التقرير الشهري رقم (26) مايو 2017م

ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر مايو 2017م العديد من الموضوعات المهمة، والتي تمَّ طرحُها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا الآتية:

  • تعزيز قيم الإنتاجية في العمل.
  • تجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات تحقيق رؤية المملكة 2030 “سناب تشات نموذجًًا”.
  • قراءة تحليلية لمقابلة الأمير محمد بن سلمان مع الإعلامي داود الشريان حول رؤية المملكة 2030.
  • التعليم العالي الأهلي.. داعم لتنمية حقيقية.
  • السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية.

محتويات التقرير

المحور الأول: تعزيز قيم الإنتاجية في العمل.

  • الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي.
  • التعقيب الأول: أ. جمال ملائكة.
  • التعقيب الثاني: د. حميد المزروع.
  • المداخلات حول القضية:
  • ملامح الوضع الراهن لقيم الإنتاجية في العمل.
  • آليات تعزيز قيم الإنتاجية في العمل.

المحور الثاني: تجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات تحقيق رؤية المملكة 2030 “سناب شات نموذجًا”.

  • الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي.
  • التعقيب الأول: د. حامد الشراري.
  • التعقيب الثاني: أ. عبد الرزاق الفيفي.
  • المداخلات حول القضية:
  • مؤشرات الواقع وإشكالاته.
  • التوصيات المقترحة لتجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات الرؤية.

المحور الثالث: قراءة تحليلية لمقابلة الأمير محمد بن سلمان مع الإعلامي داود الشريان حول رؤية المملكة 2030.

المحور الرابع: التعليم العالي الأهلي.. داعم لتنمية حقيقية.

  • الورقة الرئيسة: د. عبد الله بن صالح الحمود.
  • التعقيب الأول: د. خالد بن دهيش.
  • التعقيب الثاني: د. طلحة فدعق.
  • المداخلات حول القضية:
  • ملامح الوضع الراهن للتعليم العالي الأهلي.
  • مقترحات لتنمية مؤسسات التعليم العالي الأهلية في المملكة.

المحور الخامس: السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية.

  • الورقة الرئيسة: د. مشاري النعيم.
  • التعقيب الأول: م. خالد العثمان.
  • التعقيب الثاني: د. خالد الرديعان.
  • المداخلات حول القضية:
  • أبعاد العلاقة بين السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية.
  • التوصيات المقترحة لإحداث التناغم بين السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية.

المحور الأول

تعزيز قيم الإنتاجية في العمل

الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي:

«الإنتاجية» يُساء فهمها كما يُساء استخدامها- مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الاقتصاد الخليجي، وأن يتم قياس الإنتاجية وفقًا لمعايير منهجية يكون أساسها ربط جهد العمل المبذول في القطاعات المختلفة بعملية التنمية المستدامة.

تعزيز قيم الإنتاجية في العمل:

من المتفق عليه أهمية تطوير المهارات من أجل الحفاظ على نمو الإنتاجية والعمالة – في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء. وتطوير المهارات مهم في مكافحة الفقر، وفي الحفاظ على القدرة على المنافسة، والقابلية للاستخدام. ويعزز التعليم والتدريب والتعلُّم المتواصل حلقة حميدة، تشمل زيادة الإنتاجية، والعمالة الجيدة، والدخل، والنمو والتنمية.

فهم الإنتاجية :

  • “تقوم الإنتاجية على علاقة بين النواتج وعوامل الإنتاج. وتحدث عند حدوث ارتفاع في الناتج مقترن بارتفاع أقل تناسبًا في عوامل الإنتاج، أو عندما ينتج الناتج ذاته بعوامل إنتاج أقل” ويمكن أيضًا تناول الإنتاجية من منظور نقدي. فإذا ارتفع الثمن المتقاضى لقاء ناتج ما دون زيادة في تكلفة عوامل الإنتاج، فيعتبر ذلك أيضًا زيادة في الإنتاجية (وذلك عائد- مثلًا- إلى زيادة في الأسعار العالمية للسلع الزراعية أو المعادن).
  • ويُمكن قياس الإنتاجية إما على أساس عوامل الإنتاج مجتمعة (إنتاجية إجمالي العوامل)، أو على أساس إنتاجية العمال، وهي الناتج للوحدة من إنتاج العمال، وتُقاس إما بعدد الأشخاص العاملين، أو بعدد ساعات العمل، ولبحث مستويات الإنتاجية في مختلف البلدان على نحو مفيد.
  • ويمكن أن تُفهم تحسينات الإنتاجية أيضًا على مستويات مختلفة. إذ يمكن أن تتجلى إنتاجية الأفراد في معدلات العمالة، أو معدلات الأجور، أو استقرار العمالة، أو الرضى عن الوظيفة، أو القابلية للاستخدام في مختلف المهن أو القطاعات. وعلاوة على الناتج لكل عامل، يمكن قياس إنتاجية المنشآت بالحصة السوقية، وأداء مهارات من أجل تحسين الإنتاجية ونمو العمالة والتنمية.
  • ويمكن أن يُعزى ارتفاع الإنتاجية على أي مستوى إلى عوامل متنوعة، منها- مثلًا-: تجهيزات رأس المال الجديدة، أو التغييرات التنظيمية، أو تعلُّم مهارات جديدة في العمل أو خارجه. وتتأثر الإنتاجية بعوامل على مستوى الفرد، مثل: الصحة، والتعليم، والتدريب، والمهارات الأساسية، والخبرة؛ وعوامل على مستوى المنشأة، مثل: الإدارة، والاستثمار في المصانع، والتجهيزات، والسلامة والصحة المهنيتين؛ وعوامل على المستوى الوطني، مثل: سياسات الاقتصاد الكلي، والمنافسة الوطنية، واستراتيجيات النمو الاقتصادي، وسياسات الحفاظ على بيئة أعمال مستدامة، والاستثمار العام في البنية الأساسية والتعليم.

الإنتاجية والعمالة والتنمية: 

إن نمو الإنتاجية يمكن أن يزيد الدخل، ويُحد من الفقر في حلقة حميدة. ويخفض نمو الإنتاجية تكاليف الإنتاج، ويزيد عائدات الاستثمار، التي يتحوّل بعضها إلى دخل لأصحاب المشاريع والمستثمرين، وبعضها الآخر إلى أجور أعلى. ويمكن أن تنخفض الأسعار، وينمو الاستهلاك والعمالة، ويتخلص الناس من الفقر. ويساهم في الحلقة الحميدة أيضًا الجانب الاستثماري للاقتصاد عندما تعيد الشركة استثمار بعض مكاسب الإنتاجية في تجديد المنتجات والعمليات، وتحسين المصانع والتجهيزات وتدابير التوّسّع في أسواق جديدة؛ مِمَّا يفضي إلى زيادة نموّ الناتج والإنتاجية.

وعلى المدى الطويل، تشكل الإنتاجية المحدد الرئيس لنمو الدخل؛ إذ تزيد مكاسب الإنتاجية الدخل الحقيقي في الاقتصاد، الذي يمكن توزيعه من خلال زيادة الأجور. والاستراتيجيات الإنمائية القائمة على انخفاض الأجور والمهارات استراتيجيات غير مستدامة على المدى الطويل، ومتعارضة مع الحدّ من الفقر.

فالاستثمار في التعليم والمهارات يساعد على “توجيه” الاقتصاد نحو أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، وقطاعات ذات نمو ديناميكي.

وإذ تتغير أنماط الاستهلاك والإنتاج يُعاد تنظيم العمل استجابة للطلبات والتكنولوجيات الجديدة. غير أن إعادة التنظيم لا تحدث تلقائيًا، وقلما تجري بسهولة. ويتأثر العمال والمنشآت تأثُّرًا مختلفًا. فقد تجد بعض المنشآت نقصًا في مهاراتها، في حين تواجه منشآت أخرى فائضًا فيها. وقد برع شومبيتر في استيعاب هذا التناقض، إذ وصف عملية التجديد في اقتصادات السوق بأنها عملية “هدم بنّاء”، ومن المهم أن يستفيد العمال والمنشآت معًا من زيادة الإنتاجية. فزيادة الإنتاجية قد تمكِّن المنشآت من إنجاز استثمارات جديدة، ونقل عمليات الابتكار والتنويع والتوسيع إلى الأسواق الجديدة الضرورية لتحقيق النمو مستقبلًا. وقد تؤدي زيادة الإنتاجية إلى ارتفاع دخول العمال، وتحسين ظروف العمل، وزيادة الإعانات، وتخفيض ساعات العمل؛ وهو ما قد يزيد بدوره من رضا العمال عن عملهم، ومن حماسهم له .

الإنتاجية والعمالة لإنعاش التنمية:

لا بد من السعي إلى تحقيق نمو العمالة والإنتاجية في آن معًا، بما أن المشكلة في العديد من البلدان النامية لا تكمن في انعدام فرص العمل، وإنما في انتشار فرص عمل غير منتجة بما يكفي لتوليد دخل لائق.

  • أولًا، يجب أن يفوق نمو العمالة بأجر في الاقتصاد المنظم معدل نمو القوة العاملة في الاقتصاد برمته؛ لضمان انتقال العمّال من الاقتصاد غير المنظم إلى عمالة منظّمة ولائقة وأكثر إنتاجية. ويتطلب ذلك قطاعات دينامية عالية النمو، “تتدارك الأمر” من خلال تنمية المنشآت، وتطوير المهارات التقنية والأساسية اللازمة لاستخدام التكنولوجيات الجديدة، والوصول إلى أسواق جديدة.
  • ثانيًا، يجب أن ترتفع إنتاجية العمّال في الاقتصاد غير المنظم، أي تتراجع البطالة الجزئية والفقر على نحو تدريجي.

ربط الإنتاجية والعمالة والتنمية: 

تلبية الطلب على المهارات من حيث الملاءمة والنوعية. يتعين على سياسات المهارات:

1-تطوير مهارات ملائمة، وتشجيع التعلُّم المتواصل، وتوفير مستويات عالية من الكفاءات، ونسبة كافية من العمال الماهرين لتحقيق التكافؤ بين عرض المهارات والطلب عليها. وعلاوة على ذلك، لا بد من تكافؤ فرص الوصول إلى التعليم والعمل؛ تلبية لطلبات جميع شرائح المجتمع على التدريب. والسياسات الرامية إلى تلبية الطلب على المهارات تساهم في الإنتاجية والقابلية للاستخدام والعمل اللائق، للأسباب التالية:

  • يمكن أن تستخدم المنشآت التكنولوجية على نحو فعّال، وأن تستغل إمكانات الإنتاجية بالكامل.
  • يكتسب الشباب مهارات قابلة للاستخدام، تسهل انتقالهم من المدرسة إلى العمل، واندماجهم السلس في سوق العمل.
  • يبني العمال كفاءات ويعززونها، ويطورون مسارهم المهني في إطار عملية تعلُّم متواصل.

2-تخفيف تكاليف التكيف. تخفض سياسات التدريب وبرامجه، وهي التكاليف الواقعة على كل فئات العمال والمنشآت المتأثرة سلبًا بالتغيرات التكنولوجية أو السوقية. وقد تحمل هذه التغيرات الخارجية المنشآت على التكيف، أو تقليص الحجم، أو حتى الإغلاق. والعمال معرضون لفقدان وظائفهم، كما أن مهاراتهم قد تتقادم.

3- مواصلة عملية إنمائية ديناميكية. على مستوى الاقتصاد والمجتمع، لا بد من أن تبني سياسات تطوير المهارات، القدرات والنظم المعرفية التي تساهم في عملية تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة وتحافظ عليها. وينطلق هدفا تكافؤ المهارات وتخفيف التكاليف.

بناء القدرة الوطنية على الاستجابة للتحديات الخارجية، ودمج سياسات تطوير المهارات في استراتيجيات التنمية الوطنية، وتطوير العمليات الثلاث التالية:

  • الارتقاء بالتكنولوجيات، وتنويع الأنشطة الاقتصادية بالاتجاه نحو قطاعات غير تقليدية. عندما يقترن التحسين التكنولوجي بالاستثمار في قطاعات غير تقليدية (التنويع) يصحب نمو الإنتاجية نموًّا في العمالة.
  • بناء كفاءات الأفراد وقدرات المجتمع. يشكل انتشار التعليم العام والكفاءات المهنية أساس القدرات الاجتماعية على الابتكار، ونقل التكنولوجيات الجديدة واستيعابها، وتعزيز الإبداع والتجديد، وتنويع هيكل الإنتاج بالاتجاه نحو أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، واجتذاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية القائمة على معرفة كثيفة، والاستفادة من الفرص العالمية.
  • جمع وتحديث ونشر معلومات عن متطلبات المهارات حاضرًا ومستقبلًا، وترجمة هذه المعلومات إلى تزويد فوري بالمهارات والكفاءات المهنية، والمتعلقة بإقامة المشاريع.

سلاسل قيم المنشآت وتجمعاتها:

(تحسين الإنتاجية ونواتج العمالة من خلال تطوير المهارات)

تنطوي الأشكال الجديدة لتنظيم الإنتاج القائم على تحالفات بين الشركات على تبعات مهمة بالنسبة إلى تطوير المهارات والتعلُّم في مكان العمل. وهي تمثل محاولات ابتكارية للجَمْع بين التكنولوجيا والمهارات والمعارف؛ من أجل استحداث منتجات ذات قيمة مضافة أعلى، تؤدي إلى ترتيبات عديدة. والتكنولوجيا الجديدة مهمة لابتكار المنتجات والعمليات المؤدية إلى تحسين القيمة المضافة. ويمكن إدماج التكنولوجيا الجديدة في المنتجات الجديدة، أو استخدامها لإضافة عناصر جديدة إلى منتجات موجودة.

والنماذج الجديدة لتنظيم الإنتاج، القائمة على التخصص في عمليات ذات قيمة مضافة داخل الشركات، وزيادة أوجه الترابط فيما بينها نماذج تتخذ عدة أشكال. إذ يمكن أن تكون عبارة عن نظم إنتاج منسّقة داخل سلاسل قيم متكاملة. وعادة ما يكون في هذا النموذج شركات كبيرة تحدد وتيرة الشركات الأخرى، وتؤدي إلى إدماج جميع المنتجين في نظام إنتاج موحّد. كما يمكن أن تكون عبارة عن تجّمعات محلية أو إقليمية للشركات، تعمل معًا بانتظام، أو تتعاون على إنجاز مشاريع مؤقتة. ويمكن أن تتقاسم هذه الشركات مجموعات متكاملة من الكفاءات داخل التجمع، أو أن تتقاسم موارد محلية متخصصة، مثل: الجامعات ومؤسسات البحث، أو أسواق العمل المتخصصة. وتنطوي نماذج الإنتاج الجديدة- أيًّا كان شكلها- على بعض التبعات المهمة بالنسبة إلى طرق تطوير المهارات في مكان العمل.

تحسين المهارات والإنتاجية في المنشآت الصغيرة: 

  • تنزع الإنتاجية والدخول وظروف العمل إلى التدهور كلما انخفض حجم المنشأة، وتدريب وتطوير المهارات عاملان مهمان في تحسين ظروف الاستخدام بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من العمال. وفي منشآت الاقتصاد غير المنظم، يشكّل التدريب وزيادة الإنتاجية استراتيجيتين مهمتين في الانتقال إلى الاقتصاد المنظم.
  • للمنشآت الصغيرة احتياجات خاصة من حيث تطوير المهارات. وغالبا ما يحتاج أصحاب المنشآت الصغيرة إلى تدريب في عدد من مهارات إقامة المشاريع. كما يحتاجون إلى عمال متعددي المهارات. فتاجر تجزئة صغير في السوق المحلي- مثلًا- لا يسعه استخدام مختص في التسويق لكنه قد يحتاج إلى عمال مدربين في جوانب عديدة من العمل، مثل: الرد على الهاتف، ومسك السجلات، وتعويض المخزون المبيعي، وعرض المنتجات، ولديهم معرفة دقيقة بمنتجات المحل؛ لذلك يحتاج أصحاب المنشآت الصغيرة ومديروها إلى مهارات يمكن استخدامُها فورًا، وتكون ملائمة لنطاق عملياتهم الخاص.
  • تواجه المنشآت الصغيرة عقبات في تدريب أصحاب المشاريع والعمال. فمكانتها في سوق العمل ضعيفة فيما يتصل باستخدام عمال ماهرين؛ ممَّا يزيد الحاجة إلى التدريب الداخلي. ومع ذلك فالمنشآت الصغيرة أقل قدرة من المنشآت الكبيرة على اعتماد تدريب رسمي.
  • يمكن أن يكون التدريب غير الرسمي داخل المنشأة تدريبًا فعال التكاليف، إذ يضمن تعلم العمال لما يحتاجه عملهم المحدد من مهارات دقيقة، كما يمكن أن يتيح للعمال المستبعدين من فرص التدريب الرسمي إمكانية اكتساب مهارات جديدة.
  • إتاحة بيئة تنظيمية واجتماعية وسياسية ملائمة للمشاريع.
  • الوصول إلى الخدمات المالية. تواجه المنشآت الصغيرة صعوبة خاصة في الحصول على تمويل من المؤسسات الرسمية؛ بسبب ميل المصارف إلى تفادي المجازفة، وارتفاع تكاليف العمليات، وتعقيد الإجراءات، ونقص الضمانات المناسبة. وتؤدي هذه العوائق العامة أمام زيادة الاستثمار ورأس المال التشغيلي، إلى الحد من الاستثمار في التدريب، وفي أمور أخرى من شأنها أن تُحسِّن الإنتاجية، أو تفضي إلى استيعاب التكنولوجيات الجديدة أو التطورات في الأسواق الجديدة. ويمكن أن تكون هذه العوائق المهمة شديدة بصفة خاصة بالنسبة إلى صاحبات المشاريع. فالمنشآت الصغيرة أكثر اجتذابًا للمقرضين إذا تلقى أصحابها أو مديروها تدريبًا على شتى المهارات الأساسية لإقامة المشاريع.
  • تطوير سوق خدمات الأعمال المقدمة للمنشآت الصغرى، وتقييم العقبات التي تواجهها النساء في إقامة مشاريعهن وتنميتها، وفي الاستفادة من التدريب والخدمات، ووضع قاعدة معرفية محلية بشأن صاحبات المشاريع.
  • دعم التعبير عن الرأي والتمثيل في المنظمات والجمعيات المحلية.

توصيات:

1-   الاستجابة للطلب على المهارات من حيث الملاءمة والنوعية.

  • زيادة قدرة المدارس ومعاهد التدريب والمنشآت على منح مهارات عالية الجودة، وعلى تلبية الاحتياجات المتغيرة من المهارات على وجه السرعة.
  • إتاحة التعليم الأساسي جيد النوعية على نطاق أوسع باعتباره حقًّا أساسيًّا، وركيزة من ركائز التدريب المهني والتعلُّم المتواصل والقابلية للاستخدام.
  • تطوير نظم التلمذة الصناعية غير الرسمية لمنح المهارات والمعارف باعتبارها أساسًا من أسس الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى، والتكنولوجيات الأكثر تطورًا.
  • تسهيل الاعتراف بالمهارات من أجل الربط الفعلي والفعال بين مهارات العمال والمهارات المطلوبة في المنشآت (بصرف النظر عن مكان اكتساب المهارات).
  • تعزيز تكافؤ الفرص بالنسبة للنساء والرجال في الحصول على ما هو مناسب وجيد من التعليم والتدريب المهني والتعلُّم في مكان العمل، وعلى العمل المنتج واللائق.
  • استهداف خدمات التدريب والاستخدام للنساء والرجال في مجموعة السكان العاطلين لمساعدتهم على تحقيق إمكانياتهم من أجل الحصول على عمل منتج ومن أجل المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • تحسين قدرة مؤسسات سوق العمل على جَمْع ونَشْر معلومات موثوقة وحديثة العهد بشأن الاحتياجات من المهارات في أسواق العمل الحالية كأساس لقيام أصحاب المصالح بخيارات أكثر استنارة، ولتقديم الإرشاد الوظيفي.
  • تشجيع الحوار الاجتماعي في مجال التدريب على مستوى المنشأة، وعلى المستويين القطاعي والوطني؛ بغرض تحسين ملاءمة التدريب على المهارات لاحتياجات السوق.

2-    تخفيف تكاليف التكيف. 

  • تعزيز قدرة العمال المتضررين والمنشآت المتضررة من التغيرات في التكنولوجيا، أو السوق، أو المناخ على التكيف مع الظروف الجديدة.
  • الحد من احتمال تعرُّض النساء والرجال للبطالة، أو البطالة الجزئية طويلة الأمد، عن طريق تحديث المهارات، واكتساب العمال مهارات جديدة بشكل استباقي، لاسيما من خلال توقُّع التغيرات وانعكاساتها على تطوير المهارات.
  • إتاحة التدريب ميسور التكلفة على المهارات والمهن الجديدة على نطاق أوسع كجزء من الفرص المتاحة للتعلُّم المتواصل؛ بهدف الحفاظ على قابلية العمال للاستخدام، وعلى استدامة المنشآت.
  • تشجيع إعادة إدماج العمال العاطلين عن العمل في العمالة، من خلال الجمع بين التدريب والإرشاد الوظيفي وخدمات الاستخدام.
  • تيسير الانتقال بين الوظائف عن طريق تعزيز تدابير الحماية الاجتماعية بالتنسيق مع سياسات سوق العمل النشطة.
  • زيادة قدرة الدولة وأصحاب العمل على إدارة فعالة للانتقال من القطاعات الآخذة في التردي إلى أنشطة وقطاعات أكثر تنافسية.
  • تشجيع الحوار الاجتماعي في التدريب؛ من أجل عمليات تكيف فعَّالة.

3-   استدامة عملية تطوير حيوية. 

  • تعزيز سياسات تطوير المهارات باعتبارها مكونًا استراتيجيًّا من مكونات استراتيجيات وخطط التنمية الوطنية.
  • دعم تنسيق واتساق التعليم الأساسي، والتدريب المهني، وخدمات الاستخدام مع سياسات البحث والتطوير، والصناعة، والتجارة، والتكنولوجيا، والاقتصاد الكلي.
  • تعزيز القدرات الاجتماعية على الاستعداد للتكنولوجيات الجديدة، والفرص الناشئة في الأسواق المحلية والعالمية.
  • تسهيل عملية مستمرة للتعلُّم المتواصل.
  • تحسين قدرة نظم معلومات سوق العمل على استحداث وتحديث ونشر المعلومات بشأن الاحتياجات المستقبلية المتعلقة بالمهارات؛ لإرشاد السياسات التطلعية الخاصة بتطوير المهارات.
  • توسيع نطاق الحصول على تدريب جيد النوعية في الاقتصاد غير المنظم، واستحداث نظم للاعتراف بالمهارات المكتسبة خارج إطار التدريب الرسمي؛ بغرض مساعدة العمال وأصحاب العمل على الانتقال إلى الاقتصاد المنظم.
  • إنشاء وحفظ ترتيبات مؤسسية تقوم من خلالها الوزارات، وممثلو أصحاب العمل، وممثلو العمال، ومؤسسات التدريب بالاعتراف بالاحتياجات المتغيرة من المهارات، لاسيما بسبب التغيرات في التكنولوجيات والتجارة والمناخ، وبالاستجابة لها.
  • تعزيز قدرة المنشآت المحلية على استيعاب المعارف والمهارات الجديدة.
  • تشجيع الاستثمار في التدريب على المهارات فيما يخص المهن والوظائف الجديدة.
  • تشجيع الحوار الاجتماعي في مجال التدريب؛ من أجل بناء الثقة المؤسسية، وخلق التوافق الاجتماعي في الآراء، وتسهيل تنسيق السياسات، والتعاون بين أصحاب المصالح.

التعقيب الأول: أ. جمال ملائكة:

علينا أن نركِّز حديثنا عما يهمنا، ألا وهو إنتاجية المواطن بصفة عامة، وعن أسباب تدني الإنتاجية سواء في الدوائر الحكومية- كما جاء على لسان وزير الخدمة المدنية السابق-  أم في القطاع الخاص؛ حيث يُلاحظ تدني إنتاجية المواطن عن الوافد. وأعتقد أننا لا بد أن نضع يدنا على ما نعتقد أنه “أسباب” تدني الإنتاجية؛ حتى نستطيع معالجة المشكلة بعد معرفة مسبباتها، وأوجز الأسباب فيما يأتي:

1-تشوُّه ثقافة المجتمع المتعلقة بقيمة العمل وضروراته ومتطلباته نتيجة لتدفق الثروة؛ نتيجة لارتفاع سعر النفط في منتصف السبعينيات.

2-   تدفق العمالة الوافدة خلال الطفرة الاقتصادية منتصف السبعينيات، وأغلبها برواتب متدنية.

3-   تأثير هذه الرواتب المتدنية على رواتب المواطن.

4-استمرار المناهج التعليمية على طابعها المعروف، وهو التلقين، وبالتالي إنهاء أي إبداع للطالب حتى قبل أن يبدأ، وبالتالي تتدني الإنتاجية نتيجة لذلك.

5-   أخطاء فادحة في التوسع في التعليم الجامعي النظري الذي لا فائدة منه في سوق العمل (مخرجات التعليم).

6-الإصرار على التوسع في أعداد الطلاب الجامعيين، وإضاعة خمس سنوات من عمر الطالب . يلاحظ في دول متقدمة، مثل ألمانيا، حيث الإنتاجية عالية جدًّا، إذ يتم التركيز بعد التعليم الثانوي على معاهد متخصصة لمدة سنتين أو ثلاثة، سواء مهنية أو متخصصة في مجالات المحاسبة/التأمين/إدارة مستودعات… إلخ، حيث لا تحتاج الدول لإهدار مواردها وأعمار مواطنيها في تعليم لمدة خمس سنوات؛ حيث يُفضل أن يكون التعليم الجامعي لنوعيات محددة، ولأهداف محددة.

7-فشل التعليم المهني. ويلاحظ أن التدريب المهني الناجح تمّ خارج نظام التعليم التابع للمؤسسة العامة للتدريب المهني (سابك / الهيئة الملكية مثال).

8-عندما أردنا معالجة مشكلة البطالة لجأنا للحلول الصارمة التي لم تؤد إلى توظيف المواطن، بل أدت إلى السعودة الوهمية، وتوظيف مواطنين فقط للوفاء بنظام نطاقات، ولم يتم خلق حوافز للقطاع الخاص لتوظيف/تدريب المواطن، وبالتالي لم تتغير إنتاجية المواطن في القطاع الخاص.

وللوصول إلى حلول للمشاكل المذكورة أعلاه فلا بد من وضع خطط شاملة وتحفيزية وإبداعية لحل كل مشكلة “ضمن” ما ذُكر أعلاه؛ لضمان أن تكون الحلول متناسقة وشاملة.

ملاحظة: أعلم أن هناك خلافًا في المجتمع بالنسبة لإنتاجية المواطن، وأسبابها… إلخ.

التعقيب الثاني: د. حميد المزروع:

لقد شملت ورقة د نوف الغامدي  محاور وصفية وتحليلية متنوعة عن وسائل تعزيز الإنتاجية، وما يرتبط بها من إجراءات وأنظمة بناء على تنوُّع القطاعات الإنتاجية. ولعلي أبدأ أولا بتعريف مصطلح الإنتاجية ومفهومها العام عند المختصين.

تعريف الإنتاجية : هي تحقيق أعلي نسبة من قيمة محددة من المدخلات، وبذلك تعتبر الإنتاجية  مؤشرًا يوضح قدرة عناصر الإنتاج المتباينة على إنجاز مستوى معين من المخرجات، قياسًا على المدخلات التي تم استثمارها.

 أما المفهوم العام للإنتاجية فيُقصد به إجمالي الوحدات ( سلعة – خدمة )، التي تقدمها المنشأة خلال فترة محددة، ويكون  ذلك مقاسًا في شكل قيمة، أو شكل عددي.

ولأهمية جودة المنتج للمستهلك النهائي، فقد أنشئت عدة هـيئات ومنظمات حول العالم لتقيم وضمان جودة المنتجات، لعل أشهرها المنظمة الدولية للمعايير (أيزو) ومقرها في جنيف، ويتألف أعضاؤها من جنسيات مختلفة، وتهدف إلى وضع المعايير الفعلية لمنتجات  القطاع الصناعي والتجاري، وغالبًا ما تتحول المعايير الصادرة عنها إلى قوانين عالمية، وهي تستند بعملها على وضع وصف إجرائي دقيق لجميع متطلبات الإنتاج، انطلاقًا من  نوعية مواد الخام المستخدمة، وحتى مراحل الإنتاج والتخزين؛ لضمان جودة عمليات المخرجات،  أو الإجراءات المرتبطة بتجويد الخدمات؛ ولذلك تحرص المصانع  في جميع  أنحاء العالم على تطوير خطوطها الإنتاجية لتحصل على شهادة الأيزو، لتعزز من استمرارية تنافسيتها، وضمان جودة منتجاتها.

المكننة أو الأتمتة والإنتاج :

إنَّ التطوُّر السريع الذي شهده عالم التقنية انعكس بشكل ملموس على خطوط الإنتاج، حيث بدأت المصانع وخاصة في اليابان في توظيف هـذا الجانب الذي ساعد من ناحية في زيادة ودقة المنتجات وتقليص المصاريف، مع ذلك فإن تكثيف استخدام المكننة في خطوط الإنتاج سيساهم حتمًا في رفع نسبة البطالة حول العالم، ولا أستبعد بأن المبالغة في الاعتماد عليها سيشكل أزمات لدي الدول الصناعية في المستقبل القريب. ولا ننسي الإشارة هُنا إلى   أثر الإنترنت على أتمتة الجوانب الإدارية في عمليات الإنتاج والتسويق وأثرها على نسب التوظيف.

وسائل تعزيز الإنتاجية :

  • أولًا : تتعزز قيم العمل والإنتاجية بين الشركة والكوادر العاملة بها في بناء علاقة الاستقرار الوظيفي والولاء (Loyalty) للشركة، هذه العلاقة تشعر العامل بكونه جزءًا من المنشأة، ومن منظومة العمل، وبالتالي يحرص على تطويرها ونجاحها. ويمكن إرساء أسس هذه العلاقة العضوية أو الشراكة- إن جاز التعبير – عن طريق إعطاء الموظفين والعاملين حصصًا محددة من أسهم الشركة؛ وبذلك فكلما زادت أرباح الشركة، استفاد العاملون من نسبة الأرباح التي تُوزَّع على هذه الأسهم من ناحية، كما تزيد القيمة السوقية لأسهم الشركة.
  • ثانيًا : إن التأهيل والتطوير من أهم عناصر نجاح المنظومة الإنتاجية، خاصة للشركات الكبيرة التي تواجه منافسة إقليمية وعالمية، وبالتالي فإن جودة المنتج وتكلفة الإنتاج تبقى من المعايير المهمة في المنافسة، والحفاظ على الحصص السوقية، وهذا يتطلب تأسيس معاهد ومراكز بحوث خاصة بهذه الشركات لاستمرارية التطوير في المنتجات أو لابتكار منتجات جديدة.
  • ثالثًا : القطاع الحكومي والإنتاجية :

إن طبيعة العمل والإنتاجية بالقطاع الحكومي تختلف عن القطاع الخاص، حيث  تخضع العلاقة عند الأول لتقييم الأداء الوظيفي، وهو نموذج يُعبَّأ بشكل إجرائي وسنوي من قِبل مدير القسم أو الإدارة، وغالبًا لا يعكس الأداء الفعلي للموظف أو نسبة إنتاجيته. ومن الناحية الأخرى فإن الموظف الحكومي يُعاني من ضعف الراتب والبدلات، وربما يصاحب ذلك عدم مناسبة مؤهلاته مع طبيعة العمل الذي يمارسه ؛ وكذلك عدم مناسبة بيئة العمل؛ مما ينعكس على العطاء والإنتاجية. لا شك أنَّ هناك معوقات ومتطلبات أخرى تواجه الموظف والموظفة عند الدولة، وقد تختلف  هذه المعوقات بناء على نوع القطاع ( تعليمي – صحي – أخرى )،  ومن الناحية الأخرى،  فإن ضعف الإنتاجية قد يكون مرتبطًا أيضًا بضعف الإدارة، أو عجز المسؤول عن تطبيق الأنظمة بحق الموظف غير المنتج بشكل مباشر.

وحتى تتطور نسبة الإنتاجية عند الموظف الحكومي، فإننا نحتاج أولًا إلى تغير مفهوم الوظيفة الحكومية عند المجتمع والصور الذهنية السلبية عنها. وثانيًا نحتاج إلى تغير بعض المواد الواردة بأنظمة العمل، والتي تقيس الأداء الفعلي للموظف، بحيث يمكن تطبيق موادها في الإدارة نفسها التي يعمل بها الموظف.

وأخيرًا يمكن القول: إن متطلبات تعزيز قيمة الإنتاجية لمنظومة عمل المنشأة يعتمد  بشكل مباشر على نوعية العمل أو القطاع الذي تنتمي إليه ( صناعي، تجاري، خدمات، أخرى).

المداخلات حول القضية:

  • ملامح الوضع الراهن لقيم الإنتاجية في العمل:

أشارت أ.د فوزية البكر إلى أن الورقة الرئيسة تمحورت حول قيم الإنتاج، وركزت على المسائل المؤسسية، والتخطيط العام للدفع بهذه القيم لتحقيق نسبة أعلى في الإنتاجية، لكنها من ناحيتها تركز على بعض الجوانب التخصصية لقضية الإنتاجية، وتحديدًا المجتمع النسائي في القطاعات الحكومية كنموذج ؛ حيث إن هذا المجتمع يزخر بكل المتناقضات؛ من إنتاجية عالية جدًّا لدى البعض إلى محدودية كبيرة عند البعض الآخر. وفي رأيها فإن هناك عوامل قد تفسِّر ذلك كطبيعة العمل والدرجة؛ فكلما ارتفعت الموظفة في السُّلم الوظيفي، وُوضعت في مواقع مؤثرة كلما انغمست في عملها، وارتفعت إنتاجيتها؛ هذا لا يعني أن الأخريات في مواقع أخرى غير منتجات، ولكن معظمهن يعلمن علم اليقين أنهن موظفات في قطاع حكومي لا يزحزحهن منه سوى التقاعد، أو الوفاة، أو ارتكاب ما يخالف النظام. أيضًا فإن قيم الإنتاجية ترتبط بالإرث الثقافي للبلد، وبدرجة التقدير المعطاة لهذه القيم؛ ففي بلاد كاليابان- مثلًا- يُقدَّر الشخص على تفانيه في عمله الذي يصبح حياته البديلة، في حين تؤكد القيم الاجتماعية للفتاة منذ صغرها أن العمل هو زائر مؤقت، قد ينتهي لو وجدت صفقة زواج مربحة أكثر. الموظفات يشعرن بأنهن في سجن ينتظرن اللحظة التي يهربن منها إلى بيوتهن، وجاءت البصمة كقاصمة للظهر لتجبرهن على مزيد من الانضباط؛ لكن العبرة ليست بالدوام فقط بل بمقدار الإنتاجية.

ويعتقد م. حسام بحيري أنَّ هناك خلطًا في معنى الإنتاجية المقصود؛ لأن مقاييس إنتاجية الاقتصاد أو الناتج المحلي للاقتصاد (Gross Demostoc Products)GDP  أو المعيار الاقتصادي الآخر الموازي الطلب الكلي الـ Aggregate Demand، والذي يحسب إنتاجية الاقتصاد الكلي من البضائع المصنعة بجميع أسعارها تختلف عن إنتاجية العامل أو ما يُسمَّى بال Productivity. إنتاجيات اقتصادات الدول لها ارتباط بإنتاجية عمالتها، ولكن الارتباط ليس بتلك القوة. اقتصادنا مثال على ذلك،  بينما نحن نعاني من إنتاجية العامل المحلي عامة بغض النظر عن تفريقهم بين مواطنين ووافدين، ولكن نرى نموًّا مستمرًا منذ عقود في ناتجنا المحلي، أو GDP على مدى العقود الماضية، في حين- بالمقارنة- لو أخذنا الاقتصاد الياباني وإنتاجية العامل الياباني التي يُضرب بها المثل سنجد أنه على الرغم من تحقيق العامل الياباني أعلى مقاييس الإنتاجية العمالية لكن الاقتصاد الياباني لم ينم بأي صورة اضطرادية خلال العقدين الماضيين. إنتاجية الفرد تعتمد بصورة رئيسة على حضارة وقيم المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. ولعل الموضوع المهم لنا هو إنتاجية الفرد العامل، وكيفية خلق طبيعة وقيم تساعد على غرز هذا الشعور.

وتساءلت أ.د فوزية البكر عن ظاهرة ملاحظة بكثرة في الأقسام النسائية وذات علاقة بالإنتاجية، وهي الحوارات الخاصة التي لا تنتهي، وتتمحور حول الشغالة والسائق والأطفال، ويكون لها الأهمية الكبرى على إنجاز العمل. ونرى تجمعات الموظفات في المكاتب، ينتقلن من مكتب إلى آخر بحثًا عن روايات نسائية محلية، وأصبح ذلك طقسًا ومناخًا مهنيًّا سائدًا يؤثر في مفاهيم قيم العمل ودرجة الإنتاجية.

وأضافت أن قضية قيم الإنتاجية في العمل تدعونا إلى العودة ومناقشة الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها كثير من الأفكار في هذا الموضوع، وتحديدًا أن السعوديين يعانون من فقر في قيم الإنتاجية، وينعكس بشكل ضعف في إنتاجيتهم؛  لكن هل ينسحب هذا على كل أنواع وأشكال العمل التي يشغلها السعوديون؟

من الملاحظ أن أمهر وأكثر العاملين إنتاجية هم من السعوديين المهرة ممَّن يشغلون وظائف مهمة بدخول مرتفعة، فأمهر الأطباء اليوم هم من السعوديين، وأمهر مَنْ يعملون في القطاع المصرفي هم أيضًا من السعوديين، وهكذا، في حين مَنْ يعاني من ملل وقلة إنتاجية هم من القطاعات البسيطة والوسطي بأعمال آلية وبأجور ثابتة؛ لكن يظلُّ ما عرضه أ. جمال ملائكة من مسببات قلة إنتاج السعودي بسبب عوامل تاريخية وثقافية واقتصادية يستحق التأمل.

واتفق أ. جمال ملائكة  مع القول بأنه بالفعل هناك علاقة مباشرة بين الأجر والإنتاجية، ولا شك أيضًا أن بيئة المصارف والصحة هي بيئة سليمة ومتطورة، المشكلة أننا لا نستطيع كمجتمع أن تكون الرواتب مشابهة للمصارف والأطباء، ومثلًا: لو نظرنا إلى بلد مثل تركيا نجد أن الإنتاجية عالية في جميع مناحي العمل المتدنية وغير ذلك (كمثال فقط).

وذهبت أ. مها عقيل إلى أن من الأسباب الأخرى لضعف إنتاجية السعودي، هي: الواسطة والمحسوبية في التعيين والترقية، والحصول على المكافآت وفرص التدريب،… إلخ. يطبق لدينا المقولة: “ليس مهم ماذا تعرف، المهم مَنْ تعرف”. كيف نتوقع من الشخص الملتزم والمجتهد في عمله أن يستمر ويتحسن مستوى إنتاجه إذا كان زميله الذي لا يبذل أي جهد يحصل على كل شيء لمجرد أن “عنده واسطة”؟! القضاء على هذه الآفة، ومحاسبة مَنْ يقوم بذلك سواء المسؤول أو الموظف سيعزز من ثقة الفرد في نفسه، وفي إيجاد بيئة عمل إيجابية وداعمة، بالإضافة إلى ذلك وجود الشفافية في تقييم الأداء، والحصول على الترقيات. من المهم أن تكون المعايير واضحة، وتنطبق على الكل بالتساوي.

نحن ليس لدينا شيء اسمه أخلاقيات التعامل والعمل ethics، بحيث يتم تدريسها وتطبيقها منذ الصغر في البيت والمدرسة كأسلوب حياة، بل العكس ما نتعلمه من أخلاق الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقيم الإسلام مجرد كلام يُلقّن، ولكن في أرض الواقع كل ما يراه الشخص من طفولته إلى شيخوخته هو عكس ذلك. الالتزام بالمواعيد غير موجود. الالتزام بالطابور والنظام غير موجود. الالتزام بحسن الخلق والمعاملة غير موجود، إلخ.

وأكدت أ.د فوزية البكر أن غياب الشفافية قد يكون أحد العوامل، يُضاف إليها الواسطة على نحو متلازم، أو ما يمكن أن نسميه هنا الدائرة المحيطة, فمن يحيط بي من أصدقائي وأقاربي وزملاء العمل هم الأصلح والأفضل، ولابد أن يتم ترشيحهم لكل المناصب، ولا أستطيع أن أرى غيرهم؛ لأنهم الأقرب لي، وبذلك يوضع في الوظائف مَنْ ليس له علاقة بها.

ولا يمكن تجاهل مظاهر التمييز القبلية والمناطقية، فلها دورها الكبير؛ لكن تبقى القيم الثقافية، وووجود عمالة رخيصة، والاستهزاء بالجدية والانضباط في كثير من المؤسسات العامة،… إلخ من مظاهر المشكلة التي قد تبدو أنها مظاهر، لكن لها عمقًا ثقافيًّا كبيرًا.

بينما يرى م. خالد العثمان أن مسائل بيئات العمل، والواسطة، والتأهيل والتدريب، وفوق ذلك أخلاقيات العمل، والثقافة الوظيفية، وغير ذلك من كل ما قيل لا يرقى لأن يشكل مثل هذه الحالة التي نعيشها من ضعف الإنتاجية، وحالة التبلد. الخلل هيكلي، ويتطلب معالجة استراتيجية بنيوية شاملة، تتعامل مع جذور المشكلة وليس أعراضها.

أين هو مفهوم الوحدة الوطنية وعلاقته بالإنتاجية التي تعبر عن انتماء وطني يعتمد روح العمل الجماعي للمصلحة الوطنية؟ أليس نقص الإنتاجية إحدى نتائج قصور الانتماء الوطني، وسيطرة الأنا بكل أشكالها المختلفة بين القبلية والمناطقية الفردية وغيرها؟

الذين يتحدثون عن بيئة العمل، وغياب الحوافز والعدالة، وغير ذلك- يبحثون عن مبررات شكلية لا تغوص إلى عمق المشكلة على المستوى الاستراتيجي الوطني، وإلا لماذا ينهض الشعور الوطني، وتصعد الإنتاجية إلى أعلى مستوياتها في ظروف الحروب والكوارث والتحديات ؟ أليسوا هم نفس البشر الذين غامروا، وتفانوا بالعمل في كارثة سيول جدة – مثلًا- ثم عادو إلى حالة التبلد في وظائفهم ؟ وحدة المصير هي ما نهض بإنتاجيتهم في الظروف العصيبة .. بينما في الأحوال العادية يغيب مفهوم وحدة الهدف والمصير، وتتسامى الأغراض المصلحية بأشكالها المختلفة. الأمر يستحق نظرة مختلفة ومقاربة مختلفة.

ويعتقد أ. عبد الرزاق الفيفي أن السبب هو التقارب الذي يحدث بين الدولة والشعب في حالات الأزمة، ويتمثل في تقارب التشاركية في جوانب عديدة؛ فالمسألة تدور حول الشعور الذي يصل للفرد بأنه جزء مسؤول لا جزء مرعي.

ومن ناحية أخرى فإن أشكال وممارسات الإنتاجية تختلف من دولة إلى أخرى؛ بسبب اختلاف (بنية الحكم والسلطة والدستور) بينها؛ لأن ذلك سيؤثر تراتبيًا في ممارساتها على مستوياتها الأخرى (الاجتماعية – الأمنية – الفكرية). كما أن محاولة إحداث حالة تقاربية بين المجتمعات والدول في الحالة  الإنتاجية، وإغفال اعتبار شكل الحكم والسلطة والدستور هو ضرب من الحلم المشروع لا الممكن حاليًا، ولكن هناك استثناء فيما سبق قد يجعل ذلك واقعًا ملموسًا ؛ وهو (أن يُرْبَط الدافع لدى الفرد بقيمة عليا لا تقبل التذبذب في مستوى الأداء؛ مما قد يؤثر إيجابًا على مستوى الموثوقية لدى الفرد) تجاه حكومته المتمثلة في أداء الوزارات أو في مستوى أقل تجاه منظمته أو في مستوى أقل تجاه أسرته. ولا يوجد قيمة عليا كما تقدم إلا في أمرين، هما :

1-   البعد الديني المرتبط بآخرته.

2-   التطبيق القضائي والقانوني والإجرائي والمحاسبي الصارم.

وقد يكون الثاني طريقًا للأول في المجتمعات غير المسلمة، وقد يكون الأول طريقًا للثاني في المجتمعات المسلمة.

وذكر د. خالد الرديعان نقلًا عن بعض المصادر، أن هناك دراسات شهيرة قام بها عالم الاجتماع إلتون مايو وزملاؤه في الثلاثينيات من القرن العشرين (تجارب هاوثورن) تتعلق بالإنتاجية وسبل زيادتها، وأثناء الدراسات توصلوا إلى فكرة البناء غير الرسمي، وهي شبكة العلاقات غير الرسمية التي تنشأ بين العاملين في قطاع ما.. هذه العلاقات تؤثر بدرجة واضحة على مستويات الإنتاج زيادةً ونقصًا. يقوم العامل- مثلً-ا بمجاراة زملائه في الإنتاج، فلا يرفع إنتاجيته حتى وان كان قادرًا على رفعها؛ وذلك لكسب ودّ زملائه العمال.. خطورة هذه الفكرة أن العمال قد يتفقون على مستوى متدن من الإنتاج، ولا يتجاوزونه. ويؤكد مايو أن من أسباب رفع الإنتاجية هو العناية بالبناء غير الرسمي، والنفاذ من خلاله إلى العمال، بحيث يتم دعم العلاقات بين العمال، ورفع روحهم المعنوية الجماعية لزيادة الإنتاج.

جورج إلتون مايو هو مؤسس مدرسة العلاقة الإنسانية في الإدارة التي كانت رد فعل لإهمال النواحي النفسية والاجتماعية عند العمال من قبل فايول، وتايلور؛ ولهذا ركزت هذه المدرسة على الاهتمام بالإنسان كإنسان من خلال اتصاله وتفاعله مع الجماعة، وأثبتت أن العلاقات الاجتماعية والعوامل النفسية لها دور كبير في زيادة الإنتاجية، وهذا عبر عدد من التجارب، عرفت بتجارب هاوثورن.

و لقد أسفرت هذه الدراسات عن نتائج، يمكن تلخيصها فيما يلي :

العمل الصناعي هو عمل جماعي، فالعامل ليس كائنًا فرديًّا يسعى إلى إشباع غاياته الأنانية، إنما يستمد كثيرًا من مقوماته الذاتية من الجماعات غير الرسمية في المنشأة، وذلك في معظم مجالات العمل الصناعي، وتؤدي هذه الجماعات دورًا مؤثرًا في حياة العامل، وخاصة فيما يتعلق بالإحساس بالأمن، وأنماط السلوك الصادرة عنه، والقدرة على الأداء والإنتاج، وغير ذلك.

يساعد الاهتمام بالعامل واحترامه وتقديره كثيرًا على تعزيز حوافز الإنتاج في العمل، فقد أدى الاهتمام الخاص الذي وجدته الجماعات المبحوثة طوال سنوات الدراسة إلى زيادة الإنتاجية، فالتقدير والاحترام يشبع حاجات العامل إلى الأمان والاستقرار، كما يؤدي إلى ارتفاع الأجور.

إن الشكوى والتذمر والقلق الذي يظهر في حياة العمال يعكس في حقيقة الأمر مواقف شخصية أو اجتماعية مختلفة، وهي ليست حقائق في حد ذاتها، إنما أعراض ودلائل على مسائل أخرى.

وأشار  أ. سمير خميس إلى أنه – وعند الحديث عن الإنتاجية- لا بد لنا أن نستحضر أبعاد ثقافة العمل “المتهالكة” لدينا؛ فالثروة النفطية التي تمتعت بها البلاد تزامنت مع انتشار المد الشيوعي الاشتراكي التي تقوم كثير من أدبياته على الإعلاء من شؤون وقيم العمل والعمال.

عاملان كان لهما أثر سلبي في تكوين ثقافة عمل غير ملائمة لدينا، يترافق ذلك مع سياسات حكومية ركزت على الإنجاز السريع في التنمية، ففتحت بذلك الباب واسعًا لاستقدام الملايين من العمال في جميع المهن التي لا يتخيلها المرء.

لن تتحسن الإنتاجية ما دمنا “مدمني نفط” سنجادل بأننا نجحنا في أرامكو وسابك وبعض البنوك، إلا أن واقعنا ينبئ بأننا لسنا في الطريق السليم، فلا نزال نمجِّد ثقافة العمل المريح، ونسعى وراء المكاسب السهلة، وإنفاقنا الباذخ أصبح ماركة مسجلة باسمنا.

وعقب د. خالد الرديعان بأنه يفترض أن ننظر لرؤية ٢٠٣٠ كأمل جديد في تغيير أنماطنا السلوكية، ومن ضمنها عملية الإنتاج سواء على المستوى الوطني أو على مستوى إنتاجية الأفراد. وبالتالي يلزم حشد كل الجهود لنجاح الرؤية والخروج من الممارسات القديمة بما فيها الترهل، وضعف الإنتاجية، كما أن الحافز الفردي مهم للغاية، وبالتالي فسيكون أحد دوافع زيادة الإنتاجية.

  • آليات تعزيز قيم الإنتاجية في العمل:

حدد م. خالد العثمان منطلقات معالجة مشكلة ضعف الإنتاجية في المجتمع السعودي فيما يلي:

1-   العامل الديني.. “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” .. العمل أمانة.

2-   العامل الوطني، ووازع الانتماء.

3-   العامل الأخلاقي.. التقصير في أداء العمل خيانة للأمانة.. “من قبض الأجر حاسبه الله بالعمل”.

4-   عامل الإيمان بوحدة الهدف والمصير المشترك.

5-   عامل ثقافة العمل الجماعي مقابل الفردية.

6-   عامل الاتكالية والسلبية والتخاذل.

7-   عامل التمييز والتحيز.

8-   عوامل داخلية في أماكن العمل تشمل بيئة العمل والحوافز، والحوكمة، والشفافية، وغير ذلك.

9-   عوامل الرقابة والمحاسبة، ومعالجة الانفلات.

10-     عامل التدريب والتأهيل، وربط الترقيات بالأداء الوظيفي.

ويعتقد أ. مسفر الموسى أنه بالنسبة للنقطة الثامنة والمتعلقة ببيئة العمل، وتحديدًا في بعده المكاني، فإن هناك دراسات بحثت تأثير الحيز المكاني على الرضا الوظيفي… تشمل نمط المكتب، والإضاءة، والديكور، وغيرها. في المؤسسات الحكومية لايزالون غالبًا يعتمدون على التصميم التقليدي؛ لذلك يشعر الموظف برغبته في الانصراف كلما سنحت الفرصة.

ويرى د. مشاري النعيم أن تعزيز الإنتاجية يكون من خلال توفُّر التالي :

  • وجود قيم مجتمعية متوارثة تتطور باستمرار، تحث على الإنتاج والتنافس والابتكار في الإنتاج.
  • وجود معرفة مجتمعية know how تميز أفراد المجتمع الواحد عن غيرهم، تتطور باستمرار.
  • وجود قاعدة تعليمية تعتمد على “المعلم” و”المتعلم”، تكون هي القناة الرئيسة لنقل قيم الإنتاج والمعرفة المجتمعية عبر الأجيال.
  • وجود قنوات واضحة تستوعب الإنتاج، وتسوّقه من خلال وجود روابط تسوق للإنتاج.

ولاشك أن بعض هذه الوسائل مطلوبة حتى في العمل الوظيفي التقليدي.

وأوضحت د. نوف الغامدي أن الإنتاجية تعتبر المدخل الأساسي لأية عملية تنموية حقيقية، ومن شأنها أن تحدد معالم المستقبل؛ نظرًا لارتباطها بالكثير من المتغيرات الحاسمة في عملية النمو الاقتصادي من قبيل الكفاءة الاقتصادية، والتنويع الاقتصادي، ورفع مستوى معيشة الأفراد، وذلك لن يحدث سوى بالتركيز على تطوير الموارد البشرية، وإيجاد نظام تعليمي بمعايير عالية.

وفي السياق ذاته فإن استراتيجية التنمية الوطنية تتأثر بعوامل خارجية، من أهمها:

1-   الفرص والتحديات العالمية.

2-   التكنولوجيا، والتنويع الاقتصادي، وهيكل الإنتاج.

3-   المخزون المهاري.

4-    القدرات الاجتماعية وبناء منظومة الكفاءات.

أمَّا داخليًا فهي ترتكز على عدة سياسات لابد من التكامل بينها :

1-   سياسة تطوير المهارات.

2-   سياسة سوق العمل.

3-   سياسة التجارة والاستثمار.

4-   سياسة الاقتصاد الكلي.

5-   التكنولوجيا.

إننا الآن مع خطط وبرامج التحوُّل الوطني نحتاج فعلًا لرفع الإنتاجية المؤسسية للقطاع الحكومي والخاص على حد سواء … نحتاج لصياغة وإصلاح منظومة الموارد البشرية وتغيير النظام التعليمي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة … نحتاج لهيكلة التدريب خصوصًا أننا نتحول لاقتصاد معرفي نحتاج في إطاره لتشجيع الفكر الريادي.

وتطرق د. خالد الرديعان لأسلوب (تكريم الموظف) وأثره في تعزيز قيم الإنتاج عند الموظفين والعاملين؛ حيث يرى أن هذا الأسلوب مهم للغاية خاصة في الإدارات الحكومية والقطاع العام، خصوصًا عندما لا يتوفر للمدير المباشر صلاحية منح علاوة مالية أو زيادة في الراتب. وهذا الأسلوب عملي للغاية، بل ومحفز على العمل في ظل غياب الآليات أحيانًا في فرز الموظف الجاد عن المتقاعس.. بعض الإدارات تُطبِّق فكرة “موظف الشهر” حيث تبرز اسم الموظف المثابر والجاد، وتضعه بصورة إعلان يراه الجميع، ويتميز هذا الأسلوب بأنه غير مكلف ماديًًّا لكن مردوده عظيم على نفسية الموظف.

ومن العوامل الأخرى المحفزة على الإنتاج وجود القيادة الكاريزمية، ما يعني ضرورة اختيار المديرين والرؤساء بطريقة تراعي هذه السمات الشخصية، وإن كان البعض يرى أنها غير مهمة خاصة في المجتمعات الغربية.. طبيعة مجتمعاتنا عمومًا تختلف في هذه المسألة، فالجانب الشخصي يظل مُهمًا مهما قلنا غير ذلك. بعض المديرين والرؤساء تعمل معهم بسهولة، وتجدك تتفانى في العمل لزيادة الإنتاج، ومن ثَمَّ كسب ودِّ هؤلاء القادة.. مع التفرقة هنا بالطبع بين المدير والقائد؛ فالقائد يصنع الفرصة لمن حوله، ويحفزهم للعمل، في حين أن المدير يُطبِّق اللوائح، أو ما نُسمّيه “حسب النظام”، تلك العبارة التي نرددها كثيرًا عندما تعيينا الحيلة عن خلق حلول إبداعية خارج المألوف.

بينما يعتقد د. مساعد المحيا أننا نحن نحتاج لعامل الرضا؛ فالرضا الوظيفي من أهم عوامل الإنتاجية، وأحد أسباب تحقُّق ذلك هو أن يشعر الموظف والمواطن بأنه جزء من القرار المُتخّذ. يضاف لذلك تحسين البيئة التي يعمل فيها الموظف من حيث الحقوق والواجبات. فذلك وغيره سيحقق درجة عالية من الولاء للمؤسسة وللشركة، وللقطاع الذي يعمل فيه؛ إذ حين يتحقق الولاء فستجد إنتاجيات كثيرة كمًّا وحجمًا ونوعًا.

وأكدت أ.د فوزية البكر على أهمية اختيار القيادات وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية، فهي قد تُحفِّز، أو قد تعرقل بل وتقتل كل رغبة في الإنتاجية. في حين ترى أن عوامل الرضا الوظيفي وما يحدده مسألة ثقافية إلى حد كبير؛ فالموظف السعودي سيرضى إذا أُتيح له الخروج لإحضار أبنائه ثم زوجته من العمل، وربما عيادة مريض تفرض العادات الاجتماعية زيارته، لكنها قد لا تكون كذاك في بلدان أخرى بمعايير قيمية تعتمد الإنتاجية والانتماء للعمل كمعيار للنجاح.

وأضاف د. مساعد المحيا بأنه يمكن أن ينشأ لدينا رضا يرتبط بالعدالة، وبالمشاركة في اتخاذ القرار .. وبنيل كل الحقوق دون أن يقدم المرء قرابين لمسؤوله، ليمنحه رضاه؛ فأسباب الرضا تصنعها البيئة العملية المحفزة.

وهناك موضوع آخر يتعلق بتحسين الإنتاجية أو رفع كفاءتها وحجمها ؛ إذ قد يكون هناك طلب غير محدود على منتج معين، فيتم الضغط على العمالة والفنيين للحصول منتجات أكبر وأكثر، أو تُقلص منهم لتخفيض نفقات الإنتاج، تمامًا كما يتم توظيف بعض الوسائل للحصول على إنتاج حليب أكثر من الأبقار من خلال استخدام الهرمونات، ومن خلال توظيف الإضاءة للإيهام باستمرار وجود النهار بالنسبة للدجاج للحصول على بيضتين في اليوم، واستخدام مكعبات غذائية للحصول على نمو أفضل بالنسبة للماشية، واستخدام مواد في زراعة الخضار والفواكه للحصول على منتج أكبر وشكل أفضل. وكل هذه الجوانب قد تحقق المزيد من الإنتاج لكنها قد تؤثر على الجودة؛ لذا فالمهم هو الجودة الحقيقية في مقابل جودة في الشكل أو الحجم مع ضرر بالغ يترتب على ذلك.

وبنظر د. الجازي الشبيكي لو تمَّ بَذْل الجهود التخطيطية الملائمة من قِبل الدولة لتعزيز قيم الإنتاجية وربطها برفع وتحسين المستوى المهاري العام للدولة، لانعكس ذلك إيجابًا على الأداء المؤسسي، ومن ثَمً الأداء على المستوى الفردي؛ لأن الاهتمام بذلك على مستوى الدولة التخطيطي سيتولد عنه أهداف استراتيجية في التعليم والتدريب، وما يتعلق به من مجالات، وهذه الأهداف الاستراتيجية إذا تمت بخطوات علمية جادة ومدروسة، وتهيأ لها سبل القياس والمتابعة والتقييم والتقويم، فمن المؤكد أنها ستُثمر في مجال رفع المستوى المهاري.

ولدينا مقوًم مهم في بلادنا لم يتم استثماره الاستثمار الأمثل في التخطيط لتعزيز قيم الإنتاجية، وبالتالي رفع المستوى المهاري، ألا وهو مقوًم الوازع الديني لدى أفراد المجتمع السعودي.

فالأهداف الرئيسة لخطط الدولة التنموية تناولت أهمية الاستناد على مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي في كل التوجهات والخطط، ولكنها تفتقر للآليات الاحترافية في تطبيق تلك التعاليم والقيم، وربطها بالمستوى المهاري المطلوب في العمل. على سبيل المثال: أحد أهم قيم العمل والمستوى المهاري المرتفع، قيمة الأمانة في استثمار الوقت في العمل، فلو تم ربطها بالجانب الديني المؤثر في الأفراد- ولكن بأساليب وآليات مهنية احترافية ملائمة لمتطلبات العمل في الوقت الحاضر- لكان لذلك تأثيرٌ مهمٌّ في رفع حجم ومستوى الإنتاجية.

ومن وجهة نظر م. حسام بحيري فإن السلوكيات الموجودة اليوم في مجتمعنا الاستهلاكي الحديث أصبحت مشابهة للسلوكيات في دول أخرى كثيرة اقتصاداتها متقدمة وحديثه. وإذا أردنا زرع أي قيم جديدة في مجتمعنا فلابد من إظهار وتأكيد الحوافز التي سينالها الفرد من خلال قيامه بعمل ما، سواء كان رفع إنتاجية، أو خدمة المجتمع، أو أي شيء مشابه. الحياة المعيشية المتقدمة التي نعيشها اليوم في مجتمعاتنا أصبحت صعبة ومعقدة، والإنسان في هذه المجتمعات لا يستطيع تحمُّل أعباء القيم العليا، أو القيم الدينية، وتعقيدات الحياة اليومية بجميع تفاصيلها وتبريراتها؛ لأنها لا تُترجم إلى حوافز مباشرة تساعد الفرد على تحمُّل تكاليف المعيشة. العقلانية والأنانية الفردية دائما ستتغلب على التعقيدات الموجودة في حياتنا، وتقديم المصلحة الشخصية للتقدُّم والارتقاء في الحياة اليومية أصبح هو الاتجاه السليم إذا أردت البقاء، وهذا حسب نظريات عدد من علماء الاقتصاد. فكرة أن النظام الاقتصادي الذي نعيشه اليوم نظام فعال ومستقر أصبحت من الماضي ،فعدد من الاقتصاديين الذي فازوا بجائزة نوبل في الاقتصاد في السنين الماضية تركزت بحوثهم على أن الأسواق لا تحقق توازنًا في المجتمع؛ التوازن يتحقق فقط عندما يفكر الفرد بمصلحته الشخصية، بعيدًا عن أي قيود وقيم سواء كانت اجتماعية أو دينية. في نظرية اللعبة أو Game Theory – والتي تم تطوير عدة موديلات منها من قِبل العالم المشهور جون ناش الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد- أثبتت أن السلوك الإنساني يعمل في عالم مليء بالعدائية التنافسية، وأن البشر يشاهدون ويراقبون بعضهم البعض باستمرار، وللحصول على ما يريدونه يعدلون تلقائيًّا استراتيجيتهم في التعامل مع الآخرين باستمرار، وأن نظام حياة يعتمد على الشبهة والأنانية لا يقود بصفة خاصة إلى فوضى، بل سيقود تلقائيًّا إلى نقطة التوازن التي ستكون فيها المصلحة الذاتية للفرد متوازنة تمامًا مع المصلحة الذاتية للآخرين. الحوافز الحياتية المباشرة هي المحفز الرئيس لكل ما نقوم به في حياتنا اليومية اليوم، وإذا أردنا زرع منهج الإنتاجية في شعوبنا فلابد من إظهار وتأكيد على الحوافز التي سيستمتع بها الفرد إذا قام بعمل ما. السواد الأعظم من المجتمعات فقيرة، ولا تستطيع تحمل تكاليف التزامهم بالقيم العليا؛ لأنهم يريدون أن يوفوا بالتزاماتهم، وضمان استمرارية وتطوير نمط حياتهم في ظل الصعوبات والتعقيدات اليومية التي يمرُّ بها الفرد.

بدون حوافز مؤكده للفرد لن يكون هناك تطور في عمل هذا الفرد في أي مجال غير الاتجاه نحو المصلحة الشخصية المباشرة. هذا هو عالمنا الحديث الذي نعيش فيه اليوم.

وعقبت أ.د فوزية البكر على الطرح الأخير بقولها: أتفق مع م. حسام في أن الكثير قد تغير في حياتنا الحاضرة بما فيها دوافع الأفراد، لكني لا  أتفق معه في ضرورة الالتزام بالنظريات كما أوردها أصحابها، وإغفال التراث الحضاري والتاريخ، وهذا بالمناسبة ليس محاولة لإرضاء الأطراف الأخرى الأكثر تدينًا في المجتمع، بل لأنَّ المجتمعات لا تترك تاريخها وراءها لتتحول إلى وحوش رأسمالية تأكل بعضها بعضًا، كما في الصورة الأمريكية.

الأطر الدينية والثقافية والتاريخية التي نعيش فيها يمكن أن تُستخدم ببراعة لو خرجنا من الإطار التاريخي التقليدي في فهم التراث وبحثه وتفسيره، ثم فهمه بشكل مختلف يتفق مع احتياجاتنا، ويحقق التوازن النفسي والعقلي للمجتمع والفرد. كثير من النظريات لم تفلح في دول شوفية، لكنها تفوقت حين طعَّمت هذه النظريات بقيمها الخاصة، ولدينا النموذج الياباني.

بينما ذهبت أ. علياء البازعي إلى أن لُبَّ مشكلة انخفاض الإنتاجية في أي قطاع هو الافتقار إلى أنظمة وقوانين صارمة وعادلة يتم “تطبيقها”.

المحور الثاني

تجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات تحقيق رؤية المملكة 2030

“سناب شات نموذجًًا”

الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي:

تمثل الفئة العمرية الشابة النسبة الكبرى من التعداد السكاني للمملكة العربية السعودية، كما هو معروف للجميع، والتي تتراوح بين 65-70%؛ لذا كان تركيز تطلعات وأهداف رؤية المملكة 2030 متمحورًا حول الدور الحيوي المهم للشباب في المساهمة في تحقيق تلك الرؤية، وأخْذ زمام المبادرة واستثمار الفرص الواعدة في العمل والإنتاج والإبداع، من خلال تطوير قدراتهم، وتعزيز تقدمهم في ميادين العمل المختلفة.

ولدى الشباب السعودي العديد من المقومات التي تؤهله للقيام بذلك الدور المهم لنهضة بلاده، وقد أثبت العديد منهم قدرتهم وتمكنهم من ذلك في مجالات عديدة، وفي الوقت نفسه، فإن أمامهم تحديات كبيرة لابد لهم من مواجهتها والتغلب عليها؛ منها ما يعود للأنظمة والقوانين والإجراءات التي تعرقل قوة طموحاتهم وانطلاقتهم، ولا تتماشى مع أهداف الرؤية ومتطلباتها؛ ومنها ما يعود للشباب أنفسهم أو بعبارة أكثر دقة لبعضٍ منهم، مِن حيث ضعف همتهم في المبادرة لاقتناص الفرص التي تتيحها لهم الرؤية الجديدة .

ومن ضمن العوامل التي تسهم في ذلك انفتاحهم السلبي الواسع على ثورة التقنيات التواصلية الحديثة، واستحواذها على اهتمام وتركيز العديد منهم،  وسلبها لأوقاتهم من دون الوعي الكافي بأبعاد ومخاطر ذلك الاستحواذ . ومن تلك القنوات التواصلية- على سبيل المثال-  برنامج “سناب شات”، حيث تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية عالميًّا، والأولى عربيًّا في عدد مستخدمي هذا البرنامج وفقًا لتقرير نشرته شركة الأبحاث البريطانية  global web blndex.

إن استخدام ذلك البرنامج في الجوانب التواصلية يُعدُّ إيجابيًّا لو كان ذلك الاستخدام يخدم التواصل المُثمر اجتماعيًّا وعلميًّا وتنمويًّا، مثل ما قام به نماذج رائعة من أولئك الشباب،  أمثال: الرقيبة، والجبرين، والملحم، وأضواء الدخيل، وغيرهم، ولكن عددًا من الدراسات  توصلت إلى أن المُستخدمين في المملكة لبرنامج السناب تشات هم من الفئة العُمرية بين 16 – 20 سنة، وأن مكمن الخطورة على هذه الفئة هو الاتجاه لاتخاذ القدوات الخاطئة لبعض مشاهير السناب تشات، والمحتوى الفارغ الذي يقدمونه، واعتبارهم الشخصيات الاجتماعية الناجحة في المجتمع، إلى جانب إدمان استمرارية استخدام برنامج السناب تشات لأوقات طويلة في وضع الجلوس والاسترخاء والكسل، وكان من الممكن استثمار تلك الأوقات  دينيًّا ووطنيًّا وبدنيًّا واجتماعيًّا وبحثيًا وعلميًّا واقتصاديًّا لصالح تنمية وتطوير ذوات الشباب أنفسهم، وبالتالي المجتمع.

 وكي نجسًر الفجوة بين الاهتمامات السلبية للشباب التي قد تُعيق سرعة تحقيق رؤية  المملكة 2030 بشكل فاعل وبين متطلبات تلك الرؤية، على النُّخب الفكرية والإصلاحية في المجتمع أن تساهم في طرح المبادرات التي تساهم في معالجة تلك القضية أو الإشكالية، أو على الأقل التخفيف منها.

وملتقى أسبار – بما يضمُّه من النُّخب الفكرية والإصلاحية- يُعدُّ مؤهلًا  قويًا لطرح مثل تلك المبادرات، وتبنيها ومتابعتها.

ومن المقترحات بهذا الخصوص:

1-إيجاد آلية مناسبة لتواصل الملتقى مع المؤثرين في برنامج السناب تشات  من السعوديين، وفتح قنوات حوار هادفة للتفكير في الحلول معهم ومن خلالهم.

2-تقديم مقترحات عملية لصُنًاع القرار باستثمار هذا البرنامج الحيوي المُفضل لدى الشباب استثمارًا تنافسيًّا بينهم في المبادرات والمشاريع الاجتماعية والخيرية والتنموية.

3-عقد شراكات مع مؤسسات القطاع الخاص والبنوك لتحفيز الشباب على التحرُّك الجاد لاستخدام البرنامج في الصالح العام بتبادل مصالح بينهم وبين الشباب في مشاريع اقتصادية مثمرة، وتصبُّ في مصلحة رؤية المملكة 2030.

4-إيجاد آلية مناسبة للتواصل مع أقسام الدراسات الاجتماعية في الجامعات السعودية؛   لتفعيل دورهم في هذه القضية المهمة جدًّا لقطاع عريض من مجتمعنا السعودي.

5-تقديم ملخص للقضية بعد مناقشتها في الملتقى للجهات المعنية بالشباب من منظمات المجتمع المدني، مثل: جمعية شباب الغد، وشباب مجالس المناطق، ومركز الملك سلمان للشباب.

التعقيب الأول: د. حامد الشراري:

نسبة الشباب العالية جعلت المملكة في مصاف الدول الشابة، وهي ميزة في حالة الاستثمار الأمثل لها، وفي الوقت نفسه هي تحدٍ للتعاطي معها، والإيفاء بمتطلباتها، وتحقيق تطلعاتها. الحصول على عمل ودخل مالي جيد هو أحد الاهتمامات الأساسية للشباب، وما طرحته الدكتورة الجازي في ورقتها النوعية هو أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي “سناب تشات” التي من الممكن أن تُسهم إيجابًا في توفير الفرص الوظيفية لشبابنا، وتشجعهم للانطلاق للأعمال الحرة والابتكارية. هذا التطبيق يقع ضمن منظومة تقنية تُسمَّى ” التقنية الناعمة: Software Technology  أو البرمجيات” التي أصبحت تدرُّ مبالغ طائلة لمنتجيها والمستثمرين فيها، وصناعتها تعتمد على القدرة الذهنية للفرد مع تأسيس علمي جيد، وما تطبيق “أوبر”، وتطبيق “كريم” إلا خير دليل.

إلا أنه من المهم، أن تتبنى الرؤية2030 التطبيقات الإلكترونية (تطبيقات خدمات الحكومية الإلكترونية، وتطبيقات التجارة الإلكترونية، وتطبيقات التواصل الاجتماعي….إلخ) مع العمل على إنتاجها محليا، كهدف استراتيجي لتحسين تنافسية الاقتصاد السعودي، من خلال إيجاد بيئة حاضنة ومحفزة للأنشطة الصناعية المتطورة، وجاذبة للاستثمارات في مجال الابتكار والتقنية الحديثة، تفي باهتمامات الشباب الإنتاجية وتطلعاتهم الابتكارية، وألا تكون الرؤية رهينة لتطبيقات أجنبية معينة لا نملكها. عند استعراض سريع لتاريخ تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي منذ منتصف التسعينيات في القرن الماضي نجد بعضها اختفى بالرغم من أنها كانت متصدرة بعدد المتابعين؛ إما بسبب المنافسة، أو بروز تطبيقات أفضل، أو لأسباب أخرى. فعلى سبيل المثال: في هذه الأيام تدور حرب بين شركة سناب شات وشركة فيسبوك (واتساب، انستجرام، ماسينجر)  بعد إضافة الأخيرة بعض ميزات تطبيق السناب تشات لتطبيقاتها، هذه الحرب قد تُنهي إحداهما!

برنامج التحوُّل الوطني 2020 أحد برامج الرؤية2030 يشمل العديد من المبادرات ذات العلاقة بالخدمات والتطبيقات الإلكترونية، بما فيها توفير رأس المال الجريء للمشاريع الابتكارية والواعدة، وتنمية الموارد البشرية المتخصصة. وكون التقنية تلعب دورًا رئيسًا في تحقيق أهداف الرؤية، فمن المهم إيجاد منظومة تقنية متكاملة – مع بنية تحتية للاتصالات، وتقنية معلومات متطورة، وبجودة عالية المستوى، ونطاق عالي السرعة- تتماشى مع متطلبات التقنيات المتقدمة، والتوجه المستقبلي لعالم التقنية وتطبيقاتها.

 الرؤية2030، هي مشروع وطني استراتيجي طموح، تعمل على الإيفاء بمتطلبات الشباب الأساسية واهتماماتهم بشكل شمولي أكبر وأبعد من استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي. فبجانب ما طرحته الدكتورة الجازي، ومن ضمن عنوان هذه القضية الواسع، هناك بعض القضايا الاستراتيجية التي تهمُّ الشباب، وكنخبة مفكرة علينا تسليط الضوء عليها ومناقشتها وسبرها، منها:

١– إشراك الشباب في صنع القرار:

إنَّ إشراك الشباب في صُنع القرارات فيما يتعلق بقضاياهم وفق أسس عمل مؤسساتي وإطار تنظيمي واضح، وبعلاقة تكاملية مع الجهات الأخرى، يواكب الحاجات المستجدة للشباب واهتماماتهم، وبما يضمن تمثيل ومشاركة فاعلة لشباب وشابات الوطن- هو إحدى أدوات تعميق روح الولاء والانتماء الوطني لديهم، ودفعهم لتحمُّل مسؤولياتهم في خدمة مجتمعهم، والمساهمة النوعية في تنمية وطنهم. والمنظمات الشبابية الوطنية موجودة بأشكال متعددة في العديد من دول العالم، وهي تمثل الرابط بين الحكومة والشباب، وتؤدي دور المنسق بين المنظمات الشبابية المحلية والدولية، وتُصنَّف تلك المنظمات لثلاث فئات كبيرة- وفقا لمنظمة TakingITGlob-، مستقلة عن الحكومة ويديرها الشباب، ومنظمات تشكل جزءًا من بنية الحكومة، وهيئات جامعة لتنسيق مشاركة الشباب.

  أما واقع المؤسسات الشبابية في المملكة فتنقسم لقسمين: مجالس شباب المناطق، أُسست في غالب مناطق المملكة من قبل إمارات المناطق وتحت مظلتها، وتعمل في شكل جزر منعزلة مستندة لمرجعيات تنظيمية مختلفة، ومؤسسات أهلية تطوعية جاءت بمبادرات شخصية ولها جهود متميزة ونشاط حيوي، وتمثل منصات لفتح الآفاق المستقبلية للشباب، وجلّ أعمالها ونشاطها يتركز في المناطق الكبرى، كمؤسسة «مسك الخيرية»، ومركز الملك سلمان للشباب، وجمعية الغد للشباب.

٢– البطالة وفرص العمل في المناطق النامية:

لاشك أن الشباب هو المستفيد الأكبر من الرؤية، حيث إنها تهدف لتوفير ملايين الفرص الوظيفية، ووفق للرؤية ستتقلص نسبة البطالة من 11.6% إلى 7%، إلا أن المفاجئ ما أعلنته الهيئة العامة للإحصاء مؤخرًا عن زيادة في نسبة البطالة وصلت لـ (12.3%) وهو مؤشر غير جيد، وقد يكون نتيجة لمرحلة التحول التي بدأ تطبيقها، ومنها الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد، وهذا قد يتطلب إيجاد حلول أو برامج عاجلة للحدّ من الزيادة في نسبة البطالة وضبطها وفقًا لخطة الرؤية. أيضًا، من أكبر التحديات التي يواجهها جيل الشباب، وتشكل تحديًا للمسؤولين عن تنفيذ الرؤية2030 هي إيجاد فرص عمل في المناطق النامية، فغالب فرص العمل في تلك المناطق تتركز في القطاع الحكومي (المدني والعسكري)، وقطاع التجزئة والأعمال الصغيرة، وتفتقد للمصانع والشركات الكبيرة المحركة للاقتصاد والجاذبة لرؤوس الأموال كما في المناطق الكبيرة، فالمناطق النامية مازالت- بالرغم من جهود الدولة- تفتقر لمشاريع تنموية جبارة، فوَضْع خارطة أطلس للفرص استثمارية، وتوفير الدعم والتسهيلات الكبيرة معتمدة على الميز النسبية للمناطق النامية- قد يسهم في تنمية تلك المناطق، ويحقق الاستقرار للشباب، ويوفر فرص العمل، ويُخفِّف من الضغط على المناطق الكبيرة من خلال الحدّ من هجرة الشباب لها.

التعقيب الثاني: أ. عبد الرزاق الفيفي:

رؤية 2030 من الشباب وإلى الشباب؛ لذلك سيقودها الشباب؛ لأنهم وقودها وماكينتها ونتائجها هي حاضرهم ومستقبلهم، فكلما تأملتُ نصَّ رؤية 2030 أجدُ فيها إضاءات الأمل…فقدرها أن تكون على يد مهندسها وعَرَّابها أمير الشباب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – سدده الله ووفقه-

وعندما أتأمل ثورة العلم والتكنولوجيا في حياتنا أقول – كشابٍ سعودي-: إنَّ رؤية 2030 حلم وطوق نجاة أتى في وقته.

وها نحن نشهد تسابق الأمم والدول نحو تحولات اقتصادية إلى ما يعرف باقتصاد المعرفة، وما يتطلبه ذلك من إبداعات وابتكارات، وما يشهده واقع التنافسية عند الشباب الذي استطاع ترجمة اقتصاديات المعرفة إلى ثروات مادية ومعنوية.

وقد تناولت د. الجازي ود. حامد زوايا هذه الاهتمامات التقنية بوسائل التواصل الاجتماعي،  وأبدعا وأجادا في طرحها. وأجدني سأنطلق من زوايا أخرى مهمة، وأفتتحها بتساؤلات :

  • هل الفجوة موجودة ؟
  • هل ندرك حقيقة أبعادها لندرك واجبنا تجاهها بدقة ؟
  • مَن المسؤول عن تجسير الفجوة ؟
  • هل اهتمامات الشباب السعودي مشتركة أم مختلفة؛ لعوامل المكان، والطبقة الاقتصادية، والحالة الاجتماعية، والوفرة المعرفية، وغيرها من العوامل ؟
  • هل أتاحت رؤية 2030 للشباب مساحات مشتركة بين الفرصة، والتعليم والتأهيل المطلوبين؟

في علم التخطيط البسيط، إما أن تخفض سقف طموحك بما يتناسب مع واقعك وقدراتك، أو ترفع وتقوي وتطور واقعك وقدراتك لتُحقِّق طموحك، وبين الخيارين فارق كبير.

فأيهما كان الخيار الأفضل والأولى بنا؟ وهل اتخذنا القرار الصحيح في وجهتنا نحو 2030؟ وهل الوجهة والقرار واضحان للجميع، وبالذات للشباب؟

عندما أتحدث عن اهتمامات الشباب التي تحتاج إلى تجسير لتحقق متطلبات رؤية 2030، فأستطيع أن أحددها بالآتي :

  1. اهتمامات بتأمين المعيشة الكريمة.
  2. اهتمامات بتعليم وتأهيل مميز .
  3. اهتمامات برعاية الابتكار والمواهب.
  4. اهتمامات بوضوح وآليات البوصلة السياسة.
  5. اهتمامات بالأمن والاستقرار المجتمعي.
  6. اهتمامات بالطمأنينة النفسية والعاطفية.
  7. اهتمامات باتزان الجانب الروحي الديني.

و الخروقات السلبية التي تظهر في ممارسات الشباب الحياتية في شتى المجالات  تنطلق من إخفاق في أحد الاهتمامات السابقة، وهي مهددات في طريق رؤية 2030.

وفي المقابل نجد الإبداعات والنجاحات تنطلق من تلك الاهتمامات أيضًا متى تمت رعايتها والعناية بها.

إن أردت أن ألخِّص  ما ينبغي أن تُعنى به الدولة والأسرة والفرد كأولوية قصوى لتجسير الفجوة فبالآتي :

1-بناء العقل لأنه الذي يتحكم في قيمة الاهتمامات التي تحصل عند الشباب؛ فكلما ارتفعت القدرات العقلية عند الشباب تجد الاهتمامات مرتفعة وعظيمة، وتُحقِّق متطلبات الرؤية تلقائيًّا؛ لذلك ستجد في هذه الطبقة خير معين لتحقيق رؤية 2030، كما عليك أن توسِّع دائرتهم وتمكنهم.

وعندما تكون القدرات العقلية عند الشباب متوسطة فستكون الاهتمامات حينها عادية لا تتجاوز الاهتمامات اليومية، وسيكتفي حينها الشاب بضمان العيش فقط بأي طريقة كانت، ولو على حساب كرامته الإنسانية؛ لذلك تنشأ حواضن الفساد الإداري والأخلاقي والتربوي في هذه الطبقة.

وأما عندما تكون القدرات العقلية عند الشباب متدنية فستكون الاهتمامات متدنية أو بلا اهتمامات؛ ولذلك تنشأ هنا حواضن الإرهاب والإجرام والتطرف والإفراط والتفريط.

وحتى يتحقق البناء السليم لعقل الشاب فلابد من  :

‌أ.       الاهتمام باكتساب المعرفة والتعليم المتناسب مع التطلعات.

‌ب.  الاهتمام باكتساب المهارات المهنية والحرفية والقدرات المتناسبة مع التطلعات.

‌ج.الاهتمام باكتساب المهارات التي تجيب عن التساؤلات الآتية ( كيف أفكر ؟ كيف أقرر ؟ كيف أحلُّ المشكلة ).

‌د.      فتح قنوات رَفْع الوعي عبر مؤسسات المعرفة والثقافة والفكر؛ لتجسير الفجوة بينهم وبين النخب.

2-العناية والرعاية بالأسرة؛ لأنها الحاضنة التي تغذي الشاب، وتحقِّق له الاستقرارين النفسي والعاطفي؛ فبقدر زعزعة وتفكيك بنية الأسرة تصنع شخصية شاب مزعزعة ومفككة لا تتحمل تحقيق التطلعات؛ لذلك الأسرة تحتاج لمنظومة بناء إعلامية واجتماعية وتعليمية وصحية وأمنية تتناسب مع التطلعات.

3-تحسين الأداء السياسي الداخلي والخارجي، وقراءة الشارع الشبابي بدقة، فالعولمة قد جعلت من لغة التواصل والمعرفة والتشارك قرية صغيرة، وما نلمسه من تحسينات كل فترة على جانب إدارة الدولة ووزاراتها في حماية وتنمية المال العام، والمحاسبة والقضاء على أشكال الفساد الإداري؛ كل هذا يسهم في صناعة شخصية شابة ذات اهتمامات مسؤولة، وذات ولاء راسخ.

4-تأمين فرص للمعيشة الكريمة، وذلك بتعليم الشاب (كيف يعيش) لا (كيف يأخذ)،  ولابد أن يترافق مع تعليمه (كيف) قنوات وحاضنات اقتصادية تتناسب مع ما يتعلمه، وما سيمارسه.

5-حماية معتقده ودينه وهويته وقدواته المجتمعية، بداية بقيادات وطنه إلى علماء ومفكري بلده إلى أسرته. فزعزتها تجعله يعيش في اضطراب عقدي خطير، وقلق نفسي، وتذبذب عاطفي سيكلف الدولة والمجتمع علاجه الكثير.

6-   الانتماء لهوية وطنية واضحة يرتضيها الشباب السعودي.

وأخيرًا أودُّ الإشارة إلى أن دولتنا – رعاها الله – قد سنت في نظامها الأساسي للحكم ما تجسر به اهتمامات مواطنيها لتحقيق تطلعاتها، ونجد ذلك جليًّا فيما يلي نصه :

(( النظام الأساسي للحكم ))

الباب الثالث: مقومات المجتمع السعودي.

المادة التاسعة:

الأسرة هي نواة المجتمع السعودي .. ويُربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر .. واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد.

المادة العاشرة:

تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.

المادة الحادية عشرة:

يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم.

المادة الثانية عشرة:

تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.

المادة الثالثة عشرة:

يهدف التعليم إلى غَرْس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه.

المداخلات حول القضية:

  • مؤشرات الواقع وإشكالاته:

أشارت أ. علياء البازعي إلى أنه لا يخفى على الجميع الانتشار الواسع والسريع لتطبيق سناب شات بين معظم فئات المجتمع…ومثل أي شيء آخر هو سلاح ذو حدين.. وهناك مشاهير من فنانين وإعلاميين مشهورين من قبل استخدموا سناب لزيادة شهرتهم وشعبيتهم، وهناك مَنْ هم غير معروفين أصلًا، وأصبحوا من أشهر المشاهير في البلاد. وعلى خلاف ما يرى كثيرون، يمكن النظر لهذه الظاهرة على أنها ظاهرة  صحية، وأنها نمط من أنماط العصر…لها سلبيات وإيجابيات مثل كل شيء آخر.

وذكر د. خالد الرديعان أن كلمة الشباب تشير إلى الجنسين ذكورًا وإناثًا من سن ١٨ وحتى ٤٠ سنة.. وبحكم أن الموضوع متكرر وتم تناوله كثيرًا، فمن المهم التركيز على الاحتياجات الأساسية للشباب عمومًا، وهي بتقديره أربعة احتياجات، وعدم تحقيقها يخلق عددًًا كبيرًا من المشكلات، وهي على النحو التالي:

١- فرصة التعليم.

٢- فرصة العمل.

٣- السكن اللائق.

٤- الزواج السعيد.

هذه أساسيات يضعها كل شاب وفتاة نصب عينيهما، بل إنهم – ومنذ سن مبكرة- يفكرون بهذه الاحتياجات وسبل تحقيقها.. والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي حد يمكن القول إن مجتمعنا يسدُّ هذه الاحتياجات، ويفي بها كحقوق؟ هذا سؤال كبير يمكن الإجابة عنه فيما يلي:

أولًًا: التعليم:

هو متوفر في جميع المستويات تقريبًا، ولا يوجد مشكلة في ذلك، فلدينا أكثر من ٢٨ جامعة حكومية (ناهيك عن الجامعات والكليات الخاصة) تستوعب جميع المتقدمين والمتقدمات، وفي جميع مناطق المملكة دون استثناء.

تبقى قضية في غاية الأهمية، وهي أن عددًا كبيرًا من التخصصات الجامعية لم يعد يناسب سوق العمل الذي يحتاج إلى تخصصات تتعلق بالتقنية وبالمهارات.. هنا يفترض أن يفكر الجميع- شبان وفتيات – في التعليم التقني الذي يزودهم بمهارات عملية، وأن يضعوا سوق العمل نصب أعينهم في اختيار التخصص. فيما يخص الفتاة قد تكون الفرص أقل فيما يتعلق بالتخصص، فبعض التخصصات محجوبة عن الفتيات، وهنا نطالب بفتح كل التخصصات أمام الفتاة ومساواتها بالشاب في هذا الشأن.

ثانيًًا: فرص العمل:

لدينا مستوى بطالة مرتفع إذا كنا نتحدث عن الوظيفة في القطاع الحكومي وحتى القطاع الخاص.. ففي الوقت نفسه لدينا ما يزيد عن ١٤ مليون وافد يعملون في كل المهن في القطاع الخاص، وغالبا بالتستر من قبل الأفراد. بعض تلك المهن فنية، وتقنية، ومكتبية، يستطيع شبابنا وفتياتنا العمل بها بشرط حصولهم على تدريب مناسب، وأن تُسَنَّ تشريعات حقيقية وفاعلة للسعودة والإحلال. وفي المقابل علينا كمجتمع أن نتخلى عن بعض معوقاتنا الاجتماعية التي تحدد ما هو مناسب وما هو غير مناسب من عمل.. لا يعقل أن يكون دخل بائع خضروات ٣٠ ألف ريال في الشهر، وراتب موظف خمسة آلاف ريال، ثم ننظر بازدراء إلى بائع الخضروات، ونتهالك على وظيفة موظف.. هذا تخلُّف وقصور وسوء تقدير للواقع يفترض أن نتخلص منه في ظل رؤية ٢٠٣٠ التي تريد منا أن نكون منتجين، وأن نساعد بلدنا في التخلص من جزء كبير من العمالة الوافدة التي تستنزف اقتصادنا بطرق مشروعة أو غير مشروعة.

ثالثًا: السكن:

لن أشير إلى أهمية السكن، فهذا معروف، ولن أعيد اختراع العجلة.. ما نطالب به هو التوسع في بناء المساكن، والكفّ عن التذرُّع بالمعوقات.. المسكن هو أرض ومواد بناء وليس شيئًا آخر يصعب الحصول عليه.. يمكن للحكومة نزع ملكية بعض المساحات الكبيرة والمحيطة بالمدن، وتجزأتها إلى أراض صغيرة مساحتها ٣٠٠م٢ فقط لبناء مساكن عليها، وتقديم قروض صغيرة للشبان لبنائها. عصر الفلل الكبيرة والقصور انتهى بالنسبة للشباب، فهم يريدون مساكن صغيرة قليلة التكلفة وسهلة الصيانة، ولاسيما أنَّ هناك توجهًا عامًّا نحو الأسرة النووية الصغيرة.

ما تقوم به وزارة الإسكان هو مجرد مضيعة للوقت وتخبُّط يراعي مصالح العقاريين وملاك البنوك. الوزارة تواجه فسادًا واسعًا  في عملية تملُّك البعض لأراضي واسعة تم منحُها لمَنْ لا يستحقها في السنوات الماضية، وبالتالي يُفترض أن يكون جهد الوزارة منصبًا على نزع ملكية ما تستطيع من تلك المساحات وتعويض أصحابها، ومِن ثَمَّ تخطيطها وتقديمها للمستحقين من الشباب بشرط بنائها، وألا تكون للاستثمار التجاري. ويمكن كذلك بناء أبراج طويلة ذات شقق، والإفادة من الامتداد العمودي، فالسماء مجانًا.

رابعًًا: الزواج:

ترتفع نسبة العنوسة في مجتمعنا بصورة ملفتة حسب الإحصاءات الأخيرة.. في الوقت نفسه ترتفع تكاليف الزواج والهياط الاجتماعي.. لنتخل قليلًا عن بعض هياطنا وفشخرتنا من أجل أبنائنا وبناتنا، ولنوفر فرص العمل والسكن للجنسين، ومِن ثَمَّ يسهل أمر الزواج.. وقد ثبت من البحث أن المتزوجين هم الأقل مشكلات مقارنة بغير المتزوجين.

إن هذه الاحتياجات الأربعة هي ما يشغل بال الشباب من الجنسين؛ والاهتمام بها وتوفيرها سيحدُّ كثيرًا من مشكلات أخرى نجدها عند الشباب: كتعاطي المخدرات، والتطرف، والفراغ، والاغتراب الاجتماعي؛ والأخير حالة مرضية تشير إلى عدم انتماء للمجتمع، نتمنى ألا نصل إليها.

وأضاف أن الشبكات الاجتماعية تضخم الأنا، وتغرس حب الذات ..حتى ما يتم عمله للآخرين أحد أكبر غاياته المزيد من الإعجاب والرتويت. وأيضًا ‏الفردانية والأنا المتضخمة التي تصنعها شبكات التواصل الاجتماعي ستخبو يومًا ما بالسرعة التي صعدت بها، ولن يبقى سوى الصعود الطبعي المنطقي.

هذه الجوانب فهمها مهم وضروري؛ كما أن من المهم معرفة متطلبات رؤية ٢٠٣٠ التي يبدو أن الشباب لم يدركوا منها إلا ما جعلهم يختزلونها في جوانب سلبية أضرت بهم. وإدراك هذه الجوانب مهم للعمل على تجسير هذه الفجوة  بين اهتمامات الشباب وبين متطلبات الرؤية … هذا لمن يريد أن تتم عملية التجسير من طريق أو اتجاه واحد ، وهذه إحدى إشكالياتنا.

إن الاعتراف بوجود الفجوة يعني وجود مشكلة في متطلبات الشباب من الرؤية نفسها، وأن عملية توظيف السناب لتعريفهم بالرؤية سيكون عديم الجدوى .. إذ سيكون خطابًا لمن يشعرون بأن الأمر لا يعنيهم، وهو شعور لا يبشر بخير.

وفي تقدير د. مساعد المحيا فإننا نحتاج أولًا أن نفهم سلوك الجمهور وهو يستخدم تطبيقات الشبكات الاجتماعية .. إذ إنَّ هذه التطبيقات وعلى رأسها السناب أصبح الكثيرون يجدون أنفسهم فيه شبابا وشابات، ويتحركون في المجتمع لينقلوا ما يرونه. بل أصبحت حياتهم لا تنفك عنه إرسالًا واستقبالًا. والمتأمل فيه يجد أنه مع الشبكات الأخرى قد عمَّق الفردانية وجذَّرها. إذ وجد الناس أنفسهم في هذا التطبيق ينداحون فيه على نحو أشبع رغباتهم عامة، وحقَّق لهم- إضافةً لذلك- الكثير من المكاسب المادية؛ إذ أصبح اليوم وسيلة إعلانية أقوى من كثير من الوسائل؛ وهو ما زاد من تعلقهم به. والسناب شات أصبح بيئة للاستعراض والمظاهر والسلوكيات الافتخارية.

وأضاف أن الشبكات الاجتماعية تُضخِّم الأنا، وتغرس حب الذات .. حتى ما يتم عمله للآخرين أحد أكبر غاياته المزيد من الإعجاب والرتويت. وأيضا ‏الفردانية والأنا المتضخمة التي تصنعها شبكات التواصل الاجتماعي ستخبو يومًا ما بالسرعة التي صعدت بها، ولن يبقى سوى الصعود الطبعي المنطقي.

هذه الجوانب فهمها مهم وضروري؛ كما أن من المهم معرفة متطلبات رؤية ٢٠٣٠ التي يبدو أن الشباب لم يدركوا منها إلا ما جعلهم يختزلونها في جوانب سلبية أضرت بهم. وإدراك هذه الجوانب مهم للعمل على تجسير هذه الفجوة  بين اهتمامات الشباب وبين متطلبات الرؤية … هذا لمن يريد أن تتم عملية التجسير من طريق أو اتجاه واحد، وهذه إحدى إشكالياتنا.

إن الاعتراف بوجود الفجوة يعني وجود مشكلة في متطلبات الشباب من الرؤية نفسها، وأن عملية توظيف السناب لتعريفهم بالرؤية سيكون عديم الجدوى .. إذ سيكون خطابًا لمَنْ يشعرون بأن الأمر لا يعنيهم، وهو شعور لا يبشر بخير.

ومن وجهة نظر تسويقية، قالت أ. ولاء نحاس: منذ عشر سنوات مضت كان الاهتمام للشركات ينصبُّ على المنتج، وكان البيع يتم من خلال التركيز على مميزاته، ثم تطور الأمر للحديث عن الهوية بشكلها العام، ومع لغة التواصل الاجتماعي الجديدة توجهت العديد من الشركات للمشاهير من أجل تسويق منتجاتهم، لكنها في حقيقة الأمر سوقت لهؤلاء المشاهير، وخلقت منهم قيمة بغضّ النظر عن المحتوى الذي يقدمونه.

الهدف من طرح ما سبق هو:

  • تحديد التوجه الذي يخلق من شاب أو شابة شخصية مشهورة دون وجود محتوى: هل هي الشركات أو القطاعات الحكومية أو الخاصة ؟ أم هي الكاريزما؟
  • تقييم مصداقية المشاهير لدى الجمهور: فاليوم برغم وعي المتابعين بأن الإعلان مدفوع الأجر إلا أنه يؤثر بشكل كبير على قرار الشراء.
  • تفعيل المحتوى الذي يملكه المشاهير: فلربما كان يملك الكاريزما لكنه يفتقد للثقافة، وهنا يأتي دور المثقفين في سدّ الفجوة من خلال تثقيف هؤلاء. لكن يظلُّ ذلك بقرار من المشهور نفسه في حال وجد أن الأمر يستدعي عناء الثقافة أو لا من وجهة نظره، إضافة إلى أن المحتوى الهادف ليس له جمهور كبير مع الأسف، وكثير منهم يعلم ذلك.

بعض الأسماء التي طُرحت فعلا فاعلة، ولها لغة متميزة، أمثال: الجبرين، أو فارس التركي، ولعل أهم أدوات نجاحهم، هي : طريقة طرحهم، وقربهم من الجهات الحكومية والفاعلة، والتي رفعت من وعيهم وطرحهم ومن قيمتهم لدى الجمهور وثقتهم بهم .

شئنا أم أبينا مواقع التواصل اليوم فرضت نفسها على الشركات والمؤسسات والقطاعات الخاصة والحكومية، وعلى الأفراد والمجتمعات. لذا بات هناك ضرورة لتقنين وتوجيه هذا التوجه الجديد.

وذكر م. خالد العثمان أن هناك الكثير من النصب والاحتيال والكذب، أضف إلى ذلك الاستجداء، والاستعطاف، والشحاذة، وغير ذلك الكثير في وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها سناب شات، ومن ثَمَّ يبقى السؤال: كيف يستطيع الناس وخاصة الشباب التمييز بين الغث والسمين فيما يُطرح في تلك الوسائل؟ في الخلاصة.. الإقبال منقطع النظير على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة بين الناس عمومًا، والشباب خصوصا؛ إنما هو نتيجة لقصور القنوات التي تمكنهم من إيصال رؤاهم وأفكارهم ومطالبهم وشكاواهم.

وأكد د. خالد الرديعان على ذلك بقوله: أضف إلى ذلك تسخير وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى المسؤولين سواء وزراء، وأحيانًا الملك وولي عهده وولي ولي العهد، وذلك عندما يفشلون في الحصول على ما يرونه حقوقًا لهم تم هدرها.. هذا النوع من المقاطع مزعج للغاية، ويعني ضمن ما يعنيه قصورًا شديدًا في أجهزة الدولة، وخاصة القضاء، والجهات الضبطية، وغيرها.. الظاهرة منتشرة بصورة مقلقة للغاية. ونجد بعضهم يحلف، ويحلفك بالله أن تنشر المقطع، وهكذا.

إن انتشار مثل هذه المقاطع يقدم صورة سيئة للغاية عن المملكة، بل وصورة مشوهة خاصة لمن ينظر لنا من الخارج.. هذه واحدة من سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، وسناب شات إحداها.

وأضافت أ. فاطمة الشريف: يُضاف كذلك لما سبق تعميق انتشار نمط معين للحياة life style أصبح الجميع يعيشه لتقليد المشاهير، السفر لنفس الأماكن، الأكل من مطاعم معينة، وغيرها كثير من الممارسات اليومية التي تُجذِّر هذه النمطية في المجتمع، وكأن الغالبية تحيا لتصور، وتشارك، وتنشر.

ومن جانبه قال د. عبد الله بن صالح الحمود في تعقيبه: جميل أن ينهج الشباب أنشطة أيًّا كان نوعها، مادامت تحقِّق منافع أو مكاسب تعود مواردها للوطن أولًا وأخيرًا. إنما لابد لنا من وقفة حقيقية، إذا ما أردنا أن نربط مضامين رؤية 2030، وما هو مؤمل منها، وعلى وجه الخصوص ما يختصُّ بفئة الشباب. وهنا أتفق مع ما ذهبت إليه د. الجازي في هذه القضية، عن الانفتاح السلبي الواسع على ثورة التقنيات التواصلية الحديثة، ومنها ما حُدِّد هنا أنموذجا للنقاش، وهو لجوء بعض من الهواة الشبابية نحو انخراطهم لبرنامج تقني اسمه ( سناب شات ) أو غيره من البرامج التقنية الحديثة، ويظن البعض أن توجُّهًا كهذا يشكل توجُّهًا منفعيًا للشباب، خصوصًا مع ما هو مشاهد من أن البعض من الشباب قد حقق نجاحات اقتصادية من خلال شهرة اكتسبها، وهي بلاشك شهرة وقتية، سواء من تقنية كهذه ستُنسى لاحقًا ضمن البرامج المنسية كغيرها؛ وذلك بسبب حدوث البديل، والذي دوما يأتي متسارعًا، أو ما يُلاحظ من جهود شبابية عبر استخدام تلك التقنية، والذي يأتي غالبًا لمدد محددة للغاية .

وتساءلت أ. مها عقيل: أين الخصوصية التي ندعيها ونحن نتعرى أمام العالم وندخله في بيوتنا ليطلع على تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا؟ وأضافت أن استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي مظهر آخر من مظاهر التناقض والانفصام الذي نعيشه. ولا شك أن الشباب يعي هذا التناقض ويتمرد عليه. وهذه الوسائل أصبحت الوسيلة لإيصال صوت مَنْ لا صوت له.

ويرى م. حسام بحيري أنَّ وسائل الاتصال الاجتماعية الجديدة شكلت ثورة في عالم الاتصال والتواصل؛ لأنها ألغت النُّخب الإعلامية التقليدية. في الزمن ليس بعيدًا أي شخص يريد أن يرسل رسالة لابد له من استخدام وسائل الإعلام التقليدية، وأخْذ موافقتها، والالتزام بشروطها, اليوم الجميع عندهم الحرية لنقل أي معلومة لديهم بدون قيود. بدايات هذه القدرة كانت في معارك غزة عندما تمكن سكانها من نقل جرائم العدو الصهيوني للعالم بدون الحاجة لوجود صحافة، وتمت تعرية اعتداءات الصهاينة بوضوح للعالم، لأنَّ كلَّ الذي يحتاجه المناضل هو جهاز جوال، وحساب في تويتر أو فيس بوك؛ لتوثيق الاعتداءات، وإثبات كذب العدو الصهيوني. اليوم مع انتشار نوعية وسائل الاتصال الاجتماعي وتعددها أصبح الجميع لديهم القدرة على نقل أي معلومة أو الاشتهار بدون اللجوء إلى المؤسسات المعنية.

مدى انتشار وشهرة الأشخاص دائمًا ستعتمد على ماهية توجهاتهم، أو الخطاب الذي ينقلوه، ومدى موائمته وقبوله في المجتمع. هي – باختصار- ليبيرالية إعلامية، يحدد نجاحها المجتمع وليس الأجهزة الرسمية. اليوم نرى ظاهرة مختلفة عما عهدناه, شخص مغمور غير معروف ينقل أخبارًا أو مواد إعلامية لها تقبُّل عند المجتمع، وله متابعون أكثر من مؤسسة إعلامية قديمة مرموقة، أو شخصية اعتبارية لها احترامها في المجتمع؛ وبذلك أصبح في حد ذاته قوة إعلامية تستطيع التأثير، ونشر أي أخبار أو معلومات، ويستطيع أن يوصل أي رسالة يريدها بفعالية أقوى من محطة تلفزيونية رسمية تابعة لدولة ما.

الإعلام العالمي بدأ في تدارك هذه الظاهرة، واليوم أصبح يتحول تدريجيًّا نحو وسائل الاتصال الاجتماعي لنقل رسالته التي يجدُ صعوبة في نقلها؛ بسبب أن المنافسة الإعلامية ليست فقط مع مؤسسات ولكن أفراد، والكثير من هؤلاء الأفراد عندهم القدرة على ضرب مصداقية الوسائل الإعلامية كما حصل كثيرًا مؤخرًا. اليوم نرى الإعلام أصبح أدق كثيرًا في نقل المعلومة، ولديه شفافية أكثر، لكن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سلاحًا ذا حدين، حيث قد تسهم أيضًا – وبقوة- في نشر أخبار مضللة، أو التشهير ظلمًا بأناس أبرياء، وبسرعة انتشار كبيرة. التشريعات القانونية حتى الآن لم تتمكن من التعامل مع هذه المشكلة، والكثير من الدول الغربية بدأت في مناقشة هذه المشكلة لوضع قوانين لا تتعارض مع حرية الرأي.

وذكر د. حميد المزروع أنه مع تعدد الإيجابيات لبرامج ومنصات التواصل الاجتماعي فهناك سلبيات متنوعة، أوجزها فيما يلي :

–           أولًا :  صعوبة التحقُّق من مصداقية المعلومة ومعرفة مصدرها .

–           ثانيًا : ضياع الحقوق الفكرية للباحثين والمثقفين .

–           ثالثًا : تعميق التفكُّك والأمن الاجتماعي .

–           رابعًا: تمكين الأفراد من الشهرة عن طريق تقديم محتوى سطحي في بعض الأحيان .

–           خامسًا : تمكين المغرضين من خلق الفتن والإشاعات، وإرباك السلم الاجتماعي .

وردًا على تساؤل أ. علياء البازعي: هل لدى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على توجيه سلوك الشباب…و توجهاتهم…أم أنها فقاعة؟ أوضح م. حسام بحيري أنه يوجد بالفعل لديهم قدرة قوية للتأثير، وهذا حاصل فعلًا حاليا؛ فمشاهير السناب شات كمثال يُدفع لهم مبالغ طائلة تصل إلى ٥٠ ألف ريال وأكثر، لعمل دعاية ما لا تتعدى الـ ٢٠ ثانية. انتشار الأخبار المضللة التي يعاني منها الإعلام العالمي اليوم سببها الرئيس الأشخاص الذين يوجد لديهم مئات آلاف أو الملايين من المتابعين، ويستطيعون توجيه متابعيهم نحو موضوع معين أو سلعة، أو نشر أي أخبار لهم اهتمام بها، وسيكون لها تأثير في أوساط مجتمعاتهم. وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة جديدة ليس لها تجارب زمنية، ولها وقع قوي على المجتمعات، ولم يكن هناك أي تصوُّر مسبق لمدى التأثير الذي يمكن أن تصل إليه. إذ بداياته كانت محصورة في أمور شخصية، والتواصل مع الأصدقاء في نطاق اجتماعي بحت ومع تحول التكنولوجيا نحو الأجهزة المحمولة، مثل: الجوال، والـ آي باد أصبح لها إمكانيات تتعدى ما صُنعت له بالأساس، وصار الأفراد لهم قوة غير محدودة في نقل أي معلومة.

ومن ناحيته يرى د. علي الحارثي أنه إذا وضحت أهداف أي موضوع وضح التعامل مع إيجابياته وسلبياته . لذا لايزال هناك بعض الغموض الذي يشوب هذه البرامج وخاصةً في تطبيقاتها التي يُراد من الشباب التفاعل معها. إذ جانب التواصل الاجتماعي وبرامجه الرحبة، ومنها (سناب شات) أصبحت مُتنفسًا للجميع لحرية الرأي إلى حدٍ ما، وهو ما جعل الدولة تنتج نظام جرائم المعلومات ..  من هذا الجانب قد لا تنجح محاولات تجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات تحقيق الرؤية، والتحول ٢٠٢٠ و٢٠٣٠ ؛ لأسباب متعددة، أهمها:-

1-الغموض والتشكيك وعدم الرضا عن تحولاتها وبرامجها عند قطاع عريض من المجتمع، وأغلبهم من الشباب ذكورًا وإناثًا .

2-   إغفال الجانب السياسي في الرؤية، وهو المطلب الأهم للجميع .

3-عدم تصديق الوسائل الإعلامية، ومنها برامج التواصل الاجتماعي التي يستشعرون أن للحكومة ضلعًا فيها، بل نجدهم يصبون جامّ غضبهم على المعتدلين بين رؤى الحكومة ومطالب الناس، ويعتبرونهم أدوات للحكومة .

الإصلاح هو في مشاركة المجتمع في القرارات، وتحقيق المتطلبات المنصوص عليها في نظام الحكم وكافة الأنظمة، لا في إصدار الأنظمة والخطط والرؤى التي يعتبرونها – ومن فترةٍ طويلة- حبرًا على ورق.

وأخيرًا أشار أ. عبد الله الضويحي في مداخلته حول قضية: ” تجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات رؤية 2030″، إلى أن (سناب شات) وسيلة إعلام، والإعلام عمومًا مغرٍ؛ لأنه يجلب الشهرة، وفي السابق كان الوصول له تشوبه بعض الصعوبات، ويتطلب كثيرًًا من المهارات والمؤهلات.

في عالم اليوم أصبح بإمكان كل فرد من المهد إلى اللحد أن يمتلك وسيلة إعلامه، وبرنامجه التلفزيوني، وأن يكون صحفيًّا، وينقل الحدث.

تسارع الأحداث، والتحول في التقنية والفراغ جعل كثيرًا من الشباب ( من الجنسين ) يدخل لهذا العالم؛ بهدف التسلية والاستكشاف، ثم تحوَّل إلى الاحتراف لدى البعض؛ لذلك يمكن تصنيف مستخدمي السناب شات إلى ثلاث فئات:

1-   فئة هاوية لكن بدون هدف واضح فقط للتسلية وتمضية الوقت.

2-   فئة احترفت السناب، وتحول لديها إلى مصدر دخل من خلال تسويق منتجها، أو التسويق لغيرها.

3-   فئة استثمرت السناب لتقديم رسائل توعوية ( دينية، اجتماعية، صحية .. وغيرها ).

ولذلك برزت أسماء كثيرة أصبحت معروفة بـ ” مشاهير السوشيال ميديا ” يتفق معظمها في ناحيتين:

–         الاجتهاد فيما يقدمون، بمعنى أنه لا يخضع لأسس علمية وإعلامية.

–         البحث عن الأضواء والشهرة.

والدليل على ذلك: أن طرح بعضهم ممل، فبمجرد الاستماع لبضع ثوان من المقطع نقوم بإغلاقه، وهذا يحدث كثيرًا إما لطريقة التقديم أو لطول المقطع، أو أن بعضهم لا هدف له إلا البحث عن الذات.

  • التوصيات المقترحة لتجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات الرؤية:

باعتقاد أ. أمجد المنيف فإن القضية أخذت مسارًا تقنيًّا بشكل أكبر، وتحديدًا عبر الأنموذج المستخدم “سناب شات”، ويمكن من وجهة نظره التركيز على النقاط التالية:

–   غالبا ما يتم التعاطي مع الشبكات الاجتماعية على أنها أدوات طارئة، والمفترض أن يتم التعامل معها كواقع، بعيدًا عن التوجس والفزاعات، ومحاولة تصويرها على أنها مخلوقة لهدم المجتمعات. فبالمقارنة بين إيجابياتها وسلبياتها، ومن أي منظور، سنجد الإيجابيات أشمل وأكثر، وفي توالد مستمر.

–   مؤخرًا هناك تراجع في استخدام “سناب شات” في السعودية، كما يُتداول في نقاشات الدوائر التقنية؛ بسبب غير واضح، يُعزى للملل، والسبب الأكثر وضوحًا هو انغلاق التطبيق، وصعوبة التفاعل به، وتدوير المحتوى، والتحاور والرد، مقارنة مع التطبيقات الأخرى، كتويتر، وغيره.

–   الأهم، أنه لا يجب التركيز على التطبيقات الاستهلاكية الوقتية، التي قد تختفي في أي لحظة، وإنما البناء والاستثمار في المستقبل، بما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي”، وتحديدًا “إنترنت الأشياء IOT“؛ لأن التقنية ستكون البديل للكثير من الأشياء، حتى يصل الحال بالناس بألا يفعلوا شيئًا في ظل وجود “الروبوتات”.

–   من أهم الزوايا التقنية القابلة للتمدد اقتصاديا، والتماهي مع “رؤية 2030″، هي التطبيقات الداعمة لاقتصاد الند للند، ما يُعرف بـPeer to Peer economy ، والتي تكوّن منصات وجسورًا، بين مقدم الخدمات وعارضها، عبر حلول تقنية صرفة، كفيلة بخلق بدائل لكثير من الاحتياجات.

–         في النهاية، نحن نتحدث عن الرؤية في ظل وجود حكومة شابة، تشارك وتتفاعل، وترصد وتحلل، ويفترض أن تعي التحديات قبل الاحتياج، وأن تطلق المبادرات التي من شأنها أن تحفز على بناء مستقبل أفضل؛ لأن الحاضرصار ماضيًا.

ومن ناحية أخرى فإن افتراض وجوب بثّ محتوى هادف من قبل المشاهير شيء خاطئ، وفِي الوقت نفسه فإن محاسبتهم على التسويق – كمجرمين – غير عادل؛ لأنهم في النهاية لا يختلفون عن أي وسيلة تسويقية أخرى. إذا كانت هناك مشكلة في العادات الاستهلاكية، أو خلل في الوعي، فلا يجب أن يلاموا عليه. في النهاية هم يقدمون محتوى، منتج، وللمتلقي حق القبول أو الرفض.

وأضاف د. حامد الشراري: لا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي لها تأثير على سلوكيات الشباب، والقيم، والمفاهيم، والهوية …إلخ. والجامعات إحدى المؤسسات الوطنية التي يقع عليها دور كبير في توجيه سلوكيات الشباب إيجابيًّا، وبما يخدم المجتمع والوطن.

هذه الأيام تحتفل الجامعات بتخريج آلاف الطلاب، السؤال: ما السلوكيات التي تعلمها الطلاب بجانب الحصول على المعرفة، واكتساب بعض المهارات؟ كيف تصبح الجامعات أكثر تأثيرًا في تغيير ثقافة المجتمع وسلوكه ؟، هذا الجانب مغيب تمامًا، وأبعد من المفهوم الأكاديمي التقليدي لوظائف الجامعات الرئيسة الثلاث (التدريس، البحث، خدمة المجتمع)؛ أي أن الجامعات يجب أن تغير من ثقافة وسلوك المجتمع للأفضل، وتلك تعدُّ بمثابة “وظيفة رابعة”، مع الحفاظ على قيم المجتمع النبيلة المستقاة من سياسة القيادة الرشيدة المبنية على مبادئ ديننا الحنيف، بحيث تكون الجامعات – كمؤسسات اجتماعية- مؤثرة بثقافة وسلوك المجتمع لا متأثرة به، تقود التغيير الاجتماعي للأفضل، منها:

1-تأصيل مفهوم الوحدة الوطنية، والحفاظ على مقدرات الوطن، واحترام الأنظمة والقوانين وتطبيقها على الوجه المطلوب.

2-تأصيل ثقافة الانضباط والالتزام واحترام العمل، والجدية في العمل، والمقدرة على خلق فرص العمل مستقبلًا.

3-   احترام الغير، وتأصيل ثقافة الحوار والتسامح ونبذ التعصب، مع المحافظة على القيم والمثل العليا للمجتمع.

وكون الجامعات مصنع القيادات وكوادر المستقبل، وتعتبر ركنًا أساسيًّا من أركان بناء الدولة الحديثة والعصرية القائمة على الفكر المتطور والمنفتح على الثقافات الأخرى، والجيل الجديد يتميز بقبول أكبر للتغيير مقارنة بالجيل السابق؛ لذا فمن الضروري استثمار وتسخير هذه البيئة الجامعية وإمكاناتها المتاحة لتحقيق متطلبات وأهداف الرؤية 2030؛ لبناء شاب متعلم، وواعٍ، ومثقف، ومنتج، وشغوف بالابتكار.

أيضًا من التوصيات المقترحة للإيفاء بمتطلبات الشباب:

1-   تشجيع ودعم العمل الحر من خلال تفعيل صندوق الصناديق (رأس المال الجريء) للمشاريع الابتكارية.

2-   عمل أطلس للفرص الاستثمارية والوظيفية في مناطق المملكة، وبوجه خاص النامية لاستيعاب الشباب.

3-   إيجاد حلول أو برامج عاجلة للحد من الزيادة في نسبة البطالة وضبطها.

4- سنّ التشريعات والتنظيمات المتواكبة مع متغيرات وسائل التواصل الاجتماعي. المتسارعة، والكفيلة بحفظ حقوق مُقدِّم الخدمة، والمسوق لها، وحماية المستهلك.

5-   إشراك الشباب في صناعة القرار من خلال إيجاد الأطر التشريعية والتنظيمية.

6-   تشجيع ودعم إنشاء  مؤسسات أو جمعيات شبابية في كافة مناطق المملكة.

7-إيجاد برامج وأنشطة نوعية مستمرة  ومكثفة في مؤسسات التعليم العالي؛ للحفاظ على الهوية، وبناء السلوكيات الإيجابية، وتأصيل الوسطية، وفق خطة معينة.

وتساءل د. عبد الله بن صالح الحمود: كيف نجعل من توجُّه شبابي لاستثمار تقنية ( سناب شات ) أو غيره – مع كونه يدر مبالغ لهم وقتيًا- من أن يكون جزءًا من رؤية وطنية يُفترض أن تكون حاملة لبرامج تأخذ طابعًا أشبه بالديمومة، فضلًا عن محتوى متكامل منشود: اقتصادي، وتعليمي، وثقافي، واجتماعي. ويرى أن الهدف من الرؤية تجاه الشباب، هو بناء جيل شبابي يتسم بالحضور الفاعل في مجالات عديدة، لا يُفترض أن تسرق عقولهم تقنية ليست من صُنع عقولهم أو أيديهم أصلًا حتى نسارع بالتصفيق لهم أو مدحهم، فالشباب وهو عماد الأمة، لابد أن تكون عطاءاتهم تأتي بنماذج ملموسة وتأخذ طابع الديمومة، لا أن نكون محفزين لهم، أو نفتخر بهم فحسب من أنهم نالوا ثقة مؤقته من متابعين من خلال برامج من صُنْع غيرهم. أيضًا فإن بناء الوطن يأتي من سواعد أجياله، ولبناء حقيقي يكون ظاهرًا ملموسًا، ويمثل رصيدًا لأجيال قادمة، وليس لهرولة نحو تقنية أو برامج، لا تلبث إلا وتنتهي بمدد محدودة.

وفي تصوُّر م. حسام بحيري فإنه لا فائدة من السباحة ضد التيار، فهذه الوسائل أصبحت القوى الرئيسة في إعلامنا اليوم، ولابد من التعامل معها بدلا من هجومها أو التحذير من أخطارها. نحتاج إلى تشريعات وتقنينات للتعامل معها، خصوصًا أنها ظاهرة جديدة، وستتطور مستقبلًا لأكثر مما يحصل في وقتنا الحاضر.

و من جهتها، قالت أ.د فوزية البكر: حتى ندفع الشباب للالتفاف نحو الرؤية فلابد من إقناعهم بها، وأنها ستحقق أحلامهم. ولا تمثل تهديدًا لأمنهم المالي أو الاجتماعي. فالبطالة في ارتفاع بسبب انهيار الكثير من المشاريع الكبيرة والصغيرة في القطاع الخاص حتى بدأ الناس يتحدثون عن انخفاض يعادل ٤٠ بالمائة أو أكثر، وتقليص التوظيف الحكومي، وهذا كله أشعر الناس بتهديد مباشر لحياتهم، وهو ما لا يخدم الرؤية.

إن الرؤية- رغم كل الجدل- جاءت كطوق نجاة لنا وسط زوابع الإرهاب والتطرف والاستهلاك  والفساد، وهي الظواهر التي غطت كافة مناحي حياتنا، بل وهددت بقاءنا كأمة أو حتى كأفراد، إذ لاحق الإرهاب حتى الوالدين في بيوتهم؛  لذا جاءت الرؤية في وقتها. هل تطبيقاتها مقنعة وعقلانية ؟ ليس تمامًا، وأحاديث المجالس الخاصة توحي بذلك.

هل ألحقنا بقطار الرؤية مئات الآلاف من الشباب من الجنسين في القرى والأرياف والمناطق الحدودية ؟ أيضًا لستُ متأكدة، ولم أر أو أسمع عن دراسة حقيقية ذهبت إلى هذه البقاع لتسأل شباب الثانوية والجامعة عما يعرفون عن الرؤية، وكيف يرونها؟ وماذا ستحقق لهم؟ وما أدوارهم في كل ذلك؟

بينما أوضحت أ. مها عقيل أننا مازلنا لا ندرك أو نعي أهمية أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من أي حملة إعلامية توعوية تثقيفية، وبالتالي إشراك الشباب والاستعانة بإبداعاتهم وفكرهم في نشر المعلومات، ومنها حول برنامج التحوُّل والرؤية.

وفي تصور أ. عبد الرزاق الفيفي فإن من الأسباب الرئيسة التي ستفشل تجسير الفجوة بين اهتمامات الشباب ومتطلبات تحقيق رؤية 2030، والتي جعلت الشباب يخلق له عالمًا افتراضيًّا؛ هي تنازع القرارات المجتمعية الاستراتيجية الوطنية بين أطياف النخب التي تملك التأثير في صانع القرار؛ لذلك نحتاج لهوية وطنية داخلية موحدة.

وبدوره قال أ. عبد الله الضويحي: فيما يتعلق بكيفية استثمار السناب شات وتوظيفه في تجسير الهوة بين الشباب ورؤية 2030 يمكن الانطلاق مما طرحته أ. ولاء نحاس في مداخلتها بتحديد ثلاثة أمور لتحقيق ذلك:

1-   اختيار الأشخاص الفاعلين والمؤثرين.

2-   نوع الرسالة المراد توصيلها.

3-   تحديد الفئة المستهدفة.

 وهذا يقودنا للإجابة عن التساؤل الذي طرحته أ. علياء البازعي: هل لدى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على توجيه سلوك الشباب وتوجهاتهم…أم أنها فقاعة ؟!

شخصيًّا أقول: نعم، لديهم القدرة على ذلك، أما كونها فقاعة فنحن نعيش في عالم يتغير ويتطور على مدار الساعة، لكن لو تمَّ طرح السؤال بصيغة أخرى: كيف يمكن استثمار هؤلاء في توجيه سلوك الشباب، وتجسير الهوة بينهم وبين الرؤية ؟ !

فبالإضافة إلى الأمور الثلاثة التي استوحيتها من مداخلة أ. ولاء النحاس، وأشرتُ لها قبل قليل، أرى اختيار عدد من هؤلاء الذين يملكون الخامة والكفاءة، وتدريبهم على كيفية التعامل مع الرسائل الإعلامية ومخاطبة الجمهور، ومِن ثَمَّ الطلب منهم توصيل رسائل معينة حول الرؤية يتم إعدادها بصورة احترافية، وبطريقة مشوقة تُحقِّق كلَّ أهداف الرسائل الإعلامية.

أثقُ أنَّ كثيرًا من هؤلاء بل جميعهم سيتشرف بذلك، ويتمنى أن يكون أحد المساهمين فيه، وسيضيف له أبعادًا أخرى.

المحور الثالث

قراءة تحليلية لمقابلة الأمير محمد بن سلمان مع الإعلامي داود الشريان حول رؤية المملكة 2030

أشار د. خالد الرديعان إلى أن ما طرحه الأمير محمد بن سلمان مطمئن للغاية، ويفترض أن يطلَّ على الجمهور من آن لآخر للإجابة عن تساؤلات المواطنين، ولخلق توجهات إيجابية نحو الرؤية وبرامجها وإنجازاتها. ويتبادر إلى الذهن سؤال حول بدائل الرؤية فيما لو لم تكن موجودة. والذي يبدو أنه ليس لها بدائل، فهي كما يتضح رؤية شاملة تتضمن تغييرات جذرية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بل إن الرؤية تأخرت كثيرًا لكنها جاءت.

إن الوقوف خلف الرؤية – مهما كانت بعض جوانبها مؤلمة – مسألة في غاية الأهمية، بل إنه يلزم وقف التشويش الإعلامي ضدها؛ وذلك لضمان نجاحها واستمرارها. وثمة تسرُّع في الحكم على الرؤية من خلال ما كُتب عنها وحولها، ومن الظلم عدم إعطائها فرصة كافية لكي تتضح معالمها.

الأمير محمد شرحها بشكل مبسط، ولم يغفل أن لها بعض السلبيات، لكن هذا من طبيعة التحولات الكبيرة، فهي لن تمر هكذا دون ثمن. الرؤية على المدى البعيد مفيدة كما تشير أدبياتها وبعض نتائجها في الشهور الماضية؛ وبالتالي يُفترض أن يوازي ذلك اصطفاف خلفها. نتأمل من الرؤية خيرًا كثيرًا لكننا نطالب- وبشدة- وقف الهدر المالي، وتحجيم الفساد بكل الطرق، وتقويم برامج الرؤية بصورة مستمرة، ومحاسبة كل مَنْ يتقاعس عن أداء المهام الموكلة إليه. ولوحظ كذلك أن الأمير مدرك للدور السلبي والتشويش الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي، وأن ما يدور فيها قد لا يعكس رأيًا عامًّا مستنيرًا يمكن الاعتداد به.

وفيما يتعلق باكتتاب أرامكو، وفتح المساهمة لشركات عالمية، فإن لذلك آثارًا سياسية إيجابية غير الاقتصادية، تتمثل في توفير الحماية للمملكة في حال تم الاعتداء عليها.. ليس حبًّا في المملكة، ولكن حماية لمصالح الشركات.. بكلمة أخرى: الاكتتاب في أرامكو مفيد للمملكة استراتيجيًًّا.

الرؤية إضافة إلى ما تحمله من طموحات وبرامج اقتصادية، فإنها تعدُّ كذلك آلية مهمة للغاية في إحداث تغيرات اجتماعية جذرية، تتعلق بالنظرة للعمل، وانخراط الجنسين في أعمال اقتصادية منتجة، وهي ستكون كذلك عاملًا حاسمًا في تقليص أعداد العمالة الوافدة، والتي يتم ضخها في السوق تحت ما يُسمَّى بالتستر.. الرؤية ستفتح آفاقًا جديدة للشباب على مستوى تغيير قيمهم نحو الإنتاج والرسملة، وستحدُّ كذلك من مستويات البذخ التي مارسناها لعدة عقود بفعل بحبوحة النفط وعوائده.

وأوضح أ. عبد الله الضويحي أن اللقاء بصورة عامة كان إيجابيًّا، أجاب فيه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن العديد من التساؤلات، وكشف عن كثيرٍ من الغموض، وبثَّ كثيرًا من التفاؤل في روح المواطن حول مستقبله ومستقبل المملكة في ظل رؤية المملكة 2030 وأحداث المنطقة.

الأمير محمد يثبت للمرة الثانية أنه متحدث جيد يعي ما يقول، وقادر على الإقناع، فاهم ومتابع ومشرف على كل ما يدور بدليل إجابته عن بعض التساؤلات الطارئة وغير المُعدّة مسبقًا. وسرعة البديهة حاضرة في إجابته عن أسعار النفط عندما قال داود: إنها قرار سياسي، فردَّ عليه أنها قرار اقتصادي. ومما يلفت النظر في المقابلة:

–         قول الأمير: إن استيراد السيارات يكلف 30 مليارًا منها 13 مليارًا من الحكومة.

–         المرور السريع على الضرائب عندما نفى الأمير فرضها على الشركات الكبيرة.

–         تسمية هيئة مكافحة الفساد بـ “هيئة الفساد”.

في حين يرى د. عبد الله العساف أنَّ الحديث بشكل عام إيجابي من النواحي السياسية فيما يخص العلاقة مع مصر، والوضع في اليمن، والموقف من إيران، والنواحي الاقتصادية كذلك وخصوصًا تخصيص أرامكو وأن البيع لما هو فوق الأرض، وإن كان من المهم التعمق أكثر في مجالي الصحة والإسكان، وفيما يخص الحج والعمرة  تحديدًا فإنه بحاجة للمراجعة.

ويرى أ. جمال ملائكة بصفة عامة أن المقابلة أوضحت كثيرًا من “حيثيات” القرارات الاقتصادية، وأوضحت الأسباب، وهذا مبدئيًا مريح للمواطنين. من الناحية السياسية والاجتماعية، ولي الأمر لا يستطيع إلا أن يكون دبلوماسيًّا حتى لا يدعس حقول الألغام. إن شرح موضوع بيع جزء من أرامكو كان موفقًا جدًّا كمثال. وفيما يتعلق بما ورد حول العمرة فإن المفترض جذب المعتمرين ليصل عددهم إلى ٥٠ مليونًا سنويًّا مع أن الدولة أعلنت عن هدف ٣٠ مليونًا، وحتى ٣٠ مليونًا لن يحضروا للعمرة، وهؤلاء يضخون أموالًا هائلة في الاقتصاد المحلي من إعاشة/فنادق/نقل/مشتروات… إلخ. ولعل هذا قرار خاطئ. ومن ناحية أخرى، وفيما يتصل بالاستثمارات فإنها ستكون في قطاعات تحتاج أموالًا ضخمة جدًّا.

وذكر م. خالد العثمان أن الحديث حسم الجدل حول ما سيشمله طرح أرامكو..  النفط في باطن الأرض، والآبار ملك الدولة، وليست ضمن الطرح. من جهة أخرى في حديثه عن المحتوى المحلي لم يتحدث قط عن بعض أهم القطاعات.. النفط والغاز.. الطاقة المتجددة.. تحلية المياه.. كلها أهم من توطين الترفيه. ونقطة أخرى تتعلق بمنهج تدعيم صندوق الاستثمارات كذراع استثماري للدولة يُحقِّق موارد للخزينة، ويعدُّ توجُّها جيدًا..  لكن الخشية من تغوُّل دوره في الاستثمار المحلي، ومنافسة القطاع الخاص.

ولفت نظر د. مساعد المحيا أن الأمير تعامل مع موضوع مصر والإمارات بطريقة مَنْ يأخذ الأمور بحُسْن الظن، وتجاوز الصخب والضجيج الذي شهدته الساحة من قِبل بعض رموز الإعلام المصرية، وبعض الشخصيات السياسية الإماراتية التي هاجمت هادي. ربما يكون لهذا الأسلوب أثره في امتصاص الكثير من المواقف.

وأشارت أ. علياء البازعي إلى أن الأمير محمد بن سلمان تحدَّث عن الفرص الوظيفية القادمة بعد أن وجه له الشريان سؤالًا عمن تمَّ تسريحهم من وظائفهم لسبب خفض الإنفاق، وقال: إنها من الأثار الجانبية، لكن باستثمار مبالغ ضخمة داخليًّا في عدة قطاعات سيكون هناك فرص وظيفية أكبر.

وفي هذا الإطار عقَّب أ. عبد المحسن القباني بقوله: هنا تبرز إشكالية، وهو مثال على غياب الرؤى النفسية والاجتماعية عن 2030  : كم من أسرة ستتأثر في علاقاتها نتيجة هذه الآثار؟! وطالما أن الآثار الجانبية هنا معلومة سلفًا؛ لماذا لم يصاحبها برامج علاجية ذات أبعاد اجتماعية؟

إن شكل الأسرة السعودية سيتغير نتيجة حرص الرؤية على هذا الأداء الاقتصادي الجاف. مثلًا: هناك ضخّ المزيد من النساء إلى سوق العمل الريادي وفي القطاع الخاص، من دون أن تكون هناك برامج لرعاية الطفل، مثل: توفير مراكز صباحية للحضانات. ويبدو أن الواقع يقول: إن خريجات رياض الأطفال من أكثر العاطلات عن العمل؛ بسبب قلة المشاريع في ذلك القطاع.

ومن وجهة نظر د. نوف الغامدي أن شخصية الأمير محمد تتمتع بالكثير من الكاريزما السياسية والاقتصادية بأسلوب يخاطب بلغة المجتمع البسيطة. كما جاء قرار إعادة البدلات مطمئنًا للشعب لتغيير روح المجتمع التي أصابها الإحباط مؤخرًا. أيضًا جاء هذا الحوار ليكمل رفع الروح المعنوية للمجتمع . الكلام جميل جدًّا ولكن الواقع لا يشبهه! حقيقة ما سمعته هو نفسه ما ذُكر في الرؤية وبرامج التحوُّل ولكن بشكل مركز أكثر، ويخاطب احتياجات الشعب، ويرد على التساؤلات التي طرحها داود الشريان بذكاء متفق عليه. قد نكون شعبًا عاطفيًّا نريد مَن يخاطبنا بلغتنا ويطمئننا؛ لأن لغة الاقتصاديين تُجرِّد الحقائق، وتظهرها بشكلها الحقيقي، ونحنُ عادة لا نحبُّ مَن يواجهنا بالحقيقة.

المقابلة أتت لتُعيد الروح الإيجابية للمجتمع، وإعادة رفع الرغبة للتغير والتفاؤل بالمرحلة القادمة، خصوصًا بعد سلسلة من قرارات الضغط التي أحبطت المجتمع والمواطن، وحملته الكثير من المخاوف للقادم الذي كان ضبابيًا.

المقابلة كانت موجهة للمجتمع، وتحسين للصورة الذهنية التي اختلطت على المواطن والمجتمع برمته، لكنها اقتصاديًّا لم تحمل الجديد، فالقطاع الخاص مازال يعاني وسيعاني لفترة قادمة، والركود مازال شبحًا يقلقه، ويؤثر على أدائه. تصريحات الوزراء في الفترة الأخيرة كانت محبطة جدًّا، مثل: تصريح وزير المالية، وغيره، وهذا ما جعل القيادة تأخذ موقفًا جديًّا لتصحيح الصورة. خصخصة بعض الوزارات جيدة، أما الإسكان فالصورة ضبابية، ومازالت غير واضحة على أرض الواقع.

ويعتقد أ. عبد الرزاق الفيفي أننا إلى ٢٠٢٠ في طور بناء البنية التحتية اللازمة لتحقيق الرؤية، من :

  1. تشريعات وأنظمة.
  2. ممارسات للحوكمة والشفافية والمحاسبة في إدارة المال العام.
  3. بناء وتعديل ما يلزم من قيم مجتمعية.

كل ما سبق مادام في إطار هوية الدولة الدينية والوطنية سننجح بحول الله وقوته. ولابد أن نُركِّز على أفكار وممارسات التأسيس لا أفكار وممارسات التطوير، وبينهما فرق. وأجمل ما في الرؤية أن دائرة العمل الجماعي والفريق الواحد تتسع يومًا بعد يوم، والنُّخب التي يُعوّل عليها ولي الأمر التعاون والبذل والاجتهاد هي بيدها تسريع أو تبطيئ اتساع دائرة العمل الجماعي كفريق واحد مع صاحب القرار.

ومن أفكار وممارسات التأسيس التي لابد أن نُعنى بها كأولوية إلى ٢٠٢٠ بالذات :

1-سنّ وتطبيق تشريعات وإجراءات وممارسات الحوكمة، والشفافية، والمحاسبة، ومكافحة الفساد ( وهذا واجب مؤسسات القضاء، والمالية، والرقابة، والبحث ).

2-تأسيس حواضن للمجتمع بكل فئاته وبالذات الشباب، تهتم برفع المستوى العقلي من: المعرفة، والتعليم، والوعي، والمهارة اللازمة لتحقيق الرؤية (وهذا واجب مؤسسات التعليم والتدريب الحكومية، والخاصة، وغير الربحية).

3-رفع كفاءة القطاع الصحي وتقديم خدمات ومنتجات تعود على المواطن بالأثر (وهذا واجب المؤسسات الحكومية الصحية، والخاصة، وغير الربحية).

4-   التحول للحكومة الإلكترونية.

5-رفع كفاءة المؤسسات الأمنية الوقائية والعلاجية والجزائية ( وهذا واجب المؤسسات الحكومية الأمنية، والصحية، والفكرية ).

6-تعزيز قيم العدل، والاستقلال، والإنجاز، والإتقان، والأتمتة في القطاع العدلي والقضائي ( وهذا واجب المؤسسات العدلية، والشبه عدلية ).

7-   حماية هوية وقيم الأسرة السعودية المسلمة الوطنية (وهذا دور المسجد، والمدرسة، والإعلام).

وفي تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإنه لتحقيق أي رؤية، وعند الحديث عن رؤية 2030 – ولو بنسبة 50- 60 %- لابد أن نسعى إلى تأسيس الأعمال التي تعدُّ الأساس لتحقيق ما نصبو إليه، بحيث تكون الفترة الزمنية التي تنتهي أو تبدأ من 2020، هي الممر الذي من شأنه أن نجد من خلاله التطبيق السليم لتحقيق هذه الرؤية.

ومن ناحية أخرى، فإنه لا شك أن وفرة النقد أحد المطالب الرئيسة لبيع 5% من أرامكو السعودية.  إنما ظهور أرامكو على المستويين المحلي والدولي مطلب مهم، وإبراز مناشطها وإظهار ميزانيتها سنويًّا كأي شركة أخرى، هي مصلحة وطنية من الدرجة الأولى. الأمير محمد قال ليطمئن الجميع، وعلى حد ما يفهم من اللقاء، فإن البيع ليس للينابيع النفطية، إنما البيع للشركة التي تنقب، وتدير النفط .

وبدوره أشار أ. مطشر المرشد أنه اتضح أن القرارات السابقة كتقليص الإنفاق الحكومي، وإلغاء البدلات والدعم، وفرض ضرائب، والتي تزامنت مع انطلاقة برنامج التحول والرؤية قد تم التخلي عنها. وفي اللقاء تم الإعلان عن :

–         عودة الإنفاق الحكومي (٧٠٠ مليار خلال الثلاث السنوات القادمة).

–         عودة البدلات.

–         لا ضرائب على الشركات.

وحسب اعتقاده سيكون لمثل هذه التلميحات آثار نفسية إيجابية، وقد تحتاج لضخ سيوله على المدى القصير مثلا بأسرع وقت لدفع المستحقات للمقاولين والمتعاقدين مع الجهات الحكومية.

وأشار د. عبد السلام الوايل إلى أن ‏الانطباعات حول حديث الأمير محمد بن سلمان كما تبدو في تويتر تتمحور حول إلمامه بالملف الاقتصادي وتفاصيله. ثمة صعود لفئات اجتماعية جديدة تنبئ عن  ذهنيات عملية تتطلع لقيادة تحمل رؤى اقتصادية واضحة، وتتكلم لغة السياسيين في الدول ذات الاقتصاديات الناجحة.

المحور الرابع

التعليم العالي الأهلي.. داعم لتنمية حقيقية

الورقة الرئيسة: د. عبد الله بن صالح الحمود:

يأتي التعليم العالي كأحد الروافد التعليمية الذي يُعدُّ أحد المشاهد الحضارية لأي مجتمع، ونظرًا للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، واستجابة للنمو السكاني المضطرد، ظهرت الحاجة إلى إنشاء أو تأسيس مؤسسات تعليمية أهلية تُعنى بالتعليم العالي بشقيه ( الجامعي والدراسات العليا)، وتقف صفًّا مع صف مؤسسات التعليم العالي الحكومي، هذا فضلًا عن تلبية مطلوبة لاحتياجات سوق العمل، وهو ما كانت تمليه تحديدًا الخطة السادسة للتنمية (1415 – 1420)، والتي تنادي بتوسيع قاعدة التعليم العالي من خلال إشراك القطاع الخاص، أو حتى مؤسسات المجتمع المدني لافتتاح جامعات وكليات أهلية لتلبية مسيرة البناء التنموي؛ للوصول إلى تنمية متكاملة .

ولهذا فإن التعليم العالي الأهلي يعدُّ نقلة نوعية وخطوة حديثة داعمة لتغيير يسهم في تنمية البلاد، وملبيًا لاحتياجات مجتمعية.

ومع هذا واجهت هذه المؤسسات التعليمية الأهلية- مثل ما حدث لغيرها من مؤسسات تعليمية وغير تعليمية أخرى، وذلك عند بداية انطلاقتها – نظرة غير متفائلة من قبل المجتمع؛ نظرًا لحداثة تأسيس تلك المؤسسات التعليمية الأهلية ذات التعليم العالي.

وهذا أمر طبعي خصوصًا إذا ما تحدثنا على وجه الخصوص عن التعليم العالي الذي يُفترض أن تكون فيه الجدية في التطبيق، والجدارة في المخرج، وهي أحد أسس الانطلاقة فيه، فضلًا عن موائمة المخرجات لمتطلبات سوق العمل، بعيدًا عن التكرار، أو تقليدية التعليم العالي التي لاتزال قائمة لدى الجامعات الحكومية، وبطبيعة الحال فإن كلَّ جديد لابد أن تكون له نظرة مجتمعية مختلفة، وبالتالي يأتي التخوُّف أو التوجس من تنظيم حديث لم يعهده المجتمع. ولا شك أن لهذا الأمر ما يبرره، وهو أن المجتمع قد اعتاد- ولعقود طويلة تجاوزت ستة عقود تقريبًا- أن الحاضن الأول والأخير للتعليم العالي هو الجامعات والكليات الحكومية.

ولكن أمام ما صاحب صدور تنظيم للجامعات والكليات الأهلية، وذلك من لوائح تنظيمية وقواعد تنفيذية، والإجراءات الإدارية والفنية للائحة الكليات والجامعات الأهلية، أسهم ذلك في حضور قوي وخادم لمتطلبات مسيرة التعليم العالي، حتى وصلت أعداد الكليات الأهلية إلى (41) كلية و(10) جامعات أهلية .

كما أنه في إحصائية لوزارة التعليم لعام 1434 – 1435، فقد وصل إجمالي المقيدين في الكليات والجامعات الأهلية إلى 74569 لكافة المراحل التعليمية، بما يعني ذلك أن الأعداد الحالية أضحت تفوق بكثير عن تلك المرحلة.

من هنا لابد من الاستشهاد بالتنوُّع في التعليم العالي الحكومي والأهلي، باعتبار ذلك مسيرة وطنية يُفترض تحقيقها، ولأن من رؤية 2030 السعي نحو خصخصة التعليم، فإن ذلك يُعدُّ إحدى مسؤوليات وزارة التعليم في المرحلة الحالية، من أن توجد بيئة تنافسية في التعليم العالي بين الحكومي والأهلي، وهذا الأمر يتطلب عدالة في التقنين والإشراف على الجميع، بما يسهم في الوصول إلى مؤسسات تعليمية جامعية، تتفق وما تتطلبه السياسة التعليمية للبلاد.

إن مؤسسات التعليم العالي الأهلي وبعد مرور عشرون عامًا على تأسيسها لكليات وجامعات أهلية، تحتاج إلى وقفات لقراءة ما صدر من تنظيم وقواعد، والتعرُّف على ما أتت به تلك الضوابط من دعم ومساندة، ومدى فاعلية  تلك القرارات، ومنها:

1-   التسهيلات الحكومية كتأجير الأراضي الحكومية بأسعار رمزية.

2-   تقديم القروض الميسرة.

3-صدور القرار السامي الكريم بتاريخ 18/08/1427هـ، المتضمن الموافقة على مشروع المنح الدراسية لطلاب وطالبات التعليم العالي الأهلي.

وأمام تلك التنظيمات والقواعد، فإن مؤسسات التعليم العالي الأهلي لم تحظ بالحصول على أراضي لاستئجارها، خصوصًا أن من الضوابط ألا تقل مساحة الأرض لكل كلية حديثة عن 20000 متر مربع، وهذه تعد أحد عوائق تأسيس كليات أهلية .

وما يختص بالقروض الميسرة فهي سياسة قائمة ولا تزال تقدمها وزارة المالية، إلا أن القضية التي تعد أحد العوائق الرئيسة لمسيرة أنشطة مؤسسات التعليم العالي الأهلي، هي مسألة المنح الدراسية الداخلية للكليات والجامعات الأهلية، فمنذ صدور ذلك التوجيه السامي منذ العام 1427هـ، توقف برنامج المنح الدراسية منذ عامين تقريبًا، وهذا الأمر تسبب في انخفاض انخراط الراغبين في دراستهم الجامعية في الكليات والجامعات الأهلية، خصوصًا ممن لم يجد قبولًًا للدراسة في الجامعات الحكومية .

وبالرغم من ذلك، وأمام الظروف المالية التي تمرُّ بها البلاد، ولأنني أحد المستثمرين في قطاع التعليم العالي الأهلي، ألحظ – ولله الحمد- أن الجامعات والكليات الأهلية لم تتأثر التأثير الذي قد يصل بها إلى إغلاق تلك الكيانات؛ بسبب أن غالبيتها- إن لم يكن جميعها – تسير وفق خطط مدروسة، واستراتيجيات واضحة أكسبها ذلك ثقة المنتمين إليها من طلاب وطالبات، مع العلم أن المنح الدراسية كانت تشكل قرابة 90% من طلابها المسجلين، إلا أن ذلك لا يمكن أن يُشكِّل وقوفًا حقيقيًا مستمرًا أمام تحدٍ يُعدُّ قويًا وصارمًا لهذا المؤسسات، والتي قد يأتي اليوم الذي تضطر فيه إلى الإغلاق، خصوصًا أن الخيارات متاحة للطلاب والطالبات إلى الدراسة خارج السعودية، خصوصًا إذا ما قورنت كلفة الدراسة في الداخل بالخارج. فقد يفضل البعض أو ربما الأكثرية الدراسة في الخارج، وهذا توجه سيكون سببًا في عدم قدرة الجامعات والكليات الأهلية على الصمود لفترات أطول إذا لم تجد الدعم الحكومي اللازم.

وأخيرًا لابد من الاستشهاد بما تقوم به كافة مؤسسات التعليم العالي الأهلي من جهود أكاديمية، وهي:

1-أن مؤسسات التعليم العالي الأهلي اهتمت بالتنوُّع في مخرجاتها التعليمية، فضلًا عن ما يتوافق واحتياجات سوق العمل.

2-قدَّمت مؤسسات التعليم العالي الأهلي تخصصات تعليمية، البعض منها لا يتوافر لدى بعض الجامعات الحكومية.

3-احتضنت مؤسسات التعليم العالي الأهلي من خلال ابتعاث داخلي لعدد من طلاب الماجستير من قبل الجامعات الحكومية الناشئة للدراسة في برامج الماجستير بتخصصات متعددة، وهذا يعدُّ مفخرة كبرى لهذه المؤسسات.

4-اهتمت مؤسسات التعليم العالي الأهلي بالجودة، وأُنشئت أقسام أو إدارات داخلها تُعنى بالجودة التعليمية؛ إيمانًا منها برسالة التعليم العالي الأهلي.

5-اهتمت مؤسسات التعليم العالي الأهلي بالبحث العلمي، والذي يعد الأساس الذي تقوم عليه الدراسات الجامعية خصوصًًا الدراسات العليا .

التعقيب الأول: د. خالد بن دهيش:

عندما صدرت الأنظمة واللوائح والقواعد التنظيمية للتعليم الأهلي العالي ( للجامعات وللكليات الأهلية) كان عدد الجامعات الحكومية ثماني جامعات، بالإضافة لكليات البنات وكليات المعلمين، وفي ذلك الوقت كانت هناك مشكلة تتمثل في محدودية القبول لخريجي الثانوية في الجامعات والكليات الحكومية، كما كان بعض الخريجين يذهبون للالتحاق بالجامعات والكليات الأهلية في الدول المجاورة؛ لذلك برزت الحاجة لإقرار مقترح السماح بافتتاح الجامعات والكليات الأهلية كمعالجه لتلك المشكلة، حيث صدرت تلك التنظيمات في البداية بالسماح للجمعيات غير الربحية، ثم أصبح للشركات التعليمية الربحية. حيث تزامن صدور تلك التنظيمات مع إنشاء جامعات حكومية جديدة من خلال فصل فروع الجامعات وضمّ كليات المعلمين والبنات، وتحويلها لجامعات جديدة، وزيادة عدد كلياتها بتخصصات تماثل تخصصات الكليات الأهلية، مثل: الحاسب الآلي، والعلوم الإدارية، والصحية، والهندسية، والطب، وكذلك إنشاء برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، ثم برنامج الملك عبد الله للابتعاث الداخلي لخمس سنوات، الذي مُدِّد لخمس سنوات أخرى . هذا التوسع في التعليم العالي الحكومي بهذه الصورة صاحبته عدم قدرة الوزارة على المتابعة الكافية للجامعات والكليات الأهلية؛ مما أدى إلى وجود انحرافات في بعض الكليات الأهلية، كان من نتيجتها إغلاق كليتين أهليتين، وإيقاف القبول في بعض الكليات الأهلية لفصل أو عام دراسي، مع إيقاف تصاريح إنشاء كليات جديدة.

لقد صاحب تلك التنظيمات الجديدة بعض الارتباك في مسيرة التعليم الأهلي العالي، وبدأت وزارة التعليم  العالي في تصحيح المسار بتكثيف المتابعة، والتأكد من جودة العملية الأكاديمية، ومطالبة التعليم الأهلي العالي بالحصول على الاعتماد الأكاديمي (المؤسسي والبرامجي) أسوة بالجامعات الحكومية.

ومؤخرًا برزت المشكلة الكبرى بإيقاف الابتعاث الداخلي للعام الدراسي الماضي  والحالي الذي كانت تعتمد عليه معظم الجامعات والكليات الأهلية، ولو استمر هذا الإيقاف للعامين التاليين فسوف يتأثر التعليم الأهلي العالي خاصة مع الركود الاقتصادي الحالي؛ لذلك لابد من إيجاد حلول لإبقاء هذا النوع من التعليم الأهلي قائمًا وبجودة عالية؛ حتى يكون داعمًا حقيقيًا للتنمية. لذا أرى التوصية بالآتي:

  • مراجعة الابتعاث الداخلي، بحيث تبتعث الدولة عددًا محددًا كل عام- دعمًا للجامعات والكليات التي تحصل على الاعتماد الأكاديمي- لا يقل عن نسبة ٣٠٪‏ من الطلبة من الأسر المشمولة ببرنامج التوازن المالي مثلًًا، أو أي معيار أخر.
  • تقوم البنوك والشركات الكبرى الحكومية والخاصة بتقديم منح دراسية وفقًا للتخصصات التي تحتاجها، تُوزَّع على الجامعات والكليات الأهلية.
  • السماح بمَنْح تأشيرة طالب لاستقطاب الطلاب من خارج المملكة، خاصة لمن أولياء أمورهم يعملون بالمملكة، أو المتخرجين من الثانويات السعودية خاصة بناتهم.
  • دعم الدولة لرواتب بعض أعضاء هيئة التدريس السعوديين العاملين بالجامعات والكليات الأهلية.

التعقيب الثاني: د. طلحة فدعق:

سأعلق هنا على التوقعات الاجتماعية من مؤسسات هذا القطاع، أو بمعنى آخر الدور الاجتماعي المُتوقّع منها، وماهية العراقيل التي تعيق هذا الدور، والتي ينبغي تفنيدها، والتعامل معها ممَّن لهم علاقة، خصوصًا المستثمرين وصنَّاع القرار.

قضية التعليم العالي الأهلي هي ليست قضية ذات شجون فقط، بل وتثير “شجونًا” فئات اجتماعية معينة تنظر لهذا القطاع أنه نخبوي، وأنه خاص بالطبقة البرجوازية – إن جاز التعبير – فمعظم الأسر التي تنتمي للطبقة الوسطي لا تستطيع غالبًا دفع تكاليف هذه النوع من التعليم، ما لم يكن الطالب حاصلًا على منحة أو دعم من جهة معينة، وإن اضطرت تلك الأسر لسبب أو لآخر لتعليم أبنائها فتتحمل ذلك تحت وطأة أعباء قروض مالية تدور في فلكها حينا من الدهر؛ لهذا السبب لا أعتقد أن التعليم العالي الأهلي – على الأقل في الوقت الراهن – سيكون منافسًا قويًّا لنظيره الحكومي؛ لسبب رئيس هو العامل الاقتصادي، والمقصود به الرسوم المادية والتكلفة العالية.

أنتقلُ لعامل ” الجودة في التعليم ” وتقديم تخصصات مغرية لسوق العمل، هذه نقطة محورية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: إلى أي مدى نجحت مؤسسات التعليم العالي الأهلي في تحقيق هذا الهدف؟ وهل هناك إحصاءات دقيقة توضِّح مخرجات هذا القطاع ونوعيتها، ومدى تغطيته لاحتياجات سوق العمل؟

نعود للمستثمر، وهو لاعب رئيس ضمن هذا السياق. الفكرة السائدة اجتماعيًّا أن الخصخصة في التعليم وقطاعات أخرى- كالصحة مثلًا- قد يكون لها في أحيان كثيرة أثر سلبي على “جودة المنتج “، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا على المستثمر في هذا القطاع: إلى أي مدى حققت البرامج جودتها؟ وما معايير الجودة هنا ومؤشراتها؟ وكيف تُقاس ؟. مازالت الجامعات والكليات الأهلية- من وجهة نظر الكثيرين- تستقطب وتركز على “الكم” على حساب “النوع “، حتى في معايير اختيارها للطلاب، فما دام هناك طبقة تدفع فهناك مستثمر ذكي يستقطب! ويبقى تحقيق الربح هو الهدف الرئيس، وتأتي بعده الأهداف الأخرى. هذه الفكرة أو الانطباع شائعة اجتماعيًّا، وما تحتاجه تلك المؤسسات والقائمون عليها هو توضيح تلك المسائل وتفنيدها أمام الراي العام، فالمواطن البسيط يجهل تعقيدات الكثير من تلك الأمور، وفي أحيان كثيرة لا يهتم أصلًا بمعرفتها؛ لأن الموضوع لا يعنيه مادام غير قادر على الدفع، والاستفادة من تلك المؤسسات، التي ترتبط في ذهنه بالطبقة المقتدرة ماديًّا. إذًا الخيارات أمامه تتمثل في الحكومي المدعوم – على الأقل حتى حين!

سؤال آخر يطرح نفسه على هذا القطاع والمستثمرين فيه، وهو: أين دور هذا النوع من التعليم من عقد شراكات مع جامعات – أو مؤسسات – عالمية؛ لتحقيق الجودة للمنتج العلمي والمعرفي، وإحداث فروقات جوهرية في التعليم الأكاديمي؟ بل وحتى للتسويق لتلك المؤسسات بارتباطها بمؤسسات عريقة عالميًّا!

قطاع التوظيف يطرح سؤالًا آخر: ما نوعية الكوادر التي يستقطبها هذا القطاع وظيفيًّا؟ وهل تلك الكوادر تختلف عن الموجودة في الجامعات الحكومية، من حيث التأهيل العلمي، والكفاءة، والخبرة ؟ أم أن تلك المؤسسات مازالت تدور في نفس فلك المؤسسات الأكاديمية الحكومية، والترهل الموجود فيها من استقطاب العنصر العربي، وخريجي الجامعات العربية، ومن بلدان محددة ومعروفة؟!

موضوع الاستقطاب للكفاءات السعودية خصوصًا من خريجي الماجستير والدكتوراه من المبتعثين العائدين هي قضية أخرى، هناك ادعاء عكسته وسائل التواصل الاجتماعي بعدم تحمل تلك المؤسسات الأهلية لمسئوليتها الاجتماعية إزاء توظيف تلك الكوادر الوطنية المؤهلة ..فإلى أي مدى يمكن تفنيد تلك الادعاءات ؟

في نهاية تعقيبي أودُّ التأكيد على أن مؤسسات التعليم العالي الأهلي- ودعمًا لأهميتها ودورها الاجتماعي- هي في حاجة إلى تحديد إطار واضح لدورها ومشاركتها المجتمعية في التنمية، وأن يكون هذا الإطار واضحًا للمستفيد خاصة والمجتمع بصفة عامة. أيضًا هي بحاجة لدعم مصداقيتها، وبذل بعض التضحيات فيما يتعلق بخفض التكلفة لبعض البرامج التي لا يستطيع المواطن البسيط تحملها، أو على الأقل تقديم منح للمتفوقين، ودعم الدولة والمجتمع كشريك فعلي في التنمية. وبالتالي فالجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأهلي لا تختلف عن نظيرتها الحكومية فيما يتعلق بالتوقعات منها تجاه المجتمع، بل إن دورها يعتبر مضاعفًا هنا لإثبات أنها على قدر المسؤولية، خصوصًا في الوقت الراهن الذي تحتاج فيه الدولة إلى شركاء فاعلين ودافعين لعجلة التنمية في إطار توجهات الرؤية 2030.

المداخلات حول القضية:

  • ملامح الوضع الراهن للتعليم العالي الأهلي:

أشار د. إبراهيم البعيز إلى أنَّه يجب أن ننظر إلى كثير من الخدمات التي يحتاجها المجتمع (مثل: التعليم، والصحة، والنقل، وغيرها) كخيارات استراتيجية، وليست بالضرورة مجالًا للاستثمارات التجارية التي تخضع لاعتبارات الربح والخسارة، وتقوم الدول على سنّ أنظمة وتشريعات لتشجيع المؤسسات غير الربحية لتقديم هذه الخدمات. ومجال التعليم العالي لا يُستثنى من ذلك.

إشكاليتنا أننا نقصر فهمنا لمصطلح الأهلي على البعد والمحور “التجاري” فقط، وننسى أن المقصود به غير الحكومي بما في ذلك المؤسسات الوقفية غير الربحية.

بالنسبة للترخيص لمؤسسات التعليم العالي الأهلي، فقد صدر في البداية قرار مجلس الوزراء لقصره على المؤسسات غير الربحية، لكن بعد عدة أشهر صدر قرار يلغي ذلك، والسماح للمؤسسات والشركات التجارية.

دخول التجار ومعاييرهم للنجاح (خفض التكاليف مع زيادة الإيرادات) لا تتسق مع أبسط معايير الجودة والتقييم للمتطلبات التنموية الاستراتيجية.

هناك ثلاث دول رأسمالية (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا) يتسابق أبناؤنا وبناتنا للدراسة في جامعتها، وتستقطب ما يزيد على 50% من الطلاب الأجانب في العالم. القاسم المشترك بين هذه الدول أنها لم تترك التعليم العالي للتجار.

أبرز وأهم عوامل نجاح التعليم العالي في هذه الدول الثلاث، والتي تقود العالم الرأسمالي أنها لم تترك الجامعات للشركات التجارية، وعلى مر السنوات الطويلة لتاريخ الجامعات البريطانية، إلا أنها ظلت طوال هذه السنوات جامعات حكومية، ولم تسمح الحكومة البريطانية إلا مؤخرًا لجامعة تجارية ربحية واحدة، وفي أستراليا لا يتجاوز عدد الجامعات التابعة للشركات التجارية أصابع اليد.

الجامعات الخاصة تنتشر بشكل واضح في الولايات المتحدة، وهذه الجامعات هي التي تتربع على قائمة الجامعات المتميزة، والتي كان لها الأثر الواضح في الريادة والإنتاجية العلمية والتقنية في الولايات المتحدة، كل هذه الجامعات الأهلية تتبع مؤسسات غير ربحية، صحيح أنها تتقاضى رسومًا دراسية من الطلاب، لكن هذه الرسوم لا تتجاوز في الغالب 50% من إيرادات الجامعة، كما أن هذه الرسوم لا تغطي 60% من التكلفة الفعلية للطالب، وأنه بمراجعة سريعة للتقارير السنوية لعدد من الجامعات الأهلية في الولايات المتحدة، مثل هارفارد Harvard، وييل Yale، وغيرها من الجامعات، والتي هي متاحة على مواقعها على شبكة الإنترنت، يتضح أن الهبات والتبرعات والأوقاف تشكل القاسم المشترك للموارد الأساسية لهذه الجامعات.

السمة الأخرى للجامعات الخاصة أنها تعمل على استقطاب المتميزين من الطلاب والأساتذة، ممَّن لا تقدر العديد من الجامعات الحكومية على توفير البيئة العلمية والأكاديمية التي تتناسب وقدراتهم الإبداعية وطموحهم في الإنجاز العلمي. ونجاح هذه الجامعات الخاصة يعود في المقام الأول إلى كونها مؤسسات غير ربحية، ولا تعتمد مقاييس النجاح فيها على مؤشرات الربح القائمة على تقليل التكاليف وزيادة الإيرادات. هذه الجامعات تقيس نجاحها بخريجيها، وإنجازاتها العلمية.

على المستوى المحلي، هناك عددٌ من المبادرات التي تستحق التقدير والاهتمام، ومن أبرزها: جامعة الأمير سلطان، وجامعة الفيصل، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، تمثل نماذج للجامعات الخاصة تُحتذى، فهي مبادرات لمؤسسات غير ربحية، وحري بنا أن نبدأ في وضع الأسس العامة لبيئة تنظيمية تساعد مثل هذه المشاريع أن تؤتي ثمارها المرجوة، وتتمكن من القدرة على زيادة مواردها المالية من خلال قنوات تتسم بالعمل المؤسسي المنظم. وعلى تشجيع التبرعات والهبات للجامعات الأهلية غير الربحية، ومن هذه الجهات مجلس الشورى، حيث المطلوب منه أن يبادر بتبني قوانين وأنظمة تُشجِّع (ليست بالضرورة تلزم) مؤسسات القطاع الخاص على التبرع، ومنح الهبات للجامعات الخاصة غير الربحية، وليُحسب لها ذلك ضمن التزاماتها المالية السنوية.

وطرح أ. عبد الله الضويحي في بداية النقاش سؤالًا محوريًّا مؤدَّاه: هل تأخرنا في الدخول إلى التعليم العالي الأهلي؟! أم أنه جاء في الوقت المناسب؟ !

وفي هذا السياق يرى د. خالد بن دهيش أننا بالفعل تأخرنا بين مؤيد ومعارض للتعليم الأهلي الجامعي حتى أصبح الأمر ملزمًا لعدم قدرة مؤسسات التعليم العالي الحكومي على قبول المزيد من خريجي الثانوية، وأصبح هناك هجرة للبحث عنه في الدول المجاورة لمن لا يستطيع القدرة على تلقيه في الدول المتقدمة.

وبدون شك التأخر كان بسبب التخوُّف من ألا يكون محققًا لطموحات مُتَّخِذ القرار من حيث رُقيه للجودة والنوعية المطلوبة لتحقيق التنمية، في ظل عدم إنشاء هيئات للتقييم والاعتماد الأكاديمي في ذلك الوقت.

ويرى د. خالد الرديعان أن التعليم الجامعي الأهلي جاء في وقته، وأنه ممتاز بدليل تركيزه على التخصصات التي يحتاجها السوق.. هذا يعني أنه رافد قوي للعملية التنموية، وليس فقط لاستيعاب مَنْ لا يتم قبولهم في الجامعات الحكومية. ولو نظرنا لمثال جامعة الأمير سلطان فتخصصاتها ممتازة، وخريجها يجد عملًا بسهولة مقارنة بخريج الجامعات الحكومية.

ومن جانبه قال د. حامد الشراري: السؤال: هل نحن بحاجة للتوسع في مؤسسات التعليم العالي الأهلي في الوقت الحاضر، بما فيها برامج الدراسات العليا؟ وحول ما أثاره د. البعيز من أن مؤسسات التعليم العالي في الدول الغربية غير تجارية وغير ربحية تعتمد على الدعم الحكومي، ورسوم الطلاب، والتبرعات.. إلخ، لتغطية التكاليف التشغيلية. يبرز سؤال مهم، وهو: كم عدد مؤسسات التعليم العالي الأهلي الربحية وغير الربحية في المملكة؟

وحول النقطة الأخرى التي أثارها د. البعيز المتعلقة بالتشريعات واللوائح الحالية ذات العلاقة بالتعليم العالي الأهلي. يبرز سؤال أيضًا: هل يوجد خلل في التشريعات واللوائح الحالية؟ وإن وجد، فأين يكمن هذا الخلل؟

ومن الملائم التوضيح أن مؤسسات التعليم العالي في المملكة تنقسم إلى:

–         مؤسسات التعليم العالي الحكومي.

–         مؤسسات التعليم العالي الأهلي- وهي المطروحة للنقاش.

–         مؤسسات التعليم العالي الخاصة كجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

وعقب د. عبد الله بن صالح الحمود على ما طرحه د. خالد بن دهيش حول الاعتماد الأكاديمي، باعتبار أن الاعتماد الأكاديمي يعدُّ أحد الأسس الرئيسة لإثبات كفاءة وإمكانية الكلية أو الجامعة المعنية، وهذا كما يجعلنا نلحظ تنافسًا مشهودًا بين مؤسسات التعليم العالي الحكومي والأهلي، وهناك كليات وجامعات أهلية نالت اعتمادات أكاديمية محلية ودولية، وهذا يعدُّ مفخرة لتعليم عال أهلي، نعتقد أنه قادم بقوة- إن شاء الله- .

وحول ما أشارت له د. طلحة من أن التعليم العالي الأهلي قد لا يناسب اقتصاديًّا إلا فئات معينة، كونه برسوم مالية، فهذا أمر طبيعي؛ كون التعليم العالي الأهلي أتت أحد أسباب تأسيسه لأهداف ربحية، حتى أن الجامعات والكليات الأهلية التي تأسست على أنها غير ربحية في الأصل، هي أيضًا تفرض رسومًا دراسية، غالبا ما تكون أعلى في قيمتها من الجامعات والكليات الأهلية ذات الطابع الربحي .

ولكن الحلول ليست صعبة لاستقطاب الطلاب والطالبات الألى لا تمكنهم ظروفهم من الدراسة في قطاع التعليم الأهلي العالي لأسباب اقتصادية، وهو كما ذكرت د. طلحة ود. خالد بن دهيش، من أن هذه الفئة يُفترض أن يتم دعمها من جانب وزارة التعليم ( قطاع التعليم العالي )، وذلك من خلال منح داخلية تُعطى لهم لتحمل نفقات التعليم عنهم، وكذا مقترح د. خالد، بمشاركة البنوك التجارية لمساندة الطلبة غير القادرين ماديًّا، وهي مسؤولية اجتماعية يُفترض الإتيان بها.

وبالنسبة لما ذكرته د. طلحة، بخصوص المطالبة بعقد شراكات للجامعات والكليات الأهلية مع جامعات عالمية، تجدر الإشارة إلى أن غالبية الجامعات والكليات الأهلية تسعى دومًا إلى عقد شراكات مع جامعات عالمية وعالية أيضًا؛ كسبًا لاعتماد أكاديمي يجعلها في صفاف أفضل الجامعات والكليات الأهلية، وهنا تمكن الإشارة إلى حصول ( كليات الشرق العربي للدراسات العليا ) أخيرًا – ومقرها مدينة الرياض- على الاعتماد الأكاديمي الفرنسي.

وعقَّب د. عبد الله بن صالح الحمود على ما ذكره د. إبراهيم البعيز حول عدم وجوب ربحية مفترضة للالتحاق بالدراسات الجامعية- بأنه يتفق معه جزئيًّا مع هذا الطرح، أما مسألة البعد عن مجال الربحية لهذا القطاع، والاكتفاء بكونه غير ربحي، فذاك أمر ليس من السهل النيل منه، بحكم أن توجُّهًا كهذا يتطلب انضمام مؤسسات التعليم العالي الأهلي تحت مظلة مؤسسات المجتمع المدني، كمثل ( مؤسسة الملك فيصل الخيرية )، والتي أُنشئت مؤخرًا ( جامعة الملك فيصل )، ومع ذلك لا يُنظر لها على أنها غير ربحية إلا بحكم تبعيتها لمؤسسة خيرية؛ وذلك بسبب تقاضيها رسومًا مالية كبيرة تضاهي الجامعات أو الكليات الأهلية ذات الطابع الربحي.

وهنا تأتي الحلول حيال ذلك، من خلال ما يُفترض تقديمه من دعم على شكل منح دراسية حكومية، وكذا منح دراسية من الجامعات أو الكليات الأهلية نفسها، والتي نلحظ تقديمها من لدن بعض الجامعات، خصوصًا غير الربحية في الأصل. وهنا يكون مقترح د. إبراهيم البعيز مناسبًا، والخاص بمسألة تشجيع التبرعات والهبات للجامعات أو الكليات الأهلية غير الربحية.

وبخصوص تساؤل د. حامد الشراري: هل نحن بحاجة إلى التوسُّع في مؤسسات التعليم العالي الأهلي حاليًّا؟، الإجابة: (نعم)، والأسباب هي :

–   تدني القبول في التعليم الجامعي الحكومي في كافة التخصصات، مع ندرة القبول في التخصصات العلمية، خصوصًا الطبية منها.

–         تدن ملحوظ في فتح برامج للدراسات العليا في الجامعات الحكومية، خصوصًا برامج الدكتوراه.

–   كثرة أعداد الطلبة في القاعات الدراسية الجامعية، والتي وصلت إلى 70 طالبًا أو طالبة في بعض الجامعات، وهذا يعدُّ معيارًا غير مقبول لأي تعليم ( عام أو عال ).

أما بخصوص أعداد الجامعات والكليات الأهلية فقد ورد ذكر ذلك في الورقة الرئيسة لهذه القضية، وهي (41 كلية و10 جامعات).

وحول مضمون ما طرحه أ. عبد الله الضويحي في قوله: نحن متفقون على أن أسعار التعليم العالي والجامعي الأهلي ( الأقساط التي يدفعها الدارس ) ومن هنا يبرز تساؤل :

هل هو بحث عن الجودة ؟ !

أم لتكون مخصصة للنُّخبة فقط ؟ !

أم لهدف تجاري بحت ؟ !

وأوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أنه وبخصوص الجودة، لاشك أن الجودة مطلب أساسي من الجميع، أو لعلنا نقول: إنه أمر أساسي يُفترض الإتيان به. إنما لا يعني بالضرورة أن تكون طبيعة التكاليف الدراسية هي لأجل الجودة فحسب، إنما أن تكون الجودة هي أحد الأسباب. أما بشأن مسألة النخبة، والحكم أن الدراسات الجامعية الأهلية هي للنخبة فحسب، فالاعتقاد أنها غير منطبقة في هذا الزمن، بحكم تغيرات اقتصادية متعددة الأوجه.

ومن ناحية أخرى فإنه ولاشك أن من أهداف أي استثمار هو تحقيق الربحية، إنما لا يمكن أن يكون ذلك على حساب المخرج النهائي، وهذا ما توليه وزارة التعليم اهتمامها من ناحية الرقابة المستمرة على أداء مؤسسات التعليم العالي الأهلي.

وعقَّب د. خالد بن دهيش على النقطة الأخيرة بأنه في ظل الابتعاث الداخلي للجامعات والكليات الأهلية  (قبل إيقافه للمستجدين قبل عامين ) لم يعد التعليم الأهلي الجامعي للنُّخبة  بل لمن تنطبق عليه شروط القبول.

وأشار د. عبد الله بن صالح الحمود حول مسألة التوجُّه العام في قطاع التعليم العالي الأهلي في المملكة، هل هو ربحي أو غير ربحي … أو خليط؟ إنَّ الجامعات والكليات غير الربحية في المملكة هي كما يلي:

–         جامعة الأمير سلطان.

–         جامعة الملك فيصل.

–         جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

–         كلية عفت.

–         جامعة دار الحكمة.

كما أنه من ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة التعليم، وكالة خاصة للتعليم الأهلي، هي (وكالة الوزارة للتعليم الأهلي)، مرتبطة إداريًّا بالوزير مباشرة . وتختصُّ بالإشراف العام على مناشط الجامعات والكليات الأهلية، إضافة إلى المدارس الأهلية.

ومن ناحية أخرى فإنه – وبعد مرور قرابة سنتين من إيقاف المنح الدراسية- بدأت الأحوال المالية تؤثر على مسيرة عدد كبير من الجامعات والكليات الأهلية، وهذه ملاحظة تمثل عقبةً كبيرة من ناحية عدم قدرة العديد من تلك المؤسسات على الصمود أمام ضخامة المبالغ المالية التي تُنفق على تشغيلها، وفي الوقت نفسه تعدُّ خسارة أو حرمانًا- إن صح القول- أمام الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في القبول لدى الجامعات الحكومية.

وحول تساؤل مهم مفاده: لماذا لا يكون للجامعات الأهلية وقف أو استثمارات أخرى تنفق منه؟ فإن هذا يعود إلى سياسة كل جامعة أو كلية على حدة . المشكل هنا أن شروط وضوابط تأسيس كلية أهلية هي شروط مكلفة للغاية؛ منها- على سبيل المثال لا للحصر-: ألا تقل مساحة الكلية الواحدة عن 20000 متر مربع، ومن تأتي عملية البناء والتجهيزات كي تظهر المؤسسة التعليمية بمفهومها الأكاديمي. والقضية ليست قضية وفرة مال أيضًا، بقدر ماهي قضية التوقُّع من استرداد رأس المال مع أرباح – ولو نسبية- تشعر المستثمر أن ماله أتى بأي عائد ولو قليلًا، والآن مع توقف المنح الداخلية أصبحت العملية عسيرة للغاية.

وأوضح أ. عبد الله الضويحي أن عدد مؤسسات التعليم الجامعي والعالي يتجاوز 80 منشأة تعليمية بين جامعات وكليات، وقد يقارب الـ 100 إذا أضيفت لها المعاهد والكليات العسكرية، والسؤال الآن: هل هذا العدد يتناسب وعدد سكان المملكة ؟ أو المقيمين فيها ؟ وهل يتناسب ما تقدمه هذه المؤسسات لسوق العمل من كفاءات ( بغض النظر عن مستواها ) مع متطلبات السوق ؟ وهل نحن بحاجة لهذا العدد؟

وفي هذا الإطار ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أن التوزيع الجغرافي لهذه الجامعات والمقصود الحكومية بطبيعة الحال، أنه لم يكن موفقًا من ناحية الأخذ في الاعتبار للطبيعة الديموغرافية للمحافظات أو حتى المناطق. الأمر الآخر أنه مع الأسف أن الجامعات الحكومية التي تعد ناشئة حتى الآن أتت كنسخة من الجامعات القديمة، وهذا ما أضعف لدينا عدد ونوع المخرجات التعليمية التي دومًا نناشد بأن تكون وفق احتياجات سوق العمل.

ويرى د. إبراهيم البعيز أن عدالة التوزيع الجغرافي للجامعات يمكن الوصول إليه بمقارنة رقمين: عدد طلاب المرحلة الثانوية في المحافظة/المنطقة، وعدد المقاعد الجامعية المتاحة فيها.

وبدوره ذهب م. خالد العثمان في حديثه عن التعليم الأهلي إلى أنه سيسحب الأمر إلى طبيعة الاستثمار عمومًا في المملكة، وهو في غالبه الأعم استثمار عائلي أو فردي.. وهو ما يجعل كثيرًا من الاستثمارات خاضعة للهوى الشخصي والقناعات الفردية المسيطرة.. والتي يشوبها الجشع أحيانًا، وعدم المعرفة أحيانا كثيرًا.. هذا الواقع يصبح أكثر خطورة عندما ينسحب على بعض القطاعات، ومنها التعليم عمومًا والتعليم العالي خصوصًا.. حيث تكون الجودة مطلبًا ملحًا لا يصح التنازل عنه والتهاون فيه.

إذًا.. أحد أهم عوامل نجاح التعليم الأهلي وخاصة العالي هو ضرورة مأسسة هذا القطاع وإخراجه من السيطرة الفردية والعائلية، ووضع تشريعات حاكمة تضمن حوكمة وفعالية وكفاءة إدارات هذه الجامعات الأهلية، من خلال مجالس أمناء، ومجالس علمية، ومجالس أوقاف واستثمار، وغير ذلك من الهياكل المتطورة التي نراها في الجامعات الأهلية الأمريكية الناجحة التي تمت الإشارة إليها سابقًا.

ولا يمكن تفهُّم كيف يمكن أن يكون هناك مدارس خاصة للتعليم العام، ثم تقرر فجأة التوسع في التعليم الجامعي الخاص، وتفتتح كليات ثم جامعة بنفس الاسم والهيكل الإداري والسلطة المركزية العائلية؛ فهذا خلل واضح في فهم الاختلافات والفوارق في متطلبات التشغيل، وطبيعة العمل، ومعايير الجودة بين القطاعين.

ومن جهته يعتقد  د. مساعد المحيا أن فكرة التعليم الخاص في المرحلة الجامعية هي مما يتسع العمل به في كثير من الدول، والهامش الربحي الذي تبحث عنه الجامعات هو من حقها، بوصفه استثمارًا في المعرفة. لكن تجربتنا في التعليم العام مع التعليم الخاص أصبح عدد منها يتم تكراره في التعليم الجامعي سواء من بعض أرباب الأسر الذين يريدون لأبنائهم أقصر الطرق للحصول على الشهادة الجامعية، وكذلك من قِبل بعض مقدمي خدمة التعليم. ولذا تفتقد الثقة في العديد من مخرجات التعليم الخاص الجامعي، فمستوى الطلاب متدن فعلًا، ويزداد الأمر سوءًا حين تطفو على السطح كارثة من كوارثه؛ فقليلون في التعليم الخاص الذين يحترمون مسؤوليتهم، ويعملون على بناء تعليم يرتقي بالوطن ومواطنيه.

ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن وصم الجامعات الأهلية بـ “الدكاكين” على نحو ما ذكر د. مشاري النعيم، وصم بحكم العامة، أليس الأجدر القول بـ (بعض ).. كل نشاط يحتوي من العيوب والسلبية إلى ما يمكن وصفه حسب درجة ضعفه أو أخطائه..  حتى بعض الجامعات الحكومية سواء العريق منها أو الحديث، فيها ما فيها من الأخطاء والإهمال ما قد توصف بدرجة ( مدرسة ).

إن النظام الرسمي لأي مهنة أو نشاط هو الذي غالبًا ما يكون سببًا في نشوء ضعف أو احتضان أخطاء مقصودة أو غير مقصودة. وهنا نأتي لنقول: إنَّ كفاءة الرقيب، والإمكانات المتاحة له غالبًا ما تحدث تغيرًا وإخراجًا إيجابيًّا، يرجو الجميع أن يتحقق. ومع هذا – ودون أدنى شك- من أن الواجب الأكبر للقائمين على أي نشاط كتنفيذيين هو تأدية الأعمال بأمانة وشرف؛ ولهذا- وبطبيعة الحال- لن يتحقق ما يُراد للجميع تحقيقه إلا باكتمال المنظومة المتكاملة المبنية على روح مأسسة الأعمال.

وفي تصوُّر د. مشاري النعيم فإن المشكلة تكمن في البنية الإجرائية المرتبطة بضمان الجودة في هذه الجامعات، فحتى لو بدأت قوية فسرعان ما تنهار وتتآكل من الداخل. وأضاف: “شخصيًّا – وكما ذكرت- شاركتُ في تأسيس جامعة، وبدأنا بداية قوية جدًّا بمعايير أمريكية في التعليم العالي، ونشأت الجامعة من خلال تشكيل فريق أمريكي، ونظراء سعوديين، وبنيت سياسة الجامعة ومناهجها بعد مشاورات ودراسات الطرفين. وعند التطبيق بدأ مدير الجامعة بالانفراد بالرأي، ولأنها شركة- ولم يكن همها الربح- ترك الموضوع للمدير، وخلال فترة وجيزة اختفى جميع الإداريين الأمريكان، وتحولت الجامعة إلى عالم ثالث، ولم تستقطب أساتذة سعوديين، وما خفي كان أعظم”.

أمَّا د. عبد الله العساف فيرى أن الجامعات الأهلية يجب أن ننظر لها بعين الإنصاف؛ فهي جامعات ربحية بالدرجة الأولى إذا ما استثنينا جامعة الأمير سلطان، والربح ليس عيبًًا، فهو مطلوب من أجل الاستمرار والتطوير، لكن بعض هذه الجامعات والكليات الأهلية هي نسخة مطورة من المدارس الخاصة؛ يلجأ إليها مضطرًا مَنْ لم تستوعبه الـ30 جامعة الحكومية، أو باحثًا عن شهادة، أو حاصلًا على منحة دراسية؛ حيث تشكل المنح ما يربو على 80% من طلاب التعليم العالي الأهلي، والذي تأثر سلبًا بتوقفها، وهذا لا ينفي وجود كليات متميزة، ولها معاييرها، وقد حصلت على الاعتماد الأكاديمي، متفوقة على الجامعات الحكومية. وكمثال فإن كلية طب أسنان أهلية افتتحت وليس لديها عيادة يتدرب فيها الطلاب ولا معمل، وهي كلية تطبيقية، فكيف ستكون مخرجاتها؟ وكان رد أحد المستثمرين فيها أن الطلاب في السنوات الثلاث الأولى ليسوا بحاجة إلى التطبيق؛ لأن دراستهم نظرية!

كيف ستساهم هذه الجامعات والكليات بتخصصاتها المالية، والطبية، والهندسية، والعلوم الإدارية، وغيرها في دعم عملية التنمية ؟ والنظر إلى مخرجاتها بعدم الثقة مِن قِبل أرباب العمل، إذا كانت تفكر بالربح فقط، دون النظر لأهمية البحث العلمي ودعمه وتشجيعه، حيث تركز على التعليم فقط، وإهمال جودة التعليم والبحث العلمي، وهي مشكلة لدى جل الجامعات الحكومية أيضًا!

تعدد الجامعات وتنوعها ظاهرة صحية متى ما خضعت للإشراف والتقويم المستمر، وهذا مرهون بعودة وزارة التعليم العالي – وسوف تعود- لأن وزارة التعليم متخمة جدًّا بالأعباء، ووجود لوائح وأنظمة وشراكات علمية تراجع كل 3-5 سنوات.

وأضاف د. علي الحارثي: هناك تساؤل بخصوص العنوان (التعليم العالي الأهلي)، هل العنوان يشمل التعليم ما فوق الثانوية (الجامعي، والدبلوم)، إضافة إلى التعليم العالي ما فوق الجامعي (ماجستير، ودكتوراه) كما هو منصرف للذهن، وما هو متعارف عليه، أم أن المقصود به فقط التعليم ما فوق الجامعي؟ لأن لكُل مقوماته، وأهدافه، وبرامجه، ووسائله، ونظامه الأكاديمي، والمرجعية؛ حتى نكون دقيقين في طرح الحوار بموجباته الفكرية. جانب آخر، اختلاف وجهات النظر حول كون هذا التعليم ربحيًّا أو غير ربحي، فلا يوجد ما يمنع  الجمع بينهما تحت ضوابط وأنظمة موحدة لا تسمح بغير الارتقاء بالجودة والتنافس حتى مع المتميز في التعليم الحكومي.

وعقَّب د. عبد الله بن صالح الحمود على ما طرحه د. علي الحارثي حول التعليم ما فوق الثانوي، بأنه ينقسم إلى قسمين:

  • الأول: أن ما فوق التعليم الثانوي، إذا كان بهدف الحصول على دبلوم عال، والذي غالبا تكون الدراسة فيه لمدة سنتين، فهو يُسمَّى ( دبلومًا عاليًا ما بعد الثانوي، وآخر أيضًا دبلوم عال لنفس المدة، ويُسمَّى ( دبلومًا عاليًا ما بعد الجامعي )، كمثال ما يقدمه معهد الإدارة العامة في بعض برامجه، والتي تصل إلى سنتين كحد أقصى.
  • بينما يأتي المفهوم الآخر وهو الدراسة الجامعية للحصول على درجة البكالوريوس وهي طبيعيا تأتي بعد المرحلة الثانوية، وتُسمى ( تعليمًا عاليًا جامعيًّا )، وللحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، يُسمَّى ذلك ( التعليم العالي )، لكونه أعلى درجة من التعليم الجامعي.

وترى أ. أسمهان الغامدي أن مؤسسات التعليم العالي الأهلي تفوقت كثيرًا على المؤسسات الحكومية، على الرغم من أن غالبية الأكاديميين في الجامعات الخاصة .. هم أكاديميون في الجامعات الحكومية بنظام الإعارة أو التعاون؛ لكن قد يكون لقلة البيروقراطية في الجامعات الأهلية فالدور الكبير في إعطاء مساحة مرنة للإبداع، إلى جانب تنوُّع التخصصات التي تواكب سوق العمل؛ الأمر الذي يجعلها أكثر جاذبية. وباعتقادها أن الجامعات الأهلية لها دور كبير في التنمية في حال قُدمت لها تسهيلات حكومية، بمعنى إعادة برامج المنح للطلاب، وتمويلها جزئيًّا، والاستفادة من تجربتها الإبداعية في جامعاتنا الحكومية، كما أن بقاء الجامعات دون استقلال مادي وإداري عن الوزارة مع بقائها تحت مظلتها سيؤخر مساهمتها التنموية التي باتت مطلبًا.

وتحت عنوان: “التعليم الأهلي بين تسعيرتين”، كتب د عبد الله بن ناصر الحمود: كثير من زوايا الرؤية تم تناولها بشيء من النقد والتحليل، ولكني أعتقد أن زاوية مهمة لم تزل دون طرق وتمحيص. وفي هذه الزاوية.. أنخت ركابي.

تقود المراجعة الناقدة للعملية التعليمية في القطاع الخاص إلى نتيجتين رئيستين:

  • الأولى: أن يكون التعليم في القطاع الخاص تطوُّرًا طبيعيا للحراك التنموي في المجتمع .. وضرورة اجتماعية ثقافية واقتصادية قادت إليها مظاهر التقدُّم في شتى مجالات الحياة .. ودفعت بها تعقيدات الحياة، وتغير أولوياتها في حق المؤسسات وفي حق الأفراد. وتمثل هذه الحالة منظومة الدول المتقدمة اليوم.
  • الثانية: أن يكون التعليم الخاص مشروعًا تجاريًّا، ودولة بين الأغنياء.. يظهر فجأة في نماذج شتى غير متسقة في مجملها مع بيئتها الثقافية الاجتماعية الاقتصادية.. ويكون قائمًا على مبدأ الربح أولا.. مع ضمور في آليات المراقبة والمحاسبة. وتمثل هذه الحالة منظومة الدول النامية.

وفي الحالتين كلتيهما .. يوجد ارتباط عضوي مباشر بين (تسعيرة) التعلُّم في مؤسسة خاصة… و(تسعيرة) العلم ذاته. فكل منهما .. منتج ذو قيمة تسعيرية في الأصل. ومعنى ذلك.. أنه عندما تكون (قيمة العلم) عالية لذاته.. تتضاءل أمامه (قيمة التعلُّم)؛ لأن العلم ذا القيمة سوف يقود لمرحلة منتجة جدًّا بعد مرحلة التعلم، وبالتالي سيكون بإمكان (المتعلم) الذي دفع (قيمة) ما لتعلمه استرجاع تلك القيمة مضاعفة بعد انخراطه في سوق العمل، وبذلك تكون (تكاليف) التعليم المالية (تكاليف مسترجعة) بالضرورة بعد حين.

أما في المجتمعات التي تعاني من تدني (تسعيرة) العلم نفسه فستكون عملية (التعلُّم) باهظة بالفعل، ليس لأنَّ (سعر)  التعليم عال، ولكن لأن سعر (العلم) متدني القيمة النفعية في المجتمع أصلًا.

وبالتالي، في هذه الفئة من المجتمعات لم يعد مستغربًا أن ترتفع (قيمة) التعلم، مع ازدهار البطالة بين متخرجي القطاعين العام والخاص.

هنا..  يواجه المجتمع حالة أخرى غير جشع المؤسسات التعليمية الخاصة.. التي ربما لا تكون جشعة أصلًا، بل ينعتها المجتمع بالجشع؛.نتيجة (الفروق الإحصائية) الكبيرة بين  قيمة (التعلم)، و(قيمة) العلم الذي يحصل عليه المتعلم.

ومن وجهة نظر د. نوف الغامدي فإن القطاع الخاص أصبح أكثر اهتمامًا في الاستثمار في التعليم العالي . وقد تكون أغلبها استثمارات عائلية، وبالرغم من أن بعض الكليات والجامعات الأهلية قد راعت احتياجات المجتمع الحالية، إلا أن بعضها قد وقع في المشكلات نفسها التي وقعت فيها الكليات والجامعات الحكومية، من حيث طرق التدريس، والتركيز على التخصصات النظرية، ومن الصعوبات التي تواجه التعليم الجامعي الأهلي ما يلي :

1-لم يستطع التعليم الجامعي الأهلي حتى الآن كسب ثقة المواطن فيه، بحيث يصبح منافسًا للتعليم الجامعي الحكومي، ويؤدي إلى الارتقاء بالتعليم الجامعي.

2-التوسع في فتح الجامعات الأهلية دون التأكيد على مدى توفُّر الشروط الضرورية اللازمة لتقديم التعليم بمستوى أفضل؛ مما نتج عنه افتتاح جامعات في مبان غير معدة لتقديم التعليم، وإنما بُنيت لتكون شققًا سكنية، فشكلت ضررًا على سمعة التعليم العالي.

3-غياب التشريع الذي ينظم عملية الإشراف على التعليم الجامعي الأهلي، ويحدد الضوابط التي عليه الالتزام بها، وعدم خروجه عن الأهداف المرسومة له، بحيث لا يتحول إلى سلعة تجارية يستهدف الربح بدرجة رئيسة.

4-ارتفاع الرسوم الدراسية، بحيث تفوق قدرة الراغبين في الدراسة فيها، وترتب على ذلك قلة عدد الملتحقين في التعليم الجامعي الأهلي، واستمرار الضغط على التعليم الجامعي الحكومي المجاني، إلى جانب عدم تعوُّد المواطن على شراء الخدمة التعليمية، واعتقاده بأن ذلك من مسؤولية الدولة وحدها.

5-عدم توفُّر الهيئات التعليمية المتفرغة، والاعتماد على أعضاء هيئة التدريس العاملين في الجامعات الحكومية، وبعضهم قد يكون بنظام الساعات، مما يخل بما هو مطلوب منه، حيث يقتصر دوره على العملية التدريبية، ويفقدون القدرة على القيام بالنشاط البحثي، والمساهمة في الارتقاء بمستوى التعليم الجامعي.

6-   التركيز على فتح مجالات الدراسة النظرية؛ نظرًا لقلة التكاليف التي تتطلبها.

إن الهاجس الرئيس هو المعادلة بين الجودة وأعداد المقبولين، وتوفر الرسوم لضمان سير المنشأة التعليمية وفق الخطط المرسومة لها . وإنَّ اختلاف أيٍّ من عناصر هذه المعادلة سوف يؤثر سلبًا في جودة المخرجات ولكن الدعم الحكومي، وذلك من خلال المنح الدراسية الحكومية، فسوف يسهم بأن تركز على النواحي التعليمية، وضمان جودة المخرجات؛ نظرًا لأن الرسوم سوف يتم دفعها من خلال الدعم الحكومي، وبالتالي لن يكون هناك تأثير في الصرف، وتوفير المتطلبات التعليمية، أو تنفيذ الخطط التوسعية لهذه المنشآت التعليمية الحديثة، أما فيما يتعلق بالتخصصات التقنية والإدارية فيوجد خريجون مميزون؛ نظرًا لأن التركيز على التدريس باللغة الإنجليزية وتحري احتياج سوق العمل، ولكن سوق العمل واعد؛ وذلك لتبني الغالبية من الجامعات والكليات الأهلية التوأمة مع جامعات عالمية.

تبقى بعض المعوقات، منها: الحصول على أرض للمشروع بالمواصفات المطلوبة، وارتفاع أسعارها؛ مما يقلل فرص المستثمر في تهيئة المكان المناسب، ويؤثر في تقليل استقطاب الكفاءات المميزة؛ لذا لو أن وزارة التعليم العالي- بالتعاون والتنسيق مع وزارة المالية، ووزارة الشؤون البلدية- تتبنى توفير مقر مشروع الكليات، ويتم تجهيزه عن طريق شركة استثمارية، ويتم بناؤه وتصميمه على أفضل المواصفات بما يتطابق مع متطلبات الوزارة.

  • مقترحات لتنمية مؤسسات التعليم العالي الأهلية في المملكة:

ذكر  د. حامد الشراري مجموعة من الأفكار التي قد تسهم في تنمية مؤسسات التعليم العالي الأهلي:

1-الاستفادة الإيجابية من تطبيق الرؤية2030، وبرنامج التحوُّل الوطني 2020؛ نتيجة للإصلاحات الاقتصادية، مثلًا: سياسة تقليص قبول الطلاب في المرحلة الجامعية في مؤسسات التعليم العالي الحكومي قد تكون فرصة للمضي قُدمًا في افتتاح المزيد من برامج الدراسات الجامعية والمطلوبة لسوق العمل.

2-ضرورة أن تتسم برامجها بالمرونة؛ بمعنى أن خططها المستقبلية تشمل برامج من الممكن تنفيذها في الوقت الحاضر، وبرامج من الممكن أن تنفذها مستقبلًا حسب الظروف وحسب الحاجة…خلال مرحلة الرؤية2030، وألا تُقيد التوسع ببرامجها بالتصنيف الوظيفي في وزارة الخدمة المدنية بقدر المستطاع.

3-   التركيز والتوسع في البرامج المستقطبة للأعداد الكبيرة من الطلاب، والتي تكون ذات تكلفة أقل.

4-أن تضمن برامجها، خصوصًا في برامج الدراسات العليا، مسارات أو مجالات جديدة مغرية ومطلوبة، ولا تتطلب تجهيزات معملية مكلفة، على سبيل المثال:

  • القطاع الإعلامي- مثلًا: برامج لها علاقة بالإعلام الجديد، وسائل التواصل الاجتماعي (social media).
  • القطاع الهندسي – مثلًا : برامج لها علاقة بإدارة التشغيل والصيانة، وإدارة المنشآت.
  • القطاع المالي – مثلًا: برامج لها علاقة بالتأمين.
  • القطاع الإداري – مثلًا: برامج لها علاقة بتأهيل قيادات للإدارة العليا والاستشارات.

5-ضرورة العمل مع وزارة التعليم والبنوك والصناديق التمويلية المحلية، بتوفير قروض ميسرة لراغبي الدراسة، مع وضع تنظيم لذلك.

ومن جانبه يرى د. خالد الرديعان أنه لا توجد مشكلة في كون التعليم العالي الأهلي ربحيًّا؛ فالجامعة الأهلية لديها مصاريف، وتستقطب أساتذة بمرتبات مرتفعة، وعندها بنية تحتية تحتاج صيانة كالمباني، ولدفع نفقات جميع العاملين.. يبقى دور الجهات الرسمية في الرقابة على مستوى الجودة فيها، بحيث لا يكون الربح سببًا لتخريج مَن لا يستحقون الدرجة العلمية، أو أنها تعطي الدرجات هكذا جزافًا دون شروط كافية.

ويمكن بهذا الخصوص إيجاد فرع أو وكالة في وزارة التعليم لمراقبة عمل هذه الجامعات، وتطبيق شروط معينة تضمن عدم تسلل الفساد للجامعات الأهلية. كثير من الجامعات الغربية المرموقة أهلية أو قطاع خاص، وتحصل في الوقت نفسه على دعم جزئي من الحكومة أو الحكومة الفيدرالية كما في الجامعات الأمريكية، وهذا الإجراء ربما بداعي أن تفرض الجهات الحكومية شروطها على هذه الجامعات؛ لكي تتناغم مخرجاتها وخريجوها مع خريجي الجامعات الحكومية.

وأوضح د. خالد بن دهيش أن خريجي الكليات الطبية والصحية يلزم الخريج اجتياز اختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية؛ للحصول على شهادة تؤهله للتقدُّم للوظائف الطبية والصحية في القطاع الحكومي والخاص، وهي بمثابة إثبات قدرة على العمل، وهناك تقييم خاص لجودة خريجي الجامعات والكليات الصحية والطبية يعتمد على نسبة اجتياز طلابها لهذه الاختبارات للمرتين الأولى وللثانية.

بينما يرى أ. عبد المحسن القباني أنه سيكون من مزايا خريج الجامعة الأهلية هو إنتاجية الخريج، إذا كان ذلك الطالب يلجأ لسوق العمل الجزئي مبكرًا؛ من أجل تدبير بعض نفقاته.

ويبدو أن سوق العمل الجزئي يستطيع أن يحوي طلاب الجامعات لو تم الدفع بهم. فاستناد طلاب الجامعات الحكومية على رعوية العائلة ومكافأة الحكومة لا يوفر لهم الخبرات الحياتية والعملية، لكن يبدو أن الفكرة المثالية أعلاه مستبعدة طالما أن معظم مَن يلتحق بالجامعات الأهلية هم طلاب عائلات غنية.

ويرى د. مساعد المحيا أننا بحاجة لعودة وزارة التعليم العالي؛ فوزارة التعليم استوعب وقتها وأرهقها التعليم العام للطلاب والطالبات في التعليم العام والخاص، حتى الجامعات الحكومية اليوم أصبحت الجودة فيها أقل والمستوى أضعف. حين تغيب المؤسسة الرقابية يمارس الكثيرون أدوارًا من الاجتهادات والعبث في جودة التعليم، سواء عبر المناهج الدراسية أو افتتاح أقسام علمية دون وجود كفاءات علمية مناسبة ..إلخ.

وأكد د. عبد الله بن صالح الحمود على أن من الواجب على الأجهزة الرقابية أن تؤدي أعمالها بكل قوة وحزم، التعليم- والذي يعد أحد أسس بناء الإنسان فكريًّا وأخلاقيًّا- لابد أن يتأتى من خلال ضوابط تجعل منه منهجا قويمًا للطالب، التراخي أو الضعف الرقابي، فضلًا عن المحسوبيات المدمرة، هما ما يصلان بأي بيئة إلى فشل يدمر سلوك المجتمع.

ويكمن الحل في نظر د عبد الله بن ناصر الحمود بعيدًا عن (قيمة) التعلم. فلن يغير من الأمر شيئًا.. أن تكون (قيمة) العام الدراسي (ناقصًا 30%) – مثلًا- مما هي عليه الآن، بل  لا بد من (غربلة) الحالة العامة للمجتمع، واختبار مستوى (قيمة) العلم نفسه، فإذا ثبت أن المجتمع يقوم على فكرة (العلم) فستكون تكاليف (التعلم) زهيدة، مهما ارتفعت. أما إذا كان الحراك المجتمعي المؤسسي يسير بمتوالية أخرى غير متوالية (العلم) فسيكون (التعليم) الخاص مجرد مشروع تجاري محض، يتداوله (الأغنياء) من الناس؛ لسحب حصص من مدخرات الآخرين، الذين بدورهم  سوف يبقى جزء كبير منهم غير ذي (قيمة)؛ لأنه لا يحمل من مقومات (التسعير) غير (العلم)، وهذا العلم رخيص الثمن في ذاته. الحل باختصار.. في رفع (قيمة) العلم، وليس في خفض (قيمة) التعلم.

وأكد د. عبد الله العساف أن هذا ما قصده؛ عندما أشار إلى اهتمام جلّ الجامعات الحكومية والأهلية بالتعليم لا بجودته؛ وهذا ملموس في مخرجات التعليم، حيث أصبح هناك تنافس غير مقصود بين بعض أعضاء هيئة التدريس في تبسيط المعرفة بشكل مخل، والاعتماد على المذكرات التي لا تؤسس ولا تبني، بل تُخرِّج طالبًا “بصمجيًا” يحفظ ولا يفهم، ثم ينسى! ومن الحلول المقترحة:

  • عودة وزارة التعليم العالي.
  • برامج الجودة.
  • المراجعة والمراقبة من طرف خارجي.
  • الارتباط بجامعات عريقة.

وذهب أ. مسفر الموسى إلى أن نموذج التعليم الأهلي أو الخاص في السعودية (غالبًا) لا يمثل نموذج السوق المعتمد على المنافسة… هو باختصار نموذج أو مسار لجني الأرباح الباردة من العقود الحكومية.

قيمة (التنافسية) هي (وحدها) مَنْ سيجلب الاعتماد الأكاديمي، ورفع الجودة، والبحث عن شراكات أكاديمية عالمية، وشراكات أخرى مهنية وصناعية، وبالتالي نحن أمام شرطين لتحقيق التنافسية:

1-إعادة صياغة معايير المنح الدراسية.. بحيث تهتم بالشرائح المتفوقة جدًّا، وذات الدخل المحدود، وألا تتعدى نسبة تمثيلها في الجامعة ١٠٪.‏

2-الشرط الثاني قد يبدو حادًّا ولكنه ضامن للتنافسية، وهو إعطاء ميزة لشهادات الاختبارات المهنية بعد الجامعة.. هذه الاختبارات تقوم بها أطراف محايدة ذات سمعة عالية.. ولها آلياتها التي تناسب كل مهنة.. فقد تكون مجموعة من الاختبارات، أو قد تكون مشروعًا متكاملًا.

والتمييز بأن يكون اجتياز هذه الشهادة شرطًا في تسمية الدرجة العلمية التي يحملها الخريج.. بحيث تُضاف – على سبيل المثال- مفردة (مكتمل) للخريج المجتاز، أو (غير مكتمل) للخريج غير المجتاز، أو الذي لم يتقدم. وبالتالي فإن هذه القيم التنافسية هي من سيجعل العملاء (الطلاب) يحاسبون جامعاتهم وأساتذتهم، وأقسى أنواع هذه المحاسبة الانصراف عن الجامعات الوهمية.

وتعليقا على مداخلة د. عبد الله بن ناصر الحمود، حول تكاليف الدراسة الجامعية، وتصنيفه للتعليم الجامعي في الدول المتقدمة والأخرى الأقل تقدما، والحاجة المجتمعية التي تفرض احتياجها بين الأفراد. أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه يتفق معه في جزئية ما ذهب إليه حول التقنين عامة، ومدى ثبوت إيجابية التعليم العالي عامة؛ فهنا كي نصل إلى ما يكون محققًا لأهداف حقيقية، فإن الأمر يتطلب بل يستجوب الدعم المادي والمعنوي من قبل الحكومة، ممثلة في وزارتي المالية والتعليم، وهذا بالفعل مطلب وطني لا يمكن أن نتجاهله إذا ما أردنا أن يتحقق لنا تعليم ذو مردود إيجابي للوطن. إنما وحسب ما هو مشاهد الآن فنستطيع القول: إن تحقيق ما نصبو إليه يصعب من خلال السياسة التعليمية القائمة حاليًا.

وفيما يتعلق بما ذكره أ. مسفر الموسى فهناك عدة وقفات، عددها د. عبد الله بن ناصر الحمود فيما يلي:

1-الحديث عن ( جني الأرباح الباردة من العقود الحكومية )، أولًا لا يوجد ما يُسمَّى بالعقود الحكومية مع الجامعات أو الكليات الأهلية، وقد يكون المقصود هنا تلك المكافأة المحددة التي تُعطى للمدارس الأهلية عن كل طالب بمقدار معين محدود أيضًا، بغض النظر إن كان ذلك مستمرًا أو توقف كمثل ما توقفت برامج المنح الداخلية للتعليم العالي الأهلي.

2-هناك اتفاق في مسألة وجوب نيل أو اكتساب اعتماد أكاديمي للجامعات أو الكليات الأهلية، لتحظى بمزيد من الاعتراف، وجودة التعليم لديها .

3-   أما بخصوص ما تم طرحه من ذلكما الشرطين، فهناك توافق لتفعيل الشرط الأول مع زيادة في النسبة إلى أن تصل 30 % وليس 10 %، بسبب كثرة أعداد المتفوقين في أغلب الجامعات والكليات الأهلية، خصوصًا مع زيادة أعداد خريجي المرحلة الثانوية.

وبخصوص إصدار شهادة اختبار مهني ما بعد الجامعة، فهو أمر مناسب، ولكن على أن يكون ذلك للجامعات الحكومية والأهلية على حد سواء.

وبدوره قال أ. مسفر الموسى: كنا نتوقع في مجال الصحافة والإعلام أن يأخذ معهد الأمير أحمد بن سلمان البساط من تحت الأكاديميات الحكومية…. ولكنه في ظل عقود الحكومة العالية… ظل متواضعًا إلى درجة أننا في هذا المجال لم نعد نسمع به… حتى الأفراد يذهبون من أمام مقره إلى المطار، ثم الدوحة لحضور دورات معهد الجزيرة.

وأضاف د. مساعد المحيا بأنَّ هناك رأيًا يطالب بدلا من إنشاء الجامعات الخاصة أن يتم التوسع في افتتاح فروع للجامعات الغربية المميزة، وأن يكون الابتعاث لها من الداخل للحصول على تعليم أفضل في بيئة تحقق للكثير من الطلاب احتياجاتهم المجتمعية والاجتماعية، إذ قد يقود هذا لمنتجات أفضل.

وأوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أنه عند بدء إصدار تراخيص من قبل وزارة التعلم العالي سابقًا، لا شك أن الوزارة كانت حديثة عهد في إصدار الشروط والضوابط لتأسيس كليات أهلية. ولكن بدأنا نلحظ –  كمستثمرين في التعليم العالي الأهلي- سن ضوابط جديدة ترفع من قيمة التعليم العالي عامة، من ذاك – على سبيل المثال- وجوب إنشاء مستشفى جامعي تعليمي للكليات الصحية، أضف إلى ذلك أن مساحة الأرض التي ستقام عليها الكلية الواحدة يجب ألا تقل عن 20000 متر مربع، ويراعى في ذلك التصميم الداخلي الذي يتفق والظهور بالبيئة التعليمية.

وفي ظن د. إبراهيم البعيز فإن النظام يسمح للجامعات الأجنبية بافتتاح فروع لها، لكن يشترط أن تكون شهادة الفرع معتمدة من مجلس الجامعة الأم، وبعض من الجامعات التي في الخليج تأخذ من الجامعة الأم الاسم لكن برامجها ليست معتمدة من مجالس علمية في الجامعة الأم، وهي مشاريع تجارية للشركات التي تدير أوقاف تلك الجامعات. ومن ناحية ثانية هذه الفروع ليست مجدية اقتصاديًّا؛ لأن التكاليف عالية جدًّا؛ مما يعني أن الرسوم ستكون أضعافًا مضاعفة من لو أننا أرسلنا أبناءنا إليهم.

بينما ذهب د. خالد الرديعان إلى أن  الجامعات الأجنبية تتبع سياسة Coeducational، وهذا غير متحقق في مجتمعنا. فمجتمعنا له خصوصية يصعب أن تتوافق معها الجامعات الأجنبية، فهي لن تتنازل عن سمتها وخصائصها من أجلنا.

وفي اعتقاد د. مساعد المحيا أن الجامعات الأصلية يهمها البيئة التعليمية والإدارية وهذه يمكن تحقيقها، أما الظروف الاجتماعية والثقافية فمن غير المتوقع أن الجامعات ستتحمس لها كثيرًا.

ومن جديد ذكر د. خالد الرديعان أنه لو أرادت جامعة أجنبية أن تفتتح فرعًا لها عندنا، فهذا يعني أنها يلزمها عمل (حرمين جامعيين) للطلاب والطالبات، وهذا مكلف لها. جامعاتهم مختلطة والفصول أو القاعات المختلطة أوفر لهم ماديًّا، وعملية فصل الجنسين في هذه المسألة له تكلفة مادية يتم وضعها في الحسبان. تمامًا كأن تبني مستشفيين، أحدهما للرجال، وآخر للنساء، وهذا مكلف.

وبدوره علق د. مساعد المحيا بأنه كان يمكن لجامعة الملك عبد الله أن تقدم أنموذجًا للتعليم في قاعة واحدة مع عدم وجود أي برامج تُبتذل فيها العلاقات بين الشباب والفتيات لدرجة الرقص المختلط والعلاقات ” العاطفية “غير المشروعة التي عبر عنها بعض الطلاب الأجانب في حساباتهم وانتشرت. الأنموذج الجيد يمكن أن يؤسس لصورة ذهنية أفضل.

أما أ.د فوزية البكر فأكدت على ضرورة النظر إلى قطاع التعليم الأهلي العالي كرافد مهم يدعم التعليم الجامعي في المملكة، ويحقق بعض التوقعات الاجتماعية بما يخفف عن كاهل الدولة. لكن أيضًا النظر إليه على أنه استثمار مالي قد لا يكون دائمًا الأصح. أولا لأنَّ الاستثمار في التعليم يحتاج إلى صبر للحصول على العوائد، وهو ما يخالف ذهنية الاستثمار المحلي؛ لذا نتمنى أن يزداد أعداد مَن يستثمرون في هذا القطاع بشكل غير ربحي كما هو الحال في الكثير من جامعات العالم خاصة في الولايات المتحدة. لماذا تؤثر النظرة الاستثمارية ؟ لأن التفكير في الحصول على عوائد سريعة قد يدفع إلى تسويات لخفض التكاليف قد لا تكون في صالح التعليم كما هو الحال- مثلًا- في بعض الكليات الطبية لدينا، والتساؤل الكبير حول طبيعة مخرجاتها.

ويرى د. خالد بن دهيش أن وضع التعليم العالي الأهلي أو الخاص- بكل صراحة ووضوح- يحتاج إلى مراجعة وتقييم، فهناك فعلًا بعض الكليات بل والجامعات لا ترقى إلى طموحات الوطن، بل وطموحات مُتَّخِذ القرار بإنشاء تعليم أهلي عال. ولو تمت المراجعة والتقييم للتأكد من مدى تحقيقها للطموحات لتم إيقاف العديد منها حتى تعيد ترتيب أوراقها؛ لذا فإن هناك أهمية لربط بعضها – وأن تعرفها لجان وزارة التعليم – بجامعات حكومية من الجامعات والكليات ذات الأقسام الأكاديمية التي تأسست قبل ٣٠ عامًًا على الأقل، والحاصلة على الاعتماد الأكاديمي بنوعيه الداخلي والخارجي.

وتطرق أ. عبد الله الضويحي لنقطة مهمة، حيث ذكر أن لائحة تنظيم التعليم الجامعي الأهلي تشترط الاستعانة بالخبرات والكفاءات المؤهلة، ممَّا دعا الجامعات والكليات الأهلية الاستعانة ببعض المتقاعدين من مدراء جامعات حكومية أو عمداء كليات أو أعضاء هيئة تدريس من هذه الجامعات للإشراف عليها أو على كلياتها، وربما تدفع بعضهم للتقاعد المبكر .. هؤلاء يأتون لهذا التعليم بثقافة التعليم الحكومي والجامعات الحكومية. والسؤال: ما مدى تأثير ذلك سلبًا وإيجابًا على التعليم الجامعي الخاص؟

وفي هذا الصدد أشارت د. طلحة فدعق إلى أن هناك نوعين من التأثيرات: تأثير سلبي أو إيجابي، ويعتمد هذا بالدرجة الأولى على نوعيه تلك الخبرات والكوادر من ناحية، وعلى البيئة وأدوات التمكين المتاحة لها من ناحية أخرى، وأيضا معايير الانتقاء والاختيار من ناحية ثالثة.

على الجامعات والكليات الأهلية أن تجيد الاختيار، بمعنى أن يكون هناك انتقاء مبني ليس فقط على المؤهل وعدد سنوات الخبرة، وإنما أيضًا نمط الشخصية، ونوعيه الفكر، ومدى ملاءمته لمتطلبات بيئة العمل في تلك المؤسسات.

لا نريد تكرار نفس النماذج لشخوص وعقليات طالما اشتكينا بأنها سبب تخلف، وربما فساد مؤسساتنا الأكاديمية؛ وإنما نريد فكرًا تنظيميًّا وإداريًّا وأكاديميًّا مختلفًا بل وقادرًا على التوائم السريع مع متطلبات الرؤية وأهداف التنمية ..أيضا لابد من إيجاد حوافز وخلق بيئة تنافسيه تبرز من خلالها تلك الكفاءات، وأن تكون الحوافز والمميزات بقدر كفاءة تلك النماذج وفعالية مخرجاتها – المنتج المعرفي والإداري والتنظيمي – بعيدًا عن القولبة الموحدة التي صاغت من خلالها المؤسسات الأكاديمية الحكومية كوادرها بطريقة خانقة للإبداع والتميز. نقطة أخرى، وهي أننا لن نتوقع نتائج سلبية أو إيجابية ما لم نغير الفكر التنظيمي للمؤسسات ذاتها، بمعنى كيفية إدارة تلك المؤسسات من قبل الكوادر المستقطبة ! فهل سيكون لدى تلك الكوادر الحرية في اتخاذ القرار التنظيمي، أم ستجد نفسها تدور ضمن  نفس قالب الإدارات المركزية والمتنفذة، وتصبح هي مجرد واجهة أو ديكور، مثلما كان أغلبيتهم في جامعاتهم الحكومية، أو كما يدعي الأغلب أنهم كذلك.

إذًا ثقافة التعليم الحكومي لابد من إعادة تدويرها ضمن مؤسسات التعليم الأهلي، ووجود تلك الثقافة في المؤسسات الحكومية قد لا تكون أحيانا انتقائية، وإنما قد تكون جبرية تُمارس نوعًا من القهر الخارجي على الأفراد والجماعات كما يدعي إيميل دور كايم . فهل ستتمكن المؤسسات الأهلية من استقطاب المؤهلين من جهة، وإعادة تدوير تلك الثقافة من جهة أخرى؟ نتمنى ذلك.

وأكد د. مشاري النعيم أن أحد الأبعاد المهمة والمهملة نهائيًّا في الجامعات الأهلية هو البحث العلمي؛ لأنها مؤسسات تجارية، والبحث العلمي قد تكون له تكاليفه الباهظة. وعليه فمن المهم إجراء دراسة لمعدل النشر العلمي في الجامعات الأهلية، علمًا أن استقطاب هذه الجامعات للمتردية والنطيحة من أعضاء هيئة التدريس إلا ما ندر.

وقال د. حامد الشراري: تنص المادة الثانية من لائحة الجامعات الأهلية على ما يلي: “يتم الترخيص بإنشاء الجامعة بقرار من المجلس بناء على طلب المؤسسة الخيرية أو الشركة، وتأييد الوزارة إنشاء الجامعة .” ويبدو أن هذه المادة مرتبطة بغالب النقاشات بخصوص الربحية وغير الربحية، فالطلب من مؤسسة خيرية يعني غير ربحية، أما من شركة يعني التوجه للربحية. ما قد يكون توصية في ضوء ذلك، أنه وحتى لا تكون الجامعة أو الكلية الخاصة تجارية بحتة، وحتى لا يكون التعليم العالي سلعة تجارية- يفترض أن يكون هناك ضوابط  أكثر صرامة للطلب من الشركة الراغبة في افتتاح جامعة أو كلية خاصة في اللائحة. أيضًا من المهم العمل مع البنوك والصناديق التمويلية المحلية لتوفير قروض ميسرة لراغبي الدراسة، مع وضع تنظيم لذلك.

وترى أ. فاطمة الشريف أن الحاجة تبرز لتطوير وتحديث التعليم العالي تطويرًا وتحديثًا مستمرين، باعتباره المحرك الفعَّال للتنمية في المجتمع، من خلال التركيز على أهم ثلاثة مكونات للعملية التعليمية :

  • أعضاء هيئة التدريس وتطويرهم مهاريًًّا ومعلوماتيًّا.
  • المناهج، ومدى مناسبتها مع حاجة سوق العمل.
  • الطلاب ومدى تمكنهم مهاريًًّا ومعلوماتيًّا.

ولعل أهم التوصيات المقترحة في هذا المجال :

  • رفع قيمة ودور مؤسسات التعليم العالي كمراكز تعليم وتثقيف، ومراكز بحث.
  • الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مثل: ماليزيا التي نجحت في إحداث تغيير وتطوير نوعي في مستوى التعليم على مدى السنوات العشر الماضية.
  • الاستفادة من تقنيات التعليم عن بُعد، وتبني الجامعات المفتوحة؛ مما يعطي فرصة أكبر للراغبين في التعلُّم.
  • التأكيد على ضرورة ارتباط التعليم العالي والجامعي بحاجة العمل في عملية مستمرة، وتحقيق التكامل بينهما.
  • تعزيز الابتكار وثقافة الابتكار لدى طلاب الجامعات عن طريق توفير المواد وحلقات النقاش والورش التي تنمي الابتكار لديهم، وتسمح بتطبيق الأفكار الإبداعية.

واقترح د. خالد الرديعان تأسيس هيئة مستقلة عن الجهاز الحكومي، مهمتها التأكد من وضع الجامعات الأهلية، والتأكد من تطبيقها للشروط الأكاديمية والتقاليد الجامعية المعمول بها في الجامعات الأخرى. تتكون الهيئة من أكاديميين من مختلف التخصصات. ويمكن لهذه الهيئة إعطاء شهادات جودة لكل جامعة حسب مواصفات ومعايير معينة تفرضها الهيئة.

وفي الختام أشار أ. عبد الله الضويحي إلى أن ثمة اتفاقًا على أهمية التعليم العالي الخاص وضرورته كرافد من روافد التنمية، ولكي يستمر ويحقق أهدافه يتطلب ذلك :

1-   إعادة النظر في لائحته ومعالجة جوانب القصور فيها، خاصة ما يتعلق بجودته وتحقيق أهدافه.

2-التأكيد على استفادة هذا القطاع من الكفاءات السعودية المؤهلة أكاديميًّا، خاصة حديثي التخرج سواء في مجال الإشراف، أو كأعضاء هيئة تدريس.

3-ومع الإيمان بحق المستثمر في الكسب المشروع، إلا أنه يجب إدراك أن التعليم ليس عملًًا تجاريًّا، ويجب الموازنة بين هذا وذاك.

4-   إعادة برنامج الابتعاث الداخلي لأهميته في دعم التعليم العالي الخاص، ومراجعة أسلوبه وآلية العمل به.

5-   التأكيد على فتح قنوات تعاون بين القطاع التعليمي العالي الأهلي والقطاع الخاص من خلال شراكات، وتأهيل الدارسين لسوق العمل بما يتوافق ومتطلبات هذا القطاع، خاصة البنوك والشركات الكبرى المساهمة في التنمية.

6-منح تأشيرات دراسة في التعليم العالي الخاص للطلبة الدارسين والمقيمين في الخارج من أبناء غير السعوديين العاملين في المملكة، تسمح لهم بالدراسة في الجامعات والكليات المحلية؛ كونهم يمثلون شريحة لا يُستهان بها، ولما تمثله هذه الخطوة من إيجابية تتجاوز دعم هذه المؤسسات إلى دعم الاقتصاد المحلي، ونقل صورة إيجابية عن المملكة.

7-التأكيد على أهمية البرامج التدريبية والتأهيلية للطلاب، وضرورة توفيرها في جميع التخصصات، وبالذات التخصصات العلمية: كالمستشفيات، والعيادات التعليمية، وغيرها.

8-   العمل مع البنوك والصناديق التمويلية المحلية؛ لتوفير قروض ميسرة لراغبي الدراسة، مع وضع تنظيم لذلك.

9-تكليف الهيئة العامة للاستثمار وجهات أخرى ذات العلاقة بدراسة فرص وضوابط وتشريعات فتح قطاع التعليم الجامعي الخاص للاستثمار الأجنبي من كيانات تملك الخبرة والتخصص في القطاع المستهدف، فالهدف ليس مجرد ضخ أموال في السوق السعودي.

10-     العمل على مأسسة التعليم الخاص الجامعي، وإخراجه من سطوة البيوتات العائلية والإدارة الفردية.

11-  تأسيس هيئة مستقلة عن الجهاز الحكومي مهمتها التأكُّد من وضع الجامعات الأهلية، والتأكد من تطبيقها للشروط الأكاديمية والتقاليد الجامعية المعمول بها في الجامعات الأخرى، تتكون من أكاديميين من مختلف التخصصات، ويمكن لهذه الهيئة إعطاء شهادات جودة لكل جامعة حسب مواصفات ومعايير معينة تفرضها الهيئة.

ونظرًا لأهمية تحسين الجودة في التعليم العالي يرى د. عبد الرحمن الهدلق أهمية  التأكيد على قضية الجودة من منطلق أن الجودة هي جوهر التطوير في التعليم العالي الحكومي والخاص. وللأسف أن الجودة في بعض الجامعات السعودية الحكومية في المملكة متدنية، فكيف سيكون وضع الجامعات الخاصة التي تسعى للربح؟! وهناك جامعات حكومية كبيرة لديها برامج انتساب اختباراتها النهائية مهزلة: (أسئلة مهربة، ومذكرات وملخصات لا يتجاوز عدد صفحاتها الثلاثين ورقة، والنجاح شبه مضمون)؛ فكيف إذًا نتوقع أن يكون مستوى الجودة في بعض الجامعات الخاصة الربحية؟! وللأسف أن هناك جامعات خاصة تمارس نفس الممارسات أعلاه.

ولذا على “هيئة تقويم التعليم” أن تفعِّل وتطوِّر أنظمتها لضمان جودة البرامج التعليمية في مؤسسات التعليم العالي، ووضع المعايير الصارمة في اعتماد تلك المؤسسات، وما يتعلق بمستوى مخرجاتها، وتقويم ذلك بصفة مستمرة، مع توفير الدعم والمساندة لتلك المؤسسات للرفع من جودة برامجها الداخلية.

المحور الخامس

السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية

الورقة الرئيسة: د. مشاري النعيم:

عندما طُلب مني أن أكتب عن قضية شائكة وواسعة تتناول السلوك الإنساني وعلاقته بالعمران تذكرت كل النظريات التي طرحها أوائل من تناولوا هذا الموضوع، أمثال: “أوسكار نيومان” في كتابة Defensible Space عام 1972م، وكذلك “آموس رابابورت” في كتابه Human Aspects of Urban Form عام 1977م، وما تلاهما من دراسات قام بها “إروين ألتمان”، و”بيل هيلير”، وغيرهما كثير، وكلها دراسات تتعرض لقطاع واسع من القضايا الاجتماعية والسلوكية الشائكة التي أثرت على عمارة المدينة والصورة الذهنية لدى ساكنيها.

عندما رجعت إلى أدبيات البحث العلمي في هذا المجال وجدت أن المهتمين بتأثير العمران في الأخلاق والسلوك ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: أولهم ـ وهو الأقدم تاريخيًّا ـ كان يرى بحتمية تأثير البيئة العمرانية على سوك الناس Deterministic Approach، وقد واجه تحديًا كبيرًا من قبل المختصين؛ لأن الحتمية هنا تعني اليقين، وفي مجال العمران لا يوجد يقين يجعلنا نؤكد هذا التأثير، وهذا ما جعل المختصين يذهبون إلى القسمين الأخيرين، وأحدهما يقول: “احتمالية” تأثير العمران في السلوك Probabilistic Approach، والأخير يؤكد :إمكانية” تأثير البيئة العمرانية على السلوك Possiblstic Approach  والحقيقة أن التوجه الأخير صار يحظى بأهمية كبيرة؛ كونه ربط التأثير بقصدية المخطط العمراني؛ من أجل إحداث تغيير سلوكي، كما حدث في العاصمة الألبانية “تيرانا” فإمكانية تغيير سلوك الناس من خلال إعادة تخطيط المدينة أمرٌ ممكنٌ، وهذه هي النقطة الجوهرية التي أريد أن أؤكد عليها في هذه القضية، وهي أنه بالإمكان إحداث حراك تنموي من خلال البيئة العمرانية ليس فقط في جانبها المادي الفيزيائي، بل كذلك في جانبها الاجتماعي والسياسي والثقافي، من خلال إشراك مجتمع المدينة في عملية صنع القرار العمراني.

تعيش المدينة السعودية الآن ـ حسب ما أرى ـ التوجه الثاني، وهو “احتمالية” تأثير عمران المدينة في سلوك سكانها وأخلاقهم، وهو الأمر الذي أوجد ظواهر سلوكية وأخلاقية سلبية، وحوَّل المدينة إلى فضاءات معزولة ومتقطعة ومغلقة، فانغلق الناس على أنفسهم، وتحجمت المسؤولية الاجتماعية، وتقلصت فرص التواصل. التوجه الاحتمالي ينقصه القصدية التخطيطية، والأهداف المجتمعية الواضحة؛ لذلك هو توجُّه يعتمد على انتظار النتائج ولا يوجهها التوجيه الصحيح، ولذلك فإنه من الضرورة بمكان إعادة النظر في حالة العمران الحالية، وإعادة توجيهها بصورة تسمح بتطور “أخلاق إيجابية” في المدينة.

سوف أبدأ النقاش في القضية بمبدأ بث الأخلاق الإيجابية في المدينة كإطار أساسي للتنمية، فالأخلاق الإيجابية هي التي تحثُّ على التنمية وتولدها. هذا في حد ذاته سوف يجعلنا نفكر بطريقة مختلفة في دور التخطيط العمراني الذي يجب أن يتجاوز مجرد التخطيط الفيزيائي للمدينة. ولعلي هنا أعود إلى أحد أهم مبادئ التخطيط، وهو “التوقُّع” أو “استشراف المستقبل”، فهذا المبدأ يفرض على المخطط أن يتعامل مع المدينة كمختبر أخلاقي وسلوكي، بحيث يطوِّر حزمًا عمرانية تكون لها نتائج إيجابية، ويقوم بتعديلها وتطويرها كلما تطلب الأمر وتحولت. هذا الرصد غير موجود أبدًا لدينا حتى عندما بدأنا نفكر في “المراصد الحضرية” تحولت إلى مجرد “غرف معلوماتية” لا تسهم أبدًا في تطوير الأخلاق الإيجابية في المدينة.

الوعي بوجود مشكلة عمرانية/اجتماعية هو بداية البحث عن حلول لهذه المشكلة، وهذا هو الأساس الذي اعتمد عليه مفهوم “إمكانية التأثير الإيجابي”؛ لأن القصدية التخطيطية كما ذكرت هي الأساس، فمثلًا في مدينة لندن وعدد من المدن الأوربية والأمريكية وحتى اليابانية بدأت تضع في اعتبارها أهمية مشاركة كل فئات المجتمع في استخدام الفضاء العام، فالعلاقات الاجتماعية ليست حكرًا على الأصحاء فقط؛ لذلك طورت البينة العمرانية كي تكون سهلة الاستخدام للمعاقين حركيًّا وبصريًّا. المهم هنا، كيف تم تحقيق هذا الهدف؟ وكيف أتاحت فضاءات المدينة لفاقدي البصر الحركة على وجه الخصوص؟ فقد تحولت الأرصفة وإشارات المرور لعناصر عمرانية ذكية، تنبِّه الأعمى متى يقف، ومتى يعبر الشارع، وكلها حلول بسيطة لكنها ذكية- دون شك- هذه الحلول ستنمي شعور المجتمع الإيجابي نحو المعاقين، وستجعلهم جزءًا من الثقافة المجتمعية، وستعمق المسؤولية الاجتماعية نحوهم.

ما أودُّ أن أؤكده هنا أن المدينة لا تصنع أخلاقًا إيجابية دون فعل تخطيطي مقصود مبني على تشخيص المشاكل وتحديدها، فالحلول ليست جاهزة ولكن يمكن ابتكارها وتطويرها. وإذا كنا نرى أن مدننا مغلقة، وتعزل سكانها بعضهم عن بعض، وفضاءها العام مغلقًا ومحدودًا، وتعاني من فقدان التعددية، فإن إعادة تشخيص هذه الأمراض العمرانية ووضع حلول لها ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب إرادة “سياسية” بالدرجة الأولى؛ لأن هذا النوع من الحلول مرتبط بإصدار حزمة من القرارات، وفتح المدينة للحياة الطبيعية.

وحتى نصل إلى بث الأخلاق الإيجابية في المدينة السعودية يجب أن نبدأ بمعالجة القضايا الشائكة التي تعاني منها هذه المدينة، وتؤثر بشكل مباشر في التنمية. يؤكد “فرنانديز تونيس” أن المدينة هي “خروج الإنسان من العشيرة إلى المجتمع”، فهو يرى أن كلَّ فرد يبدأ في التخلُّص من هيمنة “الجماعة” وتأصيل الاستقلالية الفردية عندما يصبح إنسانًًا مدينيًا، فهل فعلًا مدننا المعاصرة حققت هذه الفردية التي تعطي الإنسان إحساسًا بالحرية، والانفصال عن “العشيرة” ؟ أم أننا نقلنا للمدينة ثقافة “الجماعة” و”الأسرة الممتدة”، وشكلنا بها مجتمعاتنا المعاصرة إلى الدرجة التي تأثرت بها النظم الإدارية والمجالات الاقتصادية بشكل عام؟ هل في هذه الحالة نقول: إن السلوك هو الذي صنع العمران؟ فالأسرة السعودية نقلت معها مفاهيم القبيلة، والاستقطاب، والتكتل إلى المدن، وشكلت جزءًا كبيرًا من نمط الحياة في هذه المدن من خلال استنساخ تلك السلوكيات البالية. وهي كلها سلوكيات تعيق التنمية بشكل أو بآخر.

الحقيقة أن ظاهرة “قبلية المدن” معقدة جدًّا؛ لأنها ليست حالة ظاهرة، فهي تتخفى ولا يمكن اكتشافها إلا بعد أن تستشري ويحدث الضرر. إنها تثير سؤال الانتماء، فهل هو للوطن الذي يفترض من الفرد أن يقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، أم للقبيلة التي تسهل حصوله على ما لا يستحق (أحيانًا) ؟. هذا السؤال يجعلني دائما أفكر في معنى العمران وتأثيره الاقتصادي البعيد المدى، خصوصًا إذا كان عمرانًا يتحدى العدالة الاجتماعية، وينحاز لمصالح القلة على حساب الكثرة.

سوف أطرح بعدًا آخر لتأثير علاقة السلوك الإنساني، وعلاقة الطاقة بالعمارة والتشريعات العمرانية، خصوصًا إذا ما عرفنا أن العمران يستهلك أكثر من 80% من الطاقة الكهربائية؛ وبالتالي يجب التعامل مع هذا التغيير في تعريفة الكهرباء بشكل “تشريعي”؛ حتى يتمكن الناس من مواجهة هذا التغيير الذي سيكون مكلفًا جدًّا إذا لم يتم السماح للناس بإعادة تغيير مبانيهم ومساكنهم؛ كي تكون ضمن الشرائح المنخفضة. والذي أقصده هنا هو يجب تحرير العمران من القيود الحالية التي تكبّله ، وجعله أكثر قدرة على التكيف مع السياسات الاقتصادية الجديدة، حتى لا يكون هناك صدام بين الناس وبين هذه السياسات. تكبيل السلوك العمراني بالأنظمة والتشريعات إلى الدرجة التي تجعل البيئة العمرانية تشكل هدرًا اقتصاديًّا وعبئًا نفسيًّا على الأسرة لابد أن يولد سلوكيات سلبية.

أي مراجعة تاريخية للنمو العمراني في المدن السعودية سوف تكشف أن المملكة مرت بفترة لم تفكر فيها الأسرة في تكاليف الطاقة، واعتقدت أن دعم “الكهرباء” ضمن الحقوق التي يُفترض أن تقوم بها الحكومة، وستستمر إلى الأبد، وبالتالي تشكلت ظاهرة عمرانية لا تبالي حقيقة بالمحافظة على الطاقة، وتولدت سلوكيات متراخية قائمة على البحبوحة والإسراف، فتضخمت مساحات المساكن، وظهرت المباني الزجاجية ذات المواصفات الرديئة التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة دون أي مبالاة، ومع ذلك ظهرت في الفترة الأخيرة حالة من “التململ” لدى أصحاب البيوت الكبيرة نتيجة لارتفاع فواتير الكهرباء في شهور الصيف، خصوصًا وأن ظروفنا المناخية تحتم الاعتماد الكامل على التكييف، إضافة إلى رداءة التصاميم المعمارية، وعدم اكتراثها بالمحافظة على الطاقة؛ نتيجة لرخصها وتوافرها. وعلى الرغم من أن كثيرًا من المتخصصين أطلق تحذيرات عديدة خلال العقدين الأخيرين حول قرب انتهاء عصر “الطاقة الرخيصة”، وأن هذا سيؤدي إلى كارثة عمرانية شبه أكيدة في المملكة، إلا أنه لم يلتفت أحد لهذه التحذيرات بما في ذلك المؤسسات الحكومية التي يفترض أنها تدير العمران، والآن نحن نقترب من مواجهة هذه الأزمة، ولما نتخذ بعد أية خطوات تسمح بالتحوُّل والتكيُّف مع الظروف الجديدة.

فمثلًا: لا يحق لأصحاب البيوت الكبيرة تقسيم مساكنهم إلى وحدات سكنية أصغر، والحصول على عدادات كهرباء مستقلة لهذه الوحدات؛ كي تبقى فواتيرهم في الشرائح المنخفضة. هذا التشريع المهم والمستعجل سيشكل حلًّا “تحوليًّا” سيتيح للناس التكيف مع الوضع الجديد، ومن يريد تقسيم مسكنه والعيش في مسكن أصغر سيستفيد من الشرائح المنخفضة، ومن لديه استعداد دفع التكاليف الباهظة للطاقة فله الحرية الكاملة. هذا التشريع تقاومه شركة الكهرباء نفسها، فهي التي تحدُّ من استصدار الرخص للوحدات السكنية الصغيرة، وإن كانت البلدية هي التي تصدر الرخصة، لأنه يبدو أن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين شركة الكهرباء والبلدية على الدفع بالاستهلاك إلى الشرائح الكبرى.

لذلك من المهم أن يكون هناك تشريع مرن يسمح للناس بالاختيار بين التكيف مع الظروف الاقتصادية الجديدة، أو تحمُّل النفقات الكبيرة التي تحملها السياسات الحكومية الجديدة. إذا لم يتم إصدار مثل هذا التشريع فسوف تتشكل أزمة قريبًا على المستويات: الاقتصادي، والاجتماعي، والعمراني، وقد نرى توجُّه كثير من الناس إلى تقسيم بيوتهم خارج النظام، وفرض هذا التقسيم على البلديات، علمًا بأن أي توجه عمراني غير منظم ومقنن يؤدي إلى التشويه البصري، وما يصحبه من خسائر اقتصادية. وبالطبع استصدار تشريع يسمح بتقسيم المساكن الكبيرة سوف يوفر عددًا كبيرًا من المساكن الجديدة، وسيساهم في حل أزمة الإسكان دون الحاجة إلى تمدُّد المدينة، وزيادة مساحتها المكلف أصلًا، والذي يثقل كاهل موازنات الدولة.

وختامًا لهذه الورقة: لابد أن أذكر أن علاقة السلوك الإنساني بالعمران واسعة جدًّا، ويصعب الإلمام بها في هذه العجالة، فمن القضايا المهمة- مثلًا-: هي الإسكان العام، فالخبراء ينصحون بعدم التوسع فيه؛ لأنه يشكل نوعًا من “الوسم”، وصار يطلق عليه “مساكن الفقراء” أو “الدخل المحدود” ، هذه الصورة السلبية يوصم بها مَن يسكن هذه المساكن، الأمر الذي قلل من جاذبية هذه المساكن، وجعلها ملاذًا للفقراء، والخارجين عن القانون، وقد أثبتت الدراسات أن أغلب المساكن التي تقدمها الدول لمواطنيها مجانًا تتحول إلى مراكز لتجارة المخدرات والدعارة. العلاقة الحساسة بين السلوك والعمران لها تبعات تنموية عميقة، وتؤثر بشكل عام في الاستقرار العام؛ لذلك فإنه ينصح أن يكون للناس ـ وأقصد سكان المدن ـ الخيار في صنع بيئتهم العمرانية من خلال إعطائهم كل الحقوق المدنية والتشريعية في المشاركة في اتخاذ كافة القرارات بعمران المدينة وإدارتها (ويمكن التوسع هنا في تجربة المجالس البلدية التي كانت أحد الخيارات، وأراها غير موفقة).

التعقيب الأول: م. خالد العثمان:

أعجبني كثيرًا في ورقة د. مشاري النعيم الضافية هذا التفريق الموضح بين “حتمية” و”احتمالية” و”إمكانية” تأثير البيئة العمرانية على السلوك الإنساني، ولو أني لم أر فارقًا كبيرًا بين الاحتمالية والإمكانية، فكلاهما يتبنى عدم التسليم بحتمية ذلك التأثير. الفارق ربما إن حاولت تفسير طرح د. مشاري هو أنه في الاحتمالية يكون التأثير عشوائي الحدوث، في حين في الإمكانية يكون التأثير مستهدفًا لكنه ليس مضمون الحدوث. وفي كلتا الحالتين فإن الأهم – من وجهة نظري- هو هل التأثير سلبي أم إيجابي؟ وهل عشوائية التأثير هي ما يحدث الفوضى الخلاقة في السلوك الإنساني في المدن؟

الأمر الآخر الذي أطرح تساؤلا حوله هو عن إمكانية توظيف التخطيط لإحداث تأثير إيجابي، الغرض منه تصحيح سلوكيات نشأت عن فشل أو غياب التخطيط في وقت سابق. هل يكفي التخطيط وحده وسيلة لتصحيح السلوك الإنساني في بيئات فاسدة سلوكيًّا ؟ عندما يصبح السلوك الإنساني عدوانيًا ومستهترًا لدرجة متقدمة فإن التخطيط وحده- في رأيي- لا يكفي لإحداث التأثير الإيجابي المطلوب، بل لابد أن يكون مصحوبًا بآليات أخرى عديدة بما فيها الرقابة، والفرض، والتحفيز، وغير ذلك. سأسوق مثلًا بسيطًا على هذا الطرح، وهو ما قامت به أمانة الرياض في تنظيم الطرق وممرات المشاة في منطقة العصب البصري بين طريقي الملك فهد والعليا، وبين طريقي خريص والعروبة، حيث وسعَّت أرصفة المشاة، ونظمت مواقف السيارات، وجعلت معظم الطرق في اتجاه واحد . هذا التخطيط الذي تجاهل سلوكيات الناس، وسعى إلى فرض سلوكيات بديلة في استخدام الطرق نجم عنه الكثير من المخالفات والممارسات الخاطئة من عكس السير، والوقوف فوق الأرصفة، وغير ذلك، الأمر الذي أدى إلى تعقيد المشكلة، وخلق زحامًا مصطنعًا وشحن نفسي كبير ينتج عنه سلوكيات مشينة أحيانًا. السؤال إذًا: هل الخلل في الحل التخطيطي نفسه من الناحية الفنية، أم في كونه جاء مصطدما بالنمط السلوكي القائم، علاوة على افتقاره إلى وسائل الرقابة والفرض التي تضمن له التمكين المطلوب؟

النقطة الأخرى أن التخطيط في المدن السعودية أساسًا هو تخطيط متغول خاضع لتأثير سلطة أهل المال والعقار، والمتنفذين من أصحاب القرار والمصالح . هؤلاء بالطبع لا يكترثون بتأثير التخطيط على السلوك الإنساني، ولا يرون غضاضة في سطوة المصالح على السياسات التخطيطية، بينما هي في النتيجة تؤدي إلى غرس مبادئ الجشع والابتزاز والأنانية في المجتمع، مع كل ما ينتج عنها من ممارسات فرعية في السلوك الإنساني العام .

من جهة أخرى، فإن عملية التخطيط هي عملية مركزية تتبع سياسات موحدة، تتجاهل المزايا النسبية، والظروف البيئية والثقافية والمكانية الخاصة بكل موقع . نحن نرى كيف أن المدن والقرى السعودية بالعموم تتشابه كثيرًا في مخططاتها الهيكلية، سواء كانت في السهول، أو على شواطئ البحار، أو على مرتفعات جبلية . هذه المركزية التي تمارسها وزارة الشئون البلدية والقروية لا تتيح لعملية التخطيط أن تتعامل مع خصوصية المجتمع المحلي الذي يجري التخطيط لبيئته العمرانية . حتى مباني المرافق العامة بما فيها المساجد، والمدارس، والمراكز الصحية، وغيرها هي مبان نمطية لا تعكس الهوية المعمارية المحلية لكل منطقة . علاوة على ذلك، فإن غياب المشاركة المجتمعية، والرأي العام المحلي في عملية التخطيط- تجعل البيئة العمرانية الناتجة بيئة مفروضة على المجتمع، بدلا من أن تكون نتاج مشاركتهم في تنميتها، بما يغرس فيهم الولاء والانتماء الذي يؤسس بالضرورة لسلوك إنساني إيجابي في هذه البيئة التفاعلية.

التعقيب الثاني: د. خالد الرديعان:

عرض الدكتور مشاري النعيم لبعض الفرضيات النظرية حول العلاقة بين السلوك البشري والعمران، وهو موضوع شيّق ومتشعب للغاية، وانتهت ورقته بعرض بعض سلبيات ما هو قائم في بيئتنا العمرانية السعودية، وذلك فيما يتعلق باستهلاك الطاقة الكهربائية كمثال على بعض مشكلات التخطيط الحضري دون وضع الاحتمالات المستقبلية في الحسبان.

أتفق معه كثيرًا فيما طرح، لكني سأتناول ما أعتقد أنه زوايا أخرى مهملة neglected issues في الموضوع حتى لا أكرر ما ذُكر، ولتوسيع الحوار.

الخصوصية العمرانية:

من خصائص مدننا وتجمعاتنا السكنية كسعوديين وجود المسجد كعنصر مهم ومؤثر في نمط عمراننا وسلوكنا؛ فهو يلعب دورًا مهمًا في تغطية بعض سلبيات العمران القائم بحكم أنه مكان للعبادة والألفة والتعارف بين سكان الحي، وبالتالي فإن أي دراسة تتناول السلوك الاجتماعي والعمران يُفترض أن تضع هذه الفرضية ضمن عناصر البحث. مع ذلك لا تصمم المساجد بطريقة مناسبة لخدمة الحي، بحيث يسهل الوصول إليها.. وهذه مشكلة ترتبط بقضية الأرض، ونمط تصميم الحي الذي يخضع لذائقة العقاريين، وليس المتخصصين في المعمار والتخطيط الحضري.

لاحظت كاتاكورا (١٩٧٥) وهي أنثربولوجية يابانية درست بعض قرى وادي فاطمة أن نمط التجمع في القرى السعودية يرتبط بالمسجد، فهو أول ما يتم بناؤه، وتأتي المساكن حوله لاحقًا، وأن وظيفته تتجاوز العبادة؛ فهو بمثابة مركز اجتماعي للحي، تُتخذ فيه قرارات مهمة.

الفرضية الثانية التي أقترحها هي “نمط التجمع” في المدينة أو القرية السعودية؛ فتجمعنا في مساكن وأحياء محددة لا يتم لاعتبارات اقتصادية وعملية (كالقرب من مكان عملنا، وسعر الأرض) بقدر ما هو خاضع لاعتبارات سوسيولوجية بالدرجة الأولى؛ فنحن نسكن الأحياء التي يقطنها أقاربنا عادة، والتي نعتقد أنها تتوافق مع مستوى الطبقة التي ننتمي لها.

الفرضية الثالثة التي لها علاقة بالخصوصية العمرانية السعودية هي مساحة المسكن نفسه ونمط تصميمه؛ فنحن عادة نسكن بيوتًا أكبر مساحة ممَّا نحتاجه واقعًا؛ وذلك لاعتبارات سوسيولوجية أخرى: (كبر حجم العائلة، كثرة الضيوف، احتمالات زواج الأبناء الذكور مستقبلًا وإقامتهم مع أسرة الوالدين، تخصيص جزء من المسكن للخدم والسائقين، قضية تخصيص قسم للرجال وآخر للأسرة والنساء.. إلخ). هذه اعتبارات سوسيولوجية تتحكم في بناء المسكن ومساحته وتصميمه نضعها في الاعتبار رغم تكلفتها الباهظة. صحيح أن هناك توجُّهًا قويًّا في العقد الأخير نحو الأسرة النووية الصغيرة (زوج وزوجة وأبناؤهما)؛ مما أثر على نمط السكن وخياراته، إلا أن نموذج الأسرة الممتدة والكبيرة لا يزال شائعًا، الأمر الذي يتحكم في نمط عمراننا عمومًا.

ما أقترحه حول هذه الفرضية تحديدًا أن يكون هناك مرونة في تصميم المسكن، بحيث يمكن تقسيمه إلى وحدات أصغر مستقبلًا، مع إمكانية فصل عدادات الكهرباء حتى يكون استهلاك الكهرباء في الشريحة الصغرى.

مهمة تصميم المسكن ومرونته يفهمها المعماريون (جدران خارجية ثابتة، وجدران داخلية يمكن التحكم بها وتحريكها) بشرط أن تكون البلديات وشركات الكهرباء والمياه على دراية بذلك؛ لغرض التصريح للنمط المستحدث مستقبلًا.

الفرضية الرابعة التي أعتقد أنها وثيقة الصلة بنمط العمران والسلوك الاجتماعي هي مواد البناء المستعملة، فهي غير مناسبة لبيئتنا وخاصة الإسمنت؛ فبيوت من هذا النمط حارة صيفًا وباردة شتاءً رغم وجود العوازل. هذا يزيد العبء الاقتصادي على السكان؛ وذلك فيما يتعلق باستهلاك الكهرباء والصيانة وصعوبة التحكم في المسكن مستقبلًا. وتنسحب هذه المشكلة على المجتمع برمته فيما يتعلق باستهلاك الكهرباء، وصعوبة توفيرها للأحياء الجديدة أحيانًا؛ بسبب زيادة الاستهلاك الذي يرتبط بطرق بناء المساكن وكبر حجمها. وقد سبق لي اقتراح مود أخرى للبناء إما من الطين أو الطوب الأحمر، مع إضافة مواد أخرى لا أفهم فيها بحكم التخصص.

المداخلات حول القضية:

  • أبعاد العلاقة بين السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية:

تناولت د. نوف الغامدي الإدارة البيئية للتخطيط العمراني وآثارها، وأشارت في هذا السياق إلى أن التخطيط العمراني له تأثيرات اقتصادية واجتماعية، وقد تكون سلوكية ونفسية، فقد تختلف البيئات الحضرية في العديد من الأوجه. فالمدن تميل بشكل عام لأن تكون أقل جودة في الهواء، وأقل تعرضًا للأشعة فوق البنفسجية، وأكثر ضبابًا، وأعلى حرارة، وأقل رطوبة، وذات سرعات رياح أقل من المناطق القروية المحيطة بها. وهناك العديد من العوامل التي تؤدي لوجود هذه الاختلافات البيئية وغيرها داخل المدن. وهذه العوامل هي:

–   العوامل الاقتصادية؛ النمو الاقتصادي، مستوى التطور، البعد الاقتصادي الكلي Macroeconomic Dimension، الفقر.

–         العوامل الديموجرافية والاجتماعية.

–         العوامل الطبيعية والمكانية؛ عناصر النظام الحيوي في موقع المدينة، وأنماط استخدامات الأراضي.

–   الإطار المؤسسي؛ المنتفعون Stakeholder، عوامل نطاق السلطة Jurisdictional Factors، القضايا المتشابكة بين القطاعية Cross-Sectoral Issues.

ويمكننا تجميع المشكلات البيئية الأساسية التي تواجه المدن في أربع مجموعات:

1-   مشكلات الحصول على البنية التحتية والخدمات البيئية.

2-   مشكلات التلوث الناتج عن المخلفات الحضرية والانبعاثات.

3-   مشكلات تدهور الموارد.

4-   مشكلات الأخطار البيئية.

إن تحديد الأولويات البيئية يمثل جزءًا مهمًا من عملية الإدارة البيئية. فمعظم المدن تواجه مشكلات بيئية أكثر مما تستطيع حله بالموارد والوقت المتوفر لديها. وهو ما يعني ضرورة وضع أولويات يمكن من خلالها توجيه الموارد والوقت المحدود إلى أكثر تحديات البيئة الحضرية أهمية. ويتم تحديد هذه الأولويات البيئية باستخدام مجموعة من المعايير، قد تتضمن بعض أو كل ما يلي:

–         وقع التأثيرات المصاحبة للمشكلات البيئية على صحة الإنسان.

–         حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن المشكلة.

–         حجم تأثير المشكلة على ذوي الدخل المحدود.

–         حجم الاستهلاك غير المستدام للموارد الذي ينتج عن أو يسبب المشكلة البيئية.

–         هل تؤدي المشكلة لنتائج لا يمكن عكسها على النظم الحيوية؟

–         درجة الإجماع الحكومي أو الاجتماعي على الحاجة لمواجهة المشكلة.

–         درجة تأثر المشكلة بالتحرك على المستوى المحلي، مقارنة بالتحرك على المستوى الدولي.

وذكر د. حميد المزروع أنه أثريًّا وتاريخيًّا، عرفت القري في الجزيرة العربية بمحطات القوافل ( Cravan Station )، ومن أبرز أسباب ظهورها هو توفر مياه الآبار فيها، حيث اعتمدت اقتصاديات هذه القري على التجارة الإقليمية ( البخور، التوابل )، وكذلك على الرعي والزراعة الموسمية، وهذا ناتج ببساطة؛ لكونها مدنًا صحراوية ليس لديها مقومات البقاء والديمومة.

لعل أبرز مثال لرؤية تخطيط المدن العربية القديمة وأثر البيئة على تكوين مرافقها وهويتها ما يمكن أن نشاهده  في موقع  بقرية الفاو الأثري. حيث تكشف عن نواة تصميم المدينة العربية، تتكون من شوارع محورية بالاتجاهات الأساسية، تلتقي بوسط القرية، صمم على شكل ساحة يتوسطها بئر، وتتكون المدينة من ثلاثة قطاعات :

1-   سكتب.

2-   تجاري

3-   المقابر ( عائلية وفردية ).

استخدام الحجر وقوالب الطين في البناء وكذلك الجص الأبيض، يعكس تخطيط المدينة عن وجود ما يشبه مجلس بلدي، لما لوحظ من وجود شوارع شبة مستقيمة، تتوزع البيوت التي تتميز بملاءمة بنائها للظروف البيئية المحلية ذات الطابع الصحراوي، بوجود الأحواش، معظم المنازل تتكون من دوريين مع مرافق صحية، وهذه ظاهرة جديرة بالانتباه، المنطقة التجارية كذلك تكشف عن تخطيط مسبق في توزيع المحلات، تجدر الإشارة بأن قرية الفاو تأسست في القرن الثالث ق – م .

لاشك أن هناك مدنًا أخرى تنتظر الاكتشاف، وأتفق مع أن للبيئات دورًا مباشرًا في تخطيط المدن، وهناك علوم متخصصة في هذا المجال، مثل: الأثنوغرافيا .

ومن ناحية أخرى، تختلف سلوكيات المجتمع بتنوع البيئة العمرانية؛ لذلك لا نتوقع من أفراد المجتمعات التي تعيش في ما يشبه العشوائيات أن ينضبط سلوكهم  تجاه المكان السيئ الذي يعيشون فيه . وبصراحة فإن السلوكيات العامة للمجتمعات لا تتأثر فقط بالبيئة العمرانية وطرزها، فهناك عوامل أخرى تؤثر في سلوكيات المجتمع، منها: نسبة الفقر، ودرجة سيادة القانون، وأخرى . ومع العولمة قلَّ تأثير قوة  البيئة باعتباره ذاكرة الأفراد والمجتمعات . مع ذلك فإن علاقة البيئة على السلوكيات سيبقى متفاوتًا بناء على نوع البيئات والحواضر التي تنشأ فيها ( ريفية، وساحلية، وجبلية، وأخرى ).

وتساءلت د. عائشة حجازي حول الرابط بين العمران وظهور بعض السلوكيات أو الاضطرابات، وهل تنظيم البيئات السكانية قادر على التقليل من حجم ظهور بعض السلوكيات، كالتطرف مثلًا؟

و في هذا الإطار أوضح م. خالد العثمان أن السلوكيات السلبية التي تتجذر في المجتمعات ليست ناجمة فقط عن العمران.. لكن العمران بالتأكيد يوفِّر بيئات لتخصيب وانتشار سلوكيات متباينة سلبية وإيجابية.. إنَّ مركزية التخطيط التي تمارسها وزارة البلديات لم توظفها لدراسة تجربة التخطيط محليًّا ودوليًّا، والتعلم من دروسها، بل هي في المقابل مارست نمطية التخطيط على مختلف البيئات والمجتمعات السعودية بكل ما فيها من تباين.

مدننا جافة قاسية طغت عليها سطوة العقار والأبراج والمراكز التجارية.. حتى عندما يريد المرء أن يمشي فعليه أن يقود سيارته إلى “مماش” مصطنعة، يصارع فيها السيارات العابرة وتحرشات الشباب السخيفة.

متنزه الرياض العام مشروع ظل على الورق أكثر من 30 عامًا، ولا يزال حبرًا على ورق، بل تخاطفت معظم مساحته منح الأراضي التي انتهت بأيدي العقاريين؛ إذا لم يكن في مدننا حياة أساسًا فعن أية سلوكيات نتحدث ؟

وذكر د. مشاري النعيم أن الدوافع تكمن في وجود شبكة ثقافية تضمن لكل فرد ينضم لها جديدًا، خصوصًا من المهاجرين للمدن المسكن والعمل؛ فهذه الثقافة تعمل على مستوى داخل المدينة، بحيث إن المدينة تتوزع مع الوقت إلى مناطق موسومة اجتماعيًّا، وتشكل كل منطقة مكانًا جاذبًا لفئات اجتماعية داخل وخارج المدينة.

وأشار د. خالد الرديعان إلى أن هناك نقطة ربما يتفق عليها الغالبية وردت في الطرح، وهي تحكم العقاريين والتجار في نمط العمران، وإن كان بطريقة غير مباشرة في المدينة.. وسيادة نموذج موحد في التخطيط الحضري لا يراعي الفروق الثقافية والجغرافية بين مناطق المملكة.. نموذج واحد يتم إقراره في الرياض، ويُطبَّق على المناطق الأخرى.. هذه مسألة تحتاج إلى إعادة نظر لخلق تنوع عمراني، وتخطيط حضري يناسب الجميع.

وهناك مسألة تتعلق بالسلوك الاجتماعي للسكان؛ فبعض الأحياء التي يقال: إن سكانها من محدودي الدخل …  يشعر سكانها بنوع من الوصم الاجتماعي، ويتجنبون ذكر أماكن سكناهم أحيانًا.. وكملاحظات عامة، فبعض سكان هذه الأحياء يمارسون سلوكيات قد لا نجدها في أحياء أخرى، ومنها: الخروج بملابس النوم للمسجد كسلوك عادي، تجاوز أنظمة المرور، رثاثة المساكن، وعدم صيانتها… إلخ.

أحد المظاهر التي نراها في مدننا الكبيرة هو ضعف العلاقات القرابية مقارنة بالمناطق الريفية. وقد ناقش عالم الاجتماع ماكس فيبر في كتابه المدينة (the city) هذه الظاهرة بتوسع، فهو يرى أن للمدينة سماتها، ومنها: ضعف النسق القرابي، وهيمنة الطبقة البورجوازية، وما تحدثه من تأثيرات اجتماعية وسياسية. وقد أشار فيبر إلى ملاحظة أخرى تتمثل في وجود المفكرين وكبار الاقتصاديين في المدن، والتأثير الذي يخلقونه في مسألة التغيير على مستوى النسق السياسي؛ لأن الشواهد على قيام الثورات من الريف نادرة جدًًّا؛ فمن المدينة تخرج الأصوات التي تقود التغيرات في المجتمع، وذلك بفضل تنوُّع سكان المدينة، ونفوذ بعض النُّخب فيها.

سمة أخرى للمدينة هي أنها تضمُّ كذلك جماعات عرقية مختلفة؛ مما يفقدها خاصية التجانس السكاني، المسألة التي تولد التنافس بين الجماعات، وأحيانًا الصراع حول الموارد عندما تكون شحيحة. كما ينتشر في المدن عمومًا ما يُعرف بأحزمة الفقر، وهي الأحياء الطرفية التي يقطنها غالبًا المهاجرون من الريف، والأثر الذي يحدثونه في السلوك الاجتماعي كترييف المدينة حسب مصطلح جلال أمين في حديثة عن المهاجرين من صعيد مصر إلى القاهرة. وبعض هذه السمات نجدها واضحة في مدننا السعودية.

وأضاف د. الرديعان: قدمنا مقترحًا لمؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي بعدم بناء مجمعات سكنية للفقراء في أحياء خاصة بهم. المقترح هو توزيع هذه البيوت في عدة أحياء طبقًا لما يتوفر من أراض؛ وذلك تجنبًا للوصم الاجتماعي الذي يلاحق سكان مثل هذه المجمعات. هناك تجربة مماثلة مطبقة في بريطانيا ممَّا يُسمى (الكاونسول هاوس) وهي عمارات شاهقة يقيمونها في بعض الأحياء للفقراء والمعوزين… وبحكم أن سكانها فعلًا من الفقراء فقد أصبحت هذه المجمعات مرتعًا للدعارة، وبيع المخدرات، والجريمة. وكل ذلك بسبب الوصم الاجتماعي المسبق لسكانها.

وعقب م. خالد العثمان بأن التخطيط الحضري ليس بالضرورة أن يناسب الجميع؛ بل يناسب كل مجتمع في بيئته الخاص. بينما ذهبت د. عائشة حجازي إلى أنه من الممكن أن يكون هناك خطط سكانية متنوعة ومختلفة، كل منها يستهدف بيئةً معينة؛ ولكن لابد أن تكون منسجمة ومتناسقة بحيث تقبل التغير والانتقال.

ومن ناحية أخرى هناك مشكلة كبيرة في نمط التخطيط في المملكة؛ فما تقوم به وزارة البلديات فعليًّا هو تخطيط هيكلي للمدينة، ومن ثَمَّ تقوم الأمانات والبلديات بتنفيذ هذه المخططات الهيكلية مباشرة.. الحلقة المفقودة والمرحلة الغائبة هي مرحلة التصميم العمراني.. وهي مرحلة مهمة جدًّا لتصميم البيئة العمرانية المحلية بشكل تفصيلي بما في ذلك معالجة الطرق والأرصفة، والساحات، والأماكن العامة، وتنسيف المواقع، وغير ذلك.. هذه المرحلة من التخطيط مفقودة تمامًا؛ لذلك تجد أن الطرق تُشق ثم تُبنى المباني دون أي معالجة لحواف المباني وجوانب الطرق، وغير ذلك.

في حين يرى د. مشاري النعيم أن فكرة التكتل أصلًا تطورت من خلال استقطاب مناطقي وعرقي داخل المدن، ثم تحولت إلى ظاهرة استقطاب تشمل الجميع. وهذا جزء من السلوك الإنساني التاريخي إبان المدن العربية الإسلامية المبكرة، مثل البصرة التي قامت على التكتل القبلي. وكمثال: فإن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وزع المدينة إلى خطط، وأعطى كل قبيلة خطة، حتى أن مقابر القبيلة داخل الخطط، أي أن لكل قبيلة مقبرتها الخاصة، والخطة هي الحي الكبير.

المدينة مسرح للسلوك الإنساني، ويجب أن يُنظر لها على هذا الأساس، والقصد أن السلوك يتمظهر في المحيط العمراني إيجابًا وسلبًا، والتحولات في السلوك لا تحدث فجأة، بل على مسافة زمنية حتى تصبح واقعًا سلوكيًّا ضاغطًا ومعاشًا. الرياض- مثلًا- بكل ضغوطها النفسية احتاجت لوقت طويل حتى تصبح على ماهي عليه، وتغيير هذا الواقع ليس بالسهولة التي نتصورها.

وتطرقت أ. فاطمة الشريف إلى بعض النقاط المهمة التي تلفت النظر فيما يخص قضية السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية، كما يلي:

  • أن عمليات التصميم والتخطيط العمراني للمناطق الجديدة، أو المشاريع السكنية والعقارية الحديثة قد ركزت على الجانب المادي، مع إغفال الجانب المعنوي، كما أشارت الورقة الرئيسة والمداخلات؛ مما كان له الأثر في ظهور تأثيرات سلبية، سواء تأثير البيئة على السلوك الإنساني، أو تأثير السلوك الإنساني على البيئة المبنية.
  • إغفال الدراسات الاجتماعية والنفسية (علم النفس البيئي) عند التصميم يعوق التطور الاجتماعي، مثل: (اختفاء الأماكن المخصصة للأنشطة المختلفة: الترفيهية، والثقافية، والجمالية. ومثل عدم وجود مناطق محددة للمشي، وعدم توافر أماكن للأنشطة الفردية والجماعية، وأماكن الجلوس، والتأثير البيئي في مظاهر التلوث بأنواعها المختلفة وخاصة البصري .
  • في مدينة مثل الرياض لا توجد مبان أو أيقونات معمارية أو فنية، فالعمارة فن يتعدى دور هذا الفن الوظيفي ليشمل توفير ‏المتعة، الراحة النفسية، بعكس عملية البناء , ما يميز العمارة هو جانبها الفني من ‏خلال مخاطبتها لحواس الإنسان المختلفة.
  • المباني القديمة جزء من التاريخ الذي يجب المحافظة عليه, بصون خصائصه، والعمل على إيجاد عمارة دائمة، وعدم التنصل من القيم الثقافية للبيئة المحلية؛ لنستطيع خلق هوية معمارية مميزة .

ومن جهتها ترى أ.د. سامية العمودي أن السلوك الإنساني والعمران كلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر وعلى الآخر؛ فطبيعة العمران تعزز فكرة الانعزالية، فالمنازل عالية الجدران والنوافذ عليها شبك ومغلقة يختبئ خلفها كل من في المنزل؛ مما أوجد بيئة يتقوقع فيها الأفراد ويغلقون وينغلقون على أنفسهم.

انظر في المقابل إلى الدول الأخرى: لا فواصل ومساحات خضراء، ومشاركة ولقاءات، وحفلات مفتوحة مع الجار القريب والبعيد.

الانفصالية هذه المبنية على مسائلنا الخلافية في الاختلاط بالآخرين عزلتنا، وكما قال سمو الأمير سلطان بن سلمان: تحريم الاختلاط أعاق التنمية والمشاركة.

الجيل الحالي نجح في تخطي العمران، والفصل إلى مساحات مفتوحة في المولات وفي الحدائق القليلة المتاحة؛ أصبحت هناك مساحات للعمل المشترك، وساعدت ثقافة الرياضة، والتي بدأت تسود، فأصبحت مخرجًا من العمران الذي يميل إلى العزلة والتضييق، ويؤثر على تواصلنا حتى مع الجار الملاصق جاره لنا.

إن الانفتاح يحرر من القيود التي تفرض العزلة الاجتماعية، والمحافظة المبالغ فيها، وتؤسس لمجتمع أقل تعقيدًًا، وأكثر مشاركة في التنمية.

وفي تصور د. حسين الحكمي فإن الناس يؤثرون في الأحياء التي يسكنونها والعكس، فيصعب أحيانًا على من يبني بيتًا أن يصممه بشكل مختلف عن النمط السائد في ذاك الحي حتى لا يكون مختلفًا وشاذًّا وملفتًا للنظر بشكل سلبي. كما أن تصاميم المنازل هذه الأيام في المدن تختلف عنها منذ بضعة عقود مضت، وتختلف عن النمط العمراني في القرى، فالنمط القديم ونمط القرى المتعارف عليه يساعد على التواصل الاجتماعي والتلاحم المجتمعي، ويساعد على وجود مشاركات مجتمعية بين أهالي الحي فقدناها، وبشكل كبير في مدننا الكبيرة، وكثير من الأحياء في المدن الصغيرة.

في الأحياء الشعبية نجد أن أهالي الحي يعرفون بعضهم بعضا، ويتشاركون الأفراح والأحزان، ويعرفون ما يدور في منازل جيرانهم، بعكس ما يحصل في الأحياء الحديثة، وتبرز في تلك التي يغلب على أراضيها ومنازلها أنها من باهظة الثمن!

الأسوار العالية والمساحات الكبيرة للمنازل تسببت في عزل مَنْ بداخل تلك المنازل عن جيرانهم، وعن كل ما يحصل في منازل جيرانهم.

كذلك هناك تأثير آخر وهو تأثير الساكنين على بعضهم البعض، فالأحياء العشوائية والتي ينتشر بين ساكنيها ضعف المستوى التعليمي، فمن النادر أن نجد من يكمل تعليمه أو المتفوق، أيضا انتشار بعض الانحرافات السلوكية في بعض الأحياء، مثل: أن أهل حي ما يشتهرون ببيع الممنوعات، أو بأن أهل حي يكثر بينهم المجرمون والسارقون، فإن مثل هذه الوصمة تؤثر على أهل هذا الحي، كما أن انتشار هذه الثقافة في هذا الحي تصبح غير مرفوضة، ويتقبلها الناس، ويمكن أن تولد مجرمين جددًا .

وبدورها قالت أ.د فوزية البكر: كتبت كثيرًا عن ظاهرة البيوت الكبيرة التي نتكلف في بنائها وفرشها، ولا نستخدمها إلا مرات قليلة، وكل ما نفعله العناية بها، ونفض الغبار حتى لا يعلق في الأثاث الأكثر غلاء وأهمية، باعتباره سيُعرض للناس ليحددوا من خلاله طبقته الاجتماعية، وذوقك، ودخلك… إلخ. أتأمل في سفري بالخارج البيوت والزرع حولها، وأقارنها بقلاعنا الحصينة في الرياض، وأتصور كمية الجمال الموجود داخل بيوتنا، ونحاصره بهذه الأسوار .

حين تزور أي أجنبي ستجلس على نفس الأريكة التي يجلس عليها كل يوم، وفي نفس المكان الذي يأكل فيه، ونفس الملابس التي يلبسها، مبانينا ساعدتنا (إضافة إلى عوامل ثقافية، وسياسية، ودينية كثيرة) على التخفي، وتلبُّس أنماط الشخصيات الاجتماعية الأكثر طلبا في المجتمع، والتي تؤكد على الاستعراض، والبذخ، والظهور بِما لسنا عليه.

كيف خسرنا عشرات الآلاف على تشبيك نوافذنا بالحديد، وهو الممنوع في كل بلدان العالم، حيث سيتم احتجازك في منزلك لو اشتعل حريق- لا سمح الله- .

ومن ناحيته يرى أ. مسفر الموسى أن البلكونة ليست من ضمن ثقافتنا العمرانية.. و(أحد) أسباب ذلك، هو البعد الأيديولوجي. في حين أوضح د. مساعد المحيا أن كل البيوت التي صُمِّمت وفقا لمتطلبات صندوق التنمية كان فيها ومن شروطها البلكونات؛ ولأنها لم تكن من ثقافتنا وبخاصة في الدور الثاني ظلت مهملة لسنوات حتى اقتنع الناس بأنها ليس لها فائدة.

إن قيم المحافظة في مجتمعنا الديني منها والاجتماعي- ينبغي ألا نهرول للتخلي عنها بحثًا عن نمط عولمة في البناء يجعلنا بلا هوية. هذه القيم إذا تخلى عنها فرد بقناعته فحري به ألا يهاجم الآخرين فقط؛ لأنهم يحبون المحافظة على هوياتهم.. حين يهاجم البعض آخرين يقول: إنهم مارسوا الوصاية على المجتمع، ونتطلع ألا يمارس هو الوصاية على المجتمع، وبالتالي يريد من الناس أن تكون اختياراتهم كاختياراته .. لنتقبل اختيارات الآخرين.

وأضاف د. مساعد المحيا قوله: أميل إلى أننا عشنا ثلاث مراحل من النماذج في طبيعة البناء:

  • المرحلة الأولى: تمثل الثقافة المحلية لكل مدينة ومنطقة، وهذه جزء من الهوية التي ظلت لسنوات تمثل اختلاف مناطقنا في طريقة البناء، وتقسيماتها وألوانها.
  • المرحلة الثانية: مرحلة صندوق التنمية، حيث وضع مواصفات جديدة لطبيعة الفلل يلزم تنفيذها للحصول على القرض. وهذا الأمر صنع ازدواجية بين الرؤية المعمارية المحلية وبين النمط الذي ألزم به الصندوق، مثلًا نذكر أنه كان يلزم بأدوات صحية لم يكن الناس معتادين استخدامها، وكان بعضهم يركبها ثم بعد الحصول على القرض يبيعها أو يلغيها.
  • المرحلة الثالثة: هو الرؤى المحلية التي جاءت مع التصاميم التي وضعها عدد من المهندسين، أو أصبح الناس يضعونها من خلال اختيارهم مما يشاهدونه أثناء سفرهم، أو عبر ما قدمته المجلات أو المواقع المتخصصة والمعنية بذلك.

لا أعفي مهندسي البلدية العرب غير السعوديين في مرحلة صندوق التنمية الذين كانوا يشرفون على التخطيط والتنفيذ، حيث إن مدننا اليوم وكثيرًا من فللنا وعمائرنا القديمة هي من إنتاج وإشراف هؤلاء ومتابعتهم وتحكمهم. وقد جاء المهندسون السعوديون في البلديات ليمارسوا تنفيذ تلك الأفكار السابقة مع تغيير وتباين بينهم …في أمانات المناطق، وهنا بدأ التمايز بين الأمانات.

واتفقت د. عائشة حجازي مع ما طرحه د. مساعد، حيث أكدت بدورها على أنه لابد أن يكون المجتمع بما فيه من تخطيط وتنظيم يستوعب كل الثقافات والاختلافات. لكل فرد الحق بأن يحتفظ بخصوصيته وطريقته في الحياه كما يحبها ويرتاح فيها. المقصد أن يكون لكل فرد مساحة من الحرية في طريقة عيشه، فمصادرة حريات الآخرين هي المشكلة التي تتبعها عواقب كثيرة .

أما م. أسامة كردي فيرى أن بناء المسكن تأثر في المملكة بعدة عوامل: منها الاجتماعي، ومنها التخطيطي:

  • اجتماعيًّا: تطلب الفصل بين الجنسين أن يكون هنا مجلس للرجال وآخر للنساء وتطور ذلك – وقت الطفرة الأولى – إلى مجلس للضيوف، ومجلس للنساء، ومجلس للعائلة؛ وذلك بسبب رئيس وهو الوفرة المالية .. كما أن الفناء الداخلي في المنزل القديم وفَّر للعائلة مكانًا للترفيه يمكن أن يحوي بعض الزراعات الخضراء المرطبة للجو والموفرة للظل. كما أن هذا الفناء وفَّر الخصوصية لأهل البيت؛ لأنه محاط بغرف البيت من كل جانب، وكانت نوافذ الغرف تطل على هذا الفناء.
  • تخطيطيًّا: أدى انخفاض مساحات الأراضي حسب التخطيط العقاري، وارتفاع مساحة الارتدادات من حدود الملكية، وارتفاع الأسعار- إلى اختفاء الفناء الداخلي، وتوجهت النوافذ إلى الخارج؛ مما أثر على الخصوصية، وعلى أسلوب حياة العائلة .. ومن ناحية أخرى أدى التخطيط العقاري المهتم بالربحية إلى إلغاء مبدأ الحارات (Culte sack)، وأدى إلى انفتاح الحي للكل، سواء أكانوا سكانا أم عابرين، وأثر ذلك على مستوى الشعور بالأمن لدى السكان .. كنّا ونحن صغار نعرف الغريب فور دخوله للحارة.

ومن جانبه قال د. علي الحارثي: صديق أديب متخصص في القصة القصيرة عاش طفولته وشبابه وعشر سنوات من عمره الوظيفي في جدة، قدم يومًا إلى الرياض، سألته بعد جولةٍ في الرياض وما حولها عن انطباعه عنها، قال: غابة من الإسمنت والحديد، لا أعرف لماذا يسكنها الناس ؟ نُقل إلى الرياض، واستقر بها أكثر من عشر سنوات، تقاعد واستقر فيها . سألته: لماذا لا تعود لجدة ؟ أجاب: العائلة ترغب في الرياض، وأنا بين بين. آخر من كبار السن قدم إلى الرياض من قرية جبلية للعلاج، أبناؤه وبناته كلهم يعملون في الرياض. سألته: لماذا لا تستقر في الرياض عند أولادك وبَنَاتِك ليقوموا برعايتك ؟ أجاب : أنتم مساكين تعيشون في مدينه لا شجر، ولا حجر، ولا بشر يتزاورون فيها. آخر بنى فلًة في قريته خارج القرية، رغب آخر أن يبني قريبًا منه بينهم أكثر من عشرين متر. اعترض الأول وبشدة. سألته عن سبب اعتراضه، أجاب: “يكشف علينا” رغم أنهم على مستوى واحد. السؤال: ما هي أسباب هذا التغير أو التأثير في السلوك الإنساني؟ ينتقل من مدينةٍ على بحر إلى مدينةٍ في صحراء، وقروي لا يرغب في المدينة، وقروي يرفض مجاورة ابن عمًه له ! هل للتخطيط العمراني والبيئي والمناخي والجغرافي تأثير في الرغبات السلوكية والاجتماعية لدى الإنسان؟

وأشار أ. عبد المحسن القباني إلى دراسة قام بإعدادها حول السياسة العمرانية والعلاقات الاجتماعية- وإن كانت الدراسة على الحالة في المملكة المغربية، وقد هدفت هذه الدراسة إلى تحليل السياسة العمرانية، ونوعية العلاقات الاجتماعية في أحياء المدن المغربية الكبرى، في إطار صيرورة التمدن الكثيف؛ فالتحولات العمرانية فرضت مجتمعًا وثقافة وقيمًا وأنماطًا سلوكية جديدة. والسمة الأساسية المميزة لهذه العلاقات الاجتماعية المتبادلة هي الفردانية واستبعاد الحميمية، وهي سمة ملازمة للنظام الرأسمالي الجديد الذي فرضته الإدارة الاستعمارية، وهي أيضًا نتيجة الشكل الإيكولوجي للتكتلات البشرية الكبيرة في المجال المحدود لمدينة كبرى، متروبول، أو لمدينة عملاقة، ميغابول.

وذكر د. عبد الله بن ناصر الحمود  أنه عندما اشتكت مدننا من التوحش تفتقت أذهان بعضنا عن (مبادرة) أحياء ذوي الدخل المحدود ببناء مساكن متلاصقة. ومن المفارقات غير العجيبة أن هذه المبادرة العجيبة دعمت التوحش.. حتى ضاق الجيران بأنفسهم من التلاصق غير المبرر إلا  للحرامية. (ربما) الذين رأوا في هذه المبادرة تسهيل مهمة تنقلهم بين بيوت الشارع، كلها بمجرد القفز على سطح أحدها. أما الوحشة فلم يكن لها علاقة في الأصل  بالموضوع. والذي حصل اليوم.. بعد 30 عامًا من التجربة، أن التوحش لا يزال يضرب أطنابه، في حين تقف لفائف الفلل المتلاصقة شاهدًا على العجزعن مواجهة المشكلات.

بينما يرى م. خالد العثمان أن تجربة أحياء الدخل المحدود فاشلة بامتياز.. هي لا تختلف كثيرًا عن أحياء المشاريع- إن صحت الترجمة في المدن الغربية The projects-وكما قال د. مشاري: هذه الأحياء تحولت إلى مراتع للجريمة بمختلف صنوفها.

وأشار د. عبد الرحمن الشقير إلى أنه يوجد جدلية طويلة بشأن العامل الحاسم المؤثر في سلوك الإنسان، ومن ثَمَّ ضرورات التنمية. حيث يرى المعماريون أن نمط العمارة يفرض سلوك الإنسان وتفاعله مع المكان. في حين يرى هابرماس أن الفضاء العام هو الذي يفرض السلوك. وإذا سلمنا بأن الإنسان يستجيب تلقائيًّا إلى نمط العمارة من خلال الارتقاء بسلوكه ولبسه إذا كان في فندق فخم، أو يعيش في مكان راقي التصميم والتأثيث. وينخفض سلوكه إذا كان يعيش في أحياء عشوائية مثلًا. فإن هذا صحيح. ولكن العمارة في رأيي تبعًا لهابرماس هي جزء من الفضاء العام.

إن الوعي الجمالي له دور. ويمكن أن نستحضر الثمانينيات عندما افتتح مطار الملك خالد، وكان تحفة معمارية؛ ونظرا لانخفاض الوعي الجمالي العام تعرض المطار لزيارات شعبية، كسرت بعض التحف وسرقت اللوحات.

ومن ناحيته قال د. خالد بن دهيش: أليس تخطيط المدن والأحياء الجديدة يتم وفق سياسات وإجراءات، ومن قبل متخصصين كلًّا في مجاله، وعلى أسس و معاير عمرانية، وسكانية، وأمنية، واجتماعية، …إلخ. حيث لاحظت من خلال الطرح والمداخلات  كأننا نعيش في مدن وأحياء تفتقد للكثير من المتطلبات الأساسية، وخاصة تلك التي لها تأثير على السلوك الإنساني، وأنَّ هناك ضعفًا بارزًا لدور البلديات والأمانات والوزارة المعنية !

قبل ٦٠ عامًا خططت أحياء جديدة بالرياض، سمعنا عنه بأنه تخطيط مثالي، فبعض الشوارع كانت فسيحة جدَّا؛ كشارع الستين مثلًا، وبُنيت الوزارات الكبيرة بجانب حي الملز، وحي الضباط عندما تقرر نقل الحكومة من المنطقة الغربية إلى الرياض . فهل تم ذلك التخطيط من قبل شركات أجنبية وفرَّت  للمنتقلين للرياض بيئة مناسبة لسكن طبقة متعلمة اعتادت الحياة في أحياء مكة وجدة ذات الترابط الأسري؛ مما كان له الأثر الكبير على العطاء في العمل وعدم الشعور بالغربة ؟

و قد اتخذ هذا الأسلوب عند نقل موظفي وزارة الخارجية من جدة للرياض؛ حيث أُنشئ حي نموذجي متكامل لهم، ساعدهم على عدم شعورهم بالبُعد عن مرتع صباهم . وكذلك عندما تقرر بناء التكتلات الصناعية العملاقة في الجبيل وينبع تم تخطيط المدن السكنية للعاملين بها من قبل شركات هندسية أجنبية، أوجدت بيئة سكنية متكاملة لفئات متعلمة ومتنوعة قادمة من كافة أنحاء المملكة ومن خارجها، فكان لتلك المدن الأثر الكبير في استقرارهم، وبالتالي أسهم ذلك في نجاح الصناعات البتروكيميائية، حيث تم تهيئة الساحل البحري، وتوفير الحدائق المزودة بألعاب الأطفال والأسواق، والبيئة التحتية للخدمات كافة.

أحببت هنا أن أضع تساؤلًا: هل البلديات والأمانات في المدن فعلًا لا تعطي الاهتمام الكافي عند تخطيط الأحياء الجديدة، ولا الاهتمام المتكامل لتأثير ذلك التخطيط على السلوك الإنساني واحتياجات التنمية ؟ أم أن ذلك يعود لأنَّ تخطيط الأحياء لا يشارك فيه المتخصص الاجتماعي، والنفسي، والأمني، والترفيهي، والصحي … إلخ ؟ وهنا يلزمنا التوصية بذلك والتأكيد عليه.

  • التوصيات المقترحة لإحداث التناغم بين السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية:

ترى د. نوف الغامدي فيما يتعلق بالوسائل الممكنة لإحداث التناغم بين السلوك الإنساني والعمران وضرورات التنمية، أن من الواجب تحقيق ما يلي:

  • نشر الوعي البيئي بين قيادات المدن، مثل الأمانات وغيرها، وإيجاد اتجاه عام للتحرك نحو نظم الإدارة البيئية.
  • اكتساب خبرات متنوعة في مجالات إدارة البيئة، من الممكن نقلها لمدن أخرى.
  • تكوين قاعدة بيانات بيئية واسعة يمكن نشرها بين المدن.
  • تكوين شراكة بين المدن ومدن عالمية تطبق نظم الإدارة البيئية، أو تسعى لتطبيقها؛ وذلك بهدف نقل المعلومات والتقنيات البيئية المطلوبة كـ Benchmark.

ولتحقيق هذه الأهداف يجب اتباع مجموعة من الأسس، والتي يمكن تقسيمها إلى:

  • الدعم الحكومي:

كتشكيل لجنة وزارية خاصة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء مباشرة، وتتولى هذه اللجنة الوزارية المهام التالية:

  1. القيام بدورات للتوعية البيئية لرؤساء أمانات المدن، وقياداتها التنفيذية، والمجالس البلدية المحلية.
  2. توفير الدعم الفني والتقني للمدن الفاعلة في مجال الإدارة البيئية.
  3. متابعة وتسجيل مدى التقدُّم في عملية التطبيق في هذه المدن.
  4. تسجيل التجارب بالكامل بإيجابياتها وسلبياتها، وبحث إمكانية تكرارها على العمران.
  5. بالإضافة إلى إحداث التغيير في اللوائح والقوانين الإدارية للدولة، والتي قد تتطلبها عمليات التطبيق الفعَّال لآليات الإدارة البيئية المختلفة.
  • الدعم الفني والتقني:

على الجهة الداعمة الاستعانة ببيت خبرة متخصص لتقديم الدعم الفني والتقني المطلوب للمدن. ويعمل بيت الخبرة في شراكة مع الجهة الداعمة من ناحية، ومن ناحية أخرى مع إحدى الجهات ذات الخبرة في مجال التنمية العمرانية؛ وذلك للاستفادة من خبراتهم في مجال التعامل مع المشكلات العمرانية الحضرية. وتكون مهام بيت الخبرة ما يلي:

  1. القيام بدورات توعية للقيادات السياسية والعاملين بالمجالس المحلية التنفيذية والشعبية بالمدن.
  2. تخطيط حملات دعاية مناسبة لنشر الوعي البيئي بين سكان المدن، وداخل الهيكل العام لأنشطتها الاقتصادية.
  3. الإشراف على تلقي تقارير متابعة دورية من المدن عن عمليات التطبيق القائمة لأي من آليات الإدارة البيئية. وتقديم المعاونة والدعم للمدن المتعثرة.
  4. فتح قنوات اتصال وتكوين شراكات بين المدن المشاركة ومدن أجنبية ذات خبرة في الإدارة البيئية؛ وذلك لتبادل الخبرات، ونقل المعلومات والتقنيات البيئية للمدن .
  5. إنشاء قاعدة بيانات بيئية مناسبة يتم بها تسجيل كل المعلومات والخبرات الناتجة.
  • الدعم المحلي:

وذلك لأنه بدون توفُّر الدعم المحلي، وإيمان بأهمية الإدارة البيئية لدى قيادات المدينة  كالأمانات والمجالس البلدية فلن تتوفر الموارد البشرية والزمنية الكبيرة التي تتطلبها الإدارة البيئية في بداياتها. وينقسم الدعم المحلي إلى قسمين: إداري، وحكومي .

  • المشاركة الاجتماعية:

إن المشاركة الاجتماعية في الإدارة البيئية تتطلب وجود إدراك حقيقي في كافة شرائح المجتمع لطبيعة مشكلات البيئة الحضرية المحلية، وحجمها، ومدى خطورتها على الأرواح والممتلكات. وهو الأمر الذي يتطلب تشكيل وعي عام بيئي قوي في المجتمع، قادر على الضغط على حكومته المحلية من أجل حل مشكلاته البيئية.

ويمكن تشكيل هذه الوعي البيئي عن طريق:

  • الاهتمام بالتعليم البيئي في المراحل الدراسية المختلفة؛ لتكوين قاعدة معرفية عن البيئة الحضرية، ومشكلاتها، وخطورتها لدى النشء.
  • تفعيل دور المنظمات غير الحكومية ومنظمات تنمية المجتمع المحلي في عمل دورات توعية للسكان بالأوضاع البيئية القائمة، وخطورتها على صحتهم وممتلكاتهم.
  • الاهتمام بمناقشة القضايا البيئية بشكل موضوعي مكثف داخل وسائل الإعلام المحلي، باعتبارها أحد الوسائل الأساسية في تكوين وتشكيل الرأي العام.
  • المستوى الحكومي:

وجود وعي عام بيئي في المجتمع المحلي، يمثل قوة ضاغطة على الحكومة المحلية للتحرك نحو حل مشكلات البيئة الحضرية. ولكنه يحتاج بشكل مناظر وجود رغبة حكومية وإدارية حقيقية في التعامل مع هذه القضايا. وهو ما يتطلب:

  • الاهتمام باللا مركزية داخل الحكومة المحلية.
  • إخضاع القيادات الإدارية والسياسية لبرامج توعية وتدريب مكثفة عن القضايا البيئية، ومشكلاتها، وعمليات الإدارة البيئية.
  • العمل على تحويل معلومات وبيانات المشكلات البيئية وأخطارها التي يتم تقديمها لهذه القيادات إلى صورة سلسة يمكن تفهمها بسهولة؛ كتحويل بيانات الملوثات إلى قيم وخسائر مادية ناتجة عن التكاليف العلاجية، وتحويل احتمالات الأخطار البشرية والطبيعية إلى توقعات خسائر في الأرواح والممتلكات.
  • المستوى البحثي:

لابد من توفر المعلومات والبيانات الدقيقة عن البيئة الحضرية المحلية، وقياس وتحليلات لأوضاعها ومشكلاتها البيئية، وآثارها على مختلف الأصعدة البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. وهو ما يتطلب:

  • دعم الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية المحلية بالموارد البشرية والمادية والتقنية اللازمة؛ للحصول على هذه المعلومات والبيانات.
  • ضرورة توجيه هذه المؤسسات العلمية نحو التركيز على إيجاد حلول لمشكلات مجتمعاتها المحلية.

وباعتقاد أ.د فوزية البكر حان الوقت للعودة بالناس إلى الحياة الطبيعية، كما يحدث الآن في عدد من مجالات حياتنا، والبناء ليس ببعيد عن ذلك. وفي هذا الإطار يمكن التوصية بما يلي:

1-مراجعة المخططات التقليدية البناء والمعتمدة من البلديات؛ لتطويرها بما يتلاءم والظروف المناخية لكل منطقة من مناطق المملكة.

2-مراجعة هذه المخططات لتتوافق مع احتياجات الأسر الصغيرة للجيل الجديد، وبما يساعد على خلق بيئة نظيفة خضراء، تحمي محيطها، وتضيف له جمالًا واستقرار.

وأوصى د. خالد الرديعان بما يلي:

1-   مراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية لكل منطقة من مناطق المملكة في مسألة بناء المساكن وشروطها.

2-عدم بناء مساكن الفقراء بنظام المجمعات التي عادة ما يُوصم سكانها بالفقر.. وعوضًا عن ذلك تُوزع هذه المساكن على عدة أحياء في المدينة الواحدة.

3-   التوقف عن تقديم منح أراضي لغير المحتاجين، وإعادة ما تم الاستيلاء عليه لأملاك الدولة.

4-   أن تكون الجدران الداخلية في المباني والفلل من النوع القابل للإزاحة والتغيير .

5-   التفكير ببدائل للإسمنت من مواد بناء قريبة من بيئتنا: كالحجر، والطين، والطوب الأحمر.

6-  بعض المباني القديمة التي نُفذت في فترة صندوق التنمية العقارية كانت عبارة عن شقق صغيرة (نمودج ٥ ونموذج ٧) ويضمها سور واحد كمبنى واحد.. معظم تلك المباني لها عداد كهرباء مشترك؛ مما خلق مشكلات بين المستأجرين.. لذا الاقتراح هو فصل العدادات بحيث يكون لكل شقة عداد كهرباء مستقل، فشركات الكهرباء تضع شروطًا تعجيزية لفصل العدادات. وهذا الإجراء مفيد، فهو سيجعل الاستهلاك الكهربائي في الشريحة الدنيا، ويحد من النزاع بين سكان المبنى.

واقترحت أ. فاطمة الشريف ما يلي:

1-فرض نمط معماري معين، وهوية معمارية فنية عند إنشاء المباني، يتم اختيارها وفق آليات معينة، وخبراء ومهندسي عمارة محليين؛ لخلق هوية معمارية غير مشوهة.

2-تفعيل الميادين العامة، وإضافة المنحوتات الفنية لفنانين سعوديين وعالميين؛ كتجربة مدينة جدة السابقة مع أعمال هنري مور.

وأكد م. خالد العثمان على التوصيات التالية:

1-ضرورة خلق فراغات تفاعلية في المدن.. ليس فقط المخططات الجديدة، بل حتى القائمة.. بما في ذلك الحدائق العامة المفتوحة، والساحات، وممرات المشاة الآمنة.

2-تبني نماذج تخطيط مختلفة تتبنى تنشيط حركة المشاة، وفصلها عن مسارات حركة السيارات، وإضافة ممرات ومواقف للدراجات مع أخْذ الحلول البيئية بعين الاعتبار.

3-تبني زيادة وتنويع الكثافة السكانية في المخططات الجديدة عبر تبني بناء عمائر سكنية متوسطة الارتفاع، كبديل عن الفلل السكنية، بما يسمح بتقديم بدائل متنوعة الكفاءة للسكان.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

)                   حسب الحروف الأبجدية (

  • د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير).
  • د. إبراهيم البعيز.
  • م. أسامة كردي.
  • السفير أ. أسامة نقلي.
  • أ. أسمهان الغامدي.
  • د. الجازي الشبيكي.
  • أ. أمجد المنيف.
  • أ. جمال ملائكة.
  • د. حامد الشراري.
  • م. حسام بحيري.
  • د. حسين الحكمي.
  • د. حميد المزروع.
  • د. خالد الرديعان.
  • م. خالد العثمان (رئيس الهيئة الإشرافية على منتدى أسبار).
  • د. خالد بن دهيش.
  • أ.د. سامية العمودي.
  • أ. سمير خميس.
  • د. طلحة فدعق.
  • د. عائشة حجازي.
  • د. عبد الرحمن الشقير.
  • د. عبد الرحمن الهدلق.
  • أ. عبد الرزاق الفيفي.
  • د. عبد السلام الوايل.
  • أ. عبد الله الضويحي.
  • د. عبد الله العساف.
  • د. عبد الله بن صالح الحمود.
  • د. عبد الله بن ناصر الحمود.
  • أ. عبد المحسن القباني.
  • اللواء د. علي الحارثي.
  • أ. علياء البازعي.
  • أ. فاطمة الشريف.
  • د. فهد العرابي الحارثي.
  • أ.د. فوزية البكر.
  • د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير).
  • أ. مسفر الموسى.
  • د. مشاري النعيم.
  • أ. مطشر المرشد.
  • أ. مها عقيل.
  • د. نوف الغامدي.
  • أ. هادي العلياني.
  • أ. ولاء نحاس.

كشافات الأعلام

–         آموس رابابورت

–         إروين ألتمان

–         إلتون مايو

–         الأمير أحمد بن سلمان

–         الأمير سلطان( بن عبد العزيز)

–         الأمير سلطان بن سلمان

–         الأمير محمد بن سلمان

–         أوسكار نيومان

–         إيميل دور كايم

–         بيل هيلير

–         تايلور

–         جلال أمين

–         جون ناش

–         شومبيتر

–         عمر بن الخطاب

–         فايول

–         فرنانديز تونيس

–         كاتاكورا

–         ماكس فيبر

–         الملك خالد

–         الملك عبد الله

–         الملك فهد

–         الملك فيصل

–         هابرماس

–         هنري مور

كشافات الأماكن

–         أستراليا

–         ألمانيا

–         الإمارات

–         إيران

–         بريطانيا

–         البصرة

–         تركيا

–         تيرانا

–         الجبيل

–         جدة

–         الخليج

–         جنيف

–         الدوحة

–         الرياض

–         السعودية

–         لندن

–         ماليزيا

–         مصر

–         مكة

–         المملكة العربية السعودية

–         المملكة المغربية

–         الولايات المتحدة

–         اليابان

–         اليمن

–         ينبع

تحميل المرفقات: التقرير الشهري 26

تحميل المرفقات