سبتمبر 2016م
ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر سبتمبر 2016م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
- ثقافة العمل ودورها في توطين الوظائف
- المياه.. القيمة الحقيقية وتقنين الاستهلاك
- صورتنا والتواصل الاجتماعي عبر شبكات التواصل الإلكترونية
محتويات التقرير
المحور الأول: التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
- الورقة الرئيسة: أ. خالد الحارثي
- التعقيب الأول: م. أسامة كردي
- التعقيب الثاني: د. عبد الله بن صالح الحمود
- التعقيب الثالث: أ. مطشر المرشد
- التعقيب الرابع: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- واقع التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
- الرؤى المستقبلية لمعالجة أوضاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
المحور الثاني: ثقافة العمل ودورها في توطين الوظائف
- الورقة الرئيسة: د. عبد الله بن صالح الحمود
- التعقيب الأول: أ. خالد الحارثي
- التعقيب الثاني: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- ثقافة العمل والإشكالات المرتبطة بها
- آليات تطوير ثقافة العمل وتفعيل دورها في توطين الوظائف
المحور الثالث: المياه.. القيمة الحقيقية وتقنين الاستهلاك
- الورقة الرئيسة: أ.د فوزية البكر
- التعقيب الأول: م. خالد العثمان
- التعقيب الثاني: م. سالم المري
- التعقيب الثالث: أ. فوزية الجار الله
- المداخلات حول القضية:
- أبعاد قضية المياه في المملكة
- التصورات والحلول المقترحة
المحور الرابع: صورتنا والتواصل الاجتماعي عبر الشبكات الإلكترونية
- الورقة الرئيسة: د. فايز الشهري
- التعقيب الأول: أ. أمجد المنيف
- التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا
- المداخلات حول القضية:
- تقييم واقع صورتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي
- رؤية استشرافية
المحور الأول
التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
الورقة الرئيسة: أ. خالد الحارثي
القضية الحالية كما في عنوانها تبحث في تحديات وطموحات قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة في المملكة العربية السعودية ، وماذا تنتظر من برنامج التحول في ضوء رؤية 2030 السعودية. ولعل من البديهي أن نتناول الحدود التي يشتمل عليها هذا المصطلح.
تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
من الصعب فعليا التوصل إلى تعريف محدد وموحد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة دوليا ، وحتى إقليميا في كثير من الأحيان ، فكلمة “صغيرة” و”متوسطة” “وناشئة” هي كلمات لها مفاهيم نسبية تختلف من دولة إلى أخرى ومن قطاع لآخر حتى في داخل الدولة. فقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة عن معهد ولاية جورجيا بأن هناك أكثر من (55) تعريفاً للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في (75) دولة. ويتم تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة اعتماداً على مجموعة من المعايير منها عدد العمال، حجم رأس المال، أو خليط من المعيارين معاً، وهناك تعريفات أخرى تقوم على استخدام حجم المبيعات أو معايير أخرى متعددة.
فالبنك الدولي على سبيل المثال يعرف المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة باستخدام معيار عدد العمال والذي يعتبر معياراً مبدئياً، وتعتبر المنشأة صغيرة إذا كانت توظف أقل من 50 عاملاً. وهناك العديد من دول العالم التي تستخدم هذا المعيار لتعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وايطاليا وفرنسا تعتبر المنشأة صغيرة ومتوسطة إذا كانت توظف حتى 500 عامل، وفي السويد لغاية 200 عامل، وفي كندا واستراليا حتى 99 عاملاً، في حين أنها في الدنمارك هي المنشآت التي توظف لغاية 50 عاملاً. أما في الصين فإن المنشأة التي يعمل بها من 1-3000 موظف ومجموع أصول من 20 ريال إلى 200 مليون ريال ودخل من 5 ريال إلى 150 مليون ريال حسب القطاع ، تعتبر منشآت صغيرة ومتوسطة ، أما في المجموعة الأوروبية فهي ترى أنها المنشآت التي لا تتعدى 250 موظف ودخل لا يزيد عن 300 مليون ريال . وهناك دول أخرى تستخدم حجم رأس المال لتعريف المشروع الصغير والمتوسط، مما يؤدي إلى صعوبة المقارنة بين هذه الدول لاختلاف أسعار صرف العملات.
كما يسود أيضا وصفها بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بدلا من الوصف المطول ، ولا حرج في ذلك. وعموما ، فإن استخدام عدد العمال كمعيار لتعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة يمتاز بعدد من المزايا منها:
- يسهل عملية المقارنة بين القطاعات والدول.
- مقياس ومعيار ثابت وموحد لا يرتبط بتغيرات أسعار الصرف.
- سهولة جمع المعلومات حول هذا المعيار.
أخذت الورقة بتبويب محاور الطرح التحليلي العام (الكلي) على ثلاثة محاور ، وتبويب محاور التحليل الخاص (الحالة السعودية) بأربعة أقسام.
التحليل العام
أولا: محور الأهمية والوزن لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة في اقتصادات الدول
تقدم اليابان أحد أهم المؤشرات التي تدل على العناية بهذه المنشآت حيث أنها تمثل 99.7% من عدد الشركات في اليابان وتشغل 70% من القوى العاملة في السوق ، وتقدم 50% من القيمة المضافة في الاقتصاد الياباني ، حسب التقرير الصادر عن وزارة الاقتصاد اليابانية من وكالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة بعنوان “التجارة والصناعة” سبتمبر 2013م.
وهذه الأرقام تفرض نفسها في توضيح أهمية هذا القطاع وأثره على اقتصادات الدول العالي جدا ، وهو القطاع المرتبط كثيرا بالابتكار والقيمة المضافة ، وهي عناصر تزيد من الاهتمام بهذا القطاع ، وتعتبره الكثير من دول العالم محورا للنمو الاقتصادي ومدخلا لتطوير التعليم والمعرفة وفتح الآفاق أمام الأجيال .
ففي الهند خططت الحكومات الهندية المتعاقبة لزيادة مساهمة قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما نسبته 22% من إجمالي الناتج المحلي في الهند بحلول عام 2012. وتعمل 60% من هذه الشركات على تحديث نفسها بشكل مكثف من الناحية التقنية. وتخطط الحكومة الهندية لزيادة مساهمة قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الصادرات الهندية عن 44% بحلول عام 2012 بمساعدة التقنيات الحديثة. وكذلك بالنسبة للصين حيث رفعت المؤسسات المالية الصينية من حجم تمويلها للمشاريع الصغيرة في النصف الأول من عام 2011 بحوالي 18.2% مقارنة بعام 2010 ليصل إلى 3.1 تريليون دولار أمريكي. وفي شهر يونيو 2011، اتخذت الجهات التنظيمية المصرفية في الصين تدابير لتعزيز الإقراض للمشاريع الصغيرة والتي تعاني العديد منها من مبيعات ضعيفة وقروض باهظة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد نفسها “أمة التعلم” تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة مصدرًا مهمًا للعمليات والمنتجات والخدمات المبتكرة، ويمكن أن تكون أكثر ابتكارًا من الشركات الكبيرة. وكان للمشاريع الصغيرة والمتوسطة دور كبير في خروج الولايات المتحدة الأمريكية من كل الأزمات الاقتصادية التي مرت بها منذ الكساد الكبير حتى الآن. ويمكن لانخفاض قيمة الدولار وانخفاض التكاليف جعل المشاريع الصغيرة أكثر تنافسية.
وتنظر بريطانيا إلى قطاع (الصناعات) الصغيرة والمتوسطة أنه بمثابة العمود الفقري للصناعة البريطانية ، وستحتاج تلك الصناعات إلى الاستفادة من العدد الوافر من الخريجين ذوي المهارات العالية الذين تركوا الدراسة الجامعية بحثاً عن فرصة عمل.
وفي استراليا التي تعد من أكبر الدول التي توفر فرص عمل لساكنيها ، هناك ما يزيد عن 1.2 مليون مشروع من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تمثل أكثر من 96% من إجمالي الأنشطة التجارية و 33% من إجمالي الناتج المحلي.
ثانيا: المبادرات الدولية لتطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
على المستوى الدولي تم إنشاء مؤشر “ألترنكست” في بورصة نيويورك من قبل مؤشر بورصة نيويورك يورونكست في العام 2005 من أجل استيفاء احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسعى إلى الوصول إلى البورصة ، وليكون المؤشر بمثابة المرجعية للشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة اليورو ، وعززت بريطانيا ذلك بإنشاء بورصة إيه آي إم – لندن والتي تعد السوق الدولية بالنسبة إلى الشركات الصغيرة المتنامية.
والمطروح أيضا : الإطار الموحد للتقارير المالية لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتخفيف عبء إعداد بيانات التقارير المالية من الشركات الخاصة بواسطة منهج يعتمد على قياس المنافع مقابل التكلفة ، كما تعنى المعايير الدولية برفع التقارير المالية الخاصة بقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالتقارير المالية المتعلقة بالشركات الخاصة أيضًا ، حتى يمكن لمستخدمي البيانات المالية من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التركيز على التدفقات النقدية قصيرة الأجل والسيولة وقوة الميزانية العمومية وغطاء الفائدة ومدى القدرة على الوفاء بالديون.
ثالثا: الموقف قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة في السوق السعودي
حسب الإحصائيات الرسمية ، تحتل السعودية المركز الثالث من حيث عدد السكان دون التاسعة والعشرين عاما عالميا أي بواقع 13 مليون شخص يمثلون نسبة 67% من عدد السكان، وتوجد بالسعودية 15 جهة تمويلية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ، كما توجد 26 حاضنة للأعمال في السعودية تهدف لرعاية المنشآت الناشئة ، وهناك أكثر من مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة مسجلة، يستحوذ الرجال على 92% منها ، ويقف الخوف من الفشل والخسارة والعائد الضعيف وراء عزوف الشباب عن الاستثمار والاستمرار في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.
كما تشير الإحصاءات إلى أن المرأة السعودية تمتلك نحو 10% من إجمالي السجلات التجارية في السعودية، أي ما يصل إلى نحو 150 ألف سجل تجاري، ويتركز معظم النشاط نحو 75% في المدن الرئيسية ، وتستثمر معظم المؤسسات النسائية في متاجر الملابس وصالونات التجميل وتصميم الأزياء.
وتعتبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة هي أي نشاط ربحي يقل عدد العاملين فيه عن 25 عاملاً ولا يتجاوز حجم مبيعاته السنوية 15 مليون ريال أو لا يزيد إجمالي ميزانيته على 10 ملايين ريال”. حسب تعريف صندوق التنمية الصناعية السعودي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية. وتفيد دراسات لجان الغرف التجارية إلى أن غالبية المنشآت في السعودية هي صغيرة وصغيرة جداً، حيث أن أنها تتجاوز 1.5 مليون منشأة، لا يتجاوز عدد العمالة في إحداها تسعة عمال، وأن أكثر من 230 ألف منشأة عدد العمال في كل واحدة منها نحو 50 عاملاً ، ورغم العدد الكبير لهذه المنشآت، فإن رؤوس أموالها ضئيلة جداً، وأن رأس المال المستثمر للمنشأة الواحدة لا يتجاوز 50 ألف ريال، وبالتالي فهي غير قادرة على النمو، «بسبب سيطرة العمالة الوافدة عليها» ، وضعف أدوات التمويل والإقراض ، والدعم والحماية من منافسة العمالة الأجنبية الرخيصة التكلفة، وافتقارها إلى منظومات التكامل الاقتصادي مع بقية قطاعات وكيانات السوق الأخرى.
وحسب ما توصلت له هذه الورقة المتواضعة ، فهناك أربعة أقسام رئيسية تعبر عن التحديات القائمة أمام قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة في الحالة السعودية ، هي كما يلي:
1- التمويل : تبلغ نسبة القروض الممنوحة من البنوك إلى قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة 2% فقط من حجم الإقراض الإجمالي في دول الخليج العربي وذلك بحسب الدراسة التي أجراها اتحاد المصارف العربية والبنك الدولي. وفي المملكة العربية السعودية تمثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ما يقرب من 93% من إجمالي الشركات وتشكل نحو 24.7% من إجمالي العمالة ، وتمثل صعوبة الحصول على التمويل، الذي لا يتعدى حاليا في المملكة (5%) من التمويل الإجمالي ويعتبر نسبة ضئيلة مقارنة بالمعدلات العالمية، وأحد أبرز التحديات القائمة ويعود ذلك لمواجهة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة صعوبات عدة أهمها ضعف عمليات التمويل من قبل المصارف في ظل التشدد في الضمانات ومحدودية الخيارات المتاحة للمؤسسات الصغيرة في ظل عدم امتلاك الكثير منها إلى أصول تقوم برهنها للاستفادة من خدمات التمويل المناسبة، وهذا ما يفاقم مشاكلها المالية ويجعل استمرارها بالسوق أمر بالغ الصعوبة خلال الفترة القادمة. كل هذه العوامل وضعت المملكة في المرتبة قبل الأخيرة حول نمو الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط.
2- احتكار العمالة الوافدة للفرص والوظائف: لا شك أن البطالة أحد أهم القضايا التي تواجها اقتصاديات الدول المتقدمة، وتعد تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أحد المهام الرئيسية التي تقوم بها حكومات الدول للقضاء على مشكلة البطالة. وكما تذكر التقارير للدول الآنفة الذكر وتقارير المنظمات الدولية فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة على مستوى العالم توفر أكثر من 80 في المئة من فرص العمل في القطاع الخاص ، وحوالي 47 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. في المقابل، هناك تفاوت في هذه النسب على مستوى المملكة، حيث تمثل المنشآت الصغيرة والمتوسطة نحو 51 في المائة من فرص العمل في القطاع الخاص، وحوالي 20 في المائة من اجمالي الناتج المحلي في أحسن الأحوال. عدد المنشآت متناهية الصغر بلغ 1.55 مليون منشأة، وعدد المنشآت الصغيرة 230 ألف منشأة، وعدد المنشآت المتوسطة 37 ألف منشأة، مبيناً أنها تشكل 99% من أعداد المنشآت في المملكة ، هذه الظروف الصعبة في أسواق المملكة أدت إلى تقلص أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خلال الأعوام القليلة الماضية وخروج بعضها الآخر من السوق، برغم وجود أكثر من 2 مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة مسجلة من أصل 2.25 مليون شركة سعودية، إلا إنها لا تضم أي عامل أو موظف سعودي، وحتى أصحابها لا يعملون بها وإنما يعملون في جهات أخرى. ومع ذلك كشفت التقارير السعودية الرسمية أن عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة قد ارتفع مؤخرا، لكن هناك 71 في المائة فقط من تلك المنشآت عاملة، و29 في المائة منها مغلقة، بسبب مشكلات مالية، حيث أكدت التقارير أن عدد المؤسسات الفردية من مجموع المنشآت العاملة 688 ألفا، أي نحو 85 في المائة من إجمالي المنشآت العاملة ، مما أجبر ملاك المؤسسات الصغيرة على بيع محلاتهم أو تأجيرها على العمالة الأجنبية التي تعتبر المستفيد الأول من هذه الظروف مما يرفع ويزيد من عمليات التستر ومخالفة أنظمة قوانين الإقامة. وتضع هذه الحقائق الجهاز الحكومي مفترق الطرق بين الحلول القديمة غير المجدية ، أو الجدية في العمل على أن تذهب هذه الفرص للمواطنين بدلاً من التستر واعتبارها هدف وطني ملح وعاجل ولا يقبل الاستثناءات ، لما يحمله بين طياته من تصحيح أوضاع سوق العمل والمؤسسات ، والاحتفاظ بالخبرات القادرة والأيدي العاملة الماهرة من الوافدين التي تساهم في تنمية السوق ونقل الخبرة والتعلم في المملكة لصالح المواطن. فقطاع منشآت الصغيرة والمتوسطة فضلا عن أنه مصدر كبير للتوظيف ولاعب رئيسي في توفير فرص العمل، فهو يساهم بشكل كبير في إجمالي القيمة المضافة في الاقتصاد ، ويقوم بتوفير وابتكار السلع والخدمات، إضافة إلى تدعيم التجديد والابتكار وإجراء التجارب التي تعتبر أساسية للتغيير الهيكلي في السوق ، من خلال حماية فرص رواد الأعمال ذوي الكفاءة والطموح والنشاط والتميز.
3- تزايد تكلفة الاستثمار وارتفاع المخاطر: يستمر خروج المؤسسات الصغيرة من السوق السعودية بعد مواجهة تحديات الإفلاس وضعف عمليات التمويل الداعمة لهذه القطاعات والتي تساهم في 20% من إجمالي الناتج المحلي، وهي مساهمة ضعيفة بالنظر إلى حجم ونمو الاقتصاد السعودي والتركيز الحتمي على التنويع الاقتصادي، فإن هذه الأرقام تضع المملكة أمام طموحات هامة في أن تساهم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يزيد على 50% من الناتج المحلي الإجمالي ، ويتطلب ذلك المحافظة على هذه المنشآت التي باتت مهددة بشكل كبير، بسبب فشل تطوير المنظومة وترابطها لحفظ مكتسبات الاقتصاد والمصالح الوطنية للشباب التي ترعاها الدولة في ثقافة العمل والإنتاج وتستثمر فيها الغالي والنفيس. إذ كشفت الدراسات الرسمية عن خروج 50 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة من السوق في الأعوام الأربعة الأولى بعد التأسيس، وذلك لصعوبات تتعلق بالتمويل وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة معوقات البداية والصعوبات المالية التي تواجه قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وضغط مستويات الأجور الرخيصة على قدرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في استقطاب الكفاءات الأجنبية أو حتى الوطنية ، إضافة إلى تعرضها الدائم لكافة أشكال التنظيمات الحكومية التي لا تنطبق على أحجامها وأعمالها واختصاصها بل يتم تطبيقها عليها دون نظر إلى الاختلافات والفروقات المرعية دوليا ومنهجيا.
4- غياب منظومة التكامل الاقتصادي الشاملة: والمقصود بهذا هو غياب الدور الحكومي ودور الغرف التجارية والتنسيق مع قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبقية القطاعات والكيانات الكبرى في السوق ، مما يجعل المنشآت الصغيرة والمتوسطة دون اختيار هي الخاسر الأول في مشاريع التوسع لكبرى الشركات وعلى حساب المصالح الوطنية ، وينعكس أثره سلباً على الاقتصاد الوطني العام ، في حين أننا في حاجة ماسة لأن تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية دوراً مهماً في تحقيق أهداف التنمية الصناعية ، ونمو اقتصادي عادل ومتوازن لكسر الاحتكارات وتنمية بيئة التنافس بين الشركات العملاقة والكبيرة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وخلق بيئة جذابة للأعمال الريادية لتوفر شبكة واسعة ومتنوعة من المورّدين من المشاريع الصغيرة القادرة على تلبية احتياجات الشركات الكبرى . غياب الارتباط بين أصحاب المنشآت الصغيرة ورواد الصناعة يخلق منافسة بين القطاعين لا تنفع الاقتصاد على المدى البعيد. حاضنات الأعمال والمجمعات العنقودية لم تأخذ أهدافا طموحة كبرى ولم تمارس دورها التحولي المنشود الذي أنشئت من أجله ، وهي لابد لها أن تكون جزء من منظومة التحول والإصلاحات.
نحن نستقبل بكل أمل وتفاؤل الرؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 ، الذي وضعت المملكة اعتبارات هامة تنص في برنامج التحول الوطني على “ارتفاع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من ٢٠٪ إلى ٣٥٪” ، فنحن اليوم ليس أمامنا إلا بذل كل الدعم لمساندة بناء المنظومة التي تكرس دور ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتستدعي زيادة الوعي بأهمية ريادة الأعمال، وانفتاح حاضنات الأعمال على نطاق أوسع من نطاق المشروعات التي تعمل عليها حاليا، ولعل أحد أهم المبادرات التي علينا متابعتها هي موافقة مجلس الوزراء السعودي على قيام صندوق الاستثمارات العامة ووزارة التجارة والاستثمار لتأسيس صندوق قابض باسم “صندوق الصناديق” برأسمال أربعة مليارات ريال (ما يعادل 1.1 مليار دولار) لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي سيستثمر في صناديق رأس المال الجريء والملكية الخاصة وفق أسس تجارية لدعم وتحفيز الفرص الاستثمارية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وأيضا موافقة مجلس الوزراء على تكليف وزارة التجارة والاستثمار باتخاذ ما يلزم لإنشاء جمعية مهنية تُعنى برفع مستوى المهنية والاحترافية في قطاع رأس المال الجريء والملكية الخاصة، و أن تضع الوزارة التنظيم واللوائح الخاصة بالجمعية وأهدافها وآلية عملها بما يمكّنها من أداء مهماتها ، كما أقر مجلس الوزراء ضرورة قيام هيئة السوق المالية باتخاذ الخطوات المناسبة لتطوير استثمارات قطاع رأس المال الجريء والملكية الخاصة وتوسيع مجالاته، ومن ذلك دراسة متطلبات رأس المال على مديري الصناديق الخاصة برأس المال الجريء ، وطالب مجلس الوزراء الهيئة العامة للاستثمار بالعمل على استقطاب صناديق استثمار رأس المال الجريء والملكية الخاصة الدولية لطرح صناديق في المملكة، وفقاً لنظام السوق المالية ولوائحه أو الاستثمار المباشر.
التعقيب الأول: م. أسامة كردي
تعتبر المؤسسات و الشركات المتوسطة و الصغيرة جزءا مهما و رئيسيا من أي اقتصاد في العالم .. ففي الاقتصاديات المتقدمة ، تنتج هذه الشركات ما يقرب من ٧٠٪ من الناتج القومي و توظف ما يقرب من ٨٠٪ من العمالة في الاقتصاد. كما تعتبر هذه المؤسسات هي الأساس في تخفيض مستوى البطالة في الاقتصاديات العالمية ، كما تستخدم هذه المؤسسات لتكون أحد وسائل التنمية المتوازنة في المناطق الأقل نموا في الدول المهتمة كما أنها وسائل مهمة لنقل التقنية و تطويرها محليا و دعم الاختراعات و الملكية الفكرية ، و لهذه الأسباب تهتم الدول المتقدمة اهتماما كبيرا بهذه المؤسسات و توجه لها الكثير الدعم. و من علامات هذا الاهتمام :
- تعريفها: تهتم الدول بتحديد تعريف واضح لهذه المؤسسات ليمكن استهدافها بالدعم و المساندة ، و من وسائل التعريف المستخدمة عالميا عدد العمال و حجم المبيعات أو بدمج هاذان المؤشرات أو باستخدام مؤشرات أخرى. و من المتفق عليه في المملكة أن تعريف هذه المؤسسات ينحصر في عدد العمال وهو ٩ عمال أو أقل يتضح ذلك من متطلبات السعودة الخاصة التي تطبق على المؤسسات التي توظف ٩ عمال أو أقل.
- تمويلها: توفر العديد من الدول العديد من البرامج لتمويل هذه المؤسسات بطرق و أساليب مختلفة بعضها مباشرة عن طريق الحكومات و بعضها عن طريق البنوك مباشرة و بعضها عن طريق قيام الحكومة بضمان القروض التي تقدمها البنوك. و يوجد في المملكة مجموعة من برامج التمويل منها بنك التسليف و الادخار و صندوق المئوية و برنامج كفالة لضمان القروض كما تمتلك كافة البنوك إدارات لدعم هذه المؤسسات ، و لا أنسى برنامج بادر في مدينة الملك عبد العزيز. مع الحاجة إلى التنسيق بين كل هؤلاء. و يعيب كافة هذه البرامج طلبها ضمانات شخصية من المستثمر بدلا من قبول المؤسسة نفسها كضمان. كما يعيبها الحاجة إلى التعريف بها لدي قطاع شباب الأعمال و أصحاب رأس المال الجريء.
- الدعم و المساندة: تختلف هذا المؤسسات عن المؤسسات و الشركات الكبيرة بالنظر لحاجتها المستمرة للمتابعة و الدعم و المساندة و للأسف ما نراه في المملكة هو الاهتمام الحكومي بالتحكم و السيطرة عن طريق الأنظمة و القوانين بدلا من الدعم و المساندة ، و يتضح هذا من واقع أن إجراءات تسجيل هذه المؤسسات لا تختلف أبدا عن إجراءات تسجيل نظيراتها من المؤسسات و الشركات الكبيرة كما أن التعامل معها في نواحي التوظيف و الاستقدام و الزكاة أو الضرائب. كما يلاحظ الغياب التام لمبدأ الاستشاري Mentor. و كجزء من دعم و مساندة هذه المؤسسات لابد من الاهتمام بالدورات التدريبية للشباب و الشابات المبادرين و أصحاب رؤوس الأموال الجريئة و كذلك التدريب المطلوب خلال مراحل عمل هذه المؤسسات ، بالإضافة إلى الاهتمام بها على مستوى كافة مناطق المملكة و ليس المدن الكبيرة فقط. ليمكن تحقيق هدف رؤية المملكة ٢٠٣٠ لوصول مشاركة هذه المؤسسات في الناتج المحلي إلى ٣٥٪ من ٢٠٪ حاليا.
- الدعم على المستوى المؤسسي: لابد أن تقوم الحكومة و الشركات الكبيرة في الاقتصاد السعودي بدعم هذه المؤسسات بشكل مؤسسي منظم يشمل شراء خدماتها و منتجاتها كما يشمل أفراد هذه المؤسسات بقواعد مبسطة تدعم تقدم و تطور هذه المؤسسات على المدي الطويل كما يشمل تسهيل دخول هذه المؤسسات في العقود الحكومية الصغيرة و بشكل يساعدها على التعامل مع التزايد المستمر في تكاليف أداء الأعمال في المملكة.
و الأمل كبير جدا في هيئة المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و هيئة توليد الوظائف لخدمة هذه المؤسسات لأهميتها الموضحة في هذا التعقيب.
التعقيب الثاني: د. عبد الله بن صالح الحمود
يأتي موضوع (التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة الناشئة) ، في وقت تتطلب العجلة الاقتصادية في البلاد إلى دفة أقوى عن الفترة الماضية ، مواكبة لتطورات اقتصادية هامة .
الأستاذ / خالد الحارثي ، في ورقته ، قدم التعريف الشامل لمفهوم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، مشيراً إلى أنه لا يمكن تقديم تعريف موحد لهذا النوع من المنشآت ، والأسباب في الواقع عديدة ، وذلك استناداً إلى تعريفات متعددة تنهجها كل دولة عند تعريفها لهذه المنشآت الاقتصادية .
ويتجلى لنا في ذلك ما أشارت إليه الورقة الرئيسة ، من أن المفاهيم نسبية في إطلاق مسمى صغيرة أو متوسطة ، والسبب هو المعيار الذي تنتهجه كل دولة على حدة لهذا المفهوم ، حيث البعض يربط التعريف بعدد العمالة في المنشأة الواحدة ، والبعض الآخر يربط ذلك بحجم رأس المال أو فيما بينهما ، كما أن هناك من يقيد ذلك بحجم المبيعات .
كما أن الأمر لا يتوقف على تلك التعريفات فحسب ، فمثلاً هناك دولة تربط مفهوم أو معنى المنشآت الصغيرة والمتوسطة بطبيعة مكونات وعوامل الإنتاج ، ونوعية الصناعات الحرفية التقليدية القائمة قبل الصناعة الحديثة ، أيضا معيار الكثافة السكانية ومدى توفر القوى العاملة ودرجة تأهيلها ، كما أن للمستوى العام للأجور دور قياسي في التعريف وفقاً للهدف من ذلك ، أي هل هو للأغراض الإحصائية أم للأغراض التمويلية ، فذاك يعد معيار يدخل في مسائل الإحصاء والتمويل .
كما أن هناك فرق كبير عند التعريف بذلك على المستوى الدولي ، بوجود أوجه اختلاف في مسمى ودرجة التقييم لهذه المنشآت ، فالمشاريع التي تعتبر متوسطة في الدول النامية تعد صغيرة في الدول الصناعية ، ونفس الحال تأتي المشاريع التي تعد كبيرة في الدول النامية تعد متوسطة في الدول الصناعية .
وعند مواجهة الصعوبات في المقارنة ، درجت العديد من الدول المتقدمة والنامية على تبني تعريف منظمة العمل الدولية ، والتي تعرف المشاريع الصغيرة بأنها المشاريع التي يعمل بها أقل من 10 عمال ، والمشاريع المتوسطة هي التي يعمل بها ما بين 10 عمال إلى 99 عاملاً ، وما يزيد عن 99 عاملاً تعد مشاريع كبيرة تدخل في المنشآت الكبيرة .
وإذا ما تحدثنا عن أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فإن ذلك يرجع إلى عدة أسباب ومنها :
- اهتمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة على العمالة المكثفة ، وتميل إلى توزيع الدخل بصورة أكثر عدالة مقارنة بالمنشآت الاقتصادية الكبيرة .
- تسهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في رفع كفاءة تخصيص الموارد في الدول النامية ، حيث تميل هذه المنشآت إلى تبني الأساليب الإنتاجية كثيفة العمالة بما يعكس وضع تلك الدول من حيث وفرة قوة العمل وندرة رأس المال ، ما يساعد ذلك على توسع أنشطتها في الأسواق غير الرسمية مما يحدث معه تنافسية في أسعار عوامل الإنتاج والمنتجات التي تتعامل بها ، لتعكس بصورة أفضل تكاليف الفرص البديلة مقارنة بالأسعار التي تتعامل معها المشاريع أو المنشآت الكبيرة .
- من إيجابيات المنشآت الصغيرة والمتوسطة أنها تدعم بناء القدرات الإنتاجية الشاملة ، فهي تساعد على استيعاب الموارد الإنتاجية على مستويات الاقتصاد كافة ، وتسهم في إرساء أنظمة اقتصادية تتسم بالديناميكية والمرونة تترابط فيها المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، بسبب انتشارها في حيز جغرافي أوسع من المشاريع أو المنشآت الكبيرة ، كما أنها في الوقت نفسه تدعم تطور ونمو روح المبادرة ومهاراتها التنموية بين الحواضر والأرياف .
وفيما يتعلق بمميزات المشاريع الصغيرة والمتوسطة ، وعلى سبيل المثال ، تعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة في بعض البلدان كالهند مثلاً مفتاح التنمية ، ويأتي في مقدمة هذه المميزات ما يلي :
- سهولة تأسيسها نظرا لعدم حاجتها إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة.
- توفير فرص عمل وبكلفة استثمارية منخفضة وذلك لطبيعة الفن الإنتاجي المستخدم حيث أسلوب الإنتاج كثيف العمل قليل في رأس المال، فضلا عن تواضع مؤهلات العمالة المطلوبة مما يعزز دورها في امتصاص البطالة التي في الأغلب تتصف بتدني مستواها التعليمي والمهني وخاصة في البلدان النامية .
- نشر القيم الصناعية الايجابية في المجتمع من خلال تنمية وتطوير المهارات لبعض الحرف والمهارات.
- تعظيم الاستفادة واستغلال المواد الأولية المتاحة محليا لإنتاج سلع تامة الصنع تساهم في تلبية احتياجات وأذواق المستهلكين.
- تغطية الطلب المحلي على المنتجات التي يصعب إقامة صناعات كبيرة لإنتاجها لضيق نطاق السوق المحلية نتيجة لانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي أو لمحدودية حجم التراكم الرأسمالي وخاصة في الدول النامية.
- تعد المشاريع التي تقوم بها المنشآت الصغيرة والمتوسطة صناعات مغذية لغيرها من الصناعات ، ولها دورها في توسيع قاعدة الإنتاج المحلي، حيث تساهم في تلبية بعض من احتياجات الصناعات الكبيرة سواء بالمواد الأولية أو الاحتياطية.
- لا يحتاج العاملون إلى مستويات عالية من التدريب للعمل في هذه المشاريع ، لبساطة التكنولوجيا المستخدمة.
- توفر منتجات هذه المشاريع جزءا هاما من احتياجات السوق المحلي، مما يقلل من الاستيراد.
- توفير العملة الصعبة من خلال تعويض الاستيراد والمساهمة في التصدير في أحيان كثيرة.
وبالنسبة للصعوبات والمعوقات التي تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة ، والتي تحد من قدرتها على العمل ومساهمتها في دفع عجلة النمو الاقتصادي :
- صعوبات تسويقية وإدارية .
- صعوبات فنية .
- صعوبات تمويلية .
وفي المملكة العربية السعودية يأتي الاهتمام خصوصاً في الآونة الأخيرة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة اهتماماً بالغاً وواضحاً ، حيث وافق مجلس الوزراء على إنشاء هيئة تختص بشؤون هذا القطاع وذلك تحت اسم (الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة) كهيئة ذات شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري ، ويرأس مجلس إدارتها وزير التجارة والاستثمار ، وتهدف الهيئة العامة إلى تنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية والسعودية وتنميته ، وفقاً لأفضل الممارسات العالمية ، وذلك لرفع إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي ، وزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي ، بما يؤدي إلى توليد الوظائف وإيجاد فرص عمل للقوى الوطنية ، وتوطين التقنية .
كما أقر مجلس الوزراء نقل نشاط تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من البنك السعودي للتسليف والادخار إلى صندوق التنمية الصناعية السعودي ، ويكون مختصاً ببرامج تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو ضمان تمويلها ، وهذا يعد دعماً آخر عندما يرتبط التمويل بالتنمية.
وبالمقابل سعت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض إلى تأسيس مركز للعناية بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة وفق رؤية تكونت من سبع نقاط وهي :
- تكوين مركزاً نموذجياً ورائداً يقوم بمواكبة وتطبيق نظم الإدارة الحديثة لدعم المشاريع الصغيرة .
- دعم الاستثمار في مجال المشاريع الصغيرة , وذلك من خلال البحوث الفعالة وبرامج التمويل وبرامج الاحتضان والدعم الفني .
- القيام بإجراء البحوث والدراسات للتعرف على الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية ، والتعرف على فرص الاستثمار الجديدة للمشاريع الصغيرة.
- يتولى المركز البحث عن المهارات والمهن التي تشكل أساس المشاريع الصغيرة ، وتطوير هذه المهارات والمهن .
- القيام بإجراء دراسات لتحليل السياسات العامة بغرض تحسين البيئة التشريعية المتعلقة بالمشروعات الصغيرة .
- القيام بالترويج لمنطقة الرياض من خلال التسويق الفعال وترويج ودعم برامج التدريب في مجال تطوير المشاريع والمهارات الإدارية الأساسية .
- بذل أقصى ما في وسع الغرفة لتشجيع حدوث تغيير إيجابي في القطاع الخاص ومؤسسات القطاع العام وذلك من خلال العديد من الأنشطة والخدمات .
كل هذا وذاك يدل على وجوب الاهتمام بدعم ومؤازرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تعد في المجمل أحد محركات الاقتصاد الوطني في أي بلد ، خاصة إذا علمنا أنها تشكل ما نسبته لأكثر من 90% تواجداً في أغلب دول العالم .
وهنا أرى أن من التوصيات المفترض الاتيان بها دعماً لهذه المنشآت التي تعد واعدة لأي مجتمع اقتصادي هي كما يلي :
- زيادة الوعي بأهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوضيح دورها في التنمية الاقتصادية.
- على المصارف التجارية والمؤسسات المالية أن تساير التطورات الاقتصادية، وأن تشترك في تمويل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- زيادة اهتمام المصارف التجارية بالمتطلبات التمويلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ووضع خطط تمويلية لها.
- إزالة عوائق السياسات التنظيمية الحكومية ، وسياسات النظام المصرفي لإنجاح عمليات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- إجراء مسح دوري لهذه المشاريع لتجميع الإحصاءات الخاصة بها في مجالات الإنتاج والقوى العاملة ورأس المال وغيرها بهدف مساعدة الجهات المسؤولة في اتخاذ القرار المناسب لتطوير هذه المشاريع وتشخيص احتياجاتها التمويلية المختلفة.
- تأسيس قاعدة بيانات متخصصة بشروط وتفاصيل أنظمة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- يقترح إعطاء تصنيف فئوي للمنشآت الصغيرة أو المتوسطة كل على حدة ، مما يزيد من روح المنافسة بين هذه المنشآت عامة ، على أن يكون لنتائج هذا التصنيف مميزات لمساندة هذه المنشآت والرفع من كفاءتها .
- إعطاء مرونة قصوى لرواد الأعمال عند تأسيس منشآتهم سواء من الناحية التمويلية أو الإجرائية.
التعقيب الثالث: أ. مطشر المرشد
تتناول الورقة جانب مهم جدا من جوانب التنمية الاقتصادية ، حيث يعتبر قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة للناشئة بمثابة العمود الفقري للتنمية ويحركها بعدة اتجاهات ، من أهمها تنويع الاقتصاد الوطني والمساهمة بإضافة نمو حقيقي للناتج القومي و انتشار تنمية متوازنة في كافة المناطق . وعادة قوة ومتانة قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة يعكس وجود طبقة مجتمعية وسطى فعالة وتقوم بدورها الطبيعي لرفع إنتاجية المجتمع وتوزيع الثروات.. لذلك أغلب الدول المتقدمة والصناعية تقوم بمراجعة برامجها و خططها بشكل دوري للتأكد بأن تلك البرامج تدعم استمرار متانة وتطور قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة ، لأنها وكما ذكر الأستاذ خالد في ورقته تسهم بتعزيز فرص النمو الشامل ومواجهة تحديات البطالة.
وبالرغم من قناعة جميع أطراف المنظومة الاقتصادية في المملكة بأهمية دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلا أن هذا القطاع يعاني بشكل واضح من تحديات عديدة بعضها يمكن ربطه بشكل مباشر بأسلوب عمل السلطات التشريعية والإشرافية وأخرى تتعلق بالتمويل المتاح للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وقبل مناقشة نقص موارد التمويل المتاحة بشكل أوسع ، أجد أنه من الضروري ذكر أن الأرقام المعلنة حول عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة في السوق السعودي قد يحتاج لمراجعه دقيقة بسبب زيادة عدد تراخيص المؤسسات الفردية التي تستخدم فقط لاستقدام العمالة ، لنجد أن هناك مؤسسات فردية مسجلة بعدد موظفين/ مكفولون يفوق ال ٢٠٠٠ وهي غير منتجة وليس لها أي قوائم أو موازنة تشغيلية أي غير منتجة. وهذا يقودنا للعودة لموضوع تصنيف الشركات الصغيرة والمتوسطة ويجعلني متمسك بضرورة التركيز على حجم رأس المال التشغيلي ( working capital ) كعنصر أساسي لتحديد هوية الشركة وتصنيفها.
فمثلا حين يكون حجم رأس المال التشغيلي في نطاق ١٠ملايين ريال إلى ٥٠ مليون ريال يمكن تصنيفها من الشركات الصغيرة ، والمتوسطة ٥١ مليون ريال إلى ١٠٠ مليون ريال..
وبالعودة لموضع فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية ، هناك من يلقي باللائمة على الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب ضعف السجلات الائتمانية ونقص الضمانات. وفي الجانب الآخر هناك من يوجه الاتهام لقطاع الشركات القيادة وكبار رجال الأعمال والمجموعات العائلية بسبب سيطرتهم على ٩٠٪ من مصادر التمويل ، وأيضا سيطرتهم على مجالس الغرف التجارية وبعض اللجان الحكومية المناط بها إيجاد حلول لتحديات التمويل التي يعاني منها قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. فمنذ عقود والحديث يدور حول التحديات التي يواجهها هذا القطاع ومن ضمنها صعوبة الوصول لمصادر التمويل وبتكلفة عادلة، لكن للأسف ما نتج عن تلك المحاولات هو تكوين العديد من اللجان والصناديق ، مما أربك الجهود وأصبحت في الغالب متناقضة وغير فعالة.
فبالإضافة لما تم ذكره حول أهمية قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في المرحلة المقبلة وبرنامج التحول الوطني ، أجد أنه من الصعب تجاوز التحديات التي يعاني منها قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة دون إعادة هيكله للأنظمة والتشريعات والإجراءات المعمول بها حاليا، كذلك يجب تحديد جهة بصلاحيات فعالة ويناط بها تطوير وتأهيل الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي الختام أرى أن استمرار غياب سوق سعودي ثانوي نشط لتداول الصكوك والسندات يبقى التحدي الأكبر أمام اكتمال منظومة الأنشطة التمويلية وانتقال رؤوس الأموال ووصولها لكافة القطاعات ، بل إننا سنجد صعوبة في تمويل برامج التحول الوطني واحتياجات رؤية المملكة ٢٠٣٠ ما لم نكثف الجهود لإيجاد سوق رأس مال متطور أحد ركائزه السوق الثانوية للصكوك والسندات.
التعقيب الرابع: د. نوف الغامدي
من بين أهم التحديات التي يواجهها قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، افتقاده بصفة عامة الهيكل التنظيمي السليم والخبرة الإدارية الكافية لإدارة دفة النشاط، إضافة إلى اعتماد هذه المنشآت على نمط المدير المالك، الذي يجمع عادة بين وظائف الإدارة والتمويل والتسويق.
ومن المعوقات أيضا التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، صعوبة تسويق منتجاتها وخوضها منافسة عادلة ومتكافئة مع المنشآت الكبيرة، وبالذات في مجال التصدير، نتيجة افتقادها البحوث والدراسات التسويقية المتخصصة، إضافة إلى قصور الوعي التسويقي وانخفاض الكفاءة التسويقية وعدم وجود منافذ تسويقية منتظمة لتعريف المستهلكين المحلي والخارجي بمنتجات القطاع، إلى جانب اتباع سياسة تسعير عشوائية، لا يراعى فيها أسعار المنافسين أو تكاليف الإنتاج، إضافة إلى صعوبات تسويق المنتج المحلي في ظل تفضيل المستهلك المحلي المنتجات الأجنبية المماثلة في بعض الأحيان بدافع التقليد أو المحاكاة.
ويعد عدم توافر قنوات التمويل المناسبة لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وبالذات للناشئة والمبتدئة منها، من بين أبرز المعوقات والصعوبات، التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالذات في ظل ارتفاع نسبة المخاطرة، وعدم وجود ضمانات كافية تضمن حقوق جهات التمويل.
إن التغلب على المعوقات والصعوبات التي تواجه قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، يتطلب إيجاد مرجعية قانونية تعنى بتنظيم أوضاع القطاع والوقوف على المعوقات والصعوبات المختلفة التي تحد من قدرة القطاع على تعزيز مساهمته في الاقتصاد، لاسيما أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تراجع في الراهن أكثر من 50 جهة على مستوى القطاعين العام والخاص لإنهاء إجراءاتها التنظيمية والقانونية، إضافة إلى إنجاز تعاملاتها اليومية.
كما أن الأمر يتطلب الوصول إلى تعريف موحد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة واستخدام معيار محدد للتعريف بهذا النوع من المنشآت على غرار ما هو مطبق ومعمول به في عدد من دول العالم، وكما هو واقع الحال في الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد على معيار رأس المال في تحديد هوية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ففي منطقة الاتحاد تُعرف المنشآت الصغيرة بأنها التي لديها نحو 50 عاملا، ويبلغ حجم نشاطها نحو 10 ملايين يورو، في حين تعرف المنشآت المتوسطة بأنها التي توظف نحو 250 عاملا ويبلغ نشاطها التجاري السنوي نحو 10 ملايين يورو.
إن التغلب على تلك المعوقات التي تواجه قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، ليس فقط سيعزز من مساهمة القطاع في الناتج المحلي للمملكة فحسب، ولكن سيسهم في تعزيز قدرة القطاع فيما يتعلق بتوفير الوظائف الأمر الذي سيخفف من العبء على القطاع العام في توفير فرص العمل.
وحقيقة هناك فهم خاطئ لموضوع صندوق الصناديق بأنه سيستثمر مباشرة في المنشآت المتوسطة والصغيرة؛ وحقيقة أن الصندوق يستعد المرحلة القادمة للاستثمار في الصناديق الموجودة والتعاون مع صناديق عالمية للاستثمار في الصندوق .
صندوق الصناديق سيعمل على جذب وتأسيس والاستثمار في صناديق متعددة لم يعرفها الاقتصاد السعودي من قبل. فرأس المال الجريء يستثمر في المشاريع الناشئة باستراتيجيات عالية المخاطر، حيث تتقبل نسبة مرتفعة للفشل. وهو بذلك يوفر العامل الأساس المطلوب لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهو التمويل، حيث أن قدرتها على الحصول على التمويل من المصارف محدودة لقلة مواردها، فضلا عن شبه استحالة حصولها على القروض إن لم تكن قد أتمت ثلاثة أعوام منذ بداية نشاطها.
وحتى تتمكن السعودية من تحقيق “رؤيتها 2030” باقتصاد مزدهر متنوع قادر على تشغيل مواطنيه، لابد من توفير البيئة الملائمة لمشاريع المنشآت الصغيرة والمتوسطة واستنهاضها. فنموذج أعمالها يعتمد في الأساس على الأفكار والإبداع والابتكار بكل أشكاله. ليس بالضرورة أن تأتي باختراعات ومنتجات جديدة، ولكنها تشمل مجرد أي تغيير بسيط في أي نموذج عمل بشكل يجعله أكثر كفاءة واقتصادية. ولأجل ذلك، فمن الضروري حماية هذه المنشآت وحماية بيئتها الداعمة. أحد أهم المعوقات التي تحد من دخول هذه الصناديق وعملها بين جنبات الاقتصاد السعودي هي غياب قانون الحماية من الإفلاس الضروري للسماح لمشاريع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالفشل دون تبعات سلبية. فالسماح بالفشل سيتيح لرواد الأعمال والممولين إعادة التجربة في أسرع وقت بشكل يتيح تغطية تكاليف الفشل.
وكما أن الأسس التي سيتبعها صندوق الصناديق في استثماراته ستكون تجارية للتأكيد على الجدوى الاقتصادية، فإن الاستثمارات التي تصل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تستهدف رفع كفاءة وإنتاجية الاقتصاد ككل. ولذلك فمن الضروري أن تتضمن لائحة تقييم أداء الصناديق أهدافا غير تجارية وغير اقتصادية. فتقيم الاستثمارات بقدر ما توفر من وظائف سعودية، وبراءات اختراع أو ابتكارات، وقيمة مضافة للاقتصاد. وحتى تتمكن الصناديق من البدء بسرعة، فيمكن التنسيق مع الشركات الرائدة في الصناعات القائمة لتوطين المحتوى المحلي وسلسلة القيمة المضافة لمنتجاتها، إضافة إلى مشاركة المؤسسات العلمية في بحوثها خصوصا في مجال البرمجة وتقنية المعلومات. بهذه الطريقة نرسم خريطة طريق تسهل على الصناديق الأجنبية استقراء نهج المملكة وخطتها للتحول، فتسهل بالتالي مهمة استقطابها، وتتحول خطوة تأسيس صندوق الصناديق إلى بشارة بتحقيق “الرؤية” واقعا نعيشه.
المداخلات حول قضية: (التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة)
- واقع التحديات
أشار م. حسام بحيري إلى أن تعريف أحجام ماهية المنشآت الصغيرة أو المتوسطة ستكون دائما مبهمة لأننا سنجد شركات صغيرة جدا فيها من 3-5 موظفين ولكن حجم أعمالها كبير يتعدى ال 100 مليون ريال بينما نستطيع أن نرى شركات يوجد لديها أكثر من 200 موظف ولكن حجم أعمالها السنوي يقل عن 20 مليون ريال وبغض النظر عن تعريف ماهية حجم المنشأة، الشيء الأهم في هذا القطاع هو مدي أهميته وحيوته في دفع عجلة الاقتصاد لكل دولة، وفي جميع الدول التي تمارس سياسات اقتصادية سليمة سنجد أن السواد الأعظم من الأعمال والتوظيف يأتي من هذا القطاع بالذات ويشكل أحد الأعمدة الرئيسة في قوة اقتصادها الوطني، بل ذهبت بعض الدول الصناعية المتقدمة مثل فرنسا كمثال في وضع تشريعات وقوانين لحماية قطاعتها الصغيرة والمتوسطة من هيمنة الشركات العملاقة وهذا توجه بدأت عدة دول تفكر جديا في إتباعه لحماية قطاع المحترفين والخبراء في مجال أعمالهم والذين لا يستطيعون العمل إلا من خلال شركات صغيرة تشكل نواة انطلاقهم نحو النجاح والتوسع في مجال أعمالهم لاحقا إلى التوسع لمنشآت كبيرة وعملاقه ونرى ذلك بوضوح في قطاع التقنية الذي دائما ما ينشأ صغيرا ثم مع النجاح تصبح المنشأة عملاقة.
في السنيين الأربع الماضية فإن عجلة التشريعات والأنظمة الجديدة التي استحدثت للقطاع الخاص في المملكة عامة غير مواكبة للتحديات الفعلية الموجودة التي يحتاج القطاع الخاص للتعامل معها، واستحدثت تحديات وتنظيمات إضافية تمس خصوصا قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة الذي أصبح اليوم وبكل صراحة يواجه بيئة عمل معادية للاستمرار في العمل, هي تشريعات ارتجاليه غير مدروسة ووضعت من قبل أناس ليس لهم أي خبرة أو دراية وأدنى درجات الاحترافية، لا وبل تم استقدام شركات استشارية أجنبية ليس لها دراية باقتصادنا ولا حتي لغتنا لتضع لنا أنظمة وتشريعات جديدة تمس اقتصادنا، ونستطيع أن نرى اليوم نتائجها الكارثية في وقف عجله تنمية الاقتصاد المحلي. وفي الواقع كل التشريعات التي تم إصدارها في السنوات الأربعة الماضية هي تشريعات تثبيطيه أكثر من تشجيعيه ونتائجها اليوم أن عشرات الآلاف من المنشآت الصغيرة والمتوسطة تم اقفالها وازدادت أرقام البطالة الفعلية بل أصبح توظيف المواطن أو الأجنبي في أي منشأة مشكلة بحد ذاتها في ظل التشريعات الجديدة ولا يوجد أي أنظمة أو تشريعات استحدثت تشجع على الاستثمار أو الاستمرار في العمل للمنشآت الوطنية الصغيرة والمتوسطة؛ بينما نجد في المقابل أن هناك تشريعات وأنظمة جديدة تشجع الأجانب على تأسيس منشآت مماثلة داخل المملكة وتنافس المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مجال أعمالها على حساب المواطن وأصبح فرص النجاح للمستثمر الأجنبي في المنشآت الصغيرة المتوسطة أفضل بكثير من المواطن داخل وطنه. وزارة العمل أصبحت هي المشرعة لاقتصاد البلد ومنشآته والتي تمس قراراتها القطاع الخاص بالجملة، على الرغم من أنه ليس نطاق عملها ولا تلعب أي دور في تحديد كيفية أو ماهية الدور المتوقع من القطاع الخاص عمله في دفع عجلة الاقتصاد، ويمكن الجزم أنها مناطه بدور لا تستطيع أن تلعبه وليس من اختصاصها ومن الأفضل أن تبتعد عنه وترك التشريعات الاقتصادية لذوي الاختصاص وتركيز دورهم في نطاق عملهم الرئيسي وهو تأهيل وتدريب القوى العاملة السعودية وليس فرضهم على المنشآت الوطنية واستحداث أنظمة جباية مالية تثقل كاهل أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
هناك تعقيدات كبيرة وشائكه كثيرة تشكل تحديات كبيرة أمام القطاع الخاص عامة بكل أحجامه أهمها هو أنه ليس لها أي حماية؛ لأن نظام التقاضي الحالي ليس له أي فعالية في استرجاع أو حماية حقوق المنشآت لدرجه أنه أصبح لا يهاب من قبل ضعاف النفوس الذين يمارسون النصب والاحتيال، وأصبح منتشر بقوة في القطاع الخاص في ضوء المشاكل الاقتصادية الحالية بل أصبح وسيلة؛ لأنه يوجد فصل في التقاضي بين الشركات والاشخاص الذين يستخدمون الشركات أو المؤسسات كوسيلة لممارسة أعمال النصب والاحتيال وعدم الالتزام بالعقود حيث أن الشركة في عرف القضاء عندنا هي منشأة وليس فرد يمارس النصب والاحتيال وأي منشأة خاصة وقعت ضحيه لعملية نصب أو احتيال فمرجعها القضائي سيكون ديوان المظالم والذي يرفض النظر في قضايا الاحتيال لأنها من اختصاص المحكمة العامة والتي هي بدورها ترفض النظر في أي قضية بين الشركات لعدم الاختصاص وحتي إذا كانت القضية هي اختلاف قانوني أو تعاقدي بين الشركات فلا تتوقع أن تحصل على حقوقك لسنيين طويلة. نظاميا أي شركه تستطيع أن تأخر مثولها أمام أي قاضي لمدة تتراوح بين 5-9 اشهر حتى تجبر على المثول بقوة القانون وهذه فقط لأول جلسه فلا عجب من أن أول شروط الشركات الأجنبية التي تعمل في السعودية هو الاعتماد على لجنه قضائية مستقله خارج الأنظمة القضائية المعمول بها محليا. هناك مئات الآلاف من المنشآت في القطاع الخاص بجميع أحجامها والتي تعمل بالمملكة والاختلاف بينهم أمر حتمي ومستمر ونجد اليوم أن محاكمنا التجارية مثقلة من كترة القضايا المطروحة أمامهم.
في وقتنا الحاضر القطاع الخاص يواجه أكبر تحدياته في ظل ظروف اقتصادية وتشريعية صعبة، وسنرى إفلاس و خروج عدد كبير من هذه المنشآت من قطاع الأعمال في البلد وفتح الطريق نحو تكتلات جبارة محتكرة يصعب منافستها ولا تعود بالفائدة علي الاقتصاد المحلي، وقيمة تنفيذ الأعمال نفسها ستزيد ومجرد فئة صغيرة نافذة ومحتكرة ستستفيد وتقوى على حساب المستهلك المحلي الذي سيدفع أموال أكثر لنفس الخدمة أو العمل المقدم له وهذا الحاصل الآن في وقتنا الحالي.
الجدير بالذكر أن البنوك لا تمول أو تساند أي منشآت صغيرة إلا إذا وضعت رهن مماثل للقرض الذي ستتلقاه، وليس لها أي دور يلعب في مساندة هذا الحجم من المنشآت وليس هناك أي قوانين تلزمها بمساندة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والسواد الأعظم من تمويل هذه المنشآت يأتي من دخل ملاكها الخاص الذين أنشأوها ويدخلون في خطورة كبيرة في كل عمليه تجارية يتفقون عليها؛ لأنه لا يوجد لها حماية قانونية فعالة ضد عدم الالتزام بالدفعات حتى لو كانت عقود حكومية مباشرة. وهناك ضرر كبير لحق بعدد كبير من المنشآت الصغيرة التي التزمت بعقود حكومية مباشرة لأن وضعها المالي لا يسمح لها بالانتظار لشهور طويلة لاستلام دفعاتها المتأخرة؛ والنتيجة حتمية. البقاء سيكون للمنشآت العملاقة ذات الوضع المالي القوي التي هي في الأخير ستبقى.
وأضاف أ. أسامة نقلي إلى ما تقدم الجري وراء عقود الباطن من الشركات الكبرى، فبينما تعتبر هذه العقود مجزية إلى حد ما إلا أن قدرة هذه الشركات على تحمل التأخير في الدفع تعتبر ضعيفة مقارنة بالشركات الكبرى ذات رؤوس الأموال، وهذا السبب يؤدي بدوره إلى تعاظم مشكلاتها بما فيها مشكلة العمالة، والسيولة اللازمة لتوريد المعدات.
وأوضح أنه علم من أحد المسؤولين أن أحد عوامل تأخر المشروعات من قبل الشركات الكبرى، يعود إلى أن هذه الشركات بدلا من أن تستثمر المستخلصات المالية في دفع مستحقات شركات الباطن، ومرتبات العمالة للمشروع المحدد، تقوم بالاستفادة من هذا المستخلص في تمويل مشاريع جديدة على حساب القائمة أصلا. وهناك أمثلة كثيرة، من بينها مشكلة سعودي أوجيه، لذلك بادرت الحكومة بدفع رواتب العمالة مباشرة واستقطاعها من مستخلصات الشركة، بدلاً من منحها للشركة.
وقال د. مساعد المحيا: عن مفهوم المؤسسات أو المنشآت الصغيرة؛ أظن أن من المهم معرفة طبيعة العلاقة بين المؤسسة والشخصية التي تمتلكها …
هناك مؤسسات لا يعمل فيها سوى عدد قليل لكنها تظل حوتا كبيرا يلتهم كل الحيتان من حوله .. نحن نحتاج أن ندعم عبر التشريعات وأنظمة التقاضي؛ الأسماك الصغيرة هي التي يمكن أن تستوعب الكثير من العاملين والعاملات وتمثل لهم مصدر رزق جيد.
كما نحتاج أن ندعم المؤسسات المعنية بالتجارة الإلكترونية فهي اليوم الطريق لبوابات أعمال كثيرة يحتاجها ويتفاعل معها مجتمعنا …
نحتاج فعلا أن لا يهيمن على صناعة القرار في الغرف التجارية كبار التجار فهم سيجعلون كل شيء يأرز إليهم، وسيخرجون الأسماك الصغيرة من السوق ليكون البحر كله لهم …
هذا مثال للمنشآت الالكترونية الصغيرة وكيف أصبحت مصدر دخل جيد لصاحبها…
الكثير من المشروعات العملاقة اليوم بدأت صغيرة ثم كبرت ثم جاءت الشركات الكبيرة لتستحوذ عليها ..
ولتكون أحد أذرعتها الاستثمارية ..
أظن أيضا أن وجود الاستثمارات الصغيرة يتناسب مع البيئة الجغرافية الواسعة للمملكة ؛ فتركز الشركات الكبيرة يعني انحسار الوظائف في المدن الكبيرة أو الصناعية ؛ لكن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تتيح خلق وظائف رجالية ونسائية في مختلف مدن المملكة منا يعزز من فكرة أهمية هذا النوع من الاستثمار وأهمية دعمه وتذليل الصعوبات المتعلقة به.
وأوضح د. خالد الرديعان أنه وبعيدا عن تعريف المنشأة الصغيرة والمنشأة المتوسطة فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو عدد العمال فقد يكون مقياسا مناسبا للأخذ به في التعريف. وفي هذا الإطار فقد أشار إلى بعض العقبات التي تواجه هذه المؤسسات عموما والتي يراها على النحو التالي:
- الاعتماد التام على العمالة الوافدة، وذلك لعدة أسباب ومنها النظرة الدونية للعمل اليدوي من قبل السعوديين في الغالب. وقد نتج عن ذلك استنزاف مبالغ طائلة يتم تحويلها للخارج كان من الممكن بقاءها وتدويرها في البلد. كما أن غياب نظام موحد وصارم للأجور يجعل السعودي ينصرف عن العمل في هذه المؤسسات، ناهيك عن عدم الالتزام بساعات العمل الرسمية وكثرة وتنوع العمل الذي يوكل للوافد حتى وإن كان غير متخصصا فيه؛ مما يجعل السعودي ينفر من العمل في هذه المؤسسات.
- العشوائية والتخبط وتنوع التصاريح في السجل التجاري الواحد. نلحظ مثلا أن السجل التجاري يضم عدة نشاطات؛ كالاستيراد والتصدير والمقاولات وبيع التجزئة؛ مما يدفع بصاحب المنشأة إلى تنويع نشاطاته على غير هدى وبالتالي تشتيت جهوده ومن ثم عدم قدرته على الاستمرار بالسوق بشكل علمي ومنظم.
- قوانين العمل مرنة وليست بذات الصرامة التي يفترض أن تساعد صاحب المنشأة على المثابرة والجدية وعدم تغيير نشاطه. السعودي عادة يطبق سياسة “أضرب وأهرب” ويهتبل الفرص السريعة بداعي الكسب حتى لو لم يكن متأكدا من نجاح ما يود القيام به. هو غالبا لا يجري دراسة جدوى علمية للمشروع الذي يود الانخراط فيه ولكنه يتحرك بالبركة وبشكل غير مدروس انطلاقا من نظرية أن السوق يتسع للجميع. هذا نشاهده مثلا في نشاط الشقق المفروشة التي انتشرت بصورة غير مدروسة مما أوجد فائض في هذا النشاط.
- عدم الإفادة من العنصر النسائي السعودي بشكل خلاق في بعض المهن وخاصة المهن المكتبية والتي تتطلب عمل ورقي، وكل ذلك بسبب اعتبارات اجتماعية تتعلق ببعبع الاختلاط وعدم قدرة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على توفير شروط العزل بين الجنسين ناهيك عن مشكلة المواصلات بسبب عدم قيادة المرأة للسيارة لكي تنتقل إلى عملها بسهولة.
وتساءل م. خالد العثمان: هل مشاريع الأسر المنتجة والشقق المفروشة والمطاعم ومحلات الكب كيك وغيرها هي المنشآت الصغيرة التي نريدها ؟
بالطبع تحقيق عائد مادي هدف مشروع ومعتبر لسد حاجات الناس الحياتية .. لكن على مستوى هيكل الاقتصاد الكلي نريد منشآت ذات قيمة مضافة تحقق قيمة في المعارف وسلسلة التزويد وتكامل منظومة الاقتصاد.
الرؤى المستقبلية لمعالجة أوضاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة
أورد م. خالد العثمان عددا من النقاط المهمة فيما يتعلق بتطوير واقع المنشآت الصغيرة والمتوسطة كما يلي:
- من الضروري والحتمي على هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الوليدة أن تضع تعريفا واضحا ومحددا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة في المملكة ، وذلك بالنظر إلى عدم فعالية جدوى تبني أحد التعريفات الحالية وما تتسم به من خصوصية ترتبط بخصوصية كل مجتمع ومكوناته الاقتصادية والاجتماعية والسكانية وغيرها من المؤثرات والعوامل التي تمس صلب وكفاءة التعريف .
- من الضروري والحتمي على الهيئة أيضا أن تضع استراتيجية شاملة تتضمن برامج وخططا متكاملة ذات أهداف زمنية عاجلة وقصيرة ومتوسطة وطويلة المدى . والتكامل هنا يعني أن تتكامل هذه الاستراتيجية مع مجمل استراتيجيات التنمية وبرامج عمل الجهات الأخرى بالتأثير فيها والتأثر بها .
- نجاح قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يتطلب التأسيس لتغيير ثقافة المجتمع والانتقال من ثقافة البحث عن الوظيفة والأمان الوظيفي إلى ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر خاصة في ظل توجهات رؤية المملكة 2030 وسياسات تحجيم التوظيف الحكومي الذي هو في العادة قبلة الباحثين عن الأمان الوظيفي . من الضروري أيضا تسليح الشباب بجرعات تثقيفية حول أخلاقيات العمل وتحديد الأهداف والعمل المؤسسي بدلا من السعي للربح السريع وأساسيات التسويق والترويج وغير ذلك .
- المشاهد في هذا المجال وجود عدد كبير من المؤسسات التمويلية والحاضنة التي تؤدي أدوارا موجهة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة ، ولكن الأثر الحقيقي لهذه المؤسسات ضعيف وغير مستدام كونه يفتقر إلى التنسيق والتكامل والرقابة والحوكمة . إن سطوة الرؤية التي تسعى إلى توفير التمويل في ظل الوفرة المالية في السنوات الماضية والاعتداد بأنها السند الكافي للشباب لتأسيس أعمالهم كانت هي السبب الرئيس في غرق أولئك الشباب في ديون وأعباء أثقلت كاهلهم وضخمت لديهم الشعور بالفشل . والسبب في ذلك انحسار الدور الإرشادي والتأهيلي الحقيقي للحاضنات وغياب منظومة الأدوار الداعمة لدورة نمو المنشأة من ناشئة إلى صغيرة وما بعد ذلك . حاضنات الأعمال اكتفت بتوفير مساحات مكتبية وأدوات وتجهيزات لا غير ، شركات أودية التقنية انتهت شركات تطوير عقاري تتاجر بالأراضي المخصصة لها ، ليس لدينا هياكل عمل حقيقية ومؤسسية لرأس المال المغامر Venture Capital والمستثمرون الملائكة Angel Investors والحاضنات المتخصصة التي تضم مرشدين مؤهلين Mentors وغير ذلك من مكونات المنظومة.
- مع ضخامة الأرقام التي أوردتها الورقة الرئيسة حول عدد المنشآت الواقعة في هذا التصنيف ، إلا أن غالبيتها الساحقة إما استهلاكية أو خدمية ، وكلاهما يعتمد على المستهلك أو الزبون النهائي ويجعلها خاضعة لظروف العرض والطلب والمنافسة ويفقدها الاحتكام إلى معايير مرجعية في أداء أعمالها. إن ما نراه من شيوع سرطاني مكرر لمحلات الأغذية والمطاعم والمقاهي والمشاغل وغيرها من الأنشطة الاستهلاكية لا يعد أمثلة واعدة وناجحة لهذا القطاع . البديل الأمثل الذي جعل من هذا القطاع العمود الفقري في الاقتصادات العالمية هو توجيهها إلى القطاعات الصناعية والإنتاجية بما يجعلها تقدم منتجاتها وخدماتها لكيانات أكبر في هيكل هرمي متناغم يحقق اقتصادا راسخا ومستداما ، وهو ما يضمن للكيانات الصغيرة والمتوسطة استقرارا نسبيا في أعمالها بالنظر إلى أنها ستعتمد على تعاقدات طويلة لتوريد المكونات والمواد التي تدخل في منظومات صناعية أكبر وهكذا.
- إن أحد أهم التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو في تباين النظرة تجاهها بين مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والتمويلية . فهي من ناحية تعد كيانات تجارية ملزمة بتقديم الضمانات للحصول على التمويل والعقود ، وملزمة بتحقيق متطلبات السعودة والزكاة وغيرها من الإجراءات الحكومية شأنها شأن كل المؤسسات صغيرها وكبيرها . وفي المقابل ، فهي تعاني من نظرة دونية في قدرتها على إنجاز أعمالها ، ويطلب منها تحقيق متطلبات تأهيلية معقدة حتى تتمكن من منافسة الشركات الكبرى والفوز بتعاقدات أو تعهدات تبني بها خبراتها وقدراتها المالية والعملية . كما أن بعض القطاعات تعاني من تعقيدات جمة في التشريعات المنظمة لتأسيسها واستدامتها ، ومنها مثلا القطاع الخدمات المهنية Professional Services أو ما يعرف بالمهن الحرة ، فهو يخضع لنظام يكرس الفردية والتشتت والمنافسة غير العادلة ويمنعه حتى من حقوق التوريث والتداول التي تجعله قطاعا جاذبا للانخراط فيه ، وفي النتيجة نرى المهندسين والمحامين والمحاسبين وغيرهم من أصحاب مثل هذه التخصصات المهنية يفضلون الحصول على وظائف ثابتة آمنة بدلا من المعاناة في تأسيس كياناتهم المهنية الخاصة .
- أحد أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع أيضا هو عدم قدرة الشباب على جسر الهوة بين الرغبة والفرصة عبر الإرشاد والتوجيه وليس التمويل فقط . نحتاج وبشدة إلى كيانات تعمل على خلق الفرص وهيكلتها وطرحها أمام الشباب مدعمة بالحلول التمويلية والتراخيص والتوجيه والإرشاد وغير ذلك من الأسلحة والأدوات حتى يقدموا على الانخراط في العمل . ربما يكون أيضا أحد أدوار هذه الكيانات هو ربط المبادرين وصغار المستثمرين مع نظرائهم في الدول الأخرى بهدف التعاون والتكامل وفتح الأسواق ونقل المعرفة والخبرة والإبداع لتوطينها في المملكة ، وهو ما ينسجم مع فتح سوق الاستثمار للشركات العالمية الكبرى التي تعتمد في هياكل عملها على صغار المنتجين والموردين ومقدمي الخدمات .
- قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يحتاج إلى الحماية من المنافسة غير العادلة ، سواء كانت منافسة من جهات حكومية تسعى لبناء وتأسيس شركاتها الخاصة لخدمة أنشطتها الداخلية بما يفقد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فرصة سوق مهمة ، أو المنافسة من كيانات قائمة تمارس أعمالا وأنشطة بلا تراخيص نظامية بما في ذلك مراكز الأبحاث الجامعية وبعض الشركات الحكومية وغيرها ، أو المنافسة من المنتجات المستوردة الرخيصة التي تفقد صغار المنتجين فرصا صناعية وإنتاجية هائلة . من العجيب والمضحك أن نجد منتجات دينية وروحانية الطابع تباع للحجاج والمعتمرين في مكة المكرمة والمدينة المنورة آتية من الصين ومصادر أخرى بأسعار رخيصة وجودة متدنية ، في الوقت الذي يعتقد أولئك أنهم يشترون منتجات مكة والمدينة حرصا على البركة .. هذا مجرد مثال ليس إلا . ألا يمكن مثلا أن يحمى هذا القطاع وأمثاله من المنافسة حتى يخلق فرصا لأبناء المدينتين المقدستين لتوفير ما يبحث عنه ضيوف الرحمن ؟
- من المهم التنبيه إلى أن على هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة أن تحذر كل الحذر من اللعب بالأرقام والبحث عن منجزات رقمية لا تسمن ولا تغني من جوع . على الهيئة أن تضع لها مقاييس أداء نوعية ملموسة تلمس من خلالها الأثر الحقيقي على حال الشباب ونمو القطاع خصوصا والاقتصاد عموما وتطور الحالة الاجتماعية لهذه الشريحة وغير ذلك ، بما في ذلك قياس نمو شريحة متوسطي الدخل الذين يندرج أصحاب هذا القطاع فيها ، والتي يعكس نموها واتساعها رخاء المجتمع واستقراره .
- وعلى أي حال فإن تبسيط التشريعات والإجراءات وتوفير الدعم والبنية التحتية ستحقق فرص النجاح لمختلف الشرائح .. إنما من المهم توجيه الاهتمام وفتح العيون على الفرص الواعدة في القطاع الصناعي والإنتاجي .. الكثير من الشباب لديهم الطاقة والقدرة ويحتاجون إلى التوجيه للفرص الواعدة.
- أيضا فإن أحد أهم القنوات لخلق كيانات ناشئة واعدة ذات فرص جيدة للنجاح هو وجود برامج لما يمكن تسميته ب “التتجير” من التجارة نقلا عن كلمة Commercialization ؛ بمعنى أخذ الأفكار والإبداعات الناتجة عن البحوث والدراسات في مراكز الابحاث والمعامل والمختبرات في الجامعات والمعاهد وتبنيها واحتضانها والاستثمار فيها تجاريا بدل أن تبقى قابعة على الرفوف بلا جدوى ولا عائد على مبدعيها .. هناك نماذج ممتازة في العالم لبرامج “تتجير” ناجحة خرج من رحمها شركات مهمة نمت وترعرعت وأصبحت ذات وزن وأثر في الاقتصاد.
وقال م. حسام بحيري: ليس هناك أي ضوء في نهاية النفق لوضع هذه المنشآت المتوسطة والصغيرة مالم يطور النظام الحالي ليتماشى مع التحديات الموجودة، واتمني أن تعتمد الدولة هذه المرة على الخبراء والمختصين المحليين في إصدار تشريعات وقوانين تمس هذا القطاع الحيوي والهام.
بينما أوضحت د. نوف الغامدي أنها من المؤيدين بشدة لدعم المنشآت المتوسطة والصغيرة لأنها تكون هيكل اقتصادي قوي يمكن تحويله لمؤسسات عملاقة فيما بعد ويساعد على خلق وظائف؛ فالشركات الكبرى ولو افترضنا على سبيل المثال سابك ، حجم أصولها 326 مليار ريال تقريباً بينما يعمل بها حوالي 32 ألف موظف مباشر أي كل موظف واحد يقابله أصول بـ 10 مليون ريال ….!
فنحن لا نبحث عن دعم دكاكين اقتصادية بقدر ما نبحث عن دعم منشآت وفكر إبداعي مميز بإثراء معرفي وتحويلها إلى مشاريع ضخمة تنتقل من مرحلة الـ seeds stage إلى مرحلة Advanced Stage …. مراحل تكوين الصناديق لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ بدايتها فكرة مبدعه تنتهي من خلال مراحل الدعم إلى عملاق اقتصادي يساهم في التنمية.
ويعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أنه في هذه المرحلة وفي ضوء ما يتضمنه السوق السعودي في جانبيه من السلع والخدمات ، لابد لنا هنا أن نتحدث عن ما يسمى بالمنشآت المتناهية الصغر أي ما دون الصغيرة .
وهذه تتمثل عند تأسيس رواد الأعمال لأنشطتهم الاقتصادية ، وكذا الفتيات اللاتي يمارسون ما يسمى بأنشطة الأسر المنتجة أو العمل من داخل المنزل ، فهذه الفئات هي التي يفترض العناية بها لعدة أسباب ، من أهمها أنها تشكل أعداد لا يستهان بها ممن يفترض دعمهم سواء رواد الأعمال ، أو الرفع من مستوى الأداء الخدمي لمن يعملون الآن عبر المنزل أو حتى عبر قنوات التواصل الاجتماعي كالانستقرام مثلا.
فدعم هذه النماذج هي بداية لانطلاقات حقيقية نحو تكوين منشآت صغيرة بالمفهوم الحقيقي وصولا إلى تكوين منشآت كبرى مروراً بتأسيس منشآت متوسطة.
كذلك فإن مسألة الأنشطة الغذائية المطهية لابد من التوقف عندها وإيجاد آلية لمعرفة ما يمكن التوصل إلية في قضية الصحة العامة؛ فالإشكالية أن الذين يزاولون أنشطة الطهي في منازلهم هم بعيدون عن أعين الرقيب، وهذا أمر يحتاج إلى حلول تضمن لنا منتجات أكثر دقة ويتوافر بها شروط السلامة الصحية.
وقالت أ.د فوزية البكر: لابد من تهيئة بيئة داعمة للمشاريع الصغيرة؛ لكن بعضها يحتاج إلى تدخل مثل المشاريع المنزلية التي تحتاج إلى تنظيم حفظا للصحة العامة.. حين أذهب إلى طيبة وأري النساء بحافظاتهن يبعن الأطعمة أفرح لهن لاستخدامهن ما يعرفن في الحصول علي دخل بدل التسول لكني أتساءل كيف تطبخ هذه المأكولات وكيف تحفظ الخ.
كذلك هناك آلاف المشاريع الصغيرة عبر الانستغرام لكنها غير منظمة لا قانونيا ولا ماليا؛ لأنه لا يوجد نظام ضريبي يحصر الدخل الفردي ويلزم الجميع بتسجيل دخولهم.
وأوضح د. مساعد المحيا أن ما يلفت النظر هو أن الأنظمة لم تستوعب مشروعات مثل الأسر المنتجة؛ فالبلدية تضع تنظيمات من خلالها تمنع الأسر المنتجة أن تسوق إنتاجها، وطبعا هذا مرتبط بمعايير ترى تطبيقها، لكن هذه المعايير يصعب أن تتسق مع مفهوم الأسر المنتجة وبالتالي يتعذر دعمها؛ بل حدث أن صادرت البلدية منتجات أسر في أحد المعارض المخصصة لذلك. وهذا المنع تتمايز فيه البلديات؛ فمنها من تسمح ومنها من تمنع، مثلا بلدية الزلفي ظلت لفترة طويلة تمنع تسويق منتجاتهم عبر المحلات لكنها بعد حملات تويترية ومطالبات عدد من الأهالي رضخت مؤخرا. الأهم ليس فقط أن تسمح وإنما أن يتم دعم هذه المشروعات عبر التمويل و القروض.
وعقب د. عبد الله بن صالح الحمود بقوله: في مدينة الرياض وتحديدا في أسواق طيبة ، يلاحظ انتشار كبير جدا لمنتجات هذه الأسر المنتجة ، ويمكثون في طرح منتجاتهم أمام المتسوقين حتى الساعة الحادية عشرة ليلا بدءا من الرابعة عصرا. ولم يلاحظ أن البلدية أصدرت ما يمنعهم من مزاولة البيع ، والبائعين هم من الجنسين. لكن حقيقة أنا مع التنظيم ، فما يجري من عرض هذه المنتجات خصوصا في أسواق طيبة يعد شيء من الفوضى المنظمة لكثرة العارضين ، أيضا يلاحظ أن ما يعرض من منتجات غذائية بالذات الساخنة منها وعلى وجه الخصوص الشعبية أيضا يخشى أنها تعد منتهية الصلاحية بسبب عدم توافر تخزين صحي في بيئة كهذه.
وبدوره أوضح د. مساعد المحيا أن التنظيم مطلوب؛ لكن المنع يقود لمشكلة، وبالطبع فإن الاختلاف بين البلديات في فهم التعليمات وتطبيقها هو المحك.
وذهب م. أسامة كردي إلى أنه يخشى من أن ارتفاع مستوى ( تنظيم ) المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و أعمال الأسر المنتجة هو الطريق إلى تعقيدات إدارية و متطلبات تعجز هذه المؤسسات عن الوفاء بها .. المطلوب هو الدعم و المساندة و ليس التحكم و السيطرة.
وعليه فقد حذر من التوسع في تنظيم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و أعمال العوائل المنتجة و الرقابة عليها و تعيين إدارات مختصة لمتابعة أعمالها لأن هذا سيدخل هذه المؤسسات في مجال التعقيدات الإدارية و البيروقراطية الحكومية و أنواع الفساد المختلفة و سيركز على التحكم و السيطرة على هذه المؤسسات بدلا من مساندتها و دعمها و الاهتمام بها.
وأيد م. خالد العثمان هذا التحذير بقوة ودعا إلى تبني مفهوم التمكين بدل التنظيم .. وبالطبع لابد من شيء من الرقابة المنظمة لضبط القطاع من الانفلات.
بينما يرى د. خالد الرديعان ضرورة ترك هذا القطاع ينمو ويتقدم وبعد ذلك يمكن تنظيمه، ومن ثم فهو يميل في عدم تقييد هذا القطاع بالتعقيدات البيروقراطية.
واتفق د. عبد الله بن صالح الحمود مع ما ذهب إليه م. أسامة الكردي ، بخصوص عدم التوسع في آليات تنظيم مناشط المنشآت الصغيرة والمتوسطة وخصوصا أعمال الأسر المنتجة. ولكن لابد أن يكون عوضا عن توسع نتحفظ منه ، هو أن نسعى إلى توافر آليات تتفق والتوسع القائم في أنشطة تلك المنشآت، خصوصا مناشط الأسر المنتجة والتي لم يتجاوز بعد دعمها والاهتمام بها إلا من لدن الجمعيات الخيرية وكذا التعاونية.
من هنا لابد أن يكون هناك تحرك وتكامل في الدعم ما بين وزارتي التجارة والاستثمار والعمل والتنمية الاجتماعية لهذه المنشآت أو تلك المناشط الأهلية ، أنشطة الأسر المنتجة في الواقع ليست بالشيء الجديد ، بل هي أنشطة مضى عليها عقود من الزمن ، وعدم الاهتمام بها من لدن العديد من الجهات المفترض الإشراف عليها الأمر الذي من خلالها أصبحت مناشط تراوح مكانها ، وهذا أمر يؤسف له إذا ما كنا نسعى إلى بناء مرحلة جديدة وبناء منظومة متكاملة تخدم قطاع رواد الأعمال ، فضلا عن توافر فرص وظيفية لطالب العمل.
ويرى د. إبراهيم البعيز أن التنظيم والتشريع لبيئة المؤسسات الصغيرة بالتأكيد من مسؤولية الحكومة، لكن الدعم المالي واللوجستي ليس من مسؤولية الحكومة، بل يفترض أن يكون مسؤولية مؤسسات وشركات القطاع الخاص. المؤسسات الصغيرة هي في الواقع شريكة أساسية ومهمة لنجاح الشركات الكبرى بمختلف مجالات عملها. نجاح هذه المؤسسات الصغيرة يعني المزيد من العملاء لمنتجات الشركات الكبرى من سلع وخدمات، وفشلها قد تدفع ثمنه الشركات الكبرى ليس فقط في خسارة فرص lose of opportunities بل يتجاوز ذلك إلى أن يصل إلى مستحقات ومديونيات لم يتم سدادها.
إحدى الجامعات الكندية تنظم برنامجا يعنى بالتدريب والإرشاد الإداري والمالي والقانوني والتسويقي للمؤسسات الصغرى، ويقدم مجانا للصغار المستثمرين، وتتولى الغرفة التجارية تمويله بالكامل لأنها بنظرة استراتيجية تعتقد أن خسارة أي مشروع استثماري ستدفع ثمنه كل المؤسسات والشركات في المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر.
لم تجد شركة أرامكو في بدايتها مؤسسات صغيرة تقدم السلع والخدمات اللوجستية التي تحتاجها، ولم تطلب من الحكومة دعم هكذا مؤسسات، بل بادرت بإقناع بعض من موظفيها وعمالها السعوديين لإنشاء مؤسسات تقدم تلك السلع والخدمات ووفرت لهم دعم مالي وإرشاد إداري، وكانت أرامكو حريصة جدا على نجاحهم لأن خسارتهم تعني غياب مصادر للسلع والخدمات لا يمكن الاستغناء عنها، وضياع لكل دعم وجهد بذلته الشركة في دعمهم.
في حين أوضح د. خالد بن دهيش أن قضية المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي في الحقيقة قضية هامة لمعالجة وضع اقتصادي يمس شريحة كبيرة من مجتمعنا وتسهم في تطوير منظومتنا الاقتصادية وتخفيض نسبة البطالة؛ لذلك فإن من المهم تقديم المقترحات والحلول خاصةً في مرحلة تأسيس هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ومن المقترحات لمعالجة معاناة المنشآت الصغيرة والمتوسطة:
- قيام الهيئة بمراجعة كافة التشريعات القائمة حالياً وإعادة صياغتها بما يتناسب مع توجهات برنامج التحول الوطني بنقل نسبة مساهمتها في الناتج الوطني من ٢٠٪ إلى ٣٥٪ وخاصة تلك التي تدعم التمويل ومرحلة التأسيس بمشاركة أعضاء من الغرف التجارية.
- توسيع شراكة القطاع الحكومي لدعم وتشجيع هذه المنشآت.
- قيام الغرف التجارية بالتركيز على التدريب و التأهيل للملاك والعاملين بهذه المنشآت في المجالات الإدارية والاقتصادية والتمويلية والتسويقية.
- توفر الهيئة البيئة التجارية الأمنة التي تسهم في رفع جودة الخدمات والمنتجات وتقييم المخاطر وضمان استمرارية الأعمال.
- مساعدة هذه المنشآت في نقل وتوطين التقنية من خلال تقديم الاستشارات التقنية المناسبة لكل منشأة.
- توفير قواعد المعلومات الحديثة و دراسات الجدوى الاقتصادية.
- إيقاف منافسة القطاع الحكومي للمنشآت العاملة في مجال الاستشارات مثل الجامعات والجمعيات العلمية.
الهدف من إنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة The Small and Medium Enterprises لكي تكون منظم Regulator
وبالتالي لابد أن يكون هناك تنظيم رسمي تعمل من خلاله هذه المنشآت ، المهم أن يكون للهيئة هامش من الصلاحيات لتعديل وتطوير آليات عملها بعيداً عن التعقيدات الإجرائية لصالح كل ما يؤدي إلى دعم وتشجيع هذه المنشآت لمزاولة أعمالها في بيئة أمنة وجاذبة ومدعومة من كافة القطاعات الحكومية والخاصة.
ومن جانبه قال د. علي الحارثي: أوضح الجميع وبدقةٍ متناهية جميع المشاكل والمعوقات لنماء وإنماء هذا القطع الاقتصادي الهام الذي قد يمثل نسبه جيدة في الناتج المحلي لو قُدٍر له النجاح ، وعلى الهيئة الوليدة للمنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة أن تأخذ بعين الاعتبار أسباب النجاح لتحفيز ودعم الشباب لإنشاء مثل هذه المنشآت ، وتعمل على تلافي المعوقات التشريعية والتنظيمية والبيروقراطية المتجسدة والمترهلة في الوزارات والدوائر الحكومية .
هناك ملاحظة على الشركات العائلية والكبيرة ، وهي توسعها في إنشاء شركات ومؤسسات صغيرة ومتوسطة لتخدم بها شركاتها الكبيرة وتستحوذ على الفروض والدعم والفرص من الصناديق والجهات الحكومية ولا تترك للشركات والمؤسسات المماثلة أي دور للمنافسة على تقديم الخدمات لشركاتها الكبيرة ، بل تنافسها على حصتها في السوق والتسويق حتى تعصف بها في مهب الريح . من المفترض على الهيئة أن تحد من هذا الاحتكار لأصحاب الشركات الكبيرة لإنشاء شركات متوسطة وصغيرة لخدماتها . خذ مثلاً شركات وكالات السيارات ، لديها شركات لقطع الغيار وشركات الصيانة وما يتصل بها . كذلك شركات الأجهزة الكهربائية والتقنيات وشركات التغذية الجملة والمفرق والدخول في المنافسات الحكومة التي تسمح الأنظمة لها ولا تسمح للمنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة وغيرها كثير .
وأكد أ. خالد الحارثي على ضرورة إدراك حجم المشكلات التي يعاني منها القطاع ، وأن التأني والأدوات التقليدية ليست مجدية أبدا ، وأن أي طرح يقلل من فداحة ما يعانيه الشباب من بطالة وسقوف زجاجية وغلاء وشح في نصيبهم من المال العام إنما يزيد التوتر والاحتقان والعزوف عن المبادرات الحكومية مهما كانت جادة لكنها طويلة زمنا ومعقدة إجراء ..
الشباب كما تعارفنا عليه هو (هم وهن) ولا أعتقد أننا نأخذ (نون تعود علينا وطنيا) بعين الاعتبار في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة مشاركة الإناث في هذا القطاع بالشكل الذي يمثلهن عددا وتوزيعا..
أيضا نحن في إشكالية كبرى حيث دخل قطاع الاسترزاق من تمويل القطاع كبار المسيطرين على السيولة ، وأصبح في متناولهم بذلك نسبة لا يستهان لها من سيولة المال العام أيضا بفضل برامج صندوق الادخار المتهورة وغير المحسوبة فضلا عن تناقضها لمبادئ المجتمع؛ فعندما تسمي صندوق إقراض حكومي باسم فرد أو عائلة فأنت تزيد الطين بلة وتبني بينك وبين المستفيد حائطا كسور الصين العظيم.
وأوضح أنه يذهب بهذا الحديث لمرحلة disruptive ideas لتغيير حالة القطاع الذي نتعامل (نفس النُّون السابقة) معه كأنه قطاع هامشي وليس أساسي في التنمية والاستقرار والتنوع وكل أهدافنا الرؤيوية والتحولية والتنموية وحتى “الانسانحقوقية”.
وفي السياق ذاته وفيما يخص أنشطة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أوضح أنه وفي ظرفنا الحالي بوجود الفوائض الكبرى من العمالة الأجنبية الرخيصة التكلفة فإن الانشطة تتقلص وتصبح محدودة جدا أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة ..
ويمكن أن نبني على النموذج الدولي والعالمي .. (ناسا) يوجد لديها صغار مقاولين لا يتعدى عدد الموظفين عشرة موظفين معظمهم يعملون في البحث العلمي والاكتشاف والابتكار ..
أرامكو وسابك وشركة الكهرباء وحتى شركات الإسمنت والوزارات كانت قديما تتيح للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التعاقد معها بما يتناسب مع قدراتها وخصوصا المتقاعدين من نفس الجهات الذين يسعون بهد التقاعد لمد أواصر التعاون والجهد الوطني مع الجهات التي عملوا لها.
وفي الختام قال أ. خالد الحارثي: حقيقة أنا مكتظ (على سبيل الاستحسان) بكم ، وبمشاركتكم القيمة ، أو أن شئتم (حفي بكم). حقيقة ، مشاركاتكم المتنوعة زادت من إدراكي للتحديات القائمة والتي تتطلب تحركا سريعا من الأجهزة المعنية بهدف إحداث الـ Disruptive Effect ، كما أضم صوتي إلى صوت الدكتور خالد بن دهيش في إعداد ورقة أسبارية بهذا الخصوص ، دون الإخلال بالتحليلات المقدمة من السيدات والسادة الأعضاء والنقد المطول القيم لأداء وفعالية الأجهزة القائمة الذي قدمه م. خالد ، أود التركيز على ثلاث قضايا أساسية أعتقد أن بقية القضايا ارتبطت بها بشكل أو بآخر، وهي :
- الهيئات المنظِمة والرقابة: هناك هيئات غائبة ينبغي أن تولد مثل : غرف التجارة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وهيئة رقابية في المنافسة ومكافحة الاحتكار ومكافحة التستر ، وحتى لا نقع في إشكالية التوسع في التنظيم التي أشار لها م. كردي ، ينبغي أن نحدد التهديدات التي تقوض عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة ونموها وانتشارها وتنوعها وتوسعها والتيسير الذي يلقاه المواطن لبدء المبادرة والتشجيع عليها ، وأعود إلى تعقيب د. مساعد “أن من المهم معرفة طبيعة العلاقة بين المؤسسة والشخصية التي تمتلكها …” حيث أن الرقابة التي تقوم بها وزارة التجارة على الشركات والمؤسسات لاتزال متواضعة في هذا الجانب ، وقدمت مبرر لتنامي البنية الهزيلة للشركات والاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص. يعمد مالك الشركة المليء لتوظيف بعض شركاته لغرض محدد غير معلن تكتنفه تضارب المصالح ، ويبرر مخالفات القانون الإداري لنفسه. أيضا ، أن نفرق بين “الأسر المنتجة” وبين قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وهنا أستعير بعبارة د. حاتم المرزوقي “لا يمكن للاقتصاد أن يسير منفكا عن الاجتماع” ، حيث أن الربط غير ملائم بالدرجة التي تلائم الاحتواء. أي أن تكون الأسر المنتجة جزء من اعتبارات التقييم لبذور الاستثمار في المنشآت الصغيرة والمتوسطة. أيضا هناك نقطة مهمة أشار لها سعادة أ. أسامة “عقود الباطن من الشركات الكبرى، فبينما تعتبر هذه العقود مجزية إلى حد ما إلا أن قدرة هذه الشركات (الصغيرة والمتوسطة) على تحمل التأخير في الدفع تعتبر ضعيفة مقارنة بالشركات الكبرى ذات رؤوس الأموال، وهذا السبب يؤدي بدوره إلى تعاظم مشكلاتها بما فيها مشكلة العمالة، والسيولة اللازمة لتوريد المعدات” وهذا شأن تنظيمي بحت تضيع في غيابه حقوق المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وينبغي تسجيل المتعاقد من الباطن لدى الجهة المستفيدة حكومية أو أهلية والعمل بشفافية حتى لا يتآكل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة أكثر من ذلك. كما أشير إلى نوع الرقابة الحقيقية التي أشار لها أستاذ مطشر في اعتبار “حجم رأس المال التشغيلي (working capital) كعنصر أساسي لتحديد هوية الشركة وتصنيفها) ، والرقابة عليها.
- التمويل: وهنا أشير إلى ثلاثة قنوات رئيسة تبتلع مشكلة التمويل ، أولها توجيه الإقراض الحكومي المكثف نحو المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وفتح المجال للمؤسسات المالية لتطوير أدوات التمويل من خلال مقترح أستاذ مطشر (سوق سعودي ثانوي نشط لتداول الصكوك والسندات يبقى التحدي الأكبر أمام اكتمال منظومة الأنشطة التمويلية وانتقال رؤوس الأموال ووصولها لكافة القطاعات) ، والثالث تطوير البنية التحتية للتمويل الجماعي بكافة أشكاله. هنا لا بد من الإشارة إلى اختلاف الطبيعة بين رأس المال الجري Venture Capital وبين التمويل الجماعي Crowd funding .
- تقنين الاستقدام وأنظمة العمل: وهنا أعود لتعقيب د. عبدالله بن صالح وتعقيب د. نوف ومشاركات م. حسام ود. الرديعان ود. حميد ، حيث أن السير في مجال الاعتماد على الاستثمارات التي تتطلب “العمالة المكثفة” أظهر المفعول العكسي على بنية الاقتصاد والمجتمع ، واليد العاملة الماهرة الأجنبية في السعودية تواجه ضغوط كثيرة ومزمنة حيث تضغط الشركات الكبرى المستأثرة بالعقود الحكومية والأسواق على مستويات الأجور وشروط التعاقد ، وتحول دون حصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة على مركز تفاوضي يسمح لها باستقدام العمالة الماهرة أو المحافظة عليها ، فضلا عن أن وزارة العمل تساوي بين كل فئات وشرائح القطاع الخاص فيما يختص بالتأشيرات ، وهذا تعميم مخل. ويلزم ترشيد الأعداد والنوعيات في التأشيرات أيضا حتى يمكن معادلة وموازنة الأجور والمنافع وبالتالي يمكن توطين المهنة والإقبال عليها.
المحور الثاني
ثقافة العمل ودورها في توطين الوظائف
الورقة الرئيسة: د. عبد الله بن صالح الحمود
يأتي العمل كحق مشروع للإنسان باعتباره أحد وأهم مقومات الحياة وركيزة أساسية للمجتمعات ، وثقافة العمل بحكم أنها تعني للعامل اكتساب عدة جوانب في حياته العملية ، سواء في الإنتاج أو بناء علاقات اجتماعية ، وصولاً إلى النيل من خبرات وتجارب عدة تتفق وقدراته التي منحها الله له ، إلا أن الأمر هنا يختص بأن العامل قبل أن يصنف وظيفياً فإنه يحتاج إلى ثقافة خاصة تتعلق بطبيعة العمل الموكل إليه .
والحديث هنا ليس عن اكتساب الثقافة العامة للعمل فحسب ، أو بمعنى آخر وجوب معرفة ما للعامل من حقوق وما عليه من واجبات ، بينما لابد من تسليط الضوء على مدى كيفية تأثير ثقافة العمل على العامل، وعن الدور الذي يمكن أن يقوم به كل من المشرع والعامل نفسه سعياً إلى توطين الأعمال لأكبر شريحة من طالبي العمل وممن هم على رأس العمل على حد سواء كهدف أساس لمنظومة العمل والعمال كلية.
ولأن العمل يعد الطاقة والجهد الحركي الذي يبذله الانسان للنيل من إنتاج مؤداه إشباع حاجات معينه له ولمجتمعه .
فإنه والحالة هذه لابد من التأكيد أنه لاكتساب ثقافة ترتبط بحب العمل والإيمان به ، أنه لابد من الوصول إلى إيمان مطلق يتعلق بحب العمل والإيمان به لإعطاء قوة حقيقية للعمل نفسه ، ولاكتساب ذلك فإن الأمر في ظني يتطلب الاتيان بعناصر عدة وهي كالتالي:
- الإيمان بأن العمل شرف وليس عيباً لأي مهنة كانت .
- الإيمان بأن العمل واجب احترامه سلوكاً و أداءاً .
- الإيمان بأن العمل أمانه في أعناق العاملين .
وإيضاحاً لذلك لعل بمقدور هذه الورقة أن تتحدث ولو بإيجاز عن تلك العناصر الثلاث بما هو آت :
- الإيمان بأن العمل شرف وليس عيباً لأي مهنة كانت :
فإذا تحدثنا عن أن الإيمان بالعمل هو شرف وليس عيباً ، وأنه مهما تكن المهنة الملقاة على عاتق العامل فهي تظل رسالة يفترض الاعتزاز بها والمفاخرة بالقيام بواجباتها ، فذاك يعد بداية انطلاقة الإنتاج الحقيقي المؤمل من هذا أو ذاك العامل للوصول إلى بيئة عمل منتجة .
وهنا لابد أن نعي أن بناء الأمم لا يمكن أن يتأتى دون قبول الأعمال الشريفة وبكافة صنوفها ، ولتعزيز هذا المفهوم لابد أن تتوافر إرشادات إعلامية مدروسة من لدن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ، وكذا الغرف التجارية الصناعية ، تحث على قبول الأعمال الشريفة ، وتغليب ثقافة حب العمل لأي مهنة شريفة على ثقافة العيب الاجتماعي والذي أضحى يعم أغلب المهن شرفاً واعتزازا .
- الإيمان بأن العمل واجب احترامه سلوكاً و أداءاً :
وللإيمان بأن العمل واجب احترامه سلوكاً وأداءاً ، فذاك أمر اعتبره أساساً لنهج قويم يفترض أن ندرك أنه دون التقيد بالعمل وأنظمته ، وحسن السلوك وطيب التعامل مع عملاء المنظمة في بيئة العمل التي يعمل فيها العامل وكذا مع زملاء العمل ، فإن مسيرة الإنتاج تتوقف أدائها أو قد تسير ببطء في مسيرة لا تخدم العملية الإنتاجية المطلوبة بما حدد لها معياراً وقياساً ، وهذا يعد ضرر اجتماعي واقتصادي للمجتمع ككل ، وهنا لابد من التنبيه إلى أهمية أخلاقيات العمل وبيان مكانتها ومنزلتها العظيمة وأثرها الكبير على الاتقان والإنتاج والثقة والصدقية بأن تلك الأمور تعد أساس للنيل من أخلاقيات العمل والذي مؤداه كسب للثقه العامة لبيئة عمل ناجحة .
- الإيمان بأن العمل أمانة في أعناق العاملين .
ولأمانة العمل ، هنا أيضا يجب أن نشير إلى أن العمل في الأصل يعد أمانة في أعناق العاملين ، والأمانة في العمل وإعطاء العمل حقه هو أمر مشروع قبل أن يسمى ثقافة ، وحتى يعتبر ذلك ثقافة وهو مطلب بالضرورة اكتسابه ، ولكي يكون منهج يسهم في تحقيق الأمانة المطلوبة ، فإن الأمر يتطلب أن يؤمن العامل بأنه مؤتمن على أي عمل يكلف به .
والأمانة هي طمأنينة النفس وزوال الخوف ، وهي خلق يعف به الإنسان عما ليس له به حق ، ويؤدي ما عليه من حقوق وواجبات .
وتوطين الوظائف هي سياسة ترتبط بمنظومة ذات عدة عناصر أو قنوات ، ومنها يأتي التدريب والتأهيل لأجل التوظيف ، والتوجيه المباشر للقطاع الخاص؛ خصوصاً عند فرض توافر وظائف لطالبي العمل بهدف المشاركة الوطنية فحسب ، بينما هذه الورقة هي أتت بطرح ربما يكون نوعي إلى حد ما ، وهو كيف يكون لثقافة العمل عامة دور في توطين الوظائف .
حيث كان الهدف الأسمى من الاتيان ببعض من العناصر غير التقليدية أو الحديث عن أمور لا علاقة لها بالشأن التنظيمي في سياسة الوظائف أو حتى سياسة العمل والعمال إن صح القول ، هو إبراز مفاهيم عند اكتسابها والتقيد بها تصل إلى توطين حقيقي مؤمل لمنظومة العمل والعمال عامة .
وقبل الختام لابد لنا أن نتفهم أن لاكتساب ثقافة العمل بمفهوم شمولي يتضمن كلمات ذات أبعاد دينية وأخلاقية ومنها (تقبل الأعمال الشريفة بأنواعها ، والتقيد بسلوكيات وأداء الأعمال استنادا إلى ضوابط تفرضها بيئة العمل ، وتطبيق مفهوم أن العمل أمانة في أعناق العاملين ) كل تلك الأمور تعد أنموذجاً مؤملاً من الجميع للنيل من ثقافة عمل تصل بنا إلى توطين حقيقي .
التعقيب الأول: أ. خالد الحارثي
بداية ، أعتقد أننا ننساق كثيرا وراء التضليل المستمر والمنتشر ويمكن أن نلمحه حتى في بعض الأوساط الأكاديمية حول مغالطة مشهورة تحاول إيجاد علاقة بين العمل وثقافة العيب في المجتمع السعودي ، وهو أمر مؤسف أن يتبناه الأكاديمي والمثقف ولو على استحياء.
شرف العمل وثقافة العيب : لا يصح علميا ولا منهجيا أن يوصف المجتمع السعودي بهذا الوصف الشنيع والمغالطة الكبرى ، وهو المجتمع الذي أنجز المملكة العربية السعودية التي نراها اليوم في بنية أجهزة الدولة ، والعمل الحكومي ، والقطاع العام الشامخ ، والقطاع الخاص المحوكم. هذا فحسب يرد على التسليم بصحة أو قدرة الفرضية بوجود علاقة بين ثقافة العيب والعمل في المجتمع السعودي. وأما القبول بمناقشة هذه المغالطات هو مبرر كاف لتداول مغالطات أخرى تشوش على الوعي والنضج في أوساط دراسات وصناعة القرارات في المملكة العربية السعودية. شرف العمل هو قيمة إنسانية لا يحق لأحد سلبها من المجتمع ، واتهام المجتمع بضدها المتمثل في ثقافة العيب إلا إذا كنا نمارس احتقار العمل وتعييبه والتقليل من شأنه ، وننظر إليه بعيدا عن النظر العلمي قواعد القيمة المضافة ، بشكل مقنن ومنتظم ومستقر.
أليس شرف العمل يقر بالندية عمل مقابل أجر؟ من يقرر الأجر الجائز الذي يفرق بين أجر العمل التطوعي وأجر وظيفة التفرغ الدائم؟
عندما تكون مستويات الأجور تطالب المجموع وليس الاستثناء بتمويل الوظيفة من موارد الموظف الأخرى بسبب عدم كفاية الأجر لتغطية التكلفة المعيشية للشخص حسب معايير المتوسط الاجتماعي ، فهذا يستدعي النظر في الإطار الذي تقع فيه هذه الممارسة من صاحب العمل والتي يدخل ضمنها السخرة أو على الأقل اختلاس أموال الممولين دون دفع المقابل لهم بشراكة أو بسند قرض.
واجبات العمل (واجبات العمل وأخلاقياته)
من واقع التجربة العملية وواقع الأرقام الرسمية عن الاستقرار الوظيفي فواجبات العمل وأخلاقياته مستقرة في القطاع الحكومي ، والقطاع العام ، والشركات المساهمة في القطاع الخاص ، والشباب السعودي يمثل الغالبية العظمى من الموظفين فيها.
في المقابل وعلى نفس المعيار في المؤسسات الفردية والشركات العائلية يعتبر الاستقرار الوظيفي معاناة رئيسية رغم أن غير السعودي هم الغالبية العظمى في الموظفين. وهذه ليست تهمة موجهة إلى غير السعودي في واجباته وأخلاقياته بل نتيجة طبيعية للمقوم الأكبر في الوظيفية وهو بُعدها المحلي وجمهورها المحلي حيث أن غير السعودي سيظل تمكنه من الاستيعاب والإلمام بالبعد المحلي محدود جدا وبطيء جدا.
أمانة ومسئولية العمل
أستعير من د. عبدالله بن صالح الحمود في الورقة الرئيسية تقريبه للأمانة (هي خلق يعف به الإنسان عما ليس له به حق ، ويؤدي ما عليه من حقوق وواجبات) ، وأعتقد أن الشباب السعودي ينهل من معين متدفق اجتماعيا نستطيع توظيف (ثقافة العيب) فيه توظيفا صحيحا ، ففي ثقافة العيب نهي عن مد اليد إلى مال الآخر ، أو النظر لممتلكات الآخرين بغية التعدي أو الضرر ، والعديد من القيم الصالحة للاستخدام والتوجيه الايجابي نستمدها من مخزون ثقافة العيب.
أعود مجددا للورقة الرئيسية وأستعير هذا التساؤل الذي يجمع غايات التفاصيل الكثيرة في القضية (كيف يكون لثقافة العمل عامة دور في توطين الوظائف؟)
حسب تقارير المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للربع الأول من 2016م فإن عدد المشتركين في القطاع الخاص 10.3 مليون مشترك يمثل الشباب السعودي 1.7 مليون مشترك 8% منهم فقط يعملون وفق شروط تعاقدية مقبولة وأجور تعكس واقع الحياة المعيشية للمجتمع بكافة شرائحه.
حسب ما يتضح من واقع سوق العمل ، وأملا في تعزيز المنطق الصحيح الذي يستجيب معه الإنسان كما خلقه الله وأودع فيه من خير ، وما يرعاه عن نفسه أمام ذاته ومجتمعه فهذه ثلاث نقاط مركزية تحمل الأثر الذي يدفع نحو التغلب على التحديات ، التطوير والمواكبة للمتغيرات:
- تطوير وتوجيه سياسات حوكمة الأعمال في مجال مستويات الأجور والمنافع ، والشراكة مع العاملين في حالة عدم قدرة المنشأة على الوفاء بالحد الأدنى المستحق عن الأجر والتعويضات.
- الاستثمار والدعم في تطوير الوظائف باعتماد التقنيات الحديثة واستخدام التطبيقات الرقمية في الأعمال.
- تطوير الأدوار للجهات المنظمة في سوق العمل مثل وزارة العمل والشئون الاجتماعية وصندوق الموارد البشرية لتعلب دورا أكثر أهمية يمتد لوقف إغراق السوق بالعمالة غير الماهرة وللحد من تسرب السيولة الضخم سنويا والذي يضر بكامل المجتمع والثروة الوطنية.
التعقيب الثاني: د. نوف الغامدي
حقيقة هناك دراسة حديثة أجرتها جامعة الملك سعود بعنوان (انطباعات القطاع الخاص عن الموظفين السعوديين) أن 80 % من مديري الشركات الخاصة يرون أن هناك نقصاً في كفاءة وخبرات وثقافة العمل لدى الخريجين والخريجات السعوديين، وهو ما يضيع عليهم فرص العمل في القطاع الخاص. وتشير بعض المصادر الاقتصادية إلى أن أغلب الشباب السعودي لا يملك الثقافة الصحيحة للعمل ولا ينظر باحترام لبعض الأعمال، حتى وإن كانت ذات دخل عالٍ، فعلى سبيل المثال يرفض السعوديون أكثر من 20 ألف فرصة عمل تطرح في سوق العمل السعودي سنوياً خلال موسم الحج تقوم على نقل الحجاج داخل الأراضي المقدسة، ويرجع رفض السعوديين للعمل بتلك الوظائف التي تدر دخلا سنويا يقدر بـ 120 مليون ريال (32 مليون دولار) إلى سيطرة (ثقافة العيب) على نظرتهم للوظائف التي تعرض عليهم، حيث يعتبرون تلك الأعمال وظائف خدمية متدنية.
كما بينت دراسة اجتماعية حديثة صادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن 70 % من أفراد الأسرة السعودية غير منتجين ويعتمدون على رب الأسرة في توفير احتياجاتهم كافة، وتقول الدراسة أيضا أن الأسرة السعودية لا تربي أفرادها على ثقافة العمل الصحيحة ليكونوا أفرادا منتجين يحملون النظرة الإيجابية للعمل منذ الصغر ولمختلف الأعمال دون تمييز، بل هناك نظرة خاصة تتطلع للعمل الحكومي على اعتبار أنه أقل التزاماً وأكثر مرونة في متطلباته. وتبين الدراسة أن هذا يتضح عندما يبدأ الموظف أو الموظفة السعودية حياتهما العملية وهم يشعران بالارتباك مما قد يوقعهما في أخطاء متعددة نتيجة جهلهما بقوانين وثقافة العمل والحقوق والواجبات.
إن ظاهرة التراخي الوظيفي إشكالية يعاني منها الموظفون السعوديون الحكوميون، فالأولوية القيمية لديهم ليست للعمل بل لاعتبارات اجتماعية أخرى، في حين أن العمل يأتي في الدرجة الثالثة أو الرابعة في سلم أولويات تميّز الفرد ومكانته، مما أشاع اعتقاداً مفاده أنهم شعب لا يعمل، ولا يحب العمل، ولا يقبل المهن اليدوية حتى وإن كان مردودها المادي يتجاوز دخل الوظيفة الحكومية.
ويتضح عدم تقدير قيمة العمل لدى الموظف السعودي في كل أو بعض مراحل العمل، وأن ثقافة اللامبالاة والتسيب الوظيفي مترسخة بشكل كبير لدى الموظفين السعوديين الحكوميين، وقد بررها كثير من الباحثين بالنظرة العامة السلبية ذات الجذور التاريخية التي يحملها المجتمع عن الأعمال المهنية، وهيمنة البيروقراطية الإدارية الحديثة وتفشيها في الدوائر الحكومية، و البطء السلوكي الوظيفي في الأداء، كذلك ضعف محاسبة ومساءلة المقصرين، إضافة إلى أن أغلب المسئولين والموظفين لا يؤمنون بأهمية تطوير القدرات والمهارات الوظيفية، ولا يلقون بالاً لضرورة إتقان العمل بكل مراحله المختلفة, وبتراكم هذه العوامل المختلفة وعدم الالتفات لها للحد منها ومعالجتها بالشكل الصحيح ظهر عدد من النتائج الوخيمة التي لا يزال المجتمع يدفع فواتيرها الباهظة والمتمثلة في ضعف الإنتاجية، وهدر المال العام، وإضاعة الوقت الرسمي فيما لا يفيد, وقتل المبادرات الإيجابية لتحسين العمل وتطويره وفق الشروط والمعايير المبنية على الكفاءة والمهنية.
لم يكن مستغرباً أن تتفشى في الوسط الحكومي مفاهيم وظواهر وسلوكيات اجتماعية ومهنية وإدارية رصدت بداياتها منذ تأسيس أجهزة الدولة بمفهومها الإداري الحديث، لتترسخ مع مرور السنين وتشكل ثقافة عمل سلبية لم تستوعب منذ البدايات من قبل الجهات المعنية بالرقابة والمحاسبة الإدارية، فتراكمت لتصبح دعوات مبطنة وأحياناً صريحة نحو عدم الجدية في أداء المهام الموكلة للموظف بشكل عام. فالطباع والصفات التي يكتسبها الموظف من وسطه الوظيفي المحيط به الذي يتعايش معه بشكل يومي جميعها تدعوه للتراخي في إنجاز العمل، وللإهمال في خدمة المراجع والتعامل معه بفوقية والانشغال بأمور أخرى ليست من صميم العمل، وضعف الأداء بشكل عام، حتى يشعر المراجع – على سبيل المثال – وهو داخل أي إدارة حكومية بأن كل موظف غير راغب في عمله، بل قد يجد على الشباك الواحد من ثلاثة إلى أربعة موظفين خاملين يتسلمون المعاملة من المراجع ويرمونها على الطاولة دون اكتراث بالوقت والإنتاج. وفي الحقيقة أن أمثال هؤلاء، كما تقول الدراسات المتخصصة، هم كثر ينتشرون في مختلف الدوائر الحكومية، قيمهم عن العمل سلبية، ومفاهيمهم المهنية خاطئة، وهم قد لا يعرفونها لضعف وعيهم بثقافة العمل الصحيحة ، أو أن هذا هو حدود ما يعرفونه، وبهذا يعطلون مصالح المجتمع والوطن، ويسهمون في عرقلة تطور التنمية، ويضربون مثالاً سيئاً أمام الجميع بأن من أمن العقوبة أساء الأدب.
لا شك أنها إشكالية واضحة في دوائرنا الحكومية عن مفهوم العمل الصحيح، وهي ليست وليدة اليوم أو السنوات القليلة الماضية، بل هي مترسخة في مفاهيمنا الاجتماعية منذ القدم، يضاف لها عدة عوامل حديثة أسهمت في تكون النظرة العامة السلبية عن العمل، والتي أرجعها كثير من الباحثين إلى عدة أسباب أهمها طبيعة التعليم لدينا، والذي له أثر كبير في تشكيل عقلية وفهم المجتمع للعمل ونظرتهم له وحبه وإتقانه. فالمناهج- كما يقولون – لا تؤصل مثل هذا النوع من الحب الوظيفي والتفاني فيه، كذلك تتحمل الأسرة السعودية جزءا من مسؤولية غياب ثقافة العمل وعدم غرسها منذ الصغر في نفوس الأطفال. وتلعب رفاهية المجتمع الزائدة عن الحد دوراً في غياب ثقافة العمل الصحيحة، فلم تعد الحاجة الاقتصادية هي المحفز لإتقان وحب العمل كمصدر رزق مما يضعف الطموح لدى الموظفين. أيضا هناك نقص في معرفة الأنظمة والتشريعات المتعلقة بمجالات العمل مما يجعل الموظف غير قادر على الأداء بالشكل المطلوب، الأمر الذي يؤدي لغياب روح الفريق الواحد، إضافة إلى ضعف الرقابة الوظيفية وعدم المحاسبة والمساءلة الجادة وغياب الانضباط بشكل عام، وعدم سن قوانين رسمية تسهم في نشر ثقافة العمل وتحبب الموظف فيه.
إن الأجهزة الحكومية تعاني خللاً كبيراً يسهم في نشر مفهوم العمل السلبي، وهو الميل للاعتبارات الشخصية في السلوك الإداري على حساب الاعتبارات الموضوعية من قبل بعض المديرين السعوديون الذين يفضلون النظر إليهم باعتبارهم الكبير الذي لا يحاسب، وبالتالي يتحول المدير من طاقة تدفع للتقدم و التميز إلى عقبة حقيقية في طريق الموظف، مما يغيب الإتقان ويشيع القبول بالمستوى المتدني للأداء في كل مجال. إضافة إلى أسلوب التكتم غير المبرر والسرية في محيط العمل، فالموظف لا يعلم ما يدور حوله من معلومات، مما يجعله يشعر بأنه لا ينتمي للمكان، وبالتالي لا يعنيه تطوره أو تقديم خدمات أفضل ترضي المراجعين. كذلك غياب منهجية الفكر التخطيطي لدى المديرين والميل للتواكل والاعتماد على الحظ أو التساهيل أو حسب المزاج. كما يرى عدد من الباحثين أن شيوع مسوغات وتبريرات الإهمال واللامبالاة الوظيفية كضعف الأجور, وتزايد تكاليف وأعباء المعيشة, والواسطة وانتشار الفساد ومحاباة غير الأكفاء وتعيينهم وترقيتهم, وعدم التناسب بين حجم ونوعية العمل تلعب دوراً في غياب ثقافة العمل الصحيحة لدى الموظف السعودي.
هناك من يرى أن وسائل الإعلام المحلية تسهم كذلك في ضعف ثقافة العمل وقيمها الصحيحة فيما تقدم من مواد ومسلسلات درامية تجسد الموظف أو العامل الأمين المتقن بأنه مسكين و لا مكان له في الحياة، في حين أن الموظف النصاب الذي لا يعمل دائماً هو الذي يكسب لأنه يعرف من أين تأكل الكتف.
ويحدونا الأمل مستقبلاً إلى تحسين ثقافة حب العمل وإتقانه في أغلب الوسط الإداري السعودي، من خلال البدء بوضع أفكار وأساليب إدارية جديدة تعزز أولاً نظرة المجتمع الإيجابية نحو العمل وتحمي قيمه ومعاييره، وتتماشى ثانياً مع تحديات العصر ومستجداته، وذلك عن طريق إبراز القدوة الحسنة قولاً وعملاً، و التزام بأوقات العمل، والجدية في محاسبة المقصر، ونشر المفهوم الصحيح للعمل المبني على مبدأ أن العمل هو المواطنة الصحيحة. كذلك عدم الإسراف في التنظير غير الواقعي وغير القابل للتنفيذ من قبل المسئولين، والحرص على نشر التوعية الاجتماعية بمختلف الوسائل والآليات، من أجل تشكيل ثقافة اجتماعية إيجابية عن العمل تتحول إلى قناعة راسخة عن حب العمل، لاسيما في الأجيال الصاعدة الذين يمثلون مستقبل الوطن وقوته.
المداخلات حول قضية: (ثقافة العمل ودورها في توطين الوظائف)
- ثقافة العمل والإشكالات المرتبطة بها
قال د.م. نصر الصحاف أضيف إلى ما تضمنته الورقة الرئيسة والتعقيبات عليها موضوع مهم يساهم – برأيه – بدرجة كبيرة في تفاقم هذه الظاهرة السلبية وهو ما يشكل الإعاقة التامة للمدير (في الدوائر الحكومية بالتحديد) في مزاولة صلاحياته في إنهاء خدمات موظف ما استناداً إلى إنتاجيته العملية أو عدمها !!
ومن واقع الخبرة ومزاولة العمل الحكومي لسنوات طويلة أكاد أجزم بأن العمل بعدد أفراد أقل ولكن منتجين هو أفضل لمناخ العمل العام بوجود عدد موظفين كثر وغير ملتزمين !! بالإضافة إلى تخريب أو فساد بقية المنتجين على يد هؤلاء !! أما المدير فما بيده حيلة سوى الموافقة على نقل الموظف غير الملتزم إلى إدارة أخرى – بمعنى ترقيته إلى بيئة أخرى – أقل منافسة بين أقرانه الآخرين الخاملين فلا يظهر أي تقاعس لأن الكل كذلك!
هذه أحد أهم أسباب عدم الإنتاجية والانضباط في العمل الحكومي !! أذكر على سبيل المثال في جهاز حكومي معين يشار إليه بالبنان في كل ما يتعلق بالعلوم والتقنية أن المدراء يتنافسون فيمن لديه تقييمات لموظفيه كلها ممتازة لا فرق بين المنتج والخامل!! تحدثت مع هؤلاء المدراء عن هذه الإجراءات وعواقبها الوخيمة وأثرها في إحباط المنتجين ومكافئة غير المنتجون بدون نتيجة شعرت لحظتها بأنني هبطت من كوكب آخر لاستنكارهم علي تغيير ما هم عليه !!!
ومن جانبه قال د. خالد الرديعان في مداخلته: بالطبع اختلف جذريا مع أ. خالد الحارثي فيما يخص مجادلته بأن ثقافة العيب ليست معوقا ومن ثم رميه بالمشكلة على جهة أخرى كنقص التشريعات الحكومية في هذا الجانب.
“ثقافة العيب” بتقديري هي أصيلة في مجتمعنا ومتجذرة وتعد جزء من “خصوصيتنا السعودية” التي نحاول الإمساك ببعض جوانبها ومنها ثقافة العيب.
والسؤال هو من أين أتت ثقافة العيب التي تخص العمل؟
هي جاءت من مصدرين تحديدا: إرث البداوة الترحالية pastoral nomadism التي نعيد إنتاج بعض ملامحها بطرق مختلفة، وإرث العبودية slavery التي كانت سائدة في مجتمعنا حتى خمسين سنة مضت (ألغيت عام ١٩٦٢).
وتفصيلا فالبدو كانوا يمقتون كل صاحب مهنة عدا الرعي والغزو، بل أن الرعي يوكل أحيانا إلى غيرهم؛ فئة تسمى “الشاوي” وجمعها “شويان” وهم فقراء البدو المعدمين الذين كان ينظر لهم بازدراء رغم الحاجة لهم وهي مفارقة. وسبب احتقار البدو لمعظم المهن هو أنها تخل بنظامهم في تقسيم العمل؛ فمن يمارس صنعة أو مهنة تتطلب الاستقرار كالزراعة مثلا يخل بنظام الترحال ويعيق المجموعة من التنقل ومن هنا وُصمت مهنته بأنها متدنية يترتب عليها عقوبات اجتماعية ليس المجال لتفصيلها.
هذه العقلية استمرت ولم نستطع الفكاك من قيدها تماما فهي موجودة وإن بأقل حدة بل إنها دخلت ضمن القيم الاجتماعية التي تشكل في جزء منها منظومة الثقافة التي نتفاعل من خلالها.. ثقافة العيب تم نسجها بإحكام كأحد مكونات الثقافة، وبالطبع فالمسألة تتباين مناطقيا وأثنيا؛ فالبعض تخلص منها لكن جزء كبير من السعوديين لم يستطيعوا التخلص منها رغم تغير الظروف والأحوال، وهو ما ينعكس على النظرة للعمل اليوم.
اما إرث العبودية فهو الآخر خلق نوع من التصنيف المهني فالسيد “العم” يوكل كل المهن تقريبا للعبيد الذين يقوم “بخصي” بعضهم إذا كان عملهم يتطلب الاحتكاك بنساء العم أو السيد.. هذه الممارسة أي إيكال العمل للعبيد نتج عنه ربط المهن والعمل عموما بالعبيد وأن السادة لا يمارسونه إلا اضطرارا. جزء من هذه العقلية والممارسات نفذ شيئا فشيئا للثقافة بمعناها الأنثربولوجي وخاصة منظومة القيم الاجتماعية المكبلة كما أسلفت في بقايا إرث البداوة الترحالية.
وكلام كهذا يفترض أن لا يغضبنا إطلاقا أو نقول أنه جلد ذات كما يحلو للبعض وصفه. لدينا علل اجتماعية وثقافية، وما لم نعالجها فستبقى مكبلة لنا.
سأعطي مثالا صغيرا على ثقافة العيب كما رواها لي مقيم يمني في السعودية.
يقول المقيم: نحن في اليمن لا نستطيع ممارسة كل المهن كالعمل في المطاعم طباخين وخبازين بسبب العيب لكننا نمارس هذه المهن هنا في السعودية بحكم أننا نتخلص من تأثير “الجماعة” وقضية الوصم الاجتماعي ؛ فكلنا غرباء هنا وجئنا لجمع المال..!!
وعقب أ. خالد الحارثي على ما طرحه د. الرديعان بقوله: أود منعا للتشتت أن ألخص رؤيتي للعلاقة بين ثقافة العيب وبين العمل حتى تنسجم في سياق يسمح للاختلاف أن يتشعب في إطار المسئولية عن معوقات التوطين.
- أولا: في اعتقادي أن من الصعوبة بمكان (تعميم) قيم تكريم الغزو والسلب والنهب ، واعتبار العمل من العيب والنقيصة ، في منظومة القيم في مجتمعات الجزيرة العربية ، لسبيبين رئيسيين:
- يمثل البدو أقلية في عدد سكان الجزيرة العربية مقارنة بالقرى والبلدات والحواضر والمدن والواحات ، وبالطبع لم تكن قيم الغزو والاعتداء هي القيم الغالبة ، فضلا عن وجود السلطة الحاكمة على مر العصور في هذه الحواضر المختلفة وكانت من مهامها وتاريخها ملاحقة ومعاقبة من يمارس قطع الطريق والسلب والنهب مهما علت مكانة صعلوك من صعاليك البادية وارتفعت منزلته.
- استحالة اقتران الشرف بعدم العمل في هذه الحواضر والقرى العامرة حيث كانت المهن متعددة وكثيفة للوفاء بالحراك الاقتصادي المتمثل في الزراعة والتجارة مصدر رزقهم الرئيسي الذي ترتكز عليه بقية مكونات الدورة الاقتصادية، واشتهر عندهم البناء والتزيين واستئجار الأيدي العاملة من أبنائهم وذويهم وتأجير الأراضي لبعضهم البعض لمواسم الزرع والحصاد المتكررة والمتعددة طوال العام، واشتغالهم برعي الماشية من ضأن وماعز وبقر ، كما اشتهر اتقانهم لصنع ملابسهم وآلاتهم وسلاحهم وإصلاحها ، وهي مرتبطة بقيم الإيجابية والإتقان والاكتفاء الذاتي. وأما من يصنفون بالصناع أو من في حكمهم فليست الصناعة هي من وراء استنقاصهم في المجتمع بل كانت أحسابهم وأنسابهم وعدم معرفة أصولهم فتطلق عليهم تلك التصنيفات لتثبيت أنهم لا يملكون أرضا وليس لهم حمولة ينتمون لها.
- ثانيا: أي طرف الذي تحرر من ثقافة العيب بالعمل، هل هو من انتقص من شرف العمل وجعله بوعي أو عن غير وعي ذلا وسخرة وأكل حقوق ، واستجلب له (استقدم) له الرقيق من المحرومين في الأرض ، وطالب إنسان أرض الجزيرة العربية أن يخضع لنفس شروط العبودية ، دون نظر لإرث هذا المجتمع وقيمه ، بل وأجرى ذات الشروط المخلة على النساء دون اعتبار لأي قيمة يرعاها المجتمع في ماضيه وحاضره ومستقبله.
أعتقد أن الفكرة أوضح من ذي قبل حول من يعيق التوطين ، وهل لثقافة العيب هنا شأن.
ومن جديد أكد د. الرديعان أنه لا يوجد بدوي واحد في الجزيرة العربية بمعنى البداوة الفيزيقية (ترحال وغزو الخ). كل ما بقي من البداوة هو إرثها الثقيل الذي تسلل إلى حواضرنا ومدننا وهو ما خلق الاشكالية التي نحن بصددها وهي ثقافة العيب.. الثقافة لا تموت فهي تلفظ بعض وليس كل القديم وتكتسب بعض الجديد.
وبدوره قال أ. خالد الحارثي: أنا على ثقة كبيرة بأن ثقافة العيب مرتبطة بشرف العمل أكثر منها بالانتقاص منه ، إضافة إلى أننا مررنا بأزمات غربلت كثير من القيم وأبرزها غزو الكويت وما تلاها والعولمة التي نعيشها منذ عقد ونيف بلغ عدد الملتحقين بوظائف القطاع الخاص أكثر بضعف من وظائف الحكومة.
ومن جانبها قالت أ. هيا السهلي: أظن أن ثقافة العيب والعمل تتقارب وتتباعد حسب ترف المجتمع ورفاهيته مثلما تم الإشارة سلفاً.
غير بعيد عنا قد لا يتجاوز الأربعين والخمسين عاما وهم رجال أشداء لازالوا بيننا كانوا يعملون (كدادين) سائقي أجرة وغالبا من يملك سيارة خاصة لك (يكد) عليها أول النهار وفي آخره يقضي بها شؤون أسرته ويزوج إذا خطب حلت نهاية السبعينات و الثمانينات وما بعدها أصبح الرجل يمتلك أكثر من سيارة وقفزت المعاشات إلى أضعاف مضاعفة ودخلنا في طفرة اقتصادية وتلاشى السائق التاكسي السعودي وحل محله الأجنبي !
تفشت البطالة ثم هرعنا بسعودة الوظائف التي استوطنتها عمالة شرق آسيا ولازال في الجيب بقية من الريالات تضمن شيء من ترف قليل .
حاول الشاب السعودي إحلال نفسه في وظائف السعودة غير أن المجتمع يرفضه (هي تراه وحشا ويفهم لغتها ، وهو يراه إلا محارمنا )
فضلا إن لو آتاهم بخلق ودين لم يزوجوه !
وأسألوا أنفسكم الآن من منكم يزوج ابنته لسائق تاكسي شريف في عمل خلوق في تعامله ؟!! ومن ابنته ترضى بسائق تاكسي ؟!
أذكر أن أخ لي تخرج من الجامعة وظل أربع سنوات بلا عمل لكنه يرفض أن يبقى فعمل في ورشة وعمل في سوق الذهب إبان قرارات سعودته .
أتينا أكثر من أسرة لنخطب بناتهن أعلن القبول لو أنه توظف بوظيفة حكومية لو أنه مدرس أو ضابط قبلوا دينه وخلقه ورفضوا عمله !
وسأعود بكم في القدم أكثر في الأربعينات والخمسينات الميلادية كان يطلق على من يشرف ويخطط البناء بالأستاذ وكان من نفس أفراد المجتمع من يبني ويحمل اللبن والتبن (أعزكم الله) ولا يعاب ويزوج كان الفقر والحاجة والعمل الشريف خير من تسول الناس !
من النساء من تخيط (الدراريع ،البيزه ، البراقع ) وبعضهن تخبز (القرصان ) !
التهديد الذي نلقنها لأطفالنا إذا أهملوا واجباتهم الدراسية نقول بهم ذاكر وإلا سيكون مصيرك مثل عمال البلدية ومثل الشغالة !
لا يمنع التحفيز بالوظائف العليا ولكن دون استحقار الوظائف الدنيا!
قد يحمل الشهادة الجامعية ولا يجد وظيفة هل نقول له عيب عليك تعمل عمل شريف يضمن لقمة حلال لك ؟!
وأشار د. حميد المزروع إلى ما ذكره المؤرخ اليوناني ثيودور الصقلي (٤٠٠ق.م ) ، في وصفة لأبرز الجوانب الاجتماعية لعرب الشمال (الأنباط)، بأنهم { لا يزرعوا زرعا يؤتي ثمرا ، ولا يعاقروا خمرا ، ولم يشيدوا بيتا ، وأن من فعل أستمرأ علي ملك ، وهان عليه الاستسلام لقوى الجبروت }.
من خلال السياق التاريخي والاجتماعي الموضح في وصف المؤرخ ثيودور( ٤٠٠ق.م) ، يتضح لنا بأن عرب الشمال اختاروا حياة البادية والاقتصادي الرعوي لضمان حريتهم بالمقام الاول ، كما وأن للبيئة دور في التأسيس لهذا النمط الاجتماعي والقبلي الذي نأي بنفسة عن المهن الأساسية .
نتج عن ذلك ، عدم رغبة العربي قديما بحياة المدينة وما يرتبط بها من مهن وأعمال ، وهذا دون شك لا ينطبق علي عرب الجنوب.
أستمرت هذه الأعراف الاجتماعية في عقلية العربي منذ فترة الجاهلية ، ومنها العزوف عن المهن التي ترتبط بالمدن لعدم مناسبتها لمتطلبات حياة البادية والترحال ، واستمرت بشكل أو بآخر حتي الوقت الحالي كما ذكر د. الرديعان .
لا شك أن هذه الأعراف يجب أن تنتهي مع تحول المجتمع إلى حياة المدنية الحديثة والتوجه للاقتصاد الصناعي والمعرفي ، وهي بالحقيقة بدأت تندثر تدريجيا، خاصة بالمدن الصناعية مثل الجبيل وينبع وأخري .
ومن وجهة نظر د. إبراهيم البعيز فإن القيم المرتبطة بثقافة العمل لها قيمة (تكلفة اقتصادية) والنَّاس على اختلاف أجناسهم يفاضلون بين تلك القيم وتكلفتها الاقتصادية عليهم، فإن رأوْا أن التمسك بها سيكون مكلفا اقتصاديا عليهم فالغالبية منهم ممن يدركون تلك التكلفة سيتخلصون منها، أي تلك القيم التي تحد من فرص الحياة الكريمة أمامهم، وتأخذ مثل هذه النظرية أهمية أكبر حيث تحولت المجتمعات من البدائية إلى مستويات متقدمة من التمدن.
لذا فإن ترك البعض لبعض المهن نتيجة عدم الرغبة فيها بقدر ما هو عدم القناعة بمردودها المالي ؛ مثلا عمل المرأة – حيث تجاوزت الكثير من الأسر من كل الانتماءات القبلية وسمحت لبناتها بالعمل إلى درجة أن نسب الإقبال على العمل في بعض المهن مثل التمريض والرعاية الصحية في ازدياد الآن مقارنة بسنوات خلت.
واتفق د. الرديعان مع ما طرحه د. البعيز حول تكلفة بعض القيم الاجتماعية وأنها تتسبب بالخسارة الاقتصادية؛ فالعامل الاقتصادي وحساب الربح والخسارة عوامل حاسمة في تغير كثيرا من أنماط التفكير بداعي البراجماتية والحاجة الاقتصادية كذلك.
هذا يحدث في مجتمعنا ولكن ببطء بسبب عامل الوفرة النسبي؛ فالسعودي يظل وضعه الاقتصادي مقبول مقارنة بغيره من شعوب الدول العربية كدول شمال إفريقيا باستثناء نموذج ليبيا الذي يشبهنا إلى حد كبير؛ فمعظم المهن في ليبيا تقوم بها عمالة وافدة من مصر ومن بعض دول أفريقيا… لا ننسى أن النموذج الليبي بنيته قبلية بمعنى تأثير البداوة واضح عليهم ما يجعلني قلق عندما أتصور مآلاتنا فيما لو واجهنا وضع سياسي غير مستقر كما يحدث في ليبيا الآن. يجب أن لا يغيب عن بالنا النموذج الليبي بسبب تشابه السمات فيما بيننا وبينه؛ فليبيا دولة نفطية كذلك ويعاني سكانها من استرخاء لا نجده مثلا عند التونسيين الذين نراهم نموذج ممتاز فيما لو توفرت لهم موارد اقتصادية كافية ووضع سياسي مستقر.
مدار الحديث هو القيم المعيقة للعمل والإنتاج التي نربطها بمعوقات موروثة يصعب الفكاك منها أحيانا في ظل وضع اقتصادي مريح يمنع السعوديين من تغيير نظرتهم للعمل والمهن عموما.
هل نحتاج لا سمح الله إلى كارثة اقتصادية حتى نتغير؟ نتمنى أن لا يحدث أسوأ مما يحدث الآن وأن نتغير قبل فوات الأوان.
وأشار د. علي الحارثي إلى أنه وقبل توحيد المملكة ، كان المجتمع السعودي ينقسم إلى قسمين : بدو، وحضر، . البدو الرحل ولهم موروث ثقافي للعمل ملتصق بالرعي والصيد وما عداه يعتبر منافي للرجولة معتبرين ذلك من شؤون المرأة والعبيد. والحضر موروثهم الزراعة والتجارة والصيد أيضا وما عداها من شؤن المرأة والعبيد ومن لا أصل له لهم مسميات مختلفة في أنحاء الجزيرة. وإن كان الحضر أخف من البدو في ثقافة العيب ، حيث نجدهم يذهبون للبحث عن العمل في المدن عند الجدب مثل مكة والطائف وجدة والمدينة والشام والعراق ويعملون في أعمال متعددة كالبناء والنجارة والعمل عند أصحاب المتاجر وفى المنازل. ظل هذا الموروث سائدا إلى أن انتشر التعليم وتبدلت أسس العمل ، وإن كانت النزعة القبلية عند البدو والحضر لا زالت متأصلة ومتمسكةٌ بموروث العيب لكثير من المهن . زِد على ذلك ما أورثه المجتمع بكافة مكوناته من استرخاء واتكاليةٍ وانعدام روح المسؤولية عند أبنائهم ذكوراً وإناثاً لما تحقق لهم من ثراء بعد الطفرة الأولى وابتعادهم عن غرس حب العمل في أبنائهم وبناتهم وجلب الخدم من كل مكان للقيام بشؤونهم الصغيرة والكبيرة إلى الحد الذى أصبح الأطفال والصغار والكبار الذكور والإناث يبكون عند سفر السائق والخادمة ، ونتاج التعليم المعرفي زاد الطين بلًة كما يقولون ، وإرهاصات الاسترخاء والغياب عن العمل جزئياً وعدم الاهتمام البتة بثقافة العمل تشريعاً وإجرائياً وسلوكاً وأداءً بالإضافة إلى الفساد والمحسوبية وعدم الأمانة والبحث عن المصالح الآنية في العمل الحكومي رسخت كثير من هذه الضلالات والمشاكل التي أصبحت مستعصية الحل ،. هناك بعض الإيجابيات التي تحققت لفئةٍ ضئيلةٍ هي التي قادت وأثًرت فيما وصلت إليه المملكة من إنجاز ….كيف الخروج من هذا المأزق ؟ يكمن في الإصلاح الجذري السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والثقافي وتفصيلاتها الدقيقة التي تبدأ من رأس الهرم حتي تفضي إلى انتهاء الفساد والوساطة والخنوع والخضوع والخوف من الوزير والوكيل والمدير ومدير مكتب المدير “المعشعش” في أروقة الدوائر الحكومية والذي انتقل إلى القطاع الخاص. أما آن لهذا الليل أن ينجلي.
وامتدادا لما طرحه د. علي الحارثي أوضح د. خالد الرديعان أن العمالة الوافدة قد حلت محل العبيد سابقا؛ وأصبح البعض ينظر إلى ما تقوم به من أعمال متعددة ومطلوبة وكأنه عمل معيب لا يقوم به السعودي… وكل ذلك من الاسترخاء الذي أشرت إليه سابقا بسبب الوفرة ومداخيل النفط التي خلقت بعض السلبيات ومنها النظرة للعمل المهني والبسيط نظرة دونية.
وذهبت أ.د فوزية البكر إلى أن التضارب في وجهات النظر بين من يرفض الادعاءات الخاصة بسلبية الموظف السعودي وبين من يستعرضها عبر بعض الدراسات الوصفية وبين من يغوص في عمقها التاريخي ومدي تأثيره في واقع الموظف المعاصر وهي كلها جوانب ساعدت علي إيضاح الموضوع من جوانب عدة وربما تساعدنا أيضا في بناء الهرم القيمي لثقافة العمل المطلوبة في المؤسسات السعودية حكومية وخاصة.
هناك درجات من التعميم في بعض الطروحات ربما أحدثت بعض الضبابية؛ ففي حين نري أن الكثير من المنشآت الحكومية والخاصة تشتكي مر الشكوى من تدني قيم العمل الإيجابية لدي الكثير من الشباب السعودي، نري أن الكثير من المنشآت العامة والخاصة قامت علي أكتاف سعوديين وسعوديات أثبتوا أنهم أثمن من كل جوهر، لكن الملاحظة أن هؤلاء هم من يعملون في وظائف مستقرة ذات دخل مجدي يوازي العمل المبذول ويحقق حياة كريمة تحبب للموظف الاستمرار والإخلاص في عمله، في حين أن الشكوى تأتي من ذوي الأعمال المتوسطة والمتدنية ذات الدخل المحدود والمستبعدة من صناعة القرار داخل المؤسسات التي يعملون بها؟
كذلك فإن نظام التوظيف الحكومي يلعب دورا كبيرا في تفشي قيم اللامبالاة و وعدم اعتبار العمل بيتا ثانيا يجب العناية به مثل الأسرة، فإذا كنت أعرف أن لا أحد قادر علي طردي من العمل مهما تسيبت إلا بقرار من جهات عليا، فلماذا أقلق وإذا كنت أعرف أنني والزميل أو الزميلة الأخرى سنحصل علي ذات نظام التقييم السنوي ولن يؤثر ذلك علي رواتبنا أو حوافزنا فلماذا القلق؟
في حين أوضح د. سعد الشهراني أن هناك ثغرات و فجوات في سوق العمل من أهمها:
- فجوة الأجور بل فجوات الأجور بين القطاعين العام و الخاص و بين الذكور و الإناث و بين السعودي و الأجنبي.
- فجوة الإنتاجية (على انخفاضها المريع في الاقتصاد الوطني) بين القطاعين العام و الخاص و بين السعودي و غير السعودي و بين القطاعات الخدمية و القطاعات الإنتاجية.
- فجوة الأمان الوظيفي بين القطاعين العام و الخاص.
و هذه تدخلنا في الحلقة المفرغة لهذه العوامل كأسباب و نتائج لاختلال قيم و ثقافة العمل.
وفي ذات السياق يرى د. خالد الرديعان أن من المهم التساؤل: لماذا يفضل الشباب العمل الحكومي على العمل في القطاع الخاص؟
وأهم سبب في تقديريه هو الراحة في العمل الحكومي وقلة الإنتاجية والإجازات… أما قضية الأمان الوظيفي فهي متوفرة حتى في القطاع الخاص؛ فهناك نظام تأمينات اجتماعية… إلا أن هروب الشباب للقطاع الحكومي هو تفضيلهم للاسترخاء ومعرفتهم أن هذا القطاع مدعاة للكسل.
أيضا هناك قيم اجتماعية تعلي من شأن الوظيفة الحكومية حتى لو كان دخلها متدنيا بداعي أنها أكثر أمانا!!
القطاع الحكومي وخاصة العمل الإداري مترهل، وهناك زيادة في عدد الوظائف تفوق حاجة كل وزارة تماشيا مع قيم اجتماعية تحاول المواءمة بين حاجة الشباب للعمل وتخفيف مستويات البطالة.
واختلف د. سعد الشهراني مع د. الرديعان حول أن الأمان الوظيفي متماثل في القطاعين العام و الخاص؛ فالموظف العام يصعب فصله من وظيفته و لا أحد يحاسبه على أدائه و إنتاجيته؛ بعكس معظم موظفي القطاع الخاص الذين يعيشون تحت تهديد الفصل و يطلب منهم حدا أدنى من الأداء و الإنتاجية مقابل رواتب متدنية، فضلاً عن الفصل بانتهاء العقود معهم أو انتهاء عقود التنفيذ لشركات المقاولات على وجه الخصوص أو الإفلاس أو إعادة الهيكلة أو تغير الملكية.
قيم و ثقافة العمل المتدنية سبب و نتيجة للفجوات في الأجور و في الإنتاجية و في نظم الخدمة و التعاقد و السلوك القيادي الإداري و التنظيمي ، بما ينتج عنه فجوة في الأمان الوظيفي.
و لا تغلق هذه الفجوات إلا بالزام الموظف العام بسلوك يرفع إنتاجيته من خلال تطبيق مفهوم اعمل و انتج و التزم و إلا فمصيرك الفصل Shape up or ship out ، و الزام القطاع الخاص برفع مستوى الأمان الوظيفي و الرواتب.
و الأهم اعتماد و تنفيذ سياسات شاملة تؤدي إلى تصحيح تشوهات سوق العمل.
وفي تصور د. إبراهيم البعيز فإن موظف القطاع الخاص يعمل للحصول على الثواب بينما الموظف الحكومي يعمل للسلامة من العقاب، ولعل هذا ما يفسر محدودية الإنتاجية لبعض موظفي القطاع العام.
آليات تطوير ثقافة العمل وتفعيل دورها في توطين الوظائف
يرى د. إبراهيم البعيز أننا لم ننتبه لثقافة العمل إلا بعد الاكتواء بسخونة البطالة خلال العقدين الماضيين، وخاصة بين خريجي الجامعات. فثقافة العمل نتيجة طبيعية للتنشئة الاجتماعية لكنها (وهنا الأهم) ثمرة التأهيل العلمي، وهنا مكمن الخلل أو الفشل الذي نعاني منه.
يفترض أن يكون للتعليم ثلاثة محاور: المعارف، المهارات، القيم (قيم العمل والمنافسة والانجاز والوقت) تعليمنا في كل مراحله ركز بشكل أساس على المعارف، وأهمل المهارات والقيم. وتخرج جيل حتى لو رغب في العمل الا قدراته لم تسعفه.
وأشار م. أسامة كردي إلى أنه لا يختلف اثنان على أهمية موضوع ثقافة العمل و تأثيرها المباشر على حل مشكلة البطالة في المملكة .. أما نشر هذه الثقافة فهو مهمة المدرسة و الجامعة و البيت.
ومن جانبه أضاف د. خالد بن دهيش أن كل وظيفة أو مهنة لابد أن يكون لها أخلاقيات ولكل أمة لابد أن تستمد أخلاقيات وظائفهم أو مهنة من قيمهم ومقوماتهم ونحن كمسلمين قيم وظائفنا نستمدها من عقيدتنا الإسلامية ومن معلمنا الأول نبينا وقدوتنا ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ). لذلك عندما يعي الإنسان أنه مقبل على العمل وأن من ثقافة العمل أن يلتزم بأخلاقيات العمل التي من المفترض أن يطّلع عليها، ويقسم بالله أنه سوف يلتزم بهذه الأخلاقيات التي هي السجايا الحميدة والسلوكيات الفاضلة التي يتعين عليه أن يلتزم بها ويتحلى بها فكراً وسلوكاً في تحقيق مهام عمله المحددة سلفاً وآليات تعامله مع رؤساؤه ومرؤوسيه وعملاؤه.
فقد سبق أن أعدت وزارة التربية والتعليم ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم وصدر توجيه سامي بالموافقة على ذلك الميثاق لتطبيقه على وظيفة المعلم في المدارس وطبع وعمم على المدارس للالتزام بهذا الميثاق. نتمنى أنه يصدر ما يلزم الالتزام بميثاق يقسم عليه كل معين على وظيفة. كما يقسم الطبيب عندما يتخرج من كليته ، وقد صدر لعدة جهات حكومية تنظيمات تلزم بالقسم على أداء مهنته مثل وظيفة مفتش بوزارة العمل، وأن يكون هناك ميثاق لكل مهنة ملزم المعين عليها القسم على القيام بمهام الوظيف بما يضمن أداء مهامها وفق قيمنا الإسلامية في القطاعين الحكومي والخاص.
ويرى د. خالد الرديعان أن النظام التربوي يتحمل برمته سواء الرسمي أو غير الرسمي ما آلت إليه الأوضاع وإن كنا قد أثقلنا على هذا النظام بكثرة النقد الموجه له. القيم الاجتماعية ليست صنم ثابت لا يمكن تغييره وكذلك الثقافة عموما ألا أن هذه المهمة يتحمل القسم الأكبر منها النظام التربوي خاصة عندما يصبح معلومات ومواعظ غير قابلة للتنفيذ.
ويفترض في التعليم الأولي أن يغرس كثيرا من القيم البراجماتية لدى الناشئة بما فيها ما يتعلق بالعمل والنظرة له.
وتساءل د. خالد بن دهيش: أين هي الأسرة وعاداتها وتقاليدها وموروثها؟ لماذا النظام التربوي دائماً هو سبب كل مشاكلنا؟
وأوضح د. الرديعان أنه قصد التربية الرسمية (المدرسة والجامعة) وكذلك التربية غير الرسمية (الأسرة والمجتمع والمسجد الخ). فجميع هذه القنوات تشكل النظام التربوي.
وحدد م. أسامة كردي عناصر ثقافة العمل وتتضمن من وجهة نظره:
- القناعة بأهمية العمل في حياة الإنسان سواء فيما يتعلق بالشعور الداخلي لدى الإنسان بأهميته لمجتمعه أو فيما يتعلق بتوفير دخل يمنح حياة كريمة.
- الاهتمام بالعمل باعتباره جزء مهم من مكونات الإنسان كما هي العائلة.
- الاقتناع بأن العمل لدي الحكومة ( رئيس القبيلة ) هو على نفس أهمية العمل لدى القطاع الخاص ( أعضاء القبيلة ) .. لاحقا: نظريتي حول ال Tribal Syndrome في المملكة.
- القناعة أن المنافسة بين الموظفين و العمال هي الوضع الطبيعي في موقع العمل و أن أخلاقيات العمل ( الالتزام بساعات العمل ، رفع نوعية العمل المنفذ و الابتكار في العمل و غيرها ) هي أمور طبيعية تتطلبها الأمم لنموها.
كما أن هناك حاجة إلى تعديل نظام الخدمة المدنية لتخفيض مستوى الأمان الوظيفي في الوظيفة الحكومية لجعل الموظف أكثر إنتاجية.
ومن المقترحات الملائمة أن تقوم وزارة العمل بإنشاء ( مركز دعم الإنتاجية ) و ذلك لحاجتنا الماسة له لدعم ثقافة العمل في المملكة و لتأثيره في تخفيض البطالة ، و العالم مليء بهذه المراكز للاستفادة من خبراتها.
وأضاف د. الرديعان بعض العناصر الأخرى لثقافة العمل:
- العمل عبادة طالما كان مشروعا (حلالا) وشريفا.
- العمل ليس من أجل الكسب فحسب ولكن لصالح المجتمع وبقاءه.
وعقب د. عبدالله بن ناصر الحمود بأنه لعل من المفيد إدراج شيء يخص القانون أو النظام العام الصارم والمفصل؛ بحيث لا كسب إلا بعمل، ولا دخل إلا بعمل، ولا عمل إلا بإخلاص وأمانة، وتجريم أي تربح أو دخل لا يكون له تغطية نظامية؛ هنا يمكن رفع مستوى ثقافة العمل، أما إلقاء التبعة كلها على الفرد المحتار بين عمل دخله محدود (ونهابة) تدر المداخيل العالية ..فلا فضاء للحديث عن ثقافة عمل في رأيه.
وذكرت أ.د فوزية البكر بعض خطوات صناعة ثقافة عمل متقدمة وتشتمل على ما يلي :
- إلغاء نظام التوظيف الحكومي الذي يجعل الوظيفة الحكومية أبدية ما بقي الموظف فيها حتى يصل إلى سن التقاعد واستبدالها بنظام توظيف تعاقدي يربط البقاء بالوظيفة بكمية الإنتاج ونوعه .
- وضع نظام للحد الأدنى للأجور يضمن عدم توظيف أحد ( سعودي أو غير سعودي ) في وظائف لا تحقق الحد الأدنى من متطلبات المعيشة الإنسانية.
- وضع نظام المنتور (الرعاية الوظيفية) للموظف الجديد في أي موقع يكون بحيث تتم رعايته ممن سبق حتى تتحقق تهيئة صحية ومستدامة لمناخ العمل مع التركيز علي جعل جزء من ميزانية المؤسسة ( ما لا يقل عن 15% عائدة للتدريب والتنمية علي رأس العمل ).
- التخفيف من الآلية البيروقراطية الهائلة التي كبلت الرؤساء الإداريين في المواقع الوسطي بحيث لا يسمح لهم بمكافاة أو عقاب من يديرونه مما يسمح بتفشي ظواهر سلبية تعم الموظفين ولا تخص بعضهم للأسف.
من ضمن قيم العمل المطلوبة في عصرنا الحاضر هي الآتي :
- القدرة على التواصل مع الآخرين بفاعلية عالية.
- التوجه والاستعداد لعمل الفريق.
- التسلح بالمهارات الاجتماعية في بناء علاقات ذات معنى مع الآخرين.
- التزود بالقدرة على التكيف مع المتغيرات في عالم العمل وفي الحياة الاجتماعية، و تحويل المعرفة إلى ابتكارات، وعلى خلق فرص جديدة للعمل، وعلى إدارة الأزمات وحلها عند حدوثها.
وفي تصور د. سعد الشهراني فإن المطلوب سياسات متكاملة و مدروسة بعناية لعلاج اختلالات و تشوهات سوق العمل التي من أهم مظاهرها تدني قيم و ثقافة العمل.
و من أهم هذه السياسات إعادة صياغة التعليم المتوسط و الثانوي بحيث تكون التهيئة المبكرة للشباب لدخول سوق العمل تطبيقيا جزءا مهما من هذا التعليم و يكون غرس قيم و ثقافة العمل المنتج محور هذا التعليم ليس على حساب ما هو فكري و معرفي بل جنبا إلى جنب معه.
كذلك فإن الأمن الوظيفي و الأجر – كما ذهبت بعض الآراء – يجب أن يكونا مرتبطين بالإنتاجية؛ بمعنى لا نعطي أمنا وظيفيا لمن لا ينتج (كما هو الحال في أغلب الوظائف الحكومية).
وأشار أ. سمير خميس إلى أنه بعد الإغراق في نقد عاداتنا الاجتماعية وتحميلها قدراً كبيراً من المسؤولية من المهم التوضيح أن كثيراً من عاداتنا الاجتماعية المعيقة لثقافة العمل بشكل عام نشأت عن الثروة النفطية الهائلة التي ظهرت بوادرها في وقت قياسي نسبياً في السبعينات والثمانينات حيث كانت من أبرز مظاهرها استقدام أعداد مهولة من العمالة الأجنبية للاضطلاع بمهمة التنمية لدينا..
هذا العدد المهول سرعان ما تحول إلى “جماعات وظيفية” مستعدة للقيام بما كان يأنف السعودي منه؛ أنفة ناتجة عن ثروة نفطية أكثر منها ناتجة عن عادات وتقاليد موروثة..
ومع عدم استشراف للآثار الناتجة عن هكذا ثروة ترسخت لدينا ثقافة عمل تشكل هدراً كبيراً لاقتصاد الوطن ومقدراته..
ربما حان الوقت للنظر في تحسين أوضاع هذه “الجماعات الوظيفية” والنظر بعين التقدير لما تضطلع به من دور اجتماعي خطير إذا أنها الطريقة المثلى في تغيير ثقافة العمل لدينا والمساهمة في تغيير عاداتنا الاجتماعية.
وأخيرا أكد أ. خالد الحارثي على أن الغايات العاجلة والمكثفة تتطلب في المقابل الكثير من الشفافية والمشاركة الموسعة من الشباب.
المحور الثالث
المياه.. القيمة الحقيقية وتقنين الاستهلاك
الورقة الرئيسة: أ.د فوزية البكر
يأتي العمل كحق مشروع للإنسان باعتباره أحد وأهم مقومات الحياة وركيزة أساسية للمجتمعات ، وثقافة العمل بحكم أنها تعني للعامل اكتساب عدة جوانب في حياته العملية ، سواء في الإنتاج أو بناء علاقات اجتماعية ، وصولاً إلى النيل من خبرات وتجارب عدة تتفق وقدراته التي منحها الله له ، إلا أن الأمر هنا يختص بأن العامل قبل أن يصنف وظيفياً فإنه يحتاج إلى ثقافة خاصة تتعلق بطبيعة العمل الموكل إليه .
يعتبر الماء أحد أهم الموارد الموجودة في الطبيعة إذ هو أساس الحياة وبقربه قامت أهم الحضارات وبشحة اختفت أمم وسلالات. قال تعالي في محكم تنزيله (وجعلنا من الماء كل شيء حي). ورغم أن الماء يغطي 70% من الكرة الأرضية إلا أن ما يمكن للإنسان استخدامه منها لا يتجاوز 0.01%.
يمكن تصنيف الموارد المائية التي يمكن للإنسان استخدامها إلى موارد متجددة كمياه الأمطار والأنهار، وموارد مائية ناضـبة كالمياه الجوفية الموجودة فـي تكوينات جيولوجية لا تتغذى بالأمطار والأنهار، وموارد مائية جارية وهي التي تذهب سدى إما بالتبخر بفعل الحرارة أو تذهب الي البحر إذا لم تنشأ السدود .
مصادر المياه في المملكة:
- تحلية مياه البحر وتحويله إلى مياه عذبه صالحة للشرب.
- المياه السطحيّة : وهي المياه التي تكون على سطح الأرض وتتكوّن من خلال مياه الأمطار ويستفاد منها من خلال إقامة السدود .
- المياه الجوفية: وهي المياه الموجودة في باطن الأرض ويتم الحصول عليها من خلال حفر الآبار الارتوازية.
- تحلية مياه المجاري لري المزروعات عبر نشاء محطات تحلية.
مستويات استهلاك المياه في المملكة:
- حددت منظمة الصحة العالمية مستويات الاستهلاك الصحي الرشيد للفرد ب 83 لتراً يوميا ويتراوح الاستهلاك العالمي للفرد ما بين 150 الي 200 لتر يوميا، في حين يستهلك الفرد في المملكة ما يعادل ثلاثة أضعاف هذا الرقم أي نحو 256 لتراً في اليوم (وزارة المياه والكهرباء، واس، 2016) وبذا احتلت المملكة المرتبة الثالثة عالمياً في مستوى استهلاك الفرد للمياه بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
- تعتبر الرياض من أكثر عواصم العالم استهلاكا للمياه بحوالي 330 لتر للفرد في اليوم الواحد.
- تكلفة المتر المكعب من تحلية مياه البحر تبلغ 1.8 دولار، (المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، 2011).
- تتصدر السعودية دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز مليار وستة ملايين متر مكعب من المياه سنوياً بنسبة 18% من الإنتاج العالمي. ولا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية تحافظ على مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، بإنتاج بلغ (1006.6) مليون متر مكعب، منها (495.3) ملايين متر مكعب من محطات الساحل الشرقي بنسبة (49.2%)، و(511.3) مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة (50.8%) من إجمالي تصدير المؤسسة. وبلغت حجم الطاقة الكهربائية المولدة في محطات التحلية البلغ عددها 27 محطة تحلية عاملة (24.884.807) ميجاوات في الساعة (استثمارات تحلية المياه في ميزانية المملكة، الوئام، 2014).
- حتى شهر مارس 2015، كان الإنتاج قد بلغ أكثر من مليار متر مكعب من المياه المحلاة سنوياً. يغذي أكثر من 40 مدينة ومحافظة وقرية، منها الرياض – سدير- الوشم – حفر الباطن – النعيرية – قرية العليا – رأس الخير – المدينة المنورة – ينبع البحر – محافظة المهد – الصويدرة – الحناكية.. وقد بلغت تكاليف المشاريع التي نفذتها المؤسسة حتى عام 2015م حوالي (120) مليار ريال سعودي، كما تبلغ تكاليف مشاريع محطات التحلية وخطوط الأنابيب الجاري تنفيذها حالياً أكثر من (44) مليار ريال سعودي، ومن المتوقع أن تصل تكاليف المشاريع المستقبلية خلال الخمس السنوات القادمة إلى أكثر من 120 مليار ريال سعودي (محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، الجزيرة، 2015).
كما خلصت نتائج ورشة عمل (نتائج دراسات المياه الجوفية في المملكة) والتي عقدتها وزارة الزراعة والمياه يونيه 2016 الي الآتي:
- بلغ حجم استهلاك المياه في المملكة عام 2015م نحو 24.8 بليون م3 توزعت على القطاعات الزراعية والصناعية والبلدية كالآتي:
- في القطاع الزراعي 20.8 بليون م3
- والصناعي 1 بليون م3
- والبلدي 3 بليون م3،
- كان استهلاك المياه في المملكة عام 2005م 21 بليون م 3، وبلغ نصيب القطاع الزراعي 18.6 بليون م3 أما القطاع الصناعي 0.7 بليون م 3 فيما بلغ القطاع البلدي 1.7 بليون م3.
- ازداد حجم استهلاك المياه في المملكة في النمو بنسبة 18 % خلال فترة الدارسة التي بدأت عام 2004م وحتى عام 2015م، وزعت على ثلاثة قطاعات الأول القطاع الزراعي الذي بلغ نسبة نموها 10% وقطاع الصناعي الذي بلغ نسبة نموها 42% والقطاع البلدي الذي بلغ نسبة نموها 75%.
- تأتي ما نسبته 77% من مصادر مياه غير متجدده (2015)
- 84% من استهلاك المياه يأتي من القطاع الزراعي (2015)
أهم التحديات في استخدامات المياه في المملكة:
ذكر وزير المياه والكهرباء (السابق) عبدالله الحصين في مقابلته في برنامج الثامنة (2016) أن مجموع الاستهلاك الحالي يربو علي 24 بليون متر مكعب من المياه، واحد ونصف منها من المياه المحلاة وواحد من عشرة من المياه المتجددة والباقي من مياه غير متجددة وتمثل الثلث في الاستهلاك وأن القطاع الزراعي يمثل 83% من هذا الاستهلاك.
- استهلاك بعض المناطق عالي جدا مثل الرياض والقصيم وحائل وتبوك فمثلا في حائل كان حجم المياه التي استخدمت لمشاريع زراعية خلال الخمسة عشر سنة الماضية ما يوازي الاستخدام المنزلي لألف عام !
- استهلكت الأعلاف من المياه ما يعادل الاستهلاك المنزلي في المملكة لمدة 700 عام.
- يعتبر الحليب مستهلكا رهيبا للماء إذ أن لتر واحد من الحليب يكلف 500 لتر من الماء!
- ويتبعه أخوه البطيخ: كيلو من البطيخ يستهلك 700 لتر من الماء أي أن بطيخة واحدة بحجم عشرين كيلو تستهلك صهريج من الماء !!
- زراعة النخيل أحد مصادر الاستهلاك العالي للمياه: لدينا ثلاثون مليون نخلة تنتج بليون كيلو من التمور سنويا في المملكة، الكيلو يحمل مائة تمرة: أي سنويا ما يعادل عشرة بليون تمرة بمقدار عشر تمرات للفرد في اليوم، التمرة الواحدة تستهلك 50 لتر ماء سنويا حتى تصل إلى فم المستهلك!
- تربية الأغنام يجب ترشيدها: كيلو لحم من الماشية المحلية يكلف 25 الف لتر ماء خلال عام!
- التسرب في المنازل أكثر بثلاثة أضعاف تسرب الشبكات ، 15% نسبة التسرب في الشبكة قبل وصولها للمستهلك.
- العادات المنزلية الخاطئة في الاستحمام أو تنظيف الأسنان (الصنوبر مفتوح) أو غسيل الملابس والصحون أحد أسباب إهدار المياه.
استراتيجيات المواجهة:
أولا: علي مستوي الاستخدامات الزراعية والصناعية:
ينظر إلى الأمن المائي باعتباره ذا صلة وثيقة بالأمن الوطني كما أنه مؤشر للتنمية المستدامة حسب تعريف الأمم المتحدة عام 2013.
- لذا سعت الحكومة السعودية لوضع الاستراتيجيات التي تعالج مشكلات الاستخدامات الضارة لثروة نادرة كالمياه وكان علي رأسها صدور قرار مجلس الوزراء في ديسمبر 2015 بإيقاف زراعة الأعلاف خلال الخمس سنوات القادمة.
- الحذر من التوسع في الأنشطة الصناعية بما قد يشكل خطراً على المياه وعلى الأمن المائي لا سيما عندما تكون هذه الصناعات صناعات تحويلية مثل الصناعات الثقيلة التي تحتاج إلى تبريد وعملية التبريد تحتاج إلى كميات ضخمة من المياه ولا بد هنا من إجراءات عامة وعاجلة تضع في الاعتبار الحاجة الماسة في النظر إلى الماء كمصدر قابل للنضوب والحاجة الماسة لحمايته.
- ترشيد القطاعات الزراعية والرعوية بما يتناسب مع حجم الاستهلاك المحلي كما في زراعة التمور وغيرها من الأنشطة الزراعية والرعوية.
ثانيا: على مستوي الاستخدامات المنزلية:
أشارت دراسة على مستوى المملكة أعدتها وزارة المياه والكهرباء بالتعاون مع شركة سينوفيت إلى أن 68٪ من مجتمع العينة لا يعلمون أن هناك شحاً في مصادر المياه في المملكة، بينما يدرك 32٪ منهم هذه المسألة، واتضح أن 99٪ من المواطنين والمقيمين لا يعرفون تكلفة تحلية المياه، وأوضحت الدراسة أن 82٪ ممن شملتهم الدراسة لا يطبقون أي إجراءات من شأنها أن توفر الماء، وتبين من خلال الدراسة أن 18٪ فقط يطبقون هذه الإجراءات، فيما أفاد 120 شخصاً من أفراد العينة من الذين لديهم نباتات داخل المنزل أنهم يقومون بالري بكمية مياه يبلغ معدلها 59,8 لترا في الشهر عن طريق خرطوم المياه والذي يستخدمه 70٪ من الممارسين لهذا العمل ولمدة 11,4 دقيقة في كل مرة.
التوعية بالمشكلة هام جدا لمواجهتها. في دراسة تمت في بريطانيا تحت عنوان : الوعي ، الاتجاه ثم السلوك نحو توفير المياه وجد ديفيد كيلي وآخرون (2015 ) أنه وبالرغم من أن معظم أفراد العينة كان لديهم الرغبة في ترشيد استهلاك المياه إلا أن هذا لم يدفعهم إلى إعطاء أي ذرة تفكير لكميات المياه التي يستخدمونها في حياتهم اليومية وأعاد الباحث ذلك إلى عدم توفر بيانات دقيقة للمستهلكين حول كلفة وقلة المياه التي يستخدمونها .هذا يعني أن سلوك المواطن في استخداماته اليومية ترتبط بمدي وعيه بمشكلة المياه التي سترتبط بمقدار برامج التوعية التي تقدم له عبر المؤسسات الاجتماعية المختلفة وعلي رأسها المدرسة والمسجد ووسائل التواصل الاجتماعي، مثال : إغلاق صنبور الماء أثناء تنظيف الأسنان يحفظ 6 ليتر من المياه في الدقيقة وإصلاح صنوبر ينقط الماء يحفظ 15 ليتر من الماء في اليوم و5500 ليتر في السنة,
- يلعب وعي الأم دورا هاما في تشكيل وعي أفراد أسرتها وفي تعزيز وعي العاملة المنزلية لديها التي تؤدي معظم الأعمال المنزلية ذات العلاقة باستخدامات المياه بما يحتم إصدار كتيبات توعية بكافة اللغات المستخدمة بين عاملات وسائقي المنازل.
- ضرورة سن القوانين التي تجرم استخدام خراطيم المياه في غسيل السيارات أو سقي الحدائق ففي أستراليا التي تضم الاف الأنهار قامت الحكومة عام 2007 وبعد مرور 15 يوما دون مطر بسن قوانين منعت فيها الناس من سقيا حدائقهم أو غسل سياراتهم أو تعبئة المسابح المنزلية.
- التعامل بحكمة مع أسعار المياه التي تميزت برخص شديد أدي إلى ضعف الوعي المعنوي بالقيمة المدفوعة للمياه من قبل الحكومة ثم جاءت فوضي الأسعار التي أطاحت بالوزارة وبقي سر سعر المياه دون حل حتي الآن.
من المحتم الرفع التدريجي لأسعار المياه بحيث يتحقق شيء من الوعي بالقيمة المادية المدفوعة من قبل الوطن.
التعقيب الأول: م. خالد العثمان
تعد هذه القضية بحق أحد أهم قضايا الأمن العالمي ، وكما يقال فإن الحرب العالمية المقبلة إن وقعت فهي ستكون بسبب المياه ، لذلك فإن أهمية هذه القضية لا تتأتى فقط من جانبها الاقتصادي والتمويلي والاستهلاكي فحسب ، بل أيضا من ناحية آليات الإنتاج والتخزين والتوزيع وتأثير كل ذلك على الوفرة والتعرفة والأمن المائي عموما .
ذكرت الدكتورة فوزية في ورقتها أن المملكة تعتمد بشكل رئيس على تحلية المياه المالحة ، وذكرت أن تكلفة الإنتاج بهذه الطريقة هي 1.8 دولار للمتر المكعب ، وهذه التكلفة في الواقع غير حقيقية إذ أنها لا تشمل تكلفة النقل والتخزين والتسربات الحاصلة وغير ذلك . ويذكر بعض المختصين أمثال د. عادل بشناق أن التكلفة الحقيقية لإنتاج المياه المحلاة في المملكة عند وصولها إلى المستهلك هي ثلاثة أضعاف هذا الرقم ، وهو رقم هائل إذا أخذنا في الاعتبار معدل الاستهلاك الجائر للفرد من المياه في المملكة . هذا الواقع يثير تساؤلات حول التقنيات والوسائل والهياكل التنفيذية لعمليات تحلية المياه في المملكة ، خاصة في ظل انحسار امتلاك وتوطين المعرفة والخبرة في هذا المجال ، واضطرار المؤسسة للتعاقد مع شركات عالمية في هذا المجال ، بالرغم من اعتماد المملكة على التحلية لأكثر من 40 سنة . الأمر الآخر أن تحلية المياه تتم حاليا بإنشاء محطات عملاقة ذات طاقات إنتاج كبيرة ، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة وتكاليف تشغيلية كبيرة تتزايد مع تزايد الطاقات الإنتاجية لتلك المحطات ، ومع تضخم الحاجة لنقل تلك المياه لمسافات طويلة إلى مدن المملكة . والتساؤل المطروح هو ، لماذا لا يتم تبني هياكل إنتاج مختلفة لتحلية المياه عبر تقسيم المملكة إلى قطاعات جغرافية وتوطين إنتاج المياه المحلاة وغيرها على المستوى المحلي بدلا من المستوى الوطني ، وبطاقات إنتاج أقل وأجدى استثمارا وأكثر ملائمة وانسجاما مع الاحتياجات الفعلية لكل منطقة . هذه الطريقة تؤسس أولا لتقليل تكلفة النقل والتخزين كما هو حاصل حاليا ، وتؤسس أيضا لفرض التعرفة على المستهلكين وفق التكلفة الحقيقية للإنتاج في كل منطقة بدل توحيد أسعار التعرفة أفقيا على الجميع . يبدو من غير المنطقي أن يدفع المقيم في الرياض نفس تعرفة المياه التي يدفعها المقيم في الدمام بجوار محطة التحلية ، أو التي يدفعها المقيم في الطائف التي تتطلب وسائل ضخ ميكانيكية لرفع المياه إلى مستوى مدينة جبلية . من هنا نستلهم نموذج إنتاج وتوزيع المياه في العصور الإسلامية الأولى ، ونستحضر ذكرى عين العزيزية والعين الزرقاء وآليات إدارتها المحلية وارتباطها بتطبيقات الوقف والتكافل والإدارة المحلية . وهو نموذج جدير بالدراسة والتقييم عند التفكير في آليات إنتاج المياه وتوزيعها وتحديد القيمة الحقيقية والعادلة للتعرفة التي تفرض على المواطنين .
الجانب الآخر هو كما ذكرت هو افتقار مؤسسة التحلية إلى امتلاك الخبرة والمعرفة التقنية في إنتاج المياه المحلاة ، فهي لا زالت تستخدم ذات التقنيات منذ سنوات طوال ، بالرغم من ظهور براءات اختراع وتقنيات حديثة ومتطورة لهذ الغرض ، وقد شهدت أنا شخصيا تجارب متطورة وناضجة في جامعة كتالونيا لإنتاج المياه المحلاة باستخدام التبادل الحراري ، وهي تقنية تستهلك جزء يسيرا من الطاقة التي تستهلكها محطات التحلية القائمة حاليا في المملكة . هذا مجرد مثال ، وهناك بالتأكيد تقنيات أخرى تعمل على تطويرها مراكز الأبحاث في تايوان واليابان وغيرها من دول العالم المتقدم . حري بالمؤسسة وبشركة تقنية للمياه وبصندوق الصناديق الذي أعلن عنه مؤخرا أن يعمدوا جميعا إلى الاستثمار في تلك التقنيات وامتلاك حصص في الشركات المالكة لحقوق ملكياتها الفكرية ، ومن ثم نقلها وتوطينها وتبنيها في المملكة وعلى مستويات محلية صغيرة ومتوسطة الحجم وفق ما ذكرته في الجزء الأول من هذه المداخلة .
الأمر الأخير الذي أود التطرق إليه في معرض الإضافة لما ورد وسيرد لاحقا من مداخلات حول هذه القضية هو موضوع نقل المياه (Water Transportation ) ، وهو موضوع لامسه بعض الاهتمام والمبادرة في أوقات سابقة دون أن يجد طريقة للدراسة الوافية والمتعمقة حول جدوى تطبيقه وتطوير آليات تنفيذه في ظل التطور التقني المتسارع في شتى المجالات . كلنا يذكر فكرة جبل الجليد التي طرحت سابقا ، وهي فكرة ماتت في مهدها بالرغم من أنها فكرة جريئة وتحمل إمكانات واعدة . وبحسب معلوماتي المتواضعة ، فإن هناك تطبيقات لنقل المياه في خزانات مطاطية بأحجام صغيرة نسبيا يجري أو جرى سابقا استخدامها في نقل المياه من تركيا إلى “إسرائيل” . كما أنني اطلعت على مقترح تقدمت به شركة اسبانية لنقل المياه في حاويات أشبه ما تكون بالغواصات من باكستان والهند التي تفيض أنهارها بالمياه في عرض البحر إلى المدن المطلة على شواطئ الخليج العربي ، وأثبتت الشركة جدوى هذا المشروع مقارنة بتكلفة إنتاج المياه المحلاة . وحتى لم تكن بهذه الجدوى من ناحية التكلفة إلا أنها تمثل خيارا واعدا للخزن الاستراتيجي وتحقيقي الأمن المائي على المدى البعيد . كجرد فكرة من الأفكار خارج الصندوق التي تستحق الدراسة والتمحيص ، خاصة كما قلت في ظل توسع وتنوع التقنيات والابداعات المختلفة ، ومنها وسائل النقل عموما والنقل البحري خصوصا .
التعقيب الثاني: م. سالم المري
وضع المياه في المملكة حرج جدا، فحسب تعريف البنك الدولي فإن خط الفقر المطلق للماء هو توفر ٥٠٠ متر مكعب سنويا للفرد من المياه المتجددة وعليه فإن المملكة تعتبر تحت ذلك الخط منذ العقد الأخير من القرن الماضي.
ومع اتفاقي مع الاستاذة الدكتورة فوزية في الكثير مما أوردته كأهمية ترشيد استهلاك المياه وأهمية التوعية، إلا أنني أعتقد بأن مشكلة المياه في المملكة أعمق من ذلك بكثير ودور المواطن الفرد في الموضوع ثانوي في الوقت الحاضر ولا يمكن أن يحدث فرقا يذكر مالم تضطلع الجهات المختصة في الدولة بما يخصها من الموضوع،
فحسب الأرقام التي أوردتها ا. د. فوزية مثلا؛ الاستهلاك للاستخدامات البلدية من المياه لا يتجاوز ١٢٪ تقريبا من استهلاك المياه والاستخدامات الصناعية ٤٪ والزراعة ٨٤٪ تقريبا أما الصناعات الثقيلة فلا أرى لها تأثيرا يذكر على المياه لأن المملكة لها شواطئ طويلة وبالإمكان استخدام مياه البحر للتبريد وهذا يتم فعلا في صناعة الكهرباء وتحلية المياه والبترول. أما الأرقام المتداولة عن معدل الاستهلاك للفرد فتشمل نسبة كبيرة من الفاقد وتفتقد كثيرا للدقة. وإذا أخذنا في الاعتبار تسريب الشبكات وهدر كبار المستهلكين فإن ما يخص المواطن يسير . كذلك ليس للمواطن الفرد علاقه بالاستهلاك الزراعي بل يتم عن طريق شركات كبرى لها امتيازات ممنوحة من قبل الدولة. وكثير من الأرقام مبالغ فيها مثل كلفة الخروف من الماء وكاس الحليب والجحه وغيرها؟ هي أرقام إعلامية قصد بها الوزير إبعاد انتباه العامة عن تقصير الوزارة!
نعم مطلوب التقنين والتحكم في استخدامات المياه لكن يجب أن نراعي أهمية توفير حد أدنى من الأمن الغذائي باستخدام أفضل تقنيات الري.
وعليه فإن جزءا كبيرا من المشكلة في رأيي هو تقصير الوزارة وقلب الحقائق والتركيز على الجزء من المشكلة الذي يصعب التحكم به وهو الترشيد ودور المواطن وإهمال الجزء المهم الممكن التحكم به وقياس ما يتحقق فيه، ألا وهو الدور الذي يمكن أن تقوم به أجهزة الدولة المختصة كوزارة المياه والكهرباء، ومن ذلك مثلا؛ خفض التسريب في الشبكات والتوسع في التحلية ورفع كفاءة استخدام الوقود في إنتاج الماء والكهرباء وإكمال الدراسات المائية لمعرفة الوضع الحقيقي لمخزون المياه في البلاد. وللحقيقة فإنه منذ دخلت مجلس الشورى عام ١٤٢٢، واللجان المتخصصة في المجلس تطالب الوزارة بإنهاء دراسة توضح بجلاء كميات المياه المتوفرة، ولكن حتى يومنا هذا والمعلومات متناقضة ولم يعلن شيء واضح عن الموضوع وماتزال المسألة ضبابية. كما تمت مطالبة الوزارة بإصدار نظام للمياه ولم يتم شيء؟ وأهم من ذلك كله شبكات المياه. هل تساءل أي منا لماذا لا يوجد خزانات مياه في الأحياء ويحصل المواطن على المياه في المدن مثل دول العالم المتحضر؟ دون الحاجة لتخزين المواطن الماء في خزان تحت الأرض تختلط مياهه بالمياه المتسربة من البيارات؟ إنه بسبب تقصير من المسؤولين عن هذا العمل في الوزارة وتحاشيا لاستخدام الشبكات بشكل مستمر بسبب الفاقد، وعدم رغبة في أخذ مسؤولية تخزين وتوزيع المياه التي يتباكون على شحها وندرتها.
عشت في مدن صغيره اعتنت بشبكاتها شركة البترول مثل رأس تنورة وبقيق والظهران. نعم كانت المياه مالحة من آبار سطحية ولكنها نظيفة ومخزنة في خزانات كبيرة في مناطق مختلفة من المدينة تعبأ وتوزع على المنازل فلماذا لا تفعل الوزارة الشيء نفسه في المدن؟ وإذا كانت الوزارة مقتنعة بأن المياه المستخدمة للمراحيض والحدائق هي أكبر طرق الهدر فلماذا لم تنشئ خطين للمياه واحد للاستخدام الآدمي كالطبخ والشرب والاستحمام وخط آخر للمراحيض والحدائق يمكن إعادة تدويره ؟! ، أين مشاريع الوزارة ذات النوعية الخاصة التي يمكن أن تواجه هذا الوضع الخطير للمياه.
سبق وقامت لجنة الخدمات والمياه بإجراء في مجلس الشورى دراسة عن إنتاج الماء والكهرباء خرجت منها باستنتاج أن الطاقة المهدرة مع إنتاج الكهرباء كافية لإنتاج ما تحتاجه المملكة من المياه المحلاة وصدر في ذلك قرار من مجلس الوزراء رقم ٢٠٤ وتاريخ ٤/٧/١٤٣٢هجري لتعديل نظام الكهرباء بحيث يكون الإنتاج المزدوج للماء والكهرباء الزاميا في مشروعات التحلية وإنتاج الكهرباء التي تقام على الشواطئ أو في المناطق الساحلية. ولكنه لم يتم الالتزام به ومازالت شركة الكهرباء تنتج الكهرباء حسب خططها والمؤسسة العامة لتحلية المياه تنتج الماء حسب خططها، وهيئة تنظيم الكهرباء والماء لا تستطيع فرض شيء على أي منهما! فحسب خطة الكهرباء لعشر سنوات من ٢٠١٤ إلى ٢٠٢٤ سيضيفون ما يقارب ٢٨ الف ميجا واط من محطات إنتاج كهرباء أحادية لا تنتج المياه. وعدم التناغم بين خطط إنتاج الماء والكهرباء ليس بسبب تقني ولكن أزعم أنه بسبب رغبة كل جهة في القيام بالعمل بالطريقة التي تريحها وتناسبها. كما أنه ليس هناك جهة مرجعية لديها الامكانية والصلاحية لفرض خطة موحدة تأخذ المصلحة الوطنية أولا في الحسبان وتقدمها على مصالح هذه الجهات المختلفة.
ومن الأمثلة المبكية المضحكة والتي تدل على هذا الضياع عندما اشتغلت محطة الشعيبة لإنتاج الماء والكهرباء في جدة كانت المدينة بأشد الحاجة للمياه والمحطة تنتج الماء والكهرباء وكانت شركة الكهرباء بحاجة للكهرباء أيضا وخطوطها جاهزة والمستثمر يريد التشغيل حسب الاتفاق ولكن الأنبوب الذي ينقل الماء من المحطة إلى الشبكة لم يكن جاهزا وهو من مسؤوليات التحلية والوزير رئيس مجلس الإدارة؟ فاشتغلت الشعيبة لإنتاج الكهرباء ورمي الماء المحلى في البحر وتم استئجار بارجة لإنتاج المياه المحلاة في عرض البحر بتكاليف باهظة. ومع ذلك يتم التركيز على هدر المواطن للمياه؟
وكان قطاع المياه يدار بأيدي سعودية لعقود ثم فجأة يتم التعاقد مع شركات فرنسية لتشغيله ومكاتب فخمة للشركة الوطنية للمياه وعدد مهول من الموظفين المنتقين بالمحسوبية وبرواتب خيالية دون تغيير يذكر أو زيادة لدخل القطاع أو قيمة مضافة مما ضاعف خسائر قطاع المياه. وكان مجلس الشورى قد أصدر قرارا ٢٢/١/١٤٣٠ ينص على الإسراع بإعداد نظام شامل للمياه على غرار نظام الكهرباء قبل البدء بمراحل التخصيص مع ضرورة مراعاة البعد الاجتماعي عند خصخصة قطاع المياه وأهمية عرض مراحل الخصخصة على مجلس الشورى ولكن ذلك لم يتم.
ومع صرف الدولة لمئات البلايين على التحلية لم يكن هناك زيادات تذكر في الإنتاج الفعلي فحسب التقارير السنوية للتحلية كان الإنتاج السنوي الفعلي عام ٢٠٠٤م ١٠٨٥ مليون متر مكعب وفي عام ٢٠١٥م بلغ ١٢٤٨مليون متر مكعب أي زيادة قدرها ١٥٪ فقط بعد ١١ سنة لأن الوزارة وبسبب رأي شخصي للوزير ركزت على السدود فحرمت المزارعين التقليديين من المياه ولم تنشئ شبكات ري فجففت الآبار وأهلكت الحيازات الزراعية التقليدية التي كانت قائمة على المياه السطحية (السيول) وجمعت المياه خلف السدود ومع تراكم الطمي تبخر الماء!
وعندما ننظر لمجالس الإدارة في قطاع الكهرباء والمياه سنجد عدد من المعمرين الذين كانوا ومازالوا أحد أسباب التردي في القطاع، أضف إلى ذلك المحسوبية في المناصب فتجد الأسماء مختلفة ولكن هناك حبالا سرية لا يعرفها إلا ذوي الاختصاص.
ولذلك فإنه من المهم جدا لعلاج هذه المسألة السيطرة أولا على الجانب الممكن التحكم فيه وإدارته بشكل فعال، ونعني بذلك مسؤوليات أجهزة الدولة المختصة بالمياه والطاقة. أما اللجوء لرفع التعرفة وكأنه الحل السحري لمشاكل القطاع فغير صحيح؛ لأنه بدون إصلاح إداري حقيقي في القطاع فإن الأموال المجموعة برفع التعرفة ستتلاشى في فجوات الفساد والهدر ولن يتحقق شيء إلا مزيد من الحنق والشعور بالحيرة والتذمر لدى الجمهور. نعم لابد من تصحيح التعرفة لمنع الهدر ولتغطية الكلفة بشكل معقول ولكن ذلك يأتي لاحقا بعد القيام بخطوات الإصلاح الأساسية في القطاع ومنها:
- إكمال الدراسات المائية والتأكد من موثوقية نتائجها وإعلانها لمعرفة المخزون الحقيقي من المياه.
- إصدار نظام للمياه واستكمال البنية الأساسية للقطاع وإعادة صياغة الاستراتيجيات والاتفاق عليها وتثبيتها لتتبعها الجهات المعنية بغض النظر عن المسؤول.
- الاعتماد في الشرب على المياه المحلاة بكافة طرق التقنية المتوفرة مع إمكانية استثناء الأماكن النائية التي يصعب إيصالها بالشبكة، مع التركيز على قصر إنتاج الكهرباء على الإنتاج المزدوج للماء والكهرباء وهذا سيكون كاف لتوفير مياه الشرب في الظروف الطبيعية.
- قصر الاستخدامات الزراعية على المياه السطحية ومياه الصرف المعالجة مع وضع قائمة بالمحاصيل والمشاريع المعتمدة على المياه المسموح بها حسب متطلبات الأمن الغذائي واقتصاد الدولة.
- الحفاظ على المياه الجوفية غير المتجددة كخزن استراتيجي للأجيال القادمة ولاستخدامات الشرب فقط في الحالات الطارئة.
- يجب أن ينظر للماء كثروة وطنية مهمه كالبترول وغيره وتكون الاستثمارات القائمة عليه ملك الدولة بحيث تكون عوائدها للخزينة العامة.
- الشروع في سن وإتباع نظام الشبكتين أحدهما للاستخدام الآدمي والأخرى لدورات المياه والحدائق وجعل تطبيقها الزاميا في المجمعات والأسواق والمشاريع التجارية والمخططات الجديدة.
- إكمال شبكات الصرف الصحي ومعالجة المياه وإعادة تدويرها للري الزراعي.
- إعادة هيكلة القطاع والتخلص من الحرس القديم المعمر وملاحقة الفساد الإداري وفضح المستفيدين والبحث عن كفاءات شابة مخلصة ومقتدرة.
- استحداث قوائم إحلال إدارية للمناصب الرئيسة المهمة لهذا القطاع الحيوي لضمان وصول أصحاب الخبرات والمستحقين للمراكز العليا وبناء مخزون احتياط من المسؤولين المدربين.
- الاستفادة من المياه السطحية المستخدمة من قبل البلديات في تشجير المدن عن طريق استحداث نوع من التشجير المفيد اقتصاديا باستخدام أشجار مثمرة محلية كالنخيل والليمون والرمان وغيرها وإيكال زرعها وتسويقها لشركات استثمارية أو مملوكة للدولة.
التعقيب الثالث: أ. فوزية الجار الله
ثمة حقيقة مؤكدة يعلمها ويدركها الكثير من المختصين وهي أن كمية المياه العذبة في العالم محدودة وأن توزيعها يتفاوت من منطقة إلى أخرى، حيث تتعرض بعض المناطق لموجات متكررة من الفيضانات فيما تتعرض مناطق أخرى للجفاف ولندرة المياه إضافة إلى تعرض هذه المياه للتلوث المتزايد نتيجة للممارسات الجائرة أو الاستخدام غير المرشد والذي يؤدي إلى نضوب بعض التكوينات الحاملة للمياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة هذا إضافة إلى الضغوط الناتجة عن التغير المناخي، هذه المعلومات وردت ضمن رسالة ماجستير بعنوان (رؤية استراتيجية لتحقيق الأمن المائي السعودي) / إعداد: خالد فالح العتيبي/ 1435-2014 .
تعريف الأمن المائي، هو : الحال الذي يكون فيه عند كل شخص فرصة أو قدرة على الحصول على مياه نظيفة ومأمونة بالقدر الكافي وبالسعر المناسب حتى يتمكن من أن يعيش حياة ينعم فيها بالصحة والكرامة والقدرة على الإنتاج مع الحفاظ على النظم الإيكولوجية ) أما إجرائيا فيقصد بالأمن المائي: المستوى من الكفاية من الماء الذي يتحقق للفرد السعودي عندما يكون نصيب الفرد السنوي من المياه العذبة من المصادر المتجددة 1000 متر مكعب.
على مدى السنوات الماضية وحتى وقتنا الحالي بما في ذلك قضيتنا هذا اليوم صدر الكثير من الكتب والمؤلفات والتقارير والدراسات حول ترشيد استهلاك المياه باعتبارها وسيلة للأمن المائي. تضمنت هذه الدراسات: دراسة للأستاذ الدكتور عابدين محمد صالح/ المستشار الدولي لكرسي(المياه) في جامعة الخرطوم، وقد تضمنت تجارب عالمية في ترشيد الاستهلاك مثل: تجربة جمهورية مصر العربية، الأردن، الأمارات، أستراليا، أمريكا اللاتينية، ألمانيا، منظمات الأمم المتحدة ، وغيرها. هذه التجارب أثبتت إمكانية القدرة على إحداث وسائل ناجحة متفوقة لتقليل معدل الفاقد من المياه في كافة المجالات: الزراعية، الصناعية، البلدية، وكذلك الاستخدام المنزلي.
وسوف أركز هنا على نقطتين هامتين وردتا في حديث وزير المياه والكهرباء وذكرتهما د. فوزية البكر ضمن ورقتها. وأقول: أتمنى ألا يكون نقص المياه سبباً للتوقف عن تنويع الزراعة لبعض المحاصيل التي هي في إطار إمكانات بلادنا الصحراوية، إضافة إلى أننا بحاجة ماسة للصناعة ولتطويرها من خلال إنشاء المصانع لمختلف المنتجات. وفيما يلي أمثلة على تجارب عالمية في ترشيد الاستهلاك :
- تجربة إنتيل INTEL أكبر مصنعي صفائح الحاسب الآلي وأكبر شركة في مدينة البكيركي عاصمة ولاية المكسيك الجديدة بالولايات المتحدة. وكانت تعتبر من أكبر مستهلكي المياه حيث تستهلك في السنة كمية من المياه توازي ما يمكنه ري تسعة ميادين للعبة الغولف، وقد اتبعت الشركة استراتيجية مكثفة لخفض هذا الاستهلاك، كانت الشركة تستهلك 2.8 مليون جالون يومياً وكان متوقعاً زيادة هذا الاستهلاك إلى 10 مليون جالون يومياً بسبب توسع الشركة إلا أنها بفضل سياسة الترشيد خفضت هذه النسبة إلى 3.86 مليون جالون في اليوم وبذلك تكون نسبة التوفير قد بلغت 61.4% وكانت الشركة سابقاً تستخدم مياه نقية لكل عملياتها ولكن مع سياسة الترشيد أصبحت تعيد دوران استخدام المياه ( recycle ). ويفقد حالياً 15% فقط من المياه بالتبخر أما بقية المياه فتتم معالجتها ونقلها لشبكة مجاري المدينة.
- الترشيد في المجال الزراعي / التجربة الصينية :
تستهلك الصين كميات هائلة من المياه في الزراعة، وقد بدأت تشجع استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لدعم مياه الري، حيث تستخدم 2.9 بليون متر مكعب من مياه الصرف المعالجة. ومن البرامـج التي نجحت مؤخراً في الصين استخدام تقنيات حديثة لزراعة الأرز بدلاً من طريقة الغمر التقليدية وبذلك تم توفير 1500 متر مكعب من المياه للهكتار الواحد، وتؤكد الدراسة بأنه إذا تمكنت الصين من تعميم هذه التقنية في 20 مليون هكتار من أراضيها فهذا يعني أنها ستوفر 30 بليون متر مكعب من المياه سنوياً وزيادة في الإنتاج تبلغ 7.5 بليون طن من الأرز.
* ملاحظة: بالنسبة لبلادنا الغالية أكاد أجزم بأنه لو كنا قد اعتمدنا في كافة مدننا الرئيسية والمحافظات الهامة تصريفا متطورا لمياه الأمطار كما هو متبع في الدول المتقدمة لاستطعنا الحفاظ على كميات هائلة من الأمطار سنوياً خاصة في المناطق المتميزة بغزارة الأمطار كما هو الحال في المناطق الجنوبية .
المداخلات حول قضية: (المياه.. القيمة الحقيقية وتقنين الاستهلاك)
- أبعاد قضية المياه في المملكة
أوضحت أ. ليلى الشهراني أن ظاهرة الهدر المائي لدينا ظاهرة مقلقة ومخيفة، مع أننا نقرأ ونسمع يوميا تحذيرات بتقنين الاستهلاك المائي في بيوتنا، ويبدو أننا إلى الآن لم نعي حجم المشكلة، وعلى وجه مخصوص أن المملكة تقع ضمن دول الفئة الأولى الأكثر شحا في المياه ، فاعتمادنا الأكبر على توفره – بعد الله تعالى- هو على محطات التحلية، فكيف سيكون حال بعض المناطق البعيدة من هذه البحار لو حصل- لا قدر الله- سوء أو عطل لتلك المحطات.
للأسف ليس لا يوجد لدينا حلول جدية لا على المستوى الحكومي ولا على المستوى الفردي، فالمسؤول اكتفى بزيادة رسوم الاستهلاك وببث بعض الرسائل التوعوية البسيطة عن أهمية تغيير صنبور الماء القديم بجديد يساعد على ترشيد المياه .
والأفراد يشتكون من أزمة المياه الخانقة في بعض الأحيان دون محاسبة للنفس على الهدر الذي تفعله الخادمة أو أفراد الأسرة في المنازل: بعض الأحياء تتحول إلى مستنقعات من جراء غسل فناء المنزل أو حتى السيارة ، ناهيك عما يتم هدره بالداخل ، ويزيد الأمر سوء وجود المسابح الخاصة والتي لا يكتفي البعض بوضع معدات الفلترة والتعقيم بل يتجاوزها إلى إفراغ المسبح بشكل دوري وتعبئته من جديد، كما أن التوسع مؤخرا في حفر الآبار الارتوازية داخل المنازل هي جريمة بحق المخزون الجوفي للمملكة، مع العلم استخدام البعض لهذا المخزون هو لأشياء كمالية وليست ضرورة ملحة .
أيضا فإن للشركات التجارية واستنزافها الجائر للمياه مثل شركات الألبان وغيرها دور في هذا الهدر، كما أن الإهمال الحاصل من الأمانات لمتابعة التسريبات الحاصلة ، والتي تنتج عادة بعد مشاريع الكهرباء أو الصرف الصحي أو أي حفريات لتوسعة طريق أو حفر نفق هو من أسباب المشكلة، (وبالمناسبة فبلدنا من البلدان التي لا توجد فيها أنفاق خدمية لذلك الأعمال غالبا تقوم على الحفر والطمر ، ليحفر لتأسيس الهاتف سيمر بتمديدات الماء وليصلح هذا حتما سيفسد ذاك ، في بعض الأحياء إذا كسرت ماسورة المياه قد تبقى لأيام تنهمر دون إصلاح وعلينا تخيل حجم ما يهدر في الطرق ، وما تبتلعه الأرض منها) .
ليس لدينا خطط علمية للاستفادة من مياه الأمطار خصوصا في السنوات الأخيرة مع تساقط الأمطار بغزارة ولله الحمد ، فهل يستفاد من تلك المياه التي يتم شفطها من الأنفاق بإعادة معالجتها والاستفادة منها في سقيا المزارع أو المساحات المشجرة ؟
لا يمكن بحال من الأحوال أن نكتفي فقط بالكلام والتحذير دون أن نرى خطوات جادة لمواجهة هذه المشكلة- وقد قيل: “لا تسرف ولو كنت على نهر جار”- فكيف بمن يسرف وهو وسط صحاري جافة !
وذكر د. سعد الشهراني في مداخلته أن قضية المياه من أهم إن لم تكن أهم قضايانا الوطنية التي لها طابع الاستمرار و الزيادة في الحدة بمرور الوقت؛ و التي لا شك أنها في الجزء الأهم منها من صنع أيدينا ما لم يكن هناك من لا يعي أننا فقراء مائيا (فقرا مدقعا) .
في الثمانينات الميلادية كان مذيع 60 minutes الأمريكي اد برادلي يقدم تقريرا عن المملكة كعادتهم في غزونا إعلاميا من وقت لآخر، و كان يقف أمام رشاش يصب الماء صبا في ما سمي مزرعة قمح في صحاري نجد..
قال: ( لم تعد مشكلة السعوديين نضوب النفط بل نضوب الماء)
و استمر بل ازداد الاستنزاف و الاستهلاك العبثي اللاعقلاني فاستنزفنا ما أودعه الله من مخزون مائي لعصور جيولوجية طويلة جدا في غضون ثلاثة عقود أو أربعة .
ماذا تركنا لمن بعدنا !
و لأننا فقراء مائيا (فقرا مدقعا) و لأن استهلاكنا و استنزافنا و إدارتنا لمواردنا عموما و لمواردنا المائية كان لا عقلانيا و مخالف لتعاليم ديننا، و لأن ممارساتنا خلال العقود الماضية كانت متخلفة و مشوبة بكل أنواع الفساد في إدارة الممتلكات و الأموال العامة (لتنذكر الفساد في توزيع الأراضي الزراعية و القروض و الإعانات و غيرها مما هو معروف)، لكل ذلك أصبحنا (نشرب من البحر).
وهذا و لا شك قدرنا ليس فقط لما سبق الإشارة إليه بل للنمو السكاني و التحضر (و ليس بالضرورة التمدن!)
ومن جانبه قال د. عبد الله بن صالح الحمود: لا أعتقد أن مشكلة هدر المياه لدينا السائق أو العاملة المنزلية.. لكن المشكلة تتلخص في الآتي:
- عدم تقدير نعمة الماء.
- غالبية الشبكات الداخلية للمساكن شبكات قديمة ، وأغلبها تحتاج إلى صيانة بسبب تسرب كميات كبيرة من المياه .
- الوعي المفقود عند الاستهلاك اليومي للمياه ، وهنا أسيق إليكم تجربة واحدة والمتمثلة في الوضوء للصلاة ، قام بها أحد الأشخاص ، مستخدما حنفية البانيو ( المغطس ) وما أن انتهى من الغسول للصلاة إلا والمغطس ممتلئ بنسبة 80% ، هذا وكان الاستخدام للوضوء فقط فما بالك بالاستحمام.
- ترك المصانع والمزارع الكبرى وكذا الاستراحات وقصور الأفراح ، تستهلك المياه وبأسعار أقل ما يقال عنها أسعار مجانية إن كان هناك من مصطلح اسمه أسعار مجانية.
وذكر د. خالد بن دهيش بعضاً من القرارات التي لم تكن موفقة في نظره وكذلك المعلومات التي لم تكن صحيحة والتي سبق أن تطرقت إلى الوفرة المائية في مملكتنا ، وكيف أدت تلك القرارات إلى نقص المياه في المملكة،
- أولها : عندما ظهر وزير سابق للزراعة والمياه في مقابلة تلفزيونية في الثمانينات يدعم توجه الوزارة في تقديم الدعم اللامحدود في زراعة القمح بداعي الأمن الغذائي بالرغم من تنبيهه من وزير دولة عظمى من خطأ هذا التوجه و أهمية المحافظة على المياه الجوفية وتوفير الغذاء بأي وسيلة أخرى . والنتيجة للأسف فقدنا الماء و من ثم أوقفنا زراعة القمح.
- ثانيهما : مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يعلن أمام ملك البلاد أن المملكة بها من المياه ما يعادل مجز نهر النيل ل ٦٠٠ سنة وللأسف كانت معلومة خاطئة أسهمت في المزيد من استنزاف المياه بداعي دعم زراعة القمح والنخيل .
- ثالثهما : قبل حوالي ١٢ سنة وبناءً على دراسات مقارنة تقرر فصل الزراعة عن المياه بهدف تجنب تضارب المصالح الذي أدى إلى انتعاش قطاع الزراعة على حساب قطاع المياه ، والآن أعيد دمج الزرعة مع المياه مرة أخرى لمبررات أخرى.
للأسف كانت قرارات ومعلومات ندفع ثمنها الأن .
- التصورات والحلول المقترحة
قالت أ.د فوزية البكر: من الواضح أن وزارة المياه لا تملك خطة واضحة للتوعية أو إشراك باقي مؤسسات المجتمع في التوعية وهي المسجد والمدرسة، وأيضا لا جدوي من التوعية المؤقتة؛ لأن أي توعية تحتاج إلى وقت حتي تتبلور مفاهيمها ثم تتحول إلى سلوك، والمؤسسة التعليمية يمكن أن تكون شريك رئيس في ذلك.
المشكلة أن الوعي الشعبي بقضية المياه و شحها في المملكة محدود جدا إلا علي القلة المتابعة.
وفي نفس الإطار فإن كل الاستخدامات المنزلية يمكن تقنينها عند الوعي بها. لكن من الواضح أن ٨٠ بالمائة من استخدامات المياه يلتهمها القطاع الزراعي الذي يحتاج إلى ترشيد.
وفي مداخلة لاحقة، ذكرت أ.د فوزية البكر أنها تواصلت مع بعض الزملاء ممن يعملون في وزارة البيئة والمياه والزراعة لمعرفة ما تقوم به الوزارة لمواجهة مشكلة المياه فكان هذا بعض مما أشاروا اليه :
إجراءات الوزارة في دعم ترشيد استهلاك المياه
- العمل على تقليص زراعة القمح: تم التوقف عن شراء محصول القمح المنتج محلياً من قبل المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق خلال عام 1436هـ، حسب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 335 وتاريخ 9/11/14288هـ حيث تضمنت الفقرة الأولى منه أن “على المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق أن تتوقف عن شراء القمح المنتج محلياً تدريجياً في مدة أقصاها ثمان سنوات بمعدل سنوي (12.5%)”.
- العمل على تقليص زراعة الأعلاف: بينما سيصدر قريبا تنظيم لمنع زراعة الأعلاف، فإنه منذ سنين يمنع تصدير الأعلاف المزروعة مقابل تيسير استيرادها حسب القرار السابق الذي نصت الفقرة الخامسة على أنه “يمنع منعاً قاطعا تصدير الأعلاف المزروعة مع تيسير استيرادها وتقديم التسهيلات الائتمانية للمستثمرين في زراعة الأعلاف الخضراء خارج المملكة لغرض تصديرها للمملكة.” كما نصت الفقرة السادسة على أن “تتحمل الدولة التعرفة الجمركية الخاصة باستيراد جميع المنتجات الزراعية بما في ذلك القمح والأعلاف.”
- تشجيع نظم الري المرشدة للمياه: الوزارة تشجع الزراعة باستخدام نظام الري بالتنقيط للنخيل من خلال تقديم الإعانات للنخيل المروي بهذا النظام من الري، حيث صدرت الموافقة السامية الكريمة عام 1427هـ بزيادة سعر شراء التمور من ثلاثة ريالات إلى خمسة ريالات للكيلو الواحد وذلك بدءاً من موسم 1428هـ على أن تتولى وزارة الزراعة تحديد سعر شراء التمور حسب نوعيتها ومدى تبني نظم الري الحديثة. وهذه النظم تشمل نظم الري التي تسهم في ترشيد استخدام المياه. كما صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 92 بتاريخ 2/4/1432هـ الخاص بالموافقة على رفع نسبة الإعانة الزراعية لوسائل الري الحديثة من 25% إلى 70% من تكلفة أنظمة الري المحدثة.
- الدعم الإعلامي والإرشادي والبحثي: دعم التجارب والأبحاث المتعلقة بترشيد استهلاك المحاصيل للمياه وإعطائها الأولوية على كافة الأبحاث. كذلك دعم البرامج الإعلامية (المقروءة والمرئية والمسموعة) وإقامة الندوات الارشادية والدورات التدريبية، ونشر الكتيبات والمطويات والإعلانات الإرشادية بخصوص التوعية بأفضل طرق ترشيد استهلاك الزراعة للمياه.
بينما لاحظ أ. سلمان العمري أن وزارة المياه ومن بعدها الشركة الوطنية صرفت ملايين الريالات للإعلان والتوعية . والنتيجة صفر قياسا بالمبالغ المدفوعة. كما أن عدم تعاون بعض الجهات الحكومية بالشكل الصحيح أوجد خللا كبيرا. لأنه لا يمكن نجاح مثل هذه الحملات التوعوية بدون تعاون الجميع. وكل جهة بحسب أعمالها ومناشطها وقنواتها المختصة بها. ومشكلتنا أن حملاتنا في المملكة دائما تكون كردود أفعال عند حدوث مشكلات.
وفي تصوره أننا لم نستطع حتى الآن المحافظة والاستفادة من مياه الأمطار كمخزون للبلاد بالشكل والمعنى الصحيح. وأن هناك ثمة ثغرات ولم نستطع إيجاد حلول لها، وقد يكون الروتين المقيت سبب رئيسي في ذلك.
وعلق م. خالد العثمان بأن هذا يعني أن كل جهود الوزارة منصبة على الترشيد في القطاع الزراعي بينما بقية القطاعات غائبة عن الأجندة حاليا، حتى الأبحاث والندوات حددوها بالمتعلقة بترشيد استهلاك المحاصيل للمياه.
وأشار إلى أن هناك ٤ محطات خاصة لتحلية المياه على البحر الأحمر وتكلفة الإنتاج فيها أقل وأجدى منها في المؤسسة.
توطين إنتاج المياه محليا مطلب مهم يستحق التمحيص والدراسة، كما أنه يفتح بابا لمساهمة القطاع الخاص باستثمارات معقولة بدل المحطات الضخمة ذات الاستثمارات البليونية.
أيضا فإن ضخامة نسبة استهلاك القطاع الزراعي وتكرار الحديث عن هذا الرقم يسهم في إشاعة جو من الخمول لدى الناس مقابل كل دعوات الترشيد والتقليل من الأنماط المسرفة في الاستهلاك المنزلي.
وإذا كانت الزراعة تستهلك ٨٠-٩٠٪ من المياه فلنركز على ترشيد الاستهلاك في هذا القطاع ولا داعي لإزعاج الناس بدعوات ترشيد الاستهلاك وانتقاد أنماط الاستهلاك المنزلي.
أيضا فإن نقل المياه موضوع فعلا يستحق الدراسة .. مشكلتنا – برأيه – أننا نرفض تمحيص ودراسة بعض الأفكار لمجرد عدم استساغتها أو تقبلها .. المشروع الذي قدمته الشركة الإسبانية التي تم الإشارة لها، قدم حلولا تنفيذية مبدعة وبتكاليف مغرية لنقل المياه من باكستان إلى الدمام .. وهي بلد أقرب إلينا من النرويج وتتمتع بفائض مائي هائل.
واتفقت أ. مها عقيل مع د. عبدالله وخاصة النقطة الأولى حول عدم تقدير نعمة المياه وكأن الناس لا تدرك أننا في بلد صحراوي والمياه شحيحة. نحن نهدر الكثير من المياه في حياتنا اليومية. وأضافت: عندما كنت في كاليفورنيا حملات التوعية بالمياه طوال العام وإعطاء أمثلة مثل عدم ترك صنبور المياه مفتوح أثناء تفريش الأسنان أو حلاقة الذقن والأفضل أخذ دش بدل الغطس في البانيو الخ وأصبحت هذه الأمور عادة في بيتنا. ولكن لا يجب أن نلوم الشعب فهم يَرَوْن كميات المياه والكهرباء المهدرة في المرافق العامة والقصور الخاصة بالإضافة إلى أنه لدينا ثقافة الاتكال على الحكومة لحل كل المشاكل وتحمل المسؤولية دون أن يكون لنا مبادرات.
وأشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه لا يمكن أن نتمكن من الترشيد في القطاع الزراعي ، فذاك ليس حلا جذريا .
الحل من وجهة نظره إيقاف زراعة بعض المحاصيل التي لا يساوي إنتاجها سقيا المياه عليها؛ فما الفائدة من زراعة أعلاف تلتهم مياه أضعاف القيمة الحقيقية لهذا المنتج.
وأضافت أ.د فوزية البكر: كما يجب ترشيد زراعة النخيل التي تستهلك الحبة الواحدة ٥٠ لتر من المياه حتي تصل إلى فم المستهلك ونري هذه الأيام غزارة الإنتاج مع رخص التمر الذي لا يساوي حتي ثمن ما صرف عليه من ماء.
بينما ذهب د. حميد المزروع: إلى أن الانطلاقة الحقيقة في توفير المياه والتي تعد في تقديره الأسهل والأرخص ، هي في حفر خزانات كبيرة في بُطُون الأودية الكبيرة بالمناطق الجنوبية ، والتي لا تستطيع السدود الحالية استيعاب تخزينها وإدارتها لفترة طويلة ، خاصة ما يعرف ب ( flood water) ، علما أن عامل التبخير يؤثر أيضا بسرعة اختفاء المياه المحجوزة .
مثل هذه الخزانات تساعد علي مضاعفة القدرة التخزينية لهذه السدود ، وتعظم من قيمة الاستفادة من مياه الأمطار .
أما بالنسبة للمناطق الأخرى ، فإن التوعية المقرونة بالمساهمة بدفع المواطن والمقيم بالتكاليف الحقيقة لتحلية المياه ونقلها أصبح أمر ملحا كأحد أدوات الترشيد .
ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: طبعا لدينا الآن تم منع زراعة عدد من المنتجات الزراعية وتم منع تصديرها للحد من استهلاك المياه … ويبدو أن وزارة الزراعة ستتجه لوضع عدادات أو نحوها على كل بئر في كل مزرعة للحد من حجم استهلاك المياه …
شاهدت في النرويج حجم المياه المتدفقة من الشلالات الكثيرة ثم الأنهار حيث تصب في البحيرات العديدة إذ النرويج غالبها بحيرات عذبة ..
السؤال من الناحية الهندسية والفنية هل جلب المياه من دولة تزخر بالمياه العذبة أقل تكلفة من عملية التحلية ..
في مثل هذه البلدان يمكن أن تضع أي مشروع زراعي دون خوف من مستقبل الماء .. بإذن الله ، لكن لدينا أصبحنا أمام أزمة مياه كبيرة؛ فمثلا نحن في الزلفي لدينا مشروعان مياه أحدهما مياه حياة، وهذا المشروع يصدر مياهنا العذبة إلى كثير من مناطق المملكة وإلى بعض دول الخليج ..
شخصيا كتبت عبر تويتر قبل عامين عن الحاجة إلى ضبط هذا الإنتاج وأن يكون وفق آلية تحافظ على نسبة وجود المياه العذبة ليفيد منها أبناء المنطقة والمناطق المجاورة والشأن نفسه لمشروعات أخرى .. وأن لا تستنزف فيفيد منها تاجر على حساب مدخرات مواطنين..
نحتاج أن نمنع تصدير المياه وأن يكون توزيعها وفق سياسة جغرافية تحافظ على نسب المياه، والأمر نفسه بالنسبة للمزارعين؛ فبعض المزارع أصبح الماء فيها على بعد ٧٠٠ متر وبعضها تصل ل ٩٠٠ متر ..
الشيء الذي أحتاج من متخصصين معرفته هو أن هناك معلومات تقول أن شمال المملكة يقع على بحار من الماء وأن مزيدا من المزارع هناك كشف عن ذلك، ما أخشاه أن تكون هذه معلومات كبار التجار من المزارعين ليبثوا بعض الاطمئنان حتى لا يتم تقييد إنتاجهم الزراعي.
وبدوره أوضح د. خالد الرديعان أن معظم المدن الشمالية تعاني من نقص مياه وبعضها ليس فيها ماء ومنها عرعر وطريف ويتم جلب الماء لها من أماكن أخرى، أما مدينة دومة الجندل فقد كانت قبل ٣٠ سنة تسقي مزارعها من عيون تنبع دونما حاجة إلى مكائن سحب… الآن جميع تلك العيون جفت وسقيا المزارع يتم بحفر آبار ارتوازية عميقة.
وتساءل د. سعد الشهراني: ألا يوجد مسح شامل و دقيق لمخزوناتنا المائية على غرار المخزون النفطي؛ لكي يقال بأن المخزون المائي المؤكد يبلغ … تريليون متر مكعب و المحتمل .. و أنه بمعدلات استنزاف معينة سيكفي لعدة سنوات.
لابد أن لدى الجهات المعنية مثل هذه الاحصائيات، و إذا لا توجد فلماذا لا يتم العمل عليها.
يقال بأن المخزونات المائية كبيرة جدا و معلومة و مطمئنة، ولكن لا يراد إعلانها لأسباب استراتيجية؛ حتى لو كانت المخزونات المائية كبيرة جدا فهناك عوامل بيئية و اقتصادية و جيلية تحتم تغيير سياساتنا و ممارساتنا و علاقتنا بالماء.
أما التساؤل حول جدوى السدود فهناك جدل كبير و غضب اجتماعي لأنها على الأقل في المناطق الجنوبية (تحديدا عسير والباحة و بعض مناطق جازان و نجران) أماتت و قتلت المناطق التي تقع أسافل الأودية لما تحت السد و جفت كل الآبار التقليدية تحت السدود، و اضطر المواطنون إلى حفر آبار أعمق( غير ارتوازية لأنها ممنوعة ) ثم جفت هي الأخرى و ماتت الزراعة و الاشجار إلا في مواسم المطر و حتى بعد نزول الأمطار لا تلبث أن تجف. الأراضي جبلية و مخزون السدود لا يغذي حتى الآبار القريبة منه لذلك السبب و لتراكم الطمي.
وتطرق د. إبراهيم البعيز إلى ما ذكره أحد المتخصصين من أن كل ناقلة نفط لا تصل إلينا فارغة بل محملة بالماء لضمان توازنها أثناء رحلتها ثم يتم تفريغ الماء قبل تعبئتها بالنفط؛ المشكلة أن هذه المياه تكون ملوثة – هذا يعني أن لكل برميل نفط نصدره هناك برميل ماء ملوث في شواطئنا – أليس بالإمكان أن تسن تشريعات وقوانين تحمينا من هذه المياه الملوثة.
وأكد د. خالد الرديعان على ما أشارت إليه أ. فوزية الجار الله ضمن تعقيبها فيما يتعلق بقضية الإفادة من مياه الأمطار وهو خيار يعتقد بأهميته القصوى في بلدنا. ومن المقترحات العملية في هذا الخصوص بناء خزانات أرضية إسمنتية محكمة بمساحات كبيرة تكون خلف الأودية بحيث تتسرب إليها مياه الأمطار لحفظها داخلها واستخدامها في الزراعة بنظام توزيع عادل على المزارعين مع دفع رسم بسيط. نحن ندرك أن مناخنا صحراوي وحار جدا ومعظم المياه التي يتم حجزها خلف سدود الأودية تتبخر أو تتسرب إلى باطن الأرض كمياه سطحية ولا يتم الإفادة منها بصورة مثالية.
الخزانات المقترحة يتم حفرها في المناطق المنخفضة وتشيد بالإسمنت؛ تماما كما نفعل في خزانات البيوت الأرضية وتكون بمساحات كبيرة.. وإذا تعذر بناء خزان واحد كبير خلف كل وادي أو مسيل فيمكن عندئذ عمل عدة خزانات صغيرة في مواقع متقاربة من مجرى السيل لحفظ مياه الأمطار التي يذهب معظمها هدرا.. الخزانات المقترحة تحفظ الماء من البخر بعد أن تزود مداخلها بفلاتر لمنع دخول الطين والأشجار.
وبخصوص الزراعة فإنه من الخطأ بتقديره تقليص المساحات الزراعية والتي يلزم أن تركز على الغلات الاستراتيجية كالقمح والأعلاف والنخيل، ولكن يمكن التوقف عن زراعة بعض المنتجات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه والتي يمكن استيرادها بتكلفة تقل عن زراعتها وذلك من الدول المجاورة كالخضروات والفواكه.
وبالطبع هناك لوبي الشركات الزراعية ومنتجي الألبان الذين يقومون بعمل مريع في استنزاف المياه وخاصة في منخفض بسيطاء شمال المملكة ولا يعبأون بالمصالح الوطنية ولكن مصالحهم التجارية قد تعيق كثيرا من القرارات الحكومية إذا شعرت أنها ضد مصالحهم التجارية بحكم أنهم يصدرون جزء لا يستهان به من منتجاتهم إلى دول الخليج العربي.
و كما أشارت التقارير منذ التسعينات الميلادية فإن نحو ٩٠٪ من مياهنا تذهب للزراعة وما أشارت له ا.د. فوزية هو ٨٤٪ وهي نسب كبيرة جدا ما يعني أن الاستهلاك المنزلي لا يشكل نسبة مقلقة إطلاقا، وبالتالي فإن ما يجب الالتفات له هو الزراعة وطريقة ري المزروعات وضرورة اللجوء إلى طرق حديثة في الري توفر الماء مع الاستغناء عن زراعة بعض المنتجات أو تقنين زراعتها.
سلوك معظم ملاك المزارع الصغيرة غير عقلاني فتجدهم يزرعون كل شيء اعتقادا منهم ب “توفر الماء” ..!!
وأشار د. علي الحارثي إلى أنه ثمة إشكالات متعددة حول قضية المياه. استهلاك صناعي وزراعي وحيواني عالي للماء ، والجميع ينادي بالترشيد والتخفيض من هذه المشاريع . وفى الجانب الآخر يطالبون بالاستثمار الكبير في نفس المجالات . وأصبح التركيز الإعلامي على الاستهلاك الآدمي هو الأبرز ، بينما هو الأقل لاستهلاك الماء تناقضات في التوجه والحلول . اعتماد المملكة على التحلية هو الأساس . لكن إيصاله إلى المدن والقرى والصيانة المترتبة على ذلك كلفته عالية جدا لطول المسافات من المحطات وجغرافيات صعبة لكثير من المدن والقرى فضلاً عن كلفة الإنشاء والتشغيل. كان هناك تفكير في مشروع نهر بحري بين الخليج والبحر الأحمر ومن الممكن إنشاء محطات تحلية قريبة من مدن وقرى كثيرة وتخدم المجال الصناعي والزراعي والحيواني والسياحي لا نعلم ما هي المعوقات ، لأنها المجالات الحيوية للاقتصاد وتوظيف الشباب والأمن الغذائي . ألا يمكن أن يحقق الهدف والتخفيف من الخوف العارم حول شُح الماء ؟ .
وعلق د. خالد الرديعان بصعوبة الفكرة وتحقيقها بسبب (طبوغرافية الارض) فالبحار هابطة وبقية الأرض مرتفعة.
وأضاف د. سعد الشهراني بأن الاشكالية ليست في الطبوغرافيا فلها حلول و التقنيات الحديثة كفيلة بحلها؛ الاشكالية تكمن في الجدوى الاقتصادية.
بينما ذهب م. خالد العثمان إلى أن الموضوع ليس بحاجة لحلول دراماتيكية من هذا النوع .. هناك الكثير مما يمكن عمله قبل طرح مثل هذه الحلول.
مشكلة قطاع المياه .. وربما قطاعات أخرى أيضا .. هي النظرة الضيقة للإدارة المركزية لهذا القطاع والمفعمة بالعقلية الحكومية في الإدارة .. من الضروري تفكيك هذه المركزية وإعادة هيكلة القطاع لتفعيل دور الإدارة المحلية وتوطين الإنتاج والتخزين والتوزيع وتحديد التعرفة على المستوى المحلي بدلا من المستوى الوطني.
وأوضح د. علي الحارثي أن معظم الحلول المطروحة متضادة والنتيجة المقصودة جيب المواطن وكأنه العصا السحرية التي ستحل المشكلة .
وأشار د.م. نصر الصحاف إلى المحاضرة التي قدمها وزير الاعلام السابق في عهد نيكسون وصاحب كرسي استراتيجيات الأمن في جامعة سان دييجو هنا بالرياض خلال افتتاحيته لمؤتمر المدن الذكية في نهاية ٢٠٠١ حيث صرح بوجود برنامج متقدم وبديل لبرنامج تحلية مياه المحيط في بلده ذات الكلفة الاقتصادية والبيئية العالية وذلك بترشيح مياه الصرف الصحي واستخدامه “للشرب” وضرب عدة أمثلة على ذلك من خلال استعراض عدة عينات مجهولة الهوية على السكان وسؤالهم عن الفرق في المذاق او اللون !!
علمياً يمكن ترشيح مياه المجاري على عدة مراحل بحيث تزيد التكلفة في كل مرحلة وتصلح للاستخدام الزراعي !
ويعتقد م. أسامة كردي أن قرار إيقاف زراعة القمح ( القرار الشهير برقم ٣٣٥ ) و قرار إيقاف زراعة الأعلاف يجب إعادة النظر فيهما .. المبدأ المستخدم في القرارين هو ( نجوع الآن حتى لا نعطش مستقبلا ) و كأن المياه الجوفية ستنتظرنا حتى نحتاجها و نسينا أن مصادر المياه الجوفية هي عابرة للحدود مع العراق و عمان و الاْردن التي ليس لديها برامج لتوفير هذه المياه.
و بدلا من أن نوقف الزراعة .. كان علينا أن نتبع أساليب أفضل في توفير المياه .. مثل حصد مياه السيول و بناء السدود و الاستثمار في تقنية تحلية المياه لتخفيض تكاليفها و الاستثمار في بحوث تخفيض احتياج القمح للمياه .. بل و حتى التحكم في حجم زراعة النخيل و عامة اختيار المحاصيل الأقل استخداما للمياه.
الاعتماد الكلي على القمح المستورد فيه خطر على ( أمننا الغذائي ) .. الأمن الغذائي و الأمن المائي مترابطان و لابد من التوازن بينهما.
كانت و ما زالت شركات الألبان تهتم باستهلاكها من المياه حتى أن الكبار منها استثمر خارجيا لزراعة الأعلاف التي يحتاجونها ثم استيرادها إلى المملكة.
المملكة الأكثر فقرا في تقنية و صناعة محطات تحلية المياه و تشتري كل ما تحتاجه في ضوء أنها أكبر الدول المنتجة للمياه المحلاة .. و على الرغم من العدد الضخم من الشركات الحكومية التي تم إنشاءها منافسة للقطاع الخاص ( بما في ذلك شركة المقاصف المدرسية !!! ) فإننا لم نرى أي شركة حكومية انشأت لهذا الغرض و ذلك بالنظر إلى ارتفاع رأس المال المطلوب، و كون الحكومة تكاد تكون العميل الوحيد لهذا المنتج. مع عدم إغفال مركز الأبحاث التابع لهيئة تحلية المياه الواقع في الجبيل و مجهوداته البسيطة.
الاعتماد التام على الغذاء المستورد فيه خطر على أمننا الغذائي كما أن مكامن المياه الجوفية عرضة للاستهلاك من قبل الدول المجاورة التي لا يوجد بها برامج لترشيد استخدام هذه المياه.
وأضاف م. خالد العثمان: هناك شركة تقنية للمياه ضمن مجموعة تقنية القابضة التابعة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية؛ لكن طبعا كلام بلا إنجاز.
وأضاف م. أسامة كردي أنه لم يرى اهتمام حقيقي من وسائل الإعلام ( و بالذات منها التي تملكها الحكومة ) بالتوعية العامة حول ترشيد استخدام المياه مما أدي إلى أن ٦٨٪ من عينة أحد الدراسات ( أنظر د. فوزية أعلاه ) لا يعلمون عن أزمتنا مع المياه . و لكني رأيت العديد من نشاطات التوعية في الدول الأخرى التي نرى أن لديها ما يكفي من المياه.
وأوضح د. عبدالله بن ناصر الحمود أنه تشرف بالعمل ضمن فريق لمراجعة استراتيجية المملكة للمياه 2025 قبل بضعة أشهر، ومما يدعو للاطمئنان .. أن هناك استراتيجية بالفعل تم إعدادها عبر البنك الدولي.. وتم توطينها عبر فريق مراجعة وتوطين كفوء، اعتمدتها الوزارة في صيغتها النهائية؛ وهي تحدد بعناية الوضع الراهن لخارطة مصادر المياه في المملكة بكافة تعقيداتها.. ومداها الزمني ومخاطر نضوبها..
كما تحدد الاستراتيجية عددا من البدائل الاستراتيجية للتدخل، وسياسات السحب، وخطط الترشيد اللازم، ولا تخفي الاستراتيجية حجم المخاطر المترتبة على الاستخدام الجائر للمياه الجوفية، ولا على هدر المياه الصالحة للشرب.
إن بدائلها وحلولها فعالة جدا.. فيما إذا كانت الوزارة قد أخضعتها بالفعل للتطبيق.. أو أنها في طور ذلك.
وأضاف د. ناصر القعود أن المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون كذلك أقر في ديسمبر الماضي استراتيجية شاملة للمياه في دول المجلس.
وتطرق. سعد الشهراني مباشرة لما يراه مهما و ضروريا وممكنا كمنطلقات و مبادئ و سياسات تهدف إلى التحقيق النسبي ل ( أمننا المائي ) و لاستعادة بعض من التوازن ، حتى و لو نسبيا و في المدى الطويل جدا. ويشمل ذلك ما يلي:
- المحافظة على ما تبقى من مخزونات مائية جوفية ، بمعنى الوقف المطلق (في الوقت المناسب) لأي استنزاف و لأي غرض (بعد تأمين البدائل المشار لها لاحقا).
- ضبط الاستهلاك الفردي والعام من المياه السطحية بحيث لا يتعدى الاستهلاك معدلات التعويض الطبيعي (بنفس الشروط أعلاه).
- التوطين الكامل لصناعة و تقنيات تحلية المياه و تنقيتها (يجب أن نكون من سادة هذه الصناعة و هذه التقنية أو من سادتها على الأقل ) و العمل على إقامة عشرات بل مئات المحطات وزيادة الإنتاج لتكون البديل لاستنزاف المياه الحلوة.
- ضرب المستهلك العابث و اللاعقلاني في (جيبه) من خلال أسعار و رسوم تصاعدية تتجاوز حتى التكلفة لفرض الوعي على متخذ القرار الاستهلاكي العام و الخاص في المنزل و المصنع و المزرعة و غيرهم بشرط أن يكون ذلك شفافا و أن نبدأ بمن لا يعبأون بالتكاليف و من لا يدفعها أصلا، و على أن توجه العائدات لصالح تحقيق الاستراتيجية المائية و الأمن المائي.
- تشجيع نقل النشاطات الاقتصادية الصناعية و الزراعية و غيرها التي تستهلك مياها كثيرة لتكون قريبة من السواحل، و الزامها بتوفير ما تحتاجه من ماء بمحطاتها الخاصة أو من محطات تجارية مرخصة. و يمكن الترخيص لمثل هذه المحطات و لتمديد الأنابيب إلى المستهلك الصناعي و الزراعي حيثما كان؛ و بذلك تدخل تكاليف المياه بتكاليفها الحقيقية في تكاليف الإنتاج و تسعير المنتجات.
وبدوره أكد أ. خالد الحارثي على المطالبة بما يلي:
- توسيع وتكثيف مراكز الأبحاث في المياه وتقنيات خفض تكلفة تحلية مياه البحر وتقنيات نقل المياه.
- تقديم اعتبارات الاستدامة بشكل تنظيمي في التصاميم في كل المستويات .
- رفع الاستثمارات في الموارد المائية إلى التوازن مع شحها في الطبيعة السعودية.
المحور الرابع
صورتنا والتواصل الاجتماعي عبر الشبكات الإلكترونية
الورقة الرئيسة: د. فايز الشهري
- مقدمة
يقول شعار جمعيّة السلاح الأمريكية ” السلاح لا يقتل. الناس هم من يفعلون ذلك” (‘Guns don’t kill people. People do’). وهكذا هو الحال فإن شبكات التواصل الاجتماعي لا تفسد الناس ولا تشوّه الصور، الناس هم من يتعمدون ذلك. هذه الخدمات الاتصالية تقدم للجميع (الفرصة) لاعتلاء هذه المنابر الإلكترونية الحرة والمجانية ليقولوا ما يشاؤون عمّا يشاؤون. إذا الشبكات لا تخترع المحتوى ولا تتحكم في آثاره.
وانطلاقا من فرضية حيادية الوسائل وانحياز مستخدميها لما يعتنقون من أفكار ستحاول هذه الأطروحة نثر بعض التساؤلات والرؤى في مدخلات ومخرجات صناعة صورة المجتمع وتحدياته من خلال محتوى شبكات التواصل الاجتماعي ( تويتر، وفيس بوك، يوتيوب) وتفاعلاتها. وحيث سيكون الموضوع مجالا للنقاش العام فلا بأس من التجاوز عن الصرامة الأكاديمية في توصيفات الوسائل والوسائط واستحضار واقع استخدامات هذه الشبكات وفي معيتها التطبيقات الأشهر للتراسل والتواصل مثل “الواتس اب” “وسناب شات” وما في حكمهما.
- تطبيقات التواصل والتراسل: الصورة الإيجابية
حين ظهرت هذه الوسائط ونمت تقنيا وجماهيريا فقد كانت بلال شك ثمرة طبيعية يانعة للمنجز التقني الثوري الذي حصل خلال عقدين من الزمن تقريبا في مجال الإنترنت وتطبيقاتها واستخداماتها. وبهذا النمو والتوسع انخرط الناس في هذا العالم الافتراضي فالتقت الشعوب والتجارب في أول وسيلة مجانية منحت كل شعوب الأرض ذات الفرص المتساوية في الوصول للمعلومات. لم تعد هناك إشكالات كبرى في عصر الإنترنت في مفاهيم مثل “الحق في الاتصال” والحق في التعبير” ناهيك عن حتمية “الحق في المشاركة” دون حواجز أو قيود.
وفي الجانب التقني ظهرت إيجابية أخرى ترافقت مع تطور أنظمة وأجهزة الهواتف والأجهزة الذكية تمثلت في النمو المذهل للاستخدامات الجماهيرية لهذه التطبيقات متصاحبة مع تدني أسعار الوصول للشبكات بشكل يبدو معقولا فالتقت الشعوب في هذا المشهد التقني وجها لوجه في صورة تاريخية نادرة. أما نمو وتسوع الاستخدامات فيمكن عزوه أهم منطلقاته إلى الأسباب الآتية:
- الانتشار العالمي لخدمات الإنترنت وما صاحبها من اعتمادية واضحة عليها من معظم الشرائح في مجتمعات اليوم.
- التطور التقني الهائل في تطبيقات الهواتف الذكية من حيث السرعة وتسخير الصوت والصورة والنص.
- الجودة الملموسة في طرق العرض والتراسل والحفظ.
- سهولة الاستخدام ومرونة التوظيف وعالمية الأفكار والاستخدامات.
- خدمة مختلف اللغات وتقديم الخدمات المتخصصة لكل لغة ومنطقة جغرافية.
- انخفاض التكلفة لخدمات الإنترنت ومجانية خدمات تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي.
- فضاء معلوماتي واتصالي حر يعطي لكل مشارك الفرصة والحق في البث صوتا وصورة متجاوزا كل الفروقات.
- صناعة صورة المجتمع عبر الخدمات والمنصات الإلكترونية
يصنع الناس الصورة الذهنية للمجتمعات عادة من خلال ما يقرأ أو يسمع أو يشاهد الشخص المتلقي عبر الوسائل أو من خلال الاتصال والتواصل المباشر. أما ما يرسخ الصور الذهنية (أيا كانت) فهو ذلك الأثر التراكمي التي تحدثه تلك الرسائل (المحتوى) من خلال تعزيز الأفكار والقناعات ذاتها في ذهن المتلقي.
وحيث أن السعوديين هم من أنشط شعوب العالم على هذه المنصات سواء من حيث المتابعة أو المشاركة فلابد أن صناعة صورة المجتمع السعودي تعتمد بشكل أساس على ما يضخون من محتوى. وفي طرح سابق تساءلت عما يجري في فضاءنا الإلكتروني ؟ وطلبت إجابات حول صورتنا ومن يرسمها ويختار ألوانها ويثبت إطارها؟ أنت تتصفّح خدمات الإنترنت بحثا عن شعاع ضوء أو بريق أمل لحياة أفضل وعلاقات اجتماعيّة أكثر تسامحا بين شرائح جيل قادم فماذا تجد؟ النتيجة السريعة تقولها شواهد محتوى الإنترنت العربيّة (اليوم شبكات التواصل) التي تظهر صورة المجتمع وعلاقاته بصورة (سوداويّة) تدعو للسؤال وقبل ذلك الحزن والحيرة. تُرى ما الذي صيّر مجتمعنا بهذه الحال الإلكترونية من التشرذم والتكاذب وتصيّد العثرات وتضخيم الهفوات؟ هل يجوز أن تُختصر كل حياتنا ومنجزنا الثقافي في صراع كرتوني يومي بين تيارات فكريّة وتنظيمات (شلليّة)؟. المؤكد أن ساحات الصراع الفكري حولت جمال المشهد الإعلامي والثقافي (الكوني) على شبكة الإنترنت إلى مسرح (عبثي) (يتفرّج) على عروضه الرديئة كل سكان الأرض.
- الخلاصة:
لا مجال اليوم لإنكار الدور الإيجابي الكبير الذي يمكن استثماره لصناعة الصورة الذهنية المرغوبة وترسيخها عبر هذه الشبكات والتطبيقات المكرسة للتواصل الاجتماعي. و سبق وطرحت فكرة فحواها أن “الإعلام الجديد هو فرصتنا التاريخيّة (الوحيدة) كي نحاور العالم ونقدّم أنفسنا بما يليق بنا ونقطع الطريق على وسطاء الشر الذين طالما قدّمونا في صور الشهوانيين المتخلفين والإرهابيين. ولكن ما يصنعه هؤلاء التائهون (منّا) في شعاب التقنية سيضيع كل جهد.
أعلم بأننا مثل كل المجتمعات وأعلم بأن لدينا شوارع خلفيّة تخرج منها أصوات تثير الغبار وتكشف المستور من تقصيرنا ولكن الحال صار مثار سؤال وعجب. ومما يحزن أن الإشكالات لم تتوقف على مشاغبات وقلّة حياء مراهقين ونزق شباب فلقد رأيت مقاطع كهول ونساء ورجال بأجسام بغال يستظرفون فيما بينهم ببذاءة وقلّة ذوق وينقلونه للإعلام الجديد فينتقل لبرامج الحوارات العالميّة صورة راسخة عن المجتمع والدين والحضارة.
ليست المشكلة هنا في حريّة الاتصال والتعبير فقد ضمنها الإعلام الجديد للجميع، المشكلة أنّنا أصبحنا ديناً ودنيا أمام امتحان حضاري لا سابق له. وما يصنعه بعضنا بصورتنا لا يزول أثره بالاتفاقيات الرسميّة ولا يمكن محوه من ذاكرة الشعوب والحواسيب بمذكرات تفاهم.
هذا الركام أصبح وسيصبح جزءاً أصيلاً في مرجعيات تشكيل الصورة الذهنيّة عنّا وهي صورة نحن من يصنعها بأيدينا. وما يدهشك أكثر هو أن هؤلاء المشتهرين بترويج (الوقاحة) يجدون قدراً من التصفيق والتهليل والاستضافات الإعلاميّة ليعاد تصديرهم رموزاً وقدوات لأجيال لا تعلم أين الطريق!.
ومن هنا يمكن أن يتلخص الموضوع في ثلاثة أسئلة:
- من يصنع صورتنا على شبكات التواصل الاجتماعي؟
- ما مكونات هذه الصورة وكيف يرانا العالم بتأثير هذه التراكم الكبير من الرسائل؟
- ماذا يمكن أن نصنع ليكون حضورنا الإلكتروني أكثر إيجابية ويرانا معه العالم في الصورة الحضارية التي تليق بنا؟
التعقيب الأول: أ. أمجد المنيف
من الضروري جدا أن نشير لأمر هام، عند التعاطي مع أي قضية تتعلق بالإعلام الرقمي، بكافة أشكاله وبمختلف تسمياته، وهي أننا لا نزال في طور التشكل، ما يعني أن الرؤى والاستنتاجات نابعة – على الغالب – من الممارسات الذاتية، والرقابة المتسلسلة، ولا تعتبر نظريات اتصالية ثابتة، خاصة أن صناعة الاتصال ككل في مرحلة تغير كبيرة، تمت معها إعادة تعريف الكثير من الأشياء، وبزغت بمصاحبتها مستجدات لم تكن مألوفة، أو حديثة على أقل تقدير.
الحديث عن صورتنا في مواقع التواصل الاجتماعي، يحتم علينا الإشارة لكيفية استخدامنا لهذه المواقع، حتى يسهل علينا تفكيك المنطلقات الجمعية والفردية، خاصة أن ما يحدث لدينا في الشبكات الاجتماعية لا يحدث في أي مكان بالعالم، لأسباب متنوعة، وهذا مثبت بالأرقام الرسمية، المتعلقة بعدد الحسابات التفاعلية أو بنسب النمو. لذلك، يجب أن نقر بأننا نمارس الحياة الحقيقية في عالم الافتراض، وقد يكون الافتراض أكثر حقيقة، على أصعدة كثيرة.. أولها السياسي، فالمستخدم – لهذه الشبكات – يعبر عن رأيه الذي يفترض أن يكون في صناديق الاقتراع، بطريقته التي تمثله، وقد تكون صحيحة وقد لا تكون، وفي الصعيد الإعلامي مثلا، لا يوجد هامش الحرية الذي يسمح له بقول ما قد ينشره في مثل هذه الشبكات، أو يكون الأمر متعلقا بالفرص لا الحرية. أيضا، على المستوى الثقافي والترفيهي، لا توجد فعاليات حقيقية في حياته، وغير ذلك كثير.
من المهم كذلك أن نتعامل مع الأمور بعفوية كل العالم، ولنبتعد عن فرضية “المجتمع الملائكي”، لكي نتجاوز عراقيل الانفتاح على هذه الشبكات، ونعبر مطبات التصنيف والتخوين، وفرض طريقة استخدام أحادية، بمنأى عن “التشبيح الإلكتروني”، حتى لا ننشغل بالقضايا الهامشية المزيفة، التي تأخذ الوقت والجهد، ثم تتلاشى كغيمة.
للأسباب أعلاه، وغيره أكثر، ثم إلغاء – وأتمنى أن أكون دقيقا في وصف الإلغاء – لما يسمى بـ”النخب”، أو النخب التقليدية على أقل تقدير، التي كانت ترسل ولا تستقبل، ولا تتفاعل مع الآخر، باختلاف تعريف الآخر، وحضرت بدائل كثيرة، أكثر تفاعلية وحيوية وتطور، أخذت مكان النخبوي التقليدي، مع عدم إغفال وجود عدة مجتمعات متفرعة، ووجود نخب متخصصة، فالأشياء تختلف بحسب المنصة والمتلقي والمحتوى.
أعتقد أنه وبمصاحبة كل ما سبق، ورغم كل هذا الحضور في الإعلام الرقمي، إلا أن هذه الجهود فشلت في مخاطبة الخارج، أو الاندماج في المجتمعات الأخرى، بصورة افتراضية، وإنما أغرقت في تناحرات وخطابات داخلية، كان لها أن تستثمر وتوظف بشكل أفضل وأكبر.
كل هذا، قابله ضعف تمثيل من قبل المنظمات، سواء كانت الحكومية أو الخاصة، بجانب حضور متواضع للمؤسسات الإعلامية التقليدية، التي تعاملت معها بشكل مناهض في بداية الأمر، اعتقادا منها أنه عمل تنافسي، متجاهلة أنه تمدد لحضورها، وهو الأمر الذي أفقد تأثيرها.
لذلك من المهم أن نشير إلى أهم التحديات حيال هذه القضية:
- ضعف الأنظمة والتشريعات، وعدم وجود مرجعية واضحة.
- ضعف عمل السفارات الإعلامي، وعدم وجود استثنائية تذكر عبر هذه المنصات.
- غياب الوعي الإداري المتطور لدى المؤسسات الإعلامية التقليدية.
- انعدام مبادرات “وزارة الإعلام” المتعلقة بذلك.
وعليه أرى أن أهم التوصيات هي:
- ضرورة وجود مظلة جامعة توحد الجهود.
- دعم المبادرات الفردية ومنحها الصبغة المؤسساتية.
- انفتاح أكبر للمؤسسات الإعلامية، والاستثمار في البيئة التقنية والرقمية بشكل أوسع.
والأهم من كل هذا، هو لا بد أن تكون هناك حرية للمعلومات، بهامش أعلى من السابق، لتمكن الجهود الفردية من تقديم محتوى قابل للقبول خارجيا.. بعيدا عن الشعارات التقليدية، والقناعات الداخلية.
التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا
الشكر للدكتور فايز الشهري الذي أثرانا في حديثه حول “صورتنا والتواصل الاجتماعي عبر الشبكات الإلكترونية”، والتي ختمها بإثارة ثلاث تساؤلات رئيسة هي ..
- من يصنع صورتنا على شبكات التواصل الاجتماعي؟
- ما مكونات هذه الصورة وكيف يرانا العالم بتأثير هذه التراكم الكبير من الرسائل؟
- ماذا يمكن أن نصنع ليكون حضورنا الإلكتروني أكثر إيجابية ويرانا معه العالم في الصورة الحضارية التي تليق بنا؟
وما أود إضافته حول ذلك هو أننا في جانب تأثير الشبكات الاجتماعية في صورتنا، يمكن أن نشاهد صنفين ..
الأول : قسم أضحى يستخدم هذه الشبكات لغرض التشويه لمجتمع ما من مجتمعات المملكة أو للمملكة مجتمعا وهوية وقيادة وفي هذا للأسف انحدار للتوظيف المهني والأخلاقي وللقيم المجتمعية النقية والجميلة والمحافظة التي نشأ عليها هذا المجتمع ..
ومما يؤسف له أن البعد الشخصي وربما الربحي لاستخدام هذه الشبكات في ضوء منافسة آخرين عبر الشبكات الاجتماعية أصبح الهاجس الأكثر تأثيرا في صناعة محتوى هذه الشبكات هو التنافس في الابتذال والتهريج والبحث عن ما نسميه بالإعلام ما يبيع أكثر ..
هذا الجانب يجعل الجمهور وبخاصة الذين يبحثون عن الترفيه حتى ولو كان يحمل اسفافا وانتهاكا للقيم والأخلاقيات مقبولا أو متقبلا. وأنا هنا وإن كنت أحمل مقدمي هذا المحتوى وبخاصة عبر السناب أو الانستقرام أو تويتر؛ إلا أن العبء والحمل الأكبر هو على الجمهور فهم الذين بحجم متابعتهم لهؤلاء التافهين يصنعون منهم رموزا جماهيرية ..
وهؤلاء فئة يحتاجون أن يتم تفعيل أنظمة النشر الالكتروني بحقهم وبحق ما يقدمون ..كي تتم محاسبة كل من يتجاوز باستخدامه لهذه الشبكات وأن لا تكون هذه القضايا أقل اهتماما في هذا الشأن؛ فكل من يرتكب حماقة أو جهالة أو جريمة بحق المجتمع أو أحد أفراده أو مؤسساته ينبغي أن تتم محاسبته محاسبة غليظة وأن يتم نشر ذلك على الملأ حتى يكون غيره عبرة له؛ فأمن المجتمع لا يكتمل إلا بالمحافظة على حقوق المجتمع وصونها من أمن العابثين؛ حتى تثوب هذه الحسابات لرشدها وتعيد انتماءها للخليج وقيمه الدينية والتربوية والاجتماعية.
وللأسف كثيرا ما تكون هذه الحسابات تدار من قبل شخصيات محلية وغير محلية مغرضة تنتمي لقيم اجتماعية وثقافية مغايرة لبعض القيم الاجتماعية والأخلاقية المستقرة في مجتمعاتنا الخليجية .. لذا فان الطريق لاستصلاح ذلك هو الحزم في تطبيق الأنظمة وصناعة تنظيمات تتسق والمتغيرات الجديدة فالشبكات اليوم تكاد تجعل المجتمعات فوضى قيمية وأخلاقية تشوه مجتمعنا وتنقل عنا صورة غير حقيقية، وأنا أتحدث عن مجتمع كبير محافظ وملتزم يحب وطنه ويحب الصورة الجميلة عنه ..و يستشعر مسؤوليته الاجتماعية أمام الجمهور ومسؤوليته أمام الله .
وأن لا نترك هذه الحسابات لتكسب المزيد من الجمهور، وبالتالي المزيد من تسويق أنفسها على حساب المجتمع قيمه ومستقبله ..
إذ أن ترك هؤلاء يتيح لهم المزيد من الانتشار وفقا نظرية الاستخدامات والاشباعات التي توظفها تلك الحسابات لتقول للجمهور بأن ما يقدمونه هو استجابة لما يريده الجمهور .. وهذه لغة تقفز على قيم المجتمع وعلى كل أفراد الجمهور الذين تؤلمهم تلك المواد وذلك المحتوى غير الجيد وربما السيئ.
النوع الثاني: هم فئة نخالها خرجت عن الخط الذي اعتدناه واعتادت النخب على عدم تجاوزه، لكن الواقع أنه تطور طبيعي ينبغي أن لا نقلق منه وإن اختلفنا مع محتواه ..
فنحن في الوقت الذي نبحث فيه عن طبيعة الصورة التي تنقلها الشبكات الاجتماعية عن مجتمعنا.
ينبغي أن ندرك أنها كشفت لنا عن طبيعة المجتمع الذي يداري كثيرا من أخطائه ومشكلاته تحت مسميات ومصطلحات تتعلق بخصوصيته أو فردانيته أو تميزه أو انتماءاته القبلية أو المناطقية …
ما يجري اليوم هو دورة تدريبية حرة ستجعلنا نخرج من ربقة الذاتية والتسلطية إلى عالم الحرية الواسع الذي يعيشه الناس كلهم في العالم ..
وسنتعلم من هذه الدورة كيف لي ولك ولكل فرد أن لا يشغل وقته بعضه أو كله فضلا عن أن يغرق نفسه في الدخول في خصوصيات الآخرين وفي أحوالهم ..
أخالنا بعد مدة سنكون أكثر قدرة على التماهي مع ثقافات مجتمعات أخرى منا معزولين عنها..
هكذا أنظر لهذه الشبكات إيجابيا؛ فنحن نوغل بالإفراط بالحديث عن سلبيتها وهو جزء من سلوكنا ورغبتنا في أن تنتظم في خط وهمي واحد ..
المجتمعات لدينا تتغير فكريا وثقافيا واجتماعيا والشبكات أصبحت أحد أهم أدوات التغيير ..
أصبح كل شيء ممكنا ومتاحا .. يمكننا أن نقول أي شيء وأن نتحدث عن أي شيء؛ إنه تغير كبير وواسع ..
لك أن تفكر أنه لم يكن متاحا لكن قبل مدة أن تدخل للمملكة بأي كتيب يناقش رأي المملكة في أحدى القضايا أو يتحدث عن واقعها، اليوم كل مالا يخطر على أذهان النشء أصبح متاحا أمامهم …
دون شك النظرة الايجابية لا يمكنها أن تغفل الجانب أو الجوانب السلبية؛ لكن استغراقنا في الجانب السلبي يعني أننا نحاول التفكير بالمنع والحد …الخ، وهذه مفردات ينبغي أن تكون فقط فيما يتعلق بالمسائل الدينية التي يتفق على عدم المساس بها وبالمصالح العليا للدولة وبحقوق الناس وأعراضهم وبما يثير الفتنة ويؤذي الآخرين، وما سوى ذلك فنحن نحتاج أن نوسع دائرة إيجابية هذه الشبكات علينا وعلى صورتنا ..
أتأمل كثيرا ما يكتب وما ينشر مما كنت أراه يشوه صورتنا أمام الآخرين، والحقيقة أن هذا ينقل الواقع، والواقع يفترض أن نقبل به صورة لنا؛ فإن كان الواقع سيئا فنحن نحتاج أن نبذل جهدا أكبر لنغير الواقع فهو الطريق لتصحيح صورتنا نحو الأفضل في كل شيء.
المداخلات حول قضية: (صورتنا والتواصل الاجتماعي عبر الشبكات الإلكترونية)
- تقييم واقع صورتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي
من وجهة نظر د. فايز الشهري في تعليقه على ما ورد بتعقيب أ. أمجد، أن سقوط النخبة – وقد صمم فيه Model في دراسة مستقلة – لا يبشر بمستقبل أفضل لهذه التقنيات. ولعل سبب الفوضى الإلكترونية في المفاهيم وتوسيع دائرة الخلافات على حساب المشتركات هو غياب النخبة التي من أهم مسؤولياتها ترشيد غوغائية الجماهير وانفعالاتهم.
والأسوأ من غياب النخبة – من وجهة نظري- أن قسما كبيرا ممن بقي من النخب في المشهد الإلكتروني اختار أن يكون تابعا للجماهير ليبقى. وبدل أن يقود هذا النخبوي الرؤية بات معبرا عن الانفعالية اليومية تجاه قضايا يستوي فيها التافه والعظيم من القصص.
أيضا أوضح د. فايز في تعليقه على ما ورد بتعقيب د. مساعد أنه يحيي هذه النظرة التفاؤلية في مسألة الوقت ودوره في التخفيف من السلبيات. كما أنه لا خلاف على مفهوم الحرية التي وفرتها هذه المنصات.
ولكن في مسائل التقنية ومن رصد متأن عبر السنوات يمكن القول أن عنصر الوقت كان دائما عاملا مرسخا لسلبيات المستخدم، وحينما نعتاد على هذه المناظر نظن أننا تجاوزنا المشكلة وهي في حقيقتها تتراكم حتى تثور في وجوهنا. أما بشأن مفهوم الحرية – ذكر د فايز- أنه سبق وأن قال قديما (علمتني الانترنت أن ما هو أسوأ من فقدان الحرية هو إساءة استخدامها حينما تتاح).
وقال د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته أن شبكات التواصل الاجتماعي تأتي كأحد المنافذ لفضاء خارجي وجد الفرد فيه حرية في الكتابة وسرعة في التواصل مع أقرانه ، وهذه التقنية الحديثة البارعة أضحت بوابة واسعة يدلف من خلالها الكل ، وينشرون ما طاب لهم من الكلم غثه وسمينه .
وإذا استثنيت هنا قناتين ضمن العديد من شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية المتعددة الأصناف والمشارب وهي ( الواتس آب ، وتويتر ) فإنني أمام وبين هاتين القناتين إن جاز لي التعبير أو القول في تسميتهما بالقناتين ، فإنني ألحظ أن النسبة أو الغالبية العظمى من الناس التي تدور في فلك هاتين الشبكتين (الواتس آب وتويتر) هم الشعب السعودي ، صبية وشبابنا وكهولاً واحياناً شيوخاً .
وهنا توقفت منذ زمن وعند بداية انطلاقة هاتين الشبكتين ، وتساءلت عن الأسباب الكامنة وراء هذا التوجه المحموم ، هل هو فراغ أصاب هؤلاء ، أم لديهم قضايا يحملونها ووجدوا أن لا منفذ لهم من طرح قضاياهم إلا بالولوج من خلال هاتين الشبكتين ، أم أن المسألة ترفيهية فحسب.
ولأنني هنا لست في مقام المسيطر على هؤلاء انطلاقا من قوله تعالى (لست عليهم بمسيطر) إلا أنني عدت للتساؤل نفسه عن الأسباب التي دعت هؤلاء وبنسبة يقال عنها أنها الأعلى على مستوى العالم ، سواء امتلاكا لأجهزة ذكية هي مفتاح لتلك البوابة الاجتماعية الافتراضية أو مشاركة والذي أعتقد أنها الأعلى نسبة بين الأمم ، المقروء منها والمسموع والمرئي .
ولأنني وددت أن أبحث عن هذه الأسباب فقد توصلت إلى ما توصلت إليه من تصورات وهي :
- أن هناك من لديه من المشكلات ولم يجد له مسلكاً سوى هذه الشبكات للنفاذ من خلالها .
- أن هناك من يرى أنه مصلح ويود نشر آرائه ونصائحه من خلال هذه الشبكات .
- أن هناك من يرى أن له حقوق ولا يستطيع المطالبة بها إلا من خلال هذه الشبكات .
- أن هناك من يرى أنه هاو ولديه من الأفكار والابتكارات ، ويرى أن إبراز ذلك وعلى نطاق واسع لن يتأتى إلا من خلال هذه الشبكات .
- أن هناك من يعتقدون أن بناء العلاقة الاجتماعية وتعزيزها لا يأتي إلا من خلال هذه الشبكات .
وبالطبع هناك العديد من الأمور الأخرى والتي لا يتسع المجال لذكرها والتي يعتقد أصحابها أنها الأيسر لهم في المشاركة المجتمعية والتي بطبيعة الحال لا تتأتى إلا من خلال هذه الشبكات الاجتماعية الافتراضية .
وهنا مع الإيمان بأحقية الجميع في المشاركة في هذا الفضاء الواسع والمتسع برحابة صدر، يبقى التساؤل القائم وهو ماهي الإيجابيات والسلبيات التي نتجت جراء هذه المشاركات البشرية المتعددة فكرياً وثقافياً وسياسياً ودينياً أيضاً ، ثم كيف يقيم أو نقيم كفاءة هؤلاء المشاركين في هذا الفضاء ، خصوصاً إذا افترضنا أنهم سفراء لنا في نشر ثقافة بلادنا .
لا شك أن ما تفتخر به الأمم من رجالها ونسائها هو ما يجمع عليه الغالبية العظمى من أن ما يقدم من أنشطة أو مشاريع إيجابية تعد الأنموذج المرغوب إتباعه ، ولكن بالمقابل إذا كان ما يقدم هو أمور تتعارض مع المبادئ والأخلاق الحميدة أو فيها من التعدي على حقوق الآخرين فلا شك أن في ذلك إساءة لمجتمع هذا أو ذاك الفرد الذي قبل أن يسيء إلى نفسه أساء بطبيعة الحال إلى مجتمعه .
ومن ناحيته قال د. عبدالله بن ناصر الحمود: “أتفق مع كل ما تم طرحه فيما تقدم وأستثني هاجس القمع الذي لوح به د. مساعد بحجة مخالفة التقاليد أو حتى القيم..
أعتقد أن للبيئة الجديدة للإعلام والاتصال منظومتها الخاصة قيما وتقاليدا.. وهي منظومة أنتجها رواد هذه الصناعة من منتجين فيها باتوا رموزا، ومن مستهلكين لها باتوا جماهير لا يشق لهم غبار ..
يقول المثل الشعبي: اللي في الإناء تطلعه المغرفة..
نحن في معرض غضبتنا من الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي .. انشغلنا بالمغرفة، وتناسينا .. أو أننا استحينا .. من تفتيش .. الإناء ..
الإعلام الجديد.. وسائله محايدة.. تماما كما تم ذكره سلفاً..
فإن أغضبتنا تلك الوسائل.. فلنفتش في الإناء..
إذا شوهت تلك الوسائل تاريخنا أو واقعنا أو نالت من مستقبلنا.. فلنصلح الإناء
إذا أبانت تلك الوسائل لنا عورا في شبابنا .. أو رجالنا.. أو نسائنا.. أو قيمنا وعاداتنا.. أو مسؤولينا.. أو مؤسساتنا.. فلنصلح الإناء
إذا .. ضحك الناس علينا.. لأي عور فينا أظهرته تلك الوسائل.. فلنصلح الإناء..
علينا.. يا د مساعد.. أن لا نلعن المغرفة.. وأن لا نقمعها…
ربما .. نكسر نصابها.. بالفعل.. فلا تستطيع أن تخرج لنا شيئا من الإناء أبدا..
وربما نستبدلها بمغرفة (عالمية الهوية.. يمكن أن يكون اسمها مثلا .. مغرفنزي.. أو نحو ذلك) تكون مبرمجة فتخدعنا وتخرج لنا ما نطلبه منها .. مما لا علاقة له بالإناء .. أصلا..
يمكن أن نفعل ذلك.. ومثله معه..
لكن .. المصيبة .. الإناء
سيبقى .. خارج السرب.. وخارج السياق.. وسينهار من أعماقه.. ذات يوم..
خلاصة الأمر، نحن بحاجة ماسة للإصلاح المجتمعي القيمي والمنهجي والوسائلي.. في التلقي من مصادر التشريع.. وفي الفكر والثقافة.. وفي التعليم…
وحينها .. بحق سوف تسرنا مخرجات مغارفنا؛ لأنه بالفعل..اللي في الإناء تطلعه المغرفة”.
وأشار أ. سلمان العمري إلى أنه ولاشك أن من الأمور المسلّمة عقلاً، والمقررة في جميع المبادئ والثقافات، والشرائع – وفي مقدّمتها شريعتنا الإسلامية – الحث على قلّة الكلام، وترك الفضول من القول، وعدم اللجوء إلى الكلام إلا إذا ظهرت فيه مصلحة دينية أو دنيوية. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). وكما أن الشريعة حثّت على قلّة الكلام إلا فيما فيه مصلحة، فإنها حثّت أيضاً على التحقُّق من كل ما يُقال، وعدم الإصغاء إلى كلِّ ما يُشاع ويُذاع، وأوجبت التثبُّت من كل قول، وعدم تصديق كل خبر يُقال، حتى وإن علم قائله، وعرف المتحدث به، فكيف إذا كان الخبر مجهولاً قائله، ولا يعرف صدقه من كذبه؟ فكيف يستسيغ عاقل أن يصدّق كل ما يسمعه من أخبار من مصادر مجهولة؟!. وهذا كان في الزمان الماضي مستهجناً، فكيف في عصرنا هذا الذي تطوّرت فيه وسائل الإعلام، ووسائل التواصل على نحو مذهل، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح من السّهل جداً اختلاق الأكاذيب، واختراع الإشاعة، وتناقل الأخبار بالصوت والصورة. وهذا يوجب من الإنسان العاقل أن يحذر كلّ الحذر من هذه المواقع، وألاّ يقبل كل ما يرد فيها، ويحمله على محمل الصدق – وهذا ما يفعله كثير من الناس، مع الأسف، نظراً لقلّة وعيهم بمخاطر هذه المواقع، فتراهم يتهافتون على ما تنشره من إشاعات كاذبة، واتهامات مغرضة، تصل في أحيان كثيرة إلى المساس بأعراض الناس، والنَّيل من شرفهم، وتشويه سمعتهم، وفي كثير من الأحيان تكون الشائعات تمسُّ بأمن الوطن، وبالوحدة الوطنية، وتثير الفتنة بين أفراد الشعب، مما تكون له نتائج وخيمة.
أما د. خالد الرديعان فقال في مداخلته: لماذا نحن الأنشط على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالشعوب الأخرى؟
هذا سؤال أطرحه في ضوء ما قرأته في ورقة د. فايز، مع محاولتي الاجابة عن السؤال بمنظور اجتماعي و بكل شفافية. أعتقد أن هناك عدة أسباب جعلتنا الأنشط على تويتر والفيسبوك واليوتيوب وغيرها وأرجع هذا النشاط إلى الأسباب التالية:
- مكثنا ردحا من الزمن لا يستهان به ونحن تحت رحمة الإعلام الرسمي الموجه والمقنن والذي يتصف بالبطء والبيروقراطية واستخدامه اللغة الخشبية التي لم تكن مقنعة للمتلقي لدرجة أننا كنا نبحث عما يجري عندنا وفي بلداننا في إذاعة لندن وإذاعة مونت كارلو وإذاعات أخرى. وأن انسى فإنني لا أنسى عادة النفي ووزارة النفي المقولة التي بسببها أقيل رئيس تحرير صحيفة سعودية عندما انتقد وزارة إعلامنا بسبب كثرة نفيها لأخبار محلية تنشرها وسائل إعلام غير سعودية وخاصة الصحف اللبنانية.
- غياب هامش الحرية في إعلامنا التقليدي وخاصة الرسمي وذلك لدواعي كنا نردد أنها أمنية وخوفا من بعبع “التغريب” و”الغزو الفكري”. مع لغة محنطة أقرب ما تكون إلى لغة الوصاية. المواطن وبالإضافة إلى الخبر الذي تنشره الوسيلة الإعلامية كان يبحث عن تفاصيل إضافية وتحليلات وهذا لم يكن متوفرا في حينه، حتى في مسائل حيوية كالميزانية السنوية التي لا يستطيع الكاتب أن ينتقد بعض بنودها بل إنه كان يرى العجز فيها شيئا إيجابيا. الآن يمكننا قول كل شيء في وسائل التواصل الاجتماعي دون خوف من رقيب.
- سبب مهم لنشاطنا في وسائل التواصل الاجتماعي هو كمية التناقض والازدواجية التي نعيشها كشعب، ومن سمات هذا التناقض تكتمنا الشديد في البوح عن المعلومات (أي معلومات) وهو ما ينطبق على إعلامنا الرسمي الذي يطبق نظرية “كله تمام” ومن ثم تبرم الناس من ظاهرة التكتم رغم ممارستهم لها على المستوى الفردي وهي مفارقة جديرة بالتأمل. أصبحنا نستخدم هذه الوسائل الجديدة “للفضفضة” وللبوح بما لا نستطيع قوله أو كتابته في صحفنا الرسمية وغالبا نستخدم أسماء مستعارة تهربا من المسؤولية.
- سبب آخر هو توفرنا كأفراد على كم هائل من المعلومات التي نجدها تنتشر في المجتمع مشافهة والتي يصعب ذكرها في القنوات الرسمية مما يجعل بعضها يدخل تحت “الحش” gossip كطرائف المجتمع والنقد وأخبار الفساد والفضائح. هذه سمة أخرى تتوفر عند السعوديين عموما؛ بدليل أن أخبار من هذا الصنف تعد الأعلى مقروئية في السنوات الأخيرة من واقع متابعتي لما تنشره صحيفة سبق على سبيل المثال. هذا النوع من الأخبار لم يكن ضمن ما يمكن نشره في وسائل الإعلام التقليدية سابقا.
- وسائل التواصل الاجتماعي مكّنت المرأة وبكل قوة من قول ما تريد بعد سنوات من العزلة والقمع ومراعاة تقاليد المجتمع.. وليس الأمر كذلك بل إنها أصبحت تجادل وتدافع عن حقوقها و”تختلط الكترونيا” مع رجال ونساء من كافة أطياف المجتمع وهي قابعة في بيتها دون أن تختلط مع الآخرين فيزيقيا.. وسائل التواصل أصبحت وسيلة للمرأة لفك عزلتها المفروضة عليها من المجتمع ومن ثم بدأنا نسمع صوتها وبقوة وهي تطالب بحقوقها أو تدافع عنها. لا يتوفر عندي إحصائية عن نسبة النساء إلى الرجال في وسائل التواصل الاجتماعي لكني أعتقد أنها نسبة كبيرة جدا وقد تكون أعلى من نسبة الرجال.
- سبب آخر جعلنا الأنشط على وسائل التواصل الاجتماعي هو سبب تقني ومادي بحت؛ فبنية الاتصال عندنا ممتازة مع توفر الأجهزة الذكية وقدرة الأفراد على اقتناءها بصرف النظر عن دخولهم ومستوياتهم الاقتصادية.
واستكمل د. الرديعان بقوله: لماذا تويتر؟
جيل الشباب تربي على القمع والمجتمع الأبوي وكلمة “اسكت” ، ومن ثم تجد لديه خوف من التحدث بل أن بعضهم لا يستطيع أن يعبر عن فكرته بسهولة من خلال الكلام المحكي. هؤلاء نجد صراخهم قويا في تويتر بل إنهم يأتون بأفكار غير متوقعة بحكم سنهم.
هذا قد يفسر سبب إقبال شبابنا وبكثافة على استخدام تويتر للتعبير عن مكنوناتهم… ولأنهم لما يعتادوا على الكلام فإن بعض ما يكتبون في تويتر بذيء ولغته هابطة. إنهم يصرخون ولكن بطريقتهم.
إرث طويل من القمع الاجتماعي ولّد لدينا جيل لا يحب التحدث ومن ثم يهربون إلى تويتر ويختفون خلف أصابعهم. أجريت حوار بؤري مركز Focus group session مع مجموعة من قريباتي الشابات حول سبب إقبال السعوديين والسعوديات على تويتر وخرجت بما يلي:
- حرية التعبير في تويتر أوسع.
- صعوبة الحوار في وسائل أخرى وغيابه ومن ثم يوفر تويتر منصة للحوار.
- فتاة عمرها ١٤ عام ركزت على سهولة التواصل مع “أكبر شنب” من خلال تويتر والرد عليه.
- ليس لتويتر وقت محدد إذ يمكن الدخول إليه في كل الأوقات.
- حرية الفتاة والمرأة عموما في قول كل ما تريد دون أية محاذير اجتماعية.
وترى أ. ليلى الشهراني أن ما نراه في مواقع التواصل هي فوضى طبيعية لأي تقنية جديدة لا نستطيع التعامل معها بنضج ووعي ، فالنقاشات انتقلت من المجالس المغلقة إلى الفضاء المفتوح دون فلترة أو إحساس بمسئولية ما نكتب وما نعرضه أمام العالم من أفكار وأطروحات ، حتى تربع السعوديون على عرش (تويتر) هم “الأكثر تغريدا” و “الأكثر وسوما” (هشتاقات) ، تجدهم في السياسة ، والدين ، والفن ، والاقتصاد ، في نقاشات لا تهدأ ولا تتعب ولا تمل .
في مجتمعاتنا العربية عامة والسعودية خاصة هناك شبه غياب عن المشهد الحواري ، في المنزل ثم المدرسة ثم الجامعة وتنتهي بالوظيفة ، هناك رعب من (الجدران لها أذان) هناك خوف من إبداء بعض الآراء والأسئلة المشروعة ، هناك غياب لصوت المواطن في الإعلام المحلي ، الذي يزخرف الواقع بكثير من الزيف ، ولا يرضي ذائقة هذا المتابع الذي يريد إرواء غليله بنقد مسؤول مقصر ، أو بالحديث عن بعض قضايا الفساد والتأخر التنموي بكل صدق وشفافية فلا يجد إلا مزيدا من التهميش للقضايا التي تهمه ، وفجأة يجد نفسه في وسط وسيلة إعلامية جديدة وفضاء خاص به يكتب ما يريد ويبوح بما يريد ، فأخرج ما انحبس في نفسه لسنوات طويلة (السجن للماء يؤذيه ويفسده ،،، والسجن للنفس يؤذيها ويضنيها) .
نحبس الكلمة في أفواههم دهرا ويستنطقهم الإعلام الجديد فيكثر ضجيجهم في هذه القرية الصغيرة التي جمعت العالم في برامج سهلة الاستخدام وفي متناول الجميع .
ولكل منتج سلبياته و إيجابياته ، فحتى الدواء إن استخدم بطريقة خاطئة يضر أكثر مما ينفع وربما يقضي على الحياة ، ومن يتعامل بسلبية من شبابنا وشاباتنا مع مواقع التواصل وينقل صورة غير جيدة هو ضحية قبل أن يكون جاني ، فمثل هؤلاء يحتاجون من يتقرب منهم، من يدرس طباعهم، من يعطيهم الأمن، فبعض الخوف يعمي ويصم .
يقول غازي القصيبي رحمه الله : “الفقر الفكري هو الذي يدعو الانسان إلى أن يدخل في مناوشات” ، ونحن نعاني من الفقر الفكري والمعرفي ، فمن ينظر للتعليم يجد أن التلقين هو السمة التي نشأ عليها معظم الطلاب والطالبات ، لذلك لا عجب أن نرى في تويتر على سبيل المثال ظاهرة (الجماهير) أكثر من ظاهرة (المغردين أو المدونين) .
ومع كل ما في هذه المواقع التواصلية من سلبيات ، إلا أن هناك نوافذ ضوء يدخل منها نور المعرفة وأكسجين الوعي والنضج وهو أمر صحي .
وفي ضوء ذلك ذكرت أ. مها عقيل أن تويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي باختصار توفر حرية ومرونة وسهولة التواصل، بالإضافة إلى كونها وسيلة لإظهار الإبداعات الشخصية ووجهات النظر للعامة بكلمات بسيطة بعيدا عن النخبة التي قد تكون لها اعتبارات خاصة ومصالح. أما بالنسبة لما نجده الآن من مستوى ألفاظ بذيئة وأفكار متشددة أو سطحية فهذا موجود في كل مجتمع وهم قلة، ومثل هذه الأمور نجدها في ما يكتبه وينشره غيرنا، وللأسف هي تجد صدى وانتشار بسبب بذائتها أو غرابتها أو سخفها. شخصيا أنا أؤمن بحرية الإعلام وحرية الرأي لأن المجتمع كفيل بأن يأخذ الجيد ويترك السيء حتى وإن أخطأ في التقدير في البداية أو اقتنع أو تبنى فكرة أو رأي أو شخص وتبعه فإنه مع الوقت ستتضح له الأمور ويغير رأيه.
وذكر أ. عبد المحسن القباني أن البذاءات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لاسيما تويتر أحيانا تكون من معرفات معروفة ووهمية ولها دعم بشكل أو بآخر من جهات حكومية أو مسؤولين. تهدف إلى تشويه صورة شخص ما أو إلحاق الأذى النفسي به.
ويعتقد أ. علي بن علي أن جزئية الإعلام الرسمي وهيمنته على العيون والعقول لم يتجرعها أبناء الجيل الحالي والذين يقودون مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك فرق بين أن تقود وزاره الإعلام الإعلام أو تقاد من مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ظن م. خالد العثمان فإن هذا الموضوع هو من الموضوعات التي نتعايش معها كل يوم خاصة وأن غالبيتنا .. إن لم يكن جميعنا .. من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي رأيه أن ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي من صورة للمجتمع السعودي وصفها د. فايز في ورقته إنما هو انعكاس لحقيقة خصائص المجتمع الذي أتيح له فجأة التعبير عنها وممارستها بشكل فج وراء ستار الأسماء المستعارة والشخصيات الوهمية .. وكمثال خصوصية استحواذ تويتر على اهتمام الشعب السعودي تحديدا دون غيره من وسائل التواصل التي ربما تتطلب قدرا أكبر من انكشاف الشخصية على جمهور المتابعين والمتواصلين.
عندما ناقش منتدى أسبار في أحد لقاءاته الشهرية سابقا صورة المملكة في الإعلام الخارجي كان معظم الحديث حينها عن الصورة التي تتداولها وسائل ووسائط الإعلام الرسمية والتقليدية وغفلنا ولو جزئيا عن الأثر الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي على هذه الصورة ربما بشكل أكثر فداحة وانتشارا وتأثيرا على المستويات الشعبية للمجتمعات.
وأوضح د. ناصر القعود أن وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية فيها الكثير من الايجابيات وبعض السلبيات وهي إحدى الأدوات لتوصيل صورة المجتمع إلى المجتمعات الأخرى وما يدونه فيها أفراد المجتمع هو انعكاس لثقافتهم، وثقافتهم انعكاس للتعليم وما يغرسه المجتمع في أفراده فلا نلوم الأداة فيما يحدث من سلبيات .
وكي نحسن ونظهر بصورة أفضل ، علينا السعي لتحسين وتغيير واقعنا وصورتنا الحقيقية بتعظيم إيجابيات مجتمعنا ومعالجة سلبياته ، فكل إناء بما فيه ينضح .
وأشار د. حامد الشراري إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ولاشك أصبح لها تأثير كبير على المجتمعات وإبراز سلوكياتهم سواء إيجابا أو سلبا..
وأضاف: من القراءة الأولية لهذا الموضوع والمداخلات حوله أشعر بأن استخدامنا لهذه الوسائل رسمت صورة ذهنية سلبية عنا بين المجتمعات الأخرى.
والسؤال للمتخصصين: هل هناك دراسات عن نظرة الشعوب الأخرى لنا بناء على ما يشاهدونه عنا أو نطرحه في وسائل التواصل الاجتماعي، أم هي فقط انطباعات عندنا أو جزء من ثقافة جلد الذات؟
والسؤال الآخر : هل هناك دراسات عن صورة المجتمعات الأخرى في وسائل التواصل الاجتماعي؟
وجود مثل هذه الدراسات وعرض جزء منها- إن وجدت- بلاشك ستثري هذا الموضوع.
ومن جانبه قال أ. سعيد الزهراني: تساءل د. فايز الشهري عن (الخطاب الاجتماعي السعودي الشبكي) عبر مساري ؛ المعطى الالكتروني الإيجابي العام.. والاستخدام السالب الخاص.. وهذا الأخير وفق رؤيته هو المسؤول عن خلق صورة ذهنية قبحية لدى الرأي العام العالمي..
وتماهت المداخلات اللاحقة مع ذات الطرح مثرية مفاصل نقاش أخرى ضمن الإطار الناقد..
وفي تقديري تتمحور القضية حول مصطلح (الخطاب الاتصالي الالكتروني) الذي يتشكل عبر جملة من الموجات التي كان أهمها المنتديات ثم المدونات، وأخيرا وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الشخصي .. والخطاب هنا هو الأهم بالنظر لعامل (السرعة) إنتاجاً واستهلاكاً وتفاعلاً وتأثيراً..
وعند محاكمة أو مساءلة خطاب ما (وهو في هذه الحال خطاب الثقافة المجتمعية) علينا استحضار شكل التعاطي العام القائم على ركيزتي المعطيات والاستخدامات.. حيث تبرز طبيعة الأداة القائمة على التدوين المصغر القصير أو المكثف وهو ما ولّد النمط الانتاجي والاستهلاكي السريع المرتكز في أصله على الزمن اللحظوي عبر وحدة الومضة.. بكل حمولاتها السالبة من تسطيح وغياب للتدقيق والنقد والتبلد و(الدرعمة)..
في منهجية نقد الخطابات تحضر أداة (النموذج) أو المثال.. يتبعها الانفصال التام عن طرفي الظاهرة والنموذج .. على نحو يشبه التحليق بمركبة فضائية تبتعد المسافة نفسها عن كوكبين يسبحان في وسط جوي يحمل ذات السمات وبالتالي إصدار الحكم النقدي وفق المفكر محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي..
وهنا ما هو المثال أو النموذج الذي يمكن قياس صورتنا الاتصالية الاجتماعية الالكترونية من خلاله ؟!
في تقديري المجتمعات الشبكية عربياً وفي العالم لا تبتعد عن حالة التعاطي والاستخدام التي يباشرها مجتمعنا.. ولك أن تستحضر الحالة المصرية مثلاً وأي حالة لمجتمع غربي وتقيم المقارنة النقدية لتتضح ملامح الخطابات الثقافية المجتمعية الالكترونية لديها.. وهنا تحضر مقولة امبرتو ايكو :أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع وكان يتم إسكاتهم فوراً.. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء..
أظن أن ايكو لم يكن ليقل هذا الكلام لو لم يكن مدار تحليله ونقده وتأمله هو مجتمعه الأوربي أولاً ..
محور المشكل في تقديري يرتبط بالجمهور الذي تتعدد مسمياته من العامة والرعاع ونحوهما.. وسمة الجماهير الرئيسة هي التباين والتعدد والاختلاف.. وبالتالي من الطبيعي أن يظهر (محتوى) إيجابي وسلبي.. مع الأخذ في الاعتبار لمن ستكون كفة الثقل حين نستحضر فئة الأعلى استخداماً وشكل المكون الثقافي الفكري القائم على السجال بدءاً بالرياضة وانتهاءا بالقبيلة والتدين.. ناهيك عن أكوام من شروخات ثقافية يأن جسدنا الاجتماعي تحت ويلاتها..
لست قلقاً بشأن شكل الصورة.. بقدر ما يقلقني صانعها، والواقع أن صورتنا إلكترونياً يصنعها النجوم لا الرموز.. والنجم ليس رمزاً !
وعقب د. فايز الشهري على ما طرحه أ. سعيد بقوله: جميل هذا التوصيف للجماهير واستحضار التناقضات التي باتت مكونا مهما لصورتنا في الواقع والتي بدت أشد وضوحا على منصات الواقع الافتراضي.
وفي مسألة القلق على صانع الصورة أكثر من الصورة أجد عقلي منساقا لهذه اللقطة الذكية ولكن لي قلبا يحاول مقاومة إغرائها أملا في أيام قادمات بجيل يستعيد توازنه ويريح أمثالي على ناصية العمر.
وتساءلت أ. كوثر الأربش: ما الذي نقل ثقافة المجتمع السعودي، من مرحلة ” الله لا يغير علينا” إلى النقد الفضائحي للسعودي، سلوكياته، حياته، خياراته، أسرته، عمله.. كل تفاصيله الصغيرة؟
وأجابت بقولها: حسب ملاحظتي، وقد أكون مخطئة، أن مسلسل طاش ماطاش هو المسبب الأول لهذا الوعي النقدي من جهة (إيجابية) و النقد الفضائحي (سلبية). تغير هائل في التعاطي مع السعودي بلغت أعلى درجات الجلد. وأنا هنا لست بصدد مدح أو ذم العمل فنيا أو أيديولوجيا بقدر ما أحاول فقط تأريخ المرحلة، وتتبع أسباب نشوء الذهنية النقدية الفضائحية، جلد الذات باختصار. مسلسل تم بثه لسنوات أفرخ وراء عناصر يقظة تجاه الأخطاء وفي ذات الوقت التراخي والاستهتار تجاه كينونتنا كسعوديين وهويتنا وتراثنا وفرادتنا كبشر.
انطلقت هذه الأصوات بقوة في برامج وشبكات التواصل. لتنتقل هذه الثقافة من مسلسل محلي محدود المشاهدة مقارنة بنافذة تويتر المطلة على العالم!!
هناك نشرنا غسيلنا.. هناك انكشفت مساوئنا.
السبب الثاني للتشويه وإن كانت النوايا طيبة: الناشطون الحقوقيون والاجتماعيون الذين نقلوا مشاكلنا لمستوى عالمي بدلا من طرحها داخل البيت السعودي. ربما يجد لهم البعض مبرر، وأنه تم التضييق عليهم فنفذوا للخارج. لست هنا للتبرير على أي حال..
السبب الثالث: عجزنا تربويا ومؤسسيا من تعميق الهوية السعودية وشحن الفخر بالأجيال. المصري والكويتي واللبناني والعراقي رغم تلاحق الأزمات السياسية والمالية على بلدانهم إلا أن هناك درجة عالية من الاعتزاز. لماذا؟ لأن الهويات الفرعية أكثر إغراء للسعوديين من هويتهم الوطنية. وهذا يقع على عاتق المسؤول أولا وعلى التكوينات المجتمعية الصغرى وقوة تلاحمها.
وعقب د. فايز الشهري: على ما تضمنته مداخلة أ. كوثر بقوله: نعم وهج الحرية الإلكترونية قد يكون أعمى البصر فنحن اليوم نتلمس الطريق في شدة الضوء الوهاج.
ما زلت أملك بصيص أمل أن البصائر لم يمسها كبير سوء بدليل قلق الأسئلة هنا وهناك.
نعم هي معضلة الهويات الصغرى والأفكار الآنية وهي الأكثر جذبا لأن مكتسباتها الآنية متحققة في غياب المشروع الذي سيجعل للهوية الكبرى (الوطن) حصانة مدادها الأرواح ومكسبها الأعظم أن نبقى واقفين.
أما أ. عبدالله الضويحي فقال في مداخلته: أذكر أنني قلت في تغريدة ذات مرة أن ” التقنية جاءت لتقرب البعيد فبعّدت القريب”
وكنت أعني وسائل التواصل الاجتماعي .. وانعكاسها علينا كمجتمع ..
فقد قربت البعيد وهذه إيجابية .. لكنها بعّدت القريب وهذه أبرز سلبياتها !
مجالسنا وبيوتنا ولقاءاتنا الاجتماعية أصبحت صماء يخيم عليها الصمت؛ فكل مشغول مع نفسه بجواله ووسيلته !
الحوارات العائلية في المجلس الواحد أصبحت من خلالها وأخشى أن يولد جيل مستقبلي لا يعرف الكلام !
حتى الأقارب من الدرجة الأولى يكتفون بمعايدة أو تهنئة رمضانية ” كوبي بيست ” خالية المشاعر أقرب ما تكون للمجاملة منها للواجب !
وتساءل د. فايز الشهري: من أين أوتينا في عصر الشبكات الاجتماعية ونجومها من “فيحان” إلى “ابو جركل” ؟
وأجاب د. عبدالله بن ناصر الحمود رداً على هذا التساؤل بما يلي:
- ربما أتينا من نظرية الفسطاطين التي اعتدنا أن نقسم كل شيء عندنا بها إلى قسمين . فإعلام رشيد وإعلام أحمق.
- ربما أتينا من شعور عميق مضى بنا على قاعدة دعوها فإنها مأمورة.. لم نتبين مخاطر شبكات اتصالنا إلا بعد أن فقدنا محور ارتكازه.
- ربما أتينا من توظيف غير حصيف لمنهجية ..الفرضية الواحدة.. فإما أن يكون رواد شبكات تواصلنا يريدون بنا خيرا أو أنهم يتربصون بنا الدوائر .
- ربما أتينا من حقائق مرة في واقعنا وصورتنا ..فلم يرق لنا ما يقول الإعلام الجديد أن عن واقعنا أو عن صورتنا.
- ربما أتينا من غفوة ثقافية غفوناها في ما مضى من حالك أيامنا.. فصحونا اليوم على خراب يهددنا.
- ربما أتينا من نرجسية كادت أو أنها بالفعل غيبت واقعيتنا.. فرحنا نظن أننا فوق كل نقد.
- ربما أتينا من أن الإبداع عندنا ليس سوى بضاعة كاسدة.
- ربما أتينا من مهلكة لذة الوصاية على الآخر .. فلا يروق لنا أبدا تفرد نفر منا بقول أو فعل ليس من قولنا أو فعلنا.
- ربما أتينا من انهيار الثقافة الحاضنة (اللغة).. ففسدت ذائقة وسائط تواصلنا.
- ربما أتينا من تدني حائط الصد الاجتماعي.. حيث استيسر الناس ما يرونه ويسمعونه ويقرؤونه.. ففسدت ذائقة تواصلنا.
- ربما أتينا من أننا في الوقت الذي نمقت فيه كثيرا مما تنوء به شبكات اتصالنا.. لا نعرف بعد ما الذي نريده.
- ربما أتينا من أننا لسنا دولة هامشية.. فلو أننا كنا كذلك لما انشغل الناس بنا.
- ربما أتينا من أننا لم نقم بعملية فرز دقيق للمتاجرين بقضايانا في شبكات تواصلنا.
- ربما أتينا من انعتاق المرجفين في شبكات تواصلنا وعدم الأخذ على أيديهم قانونا.
- ربما أتينا من أننا لانزال نوارب في ولائنا الأممي والوطني.. فتاه في شبكات اتصالنا ولاؤنا مثل ما تاهت براءاتنا.
- ربما أتينا من سنة ابتلاء الله تعالى للناس بعضهم ببعض.
- ربما أتينا من أطروحات الغزو ونظريات المؤامرة.. فنظن أن كثيرا مما يرد إلينا في شبكات تواصلنا مما لا نفهمه.. غزو.. وتآمر علينا.
- ربما أتينا من جهالة بعضنا بفقه التعامل.. ما هو حق لله وما هو حق للناس.
- ربما أتينا من نظرية رفض الآخر.. وأننا ببيئة منغلقة.. ليس فيها من هو خير منا.
- ربما أتينا من أننا نوغل في استخدام شبكات التواصل المجتمعي.. في حين أن هيكلة المجتمع الإنساني الطبيعي ليست عندنا.
- ربما أتينا من علة في قانون حرية التعبير عندنا.
- ربما أتينا من جهل بعضنا بفنون المعاملة والتواصل والاختلاف.
- ربما أتينا من أننا لم نتعلم أبدا كيف نقصي المحتوى الديني عندما يكون إقصاؤه ضرورة في شبكات تواصلنا.
- ربما أتينا من تيه بيئتنا الفكرية.. فتكالب غير ذوي الفكر الرشيد على شبكات تواصلنا.. وسادت ثقافة سطحية من وجهة نظرنا .
- ربما أتينا من أننا نتبجح بالوسطية ولا نقدر على تعريفها.. فساد خطاب إقصائي مقيت في شبكات تواصلنا.
- ربما أتينا من أن المنكر عندنا تبرج وسكر وحسب.. وكثير من منكرات شبكات تواصلنا احتساب وحمية.
- ربما أتينا من مستنقع فكر وتلقين مقيتين في مدارسنا وجامعاتنا.. فصارت مداد شبكات تواصلنا.
- ربما أتينا من الإرث المحجور عليه في جامعاتنا ومعاهدنا من دراسات ورسائل علمية لم نستفد منها.. فصارت شبكات اتصالنا مراتع للجهل.
- ربما أتينا من مركزية الواقع.. وتعددية الشبكات.. فأسقط في أيدينا.
- ربما أتينا من غلو إداري لم يعرف كيف يدير شبكات اتصالنا.
- ربما أتينا من معترك التقليدية.. وضعف قدرة كبارنا سنا على مواكبة ابتكارات صغارنا.
- ربما أتينا من احتكار الثقة عند بعضنا.. ورمي بعضنا بالخيانة واللا ولاء.
- ربما أتينا من انعدام المؤسسية عندنا.. وسيادة الفرد رأيا وقولا وفعلا.. فلم يصلح ذلك لشبكات تواصلنا الفردية أيضا .. فحصل الصراع.
- ربما أتينا من مهلكة ردود الأفعال وغياب النظرة الاستباقية في ما تفعله شبكات تواصلنا بنا.
- ربما أتينا من أن شبكات التواصل الاجتماعي مدنية بالضرورة.. جاءت عندنا في مجتمع ينوء باللا مدنية أبدا.
- ربما أتينا من فرضية التماثل المجتمعي ورفض التمايز والتنوع… فكلاهما عار عندنا.
- ربما أتينا من مصيبة الثبات عندما يكون التغير والتحرك ضرورتين.
- ربما أتينا من أن الأسرة عندنا أمنت بمهمة التفريخ … وكفى.
- ربما أتينا من أن مرجعياتنا إلا من رحم ربنا .. الحدس والتخمين… فكل ما تتداوله شبكات تواصلنا نعرضه على حدسنا وتخميننا.
- ربما أتينا من غياب رؤيتنا ليس للكون والحياة فقط.. ولكن للإعلام الذي نريد.
- ربما أتينا من أننا فضلنا أن نلقي على شبكات تواصلنا كل خزايانا ومثالبنا.. دون إدراك منا بدور المرآة الذي تلعبه تلك الشبكات.
- ربما أتينا من أطروحة مواجهة الإعلام المضاد.. وكأنه لا مناص من المواجهة.
- ربما أتينا من أن أحد أدوات المتطرف والإرهابي قتل الذات في شبكات تواصلنا.. وليس فقط جلدها.
- ربما أتينا من أننا لم نسمح لشبابنا الوفي في شبكات تواصلنا بالخطأ الذي يقود للتعلم.. فسلطنا عليهم سهام قمعنا.
- ربما أتينا من أننا عنينا بالمحتوى والمضمون.. في حين عني بعض رواد الشبكات ممن ذكر د. فايز بالشكل فما ضل وما غوى.
- ربما أتينا من دوامة الصمت.. وأننا لا نسمع وإن سمعنا لا نعي ما يقوله أبناؤنا.. فلا نلبث أن نعود لتلقينهم ما يجب أن نسمعه منهم.. فلا يسمعون لنا.
- ربما أتينا من أننا لم نشغل شبابنا ولا كبارنا بما يغنيهم عن تتبع عوراتنا.
- ربما أتينا من أننا لم نعد نعرف كيف نصنع رموز مجتمعنا.. فصنع الرمز نفسه.. ثم دنى وتدلى.
- ربما أتينا من أن شبكات اتصالنا لم تأت من بين ظهرانينا.. بل ركبناها كما ركبنا وسائل نقلنا.. فصار منا من فحط بها.. وعبث بعجلاتها.
- ربما أتينا من حكمة أرادها الله بنا.. فسبحان من لا يغيب عنه شيء وهو بكل شيء عليم.
- رؤية استشرافية
يرى أ. سلمان العمري أنه وفي عصرنا الحاضر لا توجد معضلة في المجتمع إلا لوسائل التواصل الاجتماعي أثر في ذلك. ومن ثم فإن الموضوع من الأهمية والخطورة، بحيث يجب أن توليه الجهات المختصة ما يستحقه من عناية واهتمام، من خلال حملة توعوية، تبصر الناس بمخاطر هذه المواقع، وتبيّن لهم الطريقة الصحيحة للتعامل معها، ومع ما تنشره من أخبار وإشاعات، وتوضّح لهم ما يترتّب عليها من المفاسد الدينية والدنيوية.
وأضاف م. خالد العثمان أنه عند تقييم واقع المشكلة فيما يتعلق بصورة المجتمع السعودي في شبكات التواصل الاجتماعي؛ نتساءل حينها عن الوسائل الناجعة لمعالجة هذا الواقع وجوانبه السلبية .. ومع الاتفاق مع أهمية تفعيل الرقابة الرسمية والإلكترونية وما يتعلق بها من أنظمة رقابية وعقابية إلا أنني أجزم أن حل هذه المشكلة وغيرها من مشاكل السلوكيات المجتمعية لن يتحقق إلا بمراجعة جادة لهيكل التعليم وتأصيل الدور التربوي في صياغة وتهذيب سلوكيات النشأ على الأقل سعيا لتحجيم هذه المشكلة في الأجيال المقبلة.
في حين يرى م. أسامة كردي أن موضوع صورتنا ليست مرتبطة كثيرا بوسائل التواصل الاجتماعي ، و الارتباط الوحيد الذي يراه هو أن أي مجهود لنقل الصورة الحقيقية عنا لابد أن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كأحد أدواته.
و لعل العاملين في مجال نقل الصورة الحقيقية عنا يتابعون النشطاء في التواصل الاجتماعي لتقديم النصح لهم حال قيامهم بإرسال رسائل خاطئة.
وتساءل د. عبد الله بن صالح الحمود: إذا كان الأمر لنقل صورتنا الحقيقية لا يتأتى إلا من خلال قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة ، فما دور الإعلام الرسمي إذا؟
وفي ظنه ما دمنا نحن الأقوى انتشارا في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، لم لا يكون لنا منصات تقنية متعددة الأغراض تتسع لأكبر عدد من نشطاء هذا الإعلام الجديد ، وتدعم هذه المنصات من جهات غير رسمية حتى تكون البيئة المعلوماتية للكتابة وتصدير الآراء المنطقية.
ربما ذلك يسهم ولو قليلا في التخفيف من انتشار العبارات التي تسيء إلى بلادنا من لدن أشخاص ليس لديهم ما يكتبون سوى ما هو تافه ومسيء.
وأشار كذلك إلى أن الآمال معقودة على الاستفادة من هذه التقنية إيجابيا مما يجعل من مجتمعنا الأنموذج المتبع نحو ذلك ، وليس من خلال أنموذجا ضار لمجتمعه ويطال مجتمعات أخرى.
من هنا يمكننا القول أن توافر نظام رقابي داخلي على هذه الشبكات الافتراضية قد يسهم في تفادي ما هو سلبي وضار ، إلا أن ذلك يفقد روح حرية الكلمة والطرح عامة؛ بالرغم من أن هناك قانون يختص بالجرائم الإلكترونية.
ولهذا فإن الحل هو تكثيف التوعية الإعلامية المتعددة الأوجه (اجتماعياً ودينياً وثقافياً) لعل ذلك يكون مسانداً لظهور المجتمع بمظهر يليق به .
وأوضح م. أسامة كردي أنه يجب أن لا ننسى أن هنالك من يتابع كافة جوانب إعلامنا لترجمته بطريقة سلبية ، و مثال ذلك موقع MEMRI.
أما فيما يتعلق بنقل الصورة الحقيقية عنا ، فهناك العديد من الوسائل ليس هنا مجال طرحها. و لكن من المؤكد أننا لا نقوم و لا بعشر المجهود المطلوب لنقل الصورة الحقيقية عنا.
وأضاف م. خالد العثمان: ربما يكون ما يجري الآن هو نقل الصورة الحقيقية عن مجتمعنا بكل تناقضاته وأخطائه ومميزاته وسقطاته .. أم أننا نريد نقل صورة محددة مجملة فقط ؟ (مجملة بتشديد الميم الثانية وفتحها .. من التجميل).
ومن جديد قال د. عبد الله بن صالح الحمود فيما يخص قدرتنا على اقتناء الأجهزة الذكية، وكثرة حضورنا المنقطع النظير بين أروقة الإعلام الجديد الافتراضي.
هلا سألنا أنفسنا عن المدى الذي وصلنا إليه في هذا الحضور الإعلامي الجديد الذي يقال عنا أننا الأول أو على الأقل من الأوائل.
فإن كانت النسبة الأكبر هي تراسلات شخصية لا تغني ولا تسمن من جوع فتلك إشكالية يصعب النفاذ منها مستقبلا لأننا أوقعنا أنفسنا في مسائل اجتماعية لا مردود لها.
وإن كنا قد شاركنا في هذا الإعلام مشاركات هي في صميم قضايانا وقضايا الأمة ولو بنسبة ضئيلة فذاك أمر يحمد ويشكر لنا ، ولكن علينا الاستزادة وبلوغ المنتهى لنتصف بالإيجابية لا بالسلبية .
وقال د. علي الحارثي: نحن الأعلى استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي بين من ؟ أيضاً ما هي القواعد القيمية والأخلاقية والدينية العالمية التي يستند إليها إعلام التواصل الاجتماعي ؟ أهو ديننا وقيمنا وأخلاقنا وعاداتنا ؟ إذا كان كذلك ، فقد شوه الأعداء وبالذات الغرب ولا زال كل ما لدينا قبل منصات التواصل الاجتماعي . اتفق مع د. خالد الرديعان عن الأسباب التي أدت إلى بعض الإسفاف ، ولا اتفق مع من يرى الرقابة والمراقبة التي أتعبتنا دهوراً وولدت فينا ردة الفعل السلبي المضاد. دع الحوار السياسي والديني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والترفيهي والعلمي وغيره يسبح في أجواء الكون إلا فيما حرم الله باتفاق الأولين والآخرين ، وسيتصحح المسار من خلال النقد الهادف والهادئ حتى وإن استغرق زمناً .
وبدوره قال د. مساعد المحيا: يقول اديسون: أنت لا تكرهني، أنت تكره الصورة التي كونتها عني، وهذه الصورة ليست أنا، إنها أنت.
حين نتأمل حجم الضخ المعلوماتي الذي يقدمه السعوديون كبارا وصغارا رجالا ونساء عبر السناب وتويتر والانستقرام ومن ثم نضع أنفسنا محل الجمهور من أي دولة عربية مثلا سندرك أن هناك صورا ذهنية بناها الجمهور من واقع مشاهداتهم ومن ثم هم يتصورون مجتمعنا وعاداتنا كما صنعوها هم من واقع ما يشاهدونه أو يقرأونه؛ سندرك أن صورتنا اليوم تتشكل لدى كثير من الأمم بفعل الجهود التي نقدمها نحن عبر محتوى هذه الشبكات، لذا علينا أن نتوقع كل شيء ..
ومن هنا أتطلع إلى أن نعمل على تنظيم ملتقيات يدعى لها كل الذين لهم حضور جماهيري في الشبكات الاجتماعية بحيث يتم تناول محاور مهمة تتعلق بمسؤولية كل فرد تجاه وطنه ومجتمعه وقيمه وأن يشهد حوارا متكافئا يبتعد عن التوجيه المباشر …
أرسطو : التفكير مستحيل من دون صور ذهنية.
وبدورها أضافت أ. كوثر الأربش: مالم نقم بعمل حقيقي يهدف لإنهاء مرحلة جلد الذات المرة والتشهيرية في برامج التواصل. أو تقنين ومنهجة النقد المثمر. لن يتغير شيء من تلقاء نفسه..
مالم نكف عن صناعة المشاهير من الحمقى والمتهورين وعديمي المسؤولية..
مالم نكف عن تقديس بعض الأسماء الدينية الشهيرة المحسوبة علينا، هؤلاء الذين يغردون بطريقة جعلتنا محل سخرية..
لن تتغير الصورة حتى نغير الواجهة. وطالما الواجهة (على الأغلب) مجموعة ساخطين أو متهورين أو جهلاء ومتطرفين. ستبقى الجوانب المميزة والايجابية تحت الظل، ولن يطفوا إلا ما يبثه هؤلاء للآخر الذي لا يعرف!
كل الناشطين في تويتر مثلا يعلمون ما يقوم به بعض العرب من تحقير للسعودية من كل النواحي وأن هؤلاء مصدرهم الأول أبنائنا، كتابنا. ناشطونا ودعاتنا !
وترى أ. مها عقيل أننا نحتاج أن نتعلم كيف نتحاور ونتقبل أفكار وآراء مختلفة ونناقشها بموضوعية واحترام ورقي. وقد تكون وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة التي تعلمنا ذلك. لأننا للأسف منذ الصغر لا نتعلم الحوار وإنما فقط إتباع الأوامر والتلقين ولا يسمح أبدا أن تناقش أو تعترض أو تسأل.
في حين ذهبت أ. ليلى الشهراني إلى أن الحل المناسب هو الدخول برقم الهوية لقطع الطريق على هؤلاء الذين يتعمدوا الإساءة عبر شبكات التواصل، يلاحظ مثلا أن بعض المشاهير في تويتر يملك ترسانة من الحسابات الهجومية البذيئة ، فما أن تختلف معه في نقطة ما إلا وينقلب المنشن لديك بكميات هائلة من الردود الممتلئة بالشتائم ، وهي وسيلة لإخراس المخالفين وتخويفهم وإحراجهم .
ولا يمكن أن نقول أنها تقتصر على طرف دون آخر ، فجميع الأطراف المتناحرة هي من صنعت هذه المستنقعات المتسخة في بيئة تويتر .
ويعتقد د. خالد الرديعان أنه رغم كل هذا الجلد للذات وعرض عيوبنا إلا أنه يجب أن نتفاءل. بعد عقدين من اليوم سيكون هناك جيل أكثر نضجا وسيستفيد من كل ما يراه اليوم من منغصات.. يجب أن لا نفقد الأمل.
ومن جانبه قال د.م. نصر الصحاف: أبدأ بالاقتباس من أمجد المنيف “من المهم أن نتعامل مع الأمور بعفوية كل العالم”، وأضيف برأيي المتواضع : لماذا كل هذه الحساسية في الموضوع ؟. فليكتب كل شخص ما يريد ويعبر عن نفسه كيفما أراد !! فقد كبت الجميع لدهور وعصور كثيرة وفجأة وجدوا أمامهم علبة سحرية صغيرة توصلهم لأقصى صقاع المعمورة لينفس عن مكنونات صدره لفترة قصيرة في المجال الافتراضي ثم يأخذ مكانه المعتاد في المجال الواقعي !!
ومع احترامي الشديد للدكتور فايز الشهري إلا أنني أختلف معه في بعض طرحه المميز !! فإنه غير مهم في نظري من يكون صانع صورنا على شبكات التواصل الاجتماعي سواء كان سلبياً او إيجابياً ! لأن صورتنا الطبيعية لدى العالم غير مشجعة أصلاً ولم ولن تكون غير ذلك ما دمنا كما نحن ! فصورتنا النمطية سلبية قبل وبعد ١١ سبتمبر ويمكن أنها ازدادت سلبية بعد ١١/ ٩.
من الواضح أن لدينا هوس مفرط من ناحية نظرة العالم لنا كمستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي لكن الحقيقة في نظري تختلف كلياً عما نعتقده مجتمعياً بأن العالم فعلاً مهتم بما نكتبه أم بما لا نكتبه!! في الحقيقة نحن أعطينا أنفسنا أكثر من حجمنا !! فلا العالم مهتم بما نكتب أو بما لا نكتبه فلسنا أكبر همه !! ولماذا نكون كذلك؟؟. هل لأننا أثرينا العالم بالصناعة أم الزراعة أم الأدب أم البحوث أو غيرها ؟؟. فلم يكن لنا دور نلعبه على الصعيد الثقافي/ السياسي/ الاقتصادي/ الاجتماعي / …إلخ…
الجواب واضح !
طبعاً سينتقدني البعض بجلد الذات وأن المسلمون (ونحن في السعودية أحفادهم ؟) هم أساس العلوم و قبل سبعة قرون !!
بالعكس يجب علينا أن نستمر في جلد الذات حتى نغير ما بأنفسنا ونأخذ مكاناً مرموقاً بين دول العالم بتقديم قيمة مضافة للعالم يجبرهم على احترامنا أو على الأقل الكف عن الاستهزاء بمقدراتنا كشعب متجانس بكل معنى للكلمة !!
ولكن حتى نكون ذو أهمية حالية فالغرب لا يهمه موقعنا الماضي قبل قرون مضت في دفع عجلة التقدم!
واختتم بالاقتباس هنا من أ. مها العقيل “نحتاج أن نتعلم كيف نتحاور ونتقبل أفكار وآراء مختلفة ونناقشها بموضوعية واحترام ورقي.”
وأشارت أ.د فوزية البكر إلى أنه في إحدى الدراسات التي أشرفت عليها (٢٠١٤ ) وكانت حول أثر وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل المواقف والرؤي الاجتماعية لطالبات الجامعة و تشكلت العينة من ٥٠ بالمائة من طالبات السنة الأخيرة للأقسام العلمية والأدبية بالجامعة و أظهرت النتائج أن الوعاظ والدعاة كانوا هم أكثر المغردين تأثيرا في مواقف أفراد العينة وخاصة علي طالبات الأقسام العلمية !!!
هذه النتيجة تعطينا مؤشرا مهما للطرق التي يمكن استغلالها للتأثير علي الشباب و نشر صورة أكثر إنسانية عن الإنسان السعودي من خلال تحسين نماذج رجال الدين الذين يتبعهم الملايين ليعبروا حقا عن دينهم لا عن تحزباتهم الذاتية أو رعاية لمصالحهم الشخصية.
وعلق د. خالد الرديعان: بعض الشيوخ والدعاة لهم أتباع بالملايين في تويتر وخاصة محمد العريفي وسلمان العودة وعايض القرني.. وهي أرقام لم يحظَ بها أشهر الكتاب والمؤلفين. وهناك تافهين لهم أتباع بالملايين بسبب ما يكتبون أو يعرضون من تفاهات وهي مفارقة القصد منها ارتفاع عدد متابعيهم.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه مهما يكن عدد التابعين فإن السؤال: لماذا كل هذا الكم من التابعين؟ ولماذا لا يكون هذا العدد أو أقل بقليل يتبع الأدباء أو الاقتصاديين أو حتى الرياضيين؟ فهل للعاطفة دور أم فطريا الإنسان تواق بطبعه؟
ويرى د. مساعد المحيا أن الرياضيون أكثرهم لهم متابعون كثر وبخاصة المذيعين واللاعبين والمدربين والمحللين، وعدد من الاقتصاديين لهم متابعون كثر أيضا، وعدد من الكتاب والمثقفين لهم متابعين كثر …
الناس ينقسمون منهم من يبحث عن الترفيه وربما التهريج ، ومنهم من يبحث عن المواد الجادة.
ومن جهة أخرى فإن الشبكات الاجتماعية والانترنت على نحو ما أصبحت من أهم ما يحتاجه الناس بعد أن لم يكن لها أي حضور من قبل، وبالنسبة لمجتمعنا فمن المؤكد أنه سيتغير مستقبلا في استخدام هذه الشبكات؛ ولكن سيبقى ما يتعلق بطبيعة سمات المجتمع التي يبدو أنها لن تتغير.
أكثر الحديث عن سلبيات الشبكات الاجتماعية هو حديث عن سمات المجتمع وطبيعته وأخلاقياته، وبالتالي فهي منصات أضحى كل فرد يستخدمها في الارسال والاستقبال لاسيما بعد أن أضحت تمنح الفرد فرصة الوصول لجمهور عريض وللتعبير عن المحتوى الذي يقدمه …
لذا مادامت سمات المجتمع المتعلقة بالعصبية مثلا المناطقية والقبلية والفخر بذلك، أو أي انتماء فكري أو اجتماعي … الخ، باقية ستبقى هذه الشبكات هي المنصات التي تنقل ذلك المحتوى وتنشره ..
لذا نعول على الجمهور أن تخف لديه تلك الجوانب مستقبلا.
في حين يرى أ. سلمان العمري أن السؤال هو: لماذا لم نستفد من هؤلاء واحتوائهم لتقديم رسائل متنوعة بحسب مقتضى الحال سواء لمن هم بالداخل أو الخارج؟
وأشارت أ. ليلى الشهراني إلى أن هناك مشاهير لهم جهود تذكر فتشكر مثل الأخ الكويتي محمد ساري ، ينشر سنابات توعوية ويجد قبول لكلماته ويتفاعل معه الكثيرون ، وأيضا سنابات ماجد الصباح كما تفضل د. مساعد أعلاه ، لديهم رسائل يقدمونها بأسلوب بسيط فتجد رواجا وانتشارا بين مواقع التواصل ، الشهرة قد تستثمر في الخير أو في الشر.
وجاء تعقيب أ. هيا السهلي حول قضية صورتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحت عنوان “الخصوصية السعودية” و استهلته بالتساؤل: صورتنا عند من ؟ أمام انفسنا أم عند الآخر؟
قبل أن نشغل انفسنا بالآخر فلننتهي بالأول (نحن)!
عندما نحاول أن نفسر هذا النِسب والأعداد الكبيرة من أفراد المجتمع السعودي في استهلاك شبكات التواصل فلابد أن نبحث عن العقدة التي يحاول فيها السعودي حلها وفكها أو عقد مزيدا منها.
وإذا وجدنا تهافتا ونسبا كبيرة في تطبيق اتصالي جديد وشبكة اجتماعية جديدة ففتش عن الخصوصية السعودية!!
“الخصوصية السعودية ” هي الدوائر التي يحاول السعودي دخولها ، ولكن بقناع شفافيته وسماكته ولونه حسب قربه من دائرة هذه الخصوصية أو رفضه لها !
“الخصوصية السعودية” هي الصورة التي نرسمها في شبكات التواصل الاجتماعي تؤمن بها السنتنا وتجحدها قناعاتنا والعكس صحيح !
و”الخصوصية السعودية” هي التي جعلتنا نسجل أكثر نشاطا وتداولا في (السناب شات) لأنه حتى الآن هو الأكثر اختراقا لخصوصيتنا وكلما كان التطبيق أو الشبكة أكثر تعرية وكشف لما خلف الستار كان هو الأكثر انتشارا !
من أكثر الكلمات المفتاحية التي يسجلها محرك البحث قوقل هي فضيحة وفضائح !
“الخصوصية السعودية” هي التناقض السعودي عندما نؤمن يقينا ونجحده قولا خشية إملاق أو نقدا وحتى قدفا !!
“الخصوصية السعودية” جعلت من رواد هذه الشبكات يلتقطونها بأكثر من زاوية ، مرة من زاويته ومرة بزاوية أبناء القبيلة أو أبناء الحارة أو إمام الحارة بمئات الزوايا والعدسات المهم أنها غير زاوية مقص الرقيب !
لذا الشاب يحمل أكثر من معرف واسم بجانب اسمه الحقيقي والفتاة كذلك اسم تراعي فيه القبيلة واسم مستعار تلعن فيه القبيلة !
ومع كل هذا الاحتفاء بشبكات التواصل والتواجد فيه إلا أن صورتنا السعودية فعلا لها “خصوصية سعودية” عن باقي المجتمعات!
قد يصعب حاليا تحديد ملامح واضحة لأنه كما يقول آباؤنا الأولون (الجدة تأخذ لها عدة) لازلنا في انبهار وانفتاح على مساحة حرية لم نعهد على حجمها فمنا من أزجى ببضاعته ومنا من سرق صواع الملك ! ورجعوا إلى أبيهم زائدون ناقص!
بقي أن نعي أن صورتنا في الشبكات أوشكت أن ننازع غيرنا بلقب (الأمة الثرثارة)؛ نلوك القضايا نستلذ بالنقد لمجرد النقد كلنا متدينون ونوصي بقراءة سورة الكهف وكلنا نبر بوالدينا ونصور رؤوسنا وهي تقبل أقدامهم وكلنا متعاطفون ونتفاعل مع الهاشتاغات وكلنا ناشطون وإعلاميون و استشاريون وشعراء و نتفاعل ، نغلي ثم نتبخر ما عدنا ظاهرة صوتية بل (ظاهر غازية)!!
وأحيانا ننصهر وتتحول قضايانا إلى شكل ومنحى آخر !
فأي صورة نستطيع أن نلتقط؟!
تفحيط تويتر
ونسيت أن نعي أيضا – ما أكثر ما يجب أن نعيه وننعيه! –
يجب نعي ونحاول أن نفهم لماذا شبابنا انتقلوا من الدوران في الشوارع وعلى الكورنيش إلى الدوران في تويتر ؟!!
ومن الشخبطة على الجدران إلى الشخبطة على جدار تويتر.
وأمر على الديارِ ديارُ ليلى.. أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي.. ولكن حب من سكن الديار
الفرق أن ولدنا ما عنده ليلى يسعى لها !! ولا ليلى يحبها ، ولا ليلى يعرفها أصلا !
شبابنا يعاني من فراغ عقلي ولا أعني بفراغ العلم ولكن أعني ليس له أهداف ضرب لها حينا من الدهر لتحقيقها.
فالترف والفراغ وعدم الإحساس بالمسؤولية وانقضاء المرحلة التي لا تعود ، جعلت من الشاب يومه كأمسه ومستقبله غير فارق فأين يشخبط وأين يقضي وقته إلا في مكان يسرق وقته !!
لو لشبابنا أهداف لما وجدناهم أكثر من يستهلك هذه الشبكات ٢٤/٢٤ في (الثرثرة والتقاط أكثر من صورة ) .
وعلق د. مساعد المحيا على ما تقدم بأن هذا التوصيف يحملنا أن ندرك أن المشكلة تدور مع مدى قيامنا بمسؤوليتنا تجاه أبنائنا، لكن ثمة صور إيجابية كثيرة في هذه الشبكات حري بأن نستصحبها حتى لا نضار ولا نضر .
وأضافت أ. مها عقيل: مشكلتنا أن الصورة التي نريد أن نظهر بها غير الصورة التي نحن عليها أو نريد أن نكون عليها أو تعبر عنا. تناقضات كثيرة وازدواجيات لا تنتهي.
وفي الختام ذكر د. فايز الشهري أنه يبدو أن ( القوة الناعمة) إذا أخذنا هذه الوسائل والوسائط ضمن أهم أدواتها تحتاج من أعضاء منتدى أسبار إلى إشباع حتى تكتمل عناصر الموضوع.
قوة الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد عام 2000 هي في امتلاكها ( كل) منصات الإعلام الجديد وأهم تطبيقاته. والآن كل التجارب الإنسانية تصب في مخازن المعلومات الأمريكية بشكل غير مسبوق.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- م. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- أ. أمجد المنيف
- د. حاتم المرزوقي
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حسين الحكمي
- أ. خالد الحارثي
- د. خالد الرديعان (رئيس لجنة التقارير)
- م. خالد العثمان
- د. خالد بن دهيش
- د. حميد المزروع
- م. سالم المري
- اللواء د. سعد الشهراني
- أ. سعيد الزهراني
- أ. سلمان العمري
- أ. سمير خميس
- أ.د. عبدالرحمن العناد
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبد الله بن صالح الحمود (رئيس اللجنة الإشرافية على منتدى أسبار)
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- أ. عبد المحسن القباني
- اللواء د. علي الحارثي
- أ. علي بن علي
- د. علي الحكمي
- د. فايز الشهري
- د. فهد الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. فوزية الجار الله
- أ. كوثر الأربش
- أ. ليلى الشهراني
- د. مساعد المحيا
- أ. مسفر الموسى
- أ. مطشر المرشد
- أ. مها عقيل
- د. ناصر القعود
- د.م. نصر الصحاف
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
أ. هيا السهلي
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 18