين ببعض القضايا فإنهم لا يتقبلون ذلك لطول أمد تشددهم وتجذره في عقليتهم ومن ثم يصعب تقبلهم لمظاهر الحياة الحديثة والفتاوى المعاصرة.  عقليتهم نتاج عقود من التشدد وبالتالي يصعب تغيير مواقفهم أو مؤازرتهم للحكومة في كل ما تتخذه من قرارات. وفوق ذلك فإنهم يؤلبون العامة من قليلي العلم لعرقلة خطط الحكومة. مؤكد أن الحكومة تطمح نحو تحديث المجتمع كبقية الحكومات، ولكنها تواجه بزعيق هؤلاء ومن ثم تتراجع عن كثير من الأمور. اشفق كثيرا على من هو في موقع اتخاذ القرار فهو بين نارين. نار الرغبة في التحديث والإسراع به للحاق بالركب ونار المتشددين ممن يعرقلون خططها.

والسؤال هو عما هو غير متاح كما يقول د مساعد لماذا هو ليس متاحا؟ لماذا لم نتدرج في إدخاله في المجتمع منذ عدة سنوات؟ ألم يكن هناك كوابح اجتماعية حدت من كل ذلك؟ ماهي هذه الكوابح إن لم تكن التشدد والتطرف؟

وأشار د. حميد المزروع إلى أن الفئة السنية الصغيرة في المجتمع السعودي (٦-١٦)، تعيش مرحلة يمكن تسميتها بالمرحلة الانتقالية التائهة أو المختلطة ما بين القيم النظرية ( الغير ممارسة ) للأسرة السعودية التقليدية ، والمنفتحة علي قيم ومعايير الأسرة الغربية .

وفي تصور أ. مطشر المرشد أن المجتمع والأنظمة المعمول بها خاصة في الدوائر التي تمس حياة ويراجعها جميع أفراد الأسرة يجب تطويرها وتحسين أدائها.. كثير من الأسر تعاني من الإحباط والقهر بسبب البيروقراطية ، غياب العدل ، ضياع الفرص ..الخ . بعض الأسر يسيطر عليها الاحباط وتنعزل …وحين تعاني الأسرة من القهر والعزلة ولمدة زمنية طويلة، سوف تتكون لدينا أجيال من الشباب المحبط والمشحون لتتلقفه التيارات، بل نجد أن بعض الشباب يتنقل بين التيارات جميعها ويمارس جميع انحرافات التيار المنتمي إليه بتطرف.

ومن جهته قال أ. سمير خميس: عندما نعذب الطفل في المنزل ونحرمه من طفولته في محيطه الاجتماعي فنحن بذلك نساهم في ظهور التطرف بيننا.. عندما نحجر على المراهق ونعامله مثلما نعامل المجرمين ونحاول أن نزيد عواطفه المتأججة كبتاً فنحن بذلك نساهم في ظهور التطرف لدينا.. عندما نصوب سهامنا تجاه المرأة ونلزمها بعادات بالية ما أنزل الله من سلطان باسم الحجاب وباسم سد الذرائع وباسم محاربة الاختلاط فنحن بذلك نساهم في ظهور التطرف لدينا.. عندما نعادي الجسد الإنساني وجمالياته ونفسق كل ما يتعلق به من فن أو موضة أو رياضة بدنية أو فكرية فنحن بذلك نساهم في ظهور التطرف..

عندما نهمل حق كبير السن لدينا ونعتبره حالة ميؤوساً منها تتقاذفها الأبناء فنحن بذلك نساهم في التطرف.. عندما تشيع النظرة السلبية من المجتمع وإليه وتنغلق بوادر الأمل ونرسم صورة سوداوية له من خلال اعتبار أي محاولة للتعبير عن النفس أو الرأي خرقاً للصف الوطني أو اللحمة الوطنية، وعندما نعتبر أي محاولة شبابية للتفرد ما هي إلا طيش وسواليف صغار، وعندما يسود خطاب التحريم لأي شيء حتى لأشياء أمرنا الله بالسكوت عنها فحتماً سينشأ التطرف والتشدد ..

التطرف ليس فقط في مختل يحمل سلاحه ويقتل جنوداً مستأمنين في نقطة تفتيش. التطرف ليس فقط قنبلة يفخخ بها مجنون سيارته ثم يفجر بها وسط معاهدين لنا ومعاهدات.. التطرف نلحظه في العنف الذي يسود علاقاتنا في الشارع والطريق والملعب والسوق.. التطرف نلحظه في مقاطع التحرش التي نتناقلها كما لو كنا نتناقل نكتة.. التطرف نخافه في سياراتنا عندما يناهز عدد ضحايانا عدد الحروب والكوارث.. التطرف عندما نقبح الجميل، ونفسق المباح، ونحارب المسموح ونأبى إلا أن نعكس فطرة الله التي فطرنا عليها.

وأوضح أ. مسفر الموسى أن الغلو والتشدد والتطرف – من حيث انتشار المصطلح – مصطلحات متقاربة.. جميعها تستخدم لتحقيق معنى Extremism

وفي السياق ذاته، قال م. حسام بحيري: الأسرة لا تتحمل العبء الكامل في انتشار التطرف. كم من الأسر المتعلمة المثقفة والتي تمارس الوسطية والتعقل في أسلوب حياتها وجدوا أن أبنائهم انحدروا في طريق التطرف وذلك بسبب الفكر المجتمعي المحيط بهم. مهما علمنا أولادنا في منازلنا في النهاية سيخرجون للمجتمع للاحتكاك به وماذا سيجدون أمامهم؟ ماهي الأعراف والمقاييس المقبولة في مجتمعنا العام؟ ماذا يقرؤون ويلقنون ويتوقع منهم خارج إطار المنزل أو البيئة القريبة المحيطة بهم؟ هذه المقاييس والمسلمات والأعراف هي التي ستؤثر على طريقة تفكيرهم وسيتبعونها في النهاية ليلقوا الشعور بالانتماء والتقبل من المجتمع الذي يتعاملون معه والذي يؤثر تأثير مباشر في تفكير الأفراد. للأسف لا يوجد لدينا Political Correctness أو التصحيح الفكري السياسي والاجتماعي المطلوب من كل المواطنين إتباعه كمواطن سعودي بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية أو المناطقية أو المذهبية. ماهي المسلمات الذي لابد أن يقبلها المواطن ويرفضها؟  هل الزواج من طفلة عمرها ١٠ أو ١١ سنة مقبول اجتماعيا حتى لو كان مشروعا؟ نفس الموضوع ينطبق على مدى انطلاق تفكيرنا في أمورنا الدينية. هل واجبي اليوم كمواطن مسلم عربي سعودي أن أذهب لأجاهد في بقاع الأرض حتى لو كان مشروعا؟ مشكلتنا أننا منذ فترة طويلة ألغينا العادات والتقاليد والأعراف وأصبحنا ننظر إلى كل شيء من منظور واحد وهو هل الأمر شرعي أو غير شرعي وبناء عليه اتبعه بغض النظر عن القوانين الموجودة والتي وضعت لحماية المجتمعات في المقام الأول. أي قانون موجود لم يذكر في الشرع يصبح تلقائيا لاغي في أذهان الناس، لا يتبع ولا يعمل به بل بعض الأشخاص يذهبون لتحريمه. المسؤولية تقع على عدة أطراف وليس طرف واحد. الأسرة, المدرسة, المجتمع.  هذه الأطراف الثلاثة هي التي تصقل الشخصية وتحدد اتجاه الفكر ليس فقط في مجتمعنا ولكن في كل مجتمعات الدول المتحضرة.

وقال أ.د. عبدالرحمن العناد: الأسر السعودية … بحسن نية … تفرح وتهلل وتكبر وتصفق عندما ترى علامات الالتزام على الابن، ويزداد اهتمامها به مقارنة بإخوانه ويتم الترويج له بين الأقارب والأصدقاء والمعارف فيتحول إلى نجم وقد وصل ثوبه إلى ركبته ولحيته إلى صدره، ثم يختفي!!! نحن مسؤولون وندفع أبنائنا دفعا نحو الغلو والتطرف.

وذهبت أ. علياء البازعي إلى أن هناك جانب مهم جدا و هو التناقض الذي يعيش فيه هؤلاء الأبناء سواء في الأسرة أو المجتمع…تشجع الأسرة التدين المظهري لكن لا تهتم بالسلوكيات…يقرن التدين بالتجهم…يتدين و يقذف.. يتدين و يكذب.. يحلل لنفسه ما يحرم على أسرته…هنا تنشأ شخصية غير سوية تحاول إثبات وجودها بكل الطرق الخطأ!!

وأوضح د. حسين الحكمي أن التركيز على الأسرة لا يعني عدم وجود عوامل أخرى تؤثر في انحراف وتطرف أبنائها. كلنا يعلم الدور الكبير التربوي الذي تقوم به الأسرة حتى مع دخول عوامل جديدة ذات تأثير واضح.  عندما نتحدث عن تمكين الأسرة فإننا نتحدث عن الأسرة السوية المنضبطة الخالية من الانحرافات الفكرية بكل أشكالها سواء إلى اليمين أو إلى الشمال ؛ فكل تطرف منهما مذموم قد ينتج عنه إرهاب ، هذا الإرهاب قد يكون لفظ أو فعل أو تحريض أو دعم أو تعاطف.  من المعلوم أن الطفل يتأثر بأسرته حتى يدخل المدرسة ، ثم يذهل متغير المدرسة فيبدأ سلوك الطفل يتغير بشكل مختلف بسبب المعلم ، وفي المرحلة المتوسطة والثانوية يكون تأثير الرفقة وزملاء المدرسة متغيرا ذا تأثير أكبر بحسب الدراسات السلوكية التي أثبتت أن المراهق أكثر تأثرا وميلا لسلوك رفقته وأن تأثير الأسر يقل.

هذه المقدمة نصل منها إلى أن الفرد من الأسرة عندما يكون محصنا بشكل كاف من قبل أسرته فإنه سيستطيع مواجهة الأفكار المنحرفة بشكل أكبر من الفرد الذي لم يتحصل على التحصين والتوعية الكافيين ، وهذا لن يتأتى إلا عندما يقوم المجتمع ومؤسساته الأهلية والحكومية بتمكين الأسرة وتهيئتها بالشكل السليم والمناسب للتعامل مع الانحرافات الفكرية والسلوكيات العنيفة. هذا التمكين يُحصن الأسر من أن تكون محاضن لأفراد يمكن أن ينحرفوا ، فالسلوك العنيف سلوك طبيعي في أي مجتمع يظهر إلى السطح في حال وجد البيئة المناسبة والتربة الخصبة له.

ما يقال عن أن أسرنا منحرفة أو عامل مساعد في الانحرافات الفكرية فلا نرجو منها أن تحمي أبنائها يعد تعميم جائر حتى بدون الرجوع لدراسات ، فبالملاحظة العامة وبأخذ عينات عشوائية من الأسر التي حولنا نجد أن الأسر تنبذ الأفكار المنحرفة والمتطرفة إرهابيا وتستنكرها. قضيتنا الحالية يفترض أن نصل منها لحلول استراتيجية يمكن أن يستفيد منها صاحب القرار في تهيئة الأسر لتكون حاضنة مناسبة لأبناء الوطن وبناة المستقبل ، وأيضا تعديل الأفكار المنحرفة التي قد يتبناها ، أحيانا عن جهل، بعض الآباء أو أفراد الأسرة.

التطرف أحيانا قد يكون جميلا ، فأنا متطرف في حب وطني ولا أرضى له بالسوء في حال من الأحوال. أن ندعي المثالية وأننا عقلانيون في كل أفكارنا وتصرفاتنا فهذا غير واقعي ؛ نحن نتحيز ونتطرف في بعض أفكارنا ، فمثلا لن ألتزم منطقة الحياد عندنا أجد من يهزأ بالله عز وجل أو الرسول، أو حتى أحد والديه. هذا لا ينطبق علي بمفردي ولا على مجتمعي بل على كل أفراد المجتمعات. حتى في الاختلاف في الاهتمامات نجد أنواع من التطرف الفكري عند البشر فها هم منقسمون بين أبل وسامسونج وبيبسي وكوكاكولا وإديداس ونايكي.

وبدوره ذكر د. خالد الرديعان أنه عندما كتب بأن الأسر قد تكون متطرفة قصد من ذلك أن التشدد سمة موجودة عند الكثير من الأسر دون أن تعي هذه الأسر أنها “متشددة”… هي فقط تعتقد أنها “متدينة”.. والمتشدد عموما لا يصف نفسه بهذه الصفة بل يرى نفسه وسطيا؛ فبعض الأسر لا تستطيع التفريق بين التدين والتشدد.. ومهمة البرامج المقترحة للتوعية أن تفض الاشتباك بين التدين والتشدد حتى تكون الأسر على بينة من أمرها.

أما د. علي الحارثي فقال في مداخلته: اتفق مع جميع الطروحات والآراء حتى وإن تغايرت الرؤى ، فالموضوع يستوعب تلك الاختلافات ، وأميل إلى ما طرحه د. منصور المطيري لتمكين الأسرة القيمي والسلوكي والثقافي والمعرفي والأخلاقي المستمد من مبادئ الدين الحنيف وقيمه وتعاليمه الذى يصفونه بالإرهاب والتطرف ، ولا نقيده بالإرهاب والتطرف. لأنه ليس هناك تعريف متفق عليه بين الدول في الأمم المتحدة لا عن الإرهاب ولا عن التطرّف ، وما صاغه الغرب والصقه بالإسلام والمسلمين فلا يجب أن يستدرجنا إلى أن نصم به أنفسنا أو ديننا ثم نضع له الأطر على أسرنا ومناهجنا ومؤسساتنا وثقافتنا تصديقاً وتثبيتاً لدعواهم وسياستهم وإعلامهم المضلل لنصل إلى أن من التزم وتدين أصبح متطرفاً وعلى الأسرة أن تعيده إلى حظيرة التحضر الذى يرغبون والبعد عن الدين . لماذا الغرب ومن سايرهم لا يصمون إسلام ايران وحشودها الشعبية في معظم الدول الإسلامية بالتطرف والإرهاب وهم يقتلون الأبرياء ويغتصبون ويحرقون السفارات ويغتالون السياسيين وكذا البوذيين في ماينمار (بورما سابقا) والهندوس في كشمير واليهود قتلة الأطفال في فلسطين والمسيحيين الذين طالت أيديهم كثير من البلدان ولم تسلم الولايات الأمريكية من ذلك؟ . ما يجري من حولنا زراعه سياسية قذره كريهة بسماد إعلامي سياسي غربي نتن الرائحة ليقضي على ديننا وتديننا وقيمنا ومبادئنا وتراثنا حتى نصبح مسخاً من مسوخهم اللاأخلاقية . أصبح حتى كل من يحاول دفع الصائل عن بلده وعرضه وماله ونفسه وفكره إرهابيا في نظرهم حتى تشربنا الطعم وعلينا أن نجتثه من فوق الأرض لنرضي غطرستهم وعدوانيتهم علينا. هذه الأسباب التي استفزونا بها حتى خرج منا من وصموه إرهابياً متطرفاً وجسًدوه في الإسلام السني بادئ ذي بدء ، ثم جعلوه الآن حصراً فيما فصًلوه وهابياً تفصيلاً خاصاً لبلدنا ليخرجوا الإسلام الإيراني والصوفي وغيرهم من المسايرين لهم من لعبتهم القذرة . لست بهذا مع التطرّف إذا اعتبرنا أن كل اعتداء على بلد عمل إرهابي ، ولكن حينما يكون الأمر انتقائياً لمصلحة القوى المتغطرسة التي لا ترقب في إنسان أو بلد أو دين أو مبادئ وقيم فاضله إلا ولا ذمة،  فلا يجب تصديقهم وتبعيتهم وسياستهم واستشعاره صدقاً وعدلاً ، ونقنع أنفسنا بأننا نزرع التطرّف والإرهاب في أبنائنا إذا رأيناهم يصلون ويحفظون القرآن ونعتبره مؤشراً للتطرف والإرهاب  ولم نمنعهم من ذلك . فلن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم، عليهم من الله ما يستحقون .

وعقب د. خالد الرديعان على ما كتبه د علي الحارثي بقوله: حتى مع وجود قوى خارجية تتربص بنا وبديننا وتحاول الصاق تهم التشدد والتطرف بنا والإساءة إلينا في المحافل الدولية وما تقوم به من مكائد، فإن هذا يجب أن لا يمنعنا من فحص مشكلاتنا عموما بما فيها مشكلتي التشدد والتطرف. يجب أن نتحلى بالشجاعة الكافية لنتلمس أخطائنا وعلاجها وليقل الآخرون ما يقولون فهذا لا يعنينا طالما نحن نصلح من أوضاعنا وبأيدينا وبطريقتنا الخاصة. ولا مانع من فحص ما يقال عنا وإن كنا نكره سماعه ونستميت في نفيه.

التشدد الذي أتحدث عنه واسع؛ فهو ليس دينيا فحسب ولكنه أيضا تشدد اجتماعي يحد من عملية تحديث المجتمع ويعرقل مسارات نموه الطبيعية. والمشكلة أن هذا النمط من التشدد يجد من يبرره من منطلقات دينية لإكسابه الشرعية المطلوبة، وهنا خطورة إقحام الدين بقضايا اجتماعية بحيث يصبح التشدد جزء من الممارسة اليومية دون قدرة على نقده وتفكيكه أو حتى الإشارة إليه. وحتى من يتناولونه نقدا بالصحف ووسائل الإعلام فإنهم يتعرضون للوصم ورمي التهم بحقهم وأنهم يعملون ضد إرادة المجتمع وهي مشكلة أخرى تعيق العلاج.. هذه بالطبع اسطوانة مشروخة وقديمة ولا تقدم كثيرا بل وتؤخر أي خطوات إصلاحية.

ما هو مأمول هو تغير واسع وعميق من خلال المؤسسة الدينية نفسها؛ بحيث تنفض عن نفسها غبار الجمود وتتقدم خطوات إلى الأمام بفقه عصري يراعي شروط التحديث الذي يمنع كذلك إقصائنا من أقرب المقربين لنا. هذه خطوة مهمة يفترض أن تقوم بها المؤسسة الدينية بحكم أنها تحظى بمصداقية عالية عند العامة. التغيير المنشود لن يأتي من السياسي بمفرده فهو بحاجة إلى ذراع المؤسسة الدينية ودعمها المستمر. وفي حال تحرك السياسي بمفرده فإن هذا سيخلق له مشكلات من المؤسسة الدينية نفسها وأتباعها غير الرسميين ممن يعرقلون خطط صناع القرار.

يقلقني بهذا الخصوص مثلا النظام الايراني وتمدده في المنطقة وقدرته على التصنيع الحربي وتأثيره خارج حدوده، ونشاطه في المحافل الدولية رغم العقوبات التي وقعت بحقه خلال الثلاثين سنة الماضية والتي كانت نهايتها تطويره  لقدراته النووية. عندما أنظر للإيرانيين فإنني لا أرى عندهم عمالة آسيوية تقوم بالعمل نيابة عنهم ، في حين أننا نمتلك إمكانات اقتصادية ممتازة وطاقة شبابية هائلة من الجنسين. وللأسف فإن معظم إمكاناتنا الاقتصادية تستفيد منها عمالة وافدة تعادل نصف السكان وربما أكثر في بعض دول الخليج. إنني أنظر إلى هذه العمالة على أنها أكبر مهدد لأمن دول الخليج في ظل حالة الحراك السياسي في المنطقة وعدم استقرارها سياسيا. ماذا نفعل مثلا لو ساءت العلاقة مع إحدى هذه الدول المصدرة للعمالة وقررت سحب أفرادها الأمر الذي سيخلق لنا مشكلات؟ وعودا على بدء فإننا نشغل أنفسنا بقضايا جانبية كالتشدد والتطرف وهل تقود المرأة السيارة أم لا تقود وغيرها من قضايا، ونتأخر في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة بسبب حساسيتنا المطلقة من تناول قضايا تخصنا لدينا القدرة والإمكانات على علاجها. جدلنا ينقلب أحيانا إلى جدل بيزنطي في ظل وضع سريع التغير لا يحتمل التأجيل.

وقال د. مساعد المحيا: المشكلة في كثير من المفاهيم أنها نسبية في الفهم والمدلول ..قد يكون المجتمع متدينا ومحافظا ووسطيا في تدينه ومحافظته، لكن آخرين يرون هذا التدين تشددا أو تطرفا، وهنا تكمن المشكلة إذ المعول على هذا هو النص الشرعي في الكتاب أو ما صح عن المصطفى عليه الصلاة والسلام …

كثيرون يريدون لهذا المجتمع أن يتخلى عن هويته ويخلع رداء العفة والحياء ليعيش الفرد في وسط بيئة الأسرة حياة غربية في سلوكه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.. ولذا لابد من الدخول في تفاصيل هذا التغيير المطروح والنظر في طبيعته ، وأخال لكل حالة حال ولكل مفهوم موقف …إذ قد يكون المرء في حياته الاجتماعية وداخل أسرته يعيش صورة من الانفتاح لا ضابط لها إلا هواه ومزاجه وهو يتبنى رؤى مختلفة في الحياة والتعامل …ثم يريد أن يعيش الآخرون ما يعيش ويعمل على إسقاط هذا النمط على سلوكيات الآخرين تحت مسمى التغيير ..في حين أن آخرين يرون ذلك مهددا لحياتهم المنضبطة في سلوكها وتعاملها  بهدي الوحي ..طبعا ما أتحدث عنه وأعنيه لا يشمل العادات التي ما أنزل الله بها من سلطان أو المفهوم الشرعي غير الراجح لأي نص من النصوص فالأمر في هذا واسع جدا.

ومن جانبه أضاف د. علي الحارثي بأنه لم يعد السلوك الفردي والأسري والاجتماعي ولا حتى الرسمي الديني والسياسي في بلدنا منضبطاً دينياً وسلوكاً وقيمياً بعدما أغارت علينا عواصف الغرب بالذات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واستضعفتنا بدعاواها المتعددة الديموقراطية والحريّة والعدالة والمساواة والتعددية وإن كانت دعاوى حق أرادوا بها باطل في حقنا حتى أصبحنا نستشعر بدون وعي همجيتنا كما صورونا ويملونه علينا واقتنعنا بأننا نفرخ التطرّف والإرهاب إذا التزمنا بديننا وقيمه وتراثنا الأخلاقي، فهل إلى الخروج من سبيل ؟

  • آليات تمكين الأسرة في مكافحة التطرف والإرهاب

يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه إذا ما أردنا أن نجد منظومة متكاملة تكافح وتمكن الجميع من معالجة داء أو وباء التطرف ، وتضعف نمو الإرهاب ولا يقول تنهيه ، بحكم أن الإرهاب لا وطن له وتغوله في المجتمعات تغول واضح وملموس بطبيعة شرره على الأمة  ، فإنه لابد أن يكون لهذه المنظومة شراكات متعددة مع الأبوين ، مثل المسجد و المدرسة والجامعة والمجتمع والجهات ذات الخدمات الاجتماعية .

ودون ذلك لا يمكن أن نجد مسلكا قويم لمكافحة آفات التطرف والإرهاب ، وحتى لو أردنا أن نجعل من المسؤولية الكبرى على الأبوين، فلابد لنا أن نعي أن هناك من الأولاد من هو يتيم ، ومن هو تائه بين الأبوين بسبب انفصالهما ، إلى العديد من الظروف والمشكلات الاجتماعية التي لابد من استدراكها دوما ، حتى لا نعول على تربية الأبوين فحسب ، للنيل من مكافحة للتطرف أو الإرهاب مأمولة.

وقال أ. خالد الحارثي في مداخلته حول قضية تمكين الأسرة لمكافحة التطرّف: أعتقد أن عنوان الورقة الرئيسة في تمكين الأسرة ضد التطرّف يعتبر القضية الرئيسية ويحتم أن ننظر للأسرة كمتلقي لإيجابيات وسلبيات الأجهزة وكمقدم للاحتياج والأدوات المطلوبة والمفقودة من عملية مكافحة التطرّف .

الأسرة الضحية:

يقع تقصير وعيوب مؤسسات المجتمع الأخرى بدء من مؤسسات التشريع والجهات والمرافق الأخرى وانتهاء بالإعلام ، مرورا بالجامعات والبحث العلمي في التنمية الاجتماعية ومكافحة التطرّف والإرهاب. الأسرة قد تدفع ثمنا باهظا إذا لم تقم هذه الجهات بواجباتها على أكمل وجه. فالتقصير في واجباتها أو فهم الرسالة عن دورها بشكل خاطئ أو منقوص يهدم أحيانا قيم الأسرة التي بذلت الجهد وأنفقت العمر والمال في بناءها وتعزيزها ، أو تتسبب في نشر الحرمان من الفرص العادلة في الوظائف والخدمات والمعاملة المنصفة أو الفرص التجارية والمنافسة الشريفة وهي عوامل أساسية تشعل التطرّف فكرا وفعلا لمقاومة الظلم والحرمان والإحباط.

الأسرة منبع التجربة

وهنا يظهر الجانب الثاني من موقع الأسرة في تصدر الجهد المضاد للتطرف وذلك بأن تتبنى الجهات المسئولة قيم الأسرة واحتياجاتها وتضع هذه الاحتياجات والمواصفات منبعا رئيسيا للمبادرات والبرامج وأن تكون الأسرة محورا ومرتكزا للعمل ضد التطرف ، وضد الظواهر الأخرى التي تطرق لها دكتور منصور المطيري.

وأكدت أ.د. سامية العمودي على أهمية موضوع تمكين الأسرة لمكافحة التطرف والإرهاب، فمن المهم أن نراجع فيه الماضي الذي أوصلنا لمناقشة هذا كواقع ومهم للتحضير لمستقبل قادم لابد من التغيير فيه. وكي نصل لهذا لابد من الاعتراف مع النفس ، ولابد من الشفافية، ولابد من الخروج من رؤانا الماضية..  نعود للأسرة لأنها البيت الأول في سنوات العمر الأولى نحتاج عيون في مقدمة الرأس ومؤخرته ليس للتجسس ولكن لملاحظة تطور سلوكيات الأبناء مهما كانت صغيرة.. الطفل الذي يعود مشبعاً بفكر متطرف من معلم يدس منهجاً خفياً هذا لا نصل إليه بسهولة لكن مسؤولية البيت في جرعة مضادة أول بأول لإزالة هذه الأفكار التي تبعد عن وسطية الدين أو تناهض محبة الوطن..الحوار المفقود بين الأهل وأبنائهم ينتج عنه ما نراه من تحولات تصدم الأبوين فجأة وهي تراكمات وليست وليدة اللحظة.. دور الأم لم يكن يوماً مرتبطاً بعلمها وعملها كثير من الأوقات تجد المرأة العاملة أماً ناجحة لأنها تشعر بالذنب فتكرس وقتها للعمل ولتعويض الأبناء. وأضافت: أختلف مع د. منصور مع احترامي له في فكرتين:

  • أولاً: يحتم الزمن والأحداث تؤكد أن علينا أن لا يكون الرجل هو المحور الوحيد في حياة المرأة إن لم تتزوج أو إذا تطلقت انتهت حياتها وهذا  لا يتعارض أن في داخل كل أنثى احتياج لا خلاف عليه لوجود الرجل في حياتها.. المرأة العاملة الواعية والأخت الواعية العاملة يكونان حماية للأبناء وللشباب من التطرف.
  • ثانياً: القوامة وهذا موضوع يطول شرحه لكن الزوجة التي تعيش شريكة لها كامل الأهلية هي إنسان متوازن نفسياً وأكثر قدرة على تربية أبناء ناجحين معتدلين نفسياً واجتماعياً.

وختاماً فإن تمكين المرأة هو أحد أدوات محاربة التطرف والإرهاب.

وأشار د. عبدالله بن ناصر الحمود أن الوسطية التي نقولها .. لا نتمثلها واقعا في كثير من الأمور، وعندما نتحدث عن تطرف الأسرة أو المجتمع فيبدو المقصود التشدد وليس التطرف بالضرورة مع أن كليهما سوء.

يصعب إقناع العالم بوسطيتنا في المجمل.. ونحن مثلا لا نملك أبدا دورا للسينما مثل بقية العالم.. ولا تقود المرأة السيارة مثل بقية العالم.. ولا نملك منتديات اجتماعية مثل بقية العالم .. وحتى أسرنا لا تلتقي فيما بينها مثل بقية العالم.. وحتى موقفنا من الاختلاط ليس مثل بقية العالم.. لدينا عزلة ظاهرة.. وبيئة خصبة للتشدد والتطرف لا بد من مواجهتها دون مواربة.

ومن جانبها قالت د. نوف الغامدي في مداخلتها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه”.  هذا الحديث يمثل منهجا كبيرا في تأثير الأسرة على الفرد، فالأسرة أصغر مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على تهيئة أفراد المجتمع منذ الصغر لـ العيش والاندماج مع المجتمع ومعرفة مكوّناته وكيفية التعايش فيه والتعامل مع أفراده .. ومهما تعددت المؤسسات الاجتماعية لن تكون بدّيل لدور الأسرة بل مكملة لعملها التربوي. ولتفعيل دور الأسرة وتحقيق أهدافها لابد من:

  • اعتماد لغة الحوار والتفاهم الفعّال بين الأبوين وأولادهم .
  • التخلّي عن العنف والأساليب الاستبدادية التي تجافي قيم الشورى في الإسلام .
  • العمل على متابعة الأبناء وتفقّد أحوالهم ومعايشة مشكلاتهم والعمل على حلها .
  • المساواة والعدل بينهم عند التعامل حتى لا يحصل خلاف أو حقد أو شعور بالظلم، ربما يؤدي إلى العزلة والانطواء، ومن ثم الانحراف الخلقي أو الفكري المؤدي إلى الإرهاب، خصوصاً في مثل هذه الظروف التي نعيشها الآن من إرهاب ومحاولات لخطف عقول شبابنا من قبل التيارات الفكرية مثل داعش وغيرها التي تسعى جاهدة لاصطياد هؤلاء الشباب واستغلال ظروفهم الأسرية.
  • الانتباه إلى وسائل التقنية والتواصل الاجتماعي ومراقبة الأبناء فهذه التيارات تتطور أساليبها وتحاول استخدام منافذ الشباب على كل وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيدهم وبث قناعاتهم وجذبهم.
  • تحصين ومراقبة ووقاية الأبناء من أي انحراف فكري من أهم مسؤوليات الأسرة، خاصة في ظل هذا الغزو والبث الإعلامي المباشر، فليست مهمة الأسرة توفير الضروريات ومتطلبات العيش لأفرادها فقط، بل المشاركة في تذليل ما يعترض الأبناء من مشكلات ومحاولة حلها؛ فيكون بذلك دورها استباقياً ووقائياً.
  • المشاركة مع مؤسسات المجتمع الأخرى “المدرسة والمسجد والمؤسسات الإعلامية والأمنية والدعوية” في تكوين المفاهيم الصحيحة وإيجاد علاقة قوية ومتينة بين الأسرة وهذه المؤسسات لتعزيز الأمن الفكري .

إنّ التهاون في متابعة الأبناء قد يؤدي إلى كثير من السلوكيات والأمراض مثل: التوحّد ، والرهاب الاجتماعي، والتسرّب من الدراسة ، والتشرّد ، وعدم الشعور بالمسؤولية ، واللامبالاة ، والوقوع في أحضان المخدرات وشبكات الإرهاب.. حقيقة “الأمن الفكري” كلمة مستهلكة تعني تعطيل الفكر وقولبة المجتمع في قالب ضيق وهذا سيدمر المستقبل ! الفكر يكون بداية من الأسرة ثمّ بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم، وتطويره يبدأ بنقطة واحدة وينتهي إليها : ” أن تصبح مهنة المعلم مهنة جاذبة لأفضل الخريجين “. ولو لاحظنا فكر وسير المتحولين إلى إرهابيين والذينّ كانوا أسوياء من خلال وصف المقربين منهم سَنجد أنهم كانوا في عزلة وانطواء عن المجتمع مما سهّل التغرير بهم .. أصبحت الكتائب الإعلامية للتيارات الفكرية الضالة أشد فتكاً من كتائب الحرب على أبنائنا.

وذكر م. أسامة كردي أنه لابد من توفير الدعم و الاهتمام بالأسرة نفسها لتتمكن من القيام بواجبها تجاه أبنائها و بناتها و يأتي ذلك من خلال تزويدها بمؤشرات تطرف أو انحراف الأولاد. أصبحت تربية الأولاد من أصعب الأمور في عصرنا الحاضر .. أصبحت المؤثرات الخارجية مثل الانترنت أقوى من مقدرة الأسرة للتعامل معها و من هنا الحاجة إلى مساعدة الأسرة.

وذكرت أ. ليلى الشهراني أن كثير من الأسر وللأسف ضحية (التطرف والتطرف المضاد)، ولن يستطيع أي مجتمع أن يعالج التطرف حتى يبدأ بإزالة كل مظاهر الاحتقان والكراهية ورفض تقبل الاختلافات . الوسطية كلمة فضفاضة نستخدمها لتغطية تطرفنا في معاملاتنا وحواراتنا ، لكن عند التطبيق تختفي حقيقة ، ربما ما تبنيه الأسرة في الأبناء تهدمه مؤسسة تعليمية أو إعلامية أو حتى تقنية ، هناك سياسة لمكافحة التطرف وذلك بتطرف أكبر ، وعسف الناس عسفا على تقبل أمور قد لا تناسبهم ولا يألفوها من دون النظر في عواقب ذلك. هناك تخبط أسري في التعامل مع المسببات التي تدفع الأبناء والبنات للتطرف والإرهاب ، قيل التربية الدينية تدفع بهم إلى هذا النفق فأصبح لدى بعض الأسر تخوف من ذلك فاندفعوا إلى إزالة كل الحواجز ولكن ذلك لم يمنع أن يلتحق مدمن المخدرات ومن له تاريخ مع الانحراف والشذوذ لهذا النفق المظلم ! قيل الانفتاح على العالم والاندماج معهم سيكون حلا ، فرأينا من يترك مقاعد الدراسة في بعثته ليلتحق بجماعات إرهابية !

الأسرة بحاجة لمن يساعدها ، ففتح خطوط طوارئ للاستشارات المجانية من أهل الاختصاص والأمن فكرة قد تكون مساعدة ولو قليلا في سماعهم وتوجيههم وطمأنتهم فبعض الأسر المبتلاة بتطرف أحد أفرادها يمنعها الخوف عليه من طلب المساعدة ، لكن إشعارهم بأن المتطرف يحتاج العلاج والاحتواء قد يريحهم ويشجعهم على البحث عن علاج له قبل أن تتفاقم حالته ويزداد شروره وضرره على نفسه أولا وعلى الآخرين .

ويرى د. خالد الرديعان أنه وفيما يخص الأسرة أنه عند رأيه أنها بحاجة إلى من يمد لها يد العون وتمكينها من مواجهة التشدد والتطرف وأن ذلك قد يتم من خلال برامج مجتمعية. لا يكفي أن نضع على الجدران ملصقات كتلك التي تقول ” التدخين ممنوع” ثم نقول أننا قمنا بحملة لمكافحة التدخين.  يجب أن تكون الأسرة في صلب العمل ومشاركا فيه حتى تنجح خطط معالجة التطرف. كما أن إلقاء التبعة على التعليم في مسألة علاج التطرف لا يكفي.. نحتاج حلول إبداعية ومبتكرة وبعيدة عن التقليدية المملة التي لا يستجيب لها المجتمع إلا ببطء شديد.. المشكلة أوسع من أن نحصر علاجها في جهة واحدة.

كل ما هو مطلوب أن يكون مجتمعنا سويا كسائر المجتمعات.. أن تتاح لأفراده تحقيق احتياجاتهم وفق ما هو مباح ومسموح دون تشدد أو عنت.. لا يمكن أن نصف مجتمعنا بالسوية وهو الذي يعيش ازدواجية حادة وتناقض نلحظه عندما يخرج أفراده إلى مجتمعات مجاورة.. مجتمعنا يتعولم شئنا أم أبينا ومنفتح على ثقافات العالم وذلك بجهود أفراده وليس بتخطيط تنموي مسبق، وستأتي لحظة قد لا نستطيع التعامل مع مجتمعنا بحكم تنامي مطالبه في ظل ما هو سائد من تشدد قد يقودنا لا سمح الله إلى كارثة اجتماعية إن لم نتداركها من الآن. كل ما أخشاه مستقبلا هو التوترات الاجتماعية في السنوات القادمة والتي هي نتيجة تراكم وإخفاقات في علاج أمور هي في متناول اليد اليوم ويمكن السيطرة عليها ومنها قضية التشدد والتطرف. ومن جهة أخرى فإن من مظاهر الوسطية – التي يصعب تحديد مدلولها- هو أن نتقبل آراء بعض دون تفسيق أو تخوين أو غمز ولمز،  وأن نتفق على ضرورة أن يكون هناك اختلاف وليس خلاف بالطبع.. الاختلاف صحي ومفيد، فكلنا نسعى لخير بلادنا ورفعتها وأن تصبح دولة قوية بتنوعها وبثرائها الثقافي. وأضاف د. الرديعان: ماهي الإجراءات الرسمية التي قمنا بها في المجتمع للحد من التطرف الديني؟

  • قمنا بتغييرات طفيفة في المناهج الدراسية؛ وهي بالمناسبة تغييرات غير مرضية للبعض بدعوى أنها تقليص للمنهج الديني.. وأن ذلك تم استجابة لضغوط دولية. انشغلنا فقط بالضغوط الدولية والدفاع عن مناهجنا، وتركنا لب الموضوع ولذلك كان تحركنا في هذا الجانب محدود وبطيء.
  • منعنا بعض الخطباء والدعاة من اعتلاء المنابر أو نشر مادة توصف بأنها متشددة أو تدعو للتطرف.. وتقوم بذلك وزارة الشؤون الإسلامية. بعض الدعاة تم إيقافهم ومساءلتهم وأخذ تعهدات عليهم بعدم العودة إلى سلوكهم والبعض خضعوا لبرامج مناصحة.
  • عقدنا مؤتمرات وورش عمل محلية ودولية في موضوع التطرف وخرجنا بتوصيات وضعت أكثرها على الرفوف ولم ينفذ منها إلا القليل بسبب ممانعة البعض وبعض الدعاة ممن رأوا في ذلك تمييع للدين.
  • انصبت جهودنا الإعلامية والأكاديمية على تبرئة الدعوة السلفية من تهمة التطرف والتشدد والغلو وأنه ليس لها علاقة بالجماعات التكفيرية والجهادية في حين أن المؤشرات تقول أن معظم هذه الجماعات خرجت من رحم السلفية.
  • تم إلغاء بعض المناشط كالمخيمات الدعوية والصيفية التي لا تخضع لجهات رسمية وتم مراقبة بعض المعلمين والدعاة ممن قيل أنهم يمررون مناهج خفية مؤثرة على الناشئة.
  • تم سحب بعض الكتب ومنعها من التداول بدعوى أنها تحرض على الفكر الجهادي وأنها تحتوي على مادة تثير الكراهية وشق اللحمة الوطنية وخاصة التي تتناول قضايا الولاء والبراء وتكفير الحكام. ومنها مثلا كتاب سيد قطب : معالم في الطريق، وكتب المودودي، علما أن بعض الكتب التي عليها علامة استفهام كبيرة وهي محلية لا تزال متداولة وعلى نطاق واسع.
  • قمنا بإجراءات أمنية وتوعوية كإنشاء لجان المناصحة لمن قادهم تشددهم وتطرفهم إلى أعمال إرهابية. وهناك الكثير مما يصعب حصره.
  • فتحنا الباب لبعض الأنشطة الثقافية كمعارض الكتب وخففنا من حدة الرقابة على الكتاب بداعي أن ذلك عامل مهم في نشر التسامح وتنوع الأطروحات مما يقلل من مستويات التشدد والتطرف وأن الفكر المنحرف لا يواجه إلا بفكر معتدل.

كل ذلك غير كافِ ولم يحل المشكلة. معظم ما تم ذكره سلفاً كانت حلول أمنية ووقائية ولم تحد من مشكلات التطرف وما ينتج عنه؛ بل إن التطرف مستمر بنتائجه التي منها الإرهاب والخروج على الدولة وزيادة عدد المنضوين تحت الجماعات الإرهابية التي تتكشف لنا يوميا خلاياها النائمة في مدننا وقرانا وهجرنا. الخطاب الديني كما هو واللغة هي نفسها ولم يتغير شيء ولم يتم عمل أي مراجعات فكرية عميقة وجادة للخطاب الديني السائد.

وفي الوقت الذي تزداد فيه هواجسنا من أعمال إرهابية بسبب شيوع فكر تكفيري ووجود هذه الخلايا فإن المجتمع وبفعل وسائل التواصل الجديدة وسرعة انتقال المعلومات والتنقل يتعولم وبسرعة مذهلة؛ ما يعني أن لدينا مشكلة تتمثل بتطرف متنامي يقابله انفتاح ثقافي من الجهة الأخرى؛ الأمر الذي قد ينتج عنه انشقاق اجتماعي وتوترات حادة يصعب السيطرة عليها إذا استمرت المعالجات كما هي. نحن أشبه بمن يرقد على برميل بارود لا نعلم متى ينفجر. أتمنى أن أكون مخطئا في تقديري للوضع وأن يكون عندي نفس القناعة التي تتوفر عند د. مساعد المحيا بأن كل شيء على ما يرام وأنه لا داعي للخوف.

واتفق د. علي الحكمي مع هذا الطرح السابق وأضاف أن من أهم أسس الوسطية الالتزام بالمنهجية العلمية والبعد عن التعميمات والأحكام المطلقة مثل الذي نراه من التعميم بوصف الأسرة السعودية وأحيانا المجتمع بشكل عام بالتطرف والتشدد.  هذه التعميمات غالباً تنبع من ردود فعل وانطباعات عاطفية ولا تستند على دراسات ملتزمة بالمنهج العلمي.

ويرى أ. سلمان العمري أن الأسرة باختصار بحاجة إلى برامج فاعلة للتحصين ؛ وأخرى لترسيخ مكارم الأخلاق في المجتمع، ولن تستطيع بمفردها تنفيذ مثل هذه البرامج دون تعاون وتكاتف مؤسسات المجتمع كل ودوره ليكون عمل مؤسسي سليم بعيد عن التناقضات. و الأهم من ذلك أن نبتعد عن الأساليب التقليدية وأساليب الوعظ المباشرة.

وتطرق د. عبدالسلام الوايل إلى أنه ثمة حالات للوقوع في الإرهاب لا يمكن معها استبعاد دور الأسرة كحاضن و كصانع لقابليات لدى الأبناء بحيث يكونون جاهزين لتلقف نداء الإرهاب و التجاوب معه. وقوع الأبناء في الإرهاب ليس فقط بسبب عيوب بنيوية تعاني منها الأسرة كالطلاق و الفقر و ضعف الادوار الوالدية، بل إن الأسرة نفسها قد تكون صانع للظاهرة و عامل في امتدادها.

ويرى أ. سمير خميس أن بداية الحل يكمن في اعترافنا بأننا في أزمة.

وذكرت أ. هيا السهلي أن الإرهاب فكر ولا يحارب إلا بفكر ووعي للفكر. التطرف وإقصاء الآخر من أهم إن لم تكن السبب الرئيسي للإرهاب ، ومن مثالب خطاب الصحوة أنه ركز على كتب معينه سواء شرعية أو ثقافية أو أدبية ولو قمنا بحصرها لحصرناها بسهولة ثم ركز قادة الصحوة أن يُنفّر ويرهب الشاب من قراءة غيرها  لأنه لا يأمن الفتنة من حجج الكتب المخالفة وقد يزيغ قلوبهم عن الصراط المستقيم حتى على مستوى الجامعات. وأوضحت أن الذي تعنيه من هذه المقدمة أنه لن تسطيع الأسرة أو المجتمع بجميع مؤسساته محاربة الإرهاب بدون نشر ثقافة الوعي التي تنمو مع القراءة والاطلاع. وأضافت: لتحصن ابنك:

  • دعه يقرأ لا يُقرأ عنه ، دعه يختار كتابه لا يختار عنه!
  • دعه يسبح في بحور الاختلاف وليمارس الاختلاف وليفعل تجربته الصغرى قبل أن يتفاجأ بالتجربة الكبرى !
  • أعيدوا تشييد المكتبات في المنازل في الأحياء في المدارس.
  • أعتقوا عقول أبناءنا وطلابنا في الكتب حتى لا يتسيدهم رعاع التواصل الاجتماعي وشّذاذه!

وأصافت أن عدم احترام حدود الحريات وتجاوزها لاستفزاز الآخر يولد الإرهاب على جميع المستويات ومن مختلف الاطراف؛ كما أن للإرهابي عوامله الداخلية هناك عوامل خارجية تستفزه وتشعل فتيل نزعة الإرهاب عنده ! التصادم وتصارع الأديان مولدة للإرهاب؛ حينما يكون من الواجب الضرب على يد سفهاؤنا لابد من كف أيدي سفهاؤهم..  لابد من نظام دولي  يلزم احترام الآخر ومحاربة إرهاب القول قبل القتل !  فكثيرا ما أفضى الأول للثاني ! وكذا على الصعيد المحلي، الخطاب الذي يصادم المتدينين أو المتشددين قد يقلب الضد.. الرفق ما وضع في شيء إلا زانه..  نحتاج لتنوير المتشددين لا التصادم معهم ونحتاج لتعزيز قبول الآخر بعلاته، ونحتاج من التنويرين قبس من نور لا حرق للأصول !

وأشار د. إبراهيم البعيز إلى أن التدين معيار مهم للقبول الاجتماعي في ثقافة المجتمع السعودي، لكن هذا المعيار ركز على علاقة الفرد بالخالق وأهمل علاقة الفرد بالمجتمع، بمعنى أن الأساس في هذا المعيار اقتصر على العبادات وأهمل المعاملات، والنظرة للجهاد أتت من ذلك المنظور (العبادات والتقرب إلى الله).  يفترض أن نبدأ تعليميا وأسريا في التغيير لمفهوم التدين كمعيار اجتماعي وذلك بأن يكون التركيز على علاقة الفرد بالمجتمع، وأن علاقته بالخالق شأن فردي لا شأن لأحد به.

وأضافت أ.د. سامية العمودي أننا أيضا نحتاج برامج وحملات تستهدف الآباء والأمهات وهذه ممكن أن تكون عبر مجالس الأمهات والآباء بشكل دوري لرفع الوعي وتنوير الأسر وتوضيح كيفية التعامل مع مظاهر التطرف عند الأبناء وهذا يجب أن يكون أحد أهداف وزارة التعليم. ومطلوب أن تقوم وزارة الإعلام بحملة توعوية مكثفة ومناهضة وبالتنسيق مع وزارة التعليم.. ومن المهم العمل على تحديث المناهج وتغيير الصورة النمطية لمفهوم الالتزام ونشر صور جوهر الدين، ونشر الوعي في الجامعات فهم أسر الحاضر والمستقبل.. كنا نتمنى أن يكون هذا أحد مهام برنامج فطن لكنه خيب آمالنا.

كذلك فإنه وعندما نتحدث عن دور الأسرة في حماية أبنائها من الانزلاق في التطرف والإرهاب، فنحن نتحدث في الواقع عن التنشئة الاجتماعية، وهذه تقوم بها أربع  مؤسسات: الأسرة – المدرسة – المسجد – الإعلام.  الإشكالية لدينا أن هذه المؤسسات الأربع ليست في حالة تكامل، بل يشوبها الكثير من التناقض فيما تقدمه من قيم أخلاقية واجتماعية. لذا ليس من المستبعد أن يعيش الأبناء منذ الطفولة وحتى مرحلة المراهقة، وهذه الحالة من التناقض سوف تؤثر على قدرة أي من هذه المؤسسات في كسب ثقة الشاب واقتناعه بما يسمع ويشاهد. وفي ظل هذه المنافسة بين هذه المؤسسات الأربع تنهزم الأسرة ويصبح دورها هامشيا. تخيلوا الكثير من القيم وكيف هي تتناقض بين هذه المؤسسات الأربع، ومنها مثلا الموقف تجاه المرأة والموقف تجاه الآخر والموقف من الفنون وعلى ذلك نقيس.  علينا أن لا نعول كثيرا على الأسرة، فلا اعتقد أنها لها دور في الوقاية. الدور الذي يمكن أن تلعبه سيكون في المراحل المتأخر ويتمثل في التبليغ عن السلوكيات المشبوهة، والتبليغ عن الغياب.

بينما وفي تصور أ. ندى القنيبط فإن الأسرة تتحمل العبء الأكبر في زمن التقنية و السرعة:

  • في مواجهة ظاهرة الإرهاب الفكري والتطرّف الذي يستغل وللأسف الشديد تقنيات وسائل الاتصال والتواصل الحديثة من شبكة إنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
  • وللأسف الشديد أن معظم الأسر السعودية تحولت اليوم من أسر طبيعية يغلب عليها بالفطرة التماسك والتعاطف بين أفرادها، إلى أسر افتراضية Virtual Families قد تجمعهم غرفة واحدة، ولكن كل فرد من الأسرة يكون مشغولاً ولاهياً عن الآخر إما بهاتفه الذكي أو بأي وسيلة اتصال أو تواصل حديثة أخرى.
  • أصبح الأبناء، كل في فلكٍ يسبح بعيداً عن المتابعة والإرشاد والتوجيه الصحيح، لدرجة أن أطفالنا في عمر مبكر جداً أصبحوا مصابين اليوم بما يسمى بمتلازمة الـعالم الافتراضي.

وخلصت إلى القول بأن مسؤولية مكافحة الإرهاب و التطرّف هي مسئولية الأسرة بنسبة أكبر كما هي أيضا مسئولية مشتركة ما بين المدرسة و المسجد و المؤسسات الإعلامية و المدنية و الاقتصادية، كما أن احتضان شبابنا من الجنسين والالتفاف حولهم ومنحهم ما يستحقوه من اهتمام وتقدير معنوي و مادي بطريقة تتواكب مع تطورات الحياة  سيكون بمثابة طوق يمنع وقوعهم في التهلكة والأعمال المدمرة لهم و للوطن على حدٍ سواء.

المحور الرابع

البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية: الواقع والتطلعات

الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان

أستميح الجميع العذر فعنوان هذه القضية واسع ويشمل عدة قضايا متداخلة: البحث العلمي، الجامعات، مراكز البحوث الأهلية، الواقع والتطلعات، وكل منها يستحق مناقشة مستفيضة لا يتسع لها المجال هنا. مع ذلك سأحاول تقديم مختصر أرجو أن يكون محفزا على مداخلات الزملاء والزميلات.

  • الجامعات:

تشير دراسة أعدها المركز المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية (يناير، ٢٠١٦) إلى وجود أكثر من ١٠٠ مركز بحثي في جامعات المملكة ( ٢٠ لجامعة القصيم، ١٧ لجامعة الملك سعود، و ١١ لجامعة الملك عبدالعزيز وذلك كأمثلة). وتحصل هذه المراكز على تمويلها من الجامعات التي تحتضنها. يضاف إلى تلك المراكز البحثية عدد كبير من الكراسي البحثية يبلغ عددها أكثر من ١٠٠ كرسي في جامعة الملك سعود، و ٢٧ كرسي في جامعة الملك عبدالعزيز، و ٢٤ كرسي بحثي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي مجرد أمثلة لوجود كراسي أخرى في بقية الجامعات السعودية.

أشير كذلك إلى مركز الملك فيصل للبحوث الطبية ( ١٩٨٠) في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة والذي يضم عدد من المراكز البحثية المتخصصة؛ تنحصر اهتماماتها في حل المشكلات الصحية. وللمركز أبحاث في الجينوم والنانو وهشاشة العظام. كما يستضيف المركز بعض الكراسي العلمية مثل كرسي العمودي لأبحاث الفيروسات الحمية النزفية وكرسي الزامل لأبحاث السرطان وكرسي وهيب بن زقر لأبحاث المناعة وكرسي أخلاقيات الطب. ويعد مركز الملك فيصل للأبحاث الطبية متقدم بما يتوفر عليه من باحثين وكوادر طبية.

ومن أهم المراكز البحثية قاطبة في المملكة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) والتي تحتاج مناقشة خاصة كقضية مستقلة. تتوفر هذه الجامعة العالمية على بيئة بحثية على طراز متقدم في أبحاث الهندسة والبيئة والحاسوب والرياضيات التطبيقية والكيمياء والفيزياء، تمول من أوقاف مخصصة للجامعة تبلغ مليارات الدولارات دون أن تعتمد كاوست على ميزانية سنوية، كما هو معمول به في الجامعات الأخرى.

وباستثناء كاوست فإن مراكز البحوث الجامعية تعاني من عدة مشكلات؛ أهمها نقص التمويل، والبيروقراطية، وعدم الشفافية، وضعف مخرجاتها البحثية، وعدم ارتباطها المباشر بالمؤسسات الصناعية. بعض وليس كل الكراسي ترتبط أبحاثها مباشرة بجهات طبية؛ كالمستشفيات الجامعية وتحديدا في جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز.

  • مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية:

تتوفر هذه المدينة على بيئة بحثية وقاعدة معلومات ممتازة، وتنخرط في بحوث متقدمة في العلوم التطبيقية، إضافة إلى تمويل بحوث أساتذة الجامعات في عدة مجالات بما فيها العلوم الإنسانية.

  • مراكز البحوث الأهلية:

أشير وبعجالة إلى مراكز البحوث الأهلية والخاصة مما يندرج تحت Think Tank فهذه محدودة جدا في المملكة ويبلغ عددها حسب المركز المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية 3 مراكز فقط هي حسب تاريخ تأسيسها:

  • مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام (١٩٩٤) ومقره الرياض.
  • مركز الأمير عبدالمحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية (١٩٩٩) ومقره الشارقة.
  • مركز الخليج للأبحاث (٢٠٠٠) ومقره دبي.

وأضيف إلى ما ذكر:

  • مركز رؤية للدراسات الاجتماعية (٢٠٠٣) ومقره الرس بالقصيم.
  • المراكز الأخرى والجمعيات الخيرية:

هناك عدد من المراكز البحثية لكنها لا تندرج ضمن “الثنك تانك”؛ فهي ذات صبغة أكاديمية ومنها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية (١٩٨٣) ويتبع مؤسسة الملك فيصل الخيرية. يهتم المركز بقضايا إسلامية وتاريخية واجتماعية، مع تقديم الدعم للباحثين من خارج المملكة كما ينشط في عقد الندوات.

وينبثق عن مؤسسة الملك فيصل الخيرية جائزة عالمية سنوية هي جائزة الملك فيصل التي تقدم في حقول الطب، والدراسات الإسلامية، والأدب واللغة العربية، والعلوم.

إلى جانب ذلك تضطلع بعض الجمعيات الخيرية بأنشطة بحثية إضافة إلى العمل الخيري؛ ومنها مؤسسة الراجحي الخيرية، ومؤسسة السبيعي الخيرية وغيرها فهي تمول بعض البحوث إلا أن ذلك يندرج تحت ما أصطلح عليه ببرامج “المسؤولية الاجتماعية”.

  • ما يخصص للبحث العلمي:

تشير بعض المصادر إلى أن المعدل العالمي للإنفاق على البحوث العلمية هو بحدود ٣٪‏ من الناتج القومي في معظم الدول المتقدمة، وهي نسبة جيدة قياسا بدخول تلك الدول، في حين أنه لا يتوفر معلومات كافية عن الدول العربية، عدا إشارة إلى ما توفره البحرين كمثال لدول الخليج العربية فهي تخصص ٠٤٪‏ أي أقل من نصف بالمئة وهي نسبة هزيلة مقارنة بدخل مملكة البحرين. وأشير إلى أن معدل ما يخصص للتعليم في الدول العربية عموما هو بحدود ٥٪‏ من ناتج الدول العربية وبالتالي يمكننا تخيل ما يمكن تخصيصه للبحث العلمي الذي قد يعد “ترفا” قياسا بالتعليم الأساسي.

  • مشكلات البحث ومراكز البحوث في العالم العربي عموما:
  • نقص التمويل.
  • صعوبة الحياد العلمي؛ بسبب توجيه البحوث في الغالب.
  • عدم ارتباط البحوث التطبيقية بقاعدة وجهات صناعية وتقنية.
  • صعوبة الحصول على تمويل خارجي لحساسية ذلك.
  • بعض المراكز هي ملك أفراد؛ ومن ثم غير ممأسسة بدرجة كافية.
  • غياب المراكز المتخصصة؛ مراكز على غرار مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية الذي يرأسه الدكتور محمد السلمي. معظم المراكز تمارس البحث دون أن تكون متخصصة بقضايا محددة وتعمل ضمن متطلبات السوق.
  • المقترحات:
  • إنشاء وزارة للبحث العلمي في المملكة وفي كل دولة عربية.
  • تخصيص موارد كافية لهذه الوزارة على أن تقوم كذلك بدور تنسيقي بين عدة جهات بحثية كالجامعات أو جهات مستفيدة من البحث كالمؤسسات الصناعية والتقنية والطبية.
  • عمل خارطة بحثية تُحدد فيها الأولويات البحثية وربطها بالمشروعات الوطنية.
  • استقطاب الباحثين الأكفاء من جميع أنحاء العالم وإغراءهم بالبقاء وتوفير البيئة البحثية المناسبة لهم.
  • تطبيق مبدأ الشفافية لوقف الفساد والهدر المالي على البحوث “الصورية”.
  • قائمة بأهم مراكز البحوث في المملكة العربية السعودية (*)
  • مركز رؤية للدراسات الاجتماعية.
  • مركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية.
  • مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام.
  • مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
  • مركز الخليج للأبحاث.
  • جمعية الصحفيين السعوديين.
  • مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.
  • الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
  • مراكز الأبحاث الواعدة بوزارة التعليم العالي.
  • مركز نماء للبحوث والدراسات.
  • مركز البحوث والدراسات بوزارة التعليم العالي.
  • مركز البحوث والدراسات الاستشارية – جامعة أم القرى.
  • مركز بحوث الطب والعلوم الطبية – جامعة أم القرى.
  • مركز بحوث العلوم الهندسية والمعمارية – جامعة أم القرى.
  • مركز بحوث الحج والعمرة – جامعة أم القرى.
  • معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج – جامعة أم القرى.
  • مركز البحوث والاستشارات – جامعة طيبة بالمدينة المنورة.
  • مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي – جامعة أم القرى.
  • مركز الملك فهد للبحوث الطبية – جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز أبحاث المياه – جامعة الملك عبد العزيز.
  • معهد البحوث والاستشارات – جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز بحوث الدراسات البيئية – جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز بحوث الجينوم الطبي – جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز التميز في الدراسات البيئية – جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز تقنيات متناهية الصغر – كلية الهندسة- جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز التميز لبحوث الجينوم الطبية – مركز الملك فهد لبحوث الجينوم.
  • مركز الأبحاث الزراعية بهدي الشام – جامعة الملك عبد العزيز.
  • مركز الدراسات المائية – جامعة الملك فيصل.
  • مركز أبحاث الجمال – جامعة الملك فيصل.
  • مركز أبحاث النخيل والتمور – جامعة الملك فيصل.
  • محطة التدريب والأبحاث الزراعية والبيطرية – جامعة الملك فيصل.
  • مركز وسائل وتقنية التعليم – جامعة الملك فيصل.
  • مركز البحوث البيطرية والإنتاج الحيواني – جامعة الملك فيصل.
  • مركز بحوث كلية طب الأسنان – جامعة الملك سعود.
  • مركز الأمير محمد بن فهد للبحوث والدراسات الطبية – جامعة الملك فيصل.
  • المركز الوطني لأبحاث الزراعة والمياه بالرياض.
  • محطة الأبحاث الزراعية – بلجرشي – وزارة الزراعة.
  • مركز تقنية المعلومات – جامعة الملك فيصل.
  • المركز الإقليمي للأبحاث الزراعية بالإحساء – وزارة الزراعة.
  • مركز بحوث كلية علوم الحاسب والمعلومات – جامعة الملك سعود.
  • مركز الخيول العربية بديراب – وزارة الزراعة.
  • محطة الأبحاث الزراعية بالخرج – وزارة الزراعة.
  • مركز الأبحاث الزراعية بالقصيم – عنيزة – وزارة الزراعة.
  • مركز الأبحاث الزراعية – منطقة مكة المكرمة – جدة – وزارة الزراعة.
  • مركز أبحاث البستنة – نجران – وزارة الزراعة.
  • مركز أبحاث تنمية المراعي والثروة الحيوانية بالجوف – وزارة الزراعة.
  • مركز بحوث النخيل والتمور.
  • المركز الوطني لأبحاث الزراعة والمياه – وزارة الزراعة.
  • المركز الوطني لمكافحة وأبحاث الجراد – وزارة الزراعة.
  • مركز البحوث والتطوير – أرامكو السعودية.
  • مركز بحوث الطاقة المتجددة – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
  • مركز بحوث كلية العلوم الطبية التطبيقية ــ جامعة الملك سعود.
  • مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
  • مركز التنقيب وهندسة البترول برأس تنورة – شركة أرامكو.
  • مركز بحوث تكرير البترول والكيماويات – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
  • مركز أبحاث الإبل والمراعي بالجوف.
  • مركز الأبحاث والتطوير – أرامكو السعودية.
  • مركز الملك عبد العزيز للخيل العربية الأصيلة بديراب.
  • المركز الوطني لأبحاث النخيل والتمور بالأحساء.
  • مركز بحوث كلية الصيدلة ـ جامعة الملك سعود.
  • معهد البحوث – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
  • محطة التجارب وتطوير الحمضيات بالسيباني – وزارة الزراعة.
  • إدارة الأبحاث والتقنية والخدمات الفنية – شركة أرامكو.
  • مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي.
  • مركز بحوث أقسام العلوم والدراسات الطبية – جامعة الملك سعود.
  • مركز بحوث كلية الطب – جامعة الملك سعود.
  • مركز بحوث كلية الهندسة – جامعة الملك سعود.
  • مركز بحوث الاتصالات والحاسبات الآلية – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
  • مركز الأبحاث – مستشفى الملك فيصل التخصصي.
  • مركز بحوث كلية الهندسة – جامعة الملك سعود.
  • معهد البحوث الهندسية – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

التعقيب الأول: د. مساعد المحيا

استطاع الزميل د. خالد في ورقته حول (البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية: الواقع والتطلعات)، أن لا يغادر متردما وأن لا يبقي لأحد أن يضيف معلومة في مجال البحث العلمي سوى فتات من البيانات فشكرا له …سأعلق على بعض ما أشار إليه من معلومات وأرقام أو أضيف بعض الجوانب حولها … اليوم تعد ‏أفضل جامعة في العالم هي ‏أوكسفورد – بريطانيا، حيث ‏نالت 89 نقطة في مجال التعليم ‏و 99 نقطة في مجال البحث العلمي، ‏ثم جاء معهدان وجامعتان قبل هارفارد التي جاءت في المرتبة السادسة، وسأضع الجدول لهذا لاحقا في نهاية التعقيب.

المتأمل في حجم الإنفاق على البحث العلمي في المملكة يجد أنه وصل عام ٢٠١٢ وفقا لإحدى الدراسات إلى ٢٤ مليار ريال وهو يعادل ما نسبته 09% من الناتج المحلي الذي بلغ 2.73 ترليون؛ وهذه النسبة قد ارتفعت بنسبة 7% مقارنة بالعام الذي قبله مع أن زيادة الناتج المحلي كانت قد بلغت 30%، وسأضع جدولا في نهاية التعقيب يوضح ذلك. أحد التقارير قبل عامين أشار إلى أن المملكة تتفوق على كل الدول العربية في مجال البحث العلمي وفي براءات الاختراع وبخاصة في بعض التخصصات التطبيقية، كما أشار التقرير إلى تفوق خمس جامعات في قدرتها على البحث العلمي ..قد تكون هذه الأرقام جيدة لكن من الخطأ في تقديري مقارنتها بدول تظل مثلنا أو أضعف منا هنا نحن نتوهم التفوق والتميز ..سأضع جدولا  في نهاية التعقيب يوضح حجم الإنتاج الفكري لمؤسسات التعليم العالي .. كما أن أمانة البلديات قبل أيام أعلنت عن حجم إنفاق جيد للبحث العلمي لديها وسأضع جدولا لاحقاً يوضح هذا …

كل هذا وإن احتفينا به فهو يمثل حجم الإنفاق المتدني على البحث العلمي مقارنة بما ينفق في كثير من دول العالم … نحن وإن كنا من حيث الأرقام لا ننفق على البحث العلمي كثيرا، لكن مؤسسات ومراكز البحث المتاحة تحتاج من ينتشل كثيرا منها من بيئة الشللية والفساد ..

كما أنها تحتاج بيئة بحثية حرة يتمتع فيها الباحث بمدى لا حدود له ليبحر في البحث وليصل إلى النتائج التي يقوده إليها البحث دون تسلط من أحد أو وصاية من جهة تريد أن لا تقول البحوث إلا أن كل شيء على ما يرام … نحن في الجامعات لدينا لجان لفحص البحوث بعد الانتهاء منها حيث يقرر شخص ما لا علاقة له بالبحث ولا بموضوعه حذف مباحث وفصول ونتائج قد تعد هي أهم ما في البحث لقيمتها العلمية ولأنها تصف الواقع وتتحدث عنه لكن بذلك العبث يتم تفريغ البحث من قيمته. والسؤال الأهم إلى أي مدى تعمل الدول والمؤسسات الحكومية خاصة بمخرجات ونتائج البحوث التي بذل فيها الكثير من الجهد …

شخصيا قد أقول أن صانع القرار يطلب بعض الدراسات لتكون مما يعتمد عليه في صنع قراراته وينفق عليها الكثير لكن على نحو عام أشك في أنه يعمل بما تقوله هذه الدراسات .. فهو أحيانا يرى أنه أكثر خبرة ودراية ومعرفة ..!!

سألت مدير مركز بحثي مهم يعنى بدراسات تتعلق بالشأن الآسيوي والروسي في المنطقة في ضوء الواقع الذي نعيشه وقلت إلى مدى تشعر بأن دراساتكم يؤخذ بما فيها فقال ربما سابقا كان الواقع أفضل … لنسأل انفسنا ونحن في إطار خطة تحول اقتصادي من هي مراكز البحث الاقتصادية التي خططت وعملت لإنتاج هذه الخطة ٢٠٣٠ سنجد أن لا أحد من نخبنا الاقتصادية ولا مراكزنا شارك في ذلك .. إنه الارتجال في صناعة المستقبل وفق خطط تضعها جهات لا تعرف البيئة الاجتماعية ولا الثقافية ولا الجغرافية للمملكة ومجتمعها ..نحن نحتاج في جامعاتنا ومراكز البحث لدينا مراكز بحوث حقيقية تتحدث عن المشهد المحلي وتتناوله بشفافية، وتقول لنا أين الداء وما الدواء وأن لا تكون دراسات تقوم على فرضيات تختزل المشكلة أو الحل في أطر معينة لا تستطيع تجاوزها …

هنا أتوقف لأقول مجموعة من الجمل …

  • مستقبلنا تكتبه مؤسسات البحث العلمي الاحترافية …
  • التحديات التي نواجهها اليوم أحد اسبابها هو تهميشنا لقيمة البحث العلمي ولمكانة الباحثين إذ حين نعول عليهم ستكون مواقفنا أكثر عمقا وقربا للحقيقة والصواب .. ولا أجد اليوم حلا لمشكلاتنا وللأزمات التي نمر بها ولمواجهة كل التحديات إلا بالبحث العلمي …
  • حجم الكم المعرفي والعلمي الذي تقدمه البحوث هو أحد مؤشرات مستوى التقدم العلمي وهو الممهد والحافز له خاصة حين ينجح المجتمع في توظيف واستثمار هذه البحوث في صناعة مستقبله التنموي .. إذ لا تقدم ولا تنمية ولا قوة بلا بحوث علمية فهي أساس التقدم في كل مجال …
  • وحتى نحدد مشكلاتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والاجتماعية والترفيهية وغيرها… نحتاج للبحث العلمي العميق والرصين لنصل إلى كيفية إصلاح كثير من الواقع وللنهوض به …
  • ليس مهما كم نمتلك من مؤسسات بحثية، ولكن الأهم هو كيف نعد ونقدم هذه البحوث، وإلى أي حد نتيح لها أن تتناول أدق مشكلاتنا لتطرح وتقدم لنا أفضل الحلول .

التعقيب الثاني: أ. خالد الحارثي

أشكر د. خالد الرديعان على ورقته الثمينة والتي وضعتنا في تصور مبدئي عن وضع البحث العلمي بشكل مبسط في المملكة.  أعتقد أن الدراسة المصرية المذكورة لم تستوف ذكر كافة مراكز البحوث الأهلية مثل مجموعة الأغر، ومراكز بحوث حكومية مثل المركز الوطني للبحوث والدراسات الاجتماعية ، ولكن ذلك لا يغير شيئا كثيرا في واقع وضع البحث العلمي في المملكة. أعتقد أننا ننظر للبحث العلمي بطرق مختلفة وبعيدة عن الوصول بحاضرنا لواقع البحث العلمي في العالم اليوم ، مرورا بأدوات التحفيز واحتلال المكانة المطلوبة للباحثين والبحث العلمي في صناعة القرارات وفي الحرك الثقافي والمعرفي بشكل عام.

دور الجامعات :

دور هيئة التدريس والعلمية الأكاديمية تبدو شبيهة كثيرا بأدوار المعلمين والمعلمات وهو ضروري ولكن أن يقتصر على ذلك فهنا تكمن المشكلة ، فبدلا عن أن تكون وظيفة هيئة التدريس هي البحث العلمي أساسا ينخرط الدكاترة في الكثير من الأعمال الإدارية التي تستنزف أوقاتهم دون فائدة تذكر على البحث العلمي وأنشطته ، وهذا يعتبر هدر كبير للموارد وبالذات على المستوى الأكاديمي الذي عليه تنمية وتطوير البحث العلمي. في تصوري أن تحول الجامعات المأمول يقع في جزأين:

  • تكريس الكادر الأكاديمي للبحث العلمي والاقتراب من المجتمعات المحلية .
  • تطوير منظومة الحوافز التي تضمن انشغال الجامعات في تطوير مكانة البحث العلمي واحتلالها المركز الأول في الطرح العلمي والثقافي.

دور مراكز البحوث الأهلية:

فضلا عن غياب الاهتمام الحكومي بالمراكز الأهلية إلا أن المراكز الأهلية تعاني أيضا من غياب التعاون مع الجامعات بشكل رسمي وغير رسمي في إطار يلقى القبول من جميع الأطراف مما يوفر الآتي:

  • فتح المجال للتعاون العلمي بين الجامعات ومراكز البحث الأهلية.
  • التمويل وآليات التحفيز والتطوير.
  • الحماية من المنافسة مع الأجنبي وغياب الرقابة عن “تجار الشنطة” وملاحقتهم .

المداخلات حول القضية:

  • الواقع الراهن للبحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية

قال د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته: من الضروري البدء بتقديم تعريف موجز عن البحث العلمي كمدخل عام للمداخلة حول القضية :

  • البحث العلمي هو المحاولة النّاقدة الّتي تحاول الوصول لحلّ مشكلة إنسانيّة معيّنة.
  • البحث العلمي هو تفسير لحقيقة ما باستخدام عباراتٍ واقعيّة تطبّق بقوانين عامّة توجد في المجتمع.
  • البحث العلمي هو مجموعة من الخطوات المنتظمة والمدروسة، تبنى على معلومات تجمع حول مشكلة معيّنة، وخضعت للفحص والتّدقيق، وذلك لحلّ المشكلة.
  • البحث العلمي هو فكر منظّم يقوم به شخص يدعى (الباحث) ، للوصول إلى الحقائق لحلّ قضيّة تسمّى (موضوع البحث) ، إذ يتّبع طريقة علميّة تسمّى (منهج البحث)؛ ليصل إلى حلول تسمّى (نتائج البحث).

وأشارت أ.د فوزية البكر إلى أن البحث العلمي هو عَصّب وأحد أسباب وجود الجامعات لكنها تري ذلك غائب تماما عن أذهان الأساتذة وكل الهدف هو الترقية العلمية حتى تخف الأعباء التدريسية ويستقر المرتب و تزداد المكانة العلمية لكن دون إنتاجية بحثية ذات جدوي معرفية أو تطبيقية بدليل أن أي أستاذ جامعي لابد له من الحصول علي موافقة ( ملكية ) للمشاركة في مؤتمر، وكان لا يسمح للأستاذ المشاركة بأي ورقة إذا لم توافق عليها وزارة التعليم العالي.  هذا الوضع أدى الي تشويه مفهوم البحث العلمي في أذهان طلاب الدراسات العليا الذين يسعون للحصول علي الدرجة بعض النظر عن جدوي البحث الذي يقومون به وبدا أن هناك شعور بأن البحوث توضع علي الرف ليقرأها كنماذج طلاب دراسات عليا مقبلون لكن لا يتصور الطالب أو الأستاذ أن عمله سيضيف معرفة أولية أو تطبيقات فعلية لمعالجة احتياج أو مشكلة أو الإجابة علي أسئلة مبدئية.

هذا طبعا لم يأتي من فراغ بل أتي من مناخ ثقافي مثقل بالاستخفاف بنواتج البحوث العلمية خاصة في المجالات الانسانية مقابل ما يقال رسميا أو ما يشاع شعبيا ومن هنا راج الفكر الخرافي والطب الشعبي الخ وهو ما كان مشجع تماما علي المستوي الرسمي.

من ناحية أخرى  كانت المراقبة الحكومية سوطا مسلطا علي البحوث والمواضيع  (المسموح) بتناولها حتى أننا في فترة كنّا نعرف بأن لجان من خارج الجامعات تتدخل في ما يبحث أو لا يبحث.  زاد على ذلك موجة التشدد التي عصفت بالأقسام الإنسانية وجعلت لجان الدراسات العليا توجه كل دراسة للماجستير والدكتوراه كما تراه إضافة إلى بيروقراطية هائلة تحوطها تصنيفات ومحسوبيات يجب التحسب لها وعدم الاصطدام بها علي مستوي لجان الكلية أو الدراسات للعليا. المحصلة بحوث محسوبة بدقة بحيث لا تصطدم بأي شيء غير مألوف.  موضوعا أو منهجية  ولا يهمها الإجابة على أسئلة بحثية فعلية تخدم الواقع المعاش في أي مجال.

وأوضح أ. سلمان العمري أن البحث العلمي يعتبر الوسيلة الأساسية في تقدم ونهضة الأمم، ولو رجعنا إلى ماضي الأمة العريق لوجدناه حافلاً بالأبحاث والدراسات والعلوم التي نفعت الأمة والأمم الأخرى، وجعلت من هذه الأمة قطباً أساسياً للعالم أجمع، ومكاناً ينشده الجميع، لاستحصال العلوم والمعارف، ونالت احترام دول الأرض قاطبة، ولهذا لا عجب إذا رأينا أن التقدم أو الحضارة إنما توصف بهما الأمم التي تسعى في طرق البحث وسبله، فتنال نصيبها وأتعابها، وتفرض احترامها على الآخرين، وبالطبع فان أمتنا – للأسف – في واقعها الحالي ليست أمة بحث علمي، وهذا ما يؤلم ويحز في النفس، وكل الدراسات والاحصائيات تشير إلى أن ما تخصصه البلدان العربية على سبيل المثال للبحث العلمي لا تتجاوز نسبة زهيدة للغاية مقارنة بما تخصصه الدول المتطورة. وأضاف: لن أذكر أن الدول الأخرى تعتبر البحث العلمي فيها حالة عامة تسود الأمة، بحيث أن الأفراد يفكرون به، والمؤسسات العامة والخاصة تفكر به، وتقوم به، والبلد كله في حركة بحث علمي، ولكن أركز على نقطة ربما تكون المفتاح في هذا المجال في بلادنا، فلدينا العديد من المؤسسات العامة والخاصة، والدوائر الرسمية، والهيئات العلمية، وغيرها، والتي تصنف بالعملاقة حتى على مستوى العالم، ناهيك عن المستثمرين الذين لديهم – ولله الحمد – ما يستثمرونه، ولو خصصت كل جهة مما ذكر مبلغ 1% من موازناتها للبحث العلمي لوجدنا مبالغ طائلة قد دخلت في إطار البحث العلمي، وستكون النهضة عامة وشاملة للبلد، ولتلك المؤسسات والأفراد، وبهذا تصبح الكرة في ملعب الباحثين، أما الآن فإن الكرة في ملعب الهيئات ذات القرار والثروة، والباحثون يعيشون ألمهم وحسرتهم ليس إلا.

إن واقع الحال في بلادنا غني جدا بمصادر البحث، وبمجرد أن يفتح هذا الباب عملياً سوف تجد العديد من الدراسات الجادة والواقعية والعملية، بل هناك بالفعل العديد من هذه الدراسات ممثلة برسائل الماجستير والدكتوراه، والتي يمكن توجيهها نحو دراسة الواقع بشكل مخطط ومدروس، بالإضافة لإمكانية حصر المشكلات المتعددة، التي بالإمكان دراستها وتحليلها والوصول لفوائد جمة من وراء ذلك.

للأسف حتى الآن ليس لدينا اهتمام ومعرفة بالآخر، وهذا صار من ضرورات العصر التي لا ينبغي التخلي عنها، لأن في ذلك فائدة دعوية واقتصادية وسياسية واستثمارية وثقافية، ونهضة شاملة في كل المجالات، وتجنباً للكثير من الأخطار بإذن الله. في الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص تجد مراكز البحوث والدراسات في كل مكان، ليس في الجامعات فحسب، بل في كل المؤسسات أو أغلبها، ولا أستطيع الزعم أن نفس الشيء يحصل لدينا، وبسؤال بسيط لأي جهة أو دائرة حكومية هل تحل مشاكلها من خلال البحث العلمي والدراسة والتمحيص، أم بالاجتماعات والقرارات الارتجالية غالباً؟! نقطة أخرى أيضا ألا وهي بخل بعض الجهات بالمعلومات الدقيقة أو الصحيحة، إما لعدم توفرها أو لعدم الرغبة في البوح بها حتى لجهات البحث العلمي، وطغيان التفكير الصحفي والفضائي على العديد من الدوائر.

هناك أشخاص في بلادنا ضحّوا بالكثير من ثروتهم – لو جاز التعبير – الشخصية من أجل شيء اسمه البحث العلمي، وكان الأولى أن ينالوا ولو قسطاً من الدعم من جهات معينة، ولكن ذلك لم يحصل، وكلمة يجب توجيهها إلى ينابيع القرار، ألا وهي أن الباحث بطبعه معطاء، وبالتالي هو صاحب القرار في بحثه، ويقدم الغالي والرخيص من أجله، وعلينا ألا نجعله ييأس ويتخلى عن البحث ليصبح لاهثاً وراء الحياة اليومية، لأن في البحث يكمن مستقبل الأمة ككل، وبحرماننا من الباحث وبحوثه فإننا الخاسر الأكبر قبل أن يكون الخاسر هو الباحث، هناك فرصة ذهبية الآن حيث معظم العقول المبدعة لم تعد تفكر على الأقل في الوقت الحالي بالسفر إلى ما وراء البحار، وعلينا اغتنام الفرصة، واكتسابهم في معركتنا الحضارية التي لا يفوز فيها أحد إلا بعون الله تعالى، ومن ثم بتطوير نفسه من خلال البحث العلمي.

وقالت أ.د. سامية العمودي: ثقافة البحث العلمي ثقافة ناشئة وجديدة في مجتمعاتنا عندما كنت طالبة في الطب وبعد تخرجي عام ١٩٨١ بدأت رحلتي مع البحوث لكن الهدف عندي وقتها كان مثل جيلي للحصول على الترقية ولم أدرك إلا لاحقاً أن البحث عصب التقدم في كل المناحي. وعندما توليت كرسي الشيخ محمد حسين العمودي لأبحاث سرطان الثدي بجامعة الملك عبدالعزيز حاولت التركيز على جزئيات مهمة في قياس الوعي بين شرائح المجتمع تجاه قضية السرطان وحتى يكون التخطيط الاستراتيجي مبني على الواقع. الآن هناك تطور لافت أراه في ابني وابنتي في كلية الطب وفينا كأساتذة فثقافة البحث العلمي منتشرة ومن متطلبات الهيئة ومتطلبات الابتعاث والتمايز.  كل هذا يتم بين الكليات الصحية بالتعاون مع الكراسي العلمية ومراكز التميز البحثية وأصبحنا نركز على إنشاء جيل من الباحثين المتمكنين، ونحاول التركيز على قضايا الوطن لكن عاد التمويل ليشكل عائقاً.. أعتقد أن هناك تحسن وأمل يتجدد.

ومن جانبه قال د.م. نصر الصحاف في مداخلته: مشكلة البحث العلمي عندنا ليست واحدة فهي مجموعة متشابكة من المشاكل وعلى رأسها درجة الوعي المجتمعي / المالية/ الاقتصادية/ الخ… سأقوم بسرد المؤثرات على البحث العلمي وبدون ترتيب ومنها:

  • عدم إدراك المجتمع لأهمية البحث العلمي والتركيز على المردود المادي أو الشخصي للأبحاث العلمية.
  • ضعف التمويل.
  • ثقافة المجتمع السائدة عن البحث العلمي هزيلة أو هزلية في أحسن حال كما هو ملاحظ في الاستخفاف بمنظور البحوث العلمية ككل.
  • ضعف مستوى التحصيل العلمي العام للمدارس والمعاهد والجامعات السعودية وبالتالي ضعف المخرجات من عقول شغوفة بالبحث العلمي من أجل البحث العلمي المطلق.
  • عدم إدراك الجهات الحكومية المحسوبة للبحث العلمي جماعياً وضعف التمويل.
  • ضبابية الرؤيا المستقبلية عند أصحاب القرار في هذه المؤسسات العلمية وبالتحديد مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وتكريس الطاقات للمصالح الشخصية على حساب البحث العلمي الجاد بل وعرقلة الأبحاث الناجحة أحيانا بسبب ضيق الرؤية.
  • شُح المعلومات وعدم توفر الإحصائيات يعد سبب أساس لضعف الأبحاث العلمية في المملكة.
  • استخفاف الجامعات السعودية برسالتها في إعداد جيل من طلبة الدراسات العليا بدليل الانتشار الواسع لمحلات “خدمة الطالب” والتي تقدم علناً البحوث المعلبة والمنقولة (بدون أدنى حرج في أخلاقيات البحث العلمي – ولكن هذا موضوع آخر) للطلبة عن طريق “نسخ ولزق” من الإنترنت والواضح أن هيئة التدريس توافق على ذلك نظراً لشيوع هذه الظاهرة في كل مدن المملكة !!

واختلف مع د. خالد الرديعان في توصيته باستحداث وزارة للبحث العلمي فحتماً طريقها الوحيد سيكون الفشل الذريع !!  لماذا؟. لأن البيروقراطية هي العدو الأول للبحث العلمي المستنير وغير المستنير !!

ولكن أن يكون البحث العلمي تحت مظلة كبيرة على غرار هيئة العلوم الوطنية الأمريكية NSF هو الحل الأمثل بعد تكريس ٣٪‏ من الناتج القومي كميزانية مشتركة من القطاع الخاص والحكومي للبحث والتطوير ! والأمل كل الأمل في مبادرة مشروع كود ضمن رؤية ٢٠٣٠ الذي أطلق في نيويورك أن يساهم في رفع السقف المعرفي للمملكة !

وتساءل. خالد الرديعان بخصوص ما ذكره د.م. نصر: ما الفرق بين هيئة ووزارة فيما يخص البحث العلمي؛ فالهيئة ستكون حكومية مثل الوزارة.. إلا إذا كان للهيئة صلاحيات أوسع ومرونة في قراراتها وميزانيتها.

وبدوره أوضح د.م. نصر الصحاف أنه لا يقصد هيئة حكومية البتة، ولكن جهة اعتبارية مكونة من أعضاء أكاديميون /إداريون/ صناعيون/ أصحاب خبرة ومرتبطة مباشرة برئيس مجلس الوزراء.

  • رؤية استشرافية للارتقاء بالبحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية والأهلية

أشار د. حامد الشراري أنه لا يختلف اثنان على الدور الهام للبحث العلمي الجامعي في تطوير الصناعة و حل المشكلات الفنية التي تواجهها، ولا شك أن البحثُ العلمي التطبيقي أصبح شريك في حل غالب المشاكل التي تواجه القطاع الصناعي، وركيزة ومنطلقاً لكل تطور صناعي وتقدم اقتصادي في الدول المتقدمة. بل وأضحى نشاطاً من الأنشطة الاقتصادية، ويؤدي دوراً كبيراً وهاماً في تقدم الصناعة والاقتصاد ونموهما، بل هو العنصر الأساسي في نقل التقنية وتوطينها. علاقة الصناعة بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية  وأهميتها، أُثري نقاشا ودراسة وبحثا في مختلف الوسائل في السابق وما زال. فالعلاقة وثيقة ومتبادلة بينهما، فللبحث العلمي الجامعي دور في خدمة التطور الصناعي، وللصناعة دور في خدمة البحث العملي الجامعي. فنحن بحاجة ماسة إلى بيئة بحثية محفزة للعقل المفكر الذي يتمتع بصفاء الذهن والرغبة الملحة في إنتاج مخرجات بحثية رصينة، يكون لها أثرها الإيجابي على خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد الوطني.

قد نحتاج لنحصل على بحوث نوعية تسهم في خدمة الوطن إلى ذراعين؛ ذراع تمويلية كالبنوك والصناديق الحكومية مع مساهمة من القطاع الخاص بنسبة تستقطع من أرباحها، وذراع فنية تقيم وتوفر الدعم الاداري واللوجستي للباحث أو الجهة البحثية كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

وذكر أ. عبد المحسن القباني أن مسألة موافقات التعليم العالي لحضور المؤتمر تحتاج إلى إعادة نظر، والجامعات كما الصحافة.. تحتاج إلى سقف حرية مرتفع وتأكيد على تنوع العاملين فيها والقبول بهم وبأفكارهم لا أن تسير بفكر “المنشأة الحكومية”.

وتطرق د. مساعد المحيا إلى أهمية تأسيس مراكز بحثية للموهوبين من طلابنا لنتيح لهم أن ينتجوا بحوثا نوعية تصنع لدى الجيل الجديد إحساسا بأهمية البحث العلمي وقدرة الشاب السعودي على الحصول على أوسمة وجوائز عديدة؛ فنحن نحتاج لمراكز بحثية تكون للشباب أو تتاح لجيل الشباب الموهوبين لينتجوا إبداعا عبر بحوثهم وبراءات اختراعاتهم.

وترى أ. مها عقيل أن مشكلة البحث العلمي عندنا تبدأ من المدرسة من المرحلة المتوسطة والثانوي عندما نغرس في النشء حب الاستطلاع والبحث عن المعلومة في المكتبة والآن عبر الانترنت ولكن ليس بهدف نقل أو نسخ ولزق وجمعها في “تقرير” ولكن لتحليل المعلومة ونقدها واستنتاج. يدخل الفرد الجامعة وهو لا يعرف مبادئ البحث وكتابة تقرير. إن الجامعات بحاجة إلى إعادة النظر في أهدافها وأسلوب عملها وتكون هي مراكز أبحاث حقيقية تنتج مخرجات تفيد المجتمع في شتى المجالات وتنفق من أجل ذلك نسبة كبيرة من ميزانيتها بدلا من أن تضطر أن تدفع أموال كي تحصل على تصنيف عالي في مراتب الجامعات.

وأضاف د. عبد الله بن صالح الحمود: أود القول أن البحث العلمي الذي يظهر لنا بمنتج مقبول أكاديميا ، لابد من الاعتراف أنه الطريق والأنموذج الذي من خلاله يعد خارطة طريق لبناء المجتمع . وفي هذه المرحلة لابد أن ينتقل أداء البحث العلمي من النهج الأكاديمي الصرف ، إلى آفاق أوسع وأرحب ليكون مساهما إسهام فعال لخدمة المجتمع ، وأن تتأتى منافعه في كافة المجالات . فمثلا ومن خلال المناداة المستمرة بالاهتمام باقتصاد المعرفة ، والذي هنا لابد أن نصل إلى قناعة تامة من وجوب تسخير نسبة كبيرة من الاقتصاد الوطني لخدمة البحث العلمي ، عدا ذلك فإننا سائرون بطرق غير صحية للوصول إلى أهداف حقيقية.

وفي الوقت نفسه أجزم أن البلوغ نحو مكاسب مأمولة في النهوض بمكانة البحث العلمي، يتطلب وضع الأسس والقواعد التي تمكننا من أن يكون للبحث العلمي مكانة مقدرة ، وهذا لن يتأتى من خلال مبادرات شخصية أو من خلال جامعة أو جامعتنا أو حتى مركز بحثي قد يبدأ بداية متواضعة وما يلبث إلا وأن يتوقف نشاطه بسبب عدم توافر الدعم اللازم له.

وحتى أكون مؤمنا من أن يكون للبحث العلمي مكانة وروح كبيرة في المنافسة وقبل ذلك شريكا في كافة المجالات ، خصوصا ما يخدم الاقتصاد الوطني على وجه الخصوص ، فإنه لابد من إيجاد وزارة للتعليم العالي وأن تقترن بالبحث العلمي ، تحت مسمى ( وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ). من هنا يسهل الأمر على المشرع والمنفذ أن ينهضان بالبحث العلمي ، وأن يكون الدعم المعنوي والمادي سهل المنال أمام جهة تختص بشؤون وشجون البحث العلمي.

وفي تصور أ.د. عبدالرحمن العناد فإن من المهم إيجاد مظلة رسمية واحدة لمراكز البحوث والدراسات التي تتوزع تراخيصها بين عدد من قطاعات الدولة … وبعض مجالاتها لازالت غير معروفة مرجعيتها أصلا وتمتنع الجهات الحكومية عن الترخيص لها فكل واحدة تقول هذا ليس من اختصاصي … ويفترض أن يتم الترخيص لها من وزارة التعليم (والبحث العلمي) أو من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية … والمراكز البحثية الخاصة تعاني في المناقصات الحكومية من منافسة معاهد ومراكز الأبحاث التابعة للجامعات رغم أن هذه المراكز الخاصة تستعين أيضا بأعضاء هيئات التدريس … وأن المراكز التابعة للجامعات تشغل الأساتذة “كتجار شنطة” وتأخذ عمولة، لكن سمعتها عند أصحاب القرار أقوى من سمعة وموثوقية المراكز الخاصة .. إذا كنا نسعى لتخصيص كافة أو جل النشاطات الحكومية فيفترض أن يكون البحث العلمي من ضمن القطاعات المستهدفة … ويكون ذلك من خلال دعم المراكز الخاصة وإعطائها مشاريع البحوث العلمية.

ويرى د. خالد الرديعان أنه لا ينقصنا العقول ولا الإمكانات… ينقصنا فقط العمل والمثابرة والبيئة البحثية.. والاحتفاء بالمبدعين وتشجيعهم. كذلك فإن خصخصة الجامعات قد ينتشلها من الترهل البيروقراطي والفساد والهدر مما سينعكس على مخرجات بحوثها.. القطاع العام لا ينجح بسهولة. وهناك طريقة أسرع وأكثر كفاءة مثل ربط بعض الأقسام الجامعية العلمية مع شركات كبرى كقسم الكيمياء في جامعة الملك سعود مع شركة سابك على سبيل المثال بحيث تمول القسم ويركز القسم بحوثه على ما يخدم سابك.

ويمكن للأقسام الأخرى في كليات الهندسة عمل نفس الشيء وهنا تتسع دائرة الشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي. وفيما يخص مثال سابك فقد يعقد القسم المذكور اتفاقيات مع شركات أخرى لتوسيع مجالات البحث. وحتى بحوث الدكتوراه في الجوانب العلمية قد تمول من قبل شركات كما هو معمول به في بعض الدول. وهنا يتم التأكد أن مخرجات البحوث ستكون مفيدة وقابلة للتطبيق.

وأضاف د.م. نصر الصحاف أنه كبداية يجب توعية المجتمع وتشجيع البحث العلمي باحترام العلماء وعدم تهميشهم كما نرى في مجتمعنا ومن ذلك توضيح درجة العالم بالعلم وليس فقط بالدِّين كما هو معمول به في مجتمعنا !! ففي هذه الحالة ستكرس وتوجه البحوث بما يخدم تطلعات الشركة فقط في إطار معرفي ضيق جداً !!

وبدوره أوضح د. حامد الشراري أن المدينة جهة تمويلية وفي نفس الوقت بحثية . أليس الأفضل أن يكون هناك قناة للتمويل منفصلة عن الجهة البحثية وتكون هناك جهة ثالثة رابطة بينهما للتقييم والدعم اللوجستي؟!  أيضا هناك شراكة متميزة بين معهد الأمير سلطان للتقنيات المتقدمة بكلية الهندسة جامعة الملك سعود مع القوات الجوية.

ومن جديد رأى د.م. نصر الصحاف أنه إذا زادت القنوات عن اثنين الجهة البحثية والأخرى الممولة تاهت الأمور وتشابكت كثيرا وبالنتيجة تتعطل البحوث ومخرجاتها.

وقال د. حامد الشراري: أتفق أن تكون هناك جهة تمويلية فنية وجهة بحثية..مثلا:

NSF تمويلية

NASA بحثية

وقال د.م. نصر الصحاف في إشارة إلى تجربته الشخصية في هذا الصدد: لعلي أبدأ بما عايشته في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من معاناة حقيقية تبدأ من لحظة التفكير في مادة البحث مروراً بمرحلة الإعداد والتقديم ثم اختيار فريق العمل والموافقة عليه وعلى موضوع البحث من قبل. إلا أن المشكلة ليست هنا بقدر ما تكون في ما اسميه الاستبداد الاداري وعدم استقلالية الباحث الرئيس في مجريات العملية ! تستمر المعاناة خلال مراحل “التجربة البحثية” من البداية نظراً لشح المعلومات أو قلة مصادرها أو تصنيفها بالسرية وهي ليست كذلك حيث يمكن في بعض الأحيان استحضارها من قوقل – إيرث على الانترنت .

هذا فيما يتعلق بالعملية الإجرائية في البحوث ويمكن أن تحصل في أي معهد أبحاث في العالم ولكن الاستراتيجية تختلف. أحد المعوقات البحثية في مدينة الملك عبدالعزيز هي الشللية والتفضيل لمجموعة ما على حساب السواد الأعظم من الباحثين فتجد مجموعة أو فريق بحثي  معين يستأثر بالأبحاث تلو الأخرى بينما فريق آخر لا يعطى الفرصة للقيام بالأبحاث أو أن يحظى بتمويل لأبحاثه لمجرد تصنيفه خارج الشلة المحظية بغض النظر عن أهليته العلمية أو خبرته ..الخ.

أضف إلى ذلك تحكم المحاسب للمشروع وإدارته المالية للمشروع بناء على توجيهات الإدارة المالية وذلك بعد الموافقة على بدء المشروع مما يشكل عبء كبير وتأخير للعمل لدى الباحثين. ولا ننسى الطريق التي انتهجته المدينة في الثماني سنوات الأخيرة في تغليب العوائد المادية لأي مقترح بحثي ومنافسة القطاع الخاص بتقديم حلول معلبة وأي كلام طالما يمكن ذلك والاتكاء على سمعة المدينة محلياً بأنها المرجع الأساس للعلوم والتقنية في المملكة. هذا طبعاً من شأنه وأد البحث العلمي المجرد والناجح !! فأصبحت المدينة تبحث عن مداخيل إضافية ولكن لماذا ؟ أضف إلى ذلك أين هو مصير هذه الأموال ؟ وعلى ما تنفق ؟ مدينة الملك عبدالعزيز لديها أربعة مكاتب في الولايات المتحدة :

– سيليكون فالي قرب سان فرانسيسكو.

– لوس أنجلوس.

– واشنطن دي سي.

– بوسطن.

من يدير هذه المكاتب ؟ وما هو عملها؟ وماذا قدمت للمملكة؟. لا أحد يعلم ومجرد الاستفسار عن ذلك يعتبر خط أحمر لكل من تسول له نفسه ذلك من موظفي المدينة !! والمشكلة تتمثل في غياب الرؤية الاستراتيجية لدى المدينة مع أن إدارة المدينة طالما دندنت على وجود خطة استراتيجية للبحوث مقدمة من شركة استشارية “أجنبية” لم نرى ثمارها حتى الآن !! وكل هذا كان واضح بالنسبة لي حيث فاجأني أحد نواب الرئيس بأن المدينة ليست معنية أصلاً بالأبحاث العلمية وأن ذلك هو أحد هموم الجامعات وليس المدينة !!!

وأضاف د.م. نصر: لن أنسى اجتماع حضرته في عام ٢٠٠١ في معهد الفضاء بالمدينة وكان أحد موضوعات الاجتماع تلبية دعوة لأحد الشركات المحلية لشراء برمجيات نظم معلومات جغرافية لشركة معينة . فاختلفت في رؤيتي عن النسق العام في هذه الأمور من حيث تلبية دعوة الشركة وإعداد طلبية من البرمجيات تفوق حاجتنا وليست مصنفة لاحتياجاتنا التطبيقية مما يجعل هذه البرمجيات غير مفيدة وهدر للمال العام! وحيث أن الشركة المذكورة هي الوكيل الرسمي في المملكة لشركة رائدة في هذا المجال عالمياً وبما أن الشيء بالشيء يذكر فاستحضرت تجربة شخصيه مررت بها أثناء دراستي في برنامج الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا. فقد كان من عادة رئيس هذه الشركة العالمية الحضور إلى جامعتنا بين فترة واُخرى وطلب العون في تطوير إحدى البرمجيات وكان المشرف على رسالتي يعين اثنين أو ثلاثة باحثين لفترة شهرين أو اكثر لمتابعة البحث وإيجاد الحلول المناسبة وفي كثير من الأحيان كانت الشركة العالمية تقوم بتحمل نفقات السفر والتسجيل والإقامة لحضور مؤتمرات عالمية لأفراد الفريق البحثي بالإضافة إلى تمويل مستقبلي لطلبة الدراسات العليا في القسم.

أوردت هذه التجربة وأضفت بأنه يمكننا التفكير جدياً في تطبيق ذلك في مدينة الملك عبدالعزيز عوضاً عن شراء برمجيات لا تتطابق مع احتياجاتنا وبأنني أعرف رئيس الشركة شخصياً لأنني ساهمت في تطوير عدة برمجيات مع زملائي في الجامعة آنذاك وبأننا يمكن القيام بنفس الشيء هنا في المملكة مما يساهم نقل المعرفة وتوطين التقنية!! وأغرب ما في الأمر كانت ردة فعل مدير المعهد آنذاك (الرئيس الحالي) بقراره شراء البرمجيات فقط!

وعلق د. خالد الرديعان بقوله: كما ذكرت سابقا فإن الخصخصة وتغليب مبدأ الربح في أي مؤسسة كانت يلغي كثيرا من المشكلات بما فيها الحزازات الشخصية والمماحكات والشللية وهذا نحتاجه كثيرا في المؤسسات البحثية.. لو عمل الناس بدافع الربح لتغيرت الصورة لكننا نعمل بقطاعات حكومية (عامة) مثقلة بتأثير الجوانب الشخصية والاعتبارات الاجتماعية..

وأوضح د. حامد الشراري أن المدينة انشأت في عام 1397هـ من أجل تنظيم الجهود العلمية والتقنية لخدمة التنمية بالمملكة وتوجيهها، في وقت كان هناك قلة في الموارد المالية لغرض البحث العلمي وندرة في الطاقات البشرية المدربة، وعدد محدود من الجامعات ومراكز البحوث الوطنية، ومع مرور الزمن تشعبت مهام المدينة واعمالها ما بين دعم البحوث، والقيام بإنجاز أبحاث تطبيقية وادارة شركات كالشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية)… ، والدعم اللوجستي لأصحاب المبادرات والابتكارات، وبراءات الاختراع وتسجيلها…الخ.. المدينة – حاليا- تقوم بتنفيذ البحوث وبنفس الوقت تدعم (تمول) البحوث وفق سياسة عامة (الأولويات الوطنية فمثلا قضايا المياه والتصحر والطاقة… على أن تكون  تطبيقية) ؛ هذا التمويل يتنافس عليه باحثي المدينة وباحثي الجامعات السعودية..

وقد يكون من الأفكار التي تساهم في زيادة فاعلية البحث العلمي:

  • إنشاء جهاز – وزارة أو مؤسسة أو هيئة- لتوحيد الجهود البحثية وتنسيقها بين الجهات ذات العلاقة (الجامعات السعودية والمؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص)، ولعلي أسلط الضوء على هذه الفكرة فيما بعد.
  • الزام الشركات والمصانع المحلية بدعم المراكز البحثية بجزء من أرباحها (تمويل ذاتي بدلاً من الإنفاق الحكومي) وإبراز الفائدة من الشراكة الفعالة بين الجامعات والقطاع الخاص؛ بمعنى آخر ضرورة مساهمة المجتمع ككل (القطاع الحكومي والأهلي) في دعم مسيرة البحث العلمي وتحقيق استقرار تمويلها، إذ أن معظم الشركات الرائدة في عالم الإنتاج تخصص قسماً كبيراً من ميزانيتها للبحث والتطوير (قد يصل إلى 7-11٪).
  • وضع الآليات الملزمة للقطاع الصناعي – خصوصا الشركات الصناعية الكبيرة-للاستفادة من الأبحاث والباحثين في الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية الوطنية.
  • مؤتمرات مصغرة دورية تناوبية سنوية بين الجامعات الوطنية: هذه المؤتمرات صغيرة الحجم، قصيرة الفترة، قليلة التكلفة، كبيرة الفائدة، تهتم بموضوع محدد، تنظم بين الأقسام في الجامعات سنوية بشكل تناوبي تثري المعرفة العلمية والبحثية في حقل معين، وتبني العلاقات الشخصية والاجتماعية بين الباحثين والمتخصصين.

وأوضحت د. الجازي الشبيكي أن البحث العلمي في بلادنا بحاجة إلى أن يكون تحت مظلة كبرى على مستوى وزاره لما يمثله من أهمية في ظل السعي الحثيث لمجاراة الدول المتقدمة في مجال التنمية الشاملة المُستدامة .

بحيث تتولى هذه الوزارة وضع الأسس السليمة للعناية بالبحث العلمي منذ المراحل التعليمية الأولى للنشء وتكون لها علاقاتها وخطوطها المتداخلة بعناية وتنظيم دقيق مع المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث المختلفة والمؤسسات العلمية الأخرى. وأيضا يكون من مهام هذه الوزارة التنسيق بين احتياجات القطاعات الخدمية والإنتاجية وبين مراكز ومؤسسات الأبحاث العلمية . كذلك من المقترحات التي من الممكن أن تساهم في تعزيز الاهتمام المطلوب بالبحث العلمي في جامعاتنا أن يعاد النظر في آلية تقييم الجامعات  بحيث تُعطى الجامعة التقييم الأعلى حينما تُكون مُخرجاتها ذات توازن بين مجالات وظائفها الثلاث ؛ التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع.

وتساءل د. الرديعان: لماذا لا يتم استنساخ تجربة رائدة كتجربة هيئة العلوم الوطنية الأمريكية أو تجربة ماليزيا وكوريا فيما يتعلق بالبحوث والإشراف عليها… استنساخ مثل هذه التجارب لن يكلفنا شيء وليس مما يستوجب الملائمة مع قيمنا؛ فالمسألة عملية إدارية وتنظيمية في المقام الأول ولا تتصادم مع معتقدات أو قيم؛ فقط نأخذ النموذج ونطبقه بحذافيره إن أمكن بدلا من البدء من الصفر أو ممارسة التجريب.

وأضاف د. حامد الشراري: نحن بحاجة لجهاز ينظر لجميع الباحثين بعين المساواة من حيث التمويل، وفق ضوابط واضحة وعادلة؛ وقد يكون من المبررات لإيجاد هذا الجهاز أو المظلة ( وزارة، هيئة، مؤسسة ..):

  • جهاز مؤسسي مستقل يوحد الجهود في إدارة ودعم البحث العلمي، ويحقق المنافسة العادلة للباحثين والجهات البحثية في الحصول على الدعم المالي المطلوب بمعايير واضحة وبإجراءات إدارية ميسرة.
  • جهاز واحد يسهل قياس وتقييم مخرجاته ومقارنته مع ما يحصل عليه من دعم مالي.
  • يرسم الخطوط العريضة لآليات دعم البحث وإدارته وتحديد الأولويات بدقة ليحقق ما يهدف له البحث في تنمية الاقتصاد الوطني.
  • يوجد وسائل مناسبة وآليات فعالة تضمن ارتباط القطاع الإنتاجي مع قطاع العلوم والتقنية، وتوثيق الروابط بين القطاع الصناعي ومراكز الأبحاث بوجه خاص.
  • زيادة التعاون والتنسيق والتكامل بين الجهات البحثية والباحثين لتجنب الازدواجية أو التكرار، والاستفادة المثلى من الامكانات والتجهيزات المعملية المتوفرة.
  • تأسيس قاعدة بحثية موحدة.
  • التوسع في الجهات الداعمة للبحوث سواء من القطاع الخاص أو ما تخصصه الدولة من مبالغ كبيرة لدعم البحوث الوطنية التطبيقية، وزيادة عدد الجامعات المتخصصة والمراكز البحثية.
  • تنوع الموارد لتمويل الأبحاث، من ما تخصصه الدولة ، ونسبة من أرباح القطاع الخاص، ومن مخرجات البحوث ومنتوجاته التسويقية التي يدعمها هذا الجهاز.
  • توفير المصادر المالية اللازمة لتحقيق أهداف السياسة الوطنية للعلوم والتقنية.
  • يسهم في تنمية الابتكارات.
  • تحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ في تنويع مصادر الدخل، والذي سيكون أحد مرتكزاتها البحث العلمي النوعي.

وأشار د. علي الحارثي إلى أنه يبدو أن الجميع متفق على أن مراكز الأبحاث لا تنتج أبحاث قابله للتطبيق ، لعدم وجود علاقه متينة مع القطاع الخاص ( شركات مؤسسات صناعية ) ومع الحكومة حتى وإن كان بعضها ممول . أضف إلى ذلك ضعف الأبحاث نفسها سواءٌ في منهجيتها أو في نتائجها وتوصياتها ، وبالتالي يحجم كلا القطاعين عن الدعم والمساعدة . خذ مثلاً أبحاث مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية استفاد منها الباحث الأجنبي بطريقة مقاول الباطن ، وبالتالي لا يعنيه التطبيق إلا ما ندر . النقطة الثانية : مجمل ما هو مخصص وما يصرف على البحث العلمي لا يسمن ولا يغني من جوع ، فكيف نطلب أبحاث جديرةٌ بالتطبيق ؟ النقطة الثالثة : كثرة مراكز الأبحاث في الجامعات وأقسامها العلمية المتناحرة فيما بينها للحصول على التمويل مع ممارسة نفس التخصص والتوجه . النقطة الرابعة : عدم وجود مظلة تعنى بتنظيم هذا البناء العلمي التنظيمي والتقني والفني وتطوير الكوادر البشرية واستقطابها. ويمكن أن يعاد تنظيم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بإضافة جهاز مظلي للنشاط العلمي والبحثي والتنسيق فيما بين مراكز الأبحاث وتخصصاتها وتمويلها وتقييم مخرجاتها ، لأنها مكتملة البنية من الناحية العلمية والبحثية والمورد القوى ، بدلاً من إنشاء وزاره أو هيئة أخرى تحتاج إلى وقت لبنائها وهيكلتها.

وأضاف د. حميد المزروع أن منظومة تحكيم البحوث العلمية تحتاج أيضا الي معالجة جوهرية ، سواء علي مستوي  تطوير معايير اختيار أعضاء هيئات التحرير للمجلات العلمية وكذلك المشرفين علي مراكز البحوث .

وفي تعقيبه على ما ورد بالمداخلات السابقة حول قضية البحث العلمي، قال أ. خالد الحارثي: أود التعليق في محورين:

١- محور تطوير البحث العلمي في السعودية.

٢- محور تأهيل البحث العلمي وقيمته وجدواه.

١- محور تطوير البحث العلمي في السعودية : أعتقد أن تطوير البحث العلمي بالعموم ومراكز البحوث والدراسات بالخصوص يبدأ من المدارس  ولا ينتهي في الجامعات . تبني البحث العلمي في المملكة يتطلب عدد من الاستراتيجيات التي توجهه لتقديم المبتغى من البحث العلمي في مجتمعنا وبلدنا. أبرز هذه الاستراتيجيات أو لعلها قنوات (أنظمة) أنشطة البحث العلمي والتي توازن وتضمن مشاركة الجامعات والمدارس من طلبة وكادر تعليمي وجهة واحدة على الأقل ذات العلاقة بموضوع البحث وعدد من الأحياء أو التجمعات السكانية وجهات تمويل البحث العلمي. تعمل هذه المنظومة للتوزيع العادل في المسئوليات بين الأطراف ولصيانة البحث العلمي عن استئثار جهات بموضوعات ومخرجات البحث العلمي دون بقية الجهات ، كما تعمل لنشر وتداول البحث العلمي كمصدر أساسي لبحث وحل المشكلات التي تواجه المجتمع بكافة فئاته واختلاف تحدياته وطموحاته ، والشراكة بين المجتمع الأكاديمي والبيئات المحلية وجهات الخدمة والإنتاج وتوجيه الإنفاق في البحث العلمي في المنافع المباشرة التي تمس المجتمع وأفراده.

الخصخصة ليست حلا ، والخطط التقليدية ليست حلا ، ورؤيتي أننا نحد من دور الأكاديمي المحوري إذا ابتعدنا عن المنظومة المشار إليها ونحمله أعباء ومسئوليات خارجة عن إطار دوره في البحث العلمي مما يعيق مشاريع الأبحاث ويعطلها ويقلصها ويقلص أثرها والأطراف المشاركة في الأبحاث.  أعتقد أن نشر مركزية وأهمية البحث العلمي في تطوير الوجود هو أحد أهم طبقات فهم واستيعاب مفهوم الابتكار والحلول المبتكرة في وعي المجتمع وتأسيس بيئاته وحواضنه الاجتماعية ويتوفر ذلك عبر هذه المنظومة المدخلية للحل.

٢- محور تأهيل البحث العلمي وقيمته وجدواه : أتصور أن غرض هذا المحور يمكن تأطيره في (تحفيز وتكثيف عدد الأبحاث ، وحوكمة الاحتياج لها  ولموضوعاتها وقضاياها). والمغزى الذي يرمي إليه هو دعم المنظومة المذكورة في المحور الأول والرقابة عليها وضمان فعاليتها ومخرجاتها والرقابة عليها في كل المراحل بغرض التيسير وإلغاء العقبات البيروقراطية التي تواجهها.

  • مراكز البحوث وثقافة التفكير الاستراتيجي.. دروس للعالم الإسلامي

أشار د. يحيى اليحياوي في مداخلته المنشورة بالموقع الإلكتروني لمركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام حول مراكز البحوث وثقافة التفكير  الاستراتيجي إلى أنه قد زادت وتيرة الاهتمام بالعقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين بمراكز الدراسات والبحوث والأفكار، حتى أضحى وجودها مؤشراً من مؤشرات اهتمام الدول والجماعات بتطوير البحث والمعرفة، كإحدى أدوات النهوض الحضاري والثقافي، وإحدى روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وباتت مسألة دراسة وتشريح المشاكل والمعوقات التي تعترض اتخاذ القرار السليم، إحدى أهم المداخل التي تعتمدها مراكز البحوث والدراسات بغرض توفير المعطيات الناجعة وصياغة الحلول والاقتراحات العملية لتجاوز هذه المشاكل والمعوقات.

ولهذا الاعتبار، غالباً ما يتم اللجوء إليها (إلى هذه المراكز أقصد) بغاية الإسهام في إماطة اللثام عن مكامن الخلل، وابتكار الحلول الاستراتيجية متوسطة وطويلة المدى، والتي من شأنها ليس فقط تنوير الرأي العام وصاحب القرار، بل أيضا مساعدتهما على توضيح الرؤية، وتزويدهما بالأفكار والمقترحات التي تضمن تشاركية في اتخاذ القرار وتفاعلية في اعتماده وتنفيذه.

ويعتبر البعض أن المراكز البحثية قد زادت أهميتها إلى حد “أصبحت فاعلة ومؤثرة في رسم التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ومشاركة في وضع الحلول لها، وذلك من خلال توظيف البحث العلمي في خدمة قضايا المجتمع، بتقديم الرؤى وطرح البدائل والخيارات، بما يدعم عمليات صنع القرارات ورسم السياسات”[1].

ومن المفارقات “السعيدة”، يقول البعض، تزايد الاهتمام بالعديد من الدول العربية بهذه المراكز، لا سيما في ظل انفتاح الاقتصاديات الوطنية، وتزايد تيارات تبادل السلع والخدمات، وعولمة أنماط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وتزايد دور المعلومة والمعرفة، إذا لم يكن في صناعة القرار، فعلى الأقل في التأثير في صاحبه[2].

وقد كان للقطاع الخاص مساهمة كبيرة في هذا المجال، حيث عمد إلى إنشاء العديد من المراكز وبيوت الخبرة ومختبرات البحث، حتى بات لبعضها، بمشرق الوطن العربي وبمغربه، بات لها صيت إقليمي ودولي، يعتد بتقاريرها ودراساتها ومنشوراتها، ويعترف لأطرها وخبرائها بالكفاءة والتميز.

ويعتبر بعض الباحثين أن الذي يؤشر لهذه الطفرة في تزايد عدد وأهمية مراكز البحوث والدراسات، يكمن في تزايد عدد المؤتمرات العلمية والأكاديمية والمنشورات العلمية. وهي “تبحث في مختلف شؤون الحياة المحلية والإقليمية والدولية، في ظل التغيرات الرئيسية الجارية في منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام“[3].

صحيح أن هذه المراكز لم يتسن لها بعد بلوغ حجم ولعب دور المراكز الغربية؛ الأمريكية والأوروبية على وجه التحديد، ولم تتبوأ المكانة التي باتت لهذه الأخيرة من بين ظهراني الرأي العام ولدى صاحب القرار، لكنها مع ذلك أسهمت ولا تزال تسهم في نشر المعلومة العلمية والمعرفة الدقيقة، وباتت تتوفر على بنوك معلومات وبيانات ومعطيات تنهل منها المؤسسات الإنتاجية، وتوفر مادة جيدة وخصبة للبحوث بالجامعات وبالمدارس العليا.

وصحيح أيضا أن العديد من المراكز العربية لم تستطع لحد الآن، النفاذ مباشرة إلى صانع القرار كما الحال بالولايات المتحدة، صاحبة السبق في هذا الميدان[4]، لكنها مع ذلك قد نجحت وإلى حد بعيد، في تأثيث المشهد السياسي والثقافي وفسحت المجال واسعا لطرح القضايا الكبرى بالفضاء العام للنقاش والتداول، والإسهام في رفع اللبس وإزاحة الالتباس عن بعض الإشكاليات التي كانت ولعهود طويلة مضت، مجال النخبة الصرفة، أو فضاء بحث محصور في أهل العلم والمعرفة.

إن مراكز البحوث والدراسات إنما تكتسب أهميتها وشروط وجودها من الحاجة إليها، يقول بعض الباحثين، ومن “مقتضيات الضرورات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأكاديمية والاجتماعية والتنموية، وذلك باعتبارها الطريقة الأمثل لإيصال المعرفة المتخصصة، من خلال ما تقدمه من إصدارات علمية وندوات متخصصة من شأنها أن تضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار والمؤسسات والأفراد، وتساعدهم على الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها العلمي النظري“[5].

والمقصود مما سبق إنما القول بأن: لمراكز البحوث والدراسات دوراً ريادياً في توجيه عالم باتت تتجاذبه الأزمات والأخطار، وتتداخل من بين أضلعه التعقيدات من كل الأنواع، وتتقاذفه المنافسات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، ناهيك عن بروز مظاهر التوترات جراء بروز مشاكل ذات طبيعة كونية، وتهم الإنسانية برمتها.

والمقصود مما سبق أيضا أن هذا الدور الريادي قد تأتى لها بحكم أنها أصبحت “أداة مهمة لإنتاج العديد من المشاريع الحيوية التي تتصل بالدولة والمجتمع والفرد، ووسيلة لدراسة كل ما يتصل بتلك المشاريع وفق منهج علمي معرفي. كما تعد مراكز الأبحاث من القضايا الوطنية الهامة والحيوية، التي تعكس اهتمام الشعوب بالعلم والمعرفة والتقدم الحضاري واستشراف آفاق المستقبل“[6].

من جهة أخرى، فإن العديد من دول العالم الإسلامي قد باتت تتوفر على مراكز للدراسات والبحوث، من بين ظهراني الجامعات، كما بداخل مؤسسات الدولة، كما بالقرب من شبكات القطاع الخاص، الذي بات مطالبا بتبنيها وتعضيدها، لا سيما في ظل تزايد مد العولمة وانفتاح الأسواق واشتداد المنافسة وتقدم الحاجة إلى سياسات اليقظة التجارية والصناعية والاقتصادية والتكنولوجية وما سواها.

لن نروم في هذه الورقة، التوقف بالتفصيل عند طبيعة هذه المراكز أو الخلفيات الكبرى التي ثوت خلف إنشائها، بقدر ما سنحاول التأشير على أهميتها في إشاعة التفكير الاستراتيجي داخل العالم الإسلامي، وعلى مستوى كل دولة على حدة، في أفق تجدير هذا التفكير وتحويله إلى سلوك منظومي في استقراء معطيات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.

عن مراكز البحوث والدراسات كـ”بيوت خبرة”

1.1. من المتعذر حقا إيجاد مصطلح جامع مانع، بإمكانه تغطية التنوع الذي يطال هياكل وبنى ومؤسسات البحث والدراسة. ومع أن مصطلح “مركز البحث” هي التسمية الطاغية في الأدبيات الرائجة حول الموضوع، فإن تعميم هذه التسمية على مختلف الوحدات البحثية ذات العلاقة بالدراسات والبحوث يطرح السؤال المباشر التالي: إلى أي حد يمكننا اعتبار مراكز الفكر منظمة قائمة الذات كما تنصص على ذلك أدبيات سوسيولوجيا التنظيم والمنظمات؟[7]

إن هذا التساؤل مفيد منهجياً ليس فقط لتحديد ماهية هذه المراكز وطبيعتها وخصائصها، بل أيضا لتمكين تصنيفها وترتيبها واستنباط الآليات الكبرى التي تشتغل وفقها. يحدد “ايمتاي إتزيوني”، وهو عالم اجتماع المنظمات، هذه المراكز بالقول: يمكن اعتبار مراكز البحوث كمنظمات باعتبارها “وحدات اجتماعية تمت إقامتها إراديا لتحقيق غايات محددة بواسطة هياكل مناسبة”. بالتالي، فإن هذه المراكز “تشكل جزءا من المنظمات السياسية والمهنية والثقافية المتعددة التي تقوم عليها المجتمعات العصرية، وتنتظر منها تقديم الحلول والمقترحات العقلانية والفعالة لتلبية الحاجيات المتزايدة في ميدان صنع القرار الراشد“[8].

بناء على هذا التحديد، نجد أن هذه المراكز غالبا ما تتمحور إما حول فرق عمل أو مختبر بحوث أو وحدة بحث أو مركز بحث[9]، الفارق بينهم جميعا غالبا ما يكون مرتبطا بعدد الباحثين في كل بنية من هاته البنى أو بطبيعة الاشتغال، فردي أو جماعي أو على شكل شبكي، أي عن بعد من خلال توظيف تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال.

بيد أن هذا التصنيف لا يقتصر على جوانب عدد الباحثين أو خاصيات تخصصهم، بل يحيل أيضا على طبيعة الارتباطات وأشكال التمويل التي تحصل عليها هذه البنية أو تلك، وكذا درجات قربها (من عدمه) من مستويات اتخاذ القرار.

وعلى الرغم من التمايزات التي يمكننا معاينتها بهذا الخصوص، فإن كل هذه البنى المؤسساتية والتنظيمية تشترك في حقيقة أنها ليست مجرد أطر قائمة من أجل تجميع المعلومات والبيانات والمعطيات، بل هي هياكل لإنتاج الأفكار باعتبارها تلك المضامين النظرية والعملية التي تفعل في الواقع وتتفاعل معه في الزمن والمكان، إذ “عملية صنع الأفكار لا تتم لذات الأفكار. فالفكر أصبح له علاقة حتمية بالواقع، وما ليس له تأثير في الواقع لا قيمة له. فالأفكار عندما تصنع لا يتم الوقوف عند صنعها، وإنما يتم نقلها للمجتمع من ناحية ولصانع القرار السياسي من ناحية أخرى، من خلال وسائل متعددة. هذه العملية تتم في ثلاث مراحل: بعد صناعة الفكرة، يتم تأهيل المجتمع لها، ثم تلقى في يد السياسي ليبني عليها قرارات وسياسات، فتكون هذه القرارات والسياسات مقبولة اجتماعيا“[10].

2.1. على الرغم من الفروق التي قد نلاحظها على مستوى الهيكلة والتنظيم واختلاف أشكال التمويلات، فإن مراكز البحوث والدراسات تجتمع حول خاصية أساس مفادها أنها “تضم أي منظمة أو مؤسسة أو مركز للتحليلات حول المسائل العامة والمهمة، المنظمة بهدف إجراء بحوث مركزة ومكثفة. وهي تقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنولوجية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية أو ما يتعلق بالتسلح“[11].

إنها بيوت للخبرة[12] لا تتمثل وظيفتها الأساس في التفكير والتحليل فحسب، بل أيضا في إنتاج أعمال يكون بمقدور صاحب القرار السياسي استيعابها وهضمها ومن ثمة تصريفها إلى برامج في السياسات العمومية عملية، ناجعة وخاضعة لمعيار التقييم المبني على النتائج. ولذلك، فهي تنظيمات ومؤسسات ومراكز وبنيات بحثية ومجموعات عمل وفرق استشراف، تنتج الأفكار والمعارف، لكنها تتعداها إلى مستوى تقديم التصورات والتوجيهات والسيناريوهات ذات الطبيعة الاستراتيجية، التي من شأنها تعظيم المصلحة أو درء عناصر المفسدة، أو التأثير في مجريات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والجيو/سياسية وما سواها[13].

يبدأ الأمر إذن بالتفكير، ثم بصياغة الدراسات والتقارير، ثم بوضع الاحتمالات والسيناريوهات، وينتهي بإقامة أرضية لاستنبات سبل اليقظة والحذر الاستراتيجيين[14]، والتي تؤمن مساقات الحاضر وتحتمي ضد تقلبات المستقبل، المتوسط والبعيد المدى.

بالتالي، فلو أخذنا الإشكالية من هذه الزاوية، فإنه لن يعود ثمة من أهمية كبرى للطابع التنظيمي لهذه المراكز (أو بيوت الخبرة) ولا لوضعها القانوني، ولا لمستوى استقلاليتها عن هذه الجهة أو تلك، بقدر أهمية النظر في طبيعة العلاقات والتأثيرات والتداخلات التي لهذه المراكز مع مستويات صنع وتصريف القرار، وكذا أهمية الأفكار المنتجة في تطوير الذكاء الجيو/استراتيجي ومن ثمة اليقظة الاستراتيجية، وهكذا[15].

هل مراكز البحوث والدراسات مجموعات ضغط؟

عندما نتحدث عن مراكز البحوث والدراسات، فإننا إنما نتحدث عن هذه البيوت في التفكير والخبرة التي تتخذ من أنشطة البحث والدراسة والاستشراف مادة اشتغالها، بغرض تزويد صانع القرار بالآراء والتوصيات التي تنير له مسالك اتخاذ القرار وآليات تصريفه في الزمن والمكان. وعلى هذا الأساس، فإنها لا تقوم بمهمات محددة لفائدة الحكومات، وإلا لفقدت هامشي حريتها ومصداقيتها، ولا لفائدة جهات خاصة، وإلا لتم ارتهانها من لدن مصالح فئوية خالصة. كما أنها لا تقدم مساقات أكاديمية أو شهادات جامعية. إنها تطمح، بصورة جلية أو مضمرة، “لخدمة الجمهور وحمايته من السلوكات ذات الخلفية التجارية أو الربحية“[16]. ولما كانت كذلك، فإنها تحمل بالضرورة إحدى المواصفات الأربع التالية:

°- إنها وحدات جامعية (جامعات بدون طلبة) تعمد لأن تنتج فرقها ومجموعات بحثها دراسات جامعية من مستوى عالي، تستخدم فيه مستجدات المناهج الكمية والنوعية، وتخضع للصرامة العلمية في تجميع معطيات الواقع، في طرح الفرضيات الممكنة وفي رسم التوجهات المحتملة للمستقبل…ثم تترك لصاحب القرار بعد ذلك، “حرية” أن يأخذ بها أو يتبرم عنها، اعتبارا لحساباته الذاتية أو بالقياس إلى موازين الربح وللتكلفة[17].

°- وهي وحدات بحثية لا تتنكر في توجهاتها و”خطها التحريري” لأفكار محددة وقيم معينة، بل تدافع عنها وتتبناها وتضمنها بتقاريرها. إنها تدافع عن توجهاتها بقوة، ولا تتوانى في الجهر بخلفياتها والطروحات النظرية التي تلهمها على مستوى التفكير وعلى مستوى صياغة السياسات العمومية[18].

°- وهي وحدات بحثية، تقوم الوكالات الحكومية على تمويل مشاريعها، لكن دونما أن تحدد لها الأفق أو تحد من سقف حرية باحثيها، أو توجه نتائج دراساتها وتوصياتها بهذه الوجهة أو تلك. إنها تشبه الوحدات الجامعية أعلاه، لكن مع فارق أنها تحتكم على ميزانية أكبر، وبالتالي على سبل تكوين فرق متخصصة ومتعددة المشارب.

°- وثمة أخيرا مراكز البحوث والدراسات التي تكون تابعة لأحزاب سياسية بعينها، فتقوم بتزويدها بالأفكار والتوصيات التي تفيدها في صياغة برامجها، وتكون لها رافدا في إعداد السياسات العمومية عندما تتسنى لها فرصة الوصول للسلطة[19].

بيد أنه، بصرف النظر عن هذا التصنيف ذي الحمولة التحليلية البارزة، فإن أهمية (ومشروعية) هذا المركز أو ذاك، لا تقاس بالبعد الجامعي أو الأكاديمي فحسب، بل تقاس أيضا بمعيار استمراريتها وشيوع أعمالها ومدى مساهماتها في تحديد طبيعة ووجهة السياسات العمومية. لذلك نلاحظ أن أكثر من 60 بالمائة من أنشطة هذه المراكز هي موجهة للندوات واللقاءات والمؤتمرات، حيث سبل ترويج “أوراقها”، أكثر من اللقاءات مع الجمهور أو المساهمة في المنتديات العامة: أن جزءا كبيرا من قوتها يتأتى من بلوغها للمنابر التي يرتادها أصحاب القرار أو الدائرة المحيطة بهم أو المتعاملة معهم.

إن الندوات والمؤتمرات واللقاءات “النخبوية” هي فرصة ثمينة “لدعوة أصحاب القرار السياسي المتقاعدين ضمنهم والمستشارين، والذين يجدون سعادة بالغة للقاءات خارجة عن الإطار الرسمي الضيق. هذه اللقاءات هي إلى المجاملة ورصد العلاقات أقرب منها إلى فضاء للتباري الحر للأفكار“[20].

ولهذا الاعتبار، فإننا نجد مثلا أن العديد من مراكز البحوث والدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية لا ينطبق عليها معيار الحيادية. إنها جزء من الحياة السياسية والاجتماعية والجيو/ستراتيجية، والعديد منها يدور في فلك مجموعات المصالح إما مباشرة، أو من خلال عمليات التأثير (والضغط) التي تمارسها على أصحاب القرار، التنفيذيون منهم والتشريعيون على حد سواء[21].

بالتالي، فإنه من المجانب للصواب حقا الادعاء بأن هذه المراكز كاملة الاستقلالية ومطلقة الحيادية بإزاء السلطة السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية. بيد أنه لو تم التسليم جدلا بأن مراكز البحوث والدراسات، المرتبطة بالدولة أو بالمؤسسات العمومية لا تخضع كثيرا إلى توجيهاتها أو توجهاتها العامة، فإن تلك التي تدور في فلك القطاع الخاص لا “تنعم” بهذه الخاصية، إذ تبقى أعمالها في حدود ما يتطلع إليه أو ما يعتمل من بين ظهراني مخططاته الاستراتيجية.

مراكز لا تبحث عن تفسير العالم، بل عن تغييره:

أن الغاية الأولى من إنشاء مركز بحث أو مختبر دراسات ليس “الترويج لنبوءة دينية أو العمل على إنقاذ أرواح أو إدراك الحكمة، إذ لم تكن أكاديمية أفلاطون مركز بحث من 25 قرنا مضى، ولا لتعميم المعرفة في الثانية (كما في الجامعات)، ولا البحث عن مدارك العقل (كما الحال مع أكاديمية الفنون الجميلة أو أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية)، ولا انتقاد العالم في انتظار الثورة (كما الشأن مع مدرسة فرنكفورت).

إن دورهم يكمن في “إزاحة الغموض” عن الواقع من خلال البحث عن سبل الفعل فيه. بالتالي، فإن الأفكار التي ينتجونها إنما هي “تصورات لحلول”، القصد منها تنوير مخيال الفاعل العمومي وتوجيه قراراته بما يخدم هذه المصلحة العامة أو تلك. بمعنى أن الأفكار التي يتم إنتاجها لا تكتسب قيمة في حد ذاتها، إذا لم تترجم إلى مقترحات عملية وإجراءات ملموسة بإمكان صانع القرار (العمومي أو الخاص) الأخذ بها وإعمالها لإدراك هذا الهدف الملموس أو ذاك.

التفكير يجب إذن أن يفرز الإقناع ثم الفكر. بهذه الجزئية، يظهر الفرق بين المراكز التي تتغيأ الفعل (الفكر المفعل) وبين المراكز التي تشتغل على الفكر “الخالص” (التفكير من أجل التفكير)، وعلى توجيه الفكر بجهة التراكم المعرفي. نحن في الحالة الثانية، بإزاء فكر (أو تفكير) لذاته، في حين أننا بالحالة الأولى، بإزاء دور “أدواتي” للفكر، أي ذاك الدور الذي يتطلع لتقييم ومعالجة المشاكل وفق دراسة دقيقة لمعطيات واقع الحال.

ولذلك، فإن التفكير في الحالة الثانية، يبقى تفكيرا مجردا، تبقى سلطته محصورة في مستوى إنتاج المعرفة، في حين تنتمي الحالة الثانية إلى ذاك النوع من التفكير ذي الحمولة الاستراتيجية وذي البعد العملي والنفعي المباشر. ولهذا السبب، نجد أن هذه المراكز تتخذ لنفسها وظيفة “محامي الأفكار“[22] التي تدفع بتمثل معين للكون[23].

ولما كان الأمر كذلك، فإن هذه المراكز لا تتوانى في تكثيف الدراسات والتوصيات والمقترحات، إما مباشرة من خلال الاتصال والتواصل مع أصحاب القرار، أو بطريقة غير مباشرة، تلجأ فيها لوسائل الإعلام والاتصال بغرض تحويل آرائها إلى “قيم” ثم إلى تمثلات، تعتمل من بين ظهراني مستويات القرار، وسرعان ما يأخذون بها بهذا الشكل أو ذاك.

إن المراكز الأمريكية التي ثوت خلف أطروحات “الشرق الأوسط الكبير” ثم “الفوضى الخلاقة” ثم “القوة الناعمة”، وما سواها، قد دفعت باتجاه أن يؤخذ بهذه “التمثلات الجديدة للعالم”، فكان لقاؤهم بتيار “المحافظين الجدد” بالإدارة الأمريكية خير وسيلة لتصريف منظومتهم وتحويلها إلى لازمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط كما بإفريقيا كما بالعديد من بلدان أوروبا الشرقية سابقا[24].

إن المراكز من هذا القبيل لا تتعجل النتائج. إنها تشتغل أولا على الأفكار والقيم والتمثلات، ثم تنفذ رويدا رويدا إلى صانع القرار (بعدما يكون قد تشبع بهذه الأفكار والقيم والتمثلات) لإلباسها اللبوس العملي المناسب، ثم تدفع بها لتصبح قرارات سارية تطال الأفراد والجماعات، الدول والشعوب والأمم على حد سواء.

فعندما تحدث إيمانويل طود في منتداه عن “الهوة الاجتماعية” في فرنسا، فإن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، قد اتخذها عنوانا لحملته الانتخابية (1995) وركب ناصيتها للفوز بهذه الأخيرة…ثم عمد فيما بعد إلى أن يسلك سياسة عمومية كانت الغاية منها التقليص من ذات الهوة، بنفس التوصيات والمقترحات التي قدمها طود وهو يفكر في المسألة[25].

ليس مهما، بالنسبة لطود ولا لباقي “خبراء” مراكز البحوث والدراسات، أن تستقطب أفكارهم ولا أن يتم تبنيها دون الإشارة إلى منتجيها، ما دامت أنها ستأخذ مسارها نحو التفعيل والأجرائية.

المفارقة هنا تكمن في مراكز تدعي استقلاليتها عن المستوى السياسي، فإذا بها وإن بصورة مضمرة، تغازله، تنشد تبنيه لأفكارها وتتطلع إلى أن يعمد إلى الأخذ بها عند إعداد السياسات العمومية، العامة منها كما القطاعية على حد سواء. هناك ما يشبه التقاطع بين المستويين: مستوى “مستودع الأفكار” ومستوى استعمالها وترجمتها إلى سياسات عملية.

إنها نقطة تقاطع بين برج المعرفة “العالي” والفضاء العملي والبراغماتي للفعل الاستراتيجي. ولذلك، فهي لا تدافع عن أفكارها فحسب، بل تدافع أيضا عن مرجعية هذه الأفكار ومحدداتها وأصولها. يقول بول وولفويتز، أحد منظري المحافظين الجدد: أن دور القوة العظمى (التي هي الولايات المتحدة الأمريكية) هي أن “تمنع أية قوة تتطلع للهيمنة على جهات من العالم، توظف مواردها لتبلغ وضع القوة العظمى والوقوف في وجه الدول الصناعية المتقدمة من أية محاولة لتحدي زعامتنا، أو قلب النظام السياسي والاقتصادي القائم“[26].

وهو نفس الطرح الذي سار عليه السيناتور جيمس هيلمس عندما قال في العام 1996: “إنه على الولايات المتحدة أن تقود العالم من خلال حملها للمشعل الأخلاقي والسياسي والعسكري للقانون وللقوة، وأن تكون مثالا لكل الشعوب“[27].

الدروس المستقاة بالنسبة للعالم الإسلامي

لو كان لنا أن نقف، بناء على ما سبق، عند الدروس المستقاة من إنشاء ووجود مراكز البحوث والدراسات بالنسبة للعالم الإسلامي، لتوقفنا إجمالا عند ثمان دروس أساس:

– الدرس الأول: ليس ثمة من أوجه مقارنة بين ما يوجد في العالم الإسلامي من مراكز بحوث، وما هو موجود بالغرب، لا بمقياس عدد هذه المراكز ووظائفها وطبيعتها والأهداف الموكولة إليها أو المتوخاة من إنشائها. والسر خلف ذلك متأت من تباين البيئات التي أفرزتها وأيضا من اشتداد الحاجة إليها، لا سيما لدى الدول الكبرى التي تنهل من “مستودع أفكارها” وتتخذ من توصياتها أداة عملية لصياغة السياسات العمومية والاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وما سواها.

ولذلك، فإن تأخر بروز هذه المراكز بالعالم الإسلامي إنما مرده تدني الوعي نسبيا بأهمية هذه المراكز، وعدم توافر القابلية الكافية للأخذ بناصيتها، إذا لم يكن في صنع القرار العمومي، فعلى الأقل للإسهام في تقييمه بأفق تقويمه على المديين المتوسط والبعيد.

– الدرس الثاني: أن وجود مراكز للبحوث والدراسات في هذا البلد أو ذاك، لا يؤشر فقط على التميز الحضاري والنهضوي، بل  يعتبر عنوانا للتقدم  والتنمية المرتكزة على العلم والمعرفة والدراسة والتخطيط واستشراف الآفاق من منظور تعظيم المكاسب، المادية واللامادية، وكذا توفير مسالك للنمو ذات مناعة عالية في وجه التقلبات والاضطرابات والمنعرجات القوية. ولذلك، فإن توفير هذه المراكز للرؤى المتاحة والبدائل والخيارات الممكنة في الآماد الزمنية المختلفة هو من أدوات صنع القرار السليم ووسيلة لرسم السياسات القابلة للتنفيذ، ثم للتقييم في أفق التقويم على مستوى مضامينها وعلى مستوى أدوار الفاعلين المتدخلين لإنجازها أو رفدها أو مصاحبتها.

– الدرس الثالث: أن مراكز البحوث والدراسات تمثل جسورا حقيقية بين العلم والدولة والمجتمع، وما يترتب عنها لا يخدم الفرد أو الجماعة  فحسب، بل يخدم الدولة والمجتمع أيضا. إنها مؤشر على درجة نضج مؤسسات الحكم والإدارة في المجتمع وعلى تطور الجماعة العلمية والبحثية[28]. والآية في ذلك أن هذه المراكز تقوم بتقديم التحليلات المعمقة والمنهجية حول القضايا الكبرى، داخلية كانت أم ذات أبعاد وتبعات قومية خارجية، توضح الصورة وتعرض الحلول والبدائل لصاحب القرار، وتقدم التوصيات التي بالإمكان إعمالها وتجسيدها في كل الميادين موضوع الدراسة والبحث.

– الدرس الرابع: أن انتشار العديد من المراكز البحثية في العالم الإسلامي خلال العقود الأخيرة، إنما يشي بالأهمية الكبرى التي باتت تولى لعالم  الأفكار القابلة للتجسيد على الأرض، وكذا للتصورات التي تستمد مادتها ومواضيعها من مشاكل واقع الحال، لا بل أن ذات الانتشار إنما يدلل على تزايد منسوب الثقة بين عالم الفكر وأصحاب القرار، دع عنك تراجع الرقابة عن التفكير الجماعي في قضايا الشأن العام التي من شأنها تعطيل الحاضر وارتهان المستقبل.

من دون شك أن مكانتها لم تبلغ بعد المبتغى المرجو، لكنها أسهمت وإلى حد ما، في إشاعة التفكير الاستراتيجي الذي لم يكن إلى حين زمن قريب، مفكر فيه، فما بالك أن يعار الاعتبار المنشود.

– الدرس الخامس: لقد نبه الدين الإسلامي إل أهمية التفكير واعتبره ضرورة (واعتبره البعض فريضة)، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ بذات الأهمية بزمن السلم كما بزمن الحرب. التفكير هنا مطلوب لذاته، لكنه مطلوب أيضا وبالتحديد باعتباره بعدا من أبعاد “الترتيب الاستراتيجي”، ومعالجة القضايا الكبرى من منظور واقع الحال القائم والممكنات القادمة على مستوى الكم وعلى مستوى الكيف.

ومع أن الأصل في بناء الاستراتيجيات تضبطه آليات القرآن والسنة والإجماع، فإن الدين الإسلامي يلح على التفكير الاستراتيجي باعتباره عملا إنسانيا لا يهبه الله تعالى إلا لمن له سبل التصور الاجتهادي الشامل للأمور، أي ذي الملكة العابرة للحدود المعرفية والعلمية والإدراكية.

– الدرس السادس: إشاعة ثقافة التفكير الاستراتيجي من خلال مراكز البحوث لا تعتبر ولا يجب أن تعتبر ترفا أو مضيعة وقت في التفكير المجرد. على العكس من ذلك تماما، إذ التفكير الاستراتيجي وسيلة من وسائل تحقيق الأمن الوطني والقومي، أي على مستوى كل بلد إسلامي وعلى مستوى الأمة جمعاء، إذا لم يكن من خلال إقامة مراكز بحوث مشتركة، فعلى الأقل على مستوى تقاسم المعارف والمعلومات وآليات التفكير وبناء القدرات الاجتهادية الذاتية. صحيح أن الطريق لبلوغ ذلك لا يزال متعثرا، لكن إشاعة ثقافة التفكير الاستراتيجي مدخل لا بد منه، حتى وإن لم يكن كافيا بالوقت الحالي.

– الدرس السابع: أن إشاعة التفكير الاستراتيجي لا تنحصر عند مستوى جمع الأمة على المقاصد والأولويات العليا أو التقليل من فجوة الخلاف  في القضايا الجزئية، بل من شأنه ترشيد الجهود المهدرة في العمل البحثي الإسلامي والإسهام في إعادة إحياء مفهوم المسؤولية الفردية والجماعية.

ثم أن من شأن إشاعة هذا التفكير حصر أمراض الأمة بدقة ووصف علاجها بنجاعة وإتاحة المرونة الكافية للتعامل مع التحديات القائمة والقادمة، والتجاوز على المثبطات والأخطاء التي طالت الأمة جراء قراءة غير استراتيجية للسياقات المحيطة والظروف القائمة، وهكذا.

– الدرس الثامن: أن التركيز هنا على ثقافة التفكير الاستراتيجي لا يجب أن يفهم منه حصر ذلك على نخبة قليلة من رجالات العلم وأهل المعرفة  من أبناء العالم الإسلامي، بل يجب أن يطال الفرد والجماعة على حد سواء، في سياق تفكير تشاركي جماعي هادف، يكون الكل من بين ظهرانيه أمينا على الفكرة ومجسدا لها على أرض الواقع أيضا.

خاتمة

أن التحديات التي يحملها القرن الحادي والعشرين كثيرة وكبيرة ومتشعبة، ولا يمكن لصاحب القرار السياسي أن ينهض بها لوحده، أيا ما تكن قوة إرادته وعزيمته وصدق نواياه. إنها تحتاج إلى رؤية شاملة، مبنية على تفكير استراتيجي دقيق لما هو عليه الحال والمراد إدارته في القادم من أيام.

نقول أن هذا التفكير الاستراتيجي لا يمكن أن يقوم عليه أصحاب القرار لوحدهم. إنهم بحاجة إلى مخرجات مراكز البحوث والدراسات التي من مهامها تشريح الواقع وبناء صورة للمستقبل، عبر منظومة في التفكير المنهجي ترتكز على تحديد المسارات وبناء المشاهد المحتملة والممكنة وإدراج مساقات للتقييم تكون دورية في أفق تقويم الاعوجاج وتدارك أخطاء الأداء.

إن العالم الإسلامي لا يعدم الإمكانات لإقامة مراكز بحوث ودراسات وطنية أو قومية يكون من مهامها لعب هذه الأدوار. كما أنه لا يعدم الآليات لخلق سبل التعاون والتلاقح بين مختلف هذه المراكز. إنها عملية ممكنة ومقدور عليها ولا تحتاج إلا إلى بعض من عناصر التنسيق والتأطير والتتبع.

إننا لا نقول بهذا من باب الترف الفكري. إننا نؤمن به وندعو إليه، لأن مستقبل العالم الإسلامي هو من مستقبل إشاعة ثقافة التفكير الاستراتيجي من بين ظهراني الفرد والجماعة، كما من بين ظهراني الدولة والمجتمع.

الهوامش:

  • خالد وليد محمود، “دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يناير 20133.
  • أنظر في تفاصيل هذه النقطة:

Yahya El Yahyaoui, «Think Tanks, intelligence politique et veille stratégique», Revue Marocaine d’Audit et de Développement, n° 30, Rabat, 2010.

  • عباس أبو غانم، “مراكز الأبحاث بين صناعة الأفكار وترشيد السياسات”، موقع أون إسلام، يوليو 2005.
  • ليس من الصدفة في شيء أن تكون معظم مراكز البحوث والدراسات أنغلو/ساكسونية المنشأ.
  • خالد وليد محمود، “دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر”، مرجع سابق الذكر.
  • هشام الشهواني، “مراكز الأبحاث وأهميتها”، موقع دنيا الوطن، 7 غشت 2011.
  • عمار جفال، “مراكز الفكر والسياسة الاستراتيجية في العالم العربي: تساؤلات حول الدور والمكانة”، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد 30، الرباط، 20100.
  • A, «Modern organizations », Englewwood Cliffs, Printice – Hall, 1964.
  • Groupes de recherche, laboratoires de recherche, unités de recherche, centres de recherche.
  • عباس أبو غانم، “مراكز الأبحاث بين صناعة الأفكار وترشيد السياسات”، موقع إسلام أونلاين، 4 يوليوز 2005.
  • Wikepedia – free encyclopedia
  • Think tanks, réservoir d’idées
  • راجع بهذا الخصوص:

Halimi. S, «Les boites à idées de la droite américaine», Le Monde Diplomatique, Mai 1995.

  • La veille stratégique
  • راجع في التفاصيل:

Carpentier-Tanguy. X, «Les think tanks : origine et perspectives, Nonfiction.fr, Février 2008.

  • Yahya El Yahyaoui, « Think tanks, intelligence… », Art. Précité.
  • راجع بخصوص هذه النقطة:

Riedel. M, «Comment étudier les think tanks : le choix d’apprendre», Think, n°1, Octobre 2006

  • M, «Comment étudier les thinks tanks… », Art. Précité.
  • من شبه المؤكد أن مراكز البحوث كانت خلف وصول المحافظين للسلطة، لا سيما بالولايات المتحدة زمن ريغان وببريطانيا في عهد  تاتشر.
  • Yahya El Yahyaoui, «Think tanks et intelligence… », Art. Précité.
  • راجع:

Canler. R, «Le nouveau think tank : un outil de mobilisation des ressourcespour l’acteur politique», Think n° 11, Novembre 2009

  • Advocacy tanks
  • Une certaine vision du monde
  • راجع في تفاصيل هذه الجزئية:

Iborra. A, «Le rôle des think tanks dans l’élaboration de l’appareil idéologique démocrate», Think n° 8, Octobre 2008

  • F-B, «Que signifie le pouvoir des idées ?», Think n° 8, Octobre 2008
  • M, Boucher. S, «Think Tanks en Europe et aux Etats Unis :Convergences ou Divergences ?», Notre Europe, Décembre 2004.
  • M, Boucher. S, «Think Tanks en Europe et aux Etats Unis… », Art. Précité.
  • دونالك أبلسون، “هل هناك أهمية للمؤسسات البحثية: تقويم تأثير معاهد السياسة العامة”، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 20077.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

)حسب الحروف الأبجدية(

  • ‪د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
  • د. إبراهيم البعيز
  • م. أسامة كردي
  • السفير أ. أسامة نقلي
  • د. الجازي الشبيكي
  • د. حاتم المرزوقي
  • د. حامد الشراري
  • م. حسام بحيري
  • د. حسين الحكمي
  • د. حمزة بيت المال
  • أ. خالد الحارثي
  • د. خالد الرديعان (رئيس لجنة التقارير)
  • م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على منتدى أسبار)
  • أ. خالد الوابل
  • د. حميد المزروع
  • د. زياد الدريس
  • أ.د. سامية العمودي
  • اللواء د. سعد الشهراني
  • أ. سلمان العمري
  • أ. سمير خميس
  • د. عائشة حجازي
  • أ.د. عبدالرحمن العناد
  • د. عبدالسلام الوايل
  • أ. عبدالله الضويحي
  • د. عبد الله بن صالح الحمود
  • د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • أ. عبد المحسن القباني
  • اللواء د. علي الحارثي
  • د. علي الحكمي
  • أ. علياء البازعي
  • د. عيسى الغيث
  • أ. فاطمة الشريف
  • د. فهد العرابي الحارثي
  • د. فهد اليحيا
  • أ.د. فوزية البكر
  • أ. كوثر الأربش
  • أ. ليلى الشهراني
  • د. مساعد المحيا
  • أ. مسفر الموسى
  • أ. مطشر المرشد
  • د. منصور المطيري
  • أ. مها عقيل
  • د. ناصر القعود
  • أ. ندى القنيبط
  • د.م. نصر الصحاف
  • د. نوف الغامدي
  • أ. هادي العلياني
  • أ. هيا السهلي
  • أ. وليد الحارثي
  • د. يحيى اليحياوي

(*) – هذه القائمة منقولة عن المركز المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية.. هم من وضع التصنيف وهناك مراكز بحثية لم يتم إدراجها  ومنها مثلاً: مركز أبحاث الشباب بجامعة الملك سعود، والمركز الوطني للدراسات والبحوث.

تحميل المرفقات: التقرير الشهري 19

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa