شهر مارس 2016
ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر مارس 2016م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- التحديات المصاحبة للحرب على الإرهاب بين صراع الأقطاب ومعاناة الشعوب العربية
- معضلة الإنتاجية في الاقتصاد السعودي
- إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية
- المنظمات الإقليمية والدولية ودورها في خدمة القضايا الدولية
محتويات التقرير
المحور الأول: التحديات المصاحبة للحرب على الإرهاب بين صراع الأقطاب ومعاناة الشعوب العربية
- الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الهدلق
- التعقيب الأول: د. حسين الحكمي
- التعقيب الثاني: د. عبدالسلام الوايل
- المداخلات حول القضية:
- الإرهاب ونظرية المؤامرة
- هل الإرهاب ولاد ة أمريكية الصنع صهيونية الفكر والهدف؟
- كيف يفكر الدواعش؟
- تفكيك الإرهاب في ضوء فهم مسبباته
المحور الثاني: معضلة الإنتاجية في الاقتصاد السعودي
- الورقة الرئيسة: د. محمد سالم الصبان
- التعقيب الأول: أ. عدنان المرشد
- التعقيب الثاني: أ. مطشر المرشد
- المداخلات حول القضية:
- أسباب انخفاض إنتاجية الاقتصاد السعودي
- المعوقات الاجتماعية وانخفاض الإنتاجية
- المرأة والمشاركة في الناتج الوطني
- آليات مقترحة لزيادة الإنتاجية
المحور الثالث: إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية
- الورقة الرئيسة: د. عبدالسلام الوايل
- التعقيب الأول: د. حمد التويجري
- التعقيب الثاني: أ.د. صالح المانع
- المداخلات حول القضية:
- مفهوم الطبقة العاملة: رؤية نقدية
- متطلبات إعادة بناء الطبقة العمالية المهنية الوطنية
المحور الرابع: المنظمات الإقليمية والدولية ودورها في خدمة القضايا الدولية
- الورقة الرئيسة: أ. أسامة نقلي
- التعقيب الأول: د. زياد الدريس
- التعقيب الثاني: د. فهد العرابي الحارثي
- المداخلات حول القضية:
- آليات إصلاح وتفعيل دور المنظمات الإقليمية والدولية
- كيفية استفادة المملكة من عضويتها بالمنظمات الإقليمية والدولية
المحور الأول
التحديات المصاحبة للحرب على الإرهاب بين صراع الأقطاب ومعاناة الشعوب العربية
الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الهدلق
تعتبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001) وما ترتب عليها من سياسات وممارسات منعطفاً تاريخياً مهماً ليس فقط في مجال مكافحة الإرهاب والحرب عليه، بل على مستوى السياسة الدولية. وتجلت قمة هذه الانعطافات فيما يحدث في سوريا حيث أصبحت الأراضي السورية منطقة وميدان لهذه الصراعات القطبية ووكلائها من الدول الإقليمية وما يندرج تحتها من المليشيات التي تقوم بدور البروكسيات لتلك الدول كحزب الله وغيره.
لقد كانت العمليات الإرهابية التي قادتها القاعدة قبل ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بداية لانطلاق حملة دولية وحرب عالمية – غير تقليدية وغامضة – على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أصبحت هذه الحرب محوراً رئيساً في سياستها الدولية فتم تقسيم العالم إلى محورين أحدهما للخير والأخر للشر، ودفعت بالرئيس بوش الابن إلى القول بان “من لم يكن معنا فهو ضدنا”.
شهدت الحملة أو الحرب على الإرهاب في بداياتها تعاطفاً ودعماً دولياً تم التركيز فيه على محورين رئيسيين للقضاء على الإرهاب وتمثل ذلك في المواجهة العسكرية والأمنية وما يتبعها من تدمير للمنظمات الإرهابية ومنع الملاذات الآمنة، وإيقاف جميع وسائل الدعم المالي واللوجستي لها، وأُهمل في تلك الحرب المواجهة الفكرية للتطرف العنيف المحرض على الإرهاب، والذي ظهر فيما بعد كأحد المحاور الرئيسية لهذه الحرب.
ورغم هذا التعاطف والدعم لهذه الحرب في بداياتها الا أن ذلك التعاطف لم يستمر طويلاً وبدأ يضعف بمرور الوقت، حيث يرى بعض الخبراء والمحللين المعارضين لهذه الحرب أن الممارسات المصاحبة للحرب لتحقيق أهدافها ودحر الإرهاب قد زادت الوضع سوء مما ضاعف من وتيرة الأعمال الإرهابية وانتشارها ذاكرين بعض التحديات والاشكاليات المصاحبة والمترتبة على هذه الحرب التي تستهدف الإرهاب والداعمين له. ونظراً لمحدودية المساحة المتاحة سأذكر بعضاً من هذه التحديات بصورة مختصرة، ومنها ما يلي:
1- قتل وتشريد الأبرياء وانتهاك حقوق الإنسان:
شهدت هذه الحرب تزايداً في أعداد القتلى والمشردين الأبرياء حتى وصلت أعدادهم إلى مئات الآلاف من القتلى وعدة ملايين من المشردين اللاجئين وتكاثرت انتهاكات حقوق الإنسان بحجة الحرب على الإرهاب وتضاعفت أعداد السجون السرية التي وقفت خلفها بعض الدول الغربية وتزايدت معها حالات التعذيب في بعض سجون دول العالم المتقدمة والنامية في ظل غياب أو تغافل واضح من المؤسسات العدلية لتلك الدول، مما ساهم في إضعاف هذه الحرب وانتشار الإرهاب وفقاً لبعض الدراسات.
2- تعاظم ظاهرة الإسلاموفوبيا والعداء للإسلام:
إن تزايد مثل هذه الظواهر ومنها الكتابات الصادرة من بعض الخبراء والإعلاميين والسياسيين من الدول المتصارعة والمتزعمة للحرب ضد الإرهاب خلق شعور بين الكثير من المسلمين بأن هذه الحرب ماهي إلا حرب ضد الإسلام والمسلمين. وبهذه المفاهيم المعادية للإسلام والمسلمين لا يمكن أن تنجح جهود الحرب على الإرهاب خاصة عند اعتبار الإسلام وبعض الدول الإسلامية المعتدلة جزء من المشكلة وليست جزء من الحل في ظل غياب القاعدة الأممية المتعارف عليها أن الإرهاب لا دين ولا جنس له.
3- صراع الأقطاب ووكلائهم:
إن ظهور الصراعات والنزاعات بين الأقطاب مؤخراً ووكلائهم وما يتبع لهم من ميليشيات عسكرية في المنطقة يعتبر من أهم التحديات حيث أصبحت المصالح الخاصة لتلك الدول الكبرى هي المحرك الأساس لسياساتها الجيوسياسية مما ساهم في إضعاف الحرب على الإرهاب بل أن بعض هذه السياسات قد أضرت بمساعي مواجهة ودحر الإرهاب وهزت الاستقرار السياسي لبعض دول المنطقة وأضعفت من وحدتها الوطنية وأججت الصراعات والنزعات الطائفية فيها. وأحسب أننا على وشك أمر خطير جداً – صرحت به القيادة الأمريكية مؤخراً- وهو احتمالية اللجوء إلى منطق التقسيم وهو ما قد يؤدي إلى حرب عسكرية مباشرة بين بعض الدول في المنطقة يكون المتضرر الأكبر منها دول وشعوب المنطقة.
ولتدارك هذا الخطر يجب أن يتعاون بل ويتفق القطبان المتصارعان (أمريكا وروسيا) على تفادي الصراعات وتجنب النزاعات بينهما أو وكلائهما وحلفائهما في المنطقة ويجعلان “مصلحة شعوب المنطقة” هي الأولى والأعلى بدلاً من مطامعهما ومصالحهما الجيوسياسية الخاصة وإلا فإن المنطقة ستشهد المزيد من الدمار والفوضى وستكون الشعوب هي الضحية البريئة وسيزداد عدد القتلى والمشردين واللاجئين وستتعاظم معانتهم وهذا لاشك سيسهم في انتشار الإرهاب حيث ثبت علمياً ومن خلال بعض الدراسات والبحوث أن الإرهاب ينتعش في الدول الفاشلة والبيئات التي يضعف فيها الاستقرار وتنتشر فيها الفوضى كما يحصل في سوريا والعراق والصومال واليمن وليبيا وغيرها.
التعقيب الأول: د. حسين الحكمي
سأبدأ من حيث بدأ د. عبدالرحمن، بالتعريف بمصطلح الإرهاب والذي بدأ في الانتشار بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وكان في بداياته واضح حيث أن المقصود به محاربة من قاموا بالاعتداء على أمريكا وإرهاب أمنها الذي وصل إلى داخلها من خلال تفجير برجي التجارة واستهداف مبنى البنتاجون. تعاطفت دول العالم مع أمريكا وأيدتها في معاقبة من أرهبوها وهناك من دعمها بشكل كبير في ذلك.
ولأن جماعة القاعدة هم من تبنوا تلك العمليات فإن أمريكا سعت لمحاربتهم في أماكن تمركزهم وهي أفغانستان، ما نتج عنه معاناة كبيرة للشعب الأفغاني دامت لسنوات لم يستطع أن يخرج منها حتى الآن فأصبحت أفغانستان الدولة والشعب هما الخاسران في صراع الإرهاب والمصالح بين القاعدة وأمريكا.
مفهوم الإرهاب بعد تلك الأحداث أصبح مرتبطا بكل حدث إجرامي واعتداء ينفذه مسلمون فقط! أما حينما يتم عمل شبيه فإن وصف إرهابي لا يطلق عليه وحتى في بعض العمليات الإرهابية لبعض غير المسلمين يتم وصف من نفذوها بأنهم مختلون عقليا أو لديهم مشاكل نفسية في حين لم نسمع أبدا أن حدثا إجراميا قام به مسلم كان السبب أنه مختل عقلي أو يعاني من اضطرابات نفسية أو مشكلات اجتماعية!
هناك إصرار سياسي من عدد من الدول على ربط مفهوم الإرهاب بالإسلام بشكل غير مباشر وبشكل تطبيقي نتج عنه أن محاربة الإرهاب والإرهابيين لم تتعد الدول الإسلامية فنتج عنه أضرار اجتماعية واقتصادية وسياسية يمكن ملاحظتها في الدول التي تم فيها محاربة الإرهاب مثل أفغانستان والعراق والآن سوريا.
وبسبب عدم وجود تعريف واضح للإرهاب فقد استغلت بعض القوى هذه الفجوة فقامت بوضع إجراءات وأنظمة ضد المسلمين خصوصا ووجدوا الفرصة والعذر الآن، فقامت أمريكا بالتشديد على المسلمين في السفر إلى أمريكا لعدة سنوات، ومازالت تضع المسلمين تحت المجهر عند وقوع أي عمل إجرامي وهم المتهم الأول بالرغم من وجود إحصائيات أمريكية تفيد أن ٩٤٪ من الهجمات الإرهابية التي وقعت على الأراضي الأمريكية بين عامي ١٩٨٠ و٢٠٠٥ نفذها غير مسلمين.
هناك تركيز على ربط العمليات الإرهابية والإرهاب بالإسلام بشكل مكثف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ساعد في نشر مفهوم مغلوط عن الإسلام لدى عدد من الناس على مستوى العالم، ما أدى إلى نبذ المسلم وعدم التعامل معه والخوف منه فقط لأنه مسلم.
والحرص على ربط مفهوم الإرهاب بالإسلام والمسلمين ليس هو الهدف البعيد، بل هو الطريق الذي يسهل لبعض الدول الحصول على مصالح لها داخل بعض الدول الإسلامية متذرعين بأن هدفهم محاربة الإرهاب. دخلوا للعراق بعد أن وصفوه بدولة إرهابية وأنه خطر على السلم العالمي ولم يكن هدفهم تحرير الشعب من حكومة إرهابية بل للوصول إلى النفط واستغلال موارد العراق. بدأ ذلك قبل ١٣ عاما واليوم نرى محاربة الإرهاب ما تزال قائمة في سوريا من خلال تصارع قوى عالمية لحماية مصالحها أو حلفائها، فها هي روسيا تقف مع حكومة بشار وتعمل على ثباتها واستمرارها فتقوم بعمليات ضد معارضي بشار؛ ما نتج عنه تضرر كثير من الأبرياء، وبنفس الحجة تقف أمريكا فتحارب داعش في سوريا والعراق، لكنها واقعيا تقف على الضد فتعمل على دعم المعارضة، والعجيب أن كلا الدولتين تقولان إنهما تحاربان الإرهاب، وفي النهاية فأن الخاسر الأكبر هم الشعوب.
التعقيب الثاني: د. عبدالسلام الوايل
القضية المثارة سياسية بامتياز، بحسبان تناول “محاربة الإرهاب” من زاوية “صراع الأقطاب”. لقد التبست محاربة الإرهاب بالنوايا والخطط السياسية للدول الكبرى منذ اللحظة التي أدخلت فيها القاعدة العالم لعصر “مكافحة الإرهاب”. فمثلاً، رأت إدارة بوش في هجمات سبتمبر فرصة لتغيير النظام السياسي في العراق، انطلاقاً من علاقته بالقاعدة، وهي المزاعم التي ثبت عدم دقتها. وأيضاً، ترفع إدارة بوتين هذه الأيام راية محاربة الإرهاب لمنع سقوط النظام السوري الحليف، فتعمد لشن هجمات عسكرية بشكل مباشر على تنظيمات عسكرية سورية محاربة لنظام بشار وليست مصنفة من قبل الأمم المتحدة بوصفها تنظيمات إرهابية. إذاّ وبما أن محاربة الإرهاب ملتبسة بمصالح لهذه الدول الكبرى وليست مقتصرة على محاربة الإرهاب فقط، فإن الاستنتاج المتأتي عن هذه الملاحظات هو أن هذه اللافتة المرفوعة قد تؤدي فعلاً، وعبر هذه السياسات الإمبراطورية، لتوليد الإرهاب وتعظيم وجوده. لقد رأينا هذا واقعاً متحققاً في الحالة العراقية. فلو لم يذهب بوش الابن هناك ويهدّ الدولة العراقية، لما كانت داعش أصلاً، التي أدخلت العالم في طور إرهابي غير مسبوق ومختلف تماماً عن إرهاب القاعدة. واليوم نحن نرى تدخلاً امبراطورياً من نوع آخر. ذاك هو رفع لافتة محاربة الإرهاب لسحق تنظيمات معارضة مسلحة غير إرهابية في سوريا. لا نعرف حتى الان ما الذي سيتأتى عن هذه التداخل بين محاربة الإرهاب ومصالح الروس، العائدين تواً وعبر البوابة السورية لمنصة الأقطاب العالمية! إن طبيعة تدخل الروس تثير سؤالاً في هذا الخصوص. ذاك هو: ألن تؤدي الحرب الروسية على التنظيمات المسلحة المناهضة للأسد وغير الإرهابية، كالجيش الحر والتنظيمات المنضوية تحت لواءه، إلى تهيئة البيئة السورية لتوليد منظمات إرهابية؟ لقد شهدنا هذا في الحالة العراقية. ومرشحين لأن نشهده في سوريا أيضاً. إن حالتي العراق، منذ غزو بوش المشؤوم لهذا البلد المنكوب، وسوريا مخبرتان عن أن محاربة الإرهاب متداخلة فعلا مع رؤى معينة لدول عظمى قد تؤدي إلى تعاظم ظاهرة الإرهاب.
لا شك أن هذا سيولد معاناة إضافية للشعوب العربية. فأراضيها صارت هي الخشبة الرئيسية للعرض الإرهابي اليوم. غزو بوش للعراق نقل هذه الخشبة من جبال أفغانستان لسهول الهلال الخصيب. بعد ذاك الغزو كرّت السبحة. هناك اليوم أربع دول عربية صارت أراضيها مسرحاً للإرهاب، العراق وسوريا وليبيا واليمن. بمعنى آخر، هناك أربع شعوب عربية تعاني إما انهيار الدولة أو ضعفها لدرجة تسلط الإرهاب على أراضي ومدن وتجمعات سكانية في كل هذه الدول الأربع. لنأخذ مثالا واحداً لهذه المعاناة. ليكن النظام التعليمي في الأراضي التي تسيطر عليها داعش في العراق وسوريا كأمثلة.
من المعلوم أن النظام التعليمي الحديث هناك أنشأته الدولة الوطنية الحديثة في كل من سوريا والعراق، والمتولّدة عن عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى بين العثمانيين والحلفاء في هذا الجزء من العالم. ثم رعت هذا النظام التعليمي الأنظمة البعثية في كل من العراق وسوريا، ومعروف المنظور التحديثي لهذه الأنظمة، وكلمة “تحديثي” هنا خاصة بأنظمة تقوم على أيديولوجيا شمولية أقرب للفاشية. منجزات هذا النظام التعليمي شبه اندرست في التجمعات السكانية التي تديرها داعش. التغييرات التي أدخلتها داعش على نظام التعليم أقرب للخيال الساخر. لقد الغيت دروس الفلسفة والموسيقى والتربية الفنية والعلوم الاجتماعية واختصرت مناهج العلوم الحديثة وقصّرت سنوات الدراسة في كليات المسار الصحي والعلمي، كالطب مثلا، وفصل الجنسين فصلا صارما في تخصصات طبيعتها تفرض اختلاطا بين الجنسين، حتى لو خفيف جداً كتدريس ذكور لطالبات مثلاً. في بعض ثانويات القرى، لم يكن يوجد إلا مدرسين ذكور لمواد العلوم الطبيعية. لكن هؤلاء المدرسين منعوا من تدريس الطالبات، حتى مع اقتراح فرض النقاب عليهن أثناء هذه الدروس! وتحول النظام التعليمي باتجاه بث غرس كراهية العالم في الأجيال الجديدة، عبر خطاب تعليمي تكفيري بشكل صريح وغير موارب. ما هو أدهى، رؤية مُسيري العملية التعليمية في دولة داعش بوصفه معسكرات لإعداد أجيال مقاتلة. عسكرت المدارس تقريباً. منهج أيديولوجي وعسكري مكثف يتم تعليمه هناك بحيث ظهرت فجوات روحية وعقلية بين الآباء وأبنائهم المتعلمين في هذه المدراس. لقد أوجد التعليم الداعشي أجيال ترى العالم بوصفه “دار حرب ودار إيمان”. هذا وجه لمعاناة شعوب عربية من تداخل الرؤى الإمبراطورية لدولة عظمى مع ملف محاربة الإرهاب. فلو لم يذهب بوش الابن للعراق في مهمة مجنونة، لربما كان أولاد الموصل ودير الزور يدرسون الطب بشكل أفضل ويحملون كراهية أقل للعالم.
المداخلات حول قضية: (التحديات المصاحبة للحرب على الإرهاب)
- الإرهاب ونظرية المؤامرة
قال د. إبراهيم البعيز: مع كل اخفاق نواجهه ولا تسعفنا الشجاعة للاعتراف به تسيطر علينا حالة الإنكار Denial ونجد في نظرية المؤامرة المخرج الأقرب والمريح للتعايش مع ذلك الفشل أو تلك الظاهرة التي لم نفهمها. نظرية المؤامرة هي الصورة المعاصرة لنمط التفكير في المجتمعات البدائية التي كانت ترجع كثير من الظواهر إلى الغيبيات، وهي التي لا يمكن التحقق من صحتها، مما يترتب عليه الإيحاء بإيقاف النقاش أو التفكير في الأسباب الحقيقية. يبدأ الحديث عن الإرهاب دائماً بذكر الحادي عشر من سبتمبر 2001، مع العلم أن المملكة عانت من الإرهاب قبل ذلك بسنوات، لكن تظل العملية الإرهابية في سبتمبر تاريخا مهما في ذاكرة العالم.
وحيث أن ١٥ من إرهابيي سبتمبر 2001 هم من أبنائنا فقد دفعنا مقابل ذلك ثمنا غاليا ليس على المستوى السياسي فحسب بل تجاوز ذلك إلى البعد الثقافي بكل أبعاده الاجتماعية والدينية. ولا أدل على ذلك من أن الوهابية أضحت مصطلحا مشتركا في كثير من الأخبار والمقالات في الصحافة الغربية، مما يعني ربط المجتمع السعودي بالإرهاب.
في السنوات التي سبقت أحداث سبتمبر كنّا نباهي بتمسكنا بالإسلام ونفاخر بالأمن في بلادنا – لكن أتى من يهدد أمنا.. من يدعي الإسلام؛ وهذه حال لن نستطيع نتجاوزها إلا بفهمها علميا والفهم العلمي هنا يتجاوز مجرد وصف الإشكالية.
وفي حالة الإرهاب (سبتمبر 2001 وداعش) تظهر نظرية المؤامرة لسببين أساسيين:
- الأول: انعدام حرية الرأي والتفكير (والمقصود هنا الحرية من جانبيها الاجتماعي والسياسي) لأن الحديث عن الأسباب بحرية غالبا ما يقود إلى منزلق التبرير، لذا لا نتمكن من الخوض في هذا الأسباب القريبة التي تعمق الجراح.
- السبب الثاني: أننا نجعل التزامن بين المتغيرات والظواهر على أنه ترابط وعلاقة سببية، وأقرب مثال على ذلك أننا نجد أن إسرائيل مستفيدة من كل ما يجري على الساحة العربية من عمليات إرهابية لذا نتسرع بالتوجس أو بالتفسير بأنها هي (أو القوى المؤيدة لها) المتسببة والمخططة لذلك.
واتفق د.م. نصر الصحاف مع وجهة النظر تلك، وأضاف إلى ما سبق الشعور الوهمي بالقوة لأننا محط اهتمام الغرب ومشكلته الوحيدة!! وذلك في اعتقاده من ترسبات الماضي العريق والذي كان فعلاً محط اهتمام ومتابعة الغرب لغزارة الفائدة العلمية والأدبية والمعرفية التي منحها المجتمع الإسلامي العربي لكافة المجتمعات وبالذات الغربية!!
أما الآن فلا يوجد سوى العيش على اكتشافات واختراعات الغرب كمستهلكين لا أكثر ولا أقل ندفع لهم بالمادة الخام ليصنعوها ويعيدوها إلينا بأسعار خيالية بعشرات الأضعاف إن لم تكن بمئات الأضعاف! ولكن مع ذلك فهم يحيكون المؤامرة تلو المؤامرة حتى لا نستيقظ من سباتنا العميق!!
ويرى د. مساعد المحيا أن الورقة الرئيسة تفترض أن ما فعله ويفعله الأقطاب في دولنا العربية والإسلامية هو أحد أسباب ما نعانيه من تطرف وإرهاب؛ وبالتالي فالأقطاب أو القوى الدولية لم تعد معنية بإطفاء لهيب النار بقدر ما هم حريصون على إذكائها.
لا يعني ذلك أن المشكلة ليس لها أسبابها الداخلية فهذا محل اتفاق؛ إن كل سبب نتحدث عنه داخليا هو مما عشنا عشرات السنوات دون أن نرى أنه قد أنتج لنا هذه السلوكيات المفزعة اليوم؛ لذا فإن العوامل الخارجية كثيرا ما تكون سببا في استثمار واستغلال كثير من السمات والمؤثرات والفكر الكامن ليطفو على السطح فيغدو سلوكا إرهابيا مفزعا ومخيفا.
وأضاف د. المحيا: ختم د. عبد السلام تعليقه بهذه الجملة ” فلو لم يذهب بوش الابن للعرق في مهمة مجنونة، لربما كان أولاد الموصل ودير الزور يدرسون الطب بشكل أفضل ويحملون كراهية أقل للعالم”. وأخالها تصف فعلا بعض ما جرى وما سيجري.. وما أخشاه أن يكون لما يقوم به الروس اليوم في سوريا من سياسة تقوم على مبدأ الأرض المحروقة.. انعكاسات على عدد من الدول العربية ولا أخالنا بمنأى عن ذلك.
ما يقلق هو الوفاق بين هذه الأقطاب على نحر المسلمين السنة من الوريد إلى الوريد، وافتعال الأزمات والمشكلات لديهم واتهام المعتدلين منهم بالإرهاب في حين تغض الطرف عن جرائم الحشد الشيعي والميليشيات الشيعية وما تفعله بمدن وقرى أهل السنة في العراق.. بل إن مما يؤسف له أنها أصبحت داعمة وعلى وفاق تام مع إيران وهي التي تتورط بأعمال تعد جرائم حرب في سوريا والعراق كل ذلك قناعة من الدول الغربية بمنهج الحرب بالوكالة.
ويرى أ. عبدالله آل حامد أن الإرهاب في العالم يصنع كما تصنع فيروسات المختبرات ويتوسع كما تنتشر مرضا وفتكا ويتاجر من خلاله بآلالاف صفقات السلاح كما تشترى أدوية وأمصال القضاء عليها.
ومن يدرس ملامح الصفات الخلقية لأسامة بن لادن وطريقة كلامه وصورته في الإعلام وظهوره المفاجئ للمتخصصين في صناعة الصورة الذهنية يدرك أن الاختيار له كان مدروسا وموفقا حيث هناك محاولة لاستغلال الصورة المرسومة للمصطفى صلى الله عليه وسلم في أذهاننا خلقا وخلقا وحبنا العميق له وبالتالي البحث عن الاقناع بمن يمثل تلك الصفات إلى جانب آلة إعلامية ضخمة.
أما د. سعد الشهراني فاستهل مداخلته بالتساؤلات الآتية:
- هل كانت القاعدة لتظهر لو لم يغزو الاتحاد السوفيتي أفغانستان؟
- هل كانت داعش لتظهر لو لم تكن القاعدة ظهرت قبلها؟ وهل كانت لتظهر كما نراها مكانا وزمانا وخصائص لولا الغزو الأمريكي للعراق؟
- هل للهيمنة الثقافية الغربية دور في ظهور ما سمي بالصحوة والإسلام السياسي؟
- هل كان العنف الفلسطيني وكل حركات العنف الأخرى المدموغة إرهابا ستظهر لولا الاستعمار البريطاني والفرنسي؟
- هل كانت حركات العنف في أمريكا الجنوبية لتظهر لولا التاريخ المخزي للاستعمار الأوروبي ثم الاذلال الأمريكي لتلك الشعوب؟
وأضاف: إن أهم ما في قضية التحديات المصاحبة للحرب على الإرهاب، هو محتواها السياسي والجيوسياسي وبعدها التاريخي وكونها من مخرجات النظام الإقليمي والدولي؛ دون أن نتجاهل أنها ظاهرة إنسانية لها أسباب متعددة: داخلية لكل بلد بحسب تكوينه الاجتماعي والسياسي والثقافي والمعتقدي ومعطياته الاقتصادية، وخارجية من المحيط الإقليمي والدولي. والأهم أن للأسباب الداخلية نفسها أسباب خارجية وللخارجية أسباب داخلية أيضا في تفاعل ديناميكي تحولي مستمر. وعندما تستخدم الظاهرة الإرهابية (أحداثا أو ظاهرة) كأداة في المناكفات والصراع داخليا أو إقليميا أو دوليا، فان الجميع يتهرب من مسؤوليتها ويجد في إجابات التساؤلات السابقة وسيلة لتحميل الآخر المسؤولية!
ويهمنا هنا البعد الإقليمي والدولي؛ ولأن هناك اختلال في موازين القوى الدولي فإن المسؤولية تحمل دائما على الطرف الأضعف: ومن أضعف من الدول الإسلامية والعربية في موازين القوى!
تخبط القوى العظمى في منطقتنا وفي العالم الآسيوي والإفريقي والأمريكي الجنوبي يفسر إلى حد كبير ظهور ما اصطلح على تسميته بالإرهاب الدولي المعاصر الذي حاول ويحاول ويدعي مقاومة الاستعمار في البداية (واستغله الاتحاد السوفيتي في حينه أيما استغلال بهدف تحقيق مصالحه ونشر الشيوعية) ثم أخذ تيار العنف مسارا آخر وتبريرا آخر هو مقاومة الغزو والهيمنة الأمريكية (القطب الأوحد المتوحش الذي حطم دولتين!)
المملكة ودول عربية وإسلامية كثيرة اعترفت بالأسباب الداخلية للإرهاب وتحملت مسؤولياتها، فهل تحملت القوى العظمى مسؤولياتها عن ظاهرة الإرهاب! والإجابة قطعا بلا؛ بل العكس هو الصحيح؛ فقد استغلتها لمزيد من الهيمنة وإذلال الشعوب والدول بل لمزيد من الإرهاب نفسه. لقد حولت مسرح مكافحة الإرهاب من مسرح سياسي وأمني إلى مسرح عمليات عسكرية فظيع مما ولد مزيدا من الإرهاب ولعل الحرب الأمريكية على الإرهاب هي ذاتها أكبر مولد للإرهاب.
وبالرغم من ذلك فقد نجح الأمريكيون والإسرائيليون والأوروبيون والروس أيما نجاح في تحويل العرب والمسلمين والإسلام إلى أعداء ليس فقط لهم بل لحضارة العصر وللشعوب الأخرى. وللأسف الشديد فقد ساعدناهم على ذلك بضعفنا أولا ثم بفشلنا التنموي ثم بعدم القضاء على الأسباب والمسببات الداخلية للعنف والإرهاب.. القوي يفرض أجنداته دائما وهذه ليست مؤامرة بل هي القوة تفصح عن نفسها.
النظام السوري نظام إرهابي والدب الروسي يمارس الإرهاب داخليا في الشيشان وداغستان وخارجيا في سوريا؛ والثور الأمريكي الهائج يفعل أفاعيله على مستوى الكرة الأرضية والأوروبيون يمارسون الاستعمار الجديد ونحن المفعول به والإرهابيون وهم المنقذون الحضاريون. أمريكا وروسيا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا دول إرهاب من الدرجة الأولى، والحروب غير المشروعة واحتلال وإذلال الشعوب إرهاب فظيع؛ بل أفظع من هجمات نيويورك وجرائم داعش، من غير تقليل إطلاقا من فظاعة هذه الأخيرة.
أحد أهم التحديات التي نواجهها هو كيف يمكن تعديل موازين القوى وكيف نقول للغرب والشرق بكل وضوح أنتم شركاء في تغذية الإرهاب إن لم يكن في صنعه أساسا والتاريخ أهم وسيلة لإبلاغ الرسالة؛ التاريخ معنا ولكننا لا نحسن استغلاله والحق معنا في معظم قضايانا ولكننا أسوا المحامين عن أعدل القضايا وها نحن تناسينا فلسطين! أليس هذا منتهى الغباء السياسي حتى نفعيا دعك من الحقوق والقيم والمصالح.
ومن جانبه قال د. منصور المطيري: يذكر بعض الكتاب أن خروتشوف الرئيس السوفييتي صرخ في مجلس الأمن متأذياً ومتألماً من حجم الدعاية الغربية ضد بلاده الشيوعية قائلاً “نحن في موسكو لا نأكل الأطفال”، ويقصد بذلك أن الغرب تطرف وظلم كثيراً بلاده لدرجة الشيطنة، فأراد أن يقول لقد وصلتم في الشيطنة إلى درجة غير عادية..
وأنا أقول: علماؤنا ودعاتنا ومناهجنا وثقافتنا لا تأكل الأطفال، ويكفي الشيطنة.
أصبحت مقتنعاً بأن عامة الناس أكثر إدراكاً وأوضح رؤية من كثير ممن يسمون المثقفين؛ فمن خلال حديث المجالس أجد الناس تعرف الفرق بين منظمة إرهابية تخدع السذج من الناس فتُصب عليها اللعنات لذلك، وبين بقية الناس من كل الأطياف، ومن هنا فعندهم القدرة على تحديد الجاني وتوجيه الإدانة له حصراً دون توزيع الاتهامات بكل صفاقة على خطيب الجمعة ومعلم العلوم الإسلامية والمفتي والداعية والكتاب والتراث والمحاضرة، ولولا الخوف من ردة الفعل لقالوا القرآن الكريم والسنة النبوية، والرسول نفسه. ولن أتعجب لو سمعت مثل هذا؛ فهذا فريدمان وبايبس طالبوا المسلمين في بعض مقالاتهم بالاعتذار عن كل فترة الفتوحات الإسلامية باعتبارها ارهاباً.
إن الإرهاب في بلاد المسلمين كظاهرة وليس كحدث لحظي ليس فعلاً، وإنما ردة فعل على الطغيان الغربي خلال ثلاثة قرون متتالية، تعرض فيها المسلمون والعرب لأنواع القهر المادي ثم النفسي والعقلي، وتعرضت عقولهم لفنون من التلويث والكذب والدجل بلغت أقصاها في العقدين الأخيرين حينما استخدمت الوسائل الإعلامية المعولمة لتحقير المسلمين وإفقادهم الثقة بأنفسهم، وتحميلهم وزر كل جريمة، وهذا ما حمل جلال أمين وهو أحد الكتاب الكبار على أن يكتب كتابا بعنوان (عصر التشهير بالعرب والمسلمين) ليبين أن ما نعيش فيه عملية مقصودة لشيطنة المسلمين والعرب سيتبعها خطوات عسكرية وسياسية تصب في النهاية في المصلحة الاقتصادية للغرب حسب رأيه. وهذا الاتجاه المتوحش للغرب بشكل عام واصل مسيرته (بعد هدوء نسبي بعد الحرب العالمية الثانية) بعدما انهار الاتحاد السوفييتي، حيث فقد الغرب العدو المحفز. ومن يتتبع الكتابات الغربية في أوائل التسعينات وأواسطها يجد الكم الهائل من الحديث عن الخطر الأخضر، وصراع الحضارات والتهديد الأصولي الإسلامي مما اضطر بعض الغربيين المعتدلين أن يكتب عن خرافة التهديد الإسلامي كما فعل جون اسبوزوتو وغيره.
إن من أهم التأثيرات المصاحبة للحرب على الإرهاب شيطنة المسلمين عموماً وشيطنة الإسلام نفسه، وما صاحب ذلك من محاولات مستمرة لتوطين قيم وأخلاقيات مناقضة لبعض الأحكام الشرعية الصريحة، وما صاحبه أيضاً من محاولات لتقديم رموز جديدة تتسم بعدم مبالاتها بالالتزام الديني متوسلة بالحرية والثقافة.. وهذا تجده في كل بلدان العالم الإسلامي تقريبا، وكان ذلك مصحوباً بحرب على الرموز الإسلامية والتاريخية وعلى رأسها مثلا ابن تيمية.. وهذه العملية تتكئ على كل حدث إرهابي يقع.. فمثلاً قام اثنان من الكتاب السعوديين بعد حادثة الرشيدي الإرهابية بتجميع عدد من الدعاة المشهورين في صورة واحدة قائلاً لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بالقضاء على جذوره جازماً أنهم جذوره، في عمل أقل ما يقال عنه أنه خالٍ من أي خلق قويم ويعبر عن انتهازية سقيمة..
إن التطرف الديني يقابله تطرف أشد منه لا يحمل بندقية حتى الآن، ويجب أن نقف في وجهه بقوة مثلما نقف في وجه التطرف الديني.. ولنعلم أن التطرف والإرهاب يتوسل عند عرض نفسه بكل معنى ومصدر سليم وصحيح وإلا انكشف زيفه بسرعة؛ ومن ذلك استدلاله بابن تيمية أو بالمدرسة السلفية أو بالقرآن والسنة.. ولو استمع أحدكم بقلب خال من أي اعتقاد مسبق إلى خطب عثمان آل نازح لذرف الدموع..
التطرف والإرهاب موقفان خاطئان تجاه واقع مرير ويبرران أنفسهما بكل دليل.. وعلينا أن نعرف عناصر هذا الموقف الخاطئ ومن يتبناه، ذلك سيريحنا من خلط الأوراق الذي يلجأ إليه البعض دون مبالاة.
- هل الإرهاب ولاد ة أمريكية الصنع صهيونية الفكر والهدف؟
أشار د. علي الحارثي إلى أن الإرهاب ولاد ة أمريكية الصنع صهيونية الفكر والهدف؛ ففي عام ١٩٨٩سقط الاتحاد السوفيتي وأصبحت أمريكا سيدة العالم الرأسمالي الذي لابد أن يكون له عدو لتسير عجلة الرأسمالية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وإلا فإنها ستتأثر كثيراً بل قد تموت. ولأن للغرب عدو تاريخي قديم ، ألا وهو الإسلام السني، فأنه لابد من جعله محور الشر الجديد على الغرب ، ولكن بطريقة غير مباشرة ، استخرجوه واستثمروه من حرب شبابنا في أفغانستان ومن قبله دراسة الأصولية الإسلامية وحال الطوائف والمذاهب والعرقيات وغيرها من أحوال المنطقة الاجتماعية والقبلية بعد حرب (١٩٧٣) وقطع النفط عنهم . فليس بالإمكان الدخول في حرب مع أمة الإسلام وركيزته الشرق الأوسط إلا عن طريق خلق مصطلح الإرهاب ليصبح المدخل المقنع لشعوبهم لإعلان الحرب ، وكل حوادث الإرهاب التي وقعت عليهم هنا وهناك وعلى رأسها أحداث (١١سبتمبر). ويري كثير من محلليهم ومفكريهم وبعض سياسييهم المنصفين أنها من صنع أيديهم للحرب مباشرة في أي مكان يرغبون ، فكانت أفغانستان وبعدها العراق عززت من وجود عدد من منظمات الإرهاب ، وآخرها داعش التي لا يختلف العقلاء أنها من صنع أمريكا وإسرائيل وإيران أمريكا وعلي لسان وزيرة الخارجية السابقة ( كونداليزا رايس ) أشارت الي إعادة تقسيم الشرق الأوسط الي دويلات طائفية وعرقية وسبيلها الي ذلك الفوضى المدمرة وليس الخلاقة كما زعمت. وخلاصة ذلك ، ما قاله الرئيس الأمريكي السابق في كتابه ((الفرصة السانحة))،” أنه بعد سقوط الشيوعية لم يعد هناك عدو سوى الإسلام ، فيجب القضاء علي التعصب الديني والقومي والإقليمي ومزج الأمم في الحضارة الغربية ” و(( وهنتجنتون )) يقول” أنه لا مجال ولا إمكانية للتعايش مع الحضارة الإسلامية لأنها تختلف عن الحضارة الغربية ، وأن المواجهة التي انتهت ضد الحزب الشيوعي تركت الفضاء مفتوحاً أمام مواجهة جديدة لا تكون إلا مع الغرب وقيمه ، والإسلام هو المغاير لقيم الحضارة الغربية ولحقوق الإنسان ولسيادة الحق والنظم الديموقراطية ويجب مقاومته. كل ذلك لمصلحة توسع دولة إسرائيل ولمصالحهم من خلالها. صحيح أن بعض المنظمات المجاهدة تكونت لمحاربتهم نصرة لما فعلوه وما زالوا يفعلون؛ وما تفعله روسيا هو اتفاق وتبادل أدوار من جرائم يندي لها جبين الإنسانية فألصقوا الإرهاب بها وهكذا هم يفعلون. إن أقسي أنواع الإرهاب هو إرهاب الدولة التي تقوم به دول الإرهاب وعلى رأسها أمريكا وروسيا وإسرائيل ومن ورائهم ذنبهم دولة المجوس. لننظر للحملة الشعواء على المملكة هذه الأيام، بأنها المفرخ والممول للإرهاب من خلال ما أسموه “الفكر الوهابي”، بل يتنادون بعدم إمداد المملكة بالسلاح، وقد يتبع ذلك حظراً على أمور أخري لأنها كما يظنون أفسدت عليهم استمرارية تقطيع أوصال المنطقة بعاصفة الحزم وبالاتحاد العربي الإسلامي العسكري في مناورة رعد الشمال. فلا نمعن بأن المنظمات الإرهابية إسلامية صرفة بل أوجدوها لتشويه صورة الإسلام والمسلمين بما يملكونه من وسائل إعلامية واقتصادية وعدائية قاتلة ومتجددة ومتجسدة في نفوسهم.
وعلق د. خالد الرديعان بأنه يخشى أن تكرار مقولة أن الإرهاب والمنظمات الإرهابية هي صناعة غربية وأمريكية تحديدا قد تعمل على تكريس هذا التصور ما يعفينا من البحث في المشكلة عندنا وكذلك جذورها الفكرية.. وحتى مع التسليم بفرضية أن الإرهاب صناعة غربية فهل كل ما يصنعه الغرب بنا مقبول مالم يكن له قبول فكري عندنا… الإرهاب والتطرف متجذر في ثقافتنا وممارساتنا الاجتماعية واليومية قبل أن يأتينا من الآخرين. وهنا تكمن المشكلة فلو لم تكن له بيئة اجتماعية حاضنة عندنا لما استشرى بهذه الطريقة وبهذه السرعة.. الإرهاب فكر قبل أن يكون عمل وممارسة.
وبدوره علق د. علي الحارثي بقوله: أمريكا حاربت الاتحاد السوفيتي بكل الوسائل حتى أسقطته وهي تفعل ذلك مع الجميع حسب معطيات كل أمة وثقافتها واقتصادها، وليس ما ذكرت شعور وهمي أو ركون لشماعة مقولة المؤامرة، بل قولهم وفعلهم وسياستهم وعداوتهم لكل ما هو إسلامي وعربي وخاصة منطقتنا العربية التي هي مركز الإسلام والديانات الأخرى. كل ما فعلوه وبالذات بعد ١١ سبتمبر كان عداءً سافراً ورغبة جامحة متعمده لتمزيقنا وشرذمتنا. خروج داعش بسرعة صاروخية وهروب جيشي العراق وسوريا وترك كل أسلحتهم الثقيلة قبل الخفيفة من المدن والقرى كيف حصل وبهذا التنظيم والتسليح لو لم يكن وراءهم قوة وهل فات على الاستخبارات معرفة ما يدور إذا لم يكونوا وراءه؟ نعم عرفوا ودرسوا كيف يستغلون عواطف السذج الدينية ليجندوهم ويستخدمهم زعماء داعش المزروعين بإتقان واحتراف الاستخبارات، أضف الي ذلك الأحوال السياسية الدكتاتورية المريضة في الوطن العربي التي دفعت هؤلاء السذج وغيرهم الى الانضمام إلى هذه المنظمات المشبوهة وهم صغار سن والحديث يطول حول هذا الموضوع، لكني مؤمن بأنهم خلف كل شرورنا بأساليب شريرة مستغلين كل نقاط الضعف والسذاجة في القيادات وجهل وعواطف الشعوب.
ومن جانبه أوضح د.م. نصر الصحاف أنه من واقع تجربته في الحياة والعمل لفترات طويلة في المجتمع الأمريكي والاحتكاك المباشر مع الطبقة الأكاديمية والسياسية والاطلاع على مؤسساتهم الإعلامية فإنه يعتبر ما يشار إليه بأنه هوس على أقل تقدير لأن المخيلة الأمريكية لا تستوعب كل هذا الإدراك والتخطيط!! فهم (أي الأمريكان) وحتى على المستوى الاستخباراتي أقل بكثير مما تظهره هوليود في أفلامها التي شاهدناها وصدقناها حرفياً.. فعلى سبيل المثال إن معظم العلماء في وكالة الفضاء (ناسا) من الأجانب أي الغير أمريكيين سواء بالولادة أو بالجنسية وبعد خمس وعشرون سنة لم يختلف الوضع كثيراً! وكذلك بالنسبة للإعلام فالمسيطر الأساس في لعبته هو الدعاية والإعلانات التجارية فكل شيء يتمحور حول المردود المادي؛ فهل يعقل والحال كهذا أن نؤمن بنظرية المؤامرة المفلسة والتي هي في حد ذاتها دليل على إفلاس فكري قبل كل شيء ومهانة للإرث الثقافي المجتمعي لمفكرينا.
ولو افترضنا (مجرد افتراض) بأنها “مؤامرة” فهل نعجز عن استغلالها للرد عليهم بنفس السلاح؟ ألسنا بأحفاد خير أمة أخرجت للناس؟ فإلى متى نركن ونستسلم لهذا المنهاج والانبطاح بأنهم يخططون ويرسمون ولا نملك سوى لعب الأدوار المرسومة لنا؟ إذا كانت فعلاً مؤامرة كبرى تحاك ضدنا فقد خسرنا بمجرد أن سلمنا بذلك وانتصروا علينا. أليس هذا بكافِ للنيل منا؟
ومن جانبه أشار د. فايز الشهري إلى أن الحرب على الإرهاب بدأ مشروعا أمريكيا أخلاقيا في شعاراته ولكن سرعات ما فقد المشروعية في أول اختباراته الأخلاقية. وسبب ذلك:
- أولا: رعونة “الكاوبوي” ونقصان خبرة المخططين التابعين له في التعامل مع الخصائص الدينية والحساسيات الثقافية.
- ثانيا: تداخل الأجندات غير المعلنة التي تتكشف كل يوم عن وجه قبيح لغطرسة القوة.
ولو تفحصنا المشروع الأمريكي العسكري والأمني في أفغانستان والعراق الذي قدم بحجة محاربة الإرهاب لوجدنا أن صيحات الحرب على الإرهاب كانت في حقيقتها محاولة لإعادة رسم الخرائط الجغرافية والسياسية (التحالفات) والعرقية والدينية.
لو تأملنا لوجدنا أن البذور الأمريكية في أفغانستان لم تنبت إلا الفوضى والدمار وكيان سياسي لا تتعدى سلطته عشرة كيلومترات مربعة في كابول.
والحال في العراق يقول إن “بوش” قاد الحرب على دولة وفوجئ أنه يواجه عشرين فصيلا ثم كانت الثمرة “دولة داعش” جراء اغتيال شخصية المجتمع العراقي.
منذ عام 1990 وكل جماعات التطرف والعنف تنشأ إما برعاية أمريكية أو بسوء تقدير أمريكي أيضا. مشكلة الأمريكيين أنهم يحيون حرب العقائد ويتوقعون أن إطفائها ممكن بمجرد تكوين تحالف جوي يضرب الأرنب والثعلب معا.
إن الإرث البغيض الذي خلفته حماقات الحرب الأمريكية على الإرهاب سيكون ثقيلا على الأمريكيين قبل غيرهم.
كل القوى استعمرت شعوب المنطقة ولكن العداء (لأمريكا) أصبح دينا عند كل غاضب ومحبط نتيجة الجهل الأمريكي بحساسيات التاريخ والعقائد. مشكلة الأمريكيين أنهم بنوا عقيدة حربهم على الإرهاب بالمخادعة واللعب بالتوازنات فظهرت “حركات العنف” من شقوق الكهوف تبحث عن “شرف” الشهادة بدون بوصلة.
وهكذا فإن ثمن الإرهاب لن يدفعه سوى المتغطرس الجاهل كونه يحقق حلم من لا يملك شيئا سوى (شوق) الانتقال إلى حياة واعدة (أخرى) وهو يتبرّك بحزام ناسف أو سيارة مفخخة.
- كيف يفكر الدواعش؟
في هذا الإطار، قال د. خالد الرديعان: الأسئلة التي دائما أطرحها على نفسي عندما يكون الحديث عن داعش والإرهاب هي: كيف يفكر الدواعش وهم يعلمون أن الجميع تقريبا يقف ضدهم، وما خططهم لمواجهة العالم؟ لماذا هم مستمرون في إنشاء ما يقولون إنه دولتهم مع ضعفهم الواضح عدديا وعسكريا مقارنة بسكان وجيوش الدول التي تواجههم؟ هل هم فعلا أداة في أيدي غيرهم تحركهم كيفما ومتى تشاء أم أنهم براء من كل ما يقال عنهم؟ ما الذي يجعلهم يعتقدون أنهم هم الفرقة الناجية وغيرهم هالك؟ ما الذي يدفعهم للقتال بضراوة والتنكيل بوحشية بمن يقف ضدهم دون خوف من عواقب أفعالهم؟ هل يستمدون كل ذلك من الإسلام؟ هل ما يقومون به هو الإسلام الحقيقي؟ من أين لهم هذا اليقين أن ما يفعلونه صحيح ومقبول دينيا؟
ما وجه الشبه بين الدواعش وبين الأجيال الأولى من المسلمين الذين قادوا الفتوحات الكبيرة وأسسوا الإمبراطورية الإسلامية من الصين إلى الأندلس؟ هل يعتقد الدواعش أنهم سيقومون بذات المهمة في مرحلة ما بسبب تقاعس غيرهم عن المهمة الكبيرة؟
ومن جهة أخرى، هل يحق لنا أن نلتمس لهم العذر ولو من باب “محاولة فهمهم” ثم نفتش عن مبرراتهم حيال كل ما يقومون به؟ هل فهمنا الدواعش كما ينبغي أم أننا مجرد “أعداءهم” الذين لا يريدون سماع وجهة نظرهم بل نريد القضاء عليهم بأسرع وقت ممكن؟
وأخيرا هل لو تم القضاء على الدواعش تماما هل نضمن ألا يخرج علينا غيرهم يحملون نفس رؤيتهم ثم نعيش في نفس الدوامة مرة أخرى؟
إن داعش اليوم يقدمون نسخة يعتقدون ويؤمنون إيمانا لا يخالجه شك أنها هي الإسلام الصحيح وأن غيرهم على ضلال!!
والسؤال الكبير الذي لا نريد أن نجيب عنه: أليس ما تقوم به داعش إسلام… وإذا لم يكن إسلاما فماذا نقول عنه؟ هم يصلون ويصومون ويجاهدون ويمنعون المنكرات ويحجبون النساء ويطلقون لحاهم كما نفعل تماما عدا أنهم يحزون رؤوس “المشركين” ويسبون نساء غير المسلمين ليصبحن ملك يمينهم يفعلون بهن ما يشاءون وهي أمور كانت موجودة في العصور الأولى؟ ألم نقرأ ما يشبه ذلك في تعليمنا العام طيلة العقود الماضية؟ ثم ألم نسمح لأبنائنا بالخروج إلى أفغانستان قبل ثلاثة عقود للقيام بنفس الأفعال التي تقوم بها داعش اليوم؟ ما الذي تغير ولماذا تغير؟ ألم نتناقل كرامات مجاهدي أفغانستان التي كانت حديث مجالسنا بكل إعجاب ونشوة؟ ألم تحدثنا أنفسنا بالجهاد في أفغانستان في تلك المرحلة وأبنائنا يسطرون البطولات أمام الروس “الملحدين والكفرة”؟ ما الذي تغير وكيف تغير؟ أين المشكلة؟ هل هي في الإسلام ام في الشعوب الإسلامية أم في طريقة فهمها للإسلام؟ كيف نخرج من هذه الورطة التاريخية التي أدخلتنا فيها القاعدة وداعش والنصرة والنصرات القادمة؟ هل لدينا خطة واضحة للمستقبل تتعلق بوجودنا؟ لا نتحدث عن النفط والتحول والاقتصاد نريد فقط أن نعرف هل نحن باقون وإلى متى؟
وبصفة عامة، نستطيع أن نجمل أسباب التطرف والإرهاب بما يلي:
- جمود الخطاب الديني وعدم التجديد فيه.
- شيوع الاستبداد السياسي في العالم العربي.
- استشراء الفساد بصورة غير مسبوقة.
- تردي الأوضاع الاقتصادية وشيوع البطالة والفقر.
- فقدان الأمل عند الشباب العربي من تغيير الوضع الراهن إلى وضع أفضل.
إن معالجة الأسباب أعلاه كفيلة ليس فقط في الحد من التطرف والإرهاب ولكنها كفيلة بنهوض المجتمعات من كبوتها.
أيضا يجب ألا ننسى أن من ينضوون تحت الجماعات المتطرفة والإرهابية هم من فئة الشباب غالبا ما يؤكد أننا لم نفعل شيء لهم…إنهم يرون الأفق مسدودا ويعبرون عن إحباطهم وفشل مجتمعاتهم في الانضواء في جماعات إرهابية بهدف تغيير الوضع.
- تفكيك الإرهاب في ضوء فهم مسبباته
أوضح د. محمد القويز أن الإرهاب ينشأ بسبب الغلو في الانتماء سواء كان دينيًا أم عرقياً أم مناطقياً أم مصلحياً. وبرغم أن الإرهاب في بدايته واضح المعالم معلن الأهداف، إلا أنه ما يلبث أن يزداد تعقيدا وذلك بسبب العوامل الأخرى التي تؤثر عليه أو تستغله. وأفضل مثال لذلك ما كانت تمارسه المنظمات الفلسطينية كما حدث في اختطاف طائرة الخطوط الجوية الفرنسية في عام 1976م الذي تم بالتنسيق بين الموساد وقادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتورطهم في اختطاف وزراء الأوبك عام 1975م. إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخدم هذه الأعمال الإرهابية الهدف الذي من أجله أُنشئت المنظمات الفلسطينية.
ولأن ديناميكية الإرهاب تزداد تعقيداً مع الوقت خصوصاً عندما تجد الاستخبارات العالمية لها مجالاً لتدس عملاءها أو توجه الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها من حيث تدري تلك الجماعات أو لا تدري، تصبح الرؤية ضبابية وتكثر التكهنات.
ولهذا نسمع نظريات متعارضة في تفسير الأحداث الإرهابية. وللأسف فإن الأخذ بتلك النظريات من دون جهود ذاتية لمعرفة الحقيقة قد تكلف الدول الشيء الكثير.
ولا يخفى على أحد أن منطقتنا تتعرض لموجات إرهابية متعاظمة منذ عقود، من هنا تبرز أهمية تفكيك الإرهاب إلى عناصره الأساسية. والبحث عن العوامل التي ساهمت في بروزه والعمل على أكثر من مستوى لإجهاضه أو الحد من آثاره وتقليص انتشاره.
والعناصر الأساسية التي ساهمت في بروز الإرهاب يمكن تلخيصها بالآتي:
- اختطاف الدين من قبل الجماعات المتشددة ووصم من يحاول التصدي لهم بأنه عدو للإسلام حتى وهو يستدل بالآيات والأحاديث. مما أبرز تصنيفات إقصائية في المجتمع تؤدي في النهاية إلى التخوين أو التكفير أو إليهما معاً. وللأسف لاتزال جماعات معينة تزود الإرهاب بالمدد من خلال تقمص أدوار دينية توفر لها حماية من كل معترض.
- المقاومة الكبيرة التي تواجهها المطالبات المتكررة بمراجعة شاملة للتعليم وللخطاب الديني وآلية الفتوى.
- أن الوضع السياسي في العالم العربي لم يستطع أن يرتقي بالشعوب إلى مصاف الدول المتقدمة رغم وجود الثروات، فبقيت شعوباً متخلفة تدعى دولاً نامية لتخفيف وطأة التخلف.
- كما أن العالم العربي يحتوي على بيئات مثالية لحضانة الإرهاب تتمثل في دول كاليمن والصومال وليبيا أو في مقاطعات تفتقر للحد الأدنى من التنمية كسيناء وجنوب لبنان وغزة.
- عوامل سياسية أهمها احتلال فلسطين وإرهاب الدولة الصهيونية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية كمبرر لوجودها ولما تقوم به من أعمال إرهابية. فأنصار بيت المقدس تفجر وتقتل الجنود المصريين، والحوثيون يقولون الموت لإسرائيل ولكنهم يقصفون المدن اليمنية، وداعش تتحدث عن فلسطين ولكنها تفجر المساجد، وحزب الله يتوعد إسرائيل ولكنه يقاتل السوريين.
- التدخل الأميركي العسكري وما خلفه من فراغ سياسي وأمني في أكثر من مكان.
- العمل على اجتثاث مكونات كبيرة من المجتمع (البعث في العراق) هيأ بدوره المناخ المناسب لنمو الحركات الإرهابية.
- تقاطع مصالح الجماعات الإرهابية مع مصالح دول إقليمية ودولية مما أدى إلى دور كبير لمخابرات تلك الدول في تقوية فئة على حساب أخرى مع التظاهر بمحاربة الإرهاب. أوضح دليل هو ما كانت تمارسه السي آي أيه في أفغانستان.
وبما أن الحديث الآن عن تحالف دولي ضد الإرهاب فإنه يحتاج إلى أن يعمل على أكثر من مستوى وأن لا يقتصر على الحل العسكري رغم أهميته، وإلا فإن الإرهاب سيستمر.
ما تقدم هو محصلة قراءة الواقع المرير الذي نعيشه وبما يعيش بين ظهرانينا ونرعاهم من شيوخ الفتنة، أما أن تستغل الدول والمخابرات العالمية ظاهرة الإرهاب الإسلامي وتوجهها لخدمة مصالحها فهذا يحسب لهم كما يحسب علينا، وكلما تأخرنا في الحسم زاد الأمر سوءا حتى يبلغ مداه.
سيبقى الإرهاب مادام المنابر في كل جمعة تدعوا لمجاهدي العراق والشام..
سيبقى الإرهاب مادام أن المنابر لا تدعوا على الدواعش والنصرة وأنصار بيت المقدس..
سيبقى الإرهاب مادام نصوص المواد الإسلامية في التعليم لم تبدأ بما ختم به المصطفى ﷺ عن حرمة الدم والمال والعرض بين المسلمين.
بينما ذهب أ. سمير خميس إلى أن في الأمر تبسيط مخل.. فظاهرة الإرهاب لا يمكن اختزال أسبابها في خطيب يدعو من على منبر الجمعة لمجاهدي العراق والشام. إذا فإن مجاهدي العراق والشام أصبحوا حائط الصد الأخير لمواجهة ثورة الملالي الدينية.. تماماً مثلما كان صدام يفعل.
أصبحنا نهجو الإرهاب صباح مساء، وننعته بأقذع الأوصاف وأقبحها، حتى أصبح له دولة وميليشيات وقوى عظمى ترعاه وتنبته نباتاً حسناً، ثم إذا ما استفاقت أبادت كل شيء حوله وتركته قائماً يخبط خبط عشواء.
ندين الإرهاب، ونجد من يوفر بيئاته الحاضنة بكل مهارة واحتراف. نقول ما نشاء عنه لكن لا يمكن أن نتكلم عن الإرهابيين.
أصبح الإرهاب ترس تحتمي به حكومات ضعيفة، وتخشاه أشباح مجتمعات مفككة، وورقة يساوم بها مجانين العظمة وبرلمانات الهتّيفة وإعلام بغيض..
دعونا نعترف.. الإرهاب أصبح منحة ونعمة.. بفضله، ينحر بشار شعبه، ويغير الحشد الشعبي تركيبة العراق السكانية، ومبرراً لغدر طائرات الدرون..
ولو حدث واستفاق بن لادن من لجة بحره الذي رُمي فيه لرأى أن كل أحلام خلافته لا تعدو كونها خيالات مراهقين جراء ما يحدث الآن..
إرهاب اليوم. لا علاقة له بمنهج ديني يدرسه طالب يحلم بوظيفة، ولا بمنبر جمعة يرتهن لخطابات وزارات الشؤون الإسلامية..
إرهاب اليوم.. هو جيل جديد من حروب عبثية فرضت علينا، نجاحنا في نجاتنا منه بأن ندين ونكافح وندحر الإرهابي مثلما ندين ونكافح وندحر الإرهاب.
وعلق د. محمد القويز بقوله: ليس تبسيط وإنما عودة للجذور.. نعم دخلت المخابرات والدول لتقاطع مصالحها ولكن لو لم يكن لدينا الأرضية الخصبة لما تهافت أبناؤنا على كل جبهة إرهابية.
لابد أن نلبس حذاء الشباب؛ فالشاب عندنا يسمع الدعاء لا يرتسم في مخيلته وهو يؤَمِّن بالمقاومة المعتدلة بل داعش والنصرة وأمثالهم وكما قلت الكل يدعي الحكمة بعد الحدث ولكن العبرة في دراسة الظاهرة من جميع نواحيها؛ ولعل الحل يكمن في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة فلديهم قاعدة معلومات مهمة، كما أنهم في الفترة الأخيرة تجاوزوا النصح والمواعظ إلى دراسة الظاهرة من جميع نواحيها النفسية والدينية والسياسية.
نحتاج إلى بحوث يشترك فيها باحثون اجتماعيون وأخصائيون نفسيون وباحثون إسلاميون يخرجون لنا برصد الظاهرة وأسبابها؛ فالمرض موجود ومتأصل، ولن نستطيع علاجه بالركون إلى نظرية المؤامرة، للأسف نحن هيأنا الخامة فاستغلها الأعداء.
وبصفة عامة يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
- للإرهاب رصيد في الموروث السني والشيعي نجده في كتب الحديث والتفسير وكتب التراث.
- الغلو والإرهاب وجد في كل الأديان وفي كل الأزمنة ولمن يحتاج نافذة حقيقية بغلاف روائي فعليه بعزازيل ليوسف زيدان.
- حرب أفغانستان كانت هي اللهب الذي أشعل البارود.
- علي عبدالله صالح احتضن القاعدة واستخدمهم في حرب ٩٤ ثم استخدمهم ورقة ضغط وابتزاز.
- المخابرات بلا استثناء استخدمت الإرهابيين في مخططاتها وكان المتحكم الأكبر المخابرات السورية ولكن المخابرات التركية والعراقية والإيرانية ودول أخرى دخلت بقوة.
- لايزال بين رجال الدين من يؤيد هذا الفكر تلميحا وشبه تصريح ويبشر به ويعتبره جهادا مقابل جرائم حزب الله والحشود والحرس الثوري.
- هناك عوامل محلية تضاف إلى العوامل الدينية، منها السياسي ومنها الاجتماعي ومنها الإجرامي ساهمت في إقبال شبابنا على الإرهاب.
وأضافت د. فاطمة القرني لهذه العوامل المهمة العامل الاقتصادي … وربما يتقدمها جميعا في بعض المناطق من وجهة نظرها.
أما أ. أسامة نقلي فيرى أن العامل الاقتصادي ربما يكون أحد هذه العوامل، ولكنه ليس أساسيا؛ باعتبار أن بن لادن كان ميسورا والعديد من المنتمين للتنظيم من أسر متوسطة الحال.
وأوضح د. مساعد المحيا أن الإحباط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري يظل أحد أهم وأبرز الأسباب المؤثرة في بحث الشباب عن تنظيم يحقق لهم بعض الاشباعات الانتقامية.. لكن دراسة حالة كل شاب أو نماذج منهم ستعود بنتائج ربما غير متوقعة.
وذهب د. سعد الشهراني إلى أن كل العوامل التي أثيرت في هذا النقاش صحيحة نظريا ولكن مصداقية كل عامل ودرجة تأثيره تختلف من فرد إلى آخر ومن دولة أو مجتمع إلى مجتمع آخر ومن إقليم إلى إقليم ومن مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى.
بينما قالت أ. ليلى الشهراني: في نقاشاتنا عن الإرهاب دائما ما نركز على الحالة الدينية أكثر من السلوكية، في اعتقادي أن الإرهاب أعمق وأكثر تعقيدا مما نتصوره، كل ما نفعله اليوم هو البحث في الجداول وننسى الأنهار الكبيرة التي تغذيها!
يتشابه الإرهابيون في كل مكان على اختلاف درجات تدينهم ودياناتهم، يجمعهم العنف السلوكي والجنون وانعدام الضمير. ولا تجد لديهم أدنى شعور بالندم على ما يقترفونه من إجرام بل يرون أنهم على حق.
يقال إن كتب التراث لدينا ممتلئة بالنصوص التي يستسقي منها الإرهابي فكره، وهي صحيحة وخاطئة.
نعم لدينا نصوص مربكة وتحتاج تنقيح وتصحيح وتبيين، وفي ذات الوقت لدينا عقول لا تقرأ ولا تأخذ فكرها من هذه الكتب بل تبتكر لها فكرا جديدا مثل ما نراه في منهج داعش التكفيري. ومثلما ذكرت أ. كوثر الأربش، يتم ربط الدواعش بالسنة مع أن في الموروث الشيعي ما يشيب منه الرأس، وبتأمل الواقع قديما وحديثا نجد أن جرائم حركة أمل، أو حزب الله، أو الحشد الشعبي، أو الحوثي، وغيرها من المليشيات الشيعية يفوق بكثير ما نراه من داعش اليوم، لكن ربطها بالسنة وبالسعودية تحديدا يثير أسئلة تعجب كثيرة.
هل الهدف من ذلك إبقاء السعودية في دائرة الشعور بالذنب لتلتصق بها هولوكوست الحادي عشر من سبتمبر وتظل تدفع فاتورة إرهابا لا ذنب لها به لمجرد أن من نفذها أغلبهم سعوديون!!
قرأت تعليقا للمؤرخ جيمس أكستل يتحدث فيه عن حروب الإبادة التي فعلها أجداده في السكان الأصليون في أمريكا يقول فيه: “إننا نسيء إلى أحكامنا التاريخية حين يتملكنا وخز الضمير تجاه الذنوب الحقيقية أو الخيالية التي ارتكبها آباؤنا وأجدادنا. يجب أن نضع حدا لجلد أنفسنا بأصولنا الإمبريالية، وتشويه صورتنا بريشة القطران السوداء، قطران الإبادة، إننا أمة عظيمة ذات قوانين ونظام وحساسية مفرطة ولسنا مذنبين بقتل نساء اليهود وأطفالهم أو بوسم العبيد في جباهم أو باغتصاب أي أرض في العالم”.
وربما هذه النظرة المتعالية هي من جعلت من جرائم أمريكا في العالم مجرد تدخل من الأمة العظيمة لإنقاذ البلدان وهي في الحقيقة إرهاب واحتلال. وبسبب هذه التدخلات أصبحت بعض البلدان تربة خصبة لاستنبات فوضى الإرهاب وتصديره.
في المواجهات بين المحتل الإسرائيلي والمقاوم الفلسطيني نجد أن الصهيوني لا يتردد عن قتل الصغار أو النساء أو الشيوخ والتنكيل بهم وحرق المنازل بمن فيها! بينما تجد صاحب الحق والقضية والمقهور يترفع عن القتال بالمثل.
إذا ليس للقهر أو الجانب الاقتصادي أو حتى الديني علاقة مباشرة في مسألة الإرهاب.
إننا بحاجة لتوسيع الدائرة أكثر فلا نكتفي فقط بالحالة الدينية للإرهابي، بل سلوكياته وأخلاقه وبيئته وتفكيره، لا تكفي أن يكون لديك لجنة مناصحة في السجون من دعاة أو رجال علم فقط، بل يجب أن يكون في كل مدرسة وكل جامعة طبيب نفسي وأخصائي اجتماعي، لدراسة هذه الظاهرة المقلقة، فلا يعقل أن تجد شاب في العشرينات منخرطا في جرائم وعصابات عابرة للحدود، وكأنه مسلوب الإرادة والعقل، وعلاج الغصون وتعديلها أفضل من علاج الشجرة عندما تتخشب وتصبح أكثر صلابة ولا يقومها إلا قطعها.
وقالت أ. فايزة الحربي: لقد ضلل الإرهاب على العالم في مساعيه وأهدافه، من المستفيد ومن المتضرر من العمليات الإرهابية.
تحديات صنعتها المنظمات الإرهابية في السابق والتي ادعت أنها إسلامية وهدفها واضح لا غبار عليه، الكفار أينما كانوا ورغم أن بينهم أبرياء لكن الضرر بالعموم واضح لبلاد غير المسلمين ولمن أعتقد الإرهابيون أنهم ينتهكون حرمات الإسلام داخل بلاد المسلمين.
أما المنظمات الإرهابية الحديثة قلبت الطاولة فمن المتضرر من هذه العمليات الإرهابية ومن المستفيد وأين الهدف؟
لم يعد الكافر الهدف بل أصبح المسلم المصلي البريء هو المستهدف بالدرجة الأولى آبائنا وأبنائنا. كثير من الأوراق تحتاج إلى إعادة ترتيب واستيعاب أكبر، إضافة إلى أهمية التركيز على بناء جيل وأفراد أقوياء جسديا ونفسيا وإعلاميا وعلميا وذهنيا لابد أن يتسلحون بوعي تام لما يحاك بهم وبوطنهم ودينهم؛ ما ينقصنا اللحمة والاتحاد لمواجهة أعداء الداخل والخارج؛ اللحمة على مستوى الأفراد والمجتمع أو على مستوى العرب والمسلمين بوجه عام.
بينما قالت أ. كوثر الأربش أننا نستغرق أعمارنا في بحث أسباب الإرهاب، فيما هو يحقق مكتسباته كل يوم. ونخطئ الطريق حين نغرق أكثر في الموروث ونترك المحرك الرئيسي، أعني إذا كان الموروث طالته شوائب مهدت للإرهاب. فهو لا يعدو كونه بارود قابل للاشتعال. السؤال: من الذي أوقده؟
سؤال بهذا الحجم يحتاج لاطلاع كاف على التاريخ ومجريات السياسة.
دعنا نضع احتمالات:
إذا كانت دول الخليج من أشعل فتيل الإرهاب، لماذا إذا تكون هي المستهدف الأول؟ لماذا يصور عناصر داعش ضحاياهم وبجوارها كتب لابن تيمية؟
بالنسبة لي أجد أن أمريكا وإيران أكثر المتهمين استفادة من الإرهاب. مع اختلاف أهداف الجهتين، أمريكا تريد استبدال الخليج بإيران، إيران تريد السيادة. أعرف أننا سنتهم بفوبيا إيران. ولكني لا أجد جوابا أكثر معقولية من هذا.
لماذا لا يستهدف الإرهاب إيران؟ لماذا الاصرار على تشويه الموروث الإسلامي السني؟
أنا لا أقول إن الموروث منزه عن الدس، لكن أقولها جازمة، وبدون شك، أن كل الأسس العقائدية والفقهية التي قامت عليها داعش، لها نسخة طبق الأصل في الموروث الشيعي: قتل المرتد، التحريق، السبي، استباحة أموال وأعراض الخصم وغيرها.. فلماذا كان التركيز عليها في الموروث السني، فيما ينفذ الآخر بجلده؟
لا أريد أن يكون كلامي هنا مجرد تخمينات، لكنني لا أجد بدا من قول ذلك. لأنه لا يوجد بديل منطقي.
الإرهاب صنيعة أمريكية إيرانية وتم استغلال الموروث السني كقالب لمبادئه ومنطلقاته.
وأشار د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته إلى أن قضية الإرهاب هي قضية اعتقد أن بلادنا من أشد البلدان التي اكتوت بنار الإرهاب، ولاشك أن نشؤ الإرهاب أو حتى حدوثه وقتيا في أي مجتمع أن له أسبابه التي وجدت أرضا خصبة بدءا من أول بذره وحتى قطف الثمار ، والسؤال هنا كيف ولماذا نشأ شيء من الإرهاب في المملكة العربية السعودية؟ السعوديون لم يعتاد لا أجدادهم ولا حتى آبائهم قبل ثلاث عقود من الزمن وبلاشك قبل ذلك بكثير على ذكر مصطلح (إرهاب) وكأنها مفردة ليست في القاموس العربي.
فلماذا منذ عقدين من الزمن بدأ يدب في بلادنا ذكر هذا المصطلح، بل أضحى واقع الحدوث؟
السؤال الثاني ماذا حدث حتى أصبحنا نصبح على وقوع انفجار ونمسي أحيانا على انفجار آخر، بل الأخطر من هذا وذاك أننا صرنا نشاهد أبشع الجرائم الإنسانية، أب ينحر ابنه، وابن يقتل أمه، وشخص يقتل ابن عمه رميا بالرصاص، والقائمة تطول من الأقارب إلى الزملاء إلى الأصدقاء، لاحول ولا قوة إلا بالله.
من هنا يكون التساؤل: هل المناهج الدراسية سببا، جوابي هنا أنها ليست سببا، نحن جيل درسنا مناهج دينية وأدبية ربما أشد من ذلك ولم نكن قتلة أو حاقدين، أم هل لدينا نقص أو قصور في البحوث والدراسات الدينية أو الاجتماعية أو الإعلامية، جوابي أن مكتباتنا الجامعية والوطنية والتجارية تزخر ولله الحمد بالكثير من الدراسات الأكاديمية والمؤلفات التي تغطي كل مناحي الحياة.
إن من الأسباب الرئيسة حول تفشي ظاهرة الإجرام لدينا بكافة أنواعه ولا نقول الإرهاب، لأن تعريف الإرهاب مرتبط بعمل غالبا ما يكون منظما تنظيما واضح الأبعاد، وإن كان تنظيم داعش والقاعدة من قبله ذو تأثير على فئة الشباب أو الفتيات لدينا ولكن لا أعتقد أن الإرهاب بمفهومه قد دب في بلادنا أو وصل إلى مرحلة التغلغل.
ولهذا فإن من الأسباب المؤثرة على نشؤ الإجرام بطريقته الحالية هو بسبب نشؤ الفراغ الكبير بين أوساط الشباب والفتيات، كما أن حرمان الشباب والفتيات من توافر أندية ترفيهية بمواصفات عالمية، إضافة إلى حرمانهم من تحقيق رغباتهم الدراسية وإلزامهم بالالتحاق في تخصصات لا تحقق رغباتهم، كل هذا وذاك أوجد وبطبيعة الحال احتقان للجيل الحالي.
وهناك أسباب أخرى تجعل من بعض الشباب والفتيات نماذج تحمل أفكار معادية للوطن، فحينما تفتقر الخطب الدينية والاجتماعية إلى المنهج القويم لغرس تربية مؤملة تجاه نشء يؤمل منه بناء الوطن لا هدمه، أيضا عندما نلحظ أن مستوى التأهيل العلمي والتدريبي للمعلم والمعلمة متدن فإنه بلاشك لن يكون من ذلك منفعة لنقل ما هو مؤمل إلى هذا الجيل.
ومن المهم حصر قضايا الإجرام أو ما يسمى بالإرهاب والسعي إلى النيل من علاجهما بشيء من المنطق بدءا من الاعتراف من الأخطاء وانتهاء بالوصول إلى ما يسهم في علاج وطني متكامل.
وذهب د. محمد الصبان إلى أن البحث عن أسباب الإرهاب أصبح شغلنا الشاغل منذ سنوات ولا زلنا نجهلها وحتى من كتب فيها وعنها لا زال يدور في حلقة مفرغة. هدف معظم هذه الأبحاث أبعاد التهمة عنًا، وعن مدارسنا وجامعاتنا وأن الإرهاب مستورد وغريب عنًا.
وأضاف: لست مختصا في هذا المجال، لكن حينما يمر علّي كتابا أو بحثا في هذا المجال من ضمن قراءاتي العامة أفترض ضمنا اعتماده على نفس الهدف ويستعرض نفس الأسباب ويختتم بنفس النتائج. لا نرى إبداعا في النتائج ولا في نقاش الحلول أو الإتيان بحلول غير تقليدية. وإذا كان الأمر كذلك، فلم لا نطوي هذه الصفحات المكررة ونركز على بعض المعالجات ونؤسس لفكر ديني يقوم على التسامح والاحتواء والتعايش، فلو عززنا هذ الفكر، فإننا قد نخرج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه.
المحور الثاني
معضلة الإنتاجية في الاقتصاد السعودي
الورقة الرئيسة: د. محمد سالم الصبان
يمثل ضعف الإنتاجية أحد الأسباب الرئيسية في محدودية تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، ولا يسبقها في الترتيب إلا انعدام الرؤيا الواضحة لما نود أن يكون عليه اقتصادنا السعودي في السنوات القادمة. والاثنان قد أثرا ويؤثران في بعضهما بشكل كبير. فقد ساهم عدم وجود رؤية واضحة وأهداف رقمية وزمنية محددة في تجاهل الاهتمام بالإنتاجية، ولم تصبح محور قياس الأداء للأجهزة الحكومية.
ولو أردنا تلخيص مسببات استمرار معضلة الإنتاجية في اقتصادنا السعودي لوجدنا أنها تتلخص في التالي:
- أولا: أن بدايات اقتصادنا السعودي وما ترسخ في الأذهان أننا اقتصاد ريعي لا يتطلب بذل مجهود كبير لتوفير مستوى معيشة مرضي. فاعتمادنا كان وما يزال إلى حد كبير على ما ننتجه من المورد الطبيعي الرئيسي وهو النفط وانتظار حجم إيراداتنا منه لكي نحدد ميزانيتنا السنوية دون الاهتمام بتنمية مصادر دخل أخرى. ولذلك فقد مر الانفاق الحكومي بتقلبات مرتبطة بشكل كبير بما حدث ويحدث عالميا في أسعار النفط.
- ثانيا: تم التأثير علينا محليا ودوليا بأن العالم سوف يستمر في اعتماده على النفط إلى ما لانهاية، وأن أسعاره المرتفعة ستكون معنا باستمرار حتى لو تعرضت لهزة بين حين وآخر فإنها مؤقتة ما تلبث أن تعود أعلى من سابقتها. ولذلك اتجهنا إلى الاقتراض في فترات الشدة ليقيننا أن فترات الرخاء عائدة وتمكننا من تسديد كل ديون فترات الشدة.
- ثالثا: وفي ظل هذه الظروف النفسية والإحساس الداخلي بكوننا في رخاء دائم، فقد دفعنا ذلك إلى عدم الاهتمام بمسألة الإنتاجية وزيادتها، فالمحرك الأساسي لتنميتنا لا ارتباط له بها سواء زادت إنتاجيتنا أم لم تزد.
- رابعا: وفي ظل عدم أولوية قياس الإنتاجية في حياتنا، وبالتالي عدم حاجتنا إلى الابتكار والابداع، فقد أهملنا جانب تطوير الفرد السعودي في التنمية وركزنا على التنمية الإسمنتية. ومرت بنا فترات نجد فيها مباني ومنشآت جميلة وبديعة، لكنها تعاني داخلها من فراغ فكري وعدم تواجد الكفاءات الوطنية لإدارات هذه المنشآت مما حدا بنا إلى الاستعانة بالعمالة الوافدة، أما السعودي فتتلخص مهمته في الأمر على هذا الأجنبي بأن يفعل كذا وكذا ويحسب له في نهاية المطاف. وحتى بعد أن تدربت الكفاءات الوافدة لدينا وأصبحت جزءا أساسيا من تنميتنا، تم الاستغناء عنها لسبب أو لآخر ولم نقم بأي جهد لتوطينها.
- خامسا: ونتيجة لضعف مخرجات التعليم لدينا بسبب عدم اعتباره أولوية مطلقة في تنميتنا، فقد أصبحت الأجهزة الحكومية ملجأ للوظائف، حتى تضخمت وأصيبت بداء ما يعرف ب “البطالة المقنعة”، وأصبحت تعيق العمل الحكومي بدلا من أن تدفعه إلى الأمام. وأصبحت الحكومة توظف ما لا يقل عن ٦٥٪ من إجمالي العمالة السعودية. وحتى خريجو معاهد التدريب قد فضلوا الوظيفة الحكومية المكتبية على العمل الفني الواجب عليهم القيام به.
- سادسا: غابت المحاسبة والمساءلة عن الأجهزة الحكومية في ظل الإحساس الوهمي ببقاء العصر الذهبي للإيرادات النفطية ما حيينا، وبالتالي استدامة الدخل القومي المرتفع، ومستوى معيشتنا. وأن ما يتم فقدانه بسبب سوء الإدارة أو الفساد سيتم تعويضه من الدخول المتزايدة للمملكة في الفترة القادمة. وأصبح هم بعض المتنفذين وبعض المسئولين هو كيفية زيادة بناء ثرواتهم الشخصية بأي طريقة كانت. فكان هذا الهدف مثار تنافس شديد بين فئة من المجتمع، وأدى إلى هدر مئات البلايين من الريالات بلا حساب ولا مساءلة. فتضخمت أرقام المشروعات وزادت أعداد ما لا يلزم منها للاقتصاد وتقادمت آلات ومعدات لم تتم الاستفادة منها إطلاقا.
- سابعا: في ظل تبدل سلم الأوليات، أصبحت الإنتاجية وقياسها والمحاسبة عليها في أدنى سلم الأولويات. وحتى لو تمت إثارة موضوعها بين الحين والآخر نجد اهتماما وقتيا بها ونبدأ في وضع معايير لا تطبق، وتشكيل لجان لا تعمل، وتسجيل أرقام وهمية لمستويات مرتفعة للإنتاجية ليس لها وجود.
- ثامنا: دفعنا رغد العيش واليقين باستمراره، إلى عدم توطين بعض الصناعات واستمرت المملكة في استيراد معظم احتياجاتها. وحتى حينما اخترعنا فكرة “التوازن الاقتصادي” لم نستفد منها ودخلت دهاليزنا المعتادة في البيروقراطية والفساد.
وهذا لا يبرر ما قام ويقوم به القطاع الخاص فهو جزء من هذا المجتمع، ولولا حافز الربح الشخصي لما كان أفضل أداء وإنتاجية من القطاع الحكومي:
- أولا: في ظل بداية الاعتماد على النفط، نشأ القطاع الخاص طفيليا على ما ينثره له القطاع الحكومي من مشروعات هنا أو هناك. فانتعش قطاع المقاولات تبعا لذلك وبشكل كبير وعلى حساب القطاعات الإنتاجية التي تواجدت في بعض القطاعات مثل الصناعة والزراعة والخدمات المالية وبشكل خجول.
- ثانيا: أصبح هنالك ارتباط وثيق بين أداء وانتعاش القطاع الخاص وبين دورات سوق النفط العالمية، نظرا لارتباطه بمستويات الانفاق الحكومي المعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية. ودخل القطاع الخاص في دوامة الفساد تأثرا بما يجري في بعض القطاعات الحكومية، من أجل تسيير أموره.
- ثالثا: اعتمد القطاع الخاص أيضا على العمالة الأجنبية لضعف مخرجات التعليم والتدريب للسعوديين، وعدم التزامهم في الأغلب بمبادئ العمل. وحتى حينما تم فرض سَعوَدَة الوظائف في القطاع الخاص تم انتقال ” البطالة المقنعة” إليه، وأصبح السعودي موظفا في هذا القطاع دون وظيفة حقيقية أسعدت الكثيرين منهم طالما يقبض راتبه في نهاية الشهر. وهو الأمر الذي ساهم في تراكم ضعف الإنتاجية.
في ظل كل هذه الأمور، وهذا الأداء وهذا التفكير لا يمكن التوقع بالارتقاء بمستويات الإنتاجية في اقتصادنا السعودي إلا لو تمت معالجة الأسباب التي أدت إلى ترعرعها.
وأزعم بتفاؤل حذر، أن مسيرة التحول الوطني التي نتحدث عنها هذه الأيام وما تخطط له من إصلاحات اقتصادية جوهرية تتركز في القضاء على الفساد والمحاسبة والمساءلة وإعادة هيكلة الأجهزة الحكومية في ظل رؤية اقتصادية واضحة، ستغير من مسارنا متهالك الإنتاجية إلى اقتصاد منتج بإذن الله.
وهنالك العديد من الاقتراحات التي يمكن أن تساهم في رفع مستوى الإنتاجية والقضاء على معضلتها، والتي اترك المجال لمختلف الآراء التي ستطرح هنا لمناقشتها، وتكون بإذن الله نواة لطريق يضع اقتصادنا على المسار الصحيح ويحوله من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.
التعقيب الأول: أ. عدنان المرشد
تتنافس دول العالم في قدرتها على خلق معرفة جديدة أو تطوير معرفة قائمة تمكن الدولة من تحويل مخرجاتها لمنتجات تجارية تعود على الاقتصاد الوطني بمبالغ طائلة إضافة لخلق صناعات تساعد في حل تحديات وطنية مختلفة.
معضلة الإنتاجية في الاقتصاد السعودي هي معضلة استراتيجية وطنية لخلق نظام ايكولوجي فعال يسخر قدراته المختلفة لبناء صناعات مختلفة تنافس دول العالم المنتجة، والتي تتنافس فيما بينها لجعل نظامها الايكولوجي أفضل من منافسيها.
يعتبر مؤشر الابداع العالمي دليل على نجاح تلك الدول في سد الفجوة الأولي لهدف خلق الصناعات المختلفة ويعبر عن نجاح تلك الدول في خلق الفرص للابتكار والابداع (Global innovation index).
تقوم الدول ببناء قدراتها الإنتاجية من خلال:
- أولا: حل المشاكل المحلية بقدرات محلية (التعاون بين شركات القطاع الخاص والدولة ممثلة بالوزارات والجامعات والمراكز البحثية). بحيث تقوم الدولة بالاستثمار الجريء في بحوث يكون مخرجها النهائي صناعات كبيرة.
- ثانيا: شراء شركات عالمية ونقل معرفتها وعوائدها المالية للدولة وبناء قدرات محلية حول تلك المعرفة والتوسع فيها، وهذا ما تقوم به الشركات العالمية الكبرى والصناديق السيادية.
- ثالثا: استقطاب المعرفة من شركات عالمية من خلال تهيئة المناخ الاستثماري لتلك الشركات للاستثمار في السوق المحلي ثم نقل المعرفة منها وبناء صناعات محلية في نفس المجال. مثال ذلك الصين التي تمكنت من جلب شركات الاتصالات الأمريكية كشركة Cisco وبناء شركات صينية تنافس الشركات الأمريكية الآن وتتقدم عليها في بعض المجالات كشركة Hawaui وZTE.
إن عدم ملائمة الاستراتيجية الوطنية للواقع المحلي وإمكاناته جعل منها استراتيجية صعبة التحقيق وأخرت المملكة في تحقيق أهدافها لسنوات عديد للانتقال من كونها دولة مستهلكة إلى دولة منتجة في مختلف الصناعات.
يجب أن تنتظم جهود التحول في المملكة من خلال توجيه كافة الطاقات والقدرات والمميزات المحلية للنجاح في خلق قطاعات تتسم بمناسبتها لقدرات المملكة ثم اعتماد الأساليب الآنف ذكرها وبناء البنية التحتية والأنظمة والإجراءات للاستدامة.
لبناء القدرات الإنتاجية لابد من:
- الاستراتيجية: تحديد القطاعات الأنسب واعتماد استراتيجية مختلفة لكل قطاع يراعى فيها وضعنا الحالي ثم الهدف المأمول وما يلزمنا لسد الفجوة ومراقبة الأداء.
- التحفيز: لابد أن تحفز الشركات المحلية التي لم تعتد الاستثمار في البحث والتطوير من خلال مشاركة حكومية تضمن نسب عوائد مجزية حال النجاح وتحملها لنسبة جيدة من الخسائر في حال الفشل.
- التدريب: يجب تدريب الأفراد على الصناعات البسيطة لتتكون لهم المهارة في اتقان تلك الصناعة ثم التدرج للوصول إلى الصناعات الأكثر تطورا.
إن تحدي الإنتاج يعتبر معضلة لدول العالم الأول فدخول دول جديدة لها مقومات مميزة يصعب على الدول المنتجة المنافسة والاستمرارية، مثال ذلك دخول الصين في التصنيع وسحبها لأكبر المصانع العالمية بسبب رخص اليد العاملة وزيادة الأرباح لتلك الشركات.
لا يعتبر رخص اليد العاملة التحدي الوحيد بل يشكل الابداع التحدي الأكبر لتلك الصناعات وسرعة تطورها وهو ما كان جليا عندما أبعدت التقنية الجديدة لشركة Apple شركة نوكيا التي كانت تتربع على سوق الجوالات العالمي في وقت بسيط.
كان للمملكة في السنوات العشر الماضية القدرة المالية الكافية لشراء شركات عالمية ونقل معرفتها وقدراتها التصنيعية للسوق المحلي دون اعتماد أساليب أخرى تحتاج المملكة لتطبيقها وقت طويل بالإضافة لاحتمالية الفشل.
لاشك أن الوضع الراهن اقتصاديا سيشكل تحدي كبير لتحقيق منجزات ملموسة في الصناعة المحلية في المستقبل.
التعقيب الثاني: أ. مطشر المرشد
الورقة الرئيسة سلطت الضوء بشكل جيد على بعض العوامل التي أدت لضعف الإنتاجية في الاقتصاد الوطني.. وأعتقد أن استمرار الحديث حول ضعف الإنتاجية في الاقتصاد السعودي ويردد من قبل ثلاث أجيال متتالية، أي على مدى ثلاث عقود ما بين الطفرة الأولى ١٩٧٣ وبداية الطفرة الثانية ٢٠٠٤ م.. سببه الرئيس ليس الرفاهية وكون الاقتصاد يوصف بالريعي، فالكل يعلم بأن اقتصاد المملكة تعرض لانتكاسه قوية بعد منتصف الثمانينات الميلادية وتراكمت العجوزات في الموازنة وتقلص الإنفاق الحكومي إلى أدنى مستوياته، ورغم ذلك لم نتعلم من تلك المرحلة وبقيت الإنتاجية متدنية. ومن ثم دخلنا في بداية الطفرة الثانية عام ٢٠٠٤ ويقودها جيل جديد من الكفاءات السعودية المؤهلة في القطاع الخاص والتي أثبتت القدرة على الإنتاجية في عدة مجالات، لكن ورغم الامكانات المادية وتوافر القدرات البشرية لم تتمكن المملكة من رفع الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، وكذلك لم ننجح في تنويع الاقتصاد والدخل.
ما هو السبب؟
أرى أن استمرار عدم وجود خطة وطنية شاملة (Master Plan ) وبمسارات واضحة وتنفذ بشكل محكم ومنسق هو السبب الرئيس في جعل الاقتصاد الوطني غير قادر على رفع مستوى الأداء بشكل عام وبالأخص رفع مستوى الإنتاجية. وعدم وجود خطة وطنية شاملة أدى لتبعثر الجهود وعدم وضوح الرؤية وأيضا لترهل الجهاز الحكومي وانعدام التنسيق المحكم بين الوزارات، لذلك تكبدت المملكة مصاريف ضخمة وأهدرت الجهود دون أن يتم إحراز أي تقدم بما يخص الإنتاجية وتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل. أضف إلى ذلك أدى سوء إدارة الأصول والتدفقات النقدية من قبل وزارة المالية والفريق الاقتصادي الأوحد إلى انعدام فرص نشوء قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة ( قطاع الإنتاجية ) وأيضا ضياع الفرص المتتالية لشراء أصول عالميه تساعد على رفع الإنتاجية ونقل التقنية والمعرفة ..وبسبب ضعف إدارة التدفقات النقدية على مستوى الاقتصاد الوطني أصبح لدينا عدد قليل من الكيانات القطرية العملاقة وهي عبارة عن بضعة شركات مقاولات قادرة على الاستمرار أطول مدة دون الحصول على دفعات مالية ومستحقات ، واستطاعت تلك الكيانات القطرية بشكل أو آخر أن تسيطر على عقود المشاريع الحكومية وعلى كافة الأنشطة الاقتصادية. وبذلك أصبح لدينا وسطاء ومقاولون في أغلب الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالإنفاق الحكومي سواء كان الاقتصاد منتعش أو يمر بحالة ركود وكساد.. وهناك من يرى بأن هذا الوضع أدى لتفشي الفساد وانعدام القدرات الإنتاجية والإبداعية في الاقتصاد الوطني، علما أن الإنتاجية والقدرات الإبداعية في كل اقتصادات العالم هي عبارة عن مبادرات يطلقها قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي بطبيعة الحال لا تستطيع أن تصمد أمام تأخير التدفقات النقدية واستلام مستحقاتها لعدة أشهر..
وللأسف رغم الإعلان عن الخطط الوطنية الطموحة المرتبطة ببرنامج التحول الوطني، أرى أننا لا نزال ندور في نفس الحلقة ولايزال هناك تنافس وتناحر بين بضعة جهات حكومية للسيطرة على القرارات الاقتصادية، وأيضا لم يتم التطرق لخطة وطنية شاملة تندرج تحتها مسارات أهداف برنامج التحول الوطني، والأخطر أن التخبط والضعف بما يخص إدارة التدفقات النقدية وكيفية تمويل العجوزات لا يزال مستمرا وأصبح حديث العالم، خاصة وأن خطوات الاقتراض المعلنة حتى الآن مرتبكة وغير واضحة. مما يدفعنا لطرح عدة أسئلة منها التالي:
بعد تراكم الفوائض المالية ما بين ٢٠٠٩ و٢٠٠١٤ وضياع فرص عديدة تساعد على تنويع الاقتصاد والدخل وتؤدي إلى رفع الإنتاجية، هل سنتمكن من رفع الإنتاجية وتجنب كارثة اقتصادية بنفس الذهنية وبإدارة نفس الفريق الاقتصادي؟
المداخلات حول قضية: (معضلة الإنتاجية في الاقتصاد السعودي)
- أسباب انخفاض إنتاجية الاقتصاد السعودي
أوضح د. سعد الشهراني أن السبب الرئيس – مع أسباب أخرى – في الانخفاض الرهيب في الإنتاجية؛ يعود إلى أن خطط التنمية (ان جاز تسميتها تنمية!) كانت منحازة إلى الرفاه العام على حساب الإنتاج وحتى في جانب الرفاه ظهر لنا اشكالات حقيقية (أهمها الفقر والبطالة والاسكان).
إن الانحياز للرفاه يتمثل في عدم الربط بين الأجور والإنتاجية مما جعل معظم (وليس كل) الموظفين والعمال والمواطنين السعوديين يحصلون على دخول ومستوى حياة لا علاقة له بإنتاجيتهم وتم: القضاء على أية طبقة عمالية منتجة (وقد كان هناك طبقة بهذا المعنى في اقتصادنا التقليدي وكان اقتصاد كفاف).
وبدلا من طبقة عاملة منتجة فقد نشأ طبقتين طفيلتين تمكنتا من زيادة دخولهما بالرغم من الانخفاض الكبير في الإنتاجية وهما: طبقة عمالية غير منتجة وطبقة رجال أعمال وقطاع خاص لا يوظف السعوديين ولا يدفع ضرائب تتناسب مع دخله بل قد لا يعيد ما اقترضه بشتى الذرائع.
لقد نوقشت وتناقش قضية إعادة بناء الطبقة العمالية الوطنية وهناك قليل مما يبعث على التفاؤل فها نحن مهمومون بقضايا الخدم حتى نتفرغ للرفاه و الأعمال غير المنتجة و مع ذلك نتذمر من كثرة العمالة الاجنبية و اشكالاتها!
يجب إعادة توجيه بوصلة الاقتصاد في اتجاه منتج بسياسة متعددة البرامج يكون أحد محاورها الرئيسة: ربط الأجور بإنتاجية العامل أو الموظف.
ولكن يجب أن يكون ذلك مصحوبا بل مسبوقا بسياسة إصلاحية جادة تقوم على كشف آليات وممارسات الفساد ومحاربته بجدية وتفعيل مبادئ الشفافية القصوى والمساءلة والمحاسبة في المال والممتلكات العامة ولكل مسؤول في الدولة مع القضاء على البطالة المقنعة والتسيب في الوظيفة العامة.
الموضوع ذو شجون وإذا كان في ما سبق تعميم غير موضوعي فهو للتأكيد على الأفكار فقط ولا أكثر.
وأضاف د. حمد التويجري عامل مهم يسهم من وجهة نظره في ضعف إنتاجية القوى العاملة الوطنية وهو ضعف الارتباط بين الموظف والوظيفة. ويعود ضعف الارتباط إلى عدم التوافق بين الموظف والوظيفة والناجم من أن الفرد توجه إلى تخصص في الجامعة ﻻ يتناسب مع ميوله وقدراته وبالتالي تم توجيهه بعد التخرج إلى العمل في وظيفة تتناسب مع شهادته ولكن ﻻ تتوافق مع قدراته وميوله. أو أن الموظف تم توجيهه إلى وظيفة ﻻ تتناسب مع قدراته وتخصصه الجامعي. إن عدم الارتباط سيؤدي إما إلى التسرب من الوظيفة أو العمل بإنتاجية منخفضة.
ويرى د. خالد بن دهيش أن غياب الاهتمام بالشؤون الاقتصادية بالمملكة وضياعه بين وزارتي المالية والتخطيط له تأثير كبير على الإنتاجية للقطاعات وللأفراد، فمنذ تقرر نقل الشؤون الاقتصادية من المالية إلى التخطيط منذ عشر سنوات تقريباً يلاحظ أن هناك تمسك من وزارة المالية بالاقتصاد وعدم تمكين وزارة التخطيط بالإشراف الفعلي على الشؤون الاقتصادية فأصبح ضائع بين وزارتين سنين عديدة.
هناك خطط تنموية رائعة تشتمل على برامج ومشروعات ولكن عند مناقشة الميزانية بوزارة المالية في الغالب لا تخصص المبالغ المالية اللازمة وفق متطلبات تلك الخطط والبرامج والمشروعات بل يعتمد وفق ما يراه المسؤول الأول أو الثاني بالقطاع من برامج ومشروعات من خارج الخطط المعتمدة ناهيك عن أسلوب إعداد ميزانية الدولة التي تعد على أساس البنود وليس على أساس البرامج والمشروعات التي تشتمل عليها الخطط التنموية الخمسية.
يضاف إلى ما سبق أن ميزانية الدولة تعتمد بشكل كلي على الدخل من البترول فمتى ما يتوفر المال الكافي يتم الاعتماد المالي للبرامج والمشروعات التي تتضمنها الخطط التنموية وفي حالة عدم الكفاية لا ينظر لتلك البرامج. هذه العوامل تؤثر بشكل كبير على الإنتاجية وبالتالي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لعل ما يطرح حالياً من توجهات وبرامج تؤدي إلى التحول الوطني تتغلب على هذه العوائق وفق برامج ومشروعات تتابع من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية تعتمد لها المبالغ المالية اللازمة للرفع من إنتاجية الاقتصاد السعودي.
ومن وجهة نظر أ. ندى القنيبط فإن من أسباب ضعف إنتاجية القوى العاملة الوطنية، أن منظمة العمل أو الشركة أو الوزارة لديها خطة استراتيجية تتشارك في تنفيذها بطبيعة الحال جميع الإدارات عن طريق توزيع الأهداف حسب التسلسل الهرمي للإدارة وهنا يكون الاختناق في عنق الزجاجة خاصة بين مستويات الإدارات العليا المختلفة وحينها لا يتمكن المدير من تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها من الموظف الذي هو تحت إدارته. وفي المحصلة النهائية أو عند قياس أداء الموظفين في نهاية العام يكون التقييم غير منصف لأن المهام التي قام بأدائها الموظف كانت عباره عن أوامر أو معاملات لم تكن مربوطة بقياس أداءه منذ بداية العام.
هذه المهام تمثل الأهداف التي هي في حقيقتها جزء من استراتيجية المنظمة ككل ومن ثم يسهم كل موظف بتحقيق الأهداف المنوطة به حتى نهاية العام وبالتالي تحقق المنظمة أو الشركة استراتيجيتها المعتمدة التي نراها مدونة في الكتاب السنوي للمنظمة مع شعارات الرؤية! والرسالة! والأهداف.
وذكر د. حميد المزروع أن الإنتاجية واستدامة الجودة غالبا ما ترتبط كذلك بالولاء للشركة أو ما يعرف ب Loyalty ، حيث يعتبر العاملون أنفسهم شركاء لهذه الشركة وغالبا ما تمنح لهم أسهم تتعاظم قيمتها السوقية بمدي نجاح الشركة وقدرتها علي التنافس والبقاء، في تقديري المجتمعات الخليجية لم تأهل بشكل كامل للانخراط بقطاع التصنيع ، وتعودت علي مصادر الدخل السهلة ، نتمنى أن تفتح استراتيجية التحول الاقتصادي آفاق جديدة لتوجه الشباب نحو الوظائف ذات الإنتاجية التي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني من ناحية ، وتوطين المعارف والخبرات للأجيال القادمة من ناحية أخرى.
وأوضح د. مساعد المحيا أن أحد أهم الأسباب الرئيسية في محدودية الإنتاج هو ضعف الإنتاجية وعدم وجود رؤية واضحة لما نريد أن يكون عليه اقتصادنا في السنوات القادمة. وأن تصبح محور قياس الأداء للأجهزة الحكومية. كذلك فإن طبيعة الثقافة المجتمعية لدينا أصبحت تشجع كثيرا على ضعف الأداء والتنافس في السلبية بدلا من الايجابية وهو أمر أصبح يتوارثه الجيل بعد الجيل حتى أصبحت مؤسساتنا لا تنمي في موظفيها حب الكفاءة الإنتاجية ولا تشجعهم على ذلك؛ وهذا ما يجعل تغيير اتجاهات أفراد المجتمع أمرا يتطلب الكثير من العمل الذي يقوم على مرحلية الإصلاح وربط الكفاءة الإنتاجية بمستوى الدخل.
- المعوقات الاجتماعية وانخفاض الإنتاجية
ذكر د. خالد الرديعان أن هناك بالطبع مسألة في غاية الأهمية لم ترد في الورقة الرئيسة ولم تتناولها، وهي ذات علاقة وثيقة بالإنتاجية وتحديدا ما يتعلق بالمعوقات الاجتماعية والتي تكاد أن تقف موقفا مضادا للإنتاج بمفاهيمه الحديثة؛ وهو ما يمكن توضيحه في النقاط التالية:
- أولا: اتفق مع القول إن إنتاجنا ريعي بسبب اعتمادنا الرئيسي على النفط ومداخيله. لكن ما اعترض عليه هو عدم توظيف هذه المداخيل لتغيير بعض القيم الاجتماعية المتعلقة بالإنتاج؛ فالنفط أفرز لنا طبقة اجتماعية واسعة من المنتفعين من المشاريع الحكومية والاستيراد ممن عملوا على تكريس الوضع الاجتماعي القائم بسبب مصالحهم؛ بل إن بعض التغيير الايجابي المفيد للمواطن سيضر بمصالحهم ومن هنا فقد زينوا للحكومة طيلة العقود الماضية الوضع القائم وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان.. فاستيراد العمالة الوافدة على سبيل المثال هو بنظرهم أفضل من تدريب السعوديين وتهيئتهم للعمل، واستيراد البضائع والسلع أفضل وأيسر من محاولة تصنيعها في البلد رغم فوائد الخيار الأخير على المدى الطويل.. هذه الطبقة الطفيلية متنفذة جدا وتمسك بمفاصل الاقتصاد الوطني ولها تأثير واضح في القرار الحكومي.. صحيح أن هذه الطبقة ترمي بعض الفتات على المجتمع بصورة زكاة ودعم للجمعيات الخيرية وتوظيف نسبة صغيرة من السعوديين وتقوم بجزء من المسؤولية الاجتماعية لكن كل ذلك يظل من باب ذر الرماد في العيون لكي تستمر في جني الأرباح ومن ثم تعميق المشكلة التي ستتنصل منها في النهاية وترمي بها في ملعب الحكومة.
- ثانيا: تسببت البيروقراطية الحكومية في تنامي طبقة من السماسرة والمنتفعين ممن لعبوا دورا وسيطا بين رجال الأعمال والمتنفذين في الإدارة الحكومية الأمر الذي ساهم في تفشي الفساد المالي والاداري وزيادة مصالح رجال الأعمال على حساب المواطن والمجتمع عموما. مصلحة هذه الطبقة الصغيرة هي في بقاء الوضع كما هو لأنها مستفيدة.
- ثالثا: فشل التعليم فشلا ذريعا في تكريس وزرع قيم العمل والإنتاج.. بل إن التعليم كرس كثيرا من القيم المضادة للعمل والإنتاج وأصبح مجرد وسيلة للحصول على وظيفة حكومية مكتبية أكثر من أي شيء آخر.. مخرجات التعليم تؤكد ذلك.
- رابعا: تم تهميش المرأة في العملية الإنتاجية ووضعت كل الخطط التنموية تقريبا بمعزل عن دور المرأة التي تشكل نصف المجتمع.. هذا دفعنا إلى زيادة استيراد العمالة الوافدة لعدد كبير من المهن التي يمكن للمرأة القيام بها بعد قليل من التدريب. كل ما قدم للمرأة هو تعليم لا أفق له عدا محو أمية المرأة دون أن يكون هناك خطط واضحة إلى أين يقودها التعليم. استثني من ذلك عمل المرأة في قطاعات محددة سلفا كتعليم البنات وبعض القطاع الصحي وجزء من قطاع الرعاية الاجتماعية. هناك بالطبع كوابح اجتماعية أخرى تحد من انخراط المرأة في العمل والإنتاج وهي الكوابح التي لم تعالجها الحكومة بحزمة قوانين بحجة “الخصوصية الاجتماعية” التي عطلت كثيرا من الطاقات البشرية.
- خامسا: في ظل الإنتاج الريعي سادت فكرة “الغنيمة” التي تعني الحصول على أكبر ما يمكن الحصول عليه من الحكومة دون جهد يذكر وهي فكرة جذورها ضاربة في مفهوم السلب والنهب الذي كان سائدا قبل توحيد المملكة. لسوء الحظ لا زالت هذه الفكرة أو الممارسة قائمة وإن كانت بصور مختلفة جعلت المواطن ينظر لموارد الدولة نظرة من يريد الافادة منها بأي صورة مشروعة أو غير مشروعة. الدولة بالنسبة له جسم غريب ومكتنز يريد اقتطاع جزء منه.. مشكلة هذه النظرة أنها أفرزت قيم اجتماعية ساهمت في تكريس نظرية الغنيمة لدى الجميع دون استثناء بما في ذلك المثقفين.
- سادسا: طيلة العقود الماضية ومنذ ١٩٧٠ فإن خطط التنمية المتوالية ركزت على الجانب الاقتصادي والمادي وأهملت الجانب الاجتماعي اتساقا مع فكرة أن التقدم الاقتصادي سيقود حتما لتقدم ما على المستوى الاجتماعي والثقافي. لسوء الحظ وبسبب خطط التنمية غير المدروسة فقد تعمقت الهوة بين الجانب الاقتصادي والجوانب الاجتماعية الأمر الذي نتج عنه تشوهات اجتماعية لعل أبرزها بطء عملية الإنتاج وعدم القدرة على خلق بدائل للنفط من خلال زرع قيم العمل والإنتاج.
- سابعا: وقوعنا في منطقة غير مستقرة سياسيا ورخوة فيما يتعلق بأحداث العالم والاستقطابات التي تفرزها السياسة الدولية لم يمكننا وبدرجة كافية من استغلال موارد النفط بصورة بناءة؛ فنحن ما أن نخرج من مأزق سياسي حتى نقع في مأزق آخر وأحيانا يكون مفروضا علينا. عدم استقرار المنطقة عموما على المستوى السياسي لم يتح لنا الفرصة الكافية لخلق تحول كامل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية كما فعلت دول أخرى كانت أقل منا؛ فنحن في أتون منطقة ملتهبة.
وختاما فالموارد متوفرة ولسنا أقل من غيرنا؛ فنحن نتوفر على إمكانيات النهوض وكل ما نحن بحاجة إليه هو تضافر الجهود والعمل الدؤوب للانتقال إلى مرحلة جديدة ولكن بعد معالجة المعوقات الاجتماعية.
- المرأة والمشاركة في الناتج القومي
قال د. مساعد المحيا: لماذا ينظر للمرأة التي تتولى شؤون بيتها وأسرتها وأطفالها وتقوم على تربيتهم وتعليمهم وتحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي لم ينظر لها على أنها غير منتجة في حين أن المنتجة هي امرأة تقف لتنظف الدجاج في مصنع لإنتاج الدجاج لتزداد ثروة تاجر لا يشبع.. نحن نتحدث من زاوية التاجر والرأسمالي ولا نتحدث عن المصالح المجتمعية المتحققة من عمل المرأة في منزلها..
لا ادعو أن لا تعمل المرأة خارج المنزل إطلاقا لكني أجد أن التي تصنع الرجال والنساء من خلال عملها في المنزل أكثر إنتاجية للمجتمع على نحو عام.
وأشار د. سعد الشهراني إلى أن كثير من الاقتصاديين قد انشغلوا بكيفية حساب وتقييم عمل المرأة وإنتاجيتها في بيتها ولا يزالون يجتهدون لابتكار طرقا موضوعية لإدراجه في حسابات الناتج والدخل القومي.. إن عمل المرأة في بيتها عمل منتج ومهم لأسباب أكثر من أن تحصر في الأسباب والعوامل الاقتصادية فقط.. وإذا أجهدت نفسها في عمل خارج المنزل وفي واجباتها المنزلية فقد تصل إنتاجيتها إلى ضعف إنتاجية الرجل.
وتساءل د. عبداللطيف العوين: لماذا لا يؤخذ في الحسبان دور المرآة النبيل في منزلها لكافة أعضاء أسرتها على أنه عمل منتج وله أثر بالغ في الناتج القومي. ويمكن قياسه بافتراض لو أن المرأة خرجت لعمل ما كم يمكن أن تدفع لعاملة أخرى تقوم بنفس المهام في نفس الوقت (هذا دون احتساب الأثر غير المباشر في إنتاج أفراد الأسرة).
وترى أ. ليلى الشهراني أن عمل المرأة في بيتها أو خارجه تبقى مسألة اختيارية ، ولها الحق في شغل أي وظيفة تتناسب مع مؤهلاتها وطموحاتها ، لكن من الظلم والاجحاف أن تكون خطة بديلة لإحلالها مكان الوافدين ، لأسباب كثيرة أولها تدني الرواتب وبيئة العمل ونوعه وتسلط أرباب العمل وهذا لاحظناه في الشكاوى المتكررة من العاملات في الأسواق التجارية وبعض المصانع ، الحديث عن عمل المرأة جدا مشرق ومثالي عندما يكون تنظيرا لكن مع التطبيق تتضح الرؤية الواقعية أكثر، المرأة لا تبحث فقط عن وظيفة وراتب آخر الشهر، بل تبحث عن حقوقها كامرأة عاملة تعمل بوظيفتين وليس وظيفة واحدة كالرجل.
وأضاف د. عبد الله بن صالح الحمود: بكل تأكيد إن لدى المرأة من الطاقات التي في إخراجها يثبت للجميع مدى القدرات التي وهبها الله إياها.
المشكلة تكمن في التوسع في الاستثمارات التي تحقق لنا فرص عمل لم نكن نتوقعها، ثم إن ما صدر من دراسات وبحوث حول العمل عامة للجنسين لم يحظ بالتطبيق السليم.
وقال أ. سمير خميس: أود الإشارة إلى أمرين مهمين:
- الأول: ينبغي علينا ألا نتفاءل كثيراً تجاه المستقبل الوظيفي للمرأة، فالمرأة هي نتاج طبيعي لهذا المجتمع تحكمها عاداته وتتأثر بثقافته، فمن غير المستبعد أن نجد المرأة ترفض بعض الوظائف والمهن ومرجعها في ذلك ذات الثقافة التي تجعل الرجل يرفض بعض الوظائف والمهن.
- الثاني: التأهيل العلمي والعملي لطالبي وطالبات العمل لدينا لا زال موضع شك كبير، ومتى ما كان هذا التأهيل متدنياً فسنعاني من أرباب العمل الذين لا مشكلة لديهم في تدريب الوافد أو الوافدة، لكن الصبر على أبناء الوطن وبناته مسألة فيها نظر.
إن النظر إلى المرأة كـ “يد” عاملة منتجة سيجعل لها قيمة اقتصادية مساوية للرجل، فـ”الباعث الاقتصادي” كفيل بزلزلة ذهنيات الناس وموروثاتهم الاجتماعية.
- آليات مقترحة زيادة الإنتاجية
أشار د. سعد الشهراني إلى أن أحد أهم مصادر زيادة الإنتاجية؛ هو التقدم التقني ومستويات وجودة البحث والتطوير المؤدي إلى رفع الإنتاجية بشكل عام وإنتاجية العمال أيضا، وهذا لا يبتعد كثيرا عن الصفر في الاقتصاد السعودي! فقضايانا مترابطة ويعود معظمها إلى ضعف وسوء الإدارة بمعناها الشامل والتنموي فهي تكمن خلف معظم إخفاقاتنا ومشاكلنا وقضايانا.
بينما قال م. حسام بحيري: الاحتكار أحد ألد اعداء الإنتاجية وأكبر معطل للتنمية الاقتصادية باعتقادي أنه حان الوقت أن تفرض الدولة ضرائب استثنائية لكل شركة محلية محتكرة لأي سلعة أجنبية وتفرض غرامات على الشركات الأجنبية التي تمنح وكالات حصرية (وهذا لا يتعارض مع قوانين الدول الأجنبية التي هي في الأصل تمنع الاحتكار في أسواقها منذ عقود طويلة) والبدء بفرض غرامات باهظة للشركات التي تتفق فيما بينها على سعر سلعة رئيسية. تفعيل قوانين الاحتكار أصبح أمر مطلوب؛ فلا يعقل أن يكون اقتصادنا مازال يمارس الاحتكار على الرغم من وجود عدد من القوانين المحلية التي تمنع ذلك.
في حين أوضح د. حامد الشراري أن الخدمات الإلكترونية الحكومية تسهم في رفع الإنتاجية وكفاءة الأجهزة والذي بكل تأكيد ينعكس ايجابا على الاقتصاد الوطني، ومن ذلك ما يلي:
- تطبيق الخدمات الإلكترونية تسهم في رفع الإنتاجية من خلال رضا المستفيد؛ بمعنى الخدمات والتطبيقات الإلكترونية وسيلة سريعة لقياس رضا العملاء، ورضاه هو محور أساسي تعمل الجهة على تقييم وتحسين خدماتها بناءً على التغذية الراجعة منه والذي ينعكس على إنتاجية وكفاءة الجهة.
- انتشار التطبيقات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح المواطن شريك رئيس في متابعة تقديم الخدمات وجودتها، ومراقب للأسعار – مثلا – في ظل نقص عدد المراقبين الميدانيين، وبالتالي ساهم في رفع كفاءة الجهاز أو الجهة.
- التوسع باستخدام البصمة الإلكترونية للحضور والانصراف بدل التوقيع على ورق ساعد في انضباط الموظفين بالدوام في العمل المكتبي، إلا أن مراقبة إنتاجية الموظف خلال الدوام تبقى معضلة وتحتاج إلى إجراءات إضافية أخرى. ويبقى العمل الميداني يحتاج لرقابة الذات وأداة لقياس إنتاجيته.
- تفشي ظاهرة الفساد لها تأثيرات سلبية على المجتمع وتعرقل أداء الأجهزة وتخفض إنتاجيتها. لذا فإن التحول للحكومة الإلكترونية يسهم في الحد من ظاهرة الفساد من خلال تبسيط وسرعة الإجراءات وزيادة الشفافية والحد من الواسطة وتخفيض التكاليف ورفع كفاءة الخدمة المقدمة.
المحور الثالث
إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية
الورقة الرئيسة: د. عبدالسلام الوايل
مفهوم “الطبقة الاجتماعية” مبهم ومشتت. ويرجع هذا الابهام والتشتيت لتعدد دلالاته والتصورات المختلفة لمستخدميه عن المقصود به. وعادة، يستخدم المفهوم للدلالة على مستوى الحياة، كما في الاستخدامات الأكاديمية والإعلامية عند الإشارة للطبقة الوسطى تحديداً. لكن حين الكلام عن “الطبقة العاملة”، فإن الكتابة المنضبطة تلتزم بجوهر التعريف الماركسي لمفهوم “الطبقة الاجتماعية”، والذي يربط المفهوم بالعلاقة بوسائل الإنتاج أولاً. ويتم إنتاجه وتداوله في مجتمع صناعي ثانياً. فالطبقة الاجتماعية وفق ماركس تشير إلى “الأشخاص يؤدون العمل نفسه في إطار عملية الإنتاج” (الموسوعة العربية/أديب عقل).
وحالياً وفي استقصاءات ودراسات البناء الطبقي لمجتمع ما، يعبر عن هذه الجوهر المكين بمحدد “المهنة”. وفي المجتمعات الصناعية، فإن مهنة “عامل” لها حمولات دلالية مختلفة كلياً عنها في مجتمع ليس صناعياً، كحال المجتمع السعودي، برغم تقلص الطبقة العاملة في المجتمعات الغربية بسبب العولمة وتحول البناء المهني في هذه المجتمعات أكثر باتجاه الخدمات. ومن أهم أبعاد هذا المفهوم هو وجود بعد “هوياتي” له. أي أن يحس أفراد طبقة ما بانتماء مشترك بينهم يوحدهم بشكل ما. وفي العالم الرأسمالي، تعد الاتحادات والنقابات منظمات لصون هذا البعد والمحافظة عليه. أما في الأدبيات الماركسية، فإن الإشارة لطبقة عمالية تستلزم، زيادة على موقع في أسفل التنظيم الاجتماعي لعملية الإنتاج في المصنع، وجود وعي يعبر عن رؤية هذه الطبقة.
إذا، حين نتحدث عن “طبقة عاملة” في السعودية، فنحن نشير تحديدا إلى أشخاص يعملون في المصانع كعمال. وهذه الإشارة ملتزمة بخصيصتي التعريف الجوهريتين، 1- العمل في مصنع، 2- العلاقة المهنية بالمصنع ليست علاقة ملكية “البرجوازية”. كما أنها ليست علاقة عمل في قطاعات الإدارة والهندسة وما شابه مما هو مخصص للخبراء، والذي أسماه ماركس بـ”البرجوازيتين الصغيرة و المتوسطة”. إنه أيضا عمل مباشر على الآلات والعدد لإنتاج السلع. وفق هذا المفهوم، فإن “الطبقة العاملة” في السعودية تكّونت بداية مع دخول التصنيع للسعودية. أي، مع اكتشاف النفط وبدء العمل على العدد والآلات لإنتاجه. ولو تحدثنا عن عمالة من هذا النوع، سننتهي بنسبة صغيرة جدا من قوة العمل الوطنية، فأرامكو بكل موظفيها لا تزيد عن سبعين ألف موظف، جزء منهم هم العمال. وموظفي القطاع العام ليسوا عمالاً.
ثمة منظمات صناعية وطنية متطورة، ليس لجهة التصنيع فقط بل لجهة ترتيبات الرفاه والتمكين والمداخيل الجيدة، كما في سابك والمصانع الحربية ومصانع عدة في الجبيل إضافة إلى النموذج الوطني الكبير، أرامكو، حيث يوجد عمالة سعودية تحظى بتدريب متطور وأساليب حياة كريمة. لكنها تظل قليلة جدا، نسبة لبنية سوق العمل المحلي. بكلام آخر، حجم الطبقة العاملة السعودية صغير جداً. ويرجع هذا، كما هو معروف، للسبيل التنموي الذي سلكناه مع الطفرة والذي اتخذ من الفرد الأجنبي مرتكزا لعملية الإنتاج في المصانع، فيما يوكل للسعودي العمل في القطاعات الإدارية وما شابه ذلك من أعمال. وهذا السبيل، كما اتضح بعد استخدامه لعقود، أدى لتشوه في قيم العمل لدى المواطن. تشوه أدى لـ”نبذ” كثير من المهن من التحبيذات الشخصية، و من ضمنها العمل كعامل في مصنع.
وتبرز مفارقة مهمة في هذا الشأن. فالعمالة الوطنية في الشركات العملاقة، كأرامكو وسابك، تؤدي بشكل رائع ويعتمد عليه. لكن السعودي لا يرغب العمل كعامل في قطاعات ليس لديها ما يغري، كالراتب الجيد والضمان الصحي والدعم الممنهج لتملك سكن وبناء القدرات وخلافه مما تقدمه الشركات العملاقة أعلاه.
إن إعادة تكوين الطبقة العاملة تواجه تحد عسير يتمثل في إيجاد بيئة عمل في المصانع تضمن أسلوب حياة آمن ومرفه، كما هو الحال في أرامكو وسابك. ولا ينتظر أن تقدم المصانع المملوكة للقطاع الخاص بشكل كامل شيئاً كهذا، في ظل الحقيقة المتمثلة بإمكان “جلب” عمال من الخارج بتكلفة ربما تقل عن عشر تكلفة عامل سعودي بمواصفات عمال أرامكو وسابك.
إن التعامل مع التحدي يستوجب تغييرا في بنية التشريعات لجهة فرص العمل، وهو ما تحاوله وزارة العمل جاهدة. لكني، ومن زاوية سوسيولوجية بحتة، أظن أن هذه المساعي تواجه تحدٍّ عسير بسبب تمكن الذهنية الريعية وتجذرها، بسبب النهج التنموي منذ طفرة منتصف السبعينات، وما تمليه تلك الذهنية وأساليب التفكير الناتجة عنها من تصورات سلبية عن معنى العمل كعامل في مصنع. قد يقود “التحول الوطني”، المعلن عنه مؤخراً، يقود إلى “قطيعة أبستمولوجية” مع الذهنية الريعية، تلك الذهنية التي من أبز تجلياتها فتح “بزنس” وجلب عمال من الخارج وجعلهم يعملون ويسلمون جزء من ريع عملهم لكفليهم المواطن. هذه القطيعة تستلزم عملا شاقا وطويلا في المنظومة القيمية ميكانزماته الرئيسية مؤسستي التنشئة الاجتماعية الرئيسيتين: الأسرة والتعليم إضافة إلى بيئة تشريعية ذات رؤية استراتيجية تتعدى محاولة إرضاء رغبات الرفاه القصيرة المنظور للأفراد.
التعقيب الأول: د. حمد التويجري
إن الطبقة العاملة التي تحدث عنها د. عبدالسلام هي جزء من القوى العاملة والتي تضم جميع الأفراد من ذكور وإناث، والذين هم في سن العمل سواء كانوا يعملون أو كانوا يبحثون عن عمل. وعند النظر إلى القوى العاملة السعودية، فإننا نجد أن تركيبة سوق العمل في المملكة تشمل القوى العاملة المواطنة والقوى العاملة الوافدة. وكذلك تشمل قطاعين كبيرين موظفين للعمالة، وهما القطاع العام والقطاع الخاص. وعند النظر إلى الأجور في القطاع الخاص نجد أنها تعتمد على إنتاجية العامل فقط. ونظرا لتوفر عمالة غير ماهرة وبمرتبات منخفضة في الكثير من الدول، فإن القطاع الخاص يفضل توظيف العمالة الوافدة على توظيف العمالة المواطنة غير الماهرة التي لن تقبل بالأجور المنخفضة التي تقبلها العمالة الوافدة. ولذلك فإن العمالة المواطنة غير الماهرة تفضل وتتركز في القطاع الحكومي والذي يقوم بتوظيف هذه العمالة وبكميات أعلى مما يحتاجه هذا القطاع، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية هذه العمالة في القطاع الحكومي. بينما تجد العمالة الماهرة في معظم الدول مرتبات مرتفعة في دولها وفي دول أخرى ولذلك نجد أن أجور القطاع الخاص للعمالة الماهرة مرتفعة، وأعلى منها في القطاع الحكومي ومن ثم تفضل العمالة الوطنية العمل في القطاع الخاص حيث أنها تحصل على أجور أعلى ومميزات أفضل. ويمكن القول بأن العمالة المواطنة الماهرة تتركز في القطاع الخاص بينما العمالة الوطنية غير الماهرة ومتوسطة المهارات تفضل العمل في القطاع الحكومي لأن القطاع الخاص لازال يتهرب من توظيف هذا النوع من العمالة لاسيما أنه يجد عمالة وافدة إنتاجيتها أعلى من إنتاجية العمالة المواطنة وبمرتبات أقل. ولذلك فشلت جميع السياسات الحكومية التي هدفت إلى إلزام القطاع الخاص برفع نسبة العمالة المواطنة التي تعمل في هذا القطاع وإن كنت أتمنى أن تتحسن إنتاجية الأيدي العاملة المواطنة وكذلك مستوى توظيفها في القطاع الخاص مع تطبيق برنامج التحول الوطني.
التعقيب الثاني: أ.د. صالح المانع
تحرص معظم الدول على تشكيل طبقة وسطى عريضة مما يسمى بذوي الياقات البيضاء ذو الدخول العالية في مقابل الطبقة العاملة من ذوي الدخول المتدنية. وخلال العقود الأربعة الماضية نجحت المملكة ودوّل الخليج العربية في تشكيل طبقة وسطى عريضة تصل إلى عدة ملايين. ويفخر بعض أبناء المهاجرين من العرب والهنود في دول الخليج بانتمائهم إلى هذه الطبقة. فالفرق بين الطبقة الوسطى والطبقة العاملة هو مستوى دخول الأفراد المنتمين إليها. فالطبقة الوسطى هي عماد الاستقرار في الدول وتفخر هذه الدول بوجود مثل هذه الطبقة العريضة. على العكس من ذلك بعض الدول العربية المكتظة بالسكان والفقيرة، فالعمل فيها امتياز لا يحصل عليه إلا القليل من أبنائها فغالبية شعوبها فقيرة مهمشة. ولا شك أن التعليم هو أساس بناء الطبقة الوسطى والغنية فهو ينتشل أسر بأكملها من طبقة إلى طبقة أخرى أعلى منها، فالهدف الأساسي للدول يجب ألا يرتكز على تشكيل طبقة عمالية ذات دخول متدنية، بل الحرص على تقوية ساعد الطبقات المتوسطة وستظل هناك على الدوام طبقات أدنى عاملة ذات دخول بسيطة ولكن ذلك لا يمكن أساسا لبناء سياسات عامة لمجتمعات متطورة.
المداخلات حول قضية: (إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية)
- مفهوم الطبقة العاملة: رؤية نقدية
يرى د. خالد الرديعان أن طبقة العمال السعوديين واسعة ولا يجوز قصرها على من يعملون في مصانع فقط كما في مثال أرامكو أو سابك أو المصانع الحربية.
ففي تعريف المنظمة الصناعية الواسع فإنها تشير إلى كل منظمة ربحية؛ سواء كانت مصنعا به آلات أو مدرسة أهلية أو مؤسسة صغيرة يقوم موظفوها بأعمال كتابية ومحاسبية … الخ.
وبالتالي فإن معظم من يعملون في القطاع الخاص السعودي وهو قطاع ربحي يعدون عمالا working class بصرف النظر عن التعريف الماركسي الذي حصر هذه الطبقة بمن يعملون بجهدهم البدني. هذا يعني أن جميع صغار الموظفين ممن يمكن تصنيفهم “بذوي الياقات الزرقاء” هم عمال بالمعنى الذي تضمنته الورقة الرئيسة.
هذه الطبقة تعاني كثيرا رغم وجود قوانين وزارة العمل وتشريعاتها التي يراد منها حماية العمال. موظفوا البنوك على سبيل المثال يعانون الأمرين فهم معرضون للتسريح في أي وقت وقس على ذلك الموظفون في عدد كبير من المؤسسات الخاصة، وفوق ذلك فإنهم يعملون ساعات أطول من المقرر مهما قيل غير ذلك بل ويتعرضون لصنوف الإهانة والتهميش من قبل أرباب العمل دون وجود نقابات أو اتحادات تحميهم أو تدافع عنهم. ومن ثم هناك ضرورة لتوسيع قاعدة المنضوين تحت “طبقة العمال” لتشمل جميع العاملين في القطاع الخاص باستثناء المدراء والتنفيذيين.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض التقسيمات الشائعة للطبقات الاجتماعية ومنها التقسيمات الثلاثة التالية:
- التقسيم الأول:
- Upper class
- Upper middle class
- lower middle class
- Working class
- Underclass
- التقسيم الثاني:
- Upper middle class
- Lower middle class
- Working class
- Lower class
- التقسيم الثالث:
- Landlords and aristocratic
- Middle class
- Working class
وهناك بالطبع مفهوم آخر غير الطبقة يتم تداوله على نطاق واسع وهو المكانة status وهو تقسيم اجتماعي في المقام الأول في حين أن class مفهوم اقتصادي. والمكانة ليس لها علاقة بالدخل فقد نجد من له مكانة اجتماعية عالية في حين أنه يصنف طبقة وسطى اقتصاديا؛ حيث أننا نعرف شيوخ قبائل على سبيل المثال لهم مكانة عالية ونفوذ واسع لكنهم ليسوا أغنياء.. ومن ثم يصعب القول إنهم طبقة عليا بالمقاييس الاقتصادية. والتقسيم الأول للطبقات (٥ طبقات) شائع في المجتمعات الغربية ويقيسونه بشرائح الدخل السنوي. يعيبه فقط ضبابية تعريف الاندركلاس underclass فهؤلاء يضعهم بعض علماء الاجتماع ضمن الفئة التي لا دخل لها وتعيش على التأمينات الاجتماعية كالعاطلين عن العمل والمشردين.
لكن وعلى الرغم من التأكيد على ضرورة توضيح مفهوم الطبقة العاملة ولا سيما أنه مفهوم سوسيولوجي ذو خلفية ماركسية.. والاقتراح بتوسيع المفهوم ليشمل جميع العاملين في القطاع الخاص؛ إلا أن هذا المقترح قد يكون غير مفيد عمليا لوجود شريحة كبيرة من موظفي القطاع العام قد ينطبق عليهم نفس مواصفات من يعملون في القطاع الخاص كتدني الدخل وساعات العمل.
وفي جانب آخر هناك مشكلات منهجية في استخدام مفهوم “الطبقة العاملة” بمدلوله الماركسي فهو سيجرنا إلى الحديث عن مفاهيم أخرى مرتبطة به كالوعي الطبقي. وقد يكون مفهوم “القوى العاملة” أفضل صيغة للحديث عما يجري في مجتمعنا.
ومن جانبه أشار د. عبداللطيف العوين إلى أنه إذا قلنا فقط بعمالة المصانع المنتجين دون شمولية مفهوم العمل بأنه كل من يعمل وينتج عن عمله إسهام اقتصادي (كبر أو صغر) له مردود على العامل أولا وعلى المجتمع ثانيا، فإننا قد نصل إلى مؤشر يحتاج إلى دراسة، وهو ما مدى توفر العمالة الحالية وفق ذلك وما الأولويات التي يجب أن تسعى لها الخطط الاستراتيجية الوطنية من حيث توزيع القوى (قياديين، مهندسين، أطباء، أعمال، ……، عمال).
ومن خلال النظر في فترات زمنية سابقة، كان يوجد في الرياض سوق خاص يسمى بسوق العمال (فقط للسعوديين) حيث لا يسمح لغير السعودي العمل به، وكانوا يقومون بكافة أنواع المهن العمالية المنتجة.
ومن ثم فإن مناقشة إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية تكون جزء من منظور استراتيجي يرتبط بالمتغيرات الأساسية لتأسيس السوق لها، فهل لدينا دراسات تحدد حاجاتنا من المنتجات الزراعية مثلا؟ وكيف يمكن إنتاجها؟ وما الكمية التي يمكن إنتاجها؟ وكم تحتاج تلك الكمية من عمالة؟ وما أنواع مهارات تلك العمالة؟
وعلق د. عبدالسلام الوايل بأنه لا يمكن اعتبار المحاسبين و الإداريين working class أنهم فئة داخل الطبقة الوسطى الواسعة. والبعض يخصها بطبقة كاملة تسمى managerial class.
كذلك فإن الإنتاج النظري حول الطبقة الاجتماعية واسع لدرجة أن بعض مختصيها الأمريكان توصلوا لقناعة أن المجتمع الأمريكي “لا طبقي” Classless society.
إن مفهوم “الطبقة العاملة” شديد الوضوح ويمكن ضبطه. فعلا، لا يجب خلط مفهوم “الطبقة العاملة” مع كل من مفهومي “الطبقة الوسطى” و “القوى العاملة”، حيث يشير الأخير لقوى عاملة من الطبقتين.
وقال أ. خالد الحارثي: اتفق مع المنهج الذي تبناه د. عبدالسلام لعدد من الأسباب:
- أن قضية (إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية) تتعرض لمكوِّن بالذات محدد داخل الدورة الاقتصادية ودورة الإنتاج في ثنايا النسيج الاجتماعي لتأهيلها لامتلاك القدرة التفاعلية مع بقية المكونات حتى تنطبق عليها القابلية القياسية للمكون في النظرية.
- إن النظر لها من منظور نقدي إداري واستراتيجي يقدم تصور عن حجم التعثر في هذا المكون بشكل خاص ويسمح بتناوله من زوايا الاختصاص الموضوعي المتعددة التي يتطلبها حجم ونوع المشكلة.
- أخيرا أن الفئة أو الطبقة المقصودة هي أكثر الطبقات معاناة وأكثر تعرضا للآثار المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن القرارات والتشريعات في الشأن العمالي أو الاقتصادي فضلا عن أنه ليس لها صوت ولا يوجد تفهم لاحتياجاتها ومعوقات وصولها إلى المستوى الأول من العيش الكريم والاستقرار الحياتي والمهني والاقتصادي بالحد الأدنى المناسب لمواطن هذه البلاد ذات الموارد العظيمة.
- متطلبات إعادة بناء الطبقة العمالية المهنية الوطنية
أوضح د. سعد الشهراني أنه إذا أردنا بناء أو إعادة بناء الطبقة العمالية المهنية الوطنية المنتجة فإن الأمر يستلزم تصحيح التشوهات في سوق العمل ومن أهم هذه التشوهات تلك المتعلقة بهيكل الأجور وربطها بالإنتاجية وبمزايا يراها السعودي (بل وغير السعودي) مهمة مثل الاجور المجزية والسكن والتأمين الصحي وساعات العمل والتأمين ضد التسريح من العمل وغيرها. ليس هناك أكثر صرامة وإنهاكا من نظام العمل في أرامكو ومع ذلك تسابق ويتسابق السعوديون للعمل بها.
لو أن شركة بن لادن أو سعودي اوجيه (وأمثالهما) تعطيان هذه المزايا لربما رأينا الشباب السعودي يعتمر الخوذة الصفراء والمطرقة والشاكوش في حزامه ويتسلق الصقالات سعيدا في مركز الملك عبدالله المالي و مشروعات الحرمين وغيرها من المشروعات. الفجوات كثيرة في الأجور والإنتاجية ونظم العمل والحقوق والمزايا وبيئات العمل بين:
- العامل السعودي وغير السعودي.
- العاملين في القطاع العام وفي الخاص.
- الرجال والنساء.
- الأعمال الادارية والجسمانية.
لابد من تصحيح وقفل الفجوات التي ليس لها سبب موضوعي اقتصادي.
وأضاف أ. خالد الحارثي: أن النظر في (إعادة تكوين الطبقة العاملة السعودية) يتطلب معرفة موقعها من عملية الإنتاج وكيف تدهور بها الحال إلى هذا المستوى المتأزم والمرشح للمزيد من التفاقم بسبب صعوبة الوصول لها وتناول قضاياها نظرا لاعتماد الإصلاحات والتشريعات على الحلول المسطحة التي تأخذ بعين الاعتبار نظريات اقتصادية عليا لا تنطبق مع حالة السعودية، وبعدها عن الاعتبار الخاص الذي يضعها في مركز عملية التنمية وكونها مقوم مهم في بنية اقتصاد المعرفة.
إن حالة هذه الطبقة لن يتحسن بالصورة المتوقعة دون اعتماد مستويات التحسن فيها كمؤشر أداء قياسي لكل المبادرات الإصلاحية، واعتمادها كمحور رئيسي تتوجه نحوه الإصلاحات التشريعية والاقتصادية والعمالية والبلدية. قامت مجتمعات المعرفة باعتماد محورية مصير هذه الطبقة في رخاء المجتمعات وتطوير معايير العيش بناء على نظرياتSocial Entropy ونظريات الإصلاح الاجتماعي من منظور معالجة قضايا المجموعات المهمشة في المجتمع، وهو ما ينطبق على هذه الطبقة. وفي الحالة السعودية يضاف لها الشريحة النسائية، حيث أنها أيضا مجموعة مهمشة اجتماعيا ويصعب تحقيق أي تحسن في ظروف الطبقات المهمشة دون اعتبار لهذه العلوم التي تفسر الظواهر وتقدم منافذ الحلول والوصول لهذه الطبقات ويزيد بشكل مضاعف من مستويات النجاح للطبقات الأعلى بطبيعة الحال.
تقع هذه الطبقة بين غياب المراعاة لأوضاعها وظروفها عن التشريعات وتعتبر اليوم من الطبقات التي ينظر إليها كمستحقة للدعم الاجتماعي الذي ينطبق على القاصرين والأرامل والعاجزين، وهذا بحد ذاته تشويه لنموذج الالتزام والتضامن مع هذه الطبقة ويسيء لها ولكرامتها بسبب التصنيف المجحف. أيضا تعاني هذه الطبقة من المقارنة المجحفة بين معايير المعيشة والاستحقاق مع العمالة الأجنبية دون اعتبار للاستحقاق الوطني ودون اعتبار إلى فروق العملة والقوة الشرائية لمبالغ الأجور بالريال السعودي في بلد العامل الأجنبي وما تقدمه هذه الفروقات من رخاء في حياة الأجنبي ودمار في حياة السعودي من هذه الطبقة، وكذلك الاعتبار للترقي الاجتماعي والوظيفي والاقتصادي.
ينبغي كذلك أن تبدأ الحلول بحظر السماح للتنمية الاقتصادية أن تعتمد على العمالة الأجنبية لإزالة اللبس عن المفهوم الوهمي بشرعية التستر المقنع الذي يتبناها المشرع أو الاقتصادي أو المثقف.
أيضا من المهم تهيئة الحاجات الأساسية التي اعتمدتها المجتمعات المتحولة ومجتمعات المعرفة أثناء بناء هذه الطبقة من إسكانات صناعية ونقل وخدمات رعاية صحية وطبية ومرافق ترفيه وخدمات.
المحور الرابع
المنظمات الإقليمية والدولية ودورها في خدمة القضايا الدولية
الورقة الرئيسة: أ. أسامة نقلي
- انطلاقًا من سعي المجتمع الدولي نحو إيجاد سبل للتفاهم الودي، ورغبة في تعزيز التعاون وتحقيق الشراكة في مختلف المجالات، نشأت الحاجة لإقامة “المنظمات”.
- وتنقسم المنظمات من حيث عضويتها إلى منظمات دولية وأخرى إقليمية، فالمنظمات الدولية هي التي يتم تأليفها بطريقة تسمح بانضمام أية دولة من الدول إليها ما دامت هذه الدولة تتوافر فيها الشروط التي يتطلبها ميثاق المنظمة، ومثالها منظمة الأمم المتحدة، أما المنظمات الإقليمية، فهي التي تقتصر العضوية فيها على فريق معين من الدول، تجمعه روابط متعددة ترجع للظروف السياسية، والاقتصادية، والثقافية، أو ترجع للتاريخ المشترك ووحدة اللغة والدين، أو أن تكون هذه الدول واقعة في منطقة جغرافية معينة من العالم كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. كما تنقسم المنظمات بحسب الاختصاص، فهناك منظمات متخصصة كمنظمة العمل الدولية، ومنظمة الصحة العالمية.
- وطبيعة المنظمة والتزام الدول بقراراتها مرهون بالميثاق نفسه وشكل المنظمة، فعلى سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي لديه التزامات أكبر من الالتزامات الموجودة في المنظمات الأخرى التي لا تحمل صفة الاتحاد.
- أمر آخر أيضا، قد تحمل المنظمات الإقليمية، مثلا، نفس أهداف المنظمات الدولية إلا أن ميثاقها لا يحمل صفة الإلزامية، فالأمم المتحدة على سبيل المثال والتي تعتبر المسؤول الأول عن حفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال مجلس الأمن الدولي، ويمكن لقراراتها أن تكتسب صفة الإلزام إذا ما تم اللجوء فيها إلى أحد البنود الإلزامية، كالبند السابع من الميثاق والذي يجيز استخدام العقوبات الاقتصادية والقوة العسكرية.
- بينما لا تحمل قرارات المنظمات الإقليمية، مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، نفس القوة الإلزامية، فهي خاضعة لالتزام الدول بها.
- ونظرًا لأن أحد أهم جوانب القصور التي تكتنف الجامعة العربية هو عدم وفاء الدول بالتزاماتها، فقد تقدمت المملكة عام 2004م في قمة تونس بمبادرة للملك عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله – وهي وثيقة “عهد ووفاق وتضامن بين قادة الدول العربية”، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى معالجة القصور العربي في تنفيذ قرارات الجامعة ومقرراتها، إلا أنه وبالرغم من أن الدول وقعت على الوثيقة إلا أنها تعاملت معها كتعاملها مع عدد من القرارات الصادرة من الجامعة وذلك بعدم الالتزام بها.
- الآن هنالك محاولات لإصلاح الجامعة، وهذه المحاولات يتنازعها تياران، تيار يدعو للإصلاح الهيكلي للجامعة، وتيار آخر يدعو إلى الإصلاح الموضوعي بدءً من تغيير ميثاقها وأنظمتها وآليات صناعة القرار فيها مع ضمان تنفيذ قرارات الجامعة، وهذا التيار تتبناه المملكة من منطلق أن التطوير الهيكلي ينبغي أن يأتي بعد التطوير الموضوعي، وأن يكون في خدمة أهداف الجامعة بموجب الإصلاحات المستهدفة.
- وبالنسبة للأصوات المطالبة بإلغاء الجامعة العربية، فإن هذه المنظمة أداة تحاور مهمة من أدوات الدبلوماسية، بغض النظر عن مستوى أدائها وتحقيقها للنتائج إلا أنها تظل أداة مهمة للحوار بين الدول، ودائمًا ما أردد أنه: خيرا للعرب أن يتقاتلوا بالصوت والقلم والورقة تحت قبة الجامعة العربية من أن يتقاتلوا بالذخيرة الحية خارجها.
- ختامًا من المهم الإشارة في هذا الخصوص إلى أن القضايا السياسية دائما ما يكون لها الحظوة في البروز الإعلامي على حساب القضايا التنموية والاقتصادية والصحية، في الوقت الذي دائما ما نجد هناك بعض الإخفاقات السياسية في المنظمات الدولية والإقليمية، إلا أن هذه الإخفاقات لا تنسحب على الأمور الصحية والثقافية والتنموية، فمنظمات كمنظمة الصحة العالمية مثلا، تقوم بأدوار مهمة جدا تمس الإنسانية مباشرة إلا أنها لا تحظى بالتغطية الإعلامية التي تستحقها، وهذا الأمر كذلك ينطبق على ما حققه مجلس التعاون الخليجي من الاتحاد الجمركي، والتنقل بالبطاقة والآن مشاريع الربط الكهربائي وسكك الحديد.
التعقيب الأول: د. زياد الدريس
- أولاً: تبقى فكرة (المنظمات) إحدى أهم الوسائل للعمل الإنساني المشترك، سواء في تعزيز البناء التعاوني الإيجابي أو في دحر التنازعات السلبية بين الدول أو الجماعات. ينطبق هذا التوصيف على أية تحالف دولي أو إقليمي أو حتى محلي، سواء تَسمّى باسم منظمة أو اتحاد أو جامعة أو جمعية.
والأدوار السلبية أو الفشل الذي يعتري إحدى هذه الهياكل الوحدوية (كحال جامعة الدول العربية مثلاً) لا يبرر المناداة بالإلغاء، لأن الإلغاء أبداً لن يكون أفضل من البقاء، لكنه يبرر المناداة بالإصلاح والتغيير أو إعادة البناء إن لزم الأمر، كما حصل في الانتقال من عصبة الأمم إلى هيئة الأمم المتحدة حالياً.
هذا الإصرار على أهمية المحافظة على الهياكل المنظماتية لا يغيّب عن البال السوأة الكبرى فيها وهي ليست تراخيها في تحقيق أهداف الأعضاء، بل توظيفها لخدمة أهداف محددة لأعضاء محددين، وهو أكبر سوء استخدام ممكن أن يتم داخل هذه المنظمات، خصوصاً من لدن القوى المتنفذة.
وفي جانب التمييز والتمايز بين عضو وآخر يتم دوماً ذكر (حق الفيتو) في مجلس الأمن نموذجاً صارخاً لذلك ومنافياً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ورغم كل هذه العورات فإن خيار الإبقاء والمشاركة بفاعلية في هذه المنظمات هو الخيار الأقل ضرراً من كل ما سواه.
- ثانياً: مهما قيل عن روح المؤامرة والسيطرة للقوى المتنفذة في المنظمات الدولية فإن هذا لا يعني استحالة اختراقها وتحقيق الأهداف المأمولة فيها، والمثال الذي يتردد كثيراً في السنوات القليلة الماضية على ذلك هو التصويت على اعتبار فلسطين دولة كاملة العضوية في منظمة اليونسكو في العام ٢٠١١م رغم معارضة الولايات المتحدة الشرسة لمشروع القرار وحشدها وتأليبها الدول الأعضاء للتصويت ضد القرار لكنها لم تستطع تحقيق هدفها وتم التصويت عليه إيجابياً، فكان القرار الأمريكي بالامتناع عن دفع المساهمة الاعتيادية عليها لليونسكو منذ ذلك الحين حتى اليوم ! (وقد شهدت بنفسي تفاصيل تلك المعركة حيث كنت نائباً لرئيس المجلس التنفيذي لليونسكو وممثلاً لبلادي في التصويت).
- ثالثاً: بشأن جامعة الدول العربية، فإنها تكاد تكون من المنظمات التي ينطبق عليها خيار إعادة البناء وليس الإصلاح الطفيف فقط. لكننا يجب أن ندرك بأن كل منظمة إقليمية تتأثر بثقافة المجتمع الذي تنشأ فيه (الاتحاد الأوروبي نموذجاً)، ولذا فقد يكون من الإفراط في التفاؤل التعويل كثيراً على جامعة الدول العربية مهما تم لها من إصلاح، وستبقى المنظمات الإقليمية الأصغر أكبر فعالية وأهمية، كمثل مجلس التعاون الخليجي.
لكن العالم الآن بدأ يلتفت إلى تكوين تكتلات غير إقليمية، بل عابرة للأقاليم، وهي عادةً ما تكون تجمعات تنموية، لا تخلو من التسييس لكنها لا تُستهلك فيه. وأبرز مثال على ذلك مجموعة البريكسBRICS التي تضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد سبق لي أن تمنيت في إحدى مقالاتي لو تتحول هذه المجوعة إلى SBRICS)) بانضمام السعودية إليها. إذ عادة ما تخلو هذه التكتلات غير الإقليمية من بروتوكولات المجاملة والشكلانية التي تلفّ المنظمات الأخرى.
التعقيب الثاني: د. فهد العرابي الحارثي
بداية اتفق مع السفير أسامة على أن وجود المنظمات الإقليمية والدولية، موضوعيا وعضويا، مهم جداً، بل هو ضرورة ملحة من أجل إتاحة مساحة أرحب للتنسيق، ومن أجل الإعداد لأرضيات وقواعد للتفاهم ” الممكن ” ويمكن أن ينطبق على دور بعض هذه المنظمات القول الشهير: رصاصها لا يصيب ولكنه على الأقل يدوش، وفي الذهن مثال حي على ذلك، وهو الجامعة العربية، ذلك النادي المسكين الذي يلتقي فيه العرب للتشاتم والتسابب، وأحيانا قليلة جدا للتفاهم. وقد يحصل أن يحولوه إلى حائط مبكى يضربون فيه برؤوسهم ويمزقون في حضرته جيوبهم.
من الضروري إذن أن تبقى الجامعة / النادي فهي الشيء الوحيد، على سوئه، الذي يلتقي فيه العرب للشتم أو للبكاء.
أما على المستوى العالمي فالمنظمات الإقليمية الأخرى ليس حالها بأفضل من حال الجامعة العربية إلا في نوعية الأعضاء، فهم هناك أكثر واقعية من العرب، إذ يعلمون تماما حجم تأثير مثل هذه المنظمات في مقابل المصالح السيادية للدول، ففي الوقت الذي ينجرف فيه العرب مع الفكرة المثالية بأن الجامعة العربية هي التي ستحل مشكلاتهم، يظهر الآخرون مزيداً من الواقعية، فلا يحمّلون منظماتهم أكثر من رسالتها البسيطة التنسيقية وليس أكثر. المشكلة هنا إذن هي مشكلة حدود سقف التوقعات.
قد نستثني هنا المنظمات المهنية : الاقتصادية ، الصحية ، الثقافية ، لأن لعبة المصالح في هذه الحالات أقل غموضا ، وهوامش الظنون والشكوك أضيق مساحة ، وهي في العموم أقل عرضة للعواصف والزلازل من المنظمات ذات الهويات السياسية الطامحة في النفوذ أو الباحثة عنه ، فهذا النوع من المنظمات ليس من سماته الاستقرار والثبات ، بل هو دائم الحركة والتغيّر والتلون ، ففي داخله تتصارع الإيديولوجيات ، وتتطاحن المصالح ، والغلبة دائما للأقوى ، ومن يريد أن ينجو من الصغار أو الضعفاء فليس له إلا أن يدخل تحت عباءة أحد الكبار، فيتركه يتولى عجلة القيادة ويستمتع هو بالرحلة ! إن أوضح الأمثلة على ذلك منظمة الأمم المتحدة، فهي يمكن اختزالها، عمليا، في أنها مجرد نادٍ للكبار (الخمسة أصحاب حق الفيتو) أما الباقين فكومبارس.
أما من تحت الطاولة فإن بوصلة هذا الجهاز الضخم ليست سوى بيد القوة الأعظم (أمريكا).
غير مهمة إذن منظمة الأمم المتحدة بدون أمريكا، وغير مهم مجلس الأمن بدون الخمسة الكبار.
وهذه الإشارات هي المحددات الأساسية لتأثير الأمم المتحدة وحجم ذلك التأثير ومساحته.
مواثيق وقرارات الأمم المتحدة ومجلسها الموقر مصلتة دائما فوق رقاب الصغار إما للإضعاف أو للابتزاز: حقوق الانسان، تمكين المرأة، عدم التمييز، إلخ. أما حين يتعلق الأمر بالكبار وما يقومون به من عبث في هذا العالم فالأمر يختلف، فهو من أجل الديموقراطية حينا، ومن أجل حماية العالم من شرور الاٍرهاب أحيانا أخرى.
فلا تأملوا من المنظمة الأضخم أكثر من ذلك في كل الأحوال، لا بل إنها تتحول أحيانا إلى نقمة على بعض قضايا هذا العالم، فالولايات المتحدة وحدها تستطيع أن تجد حلا للدولة الفلسطينية لو أرادت ولا حاجة للقرارات ذات الشأن في مجلس الأمن أو المنظمة برمتها. والولايات المتحدة، لو أرادت، لكانت تستطيع وحدها أن تحسم الأمر بعد أسبوع واحد من اندلاع الثورة السورية دون حاجة لانتظار القرارات التي ترضا عنها روسيا أو الصين! وبدون أن تدع هذا الإمعة المدعو بان كي مون للّطم والبكاء و” التعبير عن القلق ” وبدون أن تجعل دي ميستورا، وأسلافه، يرسم مستقبل الثورة السورية.
الأمم المتحدة لم تفعل أي شيء حيال التسلّح النووي الإيراني، الولايات المتحدة هي التي فعلت كل شيء، كما تريد هي وليس كما يريد العالم.
والأمم المتحدة لم تستطع أن تفعل أي شيء تجاه الإرهاب الإيراني الذي أنشأ المليشيات في المنطقة وموّلها وسلحها، أمريكا رمت المنظمة الدولية وقوانينها ومواثيقها خلف ظهرها، وشرعنة ” القوة ” الإيرانية، وأدخلتها إلى عضوية العالم الذي نبذها دهرا من الزمن، بل إنها جعلت منها الحليف الجديد ” الموثوق ” للغرب كله!
مازلنا نتذكر اعتذار المملكة عن عضوية مجلس الأمن احتجاجا على أداء المجلس في قضايا العرب والمنطقة، وبغض النظر عمن اتفق مع ذلك القرار ومن اختلف معه، فهو كان يعبر عن إحدى القراءات لحجم وتأثير مجلس الأمن ومن ورائه منظمة الأمم نفسها.
إن كل ما ذكرنا أعلاه لا يقلل من أهمية هذه ” النوادي ” الكبيرة، ولا من أهمية تواجدنا فيها. ولكن الأهم هو أن لا نعوّل كثيرا عليها في حل المشكلات، فدورها يقتصر في معظم الأحيان على الجانب الإعلامي والاتصالي في مفهومه الواسع، وربما يكون لها، من وقت لآخر، دور في تشكيل بعض مجموعات الضغط.
المداخلات حول القضية:
- آليات إصلاح وتفعيل دور المنظمات الإقليمية والدولية
أشار د. حامد الشراري إلى أنه إذا كان هناك يأس أو صعوبة في الإصلاح، فالأفضل للجامعة التركيز على تفعيل الدور التنموي البيني وزيادة الشراكة الاقتصادية البينية بين أعضاءها، وإبرازها إعلاميا، وأن لا تستكن للقضايا السياسية فقط؛ فقد يكون تفعيل دورها في الجوانب التنموية والاقتصادية والصحية.. الخ، عامل مؤثر ينعكس ايجابا يوما ما على إصلاح الجامعة العربية ودورها السياسي.
كذلك فمن المهم العمل على تقوية الجوانب التنموية (الاقتصادية والاجتماعية) في المنظمة الواحدة؛ فزيادة التعاون البحثي والأكاديمي بين الجامعات ومراكز البحوث والتطوير للمنظمة الواحدة من أدوات تقوية المنظمات الإقليمية كمجلس التعاون الخليجي؛ فالتعاون والشراكة الحقيقية في الجوانب التي تخدم التنمية ( الاقتصادية والاجتماعية …) كقطاع البحث والتطوير والدراسات المتنوعة يزيد من تماسك نسيج دول المجلس وترابطه – بين العلماء والباحثين وأصحاب الفكر -، ويسهم في نضوج الوحدة الخليجية حتى تصل إلى مرحلة التكامل والوحدة، ويفرض احترامها بين الأمم علميا، كبناء المعامل المركزية ذات التكلفة العالية سواء على مستوى الإنشاء أو التشغيل والصيانة أو البرامج التأهيلية للمستويات العلمية المتقدمة كأبحاث الفضاء والأبحاث النووية السلمية والمسرعات والأبحاث الطبية المتقدمة للأمراض المستعصية المنتشرة في المنطقة كالسكر الذي نسبته عالية والسرطان والأمراض الجديدة ككورونا … الخ.
مجلس التعاون الخليجي وتماسكه منذ الثمانينات بالرغم من العواصف السياسية العاتية التي مرت بها المنطقة، هو مساحة رحبة وفرصة للتعاون في جميع المجالات التنموية وتعزيزها مما ينعكس على تقوية دور المجلس السياسي المؤثر على المستويين الإقليمي والدولي، وقد يكون نموذج يُحتذى فيه على مستوى التكتلات الأخرى.
تفعيل دور جوانب التنموية الأخرى وتعزيزها وإبرازها إعلاميا، قد يسهم كأرضية جيدة في تقوية الدور السياسي للمنظمة.
وبدورها أشارت أ. مها عقيل إلى أن المنظمات الإقليمية والدولية تعتمد على الإرادة السياسية للدول الأعضاء والدعم والالتزام بقراراتها ليكونوا ذو مكانة واحترام ليس فقط أمام الدول والمنظمات الأخرى وإنما أيضا أمام الشعوب. وللأسف منظمات مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لا يحظيان بالمستوى المطلوب من الدعم والإرادة السياسية political will من قبل الأعضاء لأسباب مختلفة منها النزاعات والخلافات ما بين الدول وعدم الثقة في قدرة هذه المنظمات على القيام بالمطلوب وذلك أيضا بسبب ضعف إمكانيات وصلاحيات هذه المنظمات للتحرك. وبالتالي معظم إن لم يكن كل مؤتمرات هذه المنظمات عبارة عن خطب وبيانات ختامية لا تؤخذ محمل الجد ولا ينفذ منها شيء. وكما أوضح د. فهد هناك دول عظمى تتحكم في القرار السياسي لمنظمة مثل الأمم المتحدة وهذا أيضا ينطلي على المنظمات الأخرى، هناك دول فاعلة ورئيسة في كل منظمة هي من يقرر توجه وسياسات تلك المنظمة ومدى قوتها ومكانتها على الساحة الدولية. ومع ذلك فإن هذه المنظمات مهمة جدا لتوحيد الآراء حول قضايا يجتمعوا عليها مثل قضية فلسطين والقدس (ولو أنه حتى هذه اختلفوا عليها بسبب انشقاق الصف الفلسطيني وأصبح هناك اصطفاف) وقضايا أخرى مثل التنمية ومكافحة الفقر والأمية والأمراض مثل شلل الأطفال والسل إن منظمة التعاون الإسلامي خطت خطوات جيدة في ذلك لاسيما فيما يخص الدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة في ميانمار مثلا وإفريقيا الوسطى وتايلاند وغيرها ولكن كما قال السفير أسامة إعلامنا وبالتالي الشعب لا يهتم كثيرا بذلك رغم أنها قضايا تمسهم مباشرة. وأخيرا فإن ضعف التمثيل في المنظمات الدولية هو شيء مؤسف لأنه بسبب ذلك يتم تبني قرارات على المستوى الدولي تكون ضد مصالحنا ومبادئنا وديننا مثل المطالبات الآن بقبول زواج المثليين، والإساءة إلى الأديان تحت مسمى حرية التعبير وغيرها.
ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي فإن عدم عدالة وإنصاف هيئة مثل هيئة الأمم المتحدة مع مشكلات واحتياجات الدول والشعوب الضعيفة والمظلومة، جعل الثقة فيها تتناقص عاماً بعد عام من قِبل تلك الشعوب، كما أن آلية معالجتها لبعض القضايا مثل قضايا حقوق الإنسان وقضايا الاتفاقيات الدولية وقضايا السجون المُعيبة للأخلاقيات الإنسانية، تتسم بفرض هيمنة أصوات ومصالح الدول الكبرى على موضوعية وعدالة تلك القضايا من خلال حق النقض (الفيتو) مع شديد الأسف. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عدم توقيع الولايات المتحدة على الاتفاقية الخاصة بالتلوث البيئي مع أنها من أكبر الدول المسببة له. وعدم توقيعها على اتفاقية حقوق الطفل وكذلك اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو).
إن المنظمات الدولية إذا لم تكن لها صفة الإلزام الجمعي بالقانون على الدول الأعضاء في القضايا والمشكلات التي تهم قطاعاً عريضاً من المجتمعات البشرية، فلن تحقق النجاحات المتوقعة من وجودها بطبيعة الحال.
وتطرق د. خالد الرديعان إلى مجموعة من النقاط المحددة التالية فيما يتعلق بالمنظمات الدولية والإقليمية والدور المتوقع منها:
- تلعب المنظمات الإقليمية والدولية دورا مهما في المجالات غير السياسية.. وبهذه الصورة فإن وجود تلك المنظمات يبقى مهم مهما كان أدائها السياسي باهت أو لنقل أقل من المأمول؛ كجامعة الدول العربية أو مجلس التعاون أو الاتحاد المغاربي.
- وجود هذه المنظمات الإقليمية والعالمية قد يكون له وظيفة مهمة في تعزيز سيادة الدول؛ إذ من المؤكد أن كل دولة ترغب بأن يكون لها اعتراف دولي وهو ما يمكن ترجمته بالعضوية في المنظمات الدولية ولعل المثال الذي أورده الدكتور زياد الدريس عن فلسطين واليونسكو خير دليل. وبالتالي فوجود المنظمات الدولية والإقليمية يكرس شرعية الدول التي تنضوي تحتها… هذا الأمر ساعد في تحرير الكويت وكيف وقف العالم معها بعد الاجتياح الصدامي عام ١٩٩٠ بحكم انتماءها إلى عدة منظمات دولية وإقليمية.
- إن الجامعة العربية ورغم ضعفها على مستوى القرارات السياسية فإن وجودها في المجالات غير السياسية قد يكون مفيدا وبالتالي من الضروري انتشال الجامعة وإعادة النظر بكل لوائحها وأنظمتها لتكون أكثر فاعلية.
- قد يكون من المناسب اقتراح أن تكون جامعة الدول العربية مستقلة تماما عن الدولة المضيفة لها (مصر) وأن تنقل إلى دولة أخرى كالبحرين أو جيبوتي أو موريتانيا وربما سلطنة عمان بحيث تتحرر أكثر من سلطة الدولة المضيفة تماما كالاتحاد الأوروبي الذي مقره بروكسل في بلجيكا وليس برلين أو باريس.
- أيضا من المهم أن يكون منصب أمين الجامعة بالتناوب بين الدول فمرة من دول مجلس التعاون ومرة من الاتحاد المغاربي وهكذا… أما أن تهيمن عليه مصر فهذا غير مفيد البتة.
- يمكن أن يلحق بالجامعة العربية برلمان عربي تمثل فيه كل الدول العربية وأن يكون انتخاب أعضاءه شعبيا وليس عن طريق الحكومات بحيث يراقب قرارات الجامعة ويوافق عليها أو يرفضها أو يعدلها بناء على رغبة الشعوب.
بينما يعتقد أ. أسامة كردي فيما يخص إصلاح جامعة الدول العربية أن المسألة لا تتعلق بشخصية الأمين العام ولا حتى صلاحياته.. وإنما ترتبط بالأساس بنظام الجامعة الذي انتهت صلاحيته.. المطلوب هو (الاتحاد العربي) وهو منظمة جديدة أقرب إلى المفوضية الأوربية التي لها مجلس للسياسة الخارجية ومجلس للسياسة الاقتصادية ومجلس للبرلمانات ومجلس للتنسيق القضائي ومجلس للتنسيق العلمي ومجلس لجمعيات المجتمع المدني وغيرها كثير.. المهم هنا أن الجامعة العربية بوضعها الحالي عبارة عن منتدى للحكومات فقط بينما (المفوضية العربية) ستكون ملتقى لكافة أطراف الدول.. الدول الإفريقية عندما لاحظت ذلك قامت بإلغاء منظمة الوحدة الإفريقية وسرحت موظفيها وأنشأت الاتحاد الإفريقي.. طرحت هذا الأمر منذ ما يزيد عن ١٠ سنوات ولم يجد صدى حتى مع عقد اجتماع في مدينة سرت الليبية للجنة كلفت بدراسة مستقبل الجامعة العربية.
واتفق أ. أسامة نقلي مع أ. أسامة كردي في وجهة النظر تلك، وأضاف: الاتحادات أكثر تنظيما والتزاما، لذلك جاءت مبادرة الملك عبدالله رحمه الله للاتحاد الخليجي بديلا عن مجلس التعاون، غير أن هاجس فقدان السيادة لصالح الاتحاد أخر المشروع، رغم أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية انتزعت من الدول بعض مبادئ سيادتها لصالح المواطنة الدولية، ومن ذلك على سبيل المثال اتفاقية التجارة الدولية التي كانت تسمى بـ (الجات) وغيرها من الاتفاقيات.
- كيفية استفادة المملكة من عضويتها بالمنظمات الإقليمية والدولية
تساءل د. ناصر القعود: كيف تستفيد المملكة من المنظمات الإقليمية والدولية في خدمة القضايا العربية والإسلامية بوصف المملكة قائدة للعالمين العربي والإسلامي لاسيما المنظمات ذات الطابع التنموي والاقتصادي.
المملكة نشطة في عضوية العديد من المنظمات الإقليمية، العربية والإسلامية والمنظمات الدولية فهي عضو فاعل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصناديق التنمية العربية والإسلامية وصندوق الأوبك للتنمية ومساهم كبير في رؤوس أموالها، ومن ثم ينبغي الحرص على زيادة الاستفادة منها وذلك بالمشاركة الفاعلة في صنع قراراتها وتوظيف المزيد من الكفاءات السعودية في مختلف المستويات في هذه المنظمات، وقيادة الإصلاح والتغيير فيما يخص المنظمات الإقليمية لاسيما الجامعة العربية.
وقال د. محمد الصبان: أنظر إلى هذه القضية من حيث استفادة المملكة من مختلف المنظمات التي هي عضو فيها. فأجد أننا لازلنا بعيدون كل البعد عن تحقيق الفائدة المرجوة. لا زالت وفود بلادنا أو لنقل معظمها تشارك صوريا في الاجتماعات والمفاوضات المتعددة، وذلك للعديد من الأسباب لعل أهمها:
- سوء إعداد الوفود، وسوء اختيار المفاوض المناسب.
- محدودية الصلاحيات التي تمنح لهذا المفاوض. ولذا تجده صامت في معظم الأوقات فهو أمن له ولن يحاسبه أحد، وحتى حينما يٌسأل يرد” ليس بالإمكان أحسن مما كان”.
- عدم الاستمرارية، وكل اجتماع يتم إرسال شخص آخر بحجة إتاحة فرصة متساوية للسفر والانتداب وكأنه هو الهدف.
- بالرغم من الدور المحوري لوزارة الخارجية، إلا أنها في معظم وفود المملكة هي مشارك في الظل وممثلها لم ينل التدريب الكافي، وغالبا ما يكون غائبا معظم أيام الاجتماعات. بل وأكثر من ذلك يطلب من أحد المفاوضين المتابعين إن وجد مساعدته في كتابة التقرير عن هذا الاجتماع أو ذاك. ونجد من خلال الأداء ضعف دور معهد الدراسات الدبلوماسية الذي يٌفترض أنه يؤهل كوادر وزارة الخارجية، لتتحول من “كمالة عدد” وصمت مطبق إلى أن تقود مختلف وفود المملكة، فكثير من المصالح الخاصة بنا لا نتوقع أن تقوم الدول الأخرى بالدفاع عنها. وما يتم تبنيه من قواعد دولية واتفاقيات لا يمكن إعادة التفاوض عليها بحجة عدم فعالية المفاوض السعودي.
- النظام الدولي الجديد سيبنى على مختلف القوانين والقواعد والاتفاقيات التي أبرمت وتبرم سابقا وحاليا ومستقبلا. ولا يمكن قبول أن يكون دورنا هامشي. وحتى النامية والتي كان بعضها نائما استوعبت الدرس واستيقظت وأصبحت فعالة، فمتى يأتينا الدور؟
ومن جانبه اتفق د. سعد الشهراني مع القول بضعف حضور وكفاءة رؤساء وأعضاء الوفود والمندوبين والممثلين السعوديين في المنظمات والمحافل والمؤتمرات (حتى العلمية أحيانا) وهذا يرجع برأيه لعدة أمور:
- سوء الاختيار وعدم موضوعيته منذ التوظيف (حتى للوزراء) في كثير من الأحيان ثم سوء اختيار رؤساء الوفود والأعضاء والممثلين ولذلك يثني المجتمع بكافة أطيافه على الممثلين السعوديين الذين يعبرون عن مصالحنا بوضوح وبفاعلية مثل المعلمي والدريس والقطان وها هو الجبير يمثلنا خير تمثيل على الساحة الدولية وفي المنظمات الإقليمية والدولية.
السبب أن التوظيف والتكليف يتم بالمحسويبة والواسطة في كثير من الأحيان وإلا فالمملكة تزخر بالكفاءات التي لو تم استقطابها مبكرا لرأينا مئات مثل من ذكرتهم سابقا وربما أفضل منهم مع الاحترام.
- ضعف التأهيل للمهام والمراكز التي يكلفون بها؛ فغالبية الجهود تتجه غالبا للعلاقات الدولية والقضايا أكثر منها للتأهيل المتقدم للديبلوماسيين والوفود في كيفية مخاطبة الآخر والحوار معه وكيفية تقديم أنفسنا من غير أن نخلع رداءنا العربي الإسلامي.
أما عن الضعف في تأهيل المفاوض السعودي وتحضير الوفود المكثف للقضايا التي يتم الحوار والمفاوضات بشأنها، فحدث ولا حرج.
وفوق ذلك فإن الوفود نادرا ما تجتمع للمدارسة والاتفاق على الأدوار والسقوف والحدود الدنيا والعليا والممنوع والمسموح والمراحل سواء داخل القاعات أو خارجها ولعل من أنجح الوفود الوفد الموسع للمفاوضات مع منظمة التجارة الدولية التي استمرت لسنوات طويلة (مع أن البعض له ملاحظات عليها) والسبب يرجع لأن المفاوضين كانوا (إلى حد ما) على درجة عالية من الكفاءة والتخصص.
بعض وأحيانا كثير من وفودنا والمشاركين في نشاطات خارجية يغلب عليهم سوء الاختيار وضعف الكفاءة وعدم الجدية والبحث عن الترفيه لتكمل القصة: “حشفا وسوء كيلة”.
وفوق ذلك فإن الترشيح للنشاطات المتكررة يغلب عليه احتكاره وحكره وقصره على أشخاص بعينهم للمزايا التي يحصلون عليها رغم ضعفهم وعدم كفاءتهم وتقادم الزمن عليهم.
للأسف كثير من رؤساء وأعضاء الوفود والسفراء والممثلين ليس لهم حضور يتناسب مع المكانة المفترضة للمملكة فضلا عن أنهم لا يرتقون أصلا لما يكلفون به أو يحتلونه. ومن ثم فإننا نحتاج إلى:
- نظام يحكم التمثيل في الوفود وتحديث النظم واللوائح التي تحكم التمثيل الديبلوماسي خصوصا في جانب الرقابة والأداء.
- مدونة سلوك للوفود الرسمية تحكم أداءهم وسلوكهم بدءا من شروط التكليف مروا بالتحضير للمهمة فضلا عن السفر والسلوك خارج المملكة وأخيرا كتابة التقارير والاجتماعات بعد العودة من المهمة.
وفي السياق ذاته، فقد اتفق د.م. نصر الصحاف مع ما ورد في مداخلة د. الصبان ود. الشهراني بخصوص سوء استخدامنا للمنابر الدولية سواء لضعف التمثيل أو انعدامه.
فغالباً ما تشكل الأدوار بحيث يكون الممثل للمملكة هي الجهة المختصة فتندب أحد موظفيها للدور ولكن المشكلة أن هذا الشخص لا يتمتع بالصفة الدبلوماسية مثل أقرانه (في المحفل الدولي) ضمن المنظمة أو اللجنة وتنقصه الخبرة ومثل ما ذكر د. الصبان يركن إلى طريق الأمان الشخصي فلا يشارك بفاعلية لعدم حصوله على إذن من مرجعه الذي هو في أغلب الأحيان ليس وزارة الخارجية.
هنا المصيبة!! إن شارك كما هو مطلوب قد تفسر مشاركته سلبياً لعدم حصوله على إذن مسبق من مرجعه. وبحسب البيروقراطية المتبعة فهذا لن يكون آنياً. بل يتطلب وقت طويل. وكذلك مرجعه قد يتهيّب من مخاطبة وزارة الخارجية لأخذ موافقة ممثلها المشاركة في كل النقاشات المتشعبة.
المشكلة الأخرى هي غياب بعض أعضاء الوفد عن الحضور فيما يعرف بالاجتماعات المقررة لكل فترة. فتراه يحضر الأيام الأولى ويختفي بقية الأيام!!
انعدام الخبرة وسوء الاختيار للممثل من قبل مرجعه يتحكم في ضعف درجة التمثيل وقد يكون إلى الأسوأ حيث ينتج عدم الاختلاط وتبادل وجهات النظر بين نظراءه في الحفلات الجانبية بحجة (هذه حفلات بس كده). ولكن الحفلات الجانبية هي جزء مهم من المراسم الدبلوماسية وتعطي السفراء المناخ المطلوب ليعكس رأيه الشخصي ولمسته الانسانية على الموضوعات المهمة فضلاً عن أهمية هذه اللقاءات في دفع المنظور المحلي وتكثيف الحشد إلى ما يُراد.
الحسد. بعض الممثلين في اللجان الدولية يعتبر أنه يمثل إدارته فقط وليس المملكة. مع أن علم المملكة واسمها يتصدر الطاولة أمامه!! فإذا حضر مندوب عن جهة أخرى غير إدارته التي انتدبته فلا ضير أن يتجاهله تماماً أو أن يمتنع عن تقديم المساعدة أو حتى المشورة وقد يتعدى ذلك إلى إعطاء مشورة خاطئة متعمداً حتى يأمن بطش مرجعه إذا هو ساهم في استفادة الجهة الأخرى!!
ومن ناحيته، أكد أ.د. صالح المانع على ضرورة الاهتمام بوجود الشباب السعودي المؤهل للعمل في المنظمات الدولية والإقليمية وتشجيعهم على ذلك حتى لو دفعت وزارة الخارجية جزءا من مرتباتهم إذا كانت مرتباتهم غير منتظمة أو لا تفي باحتياجاتهم الشخصية المهم هو الحضور الفعّال عن طريق هؤلاء الموظفين.
وعلق أ. أسامة نقلي بأن وزارة الخارجية لا تملك دفع مرتبات موظفين، بدون وجود نظام بذلك، يضمن انتزاع الموارد المالية المطلوبة من المالية. بينما أوضح د. محمد الصبان أن المسألة أكبر بكثير من المرتبات وترتبط بالتأهيل ومدى فعالية الوفود وانتظام مشاركتهم ومحاسبتهم على نوعية المشاركة.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية(
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- أ. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- د. الجازي الشبيكي
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حسين الحكمي
- د. حمد التويجري
- د. خالد الرديعان (رئيس لجنة التقرير الشهري)
- أ. خالد الحارثي
- د. خالد بن دهيش
- د. زياد الدريس
- د. سامية العمودي
- اللواء د. سعد الشهراني
- أ. سمير خميس
- أ.د صالح المانع
- أ.د. عبدالرحمن العناد
- د. عبدالرحمن الهدلق
- د. عبدالسلام الوايل
- د. عبداللطيف العوين
- أ. عبدالله آل حامد
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- أ. عبدالله الضويحي
- اللواء د. علي الحارثي
- د. علي الحكمي (رئيس اللجنة الإشرافية على منتدى أسبار)
- د. فاطمة القرني
- د. فايز الشهري
- أ. فايزة الحربي
- د. فهد العرابي الحارثي
- أ. كوثر الأربش
- أ. ليلى الشهراني
- د. محمد سالم الصبان
- د. محمد القويز
- د. مساعد المحيا
- أ. مسفر الموسى
- أ. مطشر المرشد
- أ. مها عقيل
- د. منصور المطيري
- د. ناصر القعود
- أ. ندى القنيبط
- د.م. نصر الصحاف
- أ. هادي العلياني
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 12