سبتمبر 2017م
ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر سبتمبر 2017م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- كود البناء السعودي – الفوائد والمعوقات
- الثقافة الوطنية بين النخب والجماهير
- خصخصة التعليم: الضرر والضرورة
- احتياجات مكة المكرمة التنموية
محتويات التقرير
المحور الأول: كود البناء السعودي- الفوائد والمعوقات
- الورقة الرئيسة: د. مشاري النعيم
- التعقيب الأول: م. خالد العثمان
- التعقيب الثاني: م. أسامة الكردي
- إدارة الحوار: د. عبد الله بن صالح الحمود
- المداخلات حول القضية:
- كود البناء وإشكالاته في الواقع السعودي
- التوصيات المقترحة
المحور الثاني: الثقافة الوطنية بين النخب والجماهير
- الورقة الرئيسة: د. عبدالسلام الوايل
- التعقيب: د. زياد الدريس
- إدارة الحوار: د. خالد الرديعان
- المداخلات حول القضية:
- الثقافة الوطنية وإشكالاتها المتضمنة
- التوصيات المقترحة
المحور الثالث: خصخصة التعليم: الضرر والضرورة
- الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
- التعقيب الأول: د. ناصر القعود
- التعقيب الثاني: د. خالد بن دهيش
- إدارة الحوار: م. خالد العثمان
- المداخلات حول القضية:
- أبعاد خصخصة التعليم في الواقع السعودي
- تجارب دولية في الخصخصة
- التوصيات المقترحة
المحور الرابع: احتياجات مكة المكرمة التنموية
- الورقة الرئيسة: د. حمزة بيت المال
- التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
- التعقيب الثاني: د. حسين الحكمي
- إدارة الحوار: فريق القضية
- المداخلات حول القضية:
- الاحتياجات التنموية لمكة المكرمة: مؤشرات الواقع وأبعاده
- التوصيات المقترحة
المحور الأول
كود البناء السعودي- الفوائد والمعوقات
الورقة الرئيسة: د. مشاري النعيم
لعل البداية تكون من التساؤل عن ما هو “كود البناء السعودي” ولماذا هو “مهم” وضروري. يعرف الموقع الرسمي لكود البناء على أنه “مجموعة الاشتراطات والمتطلبات من أنظمة ولوائح تنفذيه وملاحق متعلقة بالبناء والتشييد لضمان السلامة والصحة العامة”. وهذا التعريف يوحي بشكل مباشر أن “الكود” هو منظومة تشريعية بالدرجة الأولى لكنها مرتبطة بمنظومة تقنية يفترض أنها هي موضوع تنفيذ الكود. ولعل هذا هو مأزق “كود البناء السعودي” منذ البداية، فالجانب التشريعي يواجه إشكالات والجانب التقني شبه مفقود، وهذا ما ستحاول هذه الورقة توضيحه.
يؤكد الموقع الرسمي لكود البناء أن المنشآت بكافة أنواعها تتطلب توفر كود بناء يحدد اشتراطات الأمان والسلامة والراحة في كافة مراحل البناء، ويزداد الأمر أهمية في المملكة العربية السعودية لطبيعتها الجغرافية واختلاف أجواء مناطقها المختلفة تمتاز بشدة الحرارة في أغلب فصول السنة، وتربتها التي تحتوي على نسبه عالية من الأملاح الضارة فيها، إضافة إلى وجود ظواهر زلزالية في بعض المناطق الساحلية، وكل هذه العوامل وغيرها تؤثر بوضوح على سلامة المنشآت و استدامتها وحماية المواطنين. ومن هنا جاءت أهمية وجود كود البناء للرفع من جودة البناء والحفاظ على الاقتصاد السعودي من خلال ضمان سلامة المنشآت وقاطنيها ووضع الاشتراطات التي تحدد أسس الدراسات الصحيحة والأساليب الملائمة لظروف وإمكانات المملكة مما يساعد المهندسين والفنيين والمواطنين ويمكنهم من القيام بأعمالهم بطرق سليمة ومأمونة، و يساهم في وضع حد للاختلافات بالآراء المتعددة للجهات التي تعمل في قطاع البناء والتشييد، وذلك عن طريق استخدام وتطبيق قواعد الكود كنظام معترف به على المستوى الوطني واللجوء إليه للفصل بين الخلافات والمنازعات.
تفترض أهمية الكود وجود رافد تقني وبحوث علمية مستمرة تتعامل مع الطبيعة الخاصة بالمملكة، كما تفترض وجود “مواصفات ومقاييس” مبنية على سلسلة من البحوث العلمية المتصلة التي تطور وتحسن من المواصفات التي يفرض الكود استخدامها وبالتالي تكون هذه المواصفات في حالة تجربة وتخضع للتقييم ومن ثم التطوير والتحسين من خلال البحوث العلمية. لكن للأسف الشديد هذا الجانب غير موجود ولم يتم التفكير فيه أصلا، فقد تم إنجاز الكود بعيدا عن أي مؤسسة علمية وبحثية. ببساطة شديدة كود البناء السعودي هو “ترجمة” شبه حرفية للكود الأمريكي مع وضع بعض التحسينات التي تناسب المملكة العربية السعودية، وقد قام بهذه الترجمة أساتذة متخصصون من الجامعات السعودية بشكل فردي ولم يوضع في الاعتبار أهمية وجود الرافد التقني المناسب لبيئة المملكة العربية السعودية. لذلك فحتى لو طبق الكود فإنه لن يكون فعال كما نتصور لأنه مزروع في بيئة غير بيئته خصوصا من الجانب التشريعي الذي سأبينه بعد قليل في هذه الورقة.
لو نظرنا لأهداف كود البناء الاستراتيجية سوف نرى أنها أهداف عامة لا تعكس محتوى الكود وآلية تطبيقه ، ففي حين أن هذه الأهداف على قدر كبير من الأهمية لكنها عبارة عن “أحلام” لأن كل هدف يحتاج إلى مؤسسة لتنفذه، وهذه أحد الإشكالات التي نعاني منها بشكل عام في أي عمل تنظيمي وتخطيطي، بما في ذلك رؤية 2030 فالأفكار وصياغة الأهداف أمر سهل ولكن تحويل هذه الأفكار إلى واقع مسألة في غاية الصعوبة. تنص أهداف كود البناء السعودي على التالي:
- تطوير محتوى كود البناء السعودي لتحسين كفاءة وسلامة ومتانة واستدامة المباني.
- زيادة العمر الافتراضي للمباني من خلال تطبيق قواعد واشتراطات ومتطلبات كود البناء السعودي واستخدام المواصفات القياسية السعودية.
- الترشيد في استهلاك الطاقة بأنواعها وخفض تكلفة التشغيل والصيانة للمباني.
- زيادة مقاومة المباني للكوارث الطبيعية.
- اقتراح الأنظمة واللوائح التنفيذية التي تلزم الجهات العامة والخاصة بتطبيق متطلبات الكود وأسس ومعايير تصميم المباني والمنشآت المقاومة للزلازل في المملكة ومراقبتها الدائمة التي تساعد على تحقيق الأهداف.
من الناحية التشريعية يواجه الكود مأزق فعلي. أنا شخصيا كنت في اللجنة القانونية التي “ترجمت” وحاولت “إعادة الصيغة القانونية” للكود، لكن واجهتنا مشكلة كبيرة أعتقد أنها قائمة حتى اليوم وهي السبب الرئيس في تعطل تطبيقه حتى هذه الساعة وهي أن الكود الأصلي تم وضعه وتطويره حسب النظام التشريعي الأمريكي وبالتالي جميع آليات التقاضي وضعت لتناسب القضاء الأمريكي وليس السعودي من ضمنها آليات الشكوى ولجان الاستماع وأسلوب الفصل في القضايا وهذا كله لا يتلائم مع القضاء السعودي ووجدنا صعوبة بالغة في تكييف الكود لما هو معمول به قضائيا في المملكة لذلك وقعنا في مأزق إما أن نغير الكود أو نغير نظام القضاء في المملكة.
الإشكالية الثانية هي أن المؤسسة المسؤولة عن تنفيذ الكود وهي وزارة الشؤون البلدية والقروية غير مؤهلة للقيام بهذا الدور وبالتالي كان هناك اقتراح أن تتولى مكاتب هندسية متخصصة مسؤولية تطبيق الكود وهذا سيرفع من تكاليف المخططات والدراسات الهندسية على المواطنين لأن الكود يشترط مراجعات متخصصة للمخططات يفترض أن تكون المؤسسات الرقابية قد طورتها منذ زمن بعيد. تكلفة تطبيق الكود باهظة جدا في ظل هذا الفراغ التنظيمي الكبير، لأن محاولة إقحام كود غريب تم تطويره في بيئة مغايرة عن بيئة المملكة غير مجد على كافة الأصعدة.
بشكل عام، ورغم أهمية وجود كود للبناء في المملكة إلا أن الكود الحالي يعاني من ثلاث إشكالات كبيرة أعتقد أنه يصعب تجاوزها، خصوصا مع عدم وجود جهة مستقلة تعمل على تطبيق الكود. هذه الإشكالات الثلاث تتركز في الجانب التشريعي القضائي والجانب التقني البحثي والجانب التنفيذي. ولعلي هنا أشير لقرار مجلس الوزراء الاثنين الفائت الذي سمح للهيئة العامة للاستثمار الترخيص للمكاتب الهندسية الأجنبية بالعمل في المملكة بشكل مستقل 100% مما يعني المزيد من إضعاف للمكاتب السعودية ومحاولة لاستغلال الثغرات التنظيمية التي كان يفترض أن يملؤها الكود.
ملحق الورقة
الإطار العام لكود البناء السعودي
تنفيذ لقرار مجلس الوزراء رقم ( 279 ) وتاريخ 8/11 / 1425 هـ باعتماد الاطار العام لكود البناء السعودي تم إخراج الكود في مصنفين أساسيين هما :
- الأول : الاشتراطات ويرمز لها بالحروف (ك.ب .س ) , وتتضمن الحد الأدنى المطلوب من المعايير الهندسية للتصميم والتشييد والتشغيل والصيانة التي تم استنباطها وصياغتها بما يتوافق مع المتطلبات والأنظمة المعمول بها في المملكة .
- الثاني : المتطلبات ويرمز لها بالحروف (SBC ) وتتضمن تفاصيل التصميم , وطرائق التشييد .
1 – الاشتراطات الإدارية والقانونية :
وتتناول نطاق الكود وتصنيف المنشآت حسب الأشغال وتوضح مسؤوليات الأطراف المعنية بالبناء وتطبيق الكود ومن ذلك :
– التعاريف .
– المهام والمسؤوليات .
– الاستخدام والأشغال .
– التأهيل .
– المنازعات .
– أخرى .
2 – الاشتراطات والمتطلبات المعمارية :
تتعلق بالأعمال المعمارية ونوعية الاستخدام ونظم التشييد للمباني , ومن ذلك :
– المتطلبات التفصيلية الخاصة المبنية على الاستخدام والأشغال .
– مساحات وارتفاعات المباني .
– التشطيبات الداخلية .
– متطلبات ذو الاحتياجات الخاصة .
– البيئة الداخلية .
– الجدران الخارجية .
– إنشاءات أعلى الأسطح .
– الخشب والمعادن الخفيفة .
– ألواح الزجاج والجبس والجص .
– البلاستيك واللدائن .
– التشييد الخاص .
– الإجراءات الوقائية أثناء التشييد .
– متطلبات سهولة الوصول الإضافية .
– التصميم ضد القوارض .
– العلامات واللوحات الإرشادية .
– أغطية الأفنية .
– أخرى.
3 – الاشتراطات والمتطلبات الإنشائية :
تتعلق بالتحليل والتصميم الإنشائي والفحوصات اللازمة , ومن ذلك :
– التصميم الإنشائي .
– الاختبارات والفحوصات الإنشائية .
– التربة والأساسات و الحوائط الساندة .
– احتياجات السلامة أثناء التشييد .
– المنشآت الخرسانية .
– البناء بالطوب والطابوق .
– المنشآت الفولاذية .
– أخرى .
4- الاشتراطات والمتطلبات الكهربائية :
تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتمديدات الكهربائية للمباني , ومن ذلك :
– التمديدات الكهربائية .
– الإنارة الداخلية والخارجية .
– لوحات التحكم .
– أنظمة التأريض .
– أجهزة إنذار الحريق .
– نظام الحماية من الصواعق .
– المصاعد والسلالم والسيور .
– مصاعد الطاقة الاحتياطية .
– أخرى .
5 – الاشتراطات والمتطلبات الميكانيكية :
تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتمديدات الميكانيكية للمباني ومن ذلك :
– التهوية والطرد .
– التبريد والتدفئة .
– تمديدات التهوية والتبريد والتدفئة .
– سخانات المياه والمراجل .
– أنظمة الطاقة الشمسية .
– المصاعد والسلالم والسيور المتحركة والرافعات .
– الصيانة .
– أخرى .
6 – اشتراطات ومتطلبات ترشيد المياه والطاقة :
– ترشيد الطاقة .
– ترشيد المياه .
7 – الاشتراطات والمتطلبات الصحية :
تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب و صيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتمديدات الصحية للمباني , ومن ذلك :
– أنظمة التغذية بالمياه .
– أنظمة الصرف الصحي .
– أنظمة تصريف مياه الأمطار .
– أنظمة مياه إطفاء الحريق .
– أنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي .
– نظام إعادة استخدام المياه الرمادية .
– تمديدات الغاز .
– أخرى .
8 – اشتراطات ومتطلبات الحماية من الحريق :
تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب و صيانة وسلامة أنظمة حماية المباني من الحريق , ومن ذلك :
– تصنيف المنشآت حسب مقاومتها للحريق .
– أنظمة الحماية من الحريق .
– سبل الهروب .
– التصميم للحماية من الحريق .
– تجزئة وفصل مناطق الحريق .
– أخرى .
9 – اشتراطات المباني القائمة :
تتعلق بتقييم وتأهيل المنشآت القائمة , ومن ذلك :
– تقييم وتأهيل المنشآت .
– التعديلات والإضافات .
– تغيير الاستخدام .
– المباني التاريخية .
– المباني المنقولة .
– تحسين الحماية من الحريق .
– تحسين الكفاءة الزلزالية للمباني القائمة .
– أخرى .
التطبيق: أهمية تطبيق الكود والآثار السلبية لعدم تطبيقه
أهمية تطبيق الكود :
جاءت أهمية كود البناء للرفع من جودة البناء والحفاظ على الاقتصاد الوطني من خلال ضمان سلامة المنشآت عن طريق وضع الاشتراطات التي تحدد أسس التصميم والتنفيذ والأساليب الملائمة للظروف المناخية والجيولوجيا والطبيعة للمملكة مما يرشد المهندسين والفنين ويمكنهم من القيام بأعمالهم بطرق سليمة ومأمونه ويساهم في وضع حد للمشاكل الناتجة عن اختلاف وجهات النظر للأطراف العاملة في قطاع البناء والتشييد، وذلك عن طريق استخدام الكود كنظام معترف به على المستوى الوطني واللجوء إليه تحسم الخلاف –لا قدر الله–.
الآثار السلبية لعدم تطبيق الكود :
على الرغم من أن قطاع الإنشاء والبناء يعد من أهم القطاعات الاقتصادية في المملكة، إلا أنه يبقى الأكثر عشوائية وبالذات فيما يخص بناء الوحدات السكنية، فمنذ الطفرة الأولى ومع بداية إنشاء صندوق التنمية العقاري، تم اعتماد النموذج الفردي لتطوير المساكن، الأمر الذي فتح الباب أمام قطاع المقاولات للعمل بمستويات محدودة التنظيم، فكانت التنمية في ظل التوسع العمراني وغياب الشروط والمواصفات الفنية الواضحة .
ومن الآثار السلبية الناتجة عن عدم تطبيق الكود :
1- عدم الالتزام بتطبيق المواصفات الفنية من قبل الجهات التي تعمل في مجال التشييد والبناء.
2- وجود الفوضى في الدراسات والتخطيط الفني والتنفيذ نتيجة فقدان المرجعية العلمية والقانونية للكود.
3- استهلاك كبير للطاقة مما ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني والتنمية.
التعقيب الأول: م. خالد العثمان
ورقة د. مشاري النعيم حول قضية كود البناء السعودي كشفت كثيرا من العوار والخلل في هذا المشروع الذي طال العمل عليه وأصبح بحد ذاته أحد أهم المشاريع المتعثرة في منظومة التنمية الوطنية. ومع اتفاقي مع مجمل ما ورد في الورقة الضافية إلا أنني أدرج هنا بعض النقاط التعقيبية هنا على سبيل الاختلاف أحيانا والإيضاح أحيانا أُخَر:
صحيح أن كود البناء السعودي هو نتاج ترجمة بتصرف لكود البناء السعودي. وصحيح أن النظام القضائي السعودي لا يدعم صحة تطبيق هذا الكود. لكنني لا أرى في الحقيقة أية إمكانية لا فنية ولا معرفية ولا قانونية محليا لكتابة كود جديد خاص بالمملكة وفق ظروفها وواقعها المعرفي والفني والقانوني. وبذلك فلا مناص من ترجمة كود قائم من الأكواد العالمية. وأجزم أن الكود الأمريكي هو أكثرها تطورا وتفصيلا وقابلية للتطبيق. كما أن القضاء في المملكة يعاني من إشكالات كثيرة على مستويات مختلفة ولا يجب التعامل معه على أنه واقع أبدي لا يصح المساس به. وهو على أي حال يعيش في طور التطوير والتغيير بموجب مشروع تطوير مرفق القضاء .. وهو ما يمثل فرصة للقائمين على ذلك المشروع للتنسيق والتوفيق مع جهود اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي وفهم متطلباته التنفيذية والقانونية وتجهيز ما يلزم من إجراءات التقاضي لدعم هذا الكود.
ربما نسي د. مشاري أن مجلس الوزراء كان قد أصدر قرارا قبل أكثر من سنة بالبدء في إلزامية تطبيق كود البناء السعودي اعتبارا من شهر 4 لعام 1439 .. وكذلك نقل اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي من وزارة الشئون البلدية والقروية إلى الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس التي تتبع إشرافيا لوزير التجارة والاستثمار.. هذا القرار أدى إلى تباطؤ كبير في أداء وعمل اللجنة وأمانتها العامة وهيئاتها التابعة .. ولا أظنني أذيع سرا إذا قلت أن اللجنة فعليا معطلة عن العمل بسبب تأخر اعتماد تشكيل مجلس إدارتها وبروز بعض الاختلافات في النظر إلى آلية عمل اللجنة وصلاحية الإشراف عليها وآلية عملها بين الوزارتين السابقة واللاحقة. الأمر الذي يعني بالتأكيد عدم جاهزية الكود للتطبيق الإلزامي في التاريخ الذي نص عليه قرار مجلس الوزراء.
أضم صوتي للدكتور مشاري في التأكيد على أهمية الجانب البحثي في تفعيل وتطبيق كود البناء السعودي.. وهو ما حاول المشرع تحقيقه بتشكيل هيئة استشارية تضم عددا من أعضاء هيئات التدريس في عدد من الكليات التطبيقية في بعض من الجامعات السعودية .. لكن هذا الهيكل بالتأكيد هو هيكل غير فعال.. والواجب تأسيس جهة بحثية مستقلة متخصصة تتولى الجانب العلمي والبحثي فيما يتعلق بالكود.. وقد تكون الجهة الأقرب لتولي هذه المهمة هي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرغم من كل ما يشوب واقع أدائها من قصور وخلل كثيرا ما كانا محل النقد والتنبيه.. لكنها تظل الأقرب والأقدر على احتضان وكالة بحثية متخصصة في كود البناء السعودي.
التعقيب الثاني: م. أسامة الكردي
أحب دائماً أن أنظر إلى النصف الملأن من الكأس و لهذا فأنا سعيد لخروج هذا الكود إلى حيّز الوجود على الرغم مما يراه البعض من عيوبه .. المهم الآن – كما ذكر م. خالد العثمان – أن يكون تطويره و تحديثه عملاً مستمرا.
كما أنه من اللازم تنظيم العديد من الدورات التدريبية المتخصصة في فهم و استخدام هذا الكود و جعل الحصول على هذه الدورات أحد شروط تسجيل المهندسين في هيئة المهندسين السعوديين.
و لغير المتخصصين أقول أن ما ذكره د. مشاري النعيم حول المصنف الثاني في الكود هو – في رأيي – الجزء المهم من الكود لكونه يتحدث عن المتطلبات الهندسية للمباني مما يؤدي إلى راحة و سلامة مستخدميها و حسن استخدامها و إطالة عمرها الافتراضي. و لعل أهم هذه المتطلبات هي متطلبات إخلاء المباني في أوقات الطوارئ و الحريق.
و كنّا أيام الطفرة الأولى في الثمانينيّات نستخدم مجموعة من ( الأكواد ) الأمريكية المتخصصة حيث كان لكل تخصص الكود الخاص به مثل الكود المعماري و الإنشائي و الميكانيكي و الكهربائي و غيرهم و كان هناك كود خاص للأمن و السلامة من الحريق. و أمل أن يشمل تطوير و تحديث الكود السعودي توزيعه على عدة ( أكواد ) حسب التخصصات الهندسية. و أتذكر أننا عدلنا من المتطلبات الإنشائية بعد لزلزال اليمن الذي وقع في أواخر الثمانينات لجعل المباني أقدر على مقاومة الزلازل عن طريق رفع المتطلبات الإنشائية حسب الموقع الجغرافي للمبنى في مناطق المملكة.
أما فيما يتعلق بتكاليف تطبيق الكود ، فأنا أرى أن هذه التكاليف أقل كثيراً من تكاليف عدم استخدام الكود سواءً كانت هذه التكاليف هي الأرواح التي أمكن إنقاذها أو في انخفاض تكاليف تشغيل المبنى أو المشروع أو في إطالة عمر المشروع.
فائدة بسيطة: عندما نلاحظ انقشاع طبقة بسيطة من الواجهة الإسمنتية لأي مبنى و ظهور حديد التسليح الصدئ ؛ فإن هذا يدل على عدم الالتزام بمتطلبات الكود التي تحدد الحد الأدنى لسماكة الإسمنت الذي يغطي الحديد ؛ انخفاض هذه السماكة أدى إلى وصول الرطوبة إلى الحديد و صدأه و بالتالي تمدده و بالتالي انقشاع الطبقة الإسمنتية الخارجية.
المداخلات حول القضية:
- oكود البناء وإشكالاته في الواقع السعودي
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن البعض ربما يتساءل عن الهدف من إنشاء ما يسمى بكود البناء السعودي؛ وفي هذا الشأن يمكن القول بأن الكود السعودي يهدف إلى وضع الحد الأدنى من الاشتراطات والمتطلبات التي تحقق السلامة والصحة العامة من خلال متانة واستقرار وثبات المباني والمنشآت وسبل الوصول إليها وتوفير البيئة الصحية والإضاءة والتهوية الكافية, وترشيد المياه وحماية الأرواح والممتلكات من أخطار الحريق وغيره من المخاطر المرتبطة بالمباني.
وضرب م. خالد العثمان مثالا على بعض مضامين الكود بقوله أن السوق مثلا يعج بأشكال وألوان من صنوف المقابس الكهربائية تستورد من كل مكان.. الكود مثلا يحدد مواصفات محددة للمقابس تسمح باستخدام أنواع موحدة تلائم الشبكة الكهربائية وتحد من استخدام المحولات وغير ذلك.
وامتدادا لما ذكره م. خالد العثمان حول قطاع الكهرباء والاشتراطات التي يفترض الالتزام بها للوصول إلى مواصفات تخدم سلامة إنشاء المباني ، أضاف د. عبد الله بن صالح الحمود أن منها على وجه الخصوص ما يلي:
– التمديدات الكهربائية.
– الإنارة الداخلية والخارجية.
– لوحات التحكم.
– أجهزة إنذار الحريق.
– نظام الحماية من الصواعق.
– المصاعد والسلالم والسيور .
– مصادر الطاقة الاحتياطية.
– أنظمة التأريض.
وبخصوص أنظمة التأريض، تم التوضيح بأن التأريض هو المنظومة الأرضية ، ويعني اتصال كهربائي يعمل عن قصد ، بين جهاز كهربائي أو شبكة أجهزة من جهة ، وكتلة الأرض من جهة أخرى. لذا فإن التأريض مطلوب لتوفير السلامة للمنظومة الكهربائية وللعاملين في المنشأة ، وهذا معروف بشكل عام لدى الغالبية من الأشخاص ، ولكن غير واضح لدى النسبة العظمى من الناس كيفية تحقيق ذلك.
ويمكن تعريف المنظومة الأرضية أو التأريض بأنه اتصال كهربائي عمل عن قصد بين جهاز كهربائي أو شبكة أجهزة من جهة وكتلة الأرض من جهة أخرى. لذا فإن التأريض مطلوب لتوفير السلامة للمنظومة الكهربائية وللعاملين في المنشأة وهذا معروف بشكل عام لدى الغالبية من الأشخاص ولكن غير واضح لدى النسبة العظمى من الناس كيفية تحقيق ذلك.
وطرح د. عبد الله بن صالح الحمود تساؤل حول إمكانية إشاعة تعدد أنماط البناء لكل منطقة على حدة في السعودية ، بحيث تكون أنماط متعارف عليها واستنادا إلى طبيعة وتراث كل منطقة.
وفي هذا الإطار أوضح م. خالد العثمان أن كود البناء لا علاقة له بالطرز المعمارية وأنظمة البناء.
بينما ذكرت د. ثريا العريض أن أحد معاني code هو نظام قانوني يحدد التفاصيل، يفرض على الجميع ويعاقب عدم الالتزام. و حسب فهمها فإنه يتعلق بأنظمة السلامة و الوقاية من الأخطار الطبيعية المرتبطة بالمنطقة. أيضا يحدد المعالم الخارجية للمبنى كالارتفاع و اللون ونسبة المساحة المشيد عليها و الفواصل بين الجيران، في تركيا مثلا لابد من الالتزام بمقاومة الزلازل.
في حين أشار د. مشاري النعيم إلى أن الهدف الأساسي من الكود هو رفع كفاءة وجودة المباني والبيئة العمرانية من خلال وضع اشتراطات ومواصفات مبنية على دراسات وأبحاث علمية والأهم من ذلك تكون مجربة. أما الجانب التنظيمي يهدف بالدرجة الأولى الالتزام بالمواصفات والاشتراطات التي ترفع من كفاءة المبنى؛ هو ليس نظام بديل للبناء (الارتفاعات والمساحات والارتدادات).
وحول المكاسب الأساسية نحو فرض كود البناء عامة، ذكر د. مشاري النعيم أنها تتمثل فيما يلي:
– جودة البناء.
– الأمن والسلامة.
– تخفيض كلفة التشغيل والصيانة.
– إطالة عمر المبنى.
– المكاسب النفسية من خلال رفع الجودة العامة للبيئة العمرانية وتخفيض احتمالية تدهورها.
ومن جديد تساءل د. عبد الله بن صالح الحمود: عند رغبة شخص بناء بناية له ، هل المهندس الذي سيقوم بعمل مخطط المبنى هو من يؤكد على تطبيق كود البناء ، أم أن ذلك شروط محددة مسبقا من لدن البلديات؟
وحول هذه النقطة أوضح د. مشاري النعيم أن الكود يفرض نوع من المراجعة للمخططات تقوم بها جهات رقابية ذات خبرة وهذا ما تفتقده البلديات؛ لذلك وضع مقترح كي تخصص بعض المكاتب لمراجعة الكود والتصديق على المخططات، وبالطبع المواطن سيدفع تكاليف هذه المراجعات والمكاتب؛ ما سيتحمله المواطن من تكاليف مجد لكن يحتاج إلى توعية. المشكلة الأخرى هي سهولة اختراق الجهات الرقابية وبالتالي احتمالية تطبيق الكود على البعض واستثناء البعض الآخر.
أما بشأن العيوب التي ظهرت على نظام الكود السعودي الحالي؛ فيرى م. أسامة كردي أنه لم يمر وقت كافٍ من استخدام الكود لتتضح له أي عيوب و لكنه لا يتوقع ذلك ؛ لأنه فنياً مترجم من الكود الأمريكي صاحب الخبرة التطبيقية الطويلة. و من نفس هذا المنطلق فإن متطلبات الإخلاء لا تتجاوز المتطلبات المنطقية العالمية. أما مدى إدراك الدفاع المدني لهذه المتطلبات فهو موضوع آخر!
ولاحظ د. خالد الرديعان أن كثير من العمارات التي على شوارع رئيسة أنها تتكون من طابقين فقط.. وبسبب غلاء العقار فقد لجأ البعض إلى زيادة طابق أو طابقين على ما هو موجود.. يقومون بذلك بعد الحصول على تصريح من البلديات الفرعية التي عادة تكتفي بالنظر لخرائط المبنى الأصلي مع زيارة عابرة للموقع يقوم بها مراقب بلدية ربما غير متخصص؛ والخشية أن يكون في ذلك شيء من الفساد الذي سنجني نتائجه بعد عدة سنوات عندما نواجه مشكلة تصدع بعض العمارات وسقوطها كما يحدث في بعض البلدان كمصر؛ فقبل فترة سقطت عمارة في الإسكندرية مكونة من ١٣ طابقاً علماً أن تصريحها الأصلي كان طابقين فقط.. لحسن الحظ لم تسقط العمارة أرضاً بل مالت نحو عمارة مقابلها لها لتشبه برج بيزا المائل وتم في النهاية تشكيل لجنة لدراسة الوضع وقررت هدم العمارة كاملة وهو ما تم بعد عدة أيام دون خسائر في الأرواح إلا أن المشكلة متكررة في مصر فيما يشبه الظاهرة التي تعزى للفساد. والمشكلة إذا كنا نسير في ذات الاتجاه في التصريح للبعض ببناء طوابق إضافية.
كذلك مما يلاحظ كذلك على المعماريين عندنا ممن يصممون خرائط الفلل والعمارات السكنية أنهم يزيدون كميات الحديد بصورة غير معقولة ربما لتلافي سقوط المباني وظهور عيوب فيها لاحقاً؛ وهذا يتم على حساب المالك الذي يدفع مبالغ إضافية في الحديد؛ ففيلا صغيرة قد تحتاج ٣٠ طناً من الحديد لكن المهندس يضع كمية إضافية خاصة للسقوف فتصل الكمية إلى ٥٠ طن وهذا عبء إضافي على المالك. الاحتراز غير المبرر من المهندسين مكلف في مواد البناء وقد ينم عن جهل بعض المهندسين مما يدفعهم للقيام بذلك على حساب المالك المسكين. وبعض مراقبي البلديات ممن يتابعون تنفيذ المباني لصرف دفعات الصندوق العقاري (سابقاً) يكتفون بالنظر للمبنى ولا يفحصون بدقة وربما كان بعضهم فاسداً ولا نعمم.
لكن د. عبد الله بن صالح الحمود يعتقد أن كود البناء لا يدخل ضمن كميات الحديد أو حتى كميات الإسمنت الخرسانية؛ و من هنا إن صح القول فإن اللوم يصب تجاه المكتب الهندسي الذي أعد المخطط .
أيضا فقد أوضح م. خالد العثمان أن هناك حالة من غياب الفهم الصحيح لدى غير المتخصصين لمعنى ومضمون كود البناء .. وللإيضاح فإن كود البناء لا علاقة له بأنظمة البناء المتعلقة باستخدامات الأراضي ونسب التغطية وارتفاعات المباني والارتدادات وغير ذلك.. ولا علاقة لكود البناء أيضا بالطرز المعمارية والهوية المعمارية لكل منطقة. والمعماريون ليس من عملهم تصميم الخلطة الخرسانية وكميات الحديد في المباني .. هذا عمل المهندس الإنشائي
وفي الحقيقة حالة الاجتراء على التخصصات الهندسية قضية مهمة وشائكة تتطلب تعاملا حازما من الجهات ذات العلاقة.. تطبيق الكود والأنظمة عموما يتطلب أن يقوم كلٌ بعمله في مجال اختصاصه.. بينما في الواقع نجد كثيرا من حالات الخلط في التخصص بين المهندسين.
أحد عقبات تطبيق الكود هي ظاهرة البناء الفردي.. عندما يتحول كل من يريد البناء إلى مطور ومقاول فمن المستحيل ضمان تطبيق الكود والأنظمة بالكفاءة المطلوبة.
ومن ناحية أخرى فإن النظام القضائي لا يدعم تطبيق كود البناء حاليا كما ذكر د. مشاري النعيم لأن الكود جديد ولم يبدأ تطبيقه إلزاميا بعد.. من الضروري أن تعمل اللجنة الوطنية لكود البناء على بناء علاقة تنفيذية فاعلة مع الجهاز القضائي خاصة وأنه – كما تم الإشارة سلفاً – يخضع للتطوير ضمن مشروع الملك عبد الله رحمه الله لتطوير مرفق القضاء.
في منحى آخر.. هناك دول عربية سبقت في إعداد كود البناء الخاص بها.. الكود المصري مثلا مطبق منذ سنوات.. وأيضا هناك كود أردني.. لماذا لا يكون هناك اتجاه لتوحيد كود البناء عربيا.. هذا يفتح بابا مهما للتبادل التجاري والصناعي والهندسي بين الدول العربية ويخلق سوقا أكبر في منتجات ومواد وخدمات البناء؟ لماذا هذا التوجه القطري في كل شيء حتى في كود البناء؟ وهذا محور سياسي مهم.
وأيد د. عبد الله بن صالح الحمود هذا المقترح وأضاف أنه جميل فيما لو كان هناك توحيد لكود عربي ولو بنسبة ٨٠ % مما يدعم قرار فتح السوق الهندسي الجديد.
لكن د. خالد الرديعان تساءل من جهته: هل يمكن القول بوجود كود عربي موحد للبناء في ظل التباين الجغرافي والاقتصادي لكل دولة. هل ما يمكن تطبيقه في مصر مثلاً مناسب للمملكة ببيئتها المختلفة ونمط عمرانها وهويتها المميزة؟
وفي هذا السياق أوضح م. خالد العثمان أن توحيد الكود وارد جدا إن توفرت الإرادة.. مزايا توحيد الكود عربيا أو على الأقل خليجيا كبيرة وجمة.. على الأقل يمكن أن يكون كودا موحدا استرشاديا لحين تطوير أسواق مواد وبناء الخدمات تبعا لتطبيق الكود. ولو تم توحيد أنظمة الكهرباء والطاقة والخرسانة وكل شيء عربيا.. يصبح التاجر والمقاول والمهندس قادرا على العمل في سوق مفتوحة من عمان إلى المغرب.
ومن ناحيته يرى د. مساعد المحيا أنه وفقا لتعريف الزملاء للكود بأنه مجموعة الاشتراطات والمتطلبات من أنظمة ولوائح تنفذيه وملاحق متعلقة بالبناء والتشييد لضمان السلامة والصحة العامة” فإنه يميل إلى أن ثمة مشكلات كبيرة تتعلق بعدم قناعة البعض بأن هذه الاشتراطات هي في صالح المواطن .. ولذا حين تكون إلزامية سيعمل هؤلاء على عدم الالتزام بها وسيتخذون الكثير من الأساليب للإيهام بأنهم ملتزمون بها. ومن ثم فالمهم هو أن نفكر مليا في إقناع الناس بأن ذلك الكود هو في صالحهم وأن نجرده مما يشق عليهم أو يكلفهم .. وأن تعمل كل أمانات المناطق على أن تكون ذات نسيج واحد في الاهتمام به والالتزام ببنوده .. إذ نشاهد اليوم معايير بناء متباينة بين الرياض والدمام وعسير مثلاً.
وباعتقاد د. خالد بن دهيش فإننا نعاني من الأخطاء التي وقعنا فيها عند بناء منازلنا ، فقد ركبنا أفضل أنواع الأفياش ذات الفتحتين واللمبات بأنواعها المناسبة للكهرباء 110 فولت ، والآن اضطررنا لتغيرها إلى أفياش ذات الثلاث فتحات واللمبات ذات 220 فولت واللمبات LED ، كل تلك الأخطاء والخسائر نتاج عدم توفر كود للبناء يلزم الموردين والمهندسين والمنفذين بتضمين التصاميم بكود البناء المعتمدة.
أما أ. عبدالله الضويحي فقال في مداخلته: ونحن نناقش ( كود البناء السعودي ) يكون مر على قرار مجلس الوزراء رقم (279) وتاريخ 8/11/1425 باعتماد الإطار العام لكود البناء السعودي ثلاثة عشر عاماً بالتمام والكمال.
ورغم هذه المدة إلا أنه ظل مجهولاً لدى العامة وممن يهمهم الموضوع ويتوجه إليهم عدا الـ 28 مهندساً و مسئولاً الذين وضعوا نظامه وبعض المهتمين من أصحاب الاختصاص .. رغم أن التطبيق سيبدأ في العام القادم وهناك غرامات مالية عالية على المخالفين.
وأنا أقرأ المداخلات تبادر لذهني بعض اللوحات (فيلا للبيع مبنية للاستعمال الشخصي) مما يعني أن هناك نوعين من البناء:
– بناء مطابق ومحقق لشروط السلامة والصيانة .. إلخ.
– وبناء كما نقول ( تجاري ) ودائماً ما نلحظ معاناة المشتري والغش في البناء وهذا غالباً في كل بناء يهدف صاحبه لبيعه سواء أفراد أو شركات ومجمعات.
حسبي أن كود البناء سيقضي على هذه الظاهرة وبناء عليه سأطرح مداخلتي عبر تساؤلات على أطراف القضية.
- أولاً: لماذا تأخر تطبيق النظام أو العمل به كل هذه المدة ( 14 عاماً على التطبيق ).
- ثانياً: يتساءل د. خالد الرديعان عن إمكانية وجود كود عربي موحد للبناء في ظل التباين الجغرافي والاقتصادي لكل دولة. وأنا هنا أتساءل: عن إمكانية وجود مثل هذا الكود في المملكة في ظل التباين الجغرافي والاقتصادي بين مناطقها المختلفة !؟
- ثالثاً: يقول م. خالد العثمان مستغرباً أن ذات المجتمع الذي يخوض في تفاصيل البناء في كل مرة يقوم أحد أفراده ببناء مسكنه مشيراً إلى ظاهرة البناء الفردي وأثرها السلبي على جودة البناء والهدر المالي والاقتصادي .. وأقول: أننا مجتمع يحب التغيير والتفرد والتميز فالبعض ينتقل من حي لآخر ويغير مسكنه كل عشر سنوات وربما أقل أو أكثر وبتصاميم حديثة وفي أحياء حديثة وكأنه يتابع الموضة.
- رابعاً: هل سيقضي كود البناء – وهذا مفهومي – على المواد المقلدة والرديئة الداخلة في البناء وحتى فيما يسمى التشطيبات النهائية !؟ وإذا كان كذلك كيف ستتم حماية السوق منها !؟ وكيف ستتم متابعتها !؟ ومن سيتابع !؟
- خامساً: هل نحن جاهزون لتطبيق الكود العام القادم فعلاً !؟ بمواصفاته وشروطه الجزائية !
- سادساً: وهذا سؤال مهم في نظري: ما هو دور تطبيق الكود السعودي في البناء على سعر المنتج !؟ سكنياً كان أو تجارياً !؟ هل سيسهم في رفع الأسعار تناسباً مع الجودة!؟ أم العكس !؟
ومن جديد أشار د. خالد الرديعان إلى أنه بما أن قرار الكود البنائي مضى عليه أكثر من ثلاثة عشر عاماً فما سبب التأخير في تطبيقه؟ هل هناك جهات معينة ستتضرر من التطبيق كالتجار وموردي مواد البناء والتشطيبات.. فأسواقنا تعج بالبضائع الرديئة ومنها مواد البناء وخاصة ما يتصل بالأدوات الكهربائية والسباكة والدهانات وغيرها. ما هو شائع أن بعض الموردين يلجأون للسلع الصينية الرخيصة بدعوى أنها الأكثر طلباً في السوق. سأعطي مثال على تأثير رداءة بعض المنتجات من خلال مباني جامعة الملك سعود فهي قد نُفذت في نهاية السبعينات وتحديداً ١٩٨٠م . وقد ظلت هذه المباني وتجهيزاتها صامدة أكثر من ثلاثين عاماً .
اضطرت الجامعة في السنوات الأخيرة إلى إجراء صيانة لبعض المباني وخاصة دورات المياه، لكن الصيانة لم تكن بذات الجودة التي نفذت بها المباني أول مرة.. بعض ما تم تركيبه من أدوات صحية في الصيانة الأخيرة مثلاً تلفت بعد عدة أشهر كون ما تم تركيبه من أدوات من النوع الرديء الذي لا يصمد طويلاً. للتذكير فالجامعة نفذتها شركة أمريكية ومعظم الأدوات الصحية هي منتج أمريكي من النخب الأول. هذا يعني أن مقاولي الصيانة يلجأون للمواد الأرخص سعراً لتوفير مبالغ ربما طائلة.
وأوضح م. خالد العثمان أنه وبسبب ما ذكره د. خالد فقد تم الإشارة سابقاً إلى أن كود البناء يهدف في الأساس لرفع مستوى الجودة والسلامة في التنفيذ والصيانة .. الانفلات في استخدام مواد البناء الرديئة يعود إلى غياب كود حازم يمنع استخدام مواد غير ملائمة ومطابقة للمواصفات.
أما تأخير تطبيق كود البناء 13 عاما ويزيد؛ فيعزي إلى مجموعة من الأسباب تتمثل في التالي:
- ضعف الإجراءات الحكومية عموما وبطء التفعيل.
- تشتت الصلاحيات والاختصاصات والتأثير بين أعضاء اللجنة الوطنية لكود البناء.
- تركيبة اللجنة أصلا تضعف فعاليتها.. كان الواجب أن تكون جهازا مستقلا ذو صلاحيات مؤثرة.
- الثقافة العامة وغياب الفهم والوعي بكود البناء وأهميته.
- التأثير الكبير على السوق لرجال الأعمال المتنفذين ومنهم العقاريون.
- شيوع ثقافة البناء الفردي.
وعلق د. خالد الرديعان بأن تطبيق الكود قد يحد من استيراد بعض المنتجات الرديئة وهنا سيتضرر قطاع كبير من الموردين؛ وبنفس الوقت سترتفع تكلفة المباني.
وحول هذه النقطة ذكر م. خالد العثمان أن الموردون الذين يستوردون مواد مخالفة ورديئة يجب معاقبتهم وسحب تراخيصهم وليس فقط محاربتهم تجاريا. ومن ناحية أخرى ليس بالضرورة أن التكلفة سترتفع.. لا بالعكس فآليات البناء الجماعي واقتصاديا البناء ستخفض التكاليف في المحصلة؛ فعندما ينحصر الطلب في نوع معين مثلا من المقابس يزداد الطلب عليه وينخفض سعره. وفي العالم المتقدم يتم بناء 95% من المشاريع السكنية عبر آليات البناء الجماعي والبقية بالبناء الفردي وهم في العادة الأثرياء الذين يريدون تصاميم خاصة على سبيل التفرد .. بينما هنا النسبة معكوسة والكل يبحث عن التفرد بالرغم من كلفته كما ألمح أ. عبدالله الضويحي.
وأكد د. خالد الرديعان على أن فكرة البناء الجماعي ممتازة للغاية فهي بالتأكيد ستقلل التكلفة لكن هل يوجد شركات متخصصة تقوم بذلك.. فعلى مستوى الأفراد الذين ينفذون مبانيهم الخاصة فإن معظمهم غير متخصص مما ينعكس على جودة وسلامة مبانيهم فهم عادة يوكلون المهمة إلى مقاول غير ملم بالمواصفات الأساسية للتنفيذ. لماذا مثلاً لا ينشأ تكتل للمقاولين الصغار وتكوين شركات بناء كبيرة؟
مسألة أخرى وهي أننا من وقت لآخر نسمع عن شركات جديدة تنفذ مباني قليلة التكلفة وبفترات قصيرة وبمواد بناء غير معهودة.. فهل هذه الشركات تعمل بمعايير معينة؟ الاعتقاد أن هناك فوضى في سوق البناء إذ من يضمن أن منتجات هذه الشركات ذات جودة عالية في ظل ما نعرفه عن طقسنا شديد الحرارة الذي يساعد في تلف المباني غالباً.
وأكد أ. محمد بن فهد العمران أن دول العالم المتقدم لا تسمح لفرد ببناء منزله لوحده داخل النطاق العمراني و يتم ذلك فقط من خلال مشاريع لمجموعات من الوحدات السكنية (فلل و مباني) أو من خلال شركات متخصصة.
وفي هذا السياق أشار م. خالد العثمان إلى أنه بعد تطبيق برامج الشراكة بين وزارة الإسكان والقطاع الخاص أصبح المجال مفتوحا لظهور شركات محترفة ومتخصصة في البناء الجماعي.. ما تسمى في الغرب “بُناة المساكن” .. Home Builders. كما أن تقنيات البناء الحديثة تتقدم بتسارع كبير.. ووزارة الإسكان فتحت الباب لتطبيق هذه التقنيات.. وفي الحقيقة نحن تأخرنا كثيرا في تبنيها. ولعل أهم ميزة لتطبيق تقنيات البناء هي تقليل الاعتماد على العنصر البشري وما ينتج عنه من أخطاء مكلفة خصوصا من العمالة غير الماهرة. كما أن بناء مكونات المشاريع في المصانع ونقلها للمواقع يرفع من الجودة ويخفض الوقت والتكلفة. وفي النهاية كود البناء يحكم كل المنظومة عبر تقنين المواد والمنتجات والأنظمة وطرق التنفيذ.
وأحد هياكل البناء الجماعي الغائبة تماما في النموذج السعودي هو الإسكان التعاوني .. وهو أحد أسباب ارتفاع نسب تملك المساكن في دول عديدة أهمها النرويج وهولندا.
أما د. الجازي الشبيكي فلفت نظرها أن لدينا مهندسين سعوديين على مستوى عالٍ من الكفاءة ، ومن ثم لماذا لا يكون لنا كود بنائي خاص بنا وبمتطلبات بيئاتنا التضاريسية المُناخية المختلفة في المملكة العربية السعودية وبما يلائم الجوانب التشريعية والقضائية مسترشداً بالكود الأمريكي أو غيره من الدول المتقدمة في هذا المجال؟
و حول هذه النقطة أوضح م. خالد العثمان أن الكود السعودي موجود بالفعل.. وهو نتاج عمل الثلاثة عشر الماضية.. ما يتبقى الآن تفعيله ووضعه موضع التنفيذ الإلزامي بموجب قرار مجلس الوزراء العام الماضي.. الموعد المحدد لإلزامية تطبيق الكود في المشاريع الحكومية هو شهر ربيع الأول 1439 القادم.
وفي تصور أ. أسامة نقلي فإن الهوس بمباني الأبراج الزجاجية، أفقد عواصم دول مجلس التعاون هويتها، ولا يتسق مع البيئة الساخنة للطقس ، بل يسهم بشكل كبير في زيادة درجة الحرارة من خلال عكسها لأشعة الشمس على البيئة المحيطة بها. ولو لاحظنا المباني الطينية القديمة لوجدنا نوافذها عبارة عن كوة صغيرة تسمح بدخول الهواء والإضاءة وتمنع الحرارة. وفِي منطقة الحجاز تشتهر بيوتها القديمة بالحدائق الداخلية أو ما يسمى بالمنور وذلك للسماح لتيار الهواء البارد التنقل بين غرف المنزل بشكل تلقائي. كانت الإمكانات بسيطة والعقول كبيرة في بناء البيوت الذكية.
ومن وجهة نظر م. سالم المري فإن العمائر الزجاجية ممكن أن تكون مصدر كبير لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لو استخدمت الخلايا الشمسية في الزجاج أو جزء منه ، و لكن المشكلة للأسف ما زالت نظامياً لأن هيئة تنظيم الكهرباء و شركة الكهرباء لم تسمح حتى الآن بالتوصيل المتزامن بين الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية و الشبكة العامة في المنازل ، و لم تضع تشريع يسمح بتصدير الطاقة إلى الشبكة العامة من قبل المواطنين المستخدمين للطاقة الشمسية ، و هذا الأمر ضروري جداً لأن الطاقة الشمسية غير متوفرة إلا في أوقات معينة و تخزينها ما زال صعب. وقد تم سد هذه الثغرات التشريعية في جميع الدول التي تستخدم الطاقة الشمسية في أمريكا و أوربا.
- oالتوصيات المقترحة
1- السعي نحو الالتزام بتطبيق المواصفات الفنية من قبل الجهات التي تعمل في مجال التشييد والبناء .
2- وجوب توافر مرجعية علمية وقانونية لكود البناء السعودي .
3- السعي نحو تخفيض استهلاك الطاقة عند الالتزام بضوابط كود البناء السعودي ، مما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني والتنمية عامة .
4- ضرورة وجود دورات تدريبية تخصصية للمهندسين والمشرفين الفنيين لكيفية الاستفادة من شروط وضوابط كود البناء السعودي ، مما يضمن حسن التطبيق ، مع ربط إلزامية عقد هذه الدورات من خلال هيئة المهندسين السعوديين .
5- إصدار كتيب من لدن الجهة المعنية بتطبيق كود البناء السعودي (وزارة الشؤون البلدية والقروية) حتى يكون مصدراً معلوماتياً للجميع .
6- أن تسعى وزارة العدل من خلال المحاكم المتخصصة لديها ، إلى دعم تطبيق نظام كود البناء السعودي ، لجعله نظاماً داعماً لأنشطة البناء في المملكة العربية السعودية.
7- أن يكون هناك كود بناء عربي أو على الأقل خليجي ، خصوصاً ما هو متقارب بيئياً وجغرافياً خدمة لتبادل الخبرات بين أكثر من دولة .
8- تفعيل دور اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي ، وأن يكون دورها ملبياً لاحتياجات المواصفات الفنية للحفاظ على العمارة السعودية ، مع اقتراح نقل مهامها وأنشطة أعمالها إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية ، خصوصاً بعد أن أنشأت وكالة خاصة بكود البناء السعودي متمثلة في وكالة مساعدة لكود البناء السعودي.
9- تفعيل الجانب البحثي في تفعيل وتطبيق كود البناء السعودي ، من خلال تأسيس مركز بحثي مستقل يعنى بالجانب العلمي والبحثي .
10- ربط إصدار رخصة البناء بالإقرار بتطبيق نظام كود البناء السعودي .
11- أن تضم بعض من آليات وضوابط (الهندسة القيمية) مع شروط ومواصفات كود البناء السعودي ، لتكوين منظومة متكاملة من مبان صحية من جانب ، واقتصادية من جانب آخر .
12- مشاركة الإعلام في بث ثقافة حماية المباني فنياً من خلال ما يمليه شروط وضوابط كود البناء السعودي .
13- دعم أنظمة كود البناء السعودي من خلال الإجراءات التي تضمن حماية السوق من المواد والأنظمة غير المطابقة للمواصفات ، مع تفعيل دور الجمارك السعودية بهذا الخصوص .
14- تفعيل دور المطورين في تصميم برامج ووسائل البناء الجماعي ، وتحجيم ثقافة البناء الفردي لضمان فعالية وكفاءة تطبيق أنظمة الكود السعودي .
المحور الثاني
الثقافة الوطنية بين النخب والجماهير
الورقة الرئيسة: د. عبدالسلام الوايل
لا يخلو موضوع هذه القضية ، رغم بساطته الظاهرة، من تعقيد مفاهيمي. والتعقيد يظهر في كلمات العنوان. و إن كان مفهومي “النخب” و “الجماهير” أكثر مفردات العنوان تعالياً أو “نخبوية” فإن التعقيد حقيقة يكمن في المفهومين الأكثر شيوعاً، أعني “الثقافة” و “الوطنية”. وسأحاول تقديم “تحرير” سريع لهذين المفهومين تمهيداً لخوض الموضوع.
فبينما يحيل التداول اليومي في لغتنا العربية لكلمة “الثقافة” لنتاجات نخبوية، فإن المعنى الأنثروبولوجي يدمج داخل دائرة هذا المفهوم طائفة واسعة من أوجه حياة الشعب تكاد تشمل كل جوانب الحياة من فنون و أدب و معمار و أزياء و طبخات و أساليب تفاعل و خلافه. الثقافة، وفقاً لهذا المنظور، تشمل كل ما طوره الإنسان زيادة عن حالته الفطرية. و لئن كان إشباع الجوع عبر الأكل أمر فطري للكائن الحي، فإن نوعية الأكل و طرق إعداده و تناوله أمور ثقافية بحتة.
أما المفهوم الملغز الآخر، فهو “الوطنية”. و مرجع التباس هذا المفهوم هو قلق مفهوم الدولة الوطنية، أو الدولة-الأمة Nation-State، في تناولاته اليومية لدى سائر أهل لغة الضاد. فبرغم مرور ما يقارب القرن على قيام الدول الوطنية في عالمنا العربي إلا أن هذا المفهوم لم ينجح بعد في تعيين حدوده في المخيال العام ليميز نفسه عن الأشكال السابقة له، كالنماذج الإمبراطورية المتحققة في الدولة العثمانية و ما قبلها. و لذا، فإننا حين نذكر “الوطنية” فإننا نستعمل مصطلحاً له حدوده الدقيقة التي يجب أن تميزه عن غيره من المصطلحات الدالة على أشكال مختلفة من التنظيم السياسي.
و بناء على ما سبق، فإن هذه القضية يُفترض أن تشمل مختلف أساليب الحياة التي يتصف بها الشعب السعودي من منظور كل من النخب و الجماهير. و تبيّن الاختلافات بين المستويين.
يُلاحظ في هذا السياق أن النخب السعودية، على اختلاف أنواعها و مشاربها و أطرها الفكرية، تتعالى بشكل ما على أنماط ثقافية جماهيرية. نستطيع أن نعدد أوجه الثقافة السعودية لدى النخب. أنها الخطاب الديني المميز للحالة السعودية و اللباس و بعض الرقصات و أغاني المطربين الذين نراهم في افتتاحيات الجنادرية و آلة العود و أشعار فصيحة، استطاع خلف بن هذال وحده فرض نفسه كشاعر شعبي ضمن هذا النادي، و النتاجات الأدبية الرفيعة من رواية و قصة. الأشكال الأخيرة، و التي ينصرف إليها الذهن عادة حين ترد كلمة “ثقافة”، نخبوية بشكل مؤسسي، فهي عماد أنشطة المؤسسات الثقافية، كالنوادي الأدبية و جمعيات الثقافة و الفنون.
لكن وسائل التواصل الجماهيري حملت معها ثقافة الجماهير و صدّرتها و فرضتها. فالأدب الشعبي و الشيلات و الربابة و الاعتزاز بتربية الجمال و بعض لزمات اللهجات المحكية و حتى الصعود المؤزر للعناصر التقليدية للمائدة السعودية، كلها عناصر ثقافية لطالما تعالت عنها المؤسسات الثقافية و نجدها اليوم قادرة على فرض نفسها كسمات للثقافة السعودية. من الطريف في هذا الشأن رؤية فناني شوارع في مدن غربية ينجحون في جني المال من خلال الرقص على أنغام شيلات و أغان لمطربين شعبيين. هذا تعبير عن أن الجماهير قدرت على فرض تصوراتها لما ترى أنه أهم السمات الثقافية السعودية.
لذا، فإن مؤسساتنا الثقافية مدعوّة لإدماج طيف واسع من الأشكال الثقافية و منحه المشروعية و المنصة اللائقة به ليقدم نفسه كأشكال ثقافية تلقى اعترافا مؤسسيا.
التعقيب: د. زياد الدريس
انشغل د. عبدالسلام بتعريف وتحديد المفاهيم الأربعة المتراصة في العنوان القصير، وقد راق لي كثيراً انحيازه في تعريف (الثقافة) إلى الاختيار الذي لا يحبذه المثقفون، لأنه يفقدهم شيئاً من فخامتهم (!)، وأعني به التعريف الواسع والرحب للثقافة بأهازيج الإنسان وفنونه وتقاليده وطبخاته، وهذا بالمناسبة هو التعريف الذي اختاره وأشاعه الباحث الفرنسي الشهير كلود ليفي شتراوس، منتصف القرن الماضي، وارتكز في بنيته على ترميزة: النيء والمطبوخ.
(بالمناسبة، فقد اعتمدت منظمة اليونسكو تعريف شتراوس للثقافة عند إعدادها للائحتي صون التراث العالمي: المادي وغير المادي (الشفوي).
من جهتي، سأنشغل قليلاً بمحاولة تعريف النخبة، المتحوّل، إذ في كل عصر وحقبة لابد من إعادة تعريف (النخبة).
ففي عصور الازدهار العلمي والمعرفي تكون النخبة هي العلماء والمفكرون، كما هو حاصل في عصور النهضة الإسلامية أو الأوروبية. وفي العصر الذي تهيمن فيه الرأسمالية بنفوذها الطاغي كما لمسناه في العقود الأخيرة تكون النخبة هم رجال الأعمال ورؤساء الشركات الكبرى. والآن، ونحن في عصر وسائط التواصل الاجتماعي، توشك (النخبة) المؤثرة أن تكون من لديهم حساب فعّال في «تويتر» و «فايسبوك» و «يوتيوب».
إذاً فالنخبة ليست دوماً حكراً على (المثقفين)، كما نزعم ونأمل!، خصوصاً عندما يتبدّل مفهوم النخبة في المجتمع.
تعريف (النخبة) يتأثر بعامل آخر، غير الأهمية القيمية، هو عامل القوة والنفوذ. ما الذي يجعل المثقف نخبوياً إذا كان سيكون أقل تأثيراً وتغييراً للمجتمع من قدرة شاب “تويتري” على التغيير؟!
رأي آخر وأخير حول ماهية النخبة، لا يرى أنها هذا ولا ذاك، لأن العولمة حين كسرت هيبة السلطات الأبوية (سلطات الأب والحاكم ورجل الدين والمعلم) لم تترك للنخبة أيضا هيبتها التي كانت لها، ولم يعد المجتمع قادراً على تقبّل وجود نخبة من المجتمع تعلو فوقه وتطغى عليه.
لا شك أن العولمة ونواتجها من الثورة الاتصالية قد ساهمت بشكل كبير في كسر هيبة النخبة، وأوشكت أن تجعل الجماهير هم النخبة المؤثرة، أما من كانوا يصفون أنفسهم بالنخبة فقد تحولوا الآن إلى متفرجين!
وبذا لم يعد إنتاج (الثقافة الوطنية) حكراً على فئة محددة من المجتمع، تصنعها وتنتجها وتحميها من (الاختلاط) الشعبوي، كما ألمح د. عبدالسلام في ورقته، بل أصبحت تمثّلات الثقافة الوطنية مشاعة، (لا أريد أن أقول: لمن هبّ ودبّ، فهذه لغة استعلاء ثقافي مجردة من السلاح الآن!)، بل مشاعة لكل من يصنع نتاجاً يندرج تحت التعريف الثقافي الفضفاض. ولأجل هذا فإن الحدود بين الثقافات الوطنية للشعوب في هذا العالم الجديد قد تضاءلت، وستزداد تضاؤلاً مع الأيام بسبب التقارب السيبري بين الشعوب، مما يخلط السمات الثقافية بين الشعوب بعضها البعض، فلا تعود الحدود الجغرافية حامياً لخصوصيات الثقافة الوطنية. وعندها سيُصبِح الحديث عن (ثقافة وطنية) أشبه ما يكون بعزلة أو غيتو نشاز.
لا شيء يمكن أن يحمي خصوصية الثقافات الوطنية من الانقراض سوى النزوع المتنامي والمفاجئ لدى الشباب الجديد بالعودة إلى (الهويات الصغرى) والانغماس في ما تبقى واْستُعيد من سمات الشخصية الوطنية، زيّاً ومأكلاً وأهازيج، عناداً لديكتاتورية العولمة في جعل العالم والنَّاس متشابهة!
المداخلات حول القضية:
- oالثقافة الوطنية وإشكالاتها المتضمنة
أشار أ. محمد بن فهد العمران إلى أن مفهوم “الوطنية” سيبقى محل جدل بين الكثيرين من حيث التعريف (هل هي المكان أم الأشخاص أم كلاهما أو غيرهما) و من حيث التطبيق على أرض الواقع في ظل وجود صراع أزلي بين التيارين الديني و الانفتاحي حول هذا الأمر لا ندري كيف و متى سينتهي.
أكثر ما يقلق في موضوع الوطنية هي تلك العوامل النفسية المتراكمة و التي تؤثر بقوة على سلوكيات البعض منا و تجعله يتاجر بالوطنية كما يشاء و يمارس الإسقاط على الآخرين كما يشاء أيضا تماما كما يحدث في تعريف من هو المسلم!
إن وسائل التواصل الاجتماعي كشفت لنا هذه المشكلة بوضوح بل و أبرزت لنا جيل جديد من الشعوبيين يتاجرون بالوطنية لكسب تعاطف المواطنين من خلال إثارة و مناقشة القضايا التي تمس المواطنين في حياتهم اليومية، ليس حباً بالقضايا و لكن لكسب أكبر عدد من المتابعين و هذا خطير جداً.
وأضاف أ. العمران قوله: المشكلة أنني لم أجد شخص واحد (بمن فيهم الفاسدون و الخونة لأوطانهم) لم يتاجروا بمفهوم الوطنية حسب منظورهم و يدافعوا عن التعبير بها في الإطار الملائم لهم دينياً (وسائل التواصل و المجالس و المساجد) أو انفتاحيا (احتفالات الجنادرية و الأعياد و الطرب الخ).
وعلى العموم فهناك تفاؤل بالمستقبل لأن الأجيال القادمة لديها نظرة أكثر عمق و احترام لمفهوم الوطنية بالشكل الصحيح و الأهم أن هذه النظرة دون متاجرة و دون صراع مع الطرف الآخر.
وقال د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته إن (الثقافة الوطنية .. ببن النخب والجماهير) عنوان يختصر الكثير والكثير من العبارات المتعددة ، تعريفا وشرحا إلى مآلات عديدة ومتنوعة.
يقول أ. حسن حنفي ، إن الثقافة الوطنية هي المكون الرئيس لمزاج أي شعب يستمد منها تصوراته للعالم وبواعثه على السلوك ، تظهر سماتها في الأفراد وفي الشعوب على حد سواء ، في الوعي الفردي والوعي الاجتماعي والتاريخي.
وقد حاول البعض ربط الثقافات الوطنية بأنماط الروح الإنسانية ، وبنماذج مسبقة تتحكم في بنيتها. فهناك روح “أبوللو” العاقل في مقابل روح “ديونيزيوس” الانفعالي ، كما هو معروف عند نيتشه. ومع ذلك فهي تعبير عن أمزجة الشعوب وطبائعها وتاريخها على نحو استنباطي أولي. وقد يسميها البعض الثقافة “القومية” بدلاً من “الوطنية”، وهي أيضا تسمية صحيحة.
فارتباط الثقافة بالوطن ارتباطها بالقوم ، إذ لا وطن بلا قوم ، ولا قوم بلا وطن ، وسيرد اللفظان مترادفين ، إلا أن لفظ “القومية” قد يدل على مذهب معين للقوميين ، في حين أن لفظ “الوطنية” يشارك فيه الوطنيون جميعاً قوميين أو ليبراليين، ماركسيين أو إسلاميين.
من هنا لعلي أقول أن الثقافة الوطنية في أي بلد لا يمكن أن تتحد في أنموذج واحد ، سواء كان ذلك مادي أو معنوي.
ولهذا فإن الثقافة عامة في أي مجتمع هي بناء مراحل تتأتى من خلال احتياجات وقدرات ، تتراكم هذه المراحل بين عقد وآخر لتفرز ثقافات متعددة ، حتى تتكون منظومة تشكل ثقافة عامة للوطن ، وهذا ما يجعل من أن أي وطن يكون مليء بفروع عديدة من الثقافات المنافسة لمجتمعات عدة.
بينما ما هو منتظر للوصول إلى القمة هو كيف نحافظ على ثقافة أو عدة ثقافات نعتقد أنها تمثل البلاد أمام تحديات قوية ومتسارعة ، إن الأمر هنا يبدأ بتفنيد ما لدى أي مجتمع من قدرات وسلوكيات شهد لها من شهد بعلو مكانتها وسمو تشريفها بين أوطان عديدة ، ولأنه بطبيعة الحال لابد من الإدراك أنه من الطبيعي أن نلحظ أن لكل أمة خصوصيتها الثقافية والحضارية ولا يمكن لها أن تحقق ذاتها الحضارية والسياسية والاقتصادية إلا إذا امتلكت خصوصيتها الثقافية والحضارية وحافظت عليها.
عندئذ ، لابد أن يحظى كل وطن بشيء من الهيكلة التنظيمية التي تعطي للعامة المقدار الثقافي أولا ، وأخيرا لتبيان العطاءات الثقافية التي يمتلكها هذا الوطن في كافة محطاته الجغرافية ويمكن له تقديمها والافتخار بها.
وتساءل د. خالد الرديعان: هل يوجد لدينا ثقافة وطنية؟ وفي هذا الإطار أوضح أ. محمد بن فهد العمران أنه بالفعل هناك ثقافة وطنية تعلمناها جميعا من آباءنا و أجدادنا الذين ضربوا أروع الأمثلة في المواطنة رغم البيئة المنغلقة التي عاشوها و رغم انعدام الأمن بسبب قطاع الطرق و الحنشل.
هذه الثقافة الجميلة كانت بين سكان المدن و المناطق مع بعضهم البعض، بل و بين أتباع المذاهب الدينية المختلفة (الأحساء و القطيف و المدينة المنورة مثلا)، لم نسمع منهم انتقاص أو تشكيك للطرف الآخر في موضوع الانتماء أو الوطنية.
وأشار د. خالد الرديعان بداية إلى كثرة وتنوع تعريفات “الثقافة”؛ فأحد الأنثربولوجيين (كلوكهون) أحصى ما يزيد عن ١٦٠ تعريفاً للثقافة. ما تتفق عليه التعريفات عموماً هو أن الثقافة منتج بشري، بل إنها خاصية إنسانية تميز الإنسان عن سائر المخلوقات.
وقد يحصر البعض مفهوم الثقافة بالعلوم والآداب والفنون وأخذ طرف منها، وهو مفهوم قاصر، في حين أن تعريف تايلور الشهير والذي يرد في أربع صفحات يقول: “أنها ذلك الكل المركب الذي يشمل العادات والتقاليد والفولكلور والأخلاق.. الخ، وكل ما أنتجه الإنسان بحكم انتمائه إلى مجتمع”.
مشكلة أخرى في تعريف الثقافة هي تداخل مفهوم الثقافة culture مع مفهوم الحضارة أو المدنيّة civilization وضرورة فض الاشتباك بينهما، وإن كان الأمر ليس بتلك الصعوبة؛ فالثقافة بالمدلول الاجتماعي هي “أسلوب أو طريقة حياة شعب من الشعوب way of life” وبالتالي فالكل مثقف ولديه ثقافة بما في ذلك الرجل البدائي في أدغاله، والبدوي في صحراءه، وغير المتعلمين (الأميين) بحكم أن لديهم قواعد سلوك، وقيم وعادات، ومتواضعات اجتماعية، ومنتجات مادية، ومعارف لكنهم ليسوا بالضرورة متمدنين أو متحضرين بنفس المستوى أو أن لديهم حضارة أو مدنية؛ فالأخيرة (الحضارة) تعني التقدم العلمي والتقني في مختلف العلوم والفنون كالطب والهندسة والمعمار والصناعة وغيرها.
فعندما نقول الحضارة الإسلامية فنحن عادة نشير إلى التقدم المعرفي والتقني الذي حدث في فترات معينة من التاريخ الإسلامي؛ ما يعني أن الحضارة وصف للثقافة، وبالتالي فالثقافة كمفهوم أوسع من الحضارة؛ فالأخيرة تشير إلى التقدم والمدنية؛ بينما تشير الثقافة إلى كل ما أنتجه الإنسان من أفكار وممارسات ومنتجات مادية بصرف النظر عما إذا كانت أفكاراً متقدمة أو متخلفة مع التذكير أن التخلف والتقدم مسائل نسبية.
وعوداً لموضوعنا هل يوجد ثقافة سعودية فإنني أقول نعم هناك ثقافة سعودية تميز السعوديين عن باقي الشعوب، وإن كان هناك كثير من المشتركات مع الشعوب الأخرى مما يدخل تحت “العموميات” universals فنظام الزواج موجود في كل المجتمعات لكن طرق ممارسته تتباين من مجتمع إلى آخر؛ مما يبرز الثقافة السعودية واختلافها عن غيرها من الثقافات؛ فالزواج عند السعوديين على سبيل المثال مرتب arranged وليس قراراً فردياً للزوج وزوجته، بعكس معظم المجتمعات مما يضفي على السعوديين خصوصية ثقافية في هذا الجانب.
ويغلب على ثقافة السعوديين تباينات فرعية طبقاً للمنطقة والانتماءات القبلية، ومستوى التدين، ونمط المعاش، لكنهم يشتركون بعدة سمات تميزهم عن بقية الشعوب ومنها عاداتهم، ولباسهم، وأطعمتهم، ولهجاتهم، ونمط عيشهم، فبعض الأفراد على سبيل المثال يمارس عادة أو يستخدم مفردة لغوية يعتقد أنها موغلة في محليتها ثم يكتشف أنها موجودة عند غيره من السعوديين من منطقة أخرى وهذا أمر طبيعي. أدلل على ذلك بالقصيدة الشعبية السعودية التي يصعب أحياناً معرفة المنطقة أو القبيلة التي ينتمي لها شاعرها بسبب تشابه ووحدة المفردات؛ فعندما أسمع قصائد سليم عبدالحي وهو شاعر قديم من الأحساء لا أستطيع القول أن مفرداته تختلف عن مفردات بديوي الوقداني وهو من الطائف. كلاهما يستخدم نفس المفردات في قصائدهما النبطية. وأجادل أن من عوامل قوة الوحدة الوطنية التي جرت على يد المغفور له الملك عبدالعزيز كانت بسبب عامل المشتركات الثقافية بين مناطق المملكة التي تم صهرها في بوتقة واحدة اتفقنا على تسميتها “سعودية”.
هناك سؤال إشكالي وهو هل الدين جزء من الثقافة؟ والإجابة لا ونعم بنفس الوقت. لا، لأن القرآن وحي الهي والأحاديث النبوية ليست نتاج بشري وبالتالي الدين كنصوص مقدسة ليس ثقافة. ونعم، الدين ثقافة لأن التفسيرات اللاحقة للنصوص الدينية هي عملية ثقافية؛ طبقاً لتباين فهم النص من مجتمع إلى آخر ومن عالم إلى آخر مع وجود الكثير مما يتفقون عليه. نحن ندلل على الجانب الثقافي للدين في وجود المذاهب والفرق الإسلامية المختلفة وتباين الممارسات الإسلامية من مجتمع إلى آخر مع وجود المشتركات بالطبع (تباين شكل حجاب المرأة مثالاً). وتأسيساً على ما سبق يمكن القول أن طريقة ممارسة الدين، وفهمه، وتأويل نصوصه هي “ثقافة”، في حين أن النصوص المقدسة ليست ثقافة.
وطرح د. الرديعان تساؤل مضمونه: هل يوجد ثقافة نخب سعودية؟ وبدوره أوضح أنه عندما نقول نخبة أو صفوة elite يرد إلى أذهاننا” الطبقة السياسية” حسب تعريف باريتو للنخبة، لكن الدراسات اللاحقة للنخب (ميشلز ورايت ميلز) وسعت المفهوم ليشمل جميع الفئات المؤثرة في المجتمع من سياسيين وعلماء دين ومفكرين وأدباء وإعلاميين ورجال أعمال، بل وفنانين ورياضيين، ونضيف لهم اليوم نجوم الميديا فهؤلاء مؤثرون وإن بدرجات.
وهنا سنكتشف أن لكل فئة مما ذكرنا “ثقافة فرعية” خاصة بها؛ فالمشتغلون في الحقل الديني لهم ثقافة تتمحور حول ما يقومون به من دور في المجتمع؛ فنجد لهم سمات خاصة بهم، بل إن تكوينهم العلمي والأعمال التي يمتهنون تفرض عليهم سمات ومواقف محددة، وقواعد سلوكية صارمة، بل ومتوقعة من قبل الآخرين، و من يشذ عنها قد يتعرض للوصم بسبب خروجه عن “سمات رجل الدين الذي يساير الخط العام لعلماء الدين والفقه السائد” وربما يتم إقصاءه من النخبة الدينية وتهميشه ومثال ذلك الموقف من الشيخ الكلباني بسبب ما قال عن الغناء والموسيقى وأحمد الغامدي ورأيه في غطاء وجه المرأة.
هذه ثقافة نخبة دينية لكن أصحابها لا يقولون بنخبويتها، ليس تواضعاً ولكن لأنهم يريدون الالتصاق بالجمهور وإحداث تأثير فيه. وبالتالي تجنح ثقافة المتدينين لتكون غير متعالية على الجمهور وثقافته الشعبية؛ فهي تحاول تغيير ما تستطيع في المجتمع بما هو متاح لها من أدوات (منابر، وسائل إعلام، مطبوعات، اتصال مباشر.. الخ) بحكم أن المتدين يحمل على عاتقة رسالة يود إيصالها للجمهور.. المتدين سواء داعية أو إمام أو عضو في إحدى المؤسسات الدينية أو أكاديمي يمكن وصفه بالمثقف العضوي؛ فهو نشط ويستفيد من كل ما هو متاح للوصول للجمهور لأنه يريد أن يرى نتائج ما يقوم به على المستوى الاجتماعي.
رأينا ذلك في مرحلة الصحوة التي عمت المملكة في بداية الثمانينات كثقافة مرحلة. الصحوة كانت نتيجة لعمل دؤوب مارسته النخبة الدينية في حينه لنشر ثقافة التدين في وجه العصرنة والمد الحداثي. ساعدها في ذلك أحداث سياسية ساهمت في نشر هذه الثقافة الصحوية إضافة إلى تبنيها على المستوى الرسمي.
الخلاصة إن ثقافات النخب موجودة ولكن درجة تأثيرها تتفاوت حسب ما هو متاح لكل فئة أو نخبة من أدوات تأثير وسيطرة. ما هو قائم في المجتمع السعودي هو التأثير الواضح لثقافة النخب الدينية، التي يبدو أنها في طور تصادم مع ثقافة الانفتاح والعولمة.
ومن جانبه قال د. حمزة بيت المال: الحظ أن د. عبدالسلام ود. زياد مالوا في تعريف الثقافة من المنظور العربي وهو كل من يحمل طيف واسع من العلوم والمعارف؛ لكن في الأدبيات الغربية علم الاجتماع والأنثروبولوجي تعرف بأنها مجموع الكل المشترك بين مجموعة من البشر ويشمل ذلك الجانب المادي والمعنوي، وهناك ثقافة عامة وثقافات فرعية؛ لذلك فالثقافة الوطنية في المملكة يجب أن يكون لها حد أدني في ظل مجموعة الثقافات المتعددة في مناطق المملكة.
السؤال المهم هنا هل استطعنا تكوين ثقافة وطنية في حدها الأدنى؟ بالنسبة للنخب فلقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي معادلة النخب وما نسميهم في الإعلام قادة الرأي إلى شيء أقرب للمشاهير…لأن الكثير مهم لا يمكن اعتبارهم نخب بأي معيار من المعايير.
وأوضح د. عبدالسلام الوايل رداً على ملاحظة د. حمزة أنه اعتمد في الورقة التعريف الأنثروبولوجي الواسع، مبتعدا عن حصره في النتاجات الفكرية و الإبداعية، كما هو رائج في الاستخدام اليومي في اللغة العربية لمفردة ثقافة.
كذلك أوضح د. زياد الدريس أنه أيضا انحاز لاختيار د. عبدالسلام للتعريف الأنثروبولوجي الغربي للثقافة، وقد أشار في تعقيبه إلى أعمال شتراوس.
في حين ذهب د. حميد المزروع إلى أنه لعلنا نميز ما بين الثقافة الوطنية المادية والثقافية الوطنية الفكرية – الشفهية؛ حيث يندرج تحت كل منهما كما هائلا من التنوع الثقافي المتنوع باختلاف المناطق التي ينتمي إليها.
ثقافة النخب السعودية ما زالت تعاني من تأثير جذورها المناطقية والقبلية عليها. ولعل التحول الديمغرافي تجاه الحواضر الكبرى سيذيب أو يقلل من أثر الثقافات المحلية في طريقة تفكير المثقف السعودي وفِي رؤيته للوطن ككيان واحد.
وحول هذا الرأي الأخير تساءل د. زياد الدريس: هل من مصلحة ثقافتنا الوطنية تذويب الثقافات المحلية وتغييبها، أم المحافظة عليها وبناء الثقافة الوطنية الشاملة من جزيئاتها، كما فعلت الدول الكبيرة المماثلة وذات الطيف الثقافي المتنوع والمتعدد؟!
وذكر د. عبدالسلام الوايل أن هذا ربما يقود هذا إلى “أنثربلجة” أكثر للقضية لتتحرك باتجاه علاقة المواطنة بالمكونات الثقافية المحلية. وبرأيه فإن تساؤل د. زياد مثقل بخبرة العمل لدى المؤسسة الأممية الأكبر في العناية بالشأن الثقافي. ولو ذهبنا لهذا المنحى لوجدنا أن السعودية تضم تنوعا ثقافيا هائلا، فطبوغرافية أراضيها تضم السواحل و الجبال و الصحاري الممتدة و فوق كل قسم طور السكان و على مر القرون أساليب حياة متناغمة مع البيئة و نابعة عنها، من معمار و فنون و زراعة و خلافه.
هذا التنوع يمثل غنى للشخصية السعودية في زمن تمثل فيه التعددية مصدر قوة و إثراء. إن اللبس التهامي و المزمار الينبعاوي و دحة أهل الشمال عناصر ثقافية وطنية. التحدي هو في سبك خطاب يعطي الشرعية لحضور كل هذه العناصر المتنوعة.
بينما يميل د. حمزة بيت المال للثقافات المتعددة بدل الدمج الثقافي ونحن برأيه بحاجة إلى ثقافة وطنية سعودية وهذا ما يسميه القاسم المشترك. وأضاف: ما هدف الموضوع بمناقشته الثقافة الوطنية السعودية؟ ما تقدمه الجنادرية، وحديثا عكاظ هو المطلوبة للتعريف بالثقافات المتعددة وتطوير فكر احترام الآخر من خلال احترام ثقافته.
ومن وجهة نظر د. مساعد المحيا فإن مشكلة مفهوم الثقافة حين يتسع ليشمل كل العادات والقيم والفنون والملابس ..الخ ، تصبح الثقافة بل مفهوم محدد، ولذا تتباين الآراء؛ ومن هنا قد تضيع الهوية الوطنية بسبب الاختلاف في طبيعة الثقافة الوطنية التي يوسع البعض دائرتها.
مثلا إذا كان اللباس السعودي الثوب والشماغ أو الغترة هو الزي السعودي ، والوطنية تعني أن نهتم به وبخاصة في كل ما يسهم في الحفاظ على الهوية فإن الزام أم بي سي للمذيعين والمحللين للدوري السعودي هو عمل غير مشروع بوصفه عملا يعمل على إحلال هوية لباس غير وطني في إطار مناسبات وطنية محلية. هنا كيف يمكن للنخب أن تتحدث عن مكونات النسق الوطني دون أن تستحضر مكونات البعد الوطني كله .
مثال آخر، مفهوم الوطنية يرتبط في أكثر الأحوال لدى النخب بمفهومهم للوطن ومكوناته وثقافتهم نحوه.. الأمر الذي جعل الوطنية مفهوما يقود البعض للتطرف بدلا من أن يكون عنوانا للوسطية واجتماع الكلمة .
اليوم في إطار صناعة الأفكار المتطرفة المتناقضة، وتهيئة الظروف لها للصراع .. تنشأ في مجتمعنا للأسف صراعات بعضها حقيقي وبعضها وهمي غايتها وجود فئة تتاجر بالوطنية وتخوف الآخرين ممن لا يؤمنون برؤيتهم الثقافية وربما كفروهم وطنياً.
وباعتقاد د. إبراهيم البعيز فإن الحديث عن الثقافة في المجتمع السعودي لا يكتمل دون الإشارة إلى قضية “التدين” كأحد المعالم البارزة لهذه الثقافة، والتي كانت ولا تزال ركيزة الجدلية لمقاومة كثير من مبادرات التغيير في التعليم وتمكين المرأة.
وأضاف د. عبدالسلام الوايل بناء على التعقيبات الموضحة أعلاه، خاصة تعقيبي د. زياد و د. خالد الرديعان. نقطة تتعلق ببعد النخب؛ فمبحث النخب برأيه يتميز بتنوع الأطروحات. لكن فيما يخص النخب و الثقافة فإنه يحسن استحضار طرح كارل منهايم للنخب بوصفها معبرة عن قوى اجتماعية. وفق هذا المنظور يكون للمناطق نخبها و للطروحات الفكرية و المداري الإبداعية نخبها. و تختلف أطروحات هذه النخب لماهية الثقافة السعودية، فالنخبة التقليدية في الأدب كانت ترى أن الأشكال الإبداعية الحداثية ليست جديرة بأن تمثل الثقافة السعودية و لا أن يدرج أدبها في المناهج الدراسية.
لكن كما جاء في الورقة الرئيسة، نحن في عصر السوشيال ميديا…عصر الجماهير. و تبعا لذلك فإن الجدل حول الثقافة السعودية لم يعد محصورا بين النخب المتعارضة، بل إن النخب صارت تنشد شرعية ب”جمهرة” أطروحاتها.
وأوضح د. إبراهيم البعيز أن تذويب الثقافات المحلية وتغييبها تجربة مرت بها بعض الدول خاصة كندا والولايات المتحدة واكتشفوا أنها تجربة فاشلة – ووصلوا إلى قناعة بضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي والاثني ومحاولات التذويب تأتي بنتائج عكسية.
وذكر د. حميد المزروع أنه قصد من تذويب الثقافات المحلية تخفيف التعصب المتجذر بين الثقافات المحلية على حساب الهوية الثقافية الكبرى للمواطن السعودي.
أما أ. عبير خالد فذهبت إلى أنه بعد تعريف الثقافة، من المهم الإشارة أيضا لأنواع الثقافة:
- ثقافة عليا high culture مثل الكتب والفن والأدب.
- ثقافة شعبية popular culture.
- الثقافة المتداولة مثل المسلسلات والفيديو كليبات، والشيلات لدينا.
- والثقافة الفرعية subculture وهي الثقافة التي يصنعها مجموعة صغيرة لأنفسهم بداخل ثقافة كبيرة مثل الإيمو.
- والثقافة العالمية global culture.
واتفقت أ.د فوزية البكر مع ما ذكر سلفاً حول تعريفات الثقافة والتي تتجاوز مئات الصفحات كما يدور الجدل وخاصة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية حول الكثير من هذه التعريفات.
وقالت في مداخلتها: إن الجميل والحيوي في النقاشات سالفة الذكر أنها تلقي الضوء على جوانب كثيرة سواء من حيث ثقافة المركز أو الأطراف ‘سلطة الثقافة الإنترنتية وعلاقة الثقافة بالدِّين، وفِي ذلك تحديدا قرأت مرة أن التفريق بين الثقافة والدين سهل حيث أن الثقافة منتج بشري لكن الدين منتج إلهي.
لكن يأتي السؤال الشائك : حتي لو سلمنا بذلك فسلوكنا البشري معجون بالتعاليم الدينية المنزلة بها وبذا تتشكل ممارسات وثقافات بشرية نطلق عليها ثقافة. كما أن من الواضح أن الكثير من الثقافات والعادات تتأثر بأشياء كثيرة منها الدين والمناخ والجغرافيا والتاريخ الخ بدليل الممارسات الثقافية المتعددة الموجودة في بلدان إسلامية كالسودان وإندونيسيا وماليزيا والسعودية الخ على اختلافها الواسع .
وفي تصور د. مشاري النعيم فإن السؤال عن ماهية الثقافة الوطنية مهم؛ بمعنى هل يفترض أن يكون لدينا ثقافة محددة المعالم أم يجب أن تكون هذه الثقافة نابعة من مرجعيات محددة دينية وتاريخية واجتماعية؟
وأشار م. خالد العثمان إلى أنه لا يعتقد أنه يمكن أو يصح تأطير الثقافة؛ لكنه ما زال ينادي بتسجيل ملامحها ومعالمها وعناصرها بشكل مستمر.
ومن جديد أوضح د. مشاري النعيم أن الثقافة بشكل عام مسألة زمنية ثلاثية الأبعاد. وبدوره يرى م. خالد العثمان أنها ربما تكون رباعية الأبعاد فعنصر الزمن عنصر فاعل.
وبين د. مشاري النعيم أن بعد الماضي يمكن أن ينتقد ويسجل ويؤرشف، وبعد الحاضر وهو المأزق الكبير الذي نعيشه، وبعد المستقبل الذي يفترض أن نعمل من أجل أن يكون أفضل. هذا موضوع الهوية وليس الثقافة إلا إذا كنّا ننظر للثقافة العامل الأساس في تشكيل الهوية.
وتساءل د. خالد الرديعان: هل يستطيع على سبيل المثال الجزائري أو المغربي أن يفرق بين السعوديين ويقول أن ثقافاتهم متباينة؟ أم أنه يرانا سعوديين دون أن يشعر بالفروق بيننا عندما نكون من مناطق مختلفة؟ هل نحن متجانسون ثقافياً بنظر الآخرين؟ رغم تبايناتنا الثقافية؟
وفي هذا السياق يرى م. خالد العثمان أن نظرة الناس من خارج الدائرة تصبح أكثر عمومية مع البعد عن المركز.. تماما كما تغيب تفاصيل الصورة كلما ابتعدت عنها.. الناس في الغرب والشرق البعيد ينظرون إلى العرب كلهم بنظرة شاملة.. وكذلك المسلمين.. وكلما اقترب التركيز في النظرة تتضح الفوارق في الثقافات. نحن أيضا لا نختلف في ذلك.. ننظر عموما إلى الغرب بنظرة شاملة دون تفرقة .. وعندما يزداد التقارب تتكشف الفوارق بين الألماني والإسباني والفرنسي والأمريكي.
وذهب د. حمزة بيت المال إلى أن السعودي بالنسبة للآخر ويقصد غير السعودي عادة يعرف بالصورة النمطية Stereotype ؛ لذلك يجب الاهتمام بالنسبة للصورة النمطية بالهوية الوطنية الثقافية السعودية في القاسم المشترك ؛ أما التنوع الثقافي الداخلي والذي يعد أحد عناصر قوة المملكة ككيان جغرافي يجب الاهتمام به بشرط أن تتطور نظرة التساوي والمقصود أن لا توضع في مقارنات تمايز بل تعريف واحترام.
وفي مداخلة لاحقة ذكر د. خالد الرديعان أن الثقافة تنقسم إلى ثلاثة عناصر: مادية، ومعنوية، ورمزية. يشمل العنصر المادي كل ما أنتجه وصنعه الإنسان من أدوات (حجرية، خشبية، معدنية الخ)، ومظاهر فيزيقية للتكيف مع بيئته؛ كالمساكن والأواني والحلي والأسلحة وأدوات الزراعة والصيد.. الخ.
أما العنصر المعنوي فيشمل الأفكار (قيم، عادات، قواعد سلوك، تقاليد، أخلاق، معتقدات، أهازيج، أشعار، أساطير…الخ). أما العنصر الرمزي في الثقافة فيشمل الرموز والإشارات والإيماءات، وكل ما يضفيه الإنسان من معاني على بعض السلوكيات والأشياء من حوله. ويأتي على رأس العنصر الرمزي اللغات الإنسانية كأرقى أنواع الرموز.
أين يحدث الالتباس وعدم الفهم من قبل الآخرين تجاه ثقافة أخرى؟ يحدث مع العناصر المعنوية والعناصر الرمزية التي يمكن استبطان وإدراك معناها فقط من خلال معايشة المجتمع الذي نخضعه للدراسة، وهو ما يمارسه الأنثروبولوجي من خلال أدوات البحث الاثنوغرافي؛ كالملاحظة والمعايشة والمقابلات الطويلة والمعمقة.
حديثاً فقد ساهمت وسائل الإعلام والهجرة الداخلية والتواصل المباشر بين السعوديين في حل إشكالية العناصر المعنوية والعناصر الرمزية في الثقافات الفرعية في المملكة؛ فأصبحت تلك العناصر شبه شائعة وليست كما كانت في السابق يكتنفها الغموض. يستطيع مثلاً ساكن طريف شمال المملكة أن يذهب إلى نجران في الجنوب وأن يستجيب لكود الضيافة الصارم بكل يسر دون مواجهة صعوبات تذكر في التعامل مع السكان المحليين.
إن الاحتكاك والإعلام وبمختلف أدواته ساهما في ترويج وتكريس ثقافة يمكن نعتها بأنها سعودية. إن وجود ثقافة بهذا المستوى مما يساعد في تعميق الهوية الوطنية للسعوديين؛ بشرط خلق الآليات المناسبة التي تبرز هذه الثقافة للآخرين كذلك؛ كالمعارض، والمهرجانات، والأفلام، والمطبوعات، والأعمال الأدبية، والمشاركات الخارجية وكل ما من شأنه إبراز السعودية كوطن يضم العديد من العناصر الثقافية.
وأضاف د. إبراهيم البعيز أن معظم الأدبيات تتفق على أن الإعلام (خاصة الإذاعي Broadcast Media بشقيه المسموع والمرئي) يقوم بإنتاج نشر المعرفة، بما في ذلك الثقافة (بشكليها الراقي والهابط). ومعروف من التجارب العالمية أن الإعلام التجاري الهادف في المقام الأول إلى استقطاب أكبر عدد من الجمهور ليتم بيعهم على المعلن لا يبث في الغالب إلا مضامين ثقافية هابطة، لأنه يقوم على فلسفة إعطاء الجمهور ما يريد وليس إعطاء الجمهور ما يحتاج (مضامين ثقافية راقية).
انتشار هذه المضامين الثقافية الهابطة هي نتيجة حتمية للإعلام التجاري، لذا حرصت كثير من الدول المتقدمة (منها بريطانيا، كندا، أمريكا، اليابان) على استحداث أنظمة إعلامية مغايرة للإعلام التجاري تسمى الإذاعات العامة Public Broadcasting تسعى من خلالها لبث المضامين الثقافية الراقية ولا تعتمد على الإعلانات التجارية (لضمان استقلاليتها عن مصالح المعلنين)، ولا على التمويل الحكومي (لضمان استقلاليتها السياسية)، من هذه الأنظمة:
- في بريطانيا BBC.
- في أمريكا PBC وتحت مظلتها PBS.
- في اليابان NHK.
الإشكالية في عالمنا العربي ونحن في المملكة استوردنا من الغرب نظام الإذاعات التجارية ولم نستورد نظم الإذاعات العامة.
أما د. خالد بن دهيش فقال في مداخلته إن قضية “الثقافة الوطنية بين النخب والجماهير” ذات تعقيد مفاهيمي ، كما أشار لذلك الدكتور عبد السلام الوايل ، وقد عرف تلك المفاهيم وزاد في تعريف تلك المفاهيم د. زياد على ضوء مستجدات العصر.
أود أن أتساءل عن ثقافتنا الوطنية هل قمنا بتعريفها للثقافات الأخرى كما ينبغي ؟ وهل الجهود التي بذلت بالسابق مثل معارض الرياض أو المملكة بين الماضي والحاضر ، أو من خلال الأيام أو الأسابيع الثقافية التي تقوم بها وزارة الثقافة والإعلام في دول يتم اختيارها بموجب اتفاقيات ثقافية، فهل هناك تقييم لهذه المناسبات وعلى أي أساس يتم اختيار الدول وهل ما يعرض يمثل فعلاً ثقافتنا الوطنية ؟ هل قمنا بعرض ثقافتنا الوطنية بصورة صحيحة على ثقافات أخرى ؟، وهل ما يعرض في المملكة من ثقافات لدول أخرى استطعنا إطلاع معظم المواطنين عليه ؟
في اليوم الوطني تحتفل المدارس بهذه المناسبة بفعاليات ثقافية أكثر من التعريف بالمناسبة فالطلاب وخاصة الصغار يظهرون بملابس تدل على ملابس الأجداد ملونة باللون الأخضر وعليها شعار الدولة وعلمها ، ويقدمون طعام شعبي فهل هذه هي الثقافة الوطنية بمعنى أنه لا يوجد تعريف دقيق للثقافة الوطنية يصاغ بأسلوب تربوي مناسب لأعمار الطلاب أو مراحلهم الدراسية.
وقال أ. عبدالرزاق الفيفي: قضية الثقافة الوطنية بين النخب والجماهير هامة ونوعية جداً؛ وأبدأ مداخلتي بتساؤلات هي : هل أزمتنا في عدم وضوح الثوابت ؟! أو في عدم وضوح آلية تفسير الثوابت ؟!
إن أزمتنا هي الثانية فلو وفرت وركزت الجهود على إيضاح آلية تفسير الثوابت ومتى يستساغ أن نقول أن هذه من الثوابت من عدمها لكان أولى و أجدى؛ على أن يتولى هذه المهمة علماء مسلمين شرعيين معتبرين ( عالميين الأفق لا محليين الأفق ) ؛ حتى يخلقوا انسجاماً بين الأفكار العالمية والمحلية العائمة وبين ثوابت الإسلام الراسخة في قلب ووجدان وعقل وجوارح كل مسلم ومسلمة والتي لا يُقبل فيها الحيد أو الكيد.
سبق وأن طرحت رؤية حول مصطلحين هما (الثقافة الأصلية) و (الثقافة البيضاء) وكيف نخلق منهما ثقافة وطنية أصيلة عزيزة متجددة في كل زمان ومكان؛ فلكل أمة ودولة ( ثقافة أصلية ) لابد أن يحموها و يطوروها و يعتزوا بها، وهناك (ثقافة بيضاء) تمثل الجسر والمعبر الذي يربط بين كل الحضارات الأصلية الأخرى ؛ ( فالثقافات البيضاء ) تُعتبر مناطق أمان وتبادل وتعايش مع الآخر دون ذوبان (للثقافة الأصلية) لأحد في ثقافة الآخر الأصلية ، و( الثقافة البيضاء ) يفترض فيها أن تكون حارسة موثوقة للثقافات الأصلية الوطنية الأخرى ، تمنع الاعتداء على الثقافات الأصلية أو ذوبانها في بعضها.
ونحن على هذا الصعيد نواجه ثلاث مشاكل وتحديات هي :
1- أننا نسعى لجعل ثقافتنا الأصلية التي ميزتنا ثقافة بيضاء وبهذا كأننا قررنا أن نخرج من التاريخ الحضاري دون أن نشعر أو كما يراد لنا أن نخرج وأن نكون معبراً يقبل أن يسحق تحت قوة الثقافات الأصلية الوطنية للأمم الأخرى.
2- عندما يعجز ( بفتح الياء و ضمها ) المجتمع وبالذات النخب على أن يوجدوا لهم ثقافة وطنية أصلية تنسجم مع الثقافة البيضاء كمعبر إلى الثقافات الأصلية الأخرى في العالم، فتجدهم يتلمسون المخرج كحاطب ليلٍ أو كموقد مصباح غيره في رابعة النهار.
3- عندما يقصر فهم ووعي وإدراك المجتمع عموماً والنخب خصوصاً عن الميزة التنافسية والنوعية والوجودية لثقافتنا كمسلمين أولاً ثم كسعوديين ثانياً بأن ثقافتنا منطلقة من ( منهج حياة ) لا من دين محاريب أو أفكار منابر و تجارب فلاسفة مع الاحترام لها جميعا.
وحتى يكون المواطن السعودي وبالذات المثقف فاعلاً ومؤثراً، لابد أن تمتلك ثقافته الوطنية نماذج آسرة يستطيع المراهنة عليها أمام العالم وترجمة ذلك :
- هل نمتلك معارف أدبيه وفنية وعلمية قابلة للمنافسة الكونية؟ وما حجم تطبيقاتها؟
- هل نمتلك معارف علمية تطبيقية تحتاجها البشرية ونساهم بها في التبادلية الثقافية؟ وما حجم تطبيقاتها؟
- هل نمتلك قيم العدالة والحرية والمساواة والمؤسسات الممثلة لها والتي يتمنى العالم مماهاتها؟ وما حجم تطبيقاتها؟
ففكرة المنافسة والندية تقتضي وجود كل ما سبق أما فكرة التفوق فتقتضي أمر أكبر وأعلى.
من التحديات التي تواجهها الثقافة الوطنية السعودية، حالة من الانفصال ما بين مُكَون الثقافة العامة و مُكَون المعرفة الدينية ( التي أشار لها د. زياد ) والفشل في إيجاد حالة من الانسجام بين هذين المكونين بسبب عدم إدراك خصوصية ثقافتنا الوطنية وما يجب أن تكون عليه. أيضا حالة اللبس ما بين الدين و نمط التدين ، ومحاولة إسقاط مصطلح ( الدين ) على ( الثقافة الوطنية ) و قياس سلامة الربط بين الاثنين بنمط وشكل التدين الذي يخضع للاجتهاد البشري صواباً وخطأً، وهذا خلل منهجي صدع و باعد الفجوة بين النخب و الجماهير.
وفي سياق متصل وحول التساؤل هل المثقف السعودي فاعل في الفضاء العام وما درجة تأثيره؟ يرى د. حميد المزروع أنه بعد تصنيف المثقفين حسب الانتماءات ، وإن كان معظمها غير دقيق أضمحلت مصداقية المثقف السعودي وأصبح تأثيره محدود ما لم يدافع عن قضايا تهم المواطن بشكل مباشر.
وذكر د. الرديعان أن بعض من يدافعون عن قضايا المواطن من المثقفين يفتقرون للمصداقية، وما يقومون به هو بدافع حب الشهرة والجماهيرية. لاحظنا ذلك في فضاء تويتر على سبيل المثال.
وأشار د. حمزة بيت المال إلى أن الفضاء العام السعودي الآن أصبح معقد بدرجة كبيرة ويصعب على المتابع تحديد معالمه نظرا للتحولات المتسارعة التي يشهدها على جميع الصعد…منها وليس حصرا:
1- أثر ما سمي بالربيع العربي.
2- موضوع اليمن.
3- قطر.
4- التغيرات المتسارعة في الإدارة العليا.
5- التحول الوطني والرؤية وما صدر عنها من قرارات.
6- موضوع الأجانب.
يزيد الموقف تعقيدا تعدد وسائل الإعلام والتواصل، وظهور ما سمي بالاتصال الأفقي على حساب الاتصال العام العامودي.. الرؤية المتشددة لدور الإعلام الأفقي في الحياة العامة والضغط لتوحيد الخطاب وعدم قبول الرأي الآخر. وكلك اختلاط مفهوم المثقف أو النخب مع المشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي ودخولهم كمؤثرين في تشكيل الرأي العام.. المثقفين لهم دور لكنه بدأ يضعف كمشكل للفكر والتأثير في الفضاء العام، قد يكون هناك تأثير في الأتباع لبعض النخب.
وفي تصور د. مساعد المحيا فإن هناك تباين في تحديد مفهوم:
- المثقف وجماهيريته وأدواته.
- النخبوي وجماهيريته وأدواته.
- مشاهير الشبكات الاجتماعية وجماهيريتهم وأدواتهم.
- الوطنية وتغير مفهومها وفق غوغائية براجماتية غير مسبوقة.
- الثقافة واندماج مفهومها حتى أصبحت بلا مفهوم محدد.
وفقا لذلك يصبح المجتمع اليوم بيئة جديدة يبدو عصيا على الفهم لإدراك طبيعة حراكه واتجاهه.
وأضاف د. المحيا: شخصيا أقلل من فاعلية النخب وأجد أن الجماهير هي التي تقود النخب سواء من خلال ضرورة التماهي مع مصالح الجمهور أو من خلال بحث النخبوي والمثقف والمشاهير عن رضا الجمهور .. وهذا الأمر ليس جديدا .. بل هو قديم بعض الشيء .. وكل النخب التي توهمت أنها تقود الجمهور حين تبنت رؤى غير جماهيرية غردت خارج السرب .. يلفت دائما نظري المثل البريطاني الذي يقول: ” أيها الناس أنا قائدكم فدلوني على الطريق ….”.
واتفق د. الرديعان مع ما ذهب إليه د. حمزة من أن مجتمعنا يعتمل ونحتاج فترة أطول للحكم على دور المثقف. لكن يظل تأثير بعض النخب واضحاً. وأضاف أنه يزعم أن درجة تأثير المثقف السعودي تتباين من مثقف إلى آخر؛ فكل حسب موقعه، والدور الذي يقوم به. و المثقف الديني سواء كان داعيةً أو كاتباً أو مسؤولاً في إحدى المؤسسات الدينية هو أشد تأثيراً على الجمهور من غيره بسبب ما يتمتع به من قبول اجتماعي وما يتوفر عليه من أدوات ومنصات تأثير بعكس غيره. وهم ولاشك يستغلون العاطفة الدينية للجمهور ويوظفونها لصالحهم في حشد الأتباع. هذا نلاحظه في وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال.
ترتب على ذلك بعض النتائج السلبية كبروز دعاة متطرفين جل تركيزهم على مواجهة تحديث المجتمع السعودي فيما يعتقدون أنه تغريب أو علمنة أو لبرلة. مع ذلك لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية لما قام به المعتدلون في نقد نشاطات المتطرفين وبيان سلبيات طرحهم. أما المثقف من خارج النخبة الدينية فقد يكون تأثيره أقل ( كتّاب، أدباء، أكاديميين..) بسبب محدودية ما هو متاح لهم من منصات تعبير، وانشغالهم بقضية التصنيف.
وعلق د. مساعد المحيا على ما طرحه د. الرديعان بأن كل الأدوات عند المثقفين الذين وصفهم بأنهم خارج النخبة الدينية .. بل لديهم الأدوات الأكثر انتشاراً .. وسائل الإعلام مفتوحة لهم يبوحون فيها بما يشاؤون .. لكن لا قبول لأكثرهم .. لأنهم يتحدثون ويؤمنون بقيم تختلف عن قيم المجتمع.
وبدوره أشار د. الرديعان إلى أنه يمكن القول كذلك أن الجمهور منصرف تماماً إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبر من لا منبر له. هذا الانصراف قلل من فرص المثقف من خارج النخبة الدينية في إحداث تأثير كافي. فبدلاً من الكتاب والندوات الثقافية والمحاضرات أصبح الاهتمام ينصب على منصة تويتر التي تحمل الغث والسمين.
بينما يعتقد م. خالد العثمان أن أنظمة النشر الإلكتروني أسهمت في تحجيم ومحاصرة مساهمة المثقفين في مناقشة القضايا العامة في الفضاء العام .. حالات المنع من الكتابة والتغريد خلقت جوا من التحفظ لدى الكثيرين من الكتاب والمثقفين.
ومن جهتها قالت أ. أسمهان الغامدي: فيما يخص عنوان القضية عن الثقافة الوطنية بين النخب والجماهير .. فأعتقد أن تصنيف الثقافة كجزء نخبوي وآخر جماهيري يفقدها الكثير من معانيها الوطنية الحقيقية .. فالوطنية بمفهومها الواسع الحقيقي يجب أن تنطبق بمفهومها على النخبة والجمهور والقبيلة والطائفة والدين حتى .. ولانعدام هذا المعنى بمفهومه التطبيقي بيننا للأسف ظهرت الانقسامات المجتمعية والعقائدية والأمنية أيضاً.
فعندما نفصل الوطنية كمفهوم مستقل أمام أي تقسيمات أخرى سنجد أننا حققنا أسمى هدف من خلاله ننعم بإنسانية حرة وأمن وأمان بعيدا عن المناحرة التي نشهدها بشكل واضح في السوشيال ميديا .. بل إن الثقافة الوطنية لدينا أدخلت بالعقيدة والمواطنة والإنسانية كالفن مثلا والمسرح والغناء والطائفة .. لذلك أرى بأنه لابد من مراجعة تعريف الثقافة كجزء والوطنية كجزء ومن ثم الدمج بينهم دون وضع لأي اعتبار آخر كقبلية وطائفية وما شابه .. وحتى نضمن إنتاج جيل واعي وطني مثقف بمفهوم وسطي غير شائب بأي شائبة لا تمت للوطنية بصلة.
- oالتوصيات المقترحة
1- تشكيل هيئة وطنية تضم في عضويتها نخب متعددة مثقفين وفنانين وحرفيين من جميع مناطق المملكة لوضح استراتيجية لبناء الثقافة الوطنية السعودية تكون في شكل مجموعة من البرامج التنفيذية يلمسها الجميع. (د. حمزة بيت المال)
2- إمكانية أن تضطلع الهيئة العامة للثقافة التي أُعلِن عن تأسيسها وما زلنا ننتظر حراكها التنفيذي بدور كبير في تحديد معالم الثقافة والهوية الوطنية وتوثيق ملامحها ومكوناتها وعناصرها بكل تبايناتها واختلافاتها القبلية والمناطقية والعرقية وغير ذلك.. وتوثيق مماثل لمكونات الثقافات المتعددة في المحيط السعودي الأشمل بما في ذلك الأدب والأمثال والملابس والعادات والتقاليد وحتى الطبخ وغيره، فهذا أحد أهم أدوار هيئة الثقافة. (م. خالد العثمان)
وحول هذه التوصية أوضح د. زياد الدريس أن هيئات الثقافة والتراث في معظم بلدان العالم هي بالفعل التي تقوم بحماية الثقافة الوطنية المعجونة من محاصيل الثقافات المحلية مجتمعة. ونحن حتى الآن لم نحسم قضية تسكين الثقافة والتراث في بوتقة واحدة كما في معظم الدول. الثقافة عندنا في مؤسسة والتراث في مؤسسة أخرى!
تسجيل وحماية التراث المادي عند هيئة السياحة والتراث الوطني (مدائن صالح، الدرعية، جدة، حائل)، بينما تسجيل وحماية التراث غير المادي عند وزارة الثقافة والإعلام (العرضة، المزمار، القهوة والمجلس العربي). كيف يمكن لهذه التجزئة أن تصنع هوية وطنية موحدة؟!
وعقب م. خالد العثمان بأن هذه من النقاط المهمة، وأصلاً من غير المفهوم أبداً جمع السياحة والتراث في مؤسسة حكومية واحدة.. وربما من المناسب أن يكون تصحيح هذا الواقع وجمع الثقافة بكل مكوناتها في كيان واحد هو الهيئة العامة للثقافة. دور هيئة الثقافة هو دور تنظيمي يقود أدوار مختلف الجهات ذات العلاقة بما فيها الدور البحثي للجامعات.
وأشار د. مشاري النعيم إلى أنهم على سبيل المثال يعملون في مركز التراث العمراني على بناء سجل وطني للتراث العمراني و توثيق التراث العمراني برسومات معمارية وهو عمل مضني وضخم. كما يجري الاهتمام والتركيز على التنوع “الموزايكي” للتراث العمراني الوطني و البحث في المتشابهات والاختلافات بين هذا التراث ؛ لكن التراث العمراني لا يمكن فهمه دون “المعنى” و”الاستخدام” لعناصر هذا التراث وهذا يتطلب دراسات “اثنوغرافية” عميقة للأسف لم يتصدى لها إلا القلة.
وتساءلت أ.د فوزية البكر حول المقصود بالدراسات الاثنوجرافية وذلك حتي يمكن توجيه الطلاب في الجامعات لهذا النوع من الدراسات وهل يمكن إعطاء نماذج من الدراسات القليلة التي تمت حتي يمكن الاطلاع عليها؟
وحول هذا التساؤل أوضح د. مشاري النعيم أنه و قبل أن يتناول الدراسات الاثنوغرافية فمن المهم التأكيد على أن الدراسات العبر ثقافية Cross-cultural مفقودة للأسف. أما عن الدراسات الاثنوغرافية فهي دراسات ذات بعدين الأول مقارنة الثقافات المختلفة بعضها ببعض التي تتكون منها الثقافة الوطنية والبعد الثاني مقارنة هذه الثقافات بالثقافات في العالم. وعادة ما ينتهج في هذه الدراسات المنهج الاثنوغرافي القريب من الدراسات الأنثروبولوجية الذي يهدف إلى استخلاص المعاني الكامنة داخل كل ثقافة. وفي الغالب هذا المنهج يعتمد على الرصد والمعايشة ولكن مشكلتنا مع التراث العمراني أنه لم يعد معاش وبالتالي أصبح هذا المنهج غير قابل للتطبيق إلا من خلال المقابلات الشخصية وإعادة نمذجة التراث العمراني وبناء سيناريو لكيفية الحياة فيه.
3- إن جعل “التدين” شأن عام يحتاج إلى إعادة نظر، بالقدر الذي يسمح بأن يتحول في الثقافة إلى شأن خاص ولا يكون معيارا اجتماعيا. والسبيل إلى ذلك يكون بأن يترك للناس حرية الاختيار في تلك الجوانب الاجتماعية والثقافية التي أضحت لنا مثل شبر الماء المسبب للغرق. (د. إبراهيم البعيز)
لكن د. مساعد المحيا يرى خطورة إخراج الدين من أي رؤية ثقافية .. المشكلة هنا هو الجزم بأن الثقافة هي إنتاج بشري وليس هذا بصحيح ولا مطرد .. فما قيمة أي ثقافة إن انتزع منها الدين الذي ينظم العلاقة بين المرء وربه وخالقه ولذلك خلق الله البشر جميعا {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
وربما الصواب القول بأنه ليس كل أشكال التدين هي حتما من الدين لكن كل نصوص الدين الصريحة والصحيحة هي جزء من ثقافة المسلم التي يفخر بها.
وعقب د. زياد الدريس بأن ما ذكره د. مساعد يتضمن خلطاً بين المعرفة والثقافة. حيث يمكننا إدراج التعاليم الدينية ضمن مفهوم المعرفة .. المعرفة بالله، أما الثقافة فلها ثلاث صفات لازمة لها؛
– أمر مكتسب.
– من صنع الإنسان.
– ومتحوّل.
هل من اللائق أن ندرج المعرفة الدينية ذات القداسة في هذا الإطار البشري المتغير؟!
وعقب د. مساعد المحيا بدوره على ما طرحه د. زياد بقوله: الإيمان بهذا الافتراض لا أتفق مع مخرجه النهائي .. كيف ندخل في الثقافة كل المعايير المجتمعية والعادات والقيم الاجتماعية.. ويعز علينا أن نجعل القيم الدينية وهي مكون رئيس في حياتنا أن تكون جزءا من الثقافة بل هي الإطار العام لهذه الثقافة .. والشواهد والأمثلة كثيرة .. سأضرب مثالا … ضمن ثقافة الغربيين أن يعيش الشاب والفتاة أشهرا أو سنوات في علاقة عاطفية وجنسية قبل أن يبرموا عقد الزواج … كيف يمكن أن نمنع شابا في مجتمعنا يريد أن يعيش هذه العلاقة دون أن نقول له أن ثقافتنا تستمد هديها من شرع الله وأن هذا السلوك محرم.
ومن جهته قال د. زياد الدريس: اتفقنا أن مظاهر التدين هي من الثقافة، لكن الدين ليس من الثقافة؛ لأن الدين ثابت والتدين متحول ، الدين بلاغ إلهي والتدين سلوك بشري. أما مثال الزواج المشار إليه؛ فإن قلت لابنك أن ثقافتنا تمنع العيش مع العشيقة قبل الزواج المؤجل، فقد يقول لك إنه غير ملزم بتفاصيل ثقافة المجتمع. أما أنا فسأقول لابني أن ديننا يحرّم هذا النوع من العلاقة.
طبعاً، سيطول الخوض والجدل في هذا الموضوع الشائك بشأن العلاقة الملتبسة بين الثقافة والدين، بسبب رهافة الخط الفاصل بينهما. وبالمثل أيضا العلاقة المرتبكة بين الثقافة والحضارة!؟ هذه أمور غير محسومة حتى الآن، والنقاش حولها بين المتخصصين ما زال رطباً!
وأوضح د. خالد الرديعان أن المقصود أن الدين ليس منتج بشري فهو وحي ونصوص مقدسة، وبذلك يخرج الدين من دائرة الثقافة. والتدين من جهة أخرى يخضع للثقافة ويتجلى ذلك بسلوك البشر تجاه معتقدهم وطريقة استقبالهم وفهمهم للنصوص الدينية التي تتباين من مجتمع لآخر ويمكن الاستشهاد بكثرة المذاهب الإسلامية التي تنهل في الأساس من مصادر مشتركة (القرآن والسنة النبوية).
4- أهمية أن تتبنى الثقافة الوطنية بمفهومها الواسع الفضفاض مع التركيز على المشتركات المناطقية وقبول ونشر الثقافات الفرعية. مع ضرورة أن تحترم النخب بعضها البعض مع قبول الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر. (د. ناصر القعود)
5- من التوصيات التي يعتقد أنها من أسباب الحفاظ على هوية الوطن نحو ثقافة تتسم بالحضور والتنافسية كما أشار د. عبد الله بن صالح الحمود ما يلي:
- الإسراع في بدء أعمال الهيئة العامة للثقافة ، وأن تتكون عضوية مجلس إدارتها من ذوي الكفاءات الثقافية المتعددة الاتجاهات .
- السعي نحو المحافظة على ما تملكه البلاد من تراث ثقافي وحمايته من التشتت .
- الاهتمام بالبرامج والوسائل التي تبرز الثقافات التي اكتسبها الوطن على مر العصور.
- إقامة المعارض الوطنية التي تنقل للعامة ما يمتلكه الوطن من صنوف ثقافية حسب جغرافية كل منطقة طبيعية كانت أم بشرية .
- تسخير الإعلام بكافة أنواعه ليكون حاضرا نحو نشر كل ما يتعلق بثقافة البلاد.
6- ضرورة أن يتضمن إعلامنا اهتماما بالثقافة السعودية المتنوعة مناطقيا وقبليا ومذهبيا وجندريا، بالشكل الذي يفضّله كل نوع من الجماهير على حدهAudience segmentation. وأن تكون لنا صناعة “Soap Opera/ سوب اوبرا” خاصة بنا، تستهدف مبدئياً المرأة السعودية، ويتم توظيفها بشكل جوهري لتعزيز الثقافة السعودية الشعبية مع الأخذ بعين الاعتبار التنويع المذكور أعلاه. {فالملاحظ أن هناك هوس بين الكثير من السعوديات مؤخراً بالمسلسلات التركية. والمسلسلات التركية تندرج تحت ما يسمى بالـ Soap Opera. أي تكون مسلسلات طويلة، تستهدف عادةً ربات البيوت أو من يقضين وقت طويل في المنزل، وتتناول سردا تقليديا وتمثيلا بسيطا جدا ولها العديد من السمات العلمية الثابتة والمشتركة. ولذا فإن هذه المسلسلات ليست إعجازا قام به الأتراك ولم يسبقهم إليه أحد، ويمكن تطبيق ثوابت هذا النوع من الطرح الدرامي من قبل أي دولة}. (أ. عبير خالد)
7- أهمية وجود المسرح (ليس كملهاة) ولكن كأداة فنية تعرض لجوانب من ثقافة المجتمع السعودي ونقدها وعلاجها بأسلوب فني راقي. فالمسرح المصري والمسرح الكويتي على سبيل المثال ساهما كثيراً في عرض جوانب من الثقافة الاجتماعية للمصريين والكويتيين. ويمكننا القول أننا كسعوديين قد نفهم الكويتيين أكثر من العُمانيين على سبيل المثال بسبب نشاط الكويتيين في العمل المسرحي والأعمال الدرامية التي نراها رائجة كثيرا بل ومطلوبة في دول الخليج العربية. فوق ذلك فإننا نعرف معظم الممثلين والممثلات الكويتيين، ولا نعرف أقرانهم في عُمان بسبب محدودية ما تقدمه السلطنة في هذا الجانب. وبما أننا أكبر دولة خليجية فيفترض أن يكون لدينا حركة مسرحية نشطة كجزء من العمل الثقافي والترفيهي ولا سيما أن لذلك مردود اقتصادي جيد. والاقتراح بهذا الخصوص هو الدفع قدماً بالنشاط المسرحي وتكوين فرق مسرحية لتقديم أعمال تعكس ثقافة المجتمع السعودي بشرط أن يكون المسرح قطاع عام حتى نتحاشى تقديم أعمال هابطة ذات صبغة تجارية. (د. خالد الرديعان)
8- طرح فكرة الإذاعات (المسموع والمرئي) العامة لا يعني بالضرورة المطالبة بإلغاء الإذاعات التجارية، وفكرة المضامين الراقية لا تعني بالضرورة إلغاء وإبعاد المضامين الهابطة (فهي شر لا بد منه) – الفكرة هو أن تكون الإذاعات العامة بديلا متاحا لمن لا يرغب في الإذاعات التجارية، والمضامين الراقية لمن لا تعجبه تلك المضامين الهابطة – المسألة ليست أبيض وأسود بل هناك منطقة رمادية واسعة. (د. إبراهيم البعيز)
وعقب أ. عبدالرحمن الطريري على هذه التوصية بأنه يعتقد أن الإذاعات والقنوات التجارية لم يكن خضوعها للمعلن إذا صح التعبير مشابها للطريقة الغربية ، حيث لا يوجد أجندات سياسية مرتبطة بالانتخابات على سبيل المثال، لكن الإعلانات كانت إما بحثا عن زيادة مبيعات وهو الأصل، وكانت في حالات أخرى تجنبا لهجوم هذه الوسيلة الإعلامية على الشركة، خصوصا في حالات وقوع كوارث crisis ، مثل إعلان مطعم بعد كشف حالات تسمم لديه، للحد من الحملات الإعلامية ضده.
وأما على مستوى المحتوى الهابط فقد طغى في الإعلام التجاري والحكومي في حالات البحث عن الإثارة، كسبيل لجلب المشاهدات، وكان في أغلبه يبحث عن الصراع والإثارة، ولو لم يكن هابطا بالضرورة، وأكثر ما يظهر ذلك في المحتوى الرياضي، وهي مدرسه متأثرة بطريقة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس.
وذكر د. حمزة بيت المال أنه مع أهمية الوسائل وتعدد الرؤية حول طبيعة ملكيتها ودورها… يظل المهم المضامين؛ فمالم تكن هناك استراتيجيات لمضامين تحقق القاسم المشترك للثقافة الوطنية السعودية وبرامج تنفيذية لها.. سوف يترك الأمر لاجتهادات وسيلة الاتصال؛ فالإذاعة والتلفزيون العام والخاص والمسرح جميعهم قد لا تكون لديهم المقدرة للعمل في منظومة متكاملة لتحقيق الأهداف المطلوبة منهم بل قد يكونوا بالعكس أداة تشتيت؛ وهذا ما نعيشه الآن من تخبط، ونقدنا لأنفسنا بأننا فعلا عجزنا عن خلق ثقافة سعودية وطنية بعد ما يقرب من مئة عام على توحيد المملكة. إن هم الثقافة الوطنية لم يكن هاجس عام لذلك أهمل، وما لم تكن هناك جهة اختصاص تتولى الأمر سنظل في هذا الحال إلى ما شاء الله.
بينما ترى أ. عبير خالد أنه ليس دائما يستهلك الناس الإعلام للحصول على فائدة، أحيانا للهروب من الواقع أو لتمرير الوقت أو للترفيه؛ وقد لا تتعارض الفائدة مع ذلك لكنها ليست السبب الأوحد الذي يستهلك الناس الإعلام بسببه.
9- يفترض في ثقافتنا الأصلية الوطنية أن تدرك على نحو ما يرى أ. عبدالرزاق الفيفي ثلاثة أمور مهمة :
- أنها مسلمة فلا تقبل الذوبان.
- أنها عالمية فلا تقبل المحلية.
- أنها متجددة فلا تقبل الجمود.
10- ومن المهم أن تبذل الجهود لسن قانون ( وجودي ) تشريعي ثابت يفسر للمجتمع ثقافته الأصلية الوطنية بكل وضوح وثبات، وقد تكون هذه مبادرة لمشروع فكري تنموي وطني لابد أن ترسم خارطته قبل البدء في السير ؛ فالأرض التي سيسير عليها كثير شوكها ( وأصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى ). إن لم نبادر لهذا سنجد مجتمعنا داخله مجتمعات متنوعة وقد تكون متضادة ، فيصعب حينها الرتق والإصلاح ، وسيجد المجتمع نفسه متعطش حينها لمؤسس جديد يوحد ما افترق بعدما وحده الملك الملهم والمنصور عبدالعزيز ال سعود – رحمه الله وجزاه عن وطنه وشعبه و دينه و أمته كل خير –
المحور الثالث
خصخصة التعليم: الضرر والضرورة
الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
مقدمة عن واقع الخصخصة
الاقتصاد الحديث يعني بيئة استثمارية جاذبة تتميز بالمرونة، والتنافسية، وسهولة حركة الأموال والحصول عليها. وأي اقتصاد حديث يتمكن من تحقيق هذه البيئة الاستثمارية سيكون قادرا على اجتذاب الابتكار ورؤوس الأموال ويستطيع احتضان المبادرين.
هذه الشروط صعبة التحقق في ظل الاقتصاد الذي يدور حول الحكومة! فالاقتصاد الموجه هو اقتصاد غير تنافسي بطبيعته، كما أن التحكم في حجم المنافسة ونوعيتها وإغلاق الأسواق واحتكار الحكومة لعناصر الإنتاج يجعل من الصعب إيجاد البيئة الاستثمارية القادرة على جذب رؤوس الأموال، والأهم من رؤوس الأموال هو جذب الابتكار والمغامرين، ذلك أن الأفكار والابتكارات تبحث عن حاضنات والاقتصاد الذي يتمكن من توفير البيئات الحاضنة سيتمكن حتما من المنافسة العالمية وبناء اقتصاد مستدام، حتى إذا لم تتوافر لها المقومات التقليدية للاقتصاد فلم يعد ذلك هما في عالم يرتكز على تعظيم القيمة باستخدام أقل الموارد، وهكذا فإن الشروط تضع نفسها!
وإذا كنا نؤكد دوما أن الحكومة السعودية قد تنبهت إلى هذا الوضع العالمي الجديد منذ وقت طويل فوضعت عددا من الأهداف لتحسين بيئة الاستثمار حتى تصبح من بين الدول الأكثر قدرة على جذب الاستثمارات العالمية، فلم يكن انخفاض النفط ـــ طبقا لواقع الأمر ـــ هو الذي جعل الحكومة تجدد النظر في موضوع خصخصة كثير من القطاعات التي تسيطر عليها الحكومة، ونعم الوقت مناسب ويشجع على المضي قدما في هذا الطريق لكن لم نكن بحاجة إلى انخفاض أسعار النفط حتى نسير في هذه الطريق، ولو عادت الأسعار إلى مستوياتها القياسية العليا، فيجب أن نستمر في مشروع الخصخصة هذا نظرا لأنه المسار الصحيح الذي يجب أن يسير فيه الاقتصاد.
والخصخصة بهذا التصور تعد مشروع تحول في الاقتصاد الوطني نحو الاقتصاد الحر، الذي يرتكز على التنافسية، التي بدورها تعمل على توزيع الموارد بطريقة صحيحة وكفؤة على عوامل الإنتاج المختلفة وتوجد القيمة من خلال الابتكار.
وعلى هذا فإن توجه المملكة نحو الخصخصة لم يكن وليد الظروف الاقتصادية الراهنة – كما يحاول البعض أن يروج لذلك – بل خطة اقتصادية وسياسة قديمة بدأت بقرار مجلس الوزراء رقم 60 وتاريخ 1/4/1418هـ بزيادة حصة القطاع الخاص وتوسيع مساهمته في الاقتصاد الوطني باتباع أفضل الوسائل المتاحة بما في ذلك تحويل بعض أنواع النشاط الاقتصادي إليه، ثم صدرت موافقة المجلس الاقتصادي الأعلى الذي كان برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير عبد الله بن عبد العزيز – في حينه – على استراتيجية التخصيص في المملكة التي تهدف إلى تحقيق ثمانية أهداف يهدف كل هدف إلى تحقيق عدد من السياسات، التي من أهمها رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية وإلى توسيع نطاق مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة وتشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار محليا (وهو ما نعني به هيكلية حقوق الملكية).
التجارب العامة أثبتت ظهور انعكاسات اجتماعية سلبية ناجمة عن عملية الخصخصة، حيث تؤدي إلى: فقدان سيادة الحكومة على كثير من ممتلكات الأجيال القادمة وارتفاع معدلات البطالة، فعندما نتحدث عن الخصخصة فهذا يعني ترشيدًا لهيكل القطاع الحكومي أي تسريح ثلث الموظفين.
أما أهم الانعكاسات الإيجابية فهي: التخلص من الأعباء المالية الضخمة التي تستنزف الإنفاق الحكومي حاليا وتشتت جهود الحكومة وتمنعها من التركيز على القطاعات الأكثر أهمية كالتعليم والصحة، وتتسبب في زيادة الهدر المالي كنتيجة مباشرة لضعف إدارة القطاع الحكومي لبعض القطاعات الحيوية الأكثر قربا من القطاع الخاص، وبالتالي يمكن للحكومة أن تخفض التزاماتها المالية بشكل كبير لو قامت بخصخصة القطاعات المدرة للدخل. أيضا تحقيق الجودة والكفاءة، حيث أن إدارة القطاع الخاص لبعض القطاعات ستسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة وترفع من كفاءة الإدارة والتشغيل إضافة إلى التوسع في التطوير والبناء مع توفر القدرة على اتخاذ القرار السريع، وتهدف الخصخصة إلى تحقيق موارد مالية لخزينة الدولة من جانبي العائدات المباشرة لخصخصة القطاعات المستهدفة والعائدات السنوية المتوقع تحصيلها من الأرباح المستقبلية.
إن بناء الاقتصاد على أسس متينة يحتاج إلى إعادة النظر في إدارة الحكومة لبعض القطاعات الأكثر التصاقا بالقطاع الخاص، تجربة الحكومة من خصخصة شركة الاتصالات نتج عنها إعفاء الحكومة من الاتهامات المالية الضخمة لتطوير القطاع وتشغيله ورفع كفاءة الخدمة وتطوير المنتجات وخفض في الأسعار لمصلحة المواطن وإيرادات دائمة للحكومة، وهذا ما تتطلع له حاليا لتكون ذراع التحول، والخصخصة التي طبقت في السعودية هي خصخصة جزئية وليست كلية بمعنى أن الدولة لم تتنازل عن قطاعها العام بالكامل، بل تنازلت عن الجزء التشغيلي في القطاع الحكومي وهذا الجزء لا يعتمد على العمالة المواطنة، وبالتالي لم يكن لها أي آثار سلبية من الناحية الاجتماعية. واستبعد شخصياً أن تتجه الحكومة السعودية إلى مسار الخصخصة الكاملة، فلا أعتقد أن دولة متحفظة كالسعودية تقوم بخصخصة قطاعاتها الحيوية بشكل كلي بل ستختار النماذج الأقرب لها من أنواع الخصخصة
خصخصة التعليم
يخطئ من يظن أن خصخصة التعليم أمر مستحدث بالنسبة لنا لم يكن موجوداً في ثقافتنا العربية قديماً. فالنبي- صلى الله عليه وسلم- اشترط على أسرى بدر من القرشيين أن يقوم الفرد منهم بتعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة مقابل حريته وفك أسره.
وخصخصة التعليم لها ثلاث أبعاد، فهناك البعد الاقتصادي والأكاديمي والتنظيمي.
أما التعليم العالي والجامعات الخاصة فإن الأمر في الوقت الراهن أقرب ما يكون إلى سوق الأسهم المنفلت الذي لا تحكمه قواعد ولا قوانين والهدف منه الربح السريع بغض النظر عما يعود به هذا التعليم من فائدة على المجتمع وعلى التنمية بشكل دقيق.
إن الإقبال الكبير على التعليم العالي والتعليم بشكل عام، فالمعرفة هي الثروة في عالم المعرفة بدلاً من الثروات الطبيعية، أدى إلى إقبال أكبر على التعليم العالي أكثر من أي وقت مضى مما شكل ضغطاً على التعليم الحكومي، وأصبحت الدولة عاجزة عن توفير مقاعد لكل من يرغب في التعليم وفق قواعد وأنظمة تحد من الأعداد الكبيرة لدخول الجامعات.
إن فتح الباب على مصراعيه للتعليم الخاص ليتولى هذه المسؤولية الجسيمة ويشارك مع الحكومة في توفير فرص تعليم مناسبة لشريحة كبيرة من طالبي الشهادات الجامعية والذين يتعذر على الجامعات الحكومية استيعاب عدد كبير منهم ، خرّج للمجتمع – وللأسف- حملة شهادات، ولكنهم في حقيقة الأمر غير متعلمين. إن الجامعات الخاصة تعد داعماً كبيراً للتعليم وتوفر مقاعد دراسية لأولئك الذين لظروف مختلفة تعذر عليهم أن يجدوها في الجامعات الحكومية، لكن الهدف الأكبر من هدف الربح والتجارة كان يجب أن يكون التعليم النوعي الجيد وليس فقط مؤسسات ومراكز تمنح (تبيع) شهادات لمن يملك المال لكنه لا يملك الوقت ولا الاستعداد النفسي ولا الذهني للتعلم.
وليس من الحكمة أن نطلق أحكاماً مطلقة على قضايا الاختلاف فيها وارد أو أن نقيّم تجارب لم تنضج بعد، لكن يمكن تحليل الواقع بحسب معطياته الآنية والتي ربما تتغير وبالتالي تتغير الأحكام والتفسيرات نتيجة لذلك. وعلى ذلك فإن الرأي في موضوع الخصخصة شأنه شأن الآراء في المواضع التربوية المختلفة والتي تتغير فيها الآراء بحسب الزمن والمجتمع وعوامل ومعطيات كثيرة تتغير الآراء بناء على تغيرها.
إن إيجابيات خصخصة التعليم تندرج تحت إيجابيات وفوائد الخصخصة بشكل عام في كل القطاعات، حيث أنها بحسب شعاراتها ستساعد على تحقيق آليات السوق وتحقيق الميزات التنافسية، والاستفادة من مبادرات القطاع الخاص من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وهي أيضا سوف تقدم فرص تعليمية لأولئك الذين لم يتسن لهم التعليم لأسباب مختلفة، ومساعدة الحكومة على تخفيف العبء عنها في أمور الخدمات لتتفرغ هي لرسم السياسات.
إلا أن الأمر ليس كله خير كما يظن البعض، حيث أن لخصخصة التعليم جوانب ونقاط معتمة كثيرة يجب الالتفات إليها بغية تفاديها لما لها من آثار سلبية كثيرة في المجتمع. ومن ذلك أن خصخصة التعليم سوف تضعف التعليم العام الحكومي، حيث ستقلل اهتمام الحكومة بهذا التعليم، ويكون البديل التعليم الخاص الذي لن يكون متاحاً للجميع، لكنه فقط لأولئك الذين يملكون دخولاً مناسبة بحيث يمكنهم دخول أفضل المدارس وأفضل الجامعات، وبالتالي يكون هناك نوعان من التعليم : تعليم ذو جودة لا يحصل عليه سوى أصحاب الدخول المرتفعة، وتعليم ضعيف (عادي) يحصل عليه ذوي الدخل المحدود، وبالتالي لن يتمكن العدد الأكبر من الطلاب في الوطن العربي من الحصول على تعليم جيد بهذه المعادلة غير العادلة.
ولا نتجاهل أن التعليم في جميع الدول النامية والمتقدمة يعتبر مسؤولية أساسية للدولة تقدمها لمواطنيها، وفي بعض الدول الأوروبية مثل الدول الإسكندنافية يحظر التعليم الخاص وتتولى الدولة تقديم تعليم مجاني وتفرضه فرضا أساسيا على كل عائلة لها أبناء وكذلك تفعل بريطانيا.
والتعليم في بلادنا منذ عهد المؤسس رحمه الله إلى اليوم هو إحدى مسؤوليات الدولة وأنفقت عليه الدولة أكبر الميزانيات، لذلك لابد من التأني وعدم التسرع في اتخاذ قرار بخصخصة الجامعات الحكومية أو المدارس الحكومية؛ لأنها أولا إحدى أهم مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها.
وبالتالي فإن خصخصة التعليم تعني فرض رسوم على طلبة المدارس والجامعات الحكومية وبالتالي زيادة الأعباء المالية، فالقطاع الأهلي أو الخاص لن يشتري أو يستأجر المؤسسات التعليمية من الدولة ليقدم خدمات مجانية أو بأسعار رمزية، فالربحية هي الأساس في عمل القطاع الخاص.
والمطلوب هنا هو العكس تماما حيث ننتظر تقديم تعليم ذي جودة عالية لأكبر شريحة ممكنة من الطلاب في الوطن العربي ليساعدهم هذا التعليم على إيجاد فرص عمل أفضل، وبالتالي المشاركة في التنمية حيث سيقدم هذا التعليم للمجتمع خريجين ذوي معارف ومهارات وتجارب تزيد من حجم الإنتاج وترفع من درجات الجودة فيه.
التعقيب الأول: د. ناصر القعود
بدأت الدكتورة نوف الغامدي ورقتها القيّمة بمقدمة ضافية عن الخصخصة بشكل عام ، مبيّنة مزاياها وما يمكن أن ينتج عنها من سلبيات ، واستعرضت مسيرة الخصخصة في المملكة وبدء الاهتمام بها الذي سبق انخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة ؛ حيث بدأ الاهتمام بها في التسعينيات الميلادية ، فقد صدر قرار مجلس الوزراء في عام ١٤١٨ بشأن زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد وتلاه إصدار استراتيجية التخصيص عام ١٤٢٣ وما تلاها من قرارات من مجلس الوزراء بتسمية عدد من القطاعات المؤهلة للخصخصة. لكن تباطأ الاهتمام بذلك مع التحسن الكبير في أسعار النفط ابتداء من عام ٢٠٠٣ م إلى أن صدرت رؤية ٢٠٣٠.
وأشارت الدكتورة نوف إلى القبول العام لخصخصة الأنشطة التي تقوم بها الحكومة في عدد من القطاعات بالشروط والمتطلبات اللازمة لنجاح الخصخصة بما في ذلك شفافية الطرح وتوسيع الملكية والمعالجة المجتمعية لأي نتائج سلبية ، واستثني من ذلك قطاع التعليم والصحة فقد تعددت الآراء بشأنهما. وقد نادت الدكتورة نوف بعدم التسرع في خصخصة الجامعات الحكومية أو المدارس الحكومية. واتفق معها في ذلك ؛ فخصخصة التعليم ( ومثله الصحة ) تختلف عن خصخصة بقية القطاعات الخدمية ، فالتعليم سلعة أو خدمة عامة بمعنى أن نفعها ( أو ضرر عدم الحصول عليها ) يتعدى الفرد إلى المجتمع ، فالتعليم الجيّد يزيد من إنتاجية الفرد ويزيد من إنتاجية المجتمع وزيادة الناتج الإجمالي له، وبالتالي إذا تحمل الفرد وحده تكلفة التعليم قل عدد المتعلمين واقتصر التعليم على القادرين وقلت إنتاجية المجتمع .
وفِي الخدمة العامة بهذا المفهوم ينبغي الموازنة بين الكفاءة الاقتصادية ( من خلال إتاحة المنافسة ) وبين العدالة الاجتماعية ( من خلال البرامج الاجتماعية المقدمة من الحكومة ) ، وذلك بأن تتولى الحكومة والمجتمع الإنفاق على التعليم وتحمل جل تكلفته لاسيما التعليم العام الذي ينبغي أن يكون الزاميا وأن يتوفر الحصول عليه من خلال بديل بدون رسوم أو أن تتحمل الحكومة هذه الرسوم .
الحل الأفضل لا يتأتى بخصخصة التعليم العام الحكومي بل برفع جودته ، و لا يمنع ذلك من تشجيع قيام مدارس خاصة ( ربحية ) أو أهلية ( غير ربحية ) كخيار آخر ، شريطة الإشراف عليها والتزامها بمعايير الجودة .
وكذلك فإن الأفضل عدم السعي لخصخصة الجامعات الحكومية بل دعمها ومنحها الاستقلالية اللازمة لرفع جودتها والتنافس بينها في ذلك ، وفِي الوقت نفسه التشجيع على تقديم الأوقاف والمنح للجامعات الأهلية والخاصة مع وضع معايير و شروط لعضوية مجالس الأمناء والتزامها بالمعايير الأكاديمية .
وختاماً هناك ملاحظة فيما يتعلق بالمثال المشار إليه في الورقة حول اشتراط فك أسرى قريش بتعليم عدد من أبناء المسلمين فهو في نظري دليل على حرص الحكومة ومسؤوليتها عن التعليم وليس دليلا على خصخصة التعليم ، والتاريخ الإسلامي والعربي شهد الحرص على التعليم المجاني من قبل المؤسسات غير الهادفة للربح بفضل ما يقدم لها من أوقاف وهبات من أفراد المجتمع.
التعقيب الثاني: د. خالد بن دهيش
أقدر للدكتورة نوف تخوفها من خصخصة التعليم ( العام والعالي ) بسبب الواقع الحالي الذي وصفته بالانفلات ، الذي ربما يكون من الوزارة أو من مقدمي التعليم الخاص أو الأهلي ( وهو المسمى الرسمي لدى وزارة التعليم حالياً ).
وهذا التخوف – للأسف – في محله بنِسَب متفاوتة من جانب الوزارة ومن جانب مقدمي التعليم ، مما أستدعى الوزارة طرح برامج لتعديل وتصحيح المسار.
فقد سبق أن رفعت وزارة التربية والتعليم للمقام السامي تطلب الموافقة على إعداد دراسة لخصخصة التعليم ، فصدرت الموافقة السامية بتاريخ ٢٢/٧/١٤٢٨هـ بتشكيل لجنة من عدة جهات حكومية ومن مجلس الغرف. وقد كًلفت بإدارة هذا الملف في ذلك الوقت. ورفعت نتائج الدراسة للمقام السامي ، وصدرت موافقة المجلس الاقتصادي الأعلى على نتائج الدراسة التي أوصت بوضع استراتيجية لتخصيص التعليم.
وقد كلفت الوزارة أحد بيوت الخبرة العالمية بإعداد دراسة تخصيص التعليم بمشاركة مستشار محلي له سابق خبره. ومن ضمن توصيات الاستراتيجية تحويل بعض الخدمات التعليمية للقطاع الخاص بالتدرج حيث تم إنشاء خمس شركات حكومية يمتلكها صندوق الاستثمارات السعودي تكون تحت مظلة شركة تطوير القابضة. وكان الهدف من ذلك أن تقوم هذه الشركات نيابة عن الوزارة بالخدمات التعليمية وتفريغ الوزارة لمهماتها الأساسية من خلال التركيز على : المناهج وطرائق التدريس وتطويرهما ، المعلم اختياراً وتطويراً، الطالب محور العملية التعليمية .
وقد تم تحقيق تلك التوصية من خلال إنشاء الشركات الخمس وهي:
- شركة الخدمات التعليمية.
- شركة النقل المدرسي.
- شركة التغذية المدرسية.
- شركة المباني المدرسية.
- شركة التقنيات التعليمية.
وهذه الشركات قائمة وتعمل منذ أربع سنوات تقريباً على تنفيذ برامج ومشروعات وزارة التعليم نيابة عن الوزارة بتمويل من بنود ميزانية الوزارة إضافة إلى تنفيذ برامج ومشروعات مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم تحت مظلة شركة تطوير القابضة.
أما الجانب الأخر من دراسة التخصيص فكانت زيادة نسبة التحاق الطلاب في التعليم الأهلي ( الخاص ) ورياض الأطفال من ١٠٪ في المتوسط إلى ٢٥٪ و تهدف الوزارة من ذلك إلى تحقيق هدفين أساسيين هما :
- تسريع نمو قطاع المدارس الأهلية .
- التأكد من مستوى مقبول من الجودة .
و قد تضمنت الاستراتيجية عدة مبادرات لتحقيق ذلك الهدف منها: برنامج المنح الدراسية التي تقدمها الوزارة لدعم أسر الطلاب لتحفيزهم على إلحاق أبنائهم بالتعليم الأهلي وفق آليات عمل كان أهمها أن يكون هناك جهة مسؤولة عن تقييم مستوى المدارس الأهلية من خلال تطبيق معايير دولية على المدارس ومستوى جودة معين وأن تغطي المنحة نسبة محددة من تكلفة الطالب في نفس المرحلة في مدرسة حكومية. و نتيجة لذلك تم إنشاء هيئة تقييم التعليم العام نتيجة لتوصية من الدراسة.
كما تضمنت الاستراتيجية قيام الوزارة بدعم إنشاء شركات كبرى متخصخصة لتشغيل المدارس الأهلية. وقد وضعت الوزارة عام ٢٠٢٠ هدفاً لتحقيق الاستراتيجية. وتوقعت تقليل تكاليف التعليم العام بأكثر من ملياري ريال سنوياً إضافة إلى توفير ٩٥ الف وظيفة للمواطنين بالقطاع الخاص.
أما عن التعليم الأهلي العالي ، فمن خلال إشرافي على إنشاء وتشغيل مجموعة من الكليات الأهلية الصحية خلال الفترة من عام ١٤٣١-١٤٣٥ فقد لاحظت أن إشراف وزارة التعليم العالي كان ضعيف جداً مما تسبب في وجود ثغرات أدت إلى وجود خلل واضح في مخرجات بعض الكليات الأهلية ، مع ذلك فهناك بعض الجامعات والكليات تقدم تعليم عالي أهلي مميز وربما أفضل من بعض الجامعات الحكومية . علماً بأن الوزارة وبعد الدمج قامت بإنشاء وكالة للوزارة للتعليم الأهلي (العام والعالي) وتقوم هذه الوكالة – حسب علمي- بجهود كبيرة للبحث عن هذه الثغرات لمعالجتها للارتقاء بالتعليم الأهلي العالي.
قبل مدة قصيرة أعلن عن تشكيل لجان إشرافية لبدء التخصيص لعشرة بقطاعات حكومية منها قطاع التعليم كما وضع لهذه اللجان ١٣ قاعدة لعملها الإشرافي على القطاعات المستهدفة بالتخصيص تحت إشراف المركز الوطني للتخصيص التابع لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وهذا يدل على أن الدولة متجهة لمزيد من التخصيص للتعليم.
المداخلات حول القضية:
- oأبعاد خصخصة التعليم في الواقع السعودي
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود بداية إلى أنه كان يرجو ألا يكون عنوان القضية بهكذا يرد ، فمفردة (ضرر) في أي عنوان ، ولأي طرح ، يعني وكأن هناك فوضى قائمة لمشروع قائم يراد منه في الأصل مساهمة وطنية تخدم الشأنين ( الاجتماعي والتربوي ) ، هذا إذا ما تحدثنا عن التعليم بطبيعة الحال ، أما مسألة اقتران كلمة ( الضرر ) بالضرورة فإنه لا ينبغي اقتران ذلك بهذا الأخير ، فلاشك أن الضرورة قائمة لمساندة قطاع يعاني في هذه المرحلة من العديد من المعضلات والمشكلات التي تنجم بين وقت وآخر ، وإلا لم تصدر تشريعات مضى عليها عقود من الزمن ليكون لدينا مؤسسات أهلية تشارك في النهوض بالتعليم العام منذ عقود أزلية ، إلى أن سمح أخيرا لمؤسسات تعليم عالي أهلي بالوقوف جنبا إلى جنب مع مؤسسات التعليم العالي الحكومي .
وهنا لابد من الإدراك أن من الأهداف الأساسية لوجود تعليم أهلي سواء عام أو عالي ، هو لأمرين لا ثالث لهما ، ( مساندة للتوسع في المؤسسات التعليمية أمام نمو سكاني متزايد ، والبحث عن نوعية التعليم قد تكون مفقودة في التعليم الحكومي ) ، ولذلك وبالتأكيد إن مشاركة القطاع الخاص في المشاريع التعليمية لم يأت من خلال الاستثمار لأجل الاستثمار ، إنما أتى عبر خطط حكومية ارتأت ذلك الأمر ، ومن هنا حق للقطاع الخاص أن ينشد الربحية عند أي استثمار كان ، ولكن بكل تأكيد ليس على حساب المنتج النهائي.
إن خصخصة التعليم والتي ليست بحديثة عهد للمملكة العربية السعودية سواء للتعليم العام أو العالي ، فإن أول جامعة أهلية تأسست في عهد الملك فيصل رحمة الله عليه كان ذلك عام ١٣٨٧هجرية في مدينة جدة ، والتي أصبحت جامعة الملك عبدالعزيز حاليا .
وفي هذه المرحلة نلحظ أن خصخصة التعليم بشكل موسع هي مرحلة تحتم على الحكومة السعي نحو نشر هذه السياسة على نطاق واسع ، وأجزم أن الحكومة السعودية استشعرت أهمية ذلك بعد صدور القرار الأخير لمجلس الوزراء بالسماح للاستثمارات الأجنبية في الاستثمار في التعليم عامة ، وهي خطوة أحسبها محققة لنجاحات مؤملة أمام احتياجات وطنية ، خصوصا وأن المجتمع السعودي يعيش رغبات وميول متعددة في الالتحاق بكافة أنواع التعليم المتاحة وغير المتاحة محليا.
وبحكم أنني أحد المستثمرين في قطاع التعليم العالي الأهلي ، يتحتم الأمر على هنا أن استشهد بما وصلت إليه مؤسسات التعليم العالي الأهلي من جهود أكاديمية مشهودة وهي :
1- إن مؤسسات التعليم العالي الأهلي اهتمت بالتنوع في مخرجاتها التعليمية فضلاً عن ما يتوافق واحتياجات سوق العمل .
2- قدمت مؤسسات التعليم العالي الأهلي تخصصات تعليمية البعض منها لا يتوافر لدى بعض الجامعات الحكومية .
3- احتضنت مؤسسات التعليم العالي الأهلي من خلال ابتعاث داخلي لعدد من طلاب الماجستير من قبل الجامعات الحكومية الناشئة للدراسة في برامج الماجستير بتخصصات متعددة ، وهذا يعد مفخرة كبرى لهذه المؤسسات .
4- اهتمت مؤسسات التعليم العالي الأهلي بالجودة ، وأنشئت أقسام أو إدارات داخلها تعنى بالجودة التعليمية إيماناً منها برسالة التعليم العالي الأهلي .
5- اهتمت مؤسسات التعليم العالي الأهلي بالبحث العلمي ، والذي يعد الأساس الذي تقوم عليه الدراسات الجامعية خصوصاً الدراسات العليا .
واقترح د. مشاري بن عبدالله النعيم «خصخصة» التعليم العالي الحكومي، ففي ذلك فرصة حقيقية أولاً لأن نحصل على تعليم «مستقل» و «حر»، والاستقلالية والحرية في التعليم ركنان من أركان صناعة الإبداع، كما أن ذلك سيؤدي إلى «فلترة» المؤسسات التعليمية الخاصة التي تبدو تجارية أكثر منها أكاديمية؛ فنحن لسنا بحاجة إلى مؤسسات ضعيفة بقدر ما نحتاج إلى مؤسسات منافسة.
وقال في هذا الصدد (*): منذ فترة طويلة وأنا أفكر في حال التعليم العالي في المملكة وكيف يمكن أن يتطور، وخلال هذه الفترة لم أجد وسيلة للتطوير أنجع من «خصخصة» التعليم العالي، وأنا هنا لا أقصد تشجيع الجامعات الخاصة بقدر ما أقصد تخصيص التعليم العالي الحكومي نفسه. على أن هذه الفكرة تبدو غريبة أو صعبة (لا أعلم بالتحديد) عند البعض أو أنهم لا يتصورون أن يكون هناك تعليم لا ترعاه الدولة، وهذا بالطبع حق مكفول لهم، فهم قد تعودوا على أن تكون الدولة مسؤولة عن التعليم. على أنني هنا سأحاول أن أبين وجهة نظري حول تخصيص التعليم العالي الذي يمكن أن يتطور عندنا، لأني أجده الحل الوحيد للمستوى المتدني لمخرجات جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية مع أن ميزانيات التعليم كبيرة ويفترض أن تكون مؤثرة وتقدم تعليماً متميزاً، وهو ما يشير إلى الهدر المالي الكبير دون وجود نتائج مرضية. وأنا هنا لا أريد أن أكون قاسياً على تعليمنا العالي الحكومي، فجميعنا تعلّم واكتسب معارفه منه (وأقصد هنا من هم من جيلي ومن الجيل الذي سبقوني وكثير من الذين أتوا بعدنا) إلا أن الوضع يبدو أنه قد تغير أو تعقد أو حتى أصبح «خارج إمكانات المؤسسة التعليمية الحالية»، وهذه سنة من سنن الحياة، أن تتغير الأمور وتتبدل وأن يكون لكل مرحلة خصوصيتها ومؤسساتها وآلياتها التي تعمل من خلالها.
سؤالي الأزلي هو لماذا لا يوازي ما يخصص للتعليم من ميزانيات جودة مخرجاته؟ أين يكمن الخلل؟ وأنا هنا لا أدعي أنني أعلم كثيراً عن هذا الخلل إلا أنني أستطيع أن أتحدث عن تجربتي الشخصية (بحكم أنني أحد الأكاديميين) وعن بعض ما أسمعه من زملائي في كل الجامعات السعودية. أذكر أنني سألت أحد الزملاء المخضرمين (يعمل أستاذاً في جامعاتنا الكبرى) عن حال الجامعة فأجابني أنها «أكبر ثانوية في العالم». ربما يكون في هذا الوصف مبالغة بعض الشيء إلا أننا يجب أن نعترف أننا نواجه مشكلة «جودة» في تعليمنا العالي رغم أننا نستثمر أموالاً طائلة ويوجد بيننا من المتعلمين المتخصصين الذين تعلموا في أرفع الجامعات في العالم دون أن يستفاد منهم فعلاً، بل كيفوا وأصبحوا تروساً في آلة لهم إيقاع وصوت واحد. كل هذا يمكن أن يعلق على شماعة البيروقراطية وتحييد البحث العلمي، والتقليل من دور «المعلم المتميز» وغياب حافز الاجتهاد، وأهم من ذلك الخلل الكبير في إدارة التعليم الجامعي وضمور الإحساس «بالمؤسسة» في الجامعة وما يعني ذلك من غياب شبه كامل للمناخ الأكاديمي الذي يحث على الحوار وفتح قنوات بحثية وفكرية جديدة بين الأساتذة والباحثين. ولا أستطيع أن أقول هنا أنه لا يوجد لدينا ميزانيات كافية لتحقيق كل هذه الأركان في مؤسسات التعليم العالي، فأنا أعتقد أن الأمر مرتبط بغياب التخطيط والتوزيع المتوازن لهذه الميزانيات.
إن المستقبل هو للتعليم الخاص في المنطقة العربية رغم أن الدول الغربية لم تطور فكرة التعليم الخاص بشكل واضح وجل اعتمادها على التعليم الحكومي العام. فدولة مثل أستراليا لا يوجد بها إلا جامعتان خاصتان هما (نوتردام وبوند)، كما أنني لا أذكر أن هناك جامعات خاصة كثيرة معروفة في بريطانيا، وفي الولايات المتحدة يعتمد التعليم بشكل أساسي على التعليم الحكومي مع وجود جامعات خاصة عملاقة، ويبدو أن النموذج الأمريكي هو ما نفضله نحن في الخليج ولكن بصورة شكلية إذ أننا فكرنا في التعليم الخاص كبديل للتعليم الحكومي وليس مكملاً له. ولا أعتقد أن أحداً ينكر أن الصورة التي يروجها المستثمرون في التعليم الخاص هي أن التعليم الحكومي لم يعد كافياً وربما لم يعد قادراً على تقديم الجودة التي يحتاجها سوق العمل. وبالتالي نجد كثيراً من المؤسسات الأكاديمية الخاصة تُفتتح هنا وهناك دون أهداف واضحة ودون شخصية أكاديمية تتشكل وتنمو مع الزمن. كما أن خطط مؤسسات التعليم الخاص قائمة على دعم الصورة السلبية عن التعليم العالي الحكومي وليس على أنها فعلاً ستقدم تعليماً متميزاً. وفي اعتقادي أن المنافسة هنا ستكون غير عادلة وسيكون التعليم الخاص مجرد صورة وهمية غير فاعلة ولن يحدث التغيير الذي نتمناه. وستكون الجودة وهمية لأنه تعليم لا يسعى إلى الاستقلالية والبحث عن معايير عالمية، بل هو تعليم يستمد معاييره ووجوده من السلبيات الموجودة في التعليم العام.
الإشكالية هنا أن البعض يرى أن تخصيص التعليم الحكومي مسألة صعبة للغاية ولا أحد يجرؤ أن يقدم عليها لأنها مسؤولية كبيرة. كما أن من حق أي إنسان على أرض الوطن (الغني والفقير) أن تتاح له فرصة التعليم العالي، ولا أريد هنا أن نحقق مقولة الرئيس الأمريكي السابق (جيمي كارتر) الذي يرى أن أولاد الأغنياء فقط هم من يحظون بتعليم متميز لأنهم قادرون على ذلك، فالذي يظهر من دعوتي لتخصيص التعليم العالي الحكومي، هي إتاحة الفرصة فقط للقادرين مالياً للحصول على تعليم متميز، إذاً كيف يمكن تحقيق خصخصة التعليم العالي وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة لكل أبناء الوطن للحصول على تعليم متميز؟
سوف أبدأ الإجابة بالحديث عن الميزانيات الضخمة التي تخصصها الدولة للتعليم العالي، وسوف أفترض أن مؤسسة التعليم العالي تحولت إلى مجرد هيئة تنظم عملية التعليم وأن كل جامعة أصبحت مستقلة ومرتبطة بالدولة فقط من خلال إتباع السياسات العليا التي تضعها الحكومة في خططها السنوية والخمسية والاستراتيجية. كما أننا نستطيع أن نقترح أن تقوم هذه المؤسسة بتقديم الدعم المالي للجامعات من خلال حساب تكلفة الطالب في كل تخصص وتقديم دعم إجمالي يوازي 50 – 70٪ من تكاليف الطلاب المسجلين في كل جامعة كل عام بحيث تقوم الجامعة من خلال استثماراتها الخاصة وبعض الرسوم الرمزية من بعض الطلاب (سواء من الداخل أو الخارج) ومن البحوث التي يمكن أن تقدمها الجامعة للقطاع الخاص والحكومي بتغطية الجزء المتبقي من الميزانية المتوقعة للجامعة. بهذه الطريقة لا نفقد الدعم الحكومي للتعليم العالي كما أننا سوف نحصل على جامعات مستقلة ومفكرة وتبحث باستمرار عن زيادة قدراتها الاستيعابية ورفع قدراتها الأكاديمية لأن التنافس هنا سيكون على الجودة (أو على الأقل هذا ما أتوقعه).
ويبدو أن الأمر ليس بهذه الصعوبة التي قد يراها البعض (إذا ما توفرت الإرادة)، فخصخصة التعليم العالي التي أقترحها تعتمد على دعم الدولة من الناحية المالية ولكن من أجل خلق مناخ تنافسي على الجودة والعدد ونوعية التخصصات، وفي نفس الوقت تجعل من الجامعة مؤسسة مستقلة يحدد سياستها «مجلس أمناء» مستقل، يتشكل من ذوي الخبرة والدراية والباع الطويل في العمل الأكاديمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي .
هذه الفكرة ليست جديدة وهي مطبقة في أكثر الدول الغربية، إذ أن الجامعات هناك مستقلة وشبه خاصة لأن الناس تدفع ضرائب في تلك الدول وحكومية في نفس الوقت، لأن الحكومة تقدم دعماً كبيراً لميزانيات تلك الجامعات. وفي اعتقادي أن مثل هذا الوضع قد يناسبنا في المملكة كوننا فعلاً ندفع الكثير على التعليم إلا أننا لا نجد جودة تضاهي ما ندفعه، يضاف إلى ذلك وجود مناخ من «الاتكالية» و «الشللية» وغياب التنافس بين الجامعات نتيجة لهذا الاعتماد الكامل على ميزانية الدولة وهو ما شجع في نفس الوقت على نشوء تعليم خاص ضعيف ودون أهداف واضحة، وحتى يتم فعلاً خصخصة أو إنعاش أو ترميم التعليم العالي في بلادنا فسنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة من غياب الجودة والهدر المالي الكبير.
ومن ناحيته ذكر م. خالد العثمان أن الشركات الخمس التي أشار إليها د. خالد بن دهيش تحت مظلة شركة تطوير التعليم القابضة تختص جميعها بأنشطة وأعمال مساندة للعملية التعليمية لكنها لا تتناول صلب العملية التعليمية من مناهج ومعلمين وغير ذلك.. وعليه يكون التساؤل: هل هذا شيء صحي أم أنه من الواجب تعميم اختصاص القطاع الخاص بمجمل أركان العملية التعليمية؟ أيضا من المهم تناول توجهات الخصخصة ضمن رؤية 2030 وفق ما شاهدناه على مدى الأشهر الماضية.. آخر هذه الأخبار إعلان الهيئة العامة للاستثمار عن فتح قطاعي الصحة والتعليم للاستثمار الأجنبي بملكية كاملة.. هل هذا التوجه محفز للاستثمار من القطاع الخاص السعودي أم أنه يفتح باب للمنافسة غير العادلة؟
ومن جهته تساءل أ. عبدالرزاق الفيفي: هل نحتاج لتأسيس وزارة تعليم جديدة ورديفة للحالية ويتم إحلال الوزارة القديمة تدرجياً في الجديدة على مدار خمس سنوات مثلاً؟ أو نحتاج لفصل الأعباء الفرعية عن الأصل في الوزارة الحالية لحين يتحرر الجسم الأصلي للوزارة من الترهل المتراكم ثم يعاد ضم الفروع لها ويمكن أن تعامل الفروع لحين جاهزية الأصل كهيئات أو شركات فرعية مستقلة يرأسها الوزير؟
وأوضح د. مشاري النعيم أن المطلوب فقط إلغاء وزارة التعليم، وجعل المناطق والجامعات تعمل بشكل مستقل، ويكون هناك مجلس للتعليم في كل منطقة، وتضع الدولة سياسات عامة للتعليم تعتبر إرشادات للمجالس.
وأوضح أ. عبدالرزاق الفيفي أن المشكلة كون تطبيقه لم يشمل الأجزاء المهمة (كشؤون المعلمين) و (شؤون الطلاب) و (شؤون المناهج). وهذه المسارات الثلاثة أولى بأن تفرد كل واحدة بشركة ؛ وقد تكون خطوة شركة الموارد البشرية التعليمية التي أشار إليها الوزير سابقا حلا جيدا شريطة أن تدرك سياساتها أن التعامل مع المعلم له خصوصية ونوعية عن غيره من المهن ؛ فلابد أن تدمج سياساتها بين العنصر المهني و العنصر التربوي.
وبدوره يرى د. علي الحكمي أن أهم خطوة لتخصيص التعليم اتخذت وهي إنشاء هيئة تقويم التعليم؛ وهي تضع المعايير للمدارس والمعلمين. و تملك وفق التنظيمات التي أقرت مؤخراً من المقام السامي كل الصلاحيات التي تمكنها من تنظيم وتقويم التعليم الأهلي.
ومن جهته يرى د. إبراهيم البعيز أن هناك ثمة خلط بين القطاع الخاص والقطاع الثالث (الغير ربحي)، مما ترتب عليه أننا لا نُفرّق بين الجامعات الخاصة التجارية، والجامعات الخاصة التابعة لمؤسسات غير ربحية. من هذا المنطلق يكون التساؤل موجه للمتحمسين للخصخصة التجارية للتعليم والتي تسمى تلطيفا (استثمارية).. لماذا دول رأسمالية مثل أمريكا ليس بها من جامعات تجارية سوى ثلاث جامعات فقط؟ ولماذا بريطانيا لم ترخص إلا لجامعة تجارية واحدة؟ وهناك تقارير صحفية تشير إلى أنهم نادمون على ذلك؟ ولماذا عدد الجامعات التجارية في أستراليا لا يتجاوز عدد أصابع اليد؟
وفي تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإننا لم نصل إلى مرحلة (مقاولة التعليم) ، والأمنية ألا نكون كذلك ، إن كان هناك شيء من التفريط فالأمر يعول على وزارة التعليم ، التي يفترض أن ترفع من كفاءة الإشراف والرقابة.
ومن ناحية أخرى فإن المؤسسات التعليمية شأنها شأن أي منظمة تنشد الدعم الحكومي للنهوض بأعمالها ، وبالمقابل ليس صحيحا أن تنشء مؤسسات تعليمية وتضع في الحسبان الدعم الحكومي المالي أولا أو مطلبا رئيسا ، ولعل من أسباب تعثر بعض الكليات هو سهولة شروط افتتاح كلية عند بداية التنظيم ، بينما حاليا الضوابط والشروط ليست بالأمر الهين ، ومنها ألا تقل مساحة الأرض للكلية الواحدة عن 20000 متر مربع.
وبدوره عبر أ. عبدالرزاق الفيفي عن خشيته من أن يكون مفهوم التحول للخصخصة هو مجرد استراتيجية من المنتفعين خلقت حالة دفعت بصاحب القرار لاتخاذ قرار الخصخصة ، وألا نجد من الخصخصة إلا طرفها.
في حين يرى د. إبراهيم البعيز أن معايير الأداء والنجاح في الجامعات الخاصة التجارية تنحصر في الأرباح. بينما المعايير في المؤسسات الغير ربحية تشمل التميز والإنجاز. والتكاليف التشغيلية فيها لا تأتي فقط من الرسوم التي يدفعها الطلاب، بل من عوائد الأوقاف. وفي إطار دراسة قام بإعدادها د. البعيز قبل عدة سنوات عن الأوقاف الجامعية (تجارب عالمية) فقد تبين أن أوقاف جامعة هارفرد (جامعة خاصة غير ربحية) تعادل في تلك السنة رؤوس أموال البنوك السعودية مجتمعة. كما يشير تقرير لجامعة MIT (جامعة خاصة غير ربحية) إلى أن الرسوم التي يدفعها طلاب الولاية لا تغطي إلا 65% من تكاليف الدراسة. هذه اثنتان فقط من مئات الجامعات الخاصة غير الربحية في أمريكا.
وقال د. إحسان بو حليقة: هل الخصخصة بحد ذاتها بلسماً لكل إحباطاتنا؟ لا. في التعليم وفي سواه الخصخصة أداة وليست هدفاً، ولن تحل لنا الأسئلة الضخمة الفخمة والأدبية التي ما برحنا نعاني منها. إن كانت الخصخصة ستجلب خيارات تعليمية إضافية، تتضمن المرونة والجودة والنماذج الجديدة، وتقليص البيروقراطية والتدخل الحكومي في كل قرار يُتخذ في العملية التعليمية، فقد تكون مفيدة.. أما أن تكون مجرد تخريج مالي، فالفائدة لن تكون مجتمعية. إن كانت الحكومة تسعى للخصخصة لطلب تجارب ونماذج جديدة فهذا أمر، كتجربة قطر في المدارس المستقلة، أما إن كان الهدف هو التخفف، فنحن أمام أيام صعبة.
التعليم لا يصلح أن تتربح منه الحكومة مالياً. الحكومة ملزمة بتعليم أبنائها. والخصخصة إن لم تكن أداة لفتح التعليم على نماذج تعليمية جديدة فيطلب لنا الوبال.
وتساءل م. خالد العثمان: وماذا لو كان الهدف هو التربح ؟ .. أو على الأقل أحد الأهداف. وباعتقاد د. عبد الله بن صالح الحمود أنه لابد أن نجمع بين الربحية ودرجة مستوى الخدمة المقدمة، وإلا قلنا ( لم ينجح أحد ).
ومن وجهة نظر د. إبراهيم البعيز فإن أحد مؤشرات التنمية والتغيير في المجتمع هي سهولة وسرعة الحركة الاجتماعية، بمعنى أن ترتقي الأسر من طبقة الفقراء إلى الطبقة الوسطى، وهذا ما حصل في المجتمع السعودي في أعقاب الطفرة الاقتصادية فأتيحت الفرصة للكثير من أبناء الفقراء ومحدودي التعليم إلى الارتقاء ليكونوا في الطبقة الوسطى من خلال التعليم والفرص الوظيفية. الإشكالية في الوقت الحاضر أن تلك الفرص بدأت تتضاءل أمام الكثير من أبناء الطبقة الفقيرة. والتساؤل: هل خصخصة التعليم سوف تجعل التعليم المتميز حكرا على الأغنياء مما يعني أن أبناء الفقراء محدودي التعليم سيكونون أيضا فقراء ومحدودي الفرص والتعليم؟
وأضاف أ. عبدالرزاق الفيفي: لذلك لابد قبل أي تحديد الهدف من التوجه إلى الخصخصة ، هل هو لرفع الكفاءة التعليمية ؟ أم لتوفير استقلالية مالية و اكتفاء مالي ذاتي للتعليم ؟ وبالإجابة عن السؤالين ندرك المسار الذي ينبغي اتخاذه. والخشية من مسألة الخلط ؛ بمعنى أن تخلط إجابة الأول بالثاني فتصبح الرؤية ضبابية.
في حين ذهب د. مشاري النعيم إلى أنه في جميع أنحاء العالم هناك جامعات حكومية وجامعات خاصة، لماذا يجب علينا خصخصة التعليم؟ يفترض أولا أن نبحث عن استقلالية التعليم من الوصاية والتوجيه وفتحه على التنافس من أجل الجودة قبل التفكير في أي خصخصة للتعليم الحكومي.
تجربة التعليم الجامعي الأهلي غير موفقة ومؤخرا فتحت جامعة جديدة في الدمام لا نعلم كيف تم إعطائها ترخيص. التوسع في التعليم الجامعي الأهلي بنفس العقلية الحالية يعني تدمير للتعليم على المدى الطويل فهي تفتقر للجودة ، ومعايير اختيار أعضاء هيئة التدريس تخضع لمزاجية المستثمر.
وفي السياق ذاته المتعلق بقضية خصخصة التعليم، تطرق د. علي الحكمي إلى بعض النقاط المتعلقة بالأساس بالتعليم العام من مرحلة الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية، كما يلي:
1- مجانية التعليم لمرحلة التعليم العام هي مسؤولية الدولة لجميع الطلاب بغض النظر عن مكان سكنهم أو مستواهم الاجتماعي والاقتصادي. وهذا ما قامت به دولتنا وفقها الله وهو السبب الأهم في تحقيق الوصول الكامل للمدارس في جميع أنحاء المملكة.
2- عندما نتحدث عن خصخصة التعليم، يجب أن نحدد الهدف منها أولاً: هل هي لتخفيف العبء المالي عن الدولة أم لتوفير خيارات تعليمية أخرى قد تكون أكثر جودة لأولياء الأمور وتقدم خدمات لا تقدمها المدارس الحكومية، مثل توفير بيئة مدرسية جيدة أو مناهج عالمية أو تدريس جيد أو نقل مدرسي….إلخ. أم لتحقيق الفاعلية الاقتصادية للدولة بإلحاق الطلاب في مدارس تعليم أهلي ودفع رسومهم الدراسية على فرضية أن القطاع الخاص هو أكثر فاعلية في بعض الأحيان. والحقيقة أن الهدف لا بد أن يكون واضحاً ومحدداً للخصخصة؛ والتي يجب أن تلتزم، مهما كانت أهدافها، بمبدأ مجانية التعليم للجميع.
ومن جديد أوضح د. ناصر القعود أن هناك فرق بين خصخصة التعليم والسماح للقطاع الخاص أو القطاع الأهلي فالخصخصة تعني تحويل الجامعات الحكومية أو المدارس الحكومية إلى القطاع الخاص والأهلي من خلال البيع أو عقود الإدارة وهذا ما ينبغي أن يكون محور النقاش أما تشجيع القطاع الخاص والأهلي على إقامة جامعات أو مدارس فهو قائم منذ مدة وينبغي التشجيع عليه والسماح للجامعات العالمية المرموقة بفتح فروع لها وتطبيق معايير الجودة على كل القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة وبالتالي تتاح بدائل ونماذج متعددة شريطة مراقبة الجودة.
وذكر د. حميد المزروع أنه بالفعل هناك حاجة ماسة لإيضاح معني و مفهوم خصخصة الجامعات؛ فالمقصود بالخصخصة هي أن تدار الجامعات بطريقة مهنية ومستقلة وأن تمول الجامعات كل أو معظم مصروفاتها . مع الالتزام بمعايير الجودة العالمية الخاصة بالتدريس والتدريب .
ويرى م. حسام بحيري أن برامج خصخصة التعليم الحالية هدفها الرئيسي تخفيف الكلفة المالية على الدولة لأن التعليم يكلف ثلث ميزانية الدولة. هذا البرنامج ليس له أي علاقه بارتقاء مستوى التعليم في المملكة. الارتقاء بمستوى التعليم يحتاج إلى برامج تختص بتحديث وتطوير المناهج المدرسية. إن برامج الخصخصة لن تأتي بالفائدة المطلوبة لأسباب كثيرة لها علاقة بالاقتصاد في مرحلتنا الحالية.
وأشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أنه إذا كانت الهدف من الخصخصة هو الوصول لحوكمة شاملة للتعليم فهذه خطوة رائعة ولكنها متقدمة جدا ؛ فلن تنجح الخصخصة في ظل غياب الموديل المناسب والمتناسق مع ثلاثية التطوير التعليمي وهي:
1- المخرجات التعليمية المرجوة ( والمقصود هنا الطالب ).
2- الجدوى التنموية ( احتياجات التنمية البشرية خلال ٥٠ السنة القادمة ).
3- الجدوى المالية ( تحقيق الحوكمة والاستدامة و القدرة ).
في حين اتفق م. سالم المري مع الغالبية الذين لا يرون ضرورة تخصيص قطاع التعليم في الوقت الحاضر فالدول المتقدمة مازالت تمتلك الجزء الأكبر من تعليمها. فما بالك ونحن بلد نامي وتعليمنا ما زال قاصرا وبحاجه إلى رعاية الدولة وتوجيهها حتى يحقق أهدافه. ولذلك فما نحتاجه في المملكة هو إصلاح التعليم وترشيد الإنفاق عليه وليس تخصيصه. والشركات الخمس خطوة جيدة على الطريق الصحيح ولكنها بحاجة إلى إدارة حديثة تستطيع النهوض بها ويجب أن تتحرر هذه الشركات أيضا من القيود التي عادة ما تحد من عمل الجهات الحكومية، حتى تستطيع إحداث الفرق. ومن المهم الانتظار حتى نرى مدى نجاح هذه الشركات قبل تخصيصها.
أضف إلى ذلك أن القطاع الخاص لم يثبت نجاحه حتى الآن في أي من النشاطات المهمة وغير جاهز وغير قادر على إدارة قطاع كبير ومعقد له أبعاد ذات تأثير عميق على الدولة والمجتمع مثل التعليم. ومن الإصلاحات الضرورية المطلوبة الإصلاح الإداري وهو في الأصل ضرورة مطلوبة في أجهزة الدولة بشكل عام حتى تتماشى مع طموحات ورؤى التوجه الجديد للبلاد. والتعليم من أكثر قطاعات الدولة حاجة للإصلاح الإداري وقد مر بتغيرات وتحولات كبيرة في السنوات القليلة الماضية.
ومن سبل ترشيد الإنفاق توجيه الإعانات في التعليم لأصحاب الحق والمحتاجين، فليس كل الطلبة بحاجة للمكافأة مثلا؟ كما أنه يمكن فرض رسوم على بعض المواطنين الأغنياء حسب الدخل. أما التوجه مباشرة للتخصيص فسيؤدي إلى فصل طبقي بين الناس وسيكون هناك نسبة كبيرة من المجتمع غير قادرة على تعليم أبنائها ولهذا الأمر انعكاسات سلبية كثيرة على المجتمع. ومن الإصلاح المهم والمطلوب للتعليم توجيه مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل في البلاد! فليس من المعقول أن يعجز خريج الثانوي المتخرج بدرجة ممتاز عن الحصول على مقعد في الهندسة أو الطب والبلاد تعاني من الحاجة لهذين التخصصين. وفي نفس الوقت تجد أعداد هائلة من الطلبة في الدراسات الإنسانية والشرعية وسوق العمل به فائض كبير من هذه التخصصات.
الفارق الكبير والمهم بيننا وبين الدول المتقدمة التي نجحت فيها بعض أشكال الخصخصة مثل بريطانيا؛ هو أن هذه الدول عندما تسرح موظفي القطاع العام وهم مواطنون يحل محلهم موظفو القطاع الخاص وهم أيضا مواطنون. أي أن القطاع الخاص الإنجليزي عندما اشترى محطات توليد الكهرباء لم يجلب موظفين أجانب يشغلونها بل شغلها عن طريق مواطنين إنجليز. والمهنيون والتقنيون الإنجليز الموظفون في القطاع الخاص في الغالب تم تأهيلهم عن طريق برامج موثوقة تشرف عليها الحكومة والنقابات المهنية.
وقد كان السبب الرئيس الذي دفع حكومة تاتشر لبيع القطاع العام التضخم في عدد موظفي القطاع العام الحكومي والابتزاز المستمر للحكومة من قبل نقابات العمال! وعندما باعت الحكومة ما باعت من القطاع العام لم يستبدلوا العمال الإنجليز بأجانب بل إما بإنجليز أو فقط عدلت اتفاقياتهم حسب شروط المالك الجديد.
بينما في حالتنا عندما تبيع الحكومة (مثلا) محطات الكهرباء إلى القطاع الخاص السعودي أو الأجنبي ستسرح عدد كبير من المواطنين الذين تدربوا بملايين الريالات من المال العام وسيحل محلهم أيدي عامله آسيوية رخيصة لأن القطاع الخاص السعودي ليس لديه عمالة سعودية مدربة وليس لديه القدرة الفنية ولا الموارد اللازمة لتدريب السعوديين وتأهيلهم ولذلك فمن المتوقع أن ترتفع البطالة! كما سيتدنى المعدل التراكمي للخبرات الفنية والتقنية الوطنية!
وأشارت د. منيرة الغدير إلى أن الجامعات في الغرب والمدارس الخاصة هي غير ربحية باستثناءات قليلة جداً؛ النقطة التي يمكن لفت الانتباه إليها هي أن التعاون لفتح فروع في المملكة لمؤسسات تعليمية أو فروع لجامعات أمريكية سيكون مشروطاً بأن التعاون مع كيان غير ربحي.. فَلَو ذهبنا إلى أي من الجامعات في ولاية تكساس، أو جامعات مثل هارفارد، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الخ، لن يقبلوا التعاون إلا إذا كانت الجهة غير ربحية. هل فكر صانع القرار بذلك وماهي الخطط لتنفيذ مثل هذا التعاون مع الجامعات المرموقة في الغرب؟
وأضاف د. حميد المزروع أن فاعلية المجالس العلمية للجامعات السعودية محدودة وذلك لخضوعها للوائح وزارة التعليم إداريا وماليا ، ولذلك فإن قدرتها على التغيير والتطوير مقيدة . وغالبا ما يركز أدائها على تنفيذ إجراءات وفقا للوائح وأنظمة يزيد عمر بعضها عن أربعة عقود .
أما د. حامد الشراري فيرى أنه و في المرحلة الحالية قد نحتاج لاستقلالية التعليم العام لا خصصته؛ بمعنى أن يُخصص لكل منطقة تعليمية ميزانية معينة ويُختار لها مدير أو طاقم إداري مؤهل علميا وتربويا وفق ضوابط معينة وبمرتبات ومكافآت مجزية، وتوضع متطلبات تعليمية دُنيا – إطار عام – مثلا عدد الحصص العلوم الدينية والاجتماعية والرياضيات والعلوم لا تقل عن عدد معين …والحصص المتبقية تترك كحرية ومرونة لإدارة التعليم في اختيارها لإبراز إبداعاتها في العملية التعليمية والتربوية، وتُقيم إنجازات تلك الإدارات بصفة دورية ومدير الإدارة الأفضل قد يُختار وزير للتعليم – هذا حافز آخر – ، هذا سيخلق منافسة بين إدارات التعليم. والوزارة يكون دورها إشرافي ورقابي وتقييمي فقط.
لكن م. خالد العثمان تساءل عن حيثيات هذه الفكرة التي طرحها د. حامد، ففي ظنه لا يوجد مزايا نسبية مناطقيا لتمييز محتوى التعليم بين منطقة وأخرى، وإن كان يدعم مبدأ تفكيك المركزية وتفعيل الإدارة المحلية.
وأوضح د. حامد الشراري أن هذه الفكرة سبق أن ناقشها مع معالي د. سعيد المليص نائب وزير التعليم سابقا، والذي أبلغه أنه مع هذا التوجه ( الاستقلالية ) …وقد طبقها على منطقة تبوك كتجربة عندما أعطي صلاحيات أكبر في ظل غياب الوزير وكان في صدد تطبيقها على مناطق أخرى .. وفهم منه آنذاك أن الفكرة ستكون ناجحة لو تم تطبيقها ..إلا أنها لم تستمر .
ولفت م. خالد العثمان النظر إلى أنه في قراء تعليق د. علي الحكمي ود. حميد المزروع تبرز مسألة التفريق في المقاربة والتحليل بين قطاعي التعليم العام والعالي، وهو ما يبرر التساؤل: هل يتحتم تباين التعاطي الرسمي في استراتيجية الخصخصة بين القطاعين؟ وما هي أهم ملامح التميز في منهج الخصخصة لكل قطاع؟
وبدوره أوضح د. ناصر القعود أن من المهم التفريق بين التعليم العام والتعليم العالي فيما يتعلق بالخصخصة ؛ فالتعليم العام هو التعليم الأساسي الذي يعكس قيم المجتمع ، فضلا عن حاجته لكل فرد لبناء الحد الأدنى من المعارف والمهارات ، ولهذا في كثير من الدول يعتبر الزاميا ، ولذا يرى الأكثرية أن يبقى التعليم العام الحكومي خيارًا متاحًا وبدون رسوم ، على خلاف التعليم العام القابل للتنوع في التخصصات والمنهجيات وقابل للمنافسة الأكاديمية بين الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة.
وذكر د. إبراهيم البعيز أن هناك تقارير صحفية تشير إلى توجه المملكة لفتح قطاع التعليم للاستثمارات الأجنبية – الإشكالية هنا هل ستكون شهادات الجامعات التي سيرخص لها معتمدة من الجامعات الأم في بلدانها أم ستكون فقط مجرد استثمارات تجارية كما هو حاصل في بعض بلدان دول الخليج . وهناك تقرير على الرابط التالي يشير إلى أن التراخيص ستصدر من هيئة الاستثمار في حين أن نظام الجامعات الأهلية يشترط ذلك الاعتماد: https://www.investing.com/news/economy-news/saudi-to-open-health-education-sectors-to-full-foreign-ownership-521969
وقال د. ناصر القعود: يبدو أن الاستثمار الأجنبي ١٠٠٪ في قطاع التعليم والصحة مازال يدرس وهو ما صرح به مسؤول في هيئة الاستثمار ، ولن يكون القرار من هيئة الاستثمار بل من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية والذي أعلن عن السعي لخصخصة عدد من القطاعات ومنها التعليم والصحة ولكن لم يعلن حتى حدود خصخصة هذه القطاعات وعن أي أنشطة محددة. استراتيجية الخصخصة معلنة من عام ١٤٢٣ وأعلنت بعدها بعض القطاعات المؤهلة للتخصيص ولكنها خطوط عريضة وفِي إطار رؤية ٢٠٣٠ أعلن برنامج الخصخصة و لم يتضمن تفاصيل بل أشار إلى خصخصة بعض الخدمات الحكومية والسعي للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. برنامج الخصخصة السعودي يستهدف مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي بـ65% (*).
وأوضح د. إبراهيم البعيز أنه بالفعل فإن التشريع وإصدار النظام سيكون من مجلس الوزراء لكن الترخيص هل سيكون من هيئة الاستثمار أم من وزارة التعليم ، والاعتقاد أن نظام الترخيص للجامعات الأجنبية موجود الآن لدى وزارة التعليم لكن اللائحة التنفيذية تتطلب اعتماد الشهادات من الجامعات الأم لهذا السبب وربما لأسباب اقتصادية لم تتقدم أية جامعة لطلب الترخيص.
وأشار كذلك إلى أنه لا يعتقد أن الهدف هو توفير مبالغ بقدر ما هو ضمان الاستقرار المالي للجامعات – وهذا الاستقرار يجب أن ننظر إليه ضمن سياق الاستقلال الإداري والمالي للجامعات. الاعتماد على ميزانية الدولة يكتنفه تذبذبات قد لا تضمن للجامعة الاستقرار المالي الذي يساعدها على التنافسية على المستوى العالمي أو المستوى المحلي. الجامعات العالمية أدركت منذ وقت مبكر أهمية الاستقلالية المالية لضمان الإنجاز العلمي وحرصت على الأخذ بمبدأ الأوقاف.
أيضاً فإن الخطاب الأكاديمي شهد مؤخرا عددا من المفردات والمصطلحات التي تنم في مجملها عن رغبة في التميز في أداء الجامعة لرسالتها، بكل أبعادها التعليمية والبحثية والاجتماعية، ومن ذلك تسابق بعض من جامعاتنا وتنافسها للفوز بمراكز في التصنيفات العالمية، وإطلاقها عددا من المبادرات للكراسي البحثية، وإعادة هيكلة الخطط الدراسية للكثير من برامجها الأكاديمية لتفي ببعض من متطلبات الاعتماد الأكاديمي. هذا التميز له شروط ومتطلبات تتجاوز مجرد الرغبة والتمني، ومن أبرز هذه المتطلبات أن يكون للجامعة استقلاليه إدارية ومالية ، وهذا ما تفتقده وللأسف كل الجامعات السعودية، والاستثناء الوحيد في ذلك جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
بسبب الاعتماد الكلي على ميزانية الدولة، فقد كانت أبسط أساسيات التعليم والبحث العلمي تحت رحمة موارد ومصادر مالية يتحكم فيها مسئولو وزارة المالية، أما مدراء الجامعات فلم يكن بأيديهم سوى التسلح ببعض من عبارات الترجي ومهارات الإقناع.
النسب الكبرى من ميزانية الجامعة عادة تذهب إلى بنود للرواتب والمشاريع الإنشائية، أما البحث العلمي ومتطلباته فتكون في الغالب الأعم في أسفل القائمة، ولا تخصص له موارد مالية تتناسب وأهميته المتنامية كأحد المحاور الأساسية لرسالة الجامعة. هذا من ناحية، من ناحية أخرى فإن الاعتماد على ميزانية الدولة يكتنفه تذبذبات قد لا تضمن للجامعة الاستقرار المالي الذي يساعدها على التنافسية على المستوى العالمي أو المستوى المحلي على أقل تقدير. أبرز الشواهد على ذلك أن الجامعات السعودية اضطرت خلال تسعينيات العقد الماضي إلى تخفيضات هائلة في بنود البحث العلمي، ومنها على سبيل المثال عجز المكتبة المركزية في إحدى الجامعات عن تجديد اشتراكها في عدد من الدوريات العلمية.
أما أ. يحيي الأمير فيرى أنه وفيما يتعلق بخصخصة التعليم بعد أن نجيب على سؤال الجدوى المطروحة حاليا من الخصخصة .. نطرح سؤال عن نوع الجدوى؛ هل هي مالية أم تعليمية معرفية؟ قد تنجح الحلول المالية لكن الأهم هو الحلول ذات التأثير التعليمي التربوي ، وبالتالي فإن الأجدى هو توسيع خيارات التعليم وأنواعه إلى أقصى حد ممكن ؛ بمعنى أن الوزارة تراقب وتشرع ، وتكون كل الخيارات متاحة لمختلف المناهج والتجارب ؛ سيؤدي ذلك لأن يحظى المجتمع بخيارات ثقافية أوسع ويحظى التعليم بإقبال واسع أيضا .. التعليم القائم في أغلبه خيارات محددة لا يستطيع الأفراد تجاوزها ، والإجراء الأمثل يكمن في تنويعها و زيادتها وتخليصها من المعطى الثقافي التقليدي المهيمن عليها.
وعقب م. خالد العثمان بأنه بناء على ذلك فإن أحد المكاسب من الخصخصة في قطاع التعليم هو تنويع منتجات التعليم وتحرير القطاع أمام المستهلكين. ويمكن تلخيص الفكرة في أن وزارة التعليم ترخص المدارس التي يديرها ويشغلها القطاع الخاص ، و تتحمل الوزارة جزءً من تكلفة التشغيل في شكل دعم محدد لكل طالب مقابل تقديم محتوى تعليمي موحَّد يمثل التزام الدولة للتعليم المجاني للمواطنين ، بعد ذلك تقوم كل مؤسسة تعليمية بتقديم سلة من المنتجات التعليمية الصفية واللا صفية مدفوعة الثمن من الطلاب حسب رغباتهم وقدراتهم ، ولكل طالب تحديد رغباته من المنتجات الاختيارية لجمع عدد معين من المقررات التي تؤهله لاجتياز مراحل التعليم بالتتابع.
ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: أجد أنني أحد المتخوفين كثيرا من خصخصة التعليم وفقا لأدائنا التجاري البحت ، كما أن لدي الكثير من القلق على استقلال الجامعات استقلالا يمنحها التغيير في طبيعة الأقسام والمقررات والمفردات. تجربتنا اليوم بعد إنهاء مجلس التعليم العالي أظهرت العديد من الجامعات الناشئة الضعيفة في مخرجاتها إلى الحد الذي لم يعد هناك ثقة بتلك المخرجات من قبل كثير من القطاع الخاص والعام بسبب ضعف مستوى الكوادر العلمية وافتتاح أقسام غير مؤهلة وتدني مستوى الخريجين. أخشى إن أطلق لها العنان أن تزيد الأمور سوءا وتدفع بالكثير من الطلاب للسوق في مستويات هزيلة.
الجانب الآخر أن الحديث عن خصخصة التعليم لا يقتصر على المرحلة الجامعية ، بل الحديث وفقا للرؤية سيشمل التعليم العام ، وإلا فكيف سيتم اختزال عدد المعلمين من قرابة ٥٤٠ الف معلم إلى قرابة ٢٨٠ الف معلم .. وهنا الأمر يصبح أكثر أهمية من حيث الجودة؛ فالجودة في التعليم والاهتمام بالمعلم وبالمنهج وبالمدرسة ومتطلبات العملية التعليمية يجب أن يكون في أعلى درجاته.
وأشار د. مساعد المحيا إلى مقال في الواشنطن بوست حول كتاب بعنوان: خصخصة التعليم .. فكرة غير جيدة (*)، وترجمة أبرز ما تضمنه فيما يلي:
“ما فتئت حركة خصخصة التعليم تنمو منذ سنوات. لماذا قررت كتابة الكتاب الآن؟
أ) قراري لكتابة هذا الكتاب يعود إلى عقد من الزمان. كنت قد كتبت أطروحة على إدارة المدرسة الربحية للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد والتعليم في كلية المعلمين، جامعة كولومبيا. مستشاري، هنري م. ليفين، أوصى أن أطرح أطروحة في كتاب. وعلى الرغم من أنني كنت أشعر بالقلق من احتمال القيام بذلك، فقد تقدمت لأنني كنت وما زلت مقتنعا بأن دعاة السوق الحرة أخذوا حجتهم بعيدا جدا. كان فريدريش هايك وميلتون فريدمان وتلاميذهم العديدين على يقين من أن السوق الحرة تخصص الموارد بكفاءة في العديد من المجالات. لكنهم كانوا مخطئين للاعتراف بأن ذلك يحدث في جميع المجالات. في أعقاب سقوط جدار برلين، هذه هي الحجة التي فازت على الكثير من صناع القرار. فجميع الخدمات الحكومية – بدءا من جمع النفايات وتقديم البريد إلى التصويبات والمدارس – التي تطالب بها جهات الدفاع عن حقوق الإنسان يمكن، بل ينبغي، الاستعانة بمصادر خارجية لمقدمي الخدمات من القطاع الخاص. هذا التعهيد هو ما يعرف الخصخصة.
وحيثما توجد شفافية كافية لإنفاذ العقود بشكل صحيح، فإن السوق الحرة تعمل بشكل جميل، ومن ثم فإن الخصخصة تبدو حسنة. إن خصخصة تسليم السلع والخدمات المنفصلة لها ما يبررها. ومع ذلك، حيث لا توجد شفافية كافية لإنفاذ العقود السليمة، فإن السوق الحرة تفشل. أهمل متحمسون ليسيز- فير للتمييز بين الخدمات المنفصلة أو المستقلة (أي بسهولة القياس) من الخدمات المعقدة. في حالة التعليم، وهي خدمة معقدة الكلاسيكية، والمستهلك المباشر هو طفل، الذي هو في موقف ضعيف للحكم على ما إذا كان يتم تدريس الدروس بشكل صحيح. ويكون الوالد ودافع الضرائب والمشرع على مسافة ضرورية. و اختبار موحد، كمعيار للتحقق من الجودة، هو منتشر مع ما فيه من المشاكل. ليس فقط أن المعلمين ومدراء المدارس تحت ضغط هائل لرفع درجات الاختبار يمكن تصحيح الإجابات الخاطئة على ورقة الاختبار، كما هو موثق في أتلانتا على الأخص، ولكنها يمكن أن تعطي أيضا المزيد من الوقت للطلاب لإكمال الاختبارات وتقديم المساعدة في هذه العملية. والأهم من ذلك، أن الاعتماد الكبير على الاختبارات الموحدة يؤدي إلى التدريس للاختبار، وهو ما يعني إزاحة التعليم في مواضيع لم يتم اختبارها، ولا سيما الفن والموسيقى والحرف واللعب، وهي أمور أساسية للتعليم الجيد.
التنبؤات في وول ستريت منذ جيل لمديري المدارس الربحية – منظمات إدارة التعليم (إيموس)، على وجه الدقة – يمكن أن تقوم بعمل أفضل بكثير في إدارة المدارس من البلديات، وبالتالي، سيتم تشغيل 10 إلى 20 في المئة من المدارس العامة من الروضة وحتى الصف الثاني عشر بحلول عام 2010. ومن المتوقع أن تقوم منظمات إيمو بحلول ذلك الوقت بتشغيل 0.7 في المائة من المدارس الحكومية التي تضم مدارس من الروضة حتى الصف الثاني عشر. وقللت وول ستريت من شأن التحدي المتمثل في إدارة المدارس العامة والمبالغة في تقدير جاذبية منظمات الإدارة البيئية للآباء ودافعي الضرائب. وفي عام 1992، سحق مستثمرون في شركات مثل مدارس إديسون في عام 1992، وأطلقتها ميريل لينش عام 1999، وشغلت 133 مدرسة (منها 20 مدرسة في فيلادلفيا وحدها).
ومع ذلك، فإن وول ستريت كان ضمنيا على حق أن صانعي السياسات سيتبعون نهجا أساسيا لتقييم جودة المدرسة ويحبذون خيارا كبيرا للآباء والأمهات. ويعني النهج الأساسي اختبارا سنويا في القراءة والرياضيات في الصفوف من الثالث إلى الثامن وسنة واحدة في المرحلة الثانوية. ويعني الاختيار انتشار المدارس المستقلة غير الربحية. بدأنا مع اثنين في ولاية مينيسوتا في عام 1992. لدينا الآن ما يقرب من 7000 عبر 41 ولاية ومقاطعة كولومبيا. أما إذا كان مثل الاستعانة بمصادر خارجية للتوظيف لمديري المدارس غير الربحية كان من الحكمة مسألة أخرى.
ب) … وهناك من يقولون أن المدارس غير الربحية هي جزء من حركة الخصخصة لأنها ليست مضطرة للعمل كمؤسسات عامة من حيث الشفافية والمساءلة أمام الجمهور. وقالت بعض المحاكم ومجالس العمل أنها مؤسسات خاصة في بعض الأغراض.
ج) تأخذ الخصخصة شكل إدارة المدارس غير الربحية وكذلك الربحية، حيث أن الخصخصة تقنيا تعني الاستعانة بمصادر خارجية لتوفير الخدمات الحكومية للمشغلين المستقلين، سواء كانت غير ربحية أو ربحية. ومن ثم فإن عدم كفاية الشفافية، وبالتالي المساءلة يمكن أن تصبح مشاكل. في حين أن مشغلي الميثاق غير الربحية يجب أن تقدم 990 دولار مع نفقات توثيق مصلحة الضرائب و سالاري. على سبيل المثال، العديد منها أقل تفصيلا في تقاريرهم مما ينبغي أن يكون. وعلاوة على ذلك، فإن هذه المدارس لا تقدم تقاريرها إلا بصورة غير مباشرة، إن وجدت، إلى أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين.
إن الخصخصة تمثل استجابة معيبة لفشل الدولة، وليس حلا. ويدعو هذا الحل إلى استثمار الموارد اللازمة لجعل جميع مدارس الأحياء متينة في جميع مدارس الأحياء المجاورة في الضواحي ذوي الدخل المتوسطة والعالي، مع وجود معلمين مدربين بأجر جيد وظروف عمل جيدة وفصول أصغر. ولكن علينا أن نذهب أبعد من ذلك. علينا أن نستثمر في مرحلة ما قبل المدرسة ذات الجودة العالية، مع المعلمين المتعلمين من الجامعات، لذلك يذهب الأطفال إلى المدرسة على استعداد للتعلم. لدينا عقود من الأدلة على الأثر الإيجابي لنوعية ما قبل المدرسة. إنها مكلفة، ولكن فقط على المدى القصير. وعلينا أيضا أن نستثمر في الخدمات الطبية وخدمات طب الأسنان والمشورة المرتبطة بالمدرسة، والتي هي أيضا مكلفة ولكن فقط على المدى القصير. وقد جلبت الخصخصة العديد من العوامل المشرقة والمكرسة للتغيير، ولكنها تحولنا عن معالجة فشل الدولة بشكل مباشر.
د) فكيف نتعامل مع مشاكلنا – خاصة الآن، ويبدو أننا قد حققنا شيئا يحتاج إلى تحسين أسوأ؟ الخطوة الأولى التي يجب أن نتخذها هي إسقاط الاختبار السنوي في القراءة والرياضيات في الصفوف من الثالث إلى الثامن والسنة الواحدة في المرحلة الثانوية التي صدر بها تكليف من قبل حملة (nclb) قبل 15 عاما، وأُكدت من جديد في مصطلحات مختلفة إلى حد ما من قبل كل قانون نجاح الطلاب (essa) منذ عدة أشهر.
مهمة هذا الاختبار – لتحديد وإزالة أوجه القصور في التحصيل الدراسي للأطفال المحرومين – والتي تمثل أنبل المثل الديمقراطية. ولكن هذا الاختبار المنتظم لم يفعل سوى تحديد أوجه القصور. في هذه العملية، أدى الضغط لتعزيز نتائج الاختبار إلى الإعداد المجهد للطلاب والمعلمين على حد سواء، كما قد ضيق المناهج الدراسية، وقطع الوقت للمواضيع الهامة التي لا يتم اختبار الطلاب بها. حتى وزير التعليم السابق أرني دنكان اعترف في عام 2014 بأن الاختبار هو “امتصاص الأكسجين من الغرفة في الكثير من المدارس”.
فبدلا من إجراء اختبار التعداد، مع تقييم جميع الطلاب، يجب أن نستخدم عينات، مع امتحانات عالية الجودة تعطى لعينات عشوائية من الطلاب. ونحن نفعل ذلك بالفعل مع التقييم الوطني للتقدم التعليمي (naep)، في كل سنتين في القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم إلى عينات صغيرة ولكنها كبيرة من الطلاب في الصفوف الرابع والثامن و 12 في جميع الولايات. على مستوى الدولة، يجب أن نضيف اختبارات دورية لعينات من الطلاب في التاريخ والجغرافيا واللغة الأجنبية والفن والموسيقى واللياقة البدنية وخفة الحركة.
وهذا قد يفاجئ البعض كتصرف يفتقد للحكمة ، ولكن هذا التفكير يستمد ضمنا من النظري الإداري المحترم الموقر إدواردز ديمينج، الذي حول صناعة السيارات اليابانية مع تركيزه على أخذ عينات عالية الجودة، فضلا عن التعاون بين الإدارة والعمل. وعلاوة على ذلك، يستمد هذا التفكير صراحة من ممارسة قادة المدارس الفنلندية. الفنلنديون الذين يشتهرون بنظام المدارس الحكومية من الدرجة الأولى، لا يختبرون سوى 10 في المئة من الطلاب في الصف التاسع كل عام في مادتين تقريبا، ويغطيان المنهج بأكمله بهذه الطريقة على مدى 10 سنوات، من الرياضيات والقراءة إلى الفن والموسيقى.
وهذا التغيير لن يكلف شيئا. في الواقع، فإنه سيوفر لنا الكثير من المال، فضلا عن الوقت الذي يقضيه في إعداد الامتحانات، كما سنحصل على هذا الأكسجين مرة أخرى في الفصول الدراسية التي حددها دنكان على أنها تختفي. ونتيجة لذلك، سيحصل الأطفال على تعليم أكثر ثراء، ويستعيد المعلمون استقلاليتهم كمهنيين.
وقالت أ. علياء البازعي تعقيباً على ما ورد في المقالة: مقالة جميلة…لكنه لم يوفق في هذا الوصف رغم أني أجزم أنه وصف حقيقي و يراه يوميا من خلال الشكاوى التي ترده…ما أكثر الشكائين البكائين في التعليم خصوصا.. و لربط هذه المقالة أو موضوع ساعة النشاط بقضية خصخصة التعليم نجد في الواقع أن ما يميز المدارس الخاصة عن بعضها هو المرافق و الأنشطة و إن كانت بعض الأسر لا تنظر لذلك إلا أنها تهمني شخصيا.
و تعليقا على طرح د. نوف بخصوص أن في حال خصخصة التعليم سيقل اهتمام الدولة بالتعليم المجاني…فهمي لهذا الموضوع مختلف تماما.. الدولة تظل تقدم التعليم مجانا لكن بدلا من أن تشغله مباشرة ستقوم بتشغيله من خلال القطاع الخاص ، و سيستمر خيار المدارس الخاصة متاحا لمن يرغب بها.
ومن ناحية أخرى تساءل د. مساعد المحيا: إذا كانت الصورة التي ستطبق في الخصخصة هي بطريقة التشغيل الذاتي المعمول بها حاليا في بعض المستشفيات بوصفها الأداة التي تخرج المؤسسات الطبية من ربقة السلالم الوظيفية والرواتب الحكومية التي لا يمكن أن يقبلها الطبيب وبالتالي الوصول لجودة مميزة ؛ فكيف نضمن عدم وجود بيئة فساد تستغل الجانب المادي المتاح .. وما يجده مهما هو أن الخصخصة يفترض فيها أن تقود للجودة في التعليم والجودة تتطلب شفافية مالية عالية ومحاسبة مهنية دقيقة.
السنوات التحضيرية في الجامعات يمكن النظر إليها اليوم على أنها أنموذج لإدارة القطاع الخاص لمرحلة من مراحل التعليم التي كان يعول عليها أن تمهد للطالب حضوره في التخصصات الجامعية .. اليوم أصبحت الجامعات توكلها لمؤسسات خاصة وعبر تعميدات مباشرة ،. لكن النتائج ليست جيدة وكأنما زدنا في الجامعات سنة دراسية فقط .. ما يشير له بعض الزملاء مثل د. البعيز ود. إحسان جدير بأن نستحضره بشأن عدم الهرولة نحو الخصخصة التي ستذهب لدينا للربحية لا سيما ونحن نعيش تجارب التعليم الخاص غير المشجعة في كثير من تطبيقاتها.
صحيح أن هناك أخطاء وقصور لكن حري بنا أن نكون منصفين .. تعليمنا العام منذ سنوات وهو محتوى مترجم ومنقول من أفضل المناهج الأمريكية .. إذا كانت الخصخصة تعني تغيير هوية التعليم ليحمل هوية أجنبية تعادي القيم الإسلامية والاجتماعية الفاضلة فلا مرحبا بهذه الخصخصة.
وتطرق م. خالد العثمان إلى محور ثالث من محاور التعليم وفرص نجاح خصخصته وهو قطاع التعليم الفني والمهني.. وفي الوقت الذي تعلن الرؤية عن خطط لزيادة النسب في التعليم الفني والمهني مقابل التعليم الجامعي يكون التساؤل: كيف يمكن أن تسهم الخصخصة في تحقيق هذه الخطط في ظل كل ما يواجه هذا القطاع من تحديات؟
وفي هذا الصدد أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أن خصخصة التعليم الفني والتقني ، هي مسألة تحتاج إلى تفكر وتأن في مسألة الخصخصة ، ومن ذلك معرفة الأسباب التي أدت إلى عدم توافر تأهيل جيد لخريجي كليات التقنية ، وفي ظني أن من أسباب ذلك ، هو إدخال مواد دراسية علمية بحتة ضمن المواد الدراسية للكليات ، ثم إن الممارسة العملية قبل التخرج أو ما يسمى بالتدريب التعاوني محدود للغاية ، لذا نلحظ على الخريج ضعف في التأهيل المطلوب ، وبالتالي عدم القدرة على الولوج لسوق العمل سواء برغبة منه أو استقطابا من دوائر سوق العمل.
إن تشغيل القطاع الفني والمهني تعليميا هو نشاط مكلف ماليا ، حيث أن هذا النوع من التعليم يحتاج إلى وحدات فنية ومهنية متعددة الأنواع ، كما أن الأمر يتطلب وجوب إتاحة فرص العمل في القطاعين العام والخاص لخريجي هذه المؤسسات التعليمية النوعية مما يساهم في تشجيع وتحفيز القطاع الخاص للدخول في مثل هذه المشاريع.
وفي تصور م. سالم المري فإن التعليم الفني و التدريب المهني غالباً يكون مرتبط بأعمال فنية و أحيانا يكون جزء منه التدريب على رأس العمل ، و ارتباطه بالوظيفة هو الذي يضمن نجاحة ، إما أن تكون وظيفة مهنية في القطاع الخاص أو القطاع العام أو مهنة حرة يزاولها صاحبها .
و التعليم في هذ القطاع نوعان :
– نوع قبل الثانوي : و يسمى عادة بالتدريب المهني ، يقرر المتدرب بأن يتخصص في مهنة ما و يتعلمها ثم يزاولها في القطاع العام أو القطاع الخاص .
– أما التعليم الفني : فيكون بعد الثانوي ، و يتخصص أيضا في مهنة ما لا تتطلب بكالوريوس .
و الحاصل لدينا أن المعاهد المهنية و الكليات التقنية لا تضمن لمنتسبيها وظائف بعد التخرج و ليس هناك برامج وطنية تشرف عليها الدولة تنتهي بالمتدرب إلى التوظيف بعد تخرجه من المعاهد المهنية و الكليات التقنية ، و لذلك فإن تخصيص هذا القطاع لا يمكن أن يدعم توجه الرؤية بزيادة النسب في التعليم الفني و التدريب المهني على حساب الجامعي إلا إذا أوجدت الدولة برامج تنتهي بالتوظيف لمنتسبي التدريب المهني و التعليم الفني، عندها يمكن إيكال تنفيذ برامج التدريب و التعليم هذه للقطاع الخاص، و سيزداد عدد المنخرطين في هذه البرامج إذا ضمنت لهم الدولة وظائف في سوق العمل ، أما حث الشباب على التوجه للمعاهد و كليات التقنية دون ضمان وظائف بعوائد مجزية فليس إلا عبثاً قد يغطي مؤقتاً على عدم قدرة الجامعات على استيعاب الخريجين و لكنه لن يحل المشكلة، و الطلبة حالياً يترددون في التقديم على التدريب المهني و التعليم الفني رغم أنه مدعوم من الحكومة و يدفع مكافآت ، فما بالك إذا تمت خصخصته و أصبح على الطالب دفع الرسوم فهذا لن يعجب الكثير و البعض لن يستطيع الدفع ، أما إذا كانت الدولة ستخصص هذا القطاع عن طريق إيكاله للقطاع الخاص و الدفع للقطاع الخاص دون فرض رسوم على الطلاب فإن الكلفة ستكون عالية و سيصعب التحكم في مدخلاته و مخرجاته، و المشكلة الحقيقية التي تواجه الخريجين من هذا القطاع هي أن المهن التي يفترض بهم أن يزاولوها بعد تخرجهم مفتوحة لمنافسة العامل الأجنبي الآسيوي الأقل كلفة .
وأشار م. خالد العثمان إلى أنه مما يحزنه حجم الاستثمارات الهائلة في مباني المدن الجامعية التي بُنيت بمواصفات عالية مبالغ فيها كثيرا مقابل الكم والنوع في مخرجات التعليم.. فهذا يثير التساؤل حول تقييم المنشآت الجامعية ضمن هيكل الخصخصة.. هل سيكون هذا عائقا أمام إقبال المستثمرين على فرص الخصخصة ؟
لكن د. حامد الشراري يرى بالعكس أنها أصبحت معالم حضارية لكل منطقة وبنى تحتية جيدة لقطاع التعليم العالي في مناطقها، شبيه للجامعات الكبيرة مثل الملك سعود والإمام والملك عبدالعزيز ..وهي استثمارات ملموسة وتخدم مستقبل أبناء تلك المناطق.
وطرح م. خالد العثمان محوراً جديداً حول خصخصة التعليم.. وهو محور جسر الهوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، ومدى إمكانية أن تسهم خصخصة التعليم في هذا المطلب من منطلق أن القطاع الخاص سيكون أعرف بمتطلبات سوق العمل من القطاع الحكومي ذو النظرة التقليدية الشمولية.
وحول هذه المسألة يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه بالتأكيد أن القطاع الخاص سوف يسهم في إيجاد تخصصات ذات مخرجات تتفق واحتياجات السوق.
أما د. خالد الرديعان فيعتقد أنه وارد جداً أن خصخصة الجامعات تحديداً سيترتب عليها تقليص وإلغاء بعض التخصصات وخاصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. ستكون عين المستثمر على متطلبات سوق العمل وفرص الخريجين وذلك لضمان قبول المتقدمين؛ بمعنى أن المستثمر سيركز على التخصصات التي تخلق فرص عمل للخريج ومن ثم ينجذب الطالب للتعليم الجامعي بحيث يحصل المستثمر على رسوم أكثر.. وحتى لا تُلغى بعض التخصصات الإنسانية المهمة يفترض أن يكون للحكومة دور في بقاء هذه التخصصات.
وأضاف م. خالد العثمان أنه ليس هذا فقط.. ربما أحد روافد دعم هذا التوجه هو اتفاقات الابتعاث المسبقة للطلاب التي تبرم مع شركات القطاع الخاص في التخصصات التي تحددها تلك الشركات.. تعليم بحسب الطلب.
ومن جهته يرى د. حميد المزروع أن السؤال الأهم هو: هل تحتاج أسواق العمل بتنوعها الذي يشمل خطوط الإنتاج المعقدة إلى خريجي الجامعات أو حملة البكالوريوس؟
القطاع الخاص بحاجة إلى مهارات خريجي المعاهد المهنية أكثر من حملة الدرجات العلمية العليا. لاشك أن التدريب خلال الدراسة أصبح ضرورة لاكتساب الخبرات الأولية .
إن الفترة الانتقالية الاقتصادية تشهدها المملكة و المتمثّلة بالتخصيص ، تحتاج أكثر إلى مخرجات المعاهد التقنية منها للجامعات المكلفة والتي يعاني نسبة عالية من خريجيها من عدم وجود وظائف مناسبة بالقطاع الخاص .
لذلك وقبل تخصيص الجامعات من المهم أن يتم تقليص عددها إلى عشرة جامعات نموذجية ، وتحويل كل منها إلى جامعات متخصصة تدرس المعارف والمهارات بنفس الوقت ، مع التوسع أكثر بالتعليم المهني.
أما أ. عبدالرزاق الفيفي فيرى أنه لابد أن تفصل الدولة في الوعي الشعبي بين أمرين هما: التزامها بضمان فرصة التعلم إلى الدراسات العليا للجميع بلا استثناء بالمجان في التعليم العامم. و لا يمنع أن يكون في التعاليم العالي بشكل ربحي أو غير ربحي ، وبين عدم التزامها بتوفير وظيفة حكومية للخريج ؛ مع الأخذ بالاعتبار لزوم أن يكون تأهيلها للطالب بما يتناسب مع التنمية الحضارية للدولة إنسانا ومكانا وليس بالنظرة القاصرة التي تعنى بما يحتاجه سوق العمل فقط ؛ فاحتياج سوق العمل جزء من التنمية الحضارية للدولة وليسا كُلّاً.
أما د. عبدالله العساف فتساءل: غربلة التعليم أم خصخصة أولاً؟ ومن ثم قال: لعلنا نتفق أن مخرجات التعليم يوجد فيها خلل كبير، لا تؤسس لمعرفة حقيقية، ولا تبني حضارة، والمبالغ المصروفة عليها من هذه النظرة قد تعتبر هدر لأنه ليس لها مردود مواز، أرقام فلكية صرفت على تحسين التعليم وتجويده، وملايين بذلت للحصول على الاعتماد والجودة من أجل الظهور الإعلامي فقط. وإذا تمت الخصخصة، رغم أنها تستفز البعض وتحفز أخرين من أجل الاستثمار ولا شيء سوى الاستثمار؛ سوف تكون الوزارة مثل المرور بعد أن تولت شركات التأمين ونجم حمل العبء عنها!!
قبل الخصخصة هناك أمور مهمة يجب أن تتوفر، ونستحضر إجاباتها بدقة وعناية:
– لماذا نسعى لخصخصة التعليم؟ لتجويده، أم لتخفيف الأعباء عن ميزان النفقات؟
– هل نحن مستعدون؟
- على المستوى الإداري والتعليمي.
- مستوى المباني والتجهيزات.
- المناهج الدراسية، والتخصصات.
- سوق العمل.
– ماهي آليات التشغيل والاستثمار؟
– معايير الجودة والحوكمة.
– هل المواطن مستعد لتحمل هذه النفقات وخصوصا ونحن أسر كبيرة وأغلب الأبناء في مراحل الدراسة المختلفة؟
– هل سيكون هناك دعم حكومي للأسر ومنح دراسية؟
– هل سوف يتسرب شريحة كبيرة من الطلاب الذين لا تستطيع أسرهم الوفاء بالمتطلبات المالية الضرورية؟.
– في ظل ندرة التوظيف في القطاعين هل سيكون غير القادر على تحمل الأعباء المالية لديه طموح في التعليم؟
– هل سيكون لدينا نموذجين للتعليم أحدهما حكومي، والآخر خاص وبموصفات خاصة؟
– وهل الخصخصة هي الحل للارتقاء بالتعليم وتحسين مخرجاته؟ بكل تأكيد العملية بحاجة للتكامل في جميع مراحلها وجوانبها، والتدرج في تطبيقها وتقييمها ثم تقويمها فليست الخصخصة تناسب كل المجتمعات ولا جميع القطاعات، فالتعليم هو أحد أكثر القضايا تداولاً ونقاشا بين النخب فعندما يصلح التعليم نصنع الفرق.
وعقبت أ. علياء البازعي بأننا نحتاج لموجة قوية من الغربلة في قطاع التعليم؛ فالتعليم هو الأساس إن صلح.. صلح الجسد كله.
وذهب د. إبراهيم البعيز إلى أن التنمية تستهدف الإنسان، والإنسان عقل وجسد.. الاهتمام بعقله = التعليم، والاهتمام بجسده = الصحة ؛ خلاف ذلك تظل التنمية مجرد أحلام يقظة.
وذكر أ. عبدالرزاق الفيفي أن التعليم هو مصنع التنمية الحقيقي، والمورد الوحيد للعنصر البشري لكل مسارات التنمية، لابد من التعامل معه بخصوصية لا بخصخصة ، ولعل من المناسب أن يتحول منصب وزير التعليم من الفردية إلى الجماعية كأن يكون مجلس وزراء تنفيذيين على غرار ( مجلس المديرين ) في بعض أنواع الشركات سنضمن حينها أمرين هما:
1- تنوع المعرفة اللازمة الذي يصعب توافره في فرد وزير تعليم.
2- تحقق فحص الفكرة والتشاور حولها في ( مجلس وزراء التعليم) بما يضمن رجحان المصلحة في الغالب.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن بالإمكان التوسع في الجامعات غير الربحية ، ولعل ذلك يعد خطوة وطنية بل وداعمة لمقومات أي بلد. ولكن هذا لن يتحقق إلا بدعم حكومي يساند قيام مؤسسات مجتمع مدني ذات أعمال تطوعية تنهض بهكذا مطلب. ومن ذلك تفعيل دور الأوقاف القائم حاليا على إنشاء مبان عقارية فحسب، وأن الأمر أيضا يتطلب وقفة قوية من لدن فقهاء الدين الإسلامي ليدلو بدلوهم نحو تغيير مفاهيم الوقف القائم حاليا على الاستثمار العقاري. الأمر الآخر أن تبادر جهات خاصة وعامة ، ومنها صندوق الاستثمارات العامة، في إنشاء جامعات غير ربحية على غرار ما جرى في تأسيس جامعة الأمير سلطان.
واقترح د. إبراهيم البعيز تبني نظام يسمح للشركات الكبرى أن تقدم المعونات والتبرعات للجامعات غير الربحية ويحسب ذلك ضمن الاستحقاقات الضريبية عليها.
أما م. حسام بحيري فيرى أن التعليم العام ليس بحل والخصخصة لن تحل مشكلة التعليم لأن الاتجاهين في الأخير يتبعون نظام تعليمي رسمي مقنن يطبق على الجميع. إن التعليم الخاص بحاجة إلى قوانين وتشريعات تعليمية مرنة ومختلفة عن التعليم العام لأن التعليم الخاص سيسمح بالتخصص في مجالات تعليمية ولغوية تعود بالفائدة للطلاب مثل مدارس اللغات أو المدارس التي تقدم برامج ومناهج علمية أو تقنية وهذه لا يمكن أن تقدم إلا من خلال التعليم الخاص. المشكلة الرئيسة في التعليم الخاص أنه تجاري بحت بسبب قلة الموارد المالية وازدياد المنافسة. التعليم الخاص لابد أن تكون له استقلالية من خلال موارد مالية مستقرة مثل ما فعل الوزير النعيمي مع كاوست وخصص لهم endowment أوهبة مالية تكون تحت تصرفهم تقدر بأكثر من ٣٧ مليار ريال. في الدول الغربية هناك عدد كبير من رجال المال والأعمال دائما يقدمون تبرعات ضخمة للمؤسسات التعليمية ليساهموا في بناء مجتمعهم ويستطيعون تحديد طريقة صرف هذه الأموال في أي اتجاه تعليمي يساندوه أو يعتقدوا أنه يعم بالفائدة على مقدرات الدولة. للأسف لا يوجد لدينا هذا الفكر أو التوجه وحتى إن وجد سيواجه بعوائق قانونية وتشريعية تحد من الاستفادة من أي تبرعات بسبب غياب التشريعات الجاذبة لفكر التبرع للمؤسسات التعليمية. إننا نحتاج إلى بلورة تشريعات وقوانين وفكر تحث على تقديم التبرعات للمؤسسات التعليمية.
وأكد د. إحسان بو حليقة أن علينا الاتفاق على إطار ونماذج عمل للارتقاء بالتعليم. ويكون على القطاع الخاص العمل ضمن إطار تربوي وتسريع محدد. الخصخصة مضرة في ظل وجود أطر مقيدة ومحكمة. نحن بحاجة إلى حلول تربوية تتصل بالمنهج والطالب والمعلم والمبنى ودور الأهل والتدخل الحكومي والنموذج التشغيلي والتمويلي.
أما د. حميد المزروع فأوضح أن إيجابيات وسلبيات خصخصة الجامعات السعودية ستعتمد على عدة محاور هي ما يلي :
1- نوعية التخصيص كلي- جزئي ، التخصيص الكلي هو بيع جميع مرافق الجامعة . أما الجزئي هو تمكين القطاع الخاص بإدارة الجامعة.
2- نوعية التخصصات التابعة للجامعات المستهدفة للتخصيص (علمية – صحية و أدبية). حيث إن نسبة نجاح تخصيص الأقسام والكليات العلمية أكبر بكثير من تخصصات العلوم الإنسانية ؛ وذلك لارتباط الكليات العلمية ومنها الصحية باحتياجات سوق العمل سواء المحلي أو الإقليمي . ولذلك من المهم أن تنظر إدارات الجامعات الحالية في دمج أو إلغاء الأقسام المتكررة والتي ليس لخريجيها وظائف. كما يجب أن تركز هذه الجامعات على تطوير أقسام علمية متخصصة في تخصصات نوعية تناسب الأفاق العلمية التي ترتبط بالإبداع والاقتصاد المعرفي ، وبالعلوم الأخرى التي ترتبط بشكل أو بآخر باقتصاديات السوق حتي تتمكن من تطوير وإنتاج براءات اختراع يمكن بيعها أو تسويقها لشركات القطاع الخاص المحلي أو الدولي .
3- توفير لوائح إدارية مرنة بحيث تمكن الجامعات من إدارة أقسامها ومراكز بحوثها بشكل عملي و متوافق مع أخلاقيات البيئات الأكاديمية العالمية .
4- أن تستحدث الجامعات برامج الدبلوم العالي بالتخصصات المهنية وأن لا تكتفي فقط ببرامج الدراسات العليا .
5- أن يتم تغيير معايير التوظيف لأعضاء هيئة التدريس وكذلك سلم الرواتب ، بحيث يرتبط بساعات التدريس الفعلية وإمكانية التعاون مع أكثر من مؤسسة تعليمية .
6- بخصوص الجامعات الإسلامية والمعاهد المرتبطة بتدريس الفقه أو الدينية بتخصصاتها المتنوعة ، فالاقتراح أن تبقي تحت إشراف الحكومة لحساسية أدوراها وارتباط مخرجاتها بهوية الدولة.
وأكد أ. عبدالرزاق الفيفي أننا فعلا نحتاج تحييد وتحجيم كل من لديه أهواء سواء في التعليم أو غيره ؛ لذلك فإن منظومة التعليم بشكل عام هي المنظومة الوحيدة التي تملك القدرة في ثلاثة أمور هي :
أ. النمو الذاتي.
ب. الحماية الذاتية.
ج. التوريث الذاتي.
ويعود ذلك إلى سبب واحد وهو عامل الزمن الممتد في جيل أو أكثر.
ما سبق مقدمة لنتيجتين وهما :
أ. أن التعامل معه لابد أن يأخذ دورته الصحيحة زمنياً و كمياً وكيفياً لإحداث التغيير المطلوب.
ب.أن محاولات التغيير التي تتبنى استراتيجية الصدمة والتتابع و التشتيت تحدث تمسكا وامتداد زمنيا بمعادلة مقاومة x2 ، وتنشئ توريثا غير سليم فيه من التشوهات لو تم الوعي بنتيجتها سابقا لما استخدمت تلك الاستراتيجيات في التغيير؛ فهي كفيل أن تعيدنا خطوات للخلف.
ومن ناحيته قال أ. عبدالله الضويحي في مداخلته حول خصخصة التعليم: إذا صلح التعليم صلحت كل القطاعات وبالتالي صلح الوطن كله .. نحن للأسف نتعامل مع التعليم كأي قطاع آخر في كل شيء.. أتساءل : ما هو الهدف من خصخصة التعليم !؟ هل هو إصلاح التعليم !؟ أم تخفيف العبء على الدولة وزيادة مواردها !؟ إذا كانت الأولى وهو الظاهر فهذا يعني أننا ( فشلنا ) في إصلاحه أو لنقل تحسينه وتطويره!!
التعليم من القطاعات التي يعتمد نجاحها على عاملين مهمين:
– الكفاءات.
– و الاستقرار.
خلال عشر سنوات تولى قطاع التعليم لدينا 6 وزراء .. كل وزير ينسف خطط من قبله ويضع خططا جديدة .. ومعظم الذين مروا على قيادته ليسوا تربويين ولم يعملوا في الميدان التعليمي.
وفي الفترة التي أدار فيها التعليم شخص متمكن ومتخصص ( د. محمد ال شيد ) حورب من فئات معينة من المجتمع أعاقت خطواته التطويرية ! فالتعليم يدار من المجتمع أكثر من المسؤول ! ثم إن ما يشار إليه بأنه يكلف الدولة ثلث ميزانيتها هذا صحيح لكن أين تذهب هذه الميزانية !؟ معظمها وربما 90% منها أو أكثر هي رواتب .. وبعض المدارس خاصة في القرى لا تنشأ لحاجة المكان أكثر من كونها تلبية لرغبات بعض الوجهاء فتجد عدد طلابها لا يزيد عن عشرة يمكن نقلهم بوسيلة نقل لمدرسة قريبة !
المشكلة أن هذا التوجه يتم الآن في ظل رسوم فرضت على غير السعوديين الزمتهم بإخراج أسرهم وأولادهم من المملكة وكانوا أحد روافد دعم التعليم غير الحكومي فهل الخصخصة حلاً لهذا !؟ إلى جانب الركود الاقتصادي وهذه النقطة تجرنا للحديث عن أوقاف الجامعات والتركيز على العقار وانعكاسه على مداخيلها في ظل هذا الركود !
أعتقد أننا قبل أن نقدم على خطوة كهذه يجب أن نستفيد من تجارب غيرنا التي أشار لها د. إبراهيم البعيز وأن ننظر للتعليم نظرة مختلفة عن بقية القطاعات كما تنظر له كل الدول خاصة المتقدمة التي نجحت فيه وأن نجيب بوضوح على التساؤل: هل الخصخصة وسيلة أم غاية !؟
وأشار د. خالد بن دهيش في ردوده وملاحظاته على المداخلات سالفة الذكر حول قضية الخصخصة لاسيما ما ذكره د. عبد الله بن صالح الحمود و أ. عبدالله الضويحي ود. مساعد المحيا ود. الرديعان؛ عدة نقاط مهمة تتمثل فيما يلي:
- بالنسبة لدراسة تجارب بعض الدول في مجال الخصخصة ،،،، فقد قدم الاستشاري للوزارة تجارب من عدة دول : تجارب ناجحة و تجارب غير ناجحة لم تحقق أهدافها، كما قدم بعض من مسؤولي هذه التجارب بتلك الدول محاضرات و ورش عمل عن تلك التجارب.
- الهدف من الخصخصة هو رفع كفاءة وجودة التعليم مع تخفيف التكلفة العالية للتعليم، ولا يمكن تحقيق هدف دون الآخر وبنفس النسبة المستهدفة. والخصخصة المستهدفة للتعليم وضعت محور مجانية التعليم العام أساس لتحقيقها ، كما نص على ذلك نظام الحكم بالمملكة. لذلك لا بد من تطبيق نظام القسائم التعليمية voucher تقدمه الحكومة عن كل طالب.
- أيضاً هناك تجربة لإمَّارَة أبوظبي ، فقد أسند مجلس التعليم بالإمارة إدارة وتشغيل بعض مدارسها لشركات تعليمية دولية وإقليمية متخصصة مثل اللبنانية المقاصد الإسلامية.
- إن إصلاح التعليم يتطلب توفير: مناهج متطورة تحقق أهداف التعليم ، ومعلم متمكن من تقديم تلك المناهج بطرائق تعليم حديثة ، إضافة إلى بيئة مدرسية جاذبة تتناسب مع احتياجات المناهج المتطورة والأنشطة التربوية واللامنهجية، وهذه المحاور تكفل بها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم الذي أوكل تنفيذه لشركة تطوير، وقد تأثرت الشركة بسبب كثرة الوزراء ونوابهم الذين مروا على الوزارة خلال العشر سنوات الماضية إضافة للظروف المالية للميزانية التي أدت لتأجيل الكثير من البرامج التطويرية.
- المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني ، لها تجربة بإسناد الكليات التقنية لجامعات ومؤسسة تعليمية أجنبية لإدارة وتشغيل بعض كلياتها أسمتها ( كليات التميز ) ، وهي تجربة لم يكتب لها النجاح المطلوب ، بل أدت هذه التجربة إلى تأخير توجه الوزارة نحو دراسة دعوة جامعات عالمية لفتح فروع لها بالمملكة.
- مناهج العلوم والرياضيات لجميع مراحل التعليم العام هي مناهج تم شراء حقوقها من شركة أمريكية متخصصة وتدرس بالمدارس الأمريكية وقامت شركة العبيكان بتكليف من مكتب التربية لدول الخليج بترجمتها وتكيفها من حيث الصياغة والأمثلة بما يتناسب مع ثقافتنا دون المساس بالمحتوى العلمي.
- oتجارب دولية في الخصخصة
عرض د. خالد الرديعان لمجموعة من التجارب الدولية في الخصخصة ذات العلاقة بقضية خصخصة التعليم على النحو التالي:
تجربة بريطانيا :
لقد كانت التجربة البريطانية في الخصخصة التجربة الأولى في العالم، حيث وعدت حكومة (Margaret Thatcher ) بأن برامج الخصخصة سوف تؤدي إلى تعزيز المنافسة في منشآت الخدمات العامة وتجعل هذه المنشآت ذات كفاءة، وبالتالي تستطيع تخفيض أسعار السلع والخدمات المقدمة. وقد تم تنفيذ الخصخصة في بريطانيا في وقت الأزمة والتضخم المرتفع والضرائب العالية والعجز الداخلي والخارجي وكان الدافع للخصخصة أيديولوجيا. لكن الواقع العملي للتجربة وخاصة في البداية يشير إلى أن هدف تحقيق المنافع للمستهلكين قد أهمل بشكل تام بسبب إعطاء الأولوية إلى أهداف أخرى. فالمنافسة في السوق الداخلي قد منعت وخاصة في مجال إنتاج الغاز والماء والكهرباء، فيما تحققت منافسة محدودة لصالح المستهلكين في قطاع الاتصالات الهاتفية ولاسيما في الفترة الأولى.
وكان من أهم العوائق أمام المنافسة في المنشآت الخدمية هيمنة المنشآت القائمة والقيود المفروضة على المستهلكين في مساعيهم للحصول على المعلومات المناسبة حول نوع الخدمات والأسعار. لكنه باستثناء ذلك فإن برامج الخصخصة في بريطانيا قد أدت إلى زيادة عدد الأفراد المالكين للأسهم، ووفرت كميات كبيرة من الأموال للحكومة وحررت الحكومة من مسؤولياتها لتمويل البرامج الاستثمارية. والشواهد اللاحقة لتجربة بريطانيا تبين أن الخصخصة أدت إلى تحسين في التمويل العام، وفي الخدمة للمستهلكين، وانخفاض في الأسعار (باستثناء بعض الحالات).
تجربة تشيلي:
توسع القطاع العام في تشيلي بشكل كبير خلال فترة حكم الرئيس الاشتراكي (Allende) في تجربته الديموقراطية الرائدة في أمريكا اللاتينية خلال المدة 1970- 1973. وبسبب المؤامرات الخارجية وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى المعارضة في الداخل وفي مقدمتها الجيش والطبقة الرأسمالية فقد سادت الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي مما أثر سلباَ على الاقتصاد، حيث برزت ظاهرة شح السلع والسوق السوداء والأداء الضعيف نتيجة وجود الحماية التجارية. وبعد حدوث الانقلاب على (Allende) ابتدأت السياسة الاقتصادية الليبرالية والخصخصة وتقليص القطاع العام وتحرير أسعار السلع والأسواق المالية وحرية تدفق رأس المال الأجنبي وتحرير التجارة الخارجية، كل هذه الإجراءات وفرت بيئة مناسبة للقطاع الخاص للعمل بكفاءة. و يبدو أن برنامج الخصخصة قد حقق نجاحاَ حيث تحقق نمو في المبيعات وزيادة في كفاءة التشغيل وفي حجم الدخل وأصبحت المصانع الخاضعة للخصخصة تنافسية حيث لم تكن كذلك قبلاً، إضافة إلى تشجيع الديمقراطية الاقتصادية من خلال زيادة المشاركة من القطاع الخاص. (الأفراد). ويشار إلى أن أبرز العوامل التي ساهمت في هذا النجاح السيطرة النقدية والنظام المالي وتحرير الأسعار وانفتاح الاقتصاد على العالم واستقرار حالة الاقتصاد الكلي بعدما كان الاقتصاد يعاني من مشكلات عديدة.
تجربة الأردن:
بدأت برامج الخصخصة مع بداية عام 1985 وكانت جزءاً من برنامج التصحيح الاقتصادي. وأستهدف البرنامج رفع كفاءة المشروعات المعنية والقدرة التنافسية لها، وتحفيز المدخرات المحلية وجذب الاستثمارات، والتخلص من المشروعات الخاسرة، وتوجيه المدخرات الخاصة نحو استثمارات طويلة الأجل وأخيراً الحصول على التكنولوجيا الحديثة وأساليب الإدارة الحديثة. وقد قامت الحكومة الأردنية بإنشاء “الوحدة التنفيذية للتخاصية” في تموز 1996 بإشراف الجهات العليا في الدولة. وقد تم خصخصة شركة الإسمنت الأردنية في 1998 (وكذلك شركة الاتصالات الأردنية) حيث تم بيع ثلث أسهم شركة الإسمنت إلى شركة (Lafarge) الفرنسية.
ويبدو أن تأثير عملية الخصخصة على شركة الإسمنت كان إيجابياً فقد ازداد الإنتاج زيادة ملحوظة خلال السنتين 2001- 2002 ورافقه انخفاض في أعداد العاملين مما يؤشر حصول ارتفاع في إنتاجية العمل. وسجلت الأرباح الإجمالية ارتفاعاً ملحوظاً انعكس على نسبة الأرباح الموزعة (16). ونتيجة لهذه التطورات فقد ارتفعت قيمة السهم للشركة في عام 2002 بعد التذبذب الحاصل في الفترة السابقة. وعليه فإن شركة الإسمنت قد حققت تحسناً ملحوظاً في أدائها بعد عملية الخصخصة انعكس على مؤشرات عديدة لنشاطاتها.
أما شركة الاتصالات الأردنية فقد تم تحويلها إلى شركة مساهمة عامة في 1996 وتم بيع 40% من أسهمها إلى ائتلاف البنك العربي وشركة (France Telecom) في عام 2001 . وقد تمكنت الشركة من زيادة الاستثمار وتحقيق تحسن في تقديم الخدمات وتم تطوير الشبكة في الأردن وانخفضت تكلفة الاتصال للدقيقة الواحدة لبلد ما من دينارين ونصف إلى نصف دينار، إضافة إلى الخدمات السريعة والميسرة للمشتركين وذلك خلال عامين فقط من خصخصة الشركة. كما نفذت الشركة عدداً من المشروعات الجديدة مثل بناء وتشغيل شبكة الاتصالات الخلوية (موبايلكم) وتطوير شبكة تراسل المعلومات وخدمات الإنترنيت وبناء شبكة الخط السريع إلخ.
وفي مجال النتائج المالية فقد سجلت الشركة زيادة مستمرة في إيراداتها وصافي حقوق المساهمين وفي قيمة الأصول الثابتة، فازدادت قيمة الأرباح الموزعة على المساهمين وازدادت إيرادات خزينة الدولة من عوائد الشركة، وتم الاستغناء عن عدد من العاملين بعد عملية الخصخصة رغم زيادة حجم الإنتاج مما يشير إلى وجود فائض في العمالة قبل العملية. ومن جانب آخر فقد قامت الشركة بتعيين 130 موظفاً في الدوائر المعلوماتية والتسويقية من بدء عملية الخصخصة، ونظمت خطة تقاعد مبكر اختيارية.
وأضاف د. خالد الرديعان نقلاً عن مقال لعبدالله الخازم، صحيفة الجزيرة: “بنظرة عالمية نجد أن الحكومات تعتبر المساهم الرئيس في تمويل التعليم العام؛ ففي كندا يشكل التمويل الحكومي للتعليم العام حوالي 78 % وفي الولايات المتحدة حوالي 70 % وفي أستراليا واليابان حوالي 76 % وفي المملكة المتحدة حوالي 85 % وفي دول مثل الدنمارك وبلجيكا وإيطاليا وهولندا وفرنسا يرتفع التمويل الحكومي ليتجاوز 90 % بينما في دول مثل البرتغال وفنلندا والسويد والنمسا يتجاوز التمويل الحكومي نسبة 95 % من تمويل التعليم العام. الإحصائيات ليست حديثة هنا لكنها تمنحنا مؤشرات بأن التمويل الحكومي يشكل النسبة الأكبر لتمويل التعليم العام في أغلب دول العالم يشكل. إذا لا بأس من مساهمة القطاع الخاص بنسبة معقولة، اقترح أن لا تزيد مساهمة القطاع الخاص لدينا عن 20 %؛ إلا إذا كان النموذج الذي نحتذي به هو كوريا ويبلغ التمويل الحكومي فيها للتعليم 57 % فقط!”
- oالتوصيات المقترحة
1- من المهم أن تفتح المملكة وجامعاتها وبقية مؤسساتها التعليمية المجال لجميع من أراد أن يأتي إليها للدراسة (برسوم أو منح دراسية) وذلك وفق معايير وضوابط محددة. وكذلك فتح المجال للراغبين في زيارة دراسية لمدة محددة. نستطيع أن نقدم الكثير للعالم. والذين يدرسون هنا يعودون لأوطانهم وهم يحملون الحب لوطننا إن نحن أحسنا التعامل معهم وهذا هو الذي يعمل هنا ولله الحمد. (د. علي الحكمي)
2- أن يبدأ التخصيص تدريجياً بحيث يبدأ بالتعليم العالي أولاً وإعطاء ذلك مهلة للتأكد من نجاح التجربة وبعد ذلك تعميمها. يوجد في التعليم العام نحو ٣٥ ألف مدرسة وخصخصة هذا العدد دفعة واحدة قد يخلق صعوبات كبيرة ويربك التعليم. يمكن مثلاً البدء بمنطقة واحدة على سبيل التجربة للتأكد من نجاح التجربة ومن ثم تعميمها على سائر المناطق. (د. خالد الرديعان)
3- لضمان جودة المخرجات لجميع المراحل الدراسية نحتاج إلى تطوير لوائح بمعايير اختيار المدرسين وأعضاء هيئة التدريس حتي نضمن جودة التدريس وفق المعايير العالمية. (د. حميد المزروع)
4- إبقاء التعليم العام الحكومي ( العملية التعليمية ) دون تخصيص والتركيز على رفع جودته وتطوير عناصر العملية التعليمية ، المعلم والمنهج ، مع السماح بالتوسع في المدارس الأهلية والخاصة لفتح خيارات متعددة ، وهو النمط السائد في معظم دول العالم. (د. ناصر القعود)
5- العمل على الاستقلال المالي والتميز الأكاديمي للجامعات الحكومية ودعمها من الحكومة والأفراد والمؤسسات من خلال المنح والأوقاف مع استمرار السماح للقطاع الأهلي بإنشاء وإدارة جامعات عالية الجودة ومعتمدة أكاديميا مع التشجيع على دعمها بالمنح والأوقاف. (د. ناصر القعود)
وعقب د. علي الحكمي بأن الأولوية هي لتطوير التعليم وتحسين تعلم الطالب، وإذا كانت الخصخصة تخدم ذلك فيجب أن نعمل عليها؛ فهي وسيلة وليست غاية.
أما د. حمزة بيت المال فيرى أن الخصخصة مطلب تنموي وليست ترفا.. ويجب أن ينظر لها وتعّرف على أن هدفها رفع مستوى جودة التعليم وليس توفير مصروفات… فجميع الحكومات مسؤولية عن التعليم والصحة.. الملاحظ عندنا أن جل التفسير المطروح هو لتوفير المصروفات.
6- دراسة تبني التأشيرة الدراسية لدعم الجدوى الاستثمارية للمنشآت التعليمية خصوصا في القطاعين العالي والفني. (م. خالد العثمان)
7- السماح للمؤسسات التعليمية بتقديم منتجات تعليمية متنوعة صفية ولا صفية. (م. خالد العثمان)
8- إعادة النظر في نتائج التجارب التي طبقت جزئيا في عدد من المراحل بإشراف الوزارة .. وكان بعضها ناجحا إلى حد كبير وبخاصة إبان فترة د الرشيد رحمه الله .. ومن الممكن أن يكون أحد مشروعات التخصيص بمعنى أن يوكل لعدد من الشركات تنفيذ التجربة اليابانية وأخرى للفنلندية وأخرى للنرويجية وأخرى للسنغافورية ..الخ، بطريقة متدرجة مع وجود مجلس متخصص يقوم على تقويم التجربة شهريا وفصليا لكي لا تذهب ريحها بسبب بعدها التجاري فتضيع مقومات نجاحها.
فثمة تجارب في بيئتنا العربية و الخليجية في خصخصة التعليم .. يشير البعض لنجاحها جزئيا في بعضها وعدم نجاحها في عمان والأردن.
في الخليج تشير المعلومات إلى أن التجربة واءمت بين عدم تأثر المواطن من آثار التخصيص حيث لا يزال التعليم مجاني ، ولم يتأثر المواطن بالتخصيص ، لكن ذلك تطلب إلغاء وزارة التربية والتعليم ، وإنشاء مجلس أعلى للتعليم وأسندت إدارة التعليم بالمدارس لشركات متخصخصة.. تماما كطريقتنا في إدارة بعض المستشفيات بطريقة التشغيل الذاتي .. حيث تدفع الدولة مبالغ محددة مقابل قيامها بإدارة التعليم في تلك المدارس ، وترك للشركات حق التعاقد مع الهيئات الإدارية والتعليمية وقد ترتب على ذلك كما نشر الكثير من الفساد حيث كان ذلك يتم على حساب جودة التعليم ، مما جعل المجلس الأعلى للتعليم يعيد النظر في تحديد سقف أجور المعلمين رغبة في ضمان جودة ونوعية المعلمين ، والمعلومات تقول أن ذلك تطلب استمرار الاهتمام والمراجعة لضمان عدم تلاعب تلك الشركات بمدخلات العملية التعليمية ، والحرص التام على الجودة للمخرجات.
وبالطبع لكي تكون الجودة الحقيقية في مخرجات التعليم هي ثمرة عملية التخصيص لابد وأن ننجح في ضبط هذه التجربة وأن نمتلك القدرة على الشفافية ومحاربة الفساد الذي قد يواكب ذلك بوصف هذه التجارب ستكون أرضا خصبة للعديد من مظاهر الفساد .. رغبة في الوصول لكل المعطيات الإيجابية التي تحقق سلامة الأداء ، وجودة المخرجات.
كما أن المشروعات التعليمية الربحية لا التجارية مطلب لضمان بقاء هذه المشروعات قوية ولتكون قراراتها مستقلة عن أي جهة قد تمولها أو تمتلكها فتغير اتجاهها. (د. مساعد المحيا)
9- أن يكون لكل مؤسسة ترغب الاستثمار في التعليم مجلس أمناء بعضهم من طرف الملاك وآخرين من الدولة ونخب من المجتمع. وكذلك تخصيص جزء من الأرباح للأبحاث والتطوير.. فالجامعات الخاصة ليست بنفس مفهوم القطاع الخاص مؤسسات غير ربحية.. التعليم يجب أن لا يكون للتكسب والتربح من مستقل الأجيال.. وأن يتم العمل على تأسيس ١٣ شركة أو مؤسسة خاصة في كل منطقة من مناطق المملكة، وتعطي كل مؤسسة الصلاحيات اللازمة للعمل على خصخصة قطاع التعليم بها بما تراه مناسب بالطبع تحت إشراف الوزارة بضوابط تضمن جودة العملية التعليمية. (د. حمزة بيت المال)
وعقب د. ناصر القعود على هذه التوصية بأن مفهوم المؤسسات غير الربحية لا يعني أنخ ليس هناك عائد على رأس المال بل هناك عائد ولكنه عائد مقيد بمتوسط العائد على رأس المال وبالتالي ليس الهدف تعظيم الربح كما هو الحال في القطاع الخاص بل تقديم الخدمة بالتكلفة نفسها بما في ذلك التكلفة المتوسطة لرأس المال وكلما كان هناك أوقاف أو منح كلما قلت تكلفة تقديم الخدمة، فالمؤسسة غير الربحية قد تقترض وتحسب تكلفة الاقتراض.
10- وأوصى د. إبراهيم البعيز بالتوصيات التالية:
أ. حصر تراخيص الجامعات الخاصة على تلك التي تمتلكها مؤسسات غير ربحية.
ب. دعم الجامعات الأهلية غير الربحية بتقديم المنح الدراسية للمتميزين من طلابها.
ج. حصر التراخيص للجامعات الأجنبية على الجامعات غير الربحية وأن تكون برامجها معتمدة من الجامعة الأم.
د. إعطاء الشركات المساهمة والشركات الأجنبية ميزات مقابل مساهماتها وتبرعاتها لأوقاف التعليم العالي (الجامعات الحكومية والخاصة).
11- التعليم العام حق من حقوق المواطن ويفترض أن تتحمله الدولة سواء تم تخصيصه أم لم يتم .. لابد من وجود آلية لذلك. (أ. عبدالله الضويحي)
12- أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه يبقى ما هو أهم ، وهو عند انتشار مشروع خصخصة التعليم ، لاشك أن وزارة التعليم ستكون في حل من تنفيذ مباشر لشؤون التعليم إلا في حدود معينة ، ربما يتمثل ذلك في وجوب تواجد مؤسسات تعليمية في بعض المحافظات والمراكز ، وذلك لأسباب اقتصادية في الدرجة الأولى ، والمقصود من ذلك أن تنهض وزارة التعليم بسياسة إشرافية جديدة وذات طابع نوعي. وما يقترحه هو أن يعالج التعليم بشقيه ( العام والعالي ) بتدابير يؤخذ لها في الاعتبار الأسباب التي أدت إلى تراجع مستواه ، سواء من الناحية التعليمية والتربوية ، أو من ناحية أخرى مهمة وهي عدم الاهتمام بالبحث العلمي بالمستوى المطلوب ، وذلك بما هو آت :
أ. إنشاء وزارة مستقلة تسمى ( وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ) .
ب.إنشاء وكالة للوزارة تختص بالإشراف العام على شؤون التربية والتعليم عامة ، بخلاف الأدوار التي تقوم بها وكالة الوزارة للتعليم الأهلي ، في حال عدم إمكانية إنشاء وزارة مستقلة للتعليم العالي والبحث العلمي.
ج. إحداث سياسة تعليمية مغايرة عن القائمة حاليا والمتمثلة في الدرجة الأولى بتلقين التعليم فحسب ، إلى سياسة التعلم .
د. خضوع المعلم والأستاذ الجامعي إلى مقابلات وامتحانات يتحقق منها الجودة لدى المتقدمين لمهنة التعليم ، وأن يصنف المعلم خاصة إلى فئات ، تكون الترقيات لتلك الفئات مستندة إلى معايير علمية وتثقيفية قد نالها المعلم المدرسي والأستاذ الجامعي في حياته العملية .
ه. إحداث مواد لاصفية ، ذات معطيات حقيقية في نوعها وطريقة تقديمها خصوصا ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية والسلوك العام ، مع إعادة النظر في تقليص المواد الدراسية الأساسية تقليص يغلب الكيف على الكم ، وذلك كسبا لمنفعة تربوية وإنسانية يمتلكها النشء خصوصا وأن الحياة أصبحت مليئة بمتغيرات اجتماعية متعددة الأوجه ومهددة للسلوك العام ، بسبب ورود ثقافات وافدة من خلال انتشار إعلام اجتماعي تقني منفلت .
و. معروف أن التخصيص أو “التحول إلى القطاع الخاص، هو انتقال الملكية من المؤسسات الحكومية (ما يُسمى بالقطاع العام) إلى القطاع الخاص ، وهنا يقترح أن تتوافر لجنة عامة أو هيئة مصغرة تتبع المجلس الاقتصادي والتنمية ، تختص بمشاريع وشؤون الخصخصة عامة ، حتى تتأتى أفكار وتطبيقات عملية ناجحة عند تخصيص أي قطاع ، بعيدا عن الاجتهادات التي غالبا لا ترتبط بدراسات دقيقة.
ز. عند تطبيق خصخصة التعليم لابد من الاشتراط على المستثمرين ، من أن تكون مباني المؤسسات التعليمية نموذجية الإخراج ، شاملة كافة الاحتياجات الصفية واللاصفية ، وهذا أمر لابد أن ينسحب أيضا على المستثمرين السابقين والجدد لقطاع التعليم العام والعالي الأهلي.
13- اقترح د. مشاري النعيم أن يتم تشكيل مجلس للتعليم في كل منطقة يكون نصفه أو أكثر منتخب ولا يحق الترشيح إلا من ذوي الخبرة ويكون هو المسؤول مباشرة عن تطوير التعليم في المنطقة وعن وضع الاحتياجات والسياسات، ويرتبط بلجنة للتعليم تكون تابعة لمجلس الوزراء تتشكل من رؤساء المجالس في المناطق، ويتم ترشيح رئيس للجنة من بيتهم وتقوم اللجنة بوضع السياسات العامة للدولة.
واتفق د. إحسان بو حليقة مع مقترح إيجاد جهاز تنظيمي ومجالس تعليمية في كل محافظة عوضاً عن المركزية المحبطة.
أما د. خالد الرديعان فيرى أنه وإذا كان ولابد من خصخصة التعليم فيفترض أن تبدأ الخصخصة من الأعلى أي من التعليم الجامعي؛ لأن الخصخصة تعني ضمن ما تعنيه حرية واستقلال الجامعات. وللحقيقة ومن واقع التجربة والممارسة فإن تعليمنا الجامعي يشبه والى حد كبير التعليم الثانوي فيما يخص مخرجاته. الجامعات والبحث العلمي لا يتقدمان في ظل غياب الحرية الأكاديمية التي ستتوفر حتماً مع خصخصة الجامعات الحكومية. هنا يمكن أن تُطرح الجامعات كشركات مساهمة على أن تحتفظ الدولة بنصيب من أسهمها، لكي تستطيع أن تقدم منح مجانية للطلبة المتفوقين دون أن تتدخل في سياسة الجامعات إلا بحدود يتم تقنينها سلفاً.
يستوجب خصخصة الجامعات بالطبع استحصال رسوم معقولة من الطلاب تختلف طبقاً للتخصص إذ لا يمكن أن تتساوى رسوم دراسة الطب مع رسوم دراسة التخصصات النظرية على سبيل المثال بل لابد من التفريق بينهما.
الخصخصة ستنتشل الجامعات من الترهل البيروقراطي والفساد، ويكون التركيز على التخصصات التي تتوافق مع الرؤية ٢٠٣٠ ومع متطلبات الاقتصاد المعرفي وسوق العمل. كما أن خصخصة الجامعات ستجعل الطلبة أكثر جدية في تلقي التعليم. أيضا فإن الخصخصة ستحد من أعداد الملتحقين بالجامعات؛ بحيث يتوجه جزء من خريجي وخريجات الثانوي إلى المعاهد التقنية التي تخرج الأيدي الماهرة التي نحن بحاجة لها.
أما خصخصة ما دون التعليم الجامعي فهذا مجازفة ويفترض عدم التفكير بذلك إطلاقاً لأن التعليم العام كالصحة حق عام لا يجوز التفريط به وتسليمه لرجال الأعمال أو المستثمرين، ولاسيما أن لدينا تعليم أهلي يمكن له أن يتسع بحيث يكون أمام الجمهور خيارين التعليم العام والتعليم الأهلي حسب مستوياتهم الاقتصادية. لدينا نحو ٢٨ جامعة حكومية وخصخصتها ستوفر مبالغ كبيرة للدولة يمكن توجيهها للصندوق السيادي (٢ تريليون ريال).
يترتب على خصخصة الجامعات ما يلي:
أ. إلغاء التخصصات غير المرغوبة والتي لا تتوافق مع متطلبات الرؤية وسوق العمل. ولا بأس من بقاء بعض تلك التخصصات في عدد محدود من الجامعات حتى لا يكون الإلغاء نهائياً.
ب.التخلص من الأساتذة والكوادر الذين يتقاعسون عن نشر البحوث الجادة، وحضور المؤتمرات العلمية، وبالتالي فالخصخصة ستجعلهم أكثر جدية في مهنتهم الأكاديمية بشرط إلغاء شيء اسمه التقاعد طالما أن الأستاذ لديه قدرة على العطاء.
ج. تساعد الخصخصة في الحد من أعداد الطلاب المتقدمين للجامعات وخاصة من إمكاناتهم أقل من المطلوب؛ بحيث يتوجهون للمعاهد التقنية، ولا بأس من تقديم منح للمتفوقين منهم لإكمال تعليمهم الجامعي بعد إنهاء دراستهم في المعاهد التقنية.
د. الحد من ظاهرة التحاق الطالب بالجامعة التي في منطقته، ودفعه إلى جامعة في منطقة أخرى حسب التخصص والرسوم. هذا سيعزز من فكرة الحراك المكاني داخل الوطن الواحد بدلا من التقوقع في منطقة واحدة.
وذكرت د. نوف الغامدي أنها سبق وأن اقترحت في إحدى الدراسات الأكاديمية إنشاء “هيئة عليا لخصخصة برامج التعليم الفني والتدريب المهني” تندرج تحتها المؤسسة العامة وتتبع لمجلس الشؤون الاقتصادية بحيث تقوم بدورها في توظيف البحث العلمي في خدمة القضايا الأساسية في مجال التدريب التقني والمهني والمساهمة في تطويره. ومواجهة التحديات التي قد تعيق خصخصة التدريب حاليا وتلافي الآثار السلبية، وتعمل على تحديد المواصفات والمعايير التي يجب توافرها في برامج التدريب لتتواءم مع التغيرات المتجددة تقنيا ومهنيا في سوق العمل المحلي والعالمي من جهة ومتطلبات التنمية من جهة أخرى، وتنمية قدرة برامج التدريب التقني والمهني على التعامل مع الواقع من خلال جملة من الضوابط والشروط المقترح الأخذ بها عند الخصخصة تحقيقاً للمرونة والتنوع حسب احتياجات سوق العمل، كما تعمل على وضع الأساليب المناسبة للخصخصة والبرامج التي يتم البدء بها والصيغ الإدارية التي تمكن المسئولين في التدريب من النزول بأهداف التدريب التقني والفني من التنظير إلى التطبيق، وفِي هذه الحالة لابد من استحداث إدارة تمويل برامج التدريب التقني والمهني وإنشاء صندوق لخصخصة البرامج التدريبية .
وأضاف أ. يحيي الأمير أن خصخصة التعليم هي مجرد إجراء وتغيير في الهيكلة المالية والتنظيمية ، التحدي الأكبر للتعليم ليس هنا ، وإنما في الأفكار والمناهج والرؤية والتوجهات .. هنا يكمن التحدي الذي يمكن أن يجعل الاستثمار في التعليم جاذبا ..امنح المستثمر مزيدا من الخيارات ليمنح بدوره الطالب وولي الأمر مزيدا من الخيارات أيضا .. حينها ستجد مباني مدرسية متواضعة ذات إقبال عال. ومبان فخمة ذات إقبال أقل. أكثر ما انشغل به أهل التعليم طيلة الأعوام السابقة هو تلك الإجراءات التي تلامس إدارة العملية التعليمية ولكنها لا تلامس جوهرها .. قبل سنوات من الآن كان يمنع على السعوديين الالتحاق بالمدارس الأجنبية !! هذا تدخل في إدارة عملية الاختيار واقتحام لرأي الأب والأسرة في بناء التوجه الذي يرونه ويختارونه؛ تعليم النسخة الواحدة لن ينتج إلا نسخا مكررة متماثلة من الطلاب ؛ هؤلاء في الغالب سيكونون نماذج متساوية أقل إبداعا. تنويع الخيارات ليس إلا خطوة أولى نحو بناء واقع تعليمي مختلف متطور. النموذج الحالي للمدارس على مستوى المباني لا يمكن أن يضم مسرحا ولا ورشة ولا معملا – ناهيك عن المباني المستأجرة – ما يمكن أن يحدث الآن عملية إعادة كبرى ليست للمناهج لكن للتفكير في التعليم:
– ماذا يجب أن يقدم لنا التعليم الحالي؟
– ما مواصفات السعودي (المتوقعة) التي يتم إنتاجها من خلال التعليم الحالي؟
– هل التعليم يؤسس لمواطن واع منتج؟ شخصيات مدنية ؟ شخصيات ناقدة؟ شخصيات ذات رأي؟
14- أكد أ. عبدالرحمن الطريري إلى أن التطوير عبر بوابة الخصخصة يستوجب ما هو أبعد من تغيير التخصصات أو المناهج أو طريقة الشرح، إلى تطوير المعلمين والقيادات وإحلال كفاءات ليست ذات أهواء حركيّة تغلغلت في التعليم لسنوات وأفسدت المخرجات.
ننسى أن المعلم ركن ركين ، قد تغير له المناهج وتجلب له سبورة إلكترونية ، ثم يقذف بأبنائنا إلى الجحيم لأن أجندته تتجاوز الوطن ، التعليم هو سر تقدم كل أمة ، ولعله في أوقات رؤية التغيير وأزمات المنطقة أمر ملزم لا خيار حوله.
مسألة الخصخصة لأي مشروع لا تعني أن لا يكون بإشراف الدولة ، فإذا ما تعاقدت مع شركة لبناء قطار ، لا يمكن أن تسمح لها بإغفال إجراءات السلامة ، أو عدم التحقق من كفاءة السائق، كما عليك أن توجد بنود مناسبة في العقد تضمن لك المحاسبة والمراقبة.
المحور الرابع
احتياجات مكة المكرمة التنموية
الورقة الرئيسة: د. حمزة بيت المال
للحديث عن الاحتياجات التنموية لمدينة مكة المكرمة يستحسن في البداية النظر إلى تعريف مدينة مكة المكرمة شرفها الله كمدينة مقدسة وقبلة المسلمين. وانطلاقا من هذا التعريف تتضح التحديات التي يجب النظر إليها لتحديد طبيعة احتياجات مكة التنموية. هذه التحديات يمكن صياغتها في ثنائية متقابلة، أولها ثنائية أهالي مكة المكرمة وسكانها، مقابل الزائرين لها من حجاج ومعتمرين من داخل المملكة وخارجها. ثانيها ثنائية القدسية مقابل العصرنة والتحديث، وآخرها ثنائية الصرف مقابل الاستثمار. إن هذه الثنائيات هي التي ستمثل المدخل العام لطرح الاحتياجات التنموية لمدينة مكة المكرمة كموضوع للقضية الحالية.
بادئ ذي بدء هذه الثنائيات تفرض نوع من الجدل حول النظرة للتنمية في مدينة مكة المكرمة، والذي قد ينعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على مسار عمليات التنمية وتحديد الاحتياجات التنموية لمدينة مكة المكرمة شرفها الله.
لا تختلف الاحتياجات التنموية لأهالي وسكان مكة المكرمة عن بقية مدن المملكة فهي تتركز في الخدمات التعليمية والصحية والمواصلات والطرق والمرور والترفيه، وإعادة إعمار المناطق العشوائية…الخ
في المقابل هناك احتياجات الزائر والمعتمر من داخل المملكة وخارجها وهذه يمكن تلخيصها في: خدمات إقامة وإعاشة مريحة قريبة من الحرم وبأسعار معقولة، ومواصلات، واتصالات جيدة، هذا بالإضافة لخدمات جيدة ومناسبة خلال موسم الحج، والوصول للأماكن التراثية. قد يختلف المعتمر أو الزائر عن الحاج في احتياجات ثقافية وترفيهية كون وقتة أكثر اتساعا.
ثنائية القدسية مقابل العصرنة. هذا المدخل الجدلي يستدعي أن تكون الاحتياجات التنموية لمكة تركز على المحافظة على هوية مكة الإسلامية لرغبة البعض استشعار حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم عند زيارتهم لمكة للحج أو العمرة. ولا يرغبون الإسراف في مظاهر الحياة المدنية المعاصرة، فالبعض يرغب مثلا أداء فريضة الحج راجلاً والإقامة في خيام، بشكل عام حياة تتسم بالتقشف… الخ. وهذا يتطلب العمل على تطوير هوية ثقافية تراثية إسلامية لمكة تراعي قدسيتها ومكانتها التراثية في مخيال المسلمين.
في المقابل التحديث والعصرنة، وتتمثل في الرغبة بأن تكون مدينة مكة المكرمة مدينة عصرية حديثة أسوة ببقية المدن الحديثة مثل دبي وسنغافورة. ويبدو أن هذا هو توجه الحكومة في المملكة العربية السعودية.
الصرف مقابل الاستثمار. تشرح هذه الثنائية جهود حكومة المملكة العربية السعودية عبر السنوات الماضية بالصرف المريح على المشاريع التنموية في مكة لجعلها مدينة متميزة دون إعطاء المردود الاستثماري كبير بال. والآن وبحسب رؤية 2030 أصبحت النظرة أكثر وضوحاً وذلك بجعل الأماكن المقدسة مصدر دخل للاقتصاد الوطني السعودي. إن هذا البعد يتطلب بحد ذاته احتياجات تنموية وبالأخص في البنى التحتية التي مر على بعضها عقود ولم تحدث. وفي هذا الجانب تتمدد الاحتياجات التنموية لمكة المكرمة لتشمل المطارات القريبة من مكة؛ جدة والطائف والطرق الموصلة لها والمداخل.
التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
تناول د. حمزة في ورقته المركزة جوانب من الاحتياجات التنموية لمدينة مكة المكرمة والخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين وفقا للدراسة التي أشرف على إنجازها. الدراسة أعدتها أسبار الرائدة في البحوث والدراسات وأشرف عليها د. فهد الحارثي ، وشارك بها د. حسين الحكمي. وكان أمير مكة الأمير خالد الفيصل مهتما بكل تفاصيلها.
وقد اهتمت الدراسة بالبناء المنهجي الجيد وعنيت بإقامة ورشات عمل بحضور 130 مختصا وبمشاركة 45 قطاع حكومي وخاص ..تناولت 45 احتياجا تتعلق بسكان مكة والخدمات التي تقدم للحجاج والمعتمرين .. وعنيت بالبنى التحتية وبالدراسات وبذوي الاحتياجات الخاصة وبلغات الحجاج والمعتمرين .
كانت مشاركتي في الدراسة في إعداد التراكم المعرفي والدراسات السابقة حول موضوع مكة والمشاعر. وقد انحصرت الدراسات في عدة محاور :
أولا : مدى رضا الحجاج عن الخدمات التي تقدم لهم
وشملت:
1- تقويم خدمات المؤسسة التجريبية الموحدة للأولاد بالمدينة المنورة في وجهة نظر الحاج.
2- تقويم بعض جوانب التفاعل الاجتماعي بين الحجاج ومقدمي الخدمة لهم من وجهة نظر الحجاج.
3- قياس التغذية المرتدة لإذاعة التوعية في الحج.
4- قياس مستوى جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات لحجاج الداخل وأثرها على رضا الحجاج.
5- قياس رضا الحجاج عن التكلفة المدفوعة لأداء فريضة الحج مقارنة بجودة الخدمات المقدمة من مؤسسات حجاج الداخل.
6- رضا الحجاج عن السكن خارج المنطقة المركزية دراسة ميدانية.
7- تقييم تطبيق خطة التطوير المرورية لنفرة الحجيج من مشعر منى إلى مكة المكرمة.
8- عوامل مستوى رضا الحجاج المتعلقة بالخدمات المقدمة من المطوفين.
ثانيا : مستوى الرضا عن الخدمات خارج منطقة المشاعر
وشملت:
1- مستوى رضا ومعوقات قاصدي بيت الله الحرام مع تصور استراتيجي مقترح لتطوير الحرم المكي رأسياً وأفقياً في العشرين سنة القادمة.
2- تقويم المرافق والخدمات في صالة الحجاج بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة.
3- جودة إفطار الصائمين والمقدمة من المبرات الخيرية بالمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة في رمضان.
ثالثا : الخدمات التي يحتاجها الحجاج في المشاعر ومكة
وشملت:
1- دراسة توفير المياه في المشاعر المقدسة من وجهة نظر الحجاج .. بحث تاريخي ميداني.
2- الخدمات العامة في مزدلفة … بعنوان السلع التموينية في الحج ومواقف واتجاهات الحجاج حول أسعارها وتوفرها وجودتها وتنوعها في الأسواق المحلية.
3- تقدير احتياج الحجاج الفعلي لبعض الخدمات الأساسية بالمشاعر المقدسة.
4- خدمات التخلص من النفايات ودورات المياه المقدمة للحجيج.
5- اقتراح بشأن وضع مشروع يتضمن اختيار الحاجة والإمكانيات لإقامة سكة حديد بين مدينتي جدة ومكة المكرمة.
6- الزحام عند الجمرات دراسة نفسية اجتماعية.
7- تقويم الأداء الفراغي لسكن الحجاج بمنى.
رابعا : تنظيمات الحجاج وتنظيم الحج
وشملت:
1- دراسة استكشافية لتنظيمات حجاج دول الخليج العربي , دولة الإمارات العربية المتحدة.
2- دراسة استطلاعية لنظام استقبال الحجاج بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة.
3- أراء الحجاج حول دور المملكة العربية السعودية في تنظيم الحج.
4- قياس أزمنة انتظار الحجاج القادمين في مدينة الحجاج بمطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة.
5- تقييم نظام قياس كثافة الأعداد البشرية على جسر الجمرات.
6- قياس جودة خدمة الطوافة باستخدام نموذج قياس الجودة SERVQUAE .
7- أداء القائمين على إدارة وتنظيم منطقة الطواف وما حولها.
خامسا : بحوث ودراسات أخرى من معهد خادم الحرمين الشريفين
ومن أبرز الدراسات والبحوث:
1- تاريخ الحج عن طريق المعمرين.
2- دور مكتب الوكلاء الموحد بجدة في استقبال الحجيج ونقلهم إلى مكة والمدينة وترحيلهم إلى بلدانهم.
3- حركة الحجاج بالمشاعر.
4- السلوك الحراري لبعض وسائل الإيواء في مناطق مختلفة من وادي منى.
5- الإحصائيات الأساسية للحجاج.
6- نوعية المياه الجوفية بمنطقة الحرم المكي الشريف.
7- الإفادة من لحوم الهدي والأضاحي .
8- الحركة بمنطقة الجمرات.
9- عوامل المناخ بمنى.
10- دراسة استطلاعية عن مراكز تفويج الحجاج وأسباب تخلفهم.
11- جدوى زيارة الحجاج لمدينة الطائف .
12- المشغولات النوعية الواردة مع الحجاج .
وغني عن القول أن غالبية الدراسات السابقة لهذه الدراسة هي من إنتاج أو إشراف مركز أبحاث الحج الذي أصبح معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج؛ بوصفه المركز البحثي الوحيد المتخصص بشؤون الحج ودراساته وبحوثه .. مع وجود اهتمام بحثي قليل لبعض الأقسام العلمية في عدد من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية.
وقمن الإشارة بهذا الصدد إلى:
- أن كثيرا من هذه الدراسات أنتجت في سنوات مضت بعضها قبل ثلاثين عاما أو عشرين عاما .. وهذا الأمر يجعل تقادمها مؤثرا في مدى إمكانية استثمار نتائجها أو توصياتها لا سيما وأن ثمة مشروعات كبيرة أقامتها المملكة مؤخرا في المشاعر من مثل التطوير الذي حدث في جسر الجمرات وفي المسجد الحرام حيث إعادة بناء المسجد مع توسعة الملك عبد الله .. جميعها جاءت بكثير مما أشارت إليه توصيات تلك الدراسات بل وأكثر منها مما لم تأت به تلك الدراسات ..وبالتالي فقد أصبحت كثير من تلك النتائج لا قيمة لها في واقع اليوم فالذي كانت تطالب به تحقق ما هو أكثر وأفضل منه .. لكن ثمة جوانب عديدة في هذه الدراسات حري بأن يفاد منها وأن يؤسس عليها دراسات توسعية متعمقة لدراسة الظواهر المستجدة وبخاصة ما يتعلق بالإنسان وفقا للتغيرات التي يمر بها المواطن في مكة والمسلمون في العالم.
- هناك عدم تنسيق وعدم ضبط لهذه الدراسات بل هناك تداخل كبير بين بعض الدراسات والبعض الآخر وكذلك هناك تداخل بين محتويات بعضها مع البعض الآخر ..بل قد يشتمل بعضها على عنوان يختلف عن المحتوى الذي كان يتعلق بدراسة أخرى .. لذا فإن دور المعهد ينبغي أن يؤسس لدراسات تتبعية ومتكاملة وأن تكون أهداف الدراسات مرتبطة بطبيعة الحاجات الجديدة التي يفترض أن يعدها مجلس متخصص في المعهد.
- هناك نتائج بحوث كان من المناسب التحفظ على إيرادها بسبب تفاصيل قد لا تتسق وطبيعة الدراسة ..كما أن بعضها لم يتم توظيف نتائجها على نحو جيد في البحث. كما أن عددا من النتائج مكتوبة مع جداولها في خط اليد برغم أن ذلك في أعوام 1409-1410 هـ ونحوها.. برغم صدورها من معهد بحث علمي متخصص .. إذ كل البحوث يفترض بداهة أن تقدم مطبوعة.
- لا توجد معايير واضحة لهذه الدراسات وكأنها لا تنتمي لمؤسسة بحثية واحدة فالأصل أن معايير هذه الدراسات أو معايير نشرها تنضبط بمعايير محددة. ويفترض أن النسخ المحفوظة تكون جيدة ونهائية.
- النتائج تتعامل مع الحجاج على أنهم ينتمون لمدرسة فكرية أو علمية أو ثقافية أو فقهية واحدة وهذه إحدى أهم مشكلات النتائج فبعض الحجاج يقوم بالعمل لأن هذا هو الصحيح بالنسبة له وليس لأنه لا يعي ولا يفهم .. فبعض الفتاوى ترى وجوب أمر من الأمور أو أنه مشروع ..لكنه لدى مدرسة فقهية أخرى يرونه غير مشروع .. مثلاً لو تأملت ما يمارسه عدد من السعوديين ومن طلاب العلم من رفض الكثير من الرخص في الحج لما استغربت من حاج أقل تعليماً.
- التناقض في نتائج الدراسات لا تعين على الوصول لحلول مهنية فبعضها ترى أن غالبية الحجاج جامعيون ويبني على ذلك تصورات معينة وأخرى ترى أن الجامعيين من الحجاج قرابة 20% وأن الأكثر هم من الابتدائي فما دون. كما أن هناك بعض الخلل المنهجي في التعامل الإحصائي مع نتائج بعض الدراسات.
كانت هذه محاور مركزة لأبرز الدراسات التي تم استعراضها مما يرتبط بطبيعة أهداف الدراسة أو يدور مع بعض أهدافها ..وذلك وفقا لتصنيفات متعددة تتسق وطبيعة هذه الدراسات.
وفي تفاصيل تلك الدراسات هناك العديد من الجوانب التي اهتمت بها وانتهت إليها وجميعها تظهر اهتماما مبكرا وملحوظا بتفاصيل مهمة في مكة وفي المشاعر والمشاركون فيها متعددون ومتعددو التخصصات وطبعا الزميل د. علي الحكمي أعد مع زميله د. الصبيح إحدى هذه الدراسات وكانت بعنوان الزحام عند الجمرات دراسة نفسية اجتماعية.
مما لفت نظري في عدد من هذه الدراسات اهتمام عدد منها بـ :
- إعداد نظام لتقويم أداء مقدمي الخدمات العامة بحيث يشترك فيه الجميع.
- تكثيف الدورات التدريبية لمقدمي الخدمات لتحسين قدراتهم بحيث تشمل الدورات المعارف والمهارات والاتجاه.
- تخصيص جزء من الدورات لموضوع صناعة الخدمات المتعلقة بالحج والعمرة.
- وجود تباين في وجهات النظر حول تحديد المعايير التي تقاس بها جودة الخدمة وضرورة أن تقوم الجهات المختصة بوضع معايير وضوابط عامة لمستوى جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات.
- تقدير التوقعات المستقبلية للإسقاطات الزمنية لأعداد قاصدي بيت الله الحرام للسنوات القادمة وتقدير الاحتياجات التي يتطلبها الحرم لقاصدي بيت الله الحرام على مدى 20 عاما وقياس مستوى الكفاية الإنتاجية لجودة الخدمات في الحرم المكي. مع تصور استراتيجي لتطوير بيت الله الحرام أفقياً ورأسياً لمواجهة الصعوبات والمشكلات التي تواجه قاصديه.
- عدد من الدراسات حاولت الربط بين عدد من المتغيرات وبخاصة العمر والتعليم وبين درجة الرضا أو ارتفاع الوعي في الحج وفقا لمختلف الجنسيات وقد كانت بعض نتائجها مهمة ومثيرة.
- حاولت الدراسات فهم طبيعة ما يبحث عنه الحجاج في مكة والمشاعر وما يحتاجون إليه من مختلف القارات وماهية الفروق بينهم في ذلك ..وانتهت إلى وجود تباين وفروق واضحة بين الحجاج من آسيا وأفريقيا و أوروبا وأمريكا.
- تبين في إحدى الدراسات أن هناك فروقاً بين مؤسسات الحجاج من حيث مستوى جودة الخدمة المقدمة ومن حيث ملاءمة الجودة لتكلفة الخدمة المقدمة ومن حيث رضا المستفيدين من هذه الخدمات.
- كما تبين أن مؤسسات تركيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا هي أعلى مؤسسات الحجاج جودة .. وأن مؤسسات حجاج الدول العربية هي أقل مؤسسات الحجاج من حيث درجة جودة الخدمات التي تقدمها لحجاجها.
- الدراسات بشأن الإفادة من لحوم الهدي والأضاحي أفضت لنتائج جيدة تحققت فيها مشروعات كبيرة بيد أن الواقع يتطلب المزيد من الحلول التي تبعد هذه الأماكن عن الممارسات غير المشروعة وغير الإنسانية.
- هناك دراسات تتعلق بعوامل المناخ بمنى ومدى التغير الذي يحدث في عوامل المناخ في فترة ما قبل وأثناء وبعد الحج مستخدمة وضع محطات للأرصاد موزعة طبقاً لمرئيات الدراسة.
ما أريد التأكيد عليه هو أن الطريق لكل مشروع تنموي لمكة المكرمة ينبغي أن يكون طريقه الدراسات العلمية الرصينة المؤسسة على رؤية منهجية تكاملية وأهداف واضحة وفق رؤية الدولة 2030 التي تطمح لتحقيق الكثير لمكة المكرمة.
التعقيب الثاني: د. حسين الحكمي
قام مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام على دراسة حدثة استمرت لما يقارب الثمانية أشهر شملت ثلاثة محاور أساسية فيما يتعلق بالتنمية في مكة المكرمة وهي أراء وتطلعات الحجاج والمعتمرين و أهالي وسكان مكة ، وقد خرجت بنتائج واقعية وتلامس الواقع المشاهد ، وكما قال أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل عندما عرضت عليه النتائج فإن الدراسة قد شخصت الواقع الحقيقي المعاش الذي يشعر به الإنسان ويراه وتعكس بشكل مباشر الحاجات الأساسية المرغوب الالتفات لها وتطويرها . إذا فكثير من الاحتياجات التنموية معروفة مسبقا لدى الكثير ممن زاروا مكة المكرمة أو عاشوا فيها .
وكما ذكر د. حمزة فإن هناك ثنائية رأي فيما يتعلق بالجوانب التنموية ، رأي أهالي مكة وسكانها وهم المستقرون المعايشون لكل الخدمات يوميا وأيضا رأي المعتمرين والحجاج الزائرون لمكة لفترة محددة .
بالتأكيد هناك خدمات تطورت وهناك رضا عام بنسبة جيدة عنها من كل الأطراف مثل الاهتمام بالحرم المكي الشريف والمنطقة المركزية والخدمات الأمنية ، كما أن هناك تطور في عدد من الخدمات حاليا عنه قبل عقد من الزمان مثلا ، كالخدمات التقنية والإلكترونية والإنترنت وأماكن الترفيه وخدمات الكهرباء والماء ، لكن هذا التطور غير كاف في رأي الجميع ويرغبون في المزيد والأكثر ، خصوصا من شاهد واطلع على الخدمات في دول العالم المتقدمة من خدمات إنسانية وتقنية وترفيهية من خدمات أولية وثانوية .
الخدمات التي يرغب بها كل من تحدث في هذا الموضوع نجدها دائما تتقاطع في الحاجة لتطوير خدمات التنسيق بين الجهات وأيضا خدمات أخرى أساسية كالنظافة في المشاعر المقدسة و خدمات النقل العام والاستقبال في مداخل الجمارك والجوازات السعودية وخصوصا البرية.
من خلال مشاركتي في الدراسة التي قام عليها مركز أسبار فإن هناك حاجة للتركيز على الجوانب الإنسانية والتعامل مع الناس خصوصا في الحج والعمرة ، في الحج مثلا نرى المجهود الكبير الذي يقدمه العسكر من أجل مساعدة الحجاج ، في نفس الوقت هناك شكاوى لبعض الحجاج من تعامل بعض العسكر حيث أن فيه نوع من الجلافة أحيانا من بعض العسكر دون الأخذ في الاعتبار أن هذا الحاج قد أمضى سنينا يتمنى هذه اللحظات وهي مناسبة مرة في العمر قد لا تتكرر وفيها يؤدي ركنا من أركان الإسلام ، فهم يتوقعون من القائمين على خدمتهم الكثير ، خصوصا أولئك الذين قدموا من دول متقدمة فهم يقارنون التعامل والخدمات بما يعرفونه.
الموضوع يطول في الحديث عن قضية مهمة كهذه ، وكي لا أطيل أتمنى أن يتم إدراج عروض الإنفوغرافيك والموشن غرافيك والتي تحتوي على معلومات مهمة ، كما أود أن أختم بتوصيتين لهما علاقة بالتخصص هما:
– عند البحث عن دراسات سابقة عن مكة المكرمة والحج والعمرة كان هناك ندرة كبيرة في الأبحاث الاجتماعية والنفسية ، وأرى أن يتم عمل دراسات من هذا النوع للتعرف على السلوك الإنساني الاجتماعي والنفسي وهما عاملان مهمان فأهل مكة وزوارها كلهم بشر وهناك حاجة لدراسة سلوكهم وتغيراته خصوصا في الحج والعمرة.
– هناك مبدأ أو قاعدة معروفة بمبدأ 20/80 وفكرته أن العالم الإيطالي باريتو يقول بأن 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب ، وهذا يقودنا لأن نركز العشرون بالمئة التي تحقق لنا الثمانون بالمئة بدلا من أن يجهد القائمون على الحج أنفسهم ويصرفون 80% من مجهودهم للوصول لنتيجة 20% فلا يحققون الهدف ولا يحصلون على رضا الناس.
المداخلات حول القضية:
- oالاحتياجات التنموية لمكة المكرمة: مؤشرات الواقع وأبعاده
أشارت د. نوف الغامدي إلى أنه عندما نتحدث عن تطوير مكة واحتياجاتها التنموية فنحن نتحدث عن مفردات عديدة؛
1- منطقة الحرم – المشاعر المقدسة – العشوائيات – المناطق المجاورة.
2- لابد أن نصل لـ 7 مليون حاج كطاقة استيعابية.
3- العناصر المهمة في تطوير وتنمية مكة، بداية بناء الإنسان الذي يستطيع المشاركة في التنمية والنهوض بالمنطقة، وخدمته لضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين من خلال التعليم والتدريب والتأهيل ونشر التوعية ومشاركة المواطن في التنمية من خلال ما يقدمه من رؤى وأفكار ونشر الترابط والتآلف بين أفراد المجتمع بإنشاء مراكز للأحياء تقدم لهم البرامج المختلفة. والآخر تنمية المكان من خلال خطط وبرامج التنمية ليستفيد سكان القُرى وسكان المدن في المنطقة من كافة الخدمات، وتحقيق التنمية الشاملة للحد من النزوح إلى المدن والهجرة العكسية، وتأهيل الأطراف لتتحول إلى أماكن جاذبة للسكان وبناء وتطوير منظومة متكاملة للبنية التحتية والمرافق ورفع كفاءة الخدمات كماً وكيفاً ومعالجة الأحياء العشوائية ووضع خريطة تكاملية تنسيقية لأدوار الجهات الحكومية والخاصة في كافة جوانب التنمية والبناء.
4- شركات التطوير المملوكة للأمانات والتجربة الرائدة والفريدة التي نجحت في تطوير وتخطيط مشاريع تنموية رائعة العديد منها كان فقط على الورق وعلى صفحات مواقع الشركات على الويب أما على الواقع فأفضل ما تم إنجازه هو مجسمات صغيرة لهذه المشاريع يتم المشاركة بها في المعارض المحلية والدولية، وليس غريبا أن تفشل هذه المشاريع فالعقلية التي تدار بها هذه الشركات لا تجعلها في وضع أفضل من الأمانات في إدارة استثماراتها فبعض قيادات هذه الشركات موظفين سابقين في الأمانة بل ورؤساء مجالس إدارة هذه الشركات هم أمناء المدن الحاليين! كيف سيتم الفصل بين مصالح هذه الكيانات إذا ما تضاربت المصالح أيهما سيطغى؟
5- أداء المستثمر الذي يبحث عن أفضل العوائد على رأس المال لن يتطابق في كثير من الأحيان مع أداء المسئول الحكومي الذي يفترض أن يحقق الأهداف التنموية لإدارته أحدهم سوف يطغى على الأخر وهذا هو بالضبط ما يحدث الآن في شركات مثل شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني وشركة البلد الأمين والتي تم تأسيسها بملكية كاملة للدولة وتتبع للأمانات ولديها حقوق التطوير للعديد من المشاريع الاستثمارية التابعة للأمانة وأن تدار بمرونة عالية ولكن الواقع المرير هو أن لديها عدة مشاريع متعثرة حيث سلمت مساحات شاسعة وتنازلت هذه الشركات عن حقوق تطوير لصالح مطورين وتحالفات عقارية مقابل عوائد وحصص في المشروع ولم تلبث هذه المشاريع إلا سنوات ثم تعثرت والنتيجة كانت خسارة أموال مطورين وتحالفات كان من ضمنها شركات مساهمة عامة وصناديق استثمارية حكومية.
6- الأمانة وغيرها من الجهات الحكومية حينما تقوم باستثمار أصول أو استثمارات تملكها ليس من أهدافها أن تقوم بتحقيق عوائد أو تعظيم منافع هذه الأصول والاستثمارات بل ولا يوجد من يحاسبها على أدائها الاستثماري وإذا ما كانت في أي وقت أمام تضارب مصالح فسوف تعمل على ما يحقق أهدافها الرئيسة حتى وإن كان على حساب هذه الاستثمارات وأكثر من ذلك حينما تعمل على التخلص من هذه الأصول من خلال فرص استثمارية بسيطة بل وذات عوائد متواضعة لمن يدفع أعلى سعر وشعارهم في ذلك “ما بعنا بالكوم إلا اليوم”.
وفي السياق ذاته طرحت د. نوف الغامدي مجموعة من التساؤلات حول الورقة الرئيسة والتعقيبين التاليين عليها: أحدها يتعلق بما ذكره د. حسين الحكمي في تعقيبه حول نسبة الـ 20% التي يجب أن نركز عليها من احتياجات مكة التنموية. أما التساؤل الآخر ومن خلال ما ذكره د. حمزة فيتعلق بالتنظيمات التي تفرضها الدولة كونها لا تقصر الخدمة لحجاج الخارج على المطوفين ومؤسساتهم وفقا للأقاليم القادمين منها، وإنما تمتد إلى تحديد الخدمات الواجب على المطوفين تقديمها للحجاج، وكذلك تحديد الأجور التي يدفعونها للمطوفين لقاء تقديم الخدمات وهي أجور زهيدة جدا تم تحديدها منذ حوالي 40 عاما….؟! كيف نحافظ على مهنة الطوافة والتي تعتبر جوهر خدمة الحجيج ؟ كذلك ماهي المنهجية المستخدمة للرقابة وقياس جودة الخدمات المقدمة من مؤسسات الطوافة، هل هي معايير عشوائية أم معايير التصنيف الأوروبية EFQM ومنهجية RADAR أم ماذا؟ وماذا عن العاملين في قطاع الحج والعمرة ، من شركات مجتمع مدني وحكومية وقطاع خاص وغيرها، هل استطاعت أن تخرج بمبادرات حقيقية تهدف لتحقيق أهداف برامج التحول الوطني أم مازالت الرؤية غير واضحة لهم؟
أيضا تطرقت د. نوف إلى أن تعقيب د. مساعد حمل الكثير من تفاصيل الدراسة التي قامت بها أسبار، حيث تم التركيز على ثلاثة محاور :
1- مدى رضا الحجاج عن الخدمات المقدمة.
2- مستوى الرضا عن الخدمات خارج منطقة المشاعر.
3- الخدمات التي يحتاجها الحجاج في المشاعر ومكة.
والتساؤل هنا: هل اعتمدت الدراسة على اختلاف الجاليات واحتياجاتها وخبرة مؤسسات الطوافة؟ كذلك فقد تضمن التعقيب القول بأن الدراسات السابقة قديمة ونتائجها لا قيمة لها في واقع الْيَوْمَ مع وجود عدة جوانب لابد أن يستفاد منها، هل تم حصر هذه الجوانب؟
وحول ما تقدم من تساؤلات وملاحظات أوضح د. حمزة بيت المال من جهته أنه لم يتطرق لدراسة أسبار كثيرا ولو أنها في الخلفية الذهنية رغبة في المحافظة على خصوصية العميل ومركز أسبار.. لكن وللحق فالنموذج الذي تم به دراسة احتياجات مكة التنموية هي نموذج علمي متميز يحتاج عرض خاص به:
– ثلاث دراسات ميدانية.
– خمس حلقات نقاش.
– مقابلات شخصية مع بعض القيادات والنخب.
– هذا عدا مراجعة إن لم يكن كل فمعظم ما سبق من دراسات.
– أكثر من ٢٠٠ توصية مع الخطوط العامة للتنفيذ.
وفيما يتعلق بالاستفسار عن مؤسسات الطوافة؛ فإن تقديم خدمات الحج الآن مقسمة لعدة أساليب:
– حجاج الخارج موزعين على مؤسسات الطوافة الأهلية وهذه المؤسسات هي المحافظة الوحيدة الآن على مهنة الطوافة التقليدية التي اشتهرت بها بعض أسر مكة.. فهم وحدهم المساهمين فيها.
– حجاج الداخل لهم مؤسسات خاصة.
وهناك أكثر من مئة مؤسسة، هذه المؤسسات موزعة لفئات، وهذه مثلها مثل أي مؤسسة تقديم خدمات لكن لهم متطلبات خاصة من قبل وزارة الحج والعمرة. وهناك فئة من هذه المؤسسات أقرت من سنتين لتقديم خدمات حج منخفض التكاليف. وجميع هذه المؤسسات خاضعة لرقابة صارمة من وزارة الحج لحد أن لها صلاحيات سحب الرخصة في أي لحظة؛ لذلك يحرص الجميع على تقديم الخدمة حسب المواصفات.
وبشأن المنهجية والمعايير المستخدمة للرقابة وقياس جودة الخدمات المقدمة من مؤسسات الطوافة، فإن كل توصية كانت متضمنة محددات لقياس مدى تحقيق التوصية، وكمثال بسيط، ذكر د. حمزة أن الدراسة الميدانية كشفت للحجاج والمعتمرين ضعف الاتصالات…وهذه الخدمة يبدوا أنها أصبحت أولوية قد تفوق الشكوى من السكن أو المعيشة. وفي حلقة نقاش القيادات الحكومية تم عرض ملخص النتائج…بحضور ثلاثة من قيادات شركات الاتصالات.. هم عقبوا على النتيجة وأوضحوا وجهة نظرهم وهي قلة مواقع الأبراج والسبب يعود أن الأمانة ضاعفت عليهم أجور مواقع الأبراج.. تم دمج مطالبات الحجاج ووجهة نظر شركات الاتصالات وعرضت في الندوة الكبرى التي كان من ضمن الحضور معالي الأمين وأحد أئمة المسجد الحرام.. تم عرض جميع نتائج الإجراءات السابقة في اجتماع مطول مع سمو الأمير وقيادات هيئة تطوير مكة.. وفي المجمل فإن معايير الأداء كان لكل توصية ما يناسبها من المقاييس.
أما د. مساعد المحيا فأشار إلى أن هناك فعلا دراسات تناولت تفاصيل في حركة المشاة وعلاقتها بالطاقة الاستيعابية للمشاة والغذاء وأنواعه ومدى مناسبته للحجاج … وتفاصيل عن ديموغرافية الحجاج وفقا لجغرافيا دول العالم .. المشكلة هي أن غالبية دراسات المعهد ربما كانت استجابة لطلب أو تحقيقا لهدف لكن لا منظومة تامة يمكن أن تجمعها .. لذا فهناك حاجة لإعادة تشكيل معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج ليكون هيئة علمية عامة لدراسات الحج بحيث يشكل له مجلس إدارة يضم رموزا علمية من كل التخصصات من غالبية الجامعات ليضعوا استراتيجية جديدة ورؤية تتسق وطموحات أهداف رؤية المملكة بشأن مكة والمشاعر … هذا التطوير سيتيح للهيئة أن يكون لها اعتماداتها المالية الكافية التي تسمح بإنتاج بحوث كبيرة جدا.
وبدوره ذكر د. خالد الرديعان أنه سبق للزملاء في ملتقى أسبار ومنهم د. زياد الدريس الحديث عن هوية مكة الدينية والعمرانية، والقول أن بعض المظاهر الغربية كوجود المطاعم السريعة تشوه هذه الهوية. أيضا فإن قرب هذه الفنادق الشاهقة من الحرم من الأشياء التي تؤذي العين بل إنها خنقت الحرم بحيث أصبح من الصعوبة بمكان رؤيته إلا عندما يكون الزائر أمامه مباشرة. فهل هناك خطة لإزالة هذه العمائر والأبراج الشاهقة حول الحرم أم أن ذلك مستبعد وخاصة في ظل الحاجة لزيادة مساحات الصلاة؟ هل هناك خطط لمعالجة ذلك أم أن ما تم بناءه سيبقى؟
ومن جديد ذهبت د. نوف الغامدي إلى أن الاحتياجات التنموية لمكة حقيقة تنبع من عدة عناصر، ومناقشتها في ظل المتغيرات الحالية قد يوضح الصورة بشكل كبير … فاستراتيجية تنمية مكة المستدامة تعتمد على 4 عناصر :
1- الإنسان ؛ نتحدث هنا عن التدريب والتعليم وتأهيل العاملين والخدمات الاجتماعية والثقافية وإعداد الشباب لتولي المناصب في القطاع الحكومي والخاص.
2- المكان ؛ مصادر المياه والهدر ، البنية التحتية والخدمات الصحية والنقل والمواصلات والعشوائيات وتوثيق وتنمية الأراضي.
3- القطاع الحكومي ؛ تفعيل دور مجالس المنطقة وتكامل الأدوار بين المناطق ورفع أداء الخدمات الحكومية.
4- القطاع الخاص ؛ رفع مستوى المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد والمؤسسات، تفعيل دور القطاع الخاص في التدريب والتعليم ، تفعيل مشاركة القطاع الخاص في التنمية بنسبة لا تقل عن ٤٠٪ وتحفيز إنشاء المشاريع المتوسطة والصغيرة ، الترويج لمكة كعلامة تسويقية وتحفيز الاستثمار.
إذا هي تعتمد على اجتهادات شخصية وليست منهجية !
لكن د. حمزة قال: لم أفهم ما المقصود باجتهادات شخصية، فقد تم تقييم أكثر من أربعين خدمة ، كلاً منها يفترض أن يكون لها معيار خاص بها ، مثال كانت هناك شكوى من الحجاج عن قلة صناديق حفظ الأمانات حول الحرم، التوصية في الإجراءات التنفيذية اقترحت توفير مواقع وتأجيرها للقطاع الخاص لتشغيلها.
ومن ثم أوضحت د. نوف أن ما قصدته أن مؤشرات القياس في كثير من الأحيان توضع برؤية شخصية لا تعتمد على منهجية تقييم وأدوات بحيث ترتبط بالمخرجات الكلية والجزئية.. وبشكل محدد مثلاً هل تطرقت الدراسة لطرق تفعيل مشاركة القطاع الخاص والحكومي؟
واتفق د. حمزة مع ذلك وأضاف: المفترض أن لا يكتفى بنتاج الدراسات والتوصيات ، ولكن يرحل المشروع لفريق علمي آخر مختص للتدقيق ووضع أدوات القياس.. شكوى من أهالي مكة وهذه معروفة للجميع وهي الإسكان والمخططات، والتوصية المعتادة من قبل فريق البحث العمل على حل مشكلة الإسكان وتطوير المخططات من قبل القطاع الخاص مقابل أراضي تعطي لهم وبعد ذلك لا نعلم ماذا سيحصل.
أما د. عبد الله بن صالح الحمود فقال: لدي تساؤل يراودني منذ زمن ، وهو المدخل الرئيس لمنطقة الحرم المكي ، للقادمين من مطار الملك عبدالعزيز ، والذي يبدأ من شارع أم القرى ، هذا الشارع يعد الشريان الأول والأساس للوصول إلى الحرم المكي ، لكنه يواجه زحام شديد للمركبات التي تقل المعتمرين في شهر رمضان المبارك ، لا أدري هل إحدى الدراسات تطرقت إلى إعادة تطوير هذا الشارع الحيوي المهم ، الازدحام فيه يبقيك في المركبة أكثر من نصف ساعة بالرغم من قصر مسافته.
الأمر الآخر لم لا يكون الدخول إلى الحرم المكي منذ الوصول إلى مشارف مكة عبر جسر معلق يكون أعلى شارع أم القرى لسهولة وسرعة الوصول إلى الحرم المكي دون السير في شارع أم القرى الذي يعد في الأصل شارع تجاري وخادم لسكان الأحياء المجاورة له. يبدو بعد أن جرى تطويق المنطقة المركزية للحرم المكي بأبراج سكنية وتجارية ضخمة ، تضاءلت الفرص أمام ملاك أو راغبي تأسيس المشاريع الصغيرة أو حتى المتوسطة المتناهية الصغر. ويفترض أن يؤسس لهذه المشاريع محال تشبه أسواق مكة قديما ، لهدفين ، أولهما الحفاظ على التراث التسوقي لهذه المنطقة ، وثانيهما منح الفرصة لصغار المستثمرين لتكوين أنشطة اقتصادية متعددة المناشط.
ومن ناحية أخرى وفي دراسة حديثة لجامعة أم القرى تُبرز كنزاً ومورداً مالياً خص الله عز وجل به المملكة العربية السعودية ، يوازي النفط بأهميته وبصمته التي تظهر بشكلٍ جلي على الاقتصاد الوطني و الدخل القومي ، هذه الدراسة تتناول الحج و السياحة الدينية كموردٍ اقتصادي رئيس للبلاد.
وعقب أ. عبدالرزاق الفيفي بأن من الموارد المالية أيضا التي توازي النفط هو رأس المال البشري ( الأجانب ) بشرط أن يتم التعامل معه وفق ثلاثية الاستدامة :
1- العدل .
2- العائد المفيد للأجانب ( الولاء ).
3- التوازن بين معادلة القيمة والمنتج البشري.
كل الدول الكبرى تعتمد مواردها المالية بنسبة كبيرة على رأس المال البشري.
وتساءل د. حامد الشراري: كيف يمكن للبلد أن يستفيد من ملايين المعتمرين والزوار اقتصاديا دون حساسية (سياحة دينية)؟
وحول ذلك يرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن الاستفادة تأتي من أن تكون الخدمات أكثر من العائد جودة كمية وكيفية. أما د. زياد الدريس فيرى أن المملكة ستستفيد تلقائياً، مثلما تمت الاستفادة اقتصادياً من الحجاج والزوار منذ فجر الإسلام، بل وقبل الإسلام، حتى قبل أن يتم اختراع مصطلح السياحة الدينية.
ومن ناحيته استغرب د. خالد الرديعان الحديث عن الاستثمار التجاري في مكة والنظرة الاقتصادية للحج. الأمير خالد الفيصل ذكر في مؤتمره بعد حج هذا العام أن المملكة لا تستفيد من الحج مادياً فهي تنفق على المشاعر وعلى راحة الحجاج. ويرى د. الرديعان أنه صحيح هناك قطاع خاص ورجال أعمال قد يستفيدون اقتصادياً لكن يفترض أن لا تكون الفائدة الاقتصادية للحج تحديدا ضمن اهتمامات المملكة. ويفترض أن لا نتحدث عن استثمارات تتعلق بالحج للحفاظ على سمعة المملكة كراعية للحرمين الشريفين ولتفويت الفرصة على من يحاولون النيل من المملكة وقولهم أنها تستغل الحج لأغراض تجارية.
وأوضحت د. نوف أن الاستثمار في مكة فقط لشركات القطاع الخاص وغير مفتوح للشركات الأجنبية ، وتشجيع الاستثمار سيجلب المستثمر المحلي والقطاع الخاص لتحسين قطاع الخدمات والنقل والإعاشة وغيرها من القطاعات الحيوية. ويتعلق ذلك بالحج والعمرة ؛ فلائحة الاستثمار شددت على عدم دخول المستثمر الأجنبي في أي عمليات شراء أو استحواذ في الشركات التي تعمل في مكة والمدينة ؛ الشركات الأجنبية فقط للتنفيذ ، وهيئة تطوير مكة تعمل الآن بشكل جدي لحل جميع العقبات أمام المستثمرين من خلال مكتب الشراكة مع القطاع الخاص تحت مظلة الهيئة ، ومن أهم المشكلات في مكة ” العشوائيات ” وكان أهم معوق أمام تطويرها شركة البلد الأمين التي تتبع لأمانة مكةً حيث وضعت معوقات كبيرة أمام المستثمرين وهي تخضع الآن لإعادة هيكلة بعد إقالة مديرها التنفيذي.
وقال د. عبدالله العساف: سبق وأن تقدمنا بمشروع قبل عشر سنوات تقريبا للأمير خالد الفيصل بمشروع معرض الحرمين وتطوير العشوائيات. وكان من أهداف المعرض الدائم تعزيز المكانة الاقتصادية والدينية للمملكة ، وسوف تستهوي وتجذب زائر مكة ليس للفرجة وقضاء الوقت ولكن للتسوق أيضا.
ومن ناحيته أشار م. خالد العثمان إلى أن السياحة الدينية مصطلح مرفوض ومحجوب تماما.. الحديث هو عن السياحة التاريخية والسياحة الممتدة.. والسياحة الممتدة تعني قيام الحجاج والمعتمرين بأنشطة سياحية خارج إطار النشاط الديني مكانيا وزمنيا.
وبخصوص البناء في منى قال: قمنا بدراسة لصالح وزارة البلديات قبل فترة حول زيادة الطاقة الاستيعابية في منى عبر البناء على سفوح الجبال .. وكانت النتيجة أن النموذج الأكثر جدوى هو عمل مصاب متدرجة توضع عليها خيام وليس مبان متعددة الطوابق .. وكان العدد المستهدف حوالي مليون ونصف حاج.. وأثبتت الدراسة أن المباني متعددة الطوابق لا توفر العدد الأكبر علاوة على التكلفة الاستثمارية الهائلة التي تتطلبها.
أيضا هناك مشروع نعمل عليه حاليا لعله يرى النور وهو إدارة نقل حقائب الحجاج والمعتمرين بشكل تلقائي بدءً من نقاط وصولهم عبر الحدود حتى المحطات المتتابعة في المشاعر وحتى المغادرة.. هذا المشروع يعالج مشكلة الازدحام الناجم عن تحميل الحقائب على الباصات وتفريغها أمام الفنادق. والبديل هو ترقيم الحقائب بالباركود وربطها بمعلومات الحاج والمعتمر والحملة والفندق الذي سيقيم فيه وغير ذلك ويتم نقلها بشكل مستقل.
لكن د. عبد الله بن صالح الحمود يرى أن البناء في منى له أهداف عديدة منها :
– درء الحرائق.
– الاستفادة من المباني على طول العام للمعتمرين .
– عدم إشغال البلديات في تركيب وتهيئة الخيام من كل عام .
– صحة بيئية مبتغاة.
لكن م. خالد العثمان أوضح أن الطاقة الاستيعابية لنفس المساحة بالخيام أكثر من المباني وهذا ما أثبتته الدراسة العملية، كما أن الخيام في منى دائمة وليست موسمية.
ومن وجهة نظر د. مساعد المحيا فإن اقتصاد الحج يمثل مردودا كبيرا .. يصب في اقتصاد الدولة بل تقول نادية باعشن، الخبيرة الاقتصادية وعميدة كلية إدارة الأعمال شمال جدة، “لو استغل المورد الاقتصادي هذا (الحج) أفضل استغلال ووجد تنظيما أكثر مما هو عليه الآن فإن الدخل الاقتصادي للحج والعمرة سيوازي دخل البترول.” وتشير المعلومات أن إيرادات السعودية من موسم الحج والعمرة للعام 2012 بلغت أكثر من 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار) مع زيارة أكثر من 12 مليون حاج ومعتمر للمملكة.
وأكدت د. نوف الغامدي كذلك على أهمية المردود الاقتصادي للحج وقالت: كيف لا يكون له مردود اقتصادي ؟! اقتصاديات الحج فرع اقتصادي ومورد مهم تتميز به المملكة ولله الحمد ولابد من الاستفادة منه ونطبق الآية ” لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ” فالحج من أهم أهدافه التبادل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتمازج الفكري ووحدة المسلمين.
وهناك إحصائية لم يعلن عنها بشكل دقيق تبين أن قدر إنفاق الحجاج في اليوم الواحد في أسواق مكة المكرمة بنحو 189.2 مليون دولار في العام 2010 بحسب دراسات منشورة في الصحف السعودية. ومن المتوقع أن ترتفع معدلات عوائد الحج والعمرة بحلول العام 2020 إلى أكثر من 47 مليار ريال سعودي أي نحو 12.9 مليار دولار، بعد انتهاء مشاريع التوسعة في الحرمين والمشاعر المقدسة. حيث من المتوقع أن يرتفع أعداد الحجاج والمعتمرين بحلول عام 2020 إلى ما بين 5 – 6 ملايين حاج في حين ستزيد أعداد المعتمرين لتصل إلى 20 مليونًا طوال العام (*).
وأورد د. حميد المزروع نقلاً عن ماهر جمال رئيس الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة، أن نفقات الحجاج من الداخل والخارج خلال هذا العام من المتوقع أن تتراوح بين 20 إلى 26 مليار ريال أي ما يعادل 5.3 إلى 6.67 مليار دولار. وأوضح ماهر جمال – حسبما أوردت صحيفة “الوطن السعودية”- أن نفقات الحجاج خلال العام الماضي بلغت 14 مليار ريال ما يعادل 3.73 مليار دولار. وأشار إلى أن الزيادة في قيمة الإنفاق خلال هذا العام تعود إلى زيادة عدد الحجاج بنسبة 20 % هذا العام. وأضاف أن الحجاج ينفقون أموالهم على السكن والتغذية والهدايا والتذكارات بالإضافة إلى مصاريف النقل الجوي (*).
لكن في ذات السياق لفت د. حميد المزروع النظر إلى أن هناك مبالغة في تقدير حجم عوائد المملكة من موسم الحج! وتحاول بعض القنوات الإعلامية المعادية تضخيم هذه الأرقام لإظهار أن المملكة تستثمر وتستغل الحجاج وهذا غير صحيح . توسعة الحرمين الأخيرة فقط مع تكاليف نزع ملكيات الأراضي بالحرم بلغت أكثر من ٢٠٠ مليار ريال . هناك تكاليف ضخمة أخري غير الخدمات الصحية والأمنية وهي تكاليف توفير تحلية المياه والكهرباء للمناطق المقدسة التي تصل حوالي ٥ مليارات سنويا مع النمو السنوي على زيادة الطلب على هذه الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة حفظها الله لضيوف بيت الله. المقصود أن الدولة تستهدف توفير وتسهيل الحج بالمقام الأول ، وأن العوائد المحدودة تذهب معظمها للقطاع الخاص وليس للدولة.
- oالتوصيات المقترحة
أشار م. سالم المري في تعقيبه حول احتياجات مكة التنموية، إلى أن العالم يتطور ويتقدم في التقنية والاتصالات والنقل والخدمات ونحن مازلنا نعاني مع الحجاج كل عام برغم ما تصرفه الدولة من البلايين من مقدرات الوطن، وفي كل حج تستنفر البلاد قواها كأنها تستعد لحرب عالمية! ومع ذلك لا نسلم من أبواق تطالب بتدويل خدمات الحج بسبب الإشكالات والصعوبات التي يراها و يواجهها بعض الحجاج وأحيانا لأسباب سياسية تستند إلى بعض الوقائع كحق أريد به باطل.
وتحديث وتطوير البنية التحتية والخدمات سيحل بلا شك الكثير من المشاكل وهناك احتياجات تنموية ملحة تحتاجها مكة وليست خافية أو مجهولة للجهات المعنية ولكن هناك معوقات تعرقل الجهود المبذولة للتطوير والتحديث.
أولا: احتياجات ملحة للتطوير والتحديث
من الاحتياجات التنموية المهمة لمكة المواصلات، فهي تعاني من قصور كبير ومن المفترض أن في مكة المكرمة قطار أرضي وترام وغيرها من المواصلات الحديثة اللازمة لأي مدينة في حجمها وأهميتها ناهيك عن الخدمات الأخرى المهمة. والدليل على أهمية ما سيصنعه التحديث والتطوير من نقلة في خدمات الحج نتائج “مكة المدينة الذكية” الذي أطلقه صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة الأمير خالد الفيصل، فجميع ما يحتاجه الحاج من أدعية وأذكار وبكل اللغات وفرتها الأجهزة الدينية الحكومية على أجهزة الهواتف الذكية ولا يحتاج مرشدًا يدله فنظام gps الذي فُعِل على الهواتف الذكية يوفر للحاج معرفة قدر الازدحام في المسجد الحرام أو في جسر الجمرات، وكذلك خدمة الأساور الإلكترونية التي تحدد هوية الحاج وتحتوي على معلومات شخصية وطبية له.
ثانيا: إزالة معوقات التنمية والقضاء على الفساد
لم تغفل الدولة أهمية مكة في خططها التنموية السابقة ولكن هناك أسباب تعيق وتعطل جهود الدولة عندما يتعلق الأمر بمكة المكرمة من أهمها الفساد في الجهات التي تقدم الخدمات وفي أحيان كثيرة بسبب مصالح خاصة ضيقة أجلت وعرقلت تنمية المدينة المقدسة.
ومن هذه المعوقات منحة الطوافة واحتكارها الذي لا يخدم المصلحة العامة ولا يفيد إلا مصالح فئة خاصة لا تمثل الوطن ولا أهل مكة.
دخل مؤسسات الطوافة كل عام بالمليارات مع خدمات متواضعة وتعطيل للتنمية وفساد لا حد له ومن الواضح أن المسألة مجرد امتياز أو منحة لكسب قلوب أهل المصلحة وقد تغير الوضع ولم يعد هناك مجال للمؤلفة قلوبهم وعلى الدولة أن تصحح الوضع وإلا فإن النتائج ستكون وخيمة على الحج والحجاج والمصلحة العامة.
وبسبب مؤسسات الطوافة لا تستفيد الدولة شيئا من هذه الخدمة التي يصرف عليها البلايين من الخزينة العامة بدلا من الصرف على التعليم والصحة والخدمات الأخرى الحيوية للمواطنين.
فالتسكين (مثلا) بمشعر منى أنشأته الدولة وتقوم بصيانته وتجهز الخدمات به بينما تأخذ مؤسسات الطوافة من الحاج رسوم على خدمات التنقل والتسكين وتعطي الدولة وشركات النقل رسوم رمزية. وكذلك في الإعاشة التي يقوم بها متعهدين بأسعار بخسة. وحتى تفويج الحجاج تقوم بمعظمه وزارتي الداخلية والحج والعمرة وما تقوم به مؤسسات الطوافة لا يتعدى حفظ جوازات الحجاج تقريبا!
وأنشأت الدولة مصنع تعبئة مياه زمزم وتوزيعه بالمجان على المواطنين ومع ذلك تتكسب منه مؤسسات الطوافة وتقدمه برسم مدفوع لمكتب الزمازمة الموحد على الحاج وياليته يصل لجميع الحجيج!
بل طال الفساد جميع السفارات الإسلامية تقريبا على حساب الحجاج وأصحاب العقارات السعوديين فكل سفارة تقريبا تفرض قدرا من المال على كل حاج يدفعه صاحب العقار لممثل السفارة ويتقاسمونه وفي النهاية فساد السفارات وفساد مؤسسات الطوافة ينعكس على الحاج المسكين ويغطي بالسواد كل ما تقوم به الدولة من خدمات وما تصرفه من أموال على الحرم من قوت الشعب والمال العام.
مدن العالم السياحية يزورها عشرات الملايين من السواح ولا يوجد فيها مثل هذه المكاتب والفساد لجني المال من الناس والدولة فما بالك بشعيرة دينية لوجه الله لا يتعدى زوارها مليونين .. نجد مؤسسات طوافة مكتب الوكلاء، مكتب الإدلاء، مكتب الزمازمة الموحد وكلها سمسرة في سمسرة على حساب الدولة والحجاج وأهل مكة.
ومن أهم ركائز هذا الفساد والذي كون مظلة غطاء له حتى الآن هو ما يناله بعض منسوبي الجهات الحكومية من فتات؛ فالعاملين بالمؤسسات موظفي دولة يجمعون مكافأتين، مكافأة من الدولة وراتب من المؤسسات كما أن هناك تضارب مصالح أحيانا لدى بعض المسؤولين مع ما في ذلك من هدر للمال العام ومخالفة لأنظمة الدولة.
ولذلك فإن تطهير الخدمات المقدمة للحجيج من الفساد وإنهاء مشكلة الطوافة وإيجاد حل مناسب لها أمر ضروري ومطلب أساسي لتنمية مكة وتطوير خدمات الحج.
وأشارت د. نوف الغامدي إلى مقترح مهم يتمثل في وجود شركة وطنية مساهمة مفتوحة للحج والعمرة لكل أبناء الوطن له عدة فوائد منها :
1- مواكبة ذلك مع رؤية المملكة 2030 وفتح فرص استثمارية تزيد في الدخل القومي .
2- ترتقي الخدمة بدخول فكر جديد متطور؛ ليتواكب ذلك مع ما تبذله الدولة بسخاء لراحة الزوار والعمار وضيوف الرحمن .
3- زيادة أعداد من يخدم ضيوف الرحمن والمعتمرين، وفتح فرص عمل كبيرة لشباب الوطن .
4- من خلال هذه الشركة ستُفتح آفاق كبيرة استثمارية قوية في مجال الاستثمار العقاري والفندقي وكذلك الصناعي، كما في وسعنا فتح مجالات للعمل ورفع العوائد الاستثمارية .
5- يدخل الآن كل عام ما يقارب من ٨ ملايين معتمر لا تستفيد منها أغلب شركات العمرة إلا في تحصيل رسوم تأشيرة العمرة فقط والقليل من يستفيد من الإسكان، والاستفادة الحقيقية هي لشركات سياحية أجنبية قطعاً لا يهمها تقديم خدمة راقية بقدر اهتمامها بالربحية ! المرحلة مُواكبة لرؤية المملكة 2030 وفتح آفاق استثمارية وفرص عمل لشباب الوطن تتطلب وجود شركة وطنية ذات مساهمة مفتوحة تقوم بخدمات الحج والعمرة .
ومن الضروري الحفاظ على الهوية المكية فمكة تغيرت كثيراً حتى على أهاليها ؛ فالكثير من معالم مكة وتراثها الجميل اختفى وتغيرت كثيراً ؛ لذلك نجد الآن مبادرات مثل صنع في مكة ومحاولات من خلال مشروع المصطبة لإعادة الأسواق القديمة حول الحرام مثل سويقه وغيرها.
وفي السياق ذاته ذهب د. مشاري النعيم: إلى أن التنمية العمرانية في مكة لها تبعات ثقافية عميقة وأكبر الانتقادات توجه للمملكة من خلال ثغرة طمس المعالم التاريخية في المدينتين المقدستين وتقزيم الكعبة نتيجة لبناء مبان مرتفعة وضخمة؛ وهذا يمثل إشكالية كبيرة فإما التنمية وراحة الحجيج أو المحافظة على المعالم التاريخية.
واقترح د. عبد الله بن صالح الحمود أن تتوافر شركة أخرى تعنى بالقيام بأعمال لوجستية لخدمة الحجيج والمعتمرين ، ليتأتى ذلك وفق عمل مؤسسي كبديل لجهود فردية قد لا تدوم مع قادم الأيام.
ومن وجهة نظر د. حامد الشراري فإن تعظيم الاستفادة من الحجاج والمعتمرين والزوار اقتصاديا، قد يكون من خلال :
1- إيجاد مكاتب مرخصة في مكة والمدينة – إن كانت غير موجودة – لخدمة من يرغب زيارة المواقع الإسلامية التاريخية حول مكة والمدينة بكل سهولة ويسر، مع توفير وسيلة نقل للمواقع وسبل الراحة والخدمات في تلك المواقع ، وتكون على شكل برامج وفئات. طبعا هذا ليس لها علاقة بالحج أو العمرة وتكاليفها، هي مكاتب خدمة زيارة المواقع التاريخية لمن يرغب ( تدفع وتذهب للموقع).
وهناك حاجة إلى برنامج سياحي للزائر أو المعتمر… متكامل ومتنوع للسعودي وغير السعودي يتضمن زيارة أهم الأماكن التاريخية حول مكة المكرمة بكل يسر وسهولة …، كما نريد شركة سياحية عالية المستوى لمكة المكرمة.
2- تسهيل الحصول على تأشيرة العمرة من مطار الملك عبدالعزيز بجدة أو مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة مع إعطاء تسهيل وحوافز للخطوط الجوية التي تجعل مطار الملك عبدالعزيز أو المدينة نقطة مواصل لها:
– فهناك ملايين المسلمين في أوربا من أصول باكستانية و هندية ويسافرون طوال السنة بين أوربا والهند وباكستان، ماذا عن حافز الحصول على تأشيرة من المطار أو إلكترونية بسهولة ويسر .!.
– هؤلاء المسافرون سيفضلون الخطوط التي تتوقف في مطار الملك عبدالعزيز لعمل عمرة أو زيارة مكة أو المدينة للصلاة في الحرمين ، وبالتالي تزداد الخطوط التي تعبر أجواء المملكة ( طبعا بمقابل ) ، وتسحب البساط من المطارات الإقليمية التي هي Hub في المنطقة .
– يكون مطار جدة والمدينة نقاط وصل بين الشرق والغرب ؛ و هذا سينعكس على تنمية مكة والمدينة .
ويرى د. حميد المزروع أن من المشاريع التنموية التي تحتاجها مكة ؛ مشروع إنشاء متحف متخصص يضم عدة قاعات تجسد أهميتها الدينية ومراحل تطورها عبر التاريخ على أن يشمل ذلك مراحل تطور عمارتها وعلاقتها مع المدن المجاورة ، على أن يكتب سيناريو هذا المتحف مجموعة من المختصين بتاريخ مكة وآثارها .
ولفت د. عبد الله بن صالح الحمود النظر إلى أن المتحف الإسلامي تحدث عنه الأمير محمد بن سلمان باعتباره ضمن التنظيمات القادمة. لكنه أضاف أهمية ضبط الطرقات المؤدية من مطار الملك عبدالعزيز وجدة إلى الحرم؛ فهناك معاناة في شارع أم القرى ، هذا الشارع لا تتناسب كفاءته والمتجه إلى الحرم.
ومع كثرة الحجيج وتزايد أعدادهم من وقت لآخر ، لابد من إعادة النظر فيما يلي:
- تحسين أماكن الإقامة الوقتية في كل من عرفات ومزدلفة ولو على شكل غرف متنقلة ، تفاديا من نشر حرائق لا قدر الله لطبيعة الإقامة هناك والتي تعبر عن أشرعة قماشية .
- إعادة النظر في الطرقات التي تسير عليها ناقلات الحجاج ( الأتوبيسات ) من أن يكون لها مسارات سليمة لأمن الجميع ، خصوصا عند التنقل من منى إلى عرفات ومزدلفة والعكس .
- توافر قطارات أو سيور متحركة تنقل الحجيج من مواقع إقامتهم في منى إلى منطقة رمي الجمرات وأيضا إلى بداية انطلاقة الحجيج إلى القطار المؤدي إلى عرفات ، حيث لوحظ معاناة التنقل مشيا على الأقدام ، خصوصا من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة إلى نقطة بداية قطار المشاعر.
- إنشاء قنوات للنفايات في المشاعر المقدسة على غرار ما هو قائم في المنطقة المركزية للحرم المكي الشريف.
وفي تصور د. حمزة بيت المال فإن المشاكل المتعلقة بالحج أصبحت معروفة للجميع…ومنذ زمن، المعضلة في الحلول، إما أنها مكلفة ماليا… أو مرهقة بشريا لا مردود مالي منها، موسمية كلها عشرة أيام…الحلول الإبداعية والمبتكرة هي المطلب الملح الآن. من الضروري التفكير في منصات بحثية للحلول الإبداعية.
التقنية الحديثة أصبحت متعددة، الحاسب الآلي، الريموت كنترول ، السيارات ذاتية القيادة؛ كلها تقنيات لا يزال توظيفها محدود في الحج؛ إذا لم تكن هناك إرادة لإنشاء مثل هذا المركز البحثي، سنعود بعد عشرات السنوات ونناقش نفس المشاكل. وكمثال فإن من ضمن الأفكار باصات ذاتية القيادة بالكهرباء تعمل لها أنفاق خاصة، ولعلها تكلف ربع تكلفة القطار كما أنها عملية. كذلك هناك مشكلة لا يتم الحديث عنها كثيرا في الحج وهي مشكلة عوادم السيارات فهي قاتلة جدا لدرجة أن المرور يمنع دخول السيارات المنطقة المركزية ليس بسبب الزحام ولكن لتجاوز سموم العوادم الطاقة البشرية، حتى دخول الحرم أصبح ينظم بطريقة من أجل مراعاة هذا الجانب الصحي المهم.
إن زيادة الأعداد مع عدم توفير البنية التحتية المناسبة قد يكون مضر، فشبكة التوصيلات الكهربائية في بعض المناطق قديمة تحتاج تطوير وتحديث سريع.
وبالعودة لمسألة اقتصاديات الحج يمكن تبني توصية بأن يقوم مركز أسبار بتبني مشروع بحثي كبير يخصص لهذا الغرض يبدأ بعقد حلقة نقاش ثم يتم التخطيط لعقد ندوة وطنية كبيرة له، خصوصا وأنه دخل في معادلة رؤية ٢٠٣٠. جانب آخر في موضوعات اقتصاديات الحج ولا يتطرق له كثير هو ما تفرضه بعض الدول من مبالغ مالية كبيرة لمن يرغب الحج من مواطنيها.. وهذه لا يستفيد اقتصاد المملكة منها شيء لكن تحسب كتكلفة للحج. كذلك هناك ضرورة للاستفادة من القطاع الخاص لتنفيذ أو إدارة بعض الخدمات الحكومية في مكة والمشاعر المقدسة.
وأضاف أ. عبدالرزاق الفيفي أنه تحقيقا للوجهة الاقتصادية في الآية ” لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ” أي للحجاج ومن يقوم على خدمتهم كأفراد ومؤسسات خاصة ، لذلك لابد أن يفك ارتباط اقتصاديات الحج عن الدولة ( كعوائد مباشرة ) و يكون عائده لصالح الفرد ، ( يعني يفترض لا يعود لخزينة الدولة إلا العوائد غير المباشرة مما يغطي مصاريف تشغيل إدارة الحج مثل : ميزانية أمن الحج وما في حكمه ) على نظير ما يسمى لدى البنوك ( رسوم إدارية ) وتكون نسبها مقبولة ومقنعة. ويمكن أن يغطى ذلك عبر اقتصاديات ذكية سياسيا تعطي انطباعا ببذل وجهود المملكة إذا ما قورنت بالعائد غير المباشر للدولة ، ويبقى دور الدولة منظم ومشرع لا أكثر ؛ حتى لا يساء فهم الاستخدامات الاقتصادية للدولة. وعلى هذا من المهم ما يلي:
- إعادة النظر في عدم إعلان اقتصاديات الحج كجزء من اقتصاديات المملكة (المباشرة).
- أن يصبح موسم الحج موسم اقتصاديات الأسر المنتجة للأسر السعودية حتى الأسر متوسطة الدخل؛ بشرطين :
1- وفق جدولة تدفقات بشرية عادلة وشفافة ومعلنة.
2- وفق دراسات سليمة للاقتصاديات التي لها احتياج في موسم الحج.
سيغني الله الشعب بحول الله ، وستكون هذه الاستراتيجية نافعة للقضاء على الفقر. ويمكن أن تتحول هذه المبادرة إلى شكل مؤسسي بأن تكون شركة وطنية ( مساهمة عامة ) يملكها المواطنين بنسبة ٩٠٪ ، ويتبقى ١٠٪ حصة للدولة من صناديقها الاستثمارية ، مع أهمية استحضار شرط أن تكون الحصص المالية من مصادر لا شبهة للحرام فيها ( فالبركة مطلب مهم ) عدمناه في الصحة والتجارة والتعليم و قطاعات أخرى.
وعقب د. مساعد المحيا بأنه بلاشك فإن وجود هذه المنصات البحثية التي ألمح إليها د. حمزة سينتج الكثير من الحلول الأقل جهدا وتكلفة والأيسر تنفيذا وعملا. ومن ناحية أخرى فإن في مكة وفي المسجد الحرام وفي المشاعر الكثير من الخدمات والجهود التي تحتاج من ينقلها بطريقة تبتعد عن النمط الدعائي الذي يغرق في الثناء والمديح .. الجهد الإعلامي الرشيق هو من أهم ما تحتاجه مكة والمشاعر اليوم فالكثير من القصص الإخبارية التي تحكي جوانب من مظاهر نجاح الحج لابد لها من إعلام محترف يظهرها ويبرزها للعالم كله وبلغات مختلفة وبرؤى ثقافية تنسجم مع أطياف العالم الإسلامي.
وأكد د. خالد بن دهيش على أهمية أن يكون هناك ساحات تحيط بالحرم المكي من جميع الجهات و بشكل دائري ، و هذا يعني إزالة القصور الملكية وقصور الضيافة والفنادق بإبعادها مسافة لا تقل عن ٥٠٠ متر ويكون هناك حزام بعد الساحات من الفنادق و الشقق المفروشة و مواقف السيارات و الحافلات و مقار للخدمات الأخرى اللازمة للحجاج ، وكذلك تشتمل على محلات ومطاعم وكل ما يحتاجه الحاج والمعتمر والزائر للصلاة في الحرم من الضروريات فقط ، ولا يسمح فيها بالسكن الدائم لأهل مكة . وأن تكون الطرق الموصلة للحرم وللسكن فسيحة ومخصصة للمشاة وللترام والحافلات وسيارات الأجرة و عربات الخدمات في المواسم أو في أوقات محددة. والاستمرار في البناء في منى على سفوح الجبال المحيطة بمنى للسكنى ، واستخدام السلام المتحركة و الاستفادة منها طوال العام للمعتمرين مع تأمين وسائل النقل للحرم على مدار الساعة. كما اتفق د. خالد بن دهيش مع ما ذهب إليه م. سالم المري حول مكاتب الطوافة وأقترح تحويلها إلى شركات مساهمة تعمل طوال العام لخدمة الحاج والمعتمر والزائر .
وحول هذه التوصية أوضح د. حمزة بيت المال أنه بالنسبة للارتدادات عن الحرم هذا هو ما تعمل الحكومة عليه عدا بعض الاستثناءات حتى دار التوحيد والتي هي أقرب سكن للحرم مجدولة للإزالة. أما مؤسسات الطوافة الأهلية هي مؤسسات تجارية مقصورة على أرباب المهنة…وهناك ومنذ زمن محاولات عدة لتحويلها لمؤسسات عامة؛ لكن هم لديهم وثيقة من الملك عبدالعزيز رحمه الله أقر أهل مهنة الطوافة في مكة على ما هم عليه.. وأساسا مهنة الطوافة تركيبة ملاكها معقدة.. ولهذا السبب نشاطهم فقط للحج؛ وهناك الآن مؤسسات كثيرة تقدم خدمات الحج للداخل والعمرة طوال العام ويمكن لأي مستثمر الحصول على هذه الرخصة، حتى الخارج هناك تحايل عليه عن طريق ما يسمى حج سياحي و يتم بأسلوب بعيد عن مؤسسات الطوافة.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه يمكن إبقاء القرار الملكي كما هو عليه، مع السماح بإنشاء شركات أخرى تمارس أعمال الطوافة، في هذه الحال نكون كسرنا احتكار غير مقبول ، وفي الوقت نفسه أبقينا المطوفين القدامى كما هم عليه.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- د. إحسان بو حليقة
- م. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- أ. أسمهان الغامدي
- د. ثريا العريض
- د. الجازي الشبيكي
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حسين الحكمي
- د. حمزة بيت المال
- د. حميد المزروع
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- د. خالد بن دهيش
- د. زياد الدريس
- م. سالم المري
- أ. عبدالرحمن الطريري
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- د. عبدالسلام الوايل
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبدالله العساف
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- أ. عبير خالد
- أ. علياء البازعي
- د. علي الحكمي
- د. فهد الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. محمد بن فهد العمران
- د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
- د. مشاري النعيم
- د. منيرة الغدير
- د. ناصر القعود
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
- أ. يحيي الأمير
(*) – أنظر المقال بعنوان: تخصيص التعليم العالي، جريدة الرياض، السبت 16 صفر 1426هـ – 26 مارس 2005م – العدد 13424، الرابط: http://www.alriyadh.com/50897
(*) – http://aawsat.com/node/989576
(*) – المقال منشور على الرابط: https://www.washingtonpost.com/amphtml/news/answer-sheet/wp/2016/07/14/why-the-movement-to-privatize-public-education-is-a-very-bad-idea/
(*)–http://www.watanserb.com/2016/08/31/%D9%87%D8%B0%D9%87-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%91%D8%A9/amp/
(*) – http://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/503281