مارس 2017م
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر مارس 2017م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- أمن المعلومات: التحدي والمواجهة
- مخاطر الخلل الديموغرافي في دول الخليج العربي
- السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية
- حساب المواطن
- التنوع الثقافي حزام الوحدة والجسر الأمثل إلى العالم : الجنادرية نموذجاً
- حماية المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار
- تغيير الخطاب الإعلامي نحو الغرب
محتويات التقرير
المحور الأول: أمن المعلومات: التحدي والمواجهة
- الورقة الرئيسة: د. فايز الشهري
- التعقيب الأول: د. عبد الرحمن الجضعي
- التعقيب الثاني: م. حسام بحيري
- المداخلات حول القضية:
- التعريف بالجانب التقني لأمن المعلومات
- رصد لبعض إشكاليات أمن المعلومات
- الجانب الاستراتيجي لأمن المعلومات
- أمن المعلومات من الجانب الاجتماعي
- حوكمة أمن المعلومات ووسائل تحقيقها
- آليات مواجهة الهجمات المتعلقة بأمن المعلومات
- أمن المعلومات ورؤية 2030
المحور الثاني: مخاطر الخلل الديموغرافي في دول الخليج العربي
- الورقة الرئيسة: د. عبدالله المطيري
- التعقيب الأول: د. عبد الله العساف
- التعقيب الثاني: د. عبدالسلام الوايل
- المداخلات حول القضية:
- تشخيص واقع الخلل الديموغرافي في دول الخليج ومخاطره
- التوصيات والحلول المقترحة لمعالجة الخلل الديموغرافي في دول الخليج
المحور الثالث: السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية
- الورقة الرئيسة: د. وفاء الرشيد
- التعقيب الأول: د. زياد الدريس
- التعقيب الثاني: أ. أسامة نقلي
- المداخلات حول القضية:
- الإشكالات ذات العلاقة بدور السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية
- التوصيات المقترحة
المحور الرابع: حساب المواطن
- الورقة الرئيسة: أ. ماجد العصيمي
- التعقيب الأول: د. حميد المزروع
- التعقيب الثاني: م. خالد العثمان
- المداخلات حول القضية:
- حساب المواطن: واقعه وأبعاده
- رؤية مستقبلية لبرنامج حساب المواطن
- تعقيبات ختامية وتوضيحات ضرورية
المحور الخامس: التنوع الثقافي حزام الوحدة والجسر الأمثل إلى العالم (الجنادرية نموذجاً)
- الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان
- التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
- التعقيب الثاني: د. عبد السلام الوايل
- المداخلات حول القضية:
- الجنادرية: الواقع والإشكالات المتضمنة
- رؤية استشرافية: نحو تعظيم الإفادة من فعاليات الجنادرية
المحور السادس: حماية المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار
- الورقة الرئيسة: د. ناصر آل تويم
- التعقيب الأول: أ. جمال ملائكة
- التعقيب الثاني: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- الإشكالات ذات الصلة بحماية المنافسة ومكافحة الاحتكار
- توصيات لضمان حماية المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار
المحور السابع: تغيير الخطاب الإعلامي نحو الغرب
- الورقة الرئيسة: د. منيرة الغدير
- التعقيب الأول: م. حسام بحيري
- التعقيب الثاني: د. إبراهيم البعيز
- المداخلات حول القضية:
- واقع الخطاب الإعلامي الراهن الموجه للغرب
- توصيات لتطوير خطابنا الإعلامي تجاه الغرب
المحور الأول
أمن المعلومات: التحدي والمواجهة
الورقة الرئيسة: د. فايز الشهري
مقدمة
تعرضت مؤسسات عامة وخاصة خلال الفترة الماضية لموجة هجوم إلكتروني نتيجة نشر فيروس ضار عُرف باسم شمعون 2 وكانت وزارة العمل ومواقع شركات مختلفة من أوائل الضحايا. وتشير التقارير الأولية إلى تعرض 11 جهة لأضرار من هذا الهجوم وتحديدا في تاريخ 23 يناير 2017. ومن الواضح في التقارير المعلنة أن هناك أكثر من 1,800 خادم في هذه الجهات متأثر بهذه الهجمات بالإضافة إلى أكثر من 9,000 جهاز حاسوب. ويخشى الخبراء أن يكون من بين الأضرار احتمالية حذف بعض البيانات من الأجهزة، أو تشفير بيانات باستخدام ما يعرف ببرامج Ransomware التي تطلب فدية مقابل فك التشفير، أو في بعض الأحيان تدمير أنظمة التشغيل وتنصيب برامج خبيثة يمكن تشغيلها عن بعد.
وهذه المعلومات تجعلنا نتساءل عن مفهوم أمن المعلومات (Information security) ومتطلباته وتحدياته وفرص النجاة من التهديدات الإلكترونية. وفي كثير من الأدبيات يعني مفهوم أمن المعلومات في مجاله الأوسع مجموعة الاستراتيجيات الموضوعة لإدارة العمليات والأدوات والسياسات اللازمة لمنع وكشف وتوثيق ومكافحة التهديدات التي تستهدف المعلومات الرقمية وغير الرقمية. ويتضمن مفهوم الأمن هنا كل ما يؤدي إلى منع الوصول إلى المعلومات لغير المصرح لهم وحماية الأجهزة والبرامج والشبكات من سوء الاستخدام أو الانكشاف أو التدمير أو التعديل أو التعطيل لمحتوياتها أو التأثير في طرق حفظها واسترجاعها أو توزيعها. ويمتد هذا المفهوم في الحماية الاستراتيجية لأمن المعلومات إلى كل ما يكفل أمن الحاسوب وأمن الاتصالات.
أهمية المعلومات
تعود أهمية أمن المعلومات اليوم إلى عاملين مهمين أولهما هو الاعتماد الكبير للمجتمعات اليوم على المعلومات ووسائطها في الاتصال والتجارة والكثير من الأنشطة، والثاني أن منظومات المعلومات اليوم تدير معظم النشاط البشري في قطاع الخدمات والأعمال والاتصال على مدار الساعة. ومن هنا فإن أي إضرار بهذه المنظومة العالمية للمعلومات ستؤثر بلا شك في حياة المجتمعات وراحتها بشكل مباشر.
وقد قدّرت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حجم الإنفاق على خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة بنحو 120 مليار ريـال في عام 2015م، بمعدل نمو 7% مقارنة بالعام 2014. وتشير تقارير الهيئة المحدثة إلى نمو هذا القطاع حتى وصل الإنفاق فيه إلى قرابة 180 مليار ريال (48 مليار دولار) عام 2016. ويقدر الخبراء أن معدل الإنفاق العالمي على تقنية المعلومات سيبلغ 3.5 تريليون دولار خلال العام 2017.
إذا هذا هو “عصر المعلومات” كما بات يعرف وكل ما كان أمن المعلومات متينا كان الطريق سالكا إلى عصر المعرفة واقتصاد المعرفة. وبشكل عام تختلف زاويا النظر إلى أهمية وقيمة المعلومات باختلاف مجالاتها وسبل توظيفها فهي بالنسبة لرجل الأعمال اقتصادا جيدا وفرصا لتقديم الخدمات الرقمية المبتكرة. وعند السياسي تتركّز النظرة إلى أهمية المعلومات بوصفها مصدر القوة وأداة السلطة. وهي -أي المعلومات- عند مديري المنظمات موردا مهما وأداة لدعم اتخاذ القرار. والمعلومات عند الباحث وعند العالِم مادة (صالحة أو غير صالحة) لحل المشكلات وتوليد المعارف الجديدة. وهكذا نجد المعلومات في الصناعة الإعلامية كنز ووقود العمل الإعلامي التي يتم صبها في قوالبها الإعلامية بحسب متطلبات المهنة.
معايير عصر المعلومات الخمسة
من خلال مجموعة من الدراسات حول عصر المعلومات والتي قام بها باحثون أمريكيون ويابانيون وأوربيون تمكن “ويليام مارتين” من استخلاص خمسة معايير لعصر المعلومات هي:
- المعيار التكنولوجي: بحيث تصبح تكنولوجيا المعلومات مصدر القوة الأساس مع الانتشار الواسع لتطبيقات المعلومات في المكاتب والمصانع والتعليم والمنازل.
- المعيار الاجتماعي: حين يتأكد دور المعلومات كوسيلة للارتقاء بمستوى المعيشة وينتشر وعي استخدام الكمبيوتر والمعلومات وتتاح المعلومات للعامة والخاصة على مستوى عال من الجودة.
- المعيار الاقتصادي: وتبرز المعلومات كعامل أساسي في الموارد سواء كمورد اقتصادي أو كخدمة أو سلعة وكمصدر للقيمة المضافة وكمصدر لخلق فرص جديدة للعمالة.
- المعيار السياسي: بحيث تؤدي حرية المعلومات إلى تطوير وبلورة العملية السياسية من خلال مشاركة أكبر من قبل الجماهير وزيادة معدل الرأي الجماعي.
- المعيار الثقافي: ويشمل الاعتراف بالقيم الثقافية للمعلومات (كاحترام الملكية الذهنية والحرص على حماية البيانات الشخصية والمصداقية الإعلامية والأمانة العلمية …) وذلك من خلال ترويج هذه القيم من أجل الصالح الوطني وصالح الأفراد على حد سواء.
الوضع العام لأمن المعلومات اليوم
قدّرت شركات متخصصة في دراسات أمن المعلومات أن الإنفاق على برمجيات أمن المعلومات في المملكة قد زاد بمعدل 12% في عام 2016 مقارنة بعام 2015؛ ليصل إلى مبلغ يتجاوز 96 مليون دولار. ومن هنا يتضح أن المخاطر على أمن المعلومات تتزايد عاما إثر عام فعلى سبيل المثال زادت الحوادث المتعلقة بأمن المعلومات عالميا حوالي 40% في عام 2015 عنها في عام 2014. وفي عام 2015 وحده انكشف حوالي 170 مليون سجل شخصي للأفراد في قطاعات مالية وتجارية، وقطاعات أخرى على رأسها التعليم، والحكومة، وقطاعات الرعاية الصحية. ويقدر عدد ضحايا الجرائم الإلكترونية في العالم بأكثر من 1.8 مليون ضحية يومياً. وعلى مستوى العالم تقدر التكلفة السنوية للهجوم الإلكتروني على الحواسيب والأنظمة والشبكات بحوالي 400 بليون دور سنويا في حين بلغ الإنفاق العالمي على قطاع أمن المعلومات عام 2016 رقما قريبا من 82 بليون دولار. وهذا الوضع المتنامي سمح بخلق أكثر من مليون وظيفة في أمن المعلومات فقط عام 2016م ويُتوقع أن يصل الطلب إلى ٦ ملايين وظيفة في هذا المجال بحلول عام ٢٠١٩م.. وتشير بعض التقارير إلى أن التكلفة المتوقعة للتهديدات الإلكترونية على قطاع المعلومات ستتجاوز تكلفتها 2 تريليون دور بعد عامين (2019).
ومن المعروف أن مهددات أمن المعلومات قد تأتي من حكومات ضمن الحروب الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية التي قد تتطور إلى ما يدخل تحت منظومة الحروب الإلكترونية. كما أمكن رصد برامج هجوم وتخريب إلكتروني طورتها ونشرتها جماعات طائفية وعرقية وإرهابية وأيضا لم يخل المجال من مهووسين من المبرمجين (الهكر) اللذين يحاولون إثبات ذاتهم من خلال تطوير بعض البرامج الخبيثة للإضرار والتدمير.
تحديات أمن المعلومات
أمن المعلومات بات اليوم يمثل تحديا جديدا ليس فقط للدول بل حتى الأفراد وقبلهم قطاع الأعمال جراء تنامي مظاهر التهديدات الإلكترونية للشبكات والبرامج والأنظمة والتي لا تقتصر على تهديدات محلية بل تجاوزت ذلك إلى ما يدخل تحت الجرائم الإلكترونية العابرة للقارات والحدود. وحتى يمكن إجمال أبرز التحديات التي تواجه أمن المعلومات يمكن أن نحصر أبرزها في أربع تحديات:
أولا: تحديات فنية:
وتشمل قصور مشاريع توطين التقنية عن تلبية الاحتياج الفعلي من الأنظمة والبرامج والأجهزة والاعتماد على الاستيراد من الخارج. وفي جانب أمن المعلومات يكاد يكون الاعتماد الكلي على ما تسمح ببيعه الحكومات من برامج وأجهزة في ظل قيود على الأنظمة الأشد صرامة ومنع الدول المحتاجة من شرائها. وفي جانب الصيانة والتشغيل المرتبط بالمشاريع الإلكترونية العملاقة مازال الاعتماد على غير المواطنين واضحا وحتى في بعض الأماكن التي تتطلب حساسية أمنية عالية.
ثانيا: تحديات إدارية:
هناك قطاعات ما زالت تدار بعقليات بيروقراطية لا تستوعب متطلبات العصر الإلكتروني وتتردد في دعم وتبني مشاريع تكفل أمن المعلومات الإلكترونية وتضمن تدفقها بكفاءة واستمرارية. ويشمل ذلك أيضا القصور في وضع السياسيات والإجراءات ومتابعة تطبيقها بما يضمن تقليل مخاطر التهديدات الإلكترونية.
ثالثا: تحديات بشرية:
نقص الكوادر البشرية المؤهلة في مجالات أمن المعلومات وعدم وجود خطط واضحة لسد هذا النقص ومقابلة الطلب المتزايد المتوقع في الأعوام الماضية. ومن جهة أخرى يتضح أيضا عدم وجود معايير واضحة تضمن أمن العاملين والأمن من العاملين خاصة وأن المؤشرات العالمية تكشف أن نسبة كبرى من التهديدات الإلكترونية مصدرها العاملين في المؤسسات المخترقة إما بدافع الانتقام أو الإهمال أو عدم الشعور بالمسؤولية أو نقص الكفاءة.
رابعا: تحديات مالية:
أمن المعلومات مجال حيوي متغير يتطلب مرونة مالية كافية عند متخذ القرار. وهذا يعني اعتماد سياسات مرنة فيما يتعلق ببرمجيات وأجهزة المعلومات بما يضمن الجودة والتحديث المستمر والتغيير عند الحاجة واستقطاب الكفاءات دون قيود وألا تكون العوائق المالية حائلا دون كل ذلك.
ومن خلال تجاوز هذه التحديات يمكن التخفيف من فرص تعريض شبكات ونظم المعلومات ومستخدميها للهجمات الإلكترونية وبالتالي عدم تعريض الأمن الوطني للخطر.
التعقيب الأول: د. عبد الرحمن الجضعي
تضمنت الورقة الرئيسة عدداً من النقاط المهمة للحماية الإلكترونية، ولعلي أضيف بعضاً من النقاط التي تنظر إلى الحماية كمهمة مشتركة بين المشرع والمنفذ ومراكز المعلومات:
- التشريعات والأنظمة: هناك حاجة لوجود التشريعات التي تنظم الفضاء الإلكتروني وأمنه، فعلى سبيل المثال: هناك حاجة لتوزيع الأدوار والمسؤوليات (من هي الجهة المرجعية؟ كيف تكون العلاقة معها؟)، تحديد الحد الأدنى من المتطلبات الأمنية، تصنيف مقدمي الخدمات الأمنية.
- مشاركة المعلومات: هناك حاجة للتعاون والمشاركة لمعلومات الأخطار والتهديدات المعنية بالأمن الإلكتروني بين الجهات الحكومية والخاصة. وهذا يعد من أهم صمامات الأمان، إذ من الضروري أن نعرف تفاصيل الاختراق أو التهديد الذي حصل لجهة ما حتى تستطيع الجهات الأخرى (وهنا أقصد المتخصصين في أمن المعلومات) حماية أنظمتها وبسرعة من احتمال انتشار هذا الخطر.
- توطين التقنية: تطوير أنظمة حماية محلية (برامج مطورة محلياً) وممكن أن تعتمد على برامج الحماية مفتوحة المصدر، وكذلك بناء معامل محلية لفحص وترخيص المنتجات المستوردة من ناحية أمنية. وهذا ضروري لأن إحدى وسائل الاختراق هي أن يدخل على المنشأة أجهزة تحتوي على برامج تساعد على الاختراق.
التعقيب الثاني: م. حسام بحيري
في وقتنا الحاضر ومع اعتمادنا الكلي تقريبا في إدارة شئون حياتنا من خلال التقنيات الرقمية واللاسلكية علي مستوي الأفراد والمؤسسات والحكومات أصبح أمن المعلومات يشكل أهمية كبيرة في مجتمعنا, الهجوم التي تعرضت له المملكة مؤخرا كان عينة بسيطة لما هو آت في المستقبل , أمن المعلومات أصبح واقع مفروض لابد من التعامل معه ولا يمكن تجاهله ورأينا بالماضي مدي التأثير والتدمير الهائل التي تسببه الهجمات الإلكترونية في قطاعات البنوك والتي كانت من أوائل القطاعات المستهدفة من قبل منظمي الهجمات الإلكترونية تاريخيا وتطور الهجوم من اختراق حسابات عملائها إلى التحكم الكامل بالأنظمة المشغلة، أما في القطاعات النفطية كمثال من الممكن إعطاء معلومات خاطئة لأجهزة التحكم في العمليات قد تتسبب في إحداث كوارث بيئية واقتصادية ، وفي الحاضر رأينا تطور الاختراق إلى حد التدخل في مجري الانتخابات الأمريكية وضرب مصداقية النظام السياسي في أقوى نظام ديموقراطي في العالم.
منظمي الهجمات الإلكترونية نادرا ما يكونون أفراد, هم حلقات إجرامية منظمة ومنسقة ومجهزة بتقنيات عالية جدا وهناك أيضا أجهزة تابعة لمؤسسات حكومية مثل الكيان الصهيوني والصين وروسيا إلى قامت في شهر إبريل من عام 2007 بشن أول حرب إلكترونية شاملة على دولة إستونيا دمر جميع الأنظمة الرقمية للدولة بجميع قطاعاتها الحكومية والمدنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والتشريعية, وتمكنوا من شل جميع أعمال الدولة لأسابيع عديدة وذلك بسبب اختلاف تافه بين الدولتين حول نقل تمثال جندي روسي كان يحفر القبور أثناء الحرب العالمية الثانية.
لا يمكن الاعتقاد أن صرف الأموال الطائلة في شراء أنظمة أمنية سيوقف هذه الهجمات, الوقاية ضد الهجمات الإلكترونية يتطلب وضع وتطبيق استراتيجية بمشاركة عدد كبير من المؤسسات المستهدفة لمواجهة عدد من التحديات الرئيسية المطلوبة لمواجهة الهجمات والحفاظ على أمن معلوماتنا .
وهناك عدد من الحقائق والتحديات لابد من التعامل معها وهي أن بناء الأنظمة الأمنية الإلكترونية عمل جدا معقد ويحتاج إلى أشخاص ذوي خبرات نادرة وأجهزة ذات تقنيات متقدمة لاكتشاف أي ثغرات أمنية في الأنظمة وتعتمد بشكل رئيس على تعاون الأجهزة المختلفة فيما بينها لمشاركة المعلومات عن أي تهديد محتمل. وحاليا يوجد نقصان كبير في توفر الخبرات في أنظمة المعلومات الإلكترونية حول العالم ويجب على الحكومات تعزيز الروابط مع المؤسسات التعليمية مثل الجامعات لمعالجة نقص المهارات الحالي لأن منظمي الهجمات الإلكترونية مجموعات يوجد لديها قدرات تقنية جدا متقدمة بعضها تضاهي التكنولوجيات الموجودة في دول عديدة حول العالم وهي في تقدم تقني مستمر، ولمواجهة ذلك قامت شركة أي بي إم إحدى أكبر شركات الكمبيوتر بالعالم ببناء نظام أمني إلكتروني يعتمد على تعاون 16 قطاع تجاري وصناعي مكون من أكثر من 1000 كيان يوفر المعلومات والتقارير بين القطاعات المشاركة للمساندة في إطلاق الإنذارات المبكرة، و هذا التعاون مكن هذه الكيانات من صد أي هجوم يستهدفها بسبب برنامج التعاون الأمني الذي تشترك به.
إحدى المشاكل الرئيسة في التعامل مع الهجمات الإلكترونية هي البطيء في ردة الفعل لمواجهة الهجمات الإلكترونية ودائما نرى ردات الفعل للهجوم الإلكتروني متأخرة مع العلم أن أكثر من 96% من الهجمات الإلكترونية يمكن صدها إذا اتخذت الإجراءات الوقائية المطلوبة مبكرا ؛ وذلك لأن القطاع الخاص يحتوي على السواد الأعظم من البنية الأساسية المطلوبة لانتشار الاختراق؛ لسهولة اختراق أجهزتها والانتشار من خلالها أو في الاعتماد عليه لمواجهة وصد الهجمات الإلكترونية, وهذا بين لنا أهمية تعاون الأجهزة الحكومية والمدنية والخاصة بجميع قطاعاتها المختلفة في الاشتراك في منظومة أمنية مشتركة لمواجهة الهجمات المستقبلية والتي ستكون أكبر وأضخم مما عهدناه سابقا لأن أي جهاز أو كيان مفرد سواء كان حكومي أو خاص مهما صرف من الأموال لشراء منظومات وأجهزة تقنية لا يمكنه الصمود في مواجهة الهجمات الإلكترونية المستقبلية والتعاون لا يكفي أن يكون محليا فقط بل مطلوب الاشتراك والتعاون مع منظمات وهيئات دولية لبناء شبكة أمنية ضخمة في مواجهة الغزو الإلكتروني القادم. وباعتقادي الشخصي أن دول الخليج بالذات تحتاج لبناء هذه المنظومة بأسرع وقت ممكن لأنها أصبحت تعتمد على التكنولوجيا الرقمية في إدارة شئونها بشكل مكثف وتقف مكتوفة الأيدي أمام الهجمات المستمرة وتفتقد للبنية الأساسية والطاقات البشرية المطلوبة والتشريعات القانونية اللازمة للتعامل مع التهديد المستقبلي، ولابد من تفعيل منظومة أمنية مشتركة لتطوير ردة فعل سريعة لأننا نتشارك في الأخطار، ولا يمكن مواجهتها على حده خصوصا مع تسابقنا في بناء المدن والأنظمة وشبكات الطاقة الذكية، وتكوين مصدر هائل للمعلومات الرقمية عن قطاعاتنا وأفرادنا، وإمكانية استخدام هذه المعلومات ضدنا.
المشكلة الرئيسة تكمن في سرعة الاستجابة من قبل المسؤولين للقيام بعمل مشترك لحماية بنيتنا الأساسية من خطر الاختراق نظرا لعدم وجود قوانين وتشريعات تنص على التعاون المشترك أو بسبب وجود قوانين وتشريعات تقف عائق أمام تعاون المؤسسات والهيئات المحلية والدولية فيما بينها لحمايه أمن المعلومات.
المداخلات حول القضية:
- التعريف بالجانب التقني لأمن المعلومات
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن أمن المعلومات علم مختص بتأمين المعلومات المتداولة عبر الشبكة العنكبوتية ، تأمينا من المخاطر التي تهددها الجرائم المتعددة الصنوف من مرتزقة وأعداء التقنية الحديثة. فمع تطور تقنية المعلومات ووسائل تخزين أو حفظ المعلومات وتبادلها بطرق مختلفة أو ما يسمى بنقل البيانات عبر الشبكة العنكبوتية من موقع لآخر ، أصبح أمر أمن تلك البيانات والمعلومات عامة يشكل هاجسًا وموضوعًا حيويًا مهمًا للغاية.
وهنا يمكن لنا تعريف أمن المعلومات بأنه العلم الذي يعمل على توفير الحماية للمعلومات من المخاطر التي تهددها أو الحاجز الذي يمنع الاعتداء عليها وذلك من خلال توفير الأدوات والوسائل اللازم توفيرها لحماية المعلومات من المخاطر الداخلية أو الخارجية ، لأمن أي قطاع داخل أي إقليم ، وذلك من خلال المعايير والإجراءات المتخذة لمنع وصول المعلومات إلى أيدي أشخاص غير مخوّلين عبر الاتصالات ولضمان أصالة وصحة هذه الاتصالات .
ولابد لنا أن نقول هنا أن حماية المعلومات هو أمر ليس بجديد ، بل قديم قدم البدء في ابتكار واستخدام تقنيات تتغير وتتطور مع التوسع في استخدامات وتسخير تقنيات المعلومات في كل زمن تتطلب الأعمال مواكبة أي تغير اجتماعي أو اقتصادي أو حتى أمني .
ويرتكز أمن المعلومات إلى:-
- أنظمة حماية نظم التشغيل.
- أنظمة حماية البرامج والتطبيقات.
- أنظمة حماية قواعد البيانات.
- أنظمة حماية الولوج أو الدخول إلى الأنظمة.
ولخصت أ. فاطمة الشريف مداخلتها في التعريف بالجانب التقني لمشكلة أمن المعلومات في القول بأن من المعروف أن المجالات التي ترتبط بأمن المعلومات هي ثلاث:
– أمن الإنترنت.
– أمن الشبكات.
– أمن الهواتف والأجهزة النقالة.
ويشكل أمن المعلومات في العصر الحديث حجر الزاوية في عمليات نهضة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث أن المساحة المتاحة للخصوصية تتناسب عكسياً مع التقدم التكنولوجي، ويشمل مجال أمن المعلومات حماية المعلومات كما أسلف د. فايز من الاختراق، والاستعمال والنسخ وغيره إضافة للحماية من البرمجيات الضارة (Malware) والتي تتنوع إلى (Viruses)، (Worms)، (Trojans)، وهي العدو الأكبر للحواسيب، وأنظمة المعلومات.
إن عملية تحديد نقاط الضعف والتهديدات الممكنة على المعلومات يجب أن تكون مستمرة ومتكررة. فطالما هناك معلومات يجب ضمان أمنها يجب ألا تتوقف عملية تحديد نقاط الضعف. لأن التهديدات الممكنة دائمة التجدد والتغير. فالتطورات التقنية مثلا تتيح المجال لاستغلال ثغرات لم يكن لها اعتبار بسبب غياب التقنية اللازمة ولا يمكن تحديد كل المخاطر، بالتالي لا يمكن أيضا الاستعداد لكل المخاطر.
عندما وضع مككبر ( mackber ) إطاراً لتصميم وتقييم خطط ضمان المعلومات في المؤسسات استخدم أوجه مكعب بات يعرف باسم مكعب مككبر؛ حيث يذكر الوجه الأول مستخدم المكعب بمتطلبات ضمان المعلومات الثلاثة، وهي سرية المعلومات Confidentiality، أمانة المعلومات Integrity وتوافرها Availability.. أما الوجه الثاني فيذكر بمراعاة معايير ضمان المعلومات لجميع الحالات التي تتواجد فيها سواء كانت المعلومات في طور النقل Transmission التخزين Storage أو المعالجة Processing (أما الوجه الأخير فيذكر العناوين الأساسية التي يستطيع خبير أمن المعلومات استخدامها لتقليل الخطورة في كل مكان حيث يكون وهي السياسات Policies والتقنيات Technologies والعامل البشري Human Factors ( و يساعد مكعب مككمبر على وضع أو تقييم خطة شاملة لضمان المعلومات في المؤسسة مع مراعاة جميع النواحي في المنظومة. وبالتالي عدم نسيان أي جانب من جوانب ضمان المعلومات داخل أي مؤسسة أو جهة خاصة أو عامة.
ويمكن تصنيف الجرائم التي تتم عن طريق استخدام المعلومات إلى:
- جرائم تهدف لنشر معلومات : وهي نشر معلومات سرية تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة عن طريق الاختراقات لشبكات المعلومات ، ومن أمثلة ذلك نشر معلومات بطاقات الائتمان البنكية، وأرقام الحسابات المصرفية، وأيضا نشر المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بدول أو أشخاص كما حدث في اختراق وكالة المخابرات الأمريكية CIA.
- جرائم تهدف لترويج الإشاعات: عن طريق نشر معلومات مغلوطة وغير صحيحة تتعلق بالأشخاص أو الدول
- جرائم التزوير الإلكترونية: حيث يتم استخدام وسائل التكنولوجيا في عمليات التزوير، مثل تزوير البطاقات الائتمانية وجوازات السفر وغيرها من الأوراق الرسمية التي يمكن تزويرها باستخدام وسائل تكنولوجية متقدمة.
- جرائم تقنية المعلومات: مثل عمليات القرصنة التي تحدث للبرامج الأصلية وعدم مراعاة حقوق النشر لها والتي يتم عمل نسخ منها لتباع في الأسواق بدلاً من النسخ الأصلية، مثل برامج التشغيل أو البرامج التطبيقية غالية الثمن.
وذكرت أ.د فوزية البكر أن تقرير استشراق المستقبل وهو أحد مبادرات مؤسسة دبي للمستقبل يشير إلى أن التوقعات بالنسبة للتعليم أن كافة الأوراق البحثية العلمية كافة ستكون متاحة مجانا وفقا لاقتراح الاتحاد الأوروبي، وحتي عام ٢٠٣٠ ستكون أدمغتنا البشرية علي اتصال بخدمات الحوسبة السحابية حيث سيكون لدينا القدرة علي تكوين نسخة احتياطية من أفكارنا و ذكرياتنا باستخدام الحواسيب ، و هذا سيزيد بشكل كبير من قدرتنا علي التعلم. وفي عام ٢٠٥٩ سيكون ممكنا أن يحتوي الدماغ البشري علي وصلة مباشرة من موقع الويكيبيديا بما يعني أن المعلومات ستكون حياتنا؛ هذا ما يعني أمن المعلومات و أهميتها وحتمية التفكير في حمايتها. هذا فقط في قطاع التعليم ولَك أن تتخيل التطورات في مختلف القطاعات الطبية والعسكرية والاستخباراتية بما يجعل أمن المعلومات موضوعا شديد الحساسية من الناحية الفردية والوطنية.
وأوضح م. حسام بحيري أن قضية الذكاء الاصطناعي مهمة جداً، حيث يستخدم حاليا من قبل شركات عديدة مثل جوجل وشركات الاتصالات والدعايات لجمع معلومات عن طبائع المستهلك واستهدافه بدعايات تناسب أذواقه، والكثير من العلماء يحذرون من خطورتها المستقبلية؛ لأنه بسبب التقدم التكنولوجي المستمر ستكون مسالة وقت أن تفكر الأجهزة مثل الإنسان، وهذه المرحلة في تكنولوجيا الذكاء الصناعي تسمى ال Singularity أو التفرد، وهي المرحلة التي يحذر منها الكثير من العلماء لأن الأجهزة تستطيع بناء ذكاها الخاص من تلقاء نفسها. تخيل أن تتمكن من أن تحصل على ٥٠ شهادة دكتوراه في ساعات محدودة. لا أحد يعلم ماهي العواقب أو الفوائد التي ممكن أن تحصل عن مرحلة التفرد.
ويرى د. خالد الرديعان أنه وبرغم التقدم المذهل في الذكاء الصناعي إلا أن الأمر لا يخلو من سلبيات على المستوى البشري؛ فمع تقدم الوقت وتقنيات الذكاء سيتم تشيئ الإنسان وتقل الحاجة له، وقد ترتفع نسب البطالة بصورة غير معهودة بسبب الاعتماد على تقنية الروبوت. وهذه جوانب مهملة لا نتحدث عنها.
- رصد لبعض إشكاليات أمن المعلومات
أشار د. حامد الشراري إلى أن الاختراق، هو ضريبة من ضرائب عصر المعلومات ونتيجة للتطور في علم الاتصالات وتقنية المعلومات والحاسوب المفيدة في كثير من المجالات، والتوسع المتسارع في استخدامها حتى أصبحت من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهو عملية مستمرة وتتطور مع تطورها. والاختراق يكون على مستويات مختلفة، إما تغيير واجهة موقع على شبكة الإنترنت، أو الدخول للأنظمة التقنية وقواعد البيانات لجهة معينة لغرض التدمير أو التغيير أو السرقة، و تتنوع أهدافه من هواية وتحدٍ إلى دوافع اقتصادية وسياسية، ومن عمل فردي أو أفراد غير معروفين إلى عمل منظم وممنهج تقف وراءه جهات مشبوهة وغير معروفة. والهاكرز (المخترقين) ليس بالضرورة أن يحمل مؤهلا عاليا، فمنهم من يحمل شهادات متوسطة، لكن قدرتهم على تكرار التجربة والخطأ والتفرغ لذلك، يصل بهم في كثير من الأحيان، إلى ما يُريدون. فضلا عن وجود تبادل للخبرات في مجالات الاختراق عبر شبكة الإنترنت. وهذا الاختراق قد يكون منظماً ويدار باحترافية عالية ويستغل في الحروب تعمد له دول لتدمير البنية التحتية التقنية للعدو لما له من تأثير معنوي واقتصادي . والحرب الإلكترونية كمظلة كبيرة تستمر وتزداد شراسة في كل يوم . والمملكة من أكثر الدول عرضة لعمليات الاختراق والبرمجيات الخبيثة على مستوى العالم كما ذكرت بعض التقارير والدراسات الدولية المتخصصة.
وتساءلت أ. فاطمة الشريف حول ( منصات إنترنت الأشياء Internet of Things – IoT) هل تعتبر أحد أكثر التقنيات من ناحية عدم الأمان والمساهمة في انتشار الاختراقات الأمنية نظرا لتزايد استخدامها ؟
وأوضح د. عبد الرحمن الجضعي حول هذه النقطة أن إنترنت الأشياء: هو استخدام الإنترنت لربط الحساسات والعديد من الأجهزة الصغيرة والكبيرة وليس فقط أجهزة الحاسب التقليدية.
ولا شك أن “إنترنت الأشياء” تعد تحدي كبير في الأمن الإلكتروني، فهي تجلب إلى الطاولة أشياء معرضة للاختراق أكثر من معلوماتنا وتصل إلى المنازل، السيارات، وغيرها. ونذكر قبل فترة كيف قام مجموعة من الهواة بالتحكم بأنظمة إحدى السيارات من خارج السيارة. هذا سيجعل مهمة أمن المعلومات أهم وأوسع. ولكنه يرى أن أساسيات الأمان لن تتغير.
وعلقت أ. فاطمة الشريف بأنه بالفعل ومع وصول تقنيات جديدة عدة ، فإن أجهزة إنترنت الأشياء أصبحت تقوم بتوصيل الأجهزة كافة التي تحيط بنا بالإنترنت، مما يجعلها عرضة للاختراق بأشكال مختلفة. ويرجح خبراء التقنية تواصل تعرض منصات إنترنت الأشياء للهجمات الإلكترونية بناء على حقيقة أن معظم الأجهزة المرتبطة بها غير أمنة تماماً.
و أورد تقرير مطول صدر سابقا لشركة إنتل سكيوريتي في نهاية ٢٠١٦ م عن أبرز التوقعات لمخاطر القرصنة والأمن المعلوماتي أن رقعة الهجمات الإلكترونية ستتسع لتشمل اختراق الأنظمة الحاسوبية للأدوات والأجهزة الإلكترونية والميكانيكية، وذلك في ظل نمو سوق الأدوات، إضافة إلى استهداف الآلات الافتراضية وستكون هناك تحالفات بين القراصنة لتكوين عصابات جديدة ببرمجيات يصعب اختراقها. وكشف التقرير عن مواصلة القراصنة استهداف هذه التقنيات رغم احتوائها على عدد محدود من المعلومات الشخصية، وذلك بهدف اختراق وتخريب الهواتف الذكية المتصلة بها. وستواصل شركات أمن المعلومات حماية الواجهات الأكثر عرضة للهجمات المحتملة مثل نوى نظم التشغيل، وبرامج الشبكات، والإنترنت اللاسلكي «الواي فاي»، وواجهات المستخدم، والذاكرة، والملفات، ونظم الحفظ، والأجهزة الافتراضية، وتطبيقات الويب. إضافة إلى سعي مجرمي الإنترنت استهداف المؤسسات من خلال موظفيها، وذلك عبر استهداف النظم المنزلية للموظفين التي هي أقل أمناً نسبياً، حيث أن مؤسسات عدة، بدأت بشكل متزايد في إدراك التهديدات الأمنية على أنظمتها التشغيلية، وقامت بتعزيز قوة أنظمتها الأمنية واستخدام أحدث الحلول، واستقطاب الموظفين من أصحاب الخبرة.
وسلط تقرير إنتل سكيوريتي الضوء على مواصلة الباحثين في أمن المعلومات في تطوير أساليب لمنع اختراق الأنظمة الذكية للسيارات عبر التركيز على سيناريوهات إمكانية استغلال أنظمة السيارات المتصلة، التي تفتقر إلى القدرات الأمنية الأساسية أو ممارسات السياسات الأمنية الأفضل.
ووفقاً للتقرير فإن بيانات بطاقات الائتمان وبطاقات الدفع تعد الأكثر عرضة للسرقة، وتباع في السوق السوداء للإنترنت بمبالغ تبدأ من 5 دولارات فقط، كما تباع تفاصيل الدخول للحسابات البنكية الإلكترونية التي تسمح بعمل تحويلات دولية بمبالغ تبدأ من 190 دولاراً للحسابات التي تبلغ أرصدتها نحو 2200 دولار، وبمبالغ أكبر للحسابات التي تضم أرصدة أكبر، وميزات تحويل دولية وداخلية. وكشف التقرير عن تسجيل 327 تهديداً جديداً كل دقيقة بالمتوسط، أو ما يعادل 5 تهديدات كل ثانية، ومواصلة ارتفاع البرمجيات الخبيثة المستهدفة للهواتف الذكية بنسبة 16% مقارنة بالربع الثاني و81% مقارنة بالعام الماضي.
وذكر م. حسام بحيري أن معظم هذه التقنيات متاحة في السوق المفتوح ويمكن إضافة تقنيات فردية إذا وجدت مثل نظام البرمجة أو إضافة نظام شفرات لتصعيب عملية الاختراق أو التخفي كأمثلة بسيطة ولكن التكنولوجيا المتوفرة في دول مثل أمريكا والصين وروسيا دائما متقدمة تقنيا عن بقية دول العالم ولديها من القدرة على اختراق أنظمة عديدة حول العالم بسبب أن الأجهزة الإلكترونية المتعددة التي تستخدم في شبكات الإنترنت والاتصالات تأتي من قبل عدد قليل من الشركات الأمريكية والصينية والأوروبية وتوجد لديها من الشفرات التي تتيح اختراق معظم شبكات الاتصالات حول دول العالم. لذلك أصبح من السهل اختراق أنظمة معلوماتنا من قبلهم.
وترى أ.د. سامية العمودي أنه سيتم ابتزازنا عن طريق هذه الحرب الإلكترونية وسنشهد سوقاً جديدة للدمار وللحماية أسوة بسوق السلاح في الحروب.
- الجانب الاستراتيجي لأمن المعلومات
تطرق د. سعد الشهراني في مداخلته إلى الجانب الاستراتيجي لأمن المعلومات من زاوية الأمن الوطني، حيث أوضح أن حرب المعلومات أصبحت حقيقة من حقائق العصر و أداة من أدوات الصراع و إذا أريد شل حركة دولة من الدول فلتضرب في نظامها المعلوماتي وأول ما يستهدف في الصراع الخفي أو المعلن النظام المعلوماتي و بنيته الأساسية ، و لذلك فإن تشكيل جيوش إلكترونية أصبح حقيقة واقعة منذ عقود في الدول المتقدمة و أصبح built in في نظمها الأمنية و الدفاعية.
و مما هو متاح و معلن أحيانا فإن لدينا بدايات هنا و هناك يمكن أن تشكل منطلقا لوضع مظلة خطة (مظلة) استراتيجية لتكوين جيش إلكتروني (دفاعي و هجومي) له بنيته الأساسية و له إدارته الاستراتيجية و خططه و تكنيكاته و نظمه و برامجه مع خطط تنفيذية متكاملة تتوزع فيها المسؤوليات المنسقة و المتكاملة و نظم للمراقبة و الاكتشاف و الإنذار المبكر و المتابعة و المساءلة و التقارير اليومية بل اللحظية حول الأداء.
ولدينا معطيات و أسس و بنية أساسية تخدم الفكرة مثل:
- هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
- مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
- شركة علم.
- غرف القيادة و السيطرة الأمنية و العسكرية.
- نظام المعلومات و النظم و القوانين ذات العلاقة.
- الجهود لتطوير قدراتنا في الحرب الإليكترونية.
- شركات القطاع الخاص ذات العلاقة.
- كليات الحاسب و المعلومات و المتخصصين.
و كثير من الجهود و التنظيمات التي يمكن أن يكون لها دور في هذا الإطار. وبالمناسبة فهناك كلية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية باسم كلية أمن الحاسب و المعلومات أنشئت قبل 3 سنوات و تمنح درجة الماجستير في أمن المعلومات و أمن الشبكات.
وعلقت أ.د فوزية البكر بأن ما ينقص إذا هو الرفع من المستوي الفني والتقني لهده الجهات لضمان ملاحقة التطورات التي لا تهدأ في هذا المجال، ثم إيجاد آلية للتنسيق بين هذه الجهات لتكون علي أهبة الاستعداد عند أي هجوم.
ويعتقد م. حسام بحيري أنه بعد حادثة اختراق شركة أرامكو عام ٢٠١٢ كانت هناك بنود صرفت لأمن المعلومات في عدد من الوزارات والهيئات الحكومية ولكنها لا تقارن بنسب الموازانات لقطاعات أساسية مثل التعليم والصحة، و أمن المعلومات اليوم أصبح قطاع رئيسي في الدولة ولابد من تخصيص ميزانية سنوية مستمرة له.
- أمن المعلومات من الجانب الاجتماعي
تناول د. خالد الرديعان في تعقيبه الجانب الاجتماعي لأمن المعلومات كونه يتعلق بسلوك المستخدم للبيانات التي تنشر أو يتم تخزينها وتداولها وتخص الإدارات الحكومية، وخاصة عندما يُساء استخدام هذه البيانات أو عرضها بطرق مخلة بأمن البلد. حيث قال: نُفرط كسعوديين في منح الثقة لمن لا يستحقها ونتساهل في عرض بيانات مما قد لا يجوز عرضه أحياناً بل يصل الأمر إلى تصوير مستندات حكومية ربما كانت بالغة السرية ومن ثم عرضها في النت أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد قرأت قبل عدة أيام مقال يشير كاتبه إلى أن ايران تستخدم معلومات ينشرها سعوديون في وسائل التواصل الاجتماعي بحيث تُستخدم تلك البيانات لتشويه سمعة المملكة والإساءة إليها وشيطنتها في أعين الآخرين.
أمر آخر شاهدته بأم عيني في جوازات الرياض؛ حيث يراجعها أشخاص غير ملمين بنظام “أبشر” وطريقة استخدامه ومن ثم يقوم كتّاب المعاريض بعمل اللازم للمراجعين بعد أن يزودهم المراجع برقمه السري في أبشر وهنا مكمن الخطورة. بعض هؤلاء العاملين وكتّاب المعاريض من الوافدين من اليمن ودول أخرى وأنهم قد يسيئون إلى نظام أبشر بطريقة أو أخرى أو يستغلونه في أعمال غير مشروعة لا أستطيع أن أحددها تقنيا لجهلي بذلك.
ما أردت التركيز عليه هو ضرورة الحذر في عرض البيانات الرسمية والوثائق ونشرها وتداولها فقد يتم استخدامها ضد البلد والمواطنين.
وعلقت أ.د فوزية البكر بأن د. فايز ذكر خمسة معايير لعصر المعلومات وهي التكنولوجي والاجتماعي والسياسي والثقافي والذي يقصد به انتشار ثقافة احترام البيانات الخاصة وحقوق الملكية الفردية، وهذا يتفق مع ما ذكره د. خالد من أهمية حماية البيانات الشخصية، لكن لا ننسي أن سنودن كان يعمل في القطاع الذي سرب عنه كل هذه الوثائق الخطيرة التي قلبت العالم. ولو قرأنا التقرير الذي أعده مكتب دبي لاستشراف المستقبل لوجدنا أن التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات تحديدا ستكون هي الفيصل في تعليم المستقبل وسيختفي المدرسون والفصول الدراسية بأشكالها التقليدية. وستطرح بقوة قضية أمن لمعلومات وحقوق الملكية الفردية الخ أكثر من أي وقت مضي.
وقالت د. الجازي الشبيكي: أشار د. فايز الشهري في تناوله لقضية أمن المعلومات إلى أن المعيار الاجتماعي يعد أحد معايير عصر المعلومات الخمسة وهو كما جاء في ورقته على النحو التالي: {المعيار الاجتماعي: حين يتأكد دور المعلومات كوسيلة للارتقاء بمستوى المعيشة وينتشر وعي استخدام الكمبيوتر والمعلومات وتتاح المعلومات للعامة والخاصة على مستوى عالٍ من الجودة}.
وأضيف هنا كلمة لآخر عبارة بحيث تصبح: على مستوى عالٍ من الفهم والجودة . لأنه لا يكفي هدف إتاحة المعلومات لأفراد المجتمع بمستوى من الجودة إذا لم يصاحبها فهم كامل لكل ما يتعلق بآلياتها وتأثيراتها من كافة الجوانب. وهنا التساؤل : على من تقع هذه المسؤولية بالدرجة الأولى والدرجات المساندة ؟ ألا يجب أن يكون لهذا الأمر موقعاً هاماً في رؤية المملكة 2030 وبرامجها التحولية المصاحبة؟
- حوكمة أمن المعلومات ووسائل تحقيقها
تناولت د. نوف الغامدي القضية من جانب آخر حيث ذكرت أننا قد نكون نمر حالياً بمرحلة تُعد حرجة معلوماتياً ؛ فالتحدي المعلوماتي أصبح قضية معلوماتية بأغراض سياسية، اقتصادية، اجتماعية. وأضافت: أصبحت لها وجه سياسي في ظل المتغيرات، واقتصادي يتأثر بالسياسة، واجتماعي حيث أصبح جزء كبير منه يُستغل لقضايا مذهبية وإرهابية وتضليل، فالشبكة المعلوماتية تُعتبر كتيبة إعلامية قد تُجيش لتغيير واقع والوصول لما قد يُغَيِّر النتائج.
وفيما يتعلق بحوكمة أمن المعلومات هي النظام الذى يتم من خلاله توجيه ورقابة الاستخدامات الحالية والمستقبلية لتقنية المعلومات، وتقييم وتوجيه الخطط لاستخدام تقنيات المعلومات في تدعيم المؤسسة، ومتابعة هذا الاستخدام لإنجاز الخطط المقررة.
لماذا حوكمة أمن المعلومات مهمة ؟
- الإدارة الفعالة لرغبات واحتياجات الوطن في اطار الاستراتيجية العامة للدولة.
- توجيه القيادة ومشاركتها نحو تحقيق مصالح المتعاملين مع الدولة.
- أهمية تحقيق عائد اقتصادي على كافة الأنشطة التي تقوم بها الدولة وتتحمل تكاليف مقابلها.
- تحسين وتطوير التقنيات المستخدمة باستمرار لتفي بالمتطلبات المتغيرة بالبيئة المحيطة.
- التطور السريع والمعقد في تقنية المعلومات المستخدمة في جميع المجالات.
- تعدد الإدارات والقطاعات التي تستخدم تقنيات المعلومات داخل الدولة الواحدة وتنوع اهتماماتها واحتياجاتها.
- توفير القيادة والتحفيز ورفع مستوى الأداء بالدولة .
- تعميق دور الرقابة على تقنية المعلومات ومخرجاتها.
- ثورة الاتصالات وما أحدثته في مجال الأعمال من تغيرات دراماتيكية للاستجابة السريعة للطلبات والحصول على الاحتياجات .
- ظهور العديد من التشريعات المنظمة لاستخدام التقنيات الحديثة كالتوقيع الإلكتروني والاتصالات وتداول المعلومات.
- الاعتماد بشكل جوهري على تقنية المعلومات كشرط أساسي تفرضه الجهات الرقابية والإشرافية والتطبيقات الجيدة لحوكمة الشركات وزيادة القدرة التنافسية لمؤسسات الدولة.
مقومات حوكمة تقنية المعلومات الجيدة
- الموائمة بين الاستراتيجية العامة للدولة وخطط التشغيل اللازمة لتحقيق أهداف الاستراتيجية وبين الخطة الاستراتيجية لتقنية المعلومات.
- وضع خطة تشغيل لتقنية المعلومات.
- وضع خطة مالية وتمويلية لتقنية المعلومات .
- وضع إطار عام لتطبيق حوكمة تقنية المعلومات والرقابة عليها مأخوذا في الاعتبار ما تصدره جهات الرقابة والإشراف والتشريعات المنظمة للعمل بمؤسسات الدولة واختيار البدائل العملية المطروحة مثل COBIT*.
- لابد من القيام بتشكيل اللجان المتخصصة في توجيه تقنية المعلومات ووضع الاستراتيجية الخاصة بها .
دور مجالس إدارات المؤسسات في اطار حوكمة تقنية المعلومات
- توفير خطة استراتيجية طويلة المدى لحماية وتأمين المعلومات ونظم المعلومات بحيث تعكس هذه الخطة مدى إدراك وخطورة حماية المعلومات والنظم الخاصة بها داخل الدولة .
- يقع على القيادات مسؤولية مراجعة الإنفاق الاستثماري في مجال أمن وحماية المعلومات ومدى توافق ذلك مع الخطط الاستراتيجية للدولة والإطار العام لإدارة المخاطر بها.
- الموافقة على إيجاد وتطوير البرامج المستخدمة في حماية وأمن لمعلومات ونظمها بمؤسسات الدولة.
- الحصول بشكل مستمر ودوري على تقارير من القطاعات عن كفاءة وفعالية البرامج المستخدمة لحماية أمن ونظم المعلومات.
- آليات مواجهة الهجمات المتعلقة بأمن المعلومات
تطرق د. حامد الشراري إلى مجموعة من التوصيات المهمة في مجال أمن المعلومات كما يلي:
- التقنية وبرمجياتها تتطور بتسارع وفي الجانب الآخر تتطور عمليات الاختراق وآلياته، وليس هناك مأمن مطلق من مخاطر الاختراق مهما كانت قوة الحماية، لذا يجب أخذ الحذر الدائم واستجلاب التقنيات المتطورة واستقطاب الكفاءات الوطنية المتميزة والماهرة في مراكز أمن المعلومات وتطويرهم ودعمهم ماديا ومعنويا والتي تعتبر من أصعب المهارات وأكثرها طلبا بين تخصصات تقنيات المعلومات.
- المملكة تعمل على التوسع في البنية التحتية للتعاملات والخدمات الإلكترونية سواء في القطاع العام أو الخاص وتضخ المليارات لهذا الغرض وبنيتها التحتية، لذا يجب الاهتمام بأمن المعلومات وحمايتها وأن تكون مواكبة لهذا التوسع.
- أهمية استحداث جهاز أو مركز وطني مستقل يهتم بأمن المعلومات (كدمج الأجهزة الحالية – مركز الأمن الإلكتروني التابع لوزارة الداخلية و المركز الإرشادي لأمن المعلومات التابع لهيئة الاتصالات ومركز التصديق الرقمي…الخ ) وليكن تحت مظلة وزارة الداخلية، ومن مهامه وضع التشريعات ورسم السياسات ومراقبة التسوق الإلكتروني والتأكد من الأسواق المحلية وتطبيقها لمعايير أمن المعلومات وحمايتها وتوفير الدعم الفني الاستشاري، ومكان احتواء للهاكرز السعوديين المتميزين، وأيضا يكون هو الجهة المسئولة المطمئنة للمواطن والمقيم في حالة حدوث اختراقات على المستوى الوطني.
- الحاجة الملحة لإقرار الاستراتيجية الوطنية لأمن المعلومات التي سبق أن أعدتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وبمشاركة جهات وخبراء ومختصين في أمن المعلومات، نظرا للتوسع في التعاملات والخدمات الإلكترونية، وزيادة الهجمات الإلكترونية.
- على الجانب الإعلامي المحلي توخي الحذر عند نقل الأخبار التي لا تتأكد حقيقتها وإنما تسبب تشويشا وبلبلة للمواطنين وقد تؤثر سلبا على جدية التوجه للتحول للتعاملات والخدمات الإلكترونية مستقبلا- لا سمح الله.
- العمل على تكثيف التوعية ونشر ثقافة أمن المعلومات لدى المواطنين والمُقيمين. ويشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، حثهم على الحفاظ على سرية مُتطلبات نفاذهم إلى خدمات هذه التقنيات سواء البنكية أو الحكومية أو غير ذلك و تشجيعهم على إبلاغ الجهات المعنية عن أي حالات طارئة تستحق الاهتمام. مع التأكيد على ضرورة وجود كتاب وصحفيين مُتخصصين في القضايا العلمية لنشر الثقافة العلمية في المُجتمع.
- حث إدارات تقنية المعلومات إتباع الدليل الإرشادي لأمن المعلومات الذي أُعد من قبل المركز الوطني الإرشادي لأمن المعلومات والذي عمل بمهنية عالية وفيه الكثير من التعليمات والسياسات.
- هناك مراكز وكراسي علمية بحثية وطنية لها ارتباط مباشر بأمن المعلومات وحمايتها، يشرف عليها نخبة من خيرة أبناء هذا الوطن في مجال أمن المعلومات، لذا هناك أهمية للاستفادة من خبراتها وأبحاثها ودعمها معنويا وماديا. إضافة لذلك، أهمية تشجيع ودعم الشركات الوطنية المتخصصة في أمن المعلومات.
- أهمية التأكيد على الجهات ذات العلاقة بتفعيل الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية التي تساهم في حماية شبكة الاتصالات وتقنية المعلومات الوطنية أو بتبنيها في حالة عدم وجودها.
في حين يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أننا نتفق على أن الحماية الأمنية للمعلومات والتي تتواكب وتتزامن مع أي متغير أو مطلب يحدث بين وقت وآخر ، هو أمر واجب الإتيان به ، للحفاظ على سلامة الوطن .
وهنا لابد أن تتخذ عدة تدابير أمنية معلوماتية لمواجهة ما قد يطرأ من اختراقات ، مثل ما حدث أخيرا من هجوما على قطاعات معينة ، فمهما تكن درجة ذلك الضرر، إلا أنه يعتبر ضار بأنظمة معلوماتية تعد رصيد تاريخي لا يستهان به.
نحن في المملكة العربية السعودية نصنف من أكثر الدول تطور في استخدام تقنية المعلومات، ولهذا لابد أن نكون ذو جاهزية مطلقة في الاهتمام بأمن المعلومات ، خصوصا أننا نعد من الدول القلائل التي أعطت اهتمام بالغ بالتقنية ، حيث تم تأسيس عدة كيانات تقنية ، مثل مدينة متكاملة تعنى بتقنية المعلومات ، وهي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ، وشركة علم ، تلك المنشاة التي أسهمت إسهاما وطنيا في تحول تقني مبهر ، قدمت منتجات حكومية وغير حكومية دعما للوطن في مجالات عدة .
وأمام كل ذلك لابد أن نكون ذو مواكبة مستمرة لكل حديث ، وكل ما يطرأ من تقنية جديدة ، وهنا يمكن الإشارة لبعض المقترحات التي تسهم في توافر حماية أمنية لمخازننا المعلوماتية إن صح التعبير وتتضمن :
- التوسع في قبول الطلاب الراغبين في دراسة الحاسب الآلي في الجامعات ، مع التركيز أكثر في تخصص البرمجة وهندسة الحاسوب .
- أن تعاد هيكلة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، وتضم أكاديمية متخصصة في علوم الحاسوب وفي تخصصات دقيقة خصوصا في أمن المعلومات .
- التوسع في الابتعاث لدراسة الحاسب الآلي وفي تخصصات دقيقة للغاية عن أمن المعلومات .
وقبل أن نهتم بالجانب الإعلامي أو التوعوي ، لابد أن يكون لدينا الإمكانات والاستعدادات للتصدي لأي هجوم إلكتروني لأنظمتنا مستقبلا ، على الأقل نتفادى من 80 إلى 90 % من أي هجوم يحدث بين وقت وآخر.
وعقبت د. عائشة حجازي بأن ما تم نشرة من رسائل التطمين في الآونة الأخيرة وبعد الاختراقات الإلكترونية التي حدثت أثر سلبا على المواطنين أكثر من تأثيره المطمئن الذي كانت تتوقعه الجهات المرسلة وأثار العديد من التساؤلات لدى المواطن. فلو كانت هذه الجهات فعلا قادرة على صد مثل تلك الهجمات لما احتاجت لمثل تلك الرسائل ؛ ولو كانت هناك توعية إعلامية سابقة لما كان هذا الرعب لدى الكثير ممن لديه مصالح مع المؤسسات المتضررة.
ويعتقد م. خالد العثمان بأن المهم هو المحتوى وليس عناوين الشهادات؛ فالحاسب الآلي مجال واسع والمشاهَد أن أغلب الدارسين يغطون جوانب ليست بالعمق الكافي لتولي إدارة دفة أمن المعلومات ، ثم إن نفل المعرفة في هذا الجانب عسيرة على أرض الواقع بامتناع الجهات الأكاديمية العالمية عن نقل هذه المعرفة.
وأشارت أ. فاطمة الشريف فيما يخص هذه النقطة تحديدا إلى أن جميع مقررات الحاسب الآلي لا تغطي تخصص البرمجة بشكل كافي إضافة إلى أنها لا تواكب التحديث في اللغات البرمجية الحديثة ولا تعطي المجال الكافي للمتخصص فيها ليكون مبرمج محترف خصوصا مع التقدم الهائل الذي يحدث عالميا في هذا المجال وبشكل متسارع لذا يجب أن تتضمن التوصيات تحديث المقررات الخاصة بأقسام الحاسب الآلي وأن يكون تخصص البرمجة متاح ضمن كلية علوم الحاسب الآلي وأن يتضمن اللغات الحديثة التي تستخدم الآن في تصميم البرامج العالمية وليست فقط اللغات المندثرة والتي لم تعد تستخدم إلا نادرا لفك شفرات بعض البرامج القديمة.
ومن التوصيات التي يمكن التطرق إليها في هذا الصدد:
- أهمية الاستثمار في الجانب البشري في تخصصات البرمجة وأمن المعلومات.
- ضرورة وجود إدارة حكومية أو جهة لتجميع معلومات الجرائم الإلكترونية والاختراقات وتختص بمحاكمة وتنفيذ قوانين الأمن الإلكتروني.
- تشريع قانون يجرم ويحاكم المتجاوزين.
- تنظيم برامج توعوية لتثقيف العامة بطرق حفظ معلوماتهم.
وترى أ.د فوزية البكر أن تحديث توصيفات ومحتويات المقررات التي تدرس في الجامعات في مجال الحاسب الآلي ضرورة قصوي لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال ولتعليم الأجيال كيفية حماية المعلومات للقطاعات التي يعملون بها . والمثير أن البيروقراطية في الأقسام والكليات قد تقف عائقا ضد ذلك وهذا أيضا يفرض السؤال حول محتوي مقررات الحاسب الآلي المقدمة في مدارس التعليم العام. ما هي أحوالها ؟ لا نظنها ستكون أحسن حالا من الجامعات.
ومن وجهة نظر د. عائشة حجازي فإن الجامعات تشكل لجان لمراجعة الخطط والتوصيفات ولكنها للأسف تدور في قالب واحد وتخدم نواتج تعلم نظرية لا يستفاد منها كمخرجات تعلم عملية لسوق العمل؛ وأحد أسباب ذلك أن معظم أعضاء تلك اللجان لديهم درجات علمية نعم ولكنهم يغفلون الكثير من تطلعات شباب اليوم لمواكبة التطورات الحديثة والتقنية المتسارعة. لابد أن يربط حصول الجامعات على الاعتماد الأكاديمي بشرط تغطية المقررات والخطط لمخرجات مناسبة للحداثة والتقنية علميا وعمليا، مع فتح تخصصات مناسبة لذلك بدلا من التخصصات التي تضخ خريجين يزيدون نسبة بطالة لعدم استفادة المجتمع منها؛ فكثير من شبابنا وشاباتنا يملكون من العقول الرائعة في التقنية والمعلومات والتي تستخدم مع الأسف بطريقة سلبية.
ومن ناحية أخرى فإن أمن المعلومات مسؤولية كبيرة تقع على عاتق مؤسسات الدولة كاملة خاصة في الفترة الحالية .ومن المهم وجود جيش إلكتروني لحماية الدولة لا يقل أهمية عن جيش الأسلحة والبشر.
في حين يرى د. سعد الشهراني أننا نحتاج إلى :
- جهة مرجعية عليا لأمن المعلومات.
- استراتيجية و مظلة تشريعية و تنظيمية شاملة تتكامل فيها:
- الجهود و الخطط الدفاعية الوقائية لأمن المعلومات.
- الجهود و الخطط الهجومية الاستباقية في حال تفجر الصراع الناعم أو العنيف فالهجوم أفضل وسيلة للدفاع.
و مرة أخرى أهم أهداف الحروب الإليكترونية (الناعمة و العنيفة) ضرب نظم المعلومات الوطنية بأي وسيلة. و هذا يتطلب وجود جيش إليكتروني أدواته إلكترونية و غير إليكترونية. وفي المدى القصير نحتاج إلى وضع سياسة وأدلة ملزمة لأمن المعلومات في كل جهاز حكومي استراتيجي أو خدمي.
ولكل منظمة أو مؤسسة أو جهاز حكومي دوره في الأمن المعلوماتي في ما يخص المعلومات و النظم المعلوماتية في منظومته الإدارية و وظيفته الأصلية و في كل ما له علاقة بالأمن الوطني و المصالح الوطنية في محيط مهام الجهاز و وظائفه. نحتاج في هذا الإطار كذلك:
- أولا: إلى تحديث و تطوير و تنسيق السياسات و الخطط و النظم و القوانين و التعليمات السارية و الحاكمة لأمن المعلومات في المملكة باستمرار.
- ثانيا: على كل جهاز حكومي أن يصدر دليلا للعاملين يحدد فيه:
- ما يجب عمله do
- ما يجب عدم عمله DO not
- ما يجب الإبلاغ الفوري عنه.
- أن يشمل الدليل تبعات و عقوبات مخالفة ذلك.
- ثالثاً: نحتاج أيضا إلى برنامج رقابي تقوم من خلاله الجهة المخولة بالفحص و الرقابة المستمرة لنظم المعلومات الحكومية و نظم المعلومات في شركات الخدمات العامة مثل الكهرباء و الماء و الاتصالات، و مدى ارتقاء هذه النظم لأفضل المعايير و الاشتراطات و أفضل الممارسات.
وذكر م. حسام بحيري أن مواجهة الهجمات الأمنية بشكل فعال يتطلب عمل جماعي مشترك بين عدد كبير من القطاعات المختلفة لأن اكتشاف الاختراق ليس بالأمر الهين. عندما يكون هناك عدد كبير من مختصي التقنية يقومون بمسح دائم لأنظمتهم الرقمية ستكون فرص اكتشاف وصد الهجوم ستكون أكبر وأقوى، ولابد من القيام ببادرة مشتركة من الدولة والقطاع الخاص لإنشاء هيئة أمن معلومات أو Cyber security تشرك أكبر عدد من الأجهزة المعنية سواء خاصة أو حكومية؛ فاتحاد هذه الكيانات سيعطي فرصة أقوى للتصدي. كما أن الحماية من القرصنة الإلكترونية تأتي على درجات من الأهمية البالغة للقطاعات العسكرية والاستخباراتية والسياسية والبنكية والأمنية والتشريعية ولابد من حمايتها بشكل دائم.
وأوضح د. خالد بن دهيش أن هناك دراسات لإعادة هيكلة تقنية المعلومات و الطاقة من خلال الاستراتيجيات والخطط التنفيذية التي تقوم بإعدادها بعض الجهات الحكومية المعنية حاليا ضمن رؤية المملكة ٢٠٣٠ يتم من خلالها مراجعة السياسات والمسؤوليات لجوانب عدة منها موضوع تقنية المعلومات وتحديد المرجعيات حتى يتم تطبيق وتحقيق مؤشرات الأداء KPI’s .
وقال د. مساعد المحيا: واجهنا مشكلة فيروس “شمعون ٢” بمهنية أفضل تختلف عن شمعون ١ قبل ثلاث سنوات، هنا أتذكر حالة الاختراق مع فيروس شمعون ١ السابقة والتي اخترق فيها أجهزة أرامكو الشركة العملاقة حيث دمر كثيرا من أجهزة الشركة. هناك كان نفي لما حدث ومحاسبة من تحدث عن ذلك والتأكيد على أن كل شيء كان على ما يرام؛ ولولا الشبكات الاجتماعية لما عرف الناس عن الأول شيئا ولا عن تفاصيل ما حدث.
الذهنية التي تتعامل مع أمن المعلومات بعقلية أمنية تقدم الحظر والمنع هي أحد أسباب جعل الناس لا تشارك في صناعة الحلول وتشخيص المشكلة قبل ذلك ، وتحفز المسؤول ليتحرك على نحو غير بيرو قراطي، وتوجه الناس دون إرعابهم للاحتياطات الأمنية المهمة ، فالشبكات الاجتماعية قد يكون تناولها سلبيا مقلقا حين تغيب المؤسسات المعنية والتي تقول للجمهور الحقيقة كاملة وتطلعهم على ذلك، لذا فالاعتراف بالمشكلة وحجمها هو من أهم مظاهر التقدم لمواجهة أخطار أمن المعلومات مستقبلا.
وأشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أن مجلس التعاون يتبنى دعوة لإنشاء جيش إلكتروني خليجي، وهي خطوة ممتازة مع أنها تأخرت كثيرا، لكن السؤال: ماذا ينبغي ليتم استثمار وتفعيل المبادرة بشكل مثمر وفاعل؟
وفي هذا الإطار قال م. خالد العثمان: إن موضوع إنشاء الجيش الإلكتروني، يثير تساؤلا حول مفهوم الحرب الإلكترونية .. هل مثل هذه الحرب ستصل يوما لأن أكون بين الدول ؟ هناك خط رفيع جدا يفصل بين نطاقات المسئولية في تنفيذ مثل هذه الحروب والهجمات الإلكترونية .. وهي تتراوح في أهدافها ما بين التخريب والتجسس والسرقة.. ومن السهل أن تختبئ الدول خلف العصابات الإلكترونية وتلقي عليها باللائمة في ما تقوم به من هجمات بينما هي تتبرأ منها في العلن. السؤال المهم هنا: هل يمكن أن تكون المعاهدات والاتفاقات بين الدول خط دفاع مؤثرا في تحجيم الهجمات الإلكترونية ؟
إن تلك العصابات ستصبح مثل تجار السلاح الذين يذكون الخلافات ثم يبيعون السلاح لكل اطراف الخلاف، ويتردد أن شركات برامج مكافحة الفيروسات لديها تعاون خفي مع عصابات تصميم وتطوير الفيروسات حتى يبقى الطلب مستمرا على منتجاتهم الحمائية على الدوام.
إن السبيل الأمثل لمكافحة قرصنة المعلومات هي في إلغاء قيمة هذه المعلومات؛ الشيء الذي لا قيمة له لن يرغب أحد بسرقته .. وبالتالي فإن تعميم المعلومات وإخراجها من داخل صناديق السرية ومن خلف حوائط الحماية يقلل من السعي لسرقتها وقرصنتها. يبقى الحماية من التخريب وهي شأن آخر يتطلب مقاربات علاجية مختلفة منها المعاهدات المشار إليها.
لكن أ. فاطمة الشريف ترى أن كل المعلومات ليست قابلة للتعميم خصوصا إن كان هذا التعميم دولي. المعلومات ذات القيمة غير قابله للتعميم أو التداول وإخراجها للعلن قد يكون الخطأ الأكبر لأي دولة أو منشاة أو فرد باختلاف درجات السرية والأهمية. وهناك جانب مهم أيضا في حماية التعاملات التجارية، وقد أخذت التشريعات الأوربية خطوات متسارعة فيه من حيث التشدد الذي تفرضه في سن تشريعات تلزم الشركات العاملة فيها بمزيد من الأمان، ومستقبلاً سوف تتعرض الشركات للمزيد من الغرامات في حالة عدم حمايتها للبيانات بطريقة مناسبة، وهو ما سيكون له تأثير قوي على الكيفية التي تتعامل بها الشركات مع الجوانب الأمنية، وحماية بياناتها وبرامجها والذي لم يأخذ نفس المسار في الدول العربية.
واتفقت أ. علياء البازعي أيضا مع القول بأن هناك معلومات غير قابلة للنشر. وبدوره أشار م. خالد العثمان إلى أنه يتحدث بمثالية مطلقة فبالطبع هناك معلومات لها قيمتها؛ لكن كلما قلت تلك المعلومات كلما قلت جهود حمايتها؛ المقصد أننا ربما نبالغ في حماية كل شيء في محيط المعلومات مع أن كثيرا منها لا يحتاج إلى حماية. فشركات أمن المعلومات العالمية ربما تكون هي أكثر من يشيع الخوف من القرصنة والحروب الإلكترونية، و نفس الأسلوب تستخدمه بعض الدول لترويج صناعة أسلحتها بالتخويف من حروب محتملة من دول أخرى.
ومن جانبه ذكر د. فايز الشهري أن الجيوش الإلكترونية حقيقة واقعة وفِي معظم الجيوش الحديثة هناك إدارة أو ما يشبه باسم الحرب الإلكترونية منذ عقود. والهجمات الإلكترونية قد تكون جزءا من هذه الحروب، ولكنها في واقعها تخريب بالوكالة وحتى الْيَوْمَ تنأى الحكومات بنفسها عن هذه الممارسات علنا. ولذلك أهم ما يمكن عمله من الأولويات هو توطين التقنية وبناء الشبكات الوطنية كما فعلت الصين.
وقالت أ. ليلى الشهراني: لفت نظري جزئية “الجيش الإلكتروني” ، وتذكرت كيف رأينا في فترة مضت بمواقع التواصل ظاهرة (التهكير) الذي يقوم به بعض الأفراد لحسابات أو مواقع حكومية ، إلى أن أتى قانون الجرائم المعلوماتية وخفت هذه الظاهرة وإن كانت لم تختفي ، لماذا لا نستفيد من هؤلاء الموهوبين ويتم توظيفهم بوظائف رسمية لحماية بعض المواقع ، بالنظر لتاريخ أشهر الهاكرز في العالم نجد أنهم ربما متأخرين دراسيا أو أشخاص جدا عاديين لكن برعوا في القرصنة والأمور التقنية ، بمعنى أن لدينا أرضية خصبة لوجود (جنود المعركة الإلكترونية) بقي فقط عملية اكتشافهم وتوجيههم لاستخدام قدراتهم فيما ينفع بلادهم ، بدلا من هدرها في أذية من يختلفون معه أو استخدامها في غير وجهها الصحيح .
وحول التساؤل المطروح من جانب د. خالد الرديعان ومؤداه: هل يمكن تطوير برامج حماية محلية أي بخبراء سعوديين؟ بمعنى هل يمكننا الاعتماد على أنفسنا أم لا نزال نحتاج خبرة الغير في هذا الجانب؟ أشار د. عبد الرحمن الجضعي إلى أن هناك الكثير الذي نستطيع عمله كما ورد بمداخلته تحت عنوان “توطين التقنية”، فبرامج الحماية اليوم تعتمد على الكثير من البرامج متاحة المصدر مما يمكن متخصصين محليين من تجميعها وتطوير تطبيقات تعتمد عليها ومن ثم نتحكم في أنظمة حماية معلوماتنا. وهناك فرصة كبيرة إذا تحركنا بسرعة على المستوى التشريعي ووضعت بعض القوانين التي تحفز استخدام برامج محلية وكذلك الاستثمار فيها. ومن الممكن أن نعتمد نفس التوجه الحالي لزيادة المحتوى المحلي في الصناعات العسكرية. وهناك مسودة نظام تدرس حالياً من قبل الجهات ذات العلاقة، وعدم وجود هذا النظام بلا شك أحدث فراغاً كبيراً مما اضطر الجهات المهتمة بهذا الموضوع لوضع سياسات للخصوصية وتعيين ضابط للخصوصية داخل الجهة، أي تولت دور الرقابة على نفسها بنفسها. ونتمنى أن يصدر هذا النظام لينظم عمل جميع الجهات ويجبرها على التقيد بأنظمة الخصوصية.
ويمكننا بناء أنظمة محلية وهذا هو الأهم، وكذلك الاعتماد قدر الإمكان على متخصصين سعوديين ولكن توجد مشكلة في الاستفادة من الخبراء من جنسيات أخرى، مع التأكيد على تطبيق سياسات تمنع من تفرد متخصص واحد بالمعلومة أو الدور فيما يخص أمن المعلومات. ومن الأمثلة على ذلك أن دول عدة توجهت لفتح أنظمة التسجيل العقاري بحيث يستطيع أي شخص معرفة عقارات أي شخص آخر، وتم ذلك من باب الشفافية. لكن في هذا السياق أصبحت سرقة أو نشر هذه المعلومات أقل حساسية مما هو الحال لو كانت المعلومات سرية.
وطرح أ. عبدالرزاق الفيفي تساؤلاً مفاده: هل توجد وحدة في وزارة الدفاع تعنى بالحرب الإلكترونية ؟ وما دورها إذا كانت موجوده ؟ وهل تعمل في كل وقت يتم التعرض فيه لهجمات الإلكترونية ؟ أو لابد لكي تمارس مهامها أن تكون في ظل ظروف الحرب الرسمية المعلنة فقط ؟ وهل الهجمة الإلكترونية الأخيرة على بلدنا تصنف أنها حرب إلكترونية وعليه ستمارس مهامها ؟ وهل في ظل الحروب الإلكترونية دورها دفاعي أم هجومي أم الاثنين؟
ويعتقد أ. أسامة نقلي أنها من اختصاص مركز المعلومات الوطني NIC ، وهو جهاز كبير ومتقدم جداً، ويعمل بالتنسيق مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. و عدم الإعلان عن مثل هذه الجهود لا يعني عدم وجودها.. لا تنسي أنها حرب إلكترونية لابد وأن تتمتع خططها بالسرية عن أعين الأعداء.
وأشار م. حسام بحيري إلى أنه توجد عدد من الإدارات في أفرع القوات المسلحة تعني بالحرب الإلكترونية ولكن داخل النطاق العسكري مثل حماية واعتراض الإشارات اللاسلكية والتشويش والتنصت وحماية الأنظمة الإلكترونية ، ويوجد لدي قواتنا المسلحة طائرات وتجهيزات متقدمة معنية في مجال الحروب الإلكترونية وعدد لا بأس به من الخبرات الوطنية المحترفة في مجال التقنية والشبكات والكثير منهم عندما يتقاعد يجد عمل فوري لدي شركات التسليح الغربية التي تعمل بالمملكة في برامج الإعداد العسكري المختلفة ولكن حمايه الأنظمة المدنية لا تقع داخل نطاق عملهم.
وذكر د. خالد الرديعان نقلاً عن موقع القوات البرية الملكية السعودية، أن القوات المسلحة السعودية تنبهت منذ البداية للدور الكبير الذي تلعبه (الحرب الإلكترونية) في (الحرب الحديثة) فعملت على استقطاب أحدث التقنيات التي توصلت إليها جيوش العالم في هذا المجال. ونظراً لأهمية وجود جهة متخصصة في كل القوات المسلحة صدرت توجيهات ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام بإيجاد إدارة للحرب الإلكترونية للقوات على مستوى كل قوة. في (18/2/1408هـ) أعقبها تشكيل إدارة الحرب الإلكترونية بتاريخ (18/3/1408هـ ) ولاشك أن الحرب الإلكترونية لها مجال عمل خاص إذ تستهدف الطيف الكهرومغناطيسي وتعمل على شل وإرباك قدرات القيادة والسيطرة والتحكم المعادية وأنظمة توجيه الأسلحة مما يؤدي إلى إضعاف قدرات العدو القتالية كما أنها أيضا تستهدف إتاحة استخدام الطيف الكهرومغناطيسي لقوتنا وتوظيفه لصالح مضاعفة القدرة القتالية لها. وبما أن وسائل التهديد المعادي تتطور تقنياتها باستمرار فإن تقنيات الحرب الإلكترونية وعدتها تتطور أيضا بشكل سريع لمواجهتها ولذلك تجري متابعة مستمرة تعمل على مواكبة التطورات في هذا المجال وتعمل إدارة الحرب الإلكترونية للقوات البرية على أن تحقق إسناد فعال للقوات البرية يواكب تطور هذه القوات.
بينما ذكر م. خالد العثمان أن مركز المعلومات الوطني يتبع وزارة الداخلية وليس من اختصاصه الحروب الإلكترونية فهو يضم كل المعلومات الوطنية عن المواطنين والمقيمين وهو الأساس لكل أنظمة وزارة الداخلية مثل أبشر وشموس وغيرها.
وأوضح د. عبد الرحمن الجضعي أن لدى وزارة الداخلية مركز الأمن الإلكتروني ودوره هو حماية مراكز المعلومات الحكومية والخاصة ذات الطبيعة الاستراتيجية. وباعتقاده أن الحرب الإلكترونية هي من اختصاص الجهات الاستخبارية والدفاعية، وإن كانت دائماً تأخذ الطابع السري والتخفي خلف مسميات مجموعات مستقلة، وهذا ما نراه في الاتهامات الموجهة لروسيا من قبل بعض الدول الأوروبية وأمريكا. وهناك العديد من الشركات التي تعمل في هذا المجال منها المحلية (وشركة علم واحدة منهم) والأجنبية، لكننا نرى عزوف من الشركات المحلية من الاستثمار بشكل أكبر في هذا المجال. ولعل السبب يعود إلى نقطة مذكورة بالورقة الرئيسة وهي عدم وضوح خريطة سوق أمن المعلومات؛ فليس من الواضح من هي الجهة المرجعية في البلد، وهذا مهم لأنه سيساعد في توجيه الجهات الحكومية (على الأقل) على التعاقد مع شركات محلية بتقنيات محلية ومتخصصين سعوديين.
وفي تصور م. خالد العثمان فإن أحد الأسباب أيضا تقليدية النظرة الاستثمارية لدى المستثمرين المحليين وشيوع القناعة بأن قطاع أمن المعلومات هو قطاع سيادي غير متاح الاستثمار فيه للقطاع الخاص.
وتساءلت أ.د فوزية البكر: ما هو الدور الذي يقوم به مركز الأمن الوطني تحديدا آخذين في الاعتبار أن في كل جهة حكومية أو خاصة أقساما إلكترونية تقوم علي حماية وتطوير أساليب حماية أمن معلومات هذه القطاعات؟
وفي هذا الشأن ذكر د. عبد الرحمن الجضعي أن دور المركز هو في التعرف المبكر على أي حركة مشبوهة في الشبكات الحيوية (الاتصالات، البنوك، والشبكات الحساسة الأخرى) وذلك بشكل آلي، ومن ثم اتخاذ الإجراء المناسب وتنبيه الجهات ذات الصِّلة بأي حادث اختراق لتأمين شبكاتها وأنظمتها. وقد وضعت الرؤية 2030 هدف الارتقاء بموقع السعودية في مؤشر الحكومات الإلكترونية من 36 إلى 5، وهذا بلا شك سيتطلب الوصول إلى مرتبة متميزة جداً في العالم. وسيكون أمن المعلومات أحد أساسيات التقدم في هذا الموقع. حسب الاطلاع على خطة التحول 2020 فهي لم تغطي هذا الجانب وقد يعود ذلك لسبب أن خطة التحول لم تشمل الجهات الأمنية والعسكرية بعد.
ومن جهته يرى د. علي الحارثي أن النقطة المهمة التي لم يجدها في كل الطروحات السابقة ، تلك المتعلقة بملاحقة الهاكرز قانونياً وقضائياً سواء كانوا أفراد أو عصابات أو دول خاصةً حينما يري الجميع أن الاختراق ليس من السهل التصدي له أو إيقافه إلا بجهود وشراكات دولية حكومية وخاصة للحد منه جزئياً .
وذكرت د. منيرة الغدير أن أمن المعلومات قضية تستدعي التفكير النظمي (systems thinking) لارتباطها بمجالات متعددة، يمكن الإشارة إلى ثلاثة منها: الاقتصاد، والذي ستكلفه أكثر من ٢ تريليون دولار بسبب الجرائم الإلكترونية حسب مجلة فوربز، و دور التعليم وبرامجه لتدريب القدرات الشابة وتحقيق الفرص الوظيفية التي نحن بأمس الحاجة إليها ، والوعي الاجتماعي بعيداً عن الاستخدام الاستهلاكي والدهشة العابرة. وما تضمنته المداخلات السابقة يثير التساؤل حول مدى التعاون بين هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات والملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية و وزارة التعليم، و هل هناك استراتيجية تعاون وتبادل خبرات ما بين هذه الجهات وخاصة فيما يتعلق بتطوير التخصصات في الجامعات واستقطاب القدرات الشابة ونشر الوعي عن الأمن الإلكتروني ، و هل هناك جهة تعمل على مثل هذا التنسيق الاستراتيجي المستقبلي لأنه يبدو أن هناك تشتت في الجهود على الرغم من أن أمن المعلومات سينسق ما بينها في إطار عملي فعّال؟
وترى أ. ولاء نحاس أنه مع الأسف الكثير من الجهات والشركات المحلية لم تأخذ حماية أمن المعلومات بشكل جدي لأن تكاليفها لا تندرج ضمن الربح ولا تؤدي لها وبالتالي في حال الميزانيات المحدودة فإنها لا تكون أولوية . وفِي حال عقد مقارنات بسيطة مع شركات عالمية حتى وإن كانت تعمل محليا نجد أنها اهتمت أولا وثانيا بأمن المعلومات ورصدت لها ميزانيات خاصة وإدارات خاصة (وكمثال يمكن المقارنة بين مؤسستين أو شركتين إحداهما تستخدم الواي فاي والأخرى تعتمد على الشبكة الداخلية المحمية ) التكاليف بالتأكيد متفاوتة بشكل كبير لكنها تضمن حماية المعلومات.
الدور الثاني الذي يجب على المؤسسات تحمله هو نشر التوعية بين الموظفين في الدوائر الحكومية والشركات الخاصة والجامعات وغيرها من الجهات. ونتذكر هنا حادثة أقوى هجوم ضرب الشرق الأوسط وعطل ٣٥٠٠٠ جهاز حاسب لشركة أرامكو وكان السبب حينها هو نقر أحد المستخدمين على رابط وصله عن طريق البريد الإلكتروني . هذا الوعي يشمل شقين (شق إجباري وشق توعوي) و الكثير من الجهات بدأت فعليا في التعامل مع أمن المعلومات بشكل جدي منها على سبيل المثال لا الحصر الجامعات حيث بدأت حملات توعوية داخلية إضافة إلى تخصيص دورات سريعة ومكثفة لموظفي التقنية في أمن المعلومات وتغيير الشبكات التي تعتمد عليها، وهناك ضرورة لتواجد أمن المعلومات كجزء أساسي من خطة تنفيذ رؤية ٢٠٣٠ في ظل تحول الكثير من الجهات الحكومية لمعاملات تقنية ، ولعل ذلك يحدث قريبا في ظل الخصخصة.
- أمن المعلومات ورؤية 2030
أشار د. فايز الشهري إلى بعض المرتكزات الاستراتيجية ولعلها تجيب عن التساؤلات حول ما يمكن أن تتضمنه رؤية 2030 فيما يتعلق بأمن المعلومات.
- أولا: من الناحية الاستراتيجية فالرؤية الآن هي استراتيجية دولة وينبغي على كل المؤسسات الحكومية أن تواءم خططها مع هذه الرؤية وتفي بمتطلباتها.
- ثانيا: رؤية 2030 تلزم المؤسسات العامة بأن تضع خططها وفقا للموجهات العامة للرؤية، وقد قطعت كثير من مؤسسات الدولة والحكومة شوطا كبيرا في هذا المجال.
- ثالثا: لعل التحدي الأكبر الذي يواجه أمن المعلومات أنه في أساسه مفهوم وممارسة تتعلق بالفرد (المواطن) والمؤسسات العامة والخاصة، وهنا يكمن تحدي تكامل هذه المنظومة بشكل يؤسس استراتيجيا لأمن المعلومات ويحصن المعلومات (المحتوى والأجهزة والبرامج والنظم) بشكل يكفل ردع التهديدات.
- رابعا: أن تهديدات أمن المعلومات لا تواجه الدول المستهلكة لمكونات المعلومات بل هي أخطر على الدول الكبرى المنتجة للمعلومات والمصنعة لأدواتها لأن معظم مقدراتها وخدماتها تعتمد على المعلومات ويكفي أن نذكر القلق الذي ساور الأمريكيين من احتمالية اختراق نظام الانتخابات الأمريكية والعبث فيه من قبل الروس لمصلحة “ترامب” وهو ملف مفتوح الآن أمام الوكالات الأمنية الأمريكية.
- خامسا: مستقبل العالم سيكون بيد شركات المعلومات ومن يقف ورائها ولذلك من المتوقع – بعد قراءة خطة الحكومة الدنماركية للتعامل مع عصر المعلومات – أن تشرع دول كثيرة في تسمية “مندوبين” لها لدى شركات التقنية الكبرى فهي أهم في البعد الاستراتيجي من كثير من الدول ورعاية المصالح عند هذه الشركات أولى بالمتابعة من بعض الحكومات الهشة.
ومن الناحية الاستراتيجية فإن أمن المعلومات يتجاوز المفهوم الضيق للحماية المتعلق بكلمة “أمن” المعلومات إلى كلمة أخرى وهي “تأمين” المعلومات وطنيا. وتأمين هنا تعني “التزويد” وهو كل ما يعني ويدعم الجهود كي يكون “الإنتاج الوطني” هو المورد الرئيسي للمعلومات وأدواتها وصيانتها وحمايتها.
وفي حال وضع تخطيط استراتيجي لأمن المعلومات يحقق المصلحة الوطنية العليا وطموحات رؤية 2030 فلعل بعض المرتكزات الأساسية هنا تسهم في رسم خارطة الطريق ومن هذه المرتكزات:
- تخصيص نسبة متدرجة من الاعتمادات المالية الضخمة الموجهة لشراء التقنية لبرامج توطين التقنية وإشراك الجامعات والمؤسسات العلمية في خطة التحول من مستهلك إلى منتج للمعلومات وأدواتها ووسائل حمايتها.
- الشروع في بناء متطلبات شبكة الكرتونية وطنية متينة تغني في حال التهديدات عن الشبكة العالمية وتستطيع تحمل وحمل الخدمات بكفاءة وانسيابية.
- وضع خطط شاملة لبناء القدرات الفنية التقنية لكافة المؤسسات بحيث يكون عام 2025 (مثلا) هدفا لتحقيق 80% من الاحتياج الوطني لصناعة المعلومات.
- استقطاب الكفاءات والاستثمارات المهمة وتقديم التسهيلات لها ضمن خطة توطين شاملة.
- ضمان ألا يطغى هاجس “أمن المعلومات” على خطط تبني ونشر التقنية كشرط أساس للدخول إلى مجتمعات عصر المعرفة واقتصاد المعرفة.
- تكامل منظومة (أمن) المعلومات مع (الحاجة) (لإنتاج) المعلومات (والحق) في الوصول إليها (وواجب حماية) خصوصية الأفراد.
- التخطيط بوصف “المعلومات” وتقنياتها هدفا ووسيلة ووضع مؤشرات مرحلية تقيس مستوى التقدم في كل المسارات (إنتاج المحتوى، التوزيع الشبكي الكفء، أنظمة تشغيل متينة، برامج مرنة، تشريعات داعمة للحماية والإتاحة، أمن متحقق، توعية عامة ذكية، القدرة على التدخل السريع).
المحور الثاني
مخاطر الخلل الديموغرافي في دول الخليج العربي
الورقة الرئيسة: د. عبدالله المطيري
تعاني دول الخليج العربي من الخلل الديموغرافي شأنها شأن أغلب الدول؛ فبالرغم من تشابه دول الخليج في الخصائص الاجتماعية والاقتصادية إلا أن هناك تباين في بعض سماتها الديموغرافية، حيث يمكن تصنيفها إلى فئتين من حيث حجم السكان: فئة تعاني من قلة السكان الأصليين وتمثلها الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ودولة قطر، وأخرى تتميز بحجم سكاني مناسب وتمثلها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان ولحد ما بسبب صغر المساحة مملكة البحرين.
من الملاحظ أن الدول الخليجية مرت بتحول ديموغرافي متسارع تمثل في ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم نتيجة لتحسن المستوى الصحي والمعيشي مع المحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية فيما يخص الإنجاب. ثم بعد ذلك وفي العقد الأخير من القرن الحالي انخفضت معدلات النمو السكاني استجابة لانخفاض مستويات الخصوبة الناجمة عن عدة عوامل أهمها المستوى التعليمي وتأخر سن الزواج، فعلى سبيل المثال انخفض معدل الخصوبة العام (TFR) في السعودية من 4.5 نهاية القرن الماضي إلى نحو 2.2 مولوداً لكل امرأة، أي أنه في العقد القادم إذا استمرت مستويات الخصوبة في الانخفاض فستصبح معدلات الخصوبة تحت مستوى الإحلال البالغ (2.1). ولاشك أن ذلك سيترتب عليه مشكلات اجتماعية واقتصادية وأمنية.
وفيما يخص التركيب العمري فإن دول الخليج العربي ترتفع فيها نسبة فئة منهم في سن العمل وخاصة الشباب (15-34 سنة) إذ تشكل في السعودية 42% تقريباً من إجمالي السكان، ونحو 65% من إجمالي القوى العاملة السعودية، وقد أسهم ذلك في ارتفاع نسبة البطالة خاصة بين الإناث.
ويتوقع أن ترتفع نسبة كبار السن في العقدين القادمين لتتجاوز 20% حسب بعض الدراسات وذلك نتيجة ارتفاع معدل العمر المتوقع عند الميلاد إذ أنه سيتجاوز 80 سنة، مما يعني ضرورة العمل على توفير الخدمات الخاصة بكبار السن، ولا شك أن هذا سيخلق خلل في التركيبة الديموغرافية لدول الخليج حيث أنها ستدخل قريباً مرحلة الهرم (الشيخوخة)، الذي يؤدي إلى وجود فجوة في سوق العمل تستدعي استقدام أيدي عاملة من الخارج كما هو في اليابان وأغلب الدول الغربية، والتي تعاني من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزتها الحركات العنصرية الحالية.
وفي دول الخليج العربي هناك خلل في التركيبة الاجتماعية فنسبة الوافدين في بعض دول الخليج العربي مثل دولة قطر تصل إلى أكثر من 80%، وقد نتج عن ارتفاع نسبة الوافدين خلل في التركيب العمري والنوعي حيث أغلب الوافدين من العزاب ومن هم في سن العمل، وتسبب هذا الخلل في مشكلات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة.
من جانب أخر ترتفع نسبة التحضر في جميع دول الخليج نظراً لتركز الخدمات والفرص الوظيفية في المدن الكبيرة، فعلى سبيل المثال تصل نسبة التحضر في بعض دول الخليج العربي إلى أكثر من 90%. وتعاني السعودية خاصة من خلل في التوزيع السكاني لغياب التنمية الإقليمية المتوازنة والشاملة مما دفع بسكان الأرياف إلى الهجرة للمدن والتي أضحت تعاني من تركز سكاني عالي تسبب في ضغط على الخدمات ، فأكثر من ربع سكان السعودية يعيشون في ثلاث مدن ، يقابل ذلك وجود مناطق تخلخل سكاني في معظم المحافظات.
من خلال الاستعراض السريع والمختصر السابق تبرز المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يشكلها الخلل الديموغرافي على أمن واستقرار دول الخليج العربي، مما يحتم على متخذي القرارات وراسمي السياسات السكانية خاصة وضع حلول جذرية لتدارك المشكلة قبل استفحالها وصعوبة السيطرة عليها.
وللحد من مخاطر الخلل الديموغرافي نقترح التالي:
- لتباين حجم السكان فيما بين دول الخليج العربي يمكن سن قوانين تسهل على المواطن الخليجي حرية الإقامة والعمل في أي دولة دون قيود، خاصة أن بعض الدول الخليجية تعاني من ارتفاع نسبة الشباب العاطلين عن العمل.
- توليد فرص عمل للنساء لا تتعارض مع الدين وتذليل العقبات التي تحول دون تنقلهن بين دول الخليج.
- إنشاء مراكز ديموغرافية فعالة في كل دولة للقيام بإجراء الدراسات والبحوث الديموغرافية.
- الحد من أعداد العمالة الوافدة عن طريق نشر ثقافة التعليم المهني و الحرفي، وقصر بعض المهن على مواطني دول الخليج العربي.
- الاهتمام بالتنمية الإقليمية للحد من الضغط على المدن، مع الأخذ في الاعتبار خصائص كل إقليم.
التعقيب الأول: د. عبد الله العساف
تضمنت الورقة الرئيسة المخاطر الديموغرافية التي تعترض دول الخليج العربي، وفي تقديري أن هذه المخاطر لا يكفي تحديدها بل يجب تفصيلها وتشخيصها فهي كجبل الجليد الذي بدأ منذ مدة طويلة ينحسر من حوله الماء ببطء حتى أصبحنا نشاهده كالطود العظيم.
تتمثل هذه المخاطر في:
– مخاطر سياسية.
– اقتصادية.
– أمنية.
– ثقافية.
– اجتماعية.
فدول الخليج العربي تشكل منطقة جذب بشري كبرى ساهمت ثلاثة أسباب رئيسة في قيادة الهجرة زرافات ووحدانا إلى هذه الدول:
– الحرمين الشريفين.
– تدفق النفط بكميات تجارية ذات عوائد مالية ضخمة لم تشهدها المنطقة.
– السباق المحموم إلى الاستقدام دونما حاجة حقيقية له، مما أدى إلى المتاجرة بالعمالة الوافدة بمختلف الطرق!!
هذه الأسباب وربما غيرها أدت إلى وجود خلل في التركيبة السكانية لدول المجلس، حتى أضحت ثلاثة دول يعيش سكانها كأقلية في بلدانها على التوالي – الإمارات- قطر- الكويت- ولم تتنبه له دول الخليج العربي إلا بعد تفاقم المشكلات الناتجة عن هذا الخلل محلياً ودولياً، فمن الناحية السياسية تواجه دول الخليج العربي اليوم الخطر الذي تتبناه مؤسسات حقوقية ودولية جعلت من هذه العمالة مقصلة تخنق بها دول الخليج متى شاءت كالمطالبة بتوطين العمالة الأجنبية التي ساهمت في بناء حضارة هذه الدول، والمطالبة بمساواتهم بالحقوق المدنية للمواطن- رغم عدم وجود تفرقة أو تمييز يذكر- أو توجيه تهمة الإتجار بالبشر لهذه الدول، وربما البعد الأخطر هو تغير التركيبة السكانية لهذا الدول واستبدال الساكن الأصلي بالوافد الذي حتما سيكون طيعاً في يد الدول والمنظمات تفعل به ما تشاء، وربما تخرج هذه الدول من هويتها العربية لتكون أمشاج من أعراق وقوميات واثنيات شتى، لها حق المشاركة السياسية وربما الحكم.
وأما البعد الاقتصادي فالإعلانات الصادرة عن المؤسسات المالية في الخليج والتي ترصد تضاعف التحويلات المالية عاماً بعد أخر لم تكن كفيلة بقرع جرس الإنذار، حتى تفشت البطالة بين أبناء هذه الدول وعزوفهم عن الكثير من الأعمال المهنية التي بنو تصوراتهم أنه لا يمكن أن يقوم بها سوى الأجنبي، فلما احتاجوا إليها بحثوا عنها ففشل أغلبهم في منافسة الأجنبي مما أدى لخروجهم من السوق، التي سرعان ما تزدهر وتثمر عندما يتملكها الأجنبي. فارتهن اقتصاد هذه الدول للعمالة الوافدة، التي لم يقابلها برامج وسياسات تؤهل طالبي العمل وتوجه طاقاتهم لإحلالهم محل الوافد الذي يمكن الاستغناء عنه بسهوله في المرحلة الأولى، فلبنان والأردن مثلا حددا خمسة عشر مهنة لا يعمل بها غير المواطن في العام الماضي!! هذا التدرج الممنهج سيحمي دول الخليج – بإذن الله- من مخاطر أمنية واقتصادية كثيرة، فلو نظرت بتأمل لسوق الذهب أو مواد البناء أو قطع الغيار أو المفروشات، والتجزئة وحتى الدواء، أو غيرها لما احتجت لكبير عناء بالخروج بسيطرة جنسيات عربية وأسيوية على كل قطاع.
وفي جانب الخدمات سوف تلحظ وجود ضغط كبير على الخدمات الأمنية والصحية والتعليمية وغيرها التي يفترض أن تقدم للمواطن بالدرجة الأولى بكفاءة، مع الإشارة إلى أن أغلب موطني هذه الدول في الشباب القادر على العمل، فإذا لم يتم توجيهه واحتواءه وصرف طاقاته فيما ينفع فسوف يرتد شره وضرره على مجتمعه وبلده، “وهو ما حذرت منه دراسة بحثية أجريت مؤخرا من تفاقم البطالة في دول الخليج العربي بسبب ازدياد عدد العمالة الوافدة وتصاعد الخلل في التركيبة السكانية غير مستبعدة حدوث هزة كبيرة في التكوين السكاني لهذه المجتمعات”. “إذا وعلى سبيل المثال لو استمر الوضع السكاني على ما هو عليه فسوف يصبح عدد الإماراتيين فقط 2% عام 2025, مما ينتج عنه إشكالات ثقافية عميقة أهمها تراجع اللغة العربية التي أصبحت اللغة الثالثة بعد اللغة الإنجليزية واللغات الهندية، فالوافد يحمل معه هويته الأصلية، لكن الدول المتقدمة والنابهة الحريصة على هويتها تعمل على تحييد هذه الهوية الوافدة وتسعى لتذويب هذا الوافد في هويتها، وهو مالم تفعله دول الخليج العربي، وإذا ما نظرنا للبعد الأمني للعمالة الأجنبية نرى أن دول الخليج العربي شهدت عدة اضطرابات أمنية، يقف خلفها العمالة الأجنبية في تلك الدول، كاحتجاجات البنغاليين في الكويت و الهنود في البحرين، وإضرابات العمالة الآسيوية في دبي و أخطرها المواجهة مع العمالة الإثيوبية المقيمة بطريقة غير نظامية في السعودية 2013.
التوصيات
أن تدرك دول الخليج العربي خطورة الخلل الديموغرافي بتبني سياسة سكانية موحدة و واضحة وتقنين الهجرة الوافدة. كل ذلك يحتاج إلى حراك دائم قوامه الدراسات الاستراتيجية المبنية على استقراء الماضي ومراجعة الحاضر واستشراف المستقبل والعمل على اعتبار تنمية الهوية الوطنية خط الدفاع الأول حفاظاً على هذا الوجود من تحديات التشتت والتفكك والذوبان في ثقافة المجتمعات الوافدة إلينا والتي تشكل أكثرية في أغلب دول الخليج العربي ولنجعل منها قضية التزام وطني وديني وتاريخي ومستقبلي، جمعي وفردي، بالقيم الحضارية والعادات والتقاليد، واللغة واللسان، والعقيدة والإيمان، وتعزيزها واجب وطني يقع على عاتق الجماعة والأفراد، والحكومات والمؤسسات والأسرة معاً، والعمل على الإحلال التدريجي للمواطن من خلال سن برامج وتشريعات تسهل هذا الأمر وتدعمه، وتسهيل وتيسير إجراءات التجنس لكل من تتوافر لدية إمكانية خدمة الوطن، ويمكن أن تكون الجنسية بالتدرج – كمنحة البطاقة الخضراء- وبعد ثبات كونه مواطن صالح نافع ومفيد في تخصصات علمية ومهنية لا كروية.
التعقيب الثاني: د. عبدالسلام الوايل
قضية الخلل الديموغرافي في الخليج قضية متجددة منذ أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي، حيث بدأت أقطار الخليج تجرّب لأول مرة قدوم أعداد كبيرة من الوافدين. و أذكر في هذا الصدد أن منتدى التنمية الخليجي، و هو منتدى مثقفين و خبراء خليجيين يعقد باستمرار و بشكل سنوي منذ 1979 و حتى اليوم، ناقش هذه القضية ربما في أربعة أو خمسة من لقاءته التي قاربت الأربعين. الضوء المبهر في هذا الملف يذهب عادة لدق ناقوس الخطر على الثقافة المحلية و تركيبة السكان الوطنية لدول الخليج، بسبب وجود أعداد هائلة من غير المواطنين، تتراوح ما بين30% إلى 80% من جملة السكان. و كما أشار د. عبدالله، فإن دول الخليج تنقسم في هذا الصدد إلى مجموعتين لجهة حجم غير المواطنين. غير أنه في كلا المجموعتين تظل النسب مرتفعة في كل الأحوال. إذ و بحسب تقديرات العام 2013، يمثل غير المواطنين 87% من إجمالي السكان في الإمارات و 86% في قطر و 70% في الكويت و 51% في البحرين و 44% في عمان و 32% في السعودية. (مدار للأبحاث). وبسبب الصورة أعلاه، ظل مختصي الديموغرافيا و المهتمين بالشأن العام يدقون ناقوس الخطر على الدوام.
تكمن صعوبات تناول الموضوع في تباين طبيعة وجود غير المواطنين في هذه الدولة أو تلك. و هذا يرجعنا لتباينات بدأت تظهر لطبيعة الاقتصاد في هذه الدولة الخليجية أو تلك. ففيما تعتمد دول كالسعودية و الكويت في مداخيل موزانتها العامة على سلعة كالنفط، فإن إمارة دبي مثلا تعتمد على التجارة و السياحة. لذا، يشكل وجود الأجانب بأعداد كبيرة في دبي (أو “خلل” التركيبة السكانية في الإمارة) أهمية وظيفية لطبيعة النشاط الاقتصادي لها. ولولا تباين التركيبة لصالح غير السكان لما نجحت دبي في أن تكون أمثولة العولمة الأبرز في عالم اليوم. في حالة مثل هذه، يظهر انقلاب التركيبة السكانية، لصالح غير المواطنين، موظفاً بشكل واضح من أجل استمرار ليس البناء و عمل قطاع الخدمات. بل و حتى من أجل تأمين مدخولات أكبر للخزينة العامة، مما يمكن حكومة المدينة من الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها، فلم يعد لدبي نفط لتبيعه. لذا، ربما يحسن النظر لحالة التفوق العددي لغير المواطنين في بعض أقطار المجلس، كحالة دبي، بوصفه ضرورة ليس لإشغال المهن و إدامة التنمية. بل و حتى لإدامة الرخاء الاقتصادي.
أما في بقية دول المجلس، فإن الأمر أعقد قليلاً. ففيما لا تعاني بعض دول المجلس من ظواهر الفقر و البطالة، بمعنى أن وجود عمالة أجنبية للعمل لا تهدد مستوى العيش الكريم لأبناء ذلك البلد، فإن دولاً أخرى تعاني من هذه ظاهرة البطالة. و في النموذج الأخير تكون نسبة الوافدين و حجمهم موضوعاً حساساً ذا تأثير مباشر على رخاء المجتمع و ازدهاره و تأمين فرص العيش الكريم لأعضائه. و في هذا النموذج بالذات تقع السلطات، خاصة سلطات تنظيم سوق العمل، تحت ضغط مجتمعي متواصل لجعل سوق العمل أكثر استقطابا لليد العاملة الوطنية. و بناء عليه، فإن نسبة 30% من الأجانب في بلد قد تكون ذات ضرر على رخاء المجتمع أكثر من 80% في بلد آخر.
المداخلات حول القضية:
- تشخيص واقع الخلل الديموغرافي في دول الخليج ومخاطره
أشار د. منصور المطيري إلى أن استحضار التاريخ في كل قضايانا مهم جداً لفهمها و علاجها؛ فقد كانت هناك حاجة لوجود بعض أنواع العمالة الأجنبية المتخصصة للمشاركة في تنمية المملكة و الخليج بشكلٍ عام .. لكن الذي حدث في التسعينات الهجرية أن فلسفة التنمية اعتراها بعض الخلل ، ويكمن هذا الخلل في تبني مفهوم التنمية شديدة السرعة التي لا يمكن إنجازها بالعناصر الوطنية فقط ، بل لا بد من الاستعانة بكل من يرغب في العمل في السعودية و الخليج، و لم يصاحب ذلك أي خطة لبناء الإنسان السعودي و لا الخليجي .. بل الذي حدث أنه تم ضخ كثير من المفاهيم و السلوكيات المغلوطة إلى وجدانه و مشاعره مثل ترفعه عن العمل اليدوي و ميله المبالغ فيه إلى العمل المكتبي غير المنتج وتقمصه المستمر لشخصية المدير و المسؤول الذي يجيد الأمر و النهي ؛ و هذا الأمر أدى إلى أزمة لاحقة تمثلت في صعوبة إحلال المواطن محل الأجنبي لقلة كفاءته و جلده و غياب رغبته و تفاعله مع الأعمال التي يقوم بها الأجنبي ، خصوصاً مع انهيار التقدير الطبيعي لساعات العمل الذي يعطي الفرد العادي مساحة كافية للحياة الاجتماعية الطبيعية .. فالعامل الأجنبي عندنا يستهلكه العمل لدرجة لا يستطيع السعودي أو الخليجي أن يجاريه فيها لوجود ارتباطاته الاجتماعية. ثم حدث بعد ذلك أمر خطير و هو أن العمل التجاري و الصناعي للمواطن السعودي و ربما الخليجي سيتوقف تماماً لو غادر العامل الأجنبي.
وأضاف د. المطيري: ويبدو أن الخلل سيتواصل لأن هناك قناعة عند بعض المسؤولين في بعض دول الخليج في الاعتماد على الشركات الأمنية العالمية في حفظ الأمن ( مثل بلاك ووتر )، و أن الأمن في تلك الدول يمكن أن تستلمه شركات أمنية يأتي منسوبوها من أمريكا اللاتينية و من غيرها. و إذا صح هذا فهو يعني انفصام تام بين آمال و تطلعات المواطن في الخليج، و بين هموم و مخاوف بعض حكامه ( إذا صح ذلك).
بينما ترى أ. ولاء نحاس أنه لا يعيب أبدا استقطاب وافدين للعمل داخل المملكة لكن المهم أن تكون خبرات يستفيد منها الوطن ويتعلم منها شبابنا. وهذا في حد ذاته توجه الإمارات الذي دفع بها لتكون في مصاف الدول العالمية. لكن ما يحدث اليوم هو تحديد مجال معين للوافدين :
- وظائف مهنيه لا تغري السعوديين لروايتها المتدنية وعدم تقدير المجتمع لها ولأنها صُنفت منذ عهود طويله ضمن الوظائف الغير مقدرة والتي لا تتطلب مؤهلات في وقت كان المؤهل الثانوي أو الجامعي هو السائد.
- وظائف ليس لها أي مستقبل مهني واضح أو يتم بذل خطة تدريبية أو تطويرية لموظفيها وبالتالي هي أفضل للوافد منها للسعودي بناء على أولوياته واحتياجاته لأنها فعليا لا تشكل مستقبل مهني له كونه يعلم أنه يعمل لمدة زمنية وسيعود لوطنه.
وأوضح د. ياسر البلوي أن هذه المشكلة بدأت مع اكتشاف النفط وتزايد وتيرة التنمية اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاعتماد على القوى البشرية الأجنبية في تحقيق برامجها التنموية الطموحة والتوسع في القطاعات غير النفطية لتنويع مصادر الدخل، إذ توسعت في الصناعات التحويلية والبناء والخدمات وغيرها، وجميعها قطاعات عمل غير جاذبة للمواطنين بسبب ظروف العمل، على الرغم من أنها قطاعات كثيفة العمالة تحتاج إلى الأيدي الماهرة وغير الماهرة على حد سواء. وانصب الاهتمام على إرساء دعائم الدولة الحديثة دون الالتفات إلى تبعات استمرار الاعتماد على الأجانب في تلبية احتياجات سوق العمل، ومع مرور الوقت غدا المواطنون أقلية في بلدانهم، وبما يُمثل أهم الاختلالات السكانية الصارخة.
ويمكن الرجوع لكتاب “الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر” من إصدارات مركز الخليج لدراسات التنمية في الكويت وهي دراسة قيمة تناولت أوجه الخلل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والسكانية، وثبتت الدراسة المعلومات بإحصائيات دقيقة توضح أوجه الخلل. واختتمت الدراسة بخاتمة ترسم طريق بناء دولة المواطنة والتنمية والأمن والوحدة.
ورغم أهمية كل الملفات التي عالجتها الدراسة، فإن موضوع الخلل السكاني يظل هاجسا مؤرقا لمواطني دول المجلس. يعتبر «الخليج والآخر» هو الكتاب الثالث في سلسلة «الثابت والمتحول»، بعد كتاب «الخليج بين الثابت والمتحول» و«الخليج بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة. محور الكتاب ينطلق من مبدأ أن التعرف على الذات يتطلب تحليل علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع الآخر .. الدراسة لخصت المشكلة السكانية في عبارة (المواطنون «شركاء» في خلق هذه المشكلة) ، كونهم يستفيدون من الخلل السكاني القائم ولو بشكل نسبي، مقارنة بالحكومات. وتضع الدراسة اللوم على الاعتماد على الاقتصاد الريعي للنفط، وهو ما «همش» دور المواطنين إنتاجيا. كما أن الميزات الحصرية التي توفرها الدولة للمواطنين ساهمت في تهميش دور المواطنين في المشاركة السياسية والاقتصادية.
و جاء في الدراسة المذكورة كذلك أن الثّابتُ هو تواصل الاعتماد على الوافدين بوصفهم العنصر الإنتاجي الرّئيس في المجتمع، حتى بلغت أعدادهم ما يُقارب نصف سكان المنطقة (48%) لأوّل مرّة في تاريخها، هذا في مقابل تواصل تدنّي حقوقهم الاقتصاديّة والإنسانيّة والسّياسيّة. أمّا المُتحوّل فهو تبلور دور اقتصادي مهم للوافدين من حيث كونهم مصدراً للطّلب، وقوةً شرائيّة رئيسة في المنطقة، خاصة في السّوق العقارية، في مقابل دورهم السّابق التّقليدي، عنصراً إنتاجيّاً ومصدراً للأيدي العاملة فقط، ممّا يفاقم من الاعتماديّة على الوافدين في الاقتصاد المحلي.
وأشار أ. مسفر الموسى إلى أنه مما يلفت الانتباه ما ذكره د. عبدالله المطيري حول معدل الإحلال العالمي والمقدر ب(2.1) لكل امرأة.. هذا المعدل المثالي للتكوين السكاني تجاهل متغير اتجاه المجتمع نحو الإنتاجية. إذ قد يكون هذا المعدل مثاليا للمجتمعات المنتجة.. فيما قد يكون عبئا في المجتمعات المستهلكة والتي ليس لها مسارات وخطط للإنتاج.
في البيئة السعودية مثلا ينظر لسن الشباب في الخطاب الرسمي والإعلامي- ولو بصورة ضمنية- إلى أن هذه المرحلة العمرية كلما ازدادت فإنها تشكل مجموعة من الأعباء على الحكومة؛ فهي تساهم في مشاكل البطالة والتعليم وغيرها.. مما يعني احتمالية أن معدل الإحلال المثالي قد ينخفض عن المعدل العالمي بالنسبة للمجتمعات الاستهلاكية، طالما أن مسارات الإنتاج محدودة.
ويرى د. خالد الرديعان أنه و في موضوع خلل التركيبة السكانية يفترض أن لا نلقي باللائمة على الأجهزة الحكومية؛ فالأفراد مسؤولون عن زيادة أعداد الوافدين في المهن الدنيا والمهن التي لا تتطلب مهارات محددة. عندما حاول الوزير القصيبي رحمه الله ضبط الاستقدام أصبح الجميع يذمه ويشكك بوطنيته. المشكلة في جزء منها تعود للمواطن الخليجي الذي كان مسرفاً في استقدام العمالة حتى غص البلد بهم. يجب أن نكون منصفين في هذا الجانب وأن لا نتنصل من مسؤولياتنا كأفراد.
الأفراد يطالهم مسؤولية في الاستقدام فبعضهم أغرق البلد بالعمالة الرخيصة بل إنه يتم التكسب من هذه العمالة من قبل الكفيل. الحكومة تعطي الكفيل العدد الذي يحتاج إليه لكن بعضهم في مرحلة ما يلغي البزنس ومن ثم يلجأ إلى تسريح عماله في الشوارع مما خلق فوضى عارمة في السوق. التشريعات الحكومية موجودة وصارمة لكنها تخترق من قبل بعض ضعاف النفوس.
وبمرور الوقت أصبحت كثيرا من المهن “موصومة اجتماعيا” وارتبطت بجنسيات محددة لدرجة أن الخليجي أصبح يتجنب القيام بها بل ويعد ذلك عيبا. هذا الوصم عزز من الحاجة للوافد للقيام بكثير من المهن وبعضها مجزي lucrative جداً. مشكلة الخلل في التركيبة السكانية اجتماعي وثقافي في بعض جوانبها، الأمر الذي يجعل الحلول صعبة أحياناً.
وذكر أ. خالد الحارثي أن هناك القطاع الخاص الذي يفضل الوافد، وهناك هوامير الاستقدام الذين لا يريدون السعودة فهي تقلص مصالحهم، ومن ثم لابد من البحث عن المستفيد وراء كل ظاهرة سلبية.
ومن جانبه أوضح د. عبدالله المطيري أن الهدف مما جاء بالورقة الرئيسة لفت الانتباه للقضية من أجل العمل على وضع حلول تسهم بالتقليل من المخاطر. وفيما يخص الإحصاءات فلا توجد إحصائية واحدة حسب علمه تنفي وجود الخلل بل العكس هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية الإحصاءات تتباين حسب مصادرها الحكومية والدولية لذلك لعل من الأنسب التركيز على المشكلة وأسبابها وحلولها.
كما أن الإشكالية تكمن في ارتباط السكان بالتنمية، فأي خلل في أي منهما يؤدي إلى خلل في الجانب الثاني؛ والمملكة لا تعاني من مشكلة في حجم السكان الأصليين والدليل أننا نستضيف أعداد كثيرة منهم.
و فيما يخص التركيب العمري للسكان السعوديين فنحن نمر بمرحلة تعرف باسم الهبة الديموغرافية والتي لم نستفد منها بل نحن على وشك تجاوزها والدخول في مرحلة الشيخوخة. وعدم الاستفادة ناتجة عن غياب التخطيط الذي يأخذ في الاعتبار متغير السكان فأصبحت الهبة نقمة نتج عنها مشكلات عديدة.
في حين لا ترى د. وفاء الرشيد أن هناك خطورة مباشرة؛ حيث الفروق والاختلاف العرقي والديني له إيجابياته في عملية التنمية ، أن كما للتطابق مضاره، وبالفعل النسب في الأجانب كبيرة ولكن لو أن الحكومة وضعت أنظمة للضرائب وللتجنيس مبكراً لما كان التكدس بمثل هذه النسب ولكانت عجلة التنمية أكثر احتواء للآخر وليست كما هي علية اليوم التنمية بالآخر.
وأضافت: أتحفظ على الطرح؛ حيث إننا نرى الرأي والموقف واضح من بداية النص، والذي استند كذلك على نسب موجهه تخدم التحليل.. تمنيت أن أرى بالمقابل نسب للسعوديين المدربين الذين يمكنهم إحلال وظائف الأجانب بلا دعم.
وتساءلت د. وفاء حول ما ذكره د. عبدالله عند صياغة النقطة الثانية كمقترحات للحد من المخاطر ( توليد فرص عمل للنساء لا تتعارض مع الدين وتذليل العقبات التي تحول دون تنقلهم بين دول الخليج.. ) أليس تذليل العقبات في التنقل يتعارض مع الدين؟ وما هي الحكمة من ترافق هذه الجملة مع عمل المرأة فقط ولا ترافق عمل الرجل مع إننا جميعاً عباده والعقاب والثواب واحد؟
وفي هذا الشأن أوضح د. عبدالله المطيري أن المرأة تحتاج لمحرم سواء للدراسة أو العمل ، وهذا ما قصده، واستشهد بالآية الكريمة: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ( آل عمران، 366).
وتطرق د. خالد بن دهيش لوجهات النظر التي تؤكد على خطورة القضية ومن ذلك ما طرحه د. عبد الله النفيسي والذي ينظر للاستيطان ( الخلل الديموغرافي في دول الخليج ) من زاوية تنذر بخطر قادم – دبي كمثال. كما يتبنى د. جمال السويدي وهو من أهل دبي رأي مشابه.
لكن د. خالد الرديعان يرى أن هناك مبالغة في هذه الرؤية؛ فسكان دبي الوافدين في تصوره أناس يريدون الدرهم ولا تعنيهم أمور السياسة. ونفس النظرية التي تقول بالخلل الديموغرافي في فرنسا وأن المسلمين سيحكمونها بعد ٣٠ سنة إذا استمر توالدهم بهذه الكثرة.
وعلقت د. وفاء الرشيد بأن الخلل الديمغرافي لم يكن تحدي في التاريخ سابقاً ؛ الأوربي مثلاً: إيطاليا كانت إمارات وتوحدت، وألمانيا كانت دوقيات وتوحدت البفارين لم يكن علاقة بالشمال، والإمبراطورية النمساوية كانت تضم المجر ( هنجاريا ) باختلافها العرقي. هذا على وجهه المقارنة وليس على وجه التطبيق لأن القرن الثامن عشر والتاسع عشر لا يقارن بالقرن العشرين لأن المنظومات السياسية الحاكمة التي تحكم المجاميع البشرية اليوم تختلف.. فنابليون خرج من فرنسا وانتهى في موسكو وطبق القانون الفرنسي وهذا لا يمكن أن يحدث في الواقع المعاصر ( ميثاق الأمم المتحدة ) فالتأثير اختلف ديمغرافيا.
مفهوم فكرة المواطنة والوطن الواحد وبحثة في تاريخ الدول العربية قد يكون مدخل لتفكيك الواقع السياسي ولماذا أصبح منفر للديمقراطية وهنا نرجع لنظام التقادم الذي قد تستعمله المنظمات الدولية لإجبار التجنيس مثلاً؛ فإذا كان تعريف الديمغرافية هي مجاميع الكتل البشرية التي تجمعها قواسم مشتركة وتعيش على بقعة واحدة المثال الصارخ هو إنجلترا فلم يكن هناك فكرة المواطنة لوطن اسمه إنجلترا بقدر الانتماء إلى ويلز وإسكتلندا وإيرلندا ،! فكيف أصبح المواطن هي المواطن البريطاني وليس إنجليزي مما يقودنا إلى انتخاب أول عمدة مسلم باكستاني بريطاني.
وأوضح د. عبدالله المطيري فيما يخص التركيبة الاجتماعية ، أنه وتاريخياً لم تكن تعاني دول الخليج إذن لماذا تعاني الآن؟ تعاني الآن بسبب استقدام الأيدي العاملة الحرفية ، فالاقتصاد الخليجي قائم على البترول حتى الإمارات عندما انهارت أسعار البترول عانت؛ فجميعها دول فقيرة اقتصادياً وطول الفترات الماضية لم تستطع بناء اقتصاد منتج. بمعنى آخر الموارد غير قادرة على استيعاب حجم السكان بعد نضوب أو انخفاض الدخل.
من قدموا لهذه الدول ويريدون الحصول على الجنسية يرتكبون خطأ بحق أبنائهم، دولنا دول طاردة عبر التاريخ وسيعيد التاريخ نفسه، ولكن الخلل ستعاني منه الأجيال القادمة، وعلى دول الخليج التخلص أو تقليص العمالة ووقف التجنيس، واستغلال مواردها البشرية وترشيد استهلاك مواردها الطبيعية المحدودة.
وقال د. ناصر القعود: موضوع الورقة الرئيسة هو ( مخاطر الخلل الديموغرافي في دول الخليج العربي ) والمقصود ( مخاطر الخلل الديموغرافي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ) حيث لم تتطرق الورقة ولا التعقيبات للوضع السكاني في العراق أو إيران وهما من دول الخليج العربي . الموضوع قديم متجدد وتناولته أبحاث ودراسات وصيحات منتدى التنمية على مدى عقود ، وتناولته وثائق وقرارات مجلس التعاون لدول الخليج العربية بما في ذلك وثيقة ( استراتيجية السياسة السكانية لدول المجلس ) المقرة من المجلس الأعلى لمجلس التعاون ، واقترحت حلول وللأسف لم يؤخذ بها، فالمشكلة واضحة وتحتاج قرارات تنفيذية من حكومات دول المجلس .
أما د. مساعد المحيا فقال: مع قناعتي بالخطر الأمني من هذا الاختلال وبالخطر الاقتصادي وبخاصة أولئك الذين يديرون ما يسمى بالاقتصاد الخفي؛ إلا أن ثمة رأي لا يزال يرى أن ما نسميه اختلالا هو دعم للبنية الاقتصادية الوطنية وأن الدول تستطيع أن تستثمر هؤلاء بما لا يضر على مستقبلها وخططها ومنهجها.
أيضاً أشار د عبد السلام إلى وجود اهتمام بالموضوع قبل ٣٠ عاما، لكن الواقع حتى اليوم يظهر أن الإمارات استفادت واستثمرت هذه الفئات ولا تزال داعمة لها، بمعنى لا يمكن تصور قرار في الإمارات أو قطر يتم فيه ترحيل نصف الأجانب مثلا؛ إذ قد تنشأ كارثة اقتصادية واسعة.
دول الخليج يبدو أنها تتجه للتكيف مع كل هذا الاختلال، والقلق هو أن يصبح هؤلاء مواطنين ثم يغيروا منهج البلاد ومستقبلها.. وهذا مكمن كل الخطورة.
في حين يرى م. أسامة كردي أنه وإذاً كانت الخطورة الرئيسيّة من الاختلال السكاني هو أن يصبح هؤلاء مواطنين ثم يغيروا منهج البلاد و مستقبلها؛ فإن مثل هذا الأمر هو بأيدينا نحن و نستطيع التحكم فيه بقراراتنا منحهم الجنسية من عدمها. و مقارنة ما نقوم به حالياً في التعامل مع المقيم بما يشابهه في أوربا و أمريكا سنجد أننا نحمي مجتمعنا من التغيير المقصود هنا ، ويمكن الإشارة هنا بدقة أكثر إلى صعوبة منح الجنسية و منح المقيم إقامة ( مؤقتة مهما طالت ) لكي يعلم أنه ضيف مؤقت في بلادنا .. و هذا لا يتم في الغرب و لكنه يتم بدرجات متفاوتة في الشرق .. اليابان كمثال .
وأضاف أ. سمير خميس أنه في سنغافورة كانت الغالبية للعرق “الملايوي” المسلم، ثم بعد الاستعمار البريطاني تم تسهيل هجرة الصينيين إليها حتى أصبحوا هم الغالبية، صحيح أن سنغافورة متقدمة لكنها هل كانت لأهلها؟! العرق الملايوي يشكل الآن أقل من ١٥٪ من سكان سنغافورة.
وتطرق د. سعد الشهراني إلى أنه كان للتنمية المتسارعة ( التي انطلقت في العقد السابع من القرن الميلادي الماضي ) آثار مهمة و منها:
- الزيادة الكبيرة في الطاقة الاستيعابية للاقتصاد (absorptive capacity ) بما يفوق قدرة القوى البشرية كما و كيفا (إن جاز التعبير ) مما استدعى فتح باب الاستقدام و سوق العمل على مصراعيه أمام اليد العاملة الأجنبية.
- ركزت خطط التنمية و لا زالت على تطوير البنية الأساسية و هو ما ساهم مباشرة في زيادة الطاقة الاستيعابية نفسها و في زيادة الطلب على الأيدي العاملة الوافدة.
- اتجهت التنمية اتجاها رفاهيا- رعويا- ريعيا شوه سوق العمل و فتح باب الاستقدام أما العمالة الناعمة.
- أدمن الاقتصاد على الأيدي العاملة الوافدة منخفضة الأجور بل أدمن العامل الوافد نفسه على البقاء ربما حتى الوفاة و الأنظمة و الممارسات الرسمية و الاجتماعية تسمح بل تشجع ذلك. و لذلك فالنتيجة أصبحت محسومة لصالح الهجرة النظامية و غير النظامية مما زاد من المكون السكاني المهاجر إلينا و البقاء لدينا.
- من أهم التشوهات في سوق العمل و بالتالي في الهرم السكاني الأثر السلبي على إنتاجية اليد العاملة الوطنية.
- لا بد من القول أن هناك منجزات تنموية حقيقية و أن المكونين السكانيين: المواطن و نظيره غير المواطن أسهما في هذه المنجزات.
إن إدارة التنمية قصيرة النظر كانت السبب الرئيس وراء هذه التشوهات لأنها لم تستشرف المستقبل لترى المنزلقات و الانحرافات و الانعكاسات السلبية و منها هذا الخلل في الهرم السكاني.
وأشارت د. عائشة حجازي إلى أن العنصر البشري يمثل أساساً لتطور المجتمع والارتقاء به ، وتنمية هذا العنصر كثروة مجتمع لا تكون إلا بالالتفات لعدة عوامل مؤثرة ومنها تنوع أفراد المجتمع المحيط ومدى تأثيره الواضح نفسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتماسك المجتمع يعتمد على مدى التشابه والتقارب بين مكوناته البشرية في لغتهم ودينهم وغير ذلك من عناصر الثقافة، إضافة إلى التقارب في مستواهم الاقتصادي؛ فعندما ننظر إلى هذا التفاوت والاختلاف في السكان وتنوعهم وكما جاء بالمداخلات وعن سلبياته وإيجابياته المختلفة لابد أن نذكر التأثير النفسي والثقافي الذي ممكن أن يسببه هذا التنوع فمثلا حصر بعض الوظائف في التخصصات المختلفة على الوافدين قد يسبب البطالة ويؤدي بدورة لنوع من القلق والاحتراق النفسي الذي قد يعاني منه المواطن نتيجة لإحساسه بأنه غير مقبول في وطنة ولا توجد لديه فرص مثل غيرة من الوافدين وفي وطنه. وهذا قد يتفاقم لدرجة عدم شعوره بالانتماء والوطنية. كذلك هناك تأثير واضح في اختلاف العادات والتقاليد وتباينها ومدى تأثر الأجيال الحديثة بها ونقمتهم على بعض تقاليد مجتمعهم الذي تربى عليها آبائهم وأمهاتهم فأصبحت الأسر تعاني من ذلك وباتت تشتكي من عدم قدرتها واستطاعتها في المحافظة على تقاليد حسنة موروثة في ضوء العادات الوافدة والتي أصبحت مؤثرة لحد كبير في مناحي الحياة المختلفة.
- التوصيات والحلول المقترحة لمعالجة الخلل الديموغرافي في دول الخليج
من جهتها ترى د. نوف الغامدي أن من المهم عند الحديث عن السياسة السكانية لدول الخليج التأكيد على ما يلي:
- تحقيق التوازن في التركيبة السكانية وهيكل قوة العمل.
- تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق في كل دولة بهدف الحد من الهجرة الداخلية إلى المدن.
- تنمية رأس المال البشري من خلال توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والتدريب.
- تطوير نظم ومناهج التعليم.
- زيادة معدلات المشاركة الاقتصادية للمواطنين من الذكور والإناث.
- إحلال العمالة الخليجية محل العمالة الوافدة.
- تطوير الإحصاءات السكانية وبيانات سوق العمل ورفع مستوى دقتها وشمولها وتحديثها بصفة منتظمة.
وفي ضوء ما تقدم يمكن صياغة مقترحات استراتيجية للتعامل والتي يمكن أن تحقق درجة من إمكانية تحقيق النتائج المرغوبة بأسلوب علمي كما يلي:
- صياغة سياسة موحدة لقضايا العمالة الوافدة في علاقتها بالعمالة المحلية تنبثق منها خطط وبرامج قابلة للتنفيذ، وتستجيب للقواسم المشتركة بين دول الخليج مجتمعة وفي الوقت نفسه تشبع الاحتياجات الخاصة لكل دولة على حدة.
- بناء شبكة للمعلومات السكانية الخليجية مبنية على دراسات للحاضر والمستقبل تساعد على وضع سياسات للسكان والتوطين.
- التكيف مع التحولات الدولية المعاصرة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، وحقوق الإنسان ووضع السياسات السكانية التي تستفيد من الفرص المتاحة في هذه التحولات وتقلل من المخاطر الكامنة فيها.
أما بالنسبة لاستراتيجيات وسياسات المرحلة الانتقالية فيجب أن تراعي العوامل التالية:
- الحد من الإنفاق الاستهلاكي والسيطرة على حجم الإنفاق العام والخاص وتركيبهما في القطاع العام والخاص عن طريق أدوات السياسة المالية والاقتصادية والتجارية.
- إحكام قيود الهجرة وقيود الاستقدام وإناطة ذلك بالدولة المسؤولة عن سوق عمل واحدة في البلد الواحد، تغذيها بالعمالة المواطنة المناسبة من خلال التعليم والتعبئة والتدريب وتستكملها بالاحتياجات المهنية الناقصة وفق سياسة هجرة واضحة المعالم ومحسوبة التأثير والنتائج.
- تنمية الحوافز والروادع الذاتية لدى صاحب العمل والمواطنين أفرادا وجماعات ومؤسسات ولدى الوافدين أيضا من أجل الانسجام مع متطلبات تحقيق الأهداف الكمية والنوعية للسياسة السكانية.
- توظيف التقنية والاتجاه إلى النشاطات الإنتاجية والخدمية ذات الكثافة الرأسمالية والاعتماد على التعليم والتدريب والتطوير أثناء العمل لإعداد كامل قوة العمل المواطنة والوافدة أيضا للوظائف ذات المحتوى التقني العالي.
- رفع مستوى المهارة والمسؤولية لدى متخذي القرارات التنفيذية والاهتمام بتوجهاتهم الوطنية.
- إقامة شراكة بين الدولة والمجتمع المدني في كافة مراحل بناء السياسات السكانية لضمان استمرارية البرامج ونجاحها.
- تحقيق مشاركة أوسع من كافة فئات المجتمع في بناء التصورات المستقبلية من خلال حرية الإعلام في معالجة قضايا السكان وفتح باب الحوار أمام القضايا الخلافية.
- إدماج قضايا حقوق الإنسان في كافة السياسات السكانية، فلا سياسات سكانية ناجحة تقوم على أساس هدم حقوق الفرد والأسرة باعتبارهما أساس المجتمع.
- تمكين المرأة وتوظيف قدراتها ومشاركتها في الحياة العامة لتصبح عضوا فاعلا في المجتمع.
- التطوير النوعي لسياسات التعليم والبحث العلمي والتطوير لتمكين الخريجين من فرص العمل الجديدة التي يفرزها اقتصاد المعرفة، للدرجة التي يمكن معها تطبيق سياسات الإحلال من دون الإخلال بجودة الأداء.
- من الممكن فتح باب منح الجنسية للجاليات العربية من أصحاب الكفاءات التي تتمتع بثقافة جامعة وقواسم وطنية مشتركة مع أصحاب البلد الأصلي.
- يتطلب إصلاح الخلل السكاني في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تبني وتطبيق استراتيجية سكانية وفق برامج وخطط وإجراءات كافية وصارمة ذات أهداف كمية ونوعية قابلة للمتابعة والقياس والتقييم الموضوعي، وذلك من أجل أن يصبح المواطنون الأغلبية الآمنة والفاعلة ذات الدور الرئيسي في المجتمع في المدى المتوسط 10 سنوات، وأن يصبح المواطنون أغلبية متزايدة تعتمد عليها قوة العمل. وتكون نسبة العمالة الوافدة في إجمالي عدد السكان لا تتعدى 10 في المائة في المدى البعيد 20 سنة، ونسبتهم في إجمالي قوة العمل لا تتعدى 20 في المائة. إن هذه النسب المقترحة تعتبر من أعلى النسب في العالم حتى في الدول التي تأسست على الهجرة.
- على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتبنى تشريعات وقوانين تتولى فيها تحديد أعداد العمالة الوافدة ونوعيتهم المهنية ومتطلباتهم الثقافية.
- العمل على بلورة إرادة سياسية والضغط على متخذ القرار مباشرة، ولهذا لا بد من التعاون أيضا مع الأجهزة التنفيذية المسؤولة عن السياسة السكانية وعن الهجرة واستقدام العمالة وتوطين الوظائف ومتابعة أدائها ومساعدتها بالرأي والنصيحة والوقوف معها ضد ضغوط المنتفعين من استقدام العمالة ومن تصديرها أيضا.
- لمعالجة الخلل السكاني في المدى البعيد (10-20 سنة) لابد من تبني استراتيجية تتضمن تعبئة كامل قوة العمل المواطنة المتاحة وتوجيهها إلى وظائف إنتاجية بعيدا عن البطالة المقنعة.
وذكر أ. جمال ملائكة أنه و بالنسبة لموضوع خلل التركيبة السكانية فإنه يجب علينا التفكير من خارج الصندوق. “قد” يكون وجود الوافدين في السعودية تحديدا إيجابيا و ليس سلبيا “بشروط” منها :
- أن يتم تجنيس المؤهلين منهم و ليس المهن الدنيا فيكونون بذلك رافدا للبلد و للاقتصاد.
- الأولوية في التجنيس تكون للدول العربية حيث أننا جميعا لنا دين واحد و لغة واحدة و منطقة واحدة الخ.
- تقام اختبارات محددة نفسية و مهنية للتأكد من “قيمة” و “ملائمة” الوافد المراد تجنيسه للبلد.
- لا يتم تجنيس الوافد المؤهل من بلاد غير عربية إلا بشروط صارمة.
- لا يتم تجنيس الوافد الغير مؤهل أو له وظيفة دنيا.
ومن المهم في هذا الإطار التأكيد على ما يلي:
- أن توطين/تجنيس المؤهلين مهم جدا من الناحية الاقتصادية و توطين الأموال التي يجنونها في البلاد.
- لا بد من رفع عدد السكان لأننا بذلك “نخلق” سوقا كبيرة فتصبح المشاريع الصناعية و التجارية و الخدمية ذات جدوي اقتصادية (خاصة بعد تصاعد الإجراءات الحمائية عالميا بل و ستزداد).
- يرتفع حجم الاستثمارات.
- يكون لنا عمق سكاني “عسكريا”.
كل ذلك يتم بالتوازي مع “إصلاح” التشوهات التي لحقت بثقافة العمل و مخرجات التعليم الخ ليصبح السعودي قادرا علي المنافسة و يرتفع دخله و بالتالي تكوين أسرة مما يؤدي إلى زيادة أعداد السكان الأصليين و عدم تناقص أعدادهم و الأهم “دورهم” المباشر في تنمية و حماية البلاد.
بينما يرى د. خالد الرديعان أن هذا الحل السابق يناسب جدا دولة الإمارات لكي لا ينشأ عندها مشكلة مستقبلا مع الوافدين من خلال قيامها بتجنيسهم لتنتهي المخاوف.
في حين يعتقد أ. جمال ملائكة أن نفس الحل يصلح بالمملكة أيضا و لكن للأسباب الاقتصادية و التنموية المذكورة أعلاه. و دلل على ذلك بتجربة الولايات المتحدة فهي – برأيه – بوتقة انصهر فيها المهاجرون و عقولهم المبدعة و حجم السوق الخ، ولعل هذه هي النظرة الصحيحة و خاصة لبلد في حجمنا و موقعنا و ثرواتنا، ومن الضروري أن يكون هناك انفتاح ثقافي و ترفيهي و سياحي الخ.
واتفقت أ. ولاء نحاس مع طرح أ. جمال ملائكة، وأضافت أنه ومع الأسف الكثير من شبابنا اليوم يتسرب للإمارات – كمثال وكجارة وأقرب لنا وأكثر تطور وانفتاح اقتصادي – خصوصا في مجال المشاريع الصغيرة وفرص العمل الواعدة؛ برغم أنها فرصه ممتازة للسعوديين للعمل هناك ليعودوا بعد فتره بالعلم والخبرة، لكن السؤال لماذا لا نكون بيئة مناسبه للمبدعين من داخل وخارج المملكة؟
وأكد د. خالد الرديعان أن المشكلة السكانية والخلل فيها هو من صنع أيدينا حكومات وأفراد. لو كنا كأفراد نقبل العمل بجميع المهن خاصة التي لا تحتاج إلى مهارات عالية لما وصلنا إلى هذا الخلل الكبير؛ فكون ٣١٪ من السكان وافدين تظل نسبة كبيرة ومرشحة للزيادة. والبعض يلقي باللائمة على التشريعات الحكومية الخاصة بالاستقدام ويتناسون أن المشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى. نحن ننفر من كثير من المهن ونريد مهن محددة وهذا يعاكس توجهات السوق والاقتصاد الحر. صحيح أن بعض المجتمعات المتقدمة لديها عمالة وافدة تمارس المهن الدنيا كالمكسيكيين في الولايات المتحدة لكن نسبتهم ضئيلة ونجدهم يتركزون في الولايات الجنوبية غالبا. كيف نتغير؟
ويكمن الحل في نظر د. منصور المطيري في استراتيجية طويلة الأمد يكون هدفها تقليص و إحلال متزامن و تدريجي ، و الابتعاد تماماً عن الخطط السريعة المتعجلة ، و هذا يتطلب ضبط ساعات العمل بشكل منطقي خصوصاً مع دخول المرأة سوق العمل بشكلٍ مندفع يفتقد للتخطيط.. و يواكب ذلك تكثيف التدريب للشباب و الشابات في مختلف الأعمال، و التحديد المستمر المتجدد للأعمال التي يمكن البدء بقصرها على السعوديين.
ويرى د. حامد الشراري أن المشكلة تتمثل في نسبة الأجانب العالية، أما الأسباب فتتعلق بالحاجة لأيدي عاملة، وقد تكون لظروف سياسية أو اضطرابات أمنية في بلدانهم . وبناء عليه فمن الحلول المقترحة:
- أن يكون هناك حد أعلى للفترة الزمنية التي يقضيها الوافد في المملكة ودول المجلس دون انقطاع، مثلا ١٠ سنوات وله الحق أن يعود بعد فترة لا تقل عن سنتين قضاها في وطنه؛ والهدف من ذلك أن يبقى دائماً مرتبطاً ببلده وعلى صلة به.
- تقسم التأشيرات كفئات لكل فئة فترة زمنية محددة ، مثلا العمالة لا تتجاوز عشر سنوات كحد أعلى، وللأطباء وأساتذة الجامعات ٢٠ سنة.
وتحتاج دول الخليج العربي في تصور د. حميد المزروع – ومع تقديره لجميع الجنسيات العربية والأجنبية التي ساهمت في تنمية الدول الخليجية- وحتي توازن ما بين المخاطر المرتبطة بملف البطالة كمطلب وطني داخلي إلى جانب المخاطر المتنوعة المتصلة بقضية الاختلال الديمغرافي لدول الخليج ، أن تضع معايير جديدة للاستقدام تتضمن المقترحات التالية:
- أولا: أن يقتصر الاستقدام علي العمالة المهنية والمؤهلة.
- ثانيا : أن لا تزيد فترة الاستقدام عن عشرة سنوات.
- ثالثا : أن لا تجدد الإقامة لمن يبلغ الستين سنة ، وهو السن الدولي للتقاعد .
- رابعا: أن تمنع استقدام الأسر لجميع الجنسيات باستثناء الكفاءات.
وأوضح د. عبدالله المطيري أن من أسباب الخلل في التركيبة الاجتماعية الطمع المادي على مستوى الأفراد والشركات، والحل بسن أنظمة تحد من ذلك الطمع الذي أصبح جشعاً أضر بالجميع.
ومن جهته تساءل م. خالد العثمان عما إذا كان موضوع تحليل وتخطيط ومراقبة التركيبة السكانية في السعودية وبقية دول الخليج يقع ضمن اختصاصات جهة حكومية محددة . وأضاف: إن لم يكن الجواب بالإيجاب فمن المهم التوصية بتأسيس جهة مرجعية محددة تقوم بمهمة تخطيط ومراقبة وقياس التبعات والآثار السلبية فيما يتعلق بالتركيبة السكانية لدول الخليج عموما والسعودية خصوصا.
واقترح د. خالد الرديعان أن يكون هناك ما يشبه المرصد السكاني لمراقبة ما يطرأ على التركيبة السكانية وأن يكون منفصل تماما عن هيئة الإحصاء بحيث يقوم بعمل دراسات ومسوح مستمرة لرصد التغيرات السكانية. ويمكن أن يكون أعضاءه من جمعية الدراسات السكانية.
وأكد أ. سعيد الزهراني على أهمية تسهيل أنظمة العمل، والاستفادة من الخدمات وتيسيرها أمام مواطني دول الخليج للعمل المشترك؛ فهذه الفكرة لو قدر لها التطبيق – رغم العوائق – فستكون الحل الأمثل برأيه.
أما د. ياسر البلوي فيرى أنه يجب أن نفكر بجدية لأن نهيئ أفراد المجتمع للإنتاج وإحلالهم مكان الوافدين ، ومن المهم كذلك دعم توجه استفادة دول الخليج الصغيرة التي تعاني من الخلل السكاني من المكونات السكانية الهائلة لدول الخليج الكبرى والتي تعاني من بطالة كبيرة بتسهيل تنقلهم وإقامتهم والاستفادة من طاقاتهم لتجاوز هذه الأزمة.
وذكر د. سعد الشهراني: أنه و إذا كان هناك إجماعا وطنيا و قناعة تامة لدى القيادة السياسية بأولوية تصحيح هذا الخلل، فإن وضع سياسة و خطة سكانية من أهم أهدافها (الانحياز ) لليد العاملة الوطنية وتصحيح تشوهات سوق العمل سوف يؤدي بإذن الله إلى:
١- تصحيح الخلل في الهرم السكاني و الخلل السكاني.
٢- معالجة التداعيات السلبية في التركيبة السكانية.
٣- ارتفاع إنتاجية اليد العاملة الوطنية.
٤- توجيه قطار التنمية في اتجاه إنتاجي.
وترى د. عائشة حجازي أن الفساد كعامل مؤثر في هذا الخلل السكاني لابد أن يعاد النظر في أسبابه وإيقافه. كل ذلك وأكثر مما تم ذكره لابد أن تكون له:
- خطط واضحة في ضوء الرؤية الحديثة من أصحاب القرار وأن يتم استحداث هيئات أو تطوير عمل هيئات قائمة للنظر في كل هذه الأمور .
- إصلاح تركيبة قوة العمل واستحداث تخصصات حديثة تجعل المواطن السعودي منافس قوي .
- إعادة النظر في بعض القيم الاجتماعية والثقافية التي من الممكن تعديلها وإصلاحها حتى لا تكبر الفجوة بين الأجيال.
- إيجاد توازن بين الأيدي العاملة الوافدة والأيدي الوطنية في سوق العمل.
المحور الثالث
السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية
الورقة الرئيسة: د. وفاء الرشيد
مقدمة:
هناك شعور داخلي أننا مستهدفون بخطة ممنهجة لتشويه صورة المملكة العربية السعودية ومواقفها السياسية بالمنطقة، وخاصة بعد الربيع العربي، مما يرجح بأن الدبلوماسية التقليدية السعودية قد تعثرت في دورها الرئيس لعكس مواقفنا للخارج وأن إدارة العلاقات الدولية وفق مصالح الحكومات وتوازنات القوى قد انتهت.
الكثير يقال ولكن ما الذي يُسمع؟
إن الجزء الثابت في النسيج المتغير للعلاقات الدبلوماسية هو المعلومة المراد توصيلها ونجاح وصولها هو دائماً الحكم في السياسات الشعبية. ومن هذا المنطلق سأستعرض محاولة للوقوف أمام الأسباب الآنية والبنيوية التي تشكل تحدياً للدبلوماسية السعودية بمعطيات العالم المتعولم الجديد، نرصد من خلالها الضرورة الملحة للتحول في البيئة الخارجية والداخلية من التقليدية إلى ما يتطلبه المزاج الجديد في البيئة الدبلوماسية.
مشكلة الدراسة:
السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية.
أهداف الدراسة:
- الواقع الجديد للدبلوماسية السعودية ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.
- واقع الدبلوماسية الشعبية السعودية وعناصر القوى.
- العقبات للدبلوماسية الشعبية والسفارات.
- علاقة الدبلوماسية بالإعلام.
المحور الأول: الدبلوماسية ما بعد الحادي عشر من سبتمبر:
- سيطرة الفكر اليميني الأيديولوجي المتطرف على الاقتصاد والإعلام السياسي العالمي.
- أنفقت الحكومة السعودية أكثر من ٢٠٠ مليار ريال في مساعدات خارجية طوال عشرين عاما بلا تنسيق هذه الجهود مع خطط إعلامية طويلة المدى وبلا حملات موازية من الدبلوماسية الشعبية للعلاقات العامة.
- الحكومات لم تعد تحتكر القرار نتيجة لعوامل ثلاثة:
- الدور المتنامي للمجتمع المدني داخليا ودوليا.
- تآكل معايير السيادة الوطنية في عصر العولمة.
- تضاؤل قدرة المجال السياسي على احتواء الحركية الاجتماعية بكاملها: تصاعد أدوار الثقافة والاقتصاد والدين.
المحور الثاني: واقع الدبلوماسية الشعبية السعودية وعناصر القوى
- السياسيات الخارجية للدول تبدد من قوتها الناعمة أو تعززها، فمن الصعب أن تنجح الدول شعبياً دون مصداقية موازية، فالمصداقية أفعل سلاح في الدبلوماسية والمصدر الأهم لبرمجة الوعي.
- هناك قصور وسوء تقدير لدبلوماسية الشعب السعودي بمقدراته وقدراته وإمكانياته وتخصصاتهم المتعددة في الطب والهندسة والأدب والفكر والثقافة والرياضة…حيث لم تعطى له فرصة حقيقة في خدمة وطنه عبر الدبلوماسية الموازية.
- تصبح إدارة سمعة الدولة هي الأولوية ( Country Branding ) وذلك عبر تفعيل دور وسائل الإعلام والرأي العام والمجتمع المدني وجماعات الضغط والقنوات الغير حكومية من نقابات ومجالس للنخب السياسية والاقتصادية ومراكز بحوث ودراسات.
- عناصر القوة الناعمة لدى السعودية :
- الموقع الديني والروحي.
- القوة الاقتصادية والجيوسياسي.
- التركيبة المجتمعية.
المحور الثالث: العقبات للدبلوماسية الشعبية والسفارات
- مركزية القرار وهيمنة الدبلوماسية التقليدية على المشهد السياسي السعودي جعلت من دخول السفارات وسط المجتمعات الخارجية مشهد مستغرب بسبب انغلاقها بين جدرانها عقود.
- غياب الكوادر القادرة، أحياناً، على التعايش مع الآخر إما بسبب ضعف اللغة أو ضعف التدريب والتأهيل للنزول إلى الشارع.
- ضعف الهيكل التنظيمي للمجتمع المدني الذي يعزز قوته من بناء الدبلوماسية الشعبية وصعوبة إمكانية ربطه مع الساحة السياسية لغياب القنوات والجسور المشتركة بينهما.
- النقص في مأسسة المشاركة الشعبية بالعموم والخصوص المشاركة السياسية .
المحور الرابع: علاقة الدبلوماسية بالإعلام
- التطابق بين النهج السياسي للدولة والطرح الإعلامي لقنواتها هو عامل هدم وتشويش للعمل السياسي وقد يعكس معالجة ضيقة الأفق للمصالح الوطنية، تقوض من خلالها القوى الناعمة.
- هناك علاقة وثيقة بين الإعلام والدبلوماسية ولكنه المحطة الأخيرة في ظهور التأثير الذي صنع خارجه والأهم منه هو أن نكون نحن في صناعة الطريق للتأثير.
- ٨٠٪ من منافذ التلقي المعرفي والثقافي مصدرها الحس البصري أو السمعي و الجمهور يتعرض لثلاث ساعات يومياً (١٠٠٠ سنوياً ) من وسائل الإعلام ولكن الأثر الكارثي يكون على الشرائح الرّخوة ( الأطفال والشباب المراهقين ) في صوغ أذهان وميول جيل جدي.
- هناك قصور من الدبلوماسية التقليدية في التواصل مع الإعلام المحلي والخارجي والذي هو دائرة من دوائر التأثير وصياغة الوعي في البلاد.
التوصيات:
- تأسيس مركز للدبلوماسية الشعبية بالخارجية لتنسيق الأدوار والاستفادة من النشاطات المحلية.
- تأسيس منظمة غير حكومية لدمج الفاعلين غير الحكوميين من الشباب وجمعيات المجتمع المدني في الدبلوماسية الموازية تكون أول مشاريعها إقامة دراسة تدقيق المصطلحات حول مفهوم الدبلوماسية الغير رسمية التي يمارسها الفاعلين الغير حكوميين.
- تفعيل دور السفارات السعودية عبر الدبلوماسية الشعبية وتقديم القنوات للخروج من التقليدية إلى الشارع والاختلاط مع الفعاليات والتجارب الثقافية الأخرى.
- تفعيل الجوانب الثقافية والاقتصادية والأكاديمية والبحثية بالدبلوماسية الشعبية.
- بناء قاعدة للدبلوماسية الرقمية وحشد همم الشباب للعمل بها كمطلب وطني ملح.
- تأسيس قوانين جديدة لدعم الأنشطة الهادفة لتعزيز صورتنا الخارجية.
- التعامل مع الدبلوماسية الشعبية كأساس وليس كخيار مرحلي عند الحاجة.
- تمكين المجتمع المدني من أداء دوره داخليا لتعزيز الدبلوماسية الأهلية؛ دور تنظيمات المجتمع المدني في ترتيب العلاقات بين الدول.
- إعادة تصور وتنظيم المؤسسات الدينية الحكومية والأهلية في الدبلوماسية الدينية والثقافية؛ العامل الديني أصبح عنصرا حاسما في العلاقات الدولية ومن هنا دور رجال الدين القوي في الدبلوماسية الدولية من أجل تسوية النزاعات والحيلولة دونها.
- الاستفادة من الفاعلين الاقتصاديين المحليين في الدبلوماسية الاقتصادية؛ العولمة جعلت القطاع المالي والاقتصادي كونيا خارج سيادة الدول مما عزز من دور رجال الأعمال المتزايد في القرار السياسي داخليا وخارجيا.
- الاستفادة من طاقات وكفاءات دبلوماسية مخضرمة وأخرى جديرة وواعدة والابتعاد عن المجاملات في التعيين الدبلوماسي.
- لدى السعودية أكثر من ١٠٠ الف طالب جامعي ودراسات عليا في أمريكا فقط، وتعد الدولة الرابعة من حيث عدد المبتعثين هناك بعد الصين والهند وكوريا الشمالية مما يؤكد ضرورة أن يكون الشعب في داخل الوطن وخارجه في خدمة القضايا المصيرية لتجسيد الدبلوماسية الشعبية وتطبيقها.
التعقيب الأول: د. زياد الدريس
لن أعلق على كل المحاور، لكني سأحاول التركيز على ما انتشر وطغى في الأدبيات الدبلوماسية خلال السنوات الماضية تحت مسمى (القوة الناعمة)، ثم ضَمُر ليحل بدلاً عنه ما كان أحد فروعه يوماً ما وهي (الدبلوماسية الثقافية).
وقد أتاحت لي فرصة عملي في منظمة اليونسكو القرب كثيراً من نقاشات هذا المفهوم ومكاشفاته، داخل المنظمة وفي مؤتمرات خارجها. لكن السؤال الذي بدأ يحضر مؤخراً، هو هل ما زال للقوة الناعمة أو الدبلوماسية الثقافية مكاناً في هذا العالم، بعد موجة تنامي اليمين المتطرف، الذي لا يؤمن كما يظهر من خطاباته وقراراته، إلا بدبلوماسية (القوة الخشنة)؟!
هناك بالطبع تزامن شبه أزلي بين الخطاب اليساري والدبلوماسية الناعمة أو الثقافية، جعل هذه الأخيرة تنمو وتزدهر إبان الحرب الباردة. لكن (اليمين) الذي يتحكم في مزاج العالم الآن لا يمكن أن يسمح لأدوات (ناعمة) أن تدير العلاقات الدولية في حقبتها الخشنة الراهنة.
هل هذه دعوة للتخلي عن الدبلوماسية الناعمة بكامل أطرها وأدبياتها؟! لا ، لكنها دعوة لإعادة النظر في الجرعة التي تحتاجها الدبلوماسية المعاصرة من النعومة، وما ينبغي خلطه معها من الخشونة اللازمة والملحّة للأسف!
في محور آخر، تناولت د. وفاء منافذ الدبلوماسية الشعبية وأثرها الذي أحياناً يفوق حقاً أثر الدبلوماسية الرسمية. لكني أودّ لفت الانتباه إلى أن الدبلوماسية الشعبية التي تأتي عبر مؤسسات تنشئها وترعاها الحكومة ، بل “وتلتصق بها كأنها توأم سيامي”!، تصبح ذات تأثير قليل ومفعول ضئيل بسبب فقدها لمصداقيتها الشعبية الخالصة.
في فرنسا، وفي منظمة اليونسكو كانت تردنا منشورات أو بيانات أو دعوات لحفلات موسيقية أو لمعارض عن الفن الفارسي العريق، ولا تكاد تجد اسم أو رائحة الحكومة الإيرانية في المناسبة، رغم أن استقصاء بعض الأجهزة (المختصة) أوضح لنا بأن المؤسسة الإيرانية الرسمية هي التي تقف خلف هذا النشاط وتموّله وتوجّهه، لكن دونما أي بروز أو ظهور لها أو عبارات دعائية معلقة في بهو الاحتفال!!
دبلوماسيتنا الشعبية بحاجة ماسة إلى: توسيع مداها أولاً. وإلى إعطائها حرية كافية، ولا أقول مطلقة. وإلى تنسيق إطارها العام في ما بينها، لكن من دون التدخل في التفاصيل والمضامين.
التعقيب الثاني: أ. أسامة نقلي
مما لا شك فيه أن الحديث عن الدبلوماسية العامة أو ما بات يعرف بالدبلوماسية الشعبية أصبح موضوعاً في غاية الأهمية، وسوف أطرح على عجالة بعض النقاط في هذا الموضوع.
- من المهم الإشارة إلى أن الدبلوماسية التقليدية لا يمكن الغائها، أو القول باستبدالها بالدبلوماسية الشعبية، فالدبلوماسية التقليدية هي الدبلوماسية القائمة بين الحكومات بمساريها الثنائي المباشر أو المتعدد عبر المنظمات الدولية والإقليمية، وهي دبلوماسية قائمة على وسائل اتصال وتواصل محددة ومعروفة.
- أما الدبلوماسية العامة فهي الدبلوماسية التي تقوم على التواصل بين الحكومات وشعوب دول العالم وتستند في عملها على أدوات مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر تبادل زيارات الوفود الشعبية وإقامة المعارض والفعاليات والبرامج التعريفية إضافة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي … إلخ
- تجدر الإشارة أن الإعلام أحد أدوات الدبلوماسية العامة، وليست الأداة الوحيدة للدبلوماسية العامة، وهي النقطة التي يقع حولها كثير من اللغط لغير المتخصصين في مسألة الدبلوماسية العامة.
- كما أن الدبلوماسية العامة لا تعتمد على جهاز واحد ولكنها نتاج جهد مجموعة من الشركاء في الداخل، مع التأكيد على أن الدبلوماسية العامة لا تبدأ من الخارج ولكن من داخل المملكة من خلال هؤلاء الشركاء سواء كانوا من القطاع الحكومي أو الخاص.
- تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد تعريف واضح ومحدد لمصطلح الدبلوماسية العامة، ويعد المصطلح في حد ذاته مصطلحاً حديثاً ابتدعه عميد كليه القانون والدبلوماسية بجامعة تفتس (Tufts) الأمريكية إدموند غيليون (Edmund Gullion) عام 1965، وقد أشار غيليون إلى أن الدبلوماسية العامة تتعلق بتأثير الحكومات على الرأي العام في الدول الأخرى، بما في ذلك التواصل بين دبلوماسي الدولة مع الإعلام الأجنبي وكذلك التبادل الثقافي بين الشعوب والتواصل بين الإعلاميين وصناع الرأي في الدولتين. بما يؤثر في نهاية المطاف على السلوك والرأي العام لجمهور الدولة المستهدفة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
- إن الفكرة الأساسية من مفهوم الدبلوماسية العامة هنا هو أن للجمهور دور كبير في التأثير على السياسة الخارجية وتوجه الدولة، ففي عصر الثورة المعلوماتية والانفتاح نتيجة ثورة الاتصالات الحديثة لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي باتت تلعبه الشعوب ويلعبه الرأي العام في التأثير على توجهات السياسية الخارجية لأي دولة.
- من المهم هنا التنبه لنقطة في غاية الأهمية وهي أن الدبلوماسية العامة تظل في نهاية المطاف مكملة للدبلوماسية التقليدية من ناحية أنها داعمة لها أو تساهم في فتح آفاق لها لتحقيق مزيد من النجاح. ولعلنا هنا نستحضر ما كان يسمى بدبلوماسية الـ Ping Pong التي حدثت في بداية السبعينات بين الولايات المتحدة والصين وكانت فاتحة العلاقة بينهما والتي مهدت للزيارة التاريخية للرئيس نيكسون للصين. من هنا يمكن القول أن مسار الدبلوماسية العامة يظل في نهاية المطاف مساراً مكملاً لدبلوماسية الدول، ومساراً يساعد على فتح آفاق وتغيير آراء الشعوب تجاه دولة، بشرط أن تترادف جهود الدبلوماسية العامة مع جهود قوية للدبلوماسية التقليدية.
- تعد الدبلوماسية الشعبية جزءاً من الدبلوماسية العامة، والتي تتضمن بالإضافة الدبلوماسية الثقافية (cultural diplomacy) التي تعني بكل جهود التبادل الثقافي المنعكسة إيجابياً على العلاقات بين الدول وتصب في صالح التأثير على السياسة الخارجية. كما تتضمن الدبلوماسية العامة من جهة أخرى جهود العلاقات العامة بما في ذلك السياسة الإعلامية الموجهة نحو الشعوب باعتبار أنهم صانعي قرار في المحصلة النهائية. ويمكن النظر للدبلوماسية العامة اليوم على أنها تمثل نموذجا جديداً من نماذج “دبلوماسية المسار الثاني” (Track II Diplomacy) حيث تعد دبلوماسية شبه رسمية بين الحكومات والشعوب دون الإلزام القانوني المترتب على دبلوماسية المسار الأول التقليدية، وهو ما يتيح للدبلوماسية العامة مجالاً أوسع للتحرك سواء على الصعيد الإعلامي أو على صعيد التواصل المباشر مع الشعوب.
- كانت الدبلوماسية العامة حاضرة في جهود المملكة على مدى الأربعة عقود الماضية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر معارض “المملكة بين الأمس واليوم” منذ عام ١٩٨٥م، وهو المعرض الذي تمت إقامته في أكثر من ٤ عواصم مهمة حول العالم. كذلك وفود الصداقة الدولية التي انطلقت مع بدايات التسعينات الميلادية، ومنتديات حوار الشباب السعودي الدولية التي انطلقت عام 2010م. ولا يفوتني الإشارة لوفود لجنة تطوير التجارة الدولية ولعل بعض أعضاء منتدى أسبار شاركوا فيها في السابق، وغيرها من المهرجانات الثقافية التي شاركت فيها المملكة بالخارج أو أقامتها بالداخل وآخرها مهرجان الجنادرية الذي تستضيف فيه المملكة دولة أجنبية كضيف شرف، مع كل الفعاليات الثقافية المصاحبة للمهرجان.
- وعلى الرغم من هذه الجهود الكبيرة إلا أنه قد يرى البعض أنها لم تحقق ما نطمح إليه، ووجهة النظر هذه قد تكون صحيحة، والسبب يعود إلى عدم تناغمها وتشتت هذه الجهود بين أكثر من جهاز يعمل كل منها بشكل منفرد عن الآخر علاوة على تبعثر مهام الدبلوماسية العامة بين أكثر من وكالة وإدارة عامة داخل وزارة الخارجية.
- هذا الأمر أدركته الدولة وحرصت على معالجته من خلال العمل القائم حالياً على إنشاء جهاز واحد للدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية يجمع كافة أدوات الدبلوماسية العامة تحت بوتقته ويفعل التنسيق بين أجهزة الدولة ومؤسسات مجتمعه المعنية من جانب وبعثات المملكة من جانب آخر للسير بالدبلوماسية العامة وفق برامج وآليات محددة تتسم بالتكامل والتناغم، وتهدف ليس فقط إلى تفعيل البرامج بشكل أفضل وإنما إلى خلق مبادرات جديدة وخطط وبرامج متناغمة وتقييمها وتعديل مساراتها حسب ما تقتضيه الحاجة ويخدم الأهداف المرجوة.
- يمكن لنا أن نتفق أو نختلف حول فعالية برامج الدبلوماسية العامة المتعددة، لكن لا أظن أننا نختلف أن مبدأ الدبلوماسية العامة يستند على طرق كل المجالات الممكنة بمختلف أوجهها (الثقافية والأكاديمية والإعلامية والفنية … إلخ) وذلك لتحقيق نسب في كل مجال بما يخلق محصلة نهائية إيجابية، تنعكس بصورة جيدة للمملكة في الخارج.
المداخلات حول القضية:
- الإشكالات ذات العلاقة بدور السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه بداية يمكن القول أن البحث والنقاش عن الدبلوماسية كمنهج وأداة هو في واقع الأمر مطلب شعبي يخدم أي دولة ، ولكن لابد من القول أنه و لافتقار الطرح والنقاش حول ذلك الأمر يبدو وكأنه أمر مجرم ، والسبب أن انعدام ثقافة تعنى بعطاء مفترض الإتيان به من لدن مجتمع يستشعر مسؤوليته تجاه وطنه ، الأمر الذي جعل من أفراد المجتمع يجهل أو يرى عدم أحقيته في مشاركة وطنية تسهم وتعلو من كفاءة العلاقات بين وطنه وشعوب العالم .
واذا كانت الدبلوماسية الشعبية تعني بالمطلق الدبلوماسية العامة ، فذاك يعد حق مكتسب للفرد أن يكون مشاركا بما يخدم وطنه والذود عنه أمام ما يواجهه من انتقادات واسعة النطاق ، وفي ذلك تطبيقا لمفهوم أن الدبلوماسية الشعبية أو العامة هو مفهوم يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية ، ولأنه يشمل أبعاداً من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية ، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى ، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر ، وكتابة التقارير والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة ، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكل الاتصال وظيفتهم الأساسية كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي.
وأمام ذلك كله لم نلحظ أن في المملكة العربية السعودية أي جهود شعبية تسهم أو تؤازر الحكومة ، هل السبب هو عدم توافر تشريع يقنن المشاركة الشعبية أو العامة ، أم أن السبب يأتي من كون الحكومة مكتفية بدورها الدبلوماسية وترى عدم الحاجة من المشاركة الشعبية عامة ، أم أن لعدم وجود مؤسسات مجتمع مدني كان سببا في عدم وجود مشاركة مجتمعية .
لاشك أن مشاركة أعداد لا بأس بها من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي أسهم في نقل صور نسبية عن الأحوال والجهود الوطنية ، إلا أن ذلك في محدودية العطاء لا يمكن أن يكون أمر يظهر للملئ ما يطمح له أي مواطن أن يفتخر أمام الآخرين بما تمتلكه بلاده من عطاءات ومقدرات لم تظهر للعلن بعد .
وفي مثال بسيط عن إعلام الآخرين لصورة المملكة العربية السعودية في الخارج ، وتبيان عدالتها ، ولتأكيد ضعف تواصلنا مع الأوساط السياسية وغير السياسية الخارجية ، ففي تعليق لوزير الخارجية أ. عادل الجبير ، مع القناة البريطانية الرابعة حول صورة المملكة في أوساط البريطانيين ، كشف الجبير من أنه على الرغم من عدالة قضايا المملكة ، إلا أن المملكة لم تقم حتى الآن بالدور اللازم في التواصل مع دوائر التأثير داخل المجتمع البريطاني ، والجديد هنا والذي يمكن ملاحظته في تعليق الوزير أنه لم يقتصر في شرح تصوره لصناعة التأثير وصياغة الوعي بحصره على المؤسسات الإعلامية ، بل تجاوزها ليركز أكثر على التواصل مع مراكز البحث ، والمؤسسات الأكاديمية والثقافية ، وذكر تحديدًا أهمية التواصل مع المجتمع البريطاني ، وهذا بلا شك يعد مطلب أساس لتحريك مبدأ ونهج بناء العلاقات مع الآخرين ، وهذا يقودنا إلى الفهم الضمني إلى ما ينشده الوزير الجبير من أنه أراد أن يلخص الإشكالات المتعلقة بصورة السعودية خارجيًّا في غياب التأثير الفاعل لمفهوم «الدبلوماسية الشعبية/ Public Diplomacy» للمملكة ، وهو المفهوم الذي يقدم رؤية أوسع نحو مصادر صناعة التأثير ، وتحديدًا من يصنع هذا التأثير ، ومن أين يبدأ ، وكيف يبدأ ، وما المواقع التي ينتقل من خلالها ، وما الآليات التي تكرسه وتروج لوجوده؟
ولهذا فالمشاهد انه لايزال معظم المهتمين بتشخيص صورة المملكة خارجيًّا يحصرونها على التأثير الصحافي والإعلامي ، وتحديدًا ما يكتب وينشر عن السعودية في وسائل الإعلام المرئي ، والمقروء ، والمسموع.
ويقرر هؤلاء المهتمون من خلال ما تتناوله وسائل الإعلام عن المملكة أن الصورة الذهنية والانطباعات والمواقف المتشكلة عن المملكة نشأت بفعل افتقاد السعودية لصوتها في الصحافة الغربية ، فضلا عن غياب تام لمؤسسات المجتمع المدني ، ولاشك أن ذلك يسهم في تشويه مواقفها الحقيقية والجهود المبذولة على كافة المستويات.
وذكرت أ. إيمان الحمود أنه ومن خبرتها في الغرب لأكثر من ١١ عاما تستطيع القول بأن غياب جاليات سعودية في الخارج قادرة على الاندماج بشكل متواصل مع تلك المجتمعات كالجالية الإيرانية يعد أحد أهم الأسباب التي تقف خلف ضعف التواجد السعودي الرامي لتحسين الصورة .
في المقابل ينبغي تقوية العلاقات مع الجاليات العربية المقيمة هناك والمندمجة بشكل أكبر ولها دورها داخل الأروقة السياسية؛ فإيران لم تهمل هذا الجانب على الإطلاق فحراكهم الدبلوماسي ممتزج بصبغة ثقافية شعبية !!
هناك مشكلة تاريخية عربية-عربية تم نقل تداعياتها إلى الغرب مكان الإقامة الجديد ، وأصبحت إيران للبعض منهم أقرب إلى القضايا العربية من إخوتهم في دول الخليج ؛ ذلك لا ينفي أيضا نظرة بعض الخليجيين أيضا للعرب المقيمين في تلك الدول مشكلة معقدة جدا يطول شرحها.
وعلقت د. عائشة حجازي بأن تصنيف الخليجين بعضهم لبعض وكذلك السعوديين بينهم وبين إخوتهم من نفس الجنسية لم يستطيعوا تجاوزها حتى في أماكن إقامتهم الجديدة. وكثير من الأمور أيضا لم يستطيع الخليجين تجاوزها.
وعقب أ. جمال ملائكة بأن الغريب أن عدد الجاليات العربية في الغرب أكثر بكثير من الإيرانية! لماذا العرب هكذا في بلادهم الجديدة؟
قال أ. سليمان العقيلي: ذكرتني الدبلوماسية الشعبية وعلاقتها بالمؤسسة الدبلوماسية بعلاقة المعلم بالطالب في مدارس الستينات الميلادية ، حيث يتجنب التلاميذ الأسواق التي يرتادها المعلمون خوفا من عقاب في الغد على المرح البريء. ونفس الشيء يفعله البعض عندما يسافرون حيث يتجنبون سفاراتهم ( أو حتى نوادي اللهو القريبة منها ) لاعتقادهم أنها تراقبهم . لا تخدمهم . وإن كان الأمر لا يخلو من مبالغة !
وبمناسبة الحديث عن النهج الإيراني ، فنحن ربما بحاجة لذلك . لأن نمط النظام الثقافي المحافظ جدا لدولتنا ولنظامنا السياسي ربما هو نفسه لا يحظى بالقبول للتواصل مع العالم ، بصرف النظر عن العزلة السياسية للإيرانيين وهي نسبية.
ومن جهتها قالت د. منيرة الغدير: ملاحظتي الأولى تتعلق بتشعب محاور القضية في طرح د. وفاء والتي كل منها يستحق أن يكون قضية مستقلة، كما أشار د. زياد ولكنها أثرت بشكل واضح على التشعب والاستطراد في النقاش مما أثقل القضية وأبعدها عن التركيز.
مهما حاول أن يتفرع بِنَا النقاش وتعلو أمامنا أهرامات المواضيع المهمة للغاية والتي ظهرت في الأيام الماضية و تناولت أنواعاً متعددة من الدبلوماسية بما فيها الاقتصادية والمعلوماتية، فإن لدينا قضيتان منفصلتان حتى لو كانت أهدافهما متشابهة وكما في الوعد الذي طرحه عنوان القضية:
- دور السفارات الدبلوماسي والذي أثرته بطرحها د. وفاء وأ. أسامة النقلي وركزت عليه مداخلات متفحصة أشارت إلى ضرورة فهم التحولات في العلاقات الدولية وإعادة تقييم المبادرات الماضية، وتوظيف ثورة المعلومات وتقنية القرن ٢١.
- الدبلوماسية الثقافية (cultural diplomacy) والتي ناقشها بتركيز د. زياد الدريس والذي اتفق معه في تفعيلها بعيداً عن الإطار الرسمي للدولة، وسأتطرق إليها من خلال أسئلة بسيطة:
- كيف يتم نقل/ترجمة/تمثيل الوجوه الثقافية والإنسانية للسعودية ومن هي المؤسسات التي ستقوم بذلك؟ نتفق أن هذا جانب يندرج تحت “القوة الناعمة”، مصطلح صاغه وناقشه جوزف ناي في كتابه (القوة الناعمة) وإن كان متجذراً في ثقافات عديدة قبل طرحه.
- حتى الآن، ما قُدم من مبادرات يكشف أننا لم نفهم الإنسان الغربي والرأي العام في الغرب وكيفية التواصل معه، وفي كل مرة نقدم مشروعاً عملاقاً تلو الآخر يكلف ملايين الدولارات ولا يأتي بأقل تأثير على مستوى الرأي العام، بل أثره يتلاشى بسرعة لأنه لم يُؤسس على منهجية الاستمرارية.
- معظم السفارات الخليجية لن تؤثر في الرأي العام الأمريكي أو الأوروبي أو في الجامعة والمدرسة لأنها لا تحمل مصداقية كما يراها الإنسان الغربي. وإحدى طرق التأثير على الرأي العام/الشعبي هي في إظهار الوجه الثقافي/الإنساني/ الشعبي ( من pop culture) الذي مازال مثقلاً بصور مشوهة بسبب البترول والثراء، العمالة، المرأة، حقوق الإنسان، الخ وكل هذا يشكل تحدياً لعدد من الدول الخليجية و هناك مبادرات عملت ومازالت تعمل على الخروج من هذا السياق السلبي. لكنني سأضيف أن أحد تعثر مبادرات الدبلوماسية العامة والثقافية هو عدم فهمنا لمن نريد التواصل معه:
- من هو الأمريكي أو الأوروبي الذي نريد تركيز التواصل/الحوار معه ونُعرفه بوجوهنا الثقافية والإنسانية المتعددة؟ كيف يتم التواصل الثقافي والإنساني بعيداً عن الأطر التقليدية للبروباغندا والعلاقات العامة التي عادة ما ينفر منها الغربي؟
- ما هي الأفكار التي يعتبرها الأمريكي /الأوروبي مشوقة وتثير فضوله؟ وهل هناك منطقة للالتقاء بين الخليجي والأمريكي، الخ؟ كيف نشكل كيانات مستقلة تقدم برامج ثقافية وفنية لا تقع فيما رسخ له الخطاب الإعلامي الغربي من صور نمطية عن السعودية والتي سيطرت ومازال تسيطر على أخبار الصحف، و ملايين من الناس؟
- كل من تلك الأسئلة البسيطة يقود إلى شرح طويل، كما نعرف. ودعوني أجيب بسرعة على جزء منها: الأمريكي العادي مشغول بحياته اليومية ومتطلباتها المرهقة وعلاقته بالعالم خارج الولايات المتحدة محدودة وهو بشكل عام لا يبحث عن معلومات تافهة (تريفيا/ trivia) بل يبحث عن معلومات يعتقد أنها مفيدة، وتشده المعلومات البصرية غير المعتادة التي تغذي فضوله. فمثلاً لو أخذنا ١٠٠ أمريكي من الطبقة ذات التعليم المتوسط وعرضنا عليهم شعراً من المعلقات أو ملخصاً عن تاريخ المملكة أتوقع ٨٠ منهم سيصيبهم الملل، بينما لو عرضنا عليهم معلومات بصرية عن الثقافة الشعبية/ الموسيقى/ الفنون المحلية المختلفة في المملكة أو حتى نبذة عن ثقافة الصحراء، أتوقع ٧٠ من نفس العينة سيعجبهم المحتوى وسيرسخ في مخيلتهم لأن الأمريكي، كما ذكرت، يهتم كثيراً بما هو مختلف بل وغريب عن بيئته. وفي ذات الوقت وهذه إحدى المفارقات، الأمريكي يبحث أيضا عما يتماهى معه (identified with) وما يشبهه كإنسان؛ هذا واضح في خطاب الاستشراق ونراه يتكرر في النقاشات البسيطة بين الناس والأطروحات المعقدة في الجامعات:
أريد أن أقارنك بنفسي وأرى الشبه لكي أتعرف عليك؛ هل أنت تشبهني أم أنك غريب وبدائي تهددني؟ نعم، الأمر بسيط للغاية وإن كان يفتح أطروحة فلسفية أكثر تعقيداً عن العلاقة بين الأنا والآخر.
- وفيما يتعلق بتجربة إيران في الغرب ونجاحها وتأثيرها على الرأي العام وإبعاد العنف عن التهام كل ما هو قادم من إيران؛ السبب أنهم قدموا الجمالي والإنساني للغرب من خلال السينما والموسيقى والفنون المتعددة بعيداً عن الإطار الرسمي للحكومة. أيضا هناك تفسير تاريخي آخر.
- كلنا يعرف أن الدبلوماسية الثقافية تحتاج إلى بُعد نفس لأنها تتشكل ببطء وبشكل تراكمي لكن تأثيرها لا يزول بسهولة مثل حملات الدعاية والعلاقات العامة، ويجب التخطيط لها والانعتاق من البيروقراطية والشك اللذين يتحكمان في المبادرات من الجامعات أو المؤسسات الأهلية، وليتنا لا نجعل الدبلوماسية الثقافية والعامة مبادرة لعلاج الأزمات (crisis management) لتنصب الجهود وقت الأزمات فقط ولا تستمر أو تتطور.
- دعوني أختم تعليقي بما يقوم به State Department الأمريكي والذي يكثف نشاطه وذلك بتنظيم المحاضرات لمتحدثين ومتحدثات من أمريكا لتحسين صورة أمريكا في العالم كلما اهتزت هذه الصورة. أتذكر أنهم كثفوا نشاطهم في أفريقيا وفي الشرق الأوسط بعد الحادي عشر من سبتمبر. بل كان بعض المتحدثين يحاضرون عن الإسلام وهم من المسلمين الأمريكيين وهذا دليل على أن الحكومة الأمريكية لم تُغفل التأثير على الرأي العام والتواصل مع الشعوب بالطرق الكلاسيكية. كم لدينا من أفراد يجيدون مخاطبة الغرب و الحوار معه بعيداً عن السفراء ودورهم المقنن؟
وبدوره قال د. عبدالله بن ناصر الحمود: لم نكد نفرغ من جلد إعلامنا .. وتقرير قصوره في كثير من مهماته الأولية.. إلا وتساءلنا عن الدور الذي يمكن أن يقوم به في مجال حصيف وهو الدبلوماسية الشعبية.. كم أتوق لمزيد من جلده.. لكن هنا.. وفي هذه القضية بالذات.. سأرفق به.
ليس من شأن (الإعلام) أن يصلح ما يفسده الآخرون.. ولا يصح أن نأخذه بجريرة غيره. الدبلوماسية الشعبية .. سلوك راق ومكين.. ومهمة استراتيجية عميقة.. تقوم على فهم دقيق لما بجب فعله.. من أجل الحصول على ما نسعى إليه. ومن المؤسف أننا (كمجتمع) لم نعرف بعد، ما الذي نسعى إليه في عدد ليس قليل من شؤون العباد والبلاد..
هذا .. جلد آخر.. ربما ولكن قراءة سريعة .. لبعض ما نظهره.. وما نبطنه.. وتقلباتنا في هذا الأمر للعقود الثلاثة الأخيرة فقط.. تقود للقناعة بأننا أمام مأزق دبلوماسي حقيقي.. يطال رؤانا للكون والحياة.. ويطال ولاءاتنا وبراءاتنا على المستوى الدولي سياسيا .. وفكريا.. وثقافيا.
نحن نتغير بمتواليات هندسية في بعض الأمور التي من شأنها الثبات. ونثبت في مواطن الحراك والتغير، والأمثلة كثيرة.. لن أحتاج لطرحها هنا.. لثقتي بأن من يقرأ هذه السطور لن يعوزه ضرب الأمثلة. أعود.. للإعلام .. في ضوء هذه المقدمة.. المقيتة وأقول.. يبدو أن الإعلام.. بالفعل.. مشجب الأزمات المجتمعية عندنا؛ فربما لم يتفق الناس حول موضوع ما مثل اتفاقهم على أن أحد محاور أزمة المجتمعات المعاصرة هو الإعلام، أو أن «مشجب» المتحاورين حول الأزمات هو الإعلام.
وقد جعلتني هذه الحقيقة أعود بالذاكرة عقودا خلت، حيث أن والدي – رحمه الله – لم يكن معترضاً تماماً على التحاقي بدراسات الإعلام حينذاك، إلا أنه لم يكن متحمساً لتلك الفكرة.. فقد كان يكثر من مقولته المشهورة «عيش مهوب لك لا تحضر كيله» وكان يعني بتلك المقولة أن لا ينشغل أبناؤه بما لا يعنيهم.. فلا مصلحة لأحدهم من حضور كيل أحد الباعة لقمح يشتريه في نهاية الأمر آخرون. وكان – رحمه الله – يعتقد أن الإعلامي «ملقوف»، ترتبط وظيفته الأساس بالخوض في خصوصيات الناس والمجتمعات، ولم يكن يريد لأحد أبنائه أن يكون كذلك. غير أن ذلك التوجه لديه لم يكن يروق لي تماماً وأنا ابن الثامنة عشرة والعشرين.. ولم أكن أعرف ما يعنيه تماماً رحمه الله.. ولكن بعد أن كبرت بي السنون علمت مغزى تلك العبارة وفهمت ما كان يقصده والدي بهذا التوجيه الأبوي الحكيم. لقد كان يعني – ضمن ما كان يعني – أن على الإنسان أن ينشغل بما يعنيه، وأن يدع للآخرين شؤونهم يتولونها دون مزاحمته لهم أو تطفله عليهم. وكان ينطلق – رحمه الله – في تلك المقولة من تقييمه لما كان يلحظه من ممارسات بعض الإعلاميين في عصره الذين نحو بالوظيفة الإعلامية منحى هو أقرب «للقافة» منه للمهنية الإعلامية المتخصصة. ولو كان جل الإعلاميين مهنيين حقاً لما أثاروا حفيظة والدي – رحمه الله – ولا غيره ممن كانوا يحملون الرأي نفسه آنذاك في مجلس والدي.
وأوضح أ. سعيد الزهراني أن إطار الدبلوماسية؛ الرسمية والعامة بتفريعاتهما يرتكز على عملية الاتصال.. وهو بهذا المفهوم يشكل مدخلاً يحضر فيه الإعلام والاتصال طبيعةً لا طارئيةً.. يستند هذا التأصيل إلى نماذج الاتصال المعروفة. وبالتطرق إلى لب القضية يمكن استحضار مقال نشره د. فايز الشهري في زاويته بالرياض.. تناول من خلاله مفهوم الدولة الجديدة وجمهوريات البيئة الاتصالية الإلكترونية ومدى تأثيراتها التي لاتقف عند حدود الاقتصاد أو السياسة.. بل تتعدى إلى استعمار وجدانات الأجيال وتحريكها كدمى تسير في أمواج بشرية إلكترونية هائلة.. ما دفع بدولة مثل الدنمارك إلى التفكير في تعيين سفراء لها لدى شركات الجمهوريات الجديدة مثل قوقل وفيس بوك ونحوهما.. وهو الاتجاه الذي يعززه نموذج ترامب (ترامب هنا رمزية لشكل الإدارة التي توجهه وتخطط له) الذي يتبنى إدارة الإعلام عبر منصة اتصال إلكتروني.. في إشارة بالغة الأهمية تذهب إلى تعظيم مفهوم الجمهوريات الإلكترونية الجديدة. والسؤال: أين موقع الدبلوماسية السعودية من جمهوريات – المستقبل القائم الآن – ؟
ومن وجهة نظر م. خالد العثمان فإن الاقتصاد هو الأداة الأهم في عالم اليوم الذي أصبحت فيه المصالح والاستثمارات وفرص العمل المحور الأهم في اهتمامات الحكومات والشعوب على حد سواء.
وانطلاقا من هذا الطرح.. أقول أيضا بكثير من الجزم أن هيكل اقتصادنا الذي يطغى عليه الريعية بدل الإنتاج والفردية بدل المؤسساتية والكسب السريع بدل البناء المستدام .. شركاتنا ومؤسساتنا ورؤوس أموالنا تجوب العالم في الغالب الأعم لتخرب وتشوه اقتصادات الدول التي تغزوها وتستغل مواطنيها بأرخص الأثمان ولا تكترث بتحقيق آثار تنموية في تلك الدول ولا بخلق فرص عمل فيها .. ومن أين لها أن تحدث هذا الأثر في تلك الدول أن لم تحدثه في موطنها الأصلي أساسا ؟؟!!
وبناء عليه فالدبلوماسية الشعبية تعني تواصلا إيجابيا مع شعوب الدول الأخرى.. وما نراه في غالب تعاملات المحور الاقتصادي والاستثماري لا يحقق الإيجابية المطلوبة.. بل بالعكس .. صرنا نرى شكاوى كثير من الشعوب من الآثار التضخمية التي باتو يعانون منها من انكباب رؤوس الأموال الخليجية والسعودية خصوصا على وأراضيهم ومزارعهم حتى صرنا نسمع مطالبات بتقنين دخول تلك الاستثمارات وطرد مثل أولئك المستثمرين المخربين.
السؤال الذي يطرح نفسه .. كيف يمكن معالجة هذا المشهد ؟ وعلى من تقع المسئولية فيه ؟ والمشكلة أن هذا المشهد ليس سببا في تخريب اقتصاديات تلك الدول التي تشتكي منه .. بل هي أموال مهاجرة تسافر بعيدا عن اقتصادنا المحلي بدلا من أن تسهم في تنميته وبنائه وخلق فرص العمل لأبناء الوطن.
التواصل الإيجابي صوره متعددة وأساليبه كثيرة .. لكن من يراك تعتدي على لقمة عيشه أو تزيد من مصاعب حياته فلن يتقبل منك لا طرحا ثقافيا ولا حوارا شعبيا ولا شيئا من هذا القبيل من وسائل الدبلوماسية الشعبية.
أيضا فإن مجالس الأعمال وسائل مهمة لتفعيل التواصل على المستوى الاقتصادي والاستثماري كأحد وسائل الدبلوماسية الشعبية .. لكنها تعاني من جهة من شيوع المصالح والوجاهة وغياب المؤسسية في عملها .. ومن جهة أخرى من سطوة الجهات الحكومية عليها في كثير من جوانب عملها.
وذكر د. حسين الحكمي أنه قد أشتهر عند البعض أن من معاني الدبلوماسية اللين والكذب والخداع وعدم قول “لا” وإنما إعطاء وعود مجملة وعبارات مطاطة كي يستطيع قائلها التملص من أي وعود.
اللين ، محاولة الوصول لنقطة التقاء مع الطرف الآخر أحد الحلول الدبلوماسية ولعله أولها ؛ عندما يتقبل أحد الأطراف التنازل قليلا للوصول إلى نقطة المنتصف ليس صحيحا دائما ، تم استخدام هذا الأسلوب في محادثات العرب مع دولة الاحتلال إسرائيل وكانت النتيجة أن تمكنوا من الحصول على كل ما يريدون ولم يحصل العرب على شيء !
الكذب ، كثيرة هي الوعود الأمريكية والأوربية للوقوف مع دول الوطن العربي والسعودية وما يحصل فعلا أنهم لا يوفون بالوعود ؛ لأنهم عندما يزورون السعودية ويخرجون في مؤتمراتهم بعبارات التأييد والوقوف مع السعودية إنما هي عبارات للاستهلاك الإعلامي وللكذب على الشارع العام والشعب.
الخداع، اتفاقيات ووعود وتصاريح بين الغرب والسعودية ونكتشف لاحقا أنهم يضمرون أمراً آخر ويسعون لمصالحهم بقولهم بأنهم معنا ، والواقع يفضحهم وأفعالهم تشهد عليهم. عندنا تؤيد السعودية في حربها ضد الحوثيين ثم نكتشف أنهم يسعون لإدخال السعودية في حرب استنزاف يستخدمونها للضغط علينا من أجل مصالحهم ، وتحالفهم مع الداعم الأول للحوثيين في اليمن ، إيران ، فإنهم بذلك يخدعوننا ويمدون لنا يدهم اليمين يصافحوننا بها ثم لا يطلقونها بهدف إعاقتنا عن استخدامها ضد عدونا الذي يتربص بنا الدوائر.
ما يحصل الآن هو هيمنة اليمين المتطرف الذي أثبت قوته وأن يده هي العليا فيفعل ما يشاء لأنه قد كبل أيدي الآخرين فلم يعودوا يستطعون الفكاك ، ولا حتى الصراخ !
ويعتقد م. أسامة كردي أنه من المناسب تقسيم الدبلوماسية الشعبية إلى قسمين: أولهما: الخاصة – وهي الموجهة نحو صانعي القرار في الحكومات و البرلمانات و مؤسسات المجتمع المدني و مراكز الدراسات و البحوث و الجامعات. و ثانيهما: العامة – و هي الموجهة للشعوب بشكل عام. و من الواضح الفرق الكبير بين الاثنين فيما يختص بالرسائل التي نرغب في إرسالها و الوسائل التي يتم إرسالها.
وقالت د. الجازي الشبيكي هذه المداخلة حول قضية السفارات السعودية والدبلوماسية الشعبية نابعة من خلال تجربة عملية مررت بها ، وهي تجربة مرافقتي لوفد شبابي من مجموعة من طالبات وطلبة الحقوق في عدد من جامعاتنا السعودية بدعوة من مؤسسة (كونراد) الديموقراطية المسيحية الألمانية التي ينتمي لها الحزب الحاكم الحالي أعتقد في ألمانيا والتي تستضيف سنوياً مئات الوفود الطلابية وغير الطلابية من مختلف أنحاء العالم للتعريف بالحضارة والثقافة والتنظيمات السياسية الألمانية:
- مؤسسة كونراد كانت تود استضافة ذلك الوفد رسمياً منذ فترة طويلة ولكن واجهتها عقبات بيروقراطية متعددة من الجامعات وغيرها وأهمها من وجهة نظري توجسنا المبالغ فيه من نوايا الآخرين في التواصل معنا ( وهنا يتبين كيف ضاعت علينا العديد من فرص التواصل والتقارب مع المجتمعات الخارجية وخصوصاً الغربية بسبب البيروقراطية الإدارية والتخوف من نوايا الآخرين أو إمكانية الذوبان في ثقافاتهم).
- حينما لم يتحقق ذلك رسمياً بذل الدكتور صالح المانع أستاذ السياسة والحقوق بجامعة الملك سعود جهوداً ذاتية غير رسمية لتكوين وفداً طلابياً من الحقوقيين وطلب مساعدتي وتعاونًا كثيرا لتحقيق ذلك كفردين وليس كمؤسسة مجتمع مدني، (وهنا تظهر الحاجة لدور إدارات منظمات المجتمع المدني الفاعلة كما تم الإشارة في الورقة الرئيسة ومداخلات أخرى).
- النقطة الإيجابية بالنسبة للعوامل المساعدة على نجاح تجربة الزيارة هي دور السفارة السعودية في ألمانيا من حيث أن إدارتها الجديدة المتمثلة في السفير الجديد وفريق عمله الذين اهتموا بتلك الزيارة اهتماماً ذاتياً من غير فرض الزامي عليهم من أي جهة مسؤولة، ومن حيث ما تم شرحه لنا من أول يومٍ لنا في برلين بأن السفارة السعودية في ألمانيا تنهج في الفترة الراهنة توجهاً غير تقليدياً بتكثيف تواصلهم غير الرسمي مع كافة المؤسسات السياسية وغير السياسية لتوضيح كل ما يتعلق بالمعلومات التي يحفها الغموض والضبابية لديهم عن المملكة العربية السعودية.
- تواصل الطلبة والطالبات في برلين في هذه الرحلة لم يقتصر على الزيارات الرسمية لبعض مؤسسات الدولة والبرلمان وغيرها بل تعداها إلى التواصل الشعبي في المطاعم والحدائق والأسواق وفق جدول زمني منظم هادف أتاح رغم قصره ورغم قلة عدد وفدنا إلى إثارة تساؤل الألمان على الأقل في تلك الأماكن عن الطالبات السعوديات بالذات وكيف تم السماح لهن بالسفر بدون الأهل.
- هذه التجربة كانت بالفعل نموذجاً من وجهة نظري للديبلوماسية السعودية الشعبية التي لو أمكن تكرارها على نطاق واسع لاستطعنا التواصل والتقارب مع المجتمعات الأخرى وكسر حاجز جهلهم وقلة معرفتهم بما يوجد في بلادنا من تطور وتقدم في مجالات عديدة ولغيًرنا النظرة النمطية الراسخة في أذهانهم عنًا ، لأن ذلك بلا مكابرة أو ترفع (استمر معنا فترة ليست بالقصيرة) أصبح مطلباً ضرورياً للتعايش والتواصل العولمي في الوقت الحاضر .
وأشار أ. سمير خميس إلى أن السلفية كانت رافعة للدبلوماسية السعودية في وقت مضى، الآن بعد تواري نجم السلفية لم تعد هناك رافعة بذات الجاذبية التي كانت تمثلها السلفية.
وفي ظن د. مساعد المحيا فإن من أهم الحبال التي تصلنا بالعالم الإسلامي هو حبل السلفية والتواصل مع رموزها في العالم. ونجمها لم يتوارى .. هناك من يعمل على تشويهها وربطها بالقاعدة أو داعش ولذا أصبح هناك بعض التخوف بعد شيطنتها من البعض.
بينما أوضحت د. وفاء الرشيد أن مشكلتنا الأكبر ليست مع العالم الإسلامي ولا مع المسلمين، ولا تعتقد بشكل شخصي أن السلفية والعلماء هم المدخل الأهم في الدبلوماسية الشعبية وخاصة بهذا التوقيت. فكان للسلفية دور كبير وعريض فيما وصلنا له من نجاحات وإخفاقات سواء اتفقنا أو اختلفنا على النقطة والعبرة بالنتائج على الأرض.. ويمكننا التبرؤ من كل الإخفاقات والتمسك بالنجاحات فقط هو توجه البعض ولكنه غير مجدي .. فالشعب السعودي له جوانب متعددة لهويته ليست فقط الجوانب الدينية أو المعتقدية بل هناك اقتصادية وفنية ورياضية وهندسية وطبية. إن عكس الهوية الإنسانية المتكاملة هو أكثر اتزاناً وقبول بعيداً عن العناوين الرنانة.
- التوصيات المقترحة
ركز د. حميد المزروع على أهمية النقاط الثلاث الأساسية التالية:
- أولا: الحاجة الملحة لاعتماد لائحة جديدة لمعايير اختيار السفراء، تراعي التخصص، اللغة، الثقافة العامة والولاء.
- ثانيا: صياغة نموذج جديد يقيم أداء السفراء بناء علي جودة الأداء والإنجاز السنوي، علي أن يكون لرأي المقيمين السعوديين ورجال الأعمال دور في وزن التقييم.
- ثالثا : سعودة وظائف السفارات بجميع أقسامها باعتبارها أرض سعودية و واجهة ثقافية و وطنية لا يليق بأن يعمل بها غير السعوديين والسعوديات.
وذكر أ. عبدالرزاق الفيفي أن وطننا يستحق دبلوماسية مميزة متينة عميقة متطورة مؤثرة تطرح سياسته الخارجية بالشكل الذي يريده المقام السامي الكريم ومقام كل مواطن سعودي يعتز بمواطنته. كيف و وطننا يقدم الكثير والكثير للمجتمع الدولي في معادلة تمثل معاني السلام و الإخاء العالمي.
وحيث أن استراتيجيات السياسة والتحكم والسيطرة والتأثير تطورت وامتدت عموديا وأفقيا بما لم يعهده السياسي التقليدي، فأصبحنا نشهد سيطرة دول على أخرى بدون أي مظاهر عسكرية وحربية بل باستراتيجية التحكم والسيطرة والتأثير ( عن بعد ) عبر قنوات الاقتصاد و القوة الناعمة و زرع الخلايا البكتيرية و أدوات الضغط. وعلى هذا هناك تساؤلين من المهم طرحهما:
- ما مدى دبلوماسيتنا في تقديم المعلومات الصحيحة والمؤثرة لصانع القرار السياسي السعودي؟
- ما مدى دبلوماسيتنا في ترجمة السياسة السعودية بما يريدها المقام السامي الكريم؟
وبناء عليه يمكن التأكيد على النقاط التالية:
- الاتصالات الرسمية بين الحكومات هي المدرسة الدبلوماسية التقليدية ولكن الاكتفاء بها فقط دون تفعيل الدبلوماسية الشعبية يعتبر أحد إشكالات الفكر الاستراتيجي الدبلوماسي الذي لابد من تصحيحه . فإذا أردنا أن نجعل من شعوب الدول الأخرى ورأيها العام هو موضوع دبلوماسيتنا وعملها فلابد من تفعيل الدبلوماسية الشعبية لأننا حينها سنصل إلى حالة قبول الطرف المستهدف لما نريد تحقيقه.
- من مؤشرات السياسة السعودية السلمية :
- عدم التدخل في شؤون الآخرين.
- تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
- المحافظة على التوازن الاقتصادي العالمي (أسعار عادلة للنفط).
- من أكبر الدول المانحة في العالم (عندما تكون ممارساتنا عالمية وضخمة فلابد أن تكون دبلوماسيتنا عالمية وضخمة).
- أين نحن من استثمار القوة الناعمة؟ ولماذا نحن قوة ناعمة؟
- أرض الحرمين والمرجعية الإسلامية
- موسم الحج
- رابطة العالم الإسلامي
- المجامع الفقهية
- الجامعات والمنح
- المنح المالية والبترولية الدولية
- المساعدات الإغاثية
- الصورة النمطية للسعودية ( كإنسان و مكان ونظام ) يحتاج لفريق متخصص في استراتيجيات التفكيك والبناء والحماية وتحسين الصورة.
- المشاركات الدبلوماسية الرسمية وشبه الرسمية سواء في الصحافة و الإعلام المرئي أو المكتوب أو المسموع تحتاج لفريق كتَّاب متخصص لينظمها في نسق واتجاه محدد ومؤثر.
- تمكين فريق متخصص من أصحاب الأقلام المميزين من الكتابة للصحافة العالمية والمحلية وإيجاد شبكة اتصال شخصي من أجل تحقيق التأثير والتفاعل والدفاع عن سياسات المملكة.
- توجيه الدبلوماسيين السعوديين للانخراط في المنظمات الدولية والإقليمية ودعمهم ليكونوا مصدر معلومات مفيدة لوطنهم.
- تحتاج دبلوماسيتنا إلى تأسيس بيوت خبرة تدريب داخل المنظومة الرسمية تعد المتحدثين الرسميين بشكل محترف للتعاطي مع الإعلام بمهنية ونبذ فوبيا الإعلام.
- دور السفارات في استهداف المؤثرين في تشكيل الرأي العام في الدول المضيفة (ولو بإيضاح الصورة والمعلومات الصحيحة لهم عنا ليساهموا في إيصالها لجمهورهم).
- النشاطات الثقافية والإنسانية تحتاج لاحترافية أكثر من الارتجالية والتكرار.
- تفعيل دور الطلاب السعوديين في دبلوماسيتنا الشعبية عبر استهدافهم ببرامج تعزز مفهوم المواطنة و التمثيل المشرف وفتح قنوات لهم للممارسة الدبلوماسية الشعبية.
- جعل بيئة العمل الرسمية الدبلوماسية جاذبة للكفاءات لا طاردة ولابد أن تكون مبنية على الكفاءة والجدارة لا العلاقة.
- لماذا لا تؤسس وزارة الخارجية مركز للفكر يساعد في : (التفكير – التخطيط – رسم السيناريوهات) يكون ذراع لوزير الخارجية ويكون أعضاؤها مفكرون من جميع الأطياف من خارج الوزارة (لابد أن تكون شخصيات تفكر خارج الصندوق).
- نحتاج لمؤشر استراتيجي لكل دولة وبالذات تلك التي لنا تمثيل دبلوماسي معها لرسم خريطة ذهنية وصورة نمطية عن تلك الدول ولإمكانية قياس تطور علاقتنا مع كل دولة لنتمكن من التقييم وحساب التأثير والأثار وبناء القرارات بشكل صحيح.
- استثمار السياحة الدينية و غيرها في تصحيح الصورة النمطية.
- استثمار المنح الدراسية الداخلية للأجانب، حتى لغير المسلمين.
- قد يكون بعض أبناء الوطن أحد أدوات الدبلوماسية الشعبية لدولة ما…ماهي استراتيجية رفع الوعي العام الشعبي للتيقظ.
- أين فريق النخبة أو كوماندوز الدبلوماسية في حالة الأزمات…وطن صنع لنا مثل الفيصل والجبير و غيرهم قادر على صناعة المزيد أو إتاحة الفرصة.
- اللوبيات السعودية التي تغرد خارج السرب بعضها يزعم أنه جماعة ضغط تنسب نفسها لوطنها إلا أن كل تركيزها منصب على تغيير توجهات وطنها بالتعاون مع الآخر … عجبا. نحن نحتاج للوبيات سعودية لنا فقط.
- تأسيس (مراكز تفكير) في كل عاصمة في العالم أو في أقل حالتها في عواصم الدول التي نحن معها في تمثيل دبلوماسي لتزود صاحب القرار السياسي السعودي بما ينبغي في الوقت الذي ينبغي بالشكل الذي ينبغي بالدقة التي تنبغي.
في حين يستلزم نجاح الدبلوماسية الشعبية برأي د. خالد الرديعان أن يكون العمل منظماً من الداخل قبل الخارج؛ وهذا يعني ضرورة وجود منظمات مجتمع مدني فاعلة في الداخل تستطيع أن تنطلق للعمل خارج الحدود وليكن عملها بمظلة ودعم رسميين. أيضا فإن النشاط الثقافي السعودي يعد جانباً مهم للغاية ويمكن جداً تفعيله بصورة معارض فنية أو كتب، أو فنون مسرحية وموسيقى ورقصات شعبية؛ وبلدنا غني جداً في هذا الجانب بحكم تنوع أقاليمه ومناطقه. ويفترض أن نكون نشطين في هذا الباب حتى لا نتصادم مع أحد بحكم أننا سنقدم منتج ثقافي إنساني يتعالى على العمل السياسي الذي لا يخلو من مماحكات. الفن والتراث والإعلام البعيد عن البروباجندا السياسية الفجة وسائل كفيلة بتحسين صورتنا على أن تُقدم هذه الأنشطة بطرق ذكية ومبتكرة وبواسطة جهود شعبية ممولة من جهات رسمية كوزارة الثقافة والإعلام ووزارة الخارجية. والأخيرة يهمها ذلك كثيرا فهذه الأعمال رديف لعملها الرسمي. ويمكن البدء بذلك من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبطلبتنا الذين يدرسون هناك؛ فهم يتوزعون على مئات الجامعات والكليات الأمريكية والبريطانية بحيث تنشأ مجموعات من الطلاب والطالبات في كل جامعة تقوم بعمل يوم ثقافي للمملكة حسب قدراتهم وما هو متاح لهم مع توفير الدعم لهم سواء من الملحقية الثقافية أو وزارة الثقافة والإعلام أو جمعيات الثقافة والفنون في المملكة بفروعها المناطقية. و نفس العمل السابق أي النشاط الثقافي قد تضطلع به سفاراتنا في الخارج على أن تخرجه من دائرة العمل السياسي ليكون مقبولا بحيث يتوجه نحو الشعوب وليس رجال السلك الدبلوماسي والضيوف الرسميين.
وأفضل تمثيل دبلوماسي لبلدنا هو احترام الوافدين وجعلهم يأخذون صورة طيبة عن بلدنا. كيف يتم ذلك؟ بأن نعاملهم بما يرضي الله، وأن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. ويمكن في هذا الشأن تأسيس جمعية خيرية لمساعدة الوافدين وخاصة أصحاب المهن البسيطة والدخول المنخفضة ومن يشتكون من ضيم الكفيل وإهماله. لدينا نحواً من ١٤ مليون وافد وهم بالفعل بحاجة إلى من يلتفت إليهم لمد يد المساعدة لهم عندما يحتاجون إلى ذلك. قوانين العمل غالبا لا تطبق عليهم رغم أن النظام يلزم بذلك لكننا نراهم يعملون ساعات أطول وفي ظل ظروف صعبة للغاية أحياناً وخاصة في فصل الصيف حيث الحر الشديد. كما يمكن إنشاء معاهد للغة العربية لتعليم الوافدين العجم أثناء أوقات فراغهم لنشر اللغة العربية.. وأن تكون دروس مجانية. كثير منهم يتكلم لغة مكسرة وغير مفهومة. ولعل الجامعات تتوسع في باب تعليم العربية للوافدين كجزء من نشاطها نحو المجتمع.. يمكنها بذلك تدريب بعض طلبة اللغة العربية في هذا الباب على التدريس وصقل مهاراتهم.
وأضاف أ.د. عبدالرحمن العناد جانبين مهمين في الدبلوماسية الشعبية لم نحسن توظيفهمها في تصوره:
- الجانب الأول: يتعلق بصناعة المؤتمرات والمعارض الدولية داخل المملكة فهذا يواجه تعقيدات شتى تجعلنا نصرف النظر عنها أو نعقدها وننظمها بمستوى محلي ضيق وبسيط أو ننقلها للخارج … كما تواجه مشاركات السعوديين في المؤتمرات الدولية تعقيدات أخرى كثيرة يعاني منها حتى أساتذة الجامعات الراغبين في حضور المؤتمرات العلمية… وليس أقل هذه التعقيدات رفع أسماء الضيوف والمشاركين القادمين لنا أو المغادرين منا قبل 3 شهور… وللمقام السامي… الذي لا يملك وقتا كافيا للإحاطة بهذه التفاصيل..
- الجانب الثاني المهمل إلى حد ما ويمكن أن يعكس وجها آخر للمملكة هو الرياضة … بكل الألعاب … وتطوير منتخباتنا وبخاصة في الألعاب الجماهيرية بحيث لا تغيب المملكة في البطولات العالمية والأولمبية والنهائيات …. ونحتاج لمزيد من الاهتمام بمشاركة المرأة في الرياضات المختلفة وتشجيع مشاركتها دوليا … وإلغاء بعض العوائق والتحفظات التي تحول بيننا وبين أهليتنا لاستضافة بطولات ونهائيات دولية كمنع المرأة من دخول الملاعب.
وأوضحت أ. مها عقيل أننا فشلنا في إظهار نموذج إيجابي لشخصية سعودية سواء في الفن أو الرياضة أو العلوم أو الأدب أو الثقافة الخ، ومعظم الشخصيات السعودية سواء رجال أو نساء التي تظهر في الإعلام الغربي هم من يطلق عليهم “معارضة” ولا نستطيع أن نقول أن الإعلام الغربي يتقصد إظهار هؤلاء ولا يبحث عن من يمثلون غالبية المجتمع السعودي لأنهم يبحثون ولكن لا يجدون من لديه الرغبة أو القدرة على الحديث بلغتهم إلا القلة. نأتي للنشاطات والفعاليات مثل الوفود والمعارض والمنتديات، بعضها يتسم بالفوضى وعدم التنسيق والترتيب الكافي والمشاركة ضعيفة المستوى والأداء، وبالتالي تكون مضرة ولا تؤدي الغرض منها، ونعود هنا لأهمية حسن اختيار المشاركين وحسن إعدادهم وحسن الترتيب والتنفيذ لتحقيق الهدف المرجو. أما بالنسبة للإعلام فحقيقة إعلامنا فاشل في التواصل مع الخارج، ليس لديه الإمكانات أو القدرات. ومن المهم من جهة أخرى كما طرح د. حميد المزروع مراعاة معايير اختيار السفراء وكل العاملين في السفارات وتأهيلهم وأيضا تأهيل زوجاتهم.
وذكرت د. الجازي الشبيكي إلحاقاً لما تطرقت إليه أ. مها العقيل حول أهمية معايير اختيار السفراء وكل العاملين في السفارات وتأهيلهم وتأهيل زوجاتهم ، التأكيد على الدور الفاعل الذي من المفترض أن تقوم به زوجات السفراء والقناصل في إطار حديثنا عن الدبلوماسية الشعبية ، فزوجة السفير أو القنصل عليها استثمار المناسبات الاجتماعية والخيرية في البلد المُضيف لتؤكد تواجدها ومشاركتها ومساندتها . كما أن عليها ابتداءً تنظيم أنشطة وبرامج مباشرة وغير مباشرة للتعريف ببلدها ولتكوين وتدعيم أواصر العلاقات العامة. لأنه من المؤسف أن بعض أولئك الزوجات غائبات عن أداء ذلك الدور الهام ، بل إن هناك من لا تحبذ الانتقال مع زوجها لمقر عمله وتكتفي بالزيارات المتقطعة له هي وأولادها بين الحين والآخر.
ويعتقد أ. خالد الحارثي أن الجامعات تحمل الدور الأهم في عملية الإدماج التشريعي والإداري للدبلوماسية الشعبية ، ويظهر ذلك في المجتمعات الجامعية في الدول المتقدمة وانتشار المشاركات الطلابية عبر برامج الأساتذة الأكاديميين والصناديق المانحة في الجامعات.
وذكر أ. عبد المحسن القباني أنه و بالنسبة لدور وزارة التعليم العالي و أعضاء هيئة التدريس فتشوبه شوائب أولها أن العضو يجب أن يكون مستقلا عن وجهة النظر الحكومية، أي أن تكون هناك احتمالات بعدم تطابق رأيه مع بعض السياسات هذا إن لم يختلف معها مطلقا. كذلك لوائح الوزارة لمشاركة الأعضاء في المؤتمرات تحتاج لسلسة من الموافقات.
وفي تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإنه لابد لنا من الاعتراف بأن المرحلة الحالية مختلفة تماما ، ومسألة أو قضية عدم السماح لمؤسسات مجتمع مدني تعنى بالدراسات والبحوث واستطلاع الرأي ، مع أحقية المشاركة السياسية والدبلوماسية ، فذاك أمر سوف يضعف ويقلل من إبراز الجهود التي تسعى إليها السعودية في وقت تعد البلاد في أشد الحاجة لمن يؤازرها ويساندها في مهامها الخارجية.
لماذا نحن في المملكة العربية السعودية ننادي ونقترح أن يتواجد لدينا تنظيم يعنى بالدبلوماسية الشعبية أو العامة ، أهو قصور من سفاراتنا ، أم وجوب توافر مؤسسات مجتمع مدني تعنى ببروز دور البلاد في الخارج ، هو أمر حتمي للغاية ، بسبب أن الأفراد لديهم سرعة اتخاذ القرار وسهولة الوصول للآخرين بخلاف المؤسسات الرسمية.
ولكن لنعود إلى حال سفاراتنا ، وقبل أن نتحدث عن شيء من جهودها أمام الرأي العام الأجنبي في دائرة أعمالها ، هل المواطن السعودي راض في الأصل عن دور سفاراته في الخارج ، هذا السؤال ليس المقصد منه معرفة دور السفارات السعودية تجاه مواطنيها ، بقدر ما هو استدراك للوصول إلى درجة الاستعداد وكيفية خدمة المواطن في الخارج ، والمقصود هنا الخدمة المقننة من صاحب القرار ، من هنا ندرك مدى إمكانية وكفاءة العاملين في الخارج أمام الرأي العام الأجنبي ، أن تحقق للمواطن ما هو مفترض تحقيقه بناء على تقنين يوجب على العاملين في سفارتنا من تحقيق ما هو مطلوب تحقيقه للمواطن أولا ، ومن ثم للأجنبي أخيرا .
والتساؤل لماذا نتحدث عن الدبلوماسية الشعبية أو ما يسمى اصطلاحا بالدبلوماسية العامة؟ وهل الحكومة هي من يقوم بالدور الدبلوماسي الشعبي دون المواطن المستقل أي غير الرسمي؟ أم أن المفترض أن تتشكل مؤسسة مجتمع مدني تعنى بالمهام الدبلوماسية الشعبية أو العامة ويكون لديها الأسس التي تمكنها من تقديم ما يمكن أن يعود نتاجه للوطن بدعم ومؤازرة من الدبلوماسية الرسمية؟
هنا وقبل الخوض في إيجابيات أو سلبيات مثل هذا المشروع الدبلوماسي الوطني إن صح القول ، لابد أن تهيئ الأرض الصلبة لانطلاقة حقيقية تبدأ في بناء أفراد من المجتمع لديهم الرغبة الأكيدة في بناء علاقات وثقافات متعددة مع شعوب الدنيا.
في حين يرى أ. سليمان العقيلي أن الدبلوماسية الشعبية يفضل أن تكون بعيدة عن المؤسسة الدبلوماسية الرسمية التي يكفيها أن تعتني بوسائل الدبلوماسية العامة الأخرى . ونحن سعيدون بما أعلنه أ. أسامة عن إدارة جديدة بالخارجية للدبلوماسية العامة. والمسئولية العظمى عن الدبلوماسية الشعبية بتقديره هي لمؤسسات المجتمع المدني بشرط أن تتحرر حركتها من البيروقراطية الحكومية.
أما د. عبدالله بن ناصر الحمود فيجد أننا لم نزل بحاجة إلى مزيد من الفهم والتمحيص للوظيفة الإعلامية لنزنها بميزان المهنية فكرا ومعرفة ومهارة. إن النظرة المتأنية تؤكد أنه لا يمكن الركون للإعلام ليقدم مواجهات حاسمة لمشكلاتنا المجتمعية. وفي موضوع الدبلوماسية الشعبية.. لن ينجح الإعلام بشكل مقنع .. مالم نزد من جودة الواقع.. في بيوتنا.. ومقار أعمالنا ودراستنا.. وفي شوارعنا.. وفي (عقولنا) معرفة وفكرا.. وهوية.
وذكرت د. وفاء الرشيد أنه يجب أن لا ننكر بأن الدبلوماسية السعودية أنجزت إنجازات تحسب لها وسط هذا الكم الهائل من الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية المحيطة إلا أن هناك اتفاق على أن إدارة الإعلام عبر منصات اتصال إلكترونية أصبحت أقصر الطرق وأكثرها تأثيراً ولكن من المهم التركيز على جزئية قد يتحسس منها البعض وهي المصداقية والموضوعية في الإعلام بقدر المستطاع؛ فلن يقبلك الغريب وأنت تفقد المصداقية عنده مهما كانت قوة مدخلك عليه. ونحن بحاجة لمن يشرح لنا الخطوط الدقيقة وليست العريضة، فمن السهل كتابة التوصيات والعناوين ولكن التحدي الحقيقي هو المنهجية لتحقيقها ومعايير النجاح التي نرتكز إليها.. نحن نتفق بالأهداف ونختلف على الطريق.
وأشار د. سعد الشهراني إلى أننا نحتاج إلى استغلال القوة الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية لدعم مواقفنا و الدفاع عن مصالحنا ؛ فهذا المصدر يحتاج للتفعيل داخليا و إزالة المعوقات أمام المؤسسات و النشاطات الثقافية و إعادة بناء المؤسسات الرياضية و تفعيل النشاط الرياضي و حفز القطاع الخاص و المؤسسات الأهلية لتكون فاعلة داخليا ثم البناء على ذلك للخروج للعالم خروجا حضاريا مقبولا يستلهم تراثنا و تاريخنا الغني و الثري كورثة أصليين وحقيقيين لإرث و تراث متنوع و عميق الجذور. الدبلوماسية الشعبية و العامة لن تكون في الخارج و هي مخنوقة في الداخل على سبيل المثال.
و الدبلوماسية العامة ليست في اتجاه واحد ؛ فلو أننا ندعو و نستضيف شعبيا آلاف المؤثرين في مجتمعاتهم باستمرار لزيارة المملكة ووضع برامج غنية للتجول في أقاليم المملكة و الاطلاع على المنجزات التنموية و مشاريع الحرمين الشريفين و خدمتهما و خدمة المسلمين و دعوة المثقفين و المفكرين منهم للمشاركة في النشاطات الرياضية و الثقافية و العلمية الداخلية ( غير نشطة أصلا ! ) سيكون الإشكال بطبيعة الحال في القيود البيروقراطية و قصور الخطط و السياسات العامة و قصور العمل الشعبي العام. هل نأمل في رجل مثل عادل الجبير ليقوم هو و فريقه الرسمي بإعداد خطة طويلة المدى للديبلوماسية العامة ، تكون رافدا للدبلوماسية الرسمية و متوافقة مع رؤية 2030؟
ومن ناحيته قال د. مساعد المحيا: وجود الجهاز الجديد في الوزارة الذي يتولى الدبلوماسية العامة يعكس قدرا مهما من القناعة بهذا النمط من الدبلوماسية وعسى أن تكون له جهوده الواضحة وإن كنت أرى أن الدبلوماسية الشعبية ينبغي أن لا تكون مرتبطة بالمؤسسة الدبلوماسية وأن غاية ما تقدمه الدبلوماسية التقليدية لنجاح الدبلوماسية العامة هو أن تشرع لها كل الأبواب وأن تستوعبها وتتقبلها وأن لا تشعر أنها تنتزع دورها وصلاحيتها.
في الآونة الأخيرة ألحظ هدوء في دبلوماسية الخارجية السعودية فالجبير ” الذي كان يمثل بعض الحراك الدبلوماسي النشط “كأنما هو آثر الصمت أو أن قرارا اتخذ بتقنين حضوره بعد أن كان ملئ السمع والبصر وبعد أن كان ينوب أحيانا عن كثير من الوزراء الذين لهم علاقة بسياسات المملكة مثل وزير البترول ووزير الإعلام والاقتصاد والتخطيط والمالية.
مهم جدا التفريق بين طبيعة المجتمعات من حيث نمط الوسائل الدبلوماسية الناعمة أو الشعبية فما نحتاجه في إحدى دول الخليج يختلف عن مصر مثلا كما أن هذا يختلف عن ما ينبغي القيام به في الدول الغربية وبخاصة أمريكا.. وهكذا.
الجامعات لها دور في صناعة دبلوماسية عامة ثقافية، لكن الواقع لا يشجع على تحقق ذلك. والواقع أن التعاميم التي تصل للأستاذ في الجامعة تشعره بأنه سجين وعليه أن يتحرك وفقا لتعليمات إدارة السجن فالتعليمات تمنع المشاركة دون إذن مسبق وموافقة مسبقة في أي برنامج له امتداده الثقافي والفكري برغم أن ذلك يصب في مصلحة المملكة وحضور رموز الوطن الثقافية لهذه المناسبات مهم … وعادة ما يجد عدد من أعضاء هيئة التدريس أن المتطلبات البيروقراطية للمشاركة تجعل الأستاذ يؤثر عدم المشاركة.
أحد أهم قوانا الناعمة هي ما حبانا الله إياه من وجود الحرمين والمشاعر المقدسة … وكذلك الرموز الدينية من مثل كبار العلماء وأئمة الحرمين وعدد من الدعاة الذين لهم حضور وقبول في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. هؤلاء حين يتحركون في العالم وفق خطة جيدة وواضحة ستثمر الكثير من الإيجابيات مستقبلاً.
وأضافت أ.د. سامية العمودي نقطة أخرى حول دور أعضاء هيئة التدريس في الجامعات في الدبلوماسية الغير رسمية؛ فكما ترى كلنا سفراء للوطن لكن حتى الرسميين منا لا يعون أهمية دورهم وأهميته وهناك قيود علينا في حضور المؤتمرات وفي استضافة العلماء من الخارج وحضورنا وتواصلنا مع الجهات الدبلوماسية في الداخل محفوف بالمخاطر وبالقيود. ومن المهم التواصل الفعال لأن هذا دورنا في إبراز الصورة الحقيقية لمنجزات الوطن والنساء خاصة.
وترى د. عائشة حجازي أن مؤسسات المجتمع المدني عليها الجهد الأكبر في إظهار الدبلوماسية الشعبية. والمؤسسات الكبيرة كالجامعات يجب أن تحمل على عاتقها إيصال الصورة الإيجابية من خلال شراكاتها المتعددة مع الجامعات الدولية. وكذلك من خلال الحرص على تطوير البرامج والفعاليات التي تقدم للوفود القادمة إليها من عدة دول. وهذا أيضا ينطبق على كل مؤسسة مدنية ووطنية تستقبل وفود وأفراد فهم السبيل لإيصال رسالتنا ودعايتنا لدولهم.
وأوضح أ. أسامة نقلي أن الخطة طويلة المدى للدبلوماسية العامة المشار إليها في تعقيبه هي في طور التنفيذ حالياً، وتهدف إلى جمع شتات الدبلوماسية العامة في جهاز واحد ينسق أنشطتها بين أجهزة الدولة ومؤسسات مجتمعها المدني بشكل متناغم ، من خلال تقييم وتفعيل الجهود القائمة، ووضع مبادرات جديدة تتفق وسمة العصر.
ومن جهة أخرى فإن البيانات، والمهرجانات، والحوارات، واللقاءات الإعلامية، وغيرها جميعها أدوات مهمة وتكمل بعضها البعض، ولا ينبغي أن تلغي بعضها الآخر، حيث أن لكل منها مقام، وكل منها يخاطب شريحة قد لا تصل إليها الأخرى. ومن المهم أيضا إدراك حقيقة أن الدبلوماسية العامة تنطلق من الداخل، ولا تبدأ من الخارج، جهد يشارك فيه الكل دون استثناء لتنعكس آثاره بشكل أفضل من خلال الأدوات.
وفي تصور أ. كوثر الأربش فإنه وقبل أن نفكر بالحصاد، يجب أن نفكّر بالزراعة. قبل أن نفكر بصورتنا لدى الآخر، علينا أن نعرف ما هو تصور الفرد لذاته، هويته، حضارته؟ إذا أحسنا توضيح الهوية الذاتية والعميقة للأفراد، كسبنا منتصف الطريق لبلوغ الهدف. السؤال: هل السعودي معتز بهويته؟ هل لديه تصور واضح لفرادته وما يميزه عن الآخرين؟ أطرح هذين السؤالين لأنهما ما يؤسسان مفهوم الهوية. ومنها ننطلق لبقية المشوار. هناك علاقة طردية بين الاعتزاز بالهوية والمسؤولية النابعة من الوجدان، مسؤولية حمايتها. لا يمكن بحال أن تنمي الحس المسؤول دون الشعور العميق بأن ما لديك ثمين ومتفرد. في مناهج التعليم العالمية تعتمد مراكز التعليم أهداف كثيرة لتنمية الحس الوطني القائم على الاعتزاز، في الصين مثلا: تعتمد المناهج الدراسية عدة أهداف لتكريس الوطنية، من ضمنها: الاعتزاز بالمنجزات والمكتسبات. تلك نظرة بعيدة تخلق الدافع، لأن خلق الدافع يكفيك جهد التلقين والوعظ. نحن بحاجة جادة لإعادة النظر لطريقتنا في تنمية الحس الوطني، سواء في المناهج الدراسية أو في المنتج الإعلامي المتنوع. هنا فقط، سنحظى بمواطن سعودي حريص على هويته في الداخل، وصورتها في الخارج.
المشكلة تكمن في سطحية تناول مفهوم الوطنية وسبل تعزيزها. لماذا لا يقوم مجموعة من المختصين ببرامج واعية تهدف ـ بشكل جذاب وعميق ـ لإنبات بذرة الوطنية ورعايتها، بحيث نجد السعودي في كل مكان، يقف بكل فخر ويقول: أنا سعودي. يقولها بفعله، قوله، ممارساته، تعاملاته.
وأشار أ. مسفر الموسى إلى أنه يوجد نماذج دولية .. فيها شركات تقوم بدور بناء السمعة والهوية الوطنية.. سواء للداخل أو للخارج. على سبيل المثال.. لا يوجد للسعودية شعار يمثل هويتها العالمية.. حتى وإن اختلفنا حول شعاري (مملكة الإنسانية) أو ( أرض الحرمين) أو غيرها من الشعارات التي لم تأخذ صفتها الرسمية.. ماهي البرامج التي يتم من خلالها تسويق الهوية.
لذلك يجب على الجهة المسؤولة عن إدارة الدبلوماسية الشعبية.. أن تحدد الهوية والإطار العام لرسالتنا العالمية… والشعار الذي يمثلها.. ثم بعد ذلك تطرح البرامج التي يمكن أن تعزز هذه الرسالة.. سواء من خلال الفيلم والصناعة الإعلامية أو غيرها من الأنشطة.
تجربتي تركيا وكوريا الجنوبية الدرامية مثلا يجب دراستها لمعرفة تأثير الدراما الكورية في صناعة الدبلوماسية العامة، وما فعلته كذلك الدراما التركية التي استطاعت النفاذ إلى الشاشة العربية بكثافة عالية.. حتى بتنا نتخيل صورة أزمير وطربزون ومدن الجنوب التركي ونمطها الثقافي دون أن نزورها.. في المقابل لا نعرف مثلا صورة القريات أو تبوك وغيرها من المدن السعودية. إن الصورة صناعة والدبلوماسية العامة جزء منها.
وبالرغم مما سبق، وجنبا إلى جنب مع مبدأ صناعة الرسالة المؤثرة في الدبلوماسية العامة، فإنه يجب أن نعيد ترتيب بيتنا من الداخل؛ فمثلا.. ماهي المواضيع الأكثر جاذبية لنتحدث بها عن جودة الحياة في السعودية.. لا تستطيع جامعاتنا مثلا أن تقدم إعلانا عبر الصحف وتقول؛ هل ترغب أن تدرس في هذه الجامعة.. كما لا يوجد لدينا منتجات صناعية فائقة نستطيع أن نعرضها في شارع الشانزليزيه بحروف عربية.. فنادقنا في البوكنج ودعواتنا السياحة إلى عسير والباحة والطائف لا تكاد تسمع لأنها بلا برامج. والخلاصة الثانية… أننا فعلا نستطيع أن نصنع الصورة المساهمة في دعم الدبلوماسية الشعبية.. ولكن أين المحتوى الذي سنتحدث عنه؟
ويرى أ. عبدالرزاق الفيفي أنه لابد من تفعيل المؤسسات الإنسانية والإغاثية للقيام بدور الدبلوماسية الشعبية الغير حكومية، ولابد كذلك من تفعيل دور طلاب المنح التعليمية لغير السعوديين. كما أن السعودية قادرة على كسب دوائر تأثير ذات مستويات متدرجة لمليار ونصف مسلم، وأول ما يلزم تعزيز وإبراز الهوية الإسلامية المتزنة الثابتة للدولة التي لولاها لن تكتسب ذلك التأثير؛ فمن تحديات الدبلوماسية تنازع الهوية فيها وتنوع مصادرها، مما يسهم في تشتيت الجهود واضطراب الصورة وضبابيتها لدى المستهدِف و المستهدَف.
وأوضح د. حاتم المرزوقي أنه وفيما يتعلق بطلاب المنح، فالجامعة الإسلامية بتاريخها الممتد إلى ما يزيد عن ستين عاما، خرجت سبيعين الف طالب من ١٧٠ دولة، يشكلون في مجملهم سفراء للملكة العربية السعودية، يتولى العديد منهم مسؤوليات مختلقة سواء في المشيخيات الإسلامية أو دور الإفتاء أو غيرها، كثيرون منهم وزراء وبرلمانيون وسفراء ومدراء جامعات. والجامعة الإسلامية تستقبل سنويا أربعة آلاف طالب تتولى المملكة تعليمهم وإسكانهم وتغذيتهم وصرف مكافآت مالية لهم. يتعلمون في مجتمعنا ويذهبوا إلى بلدانهم ويحملون في قلوبهم عاطفة لهذا البلد وشعبه. ولا ننسى حديث مفتي لبنان عندما زار الجامعة بعد أربعين عاما من تخرجه وقال إنني أدبن لهذا البلد بالجميل، استضافني وعلمني، كذلك مفتي الأردن، ورئيس البرلمان الماليزي الذي يتذكر إلى الآن أين سكن وأين كان يذاكر دروسه. وبمثل هذه النماذج وبهكذا ممارسات تكون للمملكة قوة ناعمة تدفع بالصوت السعودي وتتبنى مواقفه في تعميق مفاهيم الاعتدال وقيم الوسطية والتسامح.
ويرى أ.د. صدقة فاضل أنه من المؤسف أن يكون القطاع الثالث في بلادنا ضعيفا أو مستضعفا ومغيبا إن صح التعبير. في هذا العصر يعتبر هذا القطاع بالغ الأهمية… وتناط إليه مهام يمكنه أن يقوم بها بفعالية أفضل من فاعلية القطاعين العام والخاص . خير من يقوم بالدبلوماسية الشعبية هو القطاع الثالث… مؤسسات المجتمع المدني. الغلو في المحافظة ومحاصرة الحرية المنضبطة كلها أمور تؤثر بالسلب على حياتنا بالداخل وصورتنا بالخارج.
ومن الغريب تأخر إقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية… وعندما صدر جاء بتعديلات محبطة … جعلته مختلفا عن ما أوصى به مجلس الشورى أصلا. وبالطبع فان القطاعات الثلاثة متداخلة … وتقوم بالعمل لخدمة الصالح العام… رغم قيام كل قطاع بواجبات تخصصه ومهامه. إن التنسيق ضروري جدا بين هذه القطاعات خاصة عندما يكون العمل على الساحة الدولية. أما فيما يتعلق بالدبلوماسيين فهناك ضرورة لتأهيل كل منهم قبل إرساله ليمثلنا بالخارج، كما يجب إنشاء مجلس الخبراء الدبلوماسيين بوزارة الخارجية ، وأن تكون من مهامه ترشيح السفراء في الدول المختلفة من أفضل الدبلوماسيين السعوديين المتوفرين، و أن لا تزيد نسبة المعينين كسفراء من خارج الكادر الدبلوماسي عن 10 بالمئة من مجموع سفراءنا بالخارج. أما أن تكون وظيفة سفير في بعض الحالات كتكريم لمسؤول سابق … ليتقاعد بمسمى سفير … بينما يعتبر نفسه في إجازة مدفوعة الأجر؛ فإن ذلك يجب أن يتوقف تماما بعد أن ثبت فشله بل ضرره.
وتطرق د. حمزة بيت المال إلى أنه يجب بالنسبة للدبلوماسية العامة معرفة ما يلي:
- ما هي سمعتنا وصورتنا عند الأخر لأن النظرة إلى المملكة مختلفة بحسب مناطق العالم؛ لذلك يجب أن لا تكون البرامج أو الجهود نفسها للجميع.
- مصادر بناء صورتنا لدى الآخر. والإعلام بالتأكيد أحد مصادرها، وكذلك سلوكنا في الخارج ومظاهر الترف التي تحدث من بعضنا في الخارج، والتفاعل المباشر إما في بلد الزيارة أو في التفاعل المباشر معنا من خلال الحج والعمرة أو السياحة.
الصورة الآن أصبحت مقاربة للبراند Brand بمعني يجب أن تكون الرسائل مدروسة بعناية ومختصرة والرسائل هنا مستخدمة بمعناها العام بما في ذلك الفعاليات الثقافية.
وعقب أ.د. صدقة فاضل بأن موضوع النظرة إلى المملكة مختلف عن موضوع قضيتنا هنا. وقد أوضحت معظم الدراسات أن هذه النظرة سلبية في معظمها وفى شتى البقاع. غير أننا لا نعترف بهذا الواقع المؤسف وننفى أن تكون صورتنا غير وردية رغم أنها كذلك. طبعا على الدبلوماسيين مسؤولية تبييض هذه الصورة قدر الإمكان .
وأضاف د. مساعد المحيا أن من اطلع على وثائق الخارجية المسربة من قبل ويكيليكس منذ عام يجد أن الخارجية لدينا تعني بكتابة التقارير حول برامج أو شخصيات عديدة في العالم وغاية ذلك الحد منها أو التضييق عليها. ومفهوم الدبلوماسية الشعبية يعني أن يكون ذلك في إطار من يعملون ضد الوطن ومصالحه وأن لا يشمل ذلك كل الجهات والشخصيات الدبلوماسية الشعبية أو القوة الناعمة؛ تعني أن نفتح آفاقنا واذرعنا وعقولنا وأن نتقبل كل من يجمعنا معه عقيدة أو مصالح مشتركة، وأن نستثمر ذلك لكي نكسب الآخرين …دون أن نقدم أي تنازلات.
ويرى د. علي الحارثي أن كل الأفكار المطروحة سلفاً تمثل قنوات مضيئة للدبلوماسية العامة أو الشعبية ، ولكن !!! كل ذلك لابد أن يُبنى على أساس متين ويمكن قبوله من المتلقي. وضعنا الداخلي السياسي والثقافي والاجتماعي والفكري لا يساعد الدبلوماسية الشعبية، للخلل الكبير في بنيتها. أضف إلى ذلك الصورة التي عُرف بها أغلب السياح السعوديين كانت سلبيه للغاية . زِد على ذلك الهجمة التشويهية الغربية لكل أحوالنا وبالذات منذ /١١/ سبتمبر صدًقها المتلقي ، فكيف يمكن لكل الأساليب والبرامج الدبلوماسية الشعبية مصداقيه لدى المتلقي من الشعوب والحكومات الأخرى؛ إن ذلك سيكون فيه إهدار للمال ومضيعة للجهد والوقت . مالم نصلح الخلل الداخلي أولا اذا أردنا أن ننطلق للفضاء الخارجي.
وأيد أ. جمال ملائكة هذا الرأي ألأخير وأضاف أنه لا بد من ثورة تعليمية/إعلامية في تدريب النشأ كيف يفكر/يحلل و لا يحفظ/يبصم و كذلك إعادة تأهيل للخطاب الديني الذي يتحدث بأسلوب متشدد و مجافي للآخر.
المحور الرابع
حساب المواطن
الورقة الرئيسة: أ. ماجد العصيمي
برنامج حساب المواطن
تسبب تعديل أسعار منتجات الطاقة والمياه في المرحلة الأولى في 2016 في ارتفاع مبدئي في الأسعار في بداية العام، إلا أن الأسعار لم تواصل الارتفاع نتيجة لانخفاض أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية الرئيسية.
من المتوقع أن تؤثر الإصلاحات الهيكلية خلال الفترة 2017 – 2020 بشكل مباشر وغير مباشر على الأسر ذات الدخل المنخفض والمحدود. وإحدى هذه الإصلاحات هي التعديلات الجديدة في أسعار منتجات الطاقة والمياه، التي ستسبب تغيرا جذريا في تكاليف منتجات الطاقة لدى الأسر وتكلفة المعيشة بشكل عام، مقارنةً بغيرها من السلع والخدمات الضرورية في سلة المنتجات الاستهلاكية.
ولإدراك الحكومة أهمية دعم الأسر ذات الدخل المنخفض في تحمل أعباء الإصلاحات، فقد قامت بوضع برنامج وطني لدعم الأسر باسم (برنامج حساب المواطن).
على الأسر
أهداف البرنامج:
- تخفيف وطأة الآثار الاقتصادية الناتجة عن المبادرات المختلفة على ذوي الدخل المنخفض.
- تطوير نظام شامل يمكن من خلاله رفع كفاءة توجيه المنافع والدعم الحكومي المقدم للمواطنين.
- تشجيع وتحفيز المواطنين والأسر على الاستهلاك الرشيد لمنتجات الطاقة والمياه.
المبادئ التوجيهية:
- ينبغي أن يوفر الحماية اللازمة لأصحاب الدخل المنخفض من التأثير المحتمل للإصلاحات.
- يكون البدل نقداً بناءً على مستويات الاستهلاك الرشيد.
- يكون البدل عادلاً لكل فئة ومتغيراً حسب حجم الأسرة.
- البدء بصرف البدل للأسر قبل تطبيق أي إصلاحات هيكلية تمس المواطن.
الأهلية :
تم اختيار الأسرة بدلاً من الفرد لتكون الوحدة الأساسية المستفيدة من البدل، نظرًا لكونها الوحدة الاقتصادية الرئيسية في المجتمع السعودي. وبناءً عليه، سيكون رب كل أسرة هو المستفيد الأساسي الذي يستلم مبلغ البدل. (
وتمثل الأسر السعودية الفئة الأساسية المستفيدة، بالإضافة إلى الأفراد السعوديين الذين يعيشون بشكل مستقل عن أسرهم، وأسرة الأم السعودية المتزوجة من غير سعودي، وحاملي بطاقات التنقل. وتؤهل تلقائيًا للبدل كافة الأسر المستفيدة من برنامج المعاشات الضمانية وذلك لكونهم أول المستحقين للدعم الحكومي وربما الأكثر حاجة.
من يستحق البدل؟
- الجنسية السعودية.
- الإقامة داخل المملكة.
- وجود قرابة من الدرجة الأولى بين جميع أفراد الأسرة الواحدة.
قيمة البدل
يتم احتساب قيمة البدل بناءً على الأثر المباشر وغير المباشر لتعديل أسعار منتجات الطاقة والمياه، والإصلاحات الاقتصادية الأخرى. كما يستند صرف البدل للأسر على مبدأ العدالة، لذا فإن قيمة البدل غير ثابتة، حيث سيتم مراجعة قيمة البدل بشكل دوري لتعكس التغييرات في أسعار الطاقة أو أي إصلاحات أخرى قد تؤدى إلى زيادة العبء على الأسر.
- منتجات الطاقة والمياه: صرف البدل بناءً على مقدار الارتفاع في تكلفة الاستهلاك الرشيد
- المنتجات الأساسية: صرف البدل بناءً على الزيادة في معدل التضخم في تكلفة متوسط الاستهلاك الأساسي.
الاستحقاق:
ستقوم الحكومة بتحديد زيادة تكاليف الاستهلاك الرشيد من منتجات الطاقة والسلع الضرورية للفرد الواحد من الأسر المستحقة، ومن ثم سيزداد على النحو الملائم كلما زاد عدد أفراد الأسرة. فسيتم صرف البدل لذوي الدخل المنخفض والمحدود بالكامل، وستتناقص قيمة البدل كلما ارتقت الحالة المادية للأسرة، فيتم صرف البدل للأسر السعودية متوسطة الدخل جزئيًا فقط، ولن يتم تغطية الأسر ذات الدخل المرتفع.
توضيح لقيمة البدل على فئات الدخل المختلفة
تم دراسة الخصائص السكانية للمجتمع وتقسيمه إلى خمس شرائح متساوية ) أخماس( من ناحية عدد السكان، وتمت دراسة متوسط الدخل الشهري للأسر السعودية المكونة من 6 أفراد وتقدير العبء الإضافي الشهري المتوقع عليهم جراء الإصلاحات المختلفة .وبتطبيق معايير الاستحقاق )عدد أفراد الأسرة، والحالة المادية للأسرة( تم تقدير قيمة متوسط البدل لتقييم حالة الأسرة بعد الاستفادة من البدل.
التكاليف التقديرية
يتوقع زيادة قيمة البدلات السنوية للأسر خال الفترة 2017 – 2020 نتيجة زيادة الأعباء الناتجة عن الإصلاحات الهيكلية، ويتوقع أن يبلغ إجمالي البدلات للبرنامج بحلول عام 2020 ما بين 60 إلى 70 مليار ريال سعودي.
خارطة الطريق لتنفيذ البرنامج:
- فتح بوابة التسجيل لجميع الأسر السعودية في الأول من فبراير 2017 ، و إضافة جميع مستفيدي برنامج المعاشات الضمانية تلقائياً.
- تحليل الأهلية والاستحقاق لكافة المسجلين في منتصف شهر فبراير2017.
- الإعلان عن نتائج الأهلية والاستحقاق للمسجلين.
- صرف البدل لجميع المستفيدين المؤهلين عن طريق حوالات مصرفية قبل تطبيق الأسعار الجديدة.
الرؤية المستقبلية لبرنامج حساب المواطن
يمثل بدل الإصلاحات للأسر السعودية الخطوة الأولى لبرنامج حساب المواطن ليكون برنامجاً شاملاً كافة المساعدات والإعانات الحكومية من خلال بوابة واحدة. ستوفر البوابة نظام موحد لتقييم الأهلية، والذي سيمكن من استهداف الفئات المستحقة بشفافية وفعالية أكبر، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن، وتوفير المصروفات الحكومية عبر توحيد الاستثمار في الأصول والأنظمة المتعددة.
برنامج حساب المواطن | ||||
بدل الإصلاحات | فوائد الضمان و التنمية الاجتماعية | فوائد الإسكان | فوائد الرعاية الصحية | فوائد التعليم |
دعم المعاش | دعم تملك السكن | الخدمات الصحية | دعم التعليم العام | |
دعم الغذاء | دعم الإيجار | التأمين الصحي | دعم التعليم العالي | |
دعم باحثي العمل | مكافئات الطلاب |
وفيما يلي مجموعة من الإحصائيات والمعلومات التوضيحية حول برنامج حساب المواطن:
التعقيب الأول: د. حميد المزروع
لاشك أن الحساب المصرفي للمواطن يعتبر أحدا الأدوات المالية التي تهدف إلى تخفيف العبء المالي علي رب الأسرة السعودية مقابل ارتفاع التضخم الذي سيترتب عن رفع الدعوم عن أسعار الطاقة ( البنزين ، الديزل والماء والكهرباء ). بعد اطلاعي علي موقع الحساب المصرفي واستعراض طبيعة المعلومات المطلوب تقديمها أقترح معالجة النقاط التالية :
أولا: معايير تحديد التعويض المالي.
كان من المفترض ربط قيمة التعويض المالي بعدد أفراد الأسرة و بقيمة محددة بغض النظر عن الدخل الإجمالي للأسرة، وبذلك نضمن تحقيق العدالة الاجتماعية لتخفيف آثار التضخم بشكل أكثر فاعلية، وذلك لأن دخل الأسرة عامل متغير غير قابل للتقييم بشكل ثابت. كما يحتاج البرنامج أن يراعي شريحة البطالة والتي تبلغ حوالي ١٢٪ ، عليه يحتاج البرنامج إلى وضع حد أدني للتعويض ، خاصة للمتزوجين ، وإن كنت أميل لإدراج جميع موظفي الدولة الذين تقل رواتبهم عن ستة آلاف ريال مع شريحة البطالة من حيث قيمة التعويض ، تلافيا لانحدار هذه الشرائح إلى دون خط الفقر .
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن الميزانية المرصودة لحساب المواطن بالمرحلة الأولي تبلغ حوالي ٢٠-٣٠ مليار للسنة المالية ٢٠١٧، فإن الميزانية ستتضاعف حتي تصل إلى٧٠ مليار لتغطي المرحلة الثانية والثالثة ( ٢٠١٨-٢٠٢٠) ، لرفع الدعوم ، مما ينبئ عن تضاعف أعداد المتقدمين لطلب الدعم ، ولا نستبعد بأن يصل عدد الحسابات المصرفية بتلك الفترة إلى حوالي خمسة مليون حساب. وهذا في تقديري سيبقي عبء شبة دائم علي ميزانية الدولة. باعتبار الحساب المصرفي مؤشر لبرنامج التوازن المالي لوزارة المالية يجب أن يجاريه بنفس الوقت طرح برنامج حكومي موازي لدعم القطاع الخاص لتحفيز التوظيف ولتقليل نسبة البطالة من ناحية ، وللتخفيف التدريجي عن الميزانية المخصصة لحساب المواطن حتي السنة المالية ٢٠٢٠م .
ثانيا: المحافظات واختلاف التضخم.
كما نعلم أن نسبة التضخم بين محافظات المملكة تختلف اختلافا كبيرا ، خاصة في قيمة إيجارات السكن و وفرة النقل الجماعي من عدمه ، لذلك أقترح أن يرتبط جزء من وزن قيمة التعويض المالي للفرد أيضا بمؤشرات التضخم لكل محافظة علي أن يتم وفق مؤشرات اقتصادية من جهة معتمدة.
ثالثا: إدارة الحسابات المصرفية.
عمليا وإجرائيا سيكون من الصعوبة الاستمرار بتدقيق وتحديث حوالي أربعة ملايين حساب مصرفي بشكل دوري و دائم و دقيق ، حتي لو كان ربعي ( ثلاثة شهور ) ، حيث أن البيانات ستتغير برتم سريع و مستمر ،كما يتطلب الأمر إلغاء واستحداث حسابات جديدة وإعادة تقييم ومتابعة للمتزوجين الجدد والمطلقين والعاطلين عن العمل .
رابعا : الخصوصية والسرية :
هناك توجس عند بعض المواطنين باعتبار الحساب المصرفي نموذج مطور للكشف عن الذمم المالية للمواطنين ، مما قد يترتب علية التزام المواطن أو امتثاله بالمستقبل القريب لضريبة أخري تعرف عالميا بضريبة الدخل .
ومن الناحية الأخرى هناك تخوف تقني من انتهاك خصوصية الشئون المالية للمواطنين ، وما قد يترتب عليها من جرائم مالية يستغلها الهاكرز أو سوء توظيف لبيانات مالية تعتبر وفق الأنظمة المصرفية بالخاصة والسرية . تجدر الإشارة إلى أن وزارة العمل جهة غير مرخصة من وزارة المالية لتحديد الوضع القانوني لإدارة هذه الحسابات المصرفية. لذلك يجب معالجة هذه الثغرة القانونية لطمئنة الجمهور ، وأقترح مبدئيا أو مرحليا أن تنقل صلاحيات إدارة الحساب المصرفي لوزارة المالية بدلا عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية .
التعقيب الثاني: م. خالد العثمان
إن الإعلان عن برنامج حساب المواطن بالنسبة لي كان كلحظة يتحقق فيها حلم قديم طال زمن انتظاره. منذ سنوات وأنا وغيري كثيرون نطالب مرارا وتكرارا برفع كفاءة الدعم بدلا من ذلك الدعم الأفقي العام الذي كان يستفيد منه في الحقيقة الأكثر قدرة وملاءة من المواطنين بدلا من أن يكون عونا للضعفاء منهم. هذا التحول في النظرة الرسمية لمفهوم الدعم هو خطوة هامة في الاتجاه الصحيح لا نملك إلا أن نتجاوب معها وندعمها بفعالية. وكعادة مثل هذه البرامج، من الطبيعي أن يخرج البعض محتجين مرجفين مهولين، وهم في ظني أحد فئتين. إما خاسرون من ذلك الدعم المنفلت وهم ليسوا بحاجة له لكنهم استمرأوا حلاوته ، وإما بسطاء قلقون من مجهول لم يفهموا تفاصيله ويخشون من تبعاته على قوت يومهم البسيط . وفي الحقيقة ، فإن بعض هذه المخاوف هي في الحقيقة مخاوف مشروعة ، ليس لأن فكرة البرنامج خاطئة ، بل لأن الشيطان في التفاصيل التي يمكن أن تقود إلى تطبيق خاطئ لفكرة البرنامج فتوقع آثارا سلبية محبطة على المستفيدين منه وعلى مجمل هيكل الاقتصاد بدلا من أن يحقق أهدافه المرجوة . تعقيبي هذا يعلق الجرس حول عدد من النقاط التي يلزم على القائمين على البرنامج أن يولوها انتباههم وعنايتهم ويضعوا لها حلولا ناجعة حتى يؤدي البرنامج مبتغاه ويحقق مرامه . أهم هذه النقاط ما يلي :
- إن توظيف التقنية في إدارة البرنامج أمر محمود بالعموم. إلا أنه يجب ألا نتجاهل أن هناك نسبة كبيرة من الأميين بهذه التقنية ، خاصة في المدن والقرى الأقل تعرضا لمظاهر التحضر ، وخاصة بين شرائح الأسر الأقل تعليما وقدرة وهم الأحوج للدعم الذي يقدمه البرنامج . هذا الواقع يثير المخاوف حول قدرة هذه الشريحة على التعامل مع البرنامج ومتطلباته التقنية ، وما يمكن أن يتعرضوا له من استغلال من ضعاف النفوس الذين رأينا نماذجهم عند تطبيق برنامج حافز مثلا . من الضروري أن يكون هناك وسائل وآليات لتمكين هذه الشريحة من التعامل مع البرنامج بوسائل أقل تعقيدا وأقل تعريضا لمعلوماتهم الخاصة والسرية من تلصص وابتزاز الآخرين.
- تماما كما كنا سابقا ننتقد الدعم المتوازي الذي يصل للجميع، فإنه سيكون من الخطأ تحديد مبالغ للدعم المادي في برنامج حساب المواطن تستند فقط إلى معدل الدخل للأسرة . وثيقة البرنامج تقول أن مقدار الدعم يأخذ في اعتباره حجم الأسرة ، وأنا لم أر في الحقيقة كيف كان ذلك في الوقت الذي يعرض الجدول شرائح دعم مرتبطة بمقدار الدخل فقط . من الخطأ أيضا أن يكون الدعم متوازيا لكل المدن والمناطق والمدن والقرى مع اختلاف أعباء الحياة وطبيعة الاستهلاك والتنقل بينها. المواطن الذي يتنقل في الرياض مثلا بين سكنه ومقر عمله ومدارس أبنائه يستهلك قدرا من الوقود أكثر من ذلك المقيم في الخرج أو الزلفي مثلا . وبالتالي فإن معدل الاستهلاك المرتبط باتساع المدينة ومتطلبات استهلاك الطاقة والوقود يجب أن تؤخذ في الاعتبار في توزيع شرائح الدعم.
- التقسيم الذي اعتمده البرنامج للفئات الخمس جيد من ناحية المبدأ ، لكني أعتقد أن نطاقات شرائح الدخل هي نطاقات ضيقة وتقود إلى استنتاجات خاطئة حول القدرة على تغطية أعباء الإصلاحات الاقتصادية . افتراض أن من دخله أكثر من 21000 ريال هو من ذوي الدخل المرتفع افتراض غير دقيق خاصة مع تباين متطلبات الأعباء الحياتية بين المدن المختلفة كما أشرت سابقا. لا أدري في الحقيقة كيف توصل القائمون على البرنامج إلى رقم 34000 كمتوسط لدخل فئة الدخل المرتفع ، خاصة مع غياب المعلومات الدقيقة عن دخل التجار وكبار الموظفين في القطاعين العام والخاص ، وهم الشريحة التي ستمتنع في الغالب عن التسجيل في حساب المواطن بافتراض عدم استحقاقها للدعم ، وبالتالي ستظل معلومات دخولهم خافية عن علم القائمين على البرنامج .
- الأمر الآخر، أن وضع حدود فاصلة بين الشرائح سيوقع شيئا من الظلم عند التطبيق على الشرائح المتقاربة. سيكون من الظلم مثلا أن يحصل من دخله 15299 ريال على 1000 ريال شهريا بينما يحصل من دخله 15301 ريال على 600 ريال شهريا !! . الوسيلة الأفضل في رأيي هي استخدام معادلة النسبة العكسية التي يمكن أن تحقق عدالة أكثر حتى داخل نطاق الشريحة نفسها بين حديها الأدنى والأعلى. وبالتالي فإن تطبيق مثل هذه الآلية سيكون أكثر فعالية حتى في الشريحة الأعلى دخلا ، ويسمح برفع سقف الاستحقاق للدعم بسهولة ويسر تبعا لتغير الأعباء المالية نتيجة الإصلاحات .
- لا أعرف كيف سيتعامل البرنامج مع شريحة أصحاب المهن من غير الموظفين والدخول الثابتة الذي يمثلون شريحة مهمة من الطبقة المتوسطة في المجتمع؛ فالمحامون والمحاسبون والمهندسون وغيرهم من أصحاب المهن الحرة من غير الموظفين تتباين دخولهم بشكل كبير من شهر لآخر ، خاصة في ظل تأخر وتعثر تحصيل حقوقهم كما هو حاصل حاليا في تأخر صرف مستحقات المقاولين. لا يقل لي أحد أن هؤلاء من ذوي الدخول المرتفعة ، فكثير منهم مؤسسات صغيرة ومتوسطة عانت الأمرين من تأخر تحصيل مستحقاتها ، وستعاني أكثر من التضخم الذي سيطال الاقتصاد نتيجة تطبيق الإصلاحات المستهدفة .
- الخطر الأكبر الذي أخشى منه نتيجة تطبيق هذا البرنامج بشكله الحالي هو أن يزيد من كمية الأموال المتداولة خارج النظام البنكي بما يعرف باقتصاد الظل . من المنطقي أن نتوقع أن يلجأ الكثيرون لإخفاء معلومات عن دخولهم غير الرسمية والموثقة وإبقائها خارج النظام البنكي حتى لا تكون سببا في ارتفاع معدلات دخولهم المسجلة في البرنامج وبالتالي انتقالهم إلى شرائح أقل استحقاقا للدعم . إن نجاح هذا البرنامج يتطلب إطلاق خطة فاعلة وجادة لمعالجة مشكلة اقتصاد الظل وتداول الأموال خارج النظام البنكي ، بما في ذلك أموال العمولات عن الصفقات العقارية وغيرها ، وأتعاب المهن والأعمال البسيطة والمنزلية ، وغير ذلك الكثير من الموارد المشروعة وغير المشروعة .
هذه الملاحظات وغيرها مما يمكن أن يسجله الزملاء يجب أن يلتفت لها المسئولون والقائمون على البرنامج حتى يحقق الأهداف المرجوة منه، ويسهم في تحقيق الرخاء والأمن للوطن والمواطنين.
المداخلات حول القضية:
- حساب المواطن: واقعه وأبعاده
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود بداية إلى أن مسألة مسمى الدعم والذي أعطي له اسم ( حساب المواطن ) ، قد لا يكون ذو إشكالية مطلقة ، بقدر ما ينشده المواطن من تحقيق ما هو مادي أكثر من معان لا تعني له شيء ، كما أن هناك مسألة أخرى يتوجس منها البعض وهي أن المعلومات التي سوف يدلي بها مستحق الدعم تعود إليه بأثر سلبي ، خصوصا إذا ما صدرت تنظيمات لاحقا تتمثل في وجوب دفع ضرائب على الدخل ، فذاك قد لا يكون أمر صعب المنال لحكومة وصلت إلى درجة متقدمة في تسخير التقنية في العديد من أعمالها المرتبطة بشؤون المواطنين والمقيمين على حد سواء ، ولهذا فإن مسألة أو قضية إبداء أو إفشاء المعلومات طوعا من المواطن لا يعد مشكلة في حد ذاتها ، كون الأمر سهل المنال في الحصول على أي معلومة تود الحكومة معرفتها ، سواء ماليا أو عقاريا أو غير ذلك من الممتلكات.
وفي تصور د. نوف الغامدي أننا في السعودية نسميه «حساب المواطن»، أما الاسم الاقتصادي العام للبرنامج فهو «الدخل الأساسي الشامل» (Universal Basic Income)، ماذا يعني «الدخل الأساسي الشامل»؟ يعني أن يكون للمواطن دخل أساسي، أي أن يحصل على دخل (جزئي أو كلي) باعتبار أنه مواطن لدولة قادرة. ولهذا للدخل الأساسي تفريعات أكثر من أن تحصى في هذا الحيز، فأدبيات الاقتصاد تعج بنقاشات محتدمة عنه، استمرت قروناً وليس عقوداً قصيرة كما قد يظن البعض. وجذور أدبيات هذا «الدخل الأساسي الشامل» هي اجتماعية بالأساس، فنحن ندخل في مرحلة «اتخاذ القرار بناءً على البيانات».
في الستينيات من القرن السابق طرح الاقتصادي الشهير ملتون فريدمان ما أسماه «الضريبة السلبية»، وتقوم بتوزيع مخصصات نقدية بانتظام بغض النظر عما إذا كان الشخص يعمل أم لا، وإن كان فقيراً أم لا، وكان الرئيس ريتشارد نيكسون متحمساً لهذا المقترح، لكنه لم يحظ بقبول مجلس الشيوخ وقتها، وكان ذلك بناءً على تجارب أجريت في ست مدن أمريكية من خلال توزيع مخصصات نقدية، ورغم أن النتائج كانت مشجعة إلا أن المقترح سقط نتيجة لتطاحن الساسة في واشنطن.
وحالياً، عزز التقدم التقني طرح «الدخل الأساسي الشامل» على مستويين؛ الأول: تقنيات البيانات الضخمة بما يمكن الحكومات من تحليل بيانات ملايين المواطنين، وتوثيق بياناتهم إلكترونياً، وإيداع المبالغ النقدية في حساباتهم النقدية مباشرة، بدون أي تدخل إنساني، بما يخفف الفساد والأخطاء المقصودة أو غير المقصودة ويقلص تكلفة إدارة البرنامج وتنفيذه.
أما المستوى الثاني فهو أن التقنية تعيد هيكلة الاقتصاد وأنشطته بما في ذلك إحلال الآلة محل البشر بما سيعني إعادة هيكلة سوق العمل كذلك، وهذا بدوره سيؤثر على معدل البطالة، وتوليد الوظائف، ومستوى دخل الوظائف التقليدية، ودخول وظائف جديدة تتطلب مهارات غير تقليدية. وفي حين أن برامج الدعم والتموين الشائعة في الكثير من الدول، بما فيها الدول المتقدمة والنامية والعربية، تتطلب جهازاً ضخماً لإدارة النواحي اللوجستية، كما نلاحظ في مصر مثلاً أو الكويت، فإن «الدخل الأساسي الشامل» يجعل النقد (الكاش) يحل محل كل تلك البرامج لدعم الفقراء ولتوفير السلع التموينية.
وقال د. حميد المزروع: “إن ربط قيمة التعويض بعدد أفراد الأسرة يحقق أهم أهداف فكرة الحساب المصرفي وهو في تقديري عدالة التوزيع لتخفف الأثر وفقا لحجم العائلة ، وذلك لأن الدخل الإجمالي للأسرة (منافع تجارية أو أصول أخرى)، ومن ضمنها راتب الزوجة العاملة قد لا تنعكس في إمكانية صرفها علي باقي أفراد الأسرة ، وكما نعلم فأن الزوجة غير مطالبة شرعا بالصرف علي الأسرة ، وهذا مما قد يسبب مشاكل مالية لرب الأسرة ، خاصة إذا كان الأب مقترض ، مما قد ينتج عنة مشاكل عائلية. وأقترح أن يسمح لجميع المواطنين من بلغ سن ١٨ سنة وراشد بأن يكون له حساب مستقل ، حتي لو كان مقيم أو مقيمة عند الأسرة”.
وتطرق م. خالد العثمان لنقطة مهمة وهي تلك المتعلقة بالأمية التقنية؛ حيث قال: “إن ما حصل في برنامج حافز مدعاة للتدبر والتحرز… برزت أنشطة تجارية كاملة قائمة على خدمة منسوبي حافز وتسجيلهم وتحديث حساباتهم ومعلوماتهم ومتابعة إيداعاتهم مقابل أتعاب يدفعها طبعا المستفيدون الذين عجزوا عن التعامل مع التقنية.. الخشية الآن أن يتكرر الحال مع حساب المواطن.. وهو هنا أكثر خطرا واختراقا لخصوصية المستفيدين.
ما البديل ؟ .. لا أدري في الحقيقة.. ولا أنصح بالعودة لنظام البطاقات التموينية وما شابهها .. لكن يمكن للوزارة على الأقل توفير منافذ أو مكاتب يعمل فيها موظفون تابعون للوزارة لخدمة هذه الشريحة وربما بالتدريج تدريبهم على إنجاز أمورهم بأنفسهم.. أيضا يمكن للوزارة تطوير تطبيقات سهلة الاستخدام لتيسير متطلبات التسجيل والتعامل مع البرنامج”.
ومن جانبه قال د. خالد الرديعان: “سأنقل نبض الشارع الاجتماعي فيما يتعلق بحساب المواطن؛ إذ يشيع أن حساب المواطن مجرد حيلة لمعرفة مداخيل الناس ولجمع بيانات عنهم كما يشيع. ويستبعد الكثيرون فكرة أن يكون هناك دعم للمواطن بدليل أن وزارة المالية أوقفت العلاوة السنوية للموظف هذه السنة؛ فكيف تريد أن تقدم إعانة للمواطن وهي التي منعت مثل هذه العلاوة الصغيرة التي قد لا تشكل مبالغ طائلة مقارنة بما قيل عن الدعم الذي سيحصل عليه المواطن بعد حساب المواطن.
البعض يرى أن حساب المواطن هو خطوة لرصد دخل المواطنين استعدادا لتطبيق بعض الضرائب ومن ثم سيساعد حساب المواطن على تقدير الضرائب التي يمكن جباياتها لاحقاً. هذا ما يشيع في الشارع عن حساب المواطن. شخصيا لست ضد أن يكون هناك قاعدة بيانات عن مداخيل المواطنين ولكني أتمنى فقط العدالة في تقديم العون لمن هو بحاجة حقيقة له وأن يكون هناك رقابة قوية على المال العام لوقف مسلسل الفساد وهدر موارد الدولة والمواطنين”.
وعلقت د. نوف الغامدي بأن ما ذكره د. الرديعان هو بالفعل نبض الشارع؛ فالتسجيل في حساب المواطن تجاوز أهداف رصد المستحقين للدعم الحكومي، وأصبح وسيلة لجمع وتحليل البيانات المالية للمواطنين، بدليل مطالبة البرنامج لجميع المواطنين بالتسجيل حتى وإن كانوا غير مستحقين لتلقي الدعم في هذه المرحلة، فقد تستخدم بيانات التسجيل في برامج الدعم المستقبلية، حيث ستجتمع جميع برامج الدعم في منصة واحدة مستقبلا!
وذكرت أ.د. سامية العمودي أنه من واقع معايشتنا اليومية فإن عدد النساء المعيلات أو المشاركات في الإنفاق أو المساهمات في قرض بيت أو سيارة يتخطى نسبة ٢٨٪ وهناك شريحة من النساء تتعرض لضغوط من أولياء أمورهن للاستحواذ على أموالهن ورواتبهن والخشية أن احتساب دخل المرأة يؤصل لشرعنة هذا ويعمل حساب المواطن على الإضرار بالنساء وإحداث مشكلة مجتمعية اقتصادية جديدة.
وأشار م. حسام بحيري إلى أن هناك أكثر من ١٠ ملايين مسجلين في حساب المواطن وهذا الرقم سيزيد مستقبلا ليشمل جميع المواطنين السعوديين. بغض النظر عن ماذا سيقدم لهم هذا الحساب من إعانات. ميزانية حساب المواطن تبلغ ٢٥ مليار ريال فقط لعام ٢٠١٧. وبحسبة بسيطة فإن نصيب كل شخص مسجل حاليا في هذا الحساب لا تتعدى ٢٥٠٠ ريال في السنة فإن أرقام الإعانات التي ستقدم للمواطن تقديرية على أفضل حال مالم يتم اعتماد مبالغ ماليه إضافية من الدولة. وبرأيه الشخصي فإن الإعانات التي ستقدم للمواطنين من حساب المواطن لن تتناسب مع الإعانة المرجوة أو المطلوبة للتغلب على ارتفاع أسعار الكهرباء والماء.
وتساءلت د. نوف الغامدي: أليس تفعيل دور حساب المواطن في الكشف عن مواضع الخلل يبدأ بالتعريف الصحيح للطبقة الوسطى.. بذلك لا يصبح حساب المواطن للتعويض عن كلفة الخدمات فقط، بل أداة فعالة لكشف مواضع الخلل وتوفير المعلومة الصحيحة لمتخذ القرار للتدخل وإصلاحه..؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال يستلزم تعريف الطبقة الوسطى أولاً.
وأشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن الطبقة الوسطى ، بتعريف بسيط هي الطبقة الأكثر تأثيرا في الاقتصاد الوطني لأي دولة. وفي ظنه عندما تتأثر المداخيل ، وتتدخل الحكومة لمعالجة ما يمكن علاجه ، تفاديا لوقوع أضرار اقتصادية مؤداها ضرر اجتماعي ، كمثل ما تقوم به الحكومة السعودية حاليا في تقديم مشروع ( حساب المواطن ) ، فإن الواجب أن تتوجه منافع هذا الحساب إلى الطبقة الأكثر احتياجا والتي بلاشك هي الطبقة دون الطبقة الوسطى ، أما الطبقة الوسطى والتي مع ضوابط هذا الحساب يصعب معرفتها جيدا ، فإن مسألة نيلها من هذا الحساب قد يكون يسيرا للغاية ، وفي الأصل أن هذا هو المفترض أن يكون ، بسبب أن ما يسمى بحساب المواطن هو أتى لمن هم أشد حاجة .
وذهبت د. نوف الغامدي إلى أن الطبقة الوسطى حسب هذا المفهوم تمثل ذوي التعليم الجامعي فما أعلى ومن يشغلون وظائف إدارية متوسطة. و يتفق تعريف الطبقة الوسطى حسب دخل العائلة وتعريفها حسب مستوى التعليم عندما يتلاءم دخل العائلة مع مستوى تعليمها. ففي ظروف اقتصادية مثالية يكون مستوى التعليم محددا مقبولا لتوقع مستوى الدخل. أما عندما لا يتلاءم دخل العائلة مع مستوى تعليمها يكون تعريف الطبقة الوسطى حينها مشكلا.
في حين ذكر د. خالد الرديعان أننا نواجه صعوبة في تحديد مفهوم الطبقة الوسطى في المملكة بحكم أن الطبقة ترتبط بالدخل عادة. وكإجراء في البحوث فإننا نلجأ إلى قياس ثلاث متغيرات تساعدنا في معرفة الطبقة. نأخذ أولاً كمية الدخل الشهري، ثم ملكية المسكن، وأخيرا نمط الحي السكني. هذا يساعدنا كثيراً في تحديد الطبقة الاجتماعية.
وترى د. نوف الغامدي أن حساب المواطن من المفترض أن يعتمد على هذه المتغيرات المشار إليها.
وذكر د. ناصر القعود أن الغرض الأساسي والمعلن للبرنامج هو الحد من تأثر الأسر الأقل دخلا (وهي عبارة مرنة وغير محددة) الحد من تأثرها برفع أسعار الطاقة والمياه وما يترتب على ذلك من آثار تضخمية ، ويبدو أن المحددات لتعويض كل فئة تتمثل في دخل الأسرة وعدد أفرادها والمبلغ المحدد من الحكومة للتعويض كل سنة . ونقطة أخيرة مهمة وهي أن البرنامج وآلياته ستتأثر بما يتاح من بيانات .
وقالت أ. أسمهان الغامدي: أن حساب المواطن لا يختص فقط بدعم الأسرة .. بل هو مظلة عليا لجميع برامج الدعم المقدمة للمواطن .. أي تنبثق منها ( الضمان الاجتماعي.. حافز .. ودعم الأسرة .. وغيرها من البرامج الداعمة والمالية للأسر المستحقة ). ولازال هناك لبس كبير حول البرنامج .. و سيبقى هذا اللبس حتى تصدر الآلية التنظيمية له .. خاصة وأن القائمين على مواقع التواصل الاجتماعي يجيبون بشكل فوري ولكن إجاباتهم في المجمل على استحياء وتنم عن افتقار معلومة واضحة.
وأبدى م. أسامة كردي الملاحظات التالية حول برنامج حساب المواطن(*):
- أن عدد المتقدمين وصل إلى ١٠ مليون ضمن ٢.٧ مليون عائلة و كان الضمان الاجتماعي قد تحدث عن دفع الضمان الاجتماعي لحوالي ٨٥٠ الف عائلة.. أي أن ربع المواطنين يتلقون الضمان الاجتماعي و نصف السعوديين طلبوا إضافتهم في حساب المواطن .. أرقام تحتاج إلى تمعن !!
- لا تتخذ الحكومة بعض القرارات المهمة المرتبطة بحساب المواطن مثل الحد الأدنى للدخل و قيمة المستحق من حساب المواطن .. يبدوا أنها في انتظار إحصائيات المتقدمين.
- ارتفاع استخدام السعوديين للتقنية بشكل واسع حتى أن ٨٠٪ من المتقدمين استخدموا الجوال لتقديم طلباتهم و ٢٠٪ استخدموا الكمبيوتر !!
- ارتفاع الاهتمام بالسيدات سواء كانوا أفراداً أم متزوجات من غير سعوديين.
- تتوقع الحكومة أن تصرف مبلغ ٢٠ إلى ٣٠ مليار هذه السنة و إلى ٧٠ مليار في السنوات القادمة.
- أن التعويض القادم من حساب المواطن يشمل التعويض عن التضخم و ليس هو تعويض عن ارتفاع أسعار الطاقة و المياه فقط.
وعقب أ. ماجد العصيمي على الملاحظات السابقة بأن مستفيدي الضمان لا يمثلون ربع المجتمع .. ربما القصد أنهم ربع المتقدمين حالياً للبرنامج والذين قد يزداد عددهم. كذلك فإن اقتصاد الظل موضوع أكبر من أن يتم معالجته من خلال برنامج مثل حساب المواطن، وليس من المتوقع أيضا أن يستشري بهذه البساطة بسبب تطبيق برنامج مثل حساب المواطن. الموضوع هو همّ وتحدي لجميع البنوك المركزية في العالم ويتم محاربتها وحصرها بقدر المستطاع، ولاشك أن التقنيات الحديثة في الدفع تساهم بشكل كبير في تقنينها كالدفع عبر نقاط البيع ( والذي انتشر حتى في سيارات الأجرة عالميا ) والبطاقات الائتمانية والدفع كذلك عبر أجهزة الجوال والتحويل الإلكتروني والحوالات عبر أنظمة الدفع الخاصة بالخدمات كنظام ( سداد ) في السعودية وغيرها الكثير، وسيبقى هذا همّ ويحتاج مراقبة مستمرة من البنوك المركزية.
ومن وجهة نظر د. حسين الحكمي فإن قرار حساب المواطن ورفع الدعم عن الطاقة وبعض المنتجات من السياسات التي يسميها متخصصي الخدمة الاجتماعية بالسياسات الاجتماعية . وبناء على رفع الدعم فإن ذلك سيتسبب في إحداث تغيرات اقتصادية تؤثر اقتصاديا على حالة الأسر السعودية ينتج عنها بشكل غير مباشر تغييرات اجتماعية ، فمن كان يسافر في الصيف إلى خارج المملكة سيفكر مرة أخرى قبل أن يتخذ القرار في الصيف القادم ، ومن كان يصرف مبالغ على الكماليات والإكسسوارات سيتوقف عن صرف مبالغ على الكماليات التي قد تصل بالبعض لحد “الهياط” والاستعراض ومنها ممارسة بعض أشكال الهياط المرتبط بالكرم مثلا كما شاهدنا ونشاهد.
فترة الطفرة الثانية التي حصلت في عهد الملك عبدالله رحمة الله عليه والتي تواكبت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والابتعاث الخارجي تسببت في تغيير سلوكيات وعادات وقيم بعض أفراد المجتمع ، فمشاهدة صور ومقاطع فيديو للمبتعثين وهم في دول الابتعاث ووجود القدرة المادية المناسبة لدفع تكاليف السفر لأوربا وأمريكا مثلا ، وأسهم الربيع العربي وما حصل في مصر وسوريا في أن تفكر الأسر السعودية في السفر والسياحة في الغرب والشرق.
رفع الدعم مع إلغاء عدد من البدلات عن الموظفين الحكوميين يتبعها رفع الدعم عن عدد من المنتجات والخدمات ستؤدي إلى تأثر دخل عدد كبير من الأسر السعودية . حساب المواطن بحسب ما هو معلن فإنه يخدم ٥ شرائح فقط ، والشريحة السادسة لن تحصل على الدعم وتتأثر بالسياسات الجديدة ، وأيضا الشرائح الخمس ستتأثر برفع الدعم وستحصل على نصيبها من حساب المواطن الذي يتوقع أن لا يغطي العجز الذي حصل في ميزانياتها ولن تظل الأسر في الشرائح الخمس بنفس المستوى الاقتصادي السابق. وبسبب عدم استفادة الشريحة السادسة من حساب المواطن فإن نسبة منهم سيتأثرون وسينخفض دخلهم الشهري ما ينتج عنه أن يصبح إجمالي دخلهم الشهري مساو لمن هم في الشريحة الخامسة أي أن عدد من الأسر التي تعتبر نفسها في وضع اقتصادي فوق المتوسط ستجد أنها ضمن متوسطي الدخل .
- رؤية مستقبلية لبرنامج حساب المواطن
تطرق د. عبد الله بن صالح الحمود إلى الآلية التي من خلالها ستصل عملية الدعم للمواطن من خلال برنامج ( حساب المواطن ) ، والذي في النهاية يعبر عن مبلغ مالي قد لا يتجاوز( الفان ريال ) ، ولأن البعض طرح موضوع بطاقات التموين ، وأشاروا إليها أنها نمط أو سياسة تقليدية ، دون الإشارة إلى مدى إيجابيات أو سلبيات ذلك الأمر ، من هنا سوف يكون الحديث مباشرة حول المردود الاجتماعي والاقتصادي من هذا المشروع الوطني الجديد. فالرأي أنه يجب ألا يأتي الدعم بطريقة إيداع مبالغ نقدية في الحساب المصرفي للمواطن ، والسبب في ذلك أن الدخل النقدي مهما يصل يظل أمام محدوديته لن يتناسب أمام مواجهة المتغيرات الاقتصادية والتي أصبحت في ظلها أسعار السلع والخدمات في زيادة مستمرة ، ولهذا لن تجدي عملية الدعم المالي أمام تقلبات وارتفاعات للأسعار عامة.
ولهذا علينا أن نتساءل ما الهدف من الدعم المالي ، أليس ذلك بهدف تخفيف الأعباء المالية للمواطن ، أمام تغيرات ستطرأ بشكل مقنن بعد أشهر قليلة ، في الطاقة وغيرها ، فضلا عن تكاليف الخدمات الصحية والتعليمية، اللتان لم تكونا في حسبان ما أتى به برنامج حساب المواطن للتصدي لهذان الأمران اللذان يعدان الآن أهم من رسوم تكاليف الطاقة التي من الممكن التحكم في نفقاتها من خلال المواطن نفسه ، بينما يصعب عليه التحكم في نفقات العلاج والتعليم والمواصلات ( الأجرة ) وكذا احتياجه من الغذاء .
وهنا يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن مجمل المبالغ التي سوف تصرف إلى المواطن المستحق لذلك الدعم المسمى ( حساب المواطن ) ، قد توجه نحو إصدار بطاقات تسمى( بطاقة دعم ممغنطة ) ، بحيث يتم تفعيلها آليا وشهريا من قبل وزارة المالية أو وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ، وتهدف هذه البطاقة إلى تقديم الدعم المباشر للاحتياجات الآتية:
- خدمات علاجية، وليكن مبدئيا في الحصول على أدوية علاجية بالمجان أو بنسبة تتحمل الحكومة فيها 90 % والمواطن 10 %.
- خدمات دعم تموينية غذائية تكون في حدود 1000 ريال شهريا.
- خدمات دعم مجانية للنقل العام بعد تشغيله في المدن الكبرى ، نظرا لتباعد المسافات الجغرافية للعاملين ما بين مقار سكناهم ومقار أعمالهم.
وهذه المقترحات إن حدثت على أرض الواقع فهي تعالج على الأقل مرحليا الظروف الاقتصادية القائمة ، ولتكن تجربة نخضعها لثلاث أو خمس سنوات ، ومن ثم نقيمها كتجربة جديدة . ولعل هذا التوجه المقترح يكون مقبولا إذا ما لاحظنا شبه انعدامية الفائدة المرجوة من الضمان الاجتماعي الذي لم يأت بمردود اقتصادي نافع ، بخلاف لو أتى بشكل دعم عيني .
ومن جهة أخرى فإن جمع المعلومات وبدقة متناهية ، لاشك أنه يعطي قياس اجتماعي واقتصادي يخدم لأغراض التخطيط ، بدلا من عشوائية التطبيق. إلا أن المرجو أن تتحول أو يستفاد من هكذا معلومات نحو تغيير جذري في تقديم البرامج الاجتماعية السليمة والمتوازنة التي تعد أساس بناء الإنسان. فحقيقة إن توجه كهذا والذي أتى متأخر والمتمثل في جلب معلومات وبيانات عن المواطن من خلال برنامج في النهاية يعبر عن مبلغ مالي يدفع شهريا وإن كان وقتيا بلاشك لأن ذلك يعتمد على إمكانية الموازنة العامة للدولة حسب تصريح وزير المالية ، فكان المفترض الإتيان ببرنامج كهذا أن يكون نابع من رحم وزارة الاقتصاد والتخطيط ، وليس وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ( قطاع التنمية الاجتماعية ) .
وعقبت د. نوف الغامدي بأنها تتطلع إلى أن يتم احتساب ميزان مصروفات المواطن أيضا حتى نستطيع تكوين قاعدة بيانات متوازنة لا تعتمد فقط على مصادر الدخل. ومن جهة أخرى فإنها تتفق مع الطرح السابق لد. عبد الله بن صالح الحمود في حال كانت لدينا بنية تحتية جيدة تتناسب مع الدعم المشار إليه؛ لكن حقيقة هناك تساؤل يطرح نفسه ففي الوقت الذي يطالب فيه المواطن بأن يكون شريك في دعم الميزانية والتغيير من خلال رفع الدعم والحوافز والبدلات يأتي برنامج حساب المواطن ليقدم الدعم عن الدعم الذي تم رفعه ! هل الحل دعم المواطن من خلال برنامج يواجه الغلاء والمتغيرات أم نحارب الغلاء نفسه ؟ هل ندعم المنشآت المتوسطة والصغيرة لتستمر وتواجه المرحلة الانتقالية أم نزيد من معوّقاتها؟ هل جمع البيانات يأتي من خلال اللعب على وتر احتياج المواطن لأنه مضطر؟
وبدوره أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أن البنى التحتية غالبيتها جاهزة التطبيق؛ فالهدف الأسمى هو إيجاد أو الوصول إلى ما يخفف من معاناة المواطن ، المبالغ النقدية ليست كل شيء ، بقدر ماهي أداة في أحايين أخرى إلى مضاعفة التكاليف بطرق غير مباشرة. والدعم الذي تم رفعه لا يمكن أن يكون ما يسمى بحساب المواطن بديلا عنه أو التخفيف من حدة ذلك.
وتساءلت د. نوف الغامدي: كيف يمكن الاستفادة من قاعدة بيانات حساب المواطن إحصائيا، وكيف يمكن توظيفها مستقبلا في التخطيط ومعالجة المشاكل الحالية والمستقبلية، فحجم البيانات التي سيوفرها البرنامج عجلت بطرح هذا التساؤل على أمل الاستفادة منها في مجالات أخرى خارج دائرة الدعم المالي المرتقب؟
وفي هذا السياق أوضح أ. ماجد العصيمي أن قواعد بيانات حساب المواطن ستكون بدون شك مصدر مميز لأي دراسات أو خطط تنموية، ولابد أن نعترف أنه لدينا فقر شديد للمعلومة الدقيقة ولضعف مدخلات خططنا بشكل عام ولهذا تم تحويل مصلحة الإحصاءات العامة سابقاً إلى هيئة مستقلة ويتم دعمها لمعالجة هذا الضعف.
لقد ظهر برنامج حساب المواطن في وقت كانت فيه هجمات إلكترونية ممنهجة على عدة جهات سعودية، وكان اطلاق المنصة الإلكترونية في هذا الوقت رسالة قوية أنه لدى البلد بفضل الله موارده البشرية الوطنية وإمكاناته التقنية للظهور بمثل هذا المشروع الوطني الضخم وفي مثل هذه الأوقات.
وبخصوص نجاح المنصة الإلكترونية وتفاعل المواطنين معها وربطها بما ورد عن قواعد البيانات، فعله قد حان الوقت لتحويل ( التعداد السكاني ) ليكون إلكتروني بالكامل وهذا سيساعد على أمور كثيرة ومنها:
١- سهولة التنفيذ.
٢- خفض التكاليف.
٣- القدرة على تنفيذ التعداد بشكل سنوي عوضا عن خمس سنوات.
٤- رفع مستوى دقة البيانات.
٥- سرعة تحليل البيانات والاستفادة منها.
وترى أ.د فوزية البكر أن حساب المواطن لا يزال يتلبسه الكثير من الغموض والقلق؛ ربما لجدة الفكرة و ربما لأن الناس لم تعتد بعد علي المساعدات المالية المباشرة بهذا الشكل المنظم ، أو ربما تحوطا من بعض المخاوف؛ لكنه خطوة إلى الأمام ليس فقط في ما يختص بنظام خدمات اجتماعية منظم ومطور بل كقاعدة بيانية ضرورية لرسم أي سياسات أو بناء خطط مستقبلية. والتوقع أن يُجبر الجميع علي التسجيل خلال الشهور القادمة وهذا إحصائيا ضروري جدا خاصة والسعودية دائما ما تتهم بنقص بياناتها الإحصائية، فلنحمل الأشياء علي محمل الظن الحسن وفي كل الأحوال كل دولة تحتاج إلى إحصاء رعاياها ومعرفة احتياجاتهم لبناء نظم اجتماعية أكثر عدالة.
ويرى د. خالد الرديعان أن كل هذا الحديث الذي يدور عن برنامج “حساب المواطن” يكشف لنا بجلاء أن هناك سوء توزيع للثروة في مجتمعنا بل وتفاوت حاد بين الأفراد inequality بسبب عيوب الرأسمالية عموماً والاقتصاد الحر كنظام اقتصادي.
دول كثيرة حاولت تطبيق مناهج أخرى كالنظام الاشتراكي لكن ظهر للاشتراكية والاقتصاد المخطط عيوب لا تعد ولا تحصى وغالباً بسبب سوء التطبيق مع أن النظام الاشتراكي يظل أكثر رأفة بالإنسان من الرأسمالية التي ما برحت تتوحش وتتغول في العقود الأخيرة وذلك لعدة أسباب يطول شرحها. هذا كلام قد لا يكون له قيمة الآن لكن السؤال يظل عن سبب هذا التفاوت الحاد في الدخول في مجتمعنا وهو المجتمع الذي كان بسيطاً حتى سنوات قريبة.
الطفرة الاقتصادية التي مررنا بها منذ منتصف سبعينات القرن العشرين أفرزت طبقة متنفذة كان لديها سهولة الوصول للثروة وتكديسها مقارنة بغيرها دون أن نفطن إلى الآثار الاجتماعية المدمرة لهذه الظاهرة. ويأتي على رأس الأسباب الفساد الذي ضرب أطنابه في مجتمعنا بل وأصبح جزءاً من بنيتنا الاقتصادية والاجتماعية بحيث ساهم في تكديس الثروات بأيدي قلة فاسدة لعبت دوراً مهماً في استشراء الفساد وشرعنته حتى عند الطبقات الدنيا.
ومن خلال برنامج حساب المواطن فإن الهدف العام قد يكون في إعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة بين السكان والحد من الفساد وتكدس الثروة بأيدي قلة متحكمة.
ومن جهته قال د. سعد الشهراني: لولا الخلل في توزيع الدخل و الثروة لربما ما كنا لنحتاج مثل هذه السياسة التي تدخل في ما يعرف بسياسات الدخول incomes policies.
هذا الموضوع و أسبابه هو أمر مسكوت عنه و لم تعالجه خطط التنمية بل كانت هي نفسها أحد أسبابه، و لذلك ظهرت قضايا الفقر و البطالة و انخفاض مستوى المعيشة و غيرها من القضايا.
عندما أعلن عن برنامج حساب المواطن و عن السلع الضرورية المستثناة من الضرائب استبشرنا خيرا لأن هذا يدل على أن هناك حراكا في اتجاه يراعي الخلل الأصلي و انعكاسات السياسات المعلنة في رؤية 2030 على الدخول الإسمية و الحقيقية للطبقة المتوسطة و محدودة الدخل و الفقيرة و العاطلة .
و لذلك فإن برنامج حساب المواطن يجب ألا يكون مؤقتا و لا ظرفيا بل برنامج ديناميكي دائم يعالج الخلل المشار إليه في جانب الدخول الذي لم يعالج أصلا من خلال السياسات التنموية و المالية و النقدية للدولة. و يجب أن يكون لذلك أثر ملموس و حقيقي على القدرات الشرائية للفئات المستهدفة و بحيث أن ما تحصل عليه الطبقة الأدنى دخلا، سيرفعها إلى ما فوق حد الكفاية.
المملكة قادرة على هذا و أكثر و أكبر منه، و إذا دعم ذلك بإنجازات حقيقية في تخفيف عبء السكن فربما أن هذه السياسات مجتمعة قد تخفف من الضغوط المعيشية، و قد تخفف من تساقط البعض من الطبقة المتوسطة إلى ما هو أدنى و من تأكل الدخول الثابتة التي انخفضت خصوصا لموظفي الدولة و للعاملين في القطاع الخاص من ذوي الراتب المتدنية أصلا.
- تعقيبات ختامية وتوضيحات ضرورية
أوضح أ. ماجد العصيمي مجموعة من النقاط المهمة في سياق ردوده على كل ما أثير من تساؤلات حول برنامج حساب المواطن، ويمكن إجمالها فيما يلي:
- أن البدلات المالية المقدمة من حساب المواطن مرتبطة بعاملين وهما ( عدد أفراد الأسرة و دخل الأسرة )؛ فكلما ازداد عدد أفراد الأسرة وقل الدخل كلما زاد حجم البدل المالي والعكس صحيح.
- عدم قياس الدخل في معادلة احتساب البدل فيها مساواة لجميع شرائح المجتمع ولكن ينقصها العدالة بينهم.
- حساب المواطن سيشمل كل برامج الدعم الحكومي في السنوات القادمة وهذا سيجعل لدى القائمين عليه فرصة أكبر لمراجعة جميع البرامج كحافز والضمان وبرامج دعم ذوي الإعاقة والتأمين الطبي إن تم إقراره ..الخ وبالتالي يمكن حينها الربط بين جميع البرامج وقياس أثرها بشكل أفضل، أما بدل الطاقة والمياه والذي سيطبق في ٢٠١٧ فلا يمكن تحميله معالجة كل ما لدينا من مشاكل أو تحديات كالبطالة.
- هناك بالطبع اختلاف في تكلفة المعيشة بين المدن والمحافظات، وفي دراسة هيئة تنظيم الكهرباء والمياه أخذوا في الاعتبار ذلك في حساب حجم الاستهلاك ( مناطق حارة وأخرى باردة )، وهي الدراسة التي تم الاعتماد عليها لقياس الاستهلاك فيما يخص الكهرباء والمياه.
- الميزانية المقترحة للبرنامج ارتفعت من ٢٠١٧ إلى ٢٠٢٠ ليس لتوقع ارتفاع عالي لعدد الأسر في اربع سنوات وإنما للتالي:
- ميزانية البرنامج في ٢٠١٧ هي لأشهر من السنة وليس لكامل السنة فنحن الآن في نهاية الشهر الثاني من ٢٠١٧ ولم يصرف شيء.
- ارتفاع الأسعار.
- ارتفاع طبيعي لعدد الأسرة ناتج عن زواج أو ازدياد حجم الأسر ناتج عن زيادة الأطفال.
- إن حساب المواطن هو حساب افتراضي يستطيع المواطن والحكومة من حلاله معرفة ما يقدم من دعم حكومي وليس (حساب مصرفي)، كما أنه لن يتم انتهاك خصوصية الحسابات البنكية للمواطنين. وحساب المواطن ليس منصة لقياس ضريبة دخل، وبحسب برنامج التوازن المالي المعلنة مع ميزانية هذا العام فلن يكون هناك (ضريبة دخل على المواطنين) .. وهذا الخطة التزام من الحكومة لكل ما سيتم فرضه إلى عام ٢٠٢٠ بإذن الله.
- من المهم التأكيد على النقاط التالية:
- أولا: من أجمل نتائج هذا البرنامج أنه أعلن بوضوح أن مجتمعنا مجتمع مثقف ويتعامل مع التقنية بشكل مميز، من خلال استخدام الأجهزة الكفية كالجوال في التسجيل وإكمال جميع البيانات.
- ثانيا: قبل اطلاق البرنامج تم تسجيل جميع مستفيدي ومستفيدات الضمان الاجتماعي وبشكل آلي ( وتعدادهم ٢.٥ مليون شخص ) وهم الطبقة ذات التعليم المنخفض وكبار السن.
- ثالثاً: بقية كبار السن وذوي الإعاقة ممن ليسوا مسجلين في الضمان، تم استحداث ٤٢٧ مركز من خلال مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات الأهلية ولجان التنمية في المحافظات والمدن والقرى لاستقبالهم.
- رابعاً: يتم بشكل دوري توعية المواطنين لعدم التعامل مع الجهات غير الرسمية التي تعرض خدماتها ويتم متابعة ومحاسبة كل من يقدم مثل هذه الخدمات للمواطنين.
- بالنسبة للفئات الخمس بالبرنامج وتقسيمها:
- الأرقام التوضيحية التي وردت في وثيقة برنامج حساب المواطن هي مثال فقط والأرقام المعتمدة ستعلن بعد إقرارها من المقام السامي بناءً على توصيات اللجنة الوزارية المكلفة الآن بدراسة سياسات البرنامج.
- تم اطلاق التسجيل قبل اعتماد سياسات البرنامج للوصول للإحصاءات الأكثر دقة من المواطنين أنفسهم، سابقا كانت مثل هذه البرامج تعتمد على دراسات واستبانات نسبة الخطأ فيها أعلى بينما الآن ستعتمد اللجنة على أرقام أكثر دقة وقرباً من واقع المجتمع، والمواطن نفسه هو من يزود الحكومة بهذه المعلومة ويتحقق منها.
- نظام الفئات تناقصي فكلما ازداد عدد أفراد الأسرة وقل الدخل ارتفع البدل ولن يكون هناك رقم في نهاية كل فئة كرقم ثابت يطبق على الجميع Tapring system
وقالت د. نوف الغامدي: الفكرة الأساسية لـ”حساب المواطن” تفترض أن المتضرر الأكبر من الإصلاحات الاقتصادية هم الأقل دخلاً، وهذا صحيح في جانب، لكنه غير صحيح بشكل عام، لأن جميع المواطنين متأثرون مهما كان دخلهم، ناهيك عن أننا نعاني أصلاً من استهلاك مفرط نظراً لانخفاض الأسعار، وهو ما يتساوى فيه ذوو الدخل المنخفض مع ذوي الدخل المرتفع. فهل نكافئ من درس واجتهد حتى حصل على راتب عال ألا يحصل على دعم كما إخوته المواطنين؟ وهل نكافئ من أخذ المخاطرة واستثمر وقته وجهده في نشاط تجاري خاص أن نقصيه من حقه في المال العام؟ هل نرفع من قدر الخمول والسكون والبحث عن الوظائف الأقل دخلاً؟ أم هل نزيد من جاذبية الوظائف الحكومية ورؤية 2030 تهدف لتشجيع عمل أبنائنا في القطاع الخاص؟ ناهيك عن أن تعويضات حساب المواطن ليست “ضماناً اجتماعياً” ليتم احتسابها.
تناقص الدعم مع ارتفاع الدخل ليس له علاقة سببيه “Causality” بمستوى ترشيد الاستهلاك، فالمفترض أن يكون مبلغ الدعم مرتبطاً بعدد أفراد الأسرة، أي عدد المواطنين في الأسرة الواحدة، لأن استهلاك الأسرة يتصاعد طبيعياً مع ارتفاع عدد أفرادها بشكل أساسي، ثم مع ارتفاع دخلها بشكل ثانوي، وهو ما يتجاهله “حساب المواطن” الذي لا يفرق -أيضا- بين ذوي الدخل المنخفض أو المحدود ممن يعيلون أسرة صغيرة أو أولئك الذي يعيلون أسرة واسعة! الأمر الذي جعل كثيراً من الدول تربط تعويضها المادي المباشر لمواطنيها بهذا العامل الواحد فقط، كما في الكويت والإمارات وفنلندا مثلاً.
وأوضح أ. ماجد العصيمي في تعقيبه على ذلك ما يلي:
- أنه لا يعتقد أن البدل الذي سيقدم سيكون محفزاً لأحد من أصحاب الدخل المرتفع لتخفيض دخله بحيث يحصل على بدل مالي أعلى، كما أن البدل سيقدم لجميع الفئات الأربع ( من أصل خمس )؛ فهو سيدعم بشكل كامل أصحاب الدخل المنخفض والمحدود، وسيحمي الطبقة المتوسطة بتقديم دعم جزئي.
- إن تقديم الدعم لجميع المجتمع باختلاف دخلهم سيعيدنا لنقطة الصفر مرة أخرى وهذا ما هو إلا تحويل للدعم الحالي إلى كاش فقط.
- من أحد الأهداف الثلاثة الرئيسية للبرنامج هو ( ترشيد استخدام الموارد والخدمات )، وبحسب معدلات الاستهلاك يعتبر استهلاك الفرد السعودي عالياً .
- أثناء دراسة البرنامج واستهلاك الكهرباء على سبيل المثال تم ملاحظة أن ٧٠٪ تقريبا من المجتمع فواتير الكهرباء لهم أقل من ٤٠٠ ريال شهرياً بينما ال ٣٠٪ الأخرى من المجتمع هي التي تستهلك البقية وهذا استهلاك عالي جداً ( وهذه تقريبا هي الفئة الخامسة التي لن تحصل على أي بدل ).
- مع التقدير والاحترام للرأي الآخر فهو مطبق أيضا في دول وله مؤيدوه، وهناك تطبيقات مختلفة وتجارب عدة لدول مختلفة كماليزيا وايران والبرازيل ..الخ . ولعل ربط البدل بعاملين ( دخل الأسرة + حجم الأسرة ) هو الذي سيحقق بإذن الله الأهداف الثلاثة للبرنامج ويضمن “العدالة” الاجتماعية وليس “المساواة”.
- الحكومة التزمت بتقديم البدل في عام ٢٠١٧ ورفع أسعار المشتقات النفطية بعدها وبإذن الله سيتم تطبيقه ليس للوفاء بالوعد فقط ولكن للأثار الإيجابية المتوقعة كتخفيض حجم ما تنفقه الحكومة في دعم هذه المنتجات، ففي النموذج الجديد للدعم لن يستفيد مثلاً المقيم غير السعودي ولن يستفيد صاحب المصنع الذي يستخدم الديزل ويعيد تصدير منتجه للخارج .. وبالتالي فالدولة ستوفر ولن تحتاج لتأمين مبالغ إضافية لهذا البرنامج.
- طلب البرنامج من الجميع التسجيل لغرض تحليل البيانات ودعم اللجنة الوزارية ببيانات أكثر دقة تعكس واقع المجتمع وتساعد في تصميم السياسات بشكل أفضل. والحكومة إن رغبت بتطبيق ضريبة الدخل ( وهو ليس في خطتها المعلنة ) وترغب بإفصاح الجميع عن دخلهم فلن تحتاج للالتفاف بل ستطبقه بشكل مباشر وشفاف مع المجتمع وتستطيع القيام بذلك وربطه بتجديد الخدمات الحكومية كالهوية الوطنية مثلاً.. ولكن ليس هذا هو التوجه.
- هناك فريق من الباحثين الاجتماعين يعملون حالياً على دراسة الآثار الاجتماعية من تطبيق حساب المواطن وسيتم أخذها في الاعتبار في تصميم السياسات للبرنامج.
وأشارت د. نوف الغامدي إلى أن وزارة التعليم أوقفت صرف المخصصات المالية الخاصة بزوجات وأطفال المبتعثين، وقام برنامج حساب المواطن بالتصريح بأن الطلاب المبتعثين لا تصرف لهم أي بدلات بحجة عدم تواجدهم في الوطن، وهذا قرار صائب من برنامج حساب المواطن لولا الثغرة التي يجب عليه سدها، وهي أن يستثني من ذلك الطلاب المبتعثين الذين تقيم زوجاتهم وأطفالهم داخل الوطن، يجب عليها أن تستثنيه وتصرف له البدل كما تصرفه لأي مواطن داخل السعودية، لأنه هو من يقوم بالصرف على أسرته، وبالتالي يجب عليه أن يستفيد من مميزات برنامج حساب المواطن.
وفي هذا الشأن أوضح أ. ماجد العصيمي أن البرنامج يضمن لأسرة المبتعث المقيمة في السعودية الحصول على الدعم. أيضا فإن ربط البرنامج بمواضيع أخرى مثل ضريبة الدخل والتعويض عن البدلات التي تم تخفيضها من بعض الموظفين ستختفي مع بدء التطبيق الفعلي للبرنامج في الأشهر القادمة بإذن الله .
ومن جديد أوضحت د. نوف الغامدي أنه وبالعودة إلى حجم الدعم التقديري (التحمل المالي) للعام 2017 نجد أنها تتراوح بين 20 إلى 25 مليار ريال؛ وهي مرتبطة بالمرحلة الأولى لرفع الدعم؛ ما يعني نموها مستقبلا بعد المرحلة الثانية والثالثة لتصل إلى ما يقرب من 70 مليار بحلول العام 2020. وعلى ما يبدو أن عدد طالبي الدعم المسجلين حاليا في حساب المواطن قد لا يتوافق مع الميزانية المرصودة للدعم؛ بل إن حجم التحمل المالي سيكون أعلى بكثير من الأرقام التقديرية المعلنة ابتداء. ومن هنا هل يمكن لحساب المواطن أن يكون مؤشرا لقياس الأرقام والفرضيات التي بنيت عليها بعض البرامج المهمة؛ ومنها برنامج تعظيم الإيرادات غير النفطية التي ربما احتاجت إلى مراجعة دورية لمواءمة مدخلاتها مع مخرجات ما يحدث من تغيرات اقتصادية قد تحد من تدفق الإيرادات المتوقعة..؟ وعلى سبيل المثال؛ الرسوم المتوقع تحصيلها في سوق العمل، والمرافقين قد تتأثر بتقلص حجم العمالة الأجنبية لأسباب اقتصادية صرفة، أو لأسباب مرتبطة بارتفاع التكاليف. واختلاف التوقعات المالية لا يتعارض البتة مع ما قد تجنيه سوق العمل من تصحيح التشوهات الطارئة كنتيجة مباشرة لتكاليف العمالة. والأمر عينه ينطبق على حجم الدخل من تأشيرات العمرة؛ فحتى اليوم هناك شكوى لا تنقطع من شركات الحج والعمرة بسبب الانخفاض الحاد في عدد المعتمرين. قد تكون رزنامة العمرة من الأسباب؛ غير أن استبعاد أثر الرسوم لا يمكن تجاهله؛ لذا نحن في حاجة إلى مراجعة دورية للفرضيات والأهداف والنتائج المتوقعة؛ وهذا لا يعيب العمل الاستراتيجي بل هو جزء رئيس من كفاءة العمل وإدارة التغيير والتحول.
وبدوره قال أ. خالد الحارثي: من الواضح أن الحديث والنقاش عن “حساب المواطن” هو صيغة استشرافية إذا سمح التعبير عنه بذلك ، حيث أن نتائجه المتوخاة (من الشرائح الأقل حظا في الفرص الوطنية والمال العام) لا تزال غامضة حسب تصريحات وزير المالية الذي أرجع الصرف لحالة أسعار البترول ، وبالتالي هناك محور هام لا يزال غامضا وهو ماذا عن برنامج رفع الدعم عن الشرائح المستحوذة على الدعم الحكومي ، وماذا عن برامج كفاءة الإنفاق والتوزيع العادل للفرص والشفافية بالعموم والأثر الكبير لهذا المحور وتشعباته في نجاح خطط التحول وأهداف الرؤية؟
وأشار أ. ماجد العصيمي إلى أنه بدون شك فإن استمرار التطوير مطلب ملحّ؛ ولهذا فاللجنة الوزارية المسؤولة عن البرنامج مطلوب منها مراجعة البدلات كل ٣ أشهر. وكملاحظة فإن ميزانية البرنامج التقديرية لعام ٢٠١٧ جزئية وليست لعام كامل. وأخيراً هناك توضيح مهم فيما يخص مستقبل برنامج حساب المواطن:
- البرنامج هو مظلة لكل برامج الدعم الحكومي، ومادام هناك برامج دعم حكومي فهناك حساب مواطن (فهو برنامج استراتيجي على المدى الطويل).
- بالنسبة لتصريح معالي وزير المالية، فالحكومة رسمياً قررت مع اطلاق ميزانية ٢٠١٧ ربط أسعار المنتجات النفطية المحلية بالأسعار المرجعية كاستراتيجية سيتم تطبيقها تدريجياً بحسب ما ورد في برنامج التوازن المالي بحيث يتم تفعيل بدل مالي من خلال حساب المواطن لتعويض المواطنين المستحقين عن فارق السعر بحسب كل فئة .. هذا التعويض سيكون عن الفرق بين سعر الخدمة الآن ومستقبلاً وبالتالي لو انخفضت الأسعار مستقبلا وأصبحت أقل من اليوم فطبيعي أنه لن يكون هناك حاجة لبدل مالي يقدم وكمثال: ارتباط أسعار البنزين محليا بالأسعار المرجعية يعني تغيره بشكل دوري وأسعار بنزين ٩١ الآن ٦٠ هللة فلو ارتفع إلى ٩٠ هللة سيكون هناك بدل لهذا الارتفاع ولو انخفض أقل من ٦٠ هللة فلا حاجة لأي بدل مالي للمواطنين.
المحور الخامس
التنوع الثقافي حزام الوحدة والجسر الأمثل إلى العالم : الجنادرية نموذجاً
الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان
مدخل:
يمثل مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة تظاهرة سعودية سنوية تعكس والى درجة كبيرة التنوع الثقافي والاجتماعي للمجتمع السعودي؛ الأمر الذي يجعل منه بحق وعاء صهر للموروث الشعبي السعودي بكافة أطيافه.
لمحة تاريخية:
يعد مهرجان الجنادرية أحد أهم المهرجانات في العالم العربي وتشرف عليه وزارة الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية. وبسبب أهميته كحدث ثقافي وطني؛ فإنه يحظى برعاية ملكية تتمثل بافتتاح الملك له جرياً على العادة.
ويعود الفضل في قيام مهرجان الجنادرية إلى المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان رئيساً للحرس الوطني. بدأت أولى دورات المهرجان في العام ١٩٨٥م وعادة ما تقام في شهر فبراير أو مارس ولعدة أيام ( ١٥ يوماً) وقد بلغت ٣١ دورة حتى هذا العام (٢٠١٧).
ويستقطب المهرجان عدة زوار من داخل المملكة وخارجها وبكثافة سنوية متصاعدة وملحوظة. وفي آخر إحصاء فقد بلغ زوار المهرجان الأخير (٢٠١٧) أكثر من مليون زائر.
شارك في المهرجان نحواً من ٦٠٠٠ ممن قدموا عروض فلكلورية وموروث شعبي من جميع مناطق المملكة، إضافة إلى ٣٠٠ مفكر وأديب شاركوا في أمسياته الثقافية التي ضمت ندوات سياسية وأدبية. ومن أهم الندوات التي عٌقدت هذا العام: ندوة الأيديولوجيا في المشهد السياسي العربي، وندوة مهددات النظام الإقليمي العربي، وندوة السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط.
وبالإضافة إلى دول مجلس التعاون التي تشارك في المهرجان سنوياً فإن مهرجان هذه السنة قد خص الشقيقة مصر كضيف شرف جرياً على عادته في استضافة دولة في كل دورة كان منها اليابان وكوريا الجنوبية في الأعوام الماضية.
تطور المهرجان تطوراً ملحوظاً؛ فمن سباق للهجن (الجمال) وعرضة نجدية وبعض العروض الشعبية إلى قرية تراثية متكاملة خصص فيها مواقع لجميع مناطق المملكة الثلاثة عشر لعرض فولكلورها وموروثها الشعبي إضافة إلى المسرحيات والأمسيات الشعرية والأدبية، في لوحات تمثل الموزاييك السعودي بكل أطيافه وألوانه الزاهية. وليس الأمر كذلك بل إنه تم تخصيص مواقع لبعض الإدارات الحكومية لعرض شيء من منجزاتها بغرض ربط الماضي بالحاضر. والمهرجان بذلك خلط فني للأزمنة لتشكل مزيج واحد يمثل الهوية الثقافية السعودية بكل مفرداتها المادية والمعنوية.
أهداف المهرجان:
حسب أدبيات المهرجان فهو يرمي إلى تحقيق عدة أهداف منها:
- التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية للمجتمع السعودي.
- خلق صيغة للتلاحم بين الماضي والحاضر.
- إزالة الحواجز بين الإبداع الفني والأدبي والموروث الشعبي.
- تشجيع اكتشاف التراث الشعبي ورصده حتى لا يندثر بفعل التحديث والعصرنة.
- تغذية المخيلة الإبداعية للمتلقي واستلهام التراث عند متعاطي “الثقافة العليا” من كتّاب وشعراء وفنانين.
- تشجيع دراسة التراث الشعبي.
- تعريف الناشئة بالموروث الشعبي والمخزون الثقافي للمملكة في جميع مناطقها.
أضيف إلى ما سبق:
- خلق “شعور جماعي” بقيمة الماضي ومهارة إنسانه في التعامل مع بيئته القاسية وتشبثه بأرضه رغم كل الصعاب التي واجهته في تدبير معاشه قبل مرحلة النفط.
- استخدام المهرجان كوسيلة ثقافية لبلورة هوية وطنية جامعة تمتد من الماضي لتعبر الحاضر وتقفز إلى المستقبل بهدف خلق جيل مؤمن بمكتسبات بلده ودوره في المنظومة العالمية.
أهمية المهرجان:
تكمن أهمية المهرجان في خلق الاهتمام بالموروث الشعبي والتراث عموماً؛ إنه بمثابة أرشيف سنوي لحفظ التراث وعرضه للأجيال والناشئة، وخلق صورة ثقافية إيجابية للمملكة كدولة ذات تاريخ عريق، مع التركيز على الجهود التي بذلها إنسان هذه الأرض في سبيل البقاء رغم قسوة الظروف. استشعار ذلك من قبل الجميع ينمي لديهم الحس الوطني والشعور بالانتماء ووصل الماضي بالحاضر.
يبقى أن نحول مهرجان الجنادرية إلى فعالية اقتصادية سنوية؛ وذلك بجعله سوق سنوي للتراثيات التي تتعرض للاندثار خاصة بعض المنتجات المادية والصناعات الشعبية التي تجد لها رواجاً عند المستهلك. وقد فطنت وزارة الحرس الوطني لذلك وشجعت أصحاب الحرف اليدوية على عرض منتجاتهم، كما خصصت أماكن للأسر المنتجة بحيث تبيع النساء منتجاتها سواء الأطعمة أو الملابس أو بعض المشغولات اليدوية التي تدر بعض الأرباح والتي تلاقي رواجاً شديدا. ولضمان نجاح أي برامج للأسر المنتجة اقترح تقديم قروض صغيرة للأسر لكي تستمر في نشاطها.
أما على المستوى الإقليمي والعالمي فيعد مهرجان الجنادرية فرصة مناسبة لتقديم صورة إيجابية عن المملكة وتاريخها وأنها ليست نفطاً فحسب ولكنها إنسان له تراث يضرب في أعماق التاريخ.
وأخيراً: اقترح أن تمتد فترة المهرجان إلى شهر وأن يٌعقد في فترة مناسبة كعطلة الربيع لتمكين سكان بقية المناطق من زيارته مع عمل التسهيلات اللازمة لذلك.
كما اقترح أن يتم التنسيق على أعلى المستويات بين وزارة الحرس الوطني وهيئة الترفيه (الوليدة) والهيئة العامة للسياحة للعمل سوياً في إدارة المهرجان وتنظيمه.
كما أطالب بالإفادة من الجهود النبيلة التي يقوم بها الدكتور عيد اليحيى في برنامجه التلفزيوني (على خطى العرب) لتكون عنصراً في المهرجان؛ وذلك لأهمية المادة التي يقدمها في تعميق الهوية التاريخية والثقافية للمملكة العربية السعودية.
التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
لدي بعض الجوانب التي أعلق فيها على بعض نقاط الورقة محاولا أن أذهب بها نحو استثمار الجنادرية في خلق استراتيجية ثقافية وطنية تتسق ورؤية المملكة 2030 وتستلهم منهج الإسلام العظيم في إبراز قدرة المملكة عبر منتجات مجتمعها المتنوع لتكون الأنموذج الثقافي الأبرز.
- بداية أميل إلى أهمية فك ارتباط المهرجان بالحرس الوطني إذ يمكن فهم هذا الارتباط تاريخيا بسبب المؤسس له والراعي لأنشطته الملك عبد الله رحمه الله .. بينما بقاء ذلك اليوم لا معنى له إذ أن القطاع العسكري ينبغي أن لا ينشغل مسؤولوه وأفراده بما ليس من تخصصهم .. فضلا عن نمطية الأداء والبرامج في المهرجان التي جعلته مناسبة تتكرر دون تجدد كبير برغم دخوله العقد الرابع من عمره.. بل ينبغي أن تكون المهرجانات الجنادرية وسوق عكاظ ونحوها من مثل ما تقوم به أمانات البلديات في إعداد وعرض المسرحيات ..جزءا من مهمات الهيئة العامة للثقافة المرتبطة بوزير الثقافة ، هذه الهيئة يفترض أن ينضوي تحتها المهرجان وأن يضم إليه سوق عكاظ حتى لا تكون الفعاليتان مكررتين.
- العمل على بناء استراتيجية ثقافية يمكن من خلالها استثمار الجنادرية وسوق عكاظ سواء من خلال دمج هذين المهرجانين أو جعلهما في إطار منتج ثقافي متسق ومتناغم والحرص على أن تكون هويتهما هوية الوطن كله وليس هوية بيئة محددة تنحو به نحو ما يريده ربانها أو مسؤولو أي من المهرجانين.
- نتطلع إلى أن يكون المهرجان وسيلة تنوع ثقافي تبدأ من التباين الثقافي في البيئة المحلية وأن يكون هذا التنوع مستلهما من بيئات المملكة الجغرافية الواسعة وأن يكون في ذلك ما يدعم تسجيل كثير من الأنشطة الثقافية والفنية في اليونسكو…وفي هذا الكثير منا يحملنا للعالمية .
- نحتاج أن يكون المهرجان بيئة ثقافية واسعة تحتفي بما أفاء الله به علينا من نعمة الإسلام وهديه وقيمه وآدابه فذلك أهم ما نمتلكه وهو أهم ما ينبغي أن نفخر به …وليكون المهرجان فرصة كبيرة لإيصال رسالة هذا الدين القيم لعدد من النخب العالمية الثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية.
- ولذا فإننا نحتاج أن نقلل من احتفائنا المادي ببعض المنجزات التي يمتلك العالم مثلها وأكثر وأن نقدم له مالا يمتلكه بفخر وعزة ودون خجل أو تواري.. وأن ننقل للعالم بأننا لسنا مجموعة آبار نفطية وإنما أصحاب قيم ودين عظيم ولاشي يمكن أن يكون جسرنا للعالم أكثر قبولا من دعوة الإسلام وهديه.
- نحن أحفاد أمة لها إرثها الفكري والحضاري وحري بنا أن ننجح في تسويق هذا الإرث بما يتسق وروح العصر وبأساليب تستوعب وتتسق مع طبيعة اهتمامات الجمهور اليوم … وأمة لا تفخر بإرثها العلمي الشرعي والفكري والثقافي لا يمكن أن تكون أمام العالم جديرة بالتقدير.
- نحن نفخر بأننا نرعى شؤون الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وهذه تكفي بأن تجعلنا في واجهة العالم وبخاصة الإسلامي وحري بنا أن ننجح في إبراز وتسويق جهود المملكة في رعايتها وفيما تقدمه للحرمين والمشاعر وفي استثمار أئمتهما بوصفهم من القوى الناعمة التي تحظى بجماهيرية واسعة.
- نحن نحتاج أن لا نسابق العالم في الدخول بعباءته وفي الانكفاء لرؤيته وفي التخلي عن قيمنا وفكرنا الذي حبانا الله إياها ..، رغبة في الحصول على رضا نخب ثقافية أو إعلامية غربية لن يرضيها إلا أن ننسلخ عن كل قيمنا مصداقا لقوله تعالى “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم “.
- وفي المقابل فإننا نحتاج أن ننفتح على العالم وفق برامج يتبناها المهرجان ولتكن ذات أطر زمنية تمتد لطول العام كله نبرز فيها كثيرا من أنماط التنوع والثراء الثقافي الذي تبرزه الأزياء والتحف والمنازل التراثية والفنية ليكون المهرجان كما يقول الملك سلمان وفقه الله “معلم إشعاع ثقافي سعودي يجمع أبناء الوطن ومناطقه بتنوع تراثها وفنونها في صورة حضارية تعزز قيم الارتباط والوطنية والانتماء، …وإن الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية وتراثنا وثقافتنا وأصالتنا من أوجب واجباتنا…”
- الجنادرية بتاريخها يمكن أن تكون إطلالة مهمة للمملكة العربية السعودية على العالمية بدلا من الانكفاء المحلي ، وهذا يتطلب أن تعنى هذه المهرجانات على نحو أكبر بالجانب الثقافي بالتوازي مع الجانب التراثي الذي يستوعب اليوم كثيرا من أنشطتها وواقعها كما ينبغي أن يكون هذا الاهتمام موحدا ومركزا من خلال ربطه بهيئة الثقافة كما أشرت سابقا وأن تكون هيئة للتراث والثقافة .. وأن يتم تفكيك العلاقة مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني فمن الخطأ أن نعيش هذا التداخل ونحن في هذه المرحلة.
- الجنادرية ينبغي أن تحمل للعالم قدر ومكانة المملكة بوصفها قبلة الحرمين ومهوى الأفئدة ولمكانتها الكبيرة في قلوب المسلمين، فأرض المملكة مهد الرسالة ولذا فهي بيئة تاريخية لا ينضب معينها حيث يمكن أن تكون نبعا زاخرا للتراث ولأنها أيضا مهد رسالات أخرى ومكان عدة حضارات فجميل أن تكون بيئة سياحية جاذبة.
- الجنادرية حين تستضيف عددا من العلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء من كل الدول العربية والإسلامية ومن غيرها يمكن أن يكون هؤلاء جسر اتصال ثقافي وحضاري على أن يكون ذلك ضمن برنامج اتصال مستمر لا يتوقف عند الاستضافة فقط .. ولذا لابد وأن يكون ذلك جزءا من استراتيجية اتصال ثقافية مستمرة.
- المهرجان في بنيته مر بتحولات ثقافية وهيكلية مهمة ويبدو أن طبيعة اللجان التي تشرف عليه هي من يحدد مساره في كل عام.. هذه اللجان يبدو أنها نمطت برامجه وغدا بيئة غير جاذبة، وأظن أن كون برامجه تتم خلال أسبوع ونحوه فإن من الطبيعي أن يحظى بجماهيرية في مدينة يقدر سكانها بما يزيد عن ستة ملايين.. وهو الشأن نفسه الذي تكون فيه الفعاليات الثقافية الأخرى من مثل معرض الكتاب.. لكن الجماهيرية تقاس بقدرته على جذب الجمهور حين يتم تحويله إلى مكان سياحي طوال العام بحيث تنبثق منه برامج مستمرة على أن يكون هناك فعاليات مهرجانية تتم في أسبوع أو أسبوعين من العام لكن غالبية مناشطه ينبغي أن تبقى ليتاح لكل زائر للرياض أن يفيد منه في أي وقت ..وهنا أتطلع لتشكيل مجلس أعلى للتراث والثقافة يتم تشكيله من كل أطياف المجتمع بعيدا عن البيروقراطيين الذي لا يحملون لوجوده هما يوازي ما نتطلع إليه.
- أتطلع أن يكون حضور الجامعات والمؤسسات الثقافية ضمن المهرجان متجها نحو استثمار هذه المناسبة في سياقاتها الفكرية والثقافية وأن لا تهبط الجامعات ليكون غالب ما تقدمه هو مجموعة من قطع التراث التي يغص بها كثير من بيوت المناطق اليوم داخل الجنادرية ..
- أما أولئك الذين يحاولون أن يستجلبوا لهذا المجتمع أدوات ثقافية تنتمي لبيئات غربية تقوم على ثقافة مختلفة فهم يعملون على تغريب هذا المجتمع وبدلا من أن نكون مصدر إشعاع لثقافة تقوم على هذا الدين العظيم الذي يخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور نصبح مادة إسفنجية نمتص كل أنماط الثقافات فتضيع هويتنا.
- نحن نستطيع أن نجعل المملكة غُـرّةً في جبين الثقافة والإبداع، وأن نستعيد ونستلهم جوانب من تاريخ أجدادنا رواد الفكر والحضارة رجالا ونساء الذين بذلوا الكثير من جهودهم وأوقاتهم للحفاظ على تراث الإسلام والعربية.. ولتكون هذه المهرجانات قادرة على الاستمرار والتطور، وأن تكون الأبرز والأهم من بين المهرجانات العربية.
- في الختام لابد وأن يعود للوهج الثقافي في المهرجانات مكانته وأن لا تطغى بعض المنتجات الثقافية كالبرامج الفنية والأمسيات الشعرية والأدبية والتراث الشعبي على ذلك ، وأن تكون هذه المهرجانات بيئة حراك ثقافي واسع لإثراء الثقافة والفكر محليا وخليجيا وعربيا ولإبراز الوجه والهوية الثقافية اللائقة بالمملكة بكل تنوعها الثقافي والتي تقوم على المعرفة .. وتستلهم المعرفة ..وتؤطر منتجاتها بالمعرفة ..ليكون ذلك أحد مظاهر تجسير العلاقة مع العالم والوصول للعالمية في ضوء متغيرات دولية واسعة.
التعقيب الثاني: د. عبد السلام الوايل
إن العنوان الرئيسي للقضية يحتمل تفسيرين. أولهما يتصل بالتنوع الثقافي العابر للأمم و الأوطان و الذي يُعد الاحتفاء به و الانطلاق منه جسراً يصل الشعوب ببعضها البعض و يؤالف بينها و يقربها. و ثانيهما يركز على التنوع داخل الوطن الواحد و بين مكوناته الثقافية. و بما أن الجنادرية مركزاً للتنوع الثقافي السعودي و تعنى أساساً بالثقافات الفرعية المحلية، مع استقطاب لتمثيل خليجي و ضيف سنوي من أحد بلاد الدنيا، فإنه يمكن اعتبار القضية الراهنة تتناول البعدين: التنوع داخل الثقافة الوطنية الواحدة و التنوع بين الثقافات الوطنية، معتبراً أن مهرجان الجنادرية يصلح لكلا البعدين. و سأركز في تعليقي هذا التنوع داخل الثقافة الوطنية الواحدة.
تكتنز المملكة العربية السعودية تنوّعاً ثقافياً نادراً يجمع بين بيئات جغرافية مختلفة كالصحراوية و الجبلية و الساحلية و أسس اجتماعية متنوعة كالبدو والحضر و تنوعا عرقيا يجمع عربا و أفارقة و آسيويين و تضم البلاد المدينتين الإسلاميتين الأقدس اللواتي أغنتا هذا التنوع فعملت كتجارب صهرت فيه ثقافات شعوب إسلامية عديدة، و هو ما يتجلى بالفنون و الأزياء و اللهجات و النظم الاجتماعية المتمايزة. هكذا ظل الحال لقرون طوال داخل المجتمعات المحلية التي شكلت لاحقاً المملكة العربية السعودية. و مع قيام المملكة العربية السعودية دولة-وطنية و تصاعد دورها كلاعب مركزي في التنمية و التحديث، و هو أمر مكُن من مضاعفات نتائجه الوفورات المالية الهائلة للدولة، برزت ظواهر تؤدي إلى نشوء ثقافة وطنية كليّانيّة، كتطور وسائل المواصلات و الاتصالات و ظهور وسائل الإعلام الحديثة و الهجرات السكانية الهائلة للمدن، خاصة الرياض و جدة و المثلث الحضري في المنطقة الشرقية. نتيجة ذلك تقاربت الأزياء و اللهجات و أساليب العمارة و حتى الفنون الشعبية. إن هذا يعد نجاحا في خلق ثقافة وطنية جامعة. و يمكن لهذه الثقافة أن تكون أحادية، تقوم على أنموذج ثقافي مركزي يعمم على البقية، أو تعددية تحتفي بالتنوع، إما عبر احتفاظ المكونات الثقافية بخصائصها، أو ما يعرف بنظرية “طبق السلطة”، أو صهرها في منتج واحد، ما يعرف بنظرية “طنجرة الصهر”.
في ظل تسارع عمليات التحديث المشار إليها أعلاه و أفول الأنماط التقليدية للعيش و الإنتاج، بما تتضمنه تلك الأنماط من مكونات ثقافية زاخرة، بزغت الجنادرية مهرجاناً لحفظ التراث الشعبي و تمثّله و تقديمه للأجيال الجديدة. و بالتركيز على تجربة المهرجان عبر ثلث قرن من عمره يلاحظ أنه ينفتح على التعدد سنة بعد أخرى, فَصِيْرَ إلى إضافة المزيد من المناطق بكل ما تتضمنه المنطقة من عناصر ثقافية و زيدت النشاطات الثقافية و الفنية بما يتواكب مع التطور في أساليب عيش المجتمع السعودي.
يمكن لتقديم صورة متماوجة لوطن ما أن يلهب خيال العالم عنه، باعتباره حالة يصعب اختزالها داخل صورة نمطية واحدة، جمل/صحراء/ بئر نفط/معبد. إنه ذلك جميعه و يزاد عليه تنوعاً في اللهجات و الأزياء و الطقوس الاجتماعية الخاصة بالزواج و الميلاد و الأسرة و الجيرة…الخ. وطن كالسعودية بأمس الحاجة لمخاطبة العالم باعتباره حالة تجمع بين كل من التنوع و الاحتفاء بهذا التنوع و تسويغه و إضفاء المشروعية عليه. بترسيخ صورة كهذه، سيصعب حتى على الخصوم و الأعداء حشر وطن ومجتمع ما داخل صورة نمطية بليدة.
وبالطبع يمكن للجنادرية أن تطور دائماً من ذاتها بالتركيز على المخزن الثري للفلكلور، سواء للشعب السعودي أو للشعوب المستضافة سنة بعد أخرى.
المداخلات حول القضية:
- الجنادرية: الواقع والإشكالات المتضمنة
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن التنوع الثقافي هو محرك رئيس للتنمية المستدامة للأفراد والمجتمعات المحلية والبلدان.
ولهذا فإنه يأتي التنوع كأحد الركائز الأساسية للنيل من تنمية مستدامة ، للحصول على أعلى درجات التثقيف ، فإن التعليم والتعلم يأتيان كمنهج يجعل المجتمع على عتبات متعددة ومتنوعة نحو سمو ثقافي منافس ويليق بالمجتمع.
وهنا إذا ما ضربنا أحد الأمثلة الحية أمامنا ، والتي تعد مفخرة بكل مقاييس ، وهو مهرجان الجنادرية الثقافي ، فبلاشك أن هذا المهرجان يعد منطلقا ثقافيا ، يكفي أنه يمتاز بجانب بروز أو ظهور الثقافة السعودية ، إلا أنه قد جمع بين جنباته ثقافات دول متعددة.
إن مثل هذا المهرجان يندر أن نجد أو نشاهد سواء من ناحية الإمكانات المتاحة له أو حتى أمام ما نشهده من تنوع ثقافي أعطى ويعطي صورة مشرفة للمملكة العربية السعودية ، كدولة تفتخر بتعدد وتنوع ثقافتها ، فضلا عن منحها فرصة المشاركة الدولية داخل هذا المهرجان الذي يعد مهرجان دولي وليس محلي أو إقليمي فحسب .
وبطبيعة الحال إن إخراج هذا المهرجان بهذه الطريقة والصورة المشرفة أوجد واجهة ثقافية يمكن أن يقال عنها ثقافة الديمقراطية وثقافة الإبداع والتنافس الشريف بين هذه الثقافات المشاركة داخل بيئة واحدة ومن خلال منظومة تتكامل فيها روح العطاء الثقافي المنشود.
واستهلت د. نوف الغامدي تعليقها بجملة: (الحرس الوطني؛ يحمل السلاح بـ يد والقلم باليد الأخرى … ينظر للوطن بعين الأمن وَ بالفكر والثقافة في العين الأخرى) ، بل تعدى ذلك ليكون مؤسسة عسكرية حضارية تساهم في خدمة وبناء الوطن عسكرياً وثقافياً واجتماعياً، الجنادرية تظاهرة فكرية ثقافية حضارية أعطت الوجه المشرق للسعودية بكل تعدديته الفكرية والاجتماعية والمناطقية والقبلية والعرقية، مثل هذه الفعاليات والمهرجان تحمل في مضمونها عمق وإرث فكري كبير وَ قضايا ثلاث: حوار الثقافات، وتقاربها، وتحالف الحضارات، لقد أصبحت الجنادرية مؤتمراً عالمياً للتراث والثقافة والفنون.
فالحوار هو مدخل إلى التقارب والتفاهم والاحترام المتبادل، كما أن التحالف بين الحضارات، يتأسَّس على الحوار بين الثقافات وتقاربها. وفي جميع الأحوال، تصبُّ النتائج المترتبة على العمليات الثلاث (الحوار، ثم التقارب، ثم التحالف) في اتجاه واحد، هو إغناء التنوع الثقافي بمدلولاته الشاملة وبمفاهيمه العميقة، وَ بـ مجالاته الواسعة.
دخل العالم العربي والإسلامي في دوامة من التوترات والأزمات والحروب الإقليمية، وغاص في موجات من العنصرية والكراهية والتطرف والتطرف المضاد، ما ضيّع الفرص أمام الإنسانية للاستفادة من التنوع الثقافي وهذا الإرث الكبير.
إن «دبلوماسية الجنادرية» أو «دبلوماسية المهرجانات الثقافية أو التراثية» على نحو ما خطت خطوتها الأُولى بشكل كبير وهذا العام بالتحديد من خلال مناقشة العلاقات السعودية – المصرية ورأب الصدع من خلال “ضيف الشرف” للمهرجان، هو المزيد من السعي لرأب التصدعات. فالدول العربية والإسلامية التي تعيش أزمات تراوح حدتها بين الخطر والأخطر كثيرة، وربما من شأن تقليد «ضيف الشرف» تضييق هامش الأزمات.
الجنادرية وعاء مملوء بأطياف مختلفة من الثقافات لا ينتهي، يملأ بموارده كل وسائل الإعلام ومراكز المعلومات الإعلامية والثقافية، وبلادنا خطت خطوات كبيرة وواسعة في جوانب أخرى في: التعليم والاقتصاد والاستثمار والصحة والتجارة أي تقدمت في المجال الحضاري الشامل وهذه من صلب اهتمام ومعطيات مهرجان الجنادرية الذي وضع في إطار التراث والثقافة، وكانت فكرته الأساسية افتخارا بالماضي وتطلع للمستقبل، نحن ندخل مرحلة حضارية جديدة تقوم على الاقتصاد والاستثمار والشراكة والتواصل مع المحيط الآسيوي أوروبا وأمريكا واليابان والصين وكوريا وأستراليا وكندا وتركيا نتداخل معهم بالسياسة والاقتصاد والاستثمار والتبادل التجاري ونعمل على التغيير ونقلة 2030 والتحولات التي ترافقها، والجنادرية اليوم تنقل فكرة وفلسفة وروح الجنادرية إلى فضاءات جديدة تحاكي وتنسجم مع تطلعاتنا المستقبلية.
أخذت الجنادرية والحرس الوطني موقعاً مميزاً في سجلات تاريخ الأغنية الوطنية، وتمكنت من تقديم الأغنية الوطنية بقالب فني بديع محملاً بالتراث والقيمة الفنية التي تحاور الأنثروبولوجيا في جميع مناطق المملكة، وابتدأ الشعراء والملحنون في سباق لتقديم القصائد والألحان ذات الجودة العالية التي تلائم طموح مهرجان الجنادرية والفكرة التي ابتكر من أجلها.
الجنادرية اليوم تمثل وعاء فكري لدراسة وتوثيق معالم مجتمعنا السعودي، وثقافاتنا الفرعية، خصوصا في “الأنثروبولوجيا الاجتماعية والسعودية بالتحديد”، مما يسهم بالتعرف بشكل أكثر دقة على تحولات مجتمعنا، وفهم أكثر شمولية لشبكة العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد، وبالذات التحولات التي حدثت خلال العقود الأخيرة، مثل ما بعد ظهور النفط، أو خلال طفرة الثمانينات، أو حتى موجات ارتفاع أسعار الأسهم المحلية، أو بعد برامج التحول الوطني ورؤية 2030 وفترة الركود وتحولات المجتمع بعد تطبيق عدد من البرامج مثل حساب المواطن وغيرها،، بالإضافة إلى دراسة أنماط التغير في الثقافة اليومية والفلكلور الشعبي، حيث توجد بالمملكة مساحات مدهشة للدراسة الأنثربوولوجية بكافة تفرعاتها، مثل اللهجات المختلفة في نفس المنطقة الواحدة، الرموز اللغوية، عادات الزواج، طقوس العفو عن القاتل، الشعائر الدينية، الزي وعلاقته بالبيئة المحيطة، والأجمل من ذلك حينما نتتبع تلك الظواهر حتى أصولها التاريخية، وكيفية انتشارها وتعمقها، أو اندثارها في إحدى طبقات المجتمع.
ومن جهته طرح د. فايز الشهري بعض النقاط الإشكالية لعلها تقدح التفكير في مفهومنا للتنوع الثقافي ، حيث قال: “لا أعرف كيف يمكن أن تكون الجنادرية جسرا للعالم وهي مغرقة في التكرار والمحلية ولا تستقبل سباحا ولا يقصدها جمهور خارجي مثل الكرنفالات الشعبية التي تشتهر بها الدول.
ولا أعرف لماذا لم تستطع لجان المهرجان أن تخرج من معادلة محاضرات لا يحضرها إلا قلة . ثم أين الدهشة والإبهار مع رقصات شعبية هي على مدار الساعة على قنوات الساحة. واستثني نجاح مبيعات بيع الأطعمة الشعبية.
الفعل الثقافي الحقيقي يصنع ما بعده ويترك أثره العميق حين ينافس ذاته وغيره كل عام حين يبهر ويُدهش ويسجل في الذاكرة والوعي أثره وتأثيره.
الفعل الثقافي المؤثر هو ذلك العمق والثراء الجاذب والمشكل للصورة الذهنية الإيجابية للشعوب. فهل تحقق شيء من هذا بعد ثلاثة عقود وهل يمكن مراجعة التجربة وإخراجها جمود النمطية.
وفي تعليقه على التساؤلات الأخيرة التي طرحها د. فايز الشهري، أشار د. خالد الرديعان إلى بعض العقبات التي ربما لا تخفى على الجميع، ومن أهمها ما يلي:
- أولاً: أن لدينا خصوصية قد تقيدنا كثيراً في الانفتاح على الآخر بما في ذلك الوافد المقيم في بلدنا. وأضاف د. الرديعان أنه ومن خلال زياراته للجنادرية فإنه لم يلحظ حضوراً مناسباً للوافدين وخاصة أرباب الأسر ممن نراهم كثيرا في أماكن أخرى كمساجدنا وأسواقنا وحدائقنا. هذه إشكالية لا يعرف كيفية حلها. وبما أن الوافد المقيم عندنا لا يريد الذهاب للجنادرية فمن باب أولى أن لا نتوقع وصول سياح أجانب من خارج المملكة بغرض زيارة الجنادرية. قد يعتقد الوافد أن هذا المهرجان لا يعنيه وأنه مهرجان سعودي صرف وبالتالي لا يثير اهتمامه مثل هذه التظاهرة التي يراها تكرس المحلية دون أن يكون فيها بعد عالمي أو حتى عربي. لنعترف أننا أقل انفتاحاً على الوافدين المقيمين بين ظهرانينا رغم أنهم يشكلون زهاء ٢٧٪ من عدد سكان المملكة. إشراك الوافدين ببعض المناشط (حسب كل جالية) قد يكون عملاً مفيداً وجاذباً للوافدين للتفاعل مع المهرجان.
- ثانياً: العروض الشعبية التي تقدم في المهرجان ليست هي كل ما عندنا؛ وأحياناً لا تقدم بشكل احترافي بسبب نقص الفنيين الذين يفترض أن توكل لهم مهمة إخراجها. معظم ما يقدم هي اجتهادات شخصية يقدمها أفراد كل منطقة وموجهة للزائر السعودي.
- ثالثاً: إن العروض الشعبية والفولكلورية تقدمها فرق رجالية، ومن ثم تغيب المرأة تماماً في هذا الجانب؛ وبالتالي لا نعرف كيف تصبح العروض مغرية للسائح لكي يفد للمملكة. ومن المهم أن يكون هناك عروض نسائية وتخصص للنساء حتى يُساء الفهم؛ فدور المرأة في المهرجان يقتصر على البيع في نشاط الأسر المنتجة. كذلك يجب أن يكون هناك دور للطفل في المهرجان من خلال تقديم عروض خاصة بهم ولهم حتى تكتمل الصورة ولإرضاء جميع الزوار.
ومن جهته قال م. خالد العثمان: أجزم أنه وبعد ٣١ دورة من عمر مهرجان الجنادرية أن هذا الحدث لم يتمكن من تحقيق أهدافه السبعة المرسومة أو تلك الأخرى التي أضافها د. خالد الرديعان في ورقته الضافية .. المهرجان حدث وقتي يسيطر على شيء من الاهتمام والتفاعل على مدى الأسبوعين الذين يستغرقهما عمر نشاطه كل عام ثم يعود إلى الخمول وينطوي في طي النسيان عاما آخر حتى موعد المهرجان التالي في العام القابل .. سبق لي بحكم عملي أن تعاملت مع إدارة المهرجان في الحرس الوطني فوجدتها إدارة فقيرة مهلهلة مهملة لا تجد ذلك الزخم إلا في الإطار الموسمي الذي يجد مداه من زخم الاهتمام والنشاط قبل موعد انعقاد المهرجان بأسابيع قليلة ثم يعود إلى الخمول .. المناداة بنقل اختصاص المهرجان من وزارة الحرس الوطني إلى جهة أخرى أكثر التصاقا بالثقافة هي مناداة أصيلة واقعية.. الحرس الوطني ليس الحاضنة الأمثل لمثل هذا المهرجان بالرغم من كل الجهود المُقَدّرَة التي بذلها منذ انطلاق المهرجان .. لابد أن تُعَاد هيكلته وبرمجته وتنظيمه في إطار وطني أشمل يأخذ في اعتباره منطلقات التنوع الثقافي الوطني وتحولات الاهتمامات الرسمية حول الثقافة والترفيه وفوق ذلك الصورة النمطية في الإعلام الدولي.. مهرجان الجنادرية وسوق عكاظ وغيرهما من المحافل الثقافية والتراثية أدوات مهمة في تسويق المكان والحدث والتعريف بالمملكة على المستوى الدولي وفوق ذلك ترسيخ المواطنة والتبادل الثقافي بين فئات المجتمع بمختلف مشاربهم.
- رؤية استشرافية: نحو تعظيم الإفادة من فعاليات الجنادرية
يرى د. سعد الشهراني أن عنوان القضية والذي جاء نصه “التنوع الثقافي ..الجسر الأمثل للعالم: الجنادرية أنموذجا”، ينطوي على حلم شبه مستحيل بناء على التجربة و المعطيات و الواقع الحالي، لكن إذا تجاوزنا هذا و غامرنا في اتجاه تسويق الجنادرية بهذا المنظور فإن هذا يتطلب :
- إيجاد جنادريات و نشاطات متعددة جغرافيا و نوعيا موزعة على فصول السنة مثل (النشاطات الثقافية) و ( الربيع في الصحاري العربية) و( الرياضات الصحراوية ) و (تسلق الجبال) و( الرياضات البحرية و الغطس) و (رياضة المغامرات ) و غيرها، و كلها مصحوبة بنشاطات تراثية مستمرة.
- أن ننوع و نوسع و نحدث و نطور و نبرمج المنتجات و النشاطات الثقافية و التراثية و الترفيهية بما يحقق جذبا داخليا و خارجيا مستداما للأسر و الأفراد و السواح.
- أن نطور برامج وثائقية تراثية و ثقافية و تاريخية قصيرة تكون مادة رئيسة للخطط الترويجية و التغطيات الإعلامية المستمرة التي تخاطب الداخل و المحيط و العالم.
- تقويم (تقييم) التجربة بطريقة علمية وموضوعية وشفافة، ومن ثم بناء خطة تطوير شاملة على هذا الأساس.
وذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أن الطموح لا يفترض أن يتوقف ، وطمعا في جعل هذا المهرجان ( مهرجان الجنادرية ) قلعة ثقافية تمتد خدماته والانتفاع من مخرجاتها لفترات ولمواسم متعددة ، يمكن تقديم بعض من المقترحات التي قد تسهم في تطوير هذا الملتقى الثقافي السياحي إن صح القول ، وذلك بما هو آت:
- أن تكون مرجعية هذا المهرجان ( مهرجان الجنادرية ) ، لصالح هيئة السياحة والتراث الوطني ، نظرا للتخصص وطبيعة مناشط الهيئة، وبسبب عدم تشتت المناشط الثقافية والسياحية لدى وبين أكثر من جهة حكومية.
- أن يكون مهرجان الجنادرية، قرية سياحية تفتح أبوابها أمام الجمهور في الأعياد وللمواسم الربيعية وجزء من الإجازة الصيفية ، ففي هذا مكاسب اجتماعية واقتصادية لا تعد ولا تحصى .
ومن ناحيته ذكر م. خالد العثمان أنه مما يمكن أن يوصى به في هذا الإطار ما يلي:
- نقل اختصاص المهرجان إلى هيئة السياحة عطفا على نقل اختصاص سوق عكاظ إلى ذات الهيئة مؤخرا.
- إطالة أمد تشغيل المهرجان لبضعة أشهر وليس طوال العام؛ لزيادة الجدوى الاقتصادية للجهات العاملة فيه وزيادة مساحة المشاركة والتفاعل مع برامجه ومحتوياته.
- ضرورة زيادة المشاركة الدولية في المهرجان باستضافة مشاركين إعلاميين ومثقفين من مختلف الدول وفتح الآفاق للتبادل الثقافي الدولي وتيسير الحصول على التأشيرات لحضور المهرجان وغيره من المحافل الثقافية.
بينما ترى د. نوف الغامدي أنه لو انتقل المهرجان لهيئة السياحة سينخفض مستواه فالهيئة لا تشجع التطوير السياحي وتعمل عكس التيار ! فمع الأسف هيئة السياحة ضعيفة في هيكلها ولا تستطيع مواجهة مصيرها الاستراتيجي ولا صنع التغيير . كمثال فالبرنامج الوطني للمؤتمرات والمعارض منفصل شكلياً لكنه يدار بعقول من هيئة السياحة وحتى الآن لا يمكنهم مواجهة الجهات الأخرى فمثلاً الآن لا يتم استضافة أي شخصية مشهورة كضيف شرف إلا بموافقة الإمارة وقد تلغى مهرجانات أو فعاليات وحتى مؤتمرات دون سبب واضح هذا غير الشروط الغريبة في مضمونها …. أحياناً السلطة وقوة اتخاذ القرار ضرورية لإنجاح الفعاليات !
ومن جديد علق م. خالد العثمان بأن بقاء مهرجان الجنادرية في الحرس الوطني لن يدفعه لأي تطور، أما هيئة السياحة وواقع أدائها يحتاج نقاش مستفيض. أيضا ربما حان الوقت لبحث سبل خصخصة إدارة وتشغيل المهرجان وغيره من المحافل الثقافية، ولعل هذا يعود على المهرجان بكثير من التفعيل والتنشيط والحراك الإيجابي. وأضاف: هيئة السياحة تسلمت إدارة سوق عكاظ مؤخرا .. وهو حدث مماثل لمهرجان الجنادرية .. هذا الواقع سيفرض على هيئة السياحة الوقوف بجدية أمام هذه المسئوليات.. تحميل مسئولية إدارة هكذا مناشط لغير هيئة السياحة بحجة عدم قدرة الهيئة على القيام بمهامها خطأ فادح .. إن كانت الهيئة تعاني من مشاكل في هيكلة جهازها فالواجب معالجة هذه المشاكل وليس نقل الاختصاصات إلى جهات أخرى.
وباعتقاد د. عبد الله بن صالح الحمود فإنه وإذا ما أصبحت المسؤولية لهيئة السياحة والتراث الوطني ، في الإشراف على مناشط المهرجان ، فسوف نلحظ تنوع وتجديد وإبداع خصوصا إذا شاركت هيئة الترفيه مع هيئة السياحة والتراث الوطني. فنحن لا نقلل من الأعمال التي قامت وتقوم بها هيئة السياحة والتراث الوطني في الجانب التراثي ، النقد يصب عليها في الجانب السياحي حيث لم نلمس شيئا عمليا يسد ولو جزئيا ما ينتظره المواطن والمقيم للاستمتاع سياحيا في الداخل ، ولهذا يلجأ غالبية الناس إلى السفر للدول المجاورة. والدليل الآخر على عدم قيام الهيئة بدورها في الجانب السياحي كما يتأمل منها ، أن الدور الذي تقوم به أمانات المدن هو من اختصاص الهيئة كالاهتمام بالجانب السياحي للحدائق والمنتزهات .
وأوضح د. خالد الرديعان أنه يختلف قليلاً مع د. مساعد في نزع مهرجان الجنادرية من الحرس الوطني بحكم تراكم التجربة عند الحرس الوطني في تنظيم المهرجان ومن ثم فائدة وجود الحرس الوطني كراعي ومنظم رئيسي ولأنه يخصص ميزانية جيدة للمهرجان قد لا توفرها جهات أخرى. ومع ذلك يمكن دخول أطراف أخرى في العمل كوزارة الثقافة والإعلام وهيئة الترفية والهيئة العامة للسياحة للتعاون مع الحرس الوطني.
ويمكن أيضاً عمل فيلم سينمائي وثائقي بأسلوب مشوق ويخصص له دار عرض داخل المهرجان يعرض لجميع مناطق المملكة وموروث كل منطقة وتراثها؛ فالمناطق تقوم بما عليها لكن يلزم تجميع كل ذلك بصورة أفضل وفكرة الفيلم قد تكون مفيدة، زيتون الجوف مثلاً موجود في المهرجان وكذلك تمور القصيم ومنتجاتها وبقية المناطق تعرض ما لديها، لكن ذلك يعرض بطريقة البيع وهذا غير كافِ.
وفيما يتعلق بفتح المهرجان طوال العام أو على الأقل في معظم الإجازات يستوجب أن يكون هناك تجديد مستمر في فعالياته كإدخال مسرحيات وأعمال فنية وحفلات غنائية ومعارض فنون تشكيلية تشرف عليها هيئة الترفيه والهيئة العامة للسياحة وجمعية الثقافة والفنون. هذا من جهة يرفع الحرج عن هيئة الترفيه ومن جهة أخرى يمكن الهيئة من تقديم مادة مناسبة للجمهور السعودي. كذلك فقد تكون هيئة الترفيه أكثر جرأة من الهيئة العامة للسياحة في إدخال مناشط جديدة على مهرجان الجنادرية. لكن هذا لا يمنع من وجود الجهات الثلاث: الحرس والترفيه والسياحة، ويضاف إليها جمعية الثقافة والفنون فهي جهاز معني بالفن والثقافة كذلك.
وأكد د. حميد الشايجي على أن هناك تنوع ثقافي جميل في مناطق المملكة يساعد على نسج سجادة ثقافية مميزة ترسم خريطة المملكة، فهي روافد ثقافية فرعية متعددة تصب في النهر الثقافي الكبير للمملكة، فلكل منطقة عاداتها وتقاليدها المميزة التي تساهم في ثقافة المجتمع السعودي. ويجب استغلال هذا التنوع الثقافي وتسويقه محلياً ودولياً لرسم صورة مشرقة للمملكة، وإظهار ثقافتها وحضارتها، وهناك فرصة ذهبية قادمة يجب استغلالها والتحضير لها بشكل جيد والاستفادة منها لتقديم هذا التنوع الثقافي للعالم. وهذه الفرصة هي كأس العالم في قطر، وكون قطر صغيرة وتحتاج إلى مساندة الدول المجاورة في الاستضافة فالمنطقة الشرقية توفر هذا السند، حيث أن الأحساء قريبة من قطر وبالإمكان إقامة فعاليات ومهرجانات لجذب الجمهور خصوصا أن الأحساء أرخص من الدوحة فالسكن فيها أسعاره مناسبة، فلو تم الترتيب والعمل على تجهيز المنطقة للاستفادة من المناسبة لكان هناك استثمار مالي وعقاري وترويج ثقافي.
واتفق د. عبد الله بن صالح الحمود مع مقترح د. حميد باعتباره يجذب لنا منافع عدة وهي :
- مزيد من التعريف الثقافي لبلادنا.
- تطوير ونمو في أكثر من مجال لمحافظة الأحساء.
- دعم اقتصادي غير مباشر لمحافظة الأحساء.
وهنا يفترض أن تنشط هيئة السياحة والتراث الوطني وبلدية الأحساء في بذل جهود نوعية لجعل محافظة الأحساء تتهيأ خدماتيا تجاه أكثر من مرفق سياحيا وبلديا .
وأشار د. خالد بن دهيش إلى أهمية مهرجان الجنائزية كجسر للتنوع الثقافي ، حيث أن عدد زوار المهرجان العام الماضي بلغ ١١ مليون و ٢٥٠ الف زائر وزائرة للتصحيح وليس أكثر من مليون كما تضمنت الورقة الرئيسة. وفيما يتعلق بتعقيب د. مساعد فإن وزارة الحرس الوطني من واجباتها المساهمة في الدعم الديني والأمني والثقافي و التعليمي والصحي والإعلامي والمحافظة على التراث الوطني ، لذلك فوجود مهرجان الجنادرية يدخل ضمن واجباتها للمحافظة على التراث الوطني.، وكثيراً ما طرح مقترح استمرار المهرجان لمدة أطول ، وكثيراً ما نسمع أن ذلك تحت الدراسة ، لذا فإن من مسؤولية الهيئات ( السياحة و الثقافة و الترفيه ) ، تبني مثل هذا مقترح – أن تكون مدة المهرجان أطول ولو لثلاثة أشهر عند اعتدال الجو بالرياض.
واتفقت أ. مها عقيل مع الرأي على إبقاء الجنادرية مع الحرس الوطني فلديه الإمكانات المادية والتنظيمية، لكن إعطاءه لوزارة ثقافة قد يجعله لا يحظى بنفس الميزانية والدعم، ولكن ربما إشراك الوزارة وجهات أخرى يساعد في تنوعه. كما أن من المهم أن يكون هناك مهرجانات جنادرية في مناطق مختلفة. بينما ترى أنه من غير الملائم تسليط الضوء كثيرا على الجانب الديني – الخدمات المقدمة للحج والعمرة – فهو مهرجان أدبي ثقافي وليس بالضرورة إدخال الدين في كل شيء ويمكن أن تكون أحد الندوات أو المعارض لذلك. كما يجب التركيز على تغطية الإعلام العالمي للجنادرية لإظهار التعدد الثقافي والاجتماعي والأدبي والفني للعالم الخارجي لنغير من الصورة النمطية عن المملكة.
من جانبها قالت أ.د. سامية العمودي: أحد الأسئلة المطروحة: هل نجحنا في الانتقال بالجنادرية مع تفاوت الحراك المجتمعي قبل عقود حتى انتقلنا للرؤية الحديثة وهل استثمرناه ليكون حدثاً يشكل ثقافة أبنائنا وبناتنا وهل استطعنا تسويقه للعالم العربي والغربي ليصبح محطة للزيارة والثقافة والترفيه؟
أعتقد أننا بحاجة إلى تقييم علمي مبني على دراسة نبدأها الآن لمعرفة ماذا حققنا فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً من هذا المهرجان الكبير وما هي المتغيرات التي تحكمت فيه وكيف يمكن إحداث نقلة الآن في ظل المتغيرات والرؤية الجديدة لنواكبها؛ فبدون تقييم مستمر ومقنن علمياً سيكون مجرد احتفالية سنوية لم نحسن استغلالها.
وبدورها قالت أ. علياء البازعي: أتساءل أحيانا “من الجهة المسؤولة عن غرس الثقافة الوطنية”؛ هو موضوع يبدأ في المدرسة…لا يكفي تفعيل مهرجان الجنادرية في جميع مدارس المملكة بصورة تقليدية نحتاج إلى غرس ثقافي ممنهج؛ و هذا لا يحدث باجتهادات شخصية…يحتاج لتنظيم كامل بدءا من قصص الأطفال في الروضة و قطع القراءة في الابتدائي و الأناشيد و المسرحيات.. الخ.
لم لا يعرف الأطفال في القصيم عن مهرجان المنجا في جازان؟…و لم لا يعرف أطفال الأحساء عن زيتون الجوف؟…و ماهي معلومات الطلاب عن جبل قارة أو مدائن صالح؟…التعلق بالموروث الثقافي لا يمكن أن يحدث خلال أسبوعين في السنة. لدينا ثراء ضخم…ما دورنا في تفعيل هذا الثراء لدعم قيم الشراكة في الوطن الواحد؟ يمكن إبراز القيم الإنسانية بطابع إسلامي عصري…أو القيم الإسلامية بطابع إنساني عصري.. و نحتاج لروح الشباب الإبداعية في ذلك.
ويرى أ. خالد الحإرثي أن أي مشروع وطني يغيب عنه الموضع القائد من الجامعات والحوافز التي توفر المشاركات البحثية والدراسات الجادة هو مشروع خديج ولا يؤمل منه فائدة ذات بعد يستوعب تحديات المملكة القائمة. ومن المهم الإشارة لكلمة الأمير تركي الفيصل عن السبب الرئيسي لاستهداف المملكة من العالم الليبرالي بشكل عام وهي تمسك المملكة دولة وشعبا بالإسلام وأصوله المتجذرة في ثنايا كل تفسيرات الشأن الحياتي؛ لكننا في نفس الوقت لم نجتهد ونقدم الاهتمام المحفز لتطوير نموذج التوافق مع العصر وظللنا متشبثين في إنتاج القرون الأولى حتى لفظتنا.
واتفق أ. خالد الحإرثي مع الرأي بعدم تسليط الضوء على الحج والعمرة بالشكل الذي نراه ، في نفس الوقت يجب بنظره أن يسلط الضوء على الجانب الديني من الهوية الوطنية والسلوك الاجتماعي والعمق الذي تمثله الفلسفة الإسلامية في ترقية المجتمعات والمشروع الحضاري الإسلامي ، والأثر على الأجيال.
وفي ذات السياق قال د. عبدالله العساف فيما يتصل بمهرجان الجنادرية الذي يقام كل عام كرمز ثقافي يجسد الموروث الحضاري الأصيل الذي يتمتع به أبناء المملكة ، هل استثمرناه خلال الثلاثة عقود الماضية لتعزيز سبل التقارب الثقافي بين المملكة وزوار المهرجان من مثقفين وإعلاميين وسياسيين من مختلف دول العالم توجه لهم الدعوة لتخرجه من نطاقة المحلي وصراعاته الفكرية؟ وهل تم تسويقه عالمياً ودعوة من يختلف معنا قبل من يتفق معنا؟ بعيدا عن دعوات المجاملة التي لا فائدة منها؟ وهل سمحنا لجميع وسائل الإعلام العالمية بتغطية المهرجان وإجراء حوار إعلامي مع كبار المسؤولين؟ ثم جولة مفتوحة على جميع مناطق المملكة ذات التنوع الثقافي والمناخي والاجتماعي؟
ما يزال التسويق السياسي والثقافي السعودي يسجل غياباً عن المشهد الإعلامي والثقافي العالمي؛ ما تزال صورتنا مشوهه أمام العالم!! نحن نتحمل الجزء الأكبر والأهم فيها. والمهرجان فرصة ذهبية للتواصل الحضاري والثقافي والفكري مع الآخر، وبدلاً من أن نطوف العالم كما في معرض المملكة بين الأمس واليوم، نجعل العالم يطوف حولنا ويتجول في أرجاء الوطن.
أخيراً: من الأولى في تنظيم المهرجان وتسويقه عالميا كرسالة حضارية وقوة ناعمة سعودية: {وزارة الثقافة والإعلام، هيئة السياحة، هيئة الترفيه، الحرس الوطني}؟
ويرى د. حسين الحكمي أن من المهم للمهرجان أن يجعل من ضمن أركانه زاوية مميزة إبداعية تتضمن صورة المملكة في ٢٠٣٠ وشكل الحرمين الشريفين حينها وشوارعنا وقطاراتنا ومنجزاتنا. كما يمكن أن يتضمن هذا الركن مخترعات أبناء الوطن، التمسك بالتراث والثقافة أمر حسن، وأيضا العمل على أن يكون هناك سعي حثيث للمستقبل منبعه القوة الحضارية والثقافية التاريخية للوطن.
الفترة الزمنية للمهرجان ليست بالكافية، ١٥ يوما لما يزيد عن المليون زائر تسببت في الازدحام وإحجام البعض عن زيارة المهرجان والتمتع بمحتوياته.
وأضاف د. حسين الحكمي قوله: لا أعلم إن كان المهرجان يحتوي على ركن يتضمن تاريخ الجزيرة العربية منذ القدم والتطور التاريخي والثقافي لها وأبرز الحضارات والقبائل التي عاشت فيها ، حيث أن حضارتنا اليوم نتاج تطور تاريخي وحضاري ممتد لآلاف السنين .
من زار جبل القارة في الأحساء يجد أن هناك لوحة مكتوب عليها ” أرض الحضارات” حيث أن هناك من أرخ للمنطقة وذكر أن حضارات العالم منبعها الأحساء ؛ مثل هذا الإرث التاريخي والحضاري المهم يجهله كثير من السعوديين في الوقت الذي يعرفون فيه عددا من دول العالم !
التنوع الحضاري والثقافي لمناطق المملكة ، جنوبها وشمالها وغربها وشرقها ووسطها تنوع ثري ويشتمل على كم هائل مما يمكن أن يُروى ويبرز ويعرض. عندما يتم اختزال العرضة السعودية في العرضة النجدية هو تهميش للغالبية العظمى من مناطق المملكة !
العرضات والفلكلور والتراث في كل مناطق المملكة هو سعودي ويزيد من جمال السعودية هذا التنوع الذي ينبع من مساحة جغرافية تعادل أوربا الغربية ، وتساوي ما يقارب مساحة إنجلترا ثمان مرات.
إشراف وزارة الحرس الوطني على المهرجان أمر حسن ساهم في استمرار وتطور المهرجان خلال السنوات الماضية، آما الآن فأنا أتفق مع د. المحيا في أنه قد أن الأوان لينتقل للجهة ذات الاختصاص وهي هيئة السياحة والتراث الوطني ، وأتمنى أن تشارك هيئة السياحة هيئة الترفيه أيضا في المهرجان وبشكل أكبر معهما الثقافة. يمكن لهيئة السياحة والتراث الوطني أن تقدم الكثير بحكم طبيعة عملها واهتماماتها ، أما هيئة الترفيه فآمل منها أن تقدم أنشطة مسرحية ذات صبغة تراثية متنوعة يمكن أن تقدمها الفرق المسرحية من مختلف مناطق المملكة ، وتكون هناك مسابقة لأجمل العروض المسرحية ويتم تكريم العروض الفائزة. أيضا ، يمكن أن يتم عمل مسابقة أفلام ويكون لكل عام نمط معين وهدف محدد ، فسنة تكون المسابقة عن ثقافة المناطق وأخرى عن فكرة تاريخية وثالثة ذات هدف جغرافي يعرف بالمنطقة وهكذا ، وكل ذلك يتم عرضه في شكل أفلام سينمائية يتم عرضه أيام المهرجان ويتم تكريم الفائزين في نهاية المهرجان.
ويمكن لمنظمي المهرجان الاستفادة منه اقتصاديا من خلال عقد شراكات مع مؤسسات القطاع الخاص وجعل الفترة الزمنية للمهرجان أطول ويقوم القطاع الخاص بالتشغيل والربح وبنفس الوقت يدفع مبالغ مالية تعود بالنفع على المنظمين.
أتفق مع د. فايز في أننا بحاجة لعمل تسهيلات للسياح من الخارج ليتمكنوا من زيارة المهرجان ؛ ليتطور المهرجان يجب أن يكون خلفه فكر اقتصادي استثماري. المهرجان يمكن أن يجلب أموالا من الخارج ، ألسنا نشتكي من الأموال التي تخرج من البلد ولا تستثمر فيه ؟! الحل أن نكون بيئة جاذبة ونعطي تسهيلات للسياح والزوار وفتح مناشط استثمارية تجتذب من هم خارج السعودية لزيارة السعودية وصرف مبالغ والاستمتاع بالسعودية بكل تنوعها الحضاري وطبيعتها الجغرافية ومناطقها الأثرية والتاريخية .
تعليق د. الرديعان عن إحجام غير السعوديين عن زيارة المهرجان ليس عذرا ، أعرف عددا من غير السعوديين زاروا المهرجان وهناك من يرغب لكنه لم يتمكن من الذهاب.
وتساءلت د. نوف الغامدي: كيف يمكننا تحويل الجنادرية إلى مشروع اقتصادي ووجهة سياحية تفتح أبوابها لأشهر وليس أياماً، بالتنسيق بين جهات الترفيه والسياحة والحرس الوطني والقطاع الخاص؛ من خلال التعاقد مع شركات وطنية تستقطب السائحين من كل مكان، ويحضرون للجنادرية بتأشيرات سياحية، ويرون تاريخ الوطن على حقيقته، ويحملون رسائل إيجابية لأوطانهم ومواطنيهم ..؟
المحور السادس
حماية المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار
الورقة الرئيسة: د. ناصر آل تويم
تمهيد :
إن نشاط الاحتكارات هي من بين الظواهر الاقتصادية المنتشرة اليوم, وأصبح لها تأثير على باقي الظواهر، وعمليا فإن الأسواق تنقسم إلى فئتين([1]).
- الفئة الأولى: أسواق المنافسة التامة, وهي حالات بعيدة عن الواقع العملي ؛ إذ إنه في سوق المنافسة التامة يصعب وجود منتجات متجانسة أو متماثلة تماما في السعر والجودة …الخ، كما أن حرية الدخول والخروج من السوق لا يمكن أن توجد بشكل مطلق , وفي سوق الاحتكار يصعب وجود منتج وحيد لا بديل له ووجود سوق مغلق لا يمكن لمتنافسين جدد الدخول إليه مطلقا.
- الفئة الثانية: أسواق المنافسة الاحتكارية واحتكار القلة وهي تمثل العديد من الأسواق الفعلية, ومن أمثلة أسواق احتكار القلة صناعة السيارات و السجائر …, أما المنافسة الاحتكارية فأبرز أمثلتها سوق الخدمات مثل: المطاعم, الصناعة, الملابس والخدمات المصرفية, وما إلى ذلك.
– تعريف الاحتكار:
نقول أنه “احتكر الشيء ” أي جعله لنفسه فقط. ومن هنا يعرف الاحتكار أنه حالة السوق التي يوجد فيها بائع واحد.
كما يعرف على أنه : عبارة عن تركيبة أو هيكلة معينة لسوق ما , تسمح لشركة واحدة أو متعامل واحد فيه بإنتاج سلعة أو خدمة ما وحمايته من منافسة الآخرين له.
ومن هذا التعريف يمكن أن نستخرج مميزات نشاط الاحتكار وهي:
– وجود بائع واحد في السوق وعدد كبير من المشترين.
– عدم وجود بدائل للسلع التي يقوم التاجر بإنتاجها.
– عدم قدرة دخول منتجين آخرين لمنافسة السلعة التي يستحوذ عليها المحتكر.
وستتم بإذن الله تغطية أبرز المحاور من خلال المعطيات التالية:
- تعريف المنافسة والاحتكار
المنافسة الاحتكارية:
وهو شكل من أشكال السوق الذي يجمع بين سوقي المنافسة الكاملة و الاحتكار التام. و يكون في هذا الشكل من السوق:
- وجود عدد كبير من المنشئات الصغيرة بحيث لا تستطيع أي منشأة التأثير في سعر السوق. (العدد هنا أقل من سوق المنافسة التامة لكن أكبر من سوق الاحتكار).
- السلع متشابهة لكن غير متجانسة حيث يمكن التفرقة بين السلع الموجودة و يكون منحنى الطلب الذي يواجه المنشأة منحدراً من الأعلى إلى الأسفل و من اليسار إلى اليمين.
- سهولة الخروج و الدخول للسوق (لكن ليست حرية مطلقة كما في سوق المنافسة التامة).
- وجود المنافسة غير السعرية: و المتمثلة باستخدام طرق منافسة غير السعر مثل استخدام وسائل الدعاية و الإعلان و هذا يسمى بالتمييز السلعي.
- المرجع (الإنترنت-عام)
احتكار القلة:
- وجود عدد قليل من المؤسسات يسيطر على الصناعة: وهذه المؤسسات قد تكون ثلاثة أو أربعة مؤسسات، وقد اتفق معظم الاقتصاديين على أنه إذا كانت حصة المؤسسات الأربعة الكبرى في صناعة ما تزيد عن 50% من إجمالي الصناعة فإن هذه الصناعة توصف بأنها احتكار قلة.
- وجود اعتماد متبادل بين المؤسسات القائمة في الصناعة، وهذا يعني أن كل مؤسسة تعتمد في اتخاذ قراراتها على توقعاتها عن ردود فعل المنافسين الآخرين، فمثلاً إذا أرادت إحدى المؤسسات أن تخفض سعر سلعتها أو تقوم بحملة دعائية لتنشيط مبيعاتها فإن عليها أن تفكر أولاً ماذا سيكون رد فعل المؤسستين أو الثلاث مؤسسات الأخرى.
- وجود قوة احتكارية مرتفعة للمؤسسات القائمة في الصناعة، وهذا يعني أن كل مؤسسة تستطيع أن تؤثر في السعر عن طريق تحكمها في الكمية التي تنتجها من تلك السلعة.
- وجود منافسة غير سعرية: وأهمية هذه المنافسة أكبر بالنسبة لسوق احتكار القلة مقارنة بسوق المنافسة الاحتكارية، وذلك لأن استعمال سلاح السعر في سوق احتكار القلة سيؤدي إلى منافسة قاتلة بين المنتجين تعود عليهم جميعاً بالخسائر والضرر.
- وجود عوائق مرتفعة لدخول السوق: وبالرغم من أنها ليست بنفس ضخامة عوائق الدخول في سوق الاحتكار التام إلا أنها تشكل مانعاً لا يستهان به لدخول السوق.. والشكل التالي(مقتبس من الإنترنت بدون مرجع): يوضح بشكل مبسط الفروقات بين المعطيات الموضحة أدناه في خانة المقارنة:
بداية فإن قانون المنافسة هو أحد قوانين الاقتصاد الرأسمالي والمنافسة الرأسمالية الحرة وهي لها عدة أشكال:
- منافسة حول نوع واحد من السلع كالمنافسة بين شركات البترول.
- منافسة بين سلع بديلة مثل المنافسة بين الفحم وبين البترول أو بين السلع البلاستيكية و بين السلع المعدنية وبسبب المنافسة وقوانين وعلاقات العرض والطلب يتحدد سعر المنافسة.
والاحتكار يفسح الطريق أمام شركة أو كيان بعينه إلى بسط هيمنته وفرض منتجه مهما كانت درجة جودته وبالسعر الذي يريده نظرا لعدم قدرة المنافسين على مواجهته، ومن ثم تتعاظم أرباح ذلك الكيان الذي قد ينافس نفسه في بعض الأحيان عن طريق شركات أخرى تعود ملكيتها له.
ولأن الاحتكار يهدد كيان الدولة ويضر بالمصالح العامة وخصوصا الطبقات الوسطى وبالأخص محدودة الدخل فإن وضع القوانين الصارمة لمواجهته يعد أساسياً لخلق توازن في الأسواق وإبعاد فكرة السيطرة عن السوق وتضخم الثروات الفردية والكيانات القوية على حساب الطبقات الكادحة.
وهناك صور أخرى من الاحتكار مثل ( الإغراق ) حيث تقوم أحد الشركات الكبرى ببيع منتجها بسعر يقل عما هو موجود فعلا بالسوق المحلي، وما يتبع ذلك من أضرار واسعة باقتصاد الدول المستهدفة بالإغراق، خصوصا فيما يخص تراجع أرباح الشركات المحلية أو إفلاسها وتزايد نسبة البطالة مع تسريح عمال وغيره من الآثار السلبية.
لذا تقوم الحكومات بفرض رسوم إغراق بهدف تنظيم عملية تنافس المنتجات المستوردة والمحلية خصوصا إذا ثبت منح حكومة الدولة الأجنبية دعماً لشركاتها المصدرة.
ولكن يجب الانتباه إلى أن الدولة نفسها قد تمارس الاحتكار وهنا يطلق عليه احتكار عام مثل شركات الكهرباء والمياه وتقوم بهذا الدور في مرحلة ما للحفاظ على تقديم خدمات بأسعار مناسبة حتى لا تتضرر فئات المجتمع المتوسطة وما دونها أو لتضمن كفاءة واستمرار الخدمات بحكم كونها من السلع العامة ذات الاستثمارات العالية إما لعدم قدرة القطاع الخاص على القيام بها أو لعدم ربحيتها لأسباب عديدة ، كما يوجد احتكار خاص متى انفرد به شخص أو مجموعة محددة.
ويقصد بمنع المنافسات الاحتكارية، منع إساءة استخدام الشركات الكبرى لقوتهم الاقتصادية المهيمنة في السيطرة على السوق ومنحهم الفرصة لتسعير منتجاتهم بناء على أسس غير عادلة تضر بالمنافسين والمستهلكين.
ومنع المنافسات الاحتكارية يعطي الفرصة لصغار التجار والمنتجين بالتواجد في السوق ويعزز من تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتحسين الكفاءة الإنتاجية، والتنافسية، تعزيز كفاءة الاقتصاد، وتوفير تنمية متناسقة ومستمرة ومتوازنة للأنشطة الاقتصادية، والحد من الآثار الضارة التي تلحق بالنظام الاقتصادي والاجتماعي، وجذب الاستثمارات والوصول إلى أسواق خارجية.
- التشريعات المحلية المنظمة لها
ينظم حماية المنافسة في المملكة ومنع الممارسات الاحتكارية نظام حماية المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٢٥) وتاريخ ٤ جمادى الأولى ١٤٢٥هـ والهدف من هذا النظام هو تعزيز وتشجيع المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية المخلة التي تؤثر بالمنافسة المشروعة و المحافظة على البيئة التنافسية لقطاع الأعمال في إطار من العدالة والشفافية للسوق المحلية التي بدورها ستمكن المنشآت من التنافس بحرية وعدالة، بما يصب في خدمة المستهلكين، وهذا النظام يضع عقوبات رادعة على المخالفين له بالسجن والتشهير والغرامة تصل إلى خمسة ملايين ريال.
والجهة المسئولة عن تنفيذ هذا النظام بالمملكة هي مجلس المنافسة وكان يسمى سابقا بمجلس حماية المنافسة…. وهو يختص بـ:
- رسم الأهداف والسياسات العامة لحماية المنافسة بالمملكة.
- مراقبة السوق لضمان تطبيق قواعد المنافسة العادلة.
- الموافقة على حالات الاندماج والتملك والجمع بين إدارتين بإدارة مشتركة والتي ينتج عنها وضع مهيمن.
- التقصي والبحث وجمع الاستدلالات للكشف عن الممارسات المخلة بقواعد المنافسة.
- نشر ثقافة المنافسة وتعريف المجتمع بالحقوق التي كفلها نظام المنافسة.
- تعزيز التعاون والتنسيق مع الجهات المعنية بالمنافسة داخل المملكة وفي الدول الأخرى بما يحقق أغراض المجلس.
- أفضل الممارسات العالمية
والمقصود بذلك التعرف على أفضل الممارسات والخبرات العالمية في مجال تنظيم المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية والآليات المتبعة دولياً حيال ذلك، والتطورات العالمية في مجال الرقابة على الأسواق وحماية المستهلك وتطوير بيئة ممارسة الأعمال التي تمكن كافة الجهات الحكومية من القيام بدورها في حماية المستهلكين وحفظ حقوقهم وعلى رأسها منع الاحتكار والمنافسة غير العادلة ، إلى جانب أبرز القضايا التي تعنى بشؤون المستهلكين ونقل تلك التجارب إلى الجهات المحلية ذات العلاقة بحماية المستهلك لتطبيق تلك التجارب.
- دور حماية المستهلك في حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار
- مساندة الجهات الحكومية المعنية بحماية المنافسة العادلة ومنح الممارسات الاحتكارية وعلى رأسها (مجلس المنافسة) ووزارة التجارة والاستثمار.
- التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لدعم وتفعيل الرقابة على عمليات الاندماجيات ومنع المنافسات الاحتكارية.
- إبلاغ الجهات المعنية عن أية ممارسات احتكارية أو ما يخل بالمنافسة.
- دور الحكومة ودور مؤسسة المجتمع المدني ودور المواطن
- يتمثل دور الحكومة في إحكام الرقابة على الأسواق ورصد الممارسات المضرة بالمنافسة وتطوير منظومة القوانين لمواجهة تلك الممارسات.
- ويتمثل دور منظمات المجتمع المدني في مساعدة الجهات المعنية على القيام بدورها وتوعية وتثقيف المستهلكين بخطورة الممارسات الاحتكارية والإخلال بالمنافسة.
- ويتمثل دور المواطن في إبلاغ الجهات المعنية عن أية ممارسات احتكارية أو ما يخل بالمنافسة.
- ملاحظات عامة للمناقشة:
- يسرت الشريعة الإسلامية للناس سبل التعامل بالحلال في كافة أوجه التعاملات التجارية وذلك لكى تكون الأخوة الإنسانية والمحبة سائدة بين الأفراد والمجتمعات ، ولكى تبقى الحياة سهلة ونقية وإيجابية ، لا يعكر صفوها كدر ولا عداوة و أحقاد .
ومن أجل هذه الأهداف الراقية السامية حرم الإسلام الربا ) أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا. (البقرة : 175 ) وحرم أكل أموال الناس بالباطل ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ( (النساء : 29 ) وحرم أكل مال اليتيم )أن الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ( (النساء : 10 ) وحرم الغش والتدليس ( من غشنا فليس منا ) وفي هذا السياق حرم كذلك الاحتكار لما فيه من تضييق بل وظلم على عباد الله بقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحتكر إلا خاطئ ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه ). ولما كان الاحتكار أحد سمات التعامل الاقتصادي في معظم الأسواق والكيانات التجارية إن لم يكن في كلها ، بل ويعتبر في نظر الكثير من الاقتصاديين ركيزة من ركائز النظام الرأسمالى الحديث ، رغم أنه يحمل في طياته بذور الهلاك والدمار لما يسببه من ظلم غلاء ، ولما فيه من تعدي على حرية الأنشطة الحياتية ، وسد لمنافذ العمل وفتح لأبواب الرزق أمام غير المحتكرين ، فقد تم تحريم الاحتكار وكافة الممارسات التي تؤدي إليه. - إن وجود نظام حازم (صدر نظام للمنافسة عام 1425 هـ)، وجهاز حكومي مستقل لهي أمور ضرورية وأساسية لكشف الممارسات المخلة بأصول المنافسة وإدانتها، وخصوصا الممارسات الاحتكارية الضخمة ، وقد تبنت المملكة إقامة مجلس لحماية المنافسة عدل المسمى لاحقا بمسمى (مجلس المنافسة) .
ولكن شأنه شأن الكثير من الأنظمة الأخرى فقد ظل يحمل قدرا كبيرا من عدم القدرة على تحقيق أهداف التنافسية، يل لم يعد قادرا على ضبط المنافسة من خلال مجلس المنافسة الحالي الذي ظل لسنوات طويلة تحت هيمنة وزارة التجارة والاستثمار(سابقا التجارة والصناعة)، في الوقت الذي كان يفترض أن يتمتع باستقلال مالي وإداري كامل ويرتبط بأعلى سلطة في الحكومة.
- في العديد من الدول يعتبر رئيس المجلس والذي يتمتع باستقلالية عالية ومنصب سيادي رفيع المستوى متفرغا بالكامل كدول مثل أمريكا وهولندا وسنغافورا وبريطانيا وكذلك مصر مؤخرا وغيرها، كما تتمتع هذه المجالس بقدر كبير من المهنية والشفافية العالية والنزاهة والأخلاقية وذلك نظرا لحساسية المهام المطلوبة منهم في مكافحة كافة أنواع العمليات الاحتكارية وتكريس التنافسية الحقيقية في الأسواق. كما يتمتع العاملون في مجالس تلك الدول بخبرات ذات مستوى عاٍل في كافة المجالات وبالأخص في الاقتصاد والصناعة والصحة والمال والأعمال والمحاسبة والزراعة والتكنولوجيا وخلافه أي فرق عمل عملية متكاملة وممثلة لكافة القطاعات . أما بالنسبة للمملكة فالوضع بخصوص مجلس المنافسة السعودي وإلى حد كبير فهو بخلاف ما هو موجود بالدول المذكورة أعلاه. فبالإضافة إلى ما ذكر فإن مجلس المنافسة السعودي يتكون نصف أعضاء من موظفي الحكومة، إلا أن النظام أيضا لا يشترط فيهم الخبرة والتخصص في هذا المجال، في الوقت الذي نجد في التجارب المتقدمة أن تعيين الأعضاء لا يتم بحكم الوظيفة الحكومية، وإنما بحكم الخبرة والتخصص والكفاءة فقط . كما أن مستوى التمثيل من الجهات الحكومية ذات العلاقة أيضا ظل دون المستوى، كما أن شمول الجهات ذات العلاقة في تشكيل المجلس تظل كذلك محل نظر وانتقاد.
- قامت شركة (آرثر دي ليتل) بدراسة لنظام المنافسة السعودي قبل عدة سنوات وصرفت مبالغ كبيرة عليها، ورغم أنها أبدت عدة ملاحظات عليه واقترحت عدة اقتراحات عليه، ومن ضمن ذلك إعداد استراتيجية شاملة لتعزيز المنافسة في الأسواق السعودية مع الأخذ بالاعتبار التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال، إلا أنه لم يؤخذ بمعظم تلك المقترحات ، فيا حبذا لو يتم الاطلاع على هذه الدراسة والتنويه عنها بكافة الوسائل لكي يستفاد مما طرح فيها من مقترحات وتوصيات بناءة تساهم في سد الفراغات التنظيمية والضعف المؤسسي وبالتالي معالجة المعطيات السلبية التي تخترق السوق السعودي وبالأخص القطاعات الحيوية في الاقتصاد السعودي وأهمها قطاع البنوك.
وفي الختام ورغم الإشادة ببعض الأحكام التي طالت وبخجل عدة جهات احتكارية، إلا أن المطلوب أكثر من ذلك ولكي يتم ما هو مطلوب لابد من أخذ ما تم التنويه عنه أعلاه بالجدية اللازمة وأن يوضع ذلك ضمن رؤية المملكة 2030 وبرامجها التحولية والتحويلية خصوصا وأن هذه التحولات تتطلب توسيع مساهمة القطاع الخاص وجلب الاستثمار الأجنبي ولكي يتحقق ذلك أو جزء منه فلابد من وجود نظام للمنافسة يتسم بالمهنية العالية والشفافية المطلقة والعادلة الناجزة على أن يطبق على الجميع بكل عزم وحيادية وشفافية.
- ملحق (توصيات بحث):
وبعد : أدناه توصيات بحث : (الاحتكار دراسة فقهية مقارنة للداعية أحمد عرفة) وقد توصلت هذه الدراسة إلى ما يلى:
- أولاً: أن الاحتكار جريمة اقتصادية اجتماعية، وثمرة من ثمرات الانحراف عن منهج الله ، وقد تنوعت صورة ، وتعددت أساليبه.
- ثانياً : أن الاحتكار لا يكون في الأقوات فحسب ، وإنما يكون في كل ما يحتاج إليه الناس من مال وأعمال ومنافع ، ذلك أنه من المقرر فقهاً ( أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أم خاصة ) فمواقع الضرورة والحاجة الماسة مستثناة من قواعد الشرع وعموماته وإطلاقاته ، فالاحتكار المحرم شامل لكل ما تحتاج إليه الأمة من الأقوات والسلع والعقارات ، من الأراضي والمساكن ، وكذلك العمال والخبرات العلمية والمنافع لتحقق مناطه ، وهو الضرر اللاحق بعلمه المسلمين من جراء احتباسه و إغلاء سعره.
- ثالثاً: فيما يتعلق بالسلع واحتكارها ، فإنه لا فرق بين أن تكون السلعة المحتكرة منتجة إنتاجاً خاصاً ، أو مشتراة من السوق الداخلية ، أم مستوردة من الخارج ، فالكل احتكار ما دامت النتيجة واحدة وهى لحوق الضرر.
- رابعاً: أن على الدولة أن تتدخل لحماية أفرادها من عبث العابثين ومصاصي دماء الشعوب ، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الاحتكار وإعادة الثقة والطمأنينة إلى نفوس المواطنين” .
التعقيب الأول: أ. جمال ملائكة
سأركز هنا على ما ورد بالورقة الرئيسة حول ضرورة استقلالية مجلس المنافسة و فصله عن وزارة التجارة و الاستثمار أسوة بدول أخرى منها مصر و لا شك أن هذه الاستقلالية ضرورية جداً لضمان الحيادية و النزاهة لأن ما تختص به من مهام أمر يهم المجتمع بكافة فئاته و خاصة الفئات التي سوف تتضرر ضرراً بالغاً من أي عملية احتكارية. و النقطة الثانية و التي قد لا يتفق فيها معي مجتمع الأعمال مع أني أنتمي لهم و هي تساؤل أكثر منه رأي صريح….ألا و هي هل نظام الوكالات بصورته الحالية يمثل نوعاً من الاحتكار ؟ هل الدول المتقدمة اقتصادياً و إدارياً و تنظيمياً لديها نظام مماثل لنظام الوكالات عندنا؟ هل يستطيع التاجر العادي أن يستورد سلع معينة بوجود وكيل محلي؟ و هل هذا نوع من الاحتكار؟ أتذكر قبل سنوات عديدة شكوي العديد من المواطنين لارتفاع أسعار السيارات مقارنة حتي بأسواق خليجية و كذلك سوء أعمال الصيانة و قد يقول قائل أن هناك أنواع عديدة من السيارات و بالتالي يستطيع المستهلك أن يختار أي نوع يعطيه قيمة ما دفعه من مال و بالتالي لا دخل للاحتكار هنا. و لكن المشكلة هي أن كثير من هذه السيارات هي أنواع “يرغبها” المستهلك مثله مثل أي مستهلك آخر في دولة أخرى، فلماذا يواجه هذه المشكلة في بلادنا و يضطر إلي شراء نوع آخر لا يرغبه ؟ و قس على ذلك سلع أخرى مثل الأجهزة المنزلية و الإلكترونية و حتي بعض أنواع المواد الغذائية و الاستهلاكية الأخرى الخ. أعتقد أن الاحتكار قد يمتد مفهومه ليشمل:
- التأكد أن الوكيل المالك لوكالة عالمية لا يغالي في سعره مما يضر المستهلك.
- أن تكون خدمات ما بعد البيع على مستوي عالٍ من الجودة و سرعة الخدمة و تلاؤم قيمتها مع ما نلمسه عالميا.
النقطة الأخيرة هي ما لاحظته في كثير من الدوائر الحكومية و الوزارات و هي عدم وجود تنسيق شامل متكامل لعديد من الأمور، فهل نظام المنافسة تم التشاور بشأنه بصورة شاملة ؟ و الدكتور ال تويم أشار إلى دراسات هامة لم يؤخذ بها؟ و قد قرأت اليوم أن وزير التجارة و الاستثمار وجد تعريف “المنشآت الصغيرة و المتوسطة” (يختلف) في ثلاثة جهات حكومية !!! كما أتساءل هل يتم كذلك التشاور مع من يهمه الأمر من رجال أعمال و مواطنين (مجلس الشوري مثلا) و الجامعات التي تعج بذوي الخبرات و الدراسات لمثل هذه النظم؟
التعقيب الثاني: د. نوف الغامدي
إن التشريعات التي تنظم المنافسة وتمنع الاحتكار أصبحت علامة بارزة لأي نشاط اقتصادي ناجح ومتقدم ويهدف إلى النمو، ويعود ذلك إلى أهمية منع ومكافحة عمليات المنافسة غير المشروعة وعمليات الاحتكار وأثر ذلك الإيجابي على التطور الاقتصادي.
المنافسة الاحتكارية Monopolistic Competition
تعتبر كل من المنافسة الكاملة و الاحتكار التام الحالات القصوى التي يمكن لأي سوق الوصول لهما. و فيما بين هذين الشكلين من أشكال السوق، توجد أشكال أخرى و التي – إلى درجة معينة- تجمع بين خصائص كل من سوق المنافسة الكاملة و سوق الاحتكار التام لكن بصورة وسطية.
هناك منافسة كاملة ، واحتكار تام، ومنافسة احتكارية فمثلاً:
- عدد المنتجين في المنافسة الكاملة كبير، ومنتج واحد في الاحتكار التام، أما في المنافسة الاحتكارية فهو متوسط.
- حرية الدخول والخروج في المنافسة الكاملة (حرية كاملة) أما في الاحتكار التام فهناك عوائق مانعه للدخول، وحرية تامة في المنافسة الاحتكارية.
- الأرباح: فقط في المدى القصير بالنسبة للمنافسة الكاملة، وفِي المدى القصير للاحتكار التام، والمدى القصير للمنافسة الاحتكارية.
- الأسعار: في المنافسة الكاملة تكون الأقل سعراً، والأعلى في الاحتكار التام، ومتوسطة في المنافسة الاحتكارية.
- الكمية المنتجة: تكون أكبر كمية في المنافسة الكاملة، والأقل في الاحتكار التام، ومتوسطة في المنافسة الاحتكارية.
- نوعية السلع: في المنافسة الكاملة تعتبر بديل تام ومتجانسة ، أما في الاحتكار التام فهي سلعة فريدة ولا توجد بدائل قريبة، وفِي المنافسة الاحتكارية تكون متشابهة لكنها غير متجانسة.
- منحنى الطلب: في المنافسة الكاملة يكون لا نهائي المرونة وأفقي، أما في الاحتكار التام فهو سالب المرونة، وأيضاً سالب المرونة ولكنه. أكثر مرونة من الاحتكار في المنافسة الاحتكارية.
- منحنى العرض؛ يكون الجزء الصاعد أعلى من سعر الإغلاق في المنافسة الكاملة، ولا يوجد منحنى عرض الاحتكار التام، أما في المنافسة الاحتكارية ينتج فقط عند تعظيم الأرباح أي عند التوازن.
المنافسة الاحتكارية والمنشآت المتوسطة والصغيرة:
يقوم سوق المنافسة الاحتكارية بين مجموعة من البائعين الذين يتنافسون على بيع منتج متمايز في السوق كما تتوفر إمكانية دخول بائعين جدد إلى السوق, وعموماً يتميز سوق المنافسة الاحتكارية عن غيره من الأسواق بما يلي:
- وجود عدد كبير من المؤسسات الصغيرة نسبياً في السوق: ( ليست متناهية في الصغر ) ولديها نفس الحصة من طلب السوق كما أن منتجاتها ليست متماثلة. وهنا تكون الحصة السوقية لكل مؤسسة منافسة أكبر نسبياً مما هي عليه في سوق المنافسة التامة ولكنها لا تتجاوز أكثر من (1%) من مجمل طلب السوق.
- أن السلعة التي يوفرها كل بائع لا تعتبر بديلاً كاملاً للسلعة الأخرى المنافسة فهي سلع متشابهة ولكنها ليست متجانسة : فكل سلعة لها خصائصها النادرة المميزة عن بقية المنافسين وهي تدفع رغبات وميول المشترين لشراء السلعة أكثر من السلع الأخرى في السوق.
- لا تأخذ المؤسسات في السوق ردة فعل المنافس في الجوانب السعرية أو حجم الإنتاج. وذلك لأن هناك عدداً كبيراً نسبياً من المؤسسات في سوق المنافسة الاحتكارية, ويعتقد المنظمون أن ردود أفعالهم لن يكون لها أي دور في تخفيض الحصة السوقية للمنافسين.
- حرية الدخول والخروج للمؤسسات الجديدة إلى السوق. ففي سوق المنافسة الاحتكارية تسهل عملية الدخول إلى السوق لتأسيس مؤسسات جديدة, لكن قد يكون الخروج غير ممكن بالدرجة نفسها التي يسمح بها سوق المنافسة التامة. إن حرية الدخول تعني توفر عناصر الربحية الجاذبة للبائعين الجدد , وعلى المدى الطويل يعمل توفر هذه الأرباح على زيادة عرض السلعة , مما يوجد ضغوطاً انكماشية على السعر و الأرباح بالانخفاض.
- ليس هناك حافز أو فرصة بين المؤسسات القائمة للاتفاق أو التعاون فيما بينها على تخفيض حدة المنافسة بينها : فهذه المؤسسات لا تشترك مع بعضها لتثبيت الأسعار بهدف زيادة أرباحها , كما أنها لا تستطيع تقييد دخول مؤسسات جديدة إلى السوق ومنعها من الاستفادة من الفرص الربحية المتاحة في السوق.
- أهمية المنافسة غير السعرية في أسوق المنافسة الاحتكارية : يشكل تمايز المنتج علامة فارقة في أسواق المنافسة الاحتكارية , وفي بعض الحالات تتحمل المؤسسات تكاليف أخرى لإضافة خصائص نادرة على المنافسين أيضاً , كما تتميز أسواق المنافسة الاحتكارية بربط منتجاتها بأسماء أو ماركات معينة والاستمرار في تطوير وتحسين السلعة . وتساهم هذه التحسينات في تمكين السلعة من المنافسة وتخفض من السعر نفسه كما تحقق معدلات من الأرباح مؤقتاً قبل أن تقوم المؤسسات المنافسة في السوق بتقليد السلعة أو دخول مؤسسات جديدة تمتلك مواصفات السلعة نفسها.
وحسب مشروع «نشر ثقافة المنافسة» الذي أطلقه مجلس المنافسة فإن الشركات المملوكة بالكامل للدولة مستثناة من أحكام نظام المنافسة ذلك أن الضرر غير متصور أن يقع من الشركات الحكومية ضد المجتمع، أما العقود الاحتكارية التي تكون الأندية الرياضية وشركات الإنتاج المختلفة طرفًا فيها وإن كانت لا تضر المنافسة فلم يبين المنظم الموقف تجاهها.
في المقابل لم يتطرق النظام في صور الممارسات الاحتكارية إلى ما يعرف عند فقهاء الشريعة “بتلقي الركبان” وهو الشراء قبل الوصول إلى السوق، ولم ترد هذه الصورة في معظم قوانين حماية المنافسة وكنا نتمنى لو أن المنظم السعودي أضاف مثل الصورة ليكون له السبق في إثراء مثل هذه القوانين، وأن هنالك الكثير من الممارسات الاحتكارية في الأسواق يتم فيها البيع والشراء وفق هذه الصورة، ومن ذلك شراء منتجات وسلع وهي في عرض البحر أو الجو، إن الحكمة في تجريم تلقي الركبان واضحة وجلية في المحافظة على أسعار السلع والمنتجات ذلك أن سوقها هو المكان المناسب لتحديد سعرها.
التواطؤ الضمني: هو تفاهم صامت غير متفق عليه بين الشركات وهو مؤشر خطير.. فسوق المنافسة يتميز بعدم استقرار الأسعار كرد فعل طبيعي لاختلاف العرض والطلب واختلاف تكلفة المنتج وتوحد الأسعار تقريباً يعتبر دلاله خطيرة على التواطيء وهو ما يسمى باحتكار القلة وهذا قد يكون الآن من السيناريوهات التي يعيشها الاقتصاد السعودي نتيجة التغيرات الاقتصادية الأخيرة.
المداخلات حول القضية:
- الأشكالات ذات الصلة بحماية المنافسة ومكافحة الاحتكار
أوضح د. حميد الشايجي أن تحرير المصطلحات أمر مهم؛ فلكل مصطلح ولكل مفهوم دلالاته؛ فكلمة احتكار لها مدلولاتها وإسقاطاتها وانعكاساتها في أذهان الناس، فهناك صورة ذهنية نمطية ترتبط بهذا المصطلح وهي الآثار السلبية للاحتكار على الفرد والمجتمع.
ومن المتعارف عليه أن احتكار سلعة أو خدمة ما يلغي التنافس ويعطي فرصه للتحكم في سعر هذه الخدمة. وعادة ما يرتبط الاحتكار بالجشع، فيتم استغلال حاجة الإنسان لهذه السلعة أو الخدمة ويتم التحكم في أسعارها.. مثل تحكم بعض التجار بأسعار الأقنعة المضادة للغازات السامة في حال الحروب والرفع من أسعارها. وهذا يتنافى مع كل القيم الأخلاقية، ففي مثل هذه الأحوال لابد من تدخل الدولة لحماية المستهلك.
وأوضحت د. نوف الغامدي أن المحتكر حسب النظرية الاقتصادية هو المنتج، والمحتكر في الفكر الإسلامي هو المضارب، حيث يستثنى من ذلك المنتج الذي ينتج السلعة بنفسه والمستورد الذي يجلبها من الخارج إلى السوق، فالإسلام يشجع المرء على الكسب بيده، ويشجع على الإنتاج والضرب في الأرض طلباً للرزق.
وفي نفس الوقت هو استغلال حاجات الآخرين، وبيعهم حاجاتهم بأكثر من قيمتها المعروفة، وهو ما يسمى في الفقه “بيع المضطر” وهذا منهي عنه.
والممارسات الاحتكارية لها أشكال كثيرة منها: عمليات حرق الأسعار التي تندرج تحت إطار بيع السلع بأسعار تقل عن سعر التكلفة لخلق وضع احتكاري بالسوق. بهدف القضاء على صغار المنافسين الذين لا يستطيعون الصمود والاستمرار.
والاندماج والاستحواذ نوعا آخر من الأشكال الاحتكارية بحيث تقوم مجموعة من الشركات المتنافسة بالاندماج معا، أو أن تستحوذ إحدى الشركات على البعض الآخر بشراء أسهمها أو ملكيتها. وقد يكون من الضرورة القيام بمثل تلك الخطوات حتى تتم غربلة السوق وقيام كيانات أكبر ذات قدرة إنتاجية وتسويقية أضخم، بما يسمح بالوصول إلى الحجم وزيادة الكفاءة الإنتاجية والتسويقية والإدارية؛ وهو ما يدعم قدرة الشركات الوطنية على مواجهة الشركات متعددة الجنسيات. ولكن يجب ألا يكون على حساب المستهلك.
وفي تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإن الاحتكار الاقتصادي أو التجاري هو مسلك يصعب التخلص منه بشكل نهائي ، والأسباب متعددة ، فهناك منتجات اقتصادية قد لا تكون ميسرة لأي جهة كانت أن تقوم بها ، سواء من ناحية القدرة المالية أو الكفاءة الإدارية.
إلا أن ذلك الأمر لا يمكن أن يكون ممتد لأزمنة مديدة ، بمعنى أنه يفترض أن يكون الاحتكار إن رؤي منه منفعة اجتماعية واقتصادية أن يكون لمدة أو لمدد يحددها صاحب القرار كي لا ينعكس الأمر سلبا على الوطن .
والسؤال المطروح: ماهي المنفعة أو المضرة من نشؤ منشآت حكومية أو خاصة تحتكر في نشاطها منتج أو منتجات بالإمكان أن تتشارك جهات عدة جهات في ذلك الإنتاج ، كي تظهر روح المنافسة المطلوبة التي يخرج منها منتج منافس وأسعار في متناول الجميع .
علم الاجتماع الاقتصادي هو علم من أحد فروع علم الاجتماع، والذي يجمع بين الظواهر الاقتصادية وبنية المجتمع. وهنا تأتي مسألة الاحتكار أو حتى ما يسمى بالوكالات الحصرية ، وهنا لابد أن نقف أمام ما يضر المجتمع اقتصاديا كون أن الاقتصاد عصب الحياة الاجتماعية. فهل الاحتكار كله مضرة، أم أن توازن القوى بين ظاهرة الاحتكار وبين ما ينفع الناس هو الأمر المفترض تقريره.
وأشار د ناصر آل تويم فيما يتعلق بمدى استقلالية مجلس المنافسة؛ إلى أن مجلس المنافسة وفقاً للنظام مستقل ولا يتبع أية جهة حكومية أخرى وإن كان مجلس إدارة المجلس يرأسه وزير التجارة وهذا ما يؤخذ عليه بحكم الوزير معني بدعم التجارة والتجار ، وقد نصت المادة الثامنة من النظام على أنه “ينشأ مجلس مستقل يسمى مجلس حماية المنافسة يكون مقره وزارة التجارة والصناعة ويتكون من :-
- وزير التجارة والاستثمار الصناعة سابقا رئيساً
- ممثل عن وزارة التجارة عضواً
- ممثل عن وزارة المالية عضواً
- ممثل عن وزارة الاقتصاد والتخطيط عضواً
- ممثل عن الهيئة العامة للاستثمار عضواً
أربعة أعضاء من ذوي الخبرة والكفاية يختارون لذواتهم ويرشحهم الوزير.
ويعتبر الاتجاه الغالب في دول العالم هو فصل جهاز المنافسة عن باقي الوزارة والهيئات الحكومية لضمان قيامه بواجباته المناطة به.
وفيما يتعلق بالوكالات التجارية؛ فلا شك أن المشهد الغالب يؤكد بأن الوكالات التجارية هي نوع من أنواع الاحتكار، وأن نشاط الوكالات التجارية يتعارض مع مبادئ منظمة التجارة العالمية بشكل عام ومع مبادئ اتفاقيات التجارة الحرة، وأن نتيجة احتكار بعض التجار أو الشركات للوكالات التجارية حول فئة منهم للثراء الفاحش ومنع صغار المستثمرين من الدخول بالسوق أو استيراد بعض المنتجات المصنفة ضمنا للوكيل الحصري، فنجد أن العديد من الوكلاء الحصريين يسيطر حصرياً على حق الاستيراد والتوزيع والصيانة وقطع الغيار، مما يعطي لهم هيمنة اقتصادية فيما يخص تلك العلامات ويمنحهم الفرصة لاحتكار السلع والتحكم التام بالسوق من قبل الوكلاء خاصة بالنسبة للمنتجات الرئيسية مثل السيارات والأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية، وهو ما يضر بالمنافسة الحرة الشريفة وخضوع المستهلك لسلطة الوكيل الحصري ويتعارض مع حق المستهلك الخاصة بإمكانية الحصول على السلعة المنشودة من أكثر من مصدر.
وذكر أ. مسفر الموسى أنه وعلى مستوى المجتمع المدني.. فإن الصحافة قد تقوم بدور كبير في كشف عمليات التحايل والاحتكار.. ولكن هناك مجموعة من العوائق أمام الصحافة في هذا المجال منها:
- عوائق الإعلان:
فمعروف أن الشركات الكبرى هي الأقدر على ممارسة الاحتكار لنفوذها وقوتها المالية.. وهذه الشركات تمارس الاحتكار بأشكال متعددة من ضمنها السيطرة على شركات المستوى الثاني التي تعمل معها في نفس القطاع.. سواء في قطاع الطيران أو الاتصالات أو غيره.. هذه الشركات هي وقود الإعلان التجاري في الصحافة.. وبالتالي فهي أحد أهم عوائق الاستقلالية الصحافية عندما تسيطر على اقتصاديات الصحافة أيضا.
- ضعف الخلفية المعرفية المتخصصة:
يعتبر هذا العامل من أهم عوائق ممارسة الصحافة المتعلقة بالمال والاستثمار والاقتصاد.. هذا الثلاثي المعرفي هو متلازمة احتمالية الفساد على مستوى العالم.. وتكمن المشكلة في أن رؤساء التحرير ومن خلال المقابلات الشخصية بالكاد يجدون صحافيين يتمتعون بالحد الأدنى المعرفي بالقوانين المتعلقة بالمجال المالي والاقتصادي ويجهلون الكثير من أساليب التحليل في المجال ذاته.. ولا مناص من حل هذه المشكلة إلا من خلال تفعيل الصحافة المتخصصة من خلال الساعات الاختيارية لطلاب الصحافة والتي قد تخولهم من دراسة ساعات محددة في تخصص المالية والاقتصاد.
- ضعف الوعي بوظيفة الصحافة:
لا يوجد مؤتمرات أو ملتقيات أو جمعيات تعنى برفع وعي الصحافيين بوظيفتهم الحقيقية.. كل الأنشطة تركز على زيادة التحام الصحافة بالمؤسسات.. سواء الحكومية أو الخاصة.. وكأن الخارج عن هذا الفلك له أبعاد مشبوهة أو لديه مستوى منخفض من الوطنية.. مع أن العكس هو الصحيح.
وأشار أ. مطشر المرشد إلى أنه و بالنسبة للأفراد هناك أكثر من ١٤٦٠ فرع للبنوك المحلية تخدم قطاع التجزئة، أما بالنسبة لقطاع الائتمان والتمويل لقطاع الأعمال ، نعم لا يزال هناك حاجه لدخول مزيد من البنوك.
وانتشار الفروع جيد وكان من المفترض أن يكون أحد أهم محركات التنمية المتوازنة من خلال إتاحة التمويل للأفراد وأيضا للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ لكن احتكار عدد قليل من كبار رجال الأعمال لملكية البنوك تسبب في جعل البنوك مربحة لأصحابها فقط .. أي تم احتكار التمويل و أيضا مصادر التمويل ليتم توجيهها نحو مجموعات عائلية معينة ، وزاد الأمر سوء تعاون وزارة المالية ومؤسسة النقد في حماية البنوك .. لذلك لا يوجد لدينا في بلادنا سوق ثانوية للسندات والصكوك…الخ.
وذكرت أ.د فوزية البكر أن السؤال المهم هو: كيف يمكن لك أن تحقق منافسة عادلة في مناخ غير شفاف؟ فضلاً عن أنه لا توجد محاسبة قانونية حول تسريب معلومات معينة قد تفيد أطرافا لتحقيق مكاسب ضد أطراف أخرى؛ لأن هذه المعلومات لا ينظر لها بشكل قانوني بل بشكل مساعدة صديق أو قريب أو الحصول على منفعة شخصية.
إذن كيف يمكن تحقيق منافسة عادلة في ظل ( احتكار ) عائلات ذات ثقل سياسي واقتصادي لمعظم المناشط الاقتصادية ؟ ولننظر كيف تتحكم القوانين مثلا في سوق المال في الولايات المتحدة حتي أن واحدة بشهرة مارثا ستيوارت ( لديها برنامج طبخ مشهور ) سجنت لسنوات لتسريب معلومات أفادتها في تحقيق أرباح في البورصة، وكذلك مثال رئيسة كوريا الجنوبية والقبض على هرم شركة سامسونج وهكذا؛ ففي مثل هذه المناخات القانونية الواضحة سنتحدث عن منافسة عادلة وحماية من الاحتكار.
ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: إن النظام عندنا كله إما يمتطي صهوة الاحتكار أو لا يصنع أو يشجع على المنافسة، وهذا طبعا في المؤسسات ذات النمط الأكبر والأهم بمعني فئة الدرجة الأولى. ولقد حاول الوزير الربيعة كسر بعض هذا الاحتكار لدى بعض الشركات وأغلق بعض فروعها وطبق على بعضها عقوبات فغضبوا غضبا شديدا وكان هناك توجيه فيما يبدو بدعم قراراته، فشعر الناس أن وزارة التجارة مالت إليهم. وكبار التجار بما فيهم من يوصفون اليوم بتجار التراب لا يزالون يريدون أن يمارسوا كل أنماط الاحتكار دون أن يقدموا شيئا يذكر للمجتمع؛ بما في ذلك الذين قدموا هذه الأيام مذكرة التحديات التي تواجه قطاع الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص، والحل هو الشفافية والمحاسبة.
وأشارت د. نوف الغامدي إلى أننا نتحدث عن التنافس والاحتكار في ظل فترة اقتصادية تمر بها المملكة والخليج عامة من ركود اقتصادي. والركود الاقتصادي عادة قد يكون له تأثير كبير في حدة التنافس والاحتكار المتعمد لضمان الربحية ؛ الشركات العائلية تحتكر الكثير من الأنشطة والعلامات التجارية والتنافس بينها كبير ودائماً ما يكون قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة خارج هذه المنافسة خصوصاً أن الشركات العائلية لها خبرة طويلة وقد تعمل بقيمتها الاسمية والمالية أيضا ، كيف نستطيع خلق توازن في بيئة تعتمد على منطق القوة والنفوذ والسلطة ؟!هل التقنية والمنصات غيرت بعض الشيء من هذا الفكر السائد ؟! مثلاً السوق الحرة في المطارات مازالت محتكره ولَم تفتح للمنافسة وهذا ما خلق سوق حرك متواضعة لدينا !! والطيران مازال محتكر والخطوط السعودية تحد من المنافسة لها كما يحدث مع الاتصالات السعودية التي رغم وجود شركات لكنها المهيمنة على السوق !! هل دخول المستثمر الأجنبي له تأثير إيجابي أم سلبي على المنافسة والاحتكار ؟!! والقطاع الطبي كمثال أصبح محتكر من بعض الشركات والذين هم من داخل النشاط وخلق بالتالي بيئة فيها الكثير من الفساد وشهادات الجودة توزع بلا رقابة لعدم وجود منافسة !! وارتفاع التكاليف التشغيلية قد يرفع من التواطيء الضمني والمستهلك هو الضحية، والقطاع الخاص يشتكي لـ”ولي ولي العهد” ارتفاع التكاليف التشغيلية بسبب إجراءات الإصلاح الاقتصادي
والأسئلة التي تفرض نفسها للمناقشة عندما نتحدث عن المنافسة؛ ما طبيعة العلاقة بين فقد المنافسة في الأسواق والفساد في الذمم؟ فقد المنافسة في الأسواق قد يكون لاحتكارات أو شبه احتكارات داخلية، بسبب سياسات حكومية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو نتيجة قيود رسمية على من يسمح له بالاستيراد. وهل يعمل ضعف المنافسة على نشوء الفساد أو أن الفساد ينتج ضعف منافسة؟ من الناحية النظرية، من الممكن أن يسهم كل واحد في نشوء الثاني.
وهناك اهتمام بمعرفة مدى تفسير الفساد بدرجة تدني المنافسة، والتفسير المنطقي في تفسير العلاقة، أن المنافسة تخفض عوائد أو أرباح الأنشطة التجارية. هذا هو الأصل. وهذا الخفض بدوره يقلل قدرة موظفي السلطة الذين لديهم ميول فاسدة، ومهما كانت مناصبهم للحصول على جزء من العوائد. وتبعا لذلك، يفهم أن السياسات الحكومية المقيدة للحريات الاقتصادية تشجع على نشوء الفساد. ولو حاولنا قراءة العلاقة على أساس تأثير مؤشرين آخرين؛ مقياس غير معياري تماما للهيمنة السوقية، والمقصود إلى أي مدى تقع السوق تحت هيمنة عدد محدد من الشركات؟ ورقم قياسي آخر لقوانين مكافحة التكتل، ويقيس فعالية هذه القوانين في مراجعة ومحاربة الممارسات غير التنافسية. وينتهي الكلام إلى أن السوق التي تتصف بأنها أقل تنافسية، تتسم بدرجة أعلى من الفساد، ويأتي ذلك من صناعة بيئة تتيح لموظفي السلطة الحصول على منافع، مثلا، من خلال الرشاوى.
طبعا مشكلة السببية تثار هنا. قد تكون الأمور بصورة عكسية. يغري الفساد القائمين على السلطة لدعم الاحتكار. بمعنى أن الاحتكار صنيعة الفساد وليس العكس. بمعنى آخر. قد تنشأ العلاقة من كون عدد من مسؤولي السلطة قادرين على استقطاع أموال من منشآت تجارية تخضع لسلطة أولئك المسؤولين.
وأضافت أ. مها عقيل أن هناك مجال آخر فيه احتكار واضح وهو قطاع الإعلانات حيث إعلانات الشوارع مقسمة على شركتين فقط، أما مساحات إعلانات التلفزيون والصحف فمحتكرة من شركة لبنانية. ولا ندري كيف يسمح النظام بذلك. وفي هذا الإطار أوضح د. خالد الرديعان أن إعلانات الشوارع تكون بمناقصة عن طريق البلدية، ومن يفوز بها يعطى هذا الحق ويُمنع غيره من مزاحمته لضمان نجاحه.
وذكر م. خالد العثمان أنه و في الحديث عن فتح قطاع التجزئة للاستثمار الأجنبي، مضت الآن أكثر من سنة على الإعلان الرسمي عن هذه الخطوة وما زالت الأسماء الكبيرة المستهدفة بعيدة عن الاستقطاب المأمول .. شركات مثل Apple و Google و Microsoft وغيرها كان يؤمل أن تعلن عن دخولها السوق ولا حراك حتى الآن، ومن ثم يكون التساؤل حول شروط الاستثمار وهل لم تكن جاذبة بما فيه الكفاية أم أن مناخ المنافسة يشكل حاجزا وعقبة أمام مثل هذه الشركات لدخول السوق السعودي؟
وفي هذا الصدد ترى د. نوف الغامدي أن دخول الشركات الأجنبية سيحفز التكتلات المهنية والتحالفات الداخلية وستكون بمجملها قوة تنافسية مع الاستثمار الأجنبي.
وعن الأسباب التي تمنع الشركات الأجنبية من الاستثمار في المملكة بالرغم من كل التسهيلات والتنازلات التي قدمتها الدولة، أشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أنها تتمثل في الأسباب التالية:
- عدم وجود حوكمة في السوق السعودية.
- عدم وجود نظام قانوني منضبط مقنن.
- بطء الإجراءات في بعض الجوانب.
وأشار أ. خالد الحارثي إلى أن قضية حماية المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار، تحمل بين جنباتها الكثير من الأهمية على صعيد الإصلاحات الضرورية واللازمة لبرنامج التحول الوطني وبالذات في المستوى التشريعي والرقابي ؛ وجزء كبير من الأهمية يكمن في أننا نناقش حالة الأهلية في وحدات النشاط الاقتصادي للأسس والقواعد المنظمة للاقتصاد الوطني والتي يمكن إجمالها في التالي:
- أولا: الأهلية لقواعد ومواد نظام العمل من حيث عدد ساعات العمل، ومستويات الأجور، وطبيعة الوظيفة. حيث أن مخالفة أو مطابقة وحدة النشاط الاقتصادي لذلك هي محور فاصل في القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
- ثانيا: مطابقة أو مخالفة مواصفات ومعايير الجودة القياسية في وحدة النشاط الاقتصادي من حيث المساحة الكلية للوحدة والمساحات الجزئية مثل المساحة المتاحة للمتسوق ومواصفات التجهيزات المخصصة لعرض المنتجات والتغليف والدفع ، ومساحة ومواصفات المخصصة للتخزين ، والمساحة ومواصفات التجهيزات المخصصة للتحضير في حالة المطاعم ، والمساحة المخصصة والمواصفات للمواقف والمداخل والمخارج والأمن والسلامة.
- ثالثا: الأهلية النظامية للتراخيص والرسوم الحكومية لوحدة النشاط الاقتصادي وإطارها النظامي ، حيث تخضع أنشطة توصيل الطلبات أو الخدمات الأخرى لمعايير الأمن والسلامة والنزاهة المفترضة ، ومطابقة العاملين للاشتراطات والتراخيص المهنية والصحية والسجل العدلي.
الالتزام بهذه القواعد والشروط تعد فارقا كبيرا في المنافسة وهوامش الربحية والأثر الإيجابي أو السلبي على المجتمع وعلى القيمة المضافة من النشاط الاقتصادي على مستوى الاقتصاد الوطني ، والمشاركة والمساهمة للمواطن في هذه الأنشطة في كثير من القطاعات المهمة من أبرزها قطاع التجزئة والمطاعم والترفيه والضيافة والصيانة والتشغيل . ويسبب بصورة حتمية الإخلال بها شبكات احتكار تتعدد أشكالها وأنواعها وأحجامها ، وتقف حائلا دون المنافسة العادلة ، مما يهيئها لتكون مرتعا خصبا للتستر أو عدم الأهلية لشروط المنافسة وظيفيا أو استثماريا وينتج عنها اختراقات في العمق الاقتصادي الوطني والعمق التنموي ، ومن الأمثلة على ذلك لتتضح الصورة بشكل أكبر :
أ) خلل المنافسة الاستثماري : تمثل التكلفة أساس لنجاح الاستثمار أو تعثره وفشله ومثال ذلك قيمة الإيجار لوحدة النشاط الاقتصادي وملحاقاتها ، وتكلفة أجور وأعداد العاملين ، وبيئة العمل وشروطه ، والقدرة التفاوضية للعاملين. فبالنسبة لمحل بقالة بمساحة 800 متر مربع فإن دراسة الجدوى ستقدم فروق كبيرة بين تطبيق الاشتراطات النظامية الثلاثة المذكورة وبين التحايل عليها ، كما ستقدم فارق أكبر بكثير في حالة التستر.
ب) خلل المنافسة الوظيفية : تمثل الوظائف البيعية والخدمية أكثر من نصف حجم الوظائف في الاقتصاد السعودي حسب إحصاءات الربع الثالث 2016 لهيئة الإحصاءات العامة حيث تبلغ 59٪ من حجم الوظائف الكلي في المملكة ويسيطر عليها غير السعوديين بنسبة تتجاوز 700٪ وذلك بسبب العوامل الثلاثة المذكورة سابقا ، وبالتالي تتضاءل فرص المنافسة بشكل كبير أمام المواطن للالتحاق بأكبر قطاع وظائف مما يعني أن هذا القطاع المدر للثروات محتكر وغير خاضع لأحكام وشروط المنافسة العادلة.
أخيرا ، يمثل القطاع المالي (البنكي) تحديا كبيرا أمام حماية المنافسة حيث أنه محتكر منذ ما يزيد عن 40 عاما ، وتسبب ذلك في احتكار منتجات التمويل والائتمان واشتراطاتها ، وأنتج احتكار معقد بسبب عدم الاختصاص القطاعي في المؤسسات المالية ، وبسبب انعدام التمايز الحجمي حيث أنها مؤسسات مالية عملاقة احتكرت هوامش الأرباح العالية جدا ونسب المخاطر الضئيلة جدا ، كما احتكرت مرجعية التصنيف الائتماني حيث أنشأت هذه المؤسسات المالية (البنوك) جهة وحيدة للتصنيف الائتماني تتحكم بمعايير التصنيف (سمة) دون أي ملكية لجهات أخرى من السوق والاقتصاد. بمعنى أن هذه القلة من المحتكرين فرضت شكل المنتجات واشتراطات الائتمان والتمويل على كافة القطاعات ولم تسمح للبيئات المحلية بتطوير الاحتياجات والاشتراطات وهوامش الربح ونسب المخاطر وأنواعها. وتتسبب هذه الحالة من الاحتكار إغلاق تام لمبادرات التطوير في التمويل والائتمان على حد سواء ، وحجبت بالتالي ظهور مؤسسات التمويل المُخاطرة مثل رأس المال الجريء والملائكي وغيرها من أشكال التمويل الجماعي Crowdfunding ، وأقفلت الأبواب أمام ظهور الاقتصاد التعاوني الذي يعتبر رافدا مهما في معادلة (توزين) المخاطر والتوزيع العادل في الاقتصاد والقيمة المضافة.
- توصيات لضمان حماية المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار
أكد د ناصر آل تويم على أن نظام الوكالات التجارية بصيغته الحالية يحتاج إلى تطوير وإعادة صياغة ولا يلبي خطط الدولة وأهدافها في حماية المنافسة والمستهلك. لذا ولكسر احتكار وكلاء المناطق والوكلاء الحصريين والمساهمة في إيجاد أسعارا تنافسية لكثير من المنتجات الرئيسية، بحيث يراعى في النظام الموازنة بين مصالح التاجر باعتباره الطرف المهيمن وبين المستهلك باعتباره الطرف الضعيف، وذلك من خلال التالي:
- تحديد سقف أعلى لهامش الربح (عمولة البيع) لكل وكيل والاحتفاظ بالمستندات الموضحة للأسعار التي تؤيد عدم تجاوز هذا الهامش.
- اشتراط وجود أكثر من وكيل للعلامة التجارية الواحدة داخل المنطقة، خاصة وأن مناطق ومدن المملكة مترامية الأطراف والتعداد السكاني مرتفع نسبياً بالنسبة لباقي دول الخليج.
- فتح باب الاستثمار الأجنبي في مجال الوكالات التجارية وعدم حصرها على المواطنين ، بما يضمن للسوق السعودي دخول شركات كبرى ذات تنافسية عالية بمنتجات مختلفة، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتوفير منتجات ذات جودة راقية ودقيقة.
- فتح باب الاستيراد للمستهلكين وإجبار الوكلاء على توفير قطع الغيار وصيانة المنتجات المستوردة للعلامة التجارية التي يمثلونها بالمملكة متى ما كان المنتج مطابق للمواصفات السعودية.
- فتح المجال أمام إنشاء شركات لاستيراد السلع والمنتجات لمنافسة السوق المحلي حيث أن غالبية المستهلكين ليس لديهم خبرة أو قدرة على استيراد السلعة بنفسه.
- مراقبة توفير السلع والمنتجات بأسعار تتناسب مع مثيلاتها من حيث المكونات أو المواصفات.
وحول دور مجلس الشورى فهذا النظام يعتبر من أهم الأنظمة التي أقرت من خلاله ولعل من الأمور القليلة التي تحسب لمجلس الشورى هو إقرار هذا النظام…بل إن المجلس في جلسته 36 في عهد الملك فهد رحمه الله هو من اقترح ربط مجلس حماية المنافسة آنذاك برئيس مجلس الوزراء. ويا حبذا أن المجلس يعيد طرح دراسة هذا النظام ويقومه ويقيمه كذلك وفقا لما طرحه المجلس في ذلك الوقت…حيث كان مجلس الشورى في بداياته يتمتع بسلطات تنظيمية ورقابية قد يبدواأانها كانت أقوى مما هو عليه الوضع الحالي رغم التمكين النسبي للمجلس في بعض مواده.
من ناحية أخرى، فإن البنوك تتمتع بوضع مهيمن بل واحتكاري مقارنة بالدول الأخرى ومقارنة بما يحصل عليه من مزايا نسبية بل ومطلقة أسوة بالبنوك الأخرى…وهذا الوضع فعلا محير لأن بنوكنا لا تقدم أي شيء يذكر لمتطلبات المسؤولية المجتمعية. وهذا الاحتكار البنكي يعيق الحراك الاقتصادي والاجتماعي خصوصا في ظل غياب البنوك التنموية المتخصصة…فبنوكنا بنوك للأثرياء فقط. وهناك غياب شبه كامل لبنوك الشعب…فمثلا في أوروبا هناك أكثر من 3800 بنك تعاوني تقدم كافة أنواع القروض الميسرة لكافة طبقات المجتمع. ويا حبذا لو يتم مناقشة الاحتكار الكامل لشركة سمة حيث أن ال credit bureau في الدول المتقدمة تكون متعددة و تسلك متطلبات العدالة في أحكامها ومباشرة مهامها.
وبدوره اقترح أ. جمال ملائكة أن يقوم مجلس الشورى – إذا كان لديه ميزانية للصرف على الدراسات – بعمل دراسات تفصيلية لقطاعات مثل : البنوك/الوكالات/ الصيدلة/سمة/الخ؛ لأن لكل قطاع له ما يميزه من احتكار أو عدمه و بهذه الطريقة يتم طرح الأمر على من يهمه الأمر بطريقة جدية و علمية.
وعقب د. خالد بن دهيش على هذا المقترح بأن المجلس لديه إدارة للدراسات والمعلومات بها مجموعة من الباحثين المفرغين وغير المفرغين.
وأشارت د. نوف الغامدي إلى أن المجتمع المدني يستطيع أن يسهم في حماية المنافسة ومنع الاحتكار من خلال مجالات متعددة، ومنها: إصدار سياسات تعبر عن مصالح مجتمع الأعمال الواسع تهدف إلى حماية المنافسة من أجل تبنيها، ولعب دور محوري في المراقبة ورصد انتهاكات حماية المنافسة، وإصدار مدونات داخلية وأدلة من شأنها التنظيم التطوعي للقطاع الخاص، علاوة على العمل في إطار مستقل عن الجهاز التنفيذي للدولة. كذلك فإن الاندماج والاستحواذ لابد أن يكون بحوكمة واضحة حتى لا يكون على حساب المستهلك مع العلم أنها من الاستراتيجيات التي تساعد على مواجهة الشركات متعددة الجنسيات.
وعقب م. خالد العثمان بأنه ستظل مع ذلك العقبات التنظيمية التي تقف في طريق عمل وتمكين مؤسسات المجتمع المدني مشكلة تنتظر الحل. ومن ثم فنحن بحاجة لعمل مؤسسي في الإطار المدني وليس زخما شعبيا عاما كما هو الحال الآن.
وأوضحت د. نوف الغامدي أن تنظيم الجمعيات وآلياته الجديدة قد يكون خطوة في الطريق الصحيح.
في حين يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه لابد في المرحلة الحالية – والتي ظهرت فيها كيانات اقتصادية قادره على العطاء والمشاركة الاقتصادية للوطن – من إعادة النظر في إلغاء ما يسمى بالاحتكار أو الوكالات التجارية التي قد يرى البعض أن في ذلك ما يوقع الضرر على المستهلك ، سواء في البيع أو خدمات ما بعد البيع ، إلا أن ذلك الأمر لابد أن يستند على معطيات ودراسات تمنح لصاحب القرار المعلومة الحقيقية التي يرى فيها فائدة مجتمعية من عدمه ، قبل اتخاذ قرار يلغي مسألة أو فكرة الاحتكار أو الوكيل الحصري. والاحتكار أو الوكيل الحصري لا يعني بالضرورة أن ذلك سلبيا على الإطلاق ، أو إيجابيا على الإطلاق ، الهدف الأسمى هو قراءة السوق ومعرفة ما تؤول إليه الأمور من ناحية ما يخدم المستهلك ويوفر له الخدمة بسعر منافس وخدمات تتفق والأسعار المقننة من ذلك المحتكر إن صح القول أو الوكيل الحصري.
وأتفق م. خالد العثمان في أهمية الاحتكار أحيانا في المراحل الأولى من نشأة نشاط معين أو اختراع جديد مثلا .. وبراءات الاختراع عموما ترسخ مفهوم الاحتكار لفترة معينة إذ أن المنافسة المنفلتة يمكن أن تضعف فرص النجاح في المراحل الأولية. ويرى أن جزء من المشكلة هو الأثر النفسي لكلمة احتكار.. فهي تفترض مسبقا تمييز جهة ما بحق معين دونا عن الآخرين، وما يقصده د. عبد الله – في الفقرة السابقة – ربما يكون في إطار ما يسمى بالحصرية Exclusivity؛ فالحصرية حق يعطى لجهة ما لاستخدام حقوق التوزيع أو الابتكار أو التشغيل لفترة محددة كما هو معمول به في براءات الاختراع.
وفي تصور م. حسام بحيري فإن اقتصادنا للأسف يدعم الاحتكار أكثر مما يحاربه على الرغم من إصدار عدد من الأنظمة والتشريعات في السابق لإنهاء أو الحد من الاحتكار في سوقنا المحلي ولكن لم يُفعل منها شيئا حتي الآن. كما أن فرض ضرائب استثنائية على الشركات الاحتكارية تسمى “ضريبة احتكار” تفعل بآليات مختلفة حسب السلعة والقطاع سياتي بنتائج إيجابية وفعالة في القضاء على الاحتكار بدلا من أن تنفق الدولة أموال طائلة لإنشاء إدارات تحد من الاحتكار في سوقنا المحلي وتكون نتائجها محدودة. و من حق الدولة فرض مثل هذه الضرائب بصفه استثنائية خصوصا في وقت تطبيق الاستراتيجيات الاقتصادية الجديدة المقبلة.
وأوصى د. خالد الرديعان بضرورة الزام وكلاء السيارات في المملكة بضمان السيارات الجديدة التي ترد من الخليج. وكمثال توضيحي: شخص اشترى سيارة جديدة من دبي ولها وكيل في المملكة؛ هنا يمتنع الوكيل من قبول ضمان السيارة لأن الزبون لم يشتريها من الوكيل في المملكة.
ويرى أ. مطشر المرشد أن القطاع الخاص المحلي يبني قدراته من خلال اختراق السلطات التشريعية و جعل التنفيذيين في القطاعات الحكومية يكيفون التشريعات و بنود العقود وطلبات العروض تنطبق على مقاول محدد أو شركه بعينها. أما عن المستثمر فإنه يبحث عن فرص مربحة وسوف يفعل كبار المستثمرين ما بوسعهم للحصول على صفقات جدا مربحة… ويبقى ما هو غير مربح ويحتاج لجهود واستثمارات كبيره عبء على الموازنة العامة للدولة ، ومن ثم من المهم:
- تحديد أهداف واضحه للخصخصة (بعيدا عن تجميع “كاش” على المدى القصير).
- اختيار وتحديد التشريعات، الرقابة، الإشراف بحيث نتأكد من عدم خروج برنامج الخصخصة عن مساره.
وفي الختام أكد م. خالد العثمان على أن القضية تتطلب تناولا عميقا من الجهات الرسمية والتشريعية بالتمحيص والتخطيط وإعادة الهيكلة وضبط أدوار الجهات ذات العلاقة بها والمنظمة لشئونها. فضلاً عن أن مشكلة آلية التشريع في المملكة أنها في الغالب لا تتيح السبل المناسبة لفهم القضية التي يوضع لها التشريع، ودور هيئة الخبراء تشوبه كثير من المشاكل التي كثيرا ما تخرج أنظمة مشوهة أو قاصرة عن تحقيق الهدف المأمول منها.
المحور السابع
تغيير الخطاب الإعلامي نحو الغرب
الورقة الرئيسة: د. منيرة الغدير
تعليق قصير على القضية:
دعوني أتوقف قليلاً أمام عنوان القضية، “تغيير الخطاب الإعلامي نحو الغرب،” هل خاطب الإعلام السعودي الغرب وخاصة الصحف والمواقع الإنجليزية؟ وماهي درجة التأثير؟ أم أن عبارة “نحو الغرب” تعني صورة الغرب في الإعلام السعودي. وقد وجدت فيها نبرة تشبه ما تنشره الصحف السعودية تجاه الغرب وخاصة أمريكا على الرغم أن عنوانها يحمل كلمة “تغيير.” كيف يتم تغيير “الخطاب” (discourse )
إذا قرأناه بمفهوم ميشيل فوكو حيث تلتقي السلطة والمعرفة، وما الذي يجعل تغييره ممكناً؟ ما هي سمات هذا التغيير وأهدافه وكيف سيتشكل بعيداً عن المسار المعتاد الذي يتأثر بمواقف الحكومات العربية من أمريكا وأحياناً يتم تشكيله بناء على توجيه من هذه الحكومات؟ كما استوقفتني كلمات تحمل نبرة الخوف من خطر قادم من “تصاعد الحركات الفاشية والعنصرية،” “واستهدافهم لنا ولأدياننا وطرق حياتنا.” هذا مثال آخر لا يشير إلى ملامح تحول وخاصة أننا أمام مرحلة تاريخية وتغير سياسي وإعلامي في أمريكا غير مسبوق والذي لا بد من نقله، ترجمته، وتحليله في قنوات الإعلام السعودي المرئية والمكتوبة. أيضا وهذا الأهم أن السؤال المحوري الذي تستهدفه القضية : “كيف نفهم الغرب وخطابهم ؟” وهذا ما سأحاول أن أتطرق إليه هنا وفي النقاش إنشاء الله.
نحن أمام صراع/ أزمة ولها تمثيل (representation) إعلامي استشراقي جديد يركز على المملكة لم يتوقف وسيستمر في الفترة القادمة والقضية الحالية تدعونا لاختصار ما نوقش في العقدين الماضيين في خطة عاجلة.
كلنا نعلم كيف انشغل الأسلاف بالعلاقة بالغرب التي أرهقت الذاكرة العربية منذ عصر النهضة وحتى الآن ورصدتها الدراسات الثقافية وما بعد الاستعمار والأبحاث الإعلامية والسياسية لكن التعثر استمر في عدد كبير من مؤسسات الإعلام العربي الذي لم يستطع:
- فهم الخطاب الإعلامي والثقافي الغربي أو معرفة الإنسان في أمريكا أو أوروبا (أمثلة: القضية الفلسطينية، صور الإنسان العربي المشوهة، أو صورة السعودية وخاصة المرأة بعد الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن).
- فهم دور الرأي العام وتأثيره في صناعة القرار السياسي في الغرب.
لا أريد الالتفات إلى الوراء والأهم هو التركيز على السنوات الخمس القادمة لوضع حلول عاجلة تحقق أهدافاً واضحة عبر إعلام متعدد، مؤثر، وعابر للقارات.
نحن والغرب:
نقدنا للذات جاء في محاولات عدة، وناقشت الأبحاث والمقالات العالم العربي وكيف أنه يئن تحت وطأة الإمبريالية الأمريكية كما فهمها وحللها إدوارد سعيد، بل إن طريقة تحليلنا لذاتنا لم تنعتق من استشراقية فجة نجدها في إعلامنا المكتوب والمرئي والتي تسللت إلى الخطاب الروائي السعودي . قد نتفق على غياب التوازن في فهمنا للأنا أو الهوية وعدم القدرة على فهم الآخر و نقل وقراءة صور الغرب أو أمريكا بالتحديد وذلك لأن الميزان المعرفي، إن صح التعبير، مختل: الكفتان مثقلتان بالصراع، باللامعرفة والغموض ، القلق من الغريب والنمطيات الجاهزة ولم نتعامل أو نتحاور مع الغرب كالند ثقافياً ومعرفياً، بل إنه مازال يجهل جماليات الثقافة / التاريخ / الآثار والتي تشكل صوراً إنسانية عن المجتمع والفرد السعودي. لنتذكر هنا كما ناقشنا في قضايا سابقة، إيران، ماليزيا، وإندونيسيا مع اختلاف الحضور والصور الإعلامية في الغرب، الخ.
أعود لسؤالنا العتيق المتجدد: كيف نتعرف على الإنسان في الغرب وثقافته لكي نتمكن من التواصل معه عبر صياغة خطاب إعلامي متوازن ومؤثر؟ قبل الإجابة، علينا تأمل علاقتين نعرفهما جيداً:
- السعودي يقع في ازدواجية نافرة: الشغف بكل ما هو غربي إلا معرفة الإنسان الغربي وفهم وتحليل ثقافته وحضارته.
- الغرب لا يرى الإنسان في السعودية ولا يعرف حقيقته إلا في أردية نمطية وصور بدائية عنيفة.
وبينهما الأهم وهو الفرق في طريقة التفكير والتحليل.
إذاً فرضتْ علينا القضية الحالية مسارين أحدهما داخلي وآخر خارجي يتجه نحو الغرب؛ لنتوقف أمام هذه الفرضية، فلو قمنا بدراسة صور أمريكا في الإعلام السعودي، وقارناها بما يقابلها من صور للسعودية في الإعلام الأمريكي، فسنكتشف أسباب اللامعرفة و عدم الطرح المتوازن وسنصل إلى بعض الحلول بعد هذه الدراسة النقدية المقارنة؛ ولذلك نحن لا نستطيع إعادة صياغة “الخطاب الإعلامي نحو الغرب” بدون العمل على هذين الاتجاهين. وأضيف إذا كان صُناع القرار الأمريكي وأجهزته تختزل دور المملكة والعالم العربي في أيديولوجيات دينية واتهامات العنف، فعلى الإعلام السعودي وصُناع القرار فيه عدم الوقوع في هذه المصيدة، والتمكن من معرفة وتحليل أسباب هذه الصور السلبية ومناقشة غياب الصور الإنسانية للسعودية والعمل على خلقها وتشكيلها وقد تمت التوصيات في قضايا سابقة لأن هذا أحد الحلول المهمة مهما ظننا بساطة هذا الأمر. كما قد حان الوقت أن يساهم الإعلام السعودي في تشكيل الوعي والرأي العام المحلي بمسؤولية بعيداً عن تفسير ناقص للمواقف الأمريكية، والحد من الأدلجة الواضحة والحروب الإعلامية الخاسرة.
وهذه مجموعة ملاحظات باتجاه توصيات يتم صياغاتها بعد نقاشها وبلورة ما نختار منها:
- رصد الميزانيات للمشاريع والمبادرات الإعلامية المتخصصة وخلق التسهيلات اللوجستية لإنشاء مراكز البحث والمعاهد المهتمة بالدراسات الإعلامية المقارنة.
- تطوير التعددية الإعلامية المرئية والمكتوبة وتنويعها وإثراء مادتها، بدلاً من أن تكون القنوات والصحف شبه توائم بأسماء مختلفة فقط.
- التركيز على الإعلام الجديد وتشجيع الجهود المؤسساتية أو الفردية لإنشاء منصات إعلامية جديدة عابرة للقارات بعيداً عن العزلة الثقافية وخاصة في التحليل وفهم القضايا السياسية.
- رصد المقالات في الصحف الغربية وترجمتها ونشرها في الصحف السعودية والمواقع الإعلامية الجديدة ولا بد أن تنطلق من استراتيجية جديدة لتحقيق أهداف نشر الوعي والمعرفة عن السياسات والثقافات والمجتمعات الغربية.
- تغطية الأخبار السياسية في أمريكا ومعرفة ونقل المعلومات كما يفهمها الرأي العام الأمريكي وليس بتشويهها بسبب فهم خاطئ أو خط سياسي لقناة أو صحيفة سعودية.
- يجب تتبع نشأة وسياق مصطلحات كـ “الفاشية،” و “العنصرية” وكيف يناقشها الإعلام الأمريكي والأوروبي لكي تكتمل الصورة السياسية والتاريخية لدي المتلقي في السعودية ولا يكون ضحية تجييش آخر.
- تصميم مقررات جديدة في كليات الإعلام تطرح وتناقش مواضيع متعلقة بالتطورات الإعلامية والسياسية في الغرب لتعد جيلاً من المؤهلين القادرين على تحليل ونقاش ما ينتجه الإعلام الغربي في كافة المجالات.
- خلق فرص تدريبية لطلاب وطالبات كليات الإعلام في المؤسسات الإعلامية في أوروبا وأمريكا. وأيضا خلق فرص مشابهة لتدريب الصحافيين والصحافيات في المؤسسات الإعلامية في الخارج بشكل منظم ودائم.
- استقطاب الشباب المتخصص/الشابات المتخصصات أكاديمياً في مجالات الإعلام المختلفة وخاصة أن بعضهم درسوا/يدرسون في أشهر كليات وأقسام الإعلام في أمريكا وأوروبا لكي يعملوا في القنوات والصحف الإعلامية السعودية المعروفة ذات الثقل الجماهيري.
- دراسة ومعرفة ما الذي يريد أن يتعرف عليه الإنسان الغربي والذي عادة لم يُطرح فيما قدمته بعض المبادرات الاحتفالية العابرة. إن الغربي يريد أن يفهم، ويعرف بشكل مادي لا علاقة له بضجيج المدائح أو خطاب التظلم؛ الغربي أيضا يريد أن يرى إنسانيتك أولاً لكي يتعاطف ويتماهى معك، وفيما بعد سيتعاطف مع قضاياك.
- القيام بمبادرات إعلامية وثقافية للتعريف بالجانب الإنساني للمجتمع السعودي بكل أطيافه وفئاته والجماليات الموجودة فيه.
- العودة لقضايا منتدى أسبار السابقة والتي كانت مرتبطة بهذه القضية وترتيب الطرح لصياغة تقرير وتوصيات محددة تركز على هذه القضية تفادياً لتشظي الأهداف المستقبلية المرجوة منها.
وأخيراً، ليتنا نتوقف أمام مميزات المنتج الإعلامي والثقافي والتعليمي الغربي والتي تركز على السرعة، الإنجاز، الإتقان، والاستدامة. وبلا شك نستطيع تطبيق كل هذه المميزات إذا اجتمعت الإرادة مع الإدارة.
التعقيب الأول: م. حسام بحيري
لاشك في ذهن أي مطلع على أسلوب تعامل المؤسسات الإعلامية الغربية مع المملكة العربية السعودية تحديدا بأن هذه المؤسسات تناصبنا العداء المطلق وتشن حرب إعلامية شعواء ضدنا منذ ما قبل أحداث سبتمبر ليس فقط بسبب الإرهاب ولكن لأنهم يعتبروننا مملكة الظلمات الآتية من القرون الوسطى والتي لابد من ترويضها وتمكنوا من ترسيخ هذه النظرة في أذهان شعوبهم بشكل مطلق عن طريق إتباع سياستين معروفتين في إعلامهم تُمارس مع عدد من الدول تاريخيا، الأولى هي التلقين أو Indoctrination والسياسة الأخرى المغيبين عنها هي علم إدارة التصور أو perception management
وتعريف علم إدارة التصور هو اتخاذ إجراءات لنقل أو/ ونفي المعلومات والمؤشرات المختارة للجمهور الأجنبي للتأثير على عواطفهم، ودوافعهم والمنطق الموضوعي فضلا عن استهداف أنظمة الاستخبارات والقادة على جميع المستويات للتأثير على التقديرات الرسمية، مما يؤدي في نهاية المطاف في التأثير على السلوكيات والمواقف لتتطابق مع أهداف منشئ الإجراءات بطرق مختلفة، وإدارة التصور تجمع بين الحقيقة والإسقاط، وأمن العمليات، والتغطية والخداع والعمليات النفسية.
لمعرفة كيفية عمل الإعلام الغربي في إدارة سياسة علم التصور عن المملكة العربية السعودية من المهم إلقاء الضوء على الأفراد العاملين به الصحفي الغربي عامة شخص يتمتع بذكاء قوي وحاصل على تعليم جيد إن لم يكن ممتاز غالبيتهم العظمي تنتمي إلى مدارس فكر وسياسة ويتبعون أيدولوجيات واضحة ولهم حس وطني قوي بغض النظر عن اتجاههم السياسي يعتبرون أنفسهم حماة القيم الغربية الديموقراطية في مجتمعاتهم ولا يعولون على السياسيين في حماية قيمهم لأنهم فاسدين من وجهة نظرهم وهم على الرغم من اختلافاتهم المتعددة يقفون قلبا وقالبا ضد أي موضوع خارج حدود بلادهم ونستطيع أن نرى ذلك في تغطيتهم لأي موضوع يتعلق بالسياسة الدولية فجميع وسائل إعلامهم تتفق أن بريطانيا حليفهم الأهم والصينين الند الاستراتيجي والمكسيكيين كسالى كمثال ولا نرى أي وسيلة إعلامية تشذ عن هذه القاعدة بنشر مقالات أو تحقيقات مغايره للنظرة العامة عن دولة ما ونادرا ما نرى اختلاف في وجهات نظرهم نحو أي موضوع أجنبي خصوصا عند الصراعات, أنا لا أريد أن أتطرق للأسباب التي أدت بهم لمعاداتنا لأنها غير مهمة في نظري فإذا كان هناك فرضا أخطاء اتبعناها معهم أدت إلى أحداث مؤسفة لهم مؤخرا فالغرب له أكثر من قرن من الزمان وهو يرتكب أخطاء كارثية وقاتلة في حقنا أدت حتى اليوم إلى تدمير وتشتت وشرذمة العالم العربي وتسبب بصورة مباشرة وغير مباشرة في قتل الملايين من العرب والمسلمين فموتاهم ليسوا أفضل من موتانا.
من الصعب استهداف جميع وسائل الإعلام الغربية في التعامل لأننا سنحتاج إلى بنية إعلامية ضخمة وقادرة على التعامل مع الغرب وهذا أمر جدا صعب لافتقارنا للبنية الإعلامية المناسبة, باعتقادي الشخصي أن أفضل طريقه للتعامل مع الإعلام الغربي هو أن نستخدم نفس معاييره, الأسلوب الدفاعي التي اتبعناه في السنين الماضية لم يأتي بأي نتائج إيجابيه وفشلنا في نقل حقائق بديهية عن أنفسنا ومجتمعاتنا بالإضافة إلى أن الغرب بسبب مشاكله مع الهجرة دخل في مرحلة سياسية يمينية هدفها المواجهة وليس المهادنة. دفاعنا لابد أن يتحول إلى هجوم وإتباع سياسة مماثلة وذلك بتسليط الضوء على تبعات سياساتهم الكارثية في منطقتنا التي تسببت في انتشار التطرف والإرهاب. نحتاج أن نذكر العالم أن سياساتهم هي السبب في انتشار التطرف والإرهاب وليس معتقداتنا, باعتقادي الشخصي أن إتباع أي سياسة مهادنة مع الإعلام الغربي هو اعتراف ضمني بما ينشروه عنا ويعتبر استسلام وسنخسر أنفسنا أمامهم للابد, لابد من المواجهة وتسليط الضوء على الحقائق الموجودة وما أكثرها لا نحتاج إلى اختلاق قصص وهمية هناك عدد من الخطوات ممكن إتباعها حاليا في إعلامنا العربي مماثله لما يتبعه الغرب معنا وممكن أن تحقق نتائج إيجابية مثل التركيز على الوعي الاقتصادي للمواطن وحقيقة أنه من الأفضل أن يتجه المواطن إلى تقليل الاعتماد على شراء منتوجات الدول التي تتخذ سياسات معادية ضدنا وهذا مشروع خاصة أنهم في الغرب حيث نجدهم يطالبون سياسيهم بالتقليل من شراء منتوجاتنا وتقليل اعتمادهم علينا, لما لا يكون لنا نفس الاتجاه إعلاميا؟ التركيز على الوعي الاقتصادي للمواطن سيكون له ردة فعل سريعة و إيجابية لأن الشركات الغربية هي التي ستتخذ إجراءات تصب في مصلحتها لضمان حصص أسواقهم الكبيرة في اقتصادنا مثل القيام بالمؤتمرات والدعايات وورش العمل لإظهار الجانب الإيجابي عن مجتمعاتنا داخل بلدانهم لا تنسى أن الاقتصاد اليوم في الغرب هو محرك السياسة.
من جانب آخر لابد أن يتوقف إعلامنا عن نشر أي معلومات إيجابية عن دولهم ومجتمعاتهم والتركيز على الأخبار السلبية أسوة بما يفعلون لماذا نقوم بدعايات إيجابية عن مجتمعاتهم وطرق حياتهم وكأن إعلامنا يقول للمواطن أن المعيشة في الغرب هي الحلم والهدف الأمثل, الإعلام الغربي لا ينشر إلا معلومات سلبية عنا وعن مجتمعاتنا ويتجاهلون عمدا أي إنجازات حققناها في حياتنا وكأننا أمساخ لا دور لنا في الحياة ومسؤولياتها.
أكبر اتهام يوجه لنا من الغرب هو الإرهاب ومساندته, لماذا لا يلقي إعلامنا الضوء على الإرهاب الذي يمارس من الغرب منذ عقود حقيقة أن عشرات الآلاف من مواطني الدول الغربية الصهاينة يلتحقون بالجيش الصهيوني لقتل العرب والمسلمين والسؤال: ما هو الفرق بين مسلم يلتحق بداعش لقتل اليهود والنصارى ويهودي متطرف يلتحق بجيش العدوان الصهيوني لقتل العرب والمسلمين؟, لماذا يحاسب المسلم ويجرم ويوصم بالإرهاب والآخر يرجع إلى بلاده سالما غانما بدون أي ملاحقات قانونيه أو جنائية لقتله عرب ومسلمين لأسباب دينية بحتة؟ بل يمجد ويصل إلى أعلى المناصب السياسية في بلاده مثل كبير موظفي البيت الأبيض الأمريكي في عهد أوباما رام إيمانويل الذي فضل الالتحاق بالجيش الصهيوني أثناء حرب تحرير الكويت عوضا عن الالتحاق بجيش بلاده أثناء نفس الحرب, هذه الحقائق ستساعدنا في إضفاء بعد آخر للصراع العربي الصهيوني ورفع مستوى حدة الخطاب الإعلامي وتسليط الضوء علي أن الأيدولوجية الصهيونية لا تختلف عن أيدولوجية داعش الفرق الوحيد أن الصهيونية نجحت في إنشاء كيان داخل أراضينا وأصبح واضح أن مساندة الغرب العمياء للصهيونية ليس لها أي دخل في حماية “الديموقراطية” الوحيدة في الشرق الأوسط حسب ما يدعون بل اتضح لنا الآن أن إنشاء كيانات أو دول لأسباب دينية بحتة هو الخطر بعينه لأنها ستجذب متطرفي العالم إليها وستمارس العنصرية والتفرقة بشكل افتراضي.
متي سننجح إعلاميا على الصعيد الداخلي؟ عندما نرى الشعوب العربية تتلقى معلوماتها من وسائل نشر عربية ولكن للأسف هذا الأمل مازال بعيد المنال في عالمنا العربي لأن معظم وسائلنا الإعلامية بدائية مجرد أبواق إعلامية مهمتها الرئيسة تلميع صورة الأنظمة العربية، تفتقد البنية الأساسية السليمة التي يكون لديها القدرة على جلب انتباه الجماهير العربية إعلاميا والتخاطب معها بحيادية ومصداقية وشفافية لتواجه الإعلام الغربي وتفقده مصداقيته في نظر المشاهد العربي, استقلالية الإعلام هي أهم اتجاه نتخذه في مواجهة الإعلام الغربي ونحتاج إلى سنين طويلة لإعداد الوسائل المناسبة لمواجهتهم، حتى لوكان لدينا الإمكانات الإعلامية حاليا لا توجد لدينا الأيديولوجيا المحركة ولا الاستراتيجية المرسومة التي ممكن أن تتبعها وسائلنا الإعلامية مجتمعة لمواجهة الإعلام الغربي. نحن اليوم في أمس الحاجه لبلورة أيديولوجيا عربية ينبثق منها مواقفنا الموحدة تجاه الغرب بدون النظر إلى مصالح الدول الشخصية إنما إلى مصالح أمتنا العربية, الإعلام الغربي يوجد لديه هذه الأيدولوجية الموحدة وهذا سبب تفوقه علينا.
التعقيب الثاني: د. إبراهيم البعيز
علاقتنا مع الغرب لم تكن في يوم من الأيام علاقة طبيعية ومتوازنة، فهي أقرب ما تكون إلى ما يصفه عالم الاجتماع النرويجي جون جولتنج، علاقة إمبريالية، ويحدث ذلك حين تكون العلاقة بين الدولتين مقتصرة على العلاقة بين الحكومات، دون أن يكون هناك علاقات منتظمة وقوية بين مؤسسات الدولة (مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية). فعلى الرغم من تاريخية تلك العلاقات مع الغرب والتي تمتد لأكثر من سبعين سنة، إلا أنه لم يتزامن معها علاقات ثقافية قوية يمكن التعويل عليها.
اتفق مع الدكتورة منيرة في أهمية تلك التوصيات التي انتهت بها ورقتها، لكني أخاف من أنها ستبقى في منطقة “سهولة القول وصعوبة التنفيذ easy said than done”.
أعتقد أن تلك الإشكالات التي نعاني منها في تواصلنا الثقافي مع الغرب ما هي إلا ثمرة طبيعية ومتوقعة لعدم جديتنا في بناء مؤسسات مجتمع مدني قادرة على التواصل مع نظيراتها في مشارق الأرض ومغاربها.
المشكلة ليست في علاقاتنا الحكومية مع الغرب، فالحكومات الغربية تعمل بإدراك لمصالحها السياسية والاقتصادية. ولو استعرضنا كثيرا من الإشكالات والأزمات مع الغرب، لوجدنا أنها لم تكن في يوم من الأيام مع الحكومات بل مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر. والتواصل مع هذه المؤسسات يتجاوز بكثير العمل الإعلامي بشكله التقليدي (الدعاية الحكومة Gov. Propaganda). ومن هنا يمكن القول بأن المشكلة ليست في تغيير الخطاب بقدر ما تكون في تغيير الأسلوب والمنهج.
إننا بحاجة ماسة إلى الاستفادة من تجارب دول (مثل بريطانيا وألمانيا وتركيا وإسرائيل وكوريا، والقائمة تطول) سبقتنا في الدبلوماسية العامة (الدبلوماسية الشعبية كما يسميها البعض). هناك أكثر من تعريف للدبلوماسية العامة، إلا أن هناك اتفاق على ضرورة تجاوز الأنشطة الاتصالية استهداف المؤسسات الحكومية، لتشمل مؤسسات المجتمع المدني، وبما يمكن من الوصول إلى كافة شرائح المواطنين بمختلف فئاتهم ومستوياتهم في هرم صناعة القرار.
من ناحية أخرى، أعتقد أننا لن نستطيع أن نغير في خطابنا الإعلامي نحو الغرب، ما لم نحث الخطى في مشروع تغيير خطابنا الداخلي. نحن الآن في زمن التواصل وذوبان الحدود الثقافية والسياسية، ولم يعد هناك من مجال لفصل الخطابين (الداخلي والخارجي) عن بعضهما البعض.
المداخلات حول القضية:
- واقع الخطاب الإعلامي الراهن الموجه للغرب
قالت أ. إيمان الحمود: إن الاقتراحات التي طرحتها الورقة الرئيسة فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي الموجه للغرب، تبدو براقة ولكن على الورق لأنها قد تكون صعبة التطبيق في ظل غياب استراتيجية حقيقية نحو إحداث التغيير في لغة الخطاب؛ فمع الأسف كل ما يتم صياغته حاليا من خطاب إعلامي سعودي هو على الصعيد الرسمي و هو عبارة عن حملة علاقات عامة .. والغربيون يعرفون ذلك لكنهم يحاولون التواجد في كل مناسبة تنظمها المملكة من باب الفضول لا أكثر ولا أقل ، علهم يعرفون المزيد عن السعودية ، في أكثر من مناسبة حضرتها تم توجيه أسئلة تنم عن جهل كبير جدا بالسعودية وعن صورة رسمتها مخلفات أفلام هوليوود مع مجموعة من الأخبار وقصاصات الورق المجمعة من هنا وهناك. لكن السؤال الذي يطرح هنا .. لماذا يتم التركيز على السعودية فقط و تجاهل دول أخرى مثل إيران لا يقل ما يحدث بداخلها من تجاوزات بنظر الغرب عما يحصل في السعودية ؟! ما نوع الخطاب الذي استطاعت من خلاله طهران تحسين صورتها إلى هذا الحد ؟!
وأوضح م. حسام بحيري أنه على الرغم من اختلاف علاقاتنا مع الدول الغربية والكثير منها استفادت من علاقاتها معنا ولنا سجل ناصع في احترام الدول والتعاون معها على المستوى الدولي ؛ إلا أن ما نراه هو إعلام موحد ضدنا يركز على السلبيات وتطبيع صورة نمطية سيئة وهذا ليس بصدفة؛ هناك توجه وسياسة واضحة للإعلام الغربي في التعامل مع المملكة لا يمكن تجاهله. هناك جمله دائما يرددها الغربيين الذين يزورون مملكة لأول مرة وهي “السعودية ليس بالسوء الذي توقعته” سبب هذا التفكير نابع من التركيز على تصويرنا بصورة سلبية بغض النظر عن الحقائق. هي ليس بمؤامرة ولكنها سياسة تتبع ضدنا وحان الوقت لمواجهتها.
ويرى أ. عبدالرزاق الفيفي أنه قد يكون من أسباب تنميط صورتنا السلبية عند الغرب الخطاب والممارسات الإعلامية من بعض من يحسب على الإعلام السعودي بوجه عام. كما أن من إشكالاتنا في تكوين الفهم والوعي الصحيح بالخطاب المناسب للغرب هو افتقادنا في بيئتنا الإعلامية المحلية لاحترام واحتواء التعددية الإعلامية.
ومن جانبها قالت د. نوف الغامدي: التساؤل المطروح دائماً: ما هي إشكالية خطابنا الإعلامي؟ هل نحن نتنصل منه أم ننتمي إليه؟ هل نثق به أم نشعر أنه جزء غير شرعي من إرثنا الثقافي؟ وماذا عن الآخر الذي بحكم هذا العصر تحول من موقعه إلى هنا كيف نستقبله منفصلاً عن ثقافته ونُقصيه دون اعتبار لكيانه اختلفنا أم اتفقنا معه؟ وهل إيجاد لغة حوار مشتركة يمكن أن تؤسس ثقافة تنويرية لذواتنا تمنحنا فهماً أعمق لذلك الآخر؟ مع الأسف إعلامنا سطحي والآخر أكثر فهماً لعمقنا الفكري وإرثنا التاريخي !!
وعلقت أ. إيمان الحمود بأن هذا يعد أمر طبيعي في ظل عدم القدرة بالنسبة للصحافة الأجنبية لدخول السعودية إلا بعد عناء؛ فالسعودية كانت مغلقة إلى حد قريب وشيء طبيعي أن يتم تصويرها من قبل البعض استنادا لما توافر له من معلومات حتى لو كانت مغلوطة.
كذلك فإن الشرخ العربي العربي بات أكثر وضوحا بعد الربيع العربي.. لذلك نجد العديد من الكتاب والصحفيين العرب يتخذون مواقف معادية لسياسات المملكة وليس لشعبها .. المؤسف أن البعض لا يكترث بهم ويعتبرهم مجرد مهاجرين يعيشون في الغرب ويغفل أنهم يحركون معظم وسائل الإعلام لاسيما الناطقة بالعربية .. سؤال آخر يطرح .. كيف يمكن حل هذه المعضلة ؟!
وذهبت د. منيرة الغدير إلى أن ما أشارت له أ. إيمان يعمق النمطية عن “المجتمع المحجوب، الغامض، اللامرئي، الخ” والتي انعكست ليس على الإعلام الغربي فقط وإنما في الكثير من الدراسات والكتب التي تناقش مواضيع عن المملكة. بحث سريع على موقع أمازون باستخدام كلمة “السعودية” سنحصل على عناوين استشراقية ومعلومات ومغلوطة كشفتها هذه العناوين.
وأشارت أ.د. سامية العمودي إلى أننا يجب أن نعترف أولاً بأننا السبب في رسم الصورة النمطية هذه لنا وأننا كنا منغلقين على أنفسنا ونظن أننا لسن بحاجة لهذا الظهور فنحن من نحن والكل يعرفنا. أيضا الأنظمة والقيود على التواصل مع الجهات الإعلامية الغربية ولو زارنا إعلامي لا نستطيع مقابلته أو استضافته إلا بتصريح وبعد أخذ الإذن خاصة في الجامعات بالنسبة للمرأة نحن من نرسم الصورة لدى الإعلام الغربي بامتناع الغالبية عن الظهور الإعلامي لأسباب متنوعة أهمها عدم تقديرنا لدورنا في إبراز منجزات المرأة في مقابل الصورة النمطية التي يتلقفها الإعلام الغربي لأنه لا يوجد أمامه غيرها وإن كان هناك تغيير جميل يحدث في هذا الجانب.
وباعتقاد أ. ولاء نحاس فإننا مسؤولون بشكل أو بآأخر عن هذه الصورة من خلال القضايا الداخلية التي نصدرها للخارج والتي يتم رسم صورة ذهنية من خلالها؛ فمع الأسف هي قصص داخلية نقوم نحن بتسليط الضوء عليها- بغرض حلها- لكنها تأخذ منحى مختلف بسبب التعصب كما أن البعض يستمتع بتحويلها لقضية دولية دون تقييم مدى تأثيرها الدولي على المدى القريب والبعيد.
وأشار د. عبدالله بن ناصر الحمود إلى أنه سوف يتكئ في مداخلته على دراسة تم إعدادها منذ فترة وجيزة لصالح مجلة “آراء حول الخليج” كانت ناقشت موضوعات لصيقة بموضوع الخطاب الإعلامي نحو الغرب. وبداية قال إنه من المهم التأكيد على أن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي السعودي (الإذاعة والتلفزيون والصحافة) ضعيفان بشكل عام على المستوى الدولي، بالقدر الذي لم يمكن معه أن نسجل لهما دورا فاعلا في موضوع القصية الحالية، فإن الأدوار المحدودة للصحافة السعودية الناشرة باللغة الإنجليزية، وكذلك للبرنامج الأوروبي في الإذاعة والسعودية وأيضا القناة الثانية السعودية، كلها أدوار منقوصة معرفيا ومهنيا، وبشكل عام تسيء أكثر مما تفيد.
وفي الإطار العام والمهني المعتبر، هناك نموذجان من الإعلام والاتصال السعودي استطاعا خلال العقود القليلة الماضية أن يقوما بدور جيد على الساحة الغربية.
- النموذج الأول، قنوات المجموعات، كمجموعة “إم بي سي” و “إي آر تي” وهي وإن لم تكن تتحدث اللغات الغربية في كافة قنواتها، إلا أنها، في حالات كثيرة، مثلت مصادر لمعرفة الغرب بنا عبر جهودهم الحثيثة في المتابعة والترجمة. كما أن منها قنوات تنطق بلغات غربية غير عربية. لكن ذلك لم يكن يعني أبدا أن المحتوى أو الرسالة السعودية كانت واضحة ومتسقة وتشاركية في هذه القنوات، بل على العكس، يبدو أن لكل مجموعة منها أجندات إعلامية خاصة بها، ربما تتعارض في حالات محددة مع السياسات المعلنة للدولة. لقد ظهرت عدة اعتراضات رسمية وشعبية على أداء هذه المجموعات الإعلامية السعودية وغيرها من الإعلام “الخاص”.
- النموذج الثاني، هو إعلام المواطن، وشبكات التواصل المجتمعي، التي أصبحت مصادر مهمة للإعلام الغربي نفسه لمعرفة ما يجري داخل المملكة، ولمعرفة الحراك السعودي بكافة أشكاله الرسمية والشعبية. لقد تقلدت تلك المنصات الاجتماعية مهمات كبار، كان الأولى أن تتقلدها وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية السعودية. لكن الغياب الملحوظ لتلك الوسائل فتح الباب مشرعا أمام إعلام المواطن ليملأ الفراغ، وليشبع النهم الغربي لمعرفة ما الذي يجري بالداخل، فأخذه على علاته من هذه المصادر غير الرسمية.
وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود : عندما كنت أعمل نائبا لرئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون في المملكة العربية السعودية خلال العام 2014م، كانت إحدى الهواجس التي تؤرقني هي “القناة الثانية السعودية” الناطقة باللغة الإنجليزية: كيف يمكن أن نجعل منها قناة مؤثرة وفعالة وتخاطب الجمهور الغربي بشكل مناسب؟ من المؤسف إقراري اليوم، بأننا لم نستطع حينذاك أن نجيب عمليا على السؤال، على الرغم من عشرات الإجابات الرائعة على مستوى النظرية. وأعتقد أنهم حتى الآن لم يفعلوا.
هنا، تبرز قضية “الإقناع” بشكل واضح، فالمجال الذي لا تؤثر فيه، لن تكون فيه مقنعا أبدا. وبالتالي، يبدو أن موضوع قدرة الإعلام السعودي على الإقناع بمكتسبات الدولة والمجتمع هي قدرة محل نظر.
ليس واضحا لماذا، حتى اليوم، لم نتمكن من النظر للإعلام على أساس من خصائصه المعرفية والمهنية؟، ولماذا لا تزال المؤسسات الرسمية السعودية تعتمد على إعلام الشركات والمؤسسات الخاصة أكثر من اعتمادها على إعلامها الرسمي؟ واستصلاحه؟
صحيح أن إعلام المؤسسات الخاصة يبدو أكثر جاذبية ومهنية، لكن هذا المتغير كان من شأنه أن يدفع إلى أن تعطي اهتماما أكبر بتطوير صناعة الإعلام الرسمي السعودي، عوضا عن الاتكاء إلى الإعلام التجاري، لأن الإعلام الرسمي هو الحامل الأكثر أمانا لرسالة الدولة ولسياساتها، دون شوائب تمويلية وغير تمويلية.
وبالتالي، يمكن تأكيد أن الإعلام السعودي الرسمي ضعيف التأثير على المستوى الدولي، وغير مقنع للجمهور الدولي، بل ربما لم يصل إليه أصلا. وقد تحدثت مع بعض المعنيين بالقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الخليجية الرسمية الناطقة بلغات غير عربية وناقشتهم كثيرا في شكل ومحتوى ما تبثه تلك القنوات والمحطات من رسائل، وأنها لا تلائم بالضرورة خصائص الجمهور الدولي سواء الغربي منه أو الشرقي. وكانت معظم الإجابات التي أحصل عليها ترد الأمر إلى عقبات إدارية ومالية. مع أن لدي قناعة من أن هناك علة أخرى اسمها “الجهل” فالإنسان عدو ما يجهل.
وبالتالي، فإن إعلامنا الرسمي يواجه، دون شك، تحديات جمة في مدى قدرته على تمرير صورة طيبة عن البلد والناس، وعلى التأسيس للحوار مع الآخر. ويحتاج، بالتأكيد، إلى مراجعات هيكلية كبرى، سيما مع دخول هذه المرحلة الراهنة من الإعلام الإلكتروني وسطوة شبكات التواصل المجتمعي. فالاعتبارات التي يجب تبنيها لإصلاح قدرة الإعلام الرسمي السعودي تحديدا على مخاطبة الآخر، قد باتت متعددة العوامل والمتغيرات، ومتداخلة مع جملة من العلوم والفنون الثقافية والاجتماعية والوسائلية.
أهم التحديات الاتصالية التي تواجه الإعلام السعودي الرسمي الراهن
يمكن، في هذا الصدد، الإدلاء ببعض أمثلة على النحو التالي:
- بروز شبكة الإنترنت بكل تطبيقاتها وحساباتها وفضاءاتها كأبرز التقنيات المعاصرة للإعلام والاتصال.
- القصور دون التجاوب مع شروط المرحلة الاتصالية الراهنة وخصائصها.
- تحويل شبكات التواصل الاجتماعي، في حالات كثيرة جدا، إلى مراكز لتجنيد الشباب ضد دولهم وشعوبهم، وضد مكتسباتهم، لصالح دول أخرى أو جماعات ومنظمات مارقة لها أطماع في منطقة الخليج العربي. ومن أخطر المؤشرات أن 80% من الذين انتسبوا إلى تنظيم داعش، مثلا، تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- لقد دفعت هذه الحقائق الاتصالية العديد من دول العالم، ومنها المملكة، لتشكيل فرق أمنية لتتبع وحظر جميع حسابات داعش على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا الأمر غيّر، ربما أولويات عمل الحكومات في مجال الإعلام والاتصال، وأشغلها عن تنمية قطاع الإعلام والاتصال بما يخدم المهنة والتنمية الخليجية، وصورة الدولة والمجتمع في الخارج.
- التحدي الإيراني المتجدد (بنظام الملالي.. وولاية الفقيه) والتحولات الدولية المترتبة على كل ما له علاقة ب (إيران) اليوم. فإيران في الألفية الجديدة، غير إيران ما قبلها. وجُلّ الصور السلبية عن المملكة والمفترية عليها، لها علاقة عضوية بتحولات المشهد الدولي في الألفية الجديدة، الذي يكون النظام الإيراني جزء منه. فإيران تعبث وتعتدي وتطمح. ولا يضيرها أن تغدر وتخون من أجل مآربها المشؤومة والمشبوهة في المنطقة. وظهرت مناصرة القوى الدولية لها علنا، إبان توقيع الاتفاقية النووية، وفي مراحل مهمة من عهد الرئاسة السابقة للحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة. وصارت المملكة ودول الخليج العربي مجتمعة بين الأفعى والشيطان. وعلى الرغم من تغير نغمة الخطاب الرئاسي الجمهوري الأمريكي الراهن مع إيران، إلا أن إيران تبقى، حتى إشعار آخر، مصدرا مقلقا في المرحلة العصيبة الراهنة في المنطقة، وأحيانا مستعصية على التحليل والنقد، ومتغيرا مهما في كافة الحسابات الإعلامية والاتصال لدول الخليج.
- يبدو أن بيئة الإعلام والاتصال الجديدة، صاخبة بالتحديات الحقيقية للمملكة، فهناك مئات التغريدات في الدقيقة تستهدف أمن المملكة واللحمة الوطنية لها، وآلاف الحسابات في تويتر لإحباط المجتمع السعودي وتشتيت صفوفه وزرع الفتن داخل وبث الشائعات.
- يبدو أن الإعلام والاتصال المأجور المهاجم للمملكة يسعى بشكل محموم إلى “تشويه السمعة”. والتاريخ يعلمنا، أن سلسلة الهجوم على الدول والشعوب، تبدأ بحلقة تشويه السمعة. فالمملكة اليوم، تواجه أشكالا وألوانا من تشويه السمعة ليست بخافية على الملاحظين. وإعلام تشويه السمعة، له جمهور عصي على غيره من الإعلام. وهذا النوع من النقد “الهجومي”، معلوماتي جدا، وحصيف جدا، ويتمظهر بالموضوعية، وينطلق من مفارقات الواقع، وأهدافه الإعلامية من أقوال وأفعال المؤسسات الرسمية، ومن تعقيدات الواقع الثقافي والاجتماعي السعودي، ومن تركات الماضي، ومحطات التاريخ المعاصر القريب. ومن المؤسف أنه أمكن أن يوجد داعمين “محليين وإقليميين”، لقوى دولية نجحت في مرحلة تشويه السمعة.
ومن جهة أخرى تطرق د. عبدالله بن ناصر الحمود إلى مسألة (تحييد) القضية الدينية.. في صراعنا مع الآخر؛ حيث قال في هذا الصدد: عندما تقول لرجل متدين في مجتمع يؤسس ولاءاته وبراءاته على أساس عقدي، إنه يجب (تحييد) القضية الدينية وإقصائها عن ميدان صراعنا الدولي المعاصر مع الآخر، ومع الغربي بشكل خاص، فإنك تكاد تقتل ذلك الرجل، أو أنك – فعلاً – تخرجه عن طوره، على أقل تقدير، حتى لا يعلم عقله ما يقول لسانه، ولا ترى بصيرته ما جحظت به عيناه. وهنا نحتاج إلى وقفة تأمل. وهي وقفة قصيرة جداً، بقدر ما هي محدودة المساحة المتاحة لهذه المداخلة. لقد أعلنت القيادة الأمريكية – في زمن مبكر من الصراع المعاصر المفروض على أكثر شعوب العالم – أن جوهر المشكلة هو القضية الدينية، وأن صراع القرن الحادي والعشرين – بالقوة العسكرية – بين المسيحية والإسلام قد بدأ فعلاً. ثم ما لبثت القيادة ذاتها أن تتراجع وتعدّ ما قد قيل زلة قلم أو سبق لسان. فهل أخطأت القيادة الأمريكية؟ يمكن القول بفرضية أنها لابد من أن تكون قد أخطأت في واحد من الحالين: تشخيص لب الصراع، أو التراجع عن ذلك التشخيص.
غير أن تلك الفرضية محل نظر. فعلى الرغم من أن القيادة الأمريكية تتكون من بشر يصيبون ويخطئون، إلا أنه قد يكون من السذاجة الاعتقاد بأن أعلى قمة في الهرمية القيادية الأمريكية (والعالمية) يقع في منزلق استراتيجي من هذا النوع. ربما كانت مغامرة أمريكا في أفغانستان والعراق وما يتلوهما من شعوب العالم خطأً استراتيجياً، لن تتضح الرؤية بشأنه قبل أعوام قليلة قادمة، لكن اتهام المسلمين وإقحام الدين في عمق الصراع ثم التراجع عن ذلك لا يمكن أن يكون من قبيل الخطأ لأسباب كثيرة جداً، لعل من أهمها كون الإسلام والمسلمين قلب الموضوع وطرفه الأهم، فمن غير المتصور أن تأتي التصريحات بشأن هذا الصراع ارتجالية ودون رؤى استراتيجية مسبقة، وبخاصة في دولة المؤسسات الأهم والأكبر في العالم، وبشكل أخص في التصريحات الأولى التي كانت تهدف إلى تبيان النظرة الأمريكية وتفسيراتها (المعلنة) لمجريات الأمور. إذاً، ما الذي يمكن أن يكون وراء التصريح ونفيه أو تلطيفه؟ سيبقى الموضوع أيضا قيد الفرضيات، فالحقيقة المجردة لم تتضح بعد وربما لا تتضح لعقود من الزمن قادمة. لكنني أعتقد أن التصريح قد جاء ليتم نفيه أصلاً، فيتحقق للولايات المتحدة أن تخرج من الصراع الديني – داخل الدولة نفسها – ومع من يسير في فلكها من الدول النصرانية والإسلامية وغيرها، في حين ننشغل نحن في عالمنا الإسلامي بإثبات أن الصراع ديني عقدي في المقام الأول، ونعتقد الضعف في الولايات المتحدة لهروبها من المواجهة واعتمادها على النفي، ونشمّر عن سواعدنا لنجعل علاقاتنا القريبة والبعيدة في هذا الصراع العالمي مؤسسة على مبدأ ديني عقدي، ونحن مقتنعون بذلك. ونؤكد قناعتنا بإصرارنا على استمرار جدلياتنا في موضوعات الولاء والبراء، تلك الجدليات التي ازدهرت الآن فقط لنؤكد للعالمين أن صراعنا (فعلاً) صراع ديني عقدي، قالت بذلك (أمريكا) ذاتها، ثم خافت وتراجعت!! فنفرح بالنصر الفكري ونوغل في أدلجة الصراع فقط لنثبت للعالم تلك الحقيقة التي حاول الغرب تغييبها بمجرد النفي والتراجع!! ولأن أمريكا تعلم – ربما – (أنثروبوليجيتنا) و(سسيولوجيتنا) فقد أعلنت ثم تراجعت. وتبقى القضية الأهم اليوم تتمحور حول أهمية إقحام القضية الدينية في صراعنا مع الآخر، أو إبعادها وتحييدها.
لعل القضية معقدة جداً وتحتاج إلى بسط حديث، وعدد من المتخصصين في علوم شتى لبيان مكاسب ومفاسد تحييد قضيتنا الدينية من هذا الواقع المتلاطم، غير أن تحييدها سيحقق من غير شك مصالح ثلاث: الأولى، الاستناد إلى صراع ديني مع الغرب لن يجعل خصوم العالم الإسلامي هم فقط الذين يعتدون عليه منهم، بل سيخسر ولاء وصداقة كل الدول غير الإسلامية، في حين أن تلك الدول ستكون أقرب ولاءً ودعماً للطرف الآخر. الثانية، أن إقحام القضية الدينية في هذا الصراع المفروض على العالم الإسلامي سيكون معول هدم للبنى الداخلية لعدد من دول العالم الإسلامي ذاتها، حيث يتقاسم العيش فيها مسلمون وغير مسلمين. فربما لا يسوغ – في زمن الأزمات خاصة – أن نتسابق إلى خلخلة الكيانات الداخلية لدولنا وشعوبنا. الثالثة، أن الشعوب الإسلامية تنعم بتعدد الثقافات، والاختلافات المذهبية في إطار الإسلام، وفي تأجيج الصراع الأيديولوجي مفسدة عظيمة لهذه البنى الداخلية الإسلامية، حيث قد يتحول الصراع إلى صراعات مذهبية داخل المجتمعات الإسلامية نفسها. من هنا قد يكون من الأصلح التفكير ملياً في مدى الجدوى من أدلجة الصراع العالمي المعاصر، وكذلك ربما كان من المهم جداً التريث عند تقويم ما يقوله القياديون الكبار في العالم قبل الحكم عليه بظاهر القول وحسب.
وبدوره قال د. عبد الله بن صالح الحمود في مداخلته حول قضية (تغيير الخطاب الإعلامي نحو الغرب) ، أتساءل ابتداءا: ما هو الخطاب الإعلامي المفترض أن يحضر بين وقت وآخر ، داخليا وخارجيا ، وكيف ومتى؟
إن مسألة أو مهمة ما يسمى بالخطاب الإعلامي لا يمكن أن يتأتى بصورة حقيقية وواقعية ، وبظهور يؤكد للعالم مدى القدرة والكفاءة اللتان تنقل صور حقيقية لأي مجتمع كان ، وهنا أتحدث عن كيفية ظهور أو إخراج صورتنا للغير ، وهنا أقول وقبل أن نطالب بالتغيير الخطاب الإعلامي ، علينا أن نقر أو نعترف عن مدى كفاءة وإمكانات الخطاب الإعلامي السعودي.
إن مسألة الصعود إلى قمة الشيء والمتمثل لدينا في أن نقر أن لدينا خطاب إعلامي من عدمه ، دون أن نعلم أن هذا الأمر يتطلب تأسيس قويم نحو انطلاقة حقيقية للاستشهاد ابتداءا بوجود خطاب إعلامي حقيقي ومنافس ، فذاك أمر أرى أن التوقع منه في جلب مصالح أيا كانت هو أمر فيه ضرب من الخيال. والسبب الرئيس هنا أننا لا نعلم من أين أصلا يصدر خطابنا الإعلامي الخارجي خاصة، هل هو من وزارة الثقافة والإعلام، أم من وزارة الخارجية.
إذا تفهمنا وعرفنا عن مكان ومصدر ذلك الخطاب، بعد ذلك نبدأ في التفكير ومن ثم التأسيس نحو ظهور خطاب إعلامي حقيقي يمثل المملكة العربية السعودية، التي كثيرا ما عانت وتعاني من ويلات الإعلام الخارجي وشيء من الإعلام الداخلي.
وأمام ذلك ، أليس حري بنا أن نتساءل من أين يصدر خطابنا الإعلامي خصوصا الرسمي منه ، فإذا عرفنا ذلك المصدر ، بعدئذ يمكننا أن نسعى إلى تأسيس قطاع إعلامي متخصص سواء داخل وزارة الثقافة والإعلام أو وزارة الخارجية ، وأن يكون هذا القطاع متوفر له كافة الإمكانات البشرية والتقنيات الحديثة التي تؤهل وتمكن هذا القطاع من الوقوف أمام تنافس إعلامي أضحى شديد اللهجة والحضور .
اتفق و اثني على ما ذهب إليه م. حسام البحيري ، حول الأفعال المشينة التي قام ويقوم بها الغرب ، حينما قال أن الغرب له أكثر من قرن من الزمان وهو يرتكب أخطاء كارثية وقاتلة في حقنا ، وأنها أدت إلى تدمير وتشتت وشرذمة العالم العربي ، مما وصل به إلى قتل الملايين من العرب والمسلمين .
وهنا تأتي إجابة واحدة، وهي أين إعلامنا العربي والسعودي على وجه الخصوص من كل هذا الأمر وغيره. فهل الحل هو الاستنكار المتواري عن الأنظار أم ماذا نسمي ما نقوم به وهو أدنى الطموح في الدفاع عن العقيد والوطن.
وقال د. مساعد المحيا: إن بلداننا تتعرض للعديد من المؤامرات فلا تطهروا الدوائر الغربية وتصبوا جام الغضب كله علينا؛ فنحن أطهار ولدينا بعض أخطاء. كيف يمكن أن يفسر أي مثقف الخطاب الإعلامي الغربي الأمريكي والأوربي وهو يشيطن إيران لسنوات ويراها محور الشر، ثم في ليلة من الليالي تصبح الفتاة الشقراء التي يتسابقون لخطب ودها ومنحها فرصة العبث بالمنطقة بعد تسليم العراق لها ؟ هل يمكن أن يكون هذا قد تم دون أي تنسيق بينها أو تأمر؟ نحن نتعرض للمؤامرات ويبدو أننا مقبلين على العديد من المؤامرات في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، لا شيء يتم في هذا العالم مصادفة أو بطيبة قلب إطلاقا.
وعلق د. إبراهيم البعيز حول ما تم الإشارة إليه في أكثر من مداخلة حول “المؤامرة” في تناول الإعلام الغربي لقضايا المجتمع السعودي، بأنه علينا أن نكون حذرين من النتائج السلبية المحتملة للمبالغة في تبني منطلقات التقصّد في قراءة ما يكتبه وما يقوله الإعلام الغربي عنا، لأن هذا من شأنه أن يبني جدارا من العزل “النفسي” بيننا وبين الإعلام الغربي، ويحد من فرص التواصل. بالتأكيد هناك الكثير من الشواهد على التقصد، ومن ذلك مثلا الإشارة إلى عقد قران منفذي العملية الإرهابية في سان برنادينو في مكة، وكذلك الإشارة إلى المملكة حيث ولد منفذ العملية الإرهابية في إسطنبول، بل وصل بصحيفة الإنديبندنت أن قالت بأنه سعودي فقط لربط المملكة بالإرهاب.
لا تقتصر سلبية الصحافة الغربية تجاه المملكة على الأخبار وكتاب المقالات والأعمدة، بل تجاوزت ذلك إلى الافتتاحيات التي يفترض أنها تمثل وجهة نظر الصحيفة. ومن ذلك افتتاحية الإنديبندنت بعنوان “تستحق السعودية تلك السمعة السيئة عالميا، ولن تستطيع أية مهارة في العلاقات العامة تغيير ذلك” وحرصت الجريدة في هذه الافتتاحية على تشويه صورة المملكة بكل ما تملك من أساليب المغالطة والمبالغة، والخلط بين قضايا متباينة لا رابط بينها سوى اسم المملكة.
غني عن القول أن كثير مما يكتب عن المملكة العربية السعودية في الصحافة الغربية مبني في مجمله على أوهام ومعلومات مغلوطة وقديمة منذ تسعينيات القرن الماضي. وبتجاهل لما تم اتخاذه وإنجازه من خطوات وإجراءات في محاربة الإرهاب محليا وإقليميا ودوليا.
الموضوعية تحتم علينا على أن لا نقتصر في قراءتنا على الجوانب السلبية، هناك الكثير أيضا من الجوانب الإيجابية في تناول الإعلام الغربي للمملكة والتي لا يمكن تجاهلها، ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عن شابة سعودية استفادت من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، لتعود مؤهلة بدرجة علمية في التحليل المالي، ولتعمل في أكبر شركة عالمية في مجال النفط (أرامكو)، ولتجسد بذلك الإنجازات التي حققتها الفتاة السعودية في ظل التعقيدات والعقبات الاجتماعية التي تعمل الدولة على تجاوزها. كما نشر موقع New York Social Diary الاجتماعي سلسلة من أربع مقالات كتبتها الدكتورة بيج بترسون Paige Peterson نائب المدير التنفيذي لمركز أبحاث السرطان في جامعة يوتا University of Utah عن رحلتها إلى المملكة العربية السعودية. أشارت الكاتبة إلى انطباعات إيجابية عن المملكة ومدعمة وجهة نظرها بالعديد من الصور الجميلة عن المملكة، وبلقاءات مع نساء سعوديات تحدثن عن إنجازاتهن في مجالات مختلفة.
وعقبت د. منيرة الغدير على ما طرحه د. إبراهيم البعيز بأنها تتفق في القول بأن نظرية المؤامرة مغرية لطريقتها المختلفة في تفسير الأحداث والمتعة الفكرية المؤقتة التي تحدثها مثل هذه التفسيرات، لكنها تخدر من يعتمد عليها وتبعده عن فهم وتحليل الواقع السياسي وطريقة تناول الإعلام له، نقله وطريقة ترجمته للأحداث. وأضافت المثال عن “عقد قران منفذي العملية الإرهابية في سان برنادينو في مكة” يطابق تماماً ما نشرته صحف بريطانية عن علاقة دودي الفياض والأميرة ديانا على أنه عقد تم في مكة! أي أن الفنتازيا هي ذاتها لم تتغير على الرغم من السنوات الطويلة بين الحدثين.
إن المتابعة الشاملة والمتمكنة لقنوات الإعلام الغربي هي ما تمكن المتابع بأن يكون مستنداً على المعرفة والحقائق والمعلومات. أمامنا أرشيف هائل من المعلومات في الإعلام الغربي والذي يتيح لنا دراسة إشكالية في التمثيل والعمل على إيضاح وجهة النظر الأخرى المبتورة أو الغائبة.
في حين أشار أ.د. صدقة فاضل أن هناك مؤامرة كبرى للغرب المتنفذ على كل هذه الأمة العربية . وهى مؤامرة على قابلين للتآمر كما يقول محمد اركون . وعند التدقيق سنلمس هذه المؤامرة ونراها بأم أعيننا. وهذا لا يعنى أن ما يحصل لنا وما نحن فيه كأمة هو بسبب هذه المؤامرة فقط. فعيوبنا الذاتية هي المسبب الرئيس لما معظم هذه الأمة فيه من تخلف وضعف وهوان.
وأوجزت أ. علياء البازعي رؤيتها في نقاط محددة كما يلي:
- الخطاب الإعلامي الغربي موجه نحو مصالحه بطريقة مقنعة و بدون مبالغة.. في حين أن لغتنا الإعلامية العربية و الإسلامية تحتوي على كثير من المبالغات غير المقنعة للمسلمين و العرب أنفسهم.
- الخطاب الإعلامي بشكل عام مرتبط بالمواقف…تتغير المواقف بتغير الخطاب. فالعلاقات بين الدول تشبه كثيرا العلاقات بين الأشخاص.
- الآلة الإعلامية الأمريكية مازالت متحكمة بترمومتر الإعلام العالمي…ترفع الحرارة و تخفضها حسبما تشاء فالخطاب الإعلامي داخل أمريكا يختلف عن خارجها و لنفس القناة.
- إن وسائل التواصل الاجتماعي لم تستثمر بالشكل المطلوب بعد.
- الشباب مستبعدين عن المحافل الثقافية.
وركز د. خالد الرديعان في حديثه عن الخطاب الإعلامي على الخطاب الرسمي الموجه للداخل. فهذا الخطاب برأيه غير واضح غالباً، ولا يقدم معلومات دقيقة وواضحة؛ فلغته تقليدية بل إنه يلجأ إلى ترديد بعض العبارات “الخشبية” كالقول: “وقد تباحث الطرفان حول الاهتمامات المشتركة بين البلدين”. ما هذه الاهتمامات التي يصعب شرحها للمتلقي وإن بإيجاز مثلاً؟ كيف أصدق إعلام كهذا أو كيف يشدني لكي أتابعه وأنا ادرك أن متابعته مضيعة للوقت؟ إعلامنا لم يرضي الداخل فكيف يستطيع الوصول للخارج؟
وتناول د. فايز الشهري القضية من زاوية كون الإعلام قوة استراتيجية، حيث أشار إلى أن الإعلام ظل طيلة تاريخه أداة مؤثرة في إدارة الصراع، ومعاضدة الجهد السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني للدول، ضمن استراتيجيات وخطط ظاهرة وخفية. وهذا المجال من التوظيف استثمرته الدول الكبرى، ونجحت في توظيفه منذ ما قبل الحرب الغربية الثانية، وتواصل هذه الدور حتى يومنا هذا بتطور الوسائل. وفي العالم العربي تحديدا بدأ توظيف قوى الاستعمار الشرس للإعلام منذ وقت مبكر. ويكشف التاريخ على سبيل المثال أن إيطاليا “موسيليني” كانت أول دولة غربية أنشأت إذاعة عربية باسم إذاعة “Bari” سنة 1934، ثم تلاها السباق المحموم على إنشاء المزيد من الإذاعات العربية التي أطلقها المتنافسون وقتها من لندن وبرلين وباريس ثم موسكو وواشنطن وغيرها.
واليوم يجد المواطن العربي أمامه ليل نهار، عشرات القنوات والإذاعات (الأجنبية) الموجهة باللغة العربية، والتي تبثها عواصم (كل) الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومعها المئات الأخرى التي تبثها دول شرقية وغربية وهدفها (الرئيس) عقل وقلب الإنسان العربي في كل زمان ومكان. وفي المقابل العربي نجد جهودا إعلامية خاصة في مجال البث الفضائي، ولكنها لم تستطع رغم كثرة أعدادها أن تكون أدوات عربية مؤثرة على مسرح الصراع الدولي، أو تحقق بعض التأثير الإيجابي في الرأي العام العالمي. بل أن الانتشار الجغرافي الذي حققته بعضها لم يثمر في خدمة “الحق” العربي بما يتوازى مع إسهامها بشكل مباشر، أو غير مباشر في تشويش الرأي العام العالمي حيال قضايا العرب الكبرى وصورتهم الذهنية.
ومن يتأمل الصورة العامة للمشهد الإعلامي العربي (الفضائي)، يجد أن النجاحات الضئيلة تختفي في طوفان ثلاثة أقسام طاغية على إعلام العرب: الأول إعلام متخشب يدار بعقلية بيروقراطية أو انتهازية، بلا أبداع وبلا هدف، ويشمل هذا القسم بعض الكيانات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، والقسم الثاني: إعلام رخو يطغى عليه المحتوى الترفيهي السطحي الذي لا يتبنى مواهب خلاقة، ولا يقدم محتوى مستنيرا تحتاجه مجتمعات تنخر فيها الأمية والتطرف والإحباط. أما القسم الثالث فهو إعلام مستنسخ مسخ، لا يعبر عن روح المجتمع العربي، ولا يحترم طموحه وهويته.
ومع هذه الحالة العامة للإعلام العربي، تبرز نماذج من الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية لتحقق التأثير، وقبله القبول من شرائح المجتمع العربي، ولكنها في نهاية الأمر ستظل ضمن أدوات القوة الناعمة لمن يديرونها ويوجهونها. وعلى الشبكات الاجتماعية هذه هي الحالة العربية تتكرر، وبالطبع ستتكرر النتيجة، وما عواصف “الربيع” العربي عنا ببعيد.
وقالت أ. مها عقيل: بحكم الاختصاص والعمل لدي اهتمام خاص بهذا الموضوع حيث أننا في منظمة التعاون الإسلامي ليس فقط علينا مخاطبة الإعلام الغربي للتعريف بالمنظمة ومواجهة الصورة السلبية للإسلام والمسلمين ككل وإنما أيضا علينا دور في مواجهة الصورة السلبية للسعودية باعتبارها دولة المقر للمنظمة والداعم الأكبر لها. والمنظمة أيضا مستهدفة بحملة تشويه لدورها ونقوم بعدة أشياء لمواجهة ذلك وأيضا للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية ومع عامة الناس. بالإضافة إلى البيانات الرسمية والتصريحات واللقاءات، والتي نحاول ألا تكون خشبية وبجمل مكررة فاقدة لأي معنى والابتعاد عن أن يكون التصريح على لسان “مصدر مسؤول” وإنما باسم الأمين العام أو شخص مسؤول، نقوم بنشر مقالات حول مواضيع مختلفة مثل دور المنظمة في مكافحة الفكر المتشدد والتطرف، القضاء على شلل الأطفال، الإسلاموفوبيا، حقوق المرأة والطفل، عن طريق شركة علاقات عامة في أحد الصحف أو المجلات أو المواقع الرئيسة باسم أحد المسؤولين أو الأمين العام أو التواصل مع أحد الكتاب هناك المعروفين المتفهمين لآرائنا ومواقفنا وطبعا في هذه الحالة يكون له الحرية في الانتقاد أيضا. كما أننا نعقد اجتماعات صغيرة round table meetings مع صحفيين وكتاب ومنظمات مجتمع مدني في مدن مثل نيويورك وواشنطن وبروكسل وغيرها عندما نكون متواجدين في تلك المدينة ويكون النقاش فيها حر off the record عن أي شيء ونحن نجيب أيضا دون تحفظ. والفكرة أن يكون هناك حوار وتعارف وهم بعد ذلك يكتبون ما يريدون بناء على ما سمعوه دون الإشارة بالاسم إلى فلان أو فلان. طبعا من المهم أن يكون المشاركين من المنظمة في هذه الاجتماعات متمكنين من اللغة ومن الموضوع المختصين به. الشيء الآخر الذي نقوم به بشكل مكثف الآن هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
مشكلة إعلامنا السعودي أنه يخاطب الداخل أولا وأخيرا. حتى مراسلين واس والتلفزيون السعودي في الخارج يكتب للقارئ والمشاهد في السعودية ولا يقوم بأي دور للتواصل مع الصحفيين والقنوات هناك أو التعريف بالسعودية لدى القارئ هناك، لأنه أساسا قد لا يجيد اللغة وثانيا ليس لديه الصلاحية وليس لديه القدرة. ونفس الشيء بالنسبة للملحق الإعلامي. دوره نقل أخبار السفارة للداخل أما ماذا يقدم من أخبار ومداخلات وآراء للصحف والقنوات هناك لا ندري.
ومن ناحيته قال د. خالد الدخيل: هل لاحظتم كيف أن الإعلام الغربي، وقبله وبعده الحكومات الغربية، اختزل مأساة العالم العربي هذه الأيام في “داعش”؟ أصبح الهدف الأول والأخير القضاء على داعش، ولا شيء غير ذلك. ماذا بعد القضاء على هذا التنظيم؟ سؤال لا يهتم به أحد. ليس في الأمر مؤامرة، ولا حتى ما يؤشر إلى ذلك. قبل داعش كان الهوس الإعلامي والسياسي يدور حول القاعدة. كل من يريد أن يثبت قدراته التحليلية أو مهاراته السياسية، أو يبرهن على أنه مناهض للإرهاب، فما عليه إلا أن يهجو القاعدة، ويلعن والدين والديها. المدهش أن الإعلام العربي بصحفييه وكتابه، والحكومات العربية، سار على النهج ذاته حذو القذة بالقذة أولا في زمن القاعدة، والآن في زمن داعش. نتبنى هذا الخطاب الغربي حيال موضوع بمثل هذه الخطورة. وفي الوقت نفسه نصم الإعلام الغربي بالتآمر على العرب والمسلمين والتجني عليهم.
السؤال: ألم يساهم الإعلام العربي بمثل هذا السلوك في المؤامرة التي يفترض هو وجودها؟ السؤال الآخر: على ماذا يدل انسياق الإعلام العربي وراء فرضية تعتبر أولا مستوردة، وثانيا تختزل مأساة المنطقة في تنظيم لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات؟ أظن أن الإجابة على هذا السؤال واضحة للجميع لكنها لا تأخذ حقها من الاهتمام والمواجهة.
وذكر م. حسام بحيري أن صناعة الشرق الأوسط في الخيال الغربي هو جزء رئيسي من سياسة ال Perception Management ؛ لأنها أداة تمارس بعدة طرق. استخدمت هذه الأداة مع ليبيا القذافي في الثمانينات الميلادية والاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وهدفها هو نشر أخبار مثيرة وسلبية لجذب الانتباه العام وليس مهم أن كانت حقيقية أو لا لأن الحقيقة تصبح ليس ذو أهمية لأنها ليس المحرك للعوامل المحرك الرئيسي هو كيف تلوي الحقائق أو تختلق الأكاذيب لتجعل خصمك في موقف سلبي وأصبحت أداة رئيسة في الإعلام الغربي وهي موجهة ليست للخارج وإنما للتأثير على الرأي العام الأمريكي.
ال Perception Managment استخدمت من قبل الحكومة الأمريكية للتأثير على شعبها في الثمانينات الميلادية عندما بدأوا في نشر معلومات مضللة عن وجود الأطباق الطائرة واستخدموا عدد من الأشخاص لنشر الإشاعات عن وجود ال UFO’s وزودوهم بوثائق حكومية مزوره بينما الحقيقة كانت أن الحكومة الأمريكية تطور وتختبر أنظمة تسليحيه جديده أثناء سباق تسلحهم مع الاتحاد السوفيتي ولم تكن لهم القدرة على إخفائها عن أعين الناس أثناء أجراء التجارب عليها وتمكنوا من التأثير حتى على السياسيين في دولتهم واستطاعوا الحصول من الكونجرس على تمويلات ضخمة لتطوير برامجهم وأكبر برنامج استفاد من علم إدارة التصور كان برنامج حرب النجوم.
وأشار د. عبدالله العساف إلى أنه و في عصر ثورة الإعلام والاتصال ومع التغيرات الجذرية التي حدثت لأنماط استهلاك المعلومات وإنتاجها ونشرها والتشارك في مضامينها لا يتطلب الأمر أن تكون دولة عظمى ومتقدمة صناعياً ومتفوقه عسكرياً – مع أهميتها- لتحظى بالمكانة، فسويسرا تحتل المرتبة الثامنة في ترتيب أهم ثلاثين دولة في القوى الناعمة، في المقابل فإن المملكة تحتل المركز الثاني عشر في قائمة الدول الأكثر تأثيرا في العالم والتاسعة والعشرين من بين أفضل الدول في العالم، ولا تتقدم عليها من دول العالم الإسلامي سوى ماليزيا في المرتبة الثامنة والعشرين، ومع ذلك لا يختلف اثنان على سمعة سويسرا وسنغافورة وماليزيا، إلا أن الجدل الكبير يدور حول المملكة رغم حضورها وقوتها!!
يقول Meron lostng : انطباعات معظم الأمريكيين عن المملكة العربية السعودية تستند على صور إعلامية مشوهة ، وأن السعوديين تم وسمهم بصورة (بدو بدائيين) ، مع أن هذا الرأي المقولب غير صحيح لأن الأمريكيين غير قادرين على الحصول على صورة أكثر دقة ووضوح عن الشعب السعودي ، وأن الدور المحوري الذي تؤديه المملكة العربية السعودية في الشؤون الدولية يتطلب معرفة الأنماط الثقافية والاتصالية الصحيحة خلافاً للصور الإعلامية المشوهة أو حتى الرحلات التجارية أو الرسمية المعتادة.
فعالمنا العربي ودول الخليج تحديداً تعاني من تقصير حقيقي في هذا الجانب – التسويق السياسي – وهذا الغياب الكبير ترك مساحة واسعة للطرف الآخر – بغض النظر عن هويته ليسوق نفسه على حساب دولنا ويبرزها بصورة سلبية، ويتكرر ذلك في بعض المؤتمرات والندوات وحتى اللقاءات العادية التي تتحدث بشكل أو بآخر عن الصراعات السياسية في المنطقة، ولعل غياب صوت الطرف الثاني – نحن- في المعادلة ووجهة نظره تجعل المتلقي يخرج بوجهة نظر واحدة تم تصويرها بـأنها الحقيقة وإن كانت غالباً على العكس من ذلك تماماً ولكن كما يقال:” الغائب هو أكثر الخاسرين دائما.
وأورد د. زياد الدريس مثالاً سطحياً لأزمة فهم طبيعة الخطاب مع الآخر، والفروقات بين ما يقال في خطاب الداخل (الخطاب المحلي) وبين الخطاب في المحافل الدولية، حيث قال: زارنا في اليونسكو مدير إحدى الجامعات السعودية وألقى كلمة أمام ممثلي الدول الأعضاء عن نهضة التعليم العالي في بلادي، وكان يختم كل مقطع من كلمته بأن هذا يتم وفق توجيهات من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد (هكذا مع الأسماء). ثم تحدث في مقطع آخر عن الاعتماد الأكاديمي في جامعته، وختم المقطع بقوله: أن هذا يتم بمتابعة دقيقة من لدن خادم الحرمين الشريفين و…..، وهكذا يفعل في كل مقطع، وكأنه يلقي الكلمة في جامعته. هذا المسؤول (الكبير) لا يدرك فروقات التلقي لمفردات الخطاب المحلي عن الدولي، وأنه بتكرار هذه الجُمل المحلية سيُحدث أثراً مغايراً لدى السامع الأجنبي، وأن رسالة الولاء التي نؤمن بها في الداخل والخارج، ينبغي أن نعبّر عنها في الخارج بصيغة أخرى تعطي أثراً إيجابياً لا سلبياً.
هو مثال سطحي ، لكنه يعطي مؤشراً عن الخطأ العميق في فهمنا وتعاطينا للخطاب مع الآخر.
النقطة الثانية: تتعلق بما يمكن تسميته (تديين) خطابنا. وهذه نقطة حساسة أكثر من الأولى، إذ يلتبس فيها القصد منها، وموقف قائلها من الدين!
بإيجاز، وبما يمكن من الوضوح، فنحن دولة لا تستطيع أن تكون لا دينية ما دام أنها قبلت باستلام مهمة الحرمين الشريفين ومهد الإسلام، لكن في المقابل لسنا ملزمين بالانغماس في التفاصيل والصراعات الدينية الحزبية والمذهبية والطائفية، ولدينا العذر الكامل والناجز أمام الجميع؛ وهو أننا دولة تمثل الإسلام بشكله الكلي الذي يجعلنا ملزمين كل عام باستضافة كل الأطياف الإسلامية بكل تناقضاتها.
وجاء في مداخلة أ. عبدالله الضويحي: أن الخطاب في مفهومه العام هو ما يُقصد به إفهام المتلقي بوجهة النظر أو الرأي وليس فقط توصيلها إليه. ووفقاً لهذا فالسؤال المطروح: هل استطعنا ذلك فعلاً !؟ عنوان القضية يوحي بالنفي وأن المطلوب تغيير الخطاب القائم حالياً إلى خطاب جديد !!
السؤال الأكثر أهمية: هل نملك خطاباً نحو الغرب حتى نغيره !؟ أعتقد أننا في حاجة إلى أن ننشئ خطاباً بالمفهوم والمضمون المتعارف عليه لمعنى الخطاب الحقيقي. خطاباً سياسياً وخطاباً دينياً وخطاباً اجتماعياً.. الخ، ويبقى الخطاب الإعلامي الأكثر أهمية.
وكما أشار م. حسام البحيري في تعقيبه أننا دائما في موقع الدفاع ولم نبادر بالهجوم .. وهذا صحيح ف ” الهجوم خير وسيلة للدفاع ” كما تقول كرة القدم ! فنحن نمارس ردة الفعل دون أن نمارس الفعل بذاته. وإذا مارسناها فإنها تأتي متأخرة مما يفقدها قيمتها وأثرها لارتباطها ببيروقراطية العمل الحكومي وصلاحيات اتخاذ القرار. حتى المكاتب الإعلامية – إن وجدت – في السفارات السعودية في الخارج فدورها لا يتجاوز دور مكاتب العلاقات في الدوائر الحكومية في الداخل. ولازلنا ندور في ( نفى مصدر مسؤول ) التي ربما لا يعلم عنها المقصود بها وقد لا تصله.
الإعلام كما هو معروف ركيزة أساسية من ركائز الحروب الاستباقية .. وكما يقول جوزيف جوبلز وزير الدعاية ( الإعلام ) في عهد هتلر: (الحرب تحسم إعلامياً قبل أن تحسم ميدانياً ) ونحن فعلاً في حالة حرب؛ ليست حرباً عسكرية أو ميدانية لكنها أخطر .. هي حرب على المبادئ .. وحرب على تحقيق الذات .. والإعلام هو سلاح هذه الحرب.
علاقتنا بالآخر هي علاقة قيادات بقيادات أكثر من كونها علاقة شعب بشعب، وقد قلت في أكثر من مناسبة: أننا نكسب القيادات ونخسر الشعوب ! وكسب القيادات مطلب ومهم لكن ليس من مصلحتنا تجاهل الشعوب فهم الأهم وهم الذين يؤثرون في القرار وفي الساسة في دول الغرب.
كلنا سافرنا للغرب والتقينا غربيين لقاءات فردية وجماعية .. الغربي هو إنسان ولديه الاستعداد للاستماع والقناعة لكن هذا يتبخر مع أي تصرف أرعن أو هجمة إعلامية مضادة. العمل الفردي لا يؤدي إلى نتيجة ..والعمل في اتجاه واحد كذلك ..مهما أجرينا من تحسينات على خطابنا الإعلامي سيظل قاصراً طالما نسير في اتجاه واحد ..لازلنا عالماً غامضاً بالنسبة لهم ..لا يستطيع أي أجنبي زيارة المملكة والاطلاع على حضارتها ومعالمها وثقافتها مالم تتم دعوته من قبل جهة رسمية أو تحت كفالة فرد ..وهذه واحدة من أكبر معوقات الانفتاح على الآخر وتوصيل خطابنا إليه. حتى المكاتب الإعلامية – إن وجدت – في السفارات السعودية في الخارج فدورها لا يتجاوز دور مكاتب العلاقات في الدوائر الحكومية في الداخل.
- توصيات لتطوير خطابنا الإعلامي تجاه الغرب
ذكر د. عبدالله بن ناصر الحمود مجموعة من المقترحات التي من شأنها تغيير الخطاب الإعلامي نحو الغرب وتشمل ما يلي:
- العمل بمبدأ “التخطيط الاستراتيجي المتكامل” وهو الفعل الذي يتجاوز العمل المؤسسي الحكومي المباشر ويقوم على الشراكة المجتمعية في مواجهة المخاطر.
- الإقدام على تحقيق الإصلاحات الإعلامية والاتصالية اللازمة في هيكلة الإعلام في المملكة بوتيرة أسرع، وبثقة أكبر. إن الوضع الراهن، وضع مثير للقلق وللشفقة على حد سواء.
- تقوية الأجهزة القانونية الرسمية، ودعم إنشاء هيئات وجمعيات أهلية قانونية للمحاسبة القانونية لدى المنظمات والمحاكم الدولية لكل من يعتدي على المملكة كيانا وحكومة وشعبا ومكتسبات.
- تفنيد الاصطفاف الإعلامي والاتصالي الطائفي والمذهبي الذي بات يظهر في شبكات التواصل المجتمعي على مستويات عدة، ويهدد المصالح الاستراتيجية للبلاد.
- دعم ومساندة الجهود الإيجابية الراهنة لمواجهة التحديات الإعلامية والاتصالية، ولإيصال الصور الحسنة عن المملكة وتعزيزها، مما يقوم به شباب وشابات خليجيون مهتمون وفاعلون في شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضافت د. الجازي الشبيكي إلى مقترحات د. عبدالله بن ناصر الحمود جانباً هاما في تصحيح ومعالجة الوضع على المدى الطويل وهو حول ضعف مُخرجات كليات وأقسام الإعلام في بلادنا عن مواكبة قوة التأثير الإعلامي العالمي ، فلا بد من الالتفات الجاد لتحسين وتطوير مناهج وأساليب تلك الكليات والأقسام لمواكبة التحديث والسباق التنافسي الإعلامي العالمي الفاعل والمؤثر.
في حين يرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن خطابنا مع الغرب لابد أن ينطلق من ثلاثة أمور:
- الحديث ( بثقة واعتزاز ) عن هويتنا الإسلامية عموما والسعودية خصوصا وبيان جوانب الإشراق والإيجابية بشكل مكثف ومحترف.
- نقل حواراتهم حول قضايانا التي في بعضها يكون لديهم فيها وجاهة في الطرح إلى دائرة الدبلوماسية.
- الحديث عن قضايا المسلمين عموما والعرب خصوصا والسعوديين أخص بشكل مكثف في قنواتهم الإعلامية المتاحة المرئية والمسموعة والمكتوبة والتي تواجه عدم الاحترام لديهم بل قد تصل للقمع والاعتداء ( قضايا الحجاب – والإرهاب المركز على كل مسلم – والعنصرية – والاعتداءات بالقتل والأذى – و التصغير الفكري لكل منتج إسلامي وعربي – التدخل في الشؤون الداخلية – عمليات الاختراق الأمني و السياسي والاجتماعي لفرض ممارسات معينة وخلق الفوضى…)
في المقابل لابد أن تولي الدولة بكل مكوناتها الأولوية للوصول لصيغة توافقية وإصلاحية لقضايا الداخلية بعيد عن سلطة الأجنبي الذي قد يصل تحكمه فينا بالتأثير على ترتيب أولوياتنا فإذ بهم يمارسون دور صاحب البيت.
ومن جهته أشار م. أسامة كردي إلى النقاط التالية:
- ما زالت أهدافنا من تغيير صورتنا النمطية في الغرب غير واضحة.
- من الخطأ العمل على نقل الصورة الحقيقية عنا للغرب بشكل عام لاستحالة ذلك ، و المطلوب هو توجيه رسائلنا إلى متخذي القرار و المؤثرين عليه. و بالتالي لابد من تحديد هؤلاء و التعرف إليهم عن قرب.
- أهمية استخدام الرسائل (الإيجابية عنا و الابتعاد عن الرسائل السلبية عن غيرنا.
- ليس اعترافاً بنظرية المؤامرة، و لكن لا بد أن نقتنع بأن هناك من يعمل ضدنا ليفشل أهدافنا مثل إسرائيل و إيران لأننا نشكل خطراً عليهم.
- أن نعترف بأن لدينا نقاط ضعف تؤثر على مجهوداتنا في هذا الإطار لخصها أحد الخبراء في أربعة أمور هي: قيادة المرأة و كفالة العمال و ارتفاع عدد الإعدامات و توهم ارتباطنا بالإرهاب.
- غياب العمل المنظم الذي يعترف بالدور الرئيسي للمجتمع المدني في هذا الموضوع. و يعد المشاركين للتعامل مع الإعلام و الكاميرات و الميكرفونات و الأقلام.
- أن صورتنا السلبية موجودة لدى أقرب الشعوب إلينا و ليس في الغرب فقط.
ويرى أ.د. عبدالرحمن العناد أن خطابنا مع الغرب أو مع غيرهم لن يكون مفيدا ومؤثرا مهما تطور مالم يكن واقعنا متطورا؛ ولذا فإنه يؤكد على أهمية التركيز على تغيير واقعنا والإفادة مما يثيره الإعلام الغربي حولنا في مجالات عدة وأهمهما حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات بما في ذلك الحريات الدينية .. وغيرها لنعمل على تعزيزها وتحسينها من أجلنا أولا؛ ومالم يكن واقعنا جيدا فإن أي إعلام أو خطاب مع الآخر سيكون مختلا ولن يفيد.
إن الصور النمطية عن العرب والصحراء والنفط والجمال …. لن تتغير أو تتبدل بسهولة … النمطية ثابتة راسخة عندنا وعند غيرنا عن الشعوب الأخرى…. فرغم تقدم اليابان والصين مثلا وحتى البريطانيين والإيطاليين لا تزال صورهم النمطية تتكرر في الإعلام وفي هوليوود.
لا ينبغي أن نهتم كثيرا بتغيير الصور النمطية الراسخة القديمة المرتبطة بالجمل والنفط والصحراء مثلا لكن مهم أن نغير الصور الحديثة عنا كإرهابيين أو حتى متطرفين فقط ومنتهكي حقوق الإنسان الأساسية…. وهذا لا يكفيه خطاب وإنما تغيير حقيقي في واقعنا.
ويرى أ. عبد المحسن القباني أن القضية ليست إعلام بل خطاب كامل. خطاب سياسي و نخبوي و شعبي و إعلامي. ومن ناحية أخرى ثمة تساؤلات: لماذا يهاجمون المملكة عند موضوع غير عقلاني وهو قيادة المرأة للسيارة، فيما لا نهاجمهم على قضية غير عقلانية كذلك مثل تشريع زواج المثليين أو حمل السلاح ونسبة القتل الكبير؟ قضية السيارة هي غير عقلانية و لا يقبلها المنطق. كذلك تشريع الزواج هي مسألة غير عقلانية و لا يقبلها منطقنا. لماذا لا نهاجمهم في خطابنا على تلك القضايا؟ فكلا الطرفين يرتكبون ممارسات غير عقلانية.
ويرى أ. مسفر الموسى أن هذا النموذج ربما يكون قاعدة أي حوار عن أي علاقة بين الدول النامية والدول الصناعية.. مسألة الخطاب رغم أهميتها سابق لأوانه قبل إيجاد الوسائل الاتصالية الإعلامية مع الغرب.. هنا تشرح نظرية الاختلال والتدفق المعلوماتي مسارات الاتصال الحتمية بين دول المحور وبقية العالم.. الشمال والجنوب.. إذا استطعنا إيجاد منافذ في وسائلهم التي يعتمدون عليها، فإن أمر الخطاب وأساليبه يبقى أمرا لاحقا.
وأوضح م. حسام بحيري أنه حتي لو أتينا بأفضل الخبرات الإعلامية في العالم العربي كيف سيعملون وينتجون تحت ظل القوانين الإعلامية المعمول بها في عالمنا العربي. لن يتمتعوا بأي استقلالية ولا يوجد أي قانون فعلي يحميهم أو بنية قانونية تسمح لهم بالعمل بحرية. و من المهم تفعيل دور المنظمات غير الحكومية في حقها عن الدفاع عن بلدها إعلاميا والبدء بإعطاء استقلاليه للإعلام ولكن السؤال هو هل سنظل نعتمد على مؤسسات حكومية أثبتت فشلها الذريع في الدفاع عن الدين والدولة للرد على الحملات الإعلانية الغربية السلبية. نحتاج إلى إعادة تقنين وتنظيم إعلامنا بصورة أشمل لنتمكن من الاستفادة من الخبرات الموجودة لدينا.
واتفقت أ. إيمان الحمود مع ذلك وأضافت أن المشكلة هي عندما تعرف بأن هذه القوانين هي أحد الأسباب الحقيقية التي تقف خلف تشويه سمعة المملكة .. عندما تصر على التعامل بأسلوب الثمانينات مع إعلام متسارع لا يهدأ خارجيا.
وأشارت د. منيرة الغدير إلى أنه لدينا الكثير من المفكرين والكتاب الذين يستطيعون الحوار مع الإعلام الغربي وهم أكثر تأثيراً من المسؤول أو المتحدث الرسمي. واتفقت مع م. حسام البحيري في أن عدد كبير من الصحافيين في الغرب “يعتبرون أنفسهم حماة القيم الغربية الديمقراطية في مجتمعاتهم” وهذا ينبثق من مهمة ورسالة الخطاب الاستعماري القديمة، لكن لا نرى تنظيم وإدارة ” perception management ” عن المملكة بهذا الشكل المتعمد والمباشر. إن ما نراه ونعاني منه هو نتاج لصناعة الشرق الأوسط في الخيال الغربي.
وأضافت: أيضا فهمي للخطاب الإعلامي الأمريكي متأثر بما ناقشه إدوارد سعيد في كتابه (الثقافة والإمبريالية) في الفصل الرابع، ” Freedom from Domination in the Future” حيث وضح كيف أن الإعلام الأمريكي حل بديلاً عن الرواية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين والتي صورت واستحوذت على الخطاب الاستعماري الذي لم يلتفت إليه النقد الماركسي أو الثقافي. في هذا الفصل من الكتاب يشرح إدوارد سعيد علاقة الخطاب الإعلامي الأمريكي بالإمبريالية الأمريكية ويؤكد فيه أن الاستعمار لم ينتهي بعد نهاية الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية مثل بريطانيا وفرنسا. وإحدى النقاط التي أشار إليها هي صناعة إقناع الرأي العام الذي قام به الإعلام الأمريكي “بجدارة” ويستشهد إدوارد سعيد بحرب الخليج.
وترى د. عائشة حجازي: أن إعلامنا يحتاج إلى استراتيجية مدروسة من متخصصين وتأهيل كوادر لديها سمات ومواصفات تصلح أن تكون واجهتنا الإعلامية. فنحن نفتقر للطرح المتوازن الذي يساعدنا على توضيح من نحن في خريطة العالم الإعلامي؛ على الرغم من أن لدينا كثير من القضايا والمواضيع التي تستحق بشدة أن يتناولها محترفي الإعلام المتخصصون وإظهار صورتنا بشكل حقيقي .
وأوضح أ. أسامة نقلي أنه قد تلاشت الخطوط بين ما كان يسمى بالخطاب الإعلامي الخارجي والخطاب الإعلامي، وأصبح كل ما يقال في الداخل يجد صدىً واسعاً في الخارج، والعكس صحيح. والخطاب الإعلامي أصبح مسؤولية الجميع دون استثناء ، فكل جهة حكومية أصبحت مسؤولة عن القضايا التي تندرج تحت مسؤوليتها؛ فعلى سبيل المثال السياسة النفطية هي مسؤولية أصيلة لوزارة الطاقة، بينما تظل ثانوية لوزارة الخارجية والإعلام، وكذلك الحال بالنسبة لوزارات الشؤون الإسلامية والصحة والتجارة .. الخ ، وبدون شك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني تعتبر جزء لا يتجزأ من هذا الخطاب.
ومن ناحية أخرى فإن الرسالة الإعلامية هي منتج، يحتاج إلى تسويق، مثله مثل أي منتج آخر، تماماً مثل صناعة الإعلانات ولكن على مستوى آخر؛ وهذا بدوره يتطلب إلى مهارة عالية في صياغة الرسالة وتسويقها في الأسواق العالمية، وبما يضمن قبولها لدى الجمهور بمختلف فئاته وتياراته المجتمعية، فعلى سبيل المثال؛ إسرائيل ورغم كل المجازر التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني، إلا أنها استطاعت أن تسوق نفسها باعتبارها الضحية، وبأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة تعج بقانون الغاب.
وهذه الرسالة لم تأت من فراغ ، بل نتيجة عمل ممنهج، وعبر بيوت خبرة إعلامية محترفة في صناعة الرسالة الإعلامية، وليس من المفترض أن تكون بيوت الخبرة هذه ظاهرة للعيان ، أو تستشعر عملها، بل الأهم مشاهدة النتائج على المديين القصير والطويل. والإعلام والعلاقات العامة أصبح اليوم فن متخصص له قواعده وأصوله تلجأ له معظم الدول ، بل والحملات الأمريكية الرئاسية والنيابية.
وتطرق أ. جمال ملائكة إلى المسألة المتعلقة بأمور الحريات و الخطاب الديني لدي شريحة كبيرة؛ حيث أوضح أنه خطاب متشدد أحادي النظرة ، كذلك فإن خطابنا مع الغرب سيفشل حتما ذلك أنه طالما عندنا هذه التشوهات و غيرها فمهما فعلنا و مهما صرفنا من أموال فسيكون ضياع للجهود و الأموال و خاصة مع وجود الأخطبوط الإعلامي الصهيوني المتنفذ في الغرب. الحل هو أن نقوم بمعالجة مشاكلنا الخطيرة و أهمها كيف نفهم ديننا و كيف نقبل الرأي الآخر و نحترمه و نعطيه المساحة ليعبر و يطبق ما يؤمن به طالما لم يكن مناقضا ل “الثوابت” الدينية الأساسية و الأخلاق. و أول الغيث هو إعادة التفكير في “البرامج التعليمية” و حسب القراءات فإن ما نغرسه في الطفل من ثلاثة سنوات و حتي ٦ أو ٧ سنوات هو ما يرسخ في وجدانه. علينا معالجة وضعنا و نتحمل لمدة جيل واحد نغرس فيه قيم الحوار و احترام الغير و التعددية و احترام البشر و المرأة و نبذ العنف باللسان و اليد و احترام النظام من نظافة و مرور.. الخ، كما أنه لا بد من إعادة تأهيل المعلمين و الخطباء الخ. قد يختلف البعض من ناحية أن الموضوع هو الخطاب الإعلامي و لكنه في الحقيقة موضوع “ثقافة” تُغرس منذ الصغر و بعدها سيري العالم من نحن و بغير ذلك سيفشل خطابنا ليس فقط مع الغرب بل مع أطفالنا و شبابنا و شاباتنا.
أما م. خالد العثمان فذكر أنه في الحقيقة ضد نظرية المؤامرة بالعموم ليس لأنها غير ممكنة أو غير حاصلة ربما بل لأنها لا يصح أن تكون وسيلة لتبرير التخاذل والتقصير في أداء واجبنا ودورنا المحتوم .. علينا في كل الأحوال تبني منهج وقائي علاجي يعود بالنفع على مكانتنا الدولية وخططنا الاستراتيجية بدون أن تعيقنا مؤامرات الآخرين وخططهم العدوانية، وهناك الكثير مما يجب علينا علاجه في الداخل .. في تعاطينا مع قضايانا وأسلوب حوارنا وتواصلنا المجتمعي ووحدتنا الوطنية قبل أن نلقي باللائمة على الآخرين في ضعفنا في وتخاذلنا.
ومن وجهة نظر د. مساعد المحيا فإننا نتوهم النجاح في إمكانية الاتصال بالآخرين دون أن نبرز اعتزازنا بثقافتنا وهويتنا، ودون أن ننجح في نقل عظمة هذا الدين وما يشتمل عليه من قيم تتمثل في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. نحن لا يمكن أن نكون أصحاب هوية وقيم رائعة وخالدة ونحن ننظر لنجاح تواصلنا بأنه لن يتم إلا حين نخلع هويتنا وقيمنا. طبعا قيم الإسلام تتيح كثيرا من أوجه الاتصال والتواصل مع كل الثقافات والانفتاح عليها بل يعلمنا الإسلام أن لا نزدري دينهم ولا عقائدهم ..” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ..” المجتمع المسلم يمتلك الكثير من الإيجابيات التي ينبغي أن تتمثل في خطابنا بدلا من تفريغ هذا الخطاب فتتوه بوصلته.
وأضاف د. خالد الرديعان أن الإسلام تعرّض في العقدين الأخيرين إلى تشويه خطير بسبب الإرهاب والجماعات الإرهابية التي مارست ابشع الأعمال باسم الإسلام.. نحن بحاجة ماسة قبل كل شيء إلى تحسين صورة الإسلام والقضاء على الأعمال الإرهابية والحد من التطرف.. لسوء الحظ فإن هذا لن يتأتى بسهولة في ظل التناقض الذي نراه في الخطاب الإسلامي المعاصر. لقد وصلنا إلى مرحلة نشعر من خلالها بوجود صدام بين الإسلام والحداثة بسبب هذا التناقض. هل يمكن تحسين صورة الإسلام من خلال شركات علاقات عامة؟ هل يكفي ذلك؟ ما الذي يقدمنا للعالم بصورة جيدة كمسلمين؟
وترى أ. مها عقيل أن من المهم أيضا تطبيق ما نقوله عن الإسلام. أي أن نجسد قيم الإسلام ومبادئه في أفعالنا وأقوالها ولا تتناقض أفعالنا مع أقوالنا حين نتحدث عن سماحة الإسلام واحترام الآخر والتخلق بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وهناك الكثير من مبادرات الشباب في فعل الخير والتطوع والمشاريع الصغيرة التنموية، بالإضافة إلى المشاريع الفنية والثقافية والبيئية والصحية وغيرها، لو نقدم هذه النماذج الإيجابية للغرب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والحوارات المباشرة نستطيع أن نسهم في تغيير كثير من الصور النمطية عن مجتمعنا.
وأكد د. مساعد المحيا أنه بالفعل هناك الكثير من المبادرات التي تحمل أنموذجا يمكن أن يتم تقديمه لوسائل الإعلام والدبلوماسية الغربية وللمجتمعات الغربية بحيث يكون هذا من قوة الإعلام الناعمة ومن خطابنا الإعلامي الذي تجسده مؤسسات خيرية ومبادرات خيرية.
وتعتقد أ. هيا السهلي أننا بحاجة إلى استبدال خطابنا الإعلامي لا تغييره. فخطابنا الإعلامي مرت به ثلاثة عقود إلا قليلا وهو خطاب دعوي . ونجومنا التي نصنعها ونصدرها للعالم انحصرت في علماء الدين وخطباء الجمعة وعقدين بعدها بقي خطابنا فيها متأرجحا بين التبرير عن خطابنا في تلك العقود وتبرئة ساحتنا من خطابات متشابه أو انبعجت منها! أما وحصل ما حصل وكان ما كان من خطابنا الذي فرضته المرحلة وصفقت له نفس الدول التي تهاجمنا ! فالآن لابد من خطاب إعلامي جديد لهذه المرحلة، خطاب يتحول من “الندية” أو دائرة الدفاع ونفي التهم إلى دائرة البحث عن نقاط وقنوات مشتركة بيننا وبين الآخر، خطاب يتحول من خطاب دعوي إلى كلمة سواء ! نحن مسلمون وهم غير مسلمين، إذا لنستبعد الدعوة والإسلام كقناة بيننا وبينهم. لدينا ثقافتنا وتراثنا ومفكرينا ومبدعينا وعلماء ولديهم مثل ذلك، لدينا فن وعندهم مثل ذلك.
أيضا فإن لدينا شباب من مبتعثين ومبدعين يملكون اللغة ومفاتيح السوشيال ميديا وينتجون إنتاجا إعلاميا نوعيا، هؤلاء طاقة إن لم تكن هناك مبادرة رسمية أو خاصة لتمكينهم وتحويلهم إلى واجهة إعلامية لنا فإننا نعدمُ خيرا كثيرا ، المشكلة يسرقهم الإعلام الفضائي من منابتهم فيتماهون مع القنوات الفضائية بسماجة !
وأخيراً فإنه وفي عالم تقوده المصالح وملفات الابتزاز لتمتص اقتصادك أو تثنيك عن قرارك لابد أن تظهر في الإعلام بصورة القوي عندما يطرح ملف إطرح ملفك باستراتيجية إعلامية إن لم تكسب من أمامك تحافظ على من خلفك. وعندما يفتح ملف من ملفاتك المتعثرة أو المؤجلة فإما تقفله أو تحققه ولا تجعله قضية تسحب الضوء من ملفات مهمة لك عند طرحها.
وأكد م. خالد العثمان على بعض التوصيات المهمة وتتضمن:
- تبني مبادرات ثقافية وحضارية تبرز الوجه الحضاري للسعودية كبديل عن الحديث عن المواقف السياسية والدينية وغير ذلك مما يمكن أن يساء فهمه.
- تأسيس مراكز للإعلام المقارن بعيدة عن المظلات الحكومية تقوم بدراسات مقارنة للخطاب الإعلامي الدولي والغربي والمحلي.
ومن جهتها أوصت د. منيرة الغدير بما يلي:
- رصد الميزانيات للمشاريع والمبادرات الإعلامية المتخصصة وخلق التسهيلات اللوجستية لإنشاء مراكز البحث/ بيوت الخبرة والمعاهد المهتمة بالدراسات الإعلامية المقارنة.
- تطوير التعددية الإعلامية المرئية والمكتوبة وتنويعها وإثراء مادتها.
- التركيز على الإعلام الجديد وتشجيع الجهود المؤسساتية أو الفردية لإنشاء منصات إعلامية جديدة عابرة للقارات بعيداً عن العزلة الثقافية وخاصة في التحليل وفهم القضايا السياسية.
وذهبت أ.د فوزية البكر إلى أن السعودي يقع في ازدواجية نافرة: الشغف بكل ما هو غربي إلا معرفة الإنسان الغربي وفهم وتحليل ثقافته وحضارته؛ الغرب لا يري الإنسان في السعودية ولا يعرف حقيقته إلا في صورة نمطية و صور بدائية عنيفة وبينهما الأهم وهو طريقة التفكير وطريقة التحليل. وصناع القرار الأمريكي يختزلون دور المملكة والعالم العربي في أيدولوجيات دينية واتهامات العنف؛ يجب معرفة وتحليل أسباب ذلك وعدم الوقوع في المصيدة، ومناقشة غياب الصور الإنسانية للسعودية وإعادة خلقها. لقد حان الوقت أن يساهم الإعلام السعودي في تشكيل الوعي والراي العام المحلي بعيدا عن تفسير ناقص للمواقف الأمريكية (النقص المعرفي والاختلاف في منهجية التفكير والتحليل) مع الحد من الأدلجة والدخول في حروب خاسرة.
وأضافت د. نوف الغامدي لغة الأرقام كلغة حوار، وكمثال ماذا لو أضفنا لإجابتنا عن قضية العنف ضد المرأة إحصائيات عالمية موثقة ومثبتة حول قضية العنف ضد المرأة عالمياً؟ ماذا لو أخذنا هذه الأرقام والحقائق ووضعناها أمام العقل الغربي في صورة خريطة للكرة الأرضية نكتب عدد القضايا المثبتة للعنف ضد المرأة في كل قارة على حدة مثلاً، أو كل دولة إن أمكن.
وأكد أ. خالد الوابل على أننا بحاجة لمجتمع مدني فاعل بمؤسساته ليخاطب الغرب عبر مؤسساته المدنية، ولكن قبل هذا يجب علينا التصالح مع داخلنا، فنحن لا نريد تحسين الصورة بل لنقل الصورة كما هي لأنه لم يعد هناك ما نستطيع إخفاءه،؛ علاقاتنا مع الغرب لعقود كانت محصورة باللقاءات الرسمية فقط؛ الخطاب الحكومي الذي يحاكي الغرب يسمى “بروباغاندا” وليس له أي مصداقية وهم يعرفون ذلك جيداً.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- م. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- أ. أسمهان الغامدي
- د. الجازي الشبيكي
- أ. إيمان الحمود
- د. حمزة بيت المال
- أ. جمال ملائكة
- د. حاتم المرزوقي
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حسين الحكمي
- د. حميد المزروع
- أ. خالد الحارثي
- د. خالد الرديعان (رئيس لجنة التقارير)
- م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- أ. خالد الوابل
- د. خالد بن دهيش
- د. زياد الدريس
- أ.د. سامية العمودي
- اللواء د. سعد الشهراني
- أ. سعيد الزهراني
- أ. سليمان العقيلي
- أ. سمير خميس
- د. عائشة حجازي
- د. عبد الرحمن الجضعي
- أ.د. عبدالرحمن العناد
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- د. عبدالسلام الوايل
- د. عبدالله العساف
- د. عبدالله المطيري
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- أ. عبد المحسن القباني
- اللواء د. علي الحارثي
- أ. علياء البازعي
- أ. فاطمة الشريف
- د. فايز الشهري
- د. فهد العرابي الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. كوثر الأربش
- أ. ليلى الشهراني
- أ. ماجد العصيمي
- د. مساعد المحيا
- أ. مسفر الموسى
- أ. مها عقيل
- د. منيرة الغدير
- د. منصور المطيري
- د. ناصر آل تويم
- د. ناصر القعود
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
- أ. ولاء نحاس
- د. وفاء الرشيد
- د. ياسر البلوي
* – للتوضيح : COBIT هي معايير الأيزو الخاصة بأمن المعلومات.
(*) – تجدر الإشارة إلى أن الأرقام المذكورة حتى تاريخ ٢٠/٢/٢٠١٧م.
([1]) د. ضياء مجيد الموسوي, النظرية الاقتصادية (التحليل الاقتصادي الجزئي) ديوان المطبوعات الجامعية, ص, 231.
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 24