يوليو 2017م
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر يوليو 2017م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- إيران والجوار: بين انتقامات العرق وخصومة المذهب.
- حوارات عيدية.
- فرص تعزيز الوحدة الوطنية.
- الحوكمة في رؤية 2030.
محتويات التقرير
المحور الأول: إيران والجوار: بين انتقامات العرق وخصومة المذهب.
- الورقة الرئيسة: أ. كوثر الأربش
- التعقيب الأول: د. عبدالله العساف
- التعقيب الثاني: د. عبدالله ناصر الحمود
- إدارة الحوار: أ. سمير خميس
- المداخلات حول القضية:
- أبعاد الممارسات الإيرانية الراهنة
- إيران والجوار: رؤية استشرافية
المحور الثاني: حوارات عيدية
- نماذج اجتماعية وثقافية للعادات والفلكلورات العيدية في مناطق المملكة
- ذكريات العيد بين الماضي والحاضر
المحور الثالث: فرص تعزيز الوحدة الوطنية
- الورقة الرئيسة: د. إبراهيم البعيز
- التعقيب الأول: د. مساعد اليحيا
- التعقيب الثاني: د. عبدالرحمن الهدلق
- إدارة الحوار: أ. فاطمة الشريف
- المداخلات حول القضية:
- تعزيز الوحدة الوطنية: الواقع والإشكالات
- آليات تعزيز الوحدة الوطنية
- توصيات ختامية
المحور الرابع: الحوكمة في رؤية 2030
- الورقة الرئيسة: د. إحسان بوحليقة
- التعقيب الأول: أ. محمد العمران
- التعقيب الثاني: د. ناصر القعود
- إدارة الحوار: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- الحوكمة والإشكالات ذات العلاقة بتطبيقها
- التوصيات لتفعيل دور الحوكمة في تحقيق رؤية 2030
المحور الأول
إيران والجوار: بين انتقامات العرق وخصومة المذهب
الورقة الرئيسة: أ. كوثر الأربش
تاريخ الاحتقان الفارسي/ العربي ونشوء الشعوبية
لو سُئلت عن أهم مقومات الدعوة المحمدية للتوحيد، لقلت: المساواة. فقد تمكن النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من وضع أساسات دولة متينة قوية، كان من أهم ركائز قوتها، أنه سن أسس المساواة في مجتمع جاهلي قائم على النعرة القبلية والفروقات العرقية والاجتماعية. وسار على هذا النهج الخلفاء الأوائل، غير أن الاختلاف الناشئ مع قيام الدول الإسلامية اللاحقة، وبروز نعرة الفخر العربي، أتى ببوادر الشعوبية، والتي تعني (التسوية). لمكافحة تفضيل العرق العربي على الفارسي. ثم تحولت من تسوية إلى حالة متطرفة تجاه العرب، والتحقير منهم. وذلك في عصر الفتوحات الإسلامية واندماج المسلمين العرب في المجتمع الفارسي آنذاك. حيث كانت المواجهة في أوجها، تمثلت في نشوء دول إسلامية معظمها في بلاد فارس (منذ عهد الأدارسة وحتى الصفويين). وقد قامت معظمها على تعظيم العرق الفارسي والتقليل من شأن العرب. حتى قال الشاعر الفردوسي في القرن الثالث الهجري (من شرب لبن الابل وأكل الضب؟ بلغ العرب مبلغاً أن يطمحوا في تاج الملك؟ فتباً لك أيها الزمان وسحقًا).
التشيع، كان دائمًا بوابة الثائرين، والمعارضين للحكم، في مجمل الدول الإسلامية منذ الدولة الأموية وحتى اليوم (الأدارسة، العلويين، البويهين، الحمدانيون، الفاطميون، الصفويون).
لن أتحدث عن نشوء المذهب الشيعي، لأنه قضية جدلية، ما بين من يعتقد أنه امتداد للإسلام، متمثلاً بخط الإمامة المتممة للنبوة. وبين من يقول بأنها طائفة مارقة عن الإسلام. لكنني سأتناول التشيع كحصان طروادة لاختراق نسيج الدول الإسلامية دون التطرق لمتبنى المذهب لأنه لا يخدم الورقة.
طالما استغل أصحاب الأجندات الانفصالية، والمعارضون المذهبَ الشيعي كقالب لمحتوى ثوراتهم، واستلهام واقعة كربلاء (ثورة الحسين بن علي ضد يزيد بن معاوية)، وأدبياتها وأحداثها ومقولات الحسين بن علي، لتأسيس صف معارض مسلح في الدول الإسلامية السنية. ففي العهد السلجوقي مثلاً، تمكن حسن الصباح من تأسيس حركة إسماعلية (الحشاشون)، والتخندق في قلعة الموت لتشكيل خطر دائم مهدد للدولة. وبهذا النسق قامت جل الدول الإسلامية الشيعية. سواء زيدية أو إسماعلية أو اثني عشرية، حسب رواج وقوة أنصار الفئة.
نجاح الصفوية في استغلال الشعوبية والتشيع والتغيير الديموغرافي والسياسي
لماذا نجحت الدولة الصفوية على مدى قرنين من الزمان تقريبا؟
(قبل الإجابة على هذا السؤال، علينا أن ندرك أن كل آليات نجاح الصفويون اتخذها الخميني لاحقًا).
أسباب نجاح الدولة الصفوية في عزل بلاد فارس عن جسد الدولة العباسية مترامية الأطراف:
1- الشعوبية والتغلغل في العروبة من باب القداسة: دمج الفرس والعرب في نسل الرسول عليه الصلاة والسلام، بافتراءات لا يثبتها التاريخ، تمثلت بزواج سبط الرسول ببنت كسرى! وبهذا اندمج العرق الفارسي بآل هاشم، ونشأ عرق يحمل قداسة مضاعفة لها بُعد الملوك وبُعد النبوة.
2- لإعلاء العرق الفارسي هناك خط موازٍ يحمل سمة العداء والتطرف وهو تحقير العرق العربي ولكن بمبررات دينية هذه المرة، وبحيلة اصطلاحية خلطت بين الأعراب والعرب، والتدرع بالنص الديني الذام للأعراب، ثم وضع كل العرب (ما دون نسل أهل البيت) تحت هذه المظلة، مظلة التخلف والرعونة والغلظة والنفاق وكراهية الرسالة السماوية. (ستجد كلمة الأعراب رائجة جدًا اليوم في كل بلد تدخلها إيران).
3- (كل يومٍ عاشوراء، كل أرض كربلاء) عبارة عابرة للزمان والمكان، كانت ومازالت معبرًا لكل الدول والتنظيمات الشيعية المعارضة لها. بحيث يتم تغييب الزمن الحقيقي عند الأتباع منذ الطفولة بحيث يغيب تماما عن الواقع، فلا يرى ذاته إلا الحسين، ولا يرى الدولة سوى “يزيد” القاتل، الفاسد حسب الرواية الشيعية. وبهذا تضمن أي معارضة شيعية جنود مجندة لخدمة مصالحها. أفراد مشحونين عاطفيًا للانتقام للحسين حتى في القرن الواحد والعشرين!
4- الفقه الشيعي وصناعة (الثائر المُنتظِر). كان للفقه نصيب الأسد في تركيز دعائم الدولة الصفوية. كان الهدف منه سحب الشيعي، رجل الحرب والثورة إلى العبادة. والانشغال بقائمة طويلة، طويلة جدًا من الأحكام الفقهية المفصلة. بحيث تم إنشاء (الحسينية) وهو مبنى مختلف عن المسجد (رمز لدار العبادة في الدول الإسلامية السنية) يعني بالطقوس والفقه. تحت اسم “مدرسة الحسين”. وتم استيراد رجال دين من جبل عامل في لبنان والنجف بالعراق. رجال دين تم شرائهم بالمال ليشغلوا منابر الحسينية التي خلق جيل ثائر منتظر. نعم.. ثائر إلى أجل، بانتظار فقط خروج المهدي المنتظر، الإمام الثاني عشر الغائب ليلتحق بمعسكره!
الدين الطقوسي مقابل الدين السياسي
علينا ألا نستهين في العامل الطقوسي في المذهب الشيعي الذي كان يهدف لأمرين: 1ـ عزل الشيعة 2ـ منافسة مكة. فالطقوس عامل هام في تمييز الفرد الشيعي عن بقية المسلمين: على غرار ما قام به الفاطميون، عندما سن الخليفة الفاطمي على جيوشه المشي في الشوارع والأزقة في مسيرات منظمة وضرب الطوس (آلة تصدر أصوات عالية تشبه الأجراس) في ذكرى استشهاد الحسين، لاستعراض قوة الدولة وإرهاب العدو. ثم أصبحت طقوسًا مذهبية يقوم بها الشيعة حتى اليوم. قام الصفويون أيضا بتحويل الدين من حالة عبادية إلى حالة طقوسية، ميز بها الشيعة بلون لباس، وعبادات، وعادات مختلفة، ليعمق الاختلاف بين الشيعي وبقية مسلمي الدولة العباسية. ولن أذكر هنا كل ما قام به إسماعيل الصفوي من طقوس بعضها ابتكرها هو ( كالسير حافيًا لضريح الحسين الذي مازال يقوم به الشيعة حول العالم، ويسير الملايين حول العالم إلى كربلاء حفاة يوم العشرة من محرم) وهو ما تفخر به اليوم العراق وتنافس به الحج!!
حلفاء غير مسلمين لتحقيق أهداف سياسية
يتجلى التناقض الصفوي في مجابهة دولة إسلامية (أخوة الدين) بالاستعانة بالمسيحيين (حلف سياسي). بحيث نشأت علاقة صداقة بين الصفويين والمسيحيين الموتورين بعد الحملات الصليبية. علاقة خفية غامضة المبررات. على خلاف حلف الإيرانيين اليوم مع الغرب بمبررات دينية وأخرى إنسانية. وهذا ما سنذكره لاحقاً.
القيمة الجمالية المستلهمة من الحضارة الفارسية
في الأدب والفن لتمييز بلاد فارس عن الدولة الإسلامية. غلب الطابع الفارسي على أي تراث آخر، وهذه إحدى آليات الجذب في إيران اليوم، التركيز على الجمال، والشعر والأدب الفارسي تحديدا مقابل الإسلامي.
الثورة الإسلامية في إيران، نجاح منقطع النظير في استغلال التشيع لخدمة القومية الفارسية (المهدى)
رغم الفارق الزمني بين انتصار الثورة الإسلامية والعهد الصفوي (أكثر من 240 عامًا). ورغم ادعاء الخميني أنه جاء لتصحيح انحرافات الدين في صحوة إسلامية اجتاحت إيران، إلا أنه ـ وبمراقبة دقيقة لمبتنيات الثورة وأهدافها ـ ستجد العلاقة الوثيقة بين إسماعيل الصفوي و روح الله الخميني. سأورد هنا وبشكل مختصر مرتكزات الخميني لتأسيس دولة إسلامية شيعية، وأترك للقارئ الكريم مقارنتها بما ورد من أسباب نجاح الدولة الصفوية:
1- ثيوقراطية راديكالية دينية. بعد أن اختطف الخميني الثورة من الشعب بمختلف فئاته، وبعد أن قام بتصفية فرسان الثورة ومنافسيه (بعضهم علمانيين)، انطلق لحماية دولته بأن وشم إيران بسمة إسلامية شيعية، وذلك بكتابة دستور معنون بالمذهب الشيعي الاثني عشري. مجددًا يتم استغلال القالب الشيعي بعد أن حقق نجاحه في الدولة الصفوية. فلن يجد أكثر جاهزية وفاعلية لبناء دولة مستقلة ومختلفة عن بقية الدول الإسلامية أكثر من المذهب.
2- (الطائفية) الخميني الغبار عن الموروث الشيعي الذي يكرس عداء الصحابة رضوان الله عليهم للإمام علي وفاطمة ابنة الرسول ونسلهم، من خلال انعاش روايات التاريخ المزيفة، وتطعيم الطقوس والأعمال الدينية من أدعية وزيارات بعبارات لعن وشتم لبعض الصحابة. ليس الهدف الأهم بالطبع كراهية الصحابة، بل تعميق كراهية السنة المتمثلين بأغلبية المسلمين لدى الشيعي الإيراني.
3- الشعوبية مجددًا. لم يكن الخميني يتحدث بغير الفارسية، رغم اضطلاعه بالعربية، ولم يغير سلوكه وعاداته الفارسية. كان يعتمد أسلوب القدوة في التلقين. كما أن اللغة الدارجة في تعليم الحوزات رغم أن المسلمين الشيعة يختلفون لها من كل حدب، كانت اللغة الفارسية. وبرغم أنه ادعى تنقيح الدين من الخرافات، إلا أنه أبقى بعض الممارسات والطقوس الفارسية وأقحمها إقحاما في الإسلام، مثل ” عيد النيروز” وهو عيد المجوس، منذ الإمبراطورية الساسانية. وقام بتلفيق تزامن النيروز مع ميلاد أحد أئمة أهل البيت كمبرر للإبقاء على هذا الاحتفال الذي يعتبر أهم احتفال في موروث بلاد فارس، ولكن بصبغة شيعية هذه المرة. أذكر هذا المثال من أجل التأكيد على تطعيم الشعوبية ولكن بدعاء في الطابع الشيعي كحيلة سياسية فاعلة الأثر.
4- المسؤولية الإسلامية وتصدير الثورة؛ زاد الخميني على الصفويين بأن طموحه تجاوز الإقليم، وحلم استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية أكثر وضوحًا أمام عينيه. فنمى حس مسؤولية الإيراني الشيعي في إنقاذ مضطهدي شعوب العالم من جهة، وتمهيد الأرض لظهور المهدي الغائب من جهة أخرة، حسب روايات تنص على أنه يخرج من بلاد فارس أهم وأقوى رايات المهدي. إن ما حدث نهاية السبعينات مطلع الثمانينات أشبه بالفلم المرعب، حيث تمكن الخميني من غسل أدمغة أتباعه، كانت إيران أشبه بقلعة الموت التي كانت معقل الإسماعيليين، عالم أشبه بالمايتركس! غسل أدمغة منقطع النظير. كان الإيراني يأكل الخبز الجاف بنفس راضية، فيما أمواله تذهب لحروب الخميني مع الجوار، ولحسابات الملالي البنكية! وخصوصا وقت الحصار الاقتصادي لإيران، كان الإيراني الذي يستحم بسطل ماء، يدفع الخمس بكل إيمان ورضا، دونما أدنى شك أو ريبة! وكان هاجس الخميني أن يصبح له كل العرب والمسلمين وخصوصا الخليج تماما مثل النموذج الإيراني من الخضوع والطاعة أو لنقل العبودية!
5- التحالفات الغربية لمواجهة العرب شركاء الدين. هذه المرة المبررات دينية، فكل مختلف هو صديق طالما ليس عدوًا لأهل البيت. أقولها مرة أخرى: ليس عدوًا لأهل البيت. فليكن كافرًا أو يهودياً ولكن ليس عدوًا للآل. استخدم الخميني تصنيف (مسلم ومؤمن وناصبي) فالشيعي الموالي لأهل البيت مؤمن. وغير الموالي مسلم، ومبغض لأهل البيت محارب لهم ناصبي. بهذا التصنيف سن قواعد سياسية: فحكام الخليج نواصب، وروسيا لا تبغض أهل البيت. أعلم أن الأمر معقد على غير الشيعي، ولكنه معاش ومفهوم من قبل أي فرد ولد في بيت شيعي. روسيا صديقة، السعودية خصم عنيد. العلويون في سوريا، الإخوان في مصر، اليهود في إسرائيل، أوباما المسيحي، كل هؤلاء حلفاء وكلهم بمختلف أديانهم ومذاهبهن غير نواصب! السعودية ودول الخليج أعداء لأنهم نواصب مبغضين لأهل البيت كما يصورهم الخطاب الديني لملالي إيران!
6- تطهير الحرمين من النواصب!
الأمر ليس سرًا، والقضية ليس تسريبا أو فضيحة، بل قالها الخميني على العلن، بأن أحد أهم أهدافه تطهير الحرمين من الوهابية (الوهابية نسبة لمحمد بن عبد الوهاب، وما يميزهم بأنهم عرب + سنة). لم يتمكن الخميني من إعلان بغضه للعرب فصنفهم لنواصب ومسلمين! ولقب بالناصبي كل معادٍ لدولته، وأبقى صفة الإسلام على من يسالمه ولا يشكل خطرًا عليه، أو من يستهدفه. سيقول أحدهم مسمى نواصب موجود في التراث الإسلامي، لكني أعني أن الخميني استغل التسمية سياسيًا. في زمن لن تجد فيه مسلمًا يبغض أهل البيت.
7- وضع الحوزات العلمية مقابل الأزهر الشريف. طور الخميني من التعليم في الحوزات العلمية، فاهتمت باللغات، الفلسفة، الأدب، وغيرها لتصبح محل يختلف إليه شباب وفتيات العالم لتلقي العلم. ويقوم بيت المال بصرف رواتب شهرية لكل طالب وطالبة. وقام خلف الخميني السيد علي خامنئي المرشد الأعلى، باستمرار العناية بالحوزات حتى أصبحت تهتم بالدراسات العليا بالإضافة للمشيخة.
8- السبب الأهم، تركته آخرًا، ولاية الفقيه. لأنه الفارق الجوهري بين الصفوية والخمينية. فالصفويون سحبوا الشيعي من ساحات المعارك إلى دور العبادة، لكن الخميني أخرج الشيعي من دار العبادة والطقوس وأعاده لساحة المعركة مجددًا. فالشيعي المُنتظـِر (مصطلح مشهور للشيعة غير المؤمنين بولاية الفقيه) أصبح ليس بحاجة لأمر المهدي بالجهاد، فيمكنه أن يسل سيفه في سبيل الله بأمر من الولي الفقيه. تمكنت ولاية الفقيه من عسكرة المذهب وتدشين الأساطيل وتدريب الجيوش وتسليحها، وتحريك الشارع الشيعي سياسيا، لينزل للمعترك السياسي بعد غياب طويل عن الساحة.
هل تشكل إيران خطراً على دول الخليج؟ وماهي الحلول الاستراتيجية لحماية خصوصيات الجوار؟
الهدف من تحليل ركائز قيام دولة الولي الفقيه من جانب فقهي ديني ليتسنى لنا معرفة قريبة للخطر الأيديولوجي وما يمكنه أن يحقق على المستوى السياسي والاستراتيجي. إيران تشكل خطرًا حقيقيًا على أمن الخليج وبلدان الجوار، ومجابهة هذا الخطر لابد أن لا يخضع للمعايير العالمية لمكافحة المخاطر، إنك حين تحارب إيران لا تحارب سلاحًا ماديًا، بقدر ما أنت تحارب فكرة، فكرة سرطانية خبيثة، ومتجذرة، ويصعب اقتلاعها بالأساليب العادية.
إنني هنا أقترح حلولاً لحماية وطننا الغالي والشرق الأوسط من الخطة التدميرية التي تتبعها ولاية الفقيه.
1- قطع الطريق على إيران كنصيرة لمضطهدي العالم، بالاحتواء الذكي للشيعة العرب من قبل أوطانهم، وتكريس الوطنية من أهم آليات الوقاية الاحترازية لمقاومة المد الإيراني، عن طريق القضاء على خطر الداخل. فحينما يستشعر المواطن الشيعي أنه مندمج في النسيج الوطني دونما إقصاء أو تمييز، ستبطل مفعول أغنية المظلومية التي تدندنها إيران لخداع شيعة العالم، الذين تستخدمهم لاختراق الدول وتصدير الثورة، بعد أن يتمكنوا من مفاصل الدولة كما هو حاصل اليوم في الكويت مثلاً. (اللهم احم الكويت وكل دول الجوار من شر إيران).
2- ينقسم شيعة الخليج حول إيران إلى عدة أقسام: موالون دينيون وسياسيون، موالون سياسيون وليس دينيون، موالون عاطفيون لا سياسيون ولا دينيون. وأخيرًا غير موالين لإيران بأي شكل كان. لابد من وضع خطة استراتيجية موجهة للموالين سياسيا ودينيا وعاطفيا لإيران، خطة توعوية، تثقيفية، فكرية، تفضح مخطط إيران العالمي.
3- إغلاق الحدود الإيرانية الخليجية، لمنع ترويج فكر الثورة.
4- محاولة استدعاء كل الطلاب الخليجين في حوزات إيران ووهبهم امتيازات واحتواءهم في أوطانهم. في حال لم يكونوا ملتحقين في أي تنظيم سياسي أو عسكري.
5- صناعة تحالفات استراتيجية مع حلفاء إيران، إن جعل عدوك وحيدًا، أهم أسباب هزيمته.
6- الانفتاح الثقافي والفكري على العالم، وتعريفه على المملكة والخليج بصورتها الحقيقية، لإفساد خطط إيران في تشويه صورة بلداننا العربية والإسلامية. كما حصل من انطباع جيد للرئيس الأمريكي ترامب والوفد المرافق عن المملكة بعد القمة الإسلامية في الرياض.
ما هو مستقبل إيران في المنطقة؟ وكيف نعجل من ضمور دورها السياسي؟
رغم ما تحققه إيران من انتشار واسع للتشيع السياسي من جهة، والانتشار العسكري الجغرافي (أربعة عواصم عربية: بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء). إلا أن هناك نقطة ضعف واضحة في سياستها الداخلية: جمود الفكر الأصولي وآليات تصدير الثورة. وهنا سأتحدث في جانبين:
1- الداخل: فقدان قدسية الثورة لدى الإيرانيين أنفسهم، بعد أن أدركوا حجم الخسائر الفردية، كحجم البطالة، ضعف البنية التحتية، تأخر التنمية، عجز الميزانية، خط الفقر، زيادة عدد مجهولي النسب، انتشار الإيدز بسبب زواج المتعة، والكثير من تداعيات الوضع الاقتصادي والأمني والصحي على الإيرانيين أنفسهم، مما جعلهم يزهدون يوما بعد يوم في رسالة الخميني ويتطلعون للحرية والسلامة والرفاهية.
2- الخارج: اتجاه العالم الحديث لتطور العلم وتحقيق الدول الديمقراطية نتائج مبهرة في التنمية وحقوق الإنسان ورفاهيته، عادت سلبًا على الحكم الثيوقراطي المتجمد القائم على الأيديولوجيا. لم يعد الإنسان الحديث يوافق أن ينام جائعًا، وماله يذهب للكنائس والكهنة. لم يعد ما تعده إيران للإنسان كافيًا، ولذا إن استمرت إيران تروج للزهد، والجهاد، وظهور المهدي، ستحفر بيديها قبرها، لأنه في المستقبل لن تجد زبونا واحدًا يبيعها رفاهيته وصحته ويشتري خبزا جافًا. ما يحدث في العراق ولبنان وسوريا واليمن، أوضح مثال على ما تعده سياسة الولي الفقيه للإنسان، وهذا وحده واعظ لأولي الألباب. المسألة مسألة وقت وستدق إيران آخر مسمار في نعشها، لكن إن أردنا تعجيل ذلك، علينا بالاهتمام أكثر في وعي الإنسان العربي، ثقافته، رفاهيته، تعليمه، مستوى معيشته. علينا أن نضخم الفارق بيننا وبين إيران (الفارق الموجود فعلا). لا يوجد سلاح أكثر قوة من سلاح التعليم.. تعليم الشعوب هو حصنها الحصين.
التعقيب الأول: د. عبدالله العساف
عنوان القضية : إيران بين انتقامات العراق وخصومة المذهب ، تمنيت أنها بعنوان أكثر شمولاً : (أربعون عاماً من التحديات الإيرانية للمنطقة العربية) عطفا على ما شهدته المنطقة بصفة عامة و منطقة الخليج العربي بصفة خاصة خلال الأربعة عقود الماضية، من أحداثٍ ساهمت في رسم المشهد السياسي الحالي لهذه المنطقة، وكان لها انعكاساتها الخطيرة على إيران ومحيطها العربي، تمثلت هذه الأحداث في الثورة الخمينية 1979م وما أحدثته من تصعيد وتوتر بين إيران وجيرانها العرب بصفة عامة، والخليج بصفة خاصة، بعدما أعلنت إيران عن مبدأ تصدير الثورة وما تلاها من قيام حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980- 1988)، واصطفاف دول الخليج إلى جانب العراق، وتأزم العلاقات الخليجية الإيرانية، وثاني هذه الأحداث تدمير العراق العربي، ومن ثم احتلاله وتسليمه لإيران في عام 2003، وثالثة الأثافي كانت موجة الربيع العربي التي اجتاحت عدداً من الدول العربية في 2011 ولا تزال تدور في فراغ لم تجد فيه ذاتها، ولا حتى الخروج من تبعاته، وأخيرا توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) الذي أخرج إيران من عزلتها الدولية اقتصادياً وسياسيا، استثمرته إيران في التمدد في محيطها العربي دون حسيب ولا رقيب.
في ضوء ما سبق، يمكن الخروج بعدة ملاحظات كما يلي:
- أولها: أن التوتر في العلاقات الخليجية-الإيرانية هو سياسي واستراتيجي، ولا يمكن فصله عن الميراث التاريخي للعلاقات بين الجانبين، التي شهدت تقدما حقيقيا على مستوى التصريحات الإيرانية المعسولة فقط.
- ثانيها: رؤية إيران لدورها الإقليمي بعد عام 2003 وحتى توقيع الاتفاق النووي، ومساعيها نحو الهيمنة والسيطرة، على محيطها العربي.
- ثالثها: سعي إيران إلى إلباس خلافها مع جيرانها العرب لباسا مذهبياً وطائفيا.
وحتى نستوعب القضية لا بد من فهم:
– البعد الجيوسياسي لإيران.
– البعد الأيديولوجي وأثره على السياسة الإيرانية.
– طبيعة النظام السياسي الإيراني.
وسوف أتحدث عنها بشكل إجمالي كما يلي:
اعتبرت إيران تصدير الثورة ومساندة حركات المعارضة الراديكالية – خاصة ذات التوجه الإسلامي وبالذات الشيعية منها – في الدول المجاورة أسلوبا للهجوم الوقائي مستغلة البريق الأيديولوجي للثورة في سنواتها الأولى، كما هدفت من وراء ذلك إلى استخدام العامل الإسلامي السياسي كعامل توحيدي إقليمي في مواجهة العامل القومي العربي لتحقق ريادة إيران وزعامتها على المستوى الإقليمي ولذا طالب الخميني منذ البداية بتكرار ثورة إيران في البلدان الإسلامية الأخرى، كخطوة أولى نحو التوحد مع إيران في دولة واحدة يكون مركزها إيران في المواجهة مع من أسماهم بأعداء الإسلام في الشرق والغرب.- نظرية أم القرى لعلي لاريجاني- والتزم بتدمير من أسماهم بالأنظمة الفاسدة التي تقمع المسلمين واستبدالها بما اعتبره حكومات إسلامية. وتعهد الخميني بتصدير الثورة الإيرانية إلى كافة أرجاء الأرض، بل وعد ذلك ضمن واجبات الثورة الإيرانية وأعرب الخميني عن الأمل في انتشار ثورة إيران الإسلامية للعالم أجمع حتى تتشكل حكومة عالمية تحت زعامة الإمام المهدي الثاني عشر.
فإيران تتميز بثلاثة عناصر رئيسة : الموقع الجغرافي، المساحة، السكان، تجعلها تتفوق على محيطها العربي والخليجي تحديداً، حيث تشغل إيران موقعاً استراتيجياً متميزاً من خلال إطلالها المباشر على الخليج العربي وامتلاكها لأطول ساحل على هذا الخليج مقارنة بأي من الدول العربية الخليجية كما أنها تمتلك أهمية جيوبولوتيكية من خلال إشرافها المباشر على الممر الاستراتيجي أو شريان الطاقة (راس السلام الأقرب لجزيرة مسندم العمانية والتي تصر إيران على تسميته بمضيق هرمز) الذي تمر فيه الصادرات النفطية للدول العربية باتجاه دول العالم في آسيا و أوربا وأمريكا، مما يعطيها أهمية جيواقتصادية إقليمية ودولية، وبالنظر للموقع الجغرافي لإيران نجدها محاطة بدول تختلف عنها أيديولوجيا وسياسيا واجتماعاً وعسكرياً جعل العلاقات بينها تتسم بعدم الاستقرار والتوتر المستمر، والمواجهة المفتوحة، وخصوصاً دول الخليج العربي، التي شهدت العلاقات بينهما مد وجزر، ولم تعرف الانفراج إلا أبان الفترة الرئاسية لكل من رفسنجاني وخاتمي.
وإذا ما نظرنا لمساحة إيران فنجدها تأتي بالمرتبة السادسة من حيث المساحة بين دول آسيا أي أنها تتمتع بمساحة كبيرة أعطتها أهمية جيوبولوتيكية سياسية واقتصادية وعسكرية زادت من قوتها الإقليمية في المنطقة مما ولد عندها شعور بالقوة والتسيد وهذا انعكس على سياستها الخارجية وعلاقاتها الإقليمية مع دول الخليج العربي ذات المساحات المتفاوتة من البحرين 665 كم2 إلى المملكة العربية السعودية ذات المساحة الأكبر في المنطقة 2150000كم2، حيث تمتد الجغرافيا الإيرانية الغربية على طول الحدود الشرقية للعالم العربي كله: الخليج العربي – بدوله: دول مجلس التعاون -: (1880 كم)، والعراق: (1458 كم). أي أن العالم العربي (دول الخليج والعراق تحديدا) تتقاسم الحدود البرية والبحرية مع إيران على مسافة تتجاوز 3338 كم، بكل تضاريسها المتنوعة، وبكل مشكلاتها الحدودية الحقيقية والمفتعلة، وبكل تعقيداتها، حيث التداخل التاريخي والعرقي والديني والمذهبي، وبالنظر لتعداد السكان تشير الإحصاءات إلى تفوق إيران على جيرانها في الخليج العربي من حيث عدد السكان، حيث يقدر تعدداها بثمانين مليون نسمة مقابل أربعين مليون نسمة لدول الخليج الست، مما أعطى إيران تصوراً ورؤية استراتيجية مفادها أنها القوة العظمى في الخليج العربي على حساب هذه الدول الأمر الذي شجعها على فرض استراتيجيتها الخاصة على المنطقة باعتباره جزءاً من الأمن القومي الإيراني.
ويمكن القول أن إيران قدمت مثالا فريدا لدول العالم الثالث في استراتيجيتها الخاصة بأمنها القومي بشكل عام والأمن الخليجي بشكل خاص ، حيث ما فتئت تفصح في سلوكها الخارجي وسياستها المعلنة أن أمن الخليج العربي هو جزء من ( الأمن القومي الإيراني ) مما يحتم عليها إتباع مجموعة من الاستراتيجيات أو الإجراءات لغرض تحقيق هذا الأمن المنشود، وتظهر حالة الحراك السياسي الإقليمي والدولي في منطقة الخليج العربي أن إيران بدأت تفرض سيطرتها على هذه المنطقة من خلال تفعيل محاور جيوبولوتيكية عدة ، منها التدخل الأمني والسياسي والعسكري في محيطها العربي الذي تتدرج فيه العلاقة بين الطرفين من العلاقة الاستراتيجية (سوريا نموذجاً) إلى العلاقات العدائية (المملكة العربية السعودية).
وقد ساهمت عوامل إيرانية داخلية، وعوامل دولية خارجية في رسم هذا الخط البياني المتعرج في العلاقات الإيرانية العربية.
فعبر تاريخها القريب والبعيد كانت وما تزال إيران في حالة صراع وتدافع مع محيطها العربي خصوصاً نتيجة إحساسها بالعزلة الثقافية والدينية، ولعقدة الاستعلاء وكراهية العرب لدى العقلية الفارسية، ولتفوقها العسكري، ولهذا يمكن وصف إيران بأنها من الدول ذات الطموح الإقليمي بالنظر إلى امتلاكها لإمكانات القوة المشار إليها أعلاه – الموقع الجغرافي- المساحة – السكان- أعطتها قيمة جيوبولوتيكية كبرى كما منحتها قدرتها العسكرية والاقتصادية وما جرى في المنطقة خصوصاً بعد الاضطرابات العربية والاتفاق النووي الإيراني والاستدارة الأميركية في العهد الأوبامي باتجاه تخفيض اهتمامها أو انتهاجها مقاربة مختلفة مع دول الخليج في معالجة ملفات المنطقة، جعلتها إحدى القوى الإقليمية العظمى.
وكخطوة في إنجاح مشروعها الإقليمي سعت إيران لتأسيس حزب الله في لبنان ليكون ذراعها العسكري الذي تعاقب به من يخرج عن طوعها، أو يخالفها الرأي حتى وإن كان من أتباع المذهب الشيعي، وقد استخدمت إيران القوة الناعمة للترويج لهذا الحزب في العالم العربي كمرحلة أولى، عندما صورته بالمقاومة اللبنانية للعدو الإسرائيلي، ليسهل اختراق الشعوب السنية، والتسويق بمهنية لإيديولوجيا التشيع الصفوي من خلال العزف على الأوتار الحساسة، كتحرير المقدسات، وبيان فساد الأنظمة العربية ذات التوجه الأمريكي، وكان الهدف الرئيس في هذه المرحلة التأسيس لرافعة تساهم في تحقيق حلم الهلال الشيعي، الذي يعتبر الخطوة الأولى لتسيد العالم الإسلامي.
وكانت الخطوة الأهم في تحقيق المشروع الفارسي في المنطقة العربية، عندما بدأت إيران بجارها العراق، وخصمها اللدود في عهد الرئيس صدام حسين، الذي حدث تحول استراتيجي بعد سقوط حكمه، وتنفيذ حكم الإعدام بحقه، تمثل في نقل العلاقات الإيرانية العراقية إلى مرحلة جديدة لم تعرفها في تاريخ البلدين منذ أكثر من نصف قرن إلى اليوم، فقد أصبح العراق العربي ساحة لإيران وعملت بقوة على دعم قيام نظام (صوري) موال لها، من خلال شبكة علاقات وتحالفات معقدة واسعة، ساهمت في خروج العراق من منظومة التأثير الخليجي من خلال:
1- إبقاء العراق خارج معادلة القوى الاستراتيجية في المنطقة.
2- المحافظة على الصبغة الدينية للحكومة العراقية.
3- دعم المرجعيات الشيعية الموالية لإيران.
4- الهيمنة الأمنية ودعم المليشيات الشيعية.
5- ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني.
وكانت سوريا هي المحطة التالية لإيران، فمنذ بدأت الأحداث في سوريا، ألقت إيران بكل ثقلها وراء النظام، وتعهدت بعدم السماح بسقوطه، كما سعت لتعطيل المساعي الإقليمية والدولية الهادفة لاستقرار اليمن، والممهدة لتحقيق الأطماع التوسعية الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية، لما لليمن من خصوصية دينية وتاريخية للفرس، مستخدمة مساراً استراتيجياً في زرع الشقاق وتغذية الصراعات والفوضى والأزمات وإيقاظ الفتن لتحقيق عداً من الأهداف، منها:
1- تصدير الثورة الخمينية للعالم الإسلامي وخصوصاً اليمن نظراً للتقارب المذهبي الاثني عشري والمذهب الزيدي.
2- تغذية الصراع الطائفي في جنوب المملكة العربية السعودية.
3- السيطرة على منطقة باب المندب كأحد أهم المعابر البحرية للتجارة الدولية.
ولهذا تسعى إيران برمي ثقلها في كافة ملفات المنطقة حتى لا يمكن تجاوزها في أي تسويات مستقبلية في الملف السوري واليمني، لمحاصرة الخليج العربي بين فكي الكماشة الفارسية، وهذا يؤكد أن المشروع الإيراني مرتبط بشكل عضوي بالخليج العربي بالدرجة الأولى، نظراً لما يشكله من قيمة استراتيجية وحيوية ودينة للعالم، ولهذا تطالب الخارجية الإيرانية وغيرها من الجمعيات والجماعات والوسائل الإعلامية الإيرانية بتسمية هذا الخليج بالخليج الفارسي!! وهذا يؤكد الطموح الإقليمي الإيراني في السيطرة على هذا الإقليم الذي يراه المشروع الإيراني جزءاً رئيساً في الأمن القومي الإيراني ومجالاً حيوياً لا يمكن التنازل عنه.
وعندما ننظر للعلاقات الإيرانية العربية نجد أن إيران حددت علاقاتها بالدول العربية بمواقف تلك الدول من نظام ولاية الفقيه بالدرجة الأولى ثم بحسب موقفها من حربها مع العراق، لذا حظيت سوريا وليبيا – عهد القذافي- بعلاقات استراتيجية مميزة مع إيران، وأما باقي الدول العربية فتتأرجح بين الطبيعية كالجزائر وعمان، والقطيعة كمصر، والعدائية كالسعودية.
كما حاولت إيران أن تبحث لنفسها عن دور إسلامي أكبر في محيطها العربي والإسلامي بتبني القضية الفلسطينية ومحاولة التدخل بهدف الإصلاح بين فتح حماس، ودعم المقاومة اللبنانية المتمثل في ربيبتها حزب الله باعتباره يحارب الشيطان الأصغر(إسرائيل)!!
لكن هذه الرافعة سقطت بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1)وتحول الشيطان الأكبر إلى ملاك مقدس، كما سقطت قبل ذلك أقنعة ولاية الفقيه بعد الثورات العربية (الربيع العربي) التي باركتها إيران، وحاولت توظيفها لمصلحتها الخاصة، وربط هذه الثورات بما اسمته الصحوة الإسلامية، المستلهمة من الثورة الخمينية في إيران، ولكنها رفضتها وأدانتها بشدة عندما هبت رياح التغيير على حليفتها سوريا!! هذا الموقف الإيراني المتناقض من هذه الأحداث كشف انتهازيتها للشعوب والأنظمة العربية، وأكد أن مصلحة الولي الفقيه هي التي تحركها، وأن هدف تصدير الثورة ما يزال قائماً يتحين الفرص للانقضاض على الدول العربية عندما تتهيأ له أنصاف الفرص.
كما أن العلاقات الإيرانية العربية ليست على وتيرة واحدة؛ فكذلك العلاقات الإيرانية الخليجية، إذ لا تتقاسم دول الخليج العربي رؤية واحدة تجاه إيران، فبالنسبة إلى المملكة العربية السعودية تأرجحت العلاقة بينها وبين إيران بين التصادم والتفاهم، ومرت بمد وجزر وقطع للعلاقات الدبلوماسية عاكسة تفاعلات سياسية ودينية مؤثرة على العلاقة بين البلدين، وتتخذ البحرين ذات الموقف السعودي، فالتهديدات الإيرانية المتكررة باحتلال البحرين، ودعم الحركات الانفصالية، والإرهابية، وتهريب المتفجرات، وغيرها دفعت حكومة البحرين لهذه الموقف.
ورغم احتلال إيران لجزرها الثلاث تبدو دبي العاصمة الاقتصادية، صاحبة الدور الأبرز في العلاقة مع إيران فقد أصبحت دبي وخصوصا بعد الحصار الاقتصادي المفروض على إيران أهم مركز للنشاطات التجارية خارج إيران، وبعد الاتفاق النووي لن تفرط دبي في العلاقات الاقتصادية مع إيران خصوصا بعد انفتاحها على الغرب.
فيما شهدت العلاقات العلاقة الإيرانية العمانية تقارباً على حساب العلاقات العمانية – الخليجية أزعج بقية دول الخليج، حيث لا تتشارك عمان مع دول مجلس التعاون رؤية الخطر الإيراني على هذه الدول، أو الدول العربية بشكل أعم، رغم مساعي إيران للانفراد بمصير المضيق الدولي للطاقة، مضيق رأس السلام- هرمز- دون سواها، دون أن تقيم اعتبارات للأحقية التاريخية لسلطنة عمان، التي لم يشفع لها استضافة المحادثات السرية بين إيران والمجموعة (5+1) بسلامة أراضيها وتاريخها من الاعتداءات الإيرانية، التي تسعى من خلال ذلك لجلب ميزة أخرى تضاف إلى الميزات الجيوسياسية والجيوستراتيجية للموقع البحري أو المائي لإيران، الممتد من بحيرة قزوين شمالاً، مروراً بشط العرب شرقاً، وبالخليج العربي إلى بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً، بهدف توظيفها اقتصاديّاً وسياسياً في الضغط على جيرانها الخليجيين خصوصاً الدول التي لا تمتلك سوى إطلالة بحرية واحدة على الخليج، كالكويت والبحرين وقطر.
وقد شهدت العلاقات الكويتية – الإيرانية نتيجة للتقارب الحدودي عبر مراحل تطورها حالاتٍ من الصعود والهبوط شأنها شأن العلاقات الدولية عامةً، وقد كانت مسيرة تلك العلاقات إيجابية في أغلب مراحلها رغم التوتر؛ فقد أسهم هذا القرب الجغرافي في إثارة عدد من المشكلات بين الجانبين، خاصةً فيما يتعلق بالحدود البحرية وما تحتويه من ثروات طبيعية ولاسيما النفط والغاز. وتعد النزاعات المرتبطة بحقل “الدرة” النفطي الواقع في المنطقة البحرية المشتركة بين كل من السعودية، والكويت، وإيران، مثالًا ذا دلالة في هذا السياق، رغم تقليل الرئيس أحمدي نجاد من أهمية الخلاف، قائلاً: “إنه لا يوجد أي خلاف غير قابل للحوار والحل بين الدولتين، ولازالت الكويت تعيش في المنطقة الرمادية في علاقاتها مع إيران.
ولا تختلف قطر عن الكويت فهي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع إيران في عدة مجالات، نتيجة للجوار الجغرافي الذي فرض التعاون على البلدين في الأبعاد الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وخصوصاً الغاز، ولهذا انتهجت قطر خطاً متوازناً في علاقاتها مع إيران محققة توازناً بين علاقاتها مع إيران ومستلزمات العضوية في إطار منظومة مجلس التعاون الخليجي، رغم خلافهما مؤخراً حول الملف السوري.
فالمشروع الإيراني في منطقة الخليج تحديداً يستهدف كل دولة من الدول الست سواء منفردة، أو بشكل ثنائي؛ في تركيبتها الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية، وهذه استراتيجية إيرانية قائمة على:
- الحيلولة بين التكامل بين حلفائها الاستراتيجيين (سوريا- لبنان- العراق- اليمن) وبين بقية الدول العربية ، وخصوصاً الخليجية، ولهذا لم نر أي تعاون بينهما.
- العمل على تشجيع التفتيت داخل كل دولة تمثل مصلحة أو تهديداً لإيران، عن طريق الانقسام المذهبي، الحوثي في اليمن، ودعم الأقليات الشيعية في دول الخليج.
- رفض تواجد أي قوات أجنبية في المنطقة حتى لو كانت عربية أو إسلامية. – التحالف الإسلامي ورعد الشمال –
وكما ذكرت أ. كوثر فإيران لديها مشروع ورؤية تعمل على تحقيقها، بعكس الدول الخليجية التي تغني منفردة وليسها لديها رؤية واحدة رغم اتفاقها من خلال بيانات القمم الخليجية على أن إيران تمثل القاسم المشترك لأمن المنطقة من خلال:
– احتلال الجزر الإماراتية الثلاث.
– التدخل في الشؤون الداخلية لكل دوله خليجية.
– دعم الجماعات الإرهابية.
– المزاعم المتكررة بتبعية البحرين لإيران.
– الخلاف حول ملفات العراق وسوريا واليمن.
– الاختلاف حول النظرة لأمن الخليج.
– الخلاف حول الدور الأمريكي في المنطقة.
– الخلاف حول التواجد الروسي في المنطقة.
– الخلاف حول المفاعل النووي الإيراني وأضراره البيئية المحتملة على منطقة الخليج العربي.
وقد ذكرت أ. كوثر أمرا مهما وهو بناء الثقة بين المواطنين – الشيعة- ودولهم لتفويت الفرصة على إيران وغيرها لاستغلالهم، واتفق معها وقد تحدثتُ قبل عشرة أعوام مع أحد كبار المسؤولين اليوم، حول هذا الموضوع وذكر لي أن الجميع شركاء في الوطن لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات، وأن نظرتنا واحدة للجميع، لكن .. بعض – الشيعة- ليس لديهم ثقة في حكومتهم ولا يشعرون بانتماء لوطنهم نتيجة ما يتعرضون له من محاضرات ودروس وتوجيهات وأشرطة تألبهم على هذا الوطن، لو جربوا لوجدوا كل ترحاب فلم يمس أحد بأذى لمجرد أنه من طائفة معينة ولكن العقاب ينال كل من يرتكب عملا مخلا بالأمن كائناً من كان.
وأخيراً: هل تمثل إيران مشروع تحدي.. أم مشروع خصم .. أم مشروع فرصة لدول الخليج العربي؟
جاءت إجابة سمو ولي العهد في لقاء متلفز في الثاني من مايو2017 لتبين لنا بوضوح أن إيران تمثل تهديدا لوجود الأنظمة والمجتمعات الخليجية.
ومع ذلك أقول: تفرض محددات العلاقات الخليجية-الإيرانية (الموقع الجغرافي، الامتدادات السكانية والاجتماعية، الروابط التجارية والاقتصادية، الروابط المعنوية “المذهبية”: على دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك على إيران أن يبلورا منهجًا تعاونيًّا تصالحيًّا لإدارة علاقاتهما، فنقاط التقارب والالتقاء كثيرة بين الطرفين، والسؤال الذي يفرض نفسه هل من الممكن قيام علاقات استراتيجية بين الطرفين؟ أو هل يرغب الطرفان في إقامة علاقات استراتيجية بينهما؟
من وجهة نظري أن دول الخليج العربي ترغب حتماً في ذلك وتمد يدها للسلام مع الجميع، ولا تمانع من إقامة التحالفات الاقتصادية والسياسة مع إيران وتجاوز مرحلة العداء التاريخي المفتعلة من قبل إيران، شريطة تخليها عن مشروعها التوسعي، والانسحاب الغير مشروط من الدول العربية، و تقديم إيران ما يبرهن على سلامة نواياها وتغير عقلياتها، وبراغماتيتها، فاتفاقها مع جيرانها الخليجيين على غرار الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) أقل كلفة وأكثر فائدة للبلدين قاطعة الطريق بذلك على أعداء الإسلام بإشعال وإدارة الحرب في بلاد المسلمين، التي لا يوجد فيها طرف رابح. الكرة في ملعب إيران.
التعقيب الثاني: د. عبدالله ناصر الحمود
القضية الحالية “إيران والحوار بين انتقامات العرق وخصومة المذهب” ليست قضية يأنس بالكتابة فيها أحد من الناس، مهما امتلك من أدوات الكتابة. فعلى الرغم من أن المحتوى “البحثي العلمي” الذي قدمته أ. كوثر لمناقشة هذه القضية قد أتى على جل مفاصل تعقيدات المشهدين “العرقي” و “المذهبي” في الشأن الشيعي عبر التاريخ القديم والمعاصر، إلا أن لهذين المشهدين تعقيدات أخرى تجعل التجربة الشيعية الاثني عشرية لا تعدو أن تكون واحدة من التجارب البائسة التي عصفت بالأمة الإسلامية منذ ما بعد الخلافة الراشدة، بشكل خاص.
في البداية
لعلي في البداية أتفق مع كثير مما ذكرته أ. كوثر، بل وأثني عليه، في سردها وتحليلها واستنتاجاتها البديعة لدواعي ومآلات اتكاءات الشيعة، عبر التاريخ، على “العرقية” و “المذهبية” لتحقيق مآرب شتى، يلحظ المراقبون اليوم أنهم بالفعل حققوها باقتدار، واستطاعوا أن ينتزعوا ثُلة من الأمة الإسلامية. وهي ثلة ليست قليلة العدد ولا هينة العدة، تراوحت عند الباحثين والمعنيين بقضايا التشيع (من الشيعة ومن غير الشيعة) بين 154 و 394 مليون نسمة. وهو الأمر الذي يشير إلى صعوبة القطع بالعدد الإجمالي الحقيقي للشيعة في العالم اليوم، لكنهم بصرف النظر عن عددهم، قد أشغلوا العالم “عرقيا” و “مذهبيا” على حد سواء.
اسمحوا لي أن أتكئ في مداخلتي اليوم على مدخل فلسفي .. نوعا ما ..
إنني أعتقد أن الباحثين بشكل عام لا يولون موضوع “التمحور حول مركبات التمايز الكلية للقدح في الآخر وإقصائه” الأهمية المطلوبة باعتبار ذلك التمحور “وسيلة” وليس غاية في حد ذاته. وسوف أعود لتوضيح معنى كون ذلك “وسيلة”.
هذه حقيقة ماثلة حين استقراء التاريخ البشري، منذ خلق آدم عليه السلام، وليس فقط عند الشيعة أو غيرهم من الأعراق والمذاهب المتأخرة. ويروي لنا القرآن الحكيم قصة إبليس مع ربه (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).
جواب إبليس اللعين “تمحور” حول ما ظنه “محور تميز” .. (الخلق من نار .. مقابل .. الخلق من تراب). ففي نظر إبليس أنه أكرم وأنبل (عرقيا) من هذا المخلوق الآخر.
الناس، أيضا، .. منذ ذلك التاريخ لم يتنبهوا إلى جسامة الاتكاء على مثل ذلك “التمحور” .. فالرد الإلهي جاء عظيما .. (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) .. هبوط.. وذم التكبر.. والخروج.. والصَّغار .. كلها جزاءات عظيمة لمن اتكأ على محاور التمايز الكلية قدحا في الآخرين وانتقاصا منهم. هذا درس عظيم يتجاوزه كثيرون دون تأمله حق التأمل.
هذه ليست خطبة.. ولكن منطلق مهم للحديث عن أن الاتكاء على التمايز مع الآخرين (تمايز استعلاء) وسيلة لغاية أخرى وهي في حالتنا الإسلامية منذ ما بعد الخلافة الراشدة “غاية الحكم والسيطرة” لدى الشيعة الاثني عشرية بشكل خاص.
في حالة إبليس كان “التمايز” ملحوظا .. خلق من نار .. وخلق من تراب. فأراد إبليس أن يتكبر بعرقيته وأصل خلقته. ولكن في حال البشر، وفي غياب الوعي المهتدي بالوحي، وبزوغ الأنا الأمارة بالسوء، يعمل كثير من الناس على إيجاد وصناعة “مرتكزات تمايز” يتم الاتكاء عليها، لإثبات “الخيرية” ذاتها التي نادى بها إبليس.
ومن هنا يمكن فقط فهم دعوة الدين الإسلامي في أكثر من مقام “للمساواة” و “العدل” والإنصاف” .. وتحذيره من “الاعتداء” و “السطو” و “الفرقة”.. وليأتي التوجيه الشامل .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
تنتهي.. الخطبة هنا.. لأقول ..
إن اتكاء الشيعة على “محور تمايزهم الذي رأوه وصنعوه”.. تمايزهم .. عن محيطهم منذ نشوء فكرة التشيع، ورفضهم الانصياع للفكرة العامة “للمجتمع المسلم” وادعاء الخيرية والأهلية، منذ التشكل الأول للمجتمع المسلم وحتى ثورة الخميني، لم يكن إلا طمعا في السلطة والسيطرة. وبالمفهوم المعاصر لم يكن سوى “نزعة سياسية” تلبست “دينيا” بلباس “التمايز” ودعت إلى “الفرقة” و “الخصام” وكوّنت لها مرتكزات “إقناع” للدهماء.. وما لبثت أن أصبحت واقعا ماثلا للعيان.
وحيث تشكل وعي ما لدى ثُلة من الناس يؤمنون بفكرة “التمايز” الديني السياسي هذا، فلم يعد عسيرا إضافة مركبات أخرى “لتعميق” فكرة التمايز .. كالعرقية.. في قضيتنا اليوم. فالعرقية وحدها لم تكن قادرة على مقاومة الفكرة الدينية.. لكنها مركّب مهم لدعم التمذهب الديني.
بمعنى .. أما وقد تشكلت فكرة “دينية مذهبية” فسيكون يسيرا دعمها عرقيا، أو بأي دعامات أخرى كاللغة، واللون، وحتى شكل الخلقة، ليكون ذلك التمايز “عظيما” في نفوس أهله، ومستعصيا على المواجهة، وبالتالي قادرا على تكوين “دولة”.
هذا .. في ظني.. ما نواجهه اليوم في صراعنا مع “فكرة التمايز” الإيرانية. وهي الفكرة الشيطانية التي قسمت الأمة الإسلامية إلى قسمين “شيعة” وسنة” على غير هدي من الوحي ولا من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.. وذلك على الرغم من زعم الشيعة الاثنا عشرية أن “التشيع” أصل الإسلام.. وأنه ركن من أركانه، وأن المسلم التقي يجب أن يتشيع ويوالي علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وللشيعة استدلالات وروايات كثيرة ليس هنا مكان عرضها.
الإيرانيون ومحيطهم العربي
الأمر.. جد خطير.. والنزعة المذهبية والعرقية الفارسية بدأت وستبقى في صراع كبير مع محيطها العربي والإسلامي، وسوف تستمر المناهج الدراسية المعاصرة في الثقافة الفارسية تسخر من “المسلمين السنة” وتنال منهم، لأن ذلك باختصار “مناط التمايز” الديني. كما سوف تستمر إيران الراهنة في السخرية من “العرب” لأن ذلك مناط التمايز العرقي.. وبدون عنصر السخرية هذا ستكون دولتهم في خطر، لأن السخرية المبنية على فكرة “التمايز العرقي” أصل لبناء الدولة الفارسية الصفوية. وإيران المتمذهبة اثنا عشريا، ترى العرب بكل دولهم هامشيين، وأمة زائدة لا يستطيعون الدفاع لا عن أنفسهم ولا عن حلفائهم، ومكانتهم في الحاضر مثل مكانتهم في الماضي مجرد مكانة وهمية، فلا يعتمد عليهم.
وسوف تستمر إيران في السعي لانتزاع العروبة من قلوب الشيعة العرب وتحويلهم إلى مجرد “جاليات فارسية” في دولهم. ولقد شهدت السنوات القليلة الماضية مثل هذا السوك “التمايزي” الشيعي الإيراني الصفوي الاثني عشري في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن.
إيران ودعم الجماعات السنية المتطرفة
لأن فكرة “التمايز” تلك هي المرتكز الشيطاني الرئيس للذهنية الشيعية الصفوية الاثني عشرية، وحيث يتم استخدام تلك “الفكرة التمايزية” وسيلة سياسية لتحقيق حلم الدولة الشيعية الاثني عشرية الكبرى، فإنه يمكن فهم دعم إيران للجماعات السنية المتطرفة، ففي هذا تحقيق غايتين كبيرتين: الأولى، خلق الاضطرابات داخل الكيان الإسلامي السني نفسه، والثانية إثبات أن “السنة” أشرار سيؤون، إن على العالم المتحضر المعاصر أن يهجرهم ويحاربهم، وأن يضع يده في يد الشيعة المتحضرون!!.
فكرة التقريب بين المذاهب
بخصوص “فكرة تقارب المذاهب” باعتبارها مدخل مناسب للتهدئة بين إيران والعرب، فإنني أعتقد أن من أكثر ما ابتليت به الأمة الإسلامية تعدد “مذاهبها ذات الاتكاءات السياسية”.
إن “فكرة اختلاف الأمة رحمة” فكرة رائدة وراقية جدا.. وفيها من مرتكزات التحرر والانطلاق إلى عوالم الإبداع والابتكار الشيء الكثير. ولكنها فكرة اغتالها السياسيون على مر التاريخ فأصبحت دون معناها.. وألقت بثقلها على الناس. وبالتالي لست مع التقريب بين المذاهب. ولكنني مع تحرير المذاهب كلها من سطوة السياسيين، وإعادتها إلى فضاءاتها المدنية الإنسانية المهتدية بالوحي. هذا بشأن التمذهب بشكل عام. أما في ما يخص التمذهب الشيعي، فيتضح رأيي بشأنه في الفقرة التالية.
الدروس التاريخية المستخلصة من الصراع المذهبي والعرقي مع الفرس
لا شك أن الأمة الإسلامية مرت وتمر بلحظات عصيبة جدا نتيجة الصراع المذهبي والعرقي مع الفرس. والأدهى من ذلك، أنه لا بوادر لحلول منطقية. فالصراع في ازدياد.. والتوتر آخذ مداه.. والمستقبل المنظور ينذر بمزيد من الفرقة والخصام، ومن عواقب وخيمة، عسى الله أن يحمي الأمة منها.
الدرس الوحيد الأهم الذي لم يتم تعلمه بعد ويحتاج من يتعلمه، هو “درس إبليس مع ربه”.. تحتاج الأمة اليوم، إلى من يتبنى ويطبق المنهج الرباني في قطع دابر “المتكبرين”… وهذا عمل ليس يسيرا أبدا.. ويحتاج أمورا كبرى منها:
– تكاتف قيادات العالم الإسلامي على كلمة سواء.
– إعادة صياغة الفقه الإسلامي وفق قراءة معاصرة لمصدري التشريع.
– تحقيق قدر كاف وجريء من الفصل بين “الديني” الذي هو للناس في أكثر من 80% من أحكام العبادات والمعاملات، و “السياسي” الذي هو لإدارة شؤون الناس، ولا يتجاوز الديني منه 20% تقريبا.
– إعادة بناء فضاءات التعليم والثقافة وفق المنظورات الجديدة المطورة في العالم الإسلامي.
وسوف يترتب على ذلك، بالضرورة، تهالك فكرة “التمايز” الديني والمذهبي ذاتها. وهي الفكرة التي تعصف بالأمة الآن. وستتلاشى سطوة المذاهب أيا كانت، لأنها ستكون خيارات مدنية للناس، لا علاقة للسلطات فيها. وبالتالي فسوف يخبو بريق “التمذهب”، ويكون الصراع الدولي “صراعا سياسيا” بامتياز. وهنا.. تمضي سنة الله في الاستحلاف.
أعرف .. أنني أحلم هنا.. ولكن.. يقيني أن “الحلم الجميل” هو الخيار الأوحد لمواجهة كارثة تمترس الاثني عشريين خلف مذهبيتهم وعرقيتهم.. التي لا ولن تزول بأي مقاييس تقصر دون “الحلم” .. والحلم هنا هو الرؤية.. Vision .. هو الحلم الجميل الذي أطلقه يوما ما “مارتن لوثر كينق” ليواجه فكرة “التمايز” العنصري البغيض.. الذي عصف ببني عرقيته.. وفي واحدة من بقع الدنيا المحسوبة على اللاتمايز.
المداخلات حول القضية:
- أبعاد الممارسات الإيرانية الراهنة
أشار د. خالد الرديعان إلى أن مشكلاتنا مع إيران هي نتاج إرث تاريخي طويل من التنافس والعداء؛ إرث متراكم في الوجدان والشعور عند الطرفين الفرس والعرب.
هو تاريخ الأمة الفارسية العظيمة التي كانت تحتل نصف العالم القديم والتي لم يقوضها إلا الإسلام الذي ظهر من الصحراء العربية من الأعراب الذين كانوا يشربون بول الإبل كما يتم تصويرنا في المخيال الفارسي المتعصب. المخيال الذي يكرس صورة الأعرابي آكل الضب والمتخلف والذي نزلت عليه الرسالة السماوية خطأً ولم تنزل على قوم كسرى انوشروان أو يزدجرد.
هذه الصورة لن تزول من الوجدان الفارسي مهما قلنا ومهما فعلنا. الفرس أمة شرقية لا تنسى ماضيها. إيران ليست اليابان التي تجاوزت هزيمة الأمريكيين لها ومن ثم عاودت النهوض وعملت مع الأمريكان وبقية الحلفاء الذين دحروها في الحرب العالمية الثانية.
وحتى الإسلام الذي يفترض أن يذيب الفوارق بين الإيرانيين والعرب لم يعد بصورته القائمة اليوم قادراً على إذابة الفوارق بين الطرفين؛ ليس بسبب عجز الإسلام عن هذه المهمة معاذ الله، ولكن بسبب المذهبية البغيضة التي شرذمت الدين إلى دينين: إسلام فارسي وإسلام عربي وبينهما ما بينهما من التباينات التي غذاها استقطاب التمذهب ومن ثم صعوبة الوصول إلى قواسم دينية مشتركة.
الإيرانيون ينظرون للعرب باستعلاء عرقي أكثر من أي شيء آخر؛ بدليل أنهم لا يعترفون بريادة العرب عموماً والسعوديين على وجه الخصوص في خدمة الحرمين الشريفين وحماية المقدسات الإسلامية.
أليسوا هم من يثير المشكلات في شعيرة الحج ومن يؤجج الآخرين علينا في هذه المسألة. أليسوا هم من يغذي بؤر الإرهاب في المنطقة لخلق القلاقل في العالم العربي؟
أليسوا هم من يعزف قادتهم عن زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة طالما هما تحت إدارة المملكة العربية السعودية؟
هل رأيتم الخميني أو خامنئي أو نجادي يؤدي مناسك الحج أو العمرة كبقية زعماء الدول الإسلامية؟
فقط رفسنجاني زارنا عندما كان خارج السلطة لكي يقف أمام قبر الشيخين ليلعنهما على مرأى ومسمع من إمام الحرم النبوي الشيخ علي الحذيفي وبقية القصة معروفة.
الأمر برمته ليس سنة وشيعة فحسب؛ فهذا خلاف يمكن التعامل معه كما جرى طيلة القرون الماضية، بل هو عداء تاريخي بين قوميتين تتنافسان على النفوذ في المنطقة ورغبة الإيرانيين في التوسع خارج حدودهم، وما الخلاف المذهبي إلا الأداة التي يستخدمون لتأجيج الصراع وتوسيع فجوة الفرقة بين الطرفين.
إن الأحداث التاريخية يتم توظيفها سياسياً في كل مناسبة لمنع أي تقارب مذهبي وهي العملية التي لم تنجح رغم حدوث بعض اللقاءات بين الطائفتين لتخفيف حدة العداوة وخلق تعايش حقيقي بينهما.
وقد سارت الأمور بهدوء واحترام متبادل بين الطرفين على الأقل في المملكة حتى قيام ثورة الخميني عام ١٩٧٩م التي قامت بنكئ الجروح القديمة وتهييج الوضع مرة أخرى.
وأضاف د. خالد الرديعان في عرض تاريخي مختصر، إلى أن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وهو ابن الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى تولى الحكم بعد وفاة والده في عام ١٧٦٥م واستأنف بناء الدولة ونشر الدعوة . وفي عهده امتد نفوذ الدولة إلى الرياض وجميع بلدان الخرج ووادي الدواسر في الجنوب، وفي الشمال امتد إلى القصيم ودومة الجندل بالجوف ووادي السرحان وتيماء وخيبر. وفي الشرق تمكن الإمام عبد العزيز من السيطرة على الأحساء والبريمي بعد أن كانت خاضعة لحاكم قطر لسنوات طويلة. كما امتد نفوذ الدولة السعودية إلى البحرين وعمان عن طريق ولاء قبائل المنطقة ودفعها الزكاة للدولة السعودية. أما في الغرب فقد امتد نفوذ الدولة السعودية إلى شرقي الحجاز والطائف والخرمة وتربة وما حولها. وفي الجنوب الغربي وصل نفوذ الدولة إلى بيشة والليث وجازان.
وقد قام شيعة العراق بقتل عبد العزيز سنة ١٨٠٣م انتقاما من هدم كربلاء قبلها بعامين، فطعن وهو يصلي صلاة العصر في مسجد الطريف بالدرعية. ويورد ابن بشر أن من قتله كان كردياً من قرية قرب الموصل.
والهدف من عرض هذه المعلومة التاريخية إيضاح أن العداوة المذهبية بين الدعوة الوهابية والشيعة قديمة في التاريخ السعودي.
علي الوردي عالم الاجتماع العراقي أشار إلى الحادثة وتناولها عدد كبير من المؤرخين سواء في العراق أو من بلدان أخرى ممن كتبوا عن الدولة السعودية الأولى. وقد تم توظيف هذه الحادثة أي الهجوم على كربلاء وحادثة هدم القباب على بعض القبور في كربلاء (١٨٠١م) بصورة متكررة لتبيان مدى نفوذ الدعوة وخطورتها على الشيعة عموماً ومن ثم تعميق الفروق بين السنة والشيعة. هذه الحادثة كثيراً ما يتم الإشارة إليها وبمرور الوقت أصبحت أهم الأسباب التي خلقت التباعد بين الطائفتين رغم أن الدولة السعودية الثالثة (١٩٠٢م وما بعد) نأت بنفسها عن أي خطوات تعمق الفروق أو العداوة بين الطائفتين وخاصة بعد الاستيلاء على الأحساء عام ١٩١٣م.
كذلك فإن سقوط الدولة السعودية الأولى أثناء حكم عبدالله بن سعود كان بقوة مصرية قادها أولاً طوسون ابن محمد علي باشا تلاها حملة أخرى كبيرة بقيادة إبراهيم باشا بعد فشل حملة طوسون. وقد كانت الحملة إلى نجد بإيعاز من الباب العالي الذي رأى في الدعوة الوهابية خطراً كبيراً بعد وصولها إلى مكة المكرمة.
وتساءلت أ. مها عقيل حول طبيعة الدور الذي لعبته القوى الفاعلة من خارج المنطقة في تأجيج الخلاف المذهبي والنعرات العرقية كي يستمر الصراع في المنطقة وإضعاف جميع الأطراف ليستمر نفوذها في المنطقة؟ والمقصود تحديدا أمريكا وقبلها بريطانيا وبالتأكيد إسرائيل هل لها دور أيضا؟
وفي هذا الإطار يعتقد د. عبدالله بن ناصر الحمود أن هناك أدوار بالتأكيد وليس مجرد دور؛ لكن البحث عن أسباب فرقتنا وصراعاتنا خارج حدودنا.. منهجية بائسة.. ودليل ضعفنا.. وقلة حيلتنا. الدور الذي تلعبه القوى الدولية العالمية في تأجيج صراعاتنا .. هو باختصار.. تفعيل حصيف لحماقات بعضنا ضدنا لا غير.
وعقبت أ. مها عقيل بأن الهدف من السؤال ليس البحث عن أسباب ووضع اللوم على القوى العالمية فبالتأكيد الأسباب واللوم يبدأ بنا من الداخل وبضرورة الوعي بذلك كي نتمكن من صد أي تأثير خارجي. ولكن أحيانا لا يكون هناك وجود لصراع مذهبي أو الصراع ليس حاد أو هو كامن ويأتي من الخارج من يذكي هذا الصراع ويؤججه مثل ما فعلت أمريكا بعد احتلالها للعراق فقد انتهجت أسلوب التقسيم على أساس مذهبي وعرقي وقدمت العراق لإيران على طبق من ذهب، ويحصل الآن في سوريا تقسيم وتهجير على أساس مذهبي وعرقي. فهل أمريكا حليف نثق به؟ وما الذي يجب أن نفعله كي نمنع المزيد من هذا التقسيم المذهبي والعرقي؟ إيران لها مطامع توسعية هذا واضح واستطاعت أن تستغل الفرص والأوضاع الداخلية في الدول العربية فلماذا لا نبدأ بتحسين وتحصين وتقوية الداخل ولا نكون عونا للذين يريدون تقسيم المنطقة أكثر.
ويرى د. إحسان بو حليقة أنه لطالما وظف التباين العرقي أو الطائفي لأغراض سياسية. ومن ناحية أخرى، فان السعي لرسم خيوط عابرة للأوطان توازي الانتشار المذهبي يقوم على افتراضات قوية بشأن تمدد سياسي يماهي التمدد المذهبي، وهذا يأخذنا ثانية للمدرسة السياسية، التي قد توظف أي شيء في سبيل مصالحها، ولهذا شواهد تاريخية عديدة، مثل التناحر بين الدولتين الفارسية والعثمانية.
وفي السياق ذاته كتب د. زياد الدريس تحت عنوان “العالم ما بعد الثورة الإيرانية”: كنت في السابعة عشرة من عمري، حين نزل الخميني من طائرة الخطوط الفرنسية على أرض طهران، قادماً من باريس.
لم تكن معرفتي السياسية المحدودة حين ذاك، في عمري اليافع، تساعدني على الالتفات إلى تفاصيل الرحلة: الشركة الناقلة، جهة القدوم، جهة الوصول، طاقم الطائرة الفرنسي الذي اتكأ عليه الشيخ عند هبوط السلم!
انقسم الناس من حولي، في ذلك اليوم من العام 1979، إلى ثلاثة أقسام:
- فئة طبّلت لانتصار الثورة الإيرانية الإسلامية، وأنها ستكون منعطفاً في حلول مشكلات العالم الإسلامي، خصوصاً في محورين هما: خلق التوازن الإسلامي مع الغرب، وتحقيق آمال العرب بتحرير فلسطين.
- فئة أخرى قرعت طبول الحرب في التحذير من المدّ القادم، سواء من حيث منطلقاته القومية (الفارسية) أو المذهبية (الشيعية).
- الفئة الثالثة لم تطبّل للخميني ولم تقرع طبول الحرب منه، بل اعتبرت أن الحدث لا يستحق كل هذا التهويل، المتفائل أو المتشائم، فالمسألة لا تعدو أن تكون انقلاباً أسقط زعيم دولة وجاء بزعيم بديل، كما حدث في بلدان مجاورة كثيرة.
والآن، بعد مرور ٣٧ عاماً على الثورة الإيرانية، كيف يمكن تقويم دقّة وصوابية تلك المواقف الثلاثة؟ أما الفئة الثالثة التي ظنت أن الثورة ستكون حدثاً انقلابياً عابراً، فهي بلا شك خارج حسبة التقويم الآن، إذ لا حاجة لإثبات خطأ توقعاتها الهادئة حينذاك!
سيبقى التقويم والفحص مشروعاً بين فئة التبشير وفئة التحذير. الطريقة الوحيدة لفحص دقّة الموقفَين هي من خلال القيام بما يشبه «جَرْدة حساب» للأعمال التي أحدثتها الثورة الإسلامية الإيرانية في إيران، وفي العالم الإسلامي، وفي العالم في شكل شامل.
منهجياً، أدرك بأن هويّاتي الكبرى والصغرى ستؤثر في قياسي وتقويمي، لكني سأحاول تقليص أثر هوياتي الصغرى، فيما سأتمسّك بتأثير هوياتي الكبرى: الإسلام والعروبة، لأنها مرجعية أساسية في التقييم.
- أولاً، لنبدأ بالداخل الإيراني:
– هل أصبحت إيران الخميني أكثر تقدماً وتنميةً واستقراراً من إيران الشاه؟
– هل تحركت عجلة التصنيع وتنوعت مصادر الدخل في إيران الثورة، أم أنها ما زالت تعتمد على النفط في شكل رئيس، كما كانت قبل الثورة؟
– هل تبدّلت أحوال المواطن الإيراني عما كانت عليه أيام الشاه؟ لا أعني هنا الأحوال الوجدانية التي ربما تُشبعها الشعارات الثورجية في الشوارع والساحات، بل الأحوال الحياتية من حيث مستوى المعيشة والتسهيلات والخدمات التي تعبّر في شكل أكبر عن اهتمام النظام الحاكم بكرامة الإنسان أكثر مما تُحدثه الشعارات!
- ثانياً، في العالم الإسلامي:
– هل ساهمت الثورة «الإسلامية» الإيرانية في زيادة وحدة المسلمين وتكاتفهم وترابطهم، بين أنفسهم أولاً، ثم أمام خصومهم الحقيقيين أو المحتملين؟
– وهل أسهمت الثورة «الإسلامية» في نشر الإسلام والدعوة إليه؟ أم أن برنامج «تصدير الثورة» قد انشغل عن دعوة غير المسلمين بدعوة المسلمين للتحوّل من مذهب إلى مذهب، أو كما عبّر بعض دعاتهم الغلاة بأنه دخولٌ إلى الإسلام من جديد!
– ألم تؤدِّ هذه الدعوة المذهبية إلى انقسامات وفتن داخل البلد الإسلامي الواحد، وبين الشعب المسلم الموحّد من قبل؟
– ألم تُسهم فلول الثورة الإيرانية في إحياء فتنة عمرها أكثر من ١٤٠٠عام، لا لتفكيك ضغائنها التي كادت تخبو، بل لإشعالها من جديد، وتأجيج خصومات دينية/ تاريخية عبر نشر طقوس فانتازية تتنافى مع عقل ومنطق القرن الحادي والعشرين!
- ثالثاً، في المذهب الشيعي:
– قد تبدو للبعض سلامة التأكيد المطلق بأن الثورة الإيرانية قد خدمت المذهب الشيعي. الثورة بلا شك ساهمت في شكل كبير في انتشار المذهب الشيعي، لكن هل كل انتشار لفكرةٍ ما، أيّاً كانت صيغته ومضامينه وأهدافه، هو بالضرورة خادمٌ لجوهر الفكرة؟!
– ألا يوجد من عقلاء الشيعة اليوم من يأنف ويرفض الملابسات التي أحدثتها الثورة الإيرانية في المذهب الشيعي، مثلما يوجد من عقلاء السنّة من يأنف ويرفض ما أحدثته حركة جهيمان وتبعات الجهاد الأفغاني في صورة الإسلام السني؟!
- رابعاً، في العالم العربي:
– هل تحررت فلسطين، كما كانت تخدعنا خطابات الثورة الإيرانية بالوعود؟
– بل هل يتذكر العرب، الذين عوّلوا على ذلك كثيراً، أي موقف أو إجراء أو تحرّك أو قرار اتخذته إيران الثورة خلال الـ٣٧ سنة الماضية تجاه مناصرة فلسطين أو القدس أو المسجد الأقصى؟!
– لم تُطلق إيران «الثورية» رصاصة واحدة في وجه إسرائيل، لكنها فعلت ذلك كثيراً في وجه العراق ولبنان وسورية واليمن والبحرين، وفاخَر زعماؤها العسكريون باحتلالهم أربع عواصم عربية، وسعيهم لاحتلال المزيد من المدن العربية باسم الثورة الإسلامية!
– وبعد أن تمّ تحطيم العراق ومسخ سورية واختطاف لبنان والعبث باليمن، بيد الفلول الخمينية من العرب وغير العرب، هل يمكن القول اليوم أن حالة العالم العربي بعد الثورة الإيرانية لم تزدد سوءاً؟!
غنيٌّ عن القول أن العواصم العربية الأربع (المتأيرنة الآن) كانت تعتبر زهرة الدنيا وحواضر العالم العربي، في حين أورثها النفوذ والتغلغل (الاحتلال) الإيراني التخلف والدمار وانتكاسة القيم وهروب العقول النابغة واستعار حمّى الاغتيالات بسبب صراع الأيديولوجيا.
وبعد أن عاش الوطن العربي قروناً طويلة من الوئام بين مسلميه ومسيحيّيه وسنّته وشيعته، أصبح العربي المسلم الآن يتعايش مع العربي المسيحي، بينما لا يطيق فعل ذلك مع المسلم الذي يخالفه المذهب. أي أن إيران «الإسلامية» نجحت في بث الفرقة المذهبية بين المسلمين كما لم تنجح القوى الاستعمارية في بث الفرقة الدينية بين العرب!
- خامساً وأخيراً، لنفحص حالة العالم في شكل شامل:
– هل كانت شعوب العالم، قبل الثورة الإيرانية، تعرف من الإسلام غير الإسلام فقط، ثم أصبحت بعد الثورة «الإسلامية» تعرف إسلامين اثنين أو أكثر؟
– وهل تحسنت الصورة النمطية عن الإنسان المسلم في العالم بعد الثورة «الإسلامية» الإيرانية أم ازدادت سوءاً؟! ولا أُغفل هنا تأثير حوادث أخرى موازية أو متقاطعة، كالحركة الجهيمانية وحركات الغلو الجهادية كـ «القاعدة» و «داعش»، في صنع الصورة النمطية الجديدة للمسلم. لكني أيضا لن أتغافل التأثير الذي أحدثته، وإن في شكل غير مباشر، مسيرات التحريض وخطابات الكراهية التي تتكرر في المناحات الدينية السنوية التي تقام في المدن الإيرانية والمدن العربية المشابهة لها.
– وفي سؤال ختامي موجز: بعد مرور أربعة عقود على قيامها وبمراجعة أفعالها و «إنجازاتها»، هل الثورة الإسلامية الإيرانية خدمت الإسلام أم إيران؟ قد يتدخل مواطن إيراني في الإجابة، ليقول: لم تخدم أيّاً منهما!
وتحت عنوان: «روحاني» في إيران: هل فاز الاعتدال حقاً؟ أشار د. فايز الشهري إلى أنه مؤخرا اختار حوالي 57% من الشعب الإيراني إعادة انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران الملالي لأربع سنوات قادمة. جاء روحاني (68 سنة) إلى الانتخابات وفي سجله إنجاز الاتفاق النووي التاريخي مع القوى العالميّة في يوليو سنة 2015م والذي أثمر عن رفع العقوبات الغربيّة المفروضة على إيران.
ويبقى السؤال هل يمكن لروحاني الموصوف بالمعتدل أن يحدث تغييرا في توجهات نظام الملالي في القضايا السياسية والعسكرية وفي علاقات الإيرانيين بجيرانهم؟
بعض المحللين تفاءلوا وذهبوا بعيدا متناسين أن منصب رئيس الجمهورية في إيران مفرّغ من مضمونه حيث يحتفظ المرشد الأعلى (القائد) بحق التعيين في المناصب الكبرى ويشرف على السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ناهيك عن أنه الموجّه الفعلي للجيش والمخابرات وهو من يرسم خطوط السياسة الخارجية.
أما روحاني خريج الحوزة العلمية في سمنان وقم الذي يحمل رتبة حجة الإسلام فالمتتبع لتاريخه يعرف أنه لم يكن بعيدا عن غلاة الملالي منذ بدأ نشاطه مرافقا للخميني في منفاه بفرنسا حتى تغير التكتيك السياسي بداية الألفية الثانية. يقولون عنه إنه مفاوض مراوغ ورجل دين يصدر الفتوى بمقاييس السياسة ويسميه الإيرانيون في حواراتهم “بالرئيس المحتال!”
ويتميّز روحاني بقدرته على لبس القفازات الناعمة ليظهر إصلاحيا أمام العالم ولكن بمواصفات المرشد الأعلى. وتعرف النخب الإيرانية جيّدا أن المعتدلين السياسيين الحقيقيين والمعارضين لخط الملالي إما في المنافي أو وراء القضبان وفي أحسن الأحوال تحت الإقامة الجبرية.
روحاني الرئيس السابع لجمهورية الملالي ابن المدرسة التقليدية الخمينية التي رعته ووضعته في أهم مراكزها من مصلحة تشخيص النظام إلى مجلس الشورى إلى الأمن القومي وقيادة قوات الدفاع الجوي.
وبهذا فروحاني شريك ملتزم بخط ثورة الملالي وحق إيران في السلاح النووي والتوسع في الصناعات الحربية والنفوذ الثوري في المحيط العربي والإسلامي.
وقد صرح روحاني بعيد فوزه أنه لن يوقف برنامج إيران الصاروخي وأن الحرس الثوري جزء لا يتجزأ من النظام الإيراني. كما علّق على نتائج قمم الرياض الثلاث مع الرئيس الأميركي “ترامب” بقوله “لا يمكن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط من دون مساعدة طهران” وهو تصريح يحمل من التهديد أكثر من مجرد البحث عن دور.
لا جديد إذا فالإيرانيون اختاروا السيئ هروبا من الأسوأ والعرب والعجم كلّهم يعرفون جيّدا أن فترة رئاسة روحاني الأولى شهدت تراجع التنمية في إيران وتنامي تسليح الحوثيين في اليمن وتحويل مدن العراق إلى ساحة ميليشيات وإرسال المرتزقة وعصابات حسن نصر الله للمشاركة في قتل السوريين وتأزيم الأزمة المستفحلة.
أما د. مساعد المحيا فذكر في مداخلته أن إيران برغم الحرب مع العراق وبرغم الحصار وبرغم ما تواجهه من أزمات ظلت مخالبها قوية ، وظلت ناشطة سياسيا ، وعادت لها أمريكا وأوروبا لتحتضنها ، وابتلعت أربع عواصم عربية. واليوم بعد أن كان لنا جهود لتحجيم دورها في سوريا ولبنان ها هي الآن تجد من روسيا كل الدعم وتفتح خطها المباشر من إيران حتى البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا ولبنان.
إيران دولة أيدولوجية براجماتية .. تضع ثروتها من أجل مصالحها. صحيح أن شعبها يعيش أكثره حالات من البؤس والفقر لكنها تصنع اليوم لها مجدا وتمضي في التهام مناطق أخرى.
منذ أن سلمت أمريكا العراق لإيران وهي تدير كل مفاصله حتى صنعت فيه جيشين رسميا وشعبيا “ميليشيات” وتستغل كل المفارقات من أجل تحقيق أطماعها التوسعية ، فهل يمكننا أن نعول على ترامب وسياسته في إعادة التوازن في المنطقة؟
وذكر د. خالد بن دهيش أن د. نبيل العتوم ( أردني) أصدر كتاب بعنوان (صور العرب في الكتب المدرسية الإيرانية) وهو عبارة عن دراسة استقصائية علمية رصدت صورة العرب في المناهج والمقررات الدراسية الإيرانية في المراحل الدراسية ( الابتدائية والمتوسطة والثانوية ) بهدف تكريس العداء للعرب من خلال رسم صورة العربي ، وكيف تؤثر تلك الصورة في تنشئة الطالب الإيراني . بهدف تشويه صورة العربي في الثقافة الفارسية . إلى جانب ما تحتويه كتب الأدب الفارسي من تصنيف العرب بأحقر الصفات وأسواء النعوت .
فكتب المرحلة الابتدائية تصف العرب بالبدو وسكّان الصحراء ….الخ، وكتب المرحلة المتوسطة تضمنت ترسيخ تخلف العرب واحتكامهم للسيف لحل مشاكلهم وعبادة الأوثان ومعاقرة الخمر… الخ، وكتب المرحلة الثانوية تظهر العرب بأنهم مجتمعات مليئة بالكذب والفساد … الخ.
وفِي المقابل تظهر الكتب الدراسية المجتمع الفارسي بالتفوق والعرقي وأنه أساس الحضارة ، وتكثر من استخدام (أعراب). وتبين الكتب أن العربي عدو لآل البيت وأنه كافر بخلاف الإيراني. وكذلك تظهر الخليج العربي بالفارسي ….الخ. ولنا أن نتخيل هذا الجيل من الطلاب الذين يستخرجون من هذه المناهج كيف يخرجون للحياة وكيف ينظرون إلى جيرانهم العرب؟
وأضاف د. عبدالله العساف أن هذه الكتب تم حشوها بالقصص والأفكار المختلفة لتهيئة عقول الطلاب للعدو المفترض والمتربص بإيران أصلت الحقد والعداء في نفوسهم تجاه كل ما هو عربي وإسلامي، من خلال استدعاء الشعور بالمظلومية والهولوكوست الشيعي وإسقاط الإمبراطورية الفارسية، ولهذا لا تخلو المنابر التعليمية والدعوية والإعلامية من:
– تميز العرق الآري عن غيره.
– إيران الكبرى.
– الأمة الإيرانية ذات التاريخ والحضارة.
– الوهابية.
– العداء للشيعة.
– الإسلام السلفي ومعادته لا يران.
وبهذا تم تحويل التشيع الصفوي السياسي إلى تفويض الهي بالاستيلاء على أراضي الغير لبناء دولة الوعد الإلهي بانتظار عودة المهدي المنتظر.
- إيران والجوار: رؤية استشرافية
من وجهة نظر د. حميد المزروع فإنه قد حان الوقت بأن يتزامن ربط ملف مكافحة إرهاب داعش بأطرافه الدولية مع مكافحة ملف الأحزاب الشيعية الإرهابية المنضوية تحت ما يعرف بالحشد الشعبي مثل حزب الدعوة ، وعصائب الحق وحزب الله ، وكذلك مليشيات الباسيج الإيرانية المتخفية مع هذا الأحزاب . وبهذا الخصوص يمكن أن يتم تجهيز قائمة مفصلة بالأدلة بأسماء هذه الأحزاب والكيانات الشيعية الطائفية الإرهابية وكذلك بأسماء الأفراد والقنوات الفضائية التي تحرض علي الطائفية والقتل علي الهوية وازدراء الديانات الأخرى .
ولعله من المناسب حاليا و طالما وأن داعش قد بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة بالموصل بأن تنشط الدبلوماسية السعودية بمطالبة حكومة العبادي خلال زيارته المرتقبة للمملكة بأن تنفذ حكومته وبشكل معلن ؛ إما بدمج هذه المليشيات الطائفية المنفلتة داخل الجيش العراقي النظامي ، وبالتالي تتحمل قيادة الجيشِ والحكومة مسئولية عملياتها الأمنية وبأن يمتثل الجيش لأوامر القيادة العراقية والقانون الدولي ، أو أن تَقُوم المملكة بتنسيق حملة دبلوماسية وإعلامية بتجريم هذه الأحزاب والمليشيات ومنها أيضا حزب الله، واتهام إيران والعراق بشكل رسمي باحتضان ورعاية وتمويل هذه المليشيات لزعزعة أمن واستقرار العراق والدول المجاورة .
ويمكن الذهاب أبعد لما تفضلت به أ . كوثر ، فإن البدء بالتعاون مع الأحزاب الشيعية العراقية المعتدلة وخاصة العروبية- الوطنية منها ، والتي لا تخضع لنظام ولاية الفقيه ، وهذا سيساهم علي تقليم وتحييد دور إيران بالعراق ، و تعزيز وتقوية أجندة الأحزاب الوطنية ومساعدتها علي استعادة استقلالها وقراراتها الوطنية ، وتوجيهها إعلاميا لتطالب بحقوقها للمشاركة الفعلية بالحكم لتدعم وتنفذ البرامج التنموية الوطنية، والابتعاد عن إدارة العراق بنظام المحاصصة ، الذي أصبح منفذا دائماً لإدارة الشعب العراقي من الخارج بأسلوب ديني – طائفي لا يكترث بالتنمية الوطنية ولا يخضع للمحاسبة ، والقضاء علي الفساد المتجذر بأركان الدولة، وتوفير الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن العراقي الذي سيطالب بها وبقوة بعد الانتهاء من أسطوانة داعش التي لن ترحب بها إيران أو تفرح بقرب نهايتها . خاصة إذا ما تذكرنا بأن إيران تذرعت بمحاربة القاعدة منذ بداية العقد الحالي وبعد ذلك محاربة الزرقاوي وحاليا البغدادي أو داعش ، ولا نستبعد أن تبتدع عدو سني وهمي آخر لتكريس بقائها بالعراق لفترة أطول حتي تتمكن من القضاء علي السنة بشكل نهائي .
إن مطالبة المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية الأخرى حاليا لدولة قطر بالتوقف عن دعم الإرهاب ماليا وإعلاميا بالرغم من كونها عضوا بمجلس التعاون الخليجي سيوفر للمملكة مصداقية وعدالة بإثبات جديتها لمحاربة الإرهاب السني والشيعي بنفس الوقت. وهذا ما يجب أن تطرحه الدبلوماسية والإعلام السعودي حاليا بالمحافل الدولية ؛ بأن علي قطر والعراق وإيران وجميع الدولة التي تدعي السيادة أن تلتزم فعليا بمحاربة الإرهاب الَّذِي يقع ضمن حدودها الدولية .
ويمكن أن تبدأ المملكة والدول الخليجية بإرسال الوفود التجارية والطبية للعراق لإرسال رسائل إيجابية للشعب العراقي بأنه سيبقي دولة عربية ذات سيادة ولها مصالح مع جيرانها وبهذا يعود العراق ولو تدريجيا باستعادة سيادته وعروبته .
إن النفوذ الثقافي الخليجي للشعب العراقي بجميع أطيافه من خلال الإعلام الاجتماعي علي وجه التحديد ، يمكن أن يساهم أيضا بسرعة الاندماج بين شعوب المنطقة وإعادة انتماء الشعب العراقي لمحيطة العربي الأصلي ، خاصة دُول الخليجي العربي المجاورة ، وهذا قد يساعد من فك ارتباط الشعب العراقي من الهيمنة الإيرانية التي لا تملك أصلا مقومات الديمومة للاستمرار وفق متطلبات الحياة العصرية الحديثة .
ويجب أن لا نترك إيران تتفرد بالقرارات السيادية للعراق والاستمرار بتوجيه دبلوماسيته لصالحها ، فليس لدي إيران أي شيء تقدمة للشعب العراقي والمنطقة غير التشيع للسيطرة علي مواردة عن طريق أتباعها . لذلك نحتاج أن نسارع إلى كسر عزلة العراق السياسية والثقافية مع دول مجلس التعاون الخليجي. و بالنهاية سيبقي العراق دولة عربية مجاورة ومن حقوق الدول المجاورة أن ترعي مصالحها المشتركة حتي بوجود الاختلافات .
أما فيما يتصل بمستقبل علاقة دول الخليج العربي بإيران ، فإن المشهد السياسي الحالي سيستمر حذّر إلى متوتر ، طالما ظلت إيران تتصرف كثورة وليس كدولة تحترم جيرانها والقانون الدولي ، وبأن تتوقف عن تصدير ثورتها للخارج و إقحام نفسها بشئون الدول الخليجية والعربية تحت مبررات ظاهرها رفع المظلومية عن الطائفة الشيعية الموجودة بهذه الدول ، وباطنها خلق مليشيات إرهابية موالية لها. ومن الجدير بالذكر والمقارنة بنفس الوقت فإن الطائفة الشيعية التي تعيش في بعض دول الخليج العربي؛ و وفقا للمعايير العالمية المعتمدة تعيش بمستوي أفضل بكثير من الشعوب الإيرانية والعراقية ، خاصة فيما يتصل بمعيار مستوي دخل الفرد ، وتوفر الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة. وحان الوقت للطائفة الشيعية الكريمة و التي تعيش بربوع الخليج العربي بأن تحافظ علي مكتسباتها وأمن أوطانها وتعلن بشكل واضح عن انتمائها لأوطانها، حتي تندمج وتساهم في إرساء و بناء مستقبل أبنائها في البلدان التي تعيش بها ، و تنعم بالأمن والأمان والاحترام المتبادل مع المكونات الأخرى . كما يجب علي حكومات الدول الخليجية الحذر الدائم وإعداد ملف موثق بتدخلات إيران ، خاصة تلك التي نتج عنها جرائم موثقة ضد المواطنين. والرفع بهذا الملف لمجلس الأمن والمحاكم الدولية ذات العلاقة.
و يرى د. خالد الرديعان أنه لا يوجد حلول سحرية لعلاج هذا الصدع الكبير إلا بامتلاكنا لعناصر القوة المادية والعسكرية التي تمكننا من حماية أنفسنا وتحجيم النفوذ الإيراني الذي يتمدد في الجسم العربي كالخلايا السرطانية الخبيثة. أما الحلول المطروحة من تقارب وتعاون إقليمي وتقريب مذهبي فهي مجرد وصفات عقيمة وتخدير سياسي لن يؤدي إلى أي نتيجة على الأقل في المدى المنظور.
عندما نتوفر على عناصر القوة العسكرية كسعوديين فلا يعنينا الآخرين من العرب والمسلمين حتى وإن تقاعسوا عن المهام المنوطة بهم. عداءنا مع إيران ليس مذهبي بل عداء سياسي.. إيران التي كانت تحت الحصار طيلة الثلاثين سنة الماضية بنت قوة عسكرية فما الذي يمنعنا من بناء قوة مماثلة؟ ما الذي يجعلنا أقل منها ونحن الذين نتوفر على الإمكانات المادية والمعنوية؟
في حين يرى م. خالد العثمان أن بناء القوة العسكرية على النمط الإيراني سيكون على حساب التنمية كما ذكرت أ. كوثر وعولت على نتائجه في النهاية بهدم النموذج الإيراني. التنمية والرخاء هما السلاح الأمضى أمام كل العداءات والخلافات شريطة تحقيق المساواة والعدالة والشفافية ضمن المبادئ الأساسية المعتبرة لهذه التنمية.
ومن جهته تساءل د. خالد الرديعان: وكيف تحمي مكتسبات التنمية إن لم يكن عندك قوة ردع عسكرية؟ القوة العسكرية ضرورة قصوى سواء كان الخطر إيراني أو غير إيراني. دول التخوم (إيران تركيا باكستان) لها أطماع في منطقة الخليج لا تخفى على الجميع. ومن يتوقع الدعم من دولة أخرى واهم وساذج سياسياً.. البلد لا يحميها إلا أهلها في النهاية.
وفي خضم كل ذلك يجب أن لا ننسى الخطر الإسرائيلي فهو ماثل أمامنا منذ عدة عقود.. القوة والتسلح وبناء جيش قوي ومدرب هو الحل الممكن إضافة إلى التصنيع العسكري.. وماعدا ذلك من أحلاف عسكرية سرعان ما تنهار هو محض هرطقة . ولا يجب أن نعول على الأحلاف العسكرية لظروف كل دولة وتبدل السياسات.
وبدوره أوضح م. خالد العثمان إلى أنه بناء عليه علينا أن نختار.. أما الاستثمار في القوة العسكرية وسباق التسلح والمستفيد هي الدول المصدرة للأسلحة.. أو الاستثمار في التنمية والاتكاء عليها في لعبة المصالح الاقتصادية .. لا أعتقد أننا نملك القدرة على الاستثمار في الاتجاهين كما يجب.
وفي تصور أ. جمال ملائكة فإن الكرة في ملعب الملالي و هم الذين يخترقون المنطقة عسكريا بأشكال مختلفة و بالتدخل المالي و السياسي الفجان.
ومن جهته ذكر د. مشاري النعيم أننا لن نستطيع إلغاء وجود إيران كجار فالجغرافيا لها حكمها. و القوة مطلوبة من أجل الاستقرار لكن يجب أن يكون الهدف هو أن يعيش الجميع في أمن وأن توجه الموارد للتنمية وليس لسباق التسلّح. ويجب أن تكون نظرتنا بعيدة عن كون إيران شيعة وأن العلاقة معهم لن تكون مستقرة فهذه علاقة استنزافية ستجرنا إلى التهلكة. الحلول يجب أن تتجه إلى التطمين والجوار الحسن وكل بلد يعبد الله كما يشاء. اليقظة والحذر مطلوبان لكن لهجة الاستعداء قد تزيد من الطين بلة؛ فالتركيز على الصراع بشكل دائم سوف يوقف التنمية ويدخل المنطقة في أزمة لن تخرج منها أبداً.
وفي تصور د. مساعد المحيا فإن إيران أفادت كثيرا من البعد الفني والإعلامي والسينمائي في تسويق كثير من رؤيتها ، ونجحت في صناعة لوبي غربي. كذلك فإن إيران تعمل بطريقة مؤسسية وتفيد من الخبراء على نحو تراكمي، بينما نحن في الجملة أسرى العمل الفردي الذي يقوم على التجربة المتقطعة والمنفصلة عن التجارب السابقة.
ومع أن الأمريكيين يظهرون أن إيران خطر على الأمن الدولي والخليجي وأنها داعمة وراعية للإرهاب، كما صرح بذلك تقرير الخارجية الأمريكية مؤخراً؛ إلا أن إيران تبدو هي أفضل البدائل السيئة لدى الأمريكيين اليوم. والظن أنها تجد لدى الإيرانيين انسجاما كبيرا بين الموقف الرسمي والنخبوي والشعبي؛ فالأمريكيون اذا أوصلوا رسالتهم ورغبوياتهم لإيران يجدونها تتحقق على أرض الواقع السياسي والأمني والإعلامي في إيران والعراق وسوريا ولبنان.
ويرى د. إحسان بو حليقة أنه ليس من شك أن علينا بناء قوة رادعة، وأن نحقق تماسكاً اجتماعياً وازدهارا اقتصادياً. كل ذلك ليس رد فعل لقمع إيران، بل لحماية ثرواتنا ومنجزاتنا من الأخطار أياً كان مصدرها.
إيران تشكل مصدر خطر وتهديد، ولكن في المقابل أمام إيران مخاطر أكبر إن قررت أن تتجاوز، والسبب أن ما تدعيه من تدويل الحرمين الشريفين دعوى منفردة ومحاصرة وبائسة؛ فهي لن تجد صدا في العالم الإسلامي، وفوق هذا فإن المملكة تولي الحرمين اهتماماً منقطع النظير، كما هو واضح من التوسعات المتتابعة.
النقطة الثالثة، أن النظر إلى إيران باعتبار أنها “قائدة” ومسيرة العالم الشيعي، أمر يعوزه الدليل، ففي نهاية المطاف الشيعة أطياف، وهم أبناء أوطانهم، وما يثبت ذلك أنهم مستقرون في أوطانهم لمئات السنين، ومجتمعاتهم المحلية. أما من يفكر من منطلق “الأممية الشيعية”، إن جازت العبارة، فهو يفكر بصورة تجريدية، فثمة فارق بين العربي وغير العربي.. ففي مجتمع صغير كالبحرين مثلاً هناك عرب وهناك عجم، وإن كانوا من ذات المذهب، والأمثلة.
والنقطة الرابعة هي التمايز في أواسط الشيعة المتدينين، إذ لابد من إدراك أن هناك خط فاصل بين ولاية الفقيه، وهي اتحاد للسلطتين الدينية والدنيوية، وبين من لا يعتقد بذلك.
ومن المهم أن نتواضع ونحمل أنفسنا، نحن العرب، جزءاً من مسئولية ما نحن فيه. يقول المثل الخليجي “من جعل نفسه سبوس لعبت به الدجاج”. يعني من يهن عند نفسه يجعل الأخرين يستهينون به. بالقطع، إيران استفادت وتسعى للاستفادة من الأوضاع المتردية في منطقتنا العربية.
التواضع شرط لازم وغير كافي لنحسن أداءنا مستقبلاً ونخرج من الوهن الذي نحن فيه. لن يحقق طموحاتنا إلا إنجازات تجعلنا أقوى. أما الاستخفاف المتبادل بين العرب والفرس فهذا قديم، ويبدو أننا حتى نعالج مشاكل الحاضر علينا أن نخرج من دهاليز الماضي، ونأتي للحاضر والمستقبل لننشغل بهما.
وفي تصور أ. كوثر الأربش قد يكون من المقبول تحمل جزءا من المسؤولية ، بالإضافة إلى نسيان الماضي والتطلع للمستقبل. لكن في ما نحن بصدده يطرح سؤال مهم:، هل تأخر العرب مزامن لحضارة الفرس؟ بمعنى ألم تمر على العرب أزمان ذهبية (8 قرون من الازدهار والحضارة في الأندلس) ، في هذه الحقبة، هل اعترف الفرس بالتميز العربي؟ في الوقت الذي كان العرب يحتفون بالفارسي المسلم مؤرخا كان أو مؤلفا أو قائدا. كذلك فإن نسيان الماضي والتطلع للغد، عبارة جميلة وتبعث على الطمأنينة، لكنك حين تكون بصدد دراسة استراتيجية أنت بحاجة لتقليب أوراق الماضي.. لسببين: اكتشاف النمط، والبحث عن أساس المشكلة.
ومن جديد أضاف د. إحسان بو حليقة: وها نحن ندرس ونتحسر، وننظر للعقود والقرون تنفرط. الكره والحب عواطف، والمشاعر الجياشة لا تصنع استراتيجية، بل تصنع فهماً مسطحاً للأشياء. بمعنى أعلق كل رزية على مشجب منافسي أو عدوي، فأبرئ نفسي وأشعر براحةٍ كاذبة. القوة تنبع من الداخل وتبعث للخارج، وهذا ما تؤكده دراسة الحضارات، وكيف تنهض وتقوى، ثم تخبو وتزول. نحن بحاجة إلى استراتيجية إيجابية جامعة لنا، بأطيافنا وتوجهاتنا، ذلك أكبر رادع لإيران ولأي طامع أو مناكف. وبحاجة لاستجماع أسباب القوة، ليس رداً على تحريض، بل نهوضاً لدورنا من موقعنا الوطني والإقليمي والعربي والإسلامي، وحتى الدولي.
ومن ناحيته يرى أ. جمال ملائكة أن حجم التهديد الحقيقي الذي تشكله إيران هو تهديد كبير و خطير، و بدون مجاملة فإن العهد الحالي تعامل مع الوضع كما كان يجب أن يكون قبل أن يستفحل أمرهم. والمقصود هو أنه كان لا بد من التعامل مع التهديد الإيراني قبل سنوات طويلة قبل أن يستفحل أمرهم و العهد الحالي تصرف بالشكل المناسب و لكن أن تأتي متأخرا افضل من أن لا تأتي أبدا.
أما أ. عبير خالد فتتفق مع طرح د. كوثر بأن حرب إيران أحيانا “فكرية” إلى جانب كونها لوجستية أو عسكرية.، ومحاولات إيران كسب تعاطف الناس وادعاء الاضطهاد عبر الإعلام العالمي واضحة ومتكررة حتى أنهم، اتساقا مع الإسلاموفوبيا أو العنصرية ضد المسلمين، يستخدمون اصطلاح “إيران فوبيا Iranophobia” لوصف حالهم!
ومع الأسف كثير من الصحف الأمريكية والآسيوية والخليجية (مثل “الهافنغتون بوست” و “ذا نيشن” والباكستانية “فايننشال تريبيون” والقطرية “ميدل ايست اي”) تعزز هذا السيناريو الكاذب الإيراني حتى مع وجود الحكومة الأميركية الحالية التي لا تبدي أي تقبل لإيران وسياستها.
وإذا نظرنا للإعلام للإيراني، جريدة “طهران تايمز” أو “press tv” على سبيل المثال، فنجد أنهم يرجعون سبب رفض العالم الغربي لهم: للسعودية! ويتخلل ذلك الادعاء اتهامات باطلة بالجملة تشاهد هنا وهناك لعل آخرها تحريفهم وإبطالهم لنجاحات قمم الرياض الثلاث التي وصفوها “بالوهابية” و”الداعمة للإرهاب” وهذه الأكاذيب والهرطقات ليست بالأمر المستغرب من الإعلام الإيراني. فإيران ليست مسالمة وليست ضحية كما تروج هي لنفسها عبر منصات الإعلام التي لها ارتباطات مع دولتهم سواء كانت إيرانية أو أجنبية.
نحن بحاجة إلى تنظيم حملات إعلامية بهذا الخصوص كي نكشف عن وجه إيران الحقيقي، عن عدائيتها، تجييشها، أدلجتها، وحشيتها سفكها للدماء والحروب التي خاضتها وتخوضها أما فعليا أو بالوكالة في الشرق الأوسط ….هكذا نقاوم الفكر الإيراني التآمري ونكشف زيفه وننقض أكاذيبه.
المحور الثاني
حوارات عيدية
نماذج اجتماعية وثقافية للعادات والفلكلورات العيدية في مناطق المملكة
أشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أن من العادات العيدية في جبال فيفاء، أنه بعد صلاة العيد في كل حي تبدأ زيارات جماعية تبدأ بمنزل شيخ القبيلة أو إمام الجامع ويشارك فيها الجميع كبار السن و الشباب و الأطفال ، اعتباراً من بعد صلاة العيد وقد تستمر إلى صلاة العصر. ويتخلل الزيارات بروتوكلات مبهجة فيها شيء من التنظيم العفوي البسيط كإنشاد أهازيج شعبية ملحنة مع اطلاق للنار في السماء بشكل ابتهاجي، مع حركة تجمع بين التوثب و الاستعراض الخفيف عندما يقتربوا من منزل المضيف ويكونوا على شكل صفوف ، ثم يستقبلهم المضيف وأبنائه وأقاربه في صف واحد ويبادلونهم الأهازيج واطلاق النار كطريقة ترحيب (طبعا توقفت عادة اطلاق النار لظروف أمنية)، ثم يتقابل صفان: صف الضيوف ويتقدمهم كبيرهم والغالب يكون شاعرهم ، ويقابله صف المضيف ويتقدمهم المضيف صاحب الدار ، ويبقى الصفان متقابلان لبضعة دقائق ، مع بقاء أهازيج صف الضيوف تصدح في الأرجاء ، ويقومون باستعراضات راقص بالأسلحة واطلاق نار ، وبعدها يصمت الجميع ، ويبدأ المتحدث باسم صف الضيوف ، بإلقاء تهنئة بأسلوب أدبي يجمع ما بين فن شعر التهنئة و بين فن النثر المسجوع ، يقابله بعد فراغة المضيف مرحبا بمثل ذلك، ويغلب التفنن الأدبي الذي يبقى في ذاكرة الشباب ما بين المتحدثين كنوع من المبارزة الأدبية الممتعة ، ثم يرحب المضيف بالضيوف ويقدم لهم أطباق عيدية معتادة تجمع ما بين القهوة ذات الرائحة الزاكية من البن المحلي المزروع في فيفاء والشاي المنكه بالأعشاب العطرية المحلية ، والعسل الطبيعي والسمن البقري و عريكة البر مع فواكه حول المائدة . ويمكثون معه ما يقارب ١٥ دقيقة، ثم يتحولون متجهين إلى بيت آخر ويصحبهم المضيف ومن معه ، وهكذا حتى يمروا على أغلب منازل جيران مصلى العيد ، هذه تطوافة بسيطة عن مظهر العيد في جبال فيفاء.
ومازال جيل الثلاثينات محافظا على العادات الاجتماعية الجميلة في العيد إلى هذه اللحظة والتي تتمثل في الصلة في أجمل صورها، ولكن جيل ما قبل الثلاثين بدأت تندثر معهم بعضا من ذلك الجمال بسبب غزو المدنية لتفاصيل حياتهم.
وتطرق د. حمزة بيت المال إلى بعض جوانب عيد الفطر في مكة، حيث أوضح أن عيد الفطر هو العيد الأساسي في مكة؛ لأن ظروف الحج لا تسمح كثيرا للاحتفال بعيد الأضحى. وعيد الفطر في مكة يتحرك في ثلاثة دوائر أساسية:
- الأسرة.
- جيرن الحي.
- الأصدقاء.
اليوم الأول عادة يكون للأهل والأقارب القريبين: إخوان أخوات وأعمام وأخوال وست وجدة.. أما اليوم الثاني فعادة للتزاور بين جيران الحي.. والأقارب من الدرجة الثانية.. اليوم الثالث أشبه بيوم حر للتزاور بين الأصدقاء والأصحاب. وحركة الزيارات تكون في فترة الصباح غالبا والعصر.. أما المساء فيكون للتنزه والخروج بشكل جماعي إما لبعض ضواحي مكة مثل وادي فاطمة أو عرفة ومنى… للعب والسمر، ومن كانوا يملكون القدرة فجدة هي المقصد. ومؤخرا ظهرت عادة التجمع الأسري في مكان واحد؛ فكل أسرة تحدد مكان للتجمع عادة عند كبير الأسرة أو في استراحة.
وأشار د. عبدالرحمن الشقير إلى أن نظام الأعياد في كل من الشعراء والدوادمي والقويعية هو نظام اجتماع العائلة الواحدة الكبيرة أو الفخذ من بطن قبلي في القصور أو استراحات كبيرة طيلة أيام العيد الثلاثة. بحيث تكون بها فعاليات، كما أن هناك أوقات للتزاور بين العوائل إما للسلام وتبادل التهاني على القهوة أو على موعد لتناول وجبة.
ومن جانبه قال د. مساعد المحيا إن من جماليات العيد في الزلفي اجتماع جيران الحي وجميع أبنائهم في المساجد أو الشوارع للسلام وتبادل التهاني وتناول طعام العيد الذي يأتي متنوعا كل قد أعد عيده بطريقته.
ومن ذكريات العيد في مرحلة الطفولة في سكاكا كما يرويها د. خالد الرديعان؛ أن الشبان كان يجتمعون ليلاً ويوقدون نار يتسامرون حولها، وعادة يستخدمون جذوع النخل لذلك بحكم أن المنطقة تشتهر بالنخل.. كل الحارات كانت تقوم بذلك وكان الشبان يتنافسون في هذا العمل. ثم جاءهم أناس في فترة الصحوة وقالوا أن هذه عادة مجوسية. وبعدها انقطعت العادة تماماً.
وهناك عادة ترتبط بالعيد وكانت شائعة في مدينة سكاكا، وهي أن بعض الأسر والأقارب كانوا يتخاصمون لأسباب متعددة إما ميراث أو أرض متنازع عليها أو بسبب تجاور المزارع والاختلاف على يوم السقيا؛ بحكم أن المزرعتين والثلاث أحيانا تشترك ببئر واحد وهذه الخصومات تحدث في المجتمعات الريفية. لكن هذه الأسر في العيد تتصافى تماماً ويعايدون بعضهم البعض وترجع المياه إلى مجاريها.
ومن العادات الخاصة بملابس العيد أن الأسر الكبيرة التي عندها عدد كبير من الأبناء كانوا يشترون طاقة قماش (عشرين متر أو نحو ذلك) ومن ثم يفصلونها لأبنائهم، ويقوم بالخياطة السيدات الماهرات في ذلك، وهذا قبل انتشار الخياطين. والقماش كان من نوع الدوبلين وأبو وردة، ثم ظهر قماش التترو وكان ثورة في أقمشة الرجال. أما السيدات فكن يشترين طاقة من الشيلات السوداء ويتم تقطيعها عليهن لتحصل كل واحدة على أربعة أذرع أو مترين. ولأن تلك الأقمشة يابسة فيتم نقع الشيلة الجديدة بالماء والملح لمدة ليلة حتى تصبح لينة.
وهناك عادة عند إحدى القبائل الشمالية كان الشاب فيها يعايد بنات عمه ويقبلهن. كانت تسمى قبلة العيد.. يوم في السنة فقط.. هذه العادة اختفت تماماً مع التحضر والصحوة لاحقاً.. بل أصبح غطاء الوجه عرف دارج وهو الذي لم يكن شائعاً خاصة بنات العم والخال وزوجة الأخ.
وذكر أ. محمد بن فهد العمران أن من العادات الغريبة في الرياض، تقديم المفاطيح للضيوف في الصباح أو لنكون أكثر دقة في وقت لا يزيد عن الضحى !! طبعا اليوم انتهت هذه العادة.
ومن جهته أوضح د. حميد الشايجي أن من العادات القديمة ما يعرف ب “المْعَيَدْ” وهو أن يتجمع الجيران في الحارة ويحضر كل شخص طبق من بيته؛ لكن الطبق لازم يكون رز ولحم أو دجاج ، وهناك طبخة تقليدية تسمى (المُحَمَّر) عبارة عن رز حالي (بالسكر) وفوقه قرص أو قرصين بيض مقلي.
وذهب د. مشاري النعيم إلى أنه في السابق كانت أيام العيد مخصصة للزيارة بين الأحياء ؛ الهفوف فيها ٣ أحياء الكوت والنعاثل والرفعة. في اليوم الأول يقوم الجميع بزيارة أهل الكوت واليوم الثاني أهل الكوت يردون الزيارة واليوم الثالث أهل الهفوف يزورن أهل المبرز وهي مدينة مجاورة. ومازالت الزيارات قائمة حتى اليوم بين الأسر لكن لم تعد الأحياء موجودة بسكانها. وهذه الأيام في الأحساء، يقدم الرطب والتين الحساوي كحلوى للعيد، ويعتبر هذا أفخر ما يقدم ويكون لسنوات محدودة فقط لأنه يكون وقت بداية الرطب، وموسم التين محدود جدا ولا يكاد مجلس من مجالس العيد يخلو من الرطب والتين.
ذكريات العيد بين الماضي والحاضر
أشار م. خالد العثمان إلى أن من ذكريات الطفولة عن العيد في المدينة المنورة تقسيم أحياء المدينة إلى 4 أقسام على مدى أيام العيد وتخصيص كل يوم لعدد من الأحياء لاستقبال الزوار والمهنئين من بقية الأحياء .. فيقال اليوم عيد العوالي والسيح وباب المجيدي وغدا عيد قباء وقربان وحي النصر وهكذا.. بذلك يعرف سكان ذلك الحي دورهم في استقبال الزوار ولا ينشغل أهل البيت بالتجهيز لاستقبال الزوار طيلة أيام العيد.. كما يضمن ذلك فعالية التزاور بدلا من اختلاط التوقيت وتعارض أنماط الزيارات.
أما ذكريات العيد السحيقة بالنسبة لد. إحسان بو حليقة فتأخذه إلى حيث ولد في دمشق الفيحاء، حيث الزيارات والمأكولات.. ولا سيما الذهاب إلى جبل قاسيون المشرف على دمشق، حيث كل شيء يبدو جميلاً. وعندما عاد لوطنه، وموطن أسرته الأحساء كانت الزيارات هي السمة الأهم للعيد، زيارات للأهل وللأقارب والمعارف.. ومازالت متوارثة حتى اليوم.
وذكر د. خالد بن دهيش أنه من خلال طفولته التي قضاها بمكة، كان يركب في ساحات أحياء مكة مراجيح من أعمدة الخشب والحِبال للعب الأطفال وبعض الألعاب الأخرى البسيطة مقابل قروش قليلة يدفعونها الأطفال من العيديات التي يحصلون عليها من الأهل والأقارب.
وقال أ. محمد بن فهد العمران: بالنسبة لذكرياتي، فالعيد في الرياض القديمة كان يتمثل بمرافقتي لوالدي رحمه الله في الزيارات التي كان يقوم بها لمن يكبروه سناً في بيوتهم التي لا تغلق أبوابها من أفراد العائلة أو من أعيان المدينة. و كانت أحياء عليشة و البديعة هي مركز هذه الزيارات حيث يتم الالتقاء بالأهل و الأصدقاء ليعبرون فيها عن حبهم و تقديرهم لبعضهم البعض و يباركون لبعض بالعيد السعيد. أيام جميلة كانت مليئة بالحب و الاحترام و التقدير لبعضهم البعض.
وأوضح أ. عبدالله الضويحي أن من الذكريات التي لم يتم التطرق إليها .. خبر العيد .. ففي الرياض وإلى زمن ليس بالبعيد كان يتم الانتظار حتى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة لإعلان الخبر .. وأحيانا يأتي للمسجد أثناء صلاة التراويح من يخبر المصلين بأنه عيد فتقطع الصلاة .. أما في القرى فكان الخبر في بعض الأحيان يأتي في صباح اليوم التالي أو ظهراً وهم صيام فيقطعون صيامهم ويحتفلون بالعيد في اليوم التالي ..أو العكس يكونون مفطرين فيأتي خبر الصيام فيمسكون ويقضون هذا اليوم بعد العيد.
كذلك فقد أشار د. خالد الرديعان إلى أن من ذكريات العيد أن الأسر متوسطة الحال كانت تواجه عنت شديد في توفير مستلزمات العيد وخاصة ملابس الأطفال والأحذية والحلويات والعيدية. وأضاف: كنا من هذه الأسر حيث تقوم إحدى أخواتي بخياطة ملابسنا نلبسها في عيد رمضان وبعد العيد نحتفظ بها لعيد الأضحى. وبقدوم عيد الأضحى نقوم بغسلها وكيها ولبسها مرة أخرى، لكنها تصبح قصيرة علينا أشبه ما تكون بالشلحة النسائية. قصرها يعود لسببين: القماش وهو من النوع الرديء الذي يكمش (يشمر) بعد غسله، والسبب الثاني نمونا المتسارع حيث يكون الواحد قد طال بعض السنتيمترات. وليس الأمر كذلك فهي ستبقى ملابس للمدرسة وحينها تكون قد أصبحت تي- شيرت بعد أن توقف انكماشها.
وقال د. مساعد المحيا: نحن أسراء لثقافة نمطية في الاحتفاء بالعيد .. وحين نكتشف أن إضافة جوانب جميلة لها سيكون العيد معها أجمل نندم على أيام مضت لم نصنع ذلك. ومن أمثلة هذا أن الناس كانوا قد اعتادوا أن يكون العيد مقتصرا على أكلة شعبية تعدها المرأة مشكورة وتؤكل مع الجيران ..وخلو البيت في الأسرة من مظاهر الاحتفاء بالعيد. وقد لاحظت قبل قرابة ٣٠ سنة في أحد الأعياد خارج المملكة استخدام الفواكه والعصيرات وأنواع الحلوى بطريقة جميلة في أعياد اللبنانيين في البرازيل داخل منازلهم، وحينها استحسنت الفكرة وعملت على تطبيقها داخل الأسرة برغم عدم تقبل البعض لها ، بوصفها لا تتسق والعيد، وحرصا على نجاحها قدمتها على نحو جميل، وخلال عام ومنذ ذلك التاريخ أصبحت جزءا أساسيا من مكونات العيد لدينا ولدى كثير من الأقارب ، وإخالها اليوم اضحت جزءا من مكونات العيد وجمالياته لدى كل أسرة لاسيما مع ما اتاحته الشبكات الاجتماعية من نقل لطبيعة الأعياد في مجتمعنا المحلي في مختلف المناطق .
واستكمل د. المحيا ذكرياته عن العيد بقوله: في بداية التسعينات أي قبل قرابة ٤٥ عاما كان من عاداتنا نحن الصغار أن نجتمع مع أصدقائنا في الحارة ونضع “قطة ” يعني كل واحد يدفع مبلغا محددا ونشتري معلبات وتشمل الطحينية والجبن والزيتون والقشطة …حيث لم تكن متاحة إلا قليلا، وطبعا القطة نجمعها بشق الأنفس، ثم نجتمع في بيت أحد الأصدقاء بموافقة والده ، وكنا صغارا على أمل إذا أعلن العيد شرعنا في أكلها ، وذات يوم اجتمعنا من المغرب ونحن ننتظر الإعلان والساعة عندنا تمر كأنها يوم .. ونحن نتوق لأكلها .. لكن الإعلان تأخر ، وحين أعلن عند الساعة الثانية عشر ليلا فإذا به يؤكد عدم ثبوت الرؤية واستكمال رمضان فرجع كل واحد منا لبيته مهموما حزينا على أمل أن نعود من الغد ونأكل هذه المعلبات !!.
أما د. منيرة الغدير فلخصت ذكرياتها عن العيد بقولها: غربتي الطويلة جعلت الذكريات أبعد وأصعب على التذكر ومنها طقوس العيد، ربما هذا ما يفعله الحنين بِنَا لينقذنا من وجعه فيبعثر كل ما هو حميمي وطقوسي؛ لم يبق في الذاكرة إلا صوراً خجولة : أتذكر والدتي وهي تختار لي ولأخواتي فساتين العيد الملونة، ومشاهد متقطعة من تجمع العائلة. ذكريات اللعب مع الصغار في بيت عمي وتسلق الأشجار التي كانت لتنوعها وعلو بعضها وكرم أغصانها تجلب مشاعر فضول وغموض. وكان هناك شجرة توت، نقطف منها ونتذوق حباته لكن لونها القرمزي الداكن يبهجنا أكثر، و يترك آثاره على الثياب الجديدة، مازلت أتذكر إحباط والدتي بعد أن نعود وهي ترى ما فعله التوت بِنَا. تتكرر هذه الصورة كمشهد بحاجة لسرد حنون.
وحول ذكريات اللبس في العيد، قال د. عبد الله بن صالح الحمود: الشمغ كانت تأتي للرياض كأنها ممزوجة بمادة الغراء ، وكان الوالد رحمة الله عليه والمسلمين ، يقوم بفرك الشماغ حتى تتحرر هذي المادة ، قد يتساءل البعض ، ليه ما يتم غسل الشماغ فقط ، وقتها لم يخطر أصلا على البال أنك تغسل شماغ أو ثوب جديد ، اعتقاد أنك لو غسلت ملابس العيد كأنك لم تلبس جديد في العيد.
وحول مظاهر العيد في منطقة أخرى من مناطق المملكة، قال د. فهد الحارثي: العيد في الطائف يوم كنا في الكتاتيب صغارا ستة أشياء :
- الحلاوة الحلقوم وهي أهم ما يقدم للمعايدين.
- الديبيازة .. نوع من الحلوى يؤكل مع الخبز وهي في العيد مثل السمبوسة في رمضان.
- الطراطيع اللعبة الأولى لإشهار العيد.
- العيدية .. وتؤخذ بإلحاح أحياناً ممن نعرف ومن لا نعرف.
- ثوب العيد من قماش يسمى فخر الموجود ولا أعرف من أطلق عليه هذه التسمية.
- جاكيت تفصيل عند العطار.
- حذاء مرسيدس سوداء وهي الأفخم .. ولا أعرف لماذا كانت تسمى مرسيدس ، ولم يكن هناك خيارات كثيرة في مسألة الأحذية.
وليس كل أحد يحظى بهذه الأشياء مجتمعة فهي لا تجتمع إلا للموسرين ، ويحصل العاديون على بعضها فقط .
أما العيد في المريفق :
- صلاة العيد في مصلى العيد في سفح الوادي الذي يعج بالتكبير.
- بعد الصلاة مباشرة تبدأ المعايدة في المنازل ..الكل يعايد على الكل.
- ليس من الضروري أن تكون كل الملابس جديدة ،، الأهم هي الغترة أو الشماغ.
- لا ذكر لحذاء مرسيدس هناك .. بل في كثير من الأحيان لا ذكر للحذاء أصلاً.
- بعد العصر المقمّع والبارود والمشحان !
- في المساء اللحم والشحم و”الملعبة ” إلى ما بعد منتصف الليل!
حاشية : إذا وجدت الحذاء فهي مقتطعة من عجلات السيارة القديمة.
وبدورها قالت أ. مها عقيل: أول يوم عيد كعادتنا أهل والدتي نجتمع في بيت سيدي والد أمي – رحمه الله – في مكة. نرتدي ملابس العيد الجديدة ونأخذ العيدية، و إلى جانب العيدية كانت هناك حلاوة العيد الحلقوم والسمسمية وطبطاب الجنة وحلاوة كواليتي ستريت. الآن أصبحت الشوكولاتة بأنواعها. وثاني يوم العيد تكون الزيارات المتبادلة للأعمام من جهة الوالد – رحمه الله – وتبادل العيديات أيضا.
وأشارت أ. علياء البازعي إلى أن من مظاهر العيد الجميلة التي بدأت تعود بقوة هي “الحوامة” و هي أن يتجول الأطفال ليلة العيد على بيوت الجيران لأخذ العيدية…بدأت جهود ذاتية من بعض سكان حي الياسمين شمال الرياض من سنتين و هذا العام تبنتها أمانة الرياض…جميل تبني الأمانة…لكن أحببت فكرة أن الأهالي يقومون بها…طبعا تطورت كثيرا.. كما قامت هذا العام عدة أحياء في الرياض بتنظيم حوامات داخل الحي حضرت أحدها و هو أشبه بالكرنفال صغير.
وختاماً من المهم التساؤل على نحو ما ذهب أ. عبدالرزاق الفيفي:
- هل العيد يتم استثماره بالشكل الذي يعزز قيم الصلة و الترابط الأسري والمجتمعي أم تحول لمجرد فعاليات فقط؟
- هل في تحول الصلة في العيد لأنماط جبرية للصلة لا اختيارية مؤشرات نفسية لحالة فقدان للبهجة وبالذات في المجتمعات التي لاتعدوا الصلة فيها زيارة ثم هروب للخارج للبحث عن البهجة؟
المحور الثالث
فرص تعزيز الوحدة الوطنية
الورقة الرئيسة: د. إبراهيم البعيز
فرص تعزيز الوحدة الوطنية
أجمل بداية لهذه المشاركة سيكون الدعاء للملك عبدالعزيز ورجاله بأن يتغمدهم الله بواسع رحمته، ويسكنهم فسيح جناته، ويجزيهم عنا خير الجزاء، ويجعل إنجازهم في ميزان حسناتهم. فهذا الإنجاز الوحدوي أبرز مكتسب حضاري يحق لنا المباهاة به في منطقة تعيش حالات من الصراع والتشرذم.
دخلت مؤخرا إلى قاموس ثقافتنا السياسية مفردات “المواطنة” و “الوحدة الوطنية”، وأضحت محاور لعدد من اللقاءات والمنتديات العلمية والفكرية. ولعل السبب في ذلك تلك التغيرات المتلاحقة في المشهد السياسي على المستويين الإقليمي والعالمي، وما أسفرت عنه من صراعات وتداعيات خطيرة تهدد أمن الأوطان واستقرارها. كما أن الثورة التقنية أنتجت فضاء افتراضيا تتصارع فيه الولاءات والانتماءات الطائفية والقبلية والمناطقية على حساب أمن الوطن واستقراره.
القاسم المشترك بين “المواطنة” و “الوحدة الوطنية” هو شعور الفرد بحب وطنه والاعتزاز بالانتماء له والدفاع عنه ضد أية تهديدات داخلية أو خارجية، وهذا لن يتحقق إلا بتوازن وتكامل بين الحقوق التي يحصل عليها المواطن، والواجبات التي يلتزم بها تجاه وطنه.
أعتقد أننا أهملنا ولسنوات طويلة مفهومي “المواطنة و “الوحدة الوطنية”، ولم تنل ما تستحقه من أهمية، لذا أضحى لزاما علينا الآن أن نكون أكثر جدية ومهنية في تعزيز مفهوم المواطنة، والحوار حول أفضل الفرص لتعزيز الوحدة الوطنية.
أجزم بأن مصدر التهديد للمواطنة والوحدة الوطنية هي العنصرية الطائفية والمناطقية، لذا يجب أن لا نتعامل مع القضية بنفس النمطية التقليدية والعبارات المقننة التي تعودنا عليها في حملات التوعية بالرضاعة الطبيعية والسلامة المروية، فالقضية أكبر من ذلك بكثير، فهي تهديد لأمن وسلامة الوطن. لذا يجب أن نتجاوز بالقضية من دائرة الرغبة والتمني إلى فضاء القدرة والعزم، وذلك على غرار ما تم من جهود مثمرة في مكافحة الإرهاب. وهذا يتطلب سرعة المبادرة في تبني رؤية واستراتيجية ذات أهداف واضحة ومحددة لتعزيز الوحدة الوطنية، ومن هذه الاستراتيجية تنطلق جملة من المبادرات لإجراءات وتشريعات تحمي الوحدة الوطنية، وتجرم كل أفعال وأقوال تهددها، ومنها:
- الإسراع في سن قانون يجرم العنصرية الطائفية والقبلية والمناطقية بكل أشكالها، بما في ذلك الكتابة والحديث في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
- تبني فكرة الاحتفاء بـ “يوم الوحدة الوطنية”، وليكن الخامس من شوال من كل عام، وهو اليوم الذي بدأ فيه الملك عبدالعزيز ورجاله رحمهم الله مشروع توحيد الجزيرة العربية لتصبح المملكة العربية السعودية، وليكن هذا الاحتفاء على المستوى المحلي (بخلاف اليوم الوطني الذي يتم الاحتفاء والإعلان عنه محليا وخارجيا).
- تطوير البيئة التشريعية بما يعطي وسائل الإعلام المحلية (المسموعة، والمرئية، والمقروءة) قدرا من الاستقلالية التي تمكنها من تناول قضايا الشأن العام بكل شفافية، مما يؤهلها لكسب ثقة المواطن، وإبعاده عن وسائل الإعلام الأجنبية الموجهة، وما تحمله بعضها من أخبار وتقارير ونقاشات تؤدي إلى زعزعة ثقته بوطنه وقيادته.
- العمل على نشر ثقافة الوعي الإعلامي التي تمكن المواطن من القراءة النقدية لكل ما ينشر ويبث في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وتقييم المصادر الإعلامية (التقليدية والجديدة) ومدى مصداقيتها فيما تنشره من أخبار وآراء وتحليلات عن المملكة بعضها مفبركة وأخرى مغلوطة.
- الزام كتاب المقالات والأعمدة الصحفية وضيوف البرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية بإبعاد الجدليات الطائفية عند تناولهم للقضايا والأحداث المعاصرة، وأن تقتصر تحليلاتهم ومرئياتهم على السياقات السياسية والاقتصادية لتلك الأحدث، بعيدا عن كل التحيزات الطائفية التي لن نجني منها إلا تعميق الولاءات الطائفية على حساب الولاء للوطن.
- تبنى استراتيجية إعلامية تقوم على خطاب يؤكد ويباهي بذلك التنوع الثقافي بين مناطق المملكة، وأن ذلك مصدر قوة يمكن استثمارها لمواجهة كل التحديات التي تهدد أمن الوطن واستقراره.
- تبني سلسلة من المبادرات لمشاريع إنتاجية في الفنون الدرامية بكافة القنوات المسرحية والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية، ويشترك فيها مجموعة من الفنانين السعوديين من كافة الأطياف والخلفيات المناطقية والطائفية تجسد الصورة المثلى لأبناء وطن واحد، وإن تعددت خلفياتهم إلا أن ولائهم لوطن واحد.
- تطوير مشروع الملك عبدالله للابتعاث ليشمل الابتعاث الداخلي (بكل المخصصات والامتيازات المالية المتاحة لطلاب الابتعاث الخارجي) ، لتتمكن الجامعات من استقطاب طلاب (من الجنسين) متميزين من خارج مناطقها، وبما يسهم في اللقاء والاندماج بينهم خلال أهم مرحلة عمرية (18-24 سنة) تتشكل فيها ثقافتهم السياسية نحو الوطن.
التعقيب الأول: د. مساعد اليحيا
الجوانب التي أشار لها د. إبراهيم أحسبها على قدر عال من الأهمية، لعلي أضيف …
- لا إخال أحدا يختلف أو يتردد في أهمية تعزيز الوحدة الوطنية وبخاصة حين يطلب منه مشاركة حول أدبيات وحيثيات هذه الأهمية .. سواء من حيث الجانب الديني، أو الجانب الأمني، أو الجانب المعرفي، أو الجانب الاجتماعي، أو الجانب الإعلامي. لكن المشكلة تكمن في الممارسة والأداء إذ كثيرا ما يحدث الإخفاق سواء على المستوى المؤسسي أو الفردي.
- الوطنية حق للفرد ومسؤولية على عاتقه تجاهه لا يسوغ لأحد أن يمتلك صكوك غفرانها فيوزعها ويهبها من يشاء ويمنعها ممن لا يشاء وفقا لأجندته؛ وإلا فنحن أمام أمر مهدد لكل فرص تعزيز الوحدة الوطنية .. فالوطنية مجموعة مكونات وعناصر لا يمكن لأحد أن يدعي احتكارها وإن اختلفت المفاهيم تجاه تلك المكونات التي تشمل الدين والتراب والثقافة والإنسان والنظام وكل عناصر الإنتاج ومقدراته.
- الصحافة ووسائل الإعلام والكتاب عبر الشبكات الاجتماعية يتحملون مسؤولية شخصية بالعمل على توظيف كل ما يعزز هذه الوحدة الوطنية التي تعد جزءا من نظام الحكم ، ولا ينبغي لكاتب أن يسعى لنشر أي معنى يتضمن لغة إقصائية إذ يفترض أن يسهم هؤلاء في تخفيف التوتر الشعبي الذي تصنعه الأجندات الأجنبية للصهيونية والصفوية .. والتي تعول على تفكيك هذه الوحدة طائفيا أو قبليا أو مناطقيا.
- مفهوم الوحدة الوطنية الذي ينبغي أن نهرول كثيرا من أجل تعزيزه في كل مظهر من مظاهر حياتنا ينبغي أن يعبر عنه المواطن والمسؤول عبر إنتاجية تعكس انتماء وطنيا يقوم على فضيلة العمل الفردي والجماعي وصولا للمصلحة الوطنية العامة …. وأن يرى الناس في كل مسؤول حرصه وإخلاصه وبعده عن أي مظهر من مظاهر الفساد الإداري والمالي.
- أحد أبرز مهددات الوحدة الوطنية تنامي ظاهرة الغلو في مجموعة من الجوانب وبخاصة حين تؤخذ على أنها همٌ أو خيار وطني إذ الاهتمام بذلك لا يتسق ومظاهر تعزيز هذه الوحدة فالغلو الديني والطائفي والقبلي والمناطقي والرياضي … الخ كلها تصنع مظاهر كثيرة من الاصطفاف الذي يحطم هذه الوحدة الجغرافية والفكرية والاجتماعية التي تنعم بها المملكة بفضل الله.
- نحن نحتاج فعلا لبيئة تشريعية تصنع نظاما وتنظيمات تجرم كل من يعمل على تقويض هذا المشروع الوحدوي الوطني أيا كان ذلك صغيرا كان أو كبيرا .. وتسهم في تعزيز بناء اللحمة الوطنية.
- نحتاج لصناعة وعي عام ورؤية تقوم على أن تنوعنا الثقافي مهم لوحدتنا الوطنية، وأننا يجب أن لا نقوده للتصادم وإنما للتعاون ليكون المنجز مجموعة من المكونات المتماهية مع طموحات الناس وآمالهم ومنجزاتهم؛ ففرص بناء ما يعزز الوحدة الوطنية أو هدمها نحن من يصنعها ويقوم بها ويخلق لها فرص الحضور أو الغياب.
- كل ما حولنا من مشكلات وأحداث ومصائب تعرضت لها دول كالعراق وسوريا واليمن كفيلة لوحدها بأن تزرع في قلوب الناس أفرادا ونخبا ومؤسسات بأن الوحدة الوطنية يجب أن تكون خيارا لا بديل عنه وضرورة لا تنازل عنها وقيمة دينية وجغرافية وثقافية لا يمكن المساومة عليها. إنها دروس وعبر لمن كان له قلب أو القى السمع والعين وهو شهيد.
- إيقاف كل مظاهر الاحتفاء القبلي والمناطقي والمذهبي والطائفي السلبية والتي تقوم على امتهان الآخر وازدرائه وأن يكون هناك عقوبة واضحة وصريحة ومحددة ومغلظة لكل فرد أو نشاط يتضمن ذلك المحتوى.
- البيئة الافتراضية عبر تطبيقات الشبكات الاجتماعية حري أن يتم استثمارها وتوجيه بعض أدواتها وبخاصة الأكثر قبولا وحضورا لتكون أداة تسهم في تعزيز هذه الوحدة بدلا من كونها بيئة تتمدد فيها عوامل التشتت والتشتيت.
- المشاركة السياسية في صناعة القرار والعدالة الاجتماعية والتوزيع الجغرافي لقرارات الوطن هي أهم ما يصنع الولاء ويجذر الوحدة الوطنية والحب للوطن ويجعل المواطن ينتمي لمقدراته وقراراته… يحبها ويتبناها ويدافع عنها ويشعر بأنه جزءا منها وأنها جزء منه.
- في ضوء مجريات الأحداث وفي ضوء تربص قوى إقليمية ودولية بالمنطقة مستهدفة المملكة أمنها ووحدتها؛ لم يعد أمام كل عاقل إلا إدراك خطورة التماهي مع أي مشروع أو رؤية تهدد وحدة الوطن وأمنه ومستقبله .. وذلك يعني مزيدا من الوعي والإدراك بأن النار والحريق هي في بداية الأمر شرارة صغيرة أو عود كبريت.
التعقيب الثاني: د. عبدالرحمن الهدلق
كما هو معروف أن مفهوم وحدة أفراد المجتمع ليس بجديد وتناوله واهتم به الفلاسفة القدامى قبل قيام مفهوم الدولة القطرية أو الوطنية، كما اهتم به الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم من خلال صحيفة المدينة التي ترتب عليها العيش المشترك في وحدة متميزة في المكان والزمان محتضنة غير المسلمين والمسلمين أنصاراً ومهاجرين تضمنت عشرات البنود حافظة بذلك الدماء والذمم والممتلكات محترمة الأديان الأخرى مبينة الواجبات والحقوق والضمانات بين أفراد المدينة في ذلك الوقت.
كما تناول هذا الموضوع فيما بعد عدد من المفكرين والعلماء المسلمين وغير المسلمين نقاشاً وتأصيلا كابن خلدون وأبو حامد الغزالي وميكافيلي وهوبز وروسو على اختلاف فيما بينهم حول ماهية هذا المصطلح ؛ وهذا أمر متوقع يدركه أكثر المتخصصون في العلوم الاجتماعية حيث أن المصطلحات الاجتماعية ومفاهيمها دائمة التعدد متأثرة بخلفية كاتب المصطلح الثقافية وظروفه المكانية والزمانية.
ولعلي من خلال طرحي التعقيبي ولاتساع الموضوع المطروح ابتعد عن الحديث بشأن المصطلحات الأخرى كالمواطنة والوطنية رغم ارتباطها الوثيق بالموضوع وأحصره في فرص تعزيز الوحدة الوطنية من خلال تعريف مصطلح الوحدة الوطنية الذي تبناه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مع بعض إضافاتي الشخصية التي لا تخل بالمصطلح الأساس ليصبح بالصيغة التالية: تعايش أبناء المجتمع السعودي على اختلاف قبائلهم ومناطقهم وطوائفهم وفئاتهم، وتعاونهم على حفظ استقرار ونظام وممتلكات ومنجزات الوطن، والوقوف صفاً واحداً في وجه مهدداته الداخلية والخارجية.
ولأهمية الموضوع قديماً وحديثاً وخاصة في الوقت الراهن التي تشهد بعض دول المنطقة تفتتاً في وحدتها الوطنية وصلت ببعضها إلى ما يشبه الحرب الأهلية فإن المسألة تتطلب إلقاء المزيد من الضوء عليها لتجنب ما حدث في الدول المجاورة من نزاعات طائفية وقبلية ومناطقية، خاصة أن المملكة تدرك خطورة تفتت الوحد الوطنية ووجوب تعزيزها حيث تنص المادة 12 في الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم تحت عنوان (مقومات المجتمع السعودي) على أن “تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام” وأحسب أن هذا النص يشكل منطلقا دستورياً لصيانة وحفظ الوحدة الوطنية السعودية من كل مهدد، إلا أن هذه الوحدة الوطنية – فيما أعتقد- لها متطلبات وشروط ومقومات وقيم حتى يتم تفعيلها بكفاءة لتكون حقيقة على أرض الواقع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل فعلنا هذه المقومات التي تعزز الوحدة الوطنية وتمنع الفرقة والانقسام والتشرذم؟ والإجابة عليه فيما أرى أننا فعلنا القليل وبقي الكثير. وأعطى هنا مثالاً للقليل وهي قيمة الحوار والتي تعتبر أحد مقومات الوحدة الوطنية التي تؤسس للتفاهم الفكري وتبادل الرؤى وقبول الآخر إضافة إلى أنها تقرب القلوب وتصفي النفوس بين أفراد المجتمع حيث اجتهدت المؤسسات النظامية لتفعيل قيمة الحوار بين كافة أفراد المجتمع من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني فقد اجتمع المختلفون وتناقشوا وتثاقفوا وتغيرت بعض الآراء والقناعات عند البعض وقللت من الخصومات بصورة نسبية ومحدودة بين التيارات الفكرية المتحاربة.
وأحسب أن تجربة المركز بشأن القبلية والطائفية والصراعات بين التيارات الفكرية والقبلية تجربة جيدة خرجت بمئات التوصيات التي هي في حاجة إلى “تفعيل” سريع. ولعلي لا أذيع سراً أن ذكرت أن المركز الآن وبتواصله مع المرجعيات العليا سيُعطى قريباً صلاحيات كبرى لتنفيذ مخرجات وتوصيات اللقاءات الوطنية التي تم عقدها خلال العقد الماضي وذلك من خلال برامج نوعية وعلمية وموضوعية.
ولعل من أهم المقومات لتعزيز الوحدة الوطنية نشر القيم الإيجابية والوعي بأهميتها -كما ذكر د. إبراهيم- بهدف إيجاد البيئة المناسبة لها كاحترام الرأي الآخر وقبوله والبعد عن الإقصاء والتهميش وتعميق مشاعر الولاء والانتماء للوطن وضبط الصراع بين الهويات الصغرى والكبرى وتعزيز هامش الحريات وتطبيق العدالة بما يتماشى مع الثوابت الدينية والوطنية.
إن تعزيز مثل هذه القيم المذكورة أعلاه بين أفراد المجتمع كفيلة بدرء العديد من المهددات الداخلية والخارجية كالطائفية والمناطقية والقبلية والصراعات الفكرية بين التيارات المختلفة – وهي من أخطر المهددات – حيث وصل الصراع بين تلك التيارات إلى حد الفجور في الخصومة وتصفية الحسابات وإقصاء وتهميش الآخر وهو ما نعيشه ونلاحظه هذه الأيام على وسائل التواصل الاجتماعي وما ينشر فيها من التخوين والتكفير للمختلف مع كم كبير من الاتهامات والمزايدات في المواضيع المتعلقة بالوطني والديني.
وهنا أرى واتفق مع ما ذكره د. إبراهيم من أهمية بل ضرورة سن التشريعات والقوانين التي تحد وتقضي على الممارسات التي تهدد الوحدة الوطنية مع العمل على توعية أفراد المجتمع بها والجدية في تطبيقها وسيادتها كنظام عادل ليسود العدل وتعم المساواة بين أفراد الوطن الواحد.
إن لمؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية والأسرية دور محوري يجب أن تقوم به من خلال نشر الوعي وغرس المفاهيم الإيجابية التي تعزز الوحدة الوطنية، كما أجزم بأن للنخب الوطنية (الدينية والسياسية والثقافية والقبلية والاجتماعية والاقتصادية …الخ) دور كبير يجب أن تلعبه لتعزيز الوحدة الوطنية لما لها من أثر على كافة أفراد المجتمع، ولذا من المهم أن تقوم الجهات المختصة والمهتمة بهذا الشأن باستقطاب واحتواء هذه النخب وتأهيلها وتمكينها وتعزيز دورها لتحقق الأثر المنشود لتلاحم أفراد المجتمع وتوحيده لحماية الوطن من التفتت والانقسام أو أي مهددات قد تعصف به.
ولعلي أختم هنا بإفادة الأخوات والإخوة الراغبين بالتزود بالمعارف والعلوم والدراسات المتخصصة والمتعلقة بموضوع الوحدة الوطنية بمراجعة أو زيارة موقع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وكذلك كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للوحدة الوطنية في جامعة الأمام وكرسي الأمير متعب بن عبدالله للوحدة الوطنية بجامعة الجوف.
ورغم توفر عشرات الدراسات حول موضوعنا، يبقى السؤال المهم أين ومتى وكيف نحقق الوحدة الوطنية بكفاءة وفاعلية والتي من شأنها تعزيز الاستقرار وزرع المحبة والسلام المجتمعي للارتقاء بمجتمعنا نحو مستقبل واعد؟ تاركاً الإجابة للجميع.
المداخلات حول القضية:
- تعزيز الوحدة الوطنية: الواقع والإشكالات
استهلت أ. فاطمة الشريف المداخلات بالعودة لما ذكره د. البعيز من أن مفردات “المواطنة” و “الوحدة الوطنية” دخلت مؤخرا إلى قاموس ثقافتنا السياسية وأضحت محاور لعدد من اللقاءات والمنتديات العلمية والفكرية. ومن ثم أوضحت أنه وإن كان ما يهدد الوطنية داخليا واضح للجميع، إلا أن تهديد الوطنية وتحدياتها الخارجية غير واضحة: لا من حيث الجهات، ولا الأهداف، ولا الآليات. ويبرز هنا التساؤل حول القاسم المشترك بين “المواطنة” و “الوحدة الوطنية”؟! .. هل العلاقة بين المواطنة والوحدة الوطنية .. حدية أم تراتبية؟؟ و هل تتفق مع أبحاث جون رولز john rowls في موضوع العدالة، التي اتجهت إلى استيعاب مفهوم المواطنة في إطار التعدد الثقافي ، ونصت على ضرورة التقليل من البعد الاثني والديني دون نفيهما و منح الاعتبار الأول للرابطة المدنية ؟ أيضا ويما يتعلق بدور التعليم، لماذا فشلت فكرة تدريس مادة الوطنية ؟ وهل تعزيز الوحدة الوطنية يمر من خلال قوالب تعليمية جاهزة؟
وأوضح د. إبراهيم البعيز أن كل الصراعات والخلافات التي تحدث في المنطقة وتكون المملكة ظرفا فيها تحاول الأطراف الأخرى استهداف الجبهة الداخلية بإثارة جوانب الطائفية أو المناطقية.
وعقبت أ. فاطمة الشريف بأن هذا صحيح وهنا يبرز تساؤل: هل لا يمكن فصل المواطنة عن الديمقراطية وقيمها وأنه يترتب على تشبع المجتمع بالمواطنة وقيمها انتعاش الحس المدني والقيم المدنية، الأمر الذي يعزز قيم المساواة والتعاون والتعاضد والتشارك؟
وذهب د. عبدالرحمن الهدلق إلى أنه كما هو معروف فإن أهم عناصر العملية التعليمية تتمحور حول المنهج والمعلم والطالب بالنسبة لمنهج التربية الوطنية لم يكن احترافيا بالقدر الكافي بل مجموعة مفردات تم تجميعها من هنا وهناك وكأننا نقتبس هذه المفردات من مفردات صحافتنا التي تبالغ في الثناء النظري البعيد أحيانا عن الواقع حيث لم يكن هناك من جديد لزرع المهارات الوجدانية التي تنمي الولاء والانتماء الوطني فأصبحت المادة عبارة عن مجموعة من المفردات التي لا تصنع هوية ولا تعزز انتماء أو ولاء وطني يمكن الاعتماد عليه. إضافة إلى أن هذه المادة لم تعطى الاهتمام الكافي حيث لم يشعر الطلاب بأهميتها لأنها كانت تدرس كمادة إثرائية لا اختبار فيها – على الأقل في بداياتها- إضافة إلى أنه تم إسناد تدريس المادة لغير المتخصصين من مدرسي الرياضة والفنية … الخ. فمن خلال هذه المعطيات فإن أثرها كان ضعيفاً ومنتجاتها ومخرجاتها كانت عاجزة عن تحقيق الأهداف المنشودة والمتوقعة من تلك المادة.
وتساءلت أ. فاطمة الشريف: هل يعتبر الصراع الخفي حول إقصاء الأكثرية” القبيلة” من قبل الأقلية ” الحضر” من المناصب القيادية في الدولة؟ وماهي آلية تفكيك هذا الاحتقان غير المُعلن .. طريقة تخفيف حدة الشعور بالإقصاء من خلال تنويع التوظيف في مثل هذه المناصب مثلا؟
وفي هذا السياق أوضح د. عبدالرحمن الهدلق أنه لا يرى أن هناك إقصاء للأكثرية (القبيلة) مقابل الحضر في المناصب الوظيفية فمعظم من يتبوأ المناصب هم أبناء القبائل والقبيلة لا تعني بالضرورة “البادية” فقط والتي الآن أصبحت ذات حضور بسبب نزوح أهل البادية للمدن وانخراطهم في التعليم والوظائف العامة بحيث أصبح من الصعوبة التفريق بينهم وبين أبناء القبائل الأخرى التي تسمى قبائل حضرية. إن كان هناك تقصير في هذا الجانب فيكمن في التهميش الحاصل لأبناء القبائل التي تسمى البدون وهذا الأمر قد يعتبر أحد المهددات للوحدة الوطنية والانتماء والولاء الوطني إذا لم يتم تداركه. ومن المهم أن يضاف إلى ذلك الشعور بالمساواة بين أفراد المجتمع الواحد حيث أن غياب هذا الشعور قد يؤدي إلى غياب الإخلاص والشعور بالانتماء والولاء للوطن.
ومن جديد سلطت أ. فاطمة الشريف الضوء على نقطة مهمة وهي البدون كمكون مجتمعي مهم ومغيب، هل يعتبر تغيبهم عن المشاركة والاندماج في المجتمع أحد المهددات الرئيسة للوحدة الوطنية ؟ وهل هناك حلول أو استراتيجيات وطنية منفذه للتحقق منهم واندماج من هم مؤهلون لذلك ؟
وحول هذه المسألة، أوضح أ. مطشر المرشد أن البدون مصطلح يشمل مهاجرين من دول وجنسيات أخرى وبعضهم لا يزال لديه جنسية بلاده الأم ويقومون بإخفائها ، والقبائل العائدة ملف آخر ويختلف عن ملف البدون. وهناك محاولات ولجان تعمل منذ ٣٦ سنة .. ويمكن القول أنها محاولات غير جادة ، وبعد ولادة رابع جيل لتلك الفئة المجتمعية قد نحتاج لنقل الملف لجهة محايده لفلترة الجميع واتخاذ قرار يحمي المجتمع ويسهل عملية اندماج من يستحق في النسيج الاجتماعي.
وذهب د. عبدالرحمن الهدلق إلى أنه مما لا شك فيه أن تهميش البدون قد يكون أحد المهددات بسبب شعورهم بعدم المساواة بين أفراد المجتمع الواحد حيث أن غياب المساواة قد يؤدي إلى غياب الإخلاص والشعور بالانتماء والولاء للوطن مما يجعلهم هدفاً ناعماً لمكونات أخرى معادية لتقوم باستغلال هذه المشاعر الناقمة لكسب الولاء لها حيث يمكن لها أن تستخدم بعضهم لتحقيق أهدافها العدوانية ضد الوطن. وحتى القبائل العائدة إذا افتقدوا المساواة والعدالة فقد يكون لدى بعضهم مشاعر ناقمة تؤدي بهم إلى فقدان الولاء الوطني.
ويرى د. خالد الرديعان أن المحسوبية وهي في الغالب عمل أفراد وليست سياسة دولة هي واحدة من أهم مهددات الوحدة الوطنية.. المحسوبية تشمل الواسطة وإقصاء الأخرين الأكفاء.
وترى أ.د فوزية البكر أن موضوع المواطنة والوطنية وبقدر ما قد يبدو بسيطا وحتميا ومتوقع من كل إنسان في عالمنا الحاضر بقدر ما ينطوي علي تعقيدات كبيرة وعلي مستويات متعددة. فهناك أنك مواطن سعودي مثلا وهناك أنك ابن المنطقة التي جاء أهلك منها وهناك القبيلة التي تنتمي إليها وهناك المدينة الحالية التي تعيش فيها وهناك الأسرة التي تنتمي إليها وهناك مجتمع المهنة التي تؤديها ( مجموعات مهنية ) الخ وكلها تتداخل لتكون المحصلة النهائية للتعريف بي كإنسان وكمواطن ، وهذا الأمر في الحقيقية ليس سيئا أبدا فالهويات المتعددة هي سمة العصر الحاضر وقد كتب عنها أمين معلوف كتابه هويات قاتلة.
الخطر يكمن في محتوي التعبئة الثقافية لكل مستوي؛ فالانتماء للمنطقة والقبيلة يتم المحافظة عليه بل وتأكيده حتي رسميا فالانتماء لقطاعات عسكرية محددة قد يتطلب انتماء قبلي محدد وكذلك العمل في بعض القطاعات ( الحرس الوطني مثلا ) تكاد تغلب عليه مجموعات قبلية محددة والأمر نفسه بالنسبة مثلا لوزارة الخارجية وهكذا.
وتأتي قضية الجندر كأحد الأردية الذي يثقل موضوع المواطنة والذي يصنعه الخبرات الإيجابية المتراكمة عند المواطن حتي يشعر بأنه مواطن، لكن حين لا أستطيع أن أستصدر جواز سفر ولا يتحقق لي تمثيل موازي لزميلي الرجل في المواقع المختلفة رغم توازي المؤهلات تبدأ مهددات الوحدة الوطنية. وهذا أحد نماذجها فقط؛ ولنلاحظ أن البنات لا يدرسن مادة التربية الوطنية في المدارس. لكن لو تقدمت إلى وظيفة و رفض طلبي لأي سبب مناطقي أو طائفي أو أن أبي لا يملك واسطة فهذا لن يشعرني بالانتماء أيضا.
وفي مقال لد. خالد بن دهيش بجريدة الجزيرة عن المواطنة والوطنية كتب ما يلي(*): “لقد تعرض المجتمع السعودي لبعض الأحداث المؤلمة من جراء ما فعلته بعض الفئات الضالة من الشباب المنحرف عقيدة ومسلكاً بما فعلوه من التكفير والتفجير الذي لا يمت للدين الصحيح بصلة، بل يناقضه كل المناقضة، بل يعتبر شذوذاً عن عموم هذا الشعب المسلم الذي عرف بالتدين الفطري والولاء والطاعة لحكامه وولاة أمره، وهذا الأمر يدعونا جميعاً للوقوف لمواجهته لحمله أفكاراً وافدة وغريبة عليه، ولقد كانت ردة فعل المجتمع بكل فئاته قوية ضد هذه الأفكار المنحرفة وقاومتها، وهذا غير مستغرب على مجتمع عاش واستمر في العيش على الألفة بين أهله والتمسك بحبل الله المتين، لم لا وهذا ما يؤكده قادة هذه البلاد؟ فقد قال المؤسس الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه: (إن فخرنا وعزنا بالإسلام)، وقد أكد هذه الخصوصية أبناؤه من بعده أيضا، فقد اتبع خادم الحرمين الشريفين نهج أسلافه في اتخاذ الدين الإسلامي دستور الحياة ومنهج حكم، واعتبر الدين الإسلامي أساس نظام الحكم لهذه البلاد. ومن هذه المنطلقات فقد خصصت وزارة التربية والتعليم من ضمن خططها وبرامجها لمواجهة هذه الأحداث اللقاء الثالث عشر لقادة العمل التربوي الذي عقد بالباحة في الفترة من 26-29 محرم 1426هـ والذي اشتمل على عدة محاور كان المحور الأول: المواطنة حقوق وواجبات، والمحور الثاني: دور المؤسسات التعليمية في تعزيز المواطنة، والمحور الثالث: تربية المواطنة مسؤولية مشتركة. ورغم أن هذا اللقاء التربوي قد أثار الكثير من القضايا وطرح العديد من الأفكار الجادة، وفي الوقت نفسه، فإن تعزيز المواطنة أمر قائم وواجب والجهود مستمرة، والعمل المطلوب شاق وطويل، سيما ونحن نتعامل مع الإنسان، ولقد شدني كثرة الخلط والتداخل في تناول العديد من المفاهيم المرتبطة بالظروف والأحداث التي يعيشها مجتمعنا، فمن المعروف أنه مع اللحظات الحرجة والعصيبة في حياة الأمم تبقى للكلمة الصادقة دلالتها وأهميتها، ويبقى لتحديد المعاني متطلباتها وحجيتها بحيث لا تختلط الأمور مع بعضها، مما يتيح الفرصة لمن يتربص بمقدرات أمتنا في أن ينال منها ما يبغي، وإن كان هذا أمراً مستحيلاً – بإذن الله- طالما استمر الوعي المجتمعي الحادث الآن في مواجهة هذه الفئة الضالة لانحرافها عن طبيعة المجتمع السعودي الذي دستوره القرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ولذلك سأركز على المفاهيم التي تناولها لقاء قادة العمل التربوي وبصفة خاصة المفاهيم المرتبطة بالظروف الآنية التي يعيشها مجتمعنا، وأعني بها تحديداً (الوطن – المواطنة- الوطنية- المواطن) وهي مفاهيم تشكل ما يمكن أن نسميه العائلة المفاهيمية المرتبطة بالوطن، حيث تتقارب فيما بينها على الأقل ظاهرياً وفي الجذر اللغوي رغم الاختلاف في المعنى، ولعل ما دعاني إلى الاهتمام بتحديد المقصود بتلك المفاهيم يرجع للأسباب التالية:
- أن المفاهيم ليست مجرد كلمات تنطق تتناولها الألسنة، بل تحمل مضامين تؤثر بصورة أو بأخرى على سلوك البشر.
- تميز لنا المفاهيم بين الأشياء وبعضها البعض، بصورة أكثر تحديداً، فإذا تداخلت المفاهيم مع بعضها فسينعكس ذلك على تعامل من يتناول هذه المفاهيم وتلك آفة يجب أن ننأى بأنفسنا عنها.
- لا بد أن نقتنع أن الأمر لا يخلو أحياناً من سوء النية في تحديد بعض المفاهيم، فنحن مجتمع لنا رسالتنا الدينية المعروفة، ومعلوم أن الأفكار والقيم تؤثر بصورة أو بأخرى في السلوك وكل ذلك يرتبط بمفاهيم معينة. ولذلك في إطار التدفق المعلوماتي ومحاولة البعض الهيمنة على الآخر، فلا بد أن يكون لنا موقف محدد من كل ما يرد إلينا من مفاهيم.
- لوحظ في الفترة الأخيرة خلط وتداخل في تناول هذه المفاهيم، ونؤكد هنا ونقدر حسن النية الناتجة عن اندفاع البعض للذود عن الوطن، ولكن يجب أن يكون ذلك في اتساق وتناغم مع ثوابت مجتمعنا المعروفة.
وعلى هذا ينبغي أن نراجع مفاهيمنا ونعمل على تحديدها بدقة، وأن نلتزم بهذا التحديد الذي يجب أن يتسم بالأصالة، أي أن يكون نابعاً من جذور المجتمع ومن منطلقاته وأهدافه وثقافته في إطار من العلمية والاستفادة من تجارب الأخرين دون إفراط أو تفريط، وكل ذلك يتطلب مرونة في الفكر وسعة في الأفق حتى نستطيع تحقيق الأهداف المأمولة لمجتمعنا وبما يخدم الصالح العام. وعن تلك المفاهيم ومن آراء العلماء والمتخصصين:
مفهوم الوطن في اللغة: ورد في لسان العرب أن مفهوم الوطن لغة يشير إلى المنزل الذي يقيم فيه الإنسان، فهو وطنه ومحله (ابن منظور،2000م، ص 239).
وبصفة عامة فاستخدام كلمة وطن في اللغة العربية تعبر وتنم عن الأرض التي ولد فيها الشخص أو اختار أن يعيش فيها، وتعبر من ثم عن نوع من الهوية الأولية.
وارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة مستقرة في النفوس، فالوطن مسقط الرأس عادة ومحل التربية، على أرضه يحيا الفرد ويعبد ربه ومن خيراته يعيش، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبته والولاء له دائرة أوسع من دائرة محبة الأسرة، وهو في الوقت ذاته أقل من دائرة الانتماء المحبة والولاء للإسلام. وعليه فالانتماء للوطن إنما هو معزز للانتماء الإسلامي الذي هو الدائرة الكبرى كوطن أكبر للمسلمين. ومن إحسان الانتماء للوطن تنشئة الأفراد على المحبة والألفة والتماسك بينهم ويمكن أن يتم هذا في إطار الخلية الأولى للمجتمع وهي الأسرة التي اهتم بها الدين الإسلامي وأوضح أنه من لا خير فيه لأهله فلا خير فيه لوطنه وأن من لم يتعود القيام بواجب الانتماء – بعد الإسلام- لأبيه وأمه، فلن يرجى منه القيام به تجاه وطنه (الزيد، 1417هـ). وبذلك فالانتماء للوطن لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع الانتماء للإسلام بل هو حلقة ودرجة تساعد عليه؛ أي على الانتماء للإسلام.
أما مفهوم المواطنة ففي اللغة هي مأخوذة من الوطن – السابق بيانه – وهو محل الإقامة والحماية، وورد في الموسوعة السياسية: أن المواطنة هي (صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن)، وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريف المواطنة: بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة) ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة (غيث، 1995م، ص 56).
ومن منظور نفسي: فالمواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية (هلال، 2000م، ص25)، وبذلك فالمواطنة تشير إلى العلاقة مع الأرض والبلد. والمواطنة بصفتها مصطلحاً معاصراً تعريب للفظة (Citizenship) التي تعني كما تقول دائرة المعارف البريطانية: (علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق – متبادلة – في تلك الدولة، متضمنة هذه المواطنة مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات). ولعل ما يثير القلق في مفهوم المواطنة أنه نبت غربي ارتبط بظروف يجب الوقوف أمامها، فالمواطنة ترتبط وتتمثل في علاقة الحاكم (الملك) بالسكان من حيث تبادل الحقوق والواجبات بناء على الرابطة الوطنية بعيداً عن الدين، وهذه النقطة تحديداً تثير المخاوف بصورة كبيرة، إلا أني ألمح اقترابها (الحقوق والواجبات) من مفاهيمنا الإسلامية، ويوضح ذلك من خلال رسالة القائد المسلم خالد بن الوليد في فتح بلاد الفرس حيث قال: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم له ما لنا وعليه ما علينا)، ونتيجة لذلك فقد رأى البعض في مفهوم الوطنية ما يدعو للاطمئنان، هذا ما أراه حسبما اتضح لي.
مفهوم الوطنية تعرف الموسوعة العربية العالمية الوطنية بأنها (تعبير قويم يعني حب الفرد وإخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن). ويوحي هذا المصطلح بالتوحد مع الأمة، وفي اللغة الإنجليزية فقد جاء في قاموس أكسفورد تعريف الوطني (Patriot) وهو الشخص الذي يحب بلده وعلى استعداد أن يدافع عنها، ولذلك فالوطنية (Patriotism) تعني الإحساس بالوطن وامتلاك الصفات الوطنية من حب ورغبة في الذود عنه (Oxford dictionary,1978,p:467).
وعلى المستوى العربي فالوطنية كما يؤكد (د. عبد الرحمن الزنيدي) تعني بحسب لفظها نزوعاً انتسابياً إلى المكان الذي يستوطنه الإنسان مثلما هو جارٍ بالنسبة للأديان الأخرى أو للجماعة البشرية، وكان هذا النزوع موجوداً لدى العرب منذ القدم وهو نزوع عاطفي برز في شعرهم تغنياً بالأوطان وحنيناً إليها عند التغرب عنها، والعرب ينتسبون إلى أوطانهم، فهذا نجدي وذاك حجاز وآخر تهامي، ثم أصبح بعد الإسلام العراقيون والمصريون.. إلخ. وعلى كل فإن الوطنية لها مبادئها العامة وآلياتها السلوكية التي يزرعها رواد هذه النزعة في نفوس الناس وينشئون عليها ناشئتهم، ويحاكمون إليها مواقف أتباعهم وينظرون إلى الآخرين من خلالها. وما سبق من آراء ورؤى يؤكد على الفارق الواضح بين الوطنية والمواطنة، وكما يؤكد (د. فهد الحبيب) أن صفة الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة أو أنها أعلى درجات المواطنة، فالفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة وتصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة. وفي هذا السياق فثمة نقطة جديرة بالاهتمام والتوقف أمامها، هذه النقطة تتمثل في جدوى تناول الوطنية والاعتزاز بالهوية الحضارية والخصوصية الثقافية في عصر العولمة.. فهل يعد الحديث عن الوطنية في عصر العولمة عبثا؟ هل هي سباحة ضد التيار؟ هل تمثل المناداة بالوطنية دعوة إلى مقاومة ثورة علمية كاسحة بما تشكله من إمكانيات (تقنية) هائلة وإمكانيات اتصال فائقة؟ هل تمثل الدعوة إلى الوطنية وإعلاء شأنها دعوة إلى الانغلاق؟ هل هي دعوة إلى الانكباب على الذات والتقوقع داخل حدود لم يعد لها المدلول نفسه الذي كان سائداً في تاريخ سابق؟ هل هي رجعية في التفكير كما يروق للبعض أن يسميها؟ هل هي عدم واقعية في تقدير الأمور كما يحلو للبعض الآخر أن يصفها؟ إن الوطنية في غمرة كل هذه التساؤلات والتأويلات تشكل إطاراً للقيم الإنسانية ولا تشكل جداراً لسجن ولا حافة لخندق ولا حاجزاً لمنفى، إنما هي تشكل معبراً للالتقاء بالإنسانية كلها، إن الوطنية سياج للحماية.. حماية القيم الإنسانية والأخلاقية والتحصين ضد الضياع والتهميش واللامبالاة. الوطنية التزام والالتزام قيمة، والوطنية انتماء والانتماء مسؤولية، الوطنية اعتزاز والاعتزاز أصالة، الوطنية ارتباط بالجذور والارتباط ملاذ ومصير. وإذا نظرنا إلى العالم من حولنا نجد أن الوطنية تلعب دوراً رئيساً في الدول التي تقود العولمة وتروج لها وتستهين بالنزاعات القومية والحركات الوطنية، فالولايات المتحدة الأمريكية التي هي القطب الأكبر في عالمنا – اليوم – لا تتحرج أن يتكلم رؤساؤها عن المصالح الأمريكية العليا في كل مناسبة، ولا أن يصدر الكونجرس الأمريكي قانونا يبيح للقوات المسلحة أن تلاحق من يتعرضون للأمن القومي الأمريكي إلى داخل حدود الدول الأخرى، ولا تتحرج أمريكا أن تضع شروطاً لاستعمال بضاعتها وفرض منتجاتها من أجل نشر ثقافتها. وروسيا التي تعتبر القطب الثاني، التي تراجع دورها مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، فإنها رغم اعتناقها الماركسية منهاج حياة اضطرت اضطراراً في أثناء مقاومتها للغزو النازي في الحرب العالمية الثانية إلى إثارة حافز الوطنية الروسية وإذكاء روح الوطنية والكرامة الروسية، وكانت الوطنية وحدها (وليست الماركسية) هي القوة التي أوقفت الزحف النازي، وهكذا فإن الدول الكبرى نفسها وهي تعتني بمزايا العولمة وتسعى حثيثاً لفرض قوانينها لا تتحرج في التمسك بإعلاء مصالحها الوطنية على أي اعتبار آخر. إن الوطنية حب وتعاطف وليست تطرفاً وكراهية.. حب للأرض والإنسان والعشيرة والقيم والخير الجمال. إن التحلل من الارتباط بالأرض أو الجذور هو بداية انفراط عقد الانتماء لسلسلة من الارتباطات بالمكان والزمان، وبالمبادئ والإنسان، بالتعاطف والتكافل، وهو طريق له بداية ولا تبدو له نهاية إلا الغربة والوحشة والإحساس بالضياع. ولعل ذلك هو ما نود التأكيد عليه، وفي هذا الإطار يصبح للوطنية معنى ويكون لها هدف، ونحن هنا لا نقلل من المواطنة بل نعتبرها جانباً من الوطنية أو أساساً لها، وكأن المواطنة هي نقطة انطلاق للوطنية وليست محطة وصول وعند ذلك سيكون الوطن هو المبتدى والمنتهى”.
وتحت عنوان “المواطنة والتعاقد الأخلاقي” كتب د. مشاري النعيم (*): “لا يمكن أن تقاس قيمة الإنسان فقط بقدرته على المساهمة في مشروع “الوطن” بشكل مادي ومباشر، وإلا أصبح الضعفاء والمرضى والمهمشون والفقراء “غير مواطنين” أو “مواطنين غير صالحين”، بحيث يجدون أنفسهم محرومين من “القيمة” التي تجعلهم جزءاً من “الوطن”، ولعل هذا ما ألمح له “غوته” عندما وضع مصطلح “الأخلاقيات بالتراضي” التي تعني تطوير مفهوم “التعاقد الأخلاقي” من أجل إعطاء فرصة لكل الأفراد في المجتمع لبناء “الوطن”. ولعل هذا ما شدني وأنا أتابع لقاء الخطاب الوطني الثالث في جدة، فهذا اللقاء يثير قضايا مسكوت عنها لعل أهمها “الفئوية” و”المناطقية” التي تنهش في المجتمع وتفككه إلى أوصال فرغم مرور عقود طويلة على وحدتنا الوطنية إلا أننا مازلنا نعيش “أجواء القبيلة” وتهيمن على أفكارنا “العشائرية” و “الجهوية” وكلها تمثل أشكالاً اجتماعية تشوه “التعاقد الأخلاقي” الذي تقوم عادة عليه المواطنة. إن إثارة مثل هذه المواضيع الهامة هي في الحقيقة محاولة “للتصحيح” ودلالة على أننا نمر بمرحلة مواجهة مشاكلنا الخاصة التي كنا نلتف حولها في السابق وكلها مؤشرات لنضج اجتماعي وصلنا أو نحن في طريقنا للوصول إليه. إذ يجب أن نقر أننا نعاني من “ثقافة التجزئة” ونعاني من الانحياز المناطقي (الجهوي) ويسيطر علينا هاجس “القولبة الفكرية” الأمر الذي يجعل من صورة الوطن، في شموليتها، غير واضحة على مستوى الأفراد، وهو أمر يحتاج- دون شك- إلى مواجهة شجاعة وشفافة حتى لا يتفاقم أكثر.
يجب أن نقر أننا نعاني من «ثقافة التجزئة» ونعاني من الانحياز المناطقي (الجهوي) ويسيطر علينا هاجس “القولبة الفكرية”؛ الأمر الذي يجعل من صورة الوطن- في شموليتها- غير واضحة على مستوى الأفراد، وهو أمر يحتاج- دون شك- إلى مواجهة شجاعة وشفافة حتى لا يتفاقم أكثر.
إن وجود وسائط (القبيلة والعشيرة الفكرية والانتماء الجهوي) بين الفرد و الوطن يقلل من فاعلية “التراضي الأخلاقي” الذي يؤكد على حقوق الفرد وتحقيق مبدأ المساواة والعدل. هذه الوسائط أصلا تفصل بين سلطة الدولة والأفراد، فهي تمثل سلطة وسيطة منحازة لمجموعة من الأفراد تقلل من فاعلية سلطة الدولة على المواطنين وحسب قوة وتأثير السلطة الوسيطة تتمظهر قوة الأفراد التي عادة ما يصاحبها خلل كبير في تحقيق مبدأ العدل والمساواة. ومع ذلك يجب أن نوضح هنا أن “الانتماء الفكري” يمثل حالة مختلفة عن حالات الانتماء للقبيلة والجهة، فهو انتماء مطلوب طالما أن الهدف هو “البناء” لا الانحياز والتعصب واتهام الآخر وتهميشه ومحاولة إضعافه عن طريق استخدام السلطة، والإشكالية هنا تكمن في تحول الانتماء لفكر ما إلى انحياز أعمى يفكك مفهوم المواطنة بدلا من أن يبنيها وهنا يكمن الخطر، لأن الفكر يصبح هنا مثل “القبيلة”، إطار سلطوي مبطن يحيل بين الفرد والوطن الكبير ويقلل من انتمائه للمجتمع بشموليته وتعدديته ويحبسه في إطار جزئي له مخاطره الكبيرة على مفهوم المواطنة بشكل عام. ولعلي أستعير هنا عبارة “الهويات القاتلة” لأمين معلوف التي وصف بها “الانتماءات الجهوية والفكرية” عندما تتحول إلى محركات هدم داخل الوطن بدلا من أن تتكامل وتصنع “موزاييك” منسجم داخل المجتمع الكبير.
ولو ربطنا هذه الظاهرة بمفهوم “السلطة الناقصة” وما تعنيه من خلل في الاحتكام لسلطة الدولة (القضاء وغيره من مؤسسات) للتمييز بين الخير والشر سوف نشعر بأهمية “السلطة الكاملة” التي توحد بين المواطنين، لأن تدخل “السلطة الوسيطة” هنا غالبا ما ينحاز للأفراد المنتمين لها ويصنع ما يمكن أن نسميه “الفئوية” التي هي ضد “المواطنة الكاملة” وبالتالي يتقطع المجتمع إلى أجزاء متنافسة يسعى كل جزء إلى حيازة أكبر نفوذ وبدلا من أن يعمل الجميع من أجل الوطن يتحول العمل إلى صالح الجزء، الأمر الذي عادة ما يصنع خللاً شديداً في معنى المواطنة لدى الأفراد. ومع ذلك فإن الوحدة الوطنية عادة ما تبنى على فكرة “شمولية السلطة” وتعددية الأفكار، أي أن وجود السلطة القوية التي ترتفع فوق الجميع يضمن في كل الأحوال التعددية الثقافية داخل المجتمع فلا ضير أن تتشكل أطياف فكرية مختلفة داخل الوطن الكبير طالما أن الجميع يخضع للسلطة العليا التي يمثلها “القانون” وبالتالي فإن “التعاقد الأخلاقي” هو تعاقد اجتماعي مبني على الرضى بسلطة تحكم العلاقة بين الأفراد دون “وساطات” منحازة تقطع أوصال العقد الاجتماعي الذي يصنع مفهوم “الوطن”.
وهنا يجب أن نؤكد على أن علم الأخلاق لا يطلب منا بأي حال من الأحوال أن نقبل بأن نكون ضحية للأخرين وهذا يعني أن التعاقد الأخلاقي أساسا مبني على الندية في التعامل مع الآخر لا استغلاله وتهميشه، الأمر الذي يجعل من الأخلاق “مؤسسة إنسانية لا يمكن تبريرها إلا بالقدر الذي تراعي فيه مصالح الكائنات الإنسانية” (على حد قول غوته)، وبالتالي تصبح “الجهوية” و”الفئوية” محاولة لتجاوز “التراضي” و”التوافق” إلى صنع ضحايا ومهمشين نتيجة لتراتبية نفوذ وقوة السلطة الوسيطة داخل المجتمع والتي تفرض على الآخر الأضعف أن يقبل بالتهميش وأن يتحول إلى ضحية. هذه الحالة تصنع دون شك حالة من الاحتقان الشديد وتشعر الضعفاء بعدم الانتماء وتجعل الأقوياء ينتمون إلى الفئة التي تمدهم بالسلطة والنفوذ أكثر من انتمائهم للوطن، وبالتالي تصبح “المواطنة” هي “مواطنة الجزء” لا مواطنة الكل و مواطنة المصالح الخاصة لا مواطنة المنفعة العامة.
ما أثاره الخطاب الثقافي في جدة هو حالة من “المراجعة” الأخلاقية وبناء تعاقد اجتماعي جديد مبني على “الأخلاق بالتراضي”، فالمسكوت عنه غالبا ما يتحول إلى قنابل مؤقتة إذا لم يتم تداركه في الوقت المناسب، والمجتمع السعودي، هو الحقيقة الماثلة أمام عيوننا بكل مزاياه وعيوبه، أي أنه لا يفترض منا تجميل صورة المجتمع بل على العكس من ذلك يجب أن نسلط الضوء على ما يقلقنا من سلوكيات باتت تهدد وحدة الوطن الأمر الذي يحتم علينا البحث بشفافية أكثر عن الإشكالات التي تعيق “المواطنة” بدلا من إقناع أنفسنا بأننا بخير وأن المشاكل التي تظهر على السطح ما هي “إلا زوبعة في فنجان” فالتسكين “لا يصنع التمكين”، ورغم أن النتائج العامة التي نخرج منها بعد كل “حوار وطني” تكون غير مرضية ولا تصنع تغييراً مباشراً لكنها صنعت وتصنع حالة من المصارحة بين الشركاء في المجتمع؛ الأمر الذي يشكل بداية للتوافق الكلي الذي ينتمي للوطن لا للفئة أو الجهة”.
ومن وجهة نظر د. نوف الغامدي فإننا نعيش أزمة هوية سلفية/ ليبرالية،، حقيقة التيارات الفكرية المختلفة في السعودية تتمترس خلف أفكارها وتصنيفاتها لنفسها ولغيرها، لكون التصنيف يحميها ويجعلها تحصل على مكاسب سياسية من الدولة، مما يجعل التصنيف أداة للنفع السياسي.
لماذا نناقش مسألة الهوية في خضم الحديث عن الإصلاح السياسي والتغيير؟ الإجابة تتعلق بأمرين رئيسيين: السلم الأهلي، والتحول الديموقراطي. لا يمكننا في أي محاولة تأسيسية وفي أي حديث حول تفعيل المشاركة الشعبية في صناعة القرار أن نغفل هذين الأمرين.
لابد أن تكون القرارات تنطلق من منطلق المصلحة الوطنية للدولة، ولو أن مفهوم الدولة الوطنية لدينا راسخ ومتجذر لما كان للتصنيفات الفكرية أي أثر يستدعي أن نناقشه!! ولو أن المصلحة الوطنية هي العنوان العريض الذي يجمعنا، لما كنا سنواجه اختلافا مثل الاختلاف الذي نواجهه عند كل قرار ومنعطف ..!!
وحين يغيب مفهوم الدولة الوطنية، سوف يعود كل شخص لمرجعيته الفكرية (القبلية) للاحتماء؛ لأن الدولة في نظرهم لا تجمعهم، وتصبح المرجعية الفكرية سابقة على الانتماء الوطني كون الوطن لا يعني لهم شيئا .
إذن يصبح أثر التصنيف الفكري سلبيا على الوحدة الوطنية، لكون مفهوم الوحدة الوطنية في حد ذاته ضعيفا، ولا يعني شيئا سوى التوفيق بين تيارات مختلفة ومتصارعة بدلاً من كونه نقطة الانطلاق للجميع.
وجود الصراع أو المنافسة بين التيارات، لا يعزز الوحدة الوطنية ولذا فكل تيار يرى أن التشدد لأفكاره سوف يصب في مصلحته من خلال الحصول على منافع سياسية من الدولة. هذا الأمر يطرح أهمية وضوح مفهوم “المصلحة الوطنية” كنقطة انطلاق في اتخاذ القرارات مما يعزز الوحدة الوطنية بدلاً من نظام المحاصصة والتنافس بين التيارات القائم اليوم. فعلى سبيل المثال هل كانت مسائل مثل عمل المرأة أو قيادتها أو غيرها من المسائل، لتثير كل ما أثارته لو أن نقطة الانطلاق في مناقشتها هي المصلحة الوطنية العامة، بدلاً من مسألة كونها تتوافق مع وضع المجتمع أو قبول التيارات المختلفة لها؟!
وترى د. ثريا العريض أن من أهم أسباب التصدع في الهوية الوطنية هو التهاون المتواصل لانحرافات الخطاب الديني حيث نتج عن ذلك تحقير وتهميش وإقصاء وحتى تجريم وتكفير … و بالتالي ولد الشعور بالاستهداف و الحرمان من حقوق الانتماء الوطني.
وطرحت أ. فاطمة الشريف تساؤلاً مهماً عودا على تعقيب د. عبد الرحمن : “تعايش أبناء المجتمع السعودي على اختلاف قبائلهم ومناطقهم وطوائفهم وفئاتهم، وتعاونهم على حفظ استقرار ونظام وممتلكات ومنجزات الوطن، والوقوف صفاً واحداً في وجه مهدداته الداخلية والخارجية.”
هل التعايش يعني إلغاء التمايز والاختلاف بين المكونات؟! من المنطقي أن التعايش يسمح بحد من التمايز والاختلاف.. والسؤال هنا : من يضع حدود هذا التمايز ويتحكم به ويسيطر عليه؟ وما هي الآلية التي تحافظ على بقاء التمايز الذي يعطي للمجتمع تنوعه الثقافي دون أن يؤثر هذا على مفهوم التعايش والوحدة الوطنية؟
وهل فكرة التعايش أيضا فكرة يجب استبعادها حيث أن التعايش يطرح وقت أن يكون هناك صراع مُقر ومعترف فيه .. أي أننا نؤمن بهذا الصراع ولكن علينا إبقاءه في الداخل .. وأن نتعايش رغم وجوده مع أن المواطنة الحقيقية هي في نسف أسباب هذا الصراع من أساسه؟
وحول هذه القضية قالت أ. كوثر الأربش: مفردة التعايش نستخدمها اضطرارا لأنها راجت كثيرا وأصبحت تحمل دلالة يتم استيعابها سريعًا. الحقيقة هي تتضمن تأصيل الاختلاف الذي يحمل سمة العدوانية وكراهية الآخر.
مثل مفردة ” التواضع” التي تؤكد أولا وجود طبقية ومراتب عليا وأخرى سفلى، لكن الأعلى يتواضع، أي ينزل من علوه اختيارا ليتساوى مع الأسفل! لا يمكننا أن نعيد ابتكار اللغة، وإلغاء ذاكرة الناس.. يكفي أنها تؤدي غرض المفردة.
أما على الصعيد الوطني، فإن الطائفية والعنصرية أهم معول هدم للوطنية وعلينا أن نبذل كل جهودنا لتفكيكهما وإعادة بناء الوطنية بمفهومها العالمي.
يدور حوار كبير بيني وبين كثير من المناطق التي تحوي أقليات كالشيعة أو الإسماعلية أو الصوفية. أو بعض الأشخاص والعوائل والمناطق التي تشعر أنها مهمشة. وتم طرح سؤال كبير: لماذا لا تريد الدولة إنهاء الحالة الطائفية؟
وكنت أدخل في مناورات وحوارات كثيرة، مؤكدة لهم أن التوجه الأهم للبلاد هو محاربة التفرقة والتهميش لأي مواطن.. واستحضر كثيرا من المواقف التي صرح بها الملك سلمان أو محمد بن نايف – الله يذكره بالخير – عن أنه لا يوجد في المملكة مواطن درجة ثانية. لكن الناس لا تصدق أيا من هذا طالما أن مظاهر الطائفية لم تلغى تماما.
كلنا هنا نعرف تماما توجه بلادنا لنبذ الطائفية و تكريس الوطنية. ولكننا نفتقد لخطة واسعة المدى تكون بحجم هذا المشروع الأكبر. والأمنية أن نعمل معا على إنتاج مادة أو خطة يمكن تطبيقها على نطاق واسع وشامل تمثل فعلا هذه المرحلة.
أما د. عبدالرحمن الهدلق فيرى أن مفهوم التعايش يهدف إلى الاعتراف بالتمايز والاختلاف الذي يعزز التنوع الثقافي والفكري ويحتوي المخرجات التي قد تؤدي إلى الاحتقانات الاجتماعية. ولو اقتنع الجميع بمفهوم التعايش واحترام الآخر وتطبيق ما ورد في القرآن من حتمية الاختلاف وأهمية القبول به وتفهمه بما يخدم الصالح العام الديني والدنيوي لكنا أزلنا أحد أهم مهددات الوحدة الوطنية. وأحسب أن الالتزام بالثوابت الدينية والوطنية كفيلة بأن تكون إطارا مرجعيا حاكماً عند الاختلاف. وللأسف فإن الانحراف في الخطاب ليس مقتصراً فقط على بعض الخطابات الدينية بل هناك تيارات محلية بعضها تعتمد الإقصاء والتهميش والتخوين والدعشنة للمختلف معها.
وطرح أ. نجيب الزامل مجموعة من التساؤلات التي يراها محددات لمناقشة قضية تعزيز الوحدة الوطنية وهي:
1- ماذا نقصد تحديدا بالوطنية؟
2- هل الوطنية فهمٌ موحد (انظر مونتسكيو مثلا في فلسفته للانتماء) أم أنها أفهامٌ مختلفة تورد لموردٍ نهائي واحد؟
3- في المناهج. هل المنهج الذي يلائمني أفرضه عليك؟ أم أن المناهج تختلف حسب الأنثروبولوجيا باختلاف الناس ونظرتهم لمعنى جوهر القيمة (والتي جمعها قيٓم)؟
4- هل يسمح الوطن بالتخلخلات الانتمائية حفاظا على التماسك الكلي، كالتخلخلات الفسيولوجية مثلا لبناء العضلة ثم العضو ثم الجسد. يعني انتماء الخلية للنسيج لا يفسد انتماءها للعضلة ثم للعضو ومن ثمّ الجسد الكلي؟ أم أنها وحدة متشابهة ككتلة رخامية صماء مثلا؟
وتحت عنوان “قراءة خاصة جدا في قضية فرص تعزيز الهوية الوطنية” ذكر أ. عبدالرزاق الفيفي أن من مشاكلنا التشريعية في النظام وقانون الدولة الاكتفاء بالسياسات التشريعية عامة دون شرح للمشتبه و تقييد للمطلق وتفصيل للإجراء؛ وهذه مدرسة قانونية تهدف إلى إبقاء مساحات للحركة وفق المصلحة المتغيرة ، وهذا يعود لعدم القدرة على تحديد شكل نهائي لهوية الدولة.
ويعود سبب عدم القدرة على ذلك إلى إشكالية فكرية هزت ثم أربكت ثم صَدَّعت هوية الدولة السعودية الثالثة. ولم تكن تلك الإشكالية حاضرة في زمن المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله وتغمده في جنته وجزاه عن الأمة خيرا – لوضوح الرؤية بشكل نهائي لهوية الدولة في حقبتها الأولى والثانية وصدرا من الثالثة.
( تنويه : نشأت حالة من محاولة الانفراط في هوية الدولة في زمن الملك عبدالعزيز – مع إخوان من طاع الله – ولكنه عالجها بشكل جذري حمى بها وحدة البلاد وانتهت لذلك لم يكن لها أي اعتبار يذكر في عمق الهوية المجتمعية ).
ونشأت تلك الإشكالية تحديدا بشكل واضح من منتصف عهد الملك سعود ثم خضعت لحالة إرباك في عهد الملك فيصل – رحمه الله – وذلك بعد محاولة من خارج حدود الجزيرة العربية شبه متطرفة لفرض الهيمنة الفكرية على هوية الدولة حينها تمثلت في المد الناصري والقومي الذي اجتاح الجزيرة العربية كغيرها من دول العالم العربي، ثم ما اتخذه الملك فيصل حينها من دعم المكون الفكري الإسلامي الوحيد الذي كان أكثر تنظيما وقدرة بشرية وفكرية ( حينها ) لمواجهة المد الناصري والقومي مع ما فيه من عيوب (الإخوان المسلمون). محاولا بذلك إعادة تصحيح المسار وإعادة الهوية الوطنية التي بها وحد المؤسس الوطن، ثم امتدت بعد ذلك مرحلة تشظي الهوية الوطنية السعودية بعد ذلك بنشوء مرحلة ليبرالية متأثرة بالمحيط الخليجي والعربي كغيرها ، ثم نشأت محاولة ( كردة فعل حادة ) لإعادة هوية الدولة الوطنية لأصلها أيام المؤسس بما يسمى ( الصحوة ) ، ثم نشأت بعد ذلك مرحلة ( كردة فعل حادة أيضا ) لمرحلة الصحوة السابقة. وفي خضم آخر مرحلتين اضطربت كثيرا الهوية الوطنية بشكل كبير جدا بل وصلت في مراحل ليست بالبعيدة إلى مرحلة من التصدع.
مع كل ما سبق من مراحل وتجاذبات عاش القطاع العريض من المجتمع، مرحلة من التشتت و الاضطراب ؛ مما جعلهم يبحثون عن هوية وطنية في محاولة جادة لخلق حالة من الاستقرار النفسي لديهم بسبب حالة التناقض الشديد التي امتدت على طول المسار المجتمعي في قالبه الفكري والسلوكي والقيمي . فتارة تجد المجتمع يبحث عن هويته في تعلقه بالتراث والقديم ، أو تعلقه بالحديث والجديد ، غافلا عن أصل هويته وانتمائه ، لأرضه و دينه و قيمه العادلة ، ونحن الآن في طور اضطراب جديد مالم تسارع الدولة بتشريعات ضابطة حازمة عادلة ، ومالم يسارع العلماء والمفكرون بتحقيق الوحدة بينهم على شكل هوية وطنية جامعة مانعة فاعلة.
ويرى أ. عبدالرحمن الطريري أن الوطنية والانتماء تكون أصعب كلما كان المجتمع متعددا أو منفتحا، وفهم الوطنية هي فهم مختلف وغير ثابت بين الأفراد، وبالتالي فالوطنية يجب أن تعزز بالتزامن مع التنمية والانفتاح.
ولهذا نجد كما تضمنت المداخلات السابقة أن الفترات الزمنية المتقدمة من الدولة، لم يكن بها نزاعات حول الوطنية، وهذا عائد في المقام الأول لأن الخلافات الطائفية لم تكن ظاهرة، ومقدار انفتاح المجتمع على الأفكار الخارجية أقل.
واليوم وحتى ما نراه من بعض الضعف في “الحس الوطني” – المصطلح المختلف عليه، فهذا الضعف طبيعي ومنطقي في دولة حديثة، وتمت فيها التنمية وارتفاع معدلات التعليم بسرعه كبيرة، مع وجود أجندات لتمزيق الوطن من أجندات حركية وخلافه.
وهناك بالطبع ظواهر غير طبيعية، مثل العودة لهويات أصغر من الوطن وقد تكون عابرة للأوطان في حالات مثل القبيلة والطائفة، وفِي هذه الحالة يكون دور الدولة كبير على مستوى التوعية وعلى مستوى التحقق من العدالة الاجتماعية، ومسؤوليتها أكبر حول هذا الخلل.
وهل هناك تناقض بين مختلف الانتماءات، من مناطقية أو قبلية أو غيرها، وهل هي متوازية مع الهوية الوطنية بشكل يسمح لإحداها بإلغاء الأخرى، أم أنها هويات أصغر من الوطن ، وإنما تشكل أطياف المجتمع؟
أما أ. عبدالله الضويحي فقال في مداخلته حول فرص تعزيز الوحدة الوطنية:
بداية، يبدو أن هناك خلطاً كبيراً بين كثير من المفاهيم لدى العامة ورؤية غامضة حول مفهوم الوطنية عموماً ومقومات الوحدة الوطنية ..
الوطنية .. المواطنة .. السلوك .. الشعور بالمسؤولية .. الهوية .. الولاء .. وغيرها أصبحت في نظر البعض تشير إلى مفهوم واحد !
وفي ظل هذا الخلط العجيب أصبح من السهل على البعض تجريد بعضاً آخر من (وطنيته) أو ( تخوينه ) وأصبحت عبارة ( ما عنده وطنية ) دارجة وسهلة على ألسنة البعض مما يدعونا لطرح العديد من التساؤلات:
هل الوطنية عملية نسبية !؟
وهل للوطنية مقاييس ومواصفات يمكن تطبيقها على المواطن ليتم الحكم عليه !؟
هل الوطنية كل لا يتجزأ !؟
هل يمكن أن يكون المواطن ( وطنياً ) في بعض المواقف ( ولا وطنياً ) في مواقف أخرى!؟
من اللي يحدد إذا كان هذا الشخص ( مواطن ) أم لا !؟
وهل هناك مواطن حقيقي ومواطن غير حقيقي !؟
المسؤول الذي يسرق المال العام أو يستغل منصبه لتوظيف أقاربه هل يمكن تجريده من الوطنية !؟
لماذا نتهم اللاعب الذي يعتذر عن تمثيل منتخب بلاده في مهمة رسمية بعدم الولاء والوطنية!؟
وما الفرق بينه وبين المسؤول الذي يعتذر عن تمثيل الوطن في مهمة علمية أو تربوية !؟
الذي يشجع نادياً خارجياً ضد نادٍ داخلي لماذا يتم تجريده من وطنيته !!
وبمناسبة الخوض في الرياضة سأنتقل بالحديث لجانب آخر؛ فهناك من يتهم الرياضة أو كرة القدم وخاصة الإعلام الرياضي بأنه يثير التعصب والنعرات ويقوض الوحدة الوطنية ، وهذا صحيح إلى حد ما . لكن دعونا نأخذ جوانب أخرى منها، تشجيع المنتخب والاصطفاف حوله ألا يمثل وحدة وطنية !؟
الاحتراف .. في السابق وقبل تطبيقه كان لاعب النادي من نفس منطقته بل من نفس المدينة أما الآن فنجد لاعبا من مكة المكرمة يلعب في الخبر وآخر من الرياض يلعب في جدة ومن جيزان يلعب في الشمال ومن القطيف يلعب في بريدة بل أصبحت الأندية خليط من مناطق مختلفة من المملكة وأصبح المنتمون لمدينة ما .. قلة في نادي مدينتهم أو منطقتهم .. ألا يمثل هذا تجسيداً ودعماً للوحدة للوطنية !؟
نحتاج لتعريف واضح ومفهوم للوطنية، ومن له الحق في توزيع الصفات والألقاب !؟ المشكلة ليست في القوانين والأنظمة ولكن في تطبيقها؛ إذا لا فائدة من سن أنظمة مالم تكن هناك آلية لتطبيقها وتنفيذها.
أشار د. عبدالرحمن الهدلق إلى نقطة مهمة وهي: المادة 12 في الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم تحت عنوان (مقومات المجتمع السعودي) التي تنص على أن “تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام”
أليس هذا قانوناً !؟
هل تم تطبيقه !؟
وماهي أدوات التطبيق !؟
وحدد د. عبد الله بن صالح الحمود الأسباب التي تخلق الفرقة في المجتمع ، ومما ينسحب معه نحو انخفاض مستوى درجة الوطنية لدى البعض ، فيما يلي:
– تغليب المصلحة الخاصة على العامة.
– النظرة الدونية بين الأفراد أو الجماعات .
– التعصب للقبيلة أو العشيرة أو حتى للمنطقة التي ينتمي إليها ذلك المتعصب .
– ضعف الثقة بين أفراد المجتمع.
– التعالي بين فرد وآخر.
– إعطاء الحقوق لغير أهلها.
– انعدام أو تدن تكافؤ الفرص التنموية بين أفراد المجتمع.
– ضعف أو ضآلة تطبيق القوانين الصادرة لحفظ الحقوق وإنزال العدالة الاجتماعية بين الجميع.
- آليات تعزيز الوحدة الوطنية
في تصور أ.د. سامية العمودي فإننا بحاجة إلى تعزيز الوحدة الوطنية بالبدء من البدايات في تكوين قناعات المواطن وغرسها في الصغر فجيل الثمانينات لم يدرس مثلاً مواد تعزز هذا فيه وعندما تم طرح مادة التربية الوطنية لم يقتنع بها البعض ولم تحقق المأمول ولو نظرنا كيف يتم تربية الطفل الصغير منذ بداياته على هذه المفاهيم لعرفنا أننا نحاول أن نحل التراكمات الماضية لكننا بحاجة إلى العمل على الناشئة منذ أول يوم لهم كما نحتاج إلى تعزيزها بين المعلمين أنفسهم ليحدث التغيير. ومن المهم أيضا وجود قوانين تأخرنا في استصدارها وتفعيلها ونحتاج إلى إدراجها في مناهجنا لتعزيز الوطنية، والخلاصة أن دور التعليم والإعلام هو مفتاح التغيير.
وكمثال، لقد نجحنا في الأعمال التطوعية التي تتناول مناحي الحياة من كفالة وتلاحم وكسوة في رمضان وأعمال لرفع الوعي الصحي؛ لكننا لم نقم بشيء يذكر لتقوية الوحدة الوطنية بين أبنائنا في مختلف المناطق ويمكن التوصية بتنظيم حملة وطنية كبيرة يشرف عليها قطاع التعليم ويكون عام 2018 فيها عام الوحدة الوطنية ولنبدأ التفكير والترتيب لهذا من الآن.
تحقيق بعض الأهداف قصيرة المدى ممكن ويتبعها الأهداف طويلة المدى؛ نحتاج إلى تبني استراتيجية آنية تبدأ في تحقيق الوحدة والتلاحم كروح للمجتمع وهذه مع إعطاء الحقوق تتبعها العدالة ستحقق النهايات المرجوة.
وأكد أ. محمد بن فهد العمران على أهمية الموضوع وأننا نحتاجه جميعا لأننا كلنا في قارب واحد إذا غرق غرقنا جميعا و إذا سلم سلمنا جميعاً؛ لكن تطبيقه على أرض الواقع بنجاح ليس بالسهولة التي نتخيلها أبداً بسبب التناقض داخل أنفسنا نحن في تفسير مفاهيم الوحدة الوطنية و بسبب من يتاجر بالوحدة الوطنية و هو أبعد ما يكون عنها و هم كثر مع الأسف من جميع القبائل و المناطق و المذاهب دون استثناء.
و الحل يتمثل بتطبيق الحديث النبوي الشريف “دعوها فإنها منتنة” و بأن نتذكر دائماً بأن “الكبر” هو من تسبب بطرد إبليس من رحمة الله و هو سبب الفرقة الوطنية قبلنا بذلك أم لم نقبل.
إن المشكلة سلوكية بالدرجة الأولى و متى ما تخلصنا من “التكبر” و “الانتقاص من الآخرين” بعيدا عن التناقضات فحينها فقط نستطيع القول أننا شعب واحد على قلب واحد و هذا هو جوهر مفهوم الوحدة الوطنية كما يجب أن يكون.
لنأخذ الولايات المتحدة أو أستراليا كمثال، دولتين حديثتين نسبياً العامل المشترك بينهما أنهما من أعراق و لغات و أديان مختلفة لكنهما نجحا في تطبيق الوحدة الوطنية و المساواة بين أفراد المجتمع منذ تأسيسهما دون الحاجة لسن قوانين من خلال التركيز على سلوك أفراد المجتمع.
ومن المهم ملاحظة أن الحاجة لسن القوانين ظهرت كمرحلة لاحقة في نهاية القرن العشرين فقط و أن الاستثناء الوحيد كان في الولايات المتحدة بتعاملها مع مشكلة التمييز العنصري للسود مع حل جزء كبير من هذه المشكلة مقارنة مع الوضع في الخمسينيات الميلادية.
وأوضح أ. مطشر المرشد أن أستراليا وأمريكا في الدوائر الحكومية تطبق الأنظمة والإجراءات بعدل وإنصاف دون تفرقة أو محاباة للون أو عرق أو منطقة.
واتفق د. إحسان بو حليقة مع أ. مطشر من ناحية أن العدالة الاجتماعية هي المرتكز، فهناك من يعتقد أنه “سوبر مواطن” باعتبار أن له حزمة من المزايا التي لا يتمتع بها البقية. فكل من يستطيع أن يلوي عنق الأنظمة فيُستثنى هو “سوبر مواطن”. بوسعنا التوسع في هذه النقطة والاستطراد لكن ليس هذا محله. كما أن هناك من يزايد في قضايا، وكأن المواطن يأتي بأحجام ومقاسات وقيم متفاوتة، فتجد أن البعض يتصرف بأن له “دالة” على مواطنيه، ليأخذ موقعاً أعلى.
لن يتخلص وطننا من هذه العاهات إلا بأن ندرك جميعاً بأن الوطن للجميع، وأن حقنا فيه متساوي، وأنه لن يكون لأحدنا فضل إلا بقدر ما يقدمه للوطن من إخلاص وتفاني.
كل مطلب يبقى مجرد شعار، إن لم يطبق. لنأخذ مثلاً حديثنا وتغنينا عن القيمة التي يمنحها الإسلام لإماطة الأذى عن الطريق، لكننا لا نمارسها، وتبقى مجرد شعار، بينه وبين التطبيق هوة. كذلك بالنسبة للعدالة الاجتماعية، هي مفهوم، ولن يختلف عليه إثنان، لكن العقبة هي الممارسة. وإلا لن تجدي في الأنظمة واللوائح ما يفرق أو يميز، ولكن عند الممارسة فالأمر يختلف. وليس أقرب من الممارسة التي كانت متبعة منذ تأسيس مجلس الشورى، من اقتصار التعيين على الرجال من المواطنين، ولم يتطلب تعيين نساء في عضوية المجلس أي تعديل نظامي بل التعديل كان في الممارسة.
كذلك الأمر عندما نردد ليل نهار بأنه لا فرق إلا بالتقوى، ثم ندرب أبناءنا بأن يفرقوا بين الناس لا تماشي هذا وماشي هذا، ولا تلعب مع فلان وروح مع علان. بل عندما يمشي أحدٌ منا وفي ذهنه أنه أفضل.
مما تقدم فمن المهم الحد من التباين والانفصام، لتتطابق الممارسة والتنفيذ مع الشعارات والنظم واللوائح، والسعي حثيثاً للتنفيذ والالتزام والحوكمة، وإلا ستبقى “حبر على ورق”.
وأكد د. حمزة بيت المال على النقاط التالية:
1- لدينا نموذج وحدوي حضاري يجب صونه والمحافظة عليه والدعاء الصادق لمن كان سبب فيه هو المغفور له الملك عبدالعزيز ومن كان معه من رجال.
2- المكون الجغرافي للمملكة يفترض من الجميع تفهمه.
3- المكون البشري (ثقافي واجتماعي) لا يقل أهمية عن الجغرافيا.
هذا التنوع في البناء يجب أن يكون مصدر قوة لا مصدر قلق. لذا تبرز قضية العدالة في موضوع الحقوق والواجبات التي أشار لها د. البعيز؛ فمن الأهمية عدم المكابرة والاعتراف بأن لدينا عنصرية متعددة الأبعاد: مناطقية، قبلية، مذهبية.. يجب العمل على تجاوزها؛ والسبيل الوحيد لذلك هو تحييد هذه المنغصات في الحياة العامة…كل العقائد الجانبية يجب أن تكون شأن فردي…العقيدة العامة التي يجب غرسها والتأكيد عليها هي الوطن…والعدالة هي مفتاحها.. مجتمع متعدد الثقافات .. علمانية بنموذج سعودي. ولا شك أننا حققنا الكثير في مسيرة التنمية من توازن في حده الأدنى؛ لكن يظل الكثير؛ الفضل يعود لله ثم لحكام هذه البلاد.
وأضاف د. حمزة بيت المال: الديموقراطية لها استحقاقات: أولها الوحدة الوطنية، وثانيها لا أحب استخدام مصطلح العلمانية لأنه قد يفسر بطريقة غير التي أقصدها؛ المقصود تحييد العقائد الخاصة قبلية مناطقية مذهبية من الحياة العامة. بعبارة أخري تحقيق العدالة والمساوة بين الجميع… البقية شأن خاص يخص الفرد… الاستحقاق الأخير هو الصندوق؛ ولا يمكن الوصول إليه إلا بتحقيق واحد واثنين.
ويرى د. مساعد المحيا أن “المواطنة” حين يستشعرها المواطنون ويعيشونها في حياتهم وممارساتهم اليومية سيكون بلا شك أثرها إيجابيا على “الوحدة الوطنية” قناعة وممارسة. وكما تم الإشارة في التعقيب فإن مشاركة المواطن السياسية في صناعة القرار والعدالة الاجتماعية والتوزيع الجغرافي لقرارات الوطن هي أهم ما يصنع الولاء ويجذر الوحدة الوطنية والحب للوطن ويجعل المواطن ينتمي لمقدراته وقراراته… يحبها ويتبناها ويدافع عنها ويشعر بأنه جزءا منها وأنها جزء منه.
واتفقت أ. فاطمة الشريف مع ذلك كونه يتفق مع معظم المفاهيم العلمية والفلسفية التي تناولت دراسة المصطلح ولعل أهمها مفهوم المواطنة الذي يتجاوز الصبغة القانونية الحقوقية، وهو المفهوم الذي قدم توماس مارشال (1893-1981) ليشير إلى حركية اجتماعية، هدفها تحرير الأفراد ودفعهم للعمل بفعالية، للتمكن من تركيب تاريخهم، والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي، يضمن مختلف حقوقهم، كما يضمن حريتهم وكرامتهم.
وبتقدير د. خالد الرديعان فإن “الوحدة الوطنية” عمل مستمر ومتواصل، ولا يكفي أن تكون بصورة مواطنين يجمعهم إقليم جغرافي واحد وأوراق ثبوتية تبين جنسيتهم. الوحدة الوطنية عمل دؤوب تضطلع به الدولة والأفراد كذلك لكي تنجح وتستمر؛ بحكم أن التشرذم والتشظي كمضاد للوحدة هو البديل لها، بل إنه أي التشظي أسهل بكثير ولا يحتاج جهد كبير مقارنة بالوحدة؛ هذا العمل الجبار الذي يحافظ على كيان الدولة وشعبها وإقليمها وموقعها بين الأمم المتحضرة.
وأضاف: هناك بالطبع عدة مقومات للوحدة الوطنية لن آتي على ذكرها جميعاً لأني لا أستطيع حصرها لكني سأتطرق “للمشاركة الشعبية” كعنصر رئيسي في تعزيز الوحدة الوطنية.
المشاركة الشعبية بكل بساطة هي أن يكون للمواطن صوت فيما يجري حوله وفي القرار السياسي. المشاركة الشعبية هي أن يكون المواطن في قلب الحدث وليس آخر من يعلم. أن يكون على دراية بما يتم طبخه من قرارات كبيرة تمس وجوده وكينونته وإنسانيته. المشاركة الشعبية هي أن لا يكون هناك قرارات .. تغير مجرى الأحداث والقناعات عند الناس بصورة تخلق القلق والتوجس عندهم.
المشاركة الشعبية أن يكون المواطن فاعلاً في قرارات دولته ومشاركاً في اتخاذ القرار ومدافعاً عن القرار الذي تتبناه الماكينة السياسية التي يعمل المواطن ترساً فيها وليس منفصلاً عنها.
كيف تتم وتنجح المشاركة الشعبية؟
تنجح المشاركة الشعبية عندما تكون مجالس الشورى والبرلمانات ومجالس الأمة منتخبة تماماً ويمثل عناصرها الإرادة الشعبية والوطنية الحرة. صحيح أن بعض الانتخابات في دولنا تفرز عناصرها على أساس طائفي ومذهبي وقبلي ومناطقي لكن هذه المثالب يمكن السيطرة عليها وتحييدها بحزمة من القوانين الراسخة.. تماماً مثل تلك القوانين التي تمنع المرشحين من استلام أموال من جهات خارجية في الدول المتقدمة. القوانين وقوتها وتطبيقها كفيلة بضبط هذه المسائل والحد منها.
ما الذي يجعل هذه الدويلة الصغيرة التي زرعت في جسد العالم العربي (إسرائيل) متماسكة وقوية إلا نجاحهم في المشاركة الشعبية التي أخذت بأحد رؤسائهم إلى السجن عندما تبين لهم فساده وإخلاله بشروط الذين رشحوه للمنصب.
ويأتي قبل المشاركة الشعبية “سيادة العدل” والذي لن يسود إلا بسطوة القانون وتطبيقه بحذافيره وعلى الجميع لمنع الاعتداء وضمان حقوق الأفراد. هذه وما تقدم من أهم المقومات التي ستعزز من الوحدة الوطنية وتمنعها من التصدع مهما كانت الرياح عاتية.
ومع هذا كله، فإن الوحدة الوطنية عندنا كسعوديين – برأي د. الرديعان – ليست بالسوء الذي قد نتصوره، لكننا نبحث عما يعززها ويجعل منها حقيقة راسخة في ظل تردي أوضاع المنطقة والهزات التي تمر بها.
السنوات الأخيرة وتحديداً منذ ثورات الربيع العربي خلقت واقعاً جديداً يقول لنا إما الوحدة الوطنية والالتفاف حولها أو الذهاب إلى المجهول.. هذا الدرس استوعبناه جيداً وخاصة بعد بروز الخطر الإيراني وأطماع التوسع، وما يحاك من مؤامرات ضد المنطقة بشكل عام.
إن المحن ومهما كانت سيئة ومؤلمة فإنها أيضا تقوم بوظيفة إيجابية في خلق التلاحم بين أبناء الشعب الواحد وهذا متحقق في المملكة لكننا نبحث عما يعزز هذا التلاحم بصورة عملية تمنع انفراطه.
لقد أشرت سابقاً إلى النموذج الليبي وخوفي منه بحكم تشابه بنية المجتمع الليبي مع المجتمع السعودي، ولذلك يفترض أن نسلط الضوء على ما يجري في ليبيا لفهم ميكانزمات الصراع هناك واستيعابها. لماذا انفرط عقد المجتمع الليبي بعد رحيل القذافي وهو الذي كان مجتمعاً موحداً ومنتجاً؟
إن الديكتاتورية مهما أوتيت من قوة وتسلط فإنها لا تستطيع أن تخلق مجتمعاً موحداً بدليل ما جرى في ليبيا وقبل ذلك العراق. والمشاركة الشعبية المتدرجة والديموقراطية والشورى الممأسسة بصورة متينة هي الضمانة الوحيدة لبقاء وحدة المجتمع وضمان عدم تشظيه أثناء الأزمات. ولابد من إدخال تغييرات متدرجة لكي تحدث تحولات إيجابية تعزز من فرص الوحدة الوطنية.
واتفق د. عبدالرحمن الهدلق مع د. الرديعان بأن الوحدة الوطنية لدينا ليست بهذا السوء وأن الحاجة في الوقت الحاضر تكون ل “تعزيز” الوحدة الوطنية.
وأضاف بأن مهددات الوحدة الوطنية تتفاوت في خطورتها بالنسبة لمجتمعنا فالمناطقية والقبلية في وقتنا الحاضر -على سبيل المثال- أقل خطورة من مهدد الطائفية ومهدد الصراعات الفكرية التي يعيشها مجتمعنا، كما أن تجربة الربيع العربي وآثاره المدمرة التي شاهدناها في دول الربيع خلق نوع من الوعي والحصانة لدى غالبية أفراد المجتمع حيث أصبحوا يرددون ليل نهار المقولة المشهورة “تبون يصير لنا مثل ما صار في ليبيا وسوريا”.
وحقيقة إن مثل هذا النوع من الوعي بخطورة ما يماثل تجربة الربيع العربي أوجد نوعاً من “الممانعة” الذاتية والمجتمعية لتقبل أي أفكار تهدد الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي.
وحول تساؤل م. خالد العثمان بشأن مسألة تفاوت وقصور التنمية بين المناطق مشكلة وهل تكون معوقاً لتعزيز فكرة المواطنة. أوضح د. عبدالرحمن الهدلق أنها قد لا تكون السبب الوحيد لكن لا شك أنها أحد الأسباب… فعندما يكون لدى المواطن شعور بحرمان منطقته أو مدينته من حقوقها التنموية التي تؤثر على حياته الخاصة وحياة أبناء منطقته أو مدينته فلا شك أن هذا الحرمان سيؤدي به إلى الغضب والقهر ليبحث عن من كان السبب خلف هذا الحرمان وعادة ما يوجه هذا الغضب تجاه الوطن والقائمين عليه مما يضعف من الانتماء للوطن خاصة إذا دخلت المقارنات وشوهدت التمايزات التنموية بين المناطق.
وبدوره ذكر أ. مطشر المرشد أنه و في ميدان العسكرية نجحت التعليمات والإجراءات المنضبطة في المساواة بين كافة أفراد القوات المسلحة ونجحت تلك الأجهزة في جعل أبناء القبائل بمختلف انتماءاتها القبلية موحدة وتحت راية وطنية واحدة ويشعرون وكأنهم قبيلة واحدة منضبطة؛ لذا من الممكن إلغاء التعصب القبلي تدريجيا و دمج تلك الفئة المجتمعية وجعلها تنصهر بشكل كامل وفعال بالوحدة الوطنية.
ومن جانبها ترى د. ثريا العريض أن العدالة الاجتماعية و المساواة في الحقوق و المسؤوليات مفهوم مهم .. ولابد لتفعيله من نقله من مستوى سنه رسميا إلى مستوى الممارسة فرديا بمعنى استبدال الأعراف والقيم السائدة حاليا وهي اختيار و تعيين الأقرباء و أفراد الأسرة والقبيلة ، بخيار اختيار الأفراد الأكثر كفاءة مهنية و تخصصية و أخلاقية لتولي أي منصب.. بغض النظر عن الأصل و الفصل و الجنس و موقع الولادة.
متى شعر الفرد بمصداقية المساواة في الحقوق و المسؤوليات و فرص المستقبل .. يشعر بالانتماء و المواطنة
Patriotism comes from love and trust and responsibility for the homeland
و الشعور بأولوية الانتماء لأمة عابرة للحدود دينيا أو مذهبيا أو عرقيا .. يقضي على المواطنة؛ سواء كان التفضيل أو الإقصاء على أساس الانتماء لمكون أصغر أو أكبر من الدولة بحدودها السياسية فالتمييز يقتل الشعور بالانتماء و المواطنة.
وذكر م. خالد العثمان أن الوطنية شعور بالانتماء .. يضعفه وربما يقتله الشعور بالانتقاص .. الانتقاص قد يكون ناجم عن سلوك شائن كما ذكر أ. محمد العمران.. أو عن سطوة العنصرية بصورها المختلفة كما أشار د. مساعد المحيا.. أو نقص المشاركة كما أشار د. خالد الرديعان.. وربما غير ذلك من الصور.
عندما يشعر المواطن بالانتقاص لأي سبب من الأسباب فهو بالتالي يفقد عنصر المبادرة الإيجابية في التفاعل مع قضايا الوطن وشئون إخوته المواطنين ويخسر مفهوم وحدة المصير والهدف المشترك.. في النتيجة يسعى الجميع للكسب السريع بمختلف صوره ومجالاته.. كسب سريع يروم تحقيق مصالح شخصية ضيقة على المدى القريب أو البعيد.
كيف نزيل هذا الشعور بالانتقاص؟ .. إنها قضية الكرامة أولا وأخيرا.. عندما تكون القوانين والتشريعات والممارسات والتعاملات حافظة لكرامة الناس عندها يعم الشعور بالمواطنة والانتماء الوطني.
أوضحت د. منيرة الغدير أن ما نمر به هو لحظة كاشفة ولابد من العمل بشكل جاد وعاجل على إرساء أسس ثقافة بأدوات أخرى أقرب للتلقائية والمواءمة لشغل الثغرات في الوعي المجتمعي بما يعكس الاتجاه البناء لوحدة المجتمع وترابطه.
إن الدول تصنع رموزاً لتتكفل بنقاش المواطنة والانتماء، فمثلاً نجد ” melting pot, البوتقة الصاهرة،” و في كندا تشكلت فكرة التعددية الثقافية ب “mosaic، الفسيفساء” والجميل أن الأخيرة لا تعني الصورة الفنية التي تُمشهد الفسيفساء ولكن لها معنى بيولوجي، أي وجود جينات أكثر من نوع في كائن واحد! بينما نجد في المجتمعات الخليجية وخاصة السعودية مفهوم “القبيلة” و “القبائلية” وقد تناولها كتاب الغذامي (القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداثة).
وحول مسألة القبلية، هناك تعليق أو بالأحرى تساؤل بسيط وخاصة أن ما طرحته قضية تعزيز الوحدة الوطنية ركز على الإعلام:
- ما هو دور “pop culture” ” الثقافة الشعبية” في غرس النزعة القبلية من خلال مسلسلات وبرامج مختلفة، على سبيل المثال “شاعر المليون” وغيره بث رغبة تتبع شجرة العائلة القبلية والحماس لها وإعلانها، حتى أن الطلبة الصغار أصبحوا يسألون بعضهم عن اسم القبيلة؟
- لماذا فشل التعليم في نشر الوعي بمعاني هذه المفاهيم و إبعاد النبذ والتفكير الإلغائي؟ هل هذا بسبب قصور المادة التي قُدمت وطرائق تدريسها وعدم فهم المدرس/ة لدلالاتها الأعمق والأشمل؟ أم أنها استلت بشكل بارد من سياقاتها التاريخية والأخلاقية فأصبحت مادة للحفظ أو المرور المؤقت؟
للأسف لا نرى فهماً شاملاً لمعنى الانتماء للوطن، وتقبل الأطياف، والطوائف، ومن هُمش، وحماية الشجر والطبيعة؛ الانتماء للوطن لا بد أن يشمل كل هذه العناصر وإلا لأصبح مؤقتاً ومربكاً لأنه استند إلى جزء وأغفل أجزاء أهم.
حين تهزك صور الكعبة المحاطة بملايين الأيدي، ويأسرك جمال جبال الفيفا وعسير، الشُعٓب المرجانية في عمق البحر الأحمر، الريم الراكضة في النفوذ والدهناء، صورة الغروب على شواطئ المنطقة الشرقية، أو أشجار الزيتون في تبوك، الخ ويشدك الفضول لمعرفة تاريخ وثقافة كل منطقة والقدرة على تذوقه بوعي ويشاركك هذه المشاعر الزملاء والزميلات من حولك والأطفال في محيطك ، فأنت أمام حالة انتماء عميق تجاوز حدود الجذور العائلية. وطبعاً هذه لقطة واصفة بسيطة وبالإمكان الاستطراد في كتابة معلقات عن تعدد الشعور بالانتماء لوطن واحد ثري بتعدده واختلافه.
إذا كانت المسؤولية على عاتق الإعلام والتعليم كما أشارت القضية والمداخلات اللاحقة، فكيف يقوم كل فرد حظي بحظ وافر من الوعي والارتقاء بالمساهمة في تعزيز الانتماء والمواطنة، وهل تجاوز مشاعر الميل لقبيلة أو طائفة أو جماعة حين يكون في مكاشفة صدق مع نفسه في المرآة؟
ومن ناحيته طرح م. أسامة كردي مجموعة من النقاط المهمة في هذا الإطار:
1- هل القبلية و المناطقية مهددة للوحدة الوطنية بالضرورة ؟ لماذا لا نبني حب القبيلة و المنطقة في قلوب المواطنين بنفس مستوى حب الوطن ؟ مثال أمريكا و أستراليا جميل لأنهما جمعا بين حب الولاية و حب الوطن.
2- كيف التعامل مع وجهة نظر بعض علماء الدين الذين يروا أن الوطنية ليست من الإسلام في شيء؟
3- إننا لسنا في حاجة إلى قوانين جديدة و لكنا بحاجة إلى مجموعة من الممارسات مثل الاهتمام بمادة التربية الوطنية و تمكين المناطق بالعديد من الوسائل و إقامة مهرجان مشابه للجنادرية في كل منطقة من مناطق المملكة. و ( التوزيع الجغرافي لقرارات الوطن ) و لعلي أضيف أهمية انتخابات أعضاء مجالس المناطق.
وبتقدير د. حميد المزروع فإن تعزيز وترسيخ الانتماء لأرض الحرمين عند الأجيال المعاصرة يعد من أهم وأقوي الروابط المميزة التي تساهم في تقوية هيكل الوحدة الوطنية ، أما فيما يتصل بدور القبيلة وأثرها في الانتماء المناطقي ، فإن التطور الحالي في نمط الحياة والتحول الديموغرافي نحو المراكز الحضرية بحثا عن فرص العمل سيذيب مع الوقت و تدريجيا من حدة الانتماء الإقليمي، ولنا بالمكونات المجتمعية للعاصمة الرياض مثال.
لاشك أن العدالة الاجتماعية والمشاركة في اتخاذ بعض القرارات التي تمس حياة المجتمع تبقي من المتطلبات الضرورية للتداول بين مراكز اتخاذ القرار و مثقفي المجتمع لتعزيز التعايش والسلم الاجتماعي.
وفي ذات الإطار قالت أ. عبير خالد: بالنسبة لي ذكرني هذا النقاش الرائع حول الهوية الوطنية بكتاب “بينديكت اندرسون” الشهير (١٩٨٣): “مجتمعات تخيلية/انعكاسات الأصول وانتشار القومية”. يرى اندرسون أن جميع أفراد أي وطن لا يعرفون بعضهم البعض لكنهم يحملون في أذهانهم ذات الصور والآراء حول المواطنة. وفكرة خلق مفهوم وطني شامــل وإن كان (تخيلي) -عبر الشعارات والإعلام والرموز وتوصيات النخب- تبدو أمرا منطقيا ومتعارف عليه في كتابات أندرسون. ثم يتبع أندرسون باحث آخر في الوطنية والقومية لا يقل عنه شهرة وهو “أرنست جلنر” ويقول بأن الوطنية والقومية ليست سوى عملية فرض الثقافة العليا والراقية على المجتمع لتحل محل ثقافته المحلية الشعبية والمجزأة.
باختصار… الهوية الوطنية يمكن صناعتها وهذا أمر أبعد مما نحتاج؛ حيث أننا نتحدث هنا عن تعزيزها الأمر الذي يكشف مدى قابلية تحقيق هدف تعزيز الوحدة الوطنية. وتعزيز الهوية يتطلب إعلاما وطنيا قويا لا يفرط في إما تنميط الشعب أو عرض صور تسويقية عنه. إضافة لنخب دينية لا تستخدم خطابات جماهيرية تحريضية. ونحتاج في السعودية أيضا تضمينا لكافة أفراد المجتمع ليس في الإعلام فحسب بل في القطاع العام ككل بما في ذلك الوظائف والمناصب العليا والانتخابات البلدية، والمقصود بجميع أفراد المجتمع كافة أطيافه ..
وحول دور الإعلام الصحيح في إيصال المفهوم الصحيح للمواطنة، أضافت أ. كوثر الأربش: أن الإعلام لدينا مازال يحبو، وطال عمر حبوه! لا ندري متى يبدأ بالسير فضلا عن الركض في مضمار الإعلام العالمي!! ومفهوم المواطنة جزء من المحتوى الذي لابد أن يحرص عليه الإعلام. أما كيف، فهذا السؤال يجب أن يقام له مشروع متكامل يعمل عليه التلفزيون والإذاعة والصحف السعودية وكل قناة إعلامية رسمية.
من جانبه قال د. عبد الله بن صالح الحمود: لعلي ابتداء أكون موضوعيا حينما أقول أن عنوان القضية في الأصل ، قد أفاد هنا أن الوحدة الوطنية هي تشريع يراد منه التطبيق ، وليس فحسب عبارة تكتب أو تقال ، وما يؤكد لنا ذلك ، هو أن عنوان القضية بحد ذاته سبقه كلمتان متممتان له وهما – فرص تعزيز – ، ما يعني لنا الأمر هنا أن مسألة (الوطنية ) ، وما يفترض أن تكون واقعا حقيقيا هو أن يسبقها كلمة ( تعزيز ) ، أعتقد بل أجزم أننا إذا آمنا بمفردة- تعزيز – ، فهذا يعني الإيمان المطلق بواقع الوطنية أصلا. لأن التعزيز حينما تأتي المطالبة به ، فهذا يعني أننا نؤمن ونثق بوطنية المجتمع ككل. وقبل أن استرسل في حديثي عن الوطنية عامة ، أود أن استشهد بكلام العزيز الرحمن ، في قوله عز وجل: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصبحتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” وذلك تعبيراً منه سبحانه وتعالى عن الدور الذي تلعبه الوحدة الوطنيّة في بناء الأفراد ، والمجتمعات ، وكذلك الدول .
إن الوطنيّة مشتقّة من كلمة وطن ، فهي اجتماعهم تحت جنسيّة دولة واحدة ، ويدينون لها بالولاء والانتماء والحب ، وإن هذه الكلمة في حد ذاتها تشكّل موضوعاً غاية في الأهمية من شأنه أن يكون أحد الركائز الأساسيّة لبناء أي دولة.
فالوحدة الوطنيّة هي أحد أبرز الركائز الوطنيّة وأحد أهم دعائمه ومقوّماته التي تجمع وتربط بين أفراد الوطن الواحد ، وتقوم بشكل أساسي على حبّهم لهذا الوطن وانتمائهم له .
وهنا لابد أن تبنى الوطنية على حقائق وأفعال ، فالكلمات ذات المديح المبالغ فيه عن الوطنية ، والخطب الدينة التي تشير إلى البعد عن التفرقة والثبات أمام كلمة واحدة ، والنصائح الاجتماعية ، والمناهج التربوية في المؤسسات التعليمية التي تنادي بحب الوطن والحفاظ على مرتكزاته ، كل تلك الأمور لن تفيد الوطن بشيء ، كما لا يمكن أن تجمع أفراد المجتمع على كلمة سواء ، دون أن يعي المجتمع بأكمله مفهوم المواطنة الحقيقية .
إن مشكلات غالبية الشعوب للأسف الشديد أنها لم تدرك بعد أن تحقيق النجاحات يسبقه الوعي المطلق ، والضوابط الدينية التي تؤكد أن على الجميع معرفة بناء المحبة والتعاضد بين الناس أجمع.
إن الحكومات هي أساس رسم المنهج الحقيقي لبناء الأوطان ، والحكومة في أي بلد إذا لم تع في الأصل المفهوم الحقيقي للمواطنة التي من شأنها التآلف والتآخي بين أفراد المجتمع ، فإن أحوال المجتمع لن تسير وفق مواطنة حقيقية مبتغاه ، وبما يفترض أن يسودها الوئام ، وبناء العدالة للجميع ، والمساواة الممكنة تجاه كل جنس.
إن تعزيز الوطنية مشروع وطني متكامل ، يبدأ من الحكومة وينتهي إلى المجتمع ، مرورا بالبناء الحقيقي للإنسان ، فبناء أي دولة بناء واقعيا ، لابد أن يتمثل في أسس تتمثل في أمور عديدة أهما :
- إتباع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، التي تؤكد على ضرورة الالتزام بالعدالة والمساواة بين الجميع ، ولتحقيق هذا الأمر، فإنه يعول هنا على خطباء المساجد والمعلمين والمجالس العائلية ، أن تكون أنموذجا يحتذى لعامة الناس وخاصتهم.
- سن قوانين بين وقت وآخر أمام متغيرات اجتماعية واقتصادية ، تهدف إلى تحقيق العدالة بين الجميع.
- تشريع قوانين تجرم من يسعى إلى الفرقة بين أفراد المجتمع ، لفظا وأفعالا ، وخصوصا من يرسخ منهج العنصرية طائفية كانت أم مناطقية ، وسواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
- السعي نحو تكافؤ الفرص التنموية بين مناطق البلاد.
- حث الإعلام من أن يغير طرحه الإعلامي التقليدي عند نشر مواضيع عامة عن الوطنية ، وهنا لابد من بناء منهج إعلامي حديث يعلو من قيمة الوطنية بمفهومها الحقيقي.
وفي مداخلة لاحقة ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أن التسامح دوما أو بين وقت وآخر ، لا يعني ذلك انتصارا للوطنية الحقة من لدن المتسامح ، المشكلة برمتها تكمن في العقلية الذهنية لدى البشر ، وهو الإدراك من أن الوطن للجميع ، البعض للأسف الشديد تعد الوطنية بالنسبة له بقدر ما يمتلكه من علاقات شخصية ، وأنه ابن الوطن الأول ، أما غيره فهو درجة ثانية أو ثالثة ، وهذا كله بسبب ما يعتقده في تعليه على غيره بسبب علاقة شخصية مع مسؤول أو انتماء لقبيلة أو عشيرة يرى فيها أنه الأقدر والأفضل من غيرها في السلم الاجتماعي على وجه الخصوص.
وأكدت د. نوف الغامدي على أنه لابد من ممارسة السلوكيات الأخلاقية والشرعية أثناء التعامل مع التكنولوجيا، والدعوة إلى الممارسة الآمنة والقانونية والاستخدام المسؤول للمعلومات والتقنية، وإظهار رأي إيجابي تجاه استخدام التقنية في دعم التشارك والتعلم والإنتاجية، وأيضا إظهار المسئولية الشخصية للتعلم مدى الحياة، وإظهار القيادة في المواطنة الرقمية.
قد يكون الوصول التكنولوجي محدوداً عند بعض الأفراد لظروف اقتصادية أو سياسية، لذا فإن نسبة الوصول الرقمي تكون أعلى في الدول المتطورة من الدول النامية، وحالياً يوجد العديد من البرامج العالمية لتعزيز حق الوصول الرقمي أمام الأفراد في الدول المتعثرة اقتصادياً أو في تلك الدول التي تحجب بعض أشكال التكنولوجيا عن مواطنيها مثل الوصول إلى الإنترنت.
القسم الأكبر من اقتصاد السوق اليوم يتم عن طريق التكنولوجيا وقنواتها المختلفة، والمواطنة الرقمية تثقف الفرد بالقضايا المتعلقة بهذه العملية من حيث القوانين واللوائح المتعلقة باستخدام التكنولوجيا، خصوصاً الأمن والأمان أو تلك المتعلقة بقوانين الدولة، وعلى الرغم من مزايا التجارة الإلكترونية العديدة لا من أخذ الحيطة والحذر لمن يريد أن يشتري أو يبيع إلكترونياً.
تعزيز اللياقة الرقمية – الإتكيت الرقمي – فالمواطنة الرقمية تهتم بنشر “ثقافة الإتيكيت” الرقمي بين الأفراد وتدريبهم ليكونوا مسؤولين في ظل مجتمع رقمي جديد، ليتصرفوا بتحضر، مراعين القيم والمبادئ ومعايير السلوك الحسن، والأهم تعزيز الصحة والسلامة والأمن الرقمي.
وحول الآلية الصحيحة للتخفيف أو إزالة الغلو من كافة أنواع الطرح وفي مختلف جوانب وأنواع الغلو؟ والذي قد يكون أحد مهددات الوحدة الوطنية الكبرى، ذكرت د. ثريا العريض أنها تتمثل فيما يلي:
- توضيح الموقف الرسمي.
- تنقية المناهج وممارسات المعلمين.
- منع خطاب الكراهية و الإقصاء في كل موقع.
- تجريم ممارسة أفعال الكراهية و معاقبتها رسميا.
- التركيز على مراقبة ممارسات الصغار و محاسبة أولياء الأمور على التنشئة الخاطئة الممجدة أو المحقرة للفئات.
وأقترح د. خالد بن دهيش تعديل ما ذكرته د. ثريا حول ( تنقية المناهج ) ليكون : مراجعة المقررات ذات الصِّلة لتعزيز الوحدة الوطنية وفق الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها. أما (ممارسات المعلمين) ليكون : تكثيف المراقبة والمتابعة لهؤلاء المعلمين الذين يمررون مناهجهم الخفية ضمن المقررات الدراسية التي يدرسونها ، مع زيادة في العقوبات على هؤلاء المعلمين.
وفي ذات الإطار ذهبت أ.د. سامية العمودي إلى أن المنهج الخفي هو آفة هذا العصر في بلدنا، عانينا ولازلنا نعاني منه في ظل عدم وجود متابعة ومحاسبة، وصلاح كثير من قضايانا بيد التعليم بصورة رئيسة.
بينما يرى د. مساعد المحيا أنه حتى لو تم تنقيح بعض مفردات المناهج، فإنه لن يكون قادرا على التأثير؛ فمشكلتنا أننا نبحث عن مشجب نعلق عليه بعض مصائبنا المستعصية. لو كانت المناهج متطرفة أو تحث على العصبية لرأيتها تؤثر في الناس ولرأيت جيوشا من الطلاب يعتنقون تلك الأفكار.
كل الأدلة اليوم تشير لمؤثرات أخرى. نحن نتعامى عنها ونستخدم المنهج الرغبوي في الحديث عن مشكلات كبيرة ومعقدة. ما نعيشه وما نشاهده من تطرف أو عصبية هنا أو هناك أظن أن المناهج أضعفها تأثيرا. إن الطريق للاستصلاح هو أنظمة ومواد محددة وواضحة تحقق ما نريد وتطبيق هذه الأنظمة بعدالة وحزم.
وأضاف د. مساعد المحيا قوله: أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام، هو هل ما نعيشه اليوم من روح إيجابية بشأن أهمية الوحدة الوطنية هو قناعة مستقرة لدى كافة الأطياف وفي النسيج المحلي كله.
إحدى الإجابات قد تطرح أمرا مهما هو أن هذا الأمر لا يمكن اختباره إلا حين تحدث عوامل عصبية كالانتصار للقبيلة أو المنطقة الجغرافية أو المذهب والطائفة وعلى نحو خاص حينما تستثار عوامل عدة تتعلق بالانتصار للقبيلة أو المنطقة أو المذهب.
برغم كل الآمال إلا أني أشك في أن العامة من مجتمعنا بل وحتى كثير من النخب يدركون أهمية هذه الوحدة وضرورة نبذ كل ممارسة تهددها حين تستثار لديهم حمية عصبية أو مناطقية.
لاحظ كيف سقط عدد من الناس بل ومن الإعلاميين في الأزمة مع قطر بعد أن كنا نتحدث عن أن الخليج وطن واحد وأن شعوبه بينهم الكثير من المشتركات … ذهب كثير من ذلك أدراج الرياح وأصبح هناك هجوم مباشر وسخرية بالمجتمعات بطريقة مؤلمة. وفي الاطار المحلي لاحظ كيف تنتشي القبيلة إثر دعوة نرجسية من شاعر وكيف يتماهون مع جمل تنتقص أو تحتقر القبائل الأخرى برغم أن عددا منهم من الناحية النظرية يتحدثون عن أهمية الوحدة الوطنية.
ما أريد قوله هو أن مجتمعنا بحاجة فعلا لتنظيمات تجرم كل قول وفعل يهدد كل ما يتعلق بالوحدة الوطنية وأن لا نعول كثيرا على وجود وعي لدى الكثيرين … فهو وإن كان موجودا بفضل الله لدى الغالبية إلا أن الممارسات السلبية لعدد من الناس يمكن أن تهدم ما بناه المخلصون وما تحرص عليه الدولة.
وفي تصور أ.د فوزية البكر فإن من الحلول المتاحة لتعزيز المواطنة أن تتخذ الدولة موقفا صريحا من كافة الانتماءات التي يجب أن لا تعلو فوق صوت الوطن وهذا لا ينفي أهمية الهويات الأخرى ولنا في الولايات المتحدة خير مثال حيث تستقطب الناس من كل البقاع فيخلصون لأرضها لأن لا تمييز في الغالب ضدهم والأمر يتحدد بمقدار ذكائهم وجهدهم وهو ما أوصل رجل أسود والده مسلم إلى سدة الرئاسة في مجتمع مسيحي.
من الحلول الجوهرية هو إشعاري بأني مواطن وفِي أي مكان بمنع العنصرية و بنشر التنمية والخدمات ليس بجانب القصور بل في كل منطقة يسكنها مواطن. ومن الحلول الأساسية أيضا قضية التمثيل السياسي لكافة مكونات الوطن حتي يصبح لها دور وتشعر بأهمية حمايته.
وطرح أ. جمال ملائكة أسباب ضعف المواطنة أو ضعف الشعور بالوطنية والحلول المقترحة لكل سبب حيث قال:
- الخطاب الديني: عندنا مشكلة خطيرة جداً و هي “نظرة” و تصنيف الخطاب الديني “للآخر”….. لذا الحل: تصعيد المعتدلين و الفاهمين لجوهر الإسلام.
- العدالة والتوجه نحو “اللا مركزية” في المناطق بحيث تقوم المناطق بإدارة شؤونها .
- التعليم :
مما يلفت النظر إشارة أ. فاطمة الشريف إلى تدريس الفلسفة و يضاف تدريس المنطق و غيرها من المواد التي تفتح ذهن الطالب. كما أنه لا بد من إعادة صياغة المناهج في المرحلة ما قبل الابتدائي بالكامل و الأخذ بالنموذج الياباني الذي يركز علي “السلوكيات و الأخلاق و المعاملة”.
إن معضلة حل مشكلة التعليم من مناهج و إعداد معلمين و تأهيلهم الخ هي معضلة كبري تحتاج إلى خطة شاملة و وقت طويل.
- التشريعات الصارمة ضد التكفير و التبديع و التفسيق و التصنيف و العنصرية الخ.
- المشاركة السياسية:
إن الدور الأساسي هو منوط بالدولة. التغيير علي مستوي الفرد يأتي تالياً لدور الدولة و التي عليها أن تتولي القيادة الفعالة و الحاسمة في ما يتعلق بالإصلاحات بكافة جوانبها مما ذُكِر في الرؤية ولا بد من تسهيل إقامة المجتمعات المدنية و الترخيص السريع لها و إزالة العواقب من أمامها و تشجيع الذي يعني منها بشؤون المواطنة و التوعية.
وقالت د. الجازي الشبيكي في مداخلتها: مقولة “الدين لله والوطن للجميع” لا أراها تلائم ديناً مثل الدين الإسلامي الذي تستند إليه مرجعية التشريع في وطننا لو كان له من فقهاءه وعلماءه الشرعيين والسياسيين من عمل له بجهد دؤوب لاستنباط القوانين والأحكام التي لم تغفل عن جانب من جوانب الحياة إلا وشملته بتفاصيله، ولنا في رسولنا عليه الصلاة والسلام النموذج الأوضح في بناء الدولة في المدينة مؤاخياً بين المهاجرين والأنصار ومحتوياً للأديان الأخرى وتعدديتها.
فالحاجة ماسًة في بلادنا إلى استثمار تميز التشريع الإسلامي في تعزيز فرص الوحدة الوطنية من خلال منهج تربوي شامل متكامل نظرياً وتطبيقياً يبدأ منذ الصغر وبأسلوب متدرجٍ ملائم للنمو العقلي والمعرفي والجسدي آخذاً في الاعتبار مستجدات الحياة العصرية بثوراتها المعلوماتية والتقنية والاتصالية ومتطلبات عيشها ، مُبسٍطاً للأحكام والشرائع الدينية مُركٍزاً على آليات تطبيق القيم تطبيقاً عملياً بدلاً من استمرار الجمود الديني في الأحكام والتباعد بينها وبين الحياة العملية للناس.
والمثال على أحد نماذج التطبيق العملي لتعزيز قيم الولاء والمواطنة الصالحة وترسيخ علاقتها بالهوية الإسلامية التأكيد على النشء منذ الصغر أن العلاقة بين العقيدة الإسلامية والمواطَنة علاقة ترابطية قوية وأن الانتماء للوطن والمشاعر والعواطف تجاهه ، هي أمور فطرية غرسها الله في نفوس البشر ويظهر ذلك بوضوح في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة (والله إنًك لخير أرض الله وأحب أرض الله ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خرجت) أو ( لولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك).
وأوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أن الوطن حق للجميع ينتفع منه عامة الناس التي تقيم على أرضه ، بكافة فئاته المذهبية والمناطقية وحتى اللون ، دون أدنى تمييز أحد عن الآخر.
وأضاف د. مساعد المحيا أنه لعل من أهم أسباب الوحدة التي أتاحت للملك عبد العزيز ورجاله وكل الذين جاهدوا معهم قدرا كبيرا من النجاح هو ذلك التناغم الكبير بين مكونات مناطق المملكة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
هذا التناغم هو أحد أسباب وحدتها التاريخية؛ ولذا كانت البداية في تأسيس الدولة السعودية الأولى باتفاق الدرعية عام 1157-1744م. بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب حيث دانت الجزيرة للدولة السعودية وكان هذا بداية تحول مهمة في تاريخ الجزيرة العربية دينياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وقد حافظت الدولة على منهجها خلال عهد الدولة السعودية الأولى وامتد نفوذها مما اغضب القوى الدولية وتكاتفت لوأدها. ثم نشأت الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبد الله ثم ابنه فيصل ثم عبد الله الذين حافظو على ذلك المنهج المتناغم مع طبيعة المجتمعات المحلية حتى سقوطها بسبب الفرقة والخلاف. ثم قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز رحمه الله مستلهمة المنهج الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى حيث كان ذلك أحد أهم ركائز الوحدة؛ أتاح له ولرجاله ولهذه البلاد أن تتوحد بعد تضحيات كثيرة وعمل طويل ودؤوب؛ لذا ستظل عوامل الوحدة بإذن الله باقية راسخة مادامت هذه البلاد تقوم على كتاب الله وسنة رسوله وتحتكم إليهما وتشرف بخدمة الحرمين وتبذل كثيرا لأجل خدمتها ورعايتها. وهذا المنجز الوحدوي حري بأن نتذكر دائما عمقه التاريخي وصلابته الدينية المرتكزة على كتاب الله وسنة رسوله وهدي الإسلام وقيمه.
واقترح د. خالد الرديعان ما يلي:
1- على علماء الدين والشريعة مهمة تعميق فكرة المواطنة وعدم إقصاء المخالف من المذاهب الأخرى؛ فالكل أبناء وطن واحد.
2- ضرورة إجراء إصلاحات في النظام السياسي وإدخال المشاركة الشعبية.
3- ضرورة سن قوانين رادعة تمنع التمييز على أساس اللون والعرق والجنس والمذهب؛ فالناس سواسية في الحقوق والواجبات وكذلك الفرص التي يفترض تقديمها للمستحق على أساس الكفاءة والقدرة وليس على أسس أخرى.
4- ضرورة مراجعة المناهج التعليمية من آن لآخر… وتحصينها من كل ما يثير الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
وأشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أننا نحتاج إلى:
1- تطبيق المادة بشكل حازم وعادل غير ملتبس وبما لا يدع هناك مساحة للمزاجية القانونية بما يخص المادة 12 في الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم تحت عنوان (مقومات المجتمع السعودي) تقول “تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام”) فكل ما أدى للفرقة والفتنة والانقسام لابد من منع أسبابه سواء كان متمثلا في :
أ- التطرف بشكليه.
ب- تصديع هوية الوطن الدينية والأخلاقية و القيمية.
ج- عدم تحقيق توزيع عادل للتنمية.
د- بين الأفراد والمناطق.
ه- عدم فتح قنوات فاعلة ومؤثرة للمشاركة في التنمية.
و- عدم منع الممارسات العنصرية والطائفية و الإقصائية.
ز- عدم وجود استراتيجية إعلامية واضحة وحازمة ورادعة تحقق الوعي الصحيح للوحدة الوطنية وتحميه من تغول الممارسات الإعلامية الضارة.
لذلك نحتاج لتطبيق ما سبق إلى سن قوانين لحماية هوية الدولة ( الدينية / القيمية / الأخلاقية / التنموية ) وفرض التطبيق لها بشكل حازم.
2- ومن مقترحات التشريعات و القوانين التي نحتاج تحويلها من التعويم و المزاجية إلى التقنين والوضوح والتطبيق الحازم هي خمسة قوانين:
أ- قانون مكافحة العنصرية و الطائفية.
ب- قانون حماية العقائد والأخلاق والقيم والثوابت.
ج- قانون حماية حرية الرأي والمشاركة الوطنية.
د- قانون حماية الكرامة الإنسانية.
ه- قانون حماية تكافؤ الفرص الوطنية.
أ- قد نحتاج إلى استراتيجية وطنية للانتقال المجتمعي على مدار ٢٠٣٠ إلى المشاركة الوطنية الواعية الفاعلة والعادلة عبر نشر الوعي بالأخلاقيات المهنية الواجب وجودها في شخص وممارسات بما اسميه (المشارك الوطني ) وتعزيز وجودها مجتمعيا بأشكل متنوعة كما وكيفا وذلك عبر (المسجد – التعليم – الإعلام – النخب) حتى نضمن بعد ٢٠٣٠ أن تكون ممارساتنا التنموية واعية وفاعلة وعادلة لا عنصرية أو طائفية في ظل قنوات المشاركة الحكومية التي قد تأخذ حينها منحى الاختيار بنسبة جيدة.
3- كما نجحنا في مكافحة (الإرهاب المسلح) سياسيا وأمنيا و فكريا وشعبياً. نحتاج أيضا لاستراتيجية وطنية ( جادة وفاعلة ) ل ( مكافحة الإرهاب التنموي ) للقضاء على كل فساد أخلاقي وإداري ومالي .
4- حماية المجتمع من الحرب الإعلامية الموجهة لزعزعة المكتسبات القيمية والأخلاقية للمجتمع والتي ستكون ركنا ورافدا مهما في حماية الواحدة الوطنية وصنع أخلاقيات وقيم تنموية وطنية تجمع ولا تفرق.
5- نحتاج لاستراتيجية وطنية ليس لمكافحة الفقر بل لتحويل المواطن من الفكر الوظيفي إلى الفكر العامل المنتج ( رواد الأعمال ) لتعزيز فرص الوحدة الوطنية المبنية على العطاء لا الأخذ.
وطرح د. البعيز إمكانية تبني فكرة أن يكون هناك يوم للاحتفاء بـ “يوم الوحدة الوطنية؛ فكما أشار فإن هناك كثير من الدول تحتفي بمثل ذلك اليوم (يوم يختلف عن العيد الوطني، أو يوم الاستقلال). وهذا تقليد جديد نسبيا في كثير من الدول. ومن الأمثلة على ذلك الهند التي بدأت قبل أربع سنوات (عام 2014) بالاحتفال بيوم الوحدة الوطنية National Unity Day في يوم 31 أكتوبر من كل عام، وهو يوم ميلاد موحد الهند ساردار باتيل Sardar V Patel ، الولايات المتحدة بدأت في عام 2011 بالاحتفال بيوم الوحدة Unity Day ضمن جهودها في مكافحة العنصرية والبلطجة بين طلاب المدارس ، وألمانيا بدأت في عام 1990 الاحتفال بيوم الوحدة الألماني Germany Unity Day في يوم 3 أكتوبر من كل عام، وهو ذكرى يوم سقوط جدار برلين. وروسيا تحتفل بيوم الوحدة في 4 أكتوبر من كل عام. ويدور حاليا جدل إعلامي في باكستان حول تخصيص يوم للوحدة الوطنية.
وأضافت د. الجازي الشبيكي مقترحاً عملياً ترى أنه من الممكن أن يساهم بعون الله في تحقيق فرص تعزيز الوحدة الوطنية ، ألا وهو الانتقال من مرحلة الحوار الوطني بين الأطياف والمذاهب والاتجاهات الفكرية المختلفة في بلادنا إلى البدء بتنظيم مبادرات وبرامج تنموية مستمرة من قِبل الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني ، تضم في كل مره نماذج من أولئك الفئات التي كانت تتحاور في الحوار الوطني ، كي يقتربوا أكثر وتتجسر الفجوات فيما بينهم، إذا اشتركوا في برامج وطنية تنموية مخطط لها تخطيطاً سليماً من قِبل صنًاع القرار والمهتمين المتخصصين من كل الأطراف.
- توصيات ختامية
في ضوء ما تقدم من نقاشات يمكن الإشارة إلى ما يلي كتوصيات ختامية لتعزيز الوحدة الوطنية:
1- تبني حملة وطنية ( عام الوحدة الوطنية ) يشرف عليها قطاع التعليم.
2- تحقيق العدالة المجتمعية و المساواة في الحقوق و المسؤوليات و فرص المستقبل كصمام أمان.
3- حل قضية البدون و نقل الملف لجهة محايدة أو استحداث جهة خاصة جديدة.
4- تعزيز شمولية الانتماء لأمة عابرة للحدود.
5- تنمية الوعي المجتمعي بضرورة التخلي عن بعض الممارسات الفردية والموروث قد تكون أولى خطوات تحديد هوية وطنية يندمج الجميع فيها.
6- تفعيل دور الإعلام ودور النخب الدينية و ضرورة إصلاح الخطاب الديني الداخلي.
7- الترويج لمفردة جديدة تكون مقبولة للجميع.
8- ضرورة أن تضمن رؤية ٢٠٣٠ الجانب الاجتماعي والسياسي وما يؤسس له من تشريعات.
9- تحقيق المواطنة الوظيفية إن صح التعبير من خلال : العدالة الإجرائية وقيمها المختلفة.
10- استحداث قانون لتقييم ومراقبة المعلم وسير المنهج وإصلاح مناهج للتعليم لتشمل مواد المنطق والسلوك والفلسفة وتحصينها من كل ما يثير الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
11- العدالة التنموية لجميع المناطق والمواطنين.
12- العدالة السياسية والمشاركة في اتخاذ القرار مع ضرورة إجراء إصلاحات في النظام السياسي. كفكرة برلمان ملكي يتيح فرصة التدريب والتأهيل والممارسة السياسية المناسبة.
13- التسريع في الترخيص لمؤسسات المجتمع المدني وتفعيلها.
14- سن قانون يجرم العنصرية والتمييز وأشكالها المختلفة ويحمي الفرد والمجتمع من الانقسام والطائفية ويهدد الاندماج المجتمعي ومتابعة تطبيقه بلجان خاصة وبشكل مستمر. مثل قانون مكافحة العنصرية و الطائفية ، قانون حماية العقائد والأخلاق والقيم والثوابت ، قانون حماية حرية الرأي والمشاركة الوطنية ، قانون حماية الكرامة الإنسانية ، قانون حماية تكافؤ الفرص الوطنية.
15- على علماء الدين والشريعة مهمة تعميق فكرة المواطنة وعدم إقصاء المخالف من المذاهب الأخرى؛ فالكل أبناء وطن واحد.
16- تبني استراتيجية وطنية ليس لمكافحة الفقر بل لتحويل المواطن من الفكر الوظيفي إلى الفكر العامل المنتج. ( رواد الأعمال ) لتعزيز فرص الوحدة الوطنية المبنية على العطاء لا الأخذ.
17- حماية المجتمع من الحرب الإعلامية الموجهة لزعزعة المكتسبات القيمية والأخلاقية للمجتمع والتي ستكون ركنا ورافدا مهما في حماية الواحدة الوطنية وصنع أخلاقيات وقيم تنموية وطنية تجمع ولا تفرق.
18- تبني يوم للاحتفاء بـ “يوم الوحدة الوطنية، على غرار كثير من الدول.
19- تطوير مشروع الملك عبدالله للابتعاث ليشمل الابتعاث الداخلي (بكل المخصصات والامتيازات المالية المتاحة لطلاب الابتعاث الخارجي) ، لتتمكن الجامعات من استقطاب طلاب (من الجنسين) متميزين من خارج مناطقها، وبما يسهم في اللقاء والاندماج بينهم خلال أهم مرحلة عمرية (18-24 سنة) تتشكل فيها ثقافتهم السياسية نحو الوطن.
أخيرا المواطنة كقيمة دينية واجتماعية وثقافية يجب التعامل معها ليس بكونها فقط مشاعر نفسية تجاه الوطن، وليس في ظهورها على شكل شعارات ومقولات خطابية إنشائية فقط، ولكن من خلال العمل على تحويلها إلى أدوات فعل وعمل وإنجاز ، من خلال أخذها من مساحة القول إلى مساحة العمل، ولكون هذه القيمة كل هذا الفعل والتأثير، ولكون غيابها أو ضعفها أو التلاعب بها في مجتمع ما، يؤدي إلى تفكيك أواصر هذا المجتمع والإخلال بأهم مكوناته الأمنية ووحدته المجتمعية، كان لزاما البحث عن العناصر والآليات والطرق التي تؤدي إلى تقوية هذه القيمة والدفاع عنها، وكلما كانت أضداد المواطنة من ” قبائلية، أو طائفية، أو مناطقية” فاعلة في مجتمع ما، كلما كانت التحديات التي توجهها الدولة ومؤسساتها أكبر.
المحور الرابع
الحوكمة في رؤية 2030
الورقة الرئيسة: د. إحسان بوحليقة
يتجسد المستوى الأوسع من الحوكمة في الحاجة لإيضاحات رسمية متوالية ومتواصلة، ولا أتحدث هنا عن إيضاحات “إعلامية” بل عن إيضاحات “اتصالية” إفصاحيه لبيان المستجدات للرأي العام؛ فالمواطن يريد أن يعرف ما انعكاس تطبيق برامج الرؤية عليه وعلى “جيبه” وعلى أسرته، وكيف ستتأثر منظومة الخدمات من حوله؟ بما فيها الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية؟ وهل سيتحسن مستواها؟ وهل ستبقى مجانية أم عليه دفع مقابل؟ وهل سيحصل على خدمات أفضل مقابل “المقابل المالي”؟ فهناك من يقول أن الخدمات الصحية ستسند لشركات. فهل ستسند لشركات لترتقي بمستوى الخدمة عما هي عليه الآن؟ وكيف ستكون العلاقة بين المواطن ومنظومة الرعاية الصحية الأولية ابتداء، ثم بقية حلقات الرعاية بعد ذلك؟ ليس واضحاً حتى الآن ما الذي سيتحمله المواطن بالمقابل تحديداً؟ هل سيدفع؟ وكم؟ ولمن؟ أسئلة مباشرة بحاجة لإجابة واضحة محددة مقننة مفصلة وقطعية. وكذلك الأمر فيما يخص التعليم؛ فهل سيستمر التعليم مجانياً، من المهد للحدّ؟ وكيف سيتأثر التعليم نتيجة لتطبيق الرؤية 2030، من حيث المناهج وتقنية التعليم والمُعَلّم والمبنى المدرسي؟ وكيف سيتأثر برنامج الابتعاث الداخلي والخارجي؟ وما دور القطاع الخاص؟ وما علاقته مع منظومة التعليم العام الحكومي؟ وهل “سيقطع الجبل” على المبتعثين (داخلياً وخارجياً) قبل إكمال مشوارهم؟ أسئلة لا تملك إجابات حتى بعد انقضاء عامٍ من مدى الرؤية
الرؤية ضرورية، لكن مجرد وجود رؤية لا يعني أنها ستتحقق، إذ أن تحققها بنجاح يتطلب توفر جملة شروط. إذ لابد من القول أن الكثير من الدول أصدرت رؤى وطنية، لكن الكثير من تلك الدول كذلك لم تتمكن من تنفيذ رؤاها بنجاح.
عند وضع رؤية وطنية فلابد أن تعيد الحكومة هيكلة منظومة الحوكمة بما يتلاءم مع أهداف وتوجهات الرؤية، إذ أن الدور الأساس للحكومة هو المساهمة في تحقيق الرؤية. وقد يتطلب إعادة هيكلة منظومة الحوكمة تغييرات عديدة وتكاليف عالية من قِبَل الحكومة، لكن ذلك ضروري لتحسين فرص نجاح تنفيذ الرؤية كما هو مخطط لها.
وغني عن القول أن الحوكمة أساسية لنجاح “الرؤية السعودية 2030″، وهذا أمر سائد في كل الرؤى الوطنية لضمان سلامة التنفيذ؛ إذ أن الأمر ليس مجرد تنفيذ الرؤية، بل تنفيذها بنجاح، والنجاح يعني تحقيق الرؤية للأهداف التي أطلقت من أجلها في الأساس.
وأخذاً في الاعتبار أن الرؤية هي خطة طويلة المدى، فيكون هناك اعتبارات مهمة للثبات على تحقيق تلك الأهداف، وعدم إهمالها أو إهمال بعضها، فحدوث ذلك كفيل بأن تفقد الرؤية جزءاً من نجاحها. كما أن الحكومة الفعالة ستوجد طرقاً للتعامل مع التعديلات التي قد تطرأ على الرؤية بما يشمل تعديل أهدافها أو تطوير تلك الأهداف لتفادي مخاطر محدقة أو لاقتناص فرص مستجدة.
وقد صدر إطار حوكمة تنفيذ الرؤية 2030، وتناول نموذج حوكمة “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”. حيث حدد ثلاث مستويات: مستوى رسم التوجهات والسياسات ويتكون من مجلس الوزراء ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، فيما مستوى تطوير الاستراتيجيات من اللجنة الاستراتيجية ومكتب إدارة الاستراتيجية ويقوم هذا المستوى على برامج منها برنامج استراتيجية شركة أرامكو وبرنامج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة وبرنامج “داعم” وبرنامج التحول الوطني وبرنامج تحفيز نمو القطاع الخاص وبرنامج التنمية المناطقية، أما المستوى الثالث فهو مستوى الإنجاز ويشمل الجهات التنفيذية الحكومية. كما يشمل نموذج الحوكمة جهات داعمة عدة منها اللجنة المالية ومكتب إدارة المشروعات بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية والمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة ووزارة الاقتصاد والتخطيط ومركز الإنجاز والتدخل السريع والفريق الإعلامي بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية.
كما أن إطار حوكمة تحقيق رؤية السعودية 2030 قد اشتمل على آلية للتصعيد للتعامل مع معوقات الإنجاز، وتتكون الآلية من أربع مستويات، المستوى الأول هو للأجهزة التنفيذية ومداها 14 يوماً ليتم حل العوائق والتعامل معها داخل الجهة المنفذة، وبإشراف مباشر من رئيس الجهاز (الوزير المختص) بعد ذلك تصعد للمستوى الثاني. المستوى الثاني من الآلية مناط بمكتب الإدارة الاستراتيجية وكذلك مداه 14 يوماً، حيث يُطلب من المكتب وهو ضمن منظومة مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية المشاركة بدراسة الموضوع وإعداد ملف متكامل سعياً نحو إيضاح الحقائق وتقريب وجهات النظر. وإذا تطلب الموضوع تصعيداً فيتم الانتقال للمستوى الثالث، وهو اللجنة الاستراتيجية بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، حيث يقوم مكتب الإدارة الاستراتيجية برفع الملف إلى اللجنة الاستراتيجية وقد ترى اللجنة الحاجة إلى رفع الموضوع إلى مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية للبت فيه. أما المستوى الرابع فهو مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية ولا يعمل وفق سقف زمني بل حسب أولوياته ومهمته البت في الملف المرفوع حول الموضوع للتعامل مع معوق الإنجاز.
التعقيب الأول: أ. محمد العمران
أعتقد أننا نتفق تماماً مع ما تم طرحه حول أهمية الإيضاحات الاتصالية عند متابعة تنفيذ الرؤية أولاً بأول خلال السنوات القادمة حيث ستظهر لنا أهمية تقارير الأداء الدورية و أهمية اعتمادها على معلومات دقيقة، و ذلك لأنها ستكون الأداة الرئيسة التي ستساعدنا في فهم نتائج الرؤية و فهم انعكاساتها على المواطن و أسرته من المنظور الاقتصادي و من منظور الخدمات المقدمة صحياً و تعليمياً و خدمياً إلخ.
و في رأيي فإن حوكمة الرؤية للتأكد من تنفيذها بالشكل الصحيح بعيداً عن المعوقات أو الانحرافات سيكون هو الجوهر الحقيقي للرؤية و أعتقد أن الجميع تحدث و أسهب في هذه الجزئية بمن فيهم د. إحسان، و في الجانب الآخر نجد أن كبار مسؤولي الدولة أيضاً تحدثوا و أسهبوا في هذا الموضوع بمن فيهم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاءاته و تصريحاته الإعلامية مما يدل على إدراك مسؤولي الدولة جيداً لأهمية حوكمة الرؤية.
لذلك و بعد إعلان الدولة رسمياً عن الرؤية السعودية ٢٠٣٠م و برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠م في بداية و منتصف عام ٢٠١٦م، تم الإعلان في الربع الثالث من ٢٠١٦م عن بدء العمل رسمياً بحوكمة تنفيذ الرؤية (كما يعلم الجميع) ضمن ثلاث مستويات إدارية و تم وضع الآليات و الترتيبات اللازمة لتحقيقها.
و أيضاً تم تشكيل فرق عمل للحوكمة و متابعة التنفيذ في اللجنة المالية للمجلس الاقتصادي و مكتب إدارة المشروعات في المجلس الاقتصادي و المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية و وزارة الاقتصاد و التخطيط و مركز الإنجاز السريع، مما يدل على الانتهاء من مرحلة التخطيط و الدخول جدياً في مرحلة التنفيذ بسبب حساسيتها خلال المرحلة القادمة.
و هنا أتفق مع ما طرحه د. إحسان من تساؤل جوهري تساءله جميع المحللين الاقتصاديين أيضاً في مقالاتهم و في وسائل الإعلام و في رأيي قد يكون أهم التساؤلات قاطبة و يمثل أهم التحديات و هو أن تنفيذ الرؤية أو حوكمتها ليس هدفاً بحد ذاته و إنما التنفيذ بنجاح هو الهدف الحقيقي الذي يجب أن نسعى لتحقيقه.
و حتى نتمكن من التنفيذ بنجاح و تقييم النتائج على أرض الواقع بالمقارنة مع أهداف الرؤية فالمسألة حتماً ستحتاج إلى بعض الوقت و بالتأكيد لن يكون قبل سنتين أو ثلاث سنوات على أقل تقدير و أعتقد أن أهم تحدي سيواجه حوكمة الرؤية هو كيفية الحصول على أرقام أو إحصائيات دقيقة ذات مصداقية عالية و تحظى بقبول جميع الأطراف و هي نقطة جوهرية لم تأخذ نصيبها من الاهتمام مع الأسف الشديد و ربما تؤدي إلى ارتباك خطير مستقبلاً.
و على أي حال، أعتقد أن المواطن السعودي سيكون هو الوحيد الذي سيتمكن من تقييم نتائج الحوكمة و تحديد مدى نجاح تنفيذ الرؤية بالشكل الذي تم التخطيط له مسبقاً، و حتماً سيكون هو الحلقة الأقوى سواء الآن و مستقبلاً في وقت أصبحت المعلومة الصحيحة و الشفافية التامة متاحة أمام الجميع و بسهولة.
التعقيب الثاني: د. ناصر القعود
تضمنت الورقة الرئيسة حول رؤية المملكة ٢٠٣٠ ، التأكيد على ضرورة إيجاد رؤية وطنية بنظام حوكمة فاعل يمكِّن من تحقيق أهدافها ، وتناولت بإيجاز متطلبات الرؤية وشروط نجاحها . واستعرض د. إحسان ” إطار حوكمة تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠ ” الصادر عن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ، ومستوياته الثلاثة وما تضمنه الإطار عن ” آلية التصعيد ” لمعالجة معوقات الإنجاز بمستوياتها الأربعة . أكد د. إحسان على أهمية الإيضاح والإفصاح للمواطن عن متطلبات الرؤية والنتائج المتوقع تحقيقها وآثارها عليه ، ودعا إلى إشراك مجلس الشورى في حوكمة الرؤية وإعطائه دوراً رقابيا ضمن منظومة حوكمة تحقيق الرؤية ومنحه الصلاحيات اللازمة لذلك. يأتي ضمن مفاهيم الحوكمة الإفصاح والشفافية وتحديد المسؤوليات وتقييم وقياس الأداء ومتابعة التنفيذ. وغني عن القول أن الدعم السياسي للرؤية من القيادة وإقرار استراتيجيتها وبرامج تنفيذها ووضع منظومة الحوكمة المؤسسية لها لضمان نجاحها من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قد حدد بوضوح المسئوليات المتعلقة بالتخطيط والمتابعة والتنفيذ لبرامج الرؤية ، و ضمن كذلك التنسيق الكامل بين الجهات والأجهزة التنفيذية مما يعد حافزا لتحقيق أهداف الرؤية وتطلعاتها. والمتابع لمنشورات وأدبيات وبرامج الرؤية يلحظ الاهتمام الخاص لراسمي الرؤية بمعايير الحوكمة لاسيما ما يتعلق بآليات المتابعة ووضوح خطوات التنفيذ وبالشفافية من خلال أدوات قياس الأداء ونشر نتائجه والتعريف بالرؤية ومنتجاتها، فقد تبنى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أبرز مفاهيم الحوكمة وقياس الأداء من خلال ما أقره من آليات التقييم والمتابعة لتحقيق الأهداف وآليات قياس الأداء ونشر نتائجه في لوحات ومؤشرات تبيّن ما تحقق من برامج ومبادرات الرؤية ؛ ولذلك أنشأ المجلس اللجان والأجهزة الآتية :
- اللجنة الاستراتيجية.
- مكتب إدارة الاستراتيجية.
- اللجنة المالية.
- المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة.
- مركز الإنجاز والتدخل السريع.
- مكتب إدارة المشروعات.
- الفريق الإعلامي، وقد ساهم الفريق الإعلامي في التعريف بالرؤية وإيضاحها لعموم المواطنين من خلال التصاميم والفيديوهات المعلوماتية ونشرها في القنوات الإعلامية المختلفة بما في “ذلك السوشيال ميديا ” ، وكذلك ساهمت المؤتمرات والندوات بتوضيح الفرص التي تتيحها الرؤية ودور المواطنين ، لا سيما الشباب منهم ، في تنفيذها والاستفادة منها. ومازال هناك حاجة ، كما ذكر د. إحسان ، لمزيد من التواصل مع المواطنين وتوضيح آليات تنفيذ الرؤية وشرح برامجها ومآلاتها ، وتشجيع الحوار المجتمعي بشأنها ودراسة انعكاسات هذه البرامج على الوضع الاقتصادي والاجتماعي مع المرونة في تعديل ما يجب تعديله. ومن المناسب عرض اللوائح والتوجهات المتعلقة بالرؤية على العموم وطلب إبداء المرئيات بشأنها قبل إقرارها وإصدارها ، الأمر الذي سيزيد من دعم المواطن لتنفيذ برامج الرؤية وتطلعه لمنجزاتها .
- مجلس الشورى بطبيعة مسؤولياته الحالية يشارك في مناقشة الأنظمة المنبثقة عن أو اللازمة لتحقيق الرؤية لكن منحه دوراً أكبر و صلاحيات أكثر سيدعم العمل المؤسسي ويساهم في نجاح الرؤية وتحقيق تطلعاتها.
المداخلات حول القضية:
- الحوكمة والإشكالات ذات العلاقة بتطبيقها
تطرق د. عبد الله بن صالح الحمود بداية إلى ماهية مصطلح الحوكمة بقوله: يلاحظ أنه لا يوجد إجماع في الأدبيات حول تعريف موحد لمصطلح الحوكمة ، فهناك من يعرفها بأنها النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها ، وهناك من يعرفها بأنها مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة الشركة ، ومجلس الإدارة ، وحملة الأسهم ، وغيرهم من أصحاب المصالح ، ولكن إجمالاً تعني الحوكمة ، وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية في الشركة أو المنظمة (أعضاء مجلس الإدارة ، الإدارة التنفيذية ، المساهمين) بهدف تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد ، ومنح حق مساءلة إدارة الشركة لحماية المساهمين ، والتأكد من أن الشركة تعمل على تحقيق أهدافها واستراتيجياتها الطويلة الأمد.
وقالت د. نوف الغامدي: عندما نتحدث عن الحوكمة فنحن نتحدث عن الشفافية والمحاسبة ، الحوكمة مصطلح يوناني قديم يعني ( التوجيه ) ، وهنا يكون التساؤل: إذا كانت الحوكمة الرشيدة تتضمن عدة معايير فإن الحكم عليها، غالباً، سيتم من خلال المعايير الاقتصادية، مثل خفض البطالة وتحسين الظروف المعيشية وتحقيق التنمية الاقتصادية، هل هذا صحيح ؟ أم أن هناك معايير أخرى؟! كما أن د. إحسان ركز على المواطن والإفصاح له عن نتائج الرؤية ضمن منظومة الرؤية وهو النواة الحقيقية لنجاح تلك التوجهات، كيف تستطيع الجهات التنفيذية طمأنة المواطن فيما يتعلق باهتماماته الحياتية التي هي انعكاس للرؤية؟
وأوضح د. إحسان بو حليقة أن القصد من الحوكمة الاطمئنان لسلامة التنفيذ تنفيذاً وفق الأسس النظامية وبدون تجاوز للسياسات أو الإجراءات. الشفافية ضرورية، والمساءلة هي الرادع لأي تجاوز. وفيما يتصل بموضوعنا، فإطار الحوكمة المقر ضروري لكنه غير كافي، حيث أنه غير مستقل، فذات المنظومة هي مسئولة عن حوكمة الرؤية 2030.
وأضافت د. نوف الغامدي: حسب ما نوقش في مجلس الشورى مؤخراً حول تقرير مجلس الشورى الرقابي فهناك تزايد غير منضبط في الإنفاق الذي تقوم به الجهات الحكومية لتعيين المستشارين وبلغ حسب الأرقام و المؤشرات الأخيرة ما يقارب 4 مليار في العام المالي الماضي..! كيف يتم التعامل معهم تنظيمياً من خلال ديوان المراقبة ؟ وماذا عن المعايير اللازمة لبرنامج الخصخصة للمؤسسات الحكومية؟ هل هناك تقرير سنوي واحد يشتمل على جميع تفاصيل الأداء والإنجاز والجهود الرقابية؟ ماذا عن المعوقات، والحلول المقترحة؟ هل المعايير والضوابط قابلة للتنفيذ والتطبيق لخطوة الخصخصة في المؤسسات و الجهات الحكومية جميعها؟
وفي هذا الشأن أشار د. خالد بن دهيش إلى أن مجلس الشورى وفق نظامه يتابع أداء القطاعات الحكومة من خلال مناقشة تقارير الأداء السنوية للخطط التنموية الخمسية (هذا قبل تطبيق الرؤية للعام ٢٠٣٠ وبرنامج التحول الوطنية ٢٠٢٠ ل- ٢٤ جهة حكومية) ، والاعتقاد أن دوره سيستمر في متابعة أداء القطاعات الحكومية التي تطبق برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠ كونه بديل عن الخطط التنموية الخمسية.
ومن ناحية أخرى فإن مبادرات برنامج التحول وضع لها مؤشرات أداء تقيس أداء المستهدفات بأسلوب علمي يعرف ب KPI’s من خلال المركز الوطني لقياس أداء الجهات الحكومية يتبع لمجس الاقتصاد والتنمية وقد وضعه د إحسان ضمن إطار حوكمة الرؤية.
وعقب د. عبد الله بن صالح الحمود بأن مجلس الشورى بالفعل وفق نظامه ، ينص على المتابعة ومناقشة التقارير ، إنما المفترض أن يكون مراقبا وصاحب قرار في تعديل أو طلب إضافة ضوابط معينة. وبالتأكيد أن هذا لن يتأتى بحكم نظامه الذي يختص في الدور الاستشاري ، ومناقشة عامة حول تقارير كل جهة حكومية. وهذا بالتأكيد لن يخدم ظهور التحول أو حتى الرؤية حسب ما هو مرسوم لهما.
ومن جديد قال د. خالد بن دهيش تعقيباً على ما ذكره د. الحمود: لذلك يرى د. إحسان أن مجلس الشورى لابد أن يكون له دور. وأنا أرى أن نظام المجلس لا يزال ساري ويمنحه دور في متابعة أداء الجهات الحكومية. وقرارات مجلس الشورى نحو تقارير أداء الجهات الحكومية ترفع لمجلس الوزراء وفي الغالب يوافق عليها بعد مراجعتها من الجهات الحكومية المعنية من خلال هيئة الخبراء بمجلس الوزراء. والقرارات التي لا يوافق عليها مجلس الوزراء تعاد لمجلس الشورى بمرئيات مجلس الوزراء نحوها.
أما د. مساعد المحيا فلخص وجهة نظره بالقول أنه وإذا كانت الحوكمة هي مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عبر أساليب مناسبة وفعالة لتحقيق خطط وأهداف الرؤية وبرامجها ، فإن ذلك في نهاية المطاف يفترض أن يكون ممارسة يومية مستمرة لأداء تلك البرامج ومدى النجاح في تطبيقها.
ما نلحظه أن الرؤية أثمرت في أعلى الشجرة ثمارا كثيرة وزهرا يستعد للإثمار بيد أن لا أحد يستطيع الوصول إليها لتذوقها ومعرفة طبيعتها بل ولمعرفة غير الجيد منها وأسباب عدم نضجها واستبدالها.
ويبدو ان أن المجلس الاقتصادي هو الذي يصدر ويقرر البرامج وهو في نهاية المطاف الذي يحوكمها وهو الذي يقترح كل تغيير وفقا لمتغيرات يراها محفزة للتعديل والتغيير.
في حين أن مجلس الشورى أو مجلس الوزراء أو الجهات ذات الاختصاص جاءت إليها الرؤية وقد تم اعدادها على نحو نهائي ولم يتح لهم الوقت الكافي على مستوى الأفراد أو المؤسسة أن يناقشوها بالتفصيل الذي تستحقه .
يضاف لذلك أن التغيير المتسارع والمفاجئ في البلد وما قد نشهده من تغييرات لاحقة .. تجعل حوكمة الرؤية ربما تصبح من الصعوبة بمكان لاسيما وأن هرمية المسؤولية عنها تجعل إدارتها تتم بطريقة مختلفة.
شخصيا ومن خلال الحوكمة المجتمعية غير المباشرة أجد أن مما تحتاجه الرؤية هو أن يشارك الناس في صناعتها وليس في تسويقها فقط لتكون جزءا من هم وطني ومجتمعي. وقد كان هناك حضور جيد لمناقشة بعض البرامج في الرؤية من قبل مجموعات نخبوية مختارة لكن المؤسسات الرسمية لم تكن فاعلة في انتاجها ابتداء …
كل بلاد الدنيا الناجحة لديها مجلس نواب يشرع ويراقب ويحاسب، ولديها مجلس وزراء هو الذي يقرر. وكل المجالس التي تنشأ أمنية أو دفاعية أو اقتصادية يفترض أن تخضع في تنظيماتها لهذين المجلسين أو لقرارات الملك السيادية؛ وإلا فنحن سنظل أمام تجربة جديدة يصعب تصور نجاحها كثيرا مادامت لا تتنفس الشفافية والمحاسبة من جهات أخرى. حين تضع النظام وتقترح البرامج ينبغي أن يكون لجهات أخرى السلطة كاملة لمناقشة ذلك وقبوله أو رفضه.
ويرى د. إحسان بو حليقة أن قضية الحوكمة ليست القضية الوحيدة الحرجة لنجاح الرؤية، بل إن قضية الاتصال تكاد لا تجاريها قضية، الرؤية متشعبة وطويلة المدى لها الكثير من الأهداف والمعايير والبرامج والمبادرات. هي بحاجة لشرح وإيضاحات، لتنوير الرأي العام، وليدرك العموم أهمية ما تسعى الرؤية لتحقيقه، ولتحصين الرأي العام من الشعبويين، فطريق الرؤية ليس مفروش بالورود، بل تكتسيه وعورة وفي ارتياده كلفة. والحوكمة لتصبح فاعله لابد لها من بيئة إيجابية تتحلى باستيعاب المجتمع لها، فالرؤية ليست جهداً نخبوياً بل للعموم، ولذا فمهم أن تفهم وأن يراقب تنفيذها من أجهزة شعبية مثل الشورى والمجالس البلدية.
- التوصيات لتفعيل دور الحوكمة في تحقيق رؤية 2030
أوصى د. إحسان بو حليقة بإسناد دور رئيس لمجلس الشورى في حوكمة تحقيق الرؤية 2030، انطلاقا من المادة الخامسة عشرة من نظامه. فمن المهم أن يكون هناك جهاز موازي مسئول عن الحوكمة، مثل مجلس الشورى، باعتبار أن جميع السلطات ترجع للملك يرعاه الله. وقد يتطلب ذلك منح مزيداً من الصلاحيات للقيام بدور حوكمة الرؤية، وهذا خيرٌ على خير.
وأضاف د. خالد الرديعان: بما أن الحوكمة تتطلب وجود جهة تراقب سلامة التنفيذ ودقته ومدى نجاحه فيفترض إعطاء هذا الجهاز استقلالية تامة وصلاحيات حتى يتمكن من أداء دوره.. أما الحديث عن إلقاء المهمة على مجلس الشورى فقد لا يكون ذلك عملاً مناسباً بحكم أن المجلس يضم أعضاء غير متخصصين في مسائل المراقبة والتأكد من التنفيذ فهذا يخرج عن صلاحياتهم. المطلوب جهاز مستقل يقوم بهذه المهمة ويضم متخصصين وعلى كفاءة عالية. ويفترض على هذه الجهة المتخصصة أن تكون مستقلة تماماً ولديها قدرة على محاسبة الوزراء.
ومن جديد أوضح د. إحسان بو حليقة أنه ليس إلقاءً غير منضبط على مجلس الشورى بقصد التخلص من العبء كيفما اتفق؛ إذ أن للمجلس اختصاص أصيل لمراقبة أداء الجهاز التنفيذي للحكومة، ومن ناحية ثانية فإن لحوكمة الرؤية نُسق متعددة المستويات ومترابطة الوظائف، بمعنى أن الشورى يمثل السنام وليس تلك النُسق برمتها.
من المهم تعزيز صلاحيات الشورى.. وإلا سنعيد اختراع العجلة، انطلاقا من الدور الرقابي منوط بمجلس الشورى. أما كون أنه لا يمارسه بالكامل، فهذا أمر علينا إصلاحه، كما أننا نصلح حاليا جهازاً تنفيذياً لم يعتد الانضباط في التنفيذ أو حتى في الصرف وبلوغ النتائج، وأمامنا خطط خمسية تصدح نتائجها بذلك!
وأوصى د. خالد بن دهيش بإشراك الشركات والمكاتب الاستشارية السعودية في العمل جنباً إلى جنب مع الشركات الاستشارية الأجنبية في كافة مراحل تحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠ وبرنامج التحول الوطني بما فيها حوكمة الرؤية وبرامجها.
بينما يرى د. إبراهيم البعيز أن من المهم تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في الحوكمة وتعزيز النزاهة.
وأشارت د. نوف الغامدي إلى أن القطاع الخاص شريك قوي للدولة في تنفيذ الرؤية الجديدة.. ومعنى ذلك أن القطاعات مفتوحة أمام القطاع الخاص عن طريق مشروع التخصيص الذي لم يعد شعارا يرفع فقط، وإنما واقعا ينفذ، فتحلية المياه والتعدين ومناجم الذهب والمستشفيات حتى الأندية الرياضية والمطارات والخدمات اللوجستية كلها ستدخل تحت مظلة التخصيص.. وسيوفر توافر الغاز والنفط والانتقال من الصناعات الأساسية إلى الصناعات المتقدمة فرصة لتحويل بلادنا إلى مركز للتجارة العالمية مستفيدة من موقعها الجغرافي المميز ومكانتها العالمية وعلاقاتها القوية مع مختلف الدول والمنظمات الاقتصادية العالمية. وأخيرا: بقي على القطاع الخاص أن يستعد للتحدي الجديد بتكوين كيانات قوية فمن أهم الجوانب السلبية في الماضي نزعة رجال الأعمال إلى العمل الفردي بعيدا عن تطوير الأساليب والحوكمة كما أن الغرف التجارية يجب أن تتغير فلم يعد دورها توفير الوجاهة لأعضاء مجالس إداراتها وتحولها إلى صندوق لجباية رسوم التصديق وغيرها، وإنما عليها أن تشارك في وضع الأنظمة وتذليل الصعوبات التي تواجه القطاع الخاص وتحد من قدرته على التطور!
وعلق د. ناصر القعود بأن دور حوكمة الرؤية في الحيلولة دون الفساد الذي قد يصاحب عملية تخصيص بعض المرافق العامة يتمثل في التخصيص الكفء والعادل بوضع الشروط اللازمة لضمان جودة المنتج بعد التخصيص وملاحظة اعتبارات العدالة وأن يتم التخصيص وفق منافسة عادلة بين المستثمرين ، أما حوكمة ما قد يحدث من فساد من قبل القطاع الخاص بعد التخصيص فذلك له آليات أخرى يمكن أن تحدد مع تحديد من يشرف على الخدمات المخصصة. وفيما يخص ديوان المراقبة العامة فهو متخصص في الرقابة المالية ، والظن أنه ليس معنياً بمراقبة جودة وأداء القطاع العام وتنفيذ مشاريعه.
وفي ذات الإطار ترى د. نوف الغامدي أن الجهة السباقة في مجال تطبيق الحوكمة هي هيئة السوق المالية التي أصدرت قرارا في 16/5/1438هـ الموافق 13/2/2017 باعتماد لائحة حوكمة الشركات الجديدة، التي جاءت تطويرا للائحة السابقة التي كانت اختيارية وليست إجبارية، كما أن الأجهزة الحكومية في إطار “رؤية 2030” وكذلك فريق الرؤية بمستوياته كافة اتجه لإعطاء مزيد من الاهتمام لموضوع حوكمة القطاع الحكومي، وبدأنا نسمع عن ورش عمل ودورات هنا وهناك لتأهيل الموظفين على فهم واستيعاب وتطبيق قواعد الحوكمة الصحيحة؛ ولعل من المهم القول بأننا يجب أن نستفيد من آليات الحوكمة ذات الطابع الدولي مثل “منظمة الشفافية العالمية” التي تمارس ضغوطا هائلة على الحكومات والدول من أجل محاربة الفساد المالي والإداري، وتضغط منظمة التجارة العالمية WOT من أجل تحسين النظم المالية والمحاسبية، كذلك يمكن الاستفادة من “لجنة بازل” في قطاع المصارف، التي تمارس ضغطا كبيرا على المصارف لممارسة الحوكمة فيها.
وذكر أ. محمد بن فهد العمران أنه لا شك أن حوكمة تنفيذ الرؤية لها مفهوم يختلف عن حوكمة الشركات سواء الشركات المدرجة في السوق المالية تحت إشراف هيئة السوق المالية أو الشركات غير المدرجة تحت إشراف وزارة التجارة و التي تعتبر عملية مستمرة لا ترتبط بإطار زمني محدد.
و لذلك فإن سبب هذا الاختلاف هو نطاق العمل و النطاق الزمني، حيث أن نطاق عمل الرؤية سيكون موجهاً لجميع القطاعات الحكومية بهدف التأكد من تنفيذ الرؤية بالشكل الصحيح، بينما نطاقها الزمني سيكون محددا بنهاية ٢٠٣٠م فقط.
وذكر د. خالد الرديعان أنه ومن خلال بعض القراءات عن الحوكمة يتضح أن الخصخصة عملية مهمة للغاية لنجاح الحوكمة؛ وذلك لأن الأجهزة الحكومية وهي عتيدة في بيروقراطيتها فإنه قد يصعب إخضاعها للحوكمة كما لو كان الوضع شركات خاصة.. الأخيرة تتسم بالمرونة والقدرة على مراقبتها وضبط أداءها في حين أن ذلك قد يتعذر في الأجهزة الحكومية كقطاع عام.
ولفت د. ناصر القعود إلى أنه رغم صحة ما ذكره د. خالد فإن حوكمة القطاع العام ضرورية وستسهم في رفع كفاءة القطاع الحكومي، وما تم ذكره صحيح ؛ فقد بدأ الاهتمام بمعايير الحوكمة مع ظاهرة التخصيص أيام تاتشر وريحان وتوجهما إلى خصخصة بعض الخدمات التي كانت تولاها الحكومة ، إضافة الاهتمام بالحوكمة مع انهيار عدد من الشركات الخاصة الكبيرة: الشفافية، المساءلة، وقياس الأداء والإفصاح عنه ، كلها مهمة لكلا القطاعين الخاص والعام.
المؤسسات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني ينبغي أن تخضع كذلك لحوكمة فاعلة و تلتزم بالشفافية والمساءلة لتحقق أهدافها بنجاح وهذه في الغالب لها أنظمة داخلية وخارجية تحكمها.
أما الشركات الاستثمارية الكبيرة فهي شركات خاصة تخضع لمعايير حوكمة القطاع الخاص ، وعلاقتها بالجهات الحكومية تخضع للتشريعات العامة بما في ذلك المتعلق منها بالنزاهة ومكافحة الفساد.
وترى د. نوف الغامدي أن الحوكمة في الجهات الحكومية تواجه تحديات ضخمة لا يستهان بها في ظل الترهل الإداري لبعض الجهات الحكومية وتضارب المصالح وغياب المساءلة وضعف الجهات الرقابية وكذلك وحدات المراجعة الداخلية…؟!
يظل الأمل معقودا على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والإدارات التابعة له من خلال متابعة مدى التزام الجهات الحكومية بنظام الحوكمة ورفع التقارير اللازمة إلى رئاسة المجلس مباشرةً، حيث أن ضمان تطبيق النظام سوف يحقق نقلة نوعية في الإدارة الحكومية ككل وتطوير بيئة الإدارة المحلية.
ومن جانبه يرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن من إشكالات مكاتب الرؤية في الوزارات أنها تعمل بعيدة عن إدارة التخطيط ويحدث كثير من الازدواجية والتصادم وتشتيت الجهود بسبب غياب الموائمة بين الرؤية والخطط الاستراتيجية للوزارة. والحل أن يستغنى عن مكاتب الرؤية في الوزارة ويكتفى بدور إدارات التخطيط والجودة لمتابعة مدخلات وعمليات ومخرجات الرؤية، وأفضل من هذا الحل أن تعمل وزارة التخطيط مع إدارة التخطيط في كل وزارة على إعادة كتابة وترتيب خطط الدولة إلى ٢٠٣٠ ، وعلى هذا ستعاد هيكلة كثير من الأمور.
ومن ناحية أخرى فإنه كلما كثرت الأدلة والأجهزة يحدث ذلك تعقيدات ويخلق بيئة غير منتجة؛ ومن ثم نحتاج إلى التخطيط البسيط ، والتنفيذ الجاد ، والمحاسبة العادلة.
نحتاج لشخصيات تقود الحوكمة في الرؤية تكون على نظير شخصية الأمير خالد الفيصل ؛ تجمع ما بين ( الملكية – الإدارة الجادة الحازمة ) ؛ وستبقى الحوكمة جسد هزيلا في ظل العقلية الصحراوية القبلية و من دون وجود أبطال لتنفيذها في البداية على الأقل حتى تستوي على قاطرة الحوكمة الكاملة.
مجتمعاتنا العربية والخليجية تتناسب معها استراتيجية إصنع البطل أولا. والخشية أن تتحرك الحوكمة بشكل مترنح لا متزن متوازي ما بين الجهات الحكومية ؛ وهذا سيخلق حلقات مفقودة دائما تجبرنا على التوقف المتكرر.
وعقبت د. نوف الغامدي بأن الدليل للتسهيل وليس للتعقيد، كيف ستكون هناك رقابة ومحاسبة إذا لم تكن هناك معايير.
وأوضح د. إحسان بو حليقة أنه يوجد مكتب لتحقيق الرؤية. ومسئولية الحوكمة يجب أن تكون مع جهة محصنة. والشورى مناسب باعتبار أن دوره وشغله وعلة رئيسية لوجوده لكي يمارس دوراً رقابياً على الجهاز التنفيذي.
مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية من ضمن أعضائه وزراء يتسنموا وزارات عليها أعباء تنفيذية، مما يعني تعارض مصالح في حال مشاركة هؤلاء الوزراء لممارسة دور حوكمي كذلك.
حتى نطبق حوكمة فعالة، نحتاج إلى الفصل – حتى النخاع – بين الخصم والحكم، لا يمكن أن تكون وزارة تنفيذية مسئولة عن إنجاز مشاريع ضمن الرؤية ثم نقول لا مانع أن تكون تمارس دوراً في حوكمة الرؤية. بل يمكن القول أن الرؤية الفعالة مطلب وشرط لتحقيق الرؤية، ولذا فقد صدر إطار لتحقيق الحوكمة، لكن وجهة نظري أنه بحاجة لتعميق وتوسيع الأدوار.
إطار الحوكمة المعتمد رسمياً، وهو نظرياً بحاجة لطرف مستقل (الشورى مثلاً)، وبحاجة لجهاز مستقل للمتابعة والمراقبة، وبذلك نكمل عنصري الشفافية والمساءلة.
الإطار أعلاه ملائم لإدارة الجودة والمشاريع ضمن منظومة تحقيق الرؤية، وهي منظومة بالضرورة منغمسة في تنفيذ الرؤية وليست مستقلة عنها.
أما د. إبراهيم البعيز فتطرق إلى البعد الإعلامي ، حيث ذكر أنه وكما يقال فإن الإعلام سلطة رابعة، مما يشير إلى دوره الرقابي على السلطات الثلاث الأخرى، لكن مؤسساتنا الإعلامية لا تزال قاصرة عن أداء ذلك الدور بحكم أن البيئة التنظيمية لم تسمح بعد بمعاملة مسئولي وموظفي الدولة والأجهزة الحكومية كشخصيات عامة، يمكن النشر عنها بشفافية دون الخوف من المسألة القانونية بحجج وذرائع التشهير.
نحن بحاجة إلى تمكين الإعلاميين من الوصول إلى المعلومات العامة وفق إجراءات إدارية واضحة، ومحاسبة المسئولين في حالة الرفض – غير القانوني – للكشف عما يدخل في نطاق المعلومات العامة.
من ضمن اختصاصات هيئة مكافحة الفساد وفي سياق الأمر الملكي بإنشائها المبادرة بمراجعة كافة الأنظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته، وقد تم تأكيد ذلك في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ؛ حيث تضمنت الاستراتيجية مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة عن طريق كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة الجمهور ووسائل الإعلام.
ويعتقد د. مشاري النعيم أن الحوكمة مازالت شكلية فالشفافية وطرح القضايا للنقاش والمقصود القضايا التي تمس التنمية وتمس الرؤية بشكل مباشر غير مسموح بها بشكل صريح، وممكن أن يحاسب الفرد أو الجهة التي تطرحها خصوصا إذا كانت جهة إعلامية. الأسباب كثيرة فرغم أنه يوجد شكل ورقي للحوكمة إلا أن تطبيق الحوكمة فعلا نحن غير مستعدون له بعد. والثقافة الإعلامية الحذرة والمرتعبة أحيانا شكلت رقابة داخلية جعلت أقصى ما نقوله إعلاميا لا يصل إلى الشفافية المبدئية الموجودة في الإعلام العالمي. لكن يجب القول أن الإجراءات الحكومية التي فرضتها حوكمة الرؤية أفضل من الوضع السابق بكثير ولكنها لا تكفي لنجاح الرؤية.
ومن جانبه قال د. خالد بن دهيش إن برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠ هو أهم برنامج من برامج الرؤية ٢٠٣٠ وهو البرنامج الذي تعمل عليه ٢٤ جهة حكومية في المرحلة الأولى لتحقيق ١٧٨هدف استراتيجي معلن. وهذا البرنامج يعمل وفق آلية عمل تشتمل على خمس مراحل هي:
- المرحلة الأولى: حصر تحديات الجهات الحكومية في سبيل تحقيق الرؤية و وضع أهداف مرحلية حتى ٢٠٢٠.
- المرحلة الثانية: تطوير مبادرات داعمة بشكل سنوي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
- المرحلة الثالثة: تطوير الخطط التنفيذية التفصيلية لتنفيذ المبادرات.
- المرحلة الرابعة: تعزيز الشفافية ونشر المستهدفات والنتائج. وهذه المرحلة التي تؤكد على أن للشفافية دور كبير في إنجاح برنامج التحول الوطني حيث من المؤمل من البرنامج نشر المستهدفات والنتائج الخاصة بالجهات الحكومية بما يمكن القطاعات الحكومية الأخرى الرقابية أو مجلس الشورى والإعلام الاطلاع على تقييم الأداء من خلال لوحة مؤشرات الأداء ومتابعة نتائجها وتحليلها باستمرار.
- المرحلة الخامسة: المراجعة والتحسين المستمر و إطلاق مبادرات جديدة وضم جهات أخرى إضافية. وعليه فإن حوكمة برنامج التحول الوطني يمثل انعكاساً لحوكمة تنفيذ الرؤية التي أشار إليه د. إحسان ، لتحقيق التنسيق ورفع كفاءة الأداء والتحسين المستمر ورفع معاير الرقابة ومتابعة الأداء.
وألمحت د. ثريا العريض إلى أن كل وزارة فيها مكتب تحقيق الرؤية؛ و جميع مكاتب تحقيق الرؤية تنسق مع مكتب إدارة الاستراتيجية الذي يتبع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
وأكد أ. محمد بن فهد العمران أن الأهم وجود معايير رقابية سابقة و لاحقة للتأكد من نجاح التنفيذ وفقاً للاستراتيجية دون أي انحرافات أو تجاوزات.
وأضاف د. عبد الله بن صالح الحمود: تأتي ورقة د. إحسان بوحليقة ، حاملة في طياتها ، تساؤلات عدة ، وهي تساؤلات مشروعة خصوصاً ما يختص بوجوب إظهار الشفافية ، والتساؤل حول ما يريده المواطن أن يعرفه عن المضمون والنتائج المتوخاة من رؤية 2030 ، هذه الرؤية التي لزاماً أن تتحلى إدارتها عامة من خلال جعل الحوكمة هي الأنموذج الذي تسير عليها أعمالها ، أنموذجاً يراد منه تطبيقات عامة للرؤية من لدن كافة القطاعات الحكومية وشبه الحكومية.
من هنا لابد أن نؤكد على أن تطبيق الحوكمة بمفهومها الأدبي ، للقطاعات الحكومية وشبه الحكومية ، لابد ابتداء أن تعاد هيكلة تلك القطاعات بما يتفق ومضمون وانطلاقة الرؤية ، والسبب في ذلك هو أنه لا يمكن فرض حوكمة لقطاع أو آخر دون أن يكون مرتكزاً وقادراً على أداء الأعمال المنوطة به ، بهدف تحقيق الطموحات والأهداف المرسومة.
وحول ما طرح عن إمكانية قيام مجلس الشورى أن يكون مراقباً أو مشرفاً على نتائج وأنشطة القطاعات المستهدفة نحو تحقيق رؤية 2030 ، لا شك أن مجلس الشورى يفترض أن يكون الجهة المختصة إشرافيا ورقابيا نحو تطبيق حوكمة الأعمال الحكومية ، إنما المجلس حسب نظامه الحالي لا يمكن له أن يكون مراقباً مراقبة مباشرة، أو صاحب حق في التساؤل عن أعمال القطاعات سواء الحكومية أو شبة الحكومية ، إلا من خلال تساؤل محدود.
ولهذا فالمناسب أن يكون الأمر مرحلياً ، وحول ما ذهبت إليه برامج رؤية 2030، فإن للمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة ، الحق في أن يكون الجهة المخولة للتأكد من حوكمة أعمال ومناشط كافة القطاعات ، إضافة إلى مساندة من أحد ركائز الرؤية ، وهي آلية التصعيد ، والتي يعول عليها رفع كفاءة الإنجاز وسرعة حل المشكلات.
ومن ناحيته أكد م. خالد العثمان على النقاط المحددة التالية:
1- هناك أهمية لتفعيل دور مجلس الشورى في الحوكمة العامة لإدارة الدولة عموما ومن بين قضاياها رؤية 2030 .. لكن دور مجلس الشورى في حوكمة الرؤية لا يمكن أن يكون دورا تنفيذيا متخصصا اللهم إلا إذا تسنى تأسيس مكتب لحوكمة الرؤية تحت مظلة مجلس الشورى يرفع إليه تقاريره ويمده بالمعلومات اللازمة لممارسة الرقابة والاستجواب .. وهي وسائل الظن أن مجلس الشورى ليس ممكَّنا منها بعد بموجب نظامه الاسترشادي الطابع إلى حد كبير.. إذن فمجلس الشورى بحد ذاته بحاجة إلى حوكمة قبل أن يتحمل مسئولية حوكمة الرؤية.
2- هناك اتفاق مع ما ذكره د. خالد بن دهيش عندما لفت النظر إلى دور القطاع الاستشاري الوطني المغيَّب تماما عن مجمل مراحل صياغة الرؤية وتنفيذها وحوكمتها. بصفتي رئيس لجنة المكاتب الاستشارية بغرفة الرياض – والحديث ل م. خالد العثمان – أسجل هنا شكوى عامة في القطاع الاستشاري ليس فقط من منافسة غير عادلة مع الشركات الاستشارية الأجنبية التي تفوز بحصة الأسد في هذه الكعكة.. بل من فوات فرصة هائلة لتوطين الخبرة والمعرفة والمهارات التي هي الأدوات الأهم لممارسة حوكمة فاعلة قائمة على قدرات مهنية احترافية.
3- من الضروري التنبيه أن تكون الحوكمة فاعلة وإلا فلا حاجة لنا بها من الأساس توفيرا لهدر الأموال والوقت والموارد بل والحماسة الدافعة للتنفيذ.. من ضمن معايير فعالية الحوكمة أن تكون حوكمة ذكية إيجابية غير مُعَطِّلة ولا تمارس أدوات بيروقراطية في الرقابة والتدقيق.. ما نراه حاليا في ممارسات لجان الرقابة في الجهات الحكومية المختلفة أدى إلى كثير من التعطيل في اتخاذ القرارات والاعتمادات وصرف المستحقات خاصة في ظل خلق حالة من الرعب الأجوف من الفساد أدت إلى شيوع نمط من التمسك بتطبيق القوانين حرفيا بكل ما فيها من بيروقراطية عقيمة بعيدا عن المرونة الإيجابية في تبني روح القانون لتحقيق مصالح واضحة أحيانا.. البيروقراطية هي العقبة الأكبر في سبيل التنمية.
وخلصت د. نوف الغامدي إلى أنناً نستطيع القول بأن الإطار العلمي للحوكمة كالتالي:
- رؤية واضحة للعائد من الخطة.
- الترتيبات الموضوعة لمراجعة الخطة.
- تحديد واضح للأدوار والمسؤوليات للتنفيذيين وغير التنفيذيين والعاملين.
- ترتيبات لقياس جودة التنفيذ.
- الميثاق الأخلاقي الذي يحدد المعايير لسلوك الأفراد.
- أوامر محددة وتعليمات مالية ونظام التفويض وكتيبات ومذكرات الدعم.
- الترتيبات الموضوعة لضمان الالتزام بالقوانين ذات الصلة والتعليمات والسياسات الداخلية والإجراءات.
- ترتيبات تلقي ودراسة وحل الشكاوى.
- ترتيبات التعرف على احتياجات التطوير لجميع العاملين في علاقتها بالأدوار الاستراتيجية ودعمها بالتدريب.
- قنوات اتصال واضحة.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- د. إحسان بو حليقة
- م. أسامة كردي
- د. ثريا العريض
- د. الجازي الشبيكي
- أ. جمال ملائكة
- د. حمزة بيت المال
- د. حميد الشايجي
- د. حميد المزروع
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- د. خالد بن دهيش
- د. زياد الدريس
- أ.د. سامية العمودي
- أ. سمير خميس
- د. عبدالرحمن الشقير
- أ. عبدالرحمن الطريري
- د. عبدالرحمن الهدلق
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبدالله العساف
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- أ. علياء البازعي
- أ. عبير خالد
- أ. فاطمة الشريف
- د. فايز الشهري
- د. فهد الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. كوثر الأربش
- أ. محمد بن فهد العمران
- د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
- د. مشاري النعيم
- أ. مطشر المرشد
- أ. مها عقيل
- د. منيرة الغدير
- د. ناصر القعود
- أ. نجيب الزامل
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 28