التقرير الشهري التاسع والعشرون

أغسطس 2017 م

ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر أغسطس 2017م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:

  • الابتكارات مستقبل التنمية
  • خطاب الكراهية…الأسباب..المآلات…العلاج
  • السجينات المرفوضات من أسرهن- واقع المشكلة وسبل الحد منها
  • الإعلام والتنمية الوطنية في ضوء الرؤية 2030

محتويات التقرير

المحور الأول: الابتكارات مستقبل التنمية

  • الورقة الرئيسة: د. حامد الشراري
  • التعقيب الأول: أ. فاطمة الشريف
  • التعقيب الثاني: م. حسام البحيري
  • إدارة الحوار: أ. عبدالله الضويحي
  • المداخلات حول القضية:
  • الابتكارات و التنمية بالتطبيق على واقع المملكة
  • التوصيات المقترحة

المحور الثاني: خطاب الكراهية…الأسباب ..المآلات…العلاج

  • الورقة الرئيسة: أ. إيمان الحمود
  • التعقيب الأول: د. عبدالله العساف
  • التعقيب الثاني: د. عبدالرحمن الشقير
  • إدارة الحوار: أ. عبير خالد
  • المداخلات حول القضية:
  • واقع خطاب الكراهية وأسباب تكريسه
  • التوصيات لنبذ خطاب الكراهية وإشاعة التسامح

المحور الثالث: السجينات المرفوضات من أسرهن- واقع المشكلة وسبل الحد منها

  • الورقة الرئيسة: د. هند العتيبي
  • التعقيب الأول: د. حميد الشايجي
  • التعقيب الثاني: د. حسين الحكمي
  • إدارة الحوار: أ.د. فوزية البكر
  • المداخلات حول القضية:
  • أبعاد مشكلة السجينات المرفوضات من أسرهن في الواقع السعودي
  • نحو حلول عملية للمشكلة
  • توصيات ختامية

المحور الرابع: الإعلام والتنمية الوطنية في ضوء الرؤية 2030

  • الورقة الرئيسة: أ. أمجد المنيف
  • التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
  • التعقيب الثاني: أ. عبير خالد
  • إدارة الحوار: أ. مها عقيل
  • المداخلات حول القضية:
  • أبعاد دور الإعلام في التنمية الوطنية استناداً لرؤية 2030
  • التوصيات المقترحة

المحور الأول

الابتكارات مستقبل التنمية

الورقة الرئيسة: د. حامد الشراري

الابتكار هو سر تفوق وهيمنة الدول على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وهو المكوٍن الرئيس الذي تعتمد عليه الدول مستقبلًا في تحقيق المزيد من النجاح والازدهار، ويُعرّف بأنه المقدرة على تطوير فكرة أو عمل أو تصميم أو أسلوب أو أي شيء آخر وبطريقة أفضل وأيسر وأكثر استخدام وجدوى. وللابتكار أوجه وأشكال ويدخل في عدة مجالات إلا أنه ارتبط كثيراً بالصناعة والتقنية وأصبح المحرك الأساسي، والأكثر أهمية في التنمية الاقتصادية.

ونظرا لأهمية الابتكارات، فقد أصدر أول مؤشر لقياس أداء الابتكارGlobal Innovation Index (GII) في الاقتصادات العالمية كأداة لمعرفة وضع الابتكار في أية دولة حول العالم في عام 2007، وأصبح يصدر بشكل سنويا (وسأتطرق لترتيب المملكة في هذا المؤشر في نهاية القضية).

والمشاريع الابتكارية في بداية تطوير الأفكار وبناء الإثبات العلمي تتطلب تمويلا وموارد تكون في العادة متوفرة للمبتكر، وتطور تلك المشاريع أو المنتجات الابتكارية من الفكرة إلى أن تنتشر عالميا تمر بعدة مراحل ، كل مرحلة تحتاج موارد مالية وبشرية متخصصة ومختلفة. فخلال مراحل الاكتشاف الأولية وما قبل نموذج التطوير الأولي، غالباً ما يقوم المبتكرون بمساعدة من الأسرة والأصدقاء، بتمويل تطوير المنتج بشكل ذاتي أو يحصلون على مساعدات من الجامعات والمراكز البحثية. بالإضافة إلى ذلك، قد يجد مستثمرون أفراد لديهم الرغبة بالاستثمار في هذه المرحلة المبكرة جدا رغم أن هذا الأمر ليس شائعاً. وغالباً ما يعتمد الريادي أو المبتكر على جهود ومساعدة من أصدقائه أو زملائه في فريق التطوير، وتحول هذه المساعدة إلى قيمة مالية وحصص في ملكية المشروع.

إلا أن أخطر مراحل تطوير الابتكار الفترة التي تأتي بعد تطوير النموذج الأولي للمشروع، إذ يتطلب تحويل هذا النموذج إلى منتج تجاري وطرحه في الأسواق – وهي عمليات ليست من تخصص الباحث أو المطور الرئيس – لرؤوس أموال ضخمة، وموارد مالية وفنية وبشرية قد لا تكون متوفرة في المراحل الأولى للمشروع، مما يؤدي لموته، ولذلك سميت هذه الفترة “وادي الموت” The Valley of Death.

فبالرغم من الإيجابيات الاقتصادية في الاستثمار في المشاريع الابتكارية وعالية المخاطر على المدى البعيد، إلا أن هناك إحجاما واضحا من القطاع الخاص والمستثمرين والمؤسسات المالية في تمويل تلك المشاريع في الوقت الحالي – ربما- تُعزى لتوفر الفرص الاستثمارية مضمونة النجاح والربح السريع وقليلة المخاطر، إضافة لعدم الوعي بأهمية الاستثمار برأس المال الجري Venture Capital، الذي يعد ضرورة للاقتصاد للتمكن من تحويل الأفكار والابتكارات إلى مخرجات اقتصادية ذات ربحية تسهم بشكل فاعل في الناتج الاقتصادي المحلي. هذا النمط التمويلي الجديد برز في الولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينات من القرن الميلادي الماضي واصطلح على تسميته “رأس المال الجريء أو المغامر أو المخاطر أو المبادر، لتمويل نتائج الأبحاث العلمية من اختراعات وابتكارات خاصة في المجالات الواعدة منها صناعة التقنيات المتقدمة كالحاسب الآلي والهواتف الذكية والإلكترونيات والبرمجيات وتقنية الاتصالات والمعلومات والتقنيات الحيوية…الخ، ومن أمثلة شركات رأس المال الجريء الناجحة عالميا في مجال التقنية: انتل، مايكروسوفت، قوقل، فيس بوك، تويتر، وآبل. هذه القناة التمويلية غير التقليدية التي تهدف إلى تحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية أو منتج نهائي يتم تداوله في الأسواق، تقف وراء غالبية الصناعات والابتكارات والاختراعات الكبرى التي غيرت حياة الناس في وقتنا الحاضر، حيث يقدر أن رأس المال الجريء تجاوز 14 ترليون دولار في الدول الصناعية الكبرى، وحجم معدل رأس المال الجريء في العالم يصل إلى 115 مليار دولار سنويا، حصة المنطقة العربية تصل إلى 2% من هذا المعدل أي نحو 3,2 مليار دولار.

كثير من دول العالم سعت نحو تكوين اقتصاد معرفي، ولكن مع اختلاف الأساليب. ولكنها تتشابه في الأسباب. الدول التي كانت الأسرع في بناء اقتصادها المعرفي، لم يكن لها خيارا آخر. وكانت في سباق مع الزمن للخروج من نفق الكساد الاقتصادي أو الفقر الشامل، وليس لها موارد اقتصادية أخرى كافية. فوضعت السياسات والتشريعات والخطط والبرامج والمؤسسات التنفيذية لنقل الدولة نحو الاقتصاد المعرفي بأسرع وقت ممكن. كل من هذه الأساليب يتوافق مع الوضع والبنية للاقتصاد وبيئة الابتكار المتوفرة في الدولة، ودرجة الاضطرار للانتقال لهذا الاقتصاد الجديد. ولا يمكن القول أن أسلوباً أو تجربة معينة هي الأفضل نحو تحقيق اقتصاد معرفي متكامل ومترابط وفعَال.

القيادة الرشيدة – حفظها الله- لم تغفل هذا الجانب مطلقًا، بل أولت له جل الاهتمام، و حرصت على كل ما يسهم في بناء اقتصاد وطني قوي ومستدام يقلل من الاعتماد على سلعة ناضبة “النفط”، من خلال تنمية الإنسان والنهوض به وفق خطط وبرامج تنموية متتالية باعتبار التنمية البشرية هي الأساس لتحقيق التنمية المستدامة، و ما التوسع بإنشاء الجامعات والمعاهد المتخصصة ومراكز الأبحاث والأودية التقنية، وأنشئت جائزة خادم الحرمين الشريفين لتكريم المخترعين والموهوبين، وطرح العديد من المبادرات منها تعليمية وتثقيفية تستهدف النشء بالدرجة الأولى كمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة)، وبرنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي الموجه لابتعاث أبنائنا المتميزين في تخصصات علمية وتطبيقية حديثة تحتاجها المملكة، إلا أحد آليات تحقيق هذه التنمية، الذي -بحمد الله – بدأنا نجني ثمار هذا البرنامج الضخم، منهم من برز وحقق إنجازات علمية وابتكارية عالمية في مجالات تقنية وطبية متقدمة ولديهم طموح أن تتحول إبداعاتهم إلى منتجات تغزو الأسواق، والذي لاشك أنها لا تتحقق إلا من خلال عدة خدمات ومراحل أبرزها التمويل الذي هو المرتكز الرئيسي للانطلاق والنمو والتوسع، وبيئة حاضنة لتنمية تلك الابتكارات.

مؤخراً، اُطلقت رؤية المملكة 2030 الطموحة التي تهدف لتنويع مصادر الدخل، وسيكون الابتكار في التقنيات المتطورة هو أحد مرتكزاتها؛ فقد تم اطلاق برنامج التحول الوطني 2020 الذي فيه العديد من المبادرات، وتم استحداث عدد من الأجهزة ذات العلاقة بالابتكار كالهيئة العامة للمنشئات الصغيرة والمتوسطة التي تهدف إلى دعم الابتكار وتعزيز الصادرات وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الوطني، وكذلك إنشاء صندوق الصناديق الذي يهتم بالاستثمار الجريء لدعم فكرة رأس المال الجريء بقيمة 4 مليارات ريال، لخوض غمار المشاريع الجديدة وريادة الأعمال وتحدياتها، خصوصا تلك المشاريع ذات الأفكار المبتكرة، وهو خلاف استراتيجيات الصناديق التمويلية التقليدية المعتادة، وإنشاء الهيئة السعودية للملكية الفكرية، التي ستسهم في تنظيم العمل وتوحيد الجهود، بعد أن كانت حقوق الملكية الفكرية في المملكة موزعة بين أكثر من جهة، وهي وزارة “التجارة والاستثمار” (العلامات التجارية)، وزارة “الثقافة والإعلام” (حقوق المؤلف والحقوق المجاورة)، و”مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية” (براءات الاختراع).

عودا على مؤشر الابتكار العالمي (GII) ووضع المملكة فيه خلال الثلاث الأعوام الأخيرة (2015، 2016، 2017) الذي يعتمد في تصنيفه على 79 مؤشرا ومعيارا فرعيا، منها كفاءة الجامعات، وعدد براءات الاختراع، وقوة تأثير الأبحاث لكل دولة على حدة، فقد احتلت المملكة المرتبة الـ43 من بين 141 دولة في عام 2015، والمرتبة 49 من بين 128 دولة في عام 2016، والمرتبة 55 من بين 127 في عام2017. من هذا يتضح أن هناك تراجع في ترتيب المملكة بين دول العالم مما يشكل تحديا حقيقيا لقدرة المنظومة التعليمية على توفير رأس مال بشري يتميز بالكفاءة ليعزز ثقافة الابتكار بالمجتمع تماشيا مع رؤية المملكة 2030.

فلعلنا في نهاية مناقشة هذه القضية الحيوية نستخلص بعض التوصيات النوعية التي تسهم في دعم الأفكار الإبداعية والابتكارية وتنميتها، وتحويل الابتكارات إلى منتجات نجدها في أرفف الأسواق المحلية تنافس وتغزو الأسواق العالمية لتدعم توجه القيادة (تحقق أهداف رؤية 2030) في تنويع مصادر الدخل الوطني، ويعزز موقع المملكة بين الدول الداعمة للابتكار وتوظيفه كإحدى ركائز التنمية.

التعقيب الأول: أ. فاطمة الشريف

في العقود الأخيرة شهد العالم تغيرات في معظم مجالات الحياة تقريبا ، من نموٍ اقتصادي ، ونظمٍ اجتماعية ، ومستوياتٍ معيشة وتقنياتٍ حديثة. فالنماذج الاقتصادية الكلاسيكية التي تشير إلى أن رأس المال والعمال والموارد الطبيعية هم الأسس للحفاظ على النمو الاقتصادي اختفت تدريجيا، في حين ظهر النهج الجديد الذي يشير إلى أن العلم والتكنولوجيا هي بذور النمو وخلق الثروات.

أهداف التنمية المستدامة

اعتمدت الأمم المتحدة 17 هدفاً للتنمية المستدامة بهدف القضاء على الفقر وتطوير الصحة والتعليم والوصول للنمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل وتوفير متطلبات الحياة الرئيسة من طاقة ومياه وبنية تحتية من أجل الوصول إلى مدنٍ مستدامة وحماية البيئة من خلال التصدي لتغيير المناخ.

الابتكار وأهداف التنمية المستدامة

ومن خلال ملاحظة جميع الأهداف السبعة عشر نجد أن الابتكار جزء لا يتجزأ منها وعنصر أساس للوصول للتنمية المستدامة وبالرغم من تخصيص هدف له يركز على الصناعة والابتكار والبنية التحتية، نجد أنه يمكن أيضا استخدام الابتكار وتطبيقه لتقييم وتفعيل وتحسين مخرجات الأهداف الستة عشر المتبقية؛ إن الابتكار في سياق التنمية المستدامة يعني الوصول إلى التوازن بين نمو الاقتصاد والنمو الاجتماعي العادل من خلال السياسات المبتكرة والإجراءات التي تضمن المساواة في الفرص والحماية البيئية بطريقة جديدة ومبتكرة ودفع عجلة التنمية لتحقيق عائدٍ عالٍ باستخدام أمثل للتكنولوجيا وقدرة الأفراد على ابتكار مشاريع ومنتجات تخدم هذا التوجه.

فالابتكار هو تجاوز الفهم القديم لمواجهة المشاكل التنموية كالفقر ونقص الطاقة وأنظمة الرعاية الصحية والتعليم من خلال البحث عن فرص جديدة في السوق قد تؤدي إلى وضع التقنيات التي تسهم في خلق المزيد من الفرص والثروة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية, كما يلعب الابتكار دوراً آخر في المجال الاجتماعي من خلال تغيير نمط الحياة للأفراد والجماعات أو أنماط الاستهلاك وخلق مفاهيم اجتماعية جديدة بطرق ابتكارية تحقق الاندماج بين فئات المجتمع. ونظرا لأهمية هذا الموضوع فقد تم اعتماده للنسخة القادمة من منتدى أسبار الدولي 2017م.

الإبداع والابتكار في سياق اقتصاد المعرفة

( الثورة الصناعية الرابعة )

سيتناول المنتدى العديد من المحاور والمواضيع بهدف تقييم السياسات الوطنية الخاصة بالابتكار من أجل التنمية المستدامة الشاملة، ودور الحكومات في وضع الأطر التنظيمية والتشريعية لتحفيز الابتكار، وكذلك دورها في بناء القدرات والكوادر البشرية. وأدوار مختلف الفرقاء المعنين بالابتكار كالمؤسسات الأكاديمية والجامعات والقطاع الخاص ورواد الأعمال في معالجة الفجوات والتحديات التي تواجه تطور الابتكار. كما سيتطرق المنتدى لعلاقة التكنولوجيا والتوجهات الحديثة بالابتكار وأهمية التطوير الإداري في احتضان العمل الابتكاري , والتأكيد ليس فقط على أهمية اكتساب المعرفة والتكنولوجيا وإنما أيضا تخصيص الموارد لإدارة الابتكارات والمشاريع البحثية. وتبني السياسات التي تضطلع بدور رئيس في دفع التغيير الثقافي للبحوث والتطوير والابتكار ، لأن أي نمو اقتصادي من خلال التكنولوجيا يجب أن يكون مستداماً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

كما سيتم التركيز في ورش العمل المصاحبة للمنتدى والتي صممت من قبل خبراء دوليين في مجال الابتكار على كيفية تصميم الأفكار وهيكلة الابتكار وآلية تحويل الفكرة المبتكرة إلى منتج أو حل من خلال شرح مفهوم الابتكار وآليات تبنيه وكيفية تصميم الأفكار المبتكرة والعوامل الرئيسة التي تقود وتدعم الابتكار من الجهات الحكومية (الابتكار المؤسسي) وسبل التغلب على التحديات التي تواجه اختيار أفضل الأفكار. يبقى أن ننظر للابتكار كنهج مستقبلي وليس اختياراً لضمان الوصول إلى تنمية مستدامة وتفعيل اقتصاد معرفة حقيقي.

التعقيب الثاني: م. حسام البحيري

إذا اردنا النظر إلى الابتكار من ناحية تاريخية فسنجد أن الإنسان منذ قديم الزمان كان دائما مبتكر وذلك لحاجته لصنع أدوات وطرق للتعامل مع التحديات والفرص التي تطرأ في مجتمعه ومع دخول الثورة الصناعية بدأ الابتكار يزداد أهمية في المجتمعات وذلك بسبب الاحتياج الاقتصادي المتزايد في القطاع الصناعي والتجاري, وفي مرحلتنا الحالية بدأ نوع جديد من المؤسسات الاقتصادية يعتمد أساسا علي صنع الابتكار لإنشاء صناعة جديدة تلبي الاحتياجات القائمة وتصنع احتياجات جديدة في حياة الإنسان. الإبداع أصبح أمر مهم خصوصا للهوية الفردية ونشا شكل جديد من أشكال الاعتماد على الابتكار وأصبح الحصول على أو اقتناء أشياء أو مواد جديدة مبتكرة له قيمة اجتماعية كبيرة خصوصا داخل المجتمعات الغنية ونشأ شكل جديد من أشكال الاعتماد على الابتكار يرتبط بالعالم الاجتماعي والتكنولوجي (sociotechnological world).

لقرون طويلة كان مفهوم الابتكار مرتبط أساسا بالأمور الاقتصادية بدون الالتفات إلى الأمور الأخرى الهامة في حياة المجتمعات ولكن الضغوط البيئية والمجتمعية والمنافسة الاقتصادية الشديدة وعدم المساواة في الحصول على الموارد الطبيعية الشحيحة والتدهور البيئي حفزت الشركات على إعادة التفكير في الابتكارات لتتناسب مع سياق التنمية المستدامة في المجتمعات تتجاوز المفهوم التقليدي للابتكارات الذي يركز في الغالب على الحلول التكنولوجية والابتكارات العلمية المرتبطة بتطورات الاقتصاد واليوم نشهد ظهور مفاهيم جديدة للابتكار مثل الابتكار البيئي و الابتكار الاجتماعي وهي مفاهيم ونهج مختلفة جديدة محور اهتمامها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية و تركز على التقدم المجتمعي في اقتصاد معرفي.

النهج الجديد لاقتصاد الابتكار والذي يطلق عليه المنهج الكلاسيكي الجديد يضع المعرفة, ريادة الأعمال, التكنولوجيا والابتكار في مركز النمو للمجتمعات لأن الابتكار لا يؤدي فقط إلى زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي كما يعتقد الكثيرون ولكن أيضا إلى تغيرات في الهياكل الاقتصادية للدول والتي ممكن أن تؤدي إلى ما يطلق عليه البناء الإبداعي بعكس المنهج القديم للابتكار والذي ممكن أن يؤدي إلى عملية التدمير الإبداعي.

فإذا كان الابتكار مستقبل التنمية فهناك ضرورة لتطوير رؤية العلاقة بين تطوير التكنولوجيا والابتكار واتجاه المؤسسات والتقدم المجتمعي والتحدي الرئيسي هنا هو معالجة مسألة الابتكار ليس فقط من بعد اقتصادي بحت ولكن أيضا من المنظور الاجتماعي والبيئي ليتناسب مع استدامة تنمية الشعوب.

رسم سياستنا المستقبلية للابتكار لابد أن تتوافق مع هذه الاتجاهات لأنها ستتمكن من تحقيق تنمية مستدامة نستطيع العيش معها وتمكنا من تفادي تغيرات هيكلية سلبية في اقتصادنا لا تحقق لنا الأهداف المرجوة وتصنع لنا مشاكل جديدة يحتم علينا التعامل معها وستكون تحويل واستنزاف لمواردنا المحدودة.

المداخلات حول القضية:

  • oالابتكارات و التنمية بالتطبيق على واقع المملكة

بداية تساءل أ. عبدالله الضويحي: هل الابتكار والإبداع وجهان لعملة واحدة !؟ وما الفرق بينهما !؟

وفي هذا الإطار أوضح د. إبراهيم البعيز أن التنمية لا تحصل إلا في مجتمعات تقدر وتثمن العلم وقادرة على متطلباته ، والعلم لا يزدهر إلا في بيئة تقدر وتثمن الابتكار والإبداع وقادرة على احتضانه.

الهدف الأول للعلم هو تمكين الإنسان من التحكم في ظواهر بيئته الطبيعية والاجتماعية ، وهذا التحكم يسبقه خطوتان الأولى وصف الظاهرة ومعرفة أبعادها، والثانية فهم هذه الظاهرة بإدراك أسبابها وتداعياتها السلبية والإيجابية.

المرحلة الأولى ليس فيها الكثير من الإبداع والابتكار بينما المرحلة الثانية هي التي تحتاج إلى فكر حده السماء ؛ وهذا لن يتأتى في الغالب إلا لمن يعيش في مجتمع يتمتع بقدر عال من الحرية الأكاديمية.

تاريخ أوروبا و الثورة الصناعية ليس ببعيد عنا لنعرف أن ذلك الإبداع والابتكار لم يكن يحُد منه إلا تسلط الكنيسة، التي عملت على حصر مفهوم “العلماء” على رجالها ضمن مساعيها لكبت الإبداع والابتكار.

وتأكيداً لهذا الطرح أشار م. حسام بحيري إلى أنه في حقبة سيطرة الكنيسة الأوروبية على جميع أوجه الحياة كان الابتكار نشاط الملاذ الأخير الذي لا يلجأ إليه إلا مضطرا لأنه كان لديهم فكر يعتبر أن الأشياء لابد من الحفاظ عليها كماهي محفوظة من أي تهديد خارجي أو محاولة استغلالها للحصول على مزايا أخرى إضافية. وهذا كان سبب في دخولهم في سبات وتأخر في تنميتهم البشرية لأكثر من ٦٠٠ سنة من حقبة الرومان وحتى بدايات القرن الخامس عشر.

والإبداع هو القدرة على فعل أو صنع أو تصور شيء أصلي وجديد. وتعتمد على المخيلة أو فكرة في الأساس ، بينما الابتكار هو القدرة على تنفيذ شيء جديد وله مقياس عادة يعتمد على النجاح في الاستخدام أو في التطبيق.

وذكرت أ. فاطمة الشريف أن الابتكار والإبداع مرتبطين بشكل أو بآخر وأحدها يقود للآخر وإن اختلفت التعريفات العلمية لهم لكن الإبداع يقود في بعض حالاته للابتكار وهنا أحد التعريفات العلمية لهم ومدى ارتباطهم :

الإبداع Creativity : عملية معقدة من العمليات العقلية/الذهنية تستدعي توليد الأفكار/المفاهيم الجديدة أو الأصيلة New or Original Ideas and Concepts.

وقد يعني الإبداع في أبسط صوره تحويل الأفكار الجديدة والأفكار الخيالية إلى واقع، وهو يضم عمليتين أساسيتين هما: التفكير Thinking والإنتاج Producing. ويرتبط الإبداع أو العملية الإبداعية بالابتكار Innovation وهو الطرق أو الأساليب الجديدة المختلفة الخارجة أو البعيدة عن التقليد التي تستخدم في عمل أو تطوير الأشياء والأفكار. وهو عملية عقلية تعبر عن التغييرات الكمية والجذرية و/أو الجوهرية في التفكير، وفي الإنتاج أو المنتجات، وفي العمليات أو طرق وأساليب الأداء، وفي التنظيمات والهياكل.

ومن معوقات الابتكار لدى الشباب والتي تم جمعها ونقاشها معهم خلال ورشة عمل سابقة :

العقبات الشخصية:

  • ضعف الثقة بالنفس.
  • التقليد الأعمى مما يؤدي إلى المحدودية بالتفكير والإخفاق في الإبداع.
  • التفكير النمطي، والذي قد يؤدي للحد من الإبداع .
  • التسرع، وهو الرغبة في الحصول على حلول للمشكلة دون استيعاب جميع جوانبها، أو العمل على تطوير بدائل .

العقبات الظرفية :

وهي العواقب المتعلقة بالموقف نفسه أو بالجوانب الاجتماعية أو الثقافية السائدة، ومن أهمها:

  • مقاومة التغيير، وهي عدم قبول أي أفكار وطرق جديدة وذلك بسبب الخوف من أن الأفكار الجديدة قد تهدد مكتسباته الآنية.
  • عدم التوازن بين التنافس والتعاون، فهناك حاجة كبيرة لروح التنافس وروح التعاون لكل شخص معين أو جماعة من الأشخاص في تحقيق إنجازات قيمة.

المعوقات الاجتماعية :

تشمل المعوقات الأسرية، مثل الانخفاض في المستوى الاقتصادي والتعليمي والاتجاهات السلبية في الأسرة، وعدم الاهتمام من قبل الوالدين بتنمية الاختلاف لدى أطفالهم.

معوقات الإبداع في المدرسة، مثل: طرائق التعليم التقليدية والقديمة، وأساليب الحفظ.

1-   نقص البحوث في مجال الإبداع العلمي:

نقص البحوث التربوية التي تتناول قضايا الإبداع في التخصصات المختلفة، وبخاصة في الماضي، كان له دور في إهمال المعلمين للقدرات الإبداعية لطلابهم والفشل في التعامل معهم. ولذلك فالكثيرين منهم يتمسكون بأفكار تقليدية أو غير واقعية عن تعليم الإبداع أو تنمية التفكير الإبداعي!! .

2-   التدريس التقليدي :

  • التدريس التقليدي في المدارس والذي يعوق النشاط الإبداعي ونمو القدرات الإبداعية.
  • نمط القيادة التربوية لدى مديري المدارس حيث يرون انحصار دورهم في تنفيذ توجيهات إدارة المدرسة والمحافظة على النظام داخلها.
  • يرى بعض المدرسين وقد يشاركهم في ذلك مديرو المدارس أن تنمية قدرات الطلاب الإبداعية عملاً شاقاً ومضنياً، فالطالب المبدع لا يرغب في السير مع أقرانه في مناهج تفكيرهم، وقد يكون مصدر إزعاج للمعلم والمدير على السواء.
  • كما أن المدرسة التي يسيطر عليها جو الصرامة والتسلط هي غالباً ما تكون أقل المدارس في استثمار الإبداع وقدرات التفكير الإبداعي لدى طلابها.

3-   التعليم :

  • معظم المناهج التعليمية لم تُصمم على أساس تنمية الإبداع. مما يؤكد على الحاجة إلى مناهج تدريسية وبرامج تعليمية هادفة ومصممة لتنمية التفكير الإبداعي لدى الطلاب. لذا ينبغي تطويرها بحيث تسمح بإعطاء فرص التجريب العلمي والرياضي والأدبي والفني ..، وتتضمن نشاطات مخبرية ، وتشجع أسئلة الطلاب.

وترى د. ثريا العريض أن الابتكار هو الاختراع بقصد إيجاد حل لمشكلة عملية موجودة تسبب صعوبة أو ضيقا .. مثل اختراع الكهرباء الذي حل مشكلة الطاقة .. و ابتكار العجلة أوجد حلا لمشكلة بطء الحركة. أما الإبداع فهو إيجاد شيء جديد لا سابق له وليس بالضرورة حلا لمشكلة. و على هذا نجد الابتكار في المجالات و الحقول العملية و الخدمية .. و نحد الإبداع في المجالات الفنية و التنظيرية. في الاستخدام العام للتعبيرين نجد خلطا بينهما إذ يشتركان في الارتباط بإيجاد شيء مستجد.

وأشار د. خالد الرديعان تحت عنوان حكاية اختراع، إلى أنه ينتشر في السوق المحلي لعبة أطفال اسمها سبينر spiner عبارة عن أداة ثلاثية (تشبه المروحة) وفي مركزها محور متحرك يتم مسكها بين الأصابع الوسطى والإبهام والدفع بها لتبرم بسرعة فائقة.

ابتكرت هذه اللعبة سيدة استرالية لتسلية ابنتها وذلك قبل ٢٠ عاماً ثم اقترح عليها البعض تسجيل ذلك كاختراع والحصول على براءته.. قامت السيدة بإجراءات التسجيل إلا أن ذلك استلزم دفع مبلغ ٤٠٠ دولار لم تكن بحوزة السيدة الأمر الذي جعلها تصرف النظر عن إتمام تسجيل براءة الاختراع.

لاحقا هذا العام (٢٠١٧) أخيراً قامت إحدى الشركات الصينية بسرقة الفكرة وتصنيع اللعبة لتلاقي رواجاً منقطع النظير در على منتجيها ملايين الدولارات؛ فاللعبة قد انتشرت في جميع دول العالم وبسعر رخيص (دولارين) وتباع في المملكة بسعر يتراوح بين خمس ريالات وخمسة عشر ريالاً حسب التصميم؛ فهناك نوع مضيء يصدر أضواء متنوعة ونوع غير مضيء. المحزن أن السيدة التي صممت اللعبة لم تجنِ دولاراً واحداً من اختراعها بسبب عدم تسجيل براءة هذه اللعبة.

وعلق أ. عبدالله الضويحي على ما ذكره د. الرديعان بأن هذا يدفعنا لتساؤل مهم: ماذا عن نظم الملكية الفكرية وعلاقتها بالابتكار وحمايته !؟

وفي توضيح لعلاقة الإبداع بالهوية الفردية والقيمة الاجتماعية ؛ أشار م. حسام بحيري إلى أن هناك أشياء جديدة ابتكرت وأصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية مثل الهواتف الذكية. اقتناء تلفون من شركة ابل يعطي انطباع بأهمية اجتماعية مختلفة عن شراء هاتف ذكي من إحدى الشركات الأخرى لأن شركة ابل رائدة في تكنولوجيا الاتصالات والبرمجة واقتناء أجهزتهم تجعلك في نظر المجتمع المحيط بك متقدم تكنولوجيا عن الآخرين وهي ضرورة اجتماعية ملحة اليوم كما هو الحال مع انتشار الإنترنت في الدول المتقدمة وإتاحته للجميع، وأصبحت المجتمعات المتقدمة تقاس بمدى وفرة واستخدام الإنترنت أو عدد السيارات المهجنة أو الكهربائية الجديدة في أسواقها والتي أصبح لها سوق كبير في الدول الغربية على الرغم من سعرها الباهظ واستخداماتها المحدودة. ولكنها تعطي انطباع اجتماعي أنك تهتم أكثر من الآخرين بالبيئة التي تعيش بها وأنك متقدم عليهم في الأمور الاجتماعية.

الابتكارات التكنولوجية الجديدة كلها لها ثمن مادي ومعظمها ليست رخيصة ؛ اقتنائها أصبح له قيمة اجتماعية أكثر من الاحتياج الفعلي لها. نرى اليوم شركات الدعايات الكبرى كيف تسوق لمنتجاتها وتقنع المستهلك أن اقتناء بضاعتهم يعطي له قيمة اجتماعية أفضل من الآخرين الذين ليس لديهم نفس السلعة لأن صناعة الاحتياج وإقناع المستهلك بشراء السلعة أصبح بذاته نوع من أنواع الابتكار.

وأضاف د. حامد الشراري إلى ما تم ذكره حول الفرق بين الابتكار والاختراع القول بأن الاختراع (Invention) هو عملية توليد الفكرة الجيدة، في حين أن الابتكار (Innovation) هو عملية تحويل الفكرة إلى منتج جديد أو عملية أو خدمة جديدة.

لقد ميّز تشيرر (Scherer) بين الاختراع والابتكار، فالاختراع يعمل على التأثيرات الفنية في توليد الفكرة الجديدة، في حين أن الابتكار يحقق التأثيرات الاقتصادية في عملية تحويل أكثر أهمية في نقل الفكرة إلى المنتج الجديد.

وعند هذا الحد أكدت د. ثريا العريض أنه هنا يجب توضيح ارتباط قضية إثبات الملكية الفكرية بالزمن .. الأسبق للاكتشاف هو مالك الفكرة متى ما تأكد أن اللاحق اطلع على حذافيرها… أما اذا تزامن الاكتشاف فهو حق للاثنين . و كثيرا ما يتوصل عالمان إلى نفس الاستنتاج ولا علاقة لبحثيهما ولا عملا معا. بينما يحدث أيضا سرقة أفكار و إبداعات الآخرين لأسباب مادية تستهدف الربح في السوق الاستهلاكية.

من المفروض أن تكون هناك جهة رسمية لتسجيل براءة الاختراع و حماية حقوق المبدع ..مع العلم أن تسجيل براءة اختراع لا تعني أنه مثبت الفاعلية المدعاة له.

وفي اعتقاد أ. عبدالله الضويحي فإن عامل الزمن لم يعد له علاقة مالم يثبت ذلك صاحب الفكرة الأساسي ويقوم بتسجيلها نظاما؛ كما حصل مع الأسترالية التي تم الإشارة لها سلفاً.

وفي السياق ذاته أشار د. الرديعان إلى ثلاث اكتشافات واختراعات غيرت وجه البشرية:

1-   استخدامات النار في الطهي، ثم صهر المعادن. ترتب على هذا الاكتشاف تغير في نمط الطعام، وصناعة الفخار بعد حرقه في النار، ولاحقاً صهر المعادن للانتقال من العصر الحجري إلى العصر النحاسي ومن ثم التوسع في صناعة واستخدام الأدوات.

2-  اختراع العجلة التي أحدثت ثورة هائلة في وسائل المواصلات؛ فمن المشي إلى استخدام العربة التي تجرها الحيوانات؛ الخطوة التي جعلت الإنسان ينتقل وبكل سهولة إلى مناطق لم يكن يعرفها سابقاً.

3-  الكتابة وهي الاختراع المذهل الذي ساهم في حفظ التراث البشري ونقله عبر الأجيال والبناء عليه. ولنا أن نتخيل الوضع دون كتابة فكل شيء سيضيع ومن ثم يلزم البدء من جديد.

الاكتشافات أو الاختراعات الثلاث تمت في بلاد الرافدين (العراق).

كذلك فمن الاكتشافات المهمة اكتشاف الفخار؛ حيث كان الطفل يلعب بالطين على حافة النهر ربما نهر دجلة أو الفرات.. ثم صنع وعاءاً صغيراً من الطين وحمله معه إلى أمه.. طلبت منه أمه القيام بعمل ما بدلاً من اللعب بالطين لكنه لم يستجب لها، غضبت الأم فأخذت الوعاء والقته في النار القريبة منها. لاحقاً وبعد انطفاء النار ومحاولة إيقاد أخرى حركت الأم الوعاء المحروق للتخلص منه، والقت به لكنه لم ينكسر ولاحظت أنه أصبح أكثر صلابة. تطورت بعد ذلك صناعة الفخار؛ الخطوة التي أحدثت انقلابا في استخدام الأدوات.

وأضاف د. حامد الشراري أن من أهم الاكتشافات الصفر الذي اكتشفه العالم المسلم الخوارزمي والكهرباء. أما بالنسبة له فإنه يرى أن أعظم اكتشاف هو الهاتف وهو انتقال الصوت عبر الأثير بموجات كهرومغناطيسية لآلاف الكيلومترات دون أن تتغير نبرة الصوت.

الطائرة صُنعت في بداية القرن الماضي (من قبل الأخوين رايت) والآن أصبحت الطائرات تسبق الصوت، وكذلك الهاتف العتيق الذي له خط خاص ( سلك ) لكل مستخدم ويعمل بآلية ميكانيكية وبموظف بدالة، أصبح هاتف ذكي بل ذكي جدا يؤدي خدمات عديدة للغاية. ودولة مثل إستونيا عدد سكانها أقل من خُمس عدد سكان مدينة الرياض تعمل على أن تكون منافسة للصين الذي يفوق عدد سكانها عدد سكان دولة إستونيا الف مرة..!! إنه الروبوتيك ( الإنسان الآلي) …تعمل على تحسنينه وتطويره ليشكل يد عاملة تعادل قوة الصين البشرية؛ إنه القفز إلى الأمام ..هي اكتشافات تم تحسينها وتطويرها بابتكارات تتماشى مع تطور التقنية وتحسنها، فالحاسب الآلي في الثمانينات يختلف عن حاسب اليوم ، والتقنية الإلكترونية والمعالجات الحاسوبية تطورت في شكل مذهل كفاءة وحجما.. علينا أن لا نستكن علينا أن ندرس ونستفيد من تجارب الدول.. علينا أن نقفز إلى الأمام …علينا أن نشارك في الابتكار، علينا أن نستثمر قدراتنا الكامنة.

وذكر د. إبراهيم البعيز أن العالم الفيزيائي البريطاني ماكسويل هو من اكتشف الطاقة الكهرومغناطيسية في الفضاء لكن لم يعرف كيفية الاستفادة منها وكذلك العالم الألماني هرتز استطاع قياسها وأيضا لم يعرف لها فائدة تطبيقية؛ إنجاز ماكسويل وهرتز مثال للعلوم الأساسية ، لكن الإيطالي ماركوني هو من نقل هذا الاكتشاف إلى حيّز التطبيق لذا أبحاثه تكون مثال على أبحاث العلوم التطبيقية.

وأضاف د. الشراري أن الابتكار يشمل مجالات عديدة منها الاجتماعية والتجارية والاقتصادية والعلمية والطبية والصناعية والتقنية …الخ. إلا أن كلمة “الابتكار ” أصبحت أكثر ارتباطا مع الصناعة والتقنية .

وذكر د. خالد الرديعان أنه وعلى نفس الوتيرة هناك تقدم مذهل في وسائل المواصلات وتنقل البشر، ومن ذلك ما تم الإعلان عنه بشأن تطوير تيوب كبير لنقل السكان في دبي بحيث تسير المركبات داخله بسرعة الصوت (١٢٠٠ كم في الساعة) ونجاح هذا المشروع في الإمارات سيخلق ثورة في استخدام وسائل المواصلات.

الهايبرلوب هو مفهوم لنظام نقل عالي السرعة أطلقه رجل الأعمال والمخترع الأمريكي إيلون ماسك و هو عبارة عن دمج أنابيب منخفضة الضغط خالية من الهواء تربط بين محطتين وداخل هذا الأنبوب كبسولات ركاب تندفع بسرعات عالية على وسادة هوائية مضغوطة ولا تحتك بجدران الأنبوب بفعل حقل مغناطيسي يولده موتور كهربائي يستمد قوته من الطاقة الشمسية.وتستطيع كل كبسولة حمل نحو 20 راكباً، ويمكن إطلاق كبسولة للركاب كل 30 ثانية في الخط الواحد دون أي مشكلة أو خطر لاصطدام الكبسولات ببعضها أو خروجها عن المسار، كما توجد مسافة أمانة بين كل كبسولة والأخرى تبلغ خمسة أميال. وسرعة الهايبرلوب تفوق سرعة الصوت وتسير بسرعة 1200 كم في الساعة، ستستطيع أن تقطع المسافة ما بين نيويورك بالولايات المتحدة والعاصمة الصينية بكين في ساعتين وبين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو في 35 دقيقة، بمتوسط ​​سرعة 598 ميلا في الساعة (962 كم / ساعة)، مع سرعة قصوى تبلغ 760 ميلا في الساعة (1،220 كم / ساعة). وتبلغ المسافة ما بين سان فرانسيسكو ولوس أنجليس نحو 615 كيلومتر تقريباً، ويستغرق السفر بالسيارة بين المدينتين نحو 5 ساعات و35 دقيقة تقريباً عند سلوك أقصر طريق بين المدينتين، فيما يستغرق السفر بالطائرة نحو ساعة و20 دقيقة.

وأوضح المهندس الأمريكي أن “هايبرلوب” بمثابة هجين بين طائرة الكونكورد وراجمة صواريخ وطاولة للعب الهوكي في الهواء، حيث تعمل وسيلة الموصلات بواسطة كبسولة للركاب تنتقل خلال أنبوب ضخم خال من الهواء يربط بين محطتين. واستخدم المهندس الأمريكي فكرة الموتور الكهربائي العامل بالطاقة الشمسية الذي استخدمه عند صناعة السيارة الكهربائية تيسلا طراز إس، وهي السيارة التي تصنف كأول سيارة كهربائية آمنة قابلة للاستخدام.

و أكد إيلون ماسك على أن وسيلة المواصلات “هايبرلوب” تعد أكثر أمنا وأسرع وأقل تكلفة وأكثر راحة من أي وسيلة مواصلات حالية، ونشر المهندس تصميمات للمشروع عبر مدونته أظهرت شكل الكبسولات التي تضم مخزن للأمتعة ومكان لجلوس المسافرين يضم مقاعد مريحة أمامها شاشات تلفاز.

ويمكن لوسيلة المواصلات الجديدة الربط بين المراكز السكنية الرئيسة في العالم لتوفير رحلات تستغرق وقت أقل، حيث يمكن الانتقال بين أمريكا إلى الصين خلال رحلة تستغرق ساعتين فقط، وتوقع “ماسك” بناء الأنبوب الواحد بنحو 10% من تكلفة القطار فائق السرعة وربع تكلفة الطرق البرية الممهدة.

وتعد أبرز العقبات التي يواجها المشروع هي الموافقات الحكومية والتمويل ورغبة “ماسك” في الإشراف على تنفيذ المشروع بنفسه؛ وأقترح المهندس الأمريكي أن يكون مشروع “هايبرلوب” بديلاً للسكك الحديدة فائقة السرعة التي سيتم إنشائها في الولايات المتحدة.

وسوف يستغرق مشروع “هايبرلوب” وقت أقل لتنفيذه وذلك في فترة ما بين سبع أو عشر سنوات وسوف يتكلف نحو ستة مليارات دولار أمريكي، بدلاً من 68 مليار دولار أمريكي التي تعد تكلفة مشروع القطارات فائقة السرعة في الولايات المتحدة.

ومن ناحيته قال د. إبراهيم البعيز: أشار د. حامد في ورقته إلى موضوع تحويل الإنجازات العلمية إلى سلع وخدمات وأود الإضافة هنا أن كثيرا من الجامعات العالمية خاصة الأمريكية والأوروبية لديها مكاتب نقل التقنية Technology Transfer وهذه تتولى تسويق الإنجازات العلمية للشركات – المهم هنا أن الحكومة الفدرالية في أمريكا قد أعطت الحق في امتلاك البراءة الناتجة من البحوث التي تمولها لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات ومنذ ذلك القرار والإنجازات العلمية في الجامعات شهدت نموا مضطردا.

وهناك موضوع جديد له علاقة بقضية الابتكار والإبداع لدينا، وهو نقل التقنية بين الدول International Technology Transfer وهو ما يتم الحديث عنه تحت مصطلح “توطين التقنية”.

تمر التقنية في توطينها بثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: هو استيرادها على مستوى المنتج النهائي End Product، مثل استيرادنا الآن لأجهزة الهواتف الذكية، وكثيرا من الأجهزة Hardware في نظم الاتصالات والقطاعات التجارية العاملة أو المستثمرة في استيراد التقنية على هذا المستوى في الغالب ليس لها اهتمام بالأبحاث التطبيقية أو البحث والتطوير R&D، وبالتالي ليس هناك من مجال لدعم الابتكار والإبداع.
  • المرحلة الثانية: هو استيرادها على مستوى النظام System Level وهو أن يتم استيراد الأجزاء الأساسية للمنتج النهائي ويتم تجميعها بعد تصنيع لبعض الأجزاء البسيطة إليها، وخير مثال على ذلك مصانع بعض الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات والمكيفات، ومصانع تجميع السيارات. وهنا أيضا الشركات والمصانع العاملة أو المستثمرة في استيراد التقنية على هذا المستوى في الغالب ليس لها اهتمام بالأبحاث التطبيقية أو البحث والتطوير R&D، وبالتالي ليس هناك من مجال لدعم الابتكار والإبداع.
  • المرحلة الثالثة: وهو استيراد على مستوى القاعدة Base Level وهو استيراد القاعدة العلمية التي انتتجت تلك التقنية، بمعني أن يكون هناك مؤسسات أو مراكز بحثية تسعى لتحويل الإنجازات العلمية إلى منتجات من خلال أبحاث تطبيقية و أبحاث التطوير R&D وهذا ما نفتقده ليس فقط في المملكة بل في العالم العربي عموما.

أما د. عبد الله بن صالح الحمود فأوضح أن الابتكار هو إظهار ما هو جديد ، وبشيء أو أشياء مختلفة عن ما هو متوافر في وقت ما ، كما وجوب الإتيان بشيء يتناسب مع متطلبات المستهلك واحتياجاته ، كما يمكن القول أن الابتكار هو الاختراع نفسه ، الابتكار غالبا ما يكون ذو علاقة وطيدة بالاقتصاد والصناعات عامة خاصة الدقيقة منها ، ولهذا فإن ارتباط الابتكار بالاقتصاد قائمٌ على المنافسة التي تحصل بين المنشآت المختلفة ، ويدلل على ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يحصل في هذا الزمن من منافسة شديدة في عالم الأجهزة الخلوية ، لأن الشركات المصنّعة تجعل المبتكرين يحاولون إيجاد ما هو أحدث من أجهزةٍ حديثة تغري المستهلك في اقتناء ما هو حديث ومطور بين وقت وآخر.

وللابتكار أهمية :

  • يعد الابتكار أحد العوامل الرئيسة لإحداث التنمية ، وداعم للاقتصاد ، فضلا عن القيام بدور كبير في تطويرهما.
  • يساهم الابتكار في إيجاد فرص عمل جديدة بسبب حدوث مجالات جديدة ونوعية بين وقت وآخر.
  • نشؤ أسواق من خلال ما تمّ ابتكاره من منتجات جديدة ، ما يسهم في كفاءة الاقتصاد .
  • للابتكار مساهمة فاعلة نحو رفع مستوى الثروات الوطنية وتنميتها.
  • للابتكار دور على تقليل التكاليف وخفض النفقات ما يتسبب في توافر خدمة أسرع وذات جودة أفضل.
  • شعور المبتكر عند قبول ابتكاره فضلا عن تحقق نجاحات معينة بالرضا والثقة بالنفس.
  • يكتسب المبتكر منافع مادية ، وكذا النيل من منافع معنوية .
  • يعد الابتكار ضروريا لغايات الحفاظ على البقاء ضمن عالم المنافسة ، خصوصا في البيئات التي تعيش تنوع لمصادر الدخل في بلادها.

والأمر المهم هنا هو ما هو الدور الذي يفترض أن تضطلع به الجهات أو الجهة المختصة في تبني جهود المبتكرين ، يلاحظ في الماضي أن هناك شكاوى تجاه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، حينما يتقدم البعض إلى المدينة بطلب تسجيل براءة اختراع لا يعطى أحيانا اهتمام حول ذلك.

وهنا يفترض على الجهة المنوط بها احتضان أصحاب الأفكار النافعة التي تتحول إلى خدمات ترتقي إلى إنتاج يخدم الوطن أن تتبنى أي جهد دون أدنى تردد. كما أن على تلك الجهات أن تدرك أن عجلة الزمن تسير وفق تنافس عالمي ، اليوم المجتمع الدولي يعيش دوما نحو متغيرات متعددة الأوجه ، فتقنية الجزيئات متناهية الصغر أو تقنية الصغائر أو تقنية النانو هي علم يهتم بدراسة معالجة المادة على المقياس الذري والجزيئي ، فهي ابتكار يهتم بتقنية النانو نحو ابتكار تقنيات ووسائل جديدة تقاس أبعادها بالنانومتر وهو جزء من الألف من الميكرومتر أي جزء من المليون من الميليمتر. ومن هنا أيضا لابد أن يزداد أو تزداد عملية الاستشعار بخطوات تقدمية لمواكبة ما هو حديث ومطور.

إننا في المملكة العربية السعودية لدينا الطموح والرغبة الشديدة نحو مواكبة ما هو حديث ، ولكن تحقيق المراد لابد أن يواكب العزيمة والتطبيق ، خصوصا أننا أمام برامج يجري تنفيذها لتحقيق أهداف التحول الوطني 2020 ، وصولا إلى تنمية شاملة بحلول 2030 بحول الله وقوته.

ويرى م. خالد العثمان فيما يخص موضوع الابتكار والتنمية أن مشكلتنا في المملكة وكل الدول العربية وغيرها من الدول المتخلفة عن ركب الابتكار هي غياب المنظومة الاستراتيجية المتكاملة والبنية التحتية لدعم الابتكار وتحفيزه من البذرة إلى الثمرة.. ما هو موجود مبادرات متناثرة ومفككة تفتقر إلى التكامل والفعالية والكفاءة.. وكثير منها مجرد أنشطة مبتورة لرفع العتب والمنظرة والبهرجة والتفاخر بالمشاركة في هذا المسار.. هذا الموضوع يرتبط بقضيتنا السابقة المتعلقة بالبحث العلمي.. وهو بالتأكيد ليس له أية قيمة إن انتهى إلى الرفوف دون تفعيل يخرج هذه الأبحاث لتكون منتجات ابتكارية تحقق عوائد اقتصادية وتنموية مؤثرة.

المنظومة الاستراتيجية والبنية التحتية يجب أن تشمل ما يلي:

  • برامج البحث العلمي في الجامعات.
  • برامج البحث والتطوير في الشركات.
  • برامج الحاضنات بمختلف أنواعها.
  • رؤوس الأموال المغامرة والاستثمار الملائكي Angel Investments.
  • برامج الإرشاد والتوجيه.
  • برامج التجسير التجاري Commercialization.

ومن وجهة نظر أ. عبدالرزاق الفيفي فإن التحدي الكبير والمخرج من أزمة عدم التوازن التنموي هو كيف نجعل من الابتكار وسيلة قوية لإحداث التوازن في كل الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية و العدلية و الخ، وكيف نجعل الابتكار في المجالات التي تعاني من الضعف داعم لها ومسرع لها لتواكب المجالات الأخرى النشطة.

وبخصوص ما ذكرته أ. فاطمة الشريف في تعقيبها من أن الدول العربية قدمت فيما بين 2000 و 2007 ( 630 طلب ) براءة اختراع بمعدل أقل من 100 اختراع في السنة !! يرى أ. عبدالله الضويحي أن الرقم متدنٍ جداً، ومن ثم تساءل هل هذا الرقم صحيح وما هو المصدر !؟ أم أن هناك خطأ ما !؟

وحول هذه النقطة أكدت أ. فاطمة الشريف أن الرقم صحيح والمصدر : http://www.wipo.int من تقارير الويبو لبراءات الاختراع في المجالات ذات أهمية خاصة للبلدان النامية والبلدان الأقل نموا مثل الصحة العامة والأمن الغذائي وتغير المناخ و البيئة.

لكن م. خالد العثمان يرى أن المسألة ليست فقط عدد براءات الاختراع بل موضوعاتها أيضا.. كثير من هذه البراءات تخص موضوعات سطحية ولا تحمل قيمة اقتصادية.. ناهيك عن المراحل التالية لتسجيل براءات الاختراع ونقلها إلى منظومة الإنتاج.

واقترح د. خالد الرديعان تأسيس بنك يساهم برأسماله رجال الأعمال والصناعيين تكون مهمته رعاية المخترعين والمكتشفين والإنفاق على بحوثهم، ومن ثم تحويل المخترعات المفيدة إلى مرحلة التطبيق بصناعتها وتسويقها.

واتفق. خالد العثمان حول كون التمويل أحد العناصر في البنية التحتية لكنه ليس كل شيء؛ بمعنى أن التمويل وحده لا يضمن النجاح؛ فليس كل شيء يمكن شراؤه بالمال فقط.

وفي تصور د. حامد الشراري فإن لدينا القدرة المالية والإرادة كما أن فضاء المعلومة متاح. لذا، على علمائنا والجهات ذات العلاقة تلمس التقنيات والابتكارات الواعدة ومصدر الجذب للمستثمرين والاستثمار فيها.

وأوضح د. حامد الشراري أن هناك صندوق الصناديق برأس مال ٤ مليارات ، قد تعطى الفرصة للمساهمة فيه إن كان في تنظيمه ما يمنع ذلك. نريد ذراع تمويلية وذراع فنية تتكامل. ذراع فنية تساعد وتدرس الابتكار من بدايته حتى تجده سلعة في الأسواق. وذراع مالية توفر المال في جميع المراحل من البداية حتى النهاية.

وهناك صندوق إسرائيلي جديد لرأس المال الجريء (جمع) تمويلين كل واحد قيمته 100 مليون دولار من أجل الاستثمار في تكنولوجيا الروبوتات والذكاء الاصطناعي اللذين ما زالا في مرحلتيهما المبكرة ، فمصدر الجذب هو السوق المتوقع لهما مستقبلا وتقدر بما يزيد عن 400 مليار دولار. نريد أن يكون عندنا جهاز يقتنص الأفكار والابتكارات سواء داخلية أو خارجية ويعمل على تمويلها والمشاركة في امتلاكها.

وأضافت أ. فاطمة الشريف أننا بحاجة كذلك إلى ذراع إعلامية للنشر والتوعية وإيصال المنتج للمتلقي بشكل صحيح.

في حين يرى د. مشاري النعيم أنه لا يوجد لدينا مؤسسة بحثية واحدة على المستوى المأمول؛ فالجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز أنفقت المليارات ولم تحدث بيئة علمية ولا تقاليد بحث علمي، الأودية التقنية في الجامعات فشلت لأنها تحولت من مشروع علمي إلى مشروع تجاري، العلم والبحث لا قيمة له لذلك لا يوجد الحافز لاقتحام هذا المجال المضنى الذي عوائده غير مضمونة.

البحث العلمي هو جزء من الثقافة العامة في المجتمع وعادة ما يكون في الجامعات وبشراكة طويلة مع الشركات المستفيدة ومبني على حاجة مستقبلية متوقعة داخل وخارج موطن البحث. كما أن المسالة ليست تمويل فقط؛ توفرت الأموال ولم تتوفر الرؤية وتوفرت الرؤية فغابت الإدارة.

وذهب م. خالد العثمان إلى إمكانية اقتباس هياكل العمل والتطوير الناجعة في الدول التي سبقتنا بذلك.

بينما اقترحت د. ثريا العريض تعديل مناهج مرحلة التعليم التأسيسي الروضة والتمهيدي والابتدائية؛ والتحول من أسلوب التلقين إلى التركيز على بناء مهارات التفكير والتصنيف والمقارنة والاستنتاج والإضافة. من هنا نشجع الموهوبين على استخدام نواحي تميزهم.

وعقب د. الرديعان بأنه يكثر الحديث عن المناهج التعليمية وتحميلها ما لا تطيق.. يمكن بهذا الخصوص أخذ تجربة مناهج ناجحة من إحدى الدول وتطبيقها مباشرة مع شيء من التوطين.

ومن جانبه يرى م. حسام بحيري أننا نفتقد أسس التحفيز لتوجيه الأموال لأعمال البحث والتطوير في مجال الابتكار والإبداع بسبب أنه لا يوجد لدينا قوانين تلزم أو تحفز القطاع الخاص للصرف على هذا المجال أسوة بالشركات الغربية التي يوجد لديها قوانين ضريبية تحفز الشركات على إنفاق أموال طائلة نحو الأبحاث والتطوير. القوانين الضريبية تساهم مساهمة فعالة في تحويل الأرباح نحو تطوير السلعة وتعتبر مصاريف تشغيلية لا يحسب عليها ضرائب و تساهم بطريقه مباشرة في تطوير ونمو سلع شركات القطاع الخاص. والحديث هنا لا يدعو لفرض ضرائب على القطاع الخاص ولكن يجب استحداث قوانين تلزم الشركات ذو الربحية العالية بالصرف على مجالات الأبحاث والتطوير المرتبطة بالابتكار والإبداع.

وقال د. حامد الشراري: حتى نسلط الضوء على الجهات ذات العلاقة بالابتكار بالإضافة لما تم ذكره في الورقة الرئيسة فإن هناك:

1-  “تقنية” شركة سعودية حكومية مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة. و تم تأسيسها بأمر ملكي من مجلس الوزراء السعودي في 21 يونيو 2011 الموافق 18 رجب 1432 هـ. تهتم الشركة بقيادة التنوع الاقتصادي في السعودية بما يواكب احتياجاتها الاقتصادية من خلال الصناعات القائمة على المعرفة، ومحاولة خلق وظائف ذات قيمة مضافة، والمساهمة في تطوير النظام البيئي للابتكار في السعودية. وللمزيد عنها يمكن الرجوع للرابط التالي:

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%86%D9%8A

2-   معهد الابتكار والتطوير الصناعي، ومن أهدافه تحفيز ودعم الابتكار وتحويل الأبحاث التطبيقية إلى منتجات صناعية. وللمزيد عن المعهد يمكن الرجوع للرابط التالي: https://www.kacst.edu.sa/arb/IndustInnov/Pages/NCID.aspx

لكن م. خالد العثمان عقب بأن شركة “تقنية” بالذات نموذج لضعف الأداء مقابل قوة التمويل؛ فتقنية شركة قابضة تملك تحتها 12 شركة فرعية متخصصة في مجالات متنوعة منها المياه والطيران والطاقة والاستشعار عن بعد وغير ذلك .. الإنجازات محدودة جدا مقابل الإمكانيات والفرص وحجم الإنفاق. لديها مكتب في وادي السيليكون لكن لم نلمس له أية إنجازات بعد.

وباعتقاد د. حامد الشراري فإن هناك ثلاث أشياء لأحداث تطور حقيقي في توطين التقنية و تنمية الابتكارات :

  • علماء متميزون.
  • تمويل كافي للأبحاث العلمية.
  • وجود رأس مالي استثماري (رأس مال جريء) يساعد في تحويل الأبحاث أو الابتكارات إلى منتجات تجارية.

ومن ناحيته يرى د. حمزة بيت المال أن الابتكار مرتبط بالفرد؛ وعلى الفرد أن يكون مسلح بفكر ناقد، فكر تطويري لا يستكين للوضع القائم؛ إنما ينظر في كل شيء ويعتقد أنه يمكن أن يجعله أفضل. هذا من جانب ومن جانب آخر الحرية، تحجيم التفكير الحر ووضع قيود عليه مشكلة، هذا يمكن وهذا لا يمكن، يأتي بعد ذلك حاضنات التطوير Start up.

وطرح أ. عبدالله الضويحي سؤلاً هاماً مفاده: هل نستطيع استعراض أو إحصاء جميع الجهات الحكومية أو شبه الحكومية التي تدعم الابتكار في المملكة؟

وفي هذا الصدد عدد أعضاء ملتقى أسبار الجهات التالية:

  • صندوق المئوية.
  • بنك التسليف والادخار.
  • باب رزق جميل.
  • مركز دلني للأعمال.
  • هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
  • صندوق الاستثمارات العامة.
  • صندوق الصناديق.
  • شركة ” تقنية”.
  • مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
  • برنامج ” بادر” .
  • معهد الابتكار والتطوير الصناعي.
  • جامعة الملك سعود.
  • وادي الرياض للتقنية .
  • جامعة الملك فهد .
  • وادي الظهران للتقنية .
  • مركز سايتك.
  • جامعة الملك عبد العزيز .
  • وادي جدة للتقنية.
  • موهبة.
  • جامعة الملك عبدالله (كاوست).
  • بنك التسليف والادخار سابقا أصبح بنك التنمية الاجتماعية .. وجميع ما يتعلق في نظامه السابق ذي العلاقة بدعم الابتكار رُحل إلى هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

وأوضح م. خالد العثمان أن الجهات التي ذكرت سابقا ليست كلها ولا معظمها يختص بدعم الابتكار.. علينا أن نفرق بين دعم الابتكار ودعم مبادرات الأعمال أو الأعمال الصغيرة.. كثير من الأعمال الصغيرة والناشئة أنشطة بسيطة لا يصح أن تحتسب من ضمن الابتكار.. مطاعم همبرجر وكب كيك وبرامج الأسر المنتجة وما إلى ذلك ليست ابتكارات.

قضية الابتكار تتطلب إناطة إدارتها بجهة وحيدة بدل هذا الشتات الذي تعيشه؛ ويمكن تأسيس وزارة للإبداع وفق النموذج الكوري.. وربما تكون هيئة أو برنامج وطني أو غير ذلك. المهم أن تكون هناك جهة مرجعية واحدة لإدارة هذا الملف بكل جوانبه ومحاوره على المدى الاستراتيجي البعيد.

وبرأي د. خالد بن دهيش فإن شركة سابك تُعد رائدة في دعم وتمويل الابتكار والإبداع فلها عدة مراكز أبحاث وتطوير بالمملكة وخارجها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والهند وكوريا الجنوبية و ربما غيرها. وأضاف: قبل عام زرت مركز الأبحاث والتطوير في بنغالور بالهند الذي يعمل فيه حوالي ٤٠٠ باحث معظمهم من حملة الدكتوراه ولا يوجد سعودي بينهم وربما كذلك الحال في بقية مراكزها وتقوم أبحاثها ومبتكراتها على منتجات سابك حيث تقوم بتصنيع ابتكاراتها كعينات يتم تسويقا عالمياً مثل هياكل السيارات و المقاعد وغيرها ، ومن المهم استقطاب السعوديين المؤهلين وتوجههم إلى مراكز الأبحاث والتطوير وكذلك دعم دراساتهم العليا في هذا المجال لتتدرج في ذلك وفق خطة لإيجاد علماء من الشباب السعودي في الأبحاث البترولية والبتروكيماوية.

أما د. إحسان بو حليقة فقال: لا أرغب أن أكون متشائماٌ، لكننا تأخرنا كثيراً، الذكاء الاصطناعي والروبوتات مضى على انطلاقهما عقوداً، منذ بداية الثمانينات. في الدراسات العليا دٙرٙست مقرراً في الذكاء الاصطناعي في بداية الثمانينيات. ثم إن العبرة ليست بالمبالغ الكبيرة؛ فالهند أطلقت مع “إسرائيل” أثناء زيارة مودي خلال الفترة القريبة الماضية صندوقاً للتقنية قيمته ٤٠ مليون دولار.

نحن بحاجة لقفزات، لسنا في نهاية الركب التقني، بل بيننا وبين نهايته فاصل. إننا بحاجة لقفزات، أما الهياط والحماس الشفوي لم يأخذنا بعيداً. كما تفضل د. مشاري النعيم بالأمس، انظر ماذا فعلنا بوديان التقنية في جامعاتنا، لا جعجعة ولا طحن. البدايات المتواضعة مع علماء هي مفتاح الحل، أما تقنيات “الترزز” والكلام الكبير، فلم ولن تأخذنا بعيداً، بل ستبيعنا المزيد من الوهم.

وبخصوص تجارب الدول في تكوين الاقتصاد المعرفي ( محركه الابتكار )..وهل اتبعوا نفس الأسلوب والمنهجية حتى أصبحت منتجة للتقنية أشار د. حامد الشراري إلى أنه لا يمكن القول أن أسلوباً أو تجربة معينة هي الأفضل نحو تحقيق اقتصاد معرفي متكامل ومترابط وفعَال.

  • فكوريا استطاعت تحقيق معدل عالٍ في تعليم أبنائها مماثل للدول الغربية المتقدمة، وأنفقت على البحوث بمعدل كنسبة من الناتج القومي أكثر من الولايات المتحدة، وأكثر من فرنسا، وأكثر من بريطانيا. وإنفاقها على التعليم أيضا يضاهي إنفاق الدول الأوروبية كنسبة من الدخل الوطني. ولكن هذا لم يكن كافيا فوضعت عدة برامج وسياسات تضمن اكتساب المعرفة، وتوطينها، واستغلالها.
  • أما الهند فركزت في خطتها الاستراتيجية التي وضعتها في العام 2001م على أن تكون قوة عظمى بنهاية عام 2020م. بخلاف كوريا، ركزت الهند على القطاعات العسكرية وبخاصة الصواريخ البعيدة المدى ونظم المعلومات باعتبارها محفزاً ومفعلاً للنظم العسكرية. وبوجود نظام تعليمي يرتكز على الرياضيات والفيزياء، نما قطاع تقنية المعلومات بشكل أسرع وأضخم من غيره.
  • أما ماليزيا فسلكت طريق مشابه لتجربة كوريا في التحّول نحو الاقتصاد المعرفي. وضعت ماليزيا خطتها لتكون شمولية لكافة قطاعات الدولة ومجالاتها الاقتصادية، وأسست مؤسسات متخصصة لنقل المزارعين ليكونوا عاملين في القطاع الصناعي، كما أسست مؤسسات متخصصة في استثمار المعرفة في تقنية المعلومات.
  • أيضا ، ماليزيا وإيرلندا استغلتا موقعيهما الجغرافيين وقدمتا مجموعة من البرامج التحفيزية للمستثمرين الأجانب لنقل المعرفة لها بينما إسرائيل اعتمدت على المهاجرين، إضافة لرأس المال الجريء، والإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة كان له دور في نشؤ الاقتصاد المعرفي. ولعل العامل المشترك في كل تجارب الشعوب هو السياسة الحكومية التي تحدد الاقتصاد المعرفي كهدف ومطلب استراتيجي يكون بمثابة القائد لكل سياسات الدولة الأخرى وبحيث تكون الحلول التنفيذية شاملة لقطاعات الدولة الأخرى ومتكاملة ضمن خطط التنموية.

والخطر أن يكون التوجه نحو الاقتصاد المعرفي حلال لمشكلة ما، وتكون جهود الدولة أشبه ما يكون بمهمة لحل هذه المشكلة بدون اعتبار التنمية الشاملة، فينتج عن ذلك اقتصادا غير متوازن وخلل في بيئة العمل، والتعليم.

وخلاصة القول: كل دولة كان هناك عامل محدد ساعد في تكوين اقتصادها المعرفي. وليس هناك حل أو مخطط مقياسي يمكن إتباعه لتكوين اقتصاد معرفي لدولة ما.

وفي ضوء ذلك فإن الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن:

  • ما هو النموذج الأمثل للمملكة للتحول إلى الاقتصاد المعرفي؟
  • هل نبحث عن تجربة مشابهة وننسخها، أم نكون نموذج خاص بِنَا مبني على مكامن قدرتنا؟

أيضا فإن ما تحتاجه المملكة للانتقال للاقتصاد المعرفي هو سياسة استراتيجية للابتكار، ومؤسسة تنفيذية متخصصة قادرة على التنفيذ ترتكز على تشريعات رصينة تقود للتنمية وبناء اقتصاد المعرفة.

وعقب د. خالد الرديعان أن الأفضل هو البحث عن نموذج جاهز ثم نقوم بتعديله وتوطينه ليناسبنا.. هذا يختصر الوقت والجهد والمال. ونموذج الهند ممتاز لأنه اتجه نحو التصنيع العسكري وهذا يناسبنا بحكم أننا نستورد السلاح وبمبالغ طائلة. وقد ورد في الرؤية ضرورة الاتجاه نحو التصنيع العسكري للفرص الكبيرة التي يكتنزها ولتوفير مبالغ كبيرة.

وأوضح د. حامد الشراري أن النموذج يُبنى على مكامن قدرة البلد ..وقد حددتها رؤية المملكة 2030 مع الاستفادة من تجارب الآخرين. وقد يكون نموذج الهند مناسب بالفعل. ويمكن إضافة أنه عندما منعت الولايات المتحدة الهند من الحصول على حاسب ذو معالجة فائقة، سعى العلماء الهنود لبنائه بأنفسهم. فالدعم والتمويل الحكومي أدى إلى تشكّل اقتصاد معرفي معلوماتي عالمي. وقد تفوق الهنود في صناعة البرمجيات لكونها تعتمد على ذهنية الفرد (القدرة الفردية) وتأسيسها العلمي القوي (الرياضات والفيزياء).

ومن جانبه خلط م. أسامة كردي بين الابتكار و البحث و التطوير لأنه يرى أنهما وجهان لعملة واحدة بل إن الابتكار قد يكون أحد أهم وسائل تحويل البحث العلمي إلى سلعة أو خدمة. وأضاف أن هناك طرفان مسؤولان عن الابتكار .. الحكومة و القطاع الخاص: مطلوب من الحكومة ثلاثة أمور :

  • أولاً: تحفيز للقطاع الخاص عن طريق تخفيض الرسوم المتعددة المفروضة عليه بما يتناسب مع ما ينفقونه على البحث و التطوير و على تشجيع الابتكارات و المبتكرين.
  • ثانياً: تطوير نظام المشتريات فيما يتعلق بمشاريع الحكومة ليكون أكثر تشجيعاً للمبتكرين ، و باختصار فإن طائرة البوينج ٧٤٧ كانت نتيجة لمناقصة الجيش الأمريكي للحصول على طائرة نقل حربية و قبلها البوينج ٧٠٧ كانت نتيجة لمناقصة للجيش الأمريكي لحاجته إلى طائرة لتزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو .. المهم هنا هو أسلوب المناقصة المؤدي إلى الابتكار.. أما الابتكارات المرتبطة ببرامج ناسا الفضائية فلها أول و ليس لها آخر !! و هذا المبدأ يمكن أن يطبق على العديد من مشاريع الحكومة.
  • ثالثاً: تمويل أكبر و أكثر عمليةً في تمويل البحث و التطوير في المؤسسات البحثية و العلمية و تعميد هذه المؤسسات بدعم و تطوير المبتكرين و الابتكارات و التأكد من عدم احتكار مؤسسة أو مؤسستان لهذا العمل كما هو الوضع حالياً مع مدينة الملك عبدالعزيز التي تعد بيروقراطيتها الحالية أحد أهم مشاكلنا ، و هذه البيروقراطية مرتبطة بدعم البحث و التطوير و كذلك بتسجيل الاختراعات.

و مطلوب من القطاع الخاص تخصيص جزء من أرباحه للبحث و التطوير و دعم المبتكرين بما يعود عليه بالربح المستقبلي .. و هذا بدوره قد يحتاج إلى نظام ملزم حتى لا يختلف الملاك حوله. ومن المهم تفعيل دور المؤسسات التعليمية في تخريج طلاب و طالبات مهتمين بالبحث و الابتكار. و لابد أن نأخذ في الاعتبار الانخفاض الحالي في النمو الاقتصادي لأن تطوير اقتصادنا بعيداً عن الكلاسيكية يتطلب اقتصاد فاعل و ينمو باطراد.

وذهب أ. محمد بن فهد العمران إلى أنه من المفهوم الاستثماري و كما تطرق لذلك البعض؛ فإن الاستثمار في مشاريع الابتكار و الاكتشاف و البحث و التطوير يكتنفه مخاطر عالية جداً تضع المستثمر أمام احتمالين لا ثالث لهم: إما مكاسب خيالية بأضعاف رأس المال و إما خسارة كامل رأس المال.

لذلك يلجأ المستثمرون المحترفون في رأس المال المخاطر venture capital إلى تقنين القرار الاستثماري من خلال الدخول بمجموعة واسعة من مشاريع رأس المال المخاطر بحيث لو نجح ١-٢ من أصل ١٠-١٥ فإن ذلك سيكون كافياً لتحقيق عائد جيد جدا على المحفظة الاستثمارية ككل.

و لتقليل المخاطر أيضا يقومون بتقنين القرار الاستثماري بشكل آخر من خلال الدخول في صناديق الملكية الخاصة private equity funds و التي تعتبر اليوم الحاضنة الرئيسة لغالبية مشاريع رأس المال المخاطر، حيث يتم ضخ رأس المال على دفعات لزيادة احتمالات النجاح. فمثلا، يقرر المستثمر تخصيص مبلغ ١٠ مليون دولار لمشاريع رأس المال المخاطر لكنه لا يضخها كلها في مشروع واحد بل في ٥ صناديق مختلفة بقيمة ٢ مليون دولار كالتزام و كل صندوق يستثمر بعدد من المشاريع يتراوح بين ٥-٨ مشاريع و بذلك تقل المخاطرة بشكل كبير على المستثمر.

و في نفس السياق، مدراء الصناديق أنفسهم قد لا يطلبون سداد الالتزام كاملا على المستثمر في حال نجاح المشروع، مما يعني أن المستثمر يستطيع تخفيض المخاطرة أيضا من خلال توجيه الالتزامات غير المسددة لاستثمارات أخرى و ربما لإعادة هيكلة استثمارات غير ناجحة قد تنجح من خلال ضخ السيولة الجديدة.

ولا شك أن نجاح الابتكار و التطوير في الجامعات و المعاهد و الشركات التجارية يعتمد بشكل شبه كلي على الاستثمارات من خلال كيانات تنظم عملية البحث و التطوير و الابتكار و لولا هذه الاستثمارات لما شاهدنا منتجات و خدمات مبتكرة و ذكية. و لعل أهم مثال على ذلك ما حدث لشركة نوكيا التي أهملت الابتكار و التطوير و ما حدث لشركة أبل التي لم تفقد الأمل و تفرغت للبحث و التطوير و الابتكار.

أكبر صندوق ملكية خاصة في العالم اليوم لدعم الابتكار و التطوير هو صندوق سوفت بنك التقني بالتزامات تصل إلى ٩٣ مليار دولار يتم سدادها تدريجيا على دفعات طويلة المدى. نصيب المملكة من هذه الالتزامات نحو ٢٥ مليار دولار من خلال صندوق الاستثمارات العامة.

ومن أهم المعايير الحقيقية لقياس اهتمام أي دولة بالابتكار و البحث و التطوير:

  • براءات الاختراع من حيث العدد و النوع.
  • رؤوس أموال ضخمة تتفهم طبيعة المخاطرة.
  • حاضنات أو كيانات قانونية.
  • موارد بشرية مؤهلة و متفرغة تماماً.

وفي نظر د. مشاري النعيم فإن الابتكار يمكن أن يتحقق على أرض الواقع عن طريق تغيير ثقافة التعليم وبناء مجتمع حرفي مع أهمية منع الاستيراد لبعض السلع التي يمكن إنتاجها محليا حتى لا تنافسها السلع المستوردة. في القرن التاسع عسر قادت حركة Hand and craft أوربا لتطوير منتجاتها التي غزت العالم وقصت على الحرف التقليدية في البلدان النائمة. وشهد عام ١٨٣٠ م اجتماع فناني وحرفي بريطانيا في قاعة ألبرت في لندن من أجل دراسة جميع الحرف المهمة في العالمة وإعادة إنتاجها آليا من أجل منافستها.

الابتكارات لا تتحول إلى منتجات دون سياسات واحتضان وتخطيط؛ لا بد من بناء القاعدة الاجتماعية الحرفية. إن الأمر يتطلب التفكير Bottom up ؛ ولا يُمكن من وجود كيانات كبيرة واستثمارات ضخمة ؛ لكن الصعود من القاعدة فيه تصحيح كامل للمجتمع وتنشيط لقدرته على التعامل مع حاجاته الأساسية.

المشكلة أنه لا يمكن تحقيق المجتمع المبدع بالنظريات والأفكار ولا بالمشاريع الكبيرة بل بالتحول التدريجي للمجتمع نحو الابتكار والإبداع وتحمل الصعوبات المصاحبة لهذا التحول.

أما د. مساعد المحيا فلخص وجهة نظره حول القضية بقوله: المفهوم الجميل لفكرة الإبداع أو الابتكار أنها محفزة للعمل والعطاء لكنها دون شك تتطلب بيئة تحتفي بعملية الإبداع وبمنتجها ومبتكرها.

الإبداع والابتكار أخاله يشمل الكثير من الجوانب ولا ينبغي ربطه فقط بالأدوات الصناعية .. أظن أننا نحتاج لبيئة إدارية تهتم وتحتفي وترعى كل موهوب ومبدع في كل المجالات .. وفق برامج تطويرية تتعهد المبدعين وتخطط ليفاد منهم مستقبلا … وزارة التعليم مثلا اهتمت بهذا من خلال الإدارة العامة للموهوبين ومن خلال مراكز للموهوبين .. وتجري منافسات بينهم وتشارك في منافسات دولية ؛ لكن تظل كل هذه محاولات لا تنتظم في بيئة عمل إدارية شاملة.. شخصيا أخال أننا أهملنا كثيرا الإبداع في الإدارة والقيادة .. ولم تكن معايير اختيار كثير من المسؤولين مبنية على جوانب إبداعية … التجربة الثرية والمتجددة والمتطورة والمبدعة توجد لدى العديد من الكفاءات السعودية … حيث يمتلكون ذلك ..لكن القليل منهم الذين يفاد منهم .. لنأخذ البيئة التعليمية .. في الجامعات وفي غيرها .. في كثير من الدول يتم اختيار المسؤول في الجامعة وفي الكليات والعمادات وفقا لسيرة ذاتية يفترض أن تكون ذات تميز إبداعي في مهارة القيادة والإدارة .. إلى أي حد نقترب من ذلك؟

من جهة أخرى:

–    كيف ينمو الإبداع في بيئة لا يجد فيها المبدعون من يحتفي بهم سوى بعض المظاهر التي لا تسمن ولا تغني من جوع !!

–    كيف يشعر المبدع بأن عليه المضي في إبداعاته وابتكاراته وهو لا يجد من يحتضنه ويشتري منه إبداعاته ويمنحه المقابل المجزي .. !! إلا من محاولات يسيرة وارتجالية .. من مثل برنامج التجار الذي قدمته القناة الأولى في ٢٠١0م.

في حين ترى د. الجازي الشبيكي أن التنفيذ الفاعل لمقتضيات ومتطلبات رؤية المملكة 2030 والتي من المفترض والمتوقع منها أن تتعامل مع قضايا تنمية وتطوير المجتمع السعودي كمنظومة متكاملة ، سيعمل بعون الله على تحقيق تطلعاتنا في أهمية مساهمة الابتكار والإبداع في تجسيد هذه الرؤية على الوجه الأكمل.

والمقصود بالمنظومة المتكاملة في هذا الخصوص أي في قضية الابتكار والإبداع ، أنها يجب أن تبدأ بالإجراءات والخطوات التي لا بد أن تُتخذ وتعطى لها الأهمية على مستوى الوعي الأسري وعلى مستوى نشر ثقافة الابتكار والإبداع وعلى مستوى التعليم منذ بدايات سنواته الأولى بأدواته ومناهجه وأساليب تدريسه المتدرجة بمراحل التعليم المختلفة.

إنً المنظومة المتكاملة للعناية بالابتكار والإبداع وأهميتها لمستقبل تنمية وتطوير البلاد ، يتطلب وضع “استراتيجية وطنية للابتكار” تركز على أولويات قضايانا من خلال خطين متوازيين ؛ خط يهتم بالابتكارات التي تُعنى بمشكلاتنا المُعيقة للتنمية مثل مشكلات الوعي الصحي والهدر الاستهلاكي للماء والغذاء وغيرها ، وخط آخر موازي يُركز على الإبداع والاختراعات المستندة على البحوث والدراسات العلمية في تكنلوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة المتجددة وغيرها .

إن وجود مثل تلك الاستراتيجية الوطنية ضمن رؤية المملكة 2030 سيعزز تعاون ومشاركة أقطاب التنمية الثلاث ؛ الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في الاهتمام بالابتكار وتعزيز ثقافته وتمكين وجوده وتفعيل دوره الهام في مستقبل تنمية وتطوير البلاد.

أما د. نوف الغامدي فترى أنه لابد من صناعة استراتيجية متكاملة في مسارات متوازية على هيئة مبادرات وطنية قابلة للتنفيذ، تشمل مجموعة من التشريعات. وأضافت: لقد كانت لي تجربة مع دولة الإمارات من خلال مجلس الوزراء وشاركت لوضع مسارات لها، والبحرين من خلال وزارة التجارة وذلك فيما يتعلق بالشركات العائلية، وقطر قبل سنتين من خلال Fab Lab قطر، ومن ملامحها:

–          إيجاد بيئة محفزة وتأسيس بيئة مؤسسية وتشريعات داعمة للابتكار.

–         التوسع في دعم حاضنات الابتكار.

–         التركيز على البحث والتطوير في مجالات الابتكار.

–         توفير بنية تحتية تكنولوجية تدعم وتحفز الابتكار في كافة القطاعات.

–    تطوير الابتكار الحكومي من خلال تحويل الابتكار الحكومي لعمل مؤسسي وتطوير منظومة متكاملة من الأدوات الحديثة لمساعدة الجهات الحكومية على الابتكار وتوجيه جميع الجهات الحكومية بتخصيص جزء من ميزانيتها لدعم مشاريع الابتكار وإطلاق برامج تدريبية وتعليمية في مجال الابتكار على مستوى الدولة.

–    دفع القطاع الخاص نحو مزيد من الابتكار عبر تحفيز الشركات على إنشاء مراكز الابتكار والبحث العلمي وتبني التكنولوجيات الجديدة.

–         تشجيع ودعم الشركات الوطنية لتنمية منتجات وخدمات مبتكرة.

–         استقطاب الشركات العالمية الرائدة في مجال الابتكار في كافة القطاعات ذات الأولوية الوطنية.

–         تعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي لاختبار الابتكارات الجديدة وإنشاء مجتمعات ومناطق مخصصة للابتكار في بعض القطاعات.

–         تشجيع المؤسسات البحثية للتركيز على البحوث التطبيقية في القطاعات ذات الأولوية الوطنية .

–    بناء أفراد يمتلكون مهارات عالية في الابتكار من خلال بناء المواهب والقدرات الوطنية في مجال الابتكار مع التركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات واستحداث مواد تعليمية في المدارس والجامعات خاصة بالابتكار.

–    ترسيخ ثقافة وطنية تشجع على الابتكار وريادة الأعمال وتحترم وتكافئ الإقدام على المخاطرة من خلال التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الإعلامية.

–         التركيز على قطاعات وطنية رئيسة لتحفيز الابتكار من خلالها مثل :

  • الطاقة المتجددة: تشجيع الابتكار في الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة والنظيفة إضافة لتعزيز الأبحاث التطبيقية في مجال التكنولوجيا النظيفة وترسيخ منظومة جديدة تعتمد على اللامركزية في توليد الطاقة.
  • النقل: تحفيز الابتكار في مجال النقل الجوي والبحري والخدمات والمدن اللوجستية بهدف تقديم منتجات وخدمات جديدة ومبتكرة في هذا المجال وزيادة فاعلية الإجراءات، كما تركز الاستراتيجية أيضا على الابتكار في مجال المركبات والطائرات من دون طيار والتي أعلن مؤخراً أنها في مراحلها النهائية.
  • التعليم: تشجيع الابتكار في التعليم من خلال تزويد الطلبة بمهارات ريادة الأعمال كالتفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع والابتكار وغيرها بالإضافة لإنشاء مختبرات ابتكار في المدارس والجامعات لتشجيع الاختراعات.
  • الصحة:  تشجيع الابتكار في مجالات تقديم خدمات صحية وعلاجية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة وتشجيع تطوير الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية إضافة للعمل مع الشركاء الاستراتيجيين على تنمية قطاع الأبحاث الطبية لعلاج الأمراض السائدة.
  • المياه: تشجيع الابتكار في مجال معالجة تحدي ندرة المياه.
  • التكنولوجيا: الابتكار في الأبحاث والتكنولوجيا.

–         الابتكار في الشركات العائلية والذي يبدأ عادة بأشياء بسيطة وقد تكون غير ملموسة بصورة واضحة، ولكنها قد تكون لها تأثيرات كبيرة على المدى البعيد. لذلك، فإن وضع نظام للمكافآت يقدر مثل هذه الابتكارات والمساهمات حتى ولو كانت صغيرة حين حدوثها قد يشجع على المزيد من الإبداع والابتكار ويعمل تدريجيا على تنمية بيئة وثقافة الابتكار في الشركة.

–    لابد على الإدارة المسيطرة في الشركة إيجاد مساحة معينة من الحرية قد تبدأ صغيرة ومن ثم يتم توسيعها لاحقا بصورة تدريجية للجيل الجديد لتنفيذ أفكاره – حتى وإن كان معرضا للفشل. إن فشله في مشاريعه التجريبية البسيطة الأولى قد يكون بداية نجاحه في المستقبل، خصوصا مع تنامي مهام هذا الجيل في الشركات العائلية على المدى البعيد.

–    الصياغة الواضحة للرؤية والرسالة لها دور كبير في التركيز على الابتكار في الشركة ووضع شعور واضح لدى الجيل الجديد بأن عملية الابتكار والإبداع تخضع لمعايير مؤسسية وليس للمزاج الشخصي.

–    عقلية التملك تخلق حافزا قويا للتفكير الإبداعي لدى الجيل الجديد؛ فعندها يشعر الجيل الجديد بشكل واضح بأن مصالحه الاقتصادية والمالية المستقبلية أصبحت مرتبطة بنجاح ونمو الشركة .

ومن جديد قال د. حامد الشراري: دعونا ننطلق من إمكانياتنا ونستثمرها ..فهناك بنية تحتية تقنية علمية اقتصادية بشرية… الخ، بذلت فيها الدولة جهود وكلفت مبالغ باهظة.

أريد أن اختار إحدى هذه البُنى التي استثمرت فيها الدولة المليارات ونأخذها كنموذج لبيئة منتجة وحاضنة للأفكار الإبداعية والابتكارية وتحويلها لمنتجات وسلع تغزوا أسواق العالم يُعمل على تطويرها والتركيز عليها وقد يستحدث لها مبادرة جديدة خاصة بها ببرنامج التحول الوطني ولتكن باسم ” بوابة المستقبل “.

جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية …لماذا؟

1-  ذراع علمي ابتكاري يسنده ذراع إنتاجي تسويقي… جامعة الملك عبدالله تعمل البحث والتطوير والابتكار وتستقطب العقول النيرة .. ومدينة الملك عبدالله تعمل على تحويل الابتكارات إلى منتجات وتستقطب أصحاب المشاريع الابتكارية والواعدة.

2-  منطقة “بوابة المستقبل” ( جامعة الملك عبدالله ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية ) التي تقع بمقربة من مكة المكرمة والمدينة المنورة مهوى أفئدة المسلمين ومربوطة بهما بقطار سريع وعلى مقربة لأكبر مطارات الشرق الأوسط ( مطار الملك عبدالعزيز الجديد ) ومدينة جدة ، وهما إحدى مرتكزات رؤية المملكة ٢٠٣٠ (العمق العربي والإسلامي، قوة استثمارية رائدة، ومحور ربط القارات الثلاث)…، لذا من الممكن أن يُستقطب لهما أفضل العقول المسلمة من أنحاء العالم ممن لهم مساهمات عالمية في الابتكار والصناعة وتوفير الحوافز المشجعة لهم مع إمكانية إعطائهم إقامة دائمة ( البطاقة الخضراء) أو جنسية لمن يثبت جديته وانتمائه، طبعا بجانب استقطاب الكفاءات الوطنية المتميزة.

3-  العمل على أن تكون هذه البوابة جاذبة ومفتوحة لأصحاب الابتكارات والمشاريع الواعدة من أنحاء الوطن العربي والإسلامي حتى العالمي.

4-  قد يؤسس لهما هيئة خاصة كالهيئة الملكية للجبيل وينبع التي لها إسهامات وطنية متميزة مثلا ” الهيئة الملكية للابتكار ورواد الأعمال” أو ” الهيئة الملكية لبوابة المستقبل “. هذه الفكرة قد تساعد في تكوين نموذج اقتصاد معرفي خاص بالمملكة، أسوة بالدول الأخرى ككوريا، الهند، ماليزيا ..، تحقيقا للميزة التنافسية التي أصبحت تستند على القدرة على الابتكار وإنشاء المعرفة وبناء القيمة المضافة للمنتجات والخدمات.

  • oالتوصيات المقترحة

1-  منح عضو هيئة التدريس المخترع نسبة من مبيعات اختراعه ونسبة للجامعة ونسبة للدولة لتشجيع جميع الأطراف على الاهتمام بالابتكار.

2-  تأسيس بنك يسهم رجال الأعمال ( الصناعيون والتجار ) برأسماله مهمته رعاية المخترعين والمكتشفين والإنفاق على بحوثهم ، ومن ثم تحويل المخترعات المفيدة إلى مرحلة التطبيق بصناعتها وتسويقها.

3-  استقطاب الكفاءات الوطنية (المتقاعدة) المشهود لها بالتميز قبل التقاعد خصوصا في المجالات الحيوية كالعلوم والتقنية والابتكار كمستشارين أو تنفيذيين وفقاً لإمكاناتهم وقدراتهم.

4-  أن تكون هناك مرجعية واحدة لإدارة هذا الملف بكل جوانبه ومحاوره على المدى الاستراتيجي البعيد من خلال إنشاء هيئة أو كيان أو وزارة للإبداع وفق النموذج الكوري أو الهندي أو غيرها من النماذج المشابهة.

5-  إحداث إدارات متخصصة في الجامعات مهمتها تسويق الإنجازات العلمية على الشركات الصناعية للاستفادة منها في مجالات تطبيقية لتطوير سلعها وخدماتها.

6-  التركيز على قطاع الاتصالات خاصة ما يتعلق بتطبيقات الهواتف الذكية والشبكات كونه لا يحتاج إلى قاعدة صناعية متقدمة والابتكارات فيه مستمرة ، كما أننا نشكل سوقاً استهلاكيةً كبيرةً لهذا القطاع.

7-   تطوير نظام المشتريات فيما يتعلق بمشاريع الحكومة ليكون أكثر تشجيعاً للمبتكرين.

8-  تحفيز القطاع الخاص بتخفيض الرسوم المتعددة المفروضة عليه بما يتناسب مع ما يصرفه على البحث والتطوير وتشجيع الابتكارات والمبتكرين.

9-  وضع نظام يلزم القطاع الخاص بتخصيص جزء من أرباحه للبحث والتطوير ودعم المبتكرين بما يعود عليه بالربح المستقبلي.

10-     وضع ” استراتيجية وطنية للابتكار” تسير في خطين متوازيين:

–  أحدهما يهتم بالابتكارات التي تُعنى بمشكلاتنا المُعيقة للتنمية مثل مشكلات الوعي الصحي والهدر الاستهلاكي وغيرها.

–    والآخر يركز على الإبداع والاختراعات المستندة على البحوث والدراسات العلمية.

11-  لابد من صناعة استراتيجية متكاملة في مسارات متوازية على هيئة مبادرات وطنية قابلة للتنفيذ، تشمل مجموعة من التشريعات.

12-     التوسع في دعم حاضنات الابتكار والتركيز على البحث والتطوير وإيجاد بيئة محفزة وداعمة للابتكار.

13-  تطوير الابتكار الحكومي من خلال تحويله لعمل مؤسسي وتوجيه جميع الجهات الحكومية بتخصيص جزء من ميزانيتها لدعم مشاريع الابتكار.

14-  استقطاب الشركات العالمية الرائدة في مجال الابتكار في كافة القطاعات ذات الأولوية الوطنية ، وتعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي لاختبار الابتكارات الجديدة.

15-  ترسيخ ثقافة وطنية تشجع على الابتكار وريادة الأعمال وتحترم وتكافئ الإقدام على المخاطرة من خلال التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الإعلامية.

16-  تحفيز الشركات الكبرى على الاستثمار والتوسع في مراكز الإبداع والابتكار والبحث والتطوير على غرار مركز “موطن الابتكار” التابع لشركة سابك بعد تقييم التجربة وتطويرها ودعم وتوظيف الشباب السعودي المؤهل في المركز داخل وخارج المملكة.

17-  تطوير الوضع الحالي لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله ( موهبة ) إلى هيئة استثمارية برأس مال مشترك بين القطاعين الحكومي والخاص للاستثمار في الإبداع والابتكار في المؤسسات التعليمية لتنمية روح الإبداع والابتكار لدى الطلاب المبدعين.

18-     إنشاء مجلس استشاري للعلوم والتقنية والابتكار مرتبط بالملك أو ولي العهد.

19-  ربط مهمة البحث العلمي بالجامعات والمراكز على غرار ما تقوم به نظيراتها في الدول المتقدمة وتفريغ مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لإدارته (تنسيق الأولويات وتوفير وتنمية الموارد المالية والمساعدات الفنية).

20-حث وزارة التعليم لتخصيص جزء من بعض المواد لموضوعات الابتكارات مع إيجاد منصة لعرض ابتكاراتهم.

المحور الثاني

خطاب الكراهية…الأسباب ..المآلات…العلاج

الورقة الرئيسة: أ. إيمان الحمود

اذا أردنا تعريف خطاب الكراهية فيمكن القول بأنه أي خطاب ينطوي على كلمات أو معانٍ تحمل بين طياتها نفحات عنصرية أو طائفية وتنادي ضمناً إلى إقصاء أو تصنيف مكون أو أكثر من مكونات المجتمع.

هذا التعريف المقتضب قد يقودنا للحديث عن أبرز أشكال خطاب الكراهية المنتشر حالياً في مجتمعاتنا وهي كالتالي:-

–         خطاب الكراهية الديني أو الطائفي.

–         خطاب الكراهية العرقي أو الاجتماعي.

قد يكون الخطاب الطائفي هو الأكثر انتشارا في مجتمعنا السعودي منذ قيام الثورة الإسلامية في ايران، فيما برز الخطاب الثاني قبل بضعة سنوات مع بروز دعوات نبذ الأجانب والوافدين والمطالبة بتجريدهم من حقوق طالما تمتعوا بها في المملكة.

السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو عن الأسباب الرئيسّة التي قد تساهم في انتشار هذا النوع من الخطاب وهي أسباب قد تكون داخلية كما قد تفرض من الخارج بالتزامن مع متغيرات إقليمية ودولية تنتصر لهذا الخطاب أو ذاك.

في ندوة تحمل عنوان :”خطاب الشعبوية والديموقراطية في الغرب” وهي الندوة التي سعدت بحضورها مؤخراً في منتدى أصيلة الثقافي في المغرب تحدث الحاضرون عن الوعاء الشعبوي كحاضن رئيسي لمختلف خطابات الكراهية وأدواتها المتمثّلة في التصنيف والإقصاء والعنصرية والتحريض وغيرها ، وهو بالفعل ما استخدم خلال الحملات الانتخابية لبعض المرشحين في فرنسا وألمانيا وهولندا كما أنه كان أحد الأسباب الرئيسّة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وحتى في وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

في الحالة السعودية أيضا ساهمت عوامل عدة داخلية وخارجية في نمو هذا الخطاب وربما يكون العامل السياسي والاقتصادي أبرزها يلي ذلك العمل الاجتماعي والخوف من تغيير ديموغرافي تقوده تلك الأعداد المتزايدة من الوافدين.

ورغم أن تسلل هذا الخطاب إلى الإعلام كان أمرا خطيرا جدا ، لكنه لم يصل إلى تلك الخطورة التي عكسها هذا الخطاب بعد أن وجد له متنفسا في وسائل التواصل الاجتماعي ، وأرضا خصبة في عديد الوسوم الإلكترونية، والتي كشفت وزارة الإعلام السعودية بعض من يقف خلف إطلاقها من خلال دراسة نشرت مؤخرا.

الأسئلة الملحة اليوم تدور حول أسباب غياب خطاب مضاد يحارب خطاب الكراهية الذي وجد له طريقاً إلى بيوتنا وعقولنا ؟ أين هو دور الحوار الوطني ؟ ولماذا لا يتم إحياؤه وفق معايير جديدة تواكب كل التطورات التي طرأت على خطاب الكراهية بشقيه الديني والاجتماعي ؟! أين هو دور الدولة التي أعلنت عن خطة تنموية هي الأكبر في تاريخها لكنها قد تتأثر سلبا فيما لو تنامي هذا الخطاب الشعبوي وتغلغل أكثر داخل المجتمع ؟! أين هي القوانين والتشريعات التي ينبغي أن تجرم خطابا من هذا النوع ؟!

الحلول قد لا تكون متاحة حاليا رغم أن صياغتها ليس بالأمر الصعب وأراها كالتالي:

  • صياغة قوانين وتشريعات تجرم خطاب الكراهية وإقرارها بشكل عاجل من قبل مجلس الشورى.
  • تشديد الرقابة على وسائل الإعلام كافة فيما يتعلق ببث مواد قد تحرض على الكراهية أو باختيار المصطلحات الإعلامية الخاصة ببعض الملفات الحساسة لاسيما تلك التي تنطوي على بعد طائفي.
  • البدء في صياغة مناهج وطنية حقيقية في مدارسنا لزرع قيم المواطنة وتعرية خطابات الكراهية في عقول شبابنا منذ سن مبكرة.
  • قد تصعب السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي لكنها قد تستجيب لبعض حملات التوعية والتي بدأت بعض الجهات فعلا بإطلاقها مؤخرا.
  • الرقابة على منابر المساجد ومحاولة تنقيح الخطب الدينية من عوامل الشعبوية التي قد يلجأ لها بعض الأئمة عن قصد أو عن غير قصد ، وهنا أجد في توحيد خطب الجمعة أسوة بدول خليجية مجاورة حلا مثاليا لهذه المعضلة.

التعقيب الأول: د. عبدالله العساف

تثور أمامي عدة أسئلة منها:

–         ما المقصود بخطاب الكراهية؟

–         هل الكراهية في المجتمعات العربية فقط؟

–         من المسؤول عن انتشارها وتعزيزها؟

–         هل المجتمع يشعر بها، ويتمنى زوالها؟

–         كيفية علاجها؟

–         من المسؤول عن العلاج؟

أ. إيمان ذكرت التعريف بشكل مقتضب لكني أود التوسع فيه لتتضح الصورة بشكل جلي لا لبس فيه، فخطاب الكراهية يشتمل كل إساءة أو إهانة أو تحقير لشخص أو جماعة من منطلق انتماءاتهم العرقيّة أو الدينيّة أو السياسيّة أو بسبب اللون أو اللغة أو الجنس أو الجنسيّة أو الطبقة الاجتماعيّة أو الانتماء الإقليمي أو الجغرافي أو المهنة أو المظهر أو الإعاقة كل هذا يمكن تصنيفه بأنه خطاب كراهية، مثل قول البعض : قصيمي، جيزاني، حوطي، جنوبي، حضري ، بدوي، إذن خطاب الكراهية هو كل ما يؤدي إلى التحريض ضد فئة أو جماعة، أو قولبتها في إطار يثير التهكّم والسخرية والدونية والكراهية، وهو بالمناسبة خطاب عابر للحدود، وضد أناس لم تلتقيهم لكن من خلال تكرار هذا الخطاب وتداوله عبر وسائط الإعلام المختلفة أو عبر الاتصال المباشر؛ تولدت الكراهية وحب الانتقام، وخير مثال لهذا الخطاب الغربيّ بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الموجَّه عن المسلمين في أركان المعمورة!، وبالأمس القريب كنت في دبي لحضور مؤتمر القيادات والإعلام أثناء الأزمات، حدثني جزائري يحمل الجنسية السويسرية ويعمل في إحدى منظمات الأمم المتحدة، عن قصته مع جاره الفرنسي في رمضان ودعوته له لمشاركته الإفطار، ومع تكرار هذه الدعوة عدة مرات خلال هذا الشهر، يقول وجدت الرجل ينتظرني وأحسست أن لديه ما يود قوله وهو متردد، سألته أن يتحدث، قال: “كنت أكره العرب والمسلمين رغم أني لم التقيهم ولم أقابل سواك، وكلما وصلني طلب توظيف لعربي، رميته في سلة المهملات مباشرة، وأنا أريد أن أكفر عن ذنبي وأصحح خطئي، قلت له هذا وأنت متعلم ولديك منصب رفيع، اسمع مني يا صديقي، أجدادك قتلوا أجدادي ولا تجد اليوم في الجزائر من يسوق لخطاب الكراهية لفرنسا!!! “

وهذا يعني أن خطاب الكراهية لا يخلو منه مجتمع من المجتمعات، ولكن بدرجات متفاوتة ولأسباب متعددة، منها القانون الصارم الذي يجرم مثل هذه الكلمات والتعليم، والتنشئة الاجتماعية، فمثلا في أمريكا فقد توصلت الدراسة التي أجراها أحد الباحثين –Dion Hoe‐Lian Goh, Chei Sian Lee, (2011) “An analysis of tweets in response to the death of Michael Jackson”, Aslib Proceedings, Vol. 63 Iss: 5, pp.432 – 444. بعد تحليل خمسين ألف ( 50000 ) تغريدة نشرها مستخدمو تويتر على مدى (12) يوماً عقب وفاة المغنى الأمريكي الشهير مايكل جاكسون، إلى أن 50% من التغريدات حملت تعبيرات وخطابات كراهية وعنصرية مما ينافي القيم الاجتماعية الأمريكية السائدة، ولكنها جميعها كانت تحت معرفات وهمية، فلولا الخوف من المحاسبة ربما تضاعف هذا الرقم وبمعرفات صريحة، وهنا اختلف قليلاً مع أ. إيمان بوجود خطاب كراهية موجه ضد الأجانب، فنحن نفتخر في المملكة العربية السعودية بوجود عشرة ملايين أجنبي يعيشون معنا لم تسجل قضية واحدة بسبب عنصري.

خطاب الكراهية بتفاصيله وأشكاله المختلفة موجود في جميع المجتمعات على اختلاف درجاتها قرباً وبعداً عن الحضارة والرقي، لكن هناك من يتعامل به دون أن يبديه خوفاً من المساءلة القانونية وهناك من يتحدث به علانية للجهل به وبتأثيراته النفسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، ولانعدام المحاسبة الدنيوية لمن يمارسه، رغم تحذير ربنا لنا من اقتراف هذا السلوك المشين: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”

ومحرّك هذا الخطاب دائماً هو الجهل و التعصّب، الذي تستثيره ثقافةٌ طارئةٌ أو قديمةٌ في المجتمع، تغذيها التربية في المنزل والمدرسة، ووسائط الإعلام المختلفة وممارسة فئة من المجتمع لها دون تأنيب اجتماعي أو ردع قانوني فإذا فحصنا خطاب الكراهية عندنا وجدنا أنه يتراوح بين خطاب إقليميّ ظاهر ومستتر، وخطاب طائفيّ صريح يُعلي من شأن هذه الطائفة وينتقص من الأخرين ويحتكر رحمة رب العالمين عليها دون سواها، ويمكن ملاحظة هذا الأمر بشكل واضح في السنوات الثلاث الأخيرة حيث تضاعف هذا الخطاب من خلال النشر على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل يدعو للخوف والقلق من تفجر الأمر وتحوله لأزمة ظاهرة ومدمرة حيث ازداد حضور جميع فئات المجتمع بشكل كبير على شبكات التواصل الاجتماعي، الذي زاد من تعقيد ظاهرة خطاب الكراهية، وكشف عن جوانب متعددة لهذا الخطاب منها إعادة تفسير الماضي، إعادة إنتاج القولبة الثقافية والاجتماعية والسياسية وإعادة إنتاج الهويات الضيقة والمرجعيات الأولية.

وهنا يصبح لزاماً على الجهات المختصة وغيرها ممن يعنيها أمر المجتمع أن تعمل على إيجاد حلول لهذا الأمر، الذي قد يتفجر ولا يمكن السيطرة عليه.

وفي الختام هذه بعض المقترحات:

1-  سن قوانين وتشريعات للمحاسبة على إنتاج واستعمال خطاب الكراهية والعنصرية، بعد تعريفها بشكل واضح، وهذا ما لفت الانتباه إليه وزير خارجية المملكة العربية السعودية، عادل بن أحمد الجبير، أنه لن يكون هناك تساهل مع خطاب الكراهية والإرهاب، في المؤتمر الصحفي في بلجيكا مؤخراً.

2-   إصدار قاموس أو دليل لألفاظ وتعبيرات الكراهية في وسائل الاتصال المختلفة.

3-  الحاجة الماسة إلى نشر الوعي بوسائل متعددة ومنها إدخال “التربية الإعلامية” في التعليم العام، يتعلم من خلالها الطالب كيفية التعامل مع وسائل الاتصال المختلفة، وحدود هذا التعامل وأدبه ومسؤوليات القائم بالاتصال.

التعقيب الثاني: د. عبدالرحمن الشقير

لعلي أبدأ مداخلتي بالاستئذان باقتباس تعريف تقرير “التحريض الديني وخطاب الكراهية” الممول من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمفهوم خطاب الكراهية وهو: “الخطاب الذي يسعى إلى التخويف والحض على العنف والتحيز ضد شخص أو مجموعة أشخاص بناء على خصائص عرقية أو دينية أو جنسية… وهو بهذا المعنى مرادف لخطاب الكراهية الذي يتناقض مع مبادئ السلم ويتسبب في تفكك المجتمع ونشوء النزاعات”. وخطاب الكراهية أيضا بتعريف اجتهادي هو: كل تحقير أو تعالي مبني على تمايز عرقي أو مذهبي أو مناطقي أو طبقي. ليشمل الممارسات والاتجاهات الفكرية. ونستمد من هذين التعريفين أن خطاب الكراهية مرتبط بعدد من المترادفات مثل: الإقصاء، والعنصرية، والتعصب، ومرتبط بعدد من الأضداد مثل: التسامح، وقبول الآخر، وكلاهما ينطلق من تخيل ذهني للثنائيات المتبادلة في المجتمع للكراهية (مثل: الثنائيات العرقية والقبلية والمناطقية والمذهبية الدينية، والطبقية، ومؤخرا دخلت الثنائية الرياضية والجندرية…).

وتوجد جهود متعددة لتحديد مستويات الكراهية مثل كتاب “ثقافة الكراهية” لعبدالحميد الأنصاري، وبحث “الكراهية في المجتمعات من منظور أزمة الهوية” لهويدا عدلي، وسأعرض النموذج الذي أرى مناسبته في تفسير خطاب الكراهية الذي بدأ يتزايد في المجتمع، كما يلي:

  • المستوى الأول: البيئات الحاضنة وهي السمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية كغياب العدالة وانتشار الفساد ووجود جماعات تشعر بالظلم. ويمكن تفسير هذا المستوى بنظرية الحرمان النسبي، ويقصد بها شعور الإنسان أو الجماعة بأنه محروم من حقوقه بالنسبة ﻹنسان آخر أو جماعة أخرى، ومن هذا الشعور تنشأ الكراهية.
  • المستوى الثاني: آليات صناعة الكراهية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. إذ لو لم تتوفر البيئة والآليات لصار كرها صامتا.
  • المستوى الثالث: وهو المحصلة والنتيجة للمستويين الأولين المتمثل في تجسيد الكراهية كتشويه صورة الآخرين وإلحاق الأذى على الأفراد أو مؤسسات الدولة أو حتى تصريحات بعض المسؤولين ضد المجتمع. ويبدو أن تذبذب أزمة الهوية الوطنية تسبب في بروز خطاب كراهية وعدم قبول الآخر، إذ مر المجتمع بهوية دينية بحتة ذابت فيها الهوية الوطنية ونشطت الثنائية المذهبية، وعندما خفت الهوية الدينية برز ثنائية المناطقية، ويؤكد ذلك كمية الإقصاء وعدم قبول الآخر في أشهر هاشتاقين بتويتر وهما: هاشتاق #السعودية_للسعوديين وهاشتاق #هوية_الحجاز.

وفي المقابل يؤكد عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان في كتابه “الخوف السائل” على أن دور الدولة تضاءل أمام مشروع العولمة، بما في ذلك عولمة الإرهاب وعولمة الكراهية، حتى صارت “الدولة الأمنية” بحسب تعبير باومان تستثمر في رأس مال الخوف لتضمن شرعية وجودها. وهذا قد يعني انفلات خطاب الكراهية من السيطرة الاجتماعية والدينية والأمنية. بل ومن وسائل الضبط الاجتماعي والمؤسسي. ومن هنا يمكن أن نتقدم ببعض التوصيات لتجفيف خطاب الكراهية. من أهمها ما يلي:

1-   نشر ثقافة التساؤل وممارسة التفكير الناقد والتعرف على المغالطات المنطقية.

2-   سن أنظمة صريحة وفعالة لتجريم خطاب الكراهية بكل أشكاله.

3-   الدعوة لنشر الأفكار الإيجابية في المجتمع وتقبل الآخرين.

المداخلات حول القضية:

  • oواقع خطاب الكراهية وأسباب تكريسه

طرح د. خالد الرديعان خمس فرضيات سوسيولوجية تكرس من وجهة نظره خطاب الكراهية:

  • الفرضية الأولى: تتم إشاعة الكراهية hatred غالباً لأسباب اقتصادية، وتنافس محموم على مصادر نفع شحيحة كما تشير بعض النظريات التي تفسر الصراع بين الجماعات الإثنية والعرقية.

أدلل على ذلك بكراهية المهاجرين في بعض الدول فيراهم السكان المحليون وبتحريض من بعض السياسيين سبباً في ارتفاع معدلات البطالة وعبئاً على الموارد لتصبح إشاعة الكراهية ورقة يلعب بها السياسيون وكتّاب الصحف دون أن يدركوا تبعاتها على النسيج الاجتماعي.

  • الفرضية الثانية في انتشار الكراهية تتعلق بسيادة بعض النظريات البيولوجية العنصرية؛ كالقول بدونية الجنس الأسود وتفوق البيض وذكاءهم.. يترتب على ذلك نشوء مشاعر سلبية تجاه السود وتزداد تلك المشاعر بحصول السود على حقوق يعتقد البيض بعدم أحقية السود لها. كثير من البيض في الولايات المتحدة على سبيل المثال يعتقدون أن السود كسالى وغير منتجين ، وأنهم يستفيدون أكثر من البيض من نظام الرعاية الاجتماعية التي تأتي أموالها من دافعي الضرائب وجلهم بيض. حركة الناشط الحقوقي القس مارتن لوثر كنج في ستينات القرن العشرين أنهت كل ذلك بتركيزها كذلك على تاريخ الرجل الأبيض في العبودية واسترقاق السود والحرب بين الشماليين والجنوبيين التي أنهت الرق في الولايات المتحدة، إلا أن جذور الكراهية بقيت رغم أن قوانين ما بعد لوثر جرمت التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد. ينطبق ذات الكلام على سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر الذين تم إبادة معظمهم من قبل المستعمر الأمريكي في سنوات الهجرة والتأسيس في القرن الخامس عشر وما تلاه. إبادة الهنود كانت للاستيلاء على أراضيهم بعد أن قاوموا المستعمر الأبيض.
  • الفرضية الثالثة في أسباب إشاعة الكراهية تعود للخوف من تأثيرات العامل الديني (أكرهك بسبب دينك). هذا نراه جلياً في الخوف من المد الإسلامي في أوروبا والولايات المتحدة وقضية التطرف والإرهاب التي أصبحت الوسيلة لتكريس الخوف والتخويف من الإسلام الذي يجتاح مناطق هي في الأصل مسيحية. يتم توظيف هذه المخاوف من الإسلام في إشاعة الكراهية ضد معتنقيه وتلعب العوامل السياسية والإرث الاستعماري دوراً في بقاء هذا الخوف واستمراره. يتضافر مع هذا الخوف تنامي أعداد المهاجرين المسلمين وزيادة عددهم في أوروبا والخوف من خلخلة التركيبة السكانية وهذا نراه في بلجيكا وهولندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا التي تضم جاليات إسلامية كبيرة.. يلعب السياسيون على هذا الوتر وتأتي برامج بعضهم الانتخابية محملة بهذا الهاجس مما يشيع الكراهية ضد المسلمين أينما حلوا.
  • الفرضية الرابعة في نشوء الكراهية من منطلقات دينية . ليس بدعاً من القول أن الكتب والشرائع الدينية تشتمل على نصوص تتعلق بطبيعة الموقف من أتباع الديانات الأخرى؛ فهم “كفار” و”ضالون”. نجد ذلك في نصوص الاسلام كما نجده في لدى الديانات الأخرى . هذه المنطقة مثيرة للجدل وفيها تفصيلات لبيان حدود الكراهية ومتى يجب أن تكون ومتى لا تكون ليس المقام هنا لتفصيلها وسبب أنها شائكة لوجود نصوص متعارضة بحاجة إلى تبيان متخصص. ما هو مؤكد أن هناك نصوص يتم اجتزاءها وتفسيرها وإعادة تفسيرها تكرس الكراهية من منطلق ديني لتصبح الكراهية عملاً مشروعاً بل ومأجوراً من يمارسها.
  • الفرضية الخامسة في أسباب نشوء الكراهية تعود للخوف مما نجهل؛ فالناس أعداء ما جهلوا. خوفنا من “الآخر” أي “آخر” مختلف ووجود مسافة اجتماعية بيننا وبينه يخلق مشاعر ريبة وقلق تتحول إلى كراهية بفعل العوامل الاقتصادية والسياسية التي توظف هذا الاختلاف لأغراضها. هذه مشكلة تتعلق بالموقف من الثقافات المختلفة في المقام الأول. مزيداً من الفهم والحوار المتبادل بين أصحاب الثقافات ومن ثم العمل المشترك سيخفف من وطأة الكراهية.

ولاحظت أ. عبير خالد أن د. عبدالله العساف يختلف مع كاتبة الورقة بخصوص العنصرية ضد الأجنبي في السعودية.. – يعيشون دون تسجيل أي قضية عنصرية ضدهم – بينما يتفق معها المعقب الثاني د. عبدالله بوجود عنصرية ضد الأجنبي وهاشتاق #السعودية_للسعوديين أو #هوية_الحجاز أمثلة على ذلك..!

ويرى د. عبدالله العساف أنه لم يسلم أي مجتمع من المجتمعات من العنصرية؛ لكن هذه الوسوم أو الهاشتاقات تفوح منها رائحة المعرفات الوهمية التي تقف خلفها جهات ودول قريبة وبعيدة لأهداف لا تخفى. نعم لدينا مناطقية ولكنها مع الوعي وذوبان المجتمع مع بعضه في العمل والنسب قد تتلاشى، ونحن نعول على الزمن القريب والجيل الجديد.

وذكر د. ناصر القعود أن كلمة أجنبي تطلق أحيانا على المختلف ، سابقا أهل الرياض كانوا يطلقون على القادمين إلى الرياض من خارجها ” جُنبّا ” أي أجانب.

وأوضح د. حميد الشايجي أن كلمة الوافد أليق، لكن كلمة أجنبي في اللغة العربية ليس عليها غبار فقد تطلق على السعودي الغريب عن أهل البيت فيقال له أجنبي.

ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: سأتناول الموضوع من زاوية أخرى وأتساءل:

  • هل لدينا فعلا خطاب كراهية أم هو ردود أفعال لنماذج من أعمال كراهية وجرائم تقوم بها الحكومات الغربية والقوى الدولية؟
  • هل نحن نواجه الأيدي التي تمتد إلينا وتصافحنا وتحب لنا السلام بخطاب كراهية ..؟
  • كيف لنا أن نعيش حمائم سلام والتقارير والأخبار والصور والمقابلات والوثائق في كل وقت تكشف الكثير من التآمر على منطقتنا وثرواتنا وشعوبنا وقيمنا وديننا.
  • بل كيف لنا أن نتقبل أن نوصف نحن بحاملي خطاب الكراهية ونحن نواجه الكثير من الحملات الكبيرة وتكتب عنا الكتب التي تصمنا بذلك من مثل كتاب دوري جولد مستشار الرئيس الإسرائيلي ..مملكة الكراهية والذي صدر بعد أشهر من أحداث سبتمبر.

واذا استثنينا الحالات الشاذة فإني أحسب أننا من حيث الأصل لسنا حاملي خطاب كراهية ولذا تجدنا نجوب كل أرض الله سائحين محبين لكل الدول ونتعامل مع الناس بكل أريحية وتسامح ..لكن حين تمطرنا أنظمة عنصرية أو منظمات قادت الشعوب لاختيار حكومات متطرفة وعنصرية من أحزاب اليمين فإن من الطبيعي أن ندافع وان نتبنى مواقف موازية.

لست ممن يرى أننا بعيدين عن أي سلوك متطرف لكني أقول أننا ابتداء محبين للسلام والحب ولمن يكون معنا متسامحا وهو منهج القرآن: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ..

هذا بالنسبة لمن نختلف معه في الدين .. أما الذين نختلف معهم في مسائل عقدية أو تشريعية أو قبلية أو مناطقية فلدينا دون شك القابلية والاستعداد للانفجار حين تستثار لدينا بعض تلك الحميات والحقوق ومع أني اقف من كل ذلك موقفا حازما لما تسببه الكراهية من مواقف إقصائية وعداوة وظلم وخطأ وقصور وتهميش وعدم عدالة إلا أني اعتقد أن كثيرا من المثيرات الخارجية والداخلية الداعية للكراهية تجعلك في أحيان كثيرة تصطف في مواجهة حاملي لواء الكراهية ضدك فتصبح ممارسا لها كرد فعل مباشر وقوي أحيانا مساوى لفعل ومضاد له في الاتجاه … وهنا سيكون الأمر انعكاسا لثقافة شعبية ونخبوية راسخة لا تقبل الضيم ولا الهوان ، أو تعاطفا مع بيئة إسلامية تتعرض لأبشع أنواع القتل والتشريد .

البعض يرى أن الفراغ التشريعي لدينا هو أحد أسباب وجود مثل هذه الظواهر وربما قارن بيننا وبين دول أخرى وربما استشهد البعض بالإمارات التي أصدرت قبل أكثر من عام قانونا لمكافحة التمييز والكراهية يقضي بتجريم الكراهية والتمييز ويشمل التمييز ضد الأديان والجنس واللون والعرق والمذهب ومس الذات الإلهية أو الأنبياء. ومع أهمية القانون لضبط كثير من السلوكيات إلا أني أخشى أن ذلك يوقعنا بكثير من الحرج العرفي والمجتمعي إذ سيتم التعامل مع كثير من العادات على أنها جزء من أمثلة لمواد تشريعية يعاقب قائلها.

لكن ثمة سؤال هل سأكون مخطئا حين أقول أني أكره إيران أو الصفويين مثلا ..؟ وماذا لو أنتجنا قانونا لمكافحة التمييز والكراهية ، فكيف سيتم التعامل مع كل المقالات والحسابات الاجتماعية التي قالت في شعوب عربية وخليجية في ظروف معينة مالم يقله مالك في الخمر .. أظن أننا سنكون في حرج شديد.

وأشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن خطاب الكراهية يعد حالة هجاءٍ للآخر ، ويمكن القول عنه بإيجاز أنه كل كلامٍ يثير مشاعر الكره نحو مكوّنٍ أو أكثر من مكوّنات المجتمع ، وينادي ضمناً أو تصريحا في أحايين أخرى من أنه يعبر عن إقصاء أفراده بالطرد أو الإفناء أو بتقليص الحقوق ، أو ربما معاملتهم كمواطنين من درجة أقل .

إن خطاب الكراهية بالمجمل يوحي للعامة ، ضمناً أو علناً ، شوفينية استعلائية لمكوّن أكثر عدداً أو أقدم تاريخاً في أرض ما ، أو أي صفةٍ أخرى يرى أفرادُ هذا المكوّن أنها تخولهم للتميّز عن غيرهم .

وقد لوحظ على مر الأزمنة أن خطاب الكراهية يتجاوز أحيانا البلد الواحد ليتوجّه إلى شعوبٍ وفئات وشرائح خارج الإقليم أو الدولة ، خصوصا عند نشؤ خلافات سياسية بين الحكومات أو حادثة أو حوادث تحدث في مجالات معينة ، فنية أو رياضية ومن كل ما يعتقد أنه يهيج مضاجع الشعوب ، من هنا تنشأ المشاحنة وتنهض أقلام الغضب ، وتظهر صنوف من التعنيف اللفظي الذي مؤداه صدور خطابات متعددة الأشكال من كراهية الإنسان لأخيه .

كما أن من أسباب نشؤ خطاب الكراهية ، هو التعصب الذي تستثيره ثقافةٌ طارئةٌ أو قديمةٌ في المجتمع ، غالبا ما تغذيها التربية في المنزل والمدرسة ، ومما زاد الطين بلة حرية الرأي الغير منضبطة في شبكات التواصل الاجتماعي ، التي أضحت تغص بالغث والسمين ، فهي بدورها تظهر أنواع من الكراهية ، كما لابد من التطرق إلى منصات ومنابر العبادات عامة ، ومنظمات المجتمع المدني غير المنضبطة قياديا ، فهؤلاء في الأصل يعول عليهم الكثير في نبذ ما يشاهد أو يظهر في المجتمع من خطابات أو تصرفات مادية تنادي بالكراهية بطرق مباشرة أو غير مباشرة .

وأضاف د. عبد الله بن صالح الحمود: في الحقيقية إن ما يهمني في هذا المقام ، هو ألا أجد أو لأقول يندر أن أجد في بلادي ما يشاع عنه أنه بلد يحمل شيء من الكراهية ، سواء لفظا أو ما يؤدي ذلك إلى فعل ، لاشك أنه من الصعوبة بمكان أن يخلو مجتمع من وجود الكراهية بين من يعيش على أرضه ، سواء ضمنا أو علنا ، إنما ما يحكم مدى فداحة ذلك هو نسبية الحال ، وعلى ذلك يأتي القياس ، وقياس ذلك اعتبره مطلب من يؤتى به من خلال مراكز استطلاع محلية ، تظهر لنا ذلك بين وقت وآخر دون أن يكون في العلن ، إنما يكون بين أوساط هي مسؤولة عن تقديم المعالجة الاجتماعية لدرء ما يمكن درءه من سلوك يكون مشين ومتعارض مع مبادئ إسلامية وأخلاق رفيعة هي ديدن مجتمع محافظ مضياف كمجتمعنا السعودي.

وبدورها قالت أ. مها عقيل: الموضوع مهم بالنسبة لي لأنني معنية به في عملي في منظمة التعاون الإسلامي حيث يوجد مرصد للإسلاموفوبيا أو التخويف من الإسلام مما يؤدي إلى كره الإسلام والمسلمين ومن ثم تبرير الاعتداء عليهم وعلى مقدساتهم. سأنقل هنا جزء من البيان الصحفي الذي أصدرناه منذ فترة وجيزة حول التقرير السنوي العاشر للمرصد:

أطلقت اليوم منظمة التعاون الإسلامي التقرير السنوي العاشر لمرصد الإسلاموفوبيا وذلك في بداية الدورة 44 لمجلس وزراء الخارجية المنعقدة في أبيدجان، جمهورية كوت ديفوار يومي 10 و 11 يوليو 2017. ويغطي التقرير السنوي العاشر الفترة من أكتوبر 2016 حتى مايو 2017.

يتضمن تقرير مرصد الإسلاموفوبيا وصفا للاتجاه المتنامي للإسلاموفوبيا، خلال الفترة التي يشملها التقرير، حيث تزايد الخوف من الإسلام والمسلمين في أجزاء معينة من العالم، الأمر الذي أدى إلى خلق تصورات سلبية بين غير المسلمين نحو الإسلام والمسلمين. ووفقا للتقرير، فإن هذا الاتجاه السلبي قد عززته بشكل كبير ثلاثة عوامل هي: الانتخابات الأمريكية، وقضية المهاجرين في أوروبا، وصعود الشعبوية واليمين المتطرف في أوروبا.

وأورد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، في مقدمته للتقرير، أن التقرير العاشر لمرصد الإسلاموفوبيا الذي يصدر اليوم “يبرهن على صحة موقفنا من أن اتجاه الإسلاموفوبيا لم ينحسر بأي صورة ملموسة”.

وذكر العثيمين أن ” المسلمين قد جرى ترهيبهم ومورس التمييز ضدهم، كما أهينت رموز إسلامية مقدسة، واستهدفت جرائم الكراهية أناسا يرتدون زيا إسلاميا، وأسيئت معاملة سيدات يرتدين الحجاب في الشوارع والأماكن العامة. كما حظرت بعض الحكومات الزي الإسلامي أو فرضت قيودا على المسلمين للحصول على مرافق لأداء الصلاة. وقام سياسيون يمينيون ووسائل إعلام بنشر صور سيئة عن الإسلام”.

وأضاف العثيمين أن “ما تقوم به الجماعات الراديكالية والمتطرفة من أعمال باسم الإسلام قد قدم مبررات لمن يكرهون الأجانب لكي يعززوا أجنداتهم. وأن تصريحاتهم وأفعالهم لم تكن غير مسؤولة فحسب بل تخدم أيضا الخطاب الراديكالي للجماعات التي تمارس العنف والإرهابيين، الأمر الذي يعرض الصورة الإيجابية للإسلام للخطر، ويعزز الإسلاموفوبيا في كل أنحاء العالم”.

وكنت مؤخراً في لندن أشارك في ندوة حول الإسلاموفوبيا والإعلام. وذكر الحضور تزايد حالات الاعتداء على المسلمين وخاصة بعد حدوث عمل إرهابي من قبل مسلم حيث تكون هناك ردة فعل عنيفة نحو كل المسلمين. وحسب الاستطلاعات البريطانية تزايدت حوادث الاعتداء على المسلمين وخاصة النساء المحجبات أو المنقبات بنسبة ٥٠٠٪‏ خلال العامين الماضيين.

أودّ أن أشير إلى أننا في المنظمة ومنذ ٢٠٠١ نحاول في الأمم المتحدة إصدار قانون دولي يجرم الإساءة إلى الأديان ولكن هذا القرار كان يفشل بسبب أن الغرب يرى أن الدين مثل الرأي قابل للنقد ولا يجوز حمايته حتى لو تم الإنقاص والاستهزاء به. وعندما تغير الوضع ، وعبر العديد من النقاشات، تحول القرار من عدم الإساءة إلى الدين إلى عدم التمييز والتحريض على أو الاعتداء على أصحاب الديانات بسبب دينهم وشعائرهم، مع التأكيد على عدم التعرض لحرية التعبير والرأي والتي يعتبرونها من حقوق الإنسان الأساسية، إلا إذا، وهنا نقطة الفصل، كان التعبير فيه تحريض على العنف والإساءة ومنع الحقوق ومنها حق العبادة وممارسة ما يتطلبه الدين.

وهنا يأتي السؤال أنه في حالة وضع تشريعات عندنا لمعاقبة من يسيء للآخرين بدافع الكراهية أو يحرض على ذلك، كيف نضمن أنه لا يتم إساءة استخدام ذلك أو استغلاله مثل ما يحصل في بعض الدول الإسلامية حيث يتم اتهام الأقليات المسيحية أو المذهبية بأنها أساءت إلى الإسلام وتكون اتهامات كيدية أو غير موثقة أو من غير شهود أو ربما مجرد سوء فهم.

الشيء الآخر ماهي حدود حرية التعبير والرأي في موضوع الدين؟ ما رسمته تشارلي ابدو الفرنسية من كاريكاتيرات اعتبرناها مهينة للرسول عليه الصلاة والسلام دافع عنها الفرنسيين باسم حق التعبير حتى لو اعتبروها بذيئة. وفي نفس الوقت كثيرين اعتبروها مستفزة لمشاعر المسلمين وتحريضية، فكانت فعلا ردة الفعل قاتلة.

وتحت عنوان “نحن وخطاب الكراهية” قال د. عبدالله بن ناصر الحمود: منذ خمسة عشر عاما، وفي إحدى أمسيات عام 2003م، خرجت في برنامج “البينة” على قناة الرسالة، في حوار ساخن جدا، حول أحداث وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر.

كان معد ومقدم البرنامج الزميل الإعلامي عبد الله الحارثي، متقدا ومهتما جدا بعمله كما يجب أن يكون الإعلامي.

تداولنا، كيف يمكن أن يكون عنوان الحلقة؟

توافقنا على (أسامة بن لادن، وأبراج منهاتن.. سجع في النون، وغطرسة وجنون)

تداولنا حينها كثيرا من مفاصل صراعنا مع الآخر، وأوغلنا في (خطاب القاعدة)، ذي الفسطاطين. ولم (أنس) أن أعرّج على ذات الخطاب عند بوش الأب عندما قال (إنها حرب دينية) و (من ليس معنا فهو ضدنا).

المفارقة الأهم بين الخطابين .. أن ذهنية الفسطاطين استمرت ردحا من الزمن، أو أنها لا تزال تستوطن عقول الكثير منا. في حين سارع بوش للإدلاء بأن فكرته مجرد زلة لسان، على العالم أن يتجاوزها.

لم يكن الرئيس الأمريكي حينها متعجلا أبدا، لا بالقول .. ولا بتصحيح القول. لكنه كان يعلم أن (العرب) و (المسلمين) سيجعلون من مقولته تاريخا يروى، دون الإشارة لتراجعه.. سيجعلون منها دعما تشريعيا وتفكيكيا ثقافيا لنظرية الفسطاطين.. ولذلك فعل فعلتيه (القول ونفيه) فهو يدرك جيدا أن الغربي سيعمل بالنفي .. وأن الشرقي سيتشبث بالقول.

وهنا .. تزدهر ثقافة (خطاب الكراهية) لدى العرب والمسلمين، ويمكن حينئذ إدانتهم بأقوالهم.. وبالتأكيد بأفعالهم التي ستؤول إليها الأقوال أو بعض الأقوال.

وأعتقد أن السنوات التي أعقبت أحداث سبتمبر .. سجلت خطابا عجيبا تم تداوله في المسرح الدولي بين الشرق والغرب، كانت عبارات الكراهية فيه أشهر من (مايكل جاكسون).. مع امتياز غير مسبوق للعرب والمسلمين في هذا الخطاب.

ومن سمات هذا الخطاب ما يلي:

تقاذف التهم.. فالغرب يصمنا بأقذع الأوصاف، ويستدل على ذلك بنصوص عندنا، أنزلنا بعضها منزل السنن، كبعض خطابنا ضد الآخر في خطب الجمعة والأعياد. ونحن بالمقابل نستشهد بأقوالهم وخطابهم العدائي ضدنا، ونستدل أيضا.. عجزنا المخيف عن التحديث في الخطاب الديني والدعوي.. وفي الخطاب السياسي لدى جماعات كثيرة عندنا ذات مركب وهوى سياسي.

بقاء بعض محتوى مناهجنا.. مما يمكن وصفه بخطاب كراهية.. وعجزنا عن تطوير هذا المحتوى بقراءة عصرية للنصوص الشرعية. ومن العجيب أننا بدلا عن المكاشفة هنا، نذهب لاتهام المحتوى التعليمي للآخر بأنه ذو محتوى كراهية أيضا.. لنبدي حماسنا لعدم الانتقاص من محتوانا. وذلك على الرغم مما جرى من مساس جيد بهذا المحتوى .. قسراً.

النقص الحاد في الوعي، بما يجب أن يكون عليه خطابنا مع الآخر.. فنحن نبدو قساة نوعا ما في خطابنا كما نحن في مظاهر حياتنا بشكل عام.. دعوني أقول .. كما نحن في قيادتنا للمركبات في الطرقات.. من أعظم خطاب كراهيتنا لبعضنا .. وليس فقط للآخر.. نمط قيادتنا في الشوارع، وسطوتنا على حقوق بعضنا في المواقف والمنعطفات وعند إشارات المرور.. فقوم هذه خصالهم في الشارع.. سيكونون في المحتوى (الناعم) .. .. أقسى وأمر ,, ولكن ربما لا يدركون .. تماما كما لا يدرك الشاب الذي ينتزع حقك في الطريق أنه كان لك حق أصلا فيه.

الكراهية.. ليست بالضرورة (قصدية) ؛ هي تكون قصدية عند الغلاة والمتشددين والمتطرفين.. وخطابات متطرفي العرب والمسلمين .. ومتطرفي الأعراق الأخرى .. ظاهرة للجميع… لكنها تبدو.. أحيانا.. نمطا طبعيا .. من أنماط المعيشة.

لدي صديق بدرجة أستاذ جامعي.. وأسافر معه لمؤتمرات ومهمات عمل متكررة.. وحين يطلب من المطاعم مثلا.. طلبات الأكل والشاي يطلبها بطريقة فجة جدا. ثم لا يشكر النادل أبدا.. واعتدت على نظرات النادلين لي معبرين عن امتعاضهم .. هذا.. خطاب كراهية بامتياز.. مع أن صديقي.. حتى الآن لا يدرك ذلك.. ولم أحدثه فيه.. لأنه من طبائعه وتركيبته الذهنية.. هو لا يعرف أنه يمارس خطاب كراهية.. على المستوى الفردي.

ما أخشاه أنا.. لبس خطاب الكراهية الفكري الأيديولوجي.. فلهذا النوع من الكراهية.. ما هو كفيل بتفكيكه وإن على مدى طويل.. ما يثير قلقي.. هو خطابنا الطبعي ذي العناصر المثيرة للحنق والكراهية.. وهو خطاب.. ليس لفظيا فقط بل سلوكي .. وانطباعي عميق في علاقاتنا مع الآخر.

وعقبت أ. مها عقيل بأننا بالفعل بأسلوبنا الفج نجلب الكراهية والامتعاض لنا.. ومع ذلك لا نستطيع أن ننفي أن هناك أساسا بعض الاحتقار لنا أو التقليل من شأننا، وهذا نجده حتى من إخواننا العرب. من جهة أخرى لا اتفق مع الرأي الذي يقول أنه ليس لدينا خطاب أو أسلوب كراهية أو لنقول عنصرية نحو الآخرين كالآسيويين مثلا وهي عنصرية تؤدي لسوء معاملة وتكون ردة الفعل أنهم يكرهوننا. أعتقد أننا يجب أن نراجع محتوى مناهجنا وأسلوب تربيتنا ومعاملتنا للآخرين.

وقال د. خالد الرديعان سأعطي مثال آخر على بعض سلوكياتنا في خلق الكراهية، فقد تم في العام ١٩٩٦م شراء كنيسة مهجورة في مدينة سوانزي – ويلز من قبل الجالية الإسلامية وبعض المبتعثين السعوديين الذين ساهموا بمبلغ الشراء. الكنيسة بحق تعد تحفة معمارية فهي تعود للقرن السابع عشر وتقع في شارع سانت هيلين الرئيسي وسط المدينة.

عندما تسلمها أصحابها الجدد كان أول عمل قاموا به هو إحضار رافعة كبيرة وتحطيم الصلبان التي على سورها وفي أعلاها. عندها قامت قيامة سكان المدينة ليس لأسباب دينية ربما ولكن لتدمير تحفة وأثر معماري. وأخيراً قامت بلدية المدينة بإيقاف العمل والترميم حتى يتم حل المشكلة.

عمل الملاك الجدد كان ولا شك استفزازياً وغير حكيم ولم يساعدهم كثيراً في نشر الإسلام بل في خلق كراهية ضدهم.

وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود: وفي مونتريال بكندا سنوات التسعينات الميلادية الماضية أنشأ بعض الشيعة مسجدا أسموه مسجد فاطمة.. فثارت قريحة بعضنا فجمعوا القوم إلى منتدى حصدوا فيه 500 ألف دولار كندي.. فاشتروا عقارا جعلوا منه مسجدا أسموه مسجد السنة النبوية، يعني ما فيه أحد أحسن من أحد، لكن غيرهم جن جنونهم.. فتنادوا ذات مساء وجمعوا غلة يسيرة.. اشتروا بها عقارا صغيرا جعلوا منه مسجدا.. أسموه مسجد الأمة الإسلامية. هكذا نبدو في الغرب.. وهكذا ستبدو خطاباتنا.

وباعتقاد أ. مها عقيل فإن بعض الجاليات المسلمة في الغرب تعيش في معزل عن محيطها ليس فقط مكانيا ولكن أيضا تفاعليا وتواصلا. هم لا يشعرون أنهم جزء من موطنهم الجديد رغم مرور سنين على عيشهم هناك والمجتمع الغربي المحيط بهم لا يشعر أنهم ينتمون إليه وإنما غرباء.

وعقب د. عبدالله بن ناصر الحمود بأن المسلمين في الغرب تائهون اليوم بين تشبث مقيت بتراث يشتمل على مالا يصح في الفكر وفي السلوك و تيه في الفكر وفي السلوك بين ما هو إسلامي غير معروف وغير مألوف، و قطيعة حمقاء من العالم الإسلامي تبرأ من تهمة الغلو والتطرف، و ضبابية عجيبة في الفصل بين الخاص والعام في المال والمكتسبات في العمل المسمى إسلامي، و عجب عجاب في الشكل والمظهر والملبس، و ظن أن الغرب يحترمهم ويقدر تبايناتهم.. مع أن الحالة تبدو على النقيض، و برامج جماعية تدعى إسلامية للبراءة من الغلو والتطرف.. تطفح بمركبات وعناصر ومشاهد الغلو والتطرف.

خطاب أحد أئمتهم في خطبة يوم جمعة في إحدى أكبر المراكز الإسلامية في واحدة من أهم العواصم الأوربية الصيف الماضي (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) و (وليجدوا فيكم غلظة) ، نعم .. هذا الخطاب يجتزأ من سياقه ويسقط على الوضع الراهن اليوم هناك.. والإمام شاب ثلاثيني.. هذا .. الخطاب الذي يسمعه كثير من الغرب منا قبل .. عقود.. وهو ما يسمعونه من كثيرين منا اليوم.

يشتكي المسلمون في الغرب من أن مخصصات دعم دول العالم الإسلامي للعمل الإسلامي انخفضت لأكثر من 70% .. بعد 11 سبتمبر.. وأن ذلك شمل حتى إيفاد الكوادر البشرية، وهذا أثر كثيرا.. على شكل ومحتوى العمل الإسلامي الذي اتسم بالانفصام حتى عن نفس التغييرات التي طرأت على الواقع الإسلامي لدى المجتمعات الإسلامية نفسها بعد 11 سبتمبر. هذا يعني كأنك تستمع للفرنسية في كندا.. منفصلة عن ثراء المصدر في فرنسا لعقود أو للإنجليزية في أمريكا منفصلة عن المصدر في بريطانيا.. وهكذا.. المسلمون في المراكز يبدون مختلفين … إلى حد ظاهر جداً عنا؛ ولذلك.. خطابهم بشكل عام.. أقرب لخطاباتنا.. قبل ثلاثة عقود من الزمن.. ومن جدد منهم وهم كثيرون جددوا بطريقتهم دون دعم عضوي عميق من العالم الإسلامي .. فكثرت بينهم الجماعات والفرق.. واختلط المال بالسياسة بالدين.. اختلاطات عضوية .. وولى.. الخطاب الوحدوي الفاعل.. وحل محلها خطابات تركية أو مغاربية أو خليجية أو هندية أو باكستانية كأكبر خمس خطابات إسلامية في الغرب الآن وفي هذه الخطابات.. تختلط الصوفية بالإخوانية بالسلفية كأكبر ثلاث فرق فكرية.. مع غيرها من الفرق والملل والنحل بالعشرات.. هذا.. الواقع الذي يكره بعضه كره تدين وعقيدة.. لا يمكنه أن ينتج خطابا متسامحا مع الآخر.

وفي الإطار ذاته تطرق م. خالد العثمان إلى ما أسماه تجارة الكراهية؛ حيث قال .. هذا هو المحور الذي سأتبناه في مداخلتي المتواضعة، فأنا على قناعة أن الكراهية باتت أداة للمتاجرة وتحقيق المصالح تماما كما أن د. الحمود مقتنع بأن الطباع والسلوكيات هي أساس ممارسة الكراهية .. ما يجمع طرحي مع طرح د. الحمود هو أن هذه الطباع والسلوكيات هي في رأيي الأساس والنتيجة في ذات الوقت لحالة المتاجرة بالكراهية التي تستهدف تحقيق مصالح مختلفة الصور لمن يبثون تلك الكراهية.. الأمثلة على هذا الطرح كثيرة جدا.. وأولها بل وأهمها هو ما أشارت إليه أ. إيمان الحمود في ورقتها الرئيسة عن الشعبوية التي هي باتت ظاهرة تعكس فكرة المتاجرة بالكراهية عبر تبني خطاب شعبوي يحشد الدعم لفكرة ما تهاجم شخصا ما أو قضية ما بطريقة حادة تؤسس للكراهية.. من ذلك حديث بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي عن جشع هوامير التجار وتجار التراب في موضوع رسوم الأراضي البيضاء ومعركة البطالة والتوظيف والسعودة وغير ذلك الكثير.. كثير من أولئك لا يعي حتى ما يقول لكنه يتبنى خطابا شعبويا بغرض كسب المتابعين والمعجبين.. عنصر المتاجرة الخفي في ذلك يبرزه واقع تجارة سوق التواصل الاجتماعي الذي وصل سعر الرتويت فيه عند بعض المشاهير إلى 30 ألف ريال للتغريدة الواحدة.. هذه المصالحية الذاتية المفعمة بالأنانية لا تتورع عن بث خطاب كراهية يتلبس لباس الوطنية والخوف على مصالح الناس وبات من الضروري معالجتها قانونيا بشكل حازم.

من المتاجرة بالكراهية أيضا تلك الخطابات الحزبية التي تسوق لفكرة ما للفوز بأصوات الجماهير وهي في الغالب الأعم تتبنى خطابا مشبعا بالكراهية لمعارضي تلك الفكرة من الخصوم.. الشعبوية التي أشارت إليها أ. إيمان في الدول الديموقراطية هي أداة للفوز بأصوات الجماهير.. لكنها في الدول غير الديموقراطية لا تؤثر على صاحب القرار إلا فيما يريده أو يقتنع به هو دون فرض أو احتساب لوزن الخطاب الشعبي والرأي العام.

بحكم تجربتي في جمهورية البوسنة والهرسك أسوق مثلا آخر للمتاجرة بالكراهية.. الحكومة البوسنية ومنذ نهاية الحرب وثقت مواقع متعددة وقعت فيها مذابح وحالات قتل في الشوارع وأبرزتها للناس باقية في ذاكرتهم اليومية.. مشاهد بقع الدم في شوارع سراييفو وموستار وغيرها تثير الغضب على الدوام من ذكرى تلك الحرب الشنيعة ناهيك عن مشاهد المباني المدمرة التي أبقت عليها الحكومة هكذا عمدا.. أجادل أهل ذلك البلد كثيرا وأسألهم ما جدوى العيش في ذكريات الحرب والحقد المتبادل مع الصرب.. لماذا تصرون على غرس تلك الذكريات الأليمة وخطاب الكراهية في عقول الصغار.. كيف يمكن أن تتحقق تنمية في ظل هذا الشعور الخانق بالدمار والحقد والغضب.. متحف مذبحة سربرينيتسا يدمي القلب لكنه يخدر العقول ويخنق الطموح ويربي الأحقاد .. ما فهمته مؤخرا أن هذا هو ما يبحث السياح الأوروبيون الذين يأتون إلى هذا البلد لهذا الغرض فقط.. ما نجادلهم به الآن هو ضرورة تبني سياحة الحياة بدلا من سياحة الموت .. ونبهتهم إلى أن السائح الخليجي والعربي ينفق أضعاف ما ينفقه السائح الأوروبي.

الكراهية والأحقاد بضاعة البعض لتحقيق مصالح يرونها.. في قناعتي هذا المدخل يجب أن يؤخذ في الحسبان حتى نستطيع معالجة هذه الظاهرة وهذا الواقع بطريقة ناجعة فاعلة تروم مصلحة الوطن وأبنائه ووحدتهم واتحادهم.

ومن ناحيتها ترى د. الجازي الشبيكي أن مبالغة بعض المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي في تحميل الإسلام والمسلمين كافة مسؤولية الإرهاب والعمليات الإرهابية، يُعدٌ خطاباً كراهياً مضاداً مبالغاً فيه إلى حد كبير والأمثلة في ذلك كثيرها وآخرها ما حصل للممثلة الأمريكية المشهورة ليندسي لوهان التي تعرضت لأبشع صور الكراهية المتطرفة من سب وشتم لأنها فقط كانت تحمل في يدها القرآن.

من ناحية أخرى فإن التعصب القبلي يعد من ضمن أكثر مغذيات خطاب الكراهية قصداً أو بغير قصد ، لأنه يجسًد حالة من الاستعلاء والتميز لقبيلة ما على غيرها من القبائل من خلال وسائل التعبير المتاحة والأكثر انتشاراً مما يثير مشاعر القبائل الأخرى ضمناً أو علناً ويـضعف تدريجياً نسيج الوحدة الوطنية.

وتتذكر د. الجازي الشبيكي أن مهرجان ” مزاين الإبل لقبيلة عتيبه عام 1428هـ ” كان تظاهرة قبلية كبيرة جداً وخطيرة ، مما استدعى الجهات العليا إيقاف تكرار مثله فيما بعد ، ولكن القصائد والشيلات الحماسية على وجه التحديد في الآونة الأخيرة تؤدي دوراً مماثلاً في تصعيد التفاخر القبلي بشكل ملفت وكبير.

والمثال على ذلك أن “شيلة قبيلة حرب زلزله ” بلغت مشاهداتها 16 مليون في فترة وجيزة وأصبح كثير من الأطفال الصغار يرددونها بل والفتيات يرقصون عليها بحماس في مناسبات الأعياد والأعراس.

ويشير د. خالد الرديعان إلى العنف الذي يوجه احيانا ضد بعض رجال الهيئة وأن ذلك قد يدخل ضمن جرائم الكراهية التي نتحدث عنها.

كيف وصل مستوى العنف في مجتمعنا إلى المستوى الذي يجيز الاعتداء على رجل تنحصر مهمته في النصح والإرشاد حسب التنظيم الأخير لجهاز الهيئة؟ ألا يطرح ذلك أسئلة حول أسباب تزايد وتيرة العنف في مجتمع تعد مثل هذه الجريمة فيه شاذة وغير مألوفة؟ ما الذي تغير، وما الذي يجعل البعض يتجرأ على عمل مرفوض كهذا في مدن لم يعرف عن سكانها هذا النمط العنفي؟

لعلنا نفكر بقضية إشاعة الكراهية، والتجييش الذي مارسه البعض ضد الهيئة في السنوات الماضية وما نتج عنه. ننتظر نتائج التحقيقات الرسمية فلعلها تفصح عن الأسباب الحقيقة للجريمة ومرتكبيها ودوافعهم.

وأوضح د. حميد الشايجي أن العوامل والدوافع متعددة؛ وقد يكون ثأر قديم، كشخص مقبوض عليه وانهى محكوميته وخرج لينتقم مثلا، ….

أما أ. جمال ملائكة فقال في مداخلته: حيث أننا لن نستطيع غالبا تغيير خطاب و لغة الكراهية لدي الغير لأسباب بديهية و لكن أزعُم أن تغيير فهمنا و تفكيرنا و بالتالي سلوكنا و لغتنا هو الذي سيؤثر في العالم و في الشعوب خاصة فلا شيء يؤثر في نفسية البشر إلا “المثال/القدوة”. إن ما أشار إليه د. الرديعان قد مس عصبا حساسا و أعتقد د. عبدالله الحمود قد أشار إليه أيضا ألا و هو “الكراهية بسبب ما فهمه الأقدمون من النصوص المقدسة” و ليست النصوص نفسها…..و أود أن أشير إلى الأدلة التالية:

1-   إصرار غالبية المسلمين أنهم الفرقة الناجية و أن غيرهم من أهل النار..

2-  الإصرار علي أن النصارى و اليهود يكرهوننا بداعي “و لن ترضي عنك اليهود و النصارى…..”. السؤال الجوهري هنا هو أن الله هو الحكم العدل و عدله مطلق ….فكيف يتم الحكم علي المليارات “اللاحقين” لليهود و النصارى الذين “عاصروا” النبي صلي الله عليه و سلم بأنهم لن يرضوا عنا؟ أليس من الممكن أن هذا هو التفسير الصحيح أن الله يتكلم عمن عاصروا النبي صلي الله عليه و سلم؟ ألا نري بأعيننا دفاع كثير من النصارى بطول العالم الغربي و عرضه عن معتقدات المسلمين و حرياتهم الخ؟ (للتوضيح يجب التفرقة بين الشعوب و الحكومات التي لا يهمها إلا السيطرة علي مقدرات الشعوب الأخرى و لغاياتها الإمبراطورية و لتغلغل الصهيونية في مفاصل الدول الغربية كأمثلة).

3-  خطاب الكراهية و العنصرية المنتشر في بلادنا للمذاهب الأخرى داخليا و هذا منتشر حتي بين المثقفين فما بالك بغيرهم؟

4-   خطاب العنصرية المناطقية و هو موجود و واضح.

واتفق د. مساعد المحيا بأن التجييش ضد الهيئة وشيطنتها واستخدام قصص تبين أنها كانت سيناريوهات مصنوعة من أشخاص لهم مواقف ضد الهيئة، كل ذلك يمكن أن يكون أحد دوافع البعض تجاه أعضائها .. وبخاصة الذين كانت الهيئة سببا في سجنه أو عقوبته.

ومن ناحية أخرى وفي المجال الأشمل؛ فإن هناك دأب كبير لشيطنة المملكة وقد يزداد مستقبلا من قبل عدد من وسائل الإعلام الغربية والمحللين والسياسيين والمنظمات المتطرفة والعنصرية .. الذين يضمرون عداء وكراهية للمملكة وكل هؤلاء يستغلون كل حادثة ليضخوا الكثير من الأخبار والمعلومات والآراء حيث يعملون على ربط هذه الحوادث ببعض الوقائع والتفجيرات الإرهابية والعمليات التاريخية ومن ثم ربط ذلك كله بالوهابية.

ولعلنا اليوم نشاهد كيف أن لغة الإعلام والسياسيين انتقلت من الإرهاب إلى التطرف لتعزيز الكراهية حيث صدرت تصريحات أمريكية وأوربية كلها تتهم المملكة بأنها ليست بريئة من تمويل التطرف.

صحيح أن لدينا الكثير من الأخطاء وحري بنا أن نعمل على إصلاحها لكن العدو اليوم يريد أن نمارس الإسلام الذي يحب والقيم التي يختارها كي لا يكرهنا.

أما أ. خالد الوابل فقال: السؤال هل المقصود بخطاب الكراهية هو ما يُقال على المنابر أم ما يتداوله الناس في المجالس؟ سأتحدث عن ما يجري في المجالس: بدوي حضري، خضيري قبيلي، شيعي سني، طرش بحر، بالإضافة للتصنيفات الايدلوجية من إخواني وعلماني وليبرالي …الخ.

وكل ما ذكر أعلاه مدعاة للكراهية وإلصاق التهم “ingstereotype” دون دراية، وأعتقد نحن نكره بعضنا البعض قبل أن يكرهنا الآخرون ! ومع الأسف بعض هذه التصنيفات يُعززها ويؤصلها الجهاز الحكومي؛ ولنا في تفريق زوج عن زوجته بسبب عدم تكافؤ النسب بحكم قضائي !

وعقب د. خالد الرديعان على ما ذكره أ. خالد الوابل بأن هذه التصنيفات هي من أشكال التمييز تعد من الأسباب التي ربما تقود إلى الكراهية، وأن بعض أنماط التمييز قد تكون ممأسسة مما يعطيها شرعية البقاء وخاصة ما تشير إليه بقضية تكافؤ النسب وموقف بعض القضاة من هذه المسألة الحساسة.

في حين قال د. زياد الدريس: لن أقول أن (الكراهية) بدأت الآن حتى لا أكون مجرّماً لكراهية التيار الناشط/ النافذ الآن ومبرّئاً لكراهية التيار السابق، ولكن مبيناً بأن الكراهية لم تكن نابعة من تعاليم دينية أو توجه إيديولوجي محدد، بل هي سلوك اجتماعي ينطلق من دافع واحد هو الإقصاء والانتهازية، وإن اتكأ على خلفيات ثقافية متفاوتة بل ومتناقضة!

كتبت في العام ٢٠٠٨ مقالة عنوانها: الحب في زمن الكراهية! سأضع مقاطع منها أدناه: لن أكتب عن رواية ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»!

فالكراهية مرض أشد فتكاً بحياة الإنسان من الكوليرا التي هددت قصة حب غارسيا ماركيز. الكراهية وباء معدٍ مثل الكوليرا، وعلاجها أعقد كثيراً من علاج الكوليرا، والذين فقدوا حياتهم من البشر بسبب الكراهية أكثر بكثير من الذين فقدوا حياتهم بسبب الكوليرا.

وباء الكوليرا يذهب ويعود… يختفي ثم يظهر، أما وباء الكراهية فهو الوباء المستديم في الأرض، يصيب الآلاف ويقتل الملايين. الكوليرا مرض مكشوف ومنبوذ، وبالتالي فهو مستهدف ومحارب من لدن البشر كافة، أما مرض الكراهية فلا أحد يعرف أنه مصاب به، وإن عرف فلن يعترف! فكل إنسان مصاب بداء الكراهية يضع اسماً آخر لهذا المرض، فهو: الثأر أحياناً أو العزة أو الكرامة وأحياناً أخرى الشهامة. تخيلوا الكراهية تسمى بالشهامة أحياناً؟!

نرى كيف تفتك الكراهية بالبشر… أفراداً وشعوباً. أفراداً، بدافعية حميم الرأسمالية وماراثون الاستهلاك الذي لم يجعل من علاقة بريئة خالية من المصالح بين فردين من البشر إلا حالة نادرة، توصف سخرية بالملائكية. وشعوباً، بدافعية حميم الإمبريالية التي تريد أن تقتطع أكبر قدر ممكن من كعكة الكون… حتى لو جاع الآخرون!

يستخدم الكارهون أحياناً الدين لقتل التسامح، وأحياناً أخرى يستخدمون القومية لفعل ذلك. وفي الآونة الأخيرة ظهرت فئة من الناس لا تقاوم توظيف الدين أو القومية في الفرقة والاستعداء، بل هي تقاوم وتسخر من الدين الذي يوحّد أو القومية التي تجمع، نحن أمام وطنية توشك أن تتحوّل إلى شوفينية (وطنجية) تنقاد وتوقد كل خلاف بين دولتين أو شعبين شقيقين، بأدوات الكراهية نفسها التي تعاب على الإسلاموية والقومجية، من منطلق مبدأ (نبيل) هو: وطني… ومن بعده الطوفان. رغم أن هناك ما هو أكثر تسامحاً مع الآخرين من زجهم في «الطوفان»!

هل يمكن للإنسانية أن تجد لقاحاً مضاداً للكراهية مثلما وجدت لقاحاً مضاداً للكوليرا؟!

وعلقت أ. إيمان الحمود على المقطع الأخير بأنه مع الأسف لا يوجد لقاح ضد الكراهية لأنه مرض ينتشر عبر فيروسات لا ترى بالعين المجردة لكن أذاها يمتد إلى كافة شرائح المجتمع.

وأضاف د. مساعد المحيا أنه ‏منذ الأزل ومنذ خلق الله ادم وأهبطه إلى الأرض جرى بين ابنيه الشقيقين ما جرى بسبب الحسد، إذ كره قابيل هابيل فقتله.. فطوّعتْ له نفْسه قتْل أخيه فقتله فأصْبح منْ الْخاسرين …وبعد هذا كره كل خصوم الأنبياء رسل الله برغم ما هم عليه من عدل وإحسان. ستجد من يكرهك حتى ولو كنت أبيض القلب؛ فالكراهية أزلية وباقية وعلى الناس أن يعملوا للتقليل منها ومن شرها.

ومن جانبه قال أ. عبدالله الضويحي: هناك سؤال مطروح: هل الحب والكراهية هي صفات فطرية أم مكتسبة !؟ وهل هي وراثية !؟

الإنسان يولد على الفطرة وحسبي أن ( الحب ) هو الفطرة السليمة وأن الكراهية قد تكون صفة كامنة تظهر بسبب إثارتها بمثير معين ، كما حصل مع ابني آدم عندما قتل قابيل أخاه هابيل في أول حادثة قتل في التأريخ.

الكراهية متأصلة في المجتمعات والأفراد منذ بدء الخليقة وعلى مر العصور ، وجاءت الأديان السماوية لنبذها خاصة الإسلام الذي جاء مكملاً لهذه الأديان وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته وشج في وجهه يوم أحد، شق ذلك على أصحابه وقالوا: لو دعوت عليهم، فقال: “إني لم أبعث لعانًا، ولكني بعثت هاديا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.

نعم هناك نصوص قرآنية تدعوا على المشركين والكفار لكن هذه النصوص نزلت في وقت معين لهدف معين وليس شرطاً أن تنطبق على كل عصر وهناك من وظفها في عصرنا الحالي ضمن الخطاب الديني مما انعكس سلباً عليه وأضفى عليه صبغة الكراهية في بعض نصوصه.

القرآن صالح لكل زمان ومكان وهذا يعني أن تأويله وتفسير مضامينه قد يختلف وفق مقتضيات العصر .. إذاً المشكلة ليست في النصوص القرآنية وإنما في توظيفها توظيفاً خاطئاً لا يتناسب وروح العصر.

والمعاصر لمجتمعنا يلاحظ أن هذه العنصرية قد اختفت أو لم تكن موجودة في فترات سابقة كماهي الآن ، وكان لانتشار الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي خاصة تويتر و الواتس اب دور كبير في انتشارها وتعميقها صاحب ذلك قلة وعي لدى المجتمع ، وأرى أن هذا الانتشار أسبابه من خلال فئات ثلاث:

1-  فئة تأخذها على سبيل النكتة وتنشرها دون إدراك لأبعادها وخطورتها خاصة فيما يتعلق بالمناطقية أو التقليل من قيمة المرأة وغير ذلك.

2-   فئة تعي وتقصد ذلك من حيث المناطقية أو تهميش دور المرأة وهذه الفئة أقل لكنها ليست أقل خطورة.

3-  فئة خارجية لها أجندة معينة بهدف إثارة البلبلة وتفكيك المجتمع تستخدم معرفات سعودية توظفها في كل ما يحقق أهدافها بالنكتة والإشاعة سواء على المرأة أو المناطق أو الأجانب أو بعض القرارات وكثيراً ما يصدر تكذيب لبعض الشائعات ، هذه الفئة تجد من يروج لها سواء بقصد أو عن حسن نية.

أما بشأن توحيد خطب الجمعة الذي أشارت له أ. إيمان في ورقتها فهو غير صحي ولا منطقي في نظري وهذا يتنافى مع حرية التعبير وأيضا مع الهدف من الخطبة ويخرج بها عن إطارها الصحيح وكفاءة الأئمة والخطباء ومن الحكمة في ذلك.

أيضا فقد أشارت أ. إيمان لمصطلح الأجنبي وأنه يشجع على الكراهية وأختلف معها في ذلك فـ (الأجنبي) مصطلح موجود في كل اللغات وفي كل الدول وهو سليم من حيث اللغة وهناك تجربة في الميدان الرياضي مع اللاعب الأجنبي حيث وجه الأمير فيصل بن فهد قبل  40عاماً بوصفه ( اللاعب غير السعودي ) كون بعض اللاعبين عرباً أشقاء ولازال اتحاد كرة القدم يلتزم بذلك في أوراقه الرسمية وقراراته ومع ذلك ورغم كل هذه المدة لازالت الأندية والإعلام والمجتمع يطلق عليهم اللاعبين الأجانب لأنها مختصرة وأوضح ولم يتغير شيء.

وفي السياق ذاته حول قضية خطاب الكراهية ذكرت د. ثريا العريض أن هناك ردود فعل أولية ترتبط بالفرد : الثقة صفة مكتسبة بالتعامل على أرض الواقع .. بينما التخوف والتوجس صفات نولد بها دعما لفرص البقاء. بدءا لا في هذا ولا ذاك موقع للكراهية أو الحب.

هذان شعوران نكتشفهما لاحقا كردود فعل لأفعال الآخر تجاهنا.. أو نتعلمهما من تلقين الكبار لنا و هي ما يرسخ فينا الانتماء لفئة دون أخرى أو الإقصاء للآخرين المختلفين.

أما الخطاب فيأتي بمستويات:

1-   لغوي مباشر يوضح لنا فئات الانتماء و الإقصاء.

2-   إيحائي يعلمنا عبر القدوة ما هو المتوقع منا.

3-   تحريضي يحضنا على تصرفات ليست متجذرة فينا إنسانيا و لكنها مطلوبة لبقاء الفئة. . ومنها مهاجمة المقصى لفظيا أو بدنيا للاستفزاز أو التخويف. وقد تتصاعد إلى العدوانية الدموية لإفناء الآخر.

أما أ. عبير خالد فأشارت إلى أنه لو كان معنا شخص غربي لاستغرب حديثنا عن ثقافته ورموزه الاعتبارية بدلا من الرجوع لموروثنا ومراجعنا ومدى ارتباطهم في توغل الكراهية بمجتمعنا.

يقول قائل: الغرب متصالحين بشكل عام فيما بينهما على الأقل في هذا العصر، ونحن العرب اللذين مازلنا نشهد على ممارسات ضد الأقليات وضد المرأة وضد ذوي الإعاقة وضد كثير من أطياف المجتمع.

بينما قالت د. منيرة الغدير: لا نستطيع مناقشة قضية خطاب الكراهية من دون أن نتطرق لقضايا أخرى مرتبطة بالتعريف أو التعريفات الموجودة لخطاب الكراهية ومساءلة هذه التعريفات إن كانت قاصرة، وتتبع بدايات ظهور هذا الخطاب وأسبابه لقراءة ثقافية تاريخية.

و بسبب اهتماماتي الأكاديمية، لا أستطيع أن أبعد المقارنة عما اطلعتُ عليه في العلوم الإنسانية والاجتماعية في أمريكا بالتحديد، وتطور نقاشات خطاب الكراهية والتمييز منذ نهضة هارلم في عشرينيات القرن الماضي، ومروراً بحركة الحقوق المدنية والنسوية في الستينات والأطروحات النظرية سواء في الدراسات الثقافية، نظرية ما بعد الاستعمار، ونظرية العرق في التسعينات وحتى الآن. باختصار الخطاب الفكري الذي واجه العنصرية وما أفرزته من عنف لغوي وجسدي مر بعقود من التفكير والاختبار والنقد، وهنا ما يغيب عن مشهدنا الثقافي العربي والخليجي.

أيضا الاختلاف واضح بيننا وبين النقاشات الثقافية والنظرية والقانونية في أمريكا ويظهر ذلك في العودة إلى سؤال يتعلق بحرية التعبير ومسألة الرقابة. فلن نجد كتاباً يتطرق لنقاش خطاب الكراهية أو التمييز بكل أشكاله من دون أن يتوقف عند التساؤل عما إذا كانت المطالبة بسن قوانين جديدة على الكلام العنصري هي مطالبة بخلق حد لحرية التعبير. لكن الكثير من الباحثين والقانونين اتفقوا على أن العنف القادم من الإقصاء في الخطاب العنصري يشبه الإيذاء الجسدي، فالكلمة العنصرية/ المؤذية مثل صفعة على الوجه كما تطرقت لنقاش ذلك جوديث بتلر وفككت العلاقة بالكلام الهياجي والجسد، كما قرأتْ بعض القوانين المتعلقة بخطاب الكراهية في كتابها (Excitable Speech ) (الكلام الانفعالي).

وتعليقاً على ما تناولته د. منيرة الغدير، أشار د. الرديعان إلى صدور نظام سعودي للحد من الإيذاء والعنف الأسري وذلك قبل سنتين، بناء على ما لوحظ من تفشي ظاهرة العنف الأسري وخاصة ضد المرأة والطفل وضرورة مواجهة هذه الظاهرة بحزمة من القوانين والتشريعات.

ما يتقاطع مع ما ذكرته د. منيرة هو قضية “العنف اللفظي” الذي يعد أحد أنماط العنف الأسري الثمانية (البدني، اللفظي، النفسي، الصحي، الاقتصادي، الاجتماعي، الجنسي، وأخيرا الإهمال والحرمان).

وأضاف د. الرديعان: قمت بدراسة حول العنف ضد المرأة في الرياض (٢٠٠٨) تحديداً وتبين لي حلول العنف اللفظي ضد المرأة في المرتبة الأولى بنسبة ممارسة بلغت ٥٨٪‏ مقارنة بالأنماط الأخرى. وهناك أنماط عنف أخرى إلا أنها أقل ممارسة كان أقلها لحسن الحظ العنف الجنسي.

وقد بينت النتائج إحجام المرأة عن طلب العون والحماية من الجهات الرسمية خوفاً من وقوع عنف آخر أشد وأمضى إن جأرت بالشكوى.

بالمجمل فالدراسة كشفت عن ضعف واضح في تشريعات الحماية، وحتى بعد صدور القانون المذكور فإن آليات تنفيذه غير واضحة، بل ويكتنف التطبيق تعقيدات تجعل منه قانوناً غير فاعل لاعتبارات ثقافية وبيروقراطية.

الذي يعنيني في هذه المداخلة مما له علاقة بالكراهية هي مسألة شيوع العنف اللفظي وارتباطه بالثقافة وقضية الفروق الجندرية، وأنه حتى في حال صدور قوانين رادعة للحد من العنف والكراهية والتمييز الجنسي فإن الثقافة لا تساعدنا على المضي قدماً في إصدار التشريعات المناسبة. مشكلتنا ليست في إصدار القوانين ولكن في صعوبة تطبيقها وتعويد الأفراد على احترامها والانصياع لها.

ولفت د. عبدالرحمن الهدلق النظر إلى أنه في أمريكا انتشر منذ أكثر من عقدين مصطلح Political Correctness وترجمته الحرفية التصحيح السياسي؛ وهو يقوم على فكرة أن أفراد المجتمع يجب عليهم أن يكونوا حذرين وحريصين على عدم استخدام أي كلمات أو سلوكيات يمكن أن تسيء إلى مجموعة معينة من المجتمع. بمعنى آخر أهمية مراعاة مشاعر وحقوق الآخرين خاصة إذا كانت تلك الكلمات أو السلوكيات تؤدي إلى كراهيتهم أو تحرض عليهم أو تنتقصهم…الخ ، وكم من سياسي أو قيادي في أمريكا أرغموا على ترك وظائفهم أو اعتذروا علناً في الإعلام بسبب فقدانهم لما يسمى “البوليتكل كوريكتنس”.

وفي تصور أ. عبدالرزاق الفيفي فإن أي خطاب يتعامل مع ثوابت الإنسان باستهتار مهما كان معتقده ولونه وشكله هو سبب رئيسي في نشر الكراهية ، وقد تلبس حينها من المتطرفين في أقصى اليمين و أقصى اليسار جبة الشرعية و المشروعية لتلك الكراهية.

  • oالتوصيات لنبذ خطاب الكراهية وإشاعة التسامح

يرى د. ناصر القعود أن علاج ظاهرة خطاب الكراهية يبدأ من التنشئة الاجتماعية منذ الصغر مدعوما بمناهج تدعو لقبول الآخر واحترامه.

وذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن السؤال الذي يرى مشروعية طرحه هنا للوصول إلى علاج يحد على الأقل من ظاهرة تمدد خطاب الكراهية بين المجتمع الواحد أو حتى مجتمع وآخر ، وهو هل هناك قانون معيّن يسهم في العلاج أو الحد من ذلك ، لأنه وبلا شك أن انتشار خطاب الكراهية ومعايشة آثاره في أي مجتمع مؤداه انكسارات تحدث   للشعوب ، الأمر الذي منه يصل بها إلى الفرقة المجتمعية في وقت يسعى المصلحون من تربويون واجتماعيون وحقوقيون إلى درء ما يسيء لأي مجتمع أو فرد لضرر يصيبه أو انتهاك لحقوقه. ولاشك أن توافر قانون دولي وآخر محلي ينصان على تجريم وحفظ حق المتضرر من دعاة الكراهية بكافة أشكالها ، سيحد من ظاهرة مشؤمة تنادي في الأصل نحو الفرقة والإقصاء.

وأوضح د. خالد الرديعان فيما يتعلق بخلق الكراهية وعلاجه أن هناك ظواهر سلوكية من المؤكد أن بعضها تخلق الكراهية ضد المسلمين وتتمثل بممارسات نقوم بها أحياناً بعفوية وأحياناً عن قصد.

  • الظاهرة الأولى: هي لجوء البعض منا إلى الصلاة الجماعية أو الفردية في أماكن غير مخصصة للصلاة بالأساس كصالات المطارات الأوروبية وفي بعض الطرقات وممرات الطائرات وذلك على مرأى من الجميع. وقد يفسر غير المسلمين الأمر بأنه اعتداء على حيز مكاني مخصص لاستخدامات أخرى، في حين أننا كمسلمين نرى ذلك مبعث فخر وعزّة ونعتقد أننا بهذا السلوك ننشر الإسلام. وبهذا الخصوص فإنه يمكن أداء الصلاة بصورة غير مستفزة دون لفت انتباه الآخرين، وفي أماكن مناسبة لا تثير حفيظة المتربصين بالمسلمين.
  • الظاهرة الثانية: هي إصرار بعض المسلمات على غطاء الوجه التام في دول تمنع ذلك لدواعي أمنية وثقافية واجتماعية، وعندما يُطلب من المرأة كشف وجهها أو عدم تغطيته في الأماكن العامة تقوم قائمة الجميع على أن ذلك اعتداء على المسلمين وأن هذا الإجراء تعبير عن كراهية للمسلمات وحجابهن.

والمقترح بهذا الخصوص أن لا نتشدد كثيراً في مسألة غطاء الوجه حين نسافر خارج المملكة لبلاد نعلم انها تمنع ذلك ولاسيما أن المسألة خلافية بين الفقهاء، وبالتالي يمكن عدم استفزاز الآخرين بهذه المسألة بحيث نكون أكثر لباقة في احترام قوانين الدول المضيفة مع حفاظ المسلمات على سمتهن الإسلامي.

وأضافت أ. كوثر الأربش مقترحين ترى أهميتهما في هذا الصدد:

1- صناعة القدوة

أكد التربويون و المحللون الاجتماعيون والنفسيون أن السلوك جزء منه وراثة، والجزء الأكبر منه اكتساب. لذا يقع العبء الأكبر في اكتساب السلوك على المحيط والبيئة الحاضنة للأفراد (الأسرة، المدرسة، المجتمع و الإعلام). اليوم يلعب مشاهير الإعلام والرياضة والفن دور القدوة بلا منازع. يختلف الأمر عن الأجيال السابقة، الأكثر حظا بوجود قدوات إما تاريخية حاضرة في الذهنية المعاصرة بدعم من الإعلام والمناهج الدراسية، أو بالرموز المعاصرة سواء كانت سياسية أو دينية ملهمة وتمتلك كاريزما نافذة للعقول.. نحن اليوم نحتاج لقدوات، فلماذا لا نصنعها؟ وليس المقصود أن نقوم بخداع العامة وصناعة كاركتر مزيف، إنما استكشاف الشخصيات الملهمة ودعمها، دعمها بكل ما أوتيت المؤسسات الرسمية من قوة لتبرز في الساحة.

2- الجوائز والمكافئات

كلما توجت عملا عظيما، إنسانيا في غايته كلما كرست السلوك، نطمح لمكافئة جزلة توهب للأشخاص الذين يقومون بعمل إنساني نابذ للكراهية والتطرف.

ويرى د. عبدالله بن ناصر الحمود أن المنظمات الإسلامية الكبرى المعتبرة العاملة في الغرب.. تبذل جهودا غير مسبوقة في التاريخ.. لكنها تواجه ثلاثة إشكالات كبرى:

  • الأولى.. تكبدها تبعات كل ما يصدر عن المسلمين من جنوح.. أو شبهة جنوح.. ومسؤوليتها الأخلاقية تجاه ذلك.
  • الثانية.. عقوق الحكومات الإسلامية ونكوث معظمها عن الدعم التقليدي المادي والبشري الذي أنشئت تلك المنظمات على أساسه.
  • الثالثة.. اضطرارها للمواءمة بين ما هو ديني وما هو سياسي.. وسطوة السياسي الغربي عليها.

ويرى د. مساعد المحيا أن من العدالة التوازن في النظر لكثير من الأمور التي تنتج وتتسبب في الكراهية ..ففي الوقت الذي نحن نحتاج للكثير لكي نتعامل بتسامح لكننا نحتاج إلى أن نرى الظلم يتوارى والعدالة تتحقق .. لكي يكون التسامح سلوكا حقيقيا وليس مفتعلا .. وهذا يشمل كل الجغرافيا المحلية والدولية.

إننا نحتاج أن نخفف من مؤشرات بقاء الانتماء القبلي في مجتمعنا والمقصود به الانتماء الذي يعبر عنه بسلوك يعادي فيه المرء الآخرين ..وهو جانب من العصبية التي تنتج الكراهية .. إذ من حق المرء أن يفخر بأهله وقبيلته لكن من المؤسف أن ذلك لا يتم لدى البعض إلا بانتقاص الآخرين مما ينتج ردود فعل أشد وأقسى ..وكثير من الاحتفالات القبلية تشهد افتخارات وهمية وذم لقبائل أخرى.

هذا الأمر يمتد للحياة المدنية، ومن الصعب التخلص من ذلك الانتماء فهو كامن حتى يستثار؛ فاذا استثير تبين مدى قدرة هذا المسؤول في هذه الجهة أو تلك على ضبط مشاعره ومواقفه وآرائه.

أما توحيد الخطب الذي أشارت إليه أ. إيمان فليس من المقترحات الملائمة؛ فهل يمكن تقبل مثلاً أن يدعو أحد إلى توحيد موضوعات البرامج الإذاعية والتلفزيونية في كل المحطات وأن يكون هناك موضوع واحد في كل أسبوع ومن يحدد ذلك هو جهة إعلانية مركزية.

لا ينبغي أن تكون ممارسات خاطئة تتم هنا أو هناك سببا في احتكار المعرفة وفي الدعوة لأنموذج إقصائي يعيد فكرة تسلط الكنيسة حيث هي المصدر الوحيد للتلقي ….إذ هذه الفكرة توحد مصدر التلقي وتجعل الناس في كل مدن المملكة برغم تنوعهم واختلاف مدنهم وكأن لهم خطاب واحد.

وأضاف أ. جمال ملائكة أن لدينا كوارث في فهم ديننا و الحلول متاحة و تحتاج إلى إرادة سياسية حاسمة و تشريعات قوية و توعية شاملة و إعادة تأهيل للمعلمين و المعلمات و البدء بزرع لغة الحوار و تقبل الآخر و رأيه منذ السنوات الأولي.

بينما يرى أ. خالد الوابل أن الأهم هو التأكيد على مبدأ المواطنة ووضع التشريعات التي تجعل الكل سواسية أمام القانون.

وبدوره ذكر أ. محمد بن فهد العمران أنه لا يمكن لأحد أن يزيل الكراهية من عقول البشر و هي اليوم موجودة في عقول جميع البشر بمن فيهم البشر في الدول المتخلفة و الدول المتقدمة ، لكن يمكن الحد من الكراهية و تقنينها من خلال:

–         رفع مستوى التعليم و الثقافة بين البشر.

–         فرض قوانين و عقوبات ضد من يمارسها.

ولعل الدول المتقدمة نجحت إلى حد كبير في الحد من الكراهية و تقنين ممارساتها من خلال هاتين الأداتين لكن خلال فترة زمنية طويلة نسبياً.

لكن أ. مها عقيل ترى أن القوانين رادعة ولكن أيضا الوعي المجتمعي الرافض لخطاب الكراهية والعنصرية له دور. نلاحظ مثلا في الغرب عندما يتفوه شخص ما علانية بألفاظ تنم عن عنصرية وكره تكون هناك ردة فعل ضده من المجتمع تنهره وترفض تصريحاته

وتساءل د. مساعد المحيا: كيف يمكن لسعودي وطني غيور على وطنه ..أن لا تتجذر لديه الكراهية ضد هؤلاء حين يستمع لخطاب أولئك الذين يحملون أطماعا توسعية جعلتهم يسيطرون على أربع عواصم عربية … تكون ساذجا حين لا تأخذ هذه التصريحات محمل الجد.

أما د. خالد الرديعان فيرى أنه و قبل سّن أنظمة تجرم الكراهية فإنه يفترض بداية تعريف الكراهية إجرائياً لتداخل هذا المصطلح أحياناً مع التمييز. قد تكون الكراهية مشاعر والتمييز تطبيق لتلك المشاعر.. لكن يظل التعريف أساسي.

واتفقت أ. أسمهان الغامدي مع طرح د. الرديعان حول أهمية وجود تعريف واضح وصريح يسهل كثيرا التطبيق .. فالكثير يجرم الكراهية في جانب .. ويمارسها في جوانب كثيره جداً.

وذهب د. خالد بن دهيش إلى أن خطابات الكراهية التي تبث من فئة ضد فئة من مجتمعنا – وفِي هذا الوقت – والتي تشكك في وطنيتهم قد تكون لتصفية حسابات بين تلك الفئتين على حساب وحدتنا و وطنيتنا. و يتناسون أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

نحن في مملكتنا الغالية في أمس الحاجة لوجود نظام لمكافحة التمييز والكراهية ليقضي على الأفعال و الأشكال المرتبطة بالتمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل و طرق التعبير يتيح لأي متضرر من رفع دعوى ضد الشخص أو الجهة مهما كانت.

فنحن في حاجة إلى أن نركز في خطاباتنا على التفريق في خطاباتنا بين الخطاب الإلهي الذي يدعو للسلام ببن الناس ومصدره كلام الله و آياته والخطاب الديني الَّذِي مصدره ما روي عن رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بسند صحيح، وفِي نفس الوقت لدينا الفهم الكافي الذي يجنبنا الأحاديث التي ليس لها سند صحيح و تتناقض مع آيات الله التي تدعوا إلى المحبة والتراحم والتعاون والسلام بين الناس وهذه الفهم قليل من يستطيع أن يحيط به. فهناك الكثير من الروايات تتخذ من خطاب الكراهية والتكفير لمن لا يتبع منهجهم ومن تلك الخطابات التحريض على قتل الأبرياء لمجرد الاختلاف معهم في قضايا خلافية برزت بعد وفاة رسول هذه الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما تفعل داعش والقاعدة والحشد وحزب اللآت وغيرهم من المنظمات المصنفة بالإرهابية. كما وأن هناك من أبناء جلدتنا تغيب عنهم الآية الكريمة (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)) أي وسطا في كل أمور الدين لا تشدد اليهود ولا تهاون النصارى ، كما ورد في تفسير الشيخ السعدي رحمه الله.

وترى د. ثريا العريض أن الطريق المباشر للقضاء على الكراهية و الفئوية المولدة لها هي بتقديم المشتركات الإنسانية و التساوي في حق البقاء للجميع .. و من يتعدى على أي آخر يتعامل معه المجتمع بقانون تساوي جميع الأفراد في المسؤولية عن الفعل واستحقاق الجزاء أو العقاب.

ولعل أهم الأفعال المرفوضة استخدام لغة الاستفزاز كالتصنيف السلبي و التحقير والشتم و التهديد.. فهي ما يؤدي لردود الفعل المتصاعدة للعدوانية البدنية.

التداعيات المجتمعية كالاستقواء للدفاع الجمعي وحماية الموقع و المميزات معروفة.. و منها أيضا تأتي التبريرات السياسية و التفسيرات الدينية و المذهبية كثيرا ما توظف لتمرير الأفعال بغطاء جمعي و هي التي تدعم الانتماء الفئوي دون اعتبار للتساؤل حول صحة قيمه و تعليماته .. مهمشة لحق الإنسان كل إنسان في المعاملة الكريمة و التعامل مع التجاوزات فرديا بميزان القانون.

مع العلم أنه حتى القوانين السارية ومدى سلطتها قد تتأثر في محتوى تفاصيلها وقدرة تطبيقها و تنفيذها على الميول السائدة للفئة الأقوى المتنفذة في المجتمع.

أول خطوة هي بناء الوعي بحقوق الإنسان و إخضاع تلقين القيم لها منذ فترة التنشئة الأولى .. بحيث يطبق حظر الاعتداء و تعاقب الأفعال واللغة العدوانية بين الأطفال لينشئوا على الحوار الإيجابي.

وأشارت د. منيرة الغدير إلى أن ما يهمها هو تسليط الضوء على القضية بعيداً عن التوجس من الاعتراف بوجود خطاب الكراهية في طيات المجتمع السعودي وثقافته المتعددة، أو الاستشهاد بالنصوص الدينية التي ضمنت المساواة والعدالة بين الناس، أو النظر إلى الأنا التي تُهمشُ، بدلاً من الالتفات لإقصاءاتها بجرأة تتطلب الحفر في مكونات ثقافتنا العربية والخليجية بالتحديد.

والأسئلة المطروحة: ما هو موقع الآخر في الثقافة الشعبية المحلية؟ كيف ترى وتصنف هذه الثقافة المختلف مذهبياً ودينياً وإثنياً؟ كيف تعبر عن هذا الاختلاف وماهي أدوات الإقصاء أو النبذ التي تنبع من هذه العلاقات القلقة من الآخر بما في ذلك الأقليات وخاصة العمالة (workers)؟ ماهي صيغ التمييز ضد المرأة واللغة التي تطورت منذ اكتشاف النفط وحتى الآن لوضعها داخل إطارات ضيقة تحد من كينونتها وحقوقها؟ وكيف نفكك هذه المتاهات اللغوية بعيداً أن نأكل الطُعم اللغوي ونبرأ الأنا المخلصة؟

إذاً إن أردنا البحث في هذا الموضوع فإنه يتطلب مواجهة نقدية جريئة مع الذات أولاً وفاحصة لكل ما أنتجته من رفض للآخر المختلف حتى وإن كان رفضها متسربلاً باستعارات لغوية أو حجج السياقات الطارئة.

الملاحظ هو غياب النقاش الثقافي الجاد باستثناء عدد قليل من الدراسات، لكن يمكن استثناء الرواية (وخاصة ما سردته الكاتبات السعوديات) والتي دلفت لهذا الموضوع بجرأة ووعي : رواية (ستر) لرجاء عالم، (جاهلية) لليلى الجهني، (البحريات) لأميمة الخميس، (يهودية مخلّصة) لسالمة الموشي، بالإضافة إلى عدد من الكاتبات والكتاب الآخرون.

لماذا طرحت الرواية السعودية مواضيع التمييز العنصري، القبلي والطائفي ولم يتطور النقاش في الدراسات الثقافية ليسجل حضوراً وتفاعلاً مستمراً؟

كلنا يعلم أن هذه المواضيع بدأت تبرز أمامنا ولا نستطيع أن نلتفت عنها، أو نؤجل نقاشها بحجة أنها ليست متجذرة، أو القول أنها تتركز في جانب معين فقط، أو أنها طارئة بسبب ظرف سياسي أو اقتصادي، مثل هذه التبريرات ماهي إلا رغائب في تطهير أنا متفردة تحاول السيطرة على المشهد المجتمعي والتخلص من تهمة الإقصاء والعنف المصاحب له.

هنا لابد من الالتفات للإعلام الجديد الذي سهل بث العنف اللغوي وخطاب الكراهية سواء فيما يتعلق بالطائفية، الجندرية، أو الوطنية وتداول صفات تنتمي لنوع مفزع من الإقصاء بل النبذ من الجماعة المتخيلة.

إذا كانت وسائل الإعلام الحديثة هي مرجع الشباب والشابات سواء للتواصل، الترفيه أو حتى البحث لأنها أقرب لهم من أرفف المكتبات، فكيف علينا أن ننمي الحس النقدي والوعي بخطاب الكراهية وكل النزعات العنصرية التي ساعدت هذه المنصات في كشفها؟

وأخيراً قضية خطاب الكراهية تستحق المكوث معها طويلاً وذلك من خلال الحلقات البحثية، المواد التعليمية والجامعية، بل إنشاء التخصصات الجامعية في الدراسات الثقافية المقارنة، الخ ، لأن خطاب الكراهية ليس من القضايا التي بالإمكان القضاء عليها كما لو أنها فيروس موسمي طارئ، أو أنها عابرة لأسباب اجتماعية واقتصادية، بل ستظل وقد نضل الطريق لكشفها وتفنيدها لكي يتعرف الجيل الجديد من الشباب والشابات على متاهاتها اللغوية وإشكالياتها الثقافية والاجتماعية وما تجلبه من عنف وصراع.

الخطاب النسوي وخاصة السيبراني ليس متمكناً من الثقافة النقدية والحقوقية وأحياناً اللغة التويترية السريعة تغلب عليه، وتقلل من أهمية القضايا التي يلقي الضوء عليها أو يطالب بحلها. الموضوع يستحق نقاشاً أطول، لكن الاعتقاد أن النشاط النسوي السيبراني على أهميته يشتبك مع عنف آخر وهنا تقع الناشطة في فخ اللغة والعنف من حيث لا تريد، فهي تجد نفسها في مواجهة مع عنف مفزع وعادة قادم من مجهول.

وأشار د. زياد الدريس إلى أن الذين لا يجيدون التعبير عن حبهم لوطنهم إلا من خلال «فنون الكراهية»… كراهية الشعوب، كراهية الأوطان، بل وكراهية المواطنين الذين اختلفوا معهم، فإنهم أناس لا يمكن الاعتماد عليهم في تقوية الوطن، لأن الأوطان التي تُبنى على الكراهية تصبح هشة أمام أضعف ريح تعصف بها.

الوطن بيتٌ صغير. هل رأينا بيتاً ينمو ويزدهر وهو ملئ بإخوة متباغضين، بنوا أعمدة سقفه وهم يتناطحون بالأخشاب؟! و لم يعد خافياً على أحد أن الذين لا يستطيعون إثبات وطنيتهم إلا من خلال تخوين هذا وتكفير ذاك وتجريم الثالث هم وطنيون مزيّفون، يتعيّشون من الوطن ولا يتعايشون فيه.

الكراهية خُلُق لا يبني إنساناً سوياً… فكيف يبني وطناً قوياً! لا خيار لنا، كي نقاوم الاحتقان الماثل في أوطاننا الآن، سوى أن نقاوم نشر ثقافة الكراهية، تحت أي ذريعة، الكراهية المزيّفة باسم الدين… باسم الوطن… باسم الحزب… باسم القبيلة، في ما مضى وفي ما هو كائن الآن وفي ما سيأتي.

فلنوقف هذا التراشق بالأوطان، فهي أنصع وأرفع من أن تكون عِصيّاً في أيدي السفهاء. ولنمنعهم من توزيع شهادات الوطنية أو حجبها، وهم لم يقدّموا بعد لوطنهم من الأعمال ما يشفع لهم حيازة هذا الشرف الرفيع. ولنقاوم زارعي الكراهية قبل أن يُثمر زرعهم بُغضاً… وقد أوشك!

المحور الثالث

السجينات المرفوضات من أسرهن- واقع المشكلة وسبل الحد منها

الورقة الرئيسة: د. هند العتيبي

تعد مشكلة إجرام النساء من المشكلات التي تشغل كثيرا من المجتمعات، لما يترتب عليها من مشكلات أسرية ومجتمعية لاحقة، ومن هذه المجتمعات المجتمع السعودي، حيث أن جرائم النساء فيه قليلة مقارنة مع جرائم الذكور، كما أن أعداد المرتكبات للجرائم بوجه عام متذبذب في الارتفاع والانخفاض، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أعداد النزيلات أخذ في الارتفاع والانخفاض خلال السنوات العشر السابقة، فقد بلغ عام ١٤٢٤هـ (١٥٠) نزيلة، ثم أخذ هذا العدد في الارتفاع ليصبح (٢٠١) نزيلة عام ١٤٣٠، وتضاعف العدد في عام ١٤٣١ ووصل (٤٠٢) نزيلة، ثم أخذ هذا الانخفاض ليصبح (١٢٥) نزيلة عام ١٤٣٣هـ.

وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الإحصائيات قد لا تكون دقيقة فكثيرا من الجرائم لا تدون، فهذه الأعداد هي المقبوض عليها والتي صدر بحقها حكم شرعي فقط، وذلك لعدة أمور منها أن كثيرا من جرائم النساء اللاتي يتم القبض عليهن يتم إنهاء موضوعهن داخل مراكز القبض للمصالح المترتبة على ذلك، ولتفسير التفاوت العددي والنوعي بين إجرام الذكور والإناث أشارت النظرية النسوية في تفسيرها لهذا الاختلاف إلى التنشئة الاجتماعية المختلفة للإناث والى الانضباط الاجتماعي الصارم والى الفرص القليلة لدى المرأة لارتكاب الجريمة ولقلة خروجها واحتكاكها بالآخرين ، وإلى عدم الرغبة في المجازفة بخرق القانون، لتأثير ذلك على سمعتها وحياتها أكثر من تأثيرها على الرجل، لذلك يكون هناك بعض حالات الرفض الأسري للمرأة بعد إيداعها المؤسسة الإصلاحية.

وعن التفسير العلمي لارتكاب المرأة للسلوك الانحرافي أو الإجرامي فإن العوامل عديدة ومتشابكة، ومن أهم النظريات الاجتماعية نظرية الضبط الاجتماعي للعالم (سيلين) حيث أن عملية التفكك الاجتماعي المتمثل في تصارع المصالح والقيم وانعدام الترابط والانسجام بين أفراد المجتمع هو السبب للانحراف في المجتمعات المتقدمة حضاريا، أما (هيرشي) فيرى أن الانحراف نتيجة لضعف الضبط في المؤسسات كالأسرة مثلا، أو نتيجة لمخالطة الجماعات المنحرفة ودورها في إكساب السلوك المنحرف عن طريق التعلم كما في نظرية الاختلاط التفاضلي للعالم (سذرلاند) وربما يرجع الانحراف أيضا إلى سوء معاملة الأهل للمفرج عنها فقد ينظر لها بنظرة الاحتقار وعدم الثقة حسب نظرية الوصم الاجتماعي.

ورغم أن رفض الأهل للنزيلة يعد من أهم المشكلات إلا أننا لا نستطيع أن نتعرف على حجم المشكلة بدقة ، فهذه الشريحة مغيبة تماما عن الإحصائيات الرسمية.

وفِي دراسة علمية حديثة لعام ٢٠١٥ أجرتها الباحثة هند العتيبي بإشراف د. حميد الشايجي بعنوان ( أوضاع المرفوضات من أسرهن بعد انقضاء فترة محكوميتهن ) دراسة مطبقة على المؤسسات الإصلاحية ودور الضيافة بالمملكة وصل عدد المرفوضات (٤٠) حالة وما ينبغي التأكيد عليه أن هذا العدد ليس هو العدد الكلي لخروج عدد منهن بالزواج كما تم استبعاد (١٠) حالات لرفضهم إجراء المقابلة.

وعن التفسير العلمي للرفض فهناك عدة عوامل قد يكون أهمها الوصم الاجتماعي للعمل الانحرافي أو الإجرامي فعملية الوصم يكون تأثيرها على المرأة أكثر من الرجل، وذلك راجع لوضعها الحساس في المجتمع وهذا ما يدفع بعض الأسر إلى رفضها فهي لا تنتهي بكونها جريمة يعاقب عليها الشرع فقط، بل تمتد لتصبح عارا اجتماعيا يمس كل أفراد الأسرة، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء دور للضيافة لنقل النزيلات المرفوضات ويوجد حاليا أربع فروع على مستوى المملكة.

وحقيقة إنشاء هذه الدور يعتبر حل للمشكلة بدلا من إقامتهن داخل المؤسسة الإصلاحية لكن تعاني الدار من مشكلات أهمها أن عمليه إقناع الأهل غالبا بالاتصالات الهاتفية وقد لا تلقى هذه الوسيلة جدوى لعدم رد الأهل مع قلة الزيارات الميدانية لأهل النزيلة لتجنب المشاكل الأمنية، مع عدم التركيز على الحالات اللاتي ليس لديهن عود من جميع النواحي سواء الجهود المبذولة مع الأهل أو تأهيلها اجتماعيا ونفسيا كما تعاني غالبية النزيلات من اضطرابات نفسية، ولَم يخضعن للعلاج وهذا أحد أسباب ارتكاب حالات العنف بين النزيلات.

ولكن منح الدار صلاحيات خفف من حدة المشكلات الموجودة سابقا، مثل تسليم النزيلة للأقارب أو تزويجها بدون أخذ موافقة ولي الأمر وإكمال التعليم، وكذلك تأهيلهن من خلال الأسر المنتجة بل يوفر لها السكن المستقل على حسب حالتها من خلال التعاون مع الجمعيات الخيرية.

(الحلول المقترحة )

  • أن تكون هناك إحصائيات رسمية توضح حجم المرفوضات من أسرهن لوصف المشكلة بدقة.
  • عدم بقاء النزيلات بالمؤسسات الإصلاحية بعد انتهاء مدة المحكومية وتحويلهن لدار الضيافة مباشرة.
  • زيادة أعداد الأخصائيات لكي يتناسب مع أعداد النزيلات خصوصا وأن جهود الإصلاح موكلة لهن، مع وضع نقاط تقييمية لمن لهن دور في إقناع الأهل.
  • أن يكون هناك تصنيف للنزيلات بالدار حسب العمر ونوع الجريمة وعدد مرات العود.
  • يعتبر الزواج أحد الحلول، ولكن أغلب الزيجات انتهت بالطلاق بعد شهور، لذا نوصي بضرورة تأهيل النزيلة من خلال حضور الدورات التأهيلية.
  • نوصي بالتركيز على برامج الرعاية اللاحقة وتنوعها.

التعقيب الأول: د. حميد الشايجي

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ” كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ” رواه الترمذي ( 2499 ) . وابن ماجه ( 4251 ) .

تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المناظير والدراسات الاجتماعية التي تناولت إصلاح وتأهيل وإعادة دمج المجرمين في المجتمع. و استحدثت العديد من البرامج ‏الإصلاحية والتأهيلية في كثير من الدول، ومنها المملكة العربية السعودية. ولكن من أصعب المشكلات التي تواجه مثل هذه البرامج هي القبول الاجتماعي. حيث أنه في كثير من المجتمعات لا يتم قبول المفرج عنهم بعد انقضاء محكوميتهم ولا يتم إعطائهم فرصة أخرى للاندماج في المجتمع، فقد لا يوظفون أو لا يزوجون، مما يكون له عواقب وخيمه تتمثل في انتكاستهم وعودتهم مرة أخرى للعالم الذي يتقبلهم وهو عالم الإجرام، ويكون سلوكهم هذا عبارة عن ردة فعل سلبية ضد المجتمع وانتقاماً منه لرفضه إياهم (كما أشار إدوين ليمارت في نظريته الوصم الاجتماعي)، فرفض الأسوياء لهم يسهل مهمة المجموعات والعصابات المنحرفة لإعادة تجنيدهم.

وإن كان أمر القبول والاندماج صعباً على السجناء الرجال فهو أشد صعوبة لدى السجينات. فمعاناة المرأة السجينة تعادل أضعاف ما يعانيه الرجل السجين. نظراً لظروفها وأوضاعها الاجتماعية. خصوصاً في المجتمعات التقليدية حيث تكون معاناة المرأة أكبر. فحالة عدم القبول بالنسبة للمرأة ليست محصورة في عدم الحصول على وظيفة، ولكنها تتعدى ذلك إلى الرفض التام من المجتمع، بل تصل أحياناً إلى قتل المفرج عنها خصوصاً إن كانت جريمتها أخلاقية من مبدأ غسل العار.

وقد أجادت د. هند في وصفها لهذه الحالة ومعالجتها. وتجدر الإشارة إلى ما ذكرته    د. هند من أن الإحصاءات الرسمية لا تبين الحجم الحقيقي للجريمة بشكل عام وإجرام النساء بشكل خاص. حيث تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الإحصاءات الرسمية لا تُظهر إلا حوالي ١٠٪‏ فقط من الحجم الحقيقي للجريمة المرتكبة، ولذلك سُمّيت الأرقام المعروفة بقمة الجبل الجليدي كناية عن قلة حجم الجريمة الظاهر، بينما يسمى الحجم المخفي للجريمة بالأرقام المظلمة للجريمة. وهذا يؤكد ما ذهبت إليه د. هند من أن الأرقام المعلنة لجرائم النساء لا تمثل الحجم الحقيقي للجرائم المرتكبة.

وعلى الرغم من أن الأرقام المعلنة لجرائم النساء أقل بكثير من جرائم الرجال، إلا أن معاناتهن أكبر، فما بالك لو كان جميع من ارتكبن جرائم تم القبض عليهن وتم إحالتهن للسجون لكانت المشكلة أكبر بأضعافاً مضاعفة.

إن إجراءات معالجة أوضاع السجينات المفرج عنهن والمرفوضات من أسرهن التي اتبعتها جهات الإيداع، ممثله بمؤسسة رعاية الفتيات التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية (التي تأوي السعوديات المحكوم عليهن من سن٣٠ سنة فأقل) وسجن النساء التابع لوزارة الداخلية (الذي يأوي السعوديات المحكوم عليهن من سن ٣١ سنة فما فوق)، أن هذه الإجراءات لم تحقق الأهداف المأمولة منها. وذلك للأسباب التالية:

1-   طرق المعالجة لم ترقى لمستوى المهنية المطلوب لمثل هذه الحالات.

2-   المعالجة ركزت على سجينات مؤسسة رعاية الفتيات ولم تبذل جهود موازية في سجون النساء.

3-  دور الضيافة الإيوائية تعاني، بالإضافة إلى المشاكل التي ذكرتها د. هند، من عدم المهنية في الممارسة، هذا بالإضافة إلى اختلاط النزيلات في الدور فهناك المعنفات والهاربات من العنف والسجينات المرفوضات من أسرهن، بينما كل فئة من هذه الفئات تحتاج إلى تفريد وإلى نوع خاص من الرعاية والمعالجة، في حين أن المعالجة المتبعة معالجة عامة تطبق على جميع الفئات بغض النظر عن الاختلاف بينها، من ناحية متغير العمر والسبب لدخول الدار ونوع المشكلة التي تعاني منها الضيفة.

4-  يبدو أن المعاملة داخل دور الضيافة ( وهذه النقطة تحتاج إلى تأكد ) فيها شيء من الشده وكأنهن لازلن يمضين جزء من عقوبتهن، بينما في الواقع هن أنهين فترة عقوبتهن، ويعتبرن ضيفات، مما يجعلهن يشعرن أن كلٍّ من مجتمعهن الأسري والمجتمع الرسمي يعاملونهم بطريقه سيئة، الأمر الذي لا يساعد على إصلاحهن. لذلك يجب تغيير أسلوب المعاملة داخل الدور.

وما أوصت به د. هند من حلول تبدو مناسبة جدا وأضيف لها:

1-  ضرورة تدريب وتأهيل الأخصائيات اللاتي يعملن في مجال الإصلاح بين النزيلة وأسرتها، وتزويدهن بمهارات التفاوض والإقناع اللازمة.

2-   توحيد وتكثيف جهود الإصلاح المبذولة في مؤسسات رعاية الفتيات وسجون النساء، وجعلها في جهة واحدة.

3-  إنشاء جهة مستقلة عن مؤسسات الرعاية والسجون يتم إحالة الحالات المرفوضة إليها لتتولى عمليات المصالحة بين السجينات المرفوضات وأسرهن. حيث يُتوقع أن تحظى هذه الجهة بالقبول من الأسر لكونها لا تحمل نفس الوصمة التي تحملها المؤسسة أو السجن كجهات سالبة للحرية. مما سيساعد في المعالجة.

4-   يجب تفريد برامج وإجراءات المعالجة المتبعة في المؤسسات الإصلاحية وفي دور الضيافة.

5-  في حالة فشل كل المحاولات المبذولة واستمرار حالة الرفض يتم نقل المرأة إلى مدينة أخرى وإعطائها هوية جديدة ومساعدتها على الحصول على وظيفة وذلك بالتعاون مع وزارتي الخدمة المدنية والعمل والصناديق والبرامج المطروحة لمعالجة البطالة، بحيث تعطى هؤلاء الفتيات والنسوة الأولوية في الفرص المتاحة، خصوصا أن أعدادهن محدودة وبالتالي لن يؤثرن على فرص عمل السويات، (لأن البعض قد يعترض على مثل هذا الإجراء).

6-   أشارت د. هند إلى أن نسبة كبيرة من زيجات المرفوضات تنتهي بالطلاق، لذا أوصي بضرورة دراسة الأسباب والعوامل الحقيقية، وليست الانطباعية، وراء حالات الطلاق هذه لمعالجتها و وقاية الحالات الأخرى منها.

التعقيب الثاني: د. حسين الحكمي

عنوان القضية هو ” السجينات المرفوضات من أسرهن – واقع المشكلة وسبل الحد منها”.

من أول كلمة “السجينات” يمكن أن نتنبأ بواقع غير مريح لمن وقع عليه هذا الوصف لسببين أولا أنه متعلق بالسجن والآخر أنهن إناث ! فعندما يتم الحديث عن رفضهن من أسرهن أو حتى من مجتمعهن فلا غرابة فكل سجين يواجه صعوبة في تقبل المجتمع له فكيف إذا كان في مجتمع ذكوري له قيمه وعاداته ومفاهيمه عن السجن والأنثى. المشكلة برأيي ليست في أن هؤلاء النسوة إناث فقط بل بسبب نوع الجرم الذي ارتكبنه أيضا، قد تتقبل الأسرة أن تعود ابنتهم السارقة أو من دخلت في مضاربة وسجنت ثم خرجت ، لكن من الصعب أن تتقبل فتاة تم سجنها وإدانتها في قضية أخلاقية أو ما يعرف بقضايا الشرف.

السجن وصمة قديمة وقد واجهت كل المجتمعات تحدي في إعادة دمج خريجي السجون في مجتمعاتهم وفي أن يحصلوا على عمل أو وظيفة أو الزواج والعيش بدون وصمة “سجين” . تعددت المحاولات من خلال نشر الوعي وبعض القوانين التي تساعد في أن يحصل السجين السابق على عمل وأنه قد ارتكب جرما وعوقب ولا يجب أن يعاقب مرتين وطوال حياته على جرم غالبا ندم عليه. انتشر مفهوم الإصلاحية والإصلاح والتأهيل وإعادة التأهيل بدل السجن من أجل أن تكون ذات وقع أخف ومقبول مجتمعيا.

الأسرة ماهي إلا النواة الأولى للمجتمع ، رفض المجتمع للسجين أو السجينة ما هو إلا مجموع رفض الأسر ونبذهم لهذه الفئة. سبب هذا الرفض والنبذ والإقصاء والعزل وما قد يصل إلى القتل في بعض الحالات هو سمعة الأسرة أو العائلة أو القبيلة. الأعراف والعادات تربط بشكل قوي بين شرف الفتاة وشرف أسرتها وما قد يشمل أكثر من الأسرة حتى أن ولي الأمر قد يتعرض للضغط من أفراد العائلة والقبيلة من أجل تطهير الشرف. قضية الشرف وارتباطه بالأسرة ليس في السعودية فقط بل حتى في دول أخرى عربية وإسلامية وقد اطلعت على بعض الكتابات من بضع سنوات عن المشكلة في باكستان والمعروفة بجرائم الشرف هناك كما هي في مجتمعنا العربي ولاحظت تشابه كبير في الثقافة والأسباب وهو في النهاية سمعة وشرف العائلة وارتباطها بالأنثى وشرفها حتى أن البعض كان يستنكر ربط شرف عائلة بعذرية فتاة وكيف أن فقد الفتاة لعذريتها يلطخ اسم العائلة كاملا ويؤدي إلى إهانته!

هذا السبب وهذا الفهم للمشكلة عند كثير من أفراد المجتمع تسبب في الرفض للفتيات السجينات ورفض استلامهن بعد انتهاء محكومية من اقترفت أي خطأ أو جرم ، وربما حتى لو لم تثبت التهمة وثبتت البراءة ، وفي بعض الحالات تعدى الأمر إلى أن يقوم أحد الإخوة بقتل الفتاة http://www.alriyadh.com/442704

من الصعب جدا مع مثل هذا الفهم للمشكلة أن يكون هناك تقبل تام للسجينات وهناك حاجة كبيرة لعمل كبير وجهد كبير على كثير من الأصعدة التربوية والتعليمية والإعلامية لنشر الوعي بأن البلد به نظام منبعه الشرع وأن العقوبة التي تقع على الشخص هي تطهير له بحسب الشرع وعلينا القبول بها والرضا بشرع الله، فلو كان هناك حاجة لعقوبة أكبر لأقرها الشارع : الوصول لهذا الهدف ليس باليسير في مجتمع تحكمه كثير من العادات والقيم التي هي أقوى حتى من القيم الدينية . كل من دخل السجن أخطأ وهناك من تم تطهيره بالعقوبة وتاب ، وبما أن التوبة تجب ما قبلها فإن الأصل هو تقبل هذا السجين بعد خروجه وأن يتم إحسان الظن به ومعاملته كإنسان طبيعي.

بالإضافة لنشر الوعي المجتمعي يمكن أن تكون هناك سياسات رعاية اجتماعية لمثل هذه الفئة من المجتمع تساعد في اندماجهن مع أسرهن ومجتمعهن بعد الخروج ، قد يساعد أن تكون هناك برامج لأسر السجينات قبل خروجهن تبين الطريقة الصحيحة للتعامل معهن ، كما يمكن أن تكون هناك متابعة من قبل الأخصائي والأخصائية الاجتماعيين للسجينة بعد خروجها ولأسرتها ومحاولة مساعدتها على تجاوز العقبات والتحديات التي ستواجهها والسعي لحلها .

خروج السجينة من السجن إلى سجن الأسرة هو ما يحصل غالبا والأسرة كثيرا ما تسعى للتخلص من هذه الفتاة بأي طريقة مما قد ينتج عنه آثار نفسية للسجينات تنعكس في سلوكيات سلبية ناقمة على المجتمع والأسرة فالفتاة لم يعد لديها ما تخسره بعد أن خسرت أسرتها وسمعتها ولم يعد يتقبلها أو يحترمها أحد.

المداخلات حول القضية:

  • oأبعاد مشكلة السجينات المرفوضات من أسرهن في الواقع السعودي

ذكر د. خالد الرديعان في مداخلته والتي جاءت تحت عنوان: ما خيارات المرفوضات للبقاء على قيد الحياة؟ أنه أراد من هذا العنوان التنبيه إلى وجود حالات لفتيات تم تصفيتهن جسدياً من قبل بعض أقاربهن؛ بسبب الاعتقاد أن ما قامت به الفتاة تدنيساً للشرف الذي لن يعود إلا إذا أُريق عليه الدم أو كما قال الشاعر: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم. وتدنيس الشرف هنا يعني إتيان الفتاة بسلوك جنسي غير شرعي وربما “شبهة” سلوك جنسي خارج إطار الزواج.

لا يخفى على الجميع أن مسألة “العِرض” honor أو الشرف في مجتمعنا ترتبط بصورة مباشرة ببنية المجتمع بحكم وظيفته في شد المجموعة إلى بعضها البعض من خلال نظام الزواج والمصاهرة؛ فالمسألة ليست شاب وفتاة يقترنان بعقد زواج؛ بل مجموعة أسر ترتبط فيما بينها ما يعني أن الزواج قضية أسر، وأن الأسرة التي تُصنف على أنها غير شريفة بسبب سلوك فتياتها وعادة “السلوك الجنسي” تتعرض لعقوبة اجتماعية تتمثل بعدم مصاهرتها ورفضها من أقرب المحيطين بها ناهيك عن بقية أفراد المجتمع. هذه إحدى التفسيرات التي تقف خلف شيوع الزيجات المرتبة arranged marriage في مجتمعنا. الشرف كقيمة عليا هنا يلعب دوراً مهماً في تماسك المجموعة بل وبقاءها. وبما أننا مجتمع ذو بنية تقليدية وقبلية فإننا كمعظم الشعوب الشرقية أودعنا هذا الشرف عند امرأة صنفناها سلفاً بأنها ذات قابلية عالية للغواية seduction والإغواء ومن ثم إمكانية عدم صونها للشرف الذي أؤتمنت عليه. إنها تستطيع أن تؤذي أسرتها بقضية الشرف أو العِرض.

وأشار د. الرديعان إلى أنه توصل في دراسة سابقة (٢٠٠٨) إلى فرضية أن بعض أنواع العنف الأسري ضد المرأة تعود في أحد جوانبها إلى الهلع من وقوع المرأة في سلوكيات تتعلق بالشرف؛ فنجد الأخ يمارس الحماية الزائدة لأخته وكذلك الأب مع ابنته والزوج مع زوجته، وأن الأسرة قد تحد من حركة وحرية المرأة وخاصة خارج المنزل. وتزداد الحماية عندما تكون المرأة مطلقة؛ فهي وطبقاً للمخيلة الشعبية تبدو معرضة أكثر للغواية ولكل ما يسيء لشرف أسرتها مقارنة بالمتزوجة ومن لم يسبق لها الزواج وبالتالي تتحول حماية المرأة إلى عنف أسري دائم.

هكذا جرت المتواضعات الاجتماعية التي تضع فروق بين الجنسين في مسألة الشرف وآليات حمايته رغم أن العقوبة الإلهية لا تميز بين ذكر وأنثى. وهي نفس العقلية التي ترى أن كل مثلبة غير “خدش الشرف” الذي ستأتي به فتاة جانحة ستظل مغفورة حتى لو كانت جريمة قتل أو سطو أو قطع طريق أو تعاطي وترويج مخدرات فهذه جميعاً لا تقارن بمسألة فقدان الشرف الذي سيترتب على ضياعه عقوبات اجتماعية. سمعنا كثيراً عن جرائم الشرف في دول مجاورة (الأردن أنموذجاً) وكيف يقتل الأب ابنته والأخ أخته، وسمعنا وقرأنا أنهم يفلتون من العقوبة بأحكام مخففة بسبب تراخي أحكام القضاء في هذه المسألة تحديداً.

المعايير السابقة لا تنطبق على الابن الذكر بسبب الفروق الجندرية وهي مفارقة؛ فالولد ليس “وعاءً” للشرف حتى لو تهتك أخلاقياً أو أنحرف أو أغتصب وسلب امرأة أخرى شرفها. وعاء الشرف الذي يلزم حمايته هي أخته وأمه وسائر قريباته (*).

وأضافت د. هند العتيبي على ما ذكر د. حميد الشايجي في تعقيبه فيما يتعلق بعدم تقبل المجتمع للمرأة المفرج عنها خصوصا إذا كانت الجريمة أخلاقية؛ حيث أشار بعض العلماء الأنثربولوجين الغربين إلى الشرف أو العرض عند دراستهم للمجتمعات العربية بوجه عام.

وطبقا لما هو شائع في المجتمعات المحافظة فإن جنوح المرأة يعد خدشا لشرفها وشرف أسرتها وربما قبيلتها ككل، حيث تقل سمعة الأسرة أو القبيلة وتصبح منبوذة فلا يقبل أحد الزواج منها أو تزويجها. وهذا ما يحدث في مجتمعنا فغالبا عندما ترتكب المرأة الجريمة لا يتم التسامح معها أبدا فإما أن تتبرأ منها الأسرة أو يصل الأمر إلى القتل أو التهديد بالقتل لذا فهناك العديد من جرائم قتل النساء تحت مظلة غسل الشرف أو رفضها وعدم استلامها بعد انتهاء فترة محكوميتها لأنها جلبت لأهلها وقبيلتها الفضيحة والعار، بينما لا يتم التعامل بالمثل في حال ارتكاب الرجل للجريمة حيث تقوم الأسرة بدفع كل ما تملك من أجل إخراج ابنها والفرح بخروجه وربما إقامة الولائم تعبيرا عن الفرح وإذا احتاج الأمر دفع الدية غالبا ما نجد تماسك جميع أفراد القبيلة من أجل جمع المال المطلوب ويرجع ذلك إلى الثقافة الاجتماعية المبنية على الخوف من الفضيحة في حال ارتكاب المرأة للجريمة والتي تودي العادات والتقاليد الموروثة دورا أساسيا في تعزيزها وتكريسها بل وحتى في الموروث الشعبي حيث يقال الرجل شايل عيبه في جيبه والسجن للرجال.

وأوجزت أ.د فوزية البكر أبرز المؤسسات التي يجري الحديث بشأنها في سياق قضية السجينات المرفوضات في المؤسسات التالية:

  • مؤسسة رعاية الفتيات: هي المؤسسة التي تحجز فيها الفتيات اللاتي صدر الحكم عليهن بالإيداع بالمؤسسة أو اللاتي يحجزن رهن التحقيق أو المحاكمة من قبل سلطات الأمن أو الهيئات القضائية المختصة وبشرط ألا تزيد أعمارهن عن الثلاثين سنة. وهناك تصنيف داخل المؤسسة بما يتلاءم مع أعمارهن أو طبيعة إقامتهن بالدار على النحو التالي:

–         قسم للفتيات صغيرات السن اللاتي لا تتجاوز أعمارهن خمسة عشرا عاما.

–         وقسم لمن تجاوزن ثمانية عشر عاما.

–         وقسم الحجز الانفرادي حيث تودع فيه الفتيات لحين التحقيق معهن.

  • مؤسسة رعاية الفتيات (للإناث إلى سن ٢٩سنة).
  • دار الملاحظة الاجتماعية (للذكور إلى سن ١٨سنة).

وهي مسميات مُلَطّفة لسجون الأحداث لإبعادهم عن وصمة السجون.

  • دار الضيافة أنشئت بموجب القرار الوزاري رقم ١٦/ ٥٣٨٦٦/ ٢ش وتاريخ ١/ ٢/ ١٤٢٨هـ، ووقد رأى المجلس ما يلي: تنشأ دار خاصة باستضافة النساء والفتيات اللاتي يتعذر إطلاق سراحهن لرفض أولياء أمورهن استلامهن بعد انتهاء محكوميتهن، أو رفضن الخروج مع أولياء أمورهن خوفا على حياتهن.

وتساءلت أ.د فوزية البكر حول الحالات اللاتي يقبل الأهل بإعادتهن بعد هروبهن، وماذا يحدث لهن داخل البيوت المغلقة؟

وحول هذه النقطة ذكرت د. هند العتيبي أنه يوجد عدد من الحالات حسب الدراسة الميدانية لهن عود للجريمة بسبب ردة فعل الأهل القاسية غالبا بعد استلامهن من خلال ممارسة العنف اللفظي والجسدي ضدهن والمتمثل في الضرب والحبس والبعض هددن بالقتل أو بتزويجهن من أشخاص يعانون من مرض عضوي أو شخص كبير بالسن من أجل التخلص منها والستر عليها.

وذكرت أ. أسمهان الغامدي أنه ومن خلال زيارتها لسجن النساء ودار الضيافة .. ليس جميع النزيلات مذنبات؛ هناك للأسف فتيات تقدمن بشكاوي على أوليائهن وأزواجهن وإخوانهن يشتكين من العنف .. لكن للأسف الجهات المختصة تكتفي بتعهد على المعنف ، وبعد تكرار ممارسات العنف تهرب الفتاة لحماية نفسها .. فيبلغ المعنف ” الجلاد” عن تغيب الفتاة .. فتودع السجن لحين استلام وليها لها، بعض الفتيات ترفض وتفضل البقاء عن العودة، وللأسف الإجراءات المعمول بها في السجون تمنعها من الخروج إلا بإذن وليها.

كما أشارت أ. أسمهان الغامدي في مقال لها بجريدة الرياض بتاريخ 9 ديسمبر 2014م نقلاً عن رئيس لجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم (تراحم) محمد الزهراني، أنه يوجد في المتوسط 40 امرأة سعودية من المفرج عنهن تخلت عنهن أسرهن ليقمن في دار الضيافة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، فهي حالات محدودة كلياً ولكنها صعبة نوعياً، فالنزيل أو النزيلة أصبحوا يعانون من صدمتين، صدمة الدخول وصدمة الخروج، ومن ثم يتم العمل على محو وصمة العار من جبين النزيل والنزيلة المفرج عنهم.

وأضافت أ.د فوزية البكر أنه لم يكف هؤلاء الفتيات واقعهن المر بل يضاف لها الموقف الشخصي منهن من قبل العاملات في دور الرعاية. والدي يبدو واضحا من المدخلات أنه محمل بتراث ثقافي و ديني يري المرأة الخاطئة كذنب لا غفران منه وهذا ربما يفسر سبب التعامل القاسي وغير المهني من بعض العاملات لهؤلاء الفتيات.

ومن جانبه قال أ. عبدالله الضويحي في مداخلته: لست متشائماً ولا أحب التشاؤم فأنا متفائل بطبعي اقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لكن في قضية السجينات المرفوضات لست متفائلاً بحل يلوح في الأفق ولو على المدى المنظور.

العنوان اختارته د. هند العتيبي بعناية (السجينات المرفوضات من أسرهن- واقع المشكلة وسبل الحد منها) فقالت ( الحد منها ) ولم تقل الحل ، وحتى الحد منها لن يكون بالمستوى المأمول على المدى المنظور. المشكلة تواجه عوائق اجتماعية وأخرى بيروقراطية فيما يتعلق بالتعامل والمعالجة الرسمية.

العوائق الاجتماعية:

مهما استصدرنا من قرارات ستكون عديمة الفعالية وصعبة التنفيذ إدا لم يتقبلها المجتمع عن قناعة .. لدينا إرث اجتماعي من النظرة الدونية للمرأة .. كثير من الأمثال الشعبية تناولتها من هذا المنظور وكثيراً ما نسمع كبار السن يدعون للبنات بالستر وبالزوج الذي يستر عليها لكن لم نسمع مثل هذه الدعوات للأبناء وكأنهم لا يحتاجون لذلك. عندما يحيد الرجل عن الطريق المستقيم يقولون ( زوجوه يعقل ) فيذهبون لعائلة بعيدة أو لبنت عم مكرهة لأن ( البنت لولد عمها ) لكنهم لا يقولون ( زوجوها تعقل ) ، فالرجل في نظرهم ( لا ينقل عيبه ). يضاف إلى ذلك التفسير والتأويل الخاطئ لبعض آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وبعضها موضوعة والمتعلقة بالمرأة والتعامل معها مما أصّل هذه النظرة.

هذا الإرث الاجتماعي المتراكم عبر القرون جعل أي قرار أو توجه بتمكين المرأة دعوة لتحررها في نظر البعض وإخراجها وأدى لحرمانها من كثير من حقوقها تحت مظلة (سد باب الذرائع). وبعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي زاد الأمر وأصبحت المرأة ضحية صراعات بين تيارات متضاربة. وهذا كله أدى لزرع ثقافة معينة في المجتمع تجاه المرأة عموماً ومن الطبيعي أن يزداد عندما يتعلق ذلك بالسمعة أو الشرف وحتى لو كان خطأ عادياً يظل في نظر البعض غير مقبول لأنها امرأة.

التعامل الرسمي والبيروقراطية:

والحديث هنا عن ناحيتين:

1-  رغم صدور الكثير من القرارات التي تحفظ للمرأة حقها فلازالت دون المستوى المطلوب وتحديداً ما يتعلق بحمايتها وأبسطها وأقربها رفض مجلس الشورى توصية تتعلق باستصدار قرار يمنع التحرش بها.

2-   دور الضيافة التي تحدثت عنها د. هند التي تقيم فيها النساء بعد انتهاء محكوميتهن ورفض أسرهن استقبالهن.

هذه الدور هل هي مؤهلة فعلاً للقيام بالدور المنوط بها من كل النواحي سواء من حيث القائمين عليها أو من حيث البرامج المقدمة !؟ أم أنها تقوم على اجتهادات فردية !؟

القائمون والقائمات عليها هم جزء من هذا المجتمع بثقافته ونظرته للمرأة فهم يعاملون الضيفات معاملة الخارجات من السجن وليس معاملة الخارجات إلى الحياة والمجتمع .. ينظرون لهن نظرة المتهم مدان حتى تتم براءته وليس كماهي القاعدة المعروفة ، ولذلك يأتي التعامل معهن من حيث نزع الثقة والمتابعة حتى منعهن من الجوال.

أيضا ومن ناحية أخرى، هل هذه الدور مهيأة كمبانٍ وتجهيزات لقتل الملل وقضاء الوقت من حيث الترفيه بمختلف جوانبه !؟ يبدو أنها أشبه بالمباني المدرسية .. وبالتالي فهن يخرجن من سجن مادي لسجن معنوي. مثل هذه الدور تحتاج لاهتمام كبير من قبل الدولة سواء بالقائمين عليها من خلال اختيار الكفاءات المؤهلة وفتح الوظائف لعدد أكبر وتأهيلهم بالدورات والتدريب أو من حيث المباني والتجهيزات والبرامج المخصصة للمقيمات في هذه الدور بعيداً عن البيروقراطية والتعامل الروتيني.

المشكلة ليست سهلة وحلها يحتاج لجهد مضاعف ووقت وأهمها إقناع المجتمع بحجم المشكلة وخطورتها إذا لم نتمكن من حلها.

من جانبه قال د. مساعد المحيا: موضوع السجينات المرفوضات مهم، لكنه مؤلم ومحزن .. وأعان الله من يواجه مثل هذه المشكلات من الآباء والأمهات والأسر والعاملين في دور ومؤسسات الرعاية.

نحن هنا نتحدث ولم نعش المشكلة بفضل الله غير أننا نتعاطف مع تلك المرأة التائبة .. وهو تعاطف مشروع … وحين سب أحد الصحابة المرأة التي أقيم عليها الحد نهاه النبي وقال: فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم .. فالأصل هو تقدير التوبة .. للمخطئ من الرجال والنساء .. ولكن مجتمعنا صعب أن يتحمل القرب من المخطئ . مثلا الذي ينتشر خبره بأنه مارس الزنا وتم عقابه يصعب أن يزوجه في مجتمعنا أحد ؛ ولذا يتعب كثيرا في البحث عن زوجه .. وقد لا يجد … ومثله المرأة بل قد تكون أشد .. نحن البعيدون عن هذه الهموم نتحدث عنها ونأمل من الأسر أن تكون أحسن في تعاملها وأن تغفر لها زلتها .. لكن أشك أننا سنتحمل ذلك بالقدر الذي ندعو إليه.

أما أ. عبدالرزاق الفيفي فتطرق للقضية من بعد تأصيلي لحالة التحديات المتوالية على فكر التنمية الوطني الذي لا يفتأ جاهدا بكل إخلاص لخلق بيئة حية عامرة متجددة في كل ما تحتاجه رؤية الوطن؛ حيث قال هذه القضية لا تقل أهمية عن القضايا الوطنية الأخرى؛ بل في قضيتنا هذه شق إنساني وأمني كبير؛ فواقع المهمشين والمكلومين في أي مجتمع واقع مأساوي يتعدى أثره السلبي إلى السلم والأمن المجتمعي بأسره ، فكيف وذلك الواقع يمس المرأة ذلك الجنس البشري الذي أوكل له الله مهمة تحقق الخلق و التكاثر للجنس البشري بأسره وما يتبع ذلك من إعمار الأرض بالشكل الصحيح. وعلى قدر صلاح أو فساد ذلك الجنس البشري ( المرأة ) يكون صلاح أو فساد حالة إعمار الأرض ؛ لذلك استحقت المرأة تلك الشهادة بوصفه (مدرسة)

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعبا طيب الأعراق

فكيف بنا إذا كانت تلك المدرسة تتعرض لحالة فساد أو إفساد.

إن المرأة لها قدسية عظيمة وإن الرجل ( زوجا و أبا و أخا و ابنا ) إنما هم مساعدون ووزراء ( للمرأة ) في تحقيق الصلاح في مهمتها الكبرى نماء و حماية الجنس البشري ليحقق الإعمار في هذا الكون. وعلى ذلك لا ينبغي التساهل أو التخاذل أو التكاسل أو التردد في كل ما يسهم لصلاح حياة المرأة من شؤون الدين و الأخلاق والمعاش و العقل والنفس وكل شؤون حياتها ، لا بمبدأ الوصاية بل بمبدأ الحماية و العون و التكامل والتفاضل.

ولذلك نحن في القضايا الفكرية التنموية الوطنية التي استُعْرِضت في هذه الملتقى الأسباري كمنبر وطني معتدل واعي ، أو في غيرها من المنابر الوطنية ، نجد روح الإخلاص و التجدد و التطور و المبادرة لتحقيق رؤية وطننا بقيادة حكامها الأبرار وشعبه الأخيار ؛ ولكن لا نفتأ نجد أنفسنا في حالة من الهدر الفكري و النفسي والبدني والمالي ، الذي قد يصل بنا كمجتمع لا كأفراد لحالة من اليأس أو في أقل حالته التبلد و التكاسل ، عندما نجدنا تحولنا لظواهر صوتية منبرية أو ورقية بلا صورة تعكس واقع ذلك الصوت وطموحه و أمله. والسبب أنه عندما تتحرك الإرادة السياسية مع احتياجات التنمية الوطنية بعيد عن أمرين هما :

1-   هوية الدولة.

2-   القالب والشكل القانوني والسياسي المتناسق مع الرؤية العليا للدولة.

سيحدث حينها اضطراب على مستويين :

1-   مستوى التشريعات والأنظمة.

2-   مستوى التطبيقات والممارسة.

وتتمثل صور ذلك الاضطراب في التاءات الثلاث المدمرات للتنمية :

1-   التردد.

2-   التعجل.

3-   التكاسل.

ولكي نجد حلولا ناجحة نحتاج إلى أمرين :

1-   أن ترسخ هوية الدولة بعمقها الوطني في اتجاهين:

  • مؤسساتها
  • مواطنيها

2-   صناعة القالب والشكل القانوني والسياسي المتناسق مع الطموح والرؤية العليا للدولة.

فلا يكفي أن نصنع طائرة في مدينة لا مدرج ومهبط فيها للطائرات؛ وإلا تحولت الطائرة لعربة محلية أو متحف أو مزار.

بغير ما سبق سنجد أنفسنا في دائرة مغلقة لا ننفك من شكوى إلا دخلنا في شكوى أخرى ، وتحولنا من الحالة الواجبة وهي البناء إلى حالة مكروهة وهي الشكوى ( الدائمة التي لا تُحدث أثرا ). ومع هذا كله لابد أن تستمر ماكينة الفكر التنموي الوطني معطاءة في كل حين.

  • oنحو حلول عملية للمشكلة

أشار د. خالد الرديعان فيما يتعلق بالخيارات المتاحة للفتاة المرفوضة من قبل أسرتها والمجتمع للبقاء على قيد الحياة فإنها للأسف قليلة جداً؛ فالمرفوضة موصومة اجتماعياً قبل كل شيء. خياراتها تتأرجح بين التشرد وفقدان الهوية والانتماء الأسري أو الانتحار. لا داعي للتذكير أن هناك حالات لمحاولات انتحار لا يفصح عادة عن أسبابها ربما كانت من ضمنها حالات لفتيات مرفوضات. هذا الخيار غير مستبعد إطلاقاً حسب إدلاءات بعض النزيلات في دور ضيافة الفتيات المرفوضات.

هناك خيار واقعي أمام المرفوضة الموصومة وهو الزواج لكنه خيار بعيد المنال رغم أنه سيقوم وإن جزئياً بترميم الشرف الضائع. هذا الخيار إن تم سينقل “العار” من أسرة المرفوضة إلى رجل آخر سيكون زوجها، لكن من هو ذلك الرجل الذي لا يعنيه شرف الفتاة عندما يقدم على الزواج؟ وحتى لو أقدم رجل ما على خطوة كهذه فهو سيوصم بعبارات تجعله شريكاً في تلطيخ الشرف حسب الثقافة السائدة.

تأسيساً على ما سبق ما الحلول الوقائية التي يمكن الأخذ بها للحد من رفض الفتيات المفرج عنهن؟

هنا يلزم وقف تعنيف الفتيات ابتداء، وتوفير استشارات اجتماعية متقدمة لكل من تتعرض لعنف أسري، واستخدام بدائل السجن لبعض الجنح التي لا ترتقي إلى مستوى الجريمة. بعض المودعات والمرفوضات كانت جنحهن هروب من المنزل وهي جنح يفترض أن لا تبلغ مستوى التجريم والحجز؛ بل يلزم معرفة أسبابها فقد تكون بسبب عنف أسري وربما تحرش جنسي يصعب على الفتاة البوح به، ما يجعلها تحجم عن التقدم بشكوى إلى الجهات الرسمية لصده بحيث تتطور المشكلة بصورة تدفع بالفتاة إلى سلوك جانح بداعي الانتقام. المشكلة هي في الأسرة قبل أن تكون في مكان آخر؛ فلو نظف كل إنسان ما أمام داره لنظفت المدينة !

وعقبت د. هند العتيبي حول ما ذكره د. خالد الرديعان بشأن الزواج كأحد الحلول للمرفوضات، بأنها تناولت ذلك بالورقة الرئيسة، ولكن وكما تم الإشارة فإنه ينتهي بالطلاق بعد عدة شهور، لعدم تأهيل النزيلة، أو لوجود عيوب ترجع للزوج كأن يكون كبير بالسن، أو يعاني من قصور عقلي، أو عاطل عن العمل.

وربما يكون الزواج هو الحل الوحيد للخروج من الدار لذا فإن بعض النزيلات غالبا ما يقمن بالبحث عن شخص يتقدم لهن ليستطعن الخروج من خلال الحديث مع صديقاتهن خارج السجن أو داخله بل أن بعض الحالات دفعت مبلغ للزوج من أجل أن يتقدم لها.

ومن جديد أوضح د. الرديعان أنه حتى في حال زواج المرفوضة فإن الزوج قد يصبح أسير الشكوك بزوجته إذا كان على دراية بوضعها قبل الزواج وأنها دخلت الإصلاحية، لذلك فالمقترح أن تعامل حالات الفتيات بمنتهى السرية إن أمكن؛ تماماً كما كانت تفعل هيئة الأمر بالمعروف بالمقبوض عليهن، وذلك لحساسية وضع المرأة في مجتمعنا ومسألة الفضيحة.

وأشارت أ.د فوزية البكر إلى مقالة مهمة ذات صلة مباشرة بالقضية والحلول المقترحة بشأنها للدكتورة عزيزة المانع جاءت تحت عنوان: بأي ذنب سجنت ؟! حيث جاء بها: تخصص وزارة العمل والتنمية الاجتماعية دورا تشرف عليها، تؤوي فيها الفتيات تحت سن الـ30 ممن صدرت عليهن أحكام بالحبس، لكن هذه الدور تكرر فيها حدوث حالات لمحاولات انتحار الفتيات، وتكررت فيها شكوى النزيلات من سوء المعاملة داخلها، كما تكرر وقوع مشادات بينهن وبين الموظفات، ما يشير إلى حاجة هذه الدور إلى التفاتة جادة من الوزارة تراجع فيها الأوضاع داخلها، ويأتي في مقدمة ذلك مراجعة الأنظمة التي تسير وفقها شؤون النزيلات، سواء الأنظمة المطبقة داخل الدور نفسها، أو الأنظمة التي تفرضها جهات أخرى كالقضاء أو الداخلية أو غيرها إن وجدت.

من الأنظمة التي تحتاج إلى مراجعة، ما تفعله الدور من الاستمرار في حبس الفتاة التي تنتهي مدة محكوميتها متى رفض أهلها عودتها إليهم، وهو حبس ليس له أمد محدود، وإنما حبس مطلق لا ينتهي سوى بأحد ثلاثة: موت الفتاة، أو زواجها، أو موافقة أحد أقاربها على استضافتها عنده!

ولأن الاستمرار في حبس الفتيات بعد انتهاء مدة محكوميتهن بحجة عدم وجود من (يستلمهن) من أهلهن، لا أساس شرعي له، ولا مرجعية نظامية يستند إليها، فإن من واجب الوزارة أن تعمل على رفع الظلم عن أولئك الفتيات، فاختلاف الفتاة مع أهلها، مهما كانت أسبابه، لا يجب أن يتخذ ذريعة لحرمانها من العيش حياة طبيعية بقية حياتها، وطالما أن أولئك الفتيات عوملن كما يعامل الذكور، فحوكمن وجُرّمن وعوقبن مثلهم على ما فعلنه، فإن من حقهن أيضا أن يعاملن مثلهم في إطلاق السراح بعد انتهاء مدة الحكم، خاصة أنه ليس ثمة مستند شرعي يحظر على المرأة الاستقلال بحياتها والسكن بمفردها.

إن إطلاق سراح الفتيات بعد انتهاء محكوميتهن، يجب ألا يقيد بموافقة الأهل على استقبالهن، خاصة أن الأهل الذين يرفضون عودة بناتهم إليهم ويتخلون عنهن، يسقطون بتصرفهم هذا كل حق لهم عليهن.

بقاء الفتيات محبوسات بعد انتهاء مدة الحكم، فيه ظلم بالغ لهن، لذلك من واجب الوزارة الحرص على إيجاد حل لهذه المشكلة، كأن تبدأ مبكرا بوضع خطة تنموية خاصة بكل فتاة حسب احتياجاتها، بمجرد صدور الحكم عليها ودخولها الدار، بحيث لا يحل موعد انقضاء محكوميتها، إلا وتكون قد تأهلت بما يمكنها من إعالة نفسها، وتتولى الوزارة مساعدتها في الحصول على عمل وتأمين سكن خاص بها لتمكنها من الاستقلال بحياتها معتمدة على الله ثم على نفسها.

أما النزيلات اللاتي يقل سنهن عن 20 عاما، فتتولى الوزارة إسكانهن في سكن مستقل يحقق لهن هامشا من الحرية، مع الإشراف عليهن ومتابعة تعليمهن وتأهيلهن إلى أن يصبحن قادرات على إعالة أنفسهن والاستقلال بحياتهن بعد بلوغ الـ20.

وحول الجهود الرسمية ذكر د. خالد الرديعان نقلاً عن صحيفة عاجل الإلكترونية بتاريخ ٢٣ – ٧- ٢٠١٧م، أن المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خالد أبا الخيل، أوضح أن هناك بعض الإجراءات المتبعة في حال رفض بعض الأسر استلام بناتهن النزيلات بدور رعاية الفتيات، اللاتي تنتهي محكومياتهن؛ حيث أن دور الرعاية تستقبل الموقوفات والمحكوم عليهن في قضايا جنائية مختلفة؛ ممن هن دون الـ30 عامًا. كما أن إدارة وكوادر مؤسسة رعاية الفتيات تبذل جهودها للتواصل مع الأسرة الرافضة لاستلام ابنتها، وتكرر جهودها مع الحالات التي لديها سوابق أو تكرر دخولها المؤسسة؛ وذلك بهدف إيجاد خط رجعة مع الأسر لاستلام ابنتها بعد انتهاء محكوميتها. كما أن المؤسسات قد تستعين أحيانًا بالجهات المختصة من أجل إعادة الفتيات إلى ذويهن، مثل الجهات الأمنية والمحاكم وإمارات المناطق ولجان الإصلاح في بعض مراكز الإرشاد الأسري. كذلك فإن الوزارة تسعى منذ افتتاح مؤسسة رعاية الفتيات إلى إعادة تكيف النزيلات للعودة لأسرهن منذ دخولهن المؤسسة، وعمل عدة جلسات نفسية واجتماعية مع الفتاة وأسرتها خاصة أوقات الزيارة.

وعلق د. حميد الشايجي على ما تضمنته مقالة د. عزيزه المانع، بأنها أشارت لحلول جديرة بالدراسة، إلا أنها خلطت بين الأمور كما هو متوقع من غير المتخصصين ، فقد أشارت إلى استمرار سجن الفتاة وطالبت الوزارة بوضع حل لذلك. وجواب الوزارة سيكون أن ما تحدثت عنه د. المانع أمر قديم وتم حله بإنشاء دار الضيافة، وبالتالي تعتبر الوزارة حققت المطلوب، ولكن في الحقيقة هي لم تعالج المشكلة بشكل جذري بل قامت بإزاحتها فقط. والدليل استمرار مشاكل السجينات حتى بعد انتقالهن من مؤسسة رعاية الفتيات أو السجن لدار الضيافة. إذاً نريد حلول جذرية.

ومن جانب آخر فإن أساس المشكلة في قضية المرفوضات هي دخولهن للسجن وانفضاح أمر الأسرة بدخول الفتاة/المرأة إلى السجن وتغيبها عن الأسرة. ومن هنا يجب أن يصدر توجيه من وزارة العدل للقضاة بالاستعاضة قدر الإمكان عن عقوبة السجن بالعقوبات البديلة، وتحديد الجرائم التي تستوجب عقوبة السجن من عدمه، لتكون الخيارات متاحة أمام القاضي لاختيار عقوبة بديلة عن العقوبة السالبة للحرية (السجن)، الأمر الذي سيحل جزء كبير من المشكلة.

وأوضحت د. هند العتيبي أن د. حسين الحكمي أضاف ضرورة التركيز على البرامج اللاحقة لأسر السجينات للتعامل مع الأهل، وهذه نقطة مهمة فكثير من النزيلات لهم عود للجريمة مرة أخرى بسبب معاملة الأهل في المقابل لا يوجد متابعة من قبل العاملات بالدار. فكثيرا ما تكون العودة للجريمة بسبب ردة فعل الأهل القاسية بعد استلامهن من خلال ممارسة العنف اللفظي والجسدي ضدهن والمتمثل في الضرب والحبس والبعض هددن بالقتل أو بتزويجهن من أشخاص يعانون من مرض عضوي أو شخص كبير بالسن من أجل التخلص منها والستر عليها.

كما يلاحظ أيضا بأن عددا منهن أدخلن بسبب عنف الأهل وتم استلامهن إلا أن ممارسة العنف ضدهن مازالت مستمرة على الرغم من أخذ التعهد على الأهل بعدم التعرض لها وهذا يدل على قلة أو عدم حرص دار الضيافة على الرعاية والمتابعة اللاحقة لحالات العنف خصوصا حتى لا يتكرر هروبها وحفاظا على حياتهن.

أما بخصوص ما ذكره د. حميد الشايجي حول معاملة النزيلات داخل دور الضيافة ؛ فأشارت د. هند العتيبي إلى أنها لا تقارن بالمعاملة داخل المؤسسات الإصلاحية لكن الجدير بالذكر أن هناك عدد من الحالات تم الحكم عليهن بعد أن قمن بحالات عنف داخل الدار إما مع النزيلات أو مع العاملات. وقد يكون أحد الأسباب هو رفض النظام والمعاملة داخل الدار فطبعا لا يسمح لهن بالخروج إلا مع الأخصائية، ويمنع منعا باتا استخدام أجهزة ( الجوال) ويكون التواصل مع الأهل بالهاتف الثابت فقط لأسباب خاصة بالدار.

وبدوره أوضح د. حميد الشايجي أن ما قصده يتصل بنوعية المعاملة في دار الضيافة؛ فللأسف إلى الآن المشرفين والعاملين في الدار وكذلك مسئولي الوزارة يتعاملون مع “ضيوف” دار الضيافة كمجرمات مع أنهن لسن كذلك فهنّ إما انتهت محكوميتهن (وأصبحن حرات من جديد بعدما سلبت حريتهن في السجون) أو ممن تم إيوائهن حماية لهن من حالات عنف أسري. وفي كلا الحالتين فالنزيلات ضحايا ولسن مجرمات ومع ذلك يتم التعامل معهن كمجرمات ، فتسلب العديد من حقوقهن من خلال استصدار أوامر وتعليمات تصلح لمؤسسة رعاية الفتيات وليس دار الضيافة.

وأكد د. حميد الشايجي على أهمية الجانب الوقائي، والاكتشاف المبكر للحالات وإحالتها ومعالجتها قبل استفحالها من قِبل الأخصائيين والأخصائيات الاجتماعيات في المدارس. ولكن المشكلة تكمن في تجيير وظيفة الأخصائي الاجتماعي لصالح المدرسين وتغير مسماها إلى “مرشد طلابي” لتنطبق على المدرسين، فأي مدرس حتى وإن كان مدرس رياضة بدنية أو رسم أو أي مادة يستطيع أن يتحول إلى مرشد طلابي بعد ٥ سنوات خدمة، حتى وإن لم يكن ملماً بالأساليب العلمية لمعالجة المشاكل الاجتماعية ولم يتدرب على منهج دراسة الحالة ولا على الإرشاد الأسري، هذا المرشد الطلابي مع احترامنا الشديد له ليس مؤهلاً تأهيلاً مهنياً لممارسة دور الأخصائي الاجتماعي، (يتعلم الأخصائي الاجتماعي هذا العلم لمدة أربعة سنوات كاملة) وفاقد الشيء لا يعطيه. لذا هناك ضرورة لعودة مهنة الأخصائي الاجتماعي/ النفسي في المدارس وقصرها على المختصين من خريجي أقسام الاجتماع والخدمة الاجتماعية وعلم النفس فقط.

واتفق أ. عبدالرزاق الفيفي مع الطرح المتعلق بمسألة توفير مهنة أخصائي / أخصائية اجتماعية في كل مراحل التعليم، وزاد على ذلك ضرورة أن يكون هناك منهج يدرس حول ذلك يتولى تدريسه وتفعيل أفكاره وممارساته من يوظفون في المدارس كأخصائيين اجتماعيين ، ولابد أن يمنحوا مساحة كافية لمناشطهم اللاصفية لتحقيق ما يلزم بهدف خلق شخصية متزنة للطالب نفسيا وسلوكيا وفكريا.

وأضاف د. خالد الرديعان أنه لابد كذلك من إعادة النظر بعقوبة السجن وإيجاد البدائل المناسبة لها كلما كان ذلك ممكناً.. وخاصة للمرأة التي يترتب على سجنها وصم اجتماعي يصعب محوه وتبعات أخرى تتعلق بفرص زواجها وسمعتها وسمعة أسرتها. كما يلزم كذلك أن نعيد النظر بمفهوم دور الضيافة وربما إلغاءها نهائياً لجعل كل أسرة تقف أمام مسؤولياتها تجاه فتياتها.. إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن نستقبل السجين المفرج عنه بالولائم والفرح والسجينة نستقبلها بالرفض الاجتماعي.. هذه ثقافة معتلة وتقوم على أساس التمييز الصارخ بين الجنسين في مسائل عدهم الشرع متساويان فيها كالجرائم والجنح. الرفض يشبه الوأد الذي كان سائداً في الجاهلية.. هناك كانت تُوارى تحت التراب وهنا تُوارى خلف القضبان الاجتماعية.

بينما قالت أ.د فوزية البكر: أتفق بشأن معظم ما ذهب إليه د. خالد حول التمييز الاجتماعي الصارخ بين الفتاة والشاب عند خروجهما من السجن. نعم إنه فعلا وأد اجتماعي مرعب ، لكني أتحفظ علي الاقتراح بإلغاء دور الضيافة من أجل إرغام الأهالي باستلام بناتهن خاصة مع عدم وجود فرق متابعة داخل الأسر التي ستعرض الفتاة لأقسي أنواع الرفض والتعييب والمراقبة والتسلط لدرجة ربما تدفعها للجريمة من جديد. ورأينا كثيرات يفضلن البقاء في دور الرعاية علي العودة لأهاليهم ولابد أن لهذا سبب قوي.

ومن ثم أكد د. الرديعان أنه هنا يلزم تفعيل الرعاية اللاحقة.. أي بعد خروج الفتاة وبقاءها مع أسرتها فإنه لابد من قيام الأخصائية الاجتماعية بزيارتها والتأكد من سلامتها ووضعها الصحي والاجتماعي.. هذا ليس بالمقترح الصعب فنسبة النساء اللواتي يدخلن السجن هي ٧٪‏ من عدد المساجين عموماً. والرعاية اللاحقة مفهوم متطور في الخدمة الاجتماعية ويلزم الأخذ به. كما أن هناك مقترح بخصوص المرفوضات يتمثل بإلزام أسرتها بدفع مبلغ مالي نظير كل يوم تقيم فيه في دار الضيافة إذا امتنع وليها من استلامها.

ويرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن تساوي العقوبات بين الرجل والمرأة مهم ، لكن المشكلة ليست في العقوبات؛ فجوهر المشكلة في أمرين :

1-   ضعف التدين.

2-   قوة العادات الاجتماعية.

والحل في عكس المعادلة ، متانة وقوة التدين تضعف العادات الاجتماعية.

الأنظمة والتشريعات لا تغني مالم يكن لها قاعدة دينية عظيمة ترسخها أو مبدأ وخلق وعرف اجتماعي قوي تثبتها: فالأولى ثابتة والثانية متغيرة ؛ وكلما حاولنا تحويل العقائد أو المبادئ إلى دائرة العادات فنحن بهذا نخضعها للأمزجة لا للمصلحة ، وجزء من أزمة السجينات المرفوضات من أسرهن أنهن ضحية عادات اجتماعية.

لدينا أنظمة تمنع الاعتداء بكل أشكالها فأزمتنا ليست أنظمة بقدر ماهي أزمة في التعامل مع الأنظمة بما يحقق فيها انضباطية المجتمع وتحقق الردع للجاني. ولا تتحقق الانضباطية والردع المجتمعي إلا بأمرين:

1-   قاعدة دينية.

2-  قاعدة اجتماعية أخلاقية كمبدأ ( كالأعراف المجتمعية التي هي أشبه بقانون أخلاقي ) وللأسف لاتأمن من انحراف الثانية وغلوها كما هو الحال مع السجينات المرفوضات من أسرهن كمثال.

واتفق د. خالد الرديعان مع الطرح السابق حيث يرى بدوره أن لدينا أنظمة رادعة إلا أن المشكلة تكمن في آليات التنفيذ دائماً.. لابد من وضع آليات محددة للتنفيذ بصورة (كتالوج توصيفي ودقيق) لكل قضية اجتماعية؛ فهذا يساعد الضحايا والمحامين والقضاة والجهات الحكومية على القيام بما عليها.. ما يحصل عادة هو ترك الأمور عائمة دون آليات تنفيذ واضحة. لدينا نظام حماية اجتماعية مكون من ١٧ مادة وهو ممتاز للغاية؛ لكن آليات تنفيذه مبهمة.

وأشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أن أحد أسباب ترك آليات التنفيذ غير واضحة هو قوة وسلطة تأثير العادات الاجتماعية لا الدينية على المشرع أو الموكل بالتنفيذ، والسبب سبق ذكره وهو عندما نجعل من الدين قوة تفوق قوة العادات الاجتماعية سنجد الكثير من تحديات التنمية تم علاجها بشكل يفوق التصورات المعاصرة.

ومن جانبها ترى د. هند العتيبي أنه لابد أن يكون هناك تأهيل للأخصائيات العاملات داخل دار الضيافة، وضروري فصل حالات العنف الأسري عن النزيلات المرفوضات، وحتى النزيلات المرفوضات أيضا يكون هناك تصنيف حسب السن ونوع الجريمة.

كذلك فإن تصنيف المديرية العامة للسجون للجرائم يكون حسب ما يرد في تصنيف النيابة العامة وهو تصنيف محدد ويحتاج إلى إعادة تصنيف ومراجعة، حيث يشمل ما يلي:

1-  قضايا القتل والاعتداء على النفس ويشمل القتل بأنواعه والاعتداء على ما دون النفس والمضاربة والحرابة والانتحار.

2-  قضايا العرض والقضايا الأخلاقية وتشمل الجرائم المتعلقة بالعقيدة والسحر والشعوذة وجرائم العرض المتعلقة بالزنا واللواط وجرائم الآداب الشرعية المتعلقة بالقذف والدعارة وجرائم العبادات مثل الإفطار في نهار رمضان.

3-   قضايا المخدرات وتشمل الترويج والاستعمال.

4-   قضايا الأموال كالسرقات وغسيل الأموال.

بل إن قضايا الهروب والتغيب غير موجودة بالكتاب الإحصائي لوزارة الداخلية وتدرج حسب إفادة شعبه الدراسات والإحصاء بالمديرية العامة للسجون تحت فئة الجرائم اللاأخلاقية وهذا تصنيف مزدوج ويعاني اختلاط المفاهيم.

وأضاف د. حميد الشايجي بأنه ويزاد على ذلك أن الكتاب الإحصائي يعرض أرقام مطلقه وليست معدلات؛ وهذا من سلبيات الكتاب الإحصائي لوزارتي الداخلية والتنمية الاجتماعية.

ومن جانبها ترى أ.د. سامية العمودي أن ما تم طرحه يشير إلى مشكلة وعي فنحن نرى أننا نعرف الإسلام أكثر من غيرنا وننسى أن العقاب الإلهي لا يفرق ذكراً أو أنثى لكننا نتعاطى مع خطيئة الرجل بمنظور غير النظرة الدونية تظهر بوضوح وتترجمها العورة وأن المرأة قابلة للوقوع في الخطيئة ولابد من تقييدها حتى لا تنحرف.

وعي المشرفات والأخصائيات لم يرقى بعد للتعامل كما ينبغي؛ بعضهن أنفسهن بحاجة إلى إعادة تأهيل. وأحد الحلول المهمة هي في يد التعليم والمناهج لنشر الوعي وتوضيح الأخطاء وقيمة الإنسان وحقوق هذه الفئة ونشر هذه الثقافة في كل مكان. لن يتغير المجتمع في يوم لكن لنبدأ في مناهجنا ومدارسنا من اليوم لنغير فكر الأبناء من الذكور قبل الإناث فهم المحور الهام هنا.

وفي تصور أ. جمال ملائكة فإنه كالعادة هناك مشكلتان عميقتان تتعلق بكل مشكلة لدينا، الأولى “الثقافة” المتخلفة و غير المتسامحة و هذه تحتاج لجهد جبار في المدارس و المساجد و الإعلام الخ، و الثانية غياب التشريعات القوية التي تُجرِم ما يقوم به الأهل من تجاوزات و بعضها يصل للقتل، و في حالتنا هذه و هو ما أشارت إليه المداخلات السابقة مشكلة “غياب” النظم الإدارية و النفسية و الرعاية المتقدمة علميا للعناية الصحيحة بهؤلاء الفتيات المظلومات. و لكلٍ من الأمور الثلاثة أعلاه حلول ممكنة تحتاج إلى جهد كبير من الوزارات المعنية و منها التعليم/الشؤون الاجتماعية/العدل/الخ و كذلك البدء بتشجيع قيام مؤسسات المجتمع المدني التي تستطيع المعاونة.

واتفقت د. الجازي الشبيكي مع ما طرحته واقترحته د. هند العتيبي في تناولها لأحوال الفتيات المرفوض استقبالهن من قِبل الأهل بعد انتهاء مدة محكوميتهن، كما أكدت على ما جاء في تعقيب د. حميد الشايجي حول أهمية التخصص المهني الاجتماعي والنفسي للعاملات والمسؤولات في دور الضيافة لأنه من أهم عوامل نجاح التعامل مع فترة وجودهن فيها. وحذرت من عواقب التخبط في القرارات والتخطيط لكافة برامج وخدمات الشؤون الاجتماعية في بلادنا ، وخاصة في السنوات العشر الماضية مع تعاقب أكثر من وزير وأكثر من مسؤول في الوزارة.

وأضافت د. الجازي قولها: من الأساس ، كان الدمج بين العمل والشؤون الاجتماعية قراراً خاطئًا وأضعف التخصص والمهنية الاجتماعية في المؤسسات والدور الاجتماعية ومنها مؤسسات رعاية الفتيات ودور الحماية الاجتماعية ودور الضيافة.

وأكدت أ.د فوزية البكر على ما ذكرته د. الجازي بشأن دمج الوزارتين ؛ فكما ترى فقد جاء بنتائج غير موفقة لكلا المؤسستين. كما أن نطاق العمل وطبيعته مختلفة. ومن ناحية أخرى يبدو واضحاً أن قبول الأهل بعودة الفتاة لا يعني بالضرورة عودتهن لحياة عادية بل بدء رحلة موجعة أخرى تنتهي بعودتهن لطريق الخطيئة أو الضياع أو الطلاق؛ لذلك لابد أن تشمل الحلول المطروحة لقضية السجينات المرفوضات لجان متابعة و إرشاد أسري من الوزارة لمتابعة برامج التكيف لهؤلاء الفتيات. كذلك فمن المهم – كما أشار البعض – تبني نظام العقوبات البديلة من أجل وضع الفتاة الهش في مجتمع بطريركي قائم علي سلطة أبوية مطلقة.

وباعتقاد أ. إيمان الحمود فإن دور الرعاية لا تختلف كثيرا عن السجون .. وليس من العدل أن يحصل الرجال على تأهيل ورعاية أكثر من النساء ، لأن الهدف واحد وهو احتواء هذه الفئة ومحاولة إعادة دمجهم في المجتمع.

أما د. خالد بن دهيش فركز على أهمية الاهتمام بالنواحي الوقائية من خلال المدرسة؛ ففي مدارس التعليم العام للبنات ومن ضمن تشكيل أو ملاك المدرسة مشرفة اجتماعية ومن أهم مهامها معالجة المشكلات التي تنشأ بين الطالبات أنفسهن أو بينهن وأسرهن أو خارج الأسرة ويكون لها تأثير على مسيرتها الدراسية ، أو يكون لهذه المشكلة تأثير يؤدي لانحرافها وإبعادها عن المدرسة أو التعليم لا سمح الله، فدور المشرفة الاجتماعية بالمدرسة مهم جداً جداً إلا أنه للأسف تعاني المدارس من عدم إحداث وظائف كافية لتعيين مشرفات اجتماعيات من خريجات أقسام علم الاجتماع أو خدمة المجتمع لدورهن الكبير في معالجة من لديهن سلوكيات قد تؤدي إلى انحرافات مستقبلية لا سمح الله ،، بالطبع هذا ينطبق أيضا على حاجة مدارس البنين لمشرفين اجتماعيين.

ومن المهم إلزام وزارت التعليم والمالية والخدمة المدنية بإحداث وظائف مشرفات ومشرفين اجتماعيين لجميع مدارس التعليم العام للبنات وأيضا للبنين لحماية الطلاب والطالبات من السلوكيات الانحرافية قبل استفحالها أو للمعالجة الوقائية. فدور المشرفة الاجتماعية هو وئد السلوك الانحرافي من بداياته مثل التنمر و ما يسمى بالبويات وكذلك التدخين والمخدرات ..الخ، وخاصة في ظل الانفتاح الإعلامي المنفلت و أيضا تأثير السوشيل ميديا الناقل لسلوكيات من ثقافات لا تتناسب مع ثقافتنا لاسيما فيما يخص علاقة البنات مع الشبان.

وأضافت أ.د فوزية البكر على توصية د. خالد بن دهيش، ضرورة التركيز علي توعية المعلمات لنشر رسائل التحذير وتعريف الطالبات بالمخاطر الاجتماعية والقانونية لأي سلوك غير قويم. أيضا ربما الاستفادة من فتيات الدار أنفسهن ( إذا تطوعن وقبلن ذلك ) بتقديم محاضرات للأعضاء والطالبات حول التبعات القانونية والاجتماعية ( كما تفعل إدارة مكافحة المخدرات منذ سنين داخل المدارس والجامعات ) حيث يأتي متطوع نجح في التخلص من إدمانه للحديث عن تجربته الشخصية.

وفي تصور د. حميد المزروع فإن معالجة أزمة السجينات المرفوضات من أسرهن يجب أن تندرج تحت إشكالية موائمة القيم الاجتماعية والشرعية مع الحلول والأنظمة المعمول بها بالدول المتحضرة.

الدين الإسلامي دين رحمة ، وبالتالي نحتاج أن نطور الأنظمة الاجتماعية التي تحقق المقاصد والعدالة الاجتماعية دون النظر للأعراف أو العادات السلبية التي توارثها المجتمع.

وفي سياق متصل تساءلت أ. فاطمة الشريف: لماذا يجب أن يستلم الفتاه أهلها بعد انقضاء محكوميتها ؟ لماذا لا تستطيع أن تخرج وتترك لها الحرية في اختيار العودة للأهل أو الاستقلال وبناء حياة خاصة لها ؟

وأيدت أ.د. سامية العمودي المقترح السابق حيث ذكرت أنه و مع القرار السامي 22333 حول تمكين المرأة من الخدمات دون الحاجة إلى ولي وبعد قضية الإفراج عن مريم العتيبي بلا ولي حان وقت طرح هذا الحل فعلاً وهو مخرج حتى لو للبعض منهن مع دعم استقلالهن بالسكن وتوفير فرص عمل.

كذلك يرى د. علي الحكمي أن المشكلة أن الجميع يتعامل مع الفتاة المفرج عنها أنها لابد أن تُستلم من قبل أهلها، وهنا مكمن الخلل. المفروض يتم إعدادها للحياة المستقلة الكريمة. حتى لا تقع تحت رحمة عادات ما أنزل الله بها من سلطان.

وذهبت أ.د فوزية البكر إلى أن واقع المرأة السعودية الجديد مع كل المتغيرات التي أثرت فيه من تعليم وتعديل أنظمة الخ. يحتم إعادة النظر في الأسس الفلسفية والمسلمات التقليدية التي تدار بها دور الرعاية وبرامج الرعاية اللاحقة للمفرج عنهن، وسنجد أننا سنتوصل لبرامج رعاية تساعد هؤلاء البائسات وتؤهلهن للعودة إلى المجتمع.

وبدوره ألمح أ. عبدالله الضويحي إلى أننا أمام معضلتين هامتين:

  • الأولى: ثقافة مجتمع .. متجذرة ومتأصلة.
  • الثانية: بيروقراطية الجهات الرسمية في توظيف وتأهيل الكوادر.

ومالم يتم حل هاتين المعضلتين سنظل ندور في حلقة مفرغة.

ومن ناحية أخرى وفي السياق ذاته ، يجب التأكيد على ما ورد سابقاً حول الأخصائي الاجتماعي وأهميته في المدارس ( بنين وبنات ). وبحكم العمل في التعليم فترة ليست بالقصيرة – والحديث ل أ. عبدالله الضويحي – كان هناك أخصائي اجتماعي في المدرسة ثم ألغي وحل بديلاً عنه ( المرشد الطلابي ). فالمرشد الطلابي هو نوع من التطور المهني فرضته الظروف وهو يقوم بذات الدور إذا أخلص النية وكان مؤهلاً أكاديمياً، وغير دقيق ما أشار له البعض من أن أي معلم يمكن أن يصبح مرشداً طلابياً بعد خمس سنوات من الخبرة؛ ما يحصل هو أن وزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية لا تحدث وطائف ( أخصائي اجتماعي ) وكون عدد الخريجين لا يفي بالغرض لجأت وزارة التعليم إلى الاستفادة من وظيفة ( معلم ) للاستفادة من كم الوظائف وكان لابد من فتح المجال للجميع للترشيح من باب مساواة الفرص ؛ لكن هناك شروطاً وإجراءات تسبق التعيين فالمرشح يخضع لاختبارات تحريرية ومقابلة شخصية والآن يخضع لاختبار قياس وبعد تجاوزه لهذه المراحل تعرض الأسماء على شؤن المعلمين بالجهة التعليمية للاختيار النهائي حيث تستبعد التخصصات التي يحتاجها الميدان ، وهذا ما يحدث أيضا للترشيح لوكيل المدرسة ، وعليه فإن اختيار المرشد الطلابي يخضع لعددٍ من الإجراءات بما يضمن كفاءته وتأهيله .. وعالميا هناك توجه لإلغاء المرشد الطلابي والاستعاضة عنه بـ ( المعلم المرشد ).

ويرى د. مساعد المحيا أنه ينبغي أن نكون واقعيين بمطالبتنا للأسر ؛ فالعواقب وخيمة على الأسرة وعلى أخوات السجينة .. ولاسيما وقد أشارت د. هند إلى الزواج وأن بعضهن يبحثن عنه بوصفه حل للخروج إلا أنه فشل في أغلب الحالات.. علينا أن نفكر في الأمر من جميع جوانبه ..وليس فقط من صندوق الفتاة وإنما من جانب الأسرة .. لذا فالحلول التي تجعل الفتاة بعيدة عن أهلها حتى لا تتعرض للقتل أو الإيذاء مطلوبة ومهمة كما أن تفعيل البحث عن أقارب مهم في استصلاح الفتاة والمحافظة عليها ، وهو أمر حرصت على الاهتمام به الهيئة حين تقبض على فتاة فتطلب الفتاة أن لا يعرف والداها أو إخوانها .. فيتصل بخالها مثلا ويتعامل مع الأمر بسرية تامة وتتجاوز الفتاة هذا الخطأ .. طبعا هناك فرق بين من تقع في الرذيلة وبين من ترتكب جنحة أخرى كأن تسرق أو تعتدي بالضرب أو تشارك في توزيع مخدرات …الخ.

المجتمع يتباين في تعاطيه مع كل جنحة.. ومن الضروري فعلا فصل حالات العنف الأسري أو المشكلات المتعلقة بالإرهاب عن النزيلات المرفوضات، وبالتالي ضرورة الاهتمام بتصنيف هذه الجرائم حسب نوع الجريمة والسن حتى لا يكون السجن مكان تدريب على الاستمرار في أخطاء أخرى.

أيضاً في ضوء رفض عدد من الأسر استلام بناتهم ونسائهم الذين انتهت مدة محكوميتهم ، وفي إطار شعور الكثيرين بأنها لم تعد جزءا منهم بل عار عليهم ولذا قد يسيئون لها وقد ترفض هي الالتحاق بهم وتفضل الزواج حتى بمن لا ترغبه كي تبتعد عن من قد يسيئ إليها. في ضوء ذلك فإن أي أب أو أخ يجب أن يتفهم ذلك ويحتضن ابنته أو أخته ويكون عونا لها لكي تمضي في طريق العودة لطريق الخير والصلاح والاستقامة ، ويكون عونا لها ضد الشيطان وأعوانه فهو أب وأخ جدير بالاحترام والتقدير. إذ هو سيتحمل الكثير من النظرات السلبية والمواقف غير الجيدة في المجتمع لكنهما اشتريا مقابل ذلك مستقبل هذه الفتاة. إن الفتاة التائبة التي أدركت خطأها ستذكر وتشكر لولي أمرها هذا الموقف منها وستظل تذكر له صنيعه.

وبالطبع لا يمكن إغفال حجم الصعوبة المجتمعية التي تجعل المرء يقدم مصلحة ابنته على جوانب أخرى تتعلق بالسمعة أو المكانة الاجتماعية؛ باختصار هؤلاء النماذج من أولياء الأمور يدركون أنهم يتحملون جزءا من المسؤولية فيما تعرضت له الفتاة وأنهم مسؤولون عنها من قبل ومن بعد. لذا فحري بالمؤسسات الاجتماعية والنخب الاجتماعية والثقافية والفكرية أن تحتفي بهؤلاء على المستوى الفردي والمجتمعي وأن يتم شكرهم على جميل مواقفهم؛ فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

وتساءل د. حميد الشايجي: كيف سيكون الاحتفاء بهؤلاء وهم يبحثون على الستر؟ ألا يؤدي الاحتفاء بهم إلى فضحهم..؟!! هم صحيح تقبلوا ابنتهم ولكن لا يريدون أن يُشَهّر بهم.

ومن ناحيته أوضح د. مساعد المحيا أن ما يعنيه أن هؤلاء ينبغي أن يقدم لهم كل العون الذي يساعدهم على المضي في قرارهم وحتى لا يؤثر عليهم بعض الأطراف في الأسرة .. فإن كان يرغب بالستر فعلا ولا يحب أن يتحدث معه بذلك يمكن لكل من حوله من الأسرة والجيران أن يشكروا مواقفه ويثنوا على مبادراته وأنه بخير وإلى خير.

  • oتوصيات ختامية

1-  ضرورة أن تكون هناك إحصائيات تابعة للمديرية العامة للسجون توضح أعداد النزيلات المحالات لدار الضيافة، وإحصائيات تابعة أيضا لوزارة الشؤون الاجتماعية توضح أعداد النزيلات المحالات من مؤسسة رعاية الفتيات إلى دار الضيافة، بالإضافة إلى أعداد النزيلات المرفوضات بدار الضيافة بدقة من ناحية العدد الكلي الموجود حتى نهاية العام، وأعداد الحالات اللاتي خرجن بالزواج، ليتسنى وصف المشكلة بشكل دقيق.

2-   ضرورة تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية لبعض جرائم النساء تفاديا للمشاكل المترتبة على عقوبة السجن.

3-  ضرورة تطبيق مبدأ الستر في حال ارتكاب المرأة للسلوك الانحرافي، وهذا طبعا يتم تقديره على حسب نوعية السلوك الانحرافي، فقد يكتفى بأخذ تعهد خطي على الفتاة ويُحفظ فقط بدون الاتصال بولي أمرها، وفِي حال تكرار السلوك الانحرافي تحال للجهات المختصة.

4-  إنشاء جهة مستقلة عن مؤسسات الرعاية والسجون يتم إحالة الحالات المرفوضة إليها وتتولى عملية المصالحة بين السجينات المرفوضات وأسرهن ؛ حيث يتوقع أن تحظى هذه الجهة بالقبول من الأسر لكونها لا تحمل نفس الوصمة التي تحملها المؤسسة أو السجن كجهات سالبة للحرية.

5-  لابد أن يكون هناك فصل بدار الضيافة بين النزيلات المرفوضات، وبين المعنفات، والهاربات من العنف ؛ فالمرفوضات لابد أن يكون لهم إيواء مستقل وإدارة مستقلة عن المعنفات والهاربات من العنف، فهم بحاجة لبرامج ورعاية مختلفة كليا عن الحالات الأخرى.

6-  أيضا نوصي بأن يكون هناك تصنيف وعزل لحالات النزيلات المرفوضات بدار الضيافة، والتصنيف يكون على أساس العمر ؛ فمثلاً عزل الحالات اللاتي تقل أعمارهن عن الثلاثين عاما، عن الحالات اللاتي تزيد أعمارهن عن الثلاثين، والفصل بين النزيلات غير العائدات عن العائدات للجريمة.

7-   لوائح وضوابط الإقامة بدار الضيافة فيها نوع من الشدة رغم أنها دار إقامة وليس دار عقوبة.

8-  ضرورة زيادة أعداد الأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات داخل دار الضيافة فالعدد قليل مقارنة مع عدد الحالات ، خصوصا وأن مساعي الإصلاح بين النزيلة والأهل من مهام الأخصائيات، بل لابد أيضا من ضرورة إخضاعهن للدورات التدريبية المكثفة لإكسابهن مهارة التفاوض والإقناع للأهل، وكذلك التعامل الأمثل مع النزيلات.

9-  ضرورة دعم الأخصائيات اللاتي لديهن جهود واضحة في محاولة إقناع الأهل بالاتصالات والزيارات الميدانية، ويكون الدعم بوضع نقاط تقييمية تُحسب للأخصائية وتعوض عنها ماديا أو بدل راحة، أو ساعات عمل إضافية.

10-     قلة برامج الرعاية اللاحقة، لذا من الضروري متابعة النزيلات بعد استلام الأهل.

11-  لا يوجد نظام واضح يُبين المدة التي تقضيها النزيلة في المؤسسات الإصلاحية بعد انتهاء فترة الحكم فبعض المؤسسات تقوم بتحويلها مباشرة لدار الضيافة بعد انتهاء فترة المحكومية والبعض يحاول مع الأهل وإذا استُنفذت جميع المحاولات تحال لدار الضيافة، لذا نوصي بأن يكون هناك مدة محددة لا تتجاوز مثلا الشهرين، ويبين في هذه المدة جميع الجهود المبذولة من قبل المؤسسة الإصلاحية قبل تحويلها لدار الضيافة.

12-  لوحظ عدد من الزيجات للنزيلات داخل دار الضيافة لكنها انتهت بالطلاق بعد أشهر، لذا نوصي بضرورة إعداد الفتاة قبل تزويجها لكيفية التعامل مع المشكلات الزوجية، وتأهيلها اجتماعيا من خلال حضور الدورات التأهيلية المكثفة.

13-  في حال رفض ولي امر الفتاة استلامها بعد انقضاء فترة العقوبة، يلزم بدفع مبلغ مالي يقدر على حسب دخله الشهري.

14-  بما أن المرأة غالبا ما يتم إيداعها بالمؤسسات الإصلاحية نتيجة الجرائم الأخلاقية نوصي بضرورة عقد المحاضرات والندوات داخل المدارس والجامعات يشارك فيها المتخصصون بعلم الاجتماع وعلم النفس للتوعية بمخاطر الخلوة والعلاقات المحرمة، مع عرض قصص واقعية، أو نماذج لفتيات وقعن بالرذيلة وأعلن التوبة (في حال وجد حالات ووافقن على المشاركة) وممكن أن يكون ذلك بعرض الصوت فقط وبدون ذكر أي معلومات شخصية.

15-  يمكن معالجة القضايا الأخلاقية للبنات بعدم إيداع المتهمات بالسجون التقليدية ، ولكن بمراكز تأهيل خاصة ، تمكنهن من سرعة التأهيل النفسي والاجتماعي ، علي أن يكون لوزارة العمل دور في إيجاد الوظائف المناسبة لهن مباشرة بعد انتهاء فترة التأهيل. وهذا سيخفف إلي حد كبير من الضغوط التي يواجهها جميع الأطراف.

16-  وجود قانون أو تشريع لا يلزم بتسليم الفتاه إلى ولي أمرها حيث أنه تمت محاكمتها دون اشتراط ولي أو الأخذ برأيه في الحكم وانقضت مدة محكوميتها لذا من الأولى عدم اشتراط ولي لاستلامها بل تكون لها حرية الاختيار في العودة للأهل إن رغبت أو الاستقلال التام لهم وتوفير دعم لها من قبل مؤسسات الدولة ذات الاختصاص لمساعدتها في الاستقلال التام وكرامة العيش.

17-  أن يعاد النظر في الأنظمة .. ومعاملة النزيلة كإنسان حر راشد عاقل .. و أن تخرج فور إنهاء محكوميتها وتخرج دون انتظار شفقة ولي .. ولا تسجن إلا بجرم واضح.

18-     التأكد من عدم تعرض الفتيات المرفوضات للعنف من قبل أفراد الأسرة وتفعيل نظم الحماية الاجتماعية.

19-  ضرورة أن تخضع الفتيات المرفوضات للتأهيل النفسي والاجتماعي بعد خروجهن في إطار ما يعرف بالرعاية اللاحقة.

20-     تقنين فترة الإقامة بدور الضيافة بعدد معين من الأسابيع أو الأيام وإشعار الأسرة بذلك.

21-  إخضاع الأسرة عموماً لما يشبه برامج قبول فتاتهم وأنها قابلة للعلاج في حال كانت منحرفة؛ بحيث يزور الأسرة فريق متخصص من الأخصائيين والأخصائيات لكي تكون الأسرة جزء من العلاج.

المحور الرابع

الإعلام والتنمية الوطنية في ضوء الرؤية 2030

الورقة الرئيسة: أ. أمجد المنيف

تمهيد

وافق مجلس الوزراء خلال جلسته التي عقدها يوم الاثنين الثامن عشر من شهر رجب لعام 1437هـ، الموافق 25 إبريل 2016م، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، على رؤية المملكة العربية السعودية، بعد النظر في مشروع الرؤية التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتتلخص “رؤية السعودية 2030″، بأن تكون المملكة: العمق العربي والإسلامي، قوة استثمارية رائدة، ومحور ربط القارات الثلاث.

تعتمد الرؤية على ثلاثة محاور، هي:

أولاً: مجتمع حيوي: قيمة راسخة، بيئته عامرة، بنيانه متين.

ثانيًا: اقتصاد مزدهر: فرصُهُ مثمرة، استثماره فاعل، ذو تنافسية جاذبة، موقعه مستغل.

ثالثًا: وطن طموح: حكومته فاعلة، مواطنه مسؤول.

حال الإعلام السعودي

منذ الأساس، وحتى قبل إقرار “رؤية السعودية 2030″، يعتبر الإعلام السعودي أقل مما يجب أن يكون عليه، مقارنة بمكانة المملكة السياسية والاقتصادية والجغرافية، وعمقها الإسلامي، وموقعها القيادي بالمنطقة. وقد مر الإعلام بمراحل مختلفة، إيجابًا وسلبًا، وتأثر بمعطيات مختلفة، أثرت فيه كثيرًا.

تزامنًا مع الأزمة القطرية، ظهر الإعلام السعودي بطريقة مغايرة، حيث ظهرت المؤسسات الإعلامية السعودية، والأفراد العاملون في الصحافة، أكثر تأثيرًا، باختلاف مرجعياتهم التنظيمية وخبراتهم السياسية والإعلامية. وهذا بالتأكيد لا يلغي بعض الأخطاء، التي تعود إلى اختلاف الخبرات، وطبيعة تأهيل المؤسسات وغيرها.

ويمكن القول بأن السياسة الإعلامية السعودية، أصبحت موازية للعمل السياسي، وانتقلت من ردة الفعل إلى الفعل، واستفادت من القوة الشعبوية على الشبكات الاجتماعية، مع القيادة للمؤسسات الإعلامية التقليدية للقضايا المحورية.

لكنه في نفس الوقت، لا يزال هناك الكثير من الاحتياج لوجود إعلام سعودي خارجي ممنهج، يتماشى مع المتغيرات الداخلية، ويسوق للسعودية الجديدة، ويشرح “الرؤية” للمتلقي والمستثمر الأجنبي، وهو ما يحتاج إلى الكثير من الجهود بالتأكيد.

“رؤية السعودية 2030” فيما يتعلق بالإعلام والثقافة

الهدف الاستراتيجي الأول:

تطوير بيئة محفزة للأنشطة الثقافية

  • الارتباط بأهداف الرؤية 2030.
  • ترسيخ منهج الوسطية والتسامح وقيم الإتقان والانضباط والعدالة والشفافية.
  • المحافظة على الإرث الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي.
  • المحافظة على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها ونقلها إلى الأجيال القادمة.
  • دعم وإثراء النشاط الثقافي.

الهدف الاستراتيجي الثاني:

رفع مستوى الوعي بقرارات وإنجازات الحكومة

  • الارتباط بأهداف رؤية 2030.
  • المحافظة على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها ونقلها إلى الأجيال القادمة.
  • تعزيز التفاعل بين الأجهزة العامة والمواطنين.

الهدف الاستراتيجي الثالث:

تعزيز صورة المملكة داخليًا وخارجيًا

  • الارتباط بأهداف رؤية 2030.
  • المحافظة على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها ونقلها إلى الأجيال القادمة.

الهدف الاستراتيجي الرابع:

تنمية الصناعة الإعلامية والصناعات ذات العلاقة وتعزيز تنافسيتها عالميًا:

  • الارتباط بأهداف رؤية 2030.
  • دعم وإثراء النشاط الثقافي.
  • دعم وإثراء النشاط الترفيهي.
  • دعم الشركات الوطنية.

تحديات الإعلام السعودي

الأخطاء الحالية وآليات المعالجة:

أين يقف الإعلام السعودي من الملفات الداخلية والخارجية؟

نشرت صحيفة “التايمز البريطانية” تقريرًا (قبل أيام)، أشارت فيه إلى أن “رؤية 2030″، التي يتبناها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبعد إعلانه عن الاستثمار السياحي في جزر البحر الأحمر، سوف يسمح فيها بلباس “البكيني” للنساء.

“التايمز البريطانية” قالت أن المشروع سوف يسمح للنساء بأخذ حمامات الشمس وهن يرتدين لباس السباحة “البكيني”، جنبًا إلى جنب مع الرجال، ورأت أن هذه إشارات إلى أن البلاد آخذة في الانفتاح رويدًا رويدًا.

ما سبق (كمثال)، حول التغطية الأجنبية للملف السعودي الداخلي أو للنشاط السعودي، سواء السياسي أو الاقتصادي، أو حتى الديني، يجب التوقف أمامه لاعتبارات هامة، منها:

التعاطي الأجنبي مع الملف السعودي، حاد جدًا وشائك في نفس الوقت. فعلى الرغم من أن السعودية لها نفوذ كبير في أوروبا والغرب وأمريكا، إلا أنها لا تسلم من سوط الإعلام الغربي ضدها.

لم تهتم الصحيفة كثيرًا وهي تسلط الضوء على الملف السياحي في 2030 على ما ترغبه الرؤية من توفير آلاف فرص العمل وتطوير المملكة، والاستفادة من شواطئ البحر الأحمر، غير أنها سلطت الضوء على تفصيلات صغيرة وسحبتها وعممتها على ملف الرؤية 2030 بالكامل وكأنها تقول للمتابعين أو المعنيين بالسعودية أو المحبين لها: انتبهوا السعودية تتراجع إلى الخلف.

فضلاً عن ذلك، لا يعني الإعلام الغربي كثيرًا، الحديث عن مفاخر المملكة ونجاحاتها في أي من الملفات المختلفة، بقدر ما يعنيها تسليط الضوء على المساوئ، وإن كانت صغيرة، وتضخيمها غالبًا، وتسليط النقد عليها، ويمكن فهم المنطلقات أحيانًا.

السؤال: أين الإعلام السعودي بشكل عام؟

تمتلك المملكة العربية السعودية الكثير من الصحف والمراكز والمواقع والقنوات، ولكن:

  • ما زال الإعلام السعودي، على الرغم من ميزانياته الضخمة؛ يعاني من عدم قدرته على الانطلاق نحو (اللاتقليدية) بشكل كبير، في التعامل مع الملفات المختلفة، سواء داخل السعودية، أو حتى الملفات التي تتشابك مع السعودية في الخارج.

على سبيل المثال، هناك عشرات المحاذير التي يواجهها الإعلام في التعامل مع الملفات، حتى ملفات الخصوم السياسيين خارج السعودية. قد يكون هذا الأمر تراجعًا في الفترات الأخيرة، لكنه لا يزال قائما، مثل الملفات الليبية والتركية، وحتى الإيرانية وتغولها في أفريقيا. وبالتالي يعجز الإعلام السعودي ذو الإمكانيات الضخمة عن اقتحام مثل الملفات الشائكة والنجاح فيها.

  • ما زال الإعلام السعودي يعتمد كثيرًا على الخبر، وقليلاً ما يميل إلى صناعة الحدث. فمستوى تأثير الخبر لا يزيد على مدة قراءته وتعاطي المجتمع معه. أما صناعة الحدث، فهي التي تستمر وتستطيع بعدها أن تنتقل منه إلى التأثير في المجتمع.
  • لا بد من التفرقة بين الجغرافيا التي يصل إليها الإعلام السعودي، وبين محتوى الإعلام نفسه، وقدرته على التأثير. فعلى سبيل المثال، هناك قنوات سعودية كثيرة تدخل كل البيوت العربية، ولكن هل المحتوى الموجود في هذه القنوات السعودية “كله سعودي”؟ ففي الوقت الذي كان الإعلام المصري ذا تأثير على سبيل المثال، كانت المادة المعروضة في القنوات والإعلام المصري كلها مصرية خالصة، مع مراعاة الاختلاف في المعطيات.
  • ما زالت السعودية قادرة على أن تحلق أخبارها التي تبثها إلى كل مكان، لكن ذلك لا يمنع أن تكون الأخبار ناقصة.. الخبر يحتاج إلى قصة متكاملة من أجل جذب المشاهد.
  • غياب المعلومة، البيروقراطية تؤثر كثيرًا في عملية تدفق المعلومة. كما أن التحفظ لدى بعض الجهات يعيق وصولها للإعلام، الذي بدوره يعجز أحيانًا عن مجاراة الأحداث.

آليات التطوير

أولاً – على مستوى المحتوى الداخلي:

  • الإعلام في حاجة إلى ابتكار خطط غير تقليدية في تبني الملفات الداخلية وفقًا لرؤية 2030، وإبراز أهم مكوناتها الحقيقية، والتقاطع مع نقاط الخلاف فيها، وإبرازها كنقاط خلاف وليست كنقاط ضعف وخلل وخطأ.. ويمكن تأسيس (قسم متابعة الرؤية) في كل مؤسسة إعلامية، لمراقبة الإنجاز، ورصد أي تعثر.
  • الإعلام في حاجة إلى مخاطبة المتلقي الشعبوي العادي، والابتعاد عن المضمون النخبوي.
  • الإعلام في حاجة إلى إنتاج مضامين تليفزيونية من أماكن تطبيق رؤية 2030، ومتابعة التنفيذ، ليكتسب المواطن الثقة في الأجهزة التنفيذية والمؤسسات الإعلامية.

ثانيًا – على مستوى المحتوى الخارجي:

  • خلق نوافذ إعلامية جديدة باللغات الأجنبية لمخاطبة الغرب، وعدد من الشعوب الأخرى.
  • خلق منصات مؤثرة تخاطب الوجدان العربي ثقافيًا وإخباريا وسياسيًا.
  • تدشين مراكز بحثية لرصد قناعات المواطن العربي تجاه المملكة العربية السعودية وسياساتها الخارجية.
  • تبني مشروعات عربية قومية، ولو بطرق غير مباشرة، من أجل تحقيق الانتشار السعودي الكبير في كافة الدول العربية.
  • التوجه نحو إفريقيا بكل قوة إعلاميًا وبحثيًا.
  • التوجه نحو أمريكا اللاتينية وإنتاج مضامين إعلامية ضخمة تخاطب هذه الشعوب والعكس.

خطوات مقترحة

أولاً: من أجل مواجهة حملات الشائعات والهجوم الحاد على المملكة، ينبغي:

–         إنشاء وحدة متابعة الشائعات، والتحقق من مصادرها وأساسها.

–         رصد كل ما ينشر في الإعلام الغربي حول المملكة ومشروع رؤية 2030.

–         رصد كل ما يثار في الإعلام العربي وجمعه وتحليله.

–    إنشاء منصات في مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على إبراز الحقائق، والرد على أي تناقضات في مضامين الإعلام العربي والغربي حول المملكة، وإبراز ما يتضاد معه من مناقب السياسات الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية.

ثانيًا: إنشاء مراكز رصد توجهات الرأي العام، وتحليل البيانات والمعلومات في العالم العربي، وأوروبا، وأمريكا، وجنوب آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا.

–    تهتم تلك المراكز كل على حدة، حسب المساحة الجغرافية المستهدف تغطيتها، برصد توجهات الرأي العام في هذه المناطق ورصد شعبية المملكة، وتقديم مقترحات بناء على نتائج الرصد لصناع القرار في المملكة.

ثالثًا: تبني جيل من الباحثين العرب والأوربيين ليكونوا بمثابة قوة ناعمة للمملكة العربية السعودية:

–    من خلال إنشاء مراكز بحثية في الدول التي تستضيف المهاجرين العرب وفي المنافي مثل: كندا، والسويد، وبعض الدول الأوروبية، تهتم بتخريج دفعات من الباحثين المهتمين بتوجهات وقناعات المملكة في سياساتها الخارجية، ليكونوا بعد بضع سنوات لسان المملكة في مقار إقاماتهم.

رابعًا: تطوير مضامين الأدوات الإعلامية:

تطوير محتوى القنوات المحلية والدولية التابعة للمملكة من خلال:

–         تبني قضايا المشردين في العالم.

–         تبني ملفات الموهوبين.

–         إبراز النجاحات المقدمة من القنوات للمواطن العربي في إطارها الاجتماعي.

–    إبراز ما يقوم به الخصوم العسكريون للمملكة كالحوثيين وإيران من أزمات في زواياها الاجتماعية التي تخص المواطن العربي في المقام الأول.

خامسًا: إنشاء مراكز إعلامية لإبراز الحقائق، والرد على الأشياء التي تحتاج إلى إيضاحات، كما في خبر التايمز وغيرها.

الخاتمة

يجب في النهاية وضع برنامج متكامل، يتم إعداده على أيدي متخصصين، انطلاقًا من المفاهيم التي تم اقتراحها، وتبني مثل هذه الأفكار وبلورتها وتطويرها، من أجل الوصول إلى الإطار النهائي لمحددات وأهداف وآليات العمل لدى الإعلام السعودي في الفترة المقبلة.

بقى التأكيد على أن رؤية 2030 في حاجة ماسة إلى إبراز مقومات النجاح لديها، اعتمادًا على الإعلام في ثوبه الجديد، حتى لا تواجه الرؤية بنقد حاد دون وجود أذرع إعلامية قوية تدافع عنها وترد على المشككين في جدواها.

ولكي يتحقق كل ذلك، لا بدَّ من ملخصات شهرية، يقوم بها “مجلس الاقتصاد”، أو أي جهة ذات علاقة، لتحديث الإعلام بالمتغيرات، حتى يكون الإعلام قادرًا على تقديم رسالته كما يجب، وبلا ذلك فقد تكون هناك الكثير من الصعوبات، لكلا الطرفين.

المراجع:

–    صحيفة التايمز البريطانية https://www.thetimes.co.uk/article/saudi-arabia-beach-resort-will-allow-bikinis-crown-prince-mohammed-bin-salman-red-sea-project-sharia-king-salman-qzjkgr3kg

–         نص رؤية 2030 http://vision2030.gov.sa/ar/foreword

–         الثقافة السعودية في ظل «رؤية 2030»، جريدة الشرق الأوسط،27 ديسمبر 2016.

–         مثقفون: الإعلام جزء من «رؤية التحول» متى ما تحرر من مقص الرقيب، صحيفة الحياة 18/05/2016.

–         رؤية الإعلام.. وإعلام الرؤية، د. عبدالله بن سعيد أبو راس،2 يونيو 2016.

–         أزمة الإعلام السعودي! عبدالناصر العتيبي،30 سبتمبر 2016.

التعقيب الأول: د. مساعد المحيا

الجوانب التي أشار لها أ. أمجد المنيف كثيرة لكني أريد أن أتناول بعض الرؤى النقدية حول إعلامنا الذي تردت أحواله منذ أمد فجاءت الرؤية وما تحمله من ثقل فكري واقتصادي لينوء بحمله لها فأخلد إلى الأرض سوى ممارسات كرست الصورة النمطية السابقة.

التحولات الكبيرة وبخاصة في الجانب الاقتصادي في رؤية المملكة تظهر عددا من الحقائق التي كان ينبغي للإعلام أن يستهدي بها أو يتمثلها إن كان له رغبة في رشد إعلامي قادر بأن يتماهى مع مستوى هذه الرؤية ومحتواها .. لاسيما مع مكانة المملكة الدينية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والدولية إذ تلك جوانب تتطلب إعلاما يدرك ذلك في كل ما يأتي ويذر ويقدر مسؤوليته ووظيفته وأن تكون كفاءته في التعاطي مع معطيات هذه الرؤية تتجاوز الضرب بالدف عليها وإنما استيعابها على نحو يمكن من خلاله التبشير بمستقبل إعلامي يواكب محتواها ويحملها نحو ثقة الجمهور الداخلي والخارجي .. لاسيما وأن للإعلام وظيفة مهمة وقدرة عالية في التأثير حين يتم توظيف أدواته في صناعة صورة تتسق وحجم الرؤية وتطلعاتها لتحقيق تنمية شاملة .. ودون مبالغة أو خلط أو تهييج أو تشويش.

لذا فمن غير المقبول أن نطالب الإعلام الأجنبي بأن يمارس موضوعيته في تناول الجوانب التنموية لدينا وما تشتمل عليه الرؤية ‏وإعلامنا لا يحمل ذلك بل يتهاوى في رديء القول والصناعة الإعلامية .. ولا يبحث عن رديء القول وسيئ الكلام .. واختلاق القصص إلا الإعلام الدعائي الذي يختار التدجين والثناء المبالغ فيه والممجوج والمستكره … بطريقة ببغائية لا تخدم صانع القرار ولا تفيد الجمهور؛ ‏إذ الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

الفعل التنموي لدينا لم يواكبه في أكثر الأحوال سوى إعلام دعائي ضخم المنجز ولم يتناول ما يحيط به من مبالغات أو فساد أو تعطيل أو عدم عدالة في توزيع المشروعات أو تأخير لمشروعات كثيرة .. بل قد يقدم الكثير من التسويغ لعدد من الإخفاقات مقللا من شأن الخسائر وما قادت إليه من مشكلات تنموية .. وهذه المدرسة الدعائية لا تخدم الوطن ولا تضيف لتنميته شيئا لذا كان مهما أن يكون الإعلام جزءا من أصل الرؤية لبث الحياة فيه حتى يواكبها مستلهما برامجها ومدركا لتفاصيلها بدلا من النمط الدعائي على طريقة “بول جوزيف غوبلز” وزير الدعاية الألماني في ألمانيا النازيّة ومحمد حسنين هيكل، وأحمد سعيد” في مصر والصحاف في العراق ولدينا اليوم بعض نماذج ذلك.

نحن بحاجة فعلا لمن يستثمر الكفاءات البشرية والعقول الإعلامية السعودية وأن يتاح لها أن تعمل في مناخ واسع من الحرية المسؤولة ليقوموا بوظيفة الإعلام بمهنية عالية واستقلاليّة واحترافيّة تجعل الخطاب الإعلامي يواكب الآفاق المستقبلية التي تتيحها الرؤية بعيدا عن تصفية الحسابات أو الاستقطابات أو السذاجة أو الحمق والذي أنهك الجهد الإعلامي وجعله رهينة لمصالح شخصية لا تخدم الوطن ولا تنميته.

الوعي بطبيعة محتوى الرؤية وإدراك أهدافها وبرامجها سيقود حتما لكثير من الجهد الإعلامي المنسجم مع مخرجاتها؛ إذ الأصل أن يمتلك الإعلام ووسائله القدرة على التماهي مع متطلبات الرؤية التنموية الجديدة ومن ثم القدرة على التحول السريع في ضوء تسارع المتغيرات والبعد عن النمطية والاستعداد لكل التحولات ذات النمط السلبي وما تشتمل عليه من مخاطر.

يضاف لذلك قدرته الواسعة على المرونة في الحركة والجاهزية التي تجعل كفاءته في الأداء عالية مع المرونة الجيدة في الحركة والبعد عن ردود الأفعال غير المنضبطة أو المسفة في القول أو الصورة بما لا يتسق وقيم المملكة ومجتمعها.

التعقيب الثاني: أ. عبير خالد

تعقيبي سيقتصر على الهدف الاستراتيجي الثالث وهو حول صورة المملكة داخلياً وخارجياً وسبل تعزيزها.

اتفق مع ما تم ذكره حول حاجة المملكة لقوة ناعمة تليق بمكانتها الاعتبارية فعلي سبيل المثال تتحدث اليابان عن نفسها أمام العالم عبر NHK وتتحدث أمريكا عبر هوليود و نيجيريا عبر نوليود والهند عبر بوليود وهكذا دواليك كل دولة لها منصة إعلامية ضخمة تسهم في التسويق لثقافتها وتطبيع منهجها وتساعدها على الاتصال مع العالم الخارجي.

صناعة الأفلام وتسويق أفكارنا

لكي نمتلك نحن أيضا منصات إعلامية بمعايير عالمية تحاكي جماهير أجنبية نحتاج إلى العديد من التغييرات سواء مجتمعيا أو مؤسساتيا. وهذان الجانبان مرتبطان ببعضهما لدينا فمثلا قرار إتاحة صالات السينما وتأسيس صناعة للأفلام بالمملكة قد تتم محاربته من قبل بعض أطياف المجتمع رغم أن صناعة الفيلم السعودي هي بلا ريب أول الخطوات نحو التسويق لأفكار المملكة بما في ذلك، رؤيتنا 2030. وأحد الأمثلة على مدى قوة صناعة الفيلم السعودي هو فيلم “وجدة” الذي أخرجته (هيفاء المنصور)،، لقي هذا الفيلم نجاحا واسعا خارجيا وتم عرضه في العديد من صالات السينما الغربية ولقي العديد من الجوائز بل ودخل قائمة أفضل عشر أفلام في 2013 (المصدر: الجارديان). ولعل هناك بوادر وبدايات للاهتمام بقطاعات الإخراج والسينما مثل مهرجان جدة السينمائي وتدريس الإخراج كتخصص مستقل ببعض الجامعات إضافة لشراكة “مسك” مع أكاديمية نيويورك للأفلام ولكن مازال هناك الأكثر ليُنّفذ. مازلنا نحتاج إلى هيئات تتبنّى وتوظّف هواة الإخراج والأفلام كلٌ في النوع أو Genre التي يفضّل لتجعل من عملهم مصدر دخل وتجارة وطنية يستفاد من ريعها، وفرصها التسويقية، وإسهاماتها الثقافية بما يتلاءم مع الرؤية الوطنية.

الصحافة الغربية و رؤية 2030

من خلال متابعتي للأخبار في الصحافة الغربية عن الرؤية منذ إعلانها الحظ أننا أمام نوع جديد من التغطية الإعلامية عن المملكة، نوع يختلف عن ذلك القديم والسائد. تتسم التغطيات الأخيرة عن المملكة بالتعاطي الجدي مع المعلومات والإحصائيات المعقدة حول احتياطي النفط ومعدلات البطالة والتوظيف وغير ذلك مما يتوقع أنه باحتمال كبير لا يستهوي القارئ الشعبي الغربي ولكن في نفس الوقت تشاهد بين الحين والآخر أخبار صحفية عن المملكة تبتعد عن السياق الاقتصادي المالي وتتجه نحو بُعدا اجتماعيا غيرياً لتستعيد اهتمام المتلقي الشعبي الغربي (مثل خبر التايمز الذي نوقش أعلاه أو أخبار أحكام الإعدام كمثال آخر). لذا يمكن القول بأن الإعلام الغربي متلوّن، ويكرر أخطاءه بخصوص تمثيل السعودية لاسيما في صحف التابلويد/الشعبية، المعروفة بتعطشها للربح. نحن بدورنا نستطيع مقاومة هذه الإشكالية (ليس فقط بدعم الصحف الأجنبية مالياً أو شراء أسهم منها لأن تلك الصحف عادة لا تمنح الممول أي سلطة على كاتب المحتوى) ولكن بالارتقاء بصحافتنا المحلية للمستوى العالمي وإنشاء فروع لها في أميركا وأوروبا ودول آسيا لتجابه وترد وتواجه. وهناك الكثير من التجارب، في سوق الإعلام الغربي، تثبت أن الرهان على وعي المتلقي مجديا. أعتقد أننا بكل ما نملك من منصات إعلامية لا نستهدف سوى جمهور محلي خليجي والى حد ما، عربي… أمـا العالم الخارجي فهو – نظريا على الأقل- خارج حساباتنا.

توصيات:

  • إتاحة تخصصات الإخراج السينمائي بإمكانيات عالمية في كافة الجامعات السعودية وتخصيص مقاعد للمبتعثين لدراسة تخصصات الإعلام المختلفة.
  • إنشاء هيئات تتبنى المخرجين السعوديين والعرب في الداخل والخارج وتدعمهم وتوفر التسهيلات لهم بهدف تحويل هذه الصناعة لتجارة يستفاد من ريعها وفرصها التسويقية.
  • الارتقاء بالصحافة السعودية لمستوى عالمي وإدخالها بشكل مدروس لسوق الصحافة العالمي عن طريق فتح فروع لها في الدول الكبرى والتعاطي الجدي مع المتلقي الأجنبي.

المصادر:

الجارديان (أفضل عشرة أفلام في 2013 المركز العاشر وجدة) عبر https://www.theguardian.com/film/filmblog/2013/dec/09/10-best-films-2013-wadjda-saudi-arabia

المداخلات حول القضية:

  • أبعاد دور الإعلام في التنمية الوطنية استناداً لرؤية 2030

أشار د. إبراهيم البعيز إلى أننا عشنا منذ العامين الماضيين فرحة شبابنا المتفائل بأن “القادم أفضل” منذ الإعلان عن رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020. واشتمل برنامج التحول الوطني 2020 على تسع مبادرات لوزارة الثقافة والإعلام يفترض أن تنتهي خلال أقل من خمس سنوات (بحلول عام 1440هـ) وبتكلفة إجمالية تتجاوز 3.3 مليار ريال (إضافة إلى ما سيساهم به القطاع الخاص). سبع من هذه المبادرات في الجانب الإعلامي على المستويين المحلي والخارجي، ولها 78% من إجمالي التكلفة.

كما تضمن برنامج التحول على أربعة أهداف استراتيجية لوزارة الثقافة والإعلام، ومن أبرزها في الجانب الإعلامي تنمية الصناعة الإعلامية والصناعات ذات العلاقة وتعزيز تنافسيتها عالميا، ومن مؤشرات الأداء لهذا الهدف رفع عدد الوظائف في صناعة الإعلام والصناعات ذات العلاقة إلى 16 الف وظيفة (عدد الطلاب والطالبات في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية يصل إلى 26 الف)، ورفع قيمة الناتج المحلي للصناعة الإعلامية والصناعات ذات العلاقة إلى 6.64 مليار، لتصل نسبة عائدها في الاقتصاد الوطني إلى 42%.

جميلة جدا تلك الرؤية المتفائلة، لكن علينا أن ننظر إلى أن تحقيق الرغبة مرتبط أيضا بالقدرة، القدرة على تجاوز التحديات، خاصة في المجال الإعلامي الذي لم نتمكن أن نحقق فيه ما يتناسب مع ما للمملكة من مكانة سياسية وثقل اقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي.

وعقب د. مساعد المحيا بأن دفة الإعلام خلال الرؤية تولاها وزيران:

  • الأول: عادل الطريفي، ويبدو أنه لم يمارس فعلا عمل وزير الإعلام .. فقد أظهر ضعفا شديدا في أن يكون في مستوى الحدث وكان يفتقد للفهم الإعلامي والإداري الجيد.
  • الثاني: أ. العواد بخلفية اقتصادية، ويملك حماسة جيدة ورغبة في التطوير. لكن الملحوظ أنه مؤخراً شكل لجنة في الوزارة لتطوير الإذاعة والتلفزيون ضمن برنامج رؤية ٢٠٣٠. وفي الحقيقة إن هذا يثير استشكالا يتعلق بعلاقة الوزارة بالهيئة باعتبار أن ما نعرفه أن الهيئة مستقلة وأن الوزير يشرف عليها وليس الوزارة.

ومن ناحية أخرى فإن من المشاهد المثيرة للتساؤل أن الرؤية منذ البداية اهتمت بتسويق بعض أهدافها وبرامجها عبر وسائل إعلامية دولية برغم أن المخاطب الأول هو المواطن السعودي حيث أصبح يتلقى مصادره عبر صحف ومجلات دولية اقتصادية أو عبر محطات غير المحطات الرسمية . وهذا الأمر جعل المحطات الرسمية تشعر وكأنها وسائل هامشية أو أنها لا تنتمي لوطن الرؤية؛ وهذا ما عزز المكانة الضعيفة لوسائل الإعلام المحلية لدى الجمهور السعودي .. وبرغم ذلك حاولت وسائل الإعلام المحلية أن تقوم بدور دعائي مستمر جعل المحتوى المقدم أشبه بالبلي باك.

وفي نفس الإطار قال د. عبد الله بن صالح الحمود: يتبادر إلى الذهن من عنوان القضية تساؤل كبير، وهو: هل يراد من الإعلام أن يكون شريكا حقيقيا في دعم تنشئة الرؤية ، وأن يكون أيضا داعما لمسيرتها لأعوام عديدة ، لاشك أن الإجابة لهذا التساؤل هو أنه بالطبع لابد أن يكون الإعلام شريكا حقيقيا ، ولكن أمام ذلك سيظهر لنا تساؤل آخر ، وهو كيف لإعلام رسمي لم يصل إلى العالمية وقد أمضى عقود من الزمن وهو يراوح مكانه بين المحلي وشيء من الإقليمي ، عندما تأسست هيئة الإذاعة والتلفزيون ، ظننت أن وزارة الثقافة والإعلام قد تمت إعادة هيكلتها ما دام أن وزيرها هو رئيس مجلس إدارة الهيئة ، والذي من شأنه سوف تأتي الهيئة بسياسة وروح إعلامي بعطاء مغاير عن ما كانت عليه لعطاءات الإذاعة والتليفزيون سابقا ، إنما كان الشاهد آنذاك أن ما حدث هو إنشاء هيئة بمظهر شكلي وبعاملين هم نفس من كانوا يتربعون على أركان هاتين الوسيلتين ( الإذاعة والتليفزيون ) ، ولهذا لم نحظ كمستمعين أو مشاهدين بأي تغير يذكر. فقد كانت مرحلة في ظني أحبطت في مهدها ، ولهذا لا أعتقد أن الإعلام الرسمي بشقيه المسموع والمرئي أن يخدم رؤية 2030 وهو لا يزال على منهجيته وسياسته الإعلامية التقليدية.

وباعتقاد أ. أمجد المنيف فإن المشكلة الرئيسة في إعلامنا الخارجي هي استخدام وسائل وثقافة الداخل لمخاطبة الخارج، بالإضافة لتعدد المرجعيات المشرفة على ذلك.

وبناء عليه تساءل د. خالد الرديعان: وماهي المشكلة في استقطاب متخصصين من دول أخرى إضافة إلى الكفاءات الوطنية.. ولننظر إلى طاقم قناة الجزيرة على سبيل المثال.. معظمهم إن لم يكن جميعهم غير قطريين.

وأكد أ. عبد المحسن القباني على أنه من المعلوم أن للإعلام دورا في التنمية وظهرت نظريات تربط هذا بذاك. في حين يرى د. إبراهيم البعيز أن التنظير للإعلام والتنمية يفترض أن الإعلام هو المحرك في المجتمع لكن هذه النظريات ثبت فشلها بعد أن تبين أن المجتمع بقيمه السياسية والاجتماعية هو المحرك للإعلام؛ ففي المجتمعات المتأخرة سياسيا واجتماعيا يكون إعلامها متأخر والعكس صحيح.

ومن جانبها ذكرت أ. عبير خالد أنه وفيما يتعلق بالإعلام والمجتمع، هناك حالة جميلة تستدعي الاهتمام حصلت في بريطانيا قبل سنة عند خروجهم من الاتحاد الأوروبي، كانت حملات البقاء في الاتحاد الأوروبي معظمها أكاديمية وتتسم بلغة علمية، أما الحملات الإعلامية الداعية للخروج فكانت شعبية وحصلت على تغطية ضخمة جدا من أكبر الصحف وأشهرها ودعمها مؤثرين/مشاهير مثل “نايجل فاراج” و “بوريس جونسون”، وبالفعل فاز الخارجين وفاز الإعلام الشعبي لكن نتيجة فوزة لم تتجاوز (52%)، ما يعني أن نصف الشعب تقريبا (48%) لم يتأثر بدعوات الخروج التي هيمنت على صحف بريطانيا؛ قد تكون هذه مجرّد حالة وليست أمر سائد ، لكنها تتزامن مع ما أشار إليه د. إبراهيم البعيز.

ومن جهته قال د. عبدالله بن ناصر الحمود: في الحقيقة لا أعرف عن ماذا تتحدثون، هل تقصدون (الإعلام) بالفعل.. أم ما تبثه وسائل إعلامية في مجتمعاتنا؛ إن كانت الأولى.. فمناط الحديث فيه أكاديمي فلسفي.. وإن كانت الثانية.. فالأجدر تسميته بالدعاية؛ فنحن في دول العالم الثالث ليس لدينا إعلام، لدينا أجهزة دعاية وعلاقات عامة، حتى في بيئة الاتصال المجتمعي الجديدة.. ويغلب العمل الدعائي العلاقاتي على حرفية ومهنية شبكات التواصل الاجتماعي من منظور أكاديمي فلسفي.

ومن وجهة نظر د. حميد الشايجي فإن الإمكانات المادية متوفرة خصوصاً مع التطور التقني في المجال الإلكتروني حيث أصبح أي شخص يستطيع أن يفتح قناة الكرتونية على أي من المنصات الإلكترونية كاليوتيوب والانستقرام والتليغرام والسناب شات وغيرها حتى وإن لم يكن مؤهلاً، أما ما يتعلق بالكوادر البشرية فإنه يتفق مع القول بضعف الكوادر ورداءة تأهيلها بل بعضها غير مؤهل أصلا.

وأشار م. أسامة كردي إلى أن ضعف الكوادر و الإمكانيات و المقدرة على الابتكار و الرغبة في الاجتهاد و التطوير نراها في كل قنواتنا المرئية، فمتى نرى قنواتنا المرئية الخاصة منتشرة مثل قنواتنا الإذاعية الخاصة؟

وتساءلت د. ثريا العريض: هل يمكن في أوضاعنا الخليجية اليوم أن يخرج الإعلام عن التوجه الرسمي للدولة؟

وفي هذا الصدد قال د. مساعد المحيا: إن كان الحديث عن الواقع ؛ فهو صوت رسمي لا يستطيع أن ينفك عن ذلك ، المقلق هو أن هناك تجييش لمن يمكن أن يقدم أي رأي يكون مخالفا لما يطرح ؛ ما نعيشه اليوم سيترتب عليه ليس فقط تهميش للموقف الرسمي بل مواقف ناقدة ومضادة ومخالفة قد تقود لاحقا إلى تشكل جيل يسخر بإعلامه ويرى أنه فاقد للمصداقية.

إن صانع القرار يحتاج أن يجد الإعلام مشاركا له ومساندا له وعاملا لمصلحته من خلال الحوارات والبرامج التي تتمتع بمناخ واسع من الحرية كي تتيح للمسؤول الكثير من الخيارات وتزيد أفقه اتساعا .. المهم أن لا يكون دعائيا فيضلل ويقدم معلومات غير صحيحة.

وذكرت أ.د فوزية البكر أن هناك قضيتين مهمتين تسيطران على مناقشة قضية الإعلام والتنمية، الأولى وتتعلق بالمناخ (المراقب) الذي يعمل فيه إعلامنا ويعوقه عن أن يكون إعلاما حقيقيا. والثانية تتعلق بضعف الكوادر التي تدير الساحة الإعلامية لأن الكثيرون و دون تخصص أو حب يعتقدون أنهم يستطيعون أن يكونوا كتابا أو صحفيين.

وأضافت قولها: الآن كيف يمكن لإعلامنا أن يدعم الرؤية والأصدق أن نقول ؛ هل يستطيع؟ لن نكذب علي بعض ونقول بأننا نبحث عن الخبر الصحفي في إعلامنا الموجه. نحن نقرا لكاتب أو نلاحق زاوية وهذا ما نطمح من إعلامنا والذي في الحق هو وليد الواقع رقابيا و ثقافيا. لا يمكن بناء أجهزة صحفية قوية في بيئة ضعيفة ثقافيا وفنيا. وهل سيتمكن إعلامنا من دعم الرؤية وهل سيصدقه الناس إن فعل؟

ويرى أ. عبد المحسن القباني أن الفكرة الأساس لوزارات الإعلام و التلفزة الوطنية هي فكرة تنموية. كان الهدف هو توعية مواطني الدولة بشأن التحولات التنموية و بث الرسائل التي تطور المجتمع و تحسن تعامله مع الابتكارات الجديدة. مثلا:”… اربط حزام الأمان. انتبه من استخدام المبيدات في مزرعتك. تعاون مع التعداد السكاني. خذ جرعة التطعيم .. إلخ”.

لم يعد هناك حاجة حقيقية لممارسة هذه الأدوار و عليه لم تعد هناك حاجة لاستمرار تلفزة حكومية نظرا لأن التنمية انتهت و التقنية تغيرت و تبدلت و بالإمكان إيصال الأفكار الحكومية عبر منصات عدة لا تنفق عليها الميزانيات الكثيرة.

الصحافة فكرة غربيّة وهي تحتاج لمناخ من الحريات . لقد خلت رؤية 2030 من تلك الجوانب ؛ و عليه لا نترقب إصلاحا للإعلام سواء للتنمية أو خلافه.

ومن ناحيتها قالت أ. إيمان الحمود: الدولة لا ترغب بإنشاء جهاز إعلامي قوي .. خشية الخروج عن سيطرتها لاسيما فيما يتعلق بمحاسبة المسؤولين والرقابة عليهم .. لا يمكن لأي إعلام مهني أن ينتقد أخطاء الآخرين قبل انتقاد الأخطاء التي لديه وبشكل موضوعي ومهني. وتكريس مبدأ فصل السلطات ومنحها شرعيتها هو من سيساهم في خلق سلطة رابعة حقيقية غير ذلك مجرد أماني في الهواء الطلق.

وأضاف د. إبراهيم البعيز إن إشكالات الإعلام السعودي مترابطة ببعضها البعض، فلا يمكن النظر في إشكالية خارج السياق العام للمشكلة. وهنا يمكن الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية وكثير ما يتردد الحديث عنها ممن ليسوا قريبين من المشكلة مستوى خريجي كليات وأقسام الإعلام؛ فكليات وأقسام الإعلام لا تزال عاجزة وستظل لسنين طويلة عن استقطاب الطلاب المتميزين في الجوانب الثقافية والفنية والعلمية، التي يحتاجها العمل الإعلامي. هذه النوعية من الطلاب يذهبون إلى تخصصات واعدة وظيفيا مثل الطب والحاسب والهندسة والقانون وغيرها. كليات وأقسام الإعلام لا يأتيها في الغالب إلا من لم تقبلهم تلك التخصصات. تقريبا 60-70% من طلاب الإعلام في جامعات سعود والإمام وعبدالعزيز لم يكن الإعلام خيارهم الأول. شعب الصحافة والإذاعة والتلفزيون لا تستقطب أكثر من 30% من الطلاب. الذين تورطوا في التخصص يذهبون إلى العلاقات العامة. لن تتحسن مخرجات أقسام الإعلام إلا إذا تحسنت الفرص في سوق العمل الإعلامي.

وفي مداخلته حول قضية ( الإعلام والتنمية الوطنية في ضوء الرؤية 2030 ) قال أ. عبدالله الضويحي: السؤال المطروح: هل المقصود عن مستقبل إعلامنا والمفروض أن يكون عليه عام 2030 !؟ كغيره من القطاعات الأخرى .. أم أن المقصود دور الإعلام في تقديم رؤية 2030 للمواطن !؟ أم وهذا حسب ما فهمته: كيف يسهم الإعلام في التنمية الوطنية لتتواكب مع رؤية 2030 !؟

والحديث هنا بطبيعة الحال عن إعلامنا الرسمي ، وفي كل الأحوال لا يمكن فصل هذه الأسئلة عن بعضها كما أنه لا يمكن الحديث عن إعلام مستقبلي دون المرور على الواقع.

أعادني هذا التساؤل ما يقارب أربعة عقود للوراء لمقالٍ شهير كتبه أ. تركي العبدالله السديري رحمه الله عندما كان رئيساً لتحرير جريدة الرياض ( وزارة النفي و وكالة أشاد ) والمقصود ( وزارة الإعلام ووكالة الأنباء السعودية ) هذا المقال لخص واقع الإعلام لدينا آنذاك ، ورغم الانفتاح الإعلامي وأثره وارتفاع سقف الحرية إلا أن تلك المقولة لازالت والحرية التي نتحدث عنها نسبية تحوم حول الحمى ولا ترتع فيه.

نعم رؤية 2030 رؤية طموحة وفق ما تتبناه من سياسات لكن إعلامنا لم يتعامل معها من منظور نقدي بمعنى دعمها بأسلوب مقنع وواقعي .. ما حصل هو ( إشادات ) دون تلمس لجوانب الرؤية .. وأصبحت ” رؤية 2030 ” تستخدم في كل تعبير وحدث مستقبلي حتى في تحليل المباريات والقرارات الرياضية ما يؤكد أن البعض حتى الآن لم يدرك أبعادها والمقصود منها ، حتى أن أحد رؤساء التحرير وصفها في مقال له على أنها ستتحقق خلال 20 إلى 30 سنة !

فهم مضمون الرؤية يؤدي إلى القدرة على ترجمة أهدافها وتقديمها للمتلقي بصورة صحيحة .. وهنا يبرز سؤال: لماذا لم يفهم البعض أبعاد رؤية 2030 !؟ هل هو قصور لديهم وعدم استعداد ومجاراة فقط للمجتمع ولها من باب ( أشاد ). أم أننا على المستوى الرسمي لم نقدمها بما يتناسب وقيمتها !؟

تمنيت لو أن رؤية 2030 تم تقديمها في مؤتمر صحفي لمهندسها تحضره وسائل الإعلام المحلية والأجنبية مع شرح كامل لها بدلاً من تقديمها عبر مقابلة تلفزيونية أو قنوات غير محلية .. لكان ذلك في نظري أجدى وأقرب إلى فهمها والتفاعل معها.

وعودة للإعلام سأضع هنا مفارقة بسيطة: في الثمانينيات والتسعينيات كان الإعلام الرياضي ( الصحافة تحديداً ) يحظى بسقف عالٍ من الحرية في الطرح في حين أن نشر صورة لسيدة في موقع آخر من الصحيفة قد يعرضها للإيقاف والسبب أن رعاية الشباب وتحديداً الأمير فيصل بن فهد هي الجهة المسؤولة عن الإعلام الرياضي وتقييم ما يطرح فيه!

عندما نشأ مبنى وزارة الإعلام الحالي كان ولازال يحوي كافة الإمكانات الفنية العالية والمتميزة التي تستطيع أن تصنع الفرق مما لا يتوفر لدى دول أخرى ومع ذلك لم تستثمر !

ليس شرطاً أن تكون القيادة متخصصة إذا كانت تملك القدرة على التغيير المهم أن تكون الكوادر التنفيذية مؤهلة لكن المشكلة عندما تكون قيادة الجهاز تنفيذية أكثر من كونها تشريعية.

بعض الهواة الذين قام على أكتافهم إعلامنا أفضل بكثير من بعض المتخصصين الحاليين ذلك أن أولئك جاءوا بدافع الهواية والرغبة وهؤلاء بحثاً عن الوظيفة ، وحتى المؤهلين منهم تاهوا وسط البيروقراطية والجلوس في المكاتب فليس هناك تأهيل ولا تدريب على رأس العمل.

وعندما أنشئت هيئة الإعلام المرئي والمسموع وهيئة الإذاعة والتلفزيون ومسؤولها بدرجة وزير تأمل كثيرون تحسناً في الوضع لكن شيئاً من هذا لم يحدث لأن التغير في المسميات فقط أما الكوادر فهي ذاتها التي كانت تدير الإعلام وفي ذات المكاتب التي كانت تجلس عليها ! وبذات العقلية والنظام.. الإعلام والبيروقراطية عدوان لدودان وهما كالخطين المتوازيين لا يلتقيان أبداً.

أتفق مع كل ما جاء بالمداخلات السابقة ؛ لذلك لن أكرره وأشير هنا إلى أنني قرأت ضمن برنامج التحول الوطني لوزارة الإعلام تحويل قناة الإخبارية إلى شركة مما يعني استقلاليتها وتطويرها ونأمل أن تكون بداية لإعلام يواكب المرحلة وتطلعاتها.

  • التوصيات المقترحة

في تصور د. إبراهيم البعيز فإن فهم مستقبل الإعلام السعودي يتطلب قراءة نقدية لحاضره، ولا يخفى على أحد أن المشهد الإعلامي اليوم مختلف تماما عن ما كان نعرفه سابقا. فالتغيرات السياسية والاقتصادية وما يرتبط بها من متغيرات ثقافية تتسارع بشكل لافت للنظر. وقد بدأت معالم المشهد الإعلامي تتغير منذ ما يقرب من 25 عاما، فقد أسهمت التطورات المتلاحقة في تقنيات المعلومات والاتصال أن تتجاوز المضامين الإعلامية الحدود الجغرافية، لترسم أول حروف في شهادة وفاة ثقافة الرقابة بكل أبعادها السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية.

مستقبل الإعلام السعودي مرهون بقدرته على الاستجابة لتحديات الانفتاح والتواصل الثقافي وكسب تلك المنافسة مع الإعلام الخارجي؛ وهذا لن يتأتى إلا بما يتم من تغييرات في السياسة الإعلامية. والسياسة هنا لا تقتصر على الوثائق المكتوبة بل تتجاوز ذلك إلى الممارسة في العمل الإعلامي.

و التحديات التي علينا أن نتعامل معها تتمثل في التالي:

  • العمل على تحويل الإعلام الرسمي من إعلام حكومة إلى إعلام دولة، بحيث يكون في خدمة الدولة، ولا يُمنع من نقد الحكومة. وهذا من شأنه أن يعطي الإعلام قدرا كبير من الاستقلالية الإدارية والمالية التي تمنحه سقفا أعلى في الشفافية لتناول الشأن العام، ليكسب ثقة المواطن، ويبعده من مصادر الأخبار المفبركة التي تؤدي إلى زعزعة ثقته بوطنه وقيادته.
  • إبعاد الإعلام الرسمي من حلبة المنافسة مع الإعلام التجاري ليكون معيار تقييم الأداء مؤشرات تتعلق بنوعية البرامج ومدى الارتفاع بمضمونها الثقافي والذائقة الفنية بخلاف الإعلام التجاري القائم على معايير حجم الإيرادات الإعلانية، ولنا في تجارب الدول المتقدمة مع مفهوم الإذاعات العامة public broadcasting مثل بريطانيا BBC واليابان NHK وكندا CBC وأمريكا PBC وغيرها.
  • فتح مجال أكثر رحابة وترحيبا للاستثمارات السعودية في مجال الإعلام بكل جوانبه الإخبارية والترفيهية والثقافية، وأن لا تقتصر التنظيمات ولوائحها التنفيذية على المسموح والممنوع ، بل من المفترض أن تشتمل على مواد وبنود تحمي الصناعة الإعلامية وتعزز من فرص نجاحها . قانون وقت الذروة prime-time access rule في الولايات المتحدة كان المحفز لصناعة الإنتاج التلفزيوني لأكثر من 25 سنة.
  • تبني سياسة إعلامية تجعل من العمل الإعلامي بكل فنونه وأنماطه فرصة واعدة وظيفيا، تجاوز عدد الطلاب والطالبات في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية 26 الف طالب وطالبة.

وباعتقاد د. خالد الرديعان فإن إعلامنا بحاجة إلى مطلبين أساسيين على النحو التالي:

  • المطلب الأول: أن ترتفع نسبة الحرية في المحتوى الإعلامي السعودي؛ بحيث يتناول كل الموضوعات دون قيود مسبقة طالما هي موضوعات تهم الصالح العام، كما يلزم تحصين الإعلاميين من الإيقاف والمنع. وعندما تتوفر حرية التعبير المنضبطة عندها سيتقدم إعلامنا بصورة مختلفة عما نراه اليوم. متى يصبح الطرح الإعلامي منضبطاً؟ عندما يبتعد عن الشخصنة والتشفي وتصفية الحسابات واستقصاد أشخاص أو جهات بعينها وإغماض العين عن بقية القضايا. ما نلاحظه مثلاً أن بعض الجهات غير محصنة من النقد والكتابة عنها بل وتستباح، في حين أن بعض الجهات والأشخاص هم في حكم المحصن الذي لا يتم تناوله في وسائل الإعلام المختلفة رغم الأخطاء التي يراها المواطن. هذا الأسلوب الانتقائي في التناول جعل الإعلامي فاقداً للمصداقية عند المواطن. بل إن بعضهم يمارس التدليس المكشوف الذي يدفع بالمتلقي إلى الانصراف عن إعلامنا ويبحث عن بديل هو في الغالب غير مضمون بل ومنحاز. وخلاصة القول أن مطلب حرية الإعلام الوطني مهم للغاية للنهوض به.
  • المطلب الثاني: لا يكفي أن يتوجه الإعلام السعودي للمواطن؛ بل لابد أن يتوجه كذلك لمن هم خارج الحدود وهذا لن يتحقق مالم نؤسس قناة تلفزيونية قوية باللغة الإنجليزية تضاهي القنوات المعروفة مثل السي إن إن والبي بي سي وغيرهما. لدينا الإمكانات المالية لإنجاز ذلك وتحقيقه بدلاً من تشتيت الجهود الحكومية والفردية في قنوات غير مفيدة أو غير منتشرة على نطاق واسع. لماذا نجحت قناة الجزيرة الإنجليزية؟ هذا سؤال يفترض طرحه حتى وإن اتهمنا هذه القناة بالتحيز ضدنا. هذه القناة مسموعة ومشاهدة على مستوى العالم بل وتضاهي قنوات مشهورة ومعروفة رغم فترة بثها القصيرة الذي لم يتجاوز العقدين بعد.

صوتنا يصل للخارج إذا توفر لنا قناة تلفزيون قوية يُستقطب فيها كفاءات إعلامية من مختلف دول العالم لكي تبث كل ما نريد إيصاله للعالم.. إذا نجحنا في تحقيق هذين المطلبين سنتقدم كثيراً.

وهناك جانب آخر في الإعلام يتعلق بحرية الوصول للمعلومات؛ فكثير من الجهات تمارس التكتم وعدم إعطاء معلومات كافية للمشتغلين بالإعلام تحت مبرر الأمن الوطني الخ.. كيف يمكن حل هذه الإشكالية؟

وأضاف د. مساعد المحيا: أن الإعلام الذي يفتقد البوصلة هو أشبه بالإعلام التائه؛ وحين تتعدد المرجعية تبلغ حالة التوهان قمتها؛ وعليه ينبغي أن لا يتولى إدارة الإعلام إلا الجهة والشخصية التي تمتلك التجربة والخبرة وتتحمل المسؤولية، أما غير هؤلاء فينبغي أن يظلوا بعيدين عن ذلك حتى لا نضل و نشقى .

جانب آخر أن الرؤية اهتم القائمون عليها بعملية التسويق لها أكثر من الاهتمام بأن يكون الإعلام جزءا من الرؤية لا لتسويقها وإقناع الجمهور بها وإنما لتكون هما مجتمعيا يشترك فيه الجميع ويحبونه ويسعون للوصول إليه .. وهذا طبعا يحتاج أن يؤمن الجمهور بأهداف الرؤية وبرامجها إدراكا بأنها مشروع طموح تحتاجه المملكة .. في المراحل القادمة .. هذا الأمر يتطلب إعلاما نوعيا لا يتعاطى مع الجمهور بطريقة تدفق المعلومات من النخب للجمهور وإنما يحتاج أن يعيش وسط الجمهور ليجعلهم أدواته في الإقناع والتأثير .. ولن يكون ذلك إلا عبر جهد مهني عظيم .. كما يتطلب أن نخرج من عباءة الإعلام الرسمي لنرتدي الإعلام المهني المسؤول “وهذا ما اختلف فيه مع د. عبد الله بن ناصر الحمود؛ حيث اجد أن الإعلام ينبغي أن يحمل أهداف الدولة ومصالحها لكنه يمكن أن ينتقد الحكومة كما أشار د. البعيز ؛ وما ينبغي أن يقوم به هو جهد إعلامي لا يقوم بالدعاية وإنما بما تتطلبه المرحلة من مناخ واسع من الحرية الإعلامية وقبول ما ينتج عنها من أخطاء وممارسات لا يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها .. كما يتطلب هذا الأفق مناخا رحبا للحوار والنقاش ليتم في ضوئه حوارات جريئة وصريحة جدا .. كل يوم يمر تثبت الممارسة الإعلامية المحلية أننا بحاجة ماسة لإعلام تديره وتعمل فيه كفاءات فكرية ومهنية متخصصة وفي مجموعة من المجالات .. حتى لا ينوء بحمل الرؤية ويفقد معها بوصلته .. وذلك يشمل القنوات الرسمية والصحف ويشمل حسابات الشبكات الاجتماعية الرسمية وشبه الرسمية والأمثلة كثيرة.

وذكر أ. عبد المحسن القباني أنه وبالإضافة إلى مسألة الحريات والتي أشار إليها      د. الرديعان فيما يتعلق بالإعلام و الصحافة؛ يجب أن تحسب الحكومة طرفا للقصة أو الرواية و ليست كل القصة؛ فالحكومة هي المشرف و المنفذ و المقرر بشأن العملية التنموية و بالتالي على الإعلام مراقبتها ومحاسبتها لا أن يحدث العكس وهو أن الحكومة تراقب الإعلام و تحاسبه.

أما د. حمزة بيت المال فيرى أن الجميع ينظر للإعلام بطيفه الواسع، الجديد والتواصل الاجتماعي، وموضوع الحرية مهم جدا كما ورد من د. خالد وتعقيب د. إبراهيم، المشكلة عندنا هو ضيق السياسي من الحرية الإعلامية وتفسر على أنها إعاقة له، لذلك يلجأ للتضيق ما أمكنه لذلك سبيلا. والملاحظ أن كل قوانين الإعلام في العالم العربي تشير أول فقرة فيها بأن حرية التعبير مكفولة، لكن ما يليها من مواد، أو ما يثبته الواقع عكس ذلك تماما. ومن ناحية أخرى فالخشية أن الإعلام يتعامل مع ٢٠٣٠ على أنها حملة لإقناع الجماهير وليس مشروع وطني يتشارك فيها الجميع.

وقالت أ. مها عقيل: تحدثت أ. عبير عن صناعة الإعلام وخاصة السينما. ورغم أننا حققنا بعض النجاح على المستوى الفردي وبجهود ذاتية، مازال هذا القطاع ينقصه الكثير رغم أهميته و لو طورناه لأصبح وسيلة رائعة لتغيير الصورة النمطية السلبية عن السعودية.

وبدوره تساءل د. حميد الشايجي: وهل طورت المسلسلات التلفزيونية الخليجية التي تُنتج من عشرات السنين الصورة النمطية السلبية عن الخليج أم رسختها؟

ومن ناحيتها أوضحت أ. مها عقيل أن تلك نقطة مهمة فيما يتعلق بالصورة النمطية عن الخليج في المسلسلات. ولكن ما قصدته هو أننا منغلقين وأن الأفلام قد تصبح وسيلة للتعريف بمجتمعنا وثقافتنا بطريقة غير مباشرة وفيها إبداع.

أما د. عبد الله بن صالح الحمود فيجزم أنه إذا ما أردنا أن نوجد إعلام حقيقي داعم ومؤثر لمسيرة الرؤية ، هو أن يجري ضخ دماء جديدة لوزارة الثقافة والإعلام، وكذا هيئة الإذاعة والتلفزيون ، ومنح صلاحيات أوسع للعاملين ، إضافة إلى توفير دعم مالي يتفق وما هو مطلوب من إعلام رسمي يفترض أن يكون قريب من نجاحات الإعلام الخاص.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:)     حسب الحروف الأبجدية (

  • د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
  • د. إبراهيم البعيز
  • د. إحسان بو حليقة
  • م. أسامة كردي
  • السفير أ. أسامة نقلي
  • أ. أسمهان الغامدي
  • أ. أمجد المنيف
  • أ. إيمان الحمود
  • د. ثريا العريض
  • د. الجازي الشبيكي
  • أ. جمال ملائكة
  • د. حامد الشراري
  • م. حسام بحيري
  • د. حسين الحكمي
  • د. حمزة بيت المال
  • د. حميد الشايجي
  • د. حميد المزروع
  • د. خالد الرديعان
  • م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
  • أ. خالد الوابل
  • د. خالد بن دهيش
  • د. زياد الدريس
  • أ.د. سامية العمودي
  • د. عبدالرحمن الشقير
  • د. عبدالرحمن الهدلق
  • أ. عبدالرزاق الفيفي
  • أ. عبدالله الضويحي
  • د. عبدالله العساف
  • أ. عبد المحسن القباني
  • د. عبد الله بن صالح الحمود
  • د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • أ. عبير خالد
  • د. علي الحكمي
  • أ. فاطمة الشريف
  • د. فهد الحارثي
  • أ.د. فوزية البكر
  • أ. كوثر الأربش
  • أ. محمد بن فهد العمران
  • د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
  • د. مشاري النعيم
  • أ. مها عقيل
  • د. منيرة الغدير
  • د. ناصر القعود
  • د. نوف الغامدي
  • أ. هادي العلياني
  • د. هند العتيبي

 


(*) – مراجع مقترحة:

  1. Abu-Lughod, Lila. Veiled Sentiments: Honor and Poetry in a Bedouin Society.Berkeley: University of California Press, 1986.
  2. Daniel Bates & Amal Rassam (1983) Peoples and Cultures of the Middle East. New Jersey: Prentice-Hall.
  3. Joseph Ginat (1987) Blood disputes Among Bedouin and Rural Arabs of Israel. Pittsburgh: Univ. of Pittsburgh.
  4. Pitt-Rivers, Julian (1966) Honour and Social Status. In Honour and Shame dited by J.C. Peristiany. Chicago: Univ. of Chicago.
  5. خالد الرديعان (٢٠٠٨): العنف الأسري ضد المرأة: دراسة وصفية في مدينة الرياض. كلية الملك فهد الأمنية: مجلة العلوم الأمنية مجلد ١٧ عدد ٣٩.

تحميل المرفقات: التقرير الشهري 29

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa