يونيو 2017م
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر يونيو 2017م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية والقمم الثلاث.
- إفلاس الشركات… وآثاره الاقتصادية والاجتماعية.
- تمثيل الإعلام الأمريكي للمرأة السعودية.
- التسول في رمضان ….ظاهرة أم جريمة؟
محتويات التقرير
المحور الأول: زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية والقمم الثلاث
- الورقة الرئيسة: د. منيرة الغدير
- التعقيب الأول: م. حسام بحيري
- التعقيب الثاني: أ. عبير خالد
- المداخلات حول القضية:
- قراءات تحليلية في أبعاد زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية
- رؤية استشرافية
المحور الثاني: إفلاس الشركات… وآثاره الاقتصادية والاجتماعية
- الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
- التعقيب الأول: أ. محمد بن فهد العمران
- التعقيب الثاني: أ. علي بن علي
- إدارة الحوار: أ. سمير خميس
- المداخلات حول القضية:
- أبعاد إفلاس الشركات في الواقع السعودي
- تصورات مستقبلية لمعالجة قضية إفلاس الشركات
المحور الثالث: تمثيل الإعلام الأمريكي للمرأة السعودية
- الورقة الرئيسة: د. منيرة الغدير
- التعقيب الأول: د. الجازي الشبيكي
- التعقيب الثاني: د. ثريا العريض
- إدارة الحوار: أ. سمير خميس
- المداخلات حول القضية:
- واقع صورة المرأة السعودية في الإعلام الأمريكي
- وسائل تحسين صورة المرأة في الإعلام الأمريكي
المحور الرابع: التسول: نظرة حديثة لظاهرة ممتدة
- الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الشقير
- التعقيب الأول: د. حسين الحكمي
- التعقيب الثاني: د. عبدالله صالح الحمود
- إدارة الحوار : أ. أسمهان الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- أسباب وآثار تفاقم ظاهرة التسول
- التوصيات للحد من ظاهرة التسول
المحور الأول
زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية والقمم الثلاث
الورقة الرئيسة: د. منيرة الغدير
“السعودية أولاً”: ما بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب
السياق الذي جاءت فيه زيارة الرئيس ترامب مهم لقراءة وتحليل المحاور وما جاءت به هذه الزيارة من وعود سياسية ودينية واقتصادية والتي سأحاول التطرق السريع إليها.
غادر ترامب أمريكا وسط عاصفة من الانتقادات والفضائح التي تلاحقه وتترصد لبحثها وتقصيها وسائل الإعلام بشكل لم يحدث في تاريخ الإعلام الأمريكي بهذه الكثافة والمواجهة.
كشف تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأمريكي حاول التأثير على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، جيمس كومي، والذي أقاله قبل الزيارة بأيام، ليثنيه عن التحقيق في قضية مستشاره لشؤون الأمن القومي، مايكل فلين والذي استقال من منصبه في ظل عاصفة من التحقيقات الإعلامية ونقاشات منتقدة من بعض أعضاء الكونغرس البارزين. أيضاً هناك تجاوزات كثيرة نشرها موقع سليت والتي تقدم حججاً لإقالة الرئيس ترامب منها تسريب معلومات مخابراتية لدبلوماسيين روس في المكتب البيضاوي. هذا الرابط للاطلاع على هذه القضايا:
http://www.slate.com/articles/news_and_politics/jurisprudence/2017/05/here_is_a_draft_of_articles_of_impeachment_for_donald_j_trump.html
وحسب الدستور الأمريكي مثل هذه التجاوزات قد تؤدي لإقالة الرئيس لأنه فقد أهليته ولم يعد بالإمكان الوثوق به لحماية الحريات التي ضمنها الدستور. أيضاً تدنت شعبية الرئيس الأمريكي وفي آخر استطلاع للرأي تم في ١٥-١٨ مايو وصلت إلى ٣٨٪. كما برزت مقارنة ما بين ترامب ونيكسون الذي حاول التخلص من فضيحة ووتر جيت برحلة للخارج وكانت للسعودية في يونيو ١٩٧٤م وقد نشرت نيويورك تايمز هذه المقارنة وصورة لنيكسون أثناء استقبال الملك فيصل رحمه الله له في الرياض. وناقشت الصحيفة أن محاولة نيكسون لتغيير الأحداث الداخلية من خلال رحلته فشلت فشلاً ذريعاً حيث أنه استقال بعدها بشهر تقريباً.
وجانب آخر من سياق زيارة ترامب للسعودية يتعلق بإطار الزيارة الديني الذي تم التخطيط له لأنه موضوع جاذب للرأي العام الأمريكي ومثير للنقاش والاهتمام على عكس لو استخدمت قضية الشرق الأوسط التي أصبحت مملة للشعب الأمريكي، أيضاً الإطار الديني للزيارة هو محاولة إبعاد ترامب عن تصريحاته السابقة المعادية للإسلام والمسلمين ونفي التهمة عنه بأنه معاد للإسلام، وأضع رابط لتصريحاته الواضحة مثل ” أعتقد أن الإسلام يكرهنا” وقد نشرته صحيفة واشنطن بوست ووثقت مقولاته منذ ٣٠ مارس ٢٠١١ حتى ١٧ مايو ٢٠١٧:
https://www.washingtonpost.com/news/post-politics/wp/2017/05/20/i-think-islam-hates-us-a-timeline-of-trumps-comments-about-islam-and-muslims/?utm_term=.b75c9f17f01c
والجميع يدرك السياق العربي والذي يئن من الصراعات والحروب ومنطقة الخليج المهددة، أيضاً انحسار دور مصر وصعود دور السعودية لقيادي والذي برز في تنظيم القمم الثلاث.
هنا سأضع بعض المحاور وذلك باقتباس ما ورد في الإعلام العربي والأمريكي:
- المحور الأول:
الاقتصاد وإعلان الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين “الرياض وواشنطن”
1- الاستثمارات السعودية في أمريكا وتأثير ذلك على الاقتصاد السعودي في المستقبل. وقد عبرت الواشنطن بوست بالعنوان التالي: “السعودية ستستثمر٢٠ بليون دولار في البنية التحتية, يصل ترامب للسعودية مفتتحاً أول رحلة للخارج كرئيس تحت غيمة من الخلافات الداخلية.”
عنوان آخر في نفس الصحيفة: “ترامب يوقع اتفاقات هائلة في أول يوم له في الخارج.” وفي هذه المقالة تعليق لترامب: “كان يوماً رائعاً.” ويضيف ” استثمارات هائلة (tremendous عبارة الرئيس المفضلة) في الولايات المتحدة. وظائف.. وظائف… وظائف.”
2- أثر الاتفاقات الاقتصادية الكثيرة الموقعة على خلق الوظائف وفرص التدريب للسعوديين والسعوديات وأيضاً الشراكات ما بين أكثر من ٩٠ شركة سعودية وأمريكية والتي حضرت المنتدى الاقتصادي كما ذكرت تغريدة وزير التجارة ماجد القصبي: “شاركت بالمنتدى الاقتصادي الأمريكي السعودي العالمي بالرياض للرؤساء التنفيذيين ”شراكة للأجيال” بحضور أكبر 90 شركة أمريكية وسعودية.
3- كيف يقرأ الاقتصادي تفاوت الأرقام المالية للاتفاقات الموقعة في الصحف العربية والأمريكية؟ وكيف سيؤثر هذا التفاوت على المواطن السعودي الذي يتابع ما يجري من خلال القنوات الإعلامية المختلفة إذا لم يكن هناك شرح لهذه الاتفاقيات وتأثيرها المباشر على الاقتصاد السعودي في خلق فرص استثمارية وانتعاش لسوق العمل؟
من بين الأرقام ظهرت في عنوان على موقع سبق:” اتفاقيات واستثمارات بقيمة 289 مليار دولار تسهم في نقل المعرفة وتوطين التقنية وبناء صناعات واعدة. “
أما قناة الجزيرة فذكرت “أضخم اتفاقيات في تاريخ البلدين،” ٤٦٠ بليون دولار اتفاقيات تعاون عسكري. و ٣٨٠ مليار دولار في خبر ال سي.ان. ان. أما بليتكو فأشارت إلى ١١٠ بليون عقود شراء أسلحة واتفاقية بمبلغ ٣٥٠ بليون دولار للسنوات العشر القادمة. والقائمة تطول.
4- توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وخطابات النوايا:
ماهي الخطط التنفيذية للاتفاقات السعودية الأمريكية وماهي آليات التواصل مع المواطن لاطلاعه على ما يستجد من تطورات وتفادي ما حدث في فترة ماضية؟
- المحور الثاني: قضايا سياسية
1- مستقبل العلاقات الخليجية مع إيران:
هناك عنوان مُلفت في واشنطن بوست: “أبرز مهرجان حب حقيقي بين الحكومتين وكان تناقضاً واضحاً مع سنوات النفور تحت الرئيس باراك أوباما.” وردت في هذا الخبر إشارة مهمة عن “المحادثات الخاصة التي تمت بين الملك سلمان والرئيس الأمريكي ترامب ووجهة نظرهما حول التهديد من إيران. ورد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون على سؤال حول إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الجمعة أنه يأمل في أن يستخدم روحاني ولايته في تفكيك شبكة الإرهاب الإيرانية ووقف زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ووضع حد للصواريخ البالستية واستعادة الحقوق الأساسية.
2- ما الذي استجد في حل القضية اليمنية وهل ستؤثر القمم الثلاث في إيجاد حل حاسم وسريع؟
3- كما ذكرت تم التخطيط لزيارة ترامب لتظهر في إخطار ديني، فما أثر القمّة العربية الإسلامية الأمريكية على محاربة الإرهاب؟
- المحور الثالث: المرأة السعودية
الإعلام الغربي حتى الساعات المبكرة من اليوم لم يوظف الصور السلبية عن المرأة السعودية وإن كان النقاش عن عدم ارتداء زوجة ترامب وابنته للحجاب، لكن للأسف لم نر حضوراً للمرأة السعودية وكان غيابها ملحوظاً إلا من بعض النساء في متحف الفن المعاصر وعضو شورى، هل ستحضر المرأة اليوم؟ وما هو دورها في هذه القمم الثلاث والملفات الاقتصادية المتعددة؟
- المحور الرابع: الإعلام وحضور المملكة في الغرب
بينما ظهر اسم “ترامب” و “السعودية” في أكثر من ٢٥ ألف تغريدة خلال ال٢٤ ساعة في يوم ٢٠ مايو حسب بي. بي. سي العربية، كان اسم “Saudi Arabia” ينهمر في التغريدات باللغة الإنجليزية بشكل إيجابي لكن لم يكن هناك حضور لأصوات من السعودية إلا فيما ندر. هنا نعود إلى مواضيع تم نقاشها في الملتقى: الديبلوماسية الشعبية، الحوار مع الغرب والتأثير على الرأي العام، ودور الإعلام السعودي وخاصة أن مثل هذه الفرص التاريخية لا تتكرر. ما الذي بالإمكان التوصية به هنا لاستغلال العلاقات الإيجابية ما بين المملكة وأمريكا في التأثير على الرأي العام وخلق قوة ناعمة لحضور المملكة؟
التعقيب الأول: م. حسام بحيري
لاشك أن ترامب يعاني من مشاكل سياسية كبيرة داخل أمريكا وهي تتفاقم كل يوم وستكون هناك تصريحات سلبية ضده في المستقبل القريب عندما يدلي الرئيس المقال لجهاز الاف بي اي بأقواله. الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية تعلم الكثير عن التجاوزات التي تمت أثناء حملة ترامب الانتخابية ولن يتم الإفصاح عنها إلا من خلال القنوات الرسمية من خلال المحقق الخاص موللر الذي تم تعيينه فالمستقبل مليء بالمفاجئات غير السارة لترامب. ولإلقاء الضوء على مدى علم أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن اتصالات أعضاء حملة ترامب الانتخابية مع الروس حذر أوباما الرئيس ترامب أثناء مقابلاتهم التنسيقية بعد فوز ترامب بالانتخابات ألا يعين مايكل فلين في منصب المستشار القومي وعندما أصر ترامب على تعيينه في أحد أكثر مراكز البيت الأبيض حساسيه تم تسريب المعلومات من قبل إدارة الرئيس السابق وتم إسقاط مستشار الأمن القومي المعين, مايكل فلين طلب الحصانة القضائية أثناء التحقيق معه للتعاون مع جهاز الاف بي اي مما يعطي تصور واضح عن مدى تورطه مع الروس. الخلاصة أن ترامب مقبل على مشاكل كبيرة في المستقبل القريب قد تهدد بقائه رئيسا للولايات المتحدة.
بخصوص استثمارات المملكة في البنية التحتية الأمريكية السؤال هو ماهي البنى التحتية التي يستثمر بها؟ هل هي البنى التحتية التقليدية؟ حسب المعلومات الصحفية مبلغ ال 20 بليون دولار تم ضمانه لمدير صندوق اسمه ستيفين شوارتزمن أحد مؤسسي شركة بلاك روك الاستثمارية وهو من أكبر مناصرين ترامب للصرف على مشروعات البنية التحتية الأمريكية الداخلية. إننا نحتاج إلى توضيح أكثر عن ماذا سنستثمر بالضبط لأن العائد المادي على هذا النوع من الاستثمارات ليست مجزية, هل الاستثمار في البنية التحتية الأمريكية مجزي أكثر من الاستثمار في البنية التحتية السعودية؟
جميل أن نوقع اتفاقيات اقتصادية مع الدول المتقدمة ولكن المبالغ التي ستصرف هائلة بكل المقاييس خصوصا أنها تصب في صالح دولة واحدة واعتمادنا عليها مستقبلا سيزيد أكثر مما يجعلنا رهينة لسياساتهم والأمريكان عندهم تاريخ طويل في ابتزاز الدول واستخدام الورقة الاقتصادية ضدهم هل هناك اتفاقيات موازية تلزم الأمريكان بتحييد استخدام هذه العقود الضخمة في ممارسة الابتزاز السياسي؟
أما بخصوص الملف السياسي فأمريكا تنتهج سياسة المواجهة مع إيران بعكس الرئيس السابق أوباما الذي ورث اقتصاد منهار وحربين استنزفت موارد الدولة ونجح في استقرار الوضع الأمريكي الداخلي ولكن على حساب سياسة أمريكا خارجيا مما أفقدها نفوذها وظهور أقطاب قوية في أوروبا وآسيا والإدارة الحالية تعمل على السيطرة على الأضرار التي تسببت بها إدارة أوباما لسياسة أمريكا خارجيا. في الشرق الأوسط أمريكا ستتخذ سياسة مواجهة مع إيران وهي عادت للصورة كرأس محور الشر في المنطقة وسنرى مساعدة ومساندة أكثر في مواجهتنا مع إيران في جميع دول الشرق الأوسط بدئا من اليمن وحتى سوريا ولبنان، سياساتنا متطابقة في مواجهة إيران ولابد أن نستغل هذه الفرصة لأننا لا نستطيع ضمان استمرارية هذه السياسة اذا أتت إدارة جديدة بعد 42 شهرا من الآن أما الحرب على الإرهاب فالتنسيق موجود وقوي جدا على مختلف الأصعدة وسنري أيضا زيادة كبيرة في التعاون والتنسيق, الكثير من الدول الغربية تصرح أن السعودية جزء أساسي في حل مشكلة الإرهاب في المنطقة والكثير من أجهزتهم الاستخباراتية تعتمد على معلوماتنا الأولية، باختصار هم يحتاجوننا أكثر مما نحتاجهم في الحرب على الإرهاب الموجود في الشرق الأوسط.
أما الصفة الدينية وخطابه للمسلمين فهي مجرد محاولة لتشريع خطة السلام الصهيوني الفلسطيني التي يقترحها ويسعى لمباركة الدول الثلاث التي تمثل الأديان الإبراهيمية وخطته عليها تحفظات كبيرة سواء كان من الجانب الفلسطيني أو الصهيوني وأملها في النجاح ضعيف جدا.
التعقيب الثاني: أ. عبير خالد
بعيدا عن البُعدين الاقتصادي والسياسي لقمة الرياض وزيارة ترامب للمملكة، فإن العرض الثقافي للسعوديين في الإعلام العالمي سواء كان من خلال الخطاب الكتابي أو تلميحات الصور أو غيره بدأ في التغير إيجابا والتحسن. فإذا نظرنا لقمم الرياض- الحدث الذي تم الاستعلام عنه الكترونيا أكثر من عشرة مليار مرة وفقا لجريدة الاقتصادية- نجد أن العناوين الرئيسة لكبرى الصحف العالمية ليلة أمس قد ركزت على ثلاث نقاط:
1- تسليم ترامب قلادة الملك عبدالعزيز – طيّب الله ثراه-.
2- الإصلاح الإقليمي والسياسي ومحاربة التطرف بكافة أشكاله.
3- الصفقات المالية بما فيها بيع وشراء الأسلحة والمعدات.
والملاحظ هنا هو أن الإعلام الغربي لم يعرج للحديث عن قضايا حساسة كعادته سابقا، أو قضايا غير مرتبطة بأسباب الزيارة. وحتى الصحف الليبرالية/اليسارية الغربية التي تصبغ أخبارها عن دول الخليج عامة والسعودية خاصة بانتقادات عن حقوق المرأة وحقوق الحيوان وحقوق العمالة…الخ فقد غطت “قمة الرياض” بموضوعية وتجريد غير مسبوقين وأحد الأمثلة على ذلك يشاهد في تغطية جريدة “الجارديان” البريطانية التي عنونت خبرها بـ: “قادة سعوديين يرحبون بزيارة ترامب لترتيب الأوضاع الإقليمية” أو “نيو يورك تايمز” التي تمحورت جل أخبارها حول الاستثمارات المالية فقط والأمر نفسه ينطبق على “ذا وول ستريت جورنال”.
وهذا أمر جيد من جهة، ولكنني اتفق مع د. منيرة من جهة أخرى؛ حيث أنني استغربت عدم ظهور أي امرأة سعودية لا في مراسم الاستقبال ولا على طاولة الاتفاقيات ولا حتى ضمن صفوف الإعلاميين والمصورين. وقلة الظهور أو عدمه المسمى ب Underrepresentaion مشكلة ثقافية لم تواجهها المرأة السعودية فحسب وإن كانت هي الأكثر تأثراً بها ولكن قد يتعرض لها السود والمواطنين من الأقليات المذهبية أو العرقية وهذه تبقى قضيتنا الخاصة.
أما من منظور عالمي فما يمكننا أن نستشفه من تغطيات الإعلام الأجنبي للمملكة خلال قمة الرياض هو هذه النبرة الجديدة المستخدمة عند وصف السعودية سواء كتابيا أو صوريا. النبرة التي تشعرك أنها تتحدث عن حليف و منافس وشريك استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، ولا الاستهانة بخصوصيته وبذلك نكون تجاوزنا مرحلة كان الحديث فيها عنا يتسم بطابع ناقد و توجيهي وأحيانا يركز على السلبيات التي حتى لو كانت واقعية، قد لا تكون مرتبطة بالحدث المراد تغطيته.
المداخلات حول القضية:
- قراءات تحليلية في أبعاد زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية
أشار د. خالد الرديعان إلى أنه بعيداً عن الكلام المستهلك وتفاصيل الزيارة فإن العلاقات السعودية – الأمريكية مهمة للغاية وضعفها يبعث لنا كثيراً من المشكلات التي لا نستطيع التعامل معها بسهولة في المنطقة بسبب غياب الدعم الأمريكي.
نحن دولة مهددة من عدة أطراف ويحيط بنا أعداء يتحينون الفرص للإساءة إلينا وليس لنا قدرة كافية على مواجهة الجميع مهما قلنا غير ذلك.
الأمريكان يحمون مصالحهم؟ نعم إنهم يقومون بذلك، لكن منذ متى ومصالحنا ومصالحهم في المنطقة كانت متعارضة تماماً؟ فهناك النفط وهناك عقود التسليح والصيانة والتدريب واستيراد التقنية وهناك الابتعاث، وكلها أمور مهمة للغاية تجعلنا بحاجة ماسة للأمريكيين. الأمريكان هم الطرف الفاعل والمؤثر في سياسات الشرق الأوسط وأن نكسبهم وإن على مضض خير من أن نخسرهم فقد جربنا ذلك في فترة أوباما غير المأسوف عليها، فخلال فترة الرئيس السابق حدث تطورات مهمة للغاية شكل بعض تداعياتها ضغوطاً كبيرة على المملكة ووجدت نفسها من دون حليف فاعل ومؤثر.
وتاريخياً لا ننسى تجربتنا مع استخراج النفط وتصديره وجهود الشركات الأمريكية في ذلك وخاصة شركة أرامكو عندما كانت بإدارة أمريكية صرفة.. أرامكو ساهمت كثيراً في نجاح المملكة كمصدر رئيس للنفط، وساهمت كثيراً في تطور المملكة تقنياً وعلميا واجتماعيا بفضل استخراج النفط وإدارة شؤونه ؛ مما ساهم في النهاية في انتقال ملكية أرامكو للمملكة دونما حاجة إلى عنتريات التأميم كما فعل قادة بعض الدول مع شركات النفط الإنجليزية ممن كان لها باع طويل في تجارة الكلام والإنشائيات التي رسخت الوهم في العالم العربي دون أن يقدموا ما يخدم شعوبهم.
العلاقات السعودية الأمريكية مهمة للغاية ويجب أن تستمر قوية؛ فخلق مصالح مشتركة بين البلدين سيساهم في استقرار المملكة من جهة ومن جهة أخرى يحمي المملكة بعد الله من تدخل الدول الأخرى في شؤونها؛ فالأمريكان سيحمون مصالحهم عند تعرض المملكة للخطر وهو ما يعني منع الاعتداء على المملكة.. اجتياح الكويت من قبل صدام عام ١٩٩٠ ودور أمريكا في تلك الحرب لا يمكن نسيانه أو التقليل من أهميته.
بناء على ما سبق فإن زيارة الرئيس الأمريكي للرياض مفيدة للطرفين لتأسيس مصالح مشتركة تمكن الطرفين من العمل سوياً على خلق فرص اقتصادية كبيرة ولخلق استقرار سياسي ينأى بالمنطقة عن الزعزعة والتهديدات المستمرة.. يبقى موضوع الصراع العربي الإسرائيلي الذي تم تجاهله في السنوات الأخيرة بسبب الأحداث في سوريا والعراق واليمن ولعل هذا الموضوع يحظى برعاية الجميع مع التذكير أن الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني قد يكون هو العائق الأكبر في الوصول إلى تسوية تاريخية تطوي هذا الملف.
وفي السياق ذاته أورد د. خالد الرديعان مقالة للصحفي اليمني محمد عبدالله القادري حول الزيارة بعنوان: ترامب ذهب إلى السعودية ولم تذهب السعودية إليه، وذكر فيه أن أولئك هم المتشدقون من أجنحة إيران و أذرعها وأتباعها ، عن زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمملكة العربية السعودية، واصفين ذلك بالعمالة مع اليهود والنصارى والتبعية للغرب وما شابه ذلك من كلام يحاولون من خلاله إلصاق نقاط الضعف والاستعباد لأمريكا من قبل السعودية ، وهم في الحقيقة يذرون الرماد على العيون ، فترامب ذهب إلى السعودية ، ولم تذهب السعودية إليه ، وهذا ما يدل على أن موقف السعودية موقف قوي من زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إليها ، …. وهذا دليل على العزة والكرامة والشأن العظيم الذي منحه الله للمملكة السعودية وقياداتها … ” .
عقد الاتفاقات والمواثيق مع اليهود والنصارى وغيرهم من قبل المسلمين ليس محرماً ، فالنبي صلي الله عليه وسلم عقد الاتفاقات مع اليهود في المدينة ، ولا تمنع شرائع ديننا وثقافتنا الإسلامية أن نتعايش تعايش سلمي ونتعاون في المصالح المشتركة كتحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة كل ما يؤثر ويهدد المصلحة العامة للشعوب بما فيها يهودي ونصراني ومسلم ، ومن يتشدقون اليوم ويسخرون من تلك الاتفاقات التي وقعها ترامب في السعودية ، إنما يسخرون من ديننا الإسلامي العظيم ، متناسين في نفس الوقت أن إيران وأذرعها وأتباعها الذين ينادون ويصرخون الموت لأمريكا وهم قد ذهبوا برجالهم ونساءهم إلى أمريكا يتوددون لها ويطالبون بالتحالف معها وقد تحالفوا معها وعقدوا الاتفاقات العديدة وعلى رأسها الاتفاقات بشأن الملف النووي الإيراني ، فلماذا يحللون الاتفاقات الإيرانية الأمريكية ويحرمون الاتفاقات السعودية الأمريكية ؟
ومن المعلوم أن اتفاقات أمريكا مع إيران بشأن النووي هو اتفاق يهدد السلم الاجتماعي كون إيران تمتلك مشروع تدميري تستهدف به في المقدمة العرب والمسلمون السنة ، بينما اتفاق السعودية مع أمريكا هو اتفاق من أجل السلم العالمي وهذا اتفاق لا بأس به ، فالسعودية تمتلك مشروع الدفاع عن نفسها وعن إخوانها العرب ولا تمتلك مشروع الهجوم كإيران ، فالمشروع الدموي الإيراني يشكل خطر على حرية الثقافات والديانات والتعايش ، ولا ننسى أن ديننا الإسلامي هو دين السلام وليس دين العدوانية والدموية والإرهاب ، بينما ديننا الحنيف لا يأمرنا بإجبار الناس على الدخول في الإسلام كشرط أساسي للتعايش معهم والتحاور والاتفاق ، وقد قال تعالى في محكم كتابه ” لا إكراه في الدين “.
تتشدق وتسخر وتهزأ وسائل إعلام إيران ومن معها بالاستقبال الذي حظي به ترامب في السعودية ، وتدعي أن ذلك مخالفة دينية وقومية وعلامات ذل وانكسار عربي ، متناسين أن هذا من علامات الكرم والنخوة العربية الأصيلة ، فديننا الإسلامي قد أمرنا بإكرام الضيف سواءً كان الضيف مسلم أو يهود أو نصراني ، فقد قال عليه الصلاة والسلام ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ” ، ولا مانع من أن تقوم المملكة باستقبال لائق لترامب كونه جاء ضيفاً ومحترماً لإرادة العرب الذين يجب عليهم احترام من يحترمهم ، ولا تنسى إيران وأتباعها أن أوباما الذي لم يحترم إرادة العرب في الوقت الأخير من ولايته وقام بزيارة للسعودية فلم يستقبله في المطار سوى أمير الرياض ، وهذا موقف قوي وعظيم سجله الملك سلمان ولم يسجله أحد في العالم غيره ، فقد جعل أمير محافظة من محافظاته يستقبل رئيس أكبر دولة في العالم ، وهذا دليل على العزة والكرامة والشموخ ومعاملة الغير بما يستحق ، ومن لم يحترم العرب كأوباما لن نحترمه ولن نلين له ولن نخاف منه ولن نستقبله استقبال لائق في بلادنا.
ولا تنسى إيران أن حقيقة مشروعها الطائفي يحارب العرب والسنة ويطمع في شبه الجزيرة العربية ، ولم يكن يحارب أمريكا ويطمع في قارتها ، فلا تستخدموا الإسلام وأنتم تستخدمونه لمحاربة بعضه ولتشويهه وانحراف مساره ، ولم تكن أمريكا تحارب الإسلام كما تحاربه إيران ، فالمساجد المنتشرة بأمريكا لم تهدم منها مسجداً واحداً ، بينما إيران قامت بهدم كل مساجد السنة وكان آخرها قبل ما يقارب عام ، وبالتالي لم تقم السعودية أو أي دولة خليجية أخرى بهدم أي مسجد بحجة تبعيته لطائفة إيران ، فهل يدرك الجميع أن إيران هي أسوأ من الجميع في هذا العالم فكرياً وثقافياً وعقائدياً؟
وذكر د. مساعد المحيا أنه و دون شك فإن إيران تمارس عداوة مستمرة، ونحن اليوم نواجهها، لكن هل هناك عمل أمريكي ممنهج لإقناع الخليج بالكثير من التسلح ومن ثم إدخاله في حرب استنزاف مع إيران وأذرعها في المنطقة؟ أليس من الأولى توظيف الحوار في حل المشكلات في اليمن وسوريا والعراق ومن ثم إيران؟ وهل رؤيتنا الاستراتيجية ستقوم بناء على تضخيم الإرهاب وتخويف المنطقة منه؟ أي رؤية تنموية يمكن أن تنجح في ضوء سباق تسلح .. المملكة اهتمت بتنمية مناطقها وشعبها وكانت حريصة أن لا تدخل في أي أزمة مالم تضطر إليها، والخشية أن الأمريكيين اليوم سيكونون الكاسب الأكبر من أي توتر جديد أو دون أن نحقق على مستوى المصالح الكثير مما نتوقعه.
في حين ذكر د. مشاري النعيم أن هناك إشكالية في تقبل كثير من المثقفين العرب للدور الإقليمي الجديد للمملكة وزيارة ترامب كشفت كثير من الوجوه.
وفي تصور د. إحسان بو حليقة بأن المهم أن يلتزم ترامب مع السعودية، فترامب له مصلحة مع كل دولة من الدول التي ذكرها بخطابه، وسيتحرك وفقاً لذلك. أي ليس هناك اتفاق شامل، بقدر ما عرض ترامب مواقف في احترام للدين الإسلامي، ومباعدة بين الإسلام والإرهاب.. وكان هو بحاجة أن يقول ويعلن عنه للملأ أكثر منا، تجاوزاً لتجاوزاته الانتخابية.
ما يهمنا كسعوديين، أنه قال ذلك للعالم في قمة الرياض، وأمام قمة خليجية عربية وإسلامية. وما يهمنا كذلك أنه فهم عملياً، أنه ما كان أحد يستطيع أن يمكنه أن يخاطب هذا الجمع سوى السعودية. هي قالت وفعلت. وبذلك هو سيدرك تماماً من يمثل الثقل وينجز ما يعد به.
الآن، فهم ترامب ذلك عملياً. هذا الفهم سيكون له تأثير جوهري في قراراته المستقبلية في المنطقة. هو لاشك يريد أن ينجح في المنطقة، ولن ينجح بمفرده بل لابد له من شركاء.
في حين ذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه مهما يكن ، ومهما يقال عن كلمة الرئيس ترامب ، عن مدى قوته أو حصافته، فما يهمنا اليوم أن أمريكا بأكملها هنا ، أمريكا أتت إلينا ولم نذهب إليها، أمريكا هي القوة العظمى في العالم في مجالات عديدة، ونحن نستفيد منها اقتصاديا وعسكريا وصناعيا .
والخطاب ليس بالضرورة أن يكون أقوى مما كان ، مع الاعتقاد انه خطاب شامل وواف ، قوة الخطاب أو متانة اللغة أمر يعود لصاحبه، المهم أنني كشريك استفيد مما حدث .
ويرى أ. مسفر الموسى أن حديث ترامب عن صفقة السلاح بين السعودية وأمريكا مشوش وغير واضح.. ويمكن العودة إلى مجموعة من العبارات قالها ترامب حول هذه الصفقة:
1- قمنا باستثمارات ستحمي أمن شعبنا وتحسن أمن أصدقائنا.
2- استثمار ٤٠٠ مليار ستخلق مئات من فرص العمل في البلدين.
3- منها استثمار ١١٠ مليار من تمويل سعودي (لشراء) مستلزمات عسكرية.
4- سينتج عنه تطوير الأمن للجيش السعودي.
كل هذه العبارات تغلب نوع الاستفادة ((الأمنية)) للسعودية .. مقابل الاستثمار المالي للجانب الأمريكي.. خصوصا إذا ركزنا على الجزء المخصص من الاستثمارات المتعلقة بصفقة الأسلحة.
في الخطاب السعودي وبالعودة للقاء الأمير محمد بن سلمان، ومن خلال تصريح وزير المالية؛ أكدا على صناعة المحتوى وأن الصفقات العسكرية ستكون شراكة استثمارية وليست شراكة شراء.
هذه التباينات في خطاب ترامب نفسه، وفي الخطابين الأمريكي/ السعودي.. تسهم في غموض واحدة من أكبر الصفقات في التاريخ السعودي. و مثل هذه الصفقة يجب الإفصاح عنها للمجتمع ليس بصيغة ماذا ستحقق من أرباح،، وإنما عن حقيقتها وتفاصيلها وكيف ستتم.
وعلق د. خالد الرديعان بأنه وبسبب هذا الغموض انصرف الشعب إلى أمور هامشية في زيارة ترامب وتركوا القضايا الأساسية ربما لشح المعلومات وتضارب الأرقام فيما يخص العقود.
وطرحت أ. ولاء نحاس التساؤلين التاليين:
1- هل الاتفاقيات التي تمت بين الحكومات أم الدول ؟ وكيف يتم ضمان ذلك؟
2- تأسيس مركز اعتدال يتحدث عن مصالحة الأديان ، هل تواجده في السعودية ميزة؟ هل لأننا أكبر مصدر للإرهاب ؟ أم هل لأننا أقوى دولة في التصدي للإرهاب؟ وكيف نتحدث عن الأديان وندعو للتصالح معها في دولة مسلمة لا تداخل فيها مع الأديان؟
وفي هذا الإطار أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود بخصوص التساؤل الأول أنه وبطبيعة الحال الاتفاق هو بين الحكومات ، كلمة دولة تعني العناصر الثلاثة ( النظام – أي الحكومة- والأرض أو الإقليم وأخيرا الشعب أو الناس ). وبالتالي لا داعي لذكر كلمة دولة عند ذكر عقد اتفاق أو اتفاقات؛ فالحكومة هنا هي التي يناط بها مسؤولية مباشرة أعمال وشؤون الدولة عامة.
وفيما يتعلق بالتساؤل الثاني فإنه بالتأكيد لا تداخل في دولتنا مع أديان أخرى بصفة مباشرة، إنما لا ننسى أننا نبني علاقات دولية مع دول غير إسلامية ، فضلا عن احتضان بلادنا للعديد من الأشخاص الذين يتبعون لأديان متعددة ، ويوصفون ( بأتباع الأديان ).
ومن ناحية أخرى ترى د. منيرة الغدير أن غياب المرأة واضح وحضورها كان مرتجلاً، أي أن الشخصيات النسائية ذات التجربة والحضور العلمي لم نرها. أيضاً كانت لحظة إعلامية رائعة لإظهار المرأة والوجوه الثقافية والإنسانية للمجتمع السعودي وخاصة للعالم الخارجي وباللغة الإنجليزية ولكن لم توظف بشكل مؤثر. سبق الإشارة إلى أن اسم “السعودية” في التغريدات باللغة الإنجليزية في اليوم الأول للقمة كان إيجابياً على غير ما كنا نتابع في الفترات الماضية، لكن للأسف كانت فرصة ضائعة لأن المقالات الصحافية في الصحف الأمريكية الكبرى الصادرة اليوم بدأت تتطرق للقضايا المعتادة والمرتبطة بالصور السلبية للسعودية!
واتفقت أ.د. سامية العمودي مع ما ذكرته د. منيرة، وأضافت أنها دهشت لغياب الرموز والرائدات وما أكثرهن وكان اللقاء محدودا مع أنها كان يمكن أن تتحول إلى أكبر حملة مضادة لتصحيح الصورة السلبية والخاطئة عنا. وفي هذا المحور هناك سيدات أعمال ورموز اقتصادية كان ينبغي تسليط الضوء عليهن.
وبدورها ذكرت أ. ولاء نحاس أن هناك أسماء قوية جدا كان يمكن أن تغير المنظور الذي يرى فيه الغرب نسائنا بشكل كبير، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الدكتورة ريم الفريان رئيسة مجلس الغرف النسائي ، والدكتورة أفنان الشعيبي الأمين العام والرئيس التنفيذي للغرفة التجارية العربية البريطانية، إضافة للأميرة نورة بالتأكيد كونها أقرب للمرأة ولها حضور قوي .. الأسماء كثيرة وكان يمكن تخصيص أجندة للقاء نضمن منها أكبر فائدته للمرأة سواء فيما يختص الصورة العاملة أو حتى على مستوى الاتفاقيات التي تمت.
ومن جانبها ترى د. الجازي الشبيكي أنه لابد أن يضم البروتوكول الخاص بوضع جدول لكبار الشخصيات النسائية التي تزور المملكة أعضاء وعضوات ملمين بالتنوع والتخصصات والخبرات النسائية في بلادنا ، لأنه لوحظ في الفترة الأخيرة تكرار إبراز شركة Tataالنسائية التابعة لأرامكو التي ترأسها د. أمل فطاني، وكذلك التركيز على الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان وكيلة هيئة الرياضة، وإلا فهل يعقل أن حرم أمير منطقة الرياض ، المدينة التي تُعقد فيها القمة الأميرة نوره بنت محمد الشخصية النسائية الناشطة اجتماعياً ، لا تكون بالصورة في هذا الحدث وخاصة في جدول زيارات حرم الرئيس وابنته!!
المركز النسائي لإجراءات الأعمال استضاف السيدة الأولى بالولايات الأمريكية المتحدة زوجة الرئيس ترامب، وقد أسس المركز من قبل أرامكو وهو شراكة بين شركة تاتا للخدمات الاستشارية وشركة جنرال الكترك، وقد بدأ بعشرين موظفة في يناير ١٠١٤ والآن حوالي ١٠٠٠ موظفة يساندون بعض من أكبر الشركات المحلية والعالمية.
بينما قالت د. نوف الغامدي: هل كنّا ننتظر قدوم ترامب وزوجته ميلينا وايڤانكا لنثبت قوتنا النسائية …؟!! حقيقة هناك تحفظات كبيرة على ذلك، والأسماء النسائية التي شاركت في اللقاء باستثناء السيدة لبنى العليان لا تمثل المرأة السعودية والاعتقاد أنها كانت مناسبة لـ ايڤانكا . كما حدث في زيارة المستشارة الألمانية سيدات الڤاترينات هم من ظهرن وحقيقة لا إنجازات تذكر سوى أنهن ذهبنّ للتصوير لا أكثر..!! أين عضوات مجلس الشورى؟!! أين المميزات في المجتمع ورائدات الفكر ؟!! المرأة السعودية لا تحتاج لمثل هذه المناسبات لتثبت قوتها وحضورها..!!! إعلامنا يحتاج لتصالح أكثر مع المرأة وتوظيف الاتصالات الدولية والإعلام الغربي ومخاطبتهم بلغتهم له دور كبير في تحسين الصورة.
ومن جديد أوضحت د. منيرة الغدير أن الإدارة الأمريكية الحالية لا يهمها موضوع المرأة أو المواضيع الثقافية والاجتماعية، ولكن توظف قضية المرأة إعلامياً بشكل واضح كوسيلة ضغط، و الأبحاث تشير إلى التركيز على المرأة السعودية في أوقات الصراعات السياسية، الموضوع طويل ولكن ليت يتم توظيف قدرات الثنك تانك مثل أسبار لإعطاء المقترحات والاستشارات قبل قمة تاريخية كهذه.
ولفت د. عبد الله بن صالح الحمود النظر إلى نقطة مهمة فيما يخص العقود المبرمة مع الجانب الأمريكي، وهي أننا لم نلاحظ أو نشهد اتفاقات تجارية للقطاع الخاص السعودي في السوق الأمريكي أو للقطاع الخاص السعودي بالمشاركة مع أحد أفراد القطاع الخاص الأمريكي ، خصوصا اتفاقات ذات رساميل لا تتجاوز ما بين 10 إلى 100 مليون دولار أمريكي ، لصالح منشآت متوسطة. ومن ثم يكون التساؤل: هل هذه الزيارة هي فقط للقطاع العام ، أم أن الأمر هو فتح آفاق جديدة في الاستثمار ما بين البلدين؟
وعند هذا الحد أوضح م. خالد العثمان أن أحد مناشط الزيارة كان منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأمريكي وكان من فعالياته إعلان منح عدد من تراخيص الاستثمار الأجنبي لشركات أمريكية. أما المؤسسات المحلية الصغيرة والمتوسطة ليست محل نظر الشركات الأمريكية الكبرى.. والتراخيص المشار إليها في الخبر تراخيص استثمار بملكية أجنبية كاملة.
ومرة أخرى ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أن الاستثمارات السعودية أو الأجنبية ليست أمر جديدا بالنسبة لنا ، هي اتفاقات تتضمن استثمارات محددة وتبرز على مدار العام ، منها ما هو يعلن عنه ومنها ما هو خلاف ذلك. والسؤال والذي يحتاج إجابة هل الأمريكان اهتماماتهم بالعقود التجارية أو أي صفقة اقتصادية هي تمثل مئات أو مليارات الدولارات فحسب ، لا نظن ذلك، الاقتصاد الأمريكي ينمو بنسبة كبيرة بسبب تجارة التجزئة، واعتماد كافة المستهلكين على الشراء بنظام التقسيط.
وذهب د. ناصر القعود إلى أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تنتعش عندما تنمو وتنتعش المنشآت الكبيرة، كثير من الاتفاقيات خلال الزيارة تمت بين القطاع الخاص من البلدين ومنها الشركات السعودية الكبيرة أرامكو ، سابك، معادن، مجموعة العليان.
بينما أشار م. حسام بحيري إلى أن العقود الكبرى الموقعة مع الشركات الأمريكية لها شركاتها المحلية المتفقة معها مسبقا. الاحتفالات هذه مجرد إعلان فقط لا غير. و لا يوجد أي اهتمام بالشركات الصغرى والمتوسطة بل بالعكس تم تدمير هذا القطاع بسبب القرارات الجبائية المرتجلة، والأسوأ أن الهيئة العامة للاستثمار تمنح الرخص للأجانب لمنافسة شركات القطاعات الصغرى والمتوسطة المحلية بشروط أيسر من المفروضة على المستثمر السعودي.
لا يوجد أي تنسيق أو تخطيط أو حتى اهتمام بوضع الشركات المحلية خصوصا الصغيرة وإنما اهتمام ضخم بالأجانب وتقديم جميع التسهيلات لهم على حساب الاقتصاد المحلي. نتفهم الحاجة لأهمية الاستثمار الأجنبي ولكن لا نتفهم أن يتم تقديم تسهيلات ورخص لقطاعات من الأعمال لا نحتاج فيها للمستثمر الأجنبي.
السواد الأعظم من الشركات الأمريكية التي وقعت العقود لها وجود في المملكة منذ فترة طويلة ولن نرى أي زيادة ملحوظة في أعداد السعوديين الذين سيوظفون في هذه الشركات. الحقيقة أن الزيادة في التوظيف ستكون للجانب الأمريكي لأن مصانعه الآن محتاجة أن تنتج وتورد السلع والأجهزة المتفق عليها كل ١ بليون دولار عقود خارجية توفر ٥٤٠٠ وظيفة داخل أمريكا لعام ٢٠١٣ حسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة؛ يعني بحسبة بسيطة العقود الموقعة بالمبلغ المعلن ١١٠ بليون دولار ، وكل بليون دولار عقود خارجيه توفر ٥٩٠٠ وظيفة داخل أمريكا يعني ٦٤٩٠٠٠ وظيفة أمريكية ستوفرها عقودنا للأمريكان. وللأسف الفائدة الاقتصادية للسعودية من العقود المعلن عنها صغيرة جدا ولن تحدث أي تغيير جذري في تنمية مجتمعنا أو تطوير اقتصادنا هذه أموال ستصرف في خارج البلاد وليس في داخلها والاستفادة لهم ليست لنا.
وبدورها قالت أ. ولاء نحاس: لماذا ننظر لأجنبي مقابل سعودي طالما قدم شيء مختلف يضيف للوطن وللشباب وللقطاع التجاري والاقتصادي ؟ لا نريد لاتكالية ” السعودة” أن تطال قطاع المشاريع الصغيرة بعد أن أثرت على قطاع التوظيف.
أما أ. مها عقيل فأشارت إلى الملاحظات التالية:
- اختار ترامب أن تكون السعودية أولى محطاته للخارج وهذا إنجاز كبير للسعودية وخاصة لسمو ولي ولي العهد. عادة الرئيس الأمريكي يختار أحد دول الجوار مثل المكسيك أو كندا لسفرته الأولى ولكن نعلم مشكلته مع المكسيك والحائط الذي يريد أن يبنيه أما كندا فقد زار رئيس الوزراء أمريكا وليس هناك جديد. وعادة أيضا تكون زيارة الرئيس الأمريكي الأولى لدولة أوروبية وترامب ذاهب إلى هناك فعلا في جولته الأولى. ولكنه بدأ من السعودية وهذا مهم وله دلالاته ولعلها اتضحت من كلمته التي ألقاها.
إن الحافز الأول لترامب لزيارة السعودية هي الصفقات التي وقعت لأنه في حاجة ماسة لتحسين صورته في الداخل والوفاء على الأقل بواحد من وعوده الانتخابية وهي الاقتصاد والوظائف. وفِي المقابل حصلت السعودية على شيئين أساسيين: سمعتها أنها تحارب الإرهاب وليست مصدر أو ممول له وتغيير رأي ترامب في الإسلام والمسلمين والسعودية والشيء الآخر دعم أمريكا لها ضد إيران ومطامعها. ولكن هل هذا المقابل مضمون وصامد ومستمر؟ ترامب أثبت أنه متغير وليس له موقف أو رأي ثابت فهل نستطيع أن نعتمد عليه؟
وقد استغلت السعودية، وهذا يحسب للدبلوماسية السعودية، هذه الزيارة لتأكيد مكانتها العربية والإسلامية للرئيس الأمريكي والعالم أجمع وإرسال رسالة واضحة لإيران وحلفائها وأنها معزولة و ربما كانت الخطوة التالية هو طلب تجميد عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي. ولكن يبقى السؤال: هل فعلا كل هذه الدول التي حضرت تقف خلف السعودية قلبا وقالبا؟ بعض هذه الدول ومنها دول عربية لها علاقات قوية مع إيران ومصالح مشتركة.
- أما موضوع حضور المرأة ومشاركتها فهو شيء مؤسف. مازلنا نتعامل مع المرأة كشيء جانبي نظهره للزوار الأجانب للفرجة وننسق فعاليات هامشية للنساء فقط للتعرف على المرأة السعودية وعادة ما تكون هي نفس الوجوه والشخصيات هي التي تحضر ولو أن هذه المرأة كان هناك بعض شابات الأعمال. المفروض تكون المرأة حاضرة من ضمن الوفد الرسمي الذي يستقبل ويجتمع ويتناقش وليست مجرد ديكور في الصالون. لو أن امرأة واحدة كانت موجودة في صف الوزراء والمسؤولين لها منصب ودور رسمي لكانت صورة واحدة تكفي وتغني عن كل البهرجة والكلام حول المرأة ومكانتها. وجيد أنه كانت هناك سيدات على المنصة ضمن المتحدثات في منتدى مكافحة الإرهاب ومنتدى مغردون.
وتطرقت أ. فاطمة الشريف إلى جانب آخر، وهو الجانب العلمي والبحثي؛ حيث تم خلال القمة اطلاق برنامج قادة التقنية وتوقيع اتفاقيات تعاون علمي بين مدينة الملك عبد العزيز و 10 جامعات مهمة لرفع مستوى البحوث التي يتم إجرائها في القطاعات الاستراتيجية إضافة لإتاحة الفرصة للمواهب في المجال التقني وتعزيز الملكية الفكرية لتمكين الابتكار في المملكة.
وفي موضوع جاستا أوضحت د. منيرة الغدير أنه يبدو أن القضية معلقة في ظل انشغال الإعلام الأمريكي بفضائح ترامب، ويبدو أن جاستا في الظل مؤقتاً. منذ يومين، نشر موقع “بريتبارت” الإخباري والمعروف بأنه يميني متطرف، بل إنه أكثر تطرفاً من فوكس نيوز، رسالة لزوجة أحد الضحايا في الحادي عشر من سبتمبر وتطالب فيه ألا ينسى ترامب دعمه لعائلات الضحايا ولقانون جاستا ومحاكمة السعودية، هذا جزء من خطابها: أولا، نتوقع أن يحاول السعوديون بالتأكيد إقناعكم بخيانة عائلات ١١ سبتمبر. إنهم لن يضعوها على هذا النحو، ولكن سيجادلون بدلاً من ذلك بأن جاستا يجب أن “تُغير” أو “تُعدل” للتخلص من “العواقب غير المقصودة”. من فضلك لا تدعهم يستخدمون هذا النهج غير الشريف.”
والمعروف أن ستيف بانون، مساعد الرئيس ترامب والذي حضر للرياض قد كان المدير التنفيذي للموقع الإخباري. ولم تتطرق الأخبار لموضوع جاستا وخاصة الصحف الأمريكية الرئيسة ولا حتى في تويتر، ما عدا بعض التغريدات القليلة.
الذي يجب أن نحرص عليه هو ألا ننسى المستقبل في علاقتنا مع أمريكا، و التركيز على العلاقة في شخص الرؤساء الذين يأتون ويغادرون وقضايانا تصبح في مهب الريح.
ترامب راحل ولابد أن تكون لدينا استراتيجية شاملة وطويلة المدى لحماية مصالحنا، والتاريخ شاهد على التفريط بفرص كثيرة، نتمنى ألا نكرر ذلك.
وقالت أ.د فوزية البكر: ربما المبالغة في أرقام الصفقات التجارية المتزامنة و الزيارة الأمريكية ، والمبالغة في مظاهر التكريم للرئيس وعائلته والتي أخذت بعدا شرقيا غير مبرر بل وربما مستهجن في العقلية الأمريكية ، وربما عدم وضوح العوائد السعودية من الصفقات المبرمة و ربما الاستعجال وعدم وضوح أهداف مركز الاعتدال إضافة طبعا لغياب النصف الثاني من المجتمع ؛ كلها جعلت الموقف مسرحيا أكثر مما هو حقيقي في عيون البعض، ولعل بعض التوضيح الإعلامي ضروري لكل هذه الأمور ، إضافة إلى حقيقية أن السياسي يجب أن يعرف برغبة السعودي الناضج والمتعلم اليوم في أن يستشار في كيفية إدارة المال العام وإدارة الصورة السعودية في الخارج.
في حين يرى أ. جمال ملائكة أنه و بعيدآ عن أي شبهة طنطنة أو تطبيل علينا قراءة زيارة الرئيس الأمريكي في ضوء التالي:
1- أفكار ترامب المسبقة عن الإسلام/المسلمين/العالم العربي/السعودية. و ما تكلم به أو كتبه في تغريداته تظهر بعض من أفكاره في هذا الشأن.
2- قانون جاستا الخطير جدا علي السعودية.
3- وجود صقر متطرف في الإدارة الأمريكية العليا “أوبانون”. و “فلين ” سابقا و هو متطرف في أفكاره علي العرب و المسلمين و غالبا يوجد غيرهما.
4- كوارث الثورات العربية علي الاستقرار العربي .
5- الأوضاع الكارثية في العراق/سوريا/مصر (اقتصاديا و إرهابيا)/اليمن و إلى حدٍ ما البحرين.
6- التهديدات الإيرانية الفعلية للعرب في العراق/سوريا/لبنان/اليمن/البحرين .
7- إطلاق الإرهاب الشيعي من قمقمه في العراق و البحرين و المنطقة الشرقية و ما يحمله هذا من تهديدات مستقبلية.
8- تعقد المشكلة الفلسطينية.
9- الإرهاب بصفة عامة.
لذلك ينبغي “تفهم” وضع صاحب القرار و فهم قرارته السياسية و الاقتصادية في ضوء ما جاء بأعلاه. الوضع ملتهب جدا وخطير جدا، و حتي الآن نجحت السعودية في محاصرة الكوارث أعلاه.
- رؤية استشرافية
من ناحيته قال د. فايز الشهري: لعل الرئيس “ترامب” مع إدارته الجديدة سيُعيد – كما وعد- ترتيب الملفات بروح تاريخيّة مسؤولة لمصلحة حلفاء أميركا ولمصلحة الأمن القومي الأميركي. ويمكن أن نشير هنا إلى أبرز خمسة ملفات على النحو الآتي:
الملف الأول:
ملف الأمن والسلام الذي يعد رأس مشكلات منطقة الشرق الأوسط. وترتكز مفاصل هذا الملف الملتهب في تل أبيب وطهران وجماجم جماعات الإرهاب في المنطقة. ولهذا فإن أي تسوية لا تحترم الحد الأدنى لحقوق وطموحات الشعوب لن يكتب لها البقاء وقد رأينا عدد الفصائل الفلسطينيّة والعراقيّة والليبيّة التي ظهرت بعد كل اتفاق هش أو مفروض. أمّا دور طهران الملالي فمنذ إطلالة أول عمامة سنة 1979 لم يكن الحال إلا فتنة وإرهابا في ظلال كل عمامة خمينيّة من العراق ولبنان وسورية واليمن إلى كل دولة خليجيّة وعربيّة. أمّا جماعات العنف باسم الإسلام فلم يكن أكثرها ليظهر لولا الحسابات الغربيّة الخاطئة التي أنشأت القاعدة في السابق وعصابات “داعش” اليوم.
الملف الثاني:
ملف الطاقة والتعاون الاقتصادي في ضوء حقيقة أن السعوديين كانوا دائما إيجابيين في توازن السوق العالمي وسد النقص في حالات الاحتياج واستثمار الفوائض في كل مكان بما عمّم النفع على الجميع.
الملف الثالث:
احترام الثقافات والخصوصيات الدينيّة وترك مجتمعات المنطقة تسير بوتيرة التطور الطبيعي الذي تحتمه ظروفها واحتياجاتها والعمل على تعزيز المشتركات الثقافيّة وتقوية مرتكزات القيم المشتركة بين الشعوب التي ستحقّق التسامح والتفهم.
الملف الرابع:
إدراك المستحقات والمسؤوليات السياسيّة التي ترتّبت على تقسيم القوى الغربيّة لخريطة الشرق الأوسط على هذا النحو العجيب مع استيعاب حقيقة أن من جلب الحطب لإذكاء النار لن يسلم من شررها مهما كان بعيدا.
الملف الخامس:
بناء الثقة وتحجيم السباق النووي وانتشار الأسلحة الفتاكة في المنطقة والعالم حتى لا تقع في الأيدي الخاطئة.
وتطرق د. فهد الحارثي إلى بُعْد استراتيجي مهم جداً لكل ما جرى مؤخرا في الرياض وهذا البعد تناوله كالآتي:
اللقاء الأمريكي – الغربي – الإسلامي الذي تم مؤخراً في الرياض / السعودية إنما يرسم نظاماً عالمياً جديدا ولاسيما على مستوى العلاقات الدولية و أمن العالم ، فالرياض هيأت وجهزت لهذا التحول الكبير في مستقبل العالم بتوفير الحشد العربي والإسلامي الهائل في عاصمتها بحكم صدقيتها وبحكم موقعها التاريخي والروحي و الجيوسياسي ، ما يكشف عن الخطة الجديدة للإدارة الأمريكية في التعامل مع مستقبل العلاقات الدولية والأمن في عالم اليوم ، و هذه الخطة كما يظهر مبنية على قاعدة إعادة تقسيم العالم ثيولوجيا أو دينياً، فالحقيقة الدينية هي التي على أساسها تتغذى الصراعات في عالم اليوم ، فهي إما أن تكون الهدف أو هي الأقل الوقود الذي تشتعل بفعله الخلافات. وعليه فقد حضرت الولايات المتحدة ( الغرب / المسيحي ) إلى الرياض ( عاصمة الشرق / المسلم ) وهي تضع في رأس أجندتها الإرهاب و إيران ، وبالمناسبة فالإرهاب يرفع غالباً ، بل دائما، راية الدين ، وتفعل مثله إيران في تأجيج الطائفية ، وبث الفرقة بين أصحاب الدين الواحد في الوطن الواحد من أجل إعطاء الشرعية لتدخلاتها في دول الجوار المستهدفة ما أضحى يشكل خطرا واضحا على الأمن في المنطقة برمتها بل في العالم كله.
الرئيس ترامب زارر إسرائيل والفاتيكان لتأكيد أن حقيقة الدين لا ينبغي إغفالها في التأثير على حاضر الكون و في توجيه مستقبله.
والرئيس ترامب عاد إلى واشنطن والى الأمريكيين بسلة غامرة من المنجزات حتى لو كان ذلك على مستوى تشييد البنية الأولى للنظام العالمي الجديد الذي يرتكز فيما يبدو على منظومة من الحقائق منها : الاعتراف بالحضارات البشرية وعدم مصادمتها أو مواجهتها أو استبعادها من أي تفاهمات أو تسويات، ومنها أيضاً أن الحضارات المتمايزة والمعتقدات هي في الأغلب النواة الأكثر فاعلية في الجامعة الموحدة للمؤمنين بها ، وأخيرا فإن القوة التي تقود الغرب ( المسيحي ) هي أمريكا وأن القوة التي تقود الشرق ( السلم ) هي السعودية وبالتالي فإن أي تسويات أو صفقات سياسية لا يمكن لها أن تتم دون أن يكون تفاهم هذين الطرفين وارداً في المعادلة ولاسيما عندما يكون الهدف هو محاربة الإرهاب ، فأي حرب للإرهاب يرفع راية الدين يمكن لها أن تنجح إذا لم يكن أصحاب الدين نفسه ( 50 دولة إسلامية ) طرفاً فيها ، إن أمريكا تدرك أنها لا تستطيع وحدها أن تفعل شيئا في المجال.
وتدرك الإدارة الأمريكية ، وهذا جزء من استراتيجيتها الجديدة ، أن النظام العالي الجديد الذي نشأ في الرياض اليوم ، لا يمكن أن يسير بالطريقة الناجعة أو بالاندفاع المطلوب إذا لم يكن هناك التفاتة جادة من العالم إلى مشكلات الحل السلمي في فلسطين ، ولهذا كانت إسرائيل والفاتيكان على أجندة الجولة الترامبية ، وقد يكون هذا هو الذي يوضح معنى ” صفقة العصر” الذي تحدث عنها ترامب ومحيطه من المستشارين والسياسيين.
عودة ترامب إلى واشنطن ستضع الأمريكيين أمام حقائق جديدة فيما يتعلق بمعضلات الإرهاب والأمن والسلام ، وأبرز تلك الحقائق أن لا سلام في المنطقة بدون حل للفلسطينيين ، وأن لا حرب حقيقية للإرهاب بدون تعاون حقيقي مع الدول الإسلامية بقيادة السعودية ، وأن لا حفاظ على استقرار الشرق المسلم كله بدون نزع سموم إيران التي تنفثها في كل مكان ، وبدن وقف تدخلاتها التي تزعزع الأمن في كل الاتجاهات.
يبقى أن المعركة المقبلة ستكون أمريكية – أمريكية : كيف سيتلقى أنصار ترامب وخصومه سلة ترامب السياسية والاستراتيجية المكتظة التي عاد بها اليهم مكتنزة بما لم يكونوا ينتظرونه ؟!
مستقبل جديد كهذا يحتاج إلى فرق عمل جادة تصون نتائجه الإيجابية .
ومن وجهة نظر د. إبراهيم البعيز فإن العلاقات المثمرة هي التي تبنى بين الدول وليس الحكومات – الدول باقية بينما الحكومات متغيرة – ولعل هذه الصفحة الجديدة من علاقتنا بأمريكا تكون علاقة دول ، والضمانة هنا أن تعزز هذه العلاقة بمحاور ثقافية بين مؤسسات مجتمع مدني تتيح فرصا للمزيد من التواصل وتحمي العلاقة من المطبات السياسية الطارئة.
وأشار أ. عبد المحسن القباني إلى أن ترامب ينحاز للاقتصاد و لأمر آخر؛ فقد رهن الاصطفاف بجانب السعودية بالمصلحة المشتركة وهي تطوير القطاعات المختلفة مقابل المال و الاستثمار. كما يبدو أنه يحاول أن يجعل السعودية والعرب أكثر جرأة في مواجهة طهران العدائية و أن يبدأوا مشوارهم في المواجهة حيث سيكون البيت الأبيض سعيدا برؤية الاقتتال يستعر في المنطقة.
وأشار أ.د. صدقة فاضل إلى أن أهم ما يريده العرب والمسلمون من أمريكا يمكن تلخيصه في التالي:
1- المساهمة في الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد العربية وحمايتها من التقسيم والتجزئة.
2- العمل بجد على مكافحة الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله والحرص على استتباب الأمن والسلام والاستقرار الحقيقي بالمنطقة.
3- حل الصراع العربي الصهيوني حلا عادلا يضمن تحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المظلوم.
4- المساعدة في إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط ونزع هذا السلاح من كل دول المنطقة.
وباعتقاد د. ناصر القعود فإن القمة ركزت على موضوع واحد هو مواجهة ومحاربة الإرهاب والدول الراعية له ، أما ما تخللها من إعلان للاتفاقيات والاتفاقات الاقتصادية سواء على الصعيد الرسمي أو بين القطاع الخاص في البلدين فقد أعدت ونوقشت قبل إعلان موعد القمة. ولاشك أن تأثير هذه الاتفاقات إيجابي على النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل مناسبة لخريجي برنامج الابتعاث، ولا يمكن تقدير عدد هذه الفرص إلاّ بعد الاطلاع على تفاصيل الاتفاقيات.
ومن جهته قال د. زياد الدريس: لم تنطو القمة على خير محض ولا شر محض، فيها وفيها، ككل اللقاءات السياسية! لكننا نتفاءل بأن خيرها يغلب شرها:
- استعادة الهيبة السياسية للمملكة العربية السعودية، بعد عواصف الربيع العربي.
- استعادة مركزية المرجعية الدينية لقبلة المسلمين.
- ضعضعة تهمة الإرهاب، ولا نقول إلغاءها!
- تعرية الدور الإيراني التخريبي في المنطقة، على أمل تحجيمه.
- الصفقات المالية الكبيرة مثيرة للقلق، لكن جعلها على ١٠سنوات يدعو للاطمئنان بشأن استقرار استراتيجي للبلاد بإذن الله.
وأضاف د. مساعد المحيا أننا نحتاج فعلا من أمريكا إلى مواقف تحسم مجريات الأحداث التي أرهقتنا ولاتزال ترهقنا؛ مثلا موضوع الإرهاب إذا كان هناك صدق في التوجه الأمريكي لمحاربته فنحن نحتاج أن نرى من الأمريكيين ما يعجل بحسمنا للمعركة على أرض اليمن وأن تعمل أمريكا لحسم موضوع سوريا والعراق؛ فالإرهاب المسلح يجد في هذه البيئات مناخا يجعله يتطور وينمو. ربما موضوع تفاصيل التسليح وما يتعلق بها يظل موضوعا عسكريا يتطلب السرية. لكن فعلا نحن نحتاج في الدولة السعودية الحديثة إلى مؤسسات مجتمعية تساهم في صناعة القرار وترشيده.
إن خطاب ترامب كان أقل من التوقعات ولم يكن يحمل سوى جملا تضخم الإرهاب في بيئة اكتوت من ناره ولاتزال. والمملكة اهتمت كثيرا بالتنمية في مناطقها ولشعبها ولم تنفق دخلها في الإنفاق العسكري كما صنع صدام مثلا لذا من المهم الحذر من أن تجر أمريكا دول الخليج لغرض التسليح ومن ثم يمكن إدخالها في حرب مع إيران وأذرعها .. بينما ينبغي أن يتم دفع كل الجهود لحل الأزمات بالحوار مالم تكن أمريكا ضد ذلك. ومن المهم الآن أن يلتزم ترامب مع المملكة وأن يكون على مستوى هذه التعهدات؛ إذ ينبغي أن لا يكون وصفه للحوثيين بالإرهابيين مجاملة لتسويق أجندة أمريكية إذ أن هذا تطور جيد لكن ينبغي أن لا يكون هذا الخطاب على استحياء. أيضاً فإن الدولة السعودية الحديثة تحتاج لاستراتيجية جديدة لصناعة القرار تماما كما يحدث في كثير من دول العالم …الخ ، ومثل هذا الطرح والتوسع فيه قد لا يجد قبولا لدى بعض تلك القنوات؛ لأن طبيعة التساؤلات تذهب للخطاب الذي يتحدث باتجاه السياق الدعائي الاحتفالي العام.
ومن جهته يرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية والقمم الثلاث، هي حدث تاريخي نجح فيه وطننا باقتدار وإبهار عبر سياساته الخارجية المؤثرة وعبر سياساته الداخلية الداعمة ولابد من استثماره و التعامل معه بوعي و اقتدار واتزان. وعلى وعلى هذا يمكن الإلماح إلى بعض النقاط :
- نجح وطننا في توجيه البوصلة المرجعية للعالم الإسلامي نحو مكة بعد أن كادت أن تختطفها قبلة أخرى، ولكن لابد من المحافظة على ( موقع البوصلة ) فكلما تغير الموقع تغير الاتجاه.
- يحتاج وطننا إلى ضبط البوصلة الوطنية الداخلية نحو هويته الإسلامية العالمية المعتدلة كما نجح في ضبط بوصلته العالمية الخارجية ، والإخفاق في ضبط البوصلة الداخلية نحو الهوية قد يؤذن لزعزعة البوصلة الخارجية.
- يفترض بوطننا الآن ألا يكتفي بما تم تحقيقه من نجاح فما كان من نجاح هو فتح باب على مصراعيه ، يحتاج للياقة عالية جدا على المستوى السياسي والاقتصادي و العلاقات الدولية ؛ فالمرحلة القادمة هي إيذان بمزيد من الواجبات على السعودية تجاه العالم يتوازى معه مزيد من الحقوق لصالح السعودية التي لابد أن تنتزعها بكل حزم و عدل وحكمة.
- لابد أن ندرك أن التعامل مع الرئيس ( التاجر ) قد يسهل علينا كثير الحصول على المكتسبات لأن لغته ( المصالح ) فليس من الحكمة أن يزج السياسي السعودي بلغة غير هذه اللغة في مسار القاطرة السياسية الآن. وينبغي التنبه أن لغة ( المصالح ) بقدر جاذبيتها وتأثيرها الإيجابي فلها منحنى سلبي خطير فقد تهدم ما بني نظير مصلحة أخرى أكثر جدوى ؛ وهذا يحتم علينا أن نسعى لتحويل مبادئنا إلى لغة مصالح مع الصديق الأمريكي لأن في هذا المزيج بتحويل مبادئنا إلى مصالح جاذبة للأخر عمر أطول يصعب الانفكاك منه بسهولة.
- المركز العالمي لمكافحة التطرف ( اعتدال ) يمكن التوصية له بعبارة واحدة (اعتدال لابد أن يقف باعتدال ليحظى بالاعتدال …).
- يحتاج وطننا بعد هذا الحدث التاريخي إلى تكثيف مراصد ومراكز التفكير التابع لنا حول العالم ؛ فالاستثمار الحقيقي هو في إدراك المعلومة الصحيحة والمناسبة في الوقت المناسبة و بالشكل المناسب واستثمارها بالطريقة الصحيحة.
وفيما يخص الأدوار المستقبلية المتوقع أن ينهض بها مركز “اعتدال” لمكافحة التطرف والذي تم تدشينه على أن تكون عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض مركزًا له، ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أنه يعتمد على نظام حوكمة رفيع المستوى. ومركز اعتدال يرصد اللغات واللهجات الأكثر شيوعا لدى المتطرفين. ويعمل في مركز اعتدال خبراء دوليون ومتخصصون في مكافحة التطرف و السعي لمنع انتشار الأفكار المتطرفة ، وذلك عبر تعزيز التسامح والتعاطف ، ودعم نشر الحوار الإيجابي . ويقوم المركز بمراقبة أنشطة تنظيم “داعش” الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية على الإنترنت.
وأوضح د. حامد الشراري أن مركز اعتدال مركز متميز وأبهر الحضور، وتم إنشائه في وقت قياسي، يستخدم التقنيات المتقدمة كما يستخدم بعض التطبيقات التي أنتجت محليا والتي تتعرف على اللهجات ولها القدرة على تحليل التعاطف كما ذُكر، ويشرف عليه مجموعة من الخبراء. والمركز بحق مفخرة وطنية.
وذهب د. عبدالرحمن الشقير أنه لا شك أن اعتدال مركز عالمي وجدير بافتتاحه العظيم. لكن العرض تركز على التصميم وأهمل أو لم يوضح بقوة ما دوره الفعلي. وعلق د. عبد الله بن صالح الحمود بأن المركز لايزال في طور البناء ، نفذ المبنى خلال شهر تقريبا ، وهذا يعد إعجازا وإنجازا ليس من السهل الحكم على طبيعة أعمالها ومخرجاته.
بينما أشار أ. عبد المحسن القباني إلى أن المركز مهم خصوصا ونحن في عصر جديد بنوع متطور من الحروب و هي الحروب الخلاسية hybrid war. وقد كتب الصحفي عبدالرحمن الفارسي عن تلك الحروب:” … حملات ترويج المعلومات التضليلية، وتحطيم سمعة الأشخاص والمؤسسات، والتسلل لأنظمة معلومات الحكومات والشركات والأفراد، وتسخير المواطن لنشر البروباغندا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وزرع الجواسيس في منظمات المجتمع المدني وحتى في البرلمانات وجماعات الضغط (لوبيات) واعتماد العقوبات (أو الإغراءات) الاقتصادية. الحكومات الغربية شرعت فعلا في وضع خطط لمواجهة هذه “الحروب الخلاسية”.
وترى د. الجازي الشبيكي أن مركز مكافحة التطرف (اعتدال) مبادرة وخطوة رائعة من خطوات تحقيق ذلك الهدف ولكنها يجب أن تتكامل مع خطوات آنية مماثلة في عدة مؤسسات ومراكز معنية بهذه القضية في المجتمع ولا تعمل بشكل منفرد ، إلى جانب إعطاء أمر المعالجة الجذرية للمشكلة أهميته الكبرى التي يستحقها ولا يُكتفى بالمعالجات الآنية فقط . والمقصود بالمعالجات الآنية بذل الجهود الحثيثة المبنية على الدراسات الواقعية التطبيقية للوصول للأسباب الحقيقية للتطرف !! هل هو الفهم الخاطئ للنصوص الدينية والتعاليم الشرعية؟ أم هو بسبب المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة والعنف الأسري وغيرها؟ أم هو بسبب الإقصاء المجتمعي للشباب والمحسوبيات والفساد التي تؤدي كلها لضعف الشعور بالانتماء الوطني وبالتالي الانضمام لأي تجمعات وأفكار تطرفية؟
إن الوصول بصدق ودقة وموضوعية وأمانة لتلك الأسباب الجذرية في بلداننا العربية والإسلامية من خلال مجمعات الفقه الإسلامية المتعددة ومن خلال الجامعات والمراكز العلمية البحثية وغيرها، ثم التخطيط السليم طويل المدى لمعالجتها بنفس الصدق والدقة والأمانة والموضوعية على حساب المصالح الذاتية والآراء الأحادية للأفراد والأحزاب والتعصبات المذهبية والمناطقية والقبلية ، كفيل بعون الله بمعالجة مشكلة التطرف وما يتبعه من عنف وإرهاب في بلادنا وجميع البلاد العربية الإسلامية وبلاد العالم.
المحور الثاني
إفلاس الشركات… وآثاره الاقتصادية والاجتماعية
الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
إفلاس الشركات من القضايا الاقتصادية التي فرضت نفسها نتيجة التغيرات الاقتصادية ، فإفلاس الشركات أكثر أهمية من إفلاس التاجر كشخص، ففي حالة إفلاس التاجر تكون المحافظة على أمواله ووضع اليد عليها لمصلحة الدائنين. أما للشركات فإنه إلى جانب الدائنين توجد مصلحة المساهمين الذين لا يشاركون مباشرة في إدارة الشركة وأسهمهم تمثل مدخراتهم واستثماراتهم، لذلك فإن وضع اليد على مقومات الشركة في حالة الإفلاس حفاظاً لهذه الأموال من العبث.
الإفلاس أمر شائع وطبيعي في عالم التجارة المليء بالمخاطر، وليس من العيب الإعلان عن الإفلاس وإعلانه. وهناك فرق بين الإفلاس والتفالس، فالإفلاس هو اضطراب في أعمال التاجر وعجز في إمكانية سداد ديونه نتيجة الخسارة الطبيعية فهو أمر تجاري يقع على الرغم من إرادة التاجر.
يحدث الإفلاس حين لا تمتلك الشركة القدرة على سداد ديونها، ولا يتبقى شيء من الأموال لأصحابها، لذلك فسوف تقل قيمة الأسهم أو تفقد قيمتها تماما نتيجة للإفلاس، وقد يعود إفلاس الشركات إلى ضعف إدارتها وانعدام الخبرة التي ينتج عنها إصدار سلسلة من القرارات السيئة، التي تؤدي إلى عدم قدرة الشركة على دفع الأموال إلى دائنيها، هذا إضافة إلى التغيرات غير المتوقعة في بيئة الأسواق التي تعمل بها الشركة، مما يؤدي إلى انخفاض مبيعاتها.
وهناك نوعان من الإفلاس؛
- الأول: تُدفع فيه أصول الشركة التي يتم تصفيتها بواسطة وكيل الدائنين، وإذا كان هناك فائض من العائدات بعد ذلك، فإنه يذهب إلى المساهمين، وهذا أمر نادر الحدوث، حيث ينتهي الأمر بالمساهمين في أغلب الأحيان إلى عدم الحصول على أي شيء، وتفقد الأسهم قيمتها.
- الثاني: يتم فيه التفاوض على تسوية ديون الشركة بواسطة وكيل الدائنين، وفي الحالتين إذا كانت الشركة عامة، ويتم تداول أسهمها في البورصة، فيتم تعليق تداول الأسهم.
من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإفلاس وفشل النموذج التجاري المشاكل التي تتعلق بنموذج العمل، فالطريقة التي تتطور الشركة من خلالها وتخلق قيمة لعملائها، وهو عنصر أساسي في استراتيجية الشركة، ومع ذلك فإذا كان نموذج العمل غير راسخ أو محفوفاً بالمشاكل، فإن العمل يكون معرضا للمخاطر، ويُمكن أن تشمل المشكلات في نموذج أعمال الشركة؛ السوق المشبعة، ففي بعض الأحيان تحاول الشركة الوصول إلى مستهلكين لا يحتاجون أكثر من منتج معين موجود في السوق من الأساس، وبذلك تواجه الشركة صعوبات من أجل إيجاد قاعدة عملاء. كما أن وجود كثير من المنافسين قد يكون له تأثير كبير فكلما كان السوق ممتلئاً بالمنافسين كلما صار أصعب على الشركات أن تحصل على حصة من السوق، وقد تكون المنافسة قوية للغاية وتدفع بالشركات الجديدة للخروج من السوق بسبب عدم قدرتها على المنافسة. أيضاً صعوبات الدخول، حيث يصعب الدخول إلى بعض القطاعات بسبب متطلبات قانونية أو تكاليف الإطلاق المرتفعة، مما يجعل عملية الدخول نفسها بالنسبة للشركات صعبة ومرهقة للغاية، ويمثل ذلك فشلاً للشركات من قبل البدء. وللأفكار السيئة دور كبير فبعض رواد الأعمال يعتقدون أن لديهم فكرة رائعة وأن منتجاتهم ستحقق نجاحا كبيرا بمجرد دخولها إلى السوق، لكنهم لا يأخذون الوقت الكافي لدراسة السوق المستهدف أو اختبار المنتج على نحو فعال. وتتفاجأ بعض الشركات بصعوبة التنفيذ، التي تكون متفائلة بخصوص المنتج، من دون أن تدرك صعوبة أو عدم توافر الموارد، أو المواهب اللازمة لمواصلة مسيرتها. كما ينبغي على الشركات أن تفهم أهمية التكنولوجيا وأنظمة الحوسبة في تنفيذ الأعمال، وفي مساعدة الشركة على توفير ملايين الدولارات، فالشركات التي تحاول المنافسة بتقنيات قديمة قد تفقد القدرة على التنافس، ولن تستطيع المواصلة لفترة طويلة.
وهناك مشكلات أخرى منها مشاكل تتعلق بسوء الإدارة، في بعض الأوقات يكون لدى رواد الأعمال دافع كبير للمنتج أو الخدمة التي يقدمونها دون أن يكون هناك إدارة جيدة. وأيضاً نقص البحث والتخطيط، الفشل في تحديد وفهم السوق والعملاء وعادات الشراء لديهم، ويتطلب ذلك الأمر شهورا من البحث والتخطيط، والإجابة المحددة عن بعض الأسئلة مثل من هم العملاء؟ كيف تسير المنافسة في هذا القطاع؟ ما المجموعة التي ينبغي استهدافها؟ ما سياسة التسعير الملائمة للعميل والسوق المستهدفين؟ وأيضاً ضعف القيادة، فهناك بعض الأمور التي ينبغي توافرها في مدير الشركة من أجل قيادتها نحو النجاح، والتي تشتمل على الخبرة وفهم الأعمال، والقدرة على التفكير تحت الضغط، والقدرة على تحديد الأولويات، واتخاذ القرارات الصعبة، القدرة على التعامل بفعالية مع وجود النقد، إضافة إلى القدرة على الإلهام والتحفيز، وقد تتعرض الشركة لمشكلات بسبب نقص هذه الأمور في أساسيات القيادة. وأيضاً الأوضاع المالية، فبعض الشركات لا تدرك كم الأموال التي تحتاجها من أجل استمرار وجودها، فعلى أصحاب الأعمال إدراك هذه النقطة وتحضير الأعمال على أساسها، وإلا تعرضت الشركة للإفلاس. كما أن نقص التدفقات النقدية يؤدي لإخفاق كثير من النماذج التجارية ، فالهدف من أي مشروع تجاري هو تحقيق أعلى قدر من المبيعات والأرباح، إلا أن إدارة مشروع تجاري مربح لا يعني بالضرورة البقاء، ففي حين أن بعض الشركات لديها حجم مبيعات مرتفع وهامش ربح معقول، إلا أنه يُمكن وقوع الكثير من المشكلات حين لا يكون الدفع نقدًا، فهناك الكثير من الفواتير التي ينبغي أن تدفعها الشركة نقدًا، وتتعرض بعض الشركات إلى نقص التدفق النقدي، مما يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لوضع الشركة. ولا يخفى علينا أن المشاكل الاقتصادية تؤدي إلى صعوبة بقاء الأعمال، وتشمل المشكلات الاقتصادية التغيرات في الإنفاق، حين لا يكون لدى العملاء أموال كافية لإنفاقها، إذ تنهار العديد من الشركات خلال مراحل الركود. كما وتشمل العوائق الاقتصادية أيضا التغيرات في اتجاهات المستهلك والصناعة، وتفشل الشركات حين تخفق في التكيف مع تغير اهتمامات العملاء وتوقعاتهم، مما يعني أن خطا كاملا من إنتاجها يُمكن أن يكون عفا عليه الزمن. وأخيراً؛ المشاكل القانونية، والتي تكون عادة مكلفة للغاية، ويُمكن أن تتسبب في إفلاس الشركة، وتشمل تلك المشكلات الدعاوى القضائية التي يُمكن أن يرفعها العملاء، والمشكلات المتعلقة بتغيير القوانين واللوائح.
والإفلاس له عدة أوجه منها؛ الإفلاس البسيط، والذي يحصل عندما يتوقف التاجر عن دفع ديونه التجارية بسبب ظروف سياسية أو اقتصادية طارئة تؤدي إلى نقص أو ضعف في قيمة موجوداته ناتج عن كساد السوق أو المواسم أو عن حرب أو عسر أو خسارة لحقت ببعض زبائنه فتأثر بها. أما الإفلاس التقصيري، فإنه ينجم عن أخطاء يرتكبها التاجر، كأن يسيء ويبالغ في الإنفاق على نفسه وعائلته أو أنه قد يعمد إلى المضاربات في الأسواق المالية (البورصات) أو إلى استعمال سندات الإعارة أو سحب شيكات بدون رصيد، فمثل هذه الأعمال تشكل جنحة الإفلاس التقصيري المعاقب عليها جزائياً بعقوبة جنحية. والنوع الثالث وقد يكون أخطرهم هوّ الإفلاس الاحتيالي، فإنه يحصل عندما يلجأ التاجر إلى إخفاء أمواله والهرب بها أو ببعضها، أو عندما يلجأ إلى إخفاء دفاتره أو ارتكاب التزوير فيها، مما يوجب محاكمته جنائياً بذلك.
وقد تم نشر نظام المحكمة التجارية عام 1350 هـ في السعودية حيث جاء في الباب العاشر منه تنظيمآ لمسائل إفلاس الشركة أو التاجر. وبعد التطور في عالم التجارة في المملكة أصبحت الحاجة ملحة لنظام يعالج قضايا تعثر الشركات أو التجار. وفي عام 1416 هـ استدركت الدولة أهمية الأمر، فقامت بنشر نظام الصلح الواقي من الإفلاس. حيث إن فلسفة النظام تقوم على تجنيب التاجر أو الشركة المتعثرة ماليا من إعلان الإفلاس، والتمكين من مواصلة النشاط وعدم الانهيار والحفاظ على استقرار المعاملات وتمتين الاقتصاد الوطني وذلك بامتصاص الهزات التي يتعرض لها التجار في أعمالهم. ومن مرونة نظام الصلح الواقي من الإفلاس، أنه أعطى الشركة أو التاجر حق الاختيار في إبرام الصلح إما من خلال الغرف التجارية بوزارة التجارة أو الدوائر التجارية في ديوان المظالم. إن سياسة التخويف والتصريحات السلبية من بعض المسؤولين للقطاع الخاص نتائجها سلبيه، وسياسة الدعم والمساندة والتشجيع والمساعدة لحل بعض العقبات بما فيها التمويل سوف تسهم في تحقيق نتائج أفضل من الترهيب لمستقبل القطاع الخاص. ويمكن حل بعض مشاكل الإفلاس من خلال دعم الصناديق الحكومية أو دمج بعض الشركات المتعثرة مع شركات حكومية تشابهها قطاعياً، ودعمآ لرؤية المملكة 2030، وأهمية تنظيم مسائل إفلاس الشركات وتعثرها أدركت وزارة التجارة أهمية هذا الموضوع و قامت بإعداد مسودة لمشروع نظام إفلاس الشركات الذي يعالج قضايا الإفلاس والتعثر، وتم نشر مسودته لأخذ آراء المختصين، وتم الرفع لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء لدراسته. وقد تميزت الدراسة بالمقارنة بين دول متقدمة في هذا الشأن، والبدء من حيث انتهى الآخرون، والمعالجة لأبرز المسائل الجوهرية لإفلاس الشركات وتعثرها. وهذا النظام بعد صدوره، يحتاج جهوداً لتطبيقه على أرض الواقع؛ من ذلك تثقيف مجتمع الشركات بأهميته من خلال إقامة ورش عمل، وتدريب وتأهيل القضاة عليه، وغيرها.
- مسودة نظام الإفلاس:
http://m.mci.gov.sa/MediaCenter/elan/Documents/01.pdf
- المذكرة التوضيحية لنظام الإفلاس:
http://m.mci.gov.sa/MediaCenter/elan/Documents/01.pdf
التعقيب الأول: أ. محمد بن فهد العمران
لا شك أننا في المملكة العربية السعودية نفتقد اليوم لوجود قوانين تنظم عملية إفلاس الشركات بالشكل المتبع به في دول متقدمة أو حتى في دول إقليمية سواء كان ذلك بهدف إعادة الهيكلة الداخلية للشركات أم لتنظيم حقوق الدائنين سواء كانوا داخليين أم خارجيين.
و بسبب عدم وجود أنظمة للإفلاس التجاري في المملكة فقد برزت حالة “عدم الثقة” بين المنشئات التجارية مع بعضها البعض بكل أسف و هذا بدوره أدى لزيادة التكاليف لأن كل طرف أصبح يريد ضمان حقوقه من خلال التحوط ضد أي احتمال لعدم الالتزام من الأطراف الأخرى آخذين في الاعتبار ضعف المحاكم الشرعية في ضمان الحقوق و تعقيداتها التي لا تخفى على أحد.
بالنسبة للتاجر الفرد فلا توجد مشكلة هنا لأن الأنظمة الشرعية نظمت ذلك منذ زمن طويل من خلال إصدار “صك الإعسار” في حال الإفلاس إضافة إلى انحسار دور المؤسسات الفردية و شركات التضامن في السنوات الأخيرة و بروز الشركات ذات المسؤولية المحدودة كخيار مفضل لتأسيس الكيانات التجارية.
و ما ذكرته الدكتورة نوف فهو صحيح تماماً حول ما يتعلق بنظام المحكمة التجارية عام ١٣٥٠هجري و بنظام الصلح الواقي من الإفلاس عام ١٤١٦ هجري، و لكنه لا يكفي بأي حال من الأحوال و لا يقارن أبدا مع أنظمة الإفلاس التجاري المطبقة في دول العالم و التي تنظم العملية تحت إشراف قضائي و وفق إجراءات تضمن حقوق جميع الأطراف.
هنا يجب الإشارة إلى أن تفعيل محاكم التنفيذ في المملكة مؤخرا و ما تبع ذلك من إيقاف للخدمات الحكومية ضد من صدرت ضدهم أحكام، فهذا الأمر لعب دور كبير في ضمان حقوق الدائنين على الأفراد و الشركات و نجح في سد بعض الفجوات الحالية لكنه بلا شك لا يغني عن وجود أنظمة للإفلاس التجاري.
أيضا يجب أن لا نغفل الدور الكبير الذي لعبته وزارة التجارة مؤخرا في وضع مسودة مشروع لأول نظام إفلاس تجاري في المملكة يستنبط المعايير الدولية و هذا تطور مهم جدا لتنظيم إفلاس الشركات بالطرق الصحيحة و أعتقد أننا الآن قريبون جدا من بدء تطبيق نظام الإفلاس التجاري بشكله الشامل الجديد.
و في رأيي الشخصي فإنه إذا نجحت المملكة في تطبيق نظام الإفلاس التجاري الجديد و تفعيل محاكم التنفيذ جنباً إلى جني فإننا حتما سنكون أمام مرحلة جديدة ستتعزز فيها الثقة و المصداقية في ممارسة الأعمال التجارية و سيؤدي ذلك حتما إلى تقليص المخاطر و تخفيض التكاليف، و الأهم أن ذلك سيساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المدى الطويل.
التعقيب الثاني: أ. علي بن علي
سيتطرق هذا التعليق لبعض الجوانب القانونية المذكورة في الورقة وذلك لكون هذه الورقة هي ورقة عمل اقتصادية عن الإفلاس التجاري أي إفلاس التجار، ولكن الورقة تعرضت للعديد من الجوانب القانونية التي تحتاج إلى إبداء بعض الملاحظات بشأنها، إضافة إلى أنها لم تتناول العديد من الجوانب القانونية التي تمثل الأثار الحقيقية للإفلاس ويبنى عليها آثاره الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما نبينه في الملاحظات التالية.
أولا: التعليق على بعض الجوانب في ورقة العمل:
1- ورد في ورقة العمل ما يلي: (الإفلاس أمر شائع وطبيعي في عالم التجارة المليء بالمخاطر، وليس من العيب الإعلان عن الإفلاس وإعلانه)، وأفيد هنا أن إفلاس التاجر حالة استثنائية للغاية، ولأن الأصل في التاجر هو القدرة على المحافظة على أمواله وأموال شركائه وأموال الدائنين، أما القول بأن الإفلاس لا يعد عيبا، فهو قول يتناقض مع الآثار المدنية للإفلاس التي تؤدي في بعض الأحيان لإسقاط الأهلية المدنية عن التاجر المفلس وتحرمه من الكثير من حقوقه المدنية مثل حق الترشح للوظائف العامة أو الانتخابات الخاصة بالغرف التجارية أو المجالس البلدية .
2- ورد في ورقة العمل ما يلي: (يحدث الإفلاس حين لا تمتلك الشركة القدرة على سداد ديونها، ولا يتبقى شيء من الأموال لأصحابها، لذلك فسوف تقل قيمة الأسهم أو تفقد قيمتها تماما نتيجة للإفلاس)، وهذا قول يحتاج إلى تصحيح، فالإفلاس القانوني لا يتحقق إلا بشرطين معا، الأول التوقف التام عن سداد الديون والثاني أن تكون الخصوم أعلى من الأصول، وأي مظهر آخر من مظاهر التعسر أو الأزمات التجارية لا يدخل تحت مسمى الإفلاس بالمعنى القانوني.
3- ورد في ورقة العمل رصد نوعين من الإفلاس، وكلاهما عن تصفية الديون بواسطة وكيل الدائنين، ولكن لم تتناول ورقة العمل الإفلاس بواسطة المصفي القضائي، لأن الإفلاس في الأساس لابد أن يتم تحت رقابة القضاء، وعادة ما تعين المحاكم مصفيا محايدا يتولى سداد الديون وفق ترتيبها القانوني من حيث أولوية السداد، ويسدد ما تبقى للتاجر أو الشركاء أو المساهمين أو يقوم بسداد الديون وفق مبدأ قسمة الغرماء.
ثانيا: الجوانب القانونية التي تتناولها ورقة العمل:
سوف نحرص هنا على أن نستعرض بعض الجوانب القانونية التي لم تستعرضها ورقة العمل – لكونها ورقة اقتصادية – في ضوء اطلاعنا كذلك على مشروع نظام الإفلاس الذي أعدته وزارة التجارة والاستثمار، حيث يتمثل ذلك فيما يلي:
1- تعريف الإفلاس:
لم يتم تحديد مفهوم الإفلاس أي النقطة التي يبدأ عندها النقاش حول كون التاجر مفلسا أم غير مفلس، لأنه لا يمكن الحديث عن إجراءات الإفلاس بشكل مطلق، ولكنها تكون قاصرة فقط على التاجر الذي توافرت شروط معينة له لكي يعلن إفلاسه، أو توافرت معطيات معينة بيد دائنيه للادعاء بإفلاسه أو احتمال تعرضه للإفلاس، والملاحظ هنا أن مشروع نظام الإفلاس المعد من وزارة التجارة والاستثمار ومذكرته التوضيحية، كلاهما لم يتعرضا لمسألة تعريف الإفلاس على النحو المبين أعلاه.
2- إجراءات الإفلاس:
إن إجراءات الإفلاس والتي هي بطبيعتها إجراءات معقدة للغاية، سواء فيما يتعلق بالجهات المختصة بإعلان الإفلاس، أو الجهات التي تشرف على تنفيذ إجراءاته، أو ذوي الحق في المطالبة بالإفلاس، إضافة إلى كيفية التسوية الوقائية وحقوق صغار المدينين، وهي عناصر تناولها مشروع نظام الإفلاس المعد من وزارة التجارة والاستثمار ومذكرته التوضيحية بشكل مفصل.
3- أنواع الإفلاس:
الإفلاس ليس إجراء نمطيا واحدا أو نوع واحد، فهناك أنواع متعددة من الإفلاس كما أن هناك مستويات متعددة لكل نوع، وهناك إجراءات خاصة بكل من هذه الأنواع، كما أن الآثار القانونية لكل من هذه الأنواع يختلف فيما يتعلق بالدائن والمدين، فهناك الإفلاس الطوعي وهناك التسوية الوقائية للمديرين وهناك الإفلاس بناء على طلب الدائنين وهناك الإفلاس الإداري الذي تباشره الجهة الإدارية رغما عن التاجر والدائنين، وكل من هذه الأنواع له شروطه ومعطياته، وهو ما لم تتعرض له الورقة.
4- معايير التقييم:
لم تتم الإشارة إلى المعيار الذي يتم على أساسه تحديد موجودات التاجر المفلس التي يتم سداد الديون منها، هل على أساس رأس المال الاسمي أم الدفتري أم القوائم المالية، أم على أساس الجرد الفعلي، ومن الملاحظ أيضا أن مشروع نظام الإفلاس المعد من وزارة التجارة والاستثمار ومذكرته التوضيحية، لم يتناول هذا الجانب على نحو مفصل وحاسم يمنع الخلاف عند التطبيق، لأن هذا الأمر بالذات يمكن أن يكون مفتاح التحايل من قبل التاجر الذي يلجأ للتسوية الوقائية أو المدعى عليه بالإفلاس من قبل الدائنين.
5- الآثار المدنية والتجارية:
إن أثر الإفلاس على أهلية التاجر المدنية والتجارية، حيث أن أثر الإفلاس لا يقتصر فقط على سداد الديون، وتصفية الكيان القانوني للتاجرـ بل يمتد كذلك إلى أهليته المدنية والتجارية، مثل الحرمان من تأسيس شركات جديدة أو عضوية مجالس إدارات الشركات أو تولي المناصب العامة، ويتحدد نوع الأثر اللاحق حسب نوع الإفلاس والإجراءات التي قررتها المحكمة، كما أن مشروع نظام الإفلاس المعد من وزارة التجارة والاستثمار ومذكرته التوضيحية، لم يتعرضا لها على النحو الذي يحول دون تفرقها في عدة أنظمة أخرى، وبشكل يحدد الأثر المدني والتجاري الذي يتناسب مع نوع الإفلاس الذي خضع له التاجر.
6- مبدأ التتبع وترتيب الديون:
تناول مشروع نظام الإفلاس المعد من وزارة التجارة والاستثمار ومذكرته التوضيحية مبدأ التتبع أي تتبع أموال التاجر المفلس وحصرها كإجراء يقوم به المصفي القضائي المعين من قبل المحكمة أو مأمور التفليسة، كما أعادة النظام ترتيب الديون العادية والديون الممتازة نظرا لتغير وفقا للتغيرات التي شهدها النشاط الاقتصادي وطبيعة العلاقات التجارية والاستثمارية، خاصة فيما يتعلق بحماية ديون صغار الدائنين، في الوقت الذي لم تتعرض فيه ورقة العمل لهذه الجوانب.
المداخلات حول القضية:
- أبعاد إفلاس الشركات في الواقع السعودي
ذكر أ. سمير خميس إلى أنه نادراً ما نسمع بإفلاس شركات سعودية، وهذا لا يعني أنه لا يوجد شركات لا تفلس، وإنما أن هناك عوائق قضائية وأمنية واجتماعية وإعلامية لإشهار الإفلاس، وعليه يكون التساؤل: هل هذا هو الوضع السليم؟ ولماذا؟ كما أن كثير من الشركات العالمية تتجنب الدخول في السوق السعودي لعدم وضوح الآلية في نظام الإفلاس، ومن ثم من الضروري التساؤل حول مدى دقة هذه العبارة.
وفي هذا الصدد أوضح أ. محمد بن فهد العمران أن العبارة الأخيرة المشار إليها عبارة صحيحة إلى حد كبير، والحقيقة أن المملكة شهدت إفلاس و تعثر عدد كبير من الشركات و الأفراد على مدى عقود من الزمن، لعل أبرزها إفلاس شركة السيارات العربية و البنك الوطني في مرحلة ما قبل الستينات الميلادية. و أبرز حالات التعثر كانت لبنك الرياض عام ١٩٦٢م و بنك القاهرة السعودي بداية الثمانينات الميلادية. و في عصرنا الحديث لا ننسى إفلاس إحدى أكبر المجموعات التجارية في المملكة و ربما أكبر مجموعة تجارية في المنطقة الشرقية و نقصد تحديدا مجموعة القصيبي و شركات سعد التي شكلت صدمة اجتماعية و اقتصادية للجميع، و لا ننسى أيضا إفلاس مجموعة المعجل و شركة المتكاملة.
وبالعودة إلى الولايات المتحدة بداية الثمانينات الميلادية و التي شهدت ارتفاع حاد في أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي بلغت نحو ٢٠٪ في السنة خلال تلك الفترة، زادت وتيرة إفلاس الشركات قسريا أو اختياريا و هذا بدوره زاد من معدل البطالة من ٧.١٪ عام ١٩٨٠ إلى ٩.٧٪ عام ١٩٨٤ ؛ و هذا دليل على وجود ارتباط موجب بين المتغيرين – الإفلاس و البطالة.
وأضاف م. حسام بحيري أن هناك نوع آخر شائع من أنواع الإفلاس وهو الإفلاس الوقائي ونرى هذا محصور في الشركات ذات المسؤولية المحدودة والتي حسب النظام ليست مسؤولة عن خسارة أكثر من رأس مالها وتعطي حمايه للمالك أو الملاك. وتستخدم الشركات ذات المسؤولية المحدودة على نطاق واسع حول العالم لحصر الأضرار الناتجة عن خسائر أو ديون أو أحكام قضائية أو أي مشاكل أخرى قد تنتج أو تسبب أضرار، فإذا كانت شركة مديونه بمبلغ مليون ريال لا تستطيع أن تسدده ورأس مالها المعلن ٢٥٠ الف ريال فلا يمكن تحصيل أكثر من مبلغ ال ٢٥٠ الف ريال، وإذا كان هناك قضايا مالية ضد الشركة بأي مبلغ كان فلا يمكن تحصيل أكثر من مبلغ رأس المال وهذا يوفر حماية لملاك الشركة للأسف في أنظمة تأسيس الشركات وخصوصا في الدعاوي القضائية في المملكة لا يوجد شيء اسمه مالك أو ملاك المسؤولية تقع فقط على مدير عام الشركة المسجل رسميا وقد يكون مالك للشركة أو مجرد موظف إداري.
ولعل السبب الرئيسي لعزوف الكثير من الشركات الكبرى العالمية في الدخول للسوق السعودي يكمن في نظام التقاضي والحكومة وهي المشكلة الرئيسة الموجودة عندنا. لا يمكن أن تسترد حقوقك بسهولة في محاكمنا. وعلى سبيل المثال فقد كان هناك شركة أجنبية خدعت أكثر من ٣٠ شركة سعودية بمبالغ تتعدى ال ٧٠٠ مليون ريال ولها سجل قضائي ضخم في المحاكم. القضاة كانوا رافضين حتى أن يطلعوا على سجلها القضائي المليء بالمشاكل وكانوا يعاملوا كل قضية رفعت ضدها كأنها دعوى لأول مرة. بالإضافة إذا رفعت ضدك أي دعوى قضائية مهما كنت مذنب تستطيع أن تؤخر حضورك للمحكمة من فترة ٣-٨ أشهر قبل البدء حتي في النظر في قضيتك. نحتاج فعليا إلى أنظمة حوكمة مدنية فعالة تعتمد على خبراء ومحترفين في القانون التجاري.
أيضا ومن ناحية أخرى، فإن الارتباط كان بين معدل سعر الفائدة والعائد على الاستثمار؛ لأن الاقتصادات الغربية مبنية على سعر فائدة الإقراض ومن الصعب جدا الاقتراض بأسعار فائدة عالية تبلغ ٢٠٪ والوفاء بالتزامات الدين. بالإضافة أن سعر الفائدة العالي يحد من الاستثمار في الاقتصاد.
لماذا المخاطرة في الاستثمار في السوق عندما تستطيع أن تحصل على دخل عالي من الودائع. أخطر عامل على عجلة نمو الاقتصاد هي أسعار الفائدة كلما ارتفعت كلما قل الإقراض وقل الاستثمار في السوق.
وقال د. مساعد المحيا أن بعض الإفلاس مصنوع ومتعمد بغرض التهرب من التزامات كثيرة. والظن أن كثير من البنوك في العالم تفلس بسبب سوء إدارة الأموال؛ ولذا الإفلاس مخرج فيه الابتعاد عن المحاسبات والمطالبات، برغم أنها تظل قضايا في المحاكم لا تنتهي. ونحن لدينا الإفلاس على المستوى الشخصي يعلن الفرد الإفلاس ويصدر صك إعسار حتى لا يسجن وإن كان يمتلك مؤسسات صغيرة، حين أعلن بنك ليمان برذر إفلاسه أيقنت أن هناك عملا ما قد تم لابتلاع رؤوس أموال استثمرت فيها أزمة الرهن العقاري.
وأكد م. خالد العثمان على أن آليات التخارج ومنها نظام الإفلاس هي بالفعل أحد أهم عقبات دخول الشركات الأجنبية إلى المملكة، وخصوصا الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لها أثر حقيقي في خلق الوظائف. الشركات الكبرى والعملاقة لا تخلق وظائف بأعداد كبيرة كما أن لديها أذرعة قانونية قوية تحميها من مخاطر الإفلاس والمواجهات القضائية. وكمثال حي ذو وزن مؤثر، هناك قضية أسرة القصيبي ومعن الصانع.. لم تصل بعد إلى حد الإفلاس لكن هناك قضايا مالية كثيرة في أروقة المحاكم وعاملون بالآلاف وقروض هائلة من البنوك.. إفلاس هذه الإمبراطورية بلا شك سيوقع آثارا جسيمة على مختلف المستويات.
وعلق أ. محمد بن فهد العمران بأنه لا شك أن ما حدث لأسرة القصيبي الكريمة كان صدمة كبيرة للأسرة نفسها و للمجتمع التجاري في المملكة و المنطقة الشرقية تحديداً على اعتبار أنها إحدى أكبر الأسر العريقة تجارياً و التي تتمتع بمكانة و احترام من الجميع. و كان من الطبيعي أن نشاهد تعاطف شعبي كبير مع الأسرة لعلم الجميع أن ما حدث كان بسبب استغلال الوكالات الشرعية و التفويض المطلق للصلاحيات تجاه نسيب لهم و ليس من أبناءهم مارس إدارة ثروات الأسرة دون رقابة أو متابعة حتى وصل الحال بهم إلى حافة الإفلاس.
و لا شك أن ما حدث كانت له تبعات اجتماعية حيث جعل جميع البيوت التجارية في المملكة تقريباً تعيد ترتيب حساباتها الداخلية بعيداً عن المجاملات و المحسوبيات العائلية و خصوصا ما يتعلق بالوكالات الشرعية و صلاحيات مجالس الإدارات و الإدارات التنفيذية. ولعل من أهم الدروس المستفادة كانت عدم إعطاء الصلاحيات المطلقة لأي شخص كان و مهما كانت الثقة فيه، و الأهم ضرورة تفعيل مفاهيم الحوكمة إدارياً و مالياً ضمن عمل مؤسساتي بعيداً عن الفردية.
و في الدول المتقدمة لا ينظرون لإفلاس الشركات على أنها ظاهرة سلبية؛ حيث أن غالبية الشركات المتعثرة التي تلجأ لقوانين الإفلاس تقوم بذلك لإعادة هيكلة رؤوس أموالها و ديونها؛ و حتى لو لم تنجح في إعادة الهيكلة، فهناك من سيستحوذ على الشركة المتعثرة أو من سيندمج معها و هذه طبيعة الاقتصادات الرأسمالية. و لو دققنا مثلا في أسماء الشركات الأمريكية الكبرى المكونة لمؤشر داو جونز قبل الثلاثينيات الميلادية فإننا لن نجد اليوم إلا شركة أو اثنتين فقط IBM & GE بينما البقية إما أفلسوا أو اندمجوا أو تقلصت أنشطتها و هذا طبيعي هناك.
بينما ذهب أ. علي بن علي إلى أن الإفلاس طوفان مدمر بالذات في الدول مثل دولنا وذلك لعدم وجود البيئة القانونية والمالية المنظمة لما بعد الإفلاس فيما الحالات التي من الممكن أن تعد إفلاس احتيالي.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أن التاريخ يذكر ما سمي بالكساد الكبير the Great Depression في الولايات المتحدة في أكتوبر ١٩٢٩م بعد انهيار سوق البورصة فيما أطلق عليه “بالثلاثاء الأسود”. عدد كبير من الشركات انهارت و خرجت من السوق بعد أن أفلست، وانسحب ذلك على عدد كبير من المؤسسات والشركات التجارية ليستمر تأثير الكساد مدة عقد. صحيح أن التأثير المباشر للكساد لم يستمر أكثر من ثلاث سنوات إلى عام ١٩٣٢ إلا أن التأثير المتراكم استمر حتى ١٩٣٩ سنة اندلاع الحرب الكونية الثانية.
التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للكساد كانت متفاوتة لكن أعظم تأثير كان ارتفاع مستوى البطالة على الصعيد العام حيث بلغت نحو ١٠٪ والتي تعد نسبة مرتفعة جداً في دولة كالولايات المتحدة بحكم أنها دولة صناعية تتوفر على جميع مقومات البقاء والاستمرار. نسب الانتحار كذلك ارتفعت معدلات السرقة و الطلاق والهجر والتفكك الأسري عموماً زادت بسبب الكساد الكبير الذي طال معظم مناحي الحياة. وفيما يلي اقتباس لبعض ما ورد عن الأزمة:
“وكان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما انخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح. وكان أكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعة الثقيلة كما توقفت أعمال البناء والإنشاءات وهبطت المحاصيل الزراعية بنسبة ٦٠٪ وتدنت القدرة الشرائية للأفراد بصورة ملحوظة بنسبة بلغت ١٠٪ في حينه” (انتهى).
ومن حسن الحظ فيما يخص المملكة أن معظم قطاعاتها المنتجة كالشركات الكبرى تندرج تحت القطاع العام الحكومي أو الشركات المساهمة الكبيرة التي تستطيع تحمل الخسائر ولديها آليات كافية لمواجهة شبح الإفلاس. الخطورة هي على الشركات المتوسطة والصغيرة التي يمتلكها الأفراد وتضم عدد كبير من الوظائف فهذه وبحكم اعتماد معظمها على المشروعات والعقود الحكومية مهددة بالإفلاس مالم يُتخذ إجراءات كافية لحمايتها ومنها دفع مستحقاتها حسب العقود المبرمة معها.. وتكمن المشكلة الأخرى مع هذه الشركات في أن عمالتها وافدة ومن دول مختلفة ما يعني أن إفلاسها قد يخلق أزمات مع دول أخرى.
لا ننسى كذلك أن المملكة تمر بظروف غير مريحة في السنوات الأخيرة بسبب هبوط أسعار النفط واضطراب المنطقة العربية والحروب مما يشكل ضغطاً كبيراً على الإنفاق الحكومي ومنه مستحقات الشركات والمؤسسات الفردية. وأخلص إلى القول أن الإفلاس كما أن له تبعات اقتصادية مدمرة إلا أن له كذلك تبعات اجتماعية وسياسية تتجاوز حدود الدولة.
ومن جهتها ذكرت أ. عبير خالد أنه يمكن النظر لإفلاس الشركات الإعلامية بما في ذلك الصحف ومحطات الراديو وقنوات التلفاز….الخ، من خلال نقطتين مهمتان الأولى تعنى بمصادر دخل الإعلام التي في حال نضوبها تفلس المؤسسة، ومصادر الدخل (أو income of the media market) عديدة وتشمل مدخول الإعلانات، و الضرائب التي يدفعها المستخدم (كالتي يدفعها البريطانيين لدعم البي بي سي)، و الدعم الحكومي، و الدعم الشخصي الذي يوفره أفراد (مثل إعلام روبرت مردوخ) أو غير ذلك. أما النقطة الثانية المهمة فهي قابلية التعامل مع نتاج الإعلام تماما مثل نتاج الصناعات الحرفية والتجارية الأخرى، ذلك أن الإعلامي يبيع المحتوى للمستهلكين الذين يدفعون مقابله إما بشكل مباشر عن طريق اقتناءه أو غير مباشر عن طريق التعرض لإعلاناته وتأثيراته. مع أهمية الإشادة بالتغييرات التي تسبب بها الإنترنت على كل ذلك. فالإنترنت بدوره ساهم في تغيير وربما إعادة هيكلة جميع ما سبق ذكره. وقد سحب الإنترنت بساط التسويق من تحت كثير من مؤسسات الإعلام التقليدي العالمي وحتى العربي.
واذا أخذنا على سبيل المثال جريدة الجارديان البريطانية التي تعد واحدة من أبرز الصحف الغربية نجد أنها تدعوا قراءها بشكل متكرر لدعمها ماليا بهدف بقاءها وتجنب إفلاسها أو تملكها احتكاريا من قبل شخص واحد وبالتالي التحكم بمحتواها. ومخاوف تأثر المحتوى سلبيا في حال إفلاس المؤسسة الإعلامية هي الأكثر تداولا في مثل هذه الحالات. والأمثلة العربية المشابهة لذلك كثيرة لعل آخرها ما حدث لجريدة الشرق التي أذيع عبر قناة العربية عن تعرضها لأزمة مالية فيما اشتكى موظفيها تأخر رواتبهم.
والإنترنت أيضا أثر على اعتبار منتجات الإعلام مصدر دخل ذاتي فقد بات المحتوى الإعلامي الذي يصنع بهدف الربح (كالأغاني على سبيل المثال) قابلا للاستهلاك بشكل مجاني وفي أي وقت عبر يوتيوب وغيره من المواقع. والأخطر من ذلك هو عرضة هاته المواد الإعلامية للتحميل غير القانوني والنشر مما قد يؤدي لخسارة ملاكها الأصليين ماديا ومعنويا وفي أسوأ السيناريوهات: إفلاسهم.
باختصار، إن الشركات الإعلامية تماما مثل شركات الغاز والكهرباء والأزياء تتعامل مع مستهلكين وهي إن لم تكن نبيهة جدا في تتبع أحدث السبل الرقمية للتعامل والتفاعل مع مستهلكيها تكون عرضة للإفلاس اقتصادياً وحتى ضمنياً.
وحول الوظائف الإيجابية في إفلاس الشركات الوطنية، قال د. خالد الرديعان: أستعير هنا عبارة عالم الاجتماع الأمريكي هربرت جانز في الوظائف الإيجابية للفقر.. لكن هذه المرة لننظر لوظائف الإفلاس بطريقة إيجابية وهي على النحو التالي:
- أولا: إفلاس الشركات (أي شركة) سيكشف عور الأنظمة والتشريعات المالية ما يستوجب إصلاحها.
- ثانياً: إفلاس الشركات يعني إلغاء كثيراً من الوظائف التي يقوم عليها وافدون مما سيقلص من أعدادهم وبالتالي بقاء الأموال داخل البلد.
- ثالثاً: إفلاس بعض الشركات سيعني زيادة معدلات البطالة الأمر الذي سيهز القيم المعيقة للعمل ومن ثم تتشكل قيم جديدة تحفز على العمل والإنتاج بسبب وطأة البطالة.
- رابعاً: إفلاس بعض الشركات التي هيمنت على السوق لعدة سنوات سيفسح المجال لظهور شركات جديدة ومن ثم إعادة توزيع الثروة بطريقة مختلفة.
- خامساً: إفلاس بعض الشركات سيحفز عنصر المنافسة بين الشركات التي استمرت في السوق ما يدفعها لتحسين خدماتها.
- سادساً: إفلاس الشركات الكبرى سيخلق فرص مناسبة للشركات الصغرى والمتوسطة بحيث تتكتل وتخلق كيانات كبيرة مما ينعش الاقتصاد وسوق العمل.
وأخيرا: إفلاس الشركات الكبرى والعائلية تحديدا سيدفع بالبعض لتطبيق مبادئ الإدارة المالية الحديثة وفصل رأس المال عن أصحابه من خلال توظيف الأكفاء في المناصب العليا وذلك على أساس الجدارة وليس على أساس الاعتبارات العائلية.
وبدوره أوضح م. أسامة كردي أنه ليس من الذين يؤيدون العودة إلى الحكومات في كل القضايا و لكن لعل من أهم أدوار الحكومات هو إنقاذ الشركات المفلسة إذا توافرت فيها مجموعة من الأمور .. منها عدد الموظفين و حجم مساهمتها في الاقتصاد الوطني و نوعية المنتج أو الخدمة التي تقدمها و أهميتها في حفظ مستوى المنافسة في القطاع الذي تعمل فيه و إمكانية إعادتها إلى العمل و مثال ذلك إنقاذ بنك الرياض منذ عقود .. و قد قامت العديد من الدول بإنقاذ العديد من الشركات التي توفرت فيها هذه الشروط مثل شركة كرايسلر في أمريكا و كنا نتمنى التدخل الحكومي في موضوع شركة القصيبي لأنه تنطبق عليها معظم هذه الشروط، و عادة ما يأخذ هذا الإنقاذ شكل قرض أو قروض مع تشكيل مجلس إدارة أو مجلس إنقاذ يشرف على عمل الشركة يكون هدفه عودتها إلى العمل و سداد القرض الحكومي.
وتساءل أ. عبد المحسن القباني: هل فكرة الدمج بين الصحف على سبيل المثال تعتبر فكرة جيدة لمواجهة الإفلاس؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجهة التشريعية في نيوزلندا رفضت منذ وقت وجيز قرار دمج صحيفتين هناك بسبب حرص المشرّع على تنويع ملاك الوسائل لضمان استمرار التعددية و الديمقراطية في المجتمع النيوزلندي. و هو قرار قابل للاستئناف. وفي مقالة كتبها أكاديمي في قسم الإعلام في جامعة الملك سعود وهو د. مطلق المطيري أشار أن على الحكومة تمويل الصحف؛ و السبب أن الصحف لا تنطبق عليها الصفة المهنية و إنما هي تقوم بعمل وطني يتخذ صفة المهنية. و أن على الدولة دعم الصحف كما تدعم المدارس الخاصة بتوفير نصف رواتب السعوديين فيها للقضاء على البطالة.
وعقب د. مساعد المحيا بأن الدولة ساعدت عددا من الصحف بمنحها أراضي وباشتراكات كبيرة، وبمحاولة انتشال الضعيف منها، وقد توقفت صحيفة الندوة عدة مرات ثم عادت حتى انتهت فخلفتها مكة، وهي الآن فيما يبدو تواجه أزمة. الصحف تقتات على النسخ الورقية فهي التي حققت لها دخلا عبر الإعلان، وحضور الصحف عبر نسخها الإلكترونية جيد من حيث السمات الاتصالية للشبكة لكنه بلا عائد يذكر. والأندية لدينا أيضا مهددة بالإفلاس نتيجة تراكم الديون.
في حين يرى أ. محمد بن فهد العمران أنه وبالنسبة لإفلاس الصحف الورقية في المملكة فهي مسألة وقت، و سبب ذلك يعود إلى انخفاض إيراداتها الإعلانية بشكل مخيف و هي التي تشكل أكثر من ٩٠٪ من إيراداتها بينما مبيعات الصحف لا تشكل أكثر من ٢-٣٪ من الإيرادات فقط و إلى مصاريفها التشغيلية الضخمة و تحديدا بند الرواتب و المكافئات التي لا توازي حجم الأعمال، أما مسألة تحولها للإعلام الرقمي فقد تأخرت كثيراً و ربما فاتها القطار و دخولها هذا العالم يحتاج لضخ أموال جديدة و بناء تحالفات مع شركات التقنية و الاتصالات الكبرى في المملكة. وبالنسبة لإفلاس الأندية الرياضية فهو أيضا مسألة وقت لناديين كبيرين على الأقل.
وطبعا القوائم المالية للأندية الرياضية في نهاية سنة تظهر عجوزات مالية يتم سدها عادة من دعم أعضاء الشرف و هذا شيء اعتادت عليه جميع الأندية منذ تأسيسها؛ لكن هناك ناديين كبيرين قاموا بتأجيل سداد الالتزامات، و بالتالي تراكمت عليهم العجوزات المالية إلى مستويات مخيفة لا يستطيع أعضاء الشرف الآن سدادها، و لا نستبعد أن نسمع قريبا من يقنع الجمهور الرياضي بأن الهبوط للدرجة الأولى ستكون فكرة جيدة مع الأسف.
وطرح أ. سمير خميس سؤالا مؤداه: هل يمكن تكييف المقارنة بين إفلاس الدول وإفلاس الشركات؟ وكيف؟
وفي هذا الشأن ذهب م. حسام بحيري إلى أن إفلاس الدول صعب إعلانه كإفلاس, الدولة الوحيدة التي أعلنت إفلاسها بكل وضوح كانت أيسلندا عام ٢٠٠٨ بعد السقوط المدوي للأسواق العالمية. اليونان دوله مفلسة تماما ووضعها المالي أسوأ بكثير من الوضع الأيسلندي ولكنها لم تعلن إفلاسها كدولة نفس الوضع حصل مع دول عديدة مثل إيرلندا وقبرص. وإفلاس الدول يتعلق بمدى شفافيتها المالية بالإضافة أن خطوات وإجراءات إعلان الإفلاس في الدول الصناعية المتقدمة معناه في الأصل الحماية من الدائنين وليس بالضرورة إقفال الكيان الاقتصادي. وإعلان إفلاس الشركات في الغرب أمر اعتيادي وهناك مؤشر في الداو جونز يعني بتبادل أسهم الشركات المفلسة يسمى penny stocks.
ومن وجهة نظر د. إحسان بو حليقة أن تفلس منشأة فهذا أمر غير مستبعد، مادامت تخضع لمخاطر السوق. ففي قطاعنا الخاص هناك هلع من كلمة إفلاس المنشأة، باعتبار أن معظم هذه المنشآت ملتصقة بالعائلة المالكة لها، لدرجة أصبحت “كرامة” المنشأة من كرامة العائلة. ولذا تحرص العائلة أن تحمي سمعة المنشأة عاطفياً بما يتجاوز مفاهيم الربح والخسارة.
“الإفلاس” حالة، ولابد أن تجاهد المنشأة ألا تقع بها، وعندما يقع المحظور، فلابد أن تساعد الأنظمة المنشأة للخروج من حالتها تلك خروجاً نظامياً يحميها من دائنيها، وإن كان ذلك متعذراً فلابد من مساعدة المنشأة للخروج من السوق خروجاً منضبطاً من معوقات الاستثمار، ومما يؤثر على سلاسة أداء الأعمال لدينا، تعاملنا مع حالات الإفلاس بل وحتى التعثر. ولذا فان إقرار نظام للإفلاس سيكون علامة فارقة تحسن مناخ الاستثمار، وتعزز المنافسة في السوق المحلية.
وفي تصور د. نوف الغامدي فإن تغير البيئة الاقتصادية والعوامل السياسية يؤثر بشكل كبير على أداء الشركات ، كما أن انهيار الشركات يؤدي إلى ضعف وهشاشة الاقتصاد، وإفلاس الشركات لا يعني إغلاقها؛ فهناك ثلاثة أبعاد رئيسة لعملية إفلاس الشركات أو تصفيتها، وهي: البعد القانوني، والبعد المالي، والبعد الاجتماعي، من خلال التأثير في العمالة في الشركة أو الاستغناء عنها.
وعملية الإفلاس أو التصفية وفقاً للبعد القانوني ليست دائماً عملية سيئة، كما يظن البعض، فقد يكون إعلان التصفية مطلباً تنظيمياً، وهناك حالات للتصفية يحددها القانون وعقد تأسيس الشركة والنظام الداخلي لها.
هناك شركات يتم تصفيتها للاندماج مع شركة أخرى، وأيضا يمكن أن يتم تصفية شركتين تندمجان معاً ليتم تأسيس كيان جديد يضمهما معاً، وبالإضافة إلى ذلك فقد تستحوذ شركة على شركة بالكامل، وهنا يتم تصفية الشركة التي تم الاستحواذ عليها.
إعلان الإفلاس كما حـدث مع جـنرال موتورز لا يعني أن الشركة ستغلق أبوابها أو تتوقف عن الإنتاج تماماً، ففي مثل هذه الحالة تستطيع الشركة تنفيذ خطة لإعادة الهيكلة من خلال بيع بعض الأصول أو بيع حصة للحكومة أو اتحاد العاملين، كما أن منحها حماية من مطالبات الدائنين قد يمنحها فرصة للتغلب على مشكلاتها فتعود أقوى مما كانت عليه.
- تصورات مستقبلية لمعالجة قضية إفلاس الشركات
في تقدير د. حميد المزروع فإنه يمكن وضع آليات أو نظام لحماية حقوق المساهمين المتبقية لبعض حالات الإفلاس عن طريق رصد أداء الشركات بشل دوري ، وبالتالي المحافظة علي ما تبقي من أصول الشركات أو المؤسسات. إن تأثير الإفلاس لا يقتصر علي ملاك ومساهمي الشركة والعاملين بها ، بل أيضا يمتد إلى المقرضين والمقصود البنوك ! لذلك يجب أن نتعرف علي أسباب الإفلاس هل بسبب سوء الإدارة أم لتغير طبيعة النشاط أو أسباب أخري مثل الإغراق أو المنافسة غير العادلة .
إن الحد من الإعلان عن الشركات المفلسة يعني التقليل من مخاطر الائتمان عند المؤسسات المالية المقرضة لهذه الشركات. والتي أيضا ستضطر إلى شطب أموال وديون معدومة لا يمكن تعويضها بإقفال الشركة المفلسة.
وأضاف د. مساعد المحيا أن الكثير يعول على الدولة في انقاذ المفلسين ، وقد فعلت ذلك مع عدد من الشركات منها المتكاملة أيام الملك عبد الله ، ولعلها ستفعل ذلك مع بعض الكيانات الاقتصادية الكبيرة ، وكلنا نذكر بنك الرياض وأزمته.
وأشارت د. نوف الغامدي عن نظام الإفلاس الذي صدرّ من وزارة التجارة، فقانون الإفلاس بالمملكة العربية السعودية: جاء بالمذكرة التوضيحية لمشروع قانون الإفلاس، وقد انحصر الهدف من إصدار القانون بالوقت الحالي في التالي:
1- معالجة القصور الحالي في الأنظمة المعمول بها في المملكة بوضع نظام شامل يتعامل مع حالات تعثر المشروعات التجارية والاقتصادية.
2- تشجيع النشاطات والمشروعات بإيجاد نظام إفلاس ذو كفاءة عن طريق إعادة التنظيم المالي للشركات المتعثرة.
3- تحسين بيئة الاستثمار في المملكة وجذب المزيد من الاستثمارات مما يطمئن المستثمر الأجنبي.
4- تمكين المدين المتعثر أو المفلس من تصحيح أوضاعه من التوصل إلى تسوية ودية مع دائنيه تحفظ حقوقهم وتمكنه من العودة إلى ممارسة نشاطه الاقتصادي مرة أخرى.
5- تعزيز الثقة في سوق الائتمان والتعاملات المالية عن طريق وضع نظامي يراعي حقوق جميع الدائنين.
6- تحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة على المبادرة وخوض منافسات الأنظمة الاقتصادية.
7- تمكين الجهات الرقابية للقطاع المالي من تنظيم حالات تعثر أو إفلاس المنشآت العامة بما يتناسب مع طبيعة كل قطاع والمخاطر المرتبطة به.
8- تعزيز القدرة على تحقيق رؤية المملكة 2030 .
و جاء في مشروع نظام الإفلاس الإجراءات التي يوفرها النظام للمدين المتعثر أو المفلس حيث يتضمن مشروع نظام الإفلاس عدة إجراءات تحكم تصرفات وأصول المدين الذى يتعثر أو يعجز عن تأدية ديونه وتتيح هذه الإجراءات فرصة للمدين لتصحيح أوضاعه والاستمرار في ممارسة نشاطه دون الإخلال بحقوق دائنيه ؛ وتتمثل تلك الإجراءات فيما يلي:
إجراء التسوية الوقائية وهو إجراء يتم من خلال المحكمة بناء على طلب المدين أو الجهة المختصة بتنظيم النشاط الذى يمارسه المدين، وهذا الإجراء يمكن المدين من العمل على تسوية أوضاعه مع دائنيه بناء على مقترح التسوية.
مميزات إجراء التسوية الوقائية أن المشرع الزم بعض فئات الدائنين بمقترح التسوية وإن لم يوافقوا عليه وذلك عند تحقق الشروط الواردة بالنظام ؛ كما يتيح تعليق مطالبات الدائنين تجاه المدين بناء على قرار يصدر من المحكمة المختصة.
إجراء إعادة التنظيم. وهو إجراء يتم من خلال المحكمة بناء على طلب المدين أو الجهة المختصة أو من خلال أي من دائنيه في حال اضطراب أوضاع المدين المالية ؛ ويختلف إجراء إعادة التنظيم عن إجراء التسوية الوقائية في كونه يمنح دورا أكبر للدائنين وللمحكمة خلال الفترة التي يخضع فيها المدين للإجراء ومن ذلك غل يد المدين عن إدارة أعماله خلال هذه الفترة حيث يتولى الإدارة خلال هذه الفترة.
إجراء التصفية وهو إجراء يتم من خلال المحكمة بناء على طلب المدين أو الجهة المختصة أو من خلال أي من دائنيه في حال اضطراب أوضاع المدين المالية وذلك في الحالات التي يكون فيها المدين متعثرا أو مفلسا أو لا توجد فرصه واقعية لتصحيح أوضاعه المالية ومن ثم الاستفادة من إجرائي التسوية الواقية وإعادة التنظيم. حيث يعمل مشروع النظام على تسريع وتسهيل إجراءات التصفية.
أما عن الأشخاص الخاضعين لمشروع نظام الإفلاس فإن مشروع هذا النظام يسري على الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين الذين يمارسون الأعمال التجارية وغيرها من المشروعات الاستثمارية والمهنية.
كما تضمن مشروع نظام الإفلاس النطاق الجغرافي لتنفيذ المشروع حيث تسري أحكام المشروع على كل من:
- الأفراد السعوديين وغير السعوديين الذين يمارسون نشاطا اقتصاديا في المملكة.
- الكيانات الاقتصادية بما في ذلك الشركات والمؤسسات المقيدة بالمملكة.
- الشركات الأجنبية التي تمارس نشاطات في المملكة على (أن يكون التنفيذ مقصورا على الأصول الموجودة داخل المملكة).
المحور الثالث
تمثيل الإعلام الأمريكي للمرأة السعودية
الورقة الرئيسة: د. منيرة الغدير
“من الصعب أن نفهم كيف أن جزءا من العالم الذي أنتج كليوباترا – التي كانت تُعطرُ أشرعة مركبها حتى يعرف الرجال أنها قادمة وحكمت بسلطة أنيقة، توقع مرسوماً ضريبياً قائلة: “قم بتنفيذه ” – يمكن بعد ألفيتين أن يخلق مجتمعاتٍ النساء فيها مربيات مستترات، قيد الإقامة الجبرية.”[1]
تستشهد الكاتبة المعروفة في صحيفة نيويورك تايمز، مورين داود بالماضي القديم في تمثيل درامي لحالة المرأة في العالم العربي والإسلامي، مقارنة “المربيات المستترات ” في العصر الحديث بكليوباترا متخيلة، التي كانت “تعطر أشرعة مركبها” للإعلان عن وصولها في استعراض للسلطة والإغواء. ترى داود النساء المسلمات والسعوديات من خلال عيون رومانية وأمريكية. تظهر الملكة المصرية الخيالية وهي تبحر في العالم المعاصر في مشهد غير مذهل، بل هزيل وذلك عبر تصوير كليوباترا نيويورك وهي على وشك أن تتعرض للهجوم من أسامة بن لادن كما يشير عنوان المقال.
كليوباترا، مجاز بلاغي يحرض دلالات غير قابلة للسيطرة، ولا يمكن تقديمها من دون أسطول متناه من الصور والتفسيرات، والانجذاب والقلق أمام مصر والآخر العرقي. إن مثل هذا التصوير الذي نجده في مقالة داود يحاول أن يؤكد “عفة الإمبريالية” كما يشير الناقد آرثر ليتل.[2]
مع عناوين وافتتاحيات الصحف الكبرى عن ارتفاع أسعار النفط وصفقات الأسلحة، نرى مقابلها تزايداً في المقالات حول قمع وتظلم النساء العربيات والمسلمات في وسائل الإعلام الأمريكية. وبالتحديد في الفترة الأخيرة، تنشر صحيفة نيويورك تايمز مقالات تستهدف المرأة السعودية باللغتين العربية والإنجليزية على موقعها الإلكتروني وعلى تويتر وهذه المقالات أثارت ردوداً مثيرة للجدل في وسائل الإعلام الاجتماعي والتقليدي المحلي. سأحاول أن أختصر النقاش، وأتناول تمثيل المرأة السعودية في الصحافة الأمريكية، وخاصة في صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكيف تم تكثيف هذه التغطية بعد الربيع العربي في عام ٢٠١١ وخلال فترة توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية خلال إدارة الرئيس أوباما.
كم مرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظهرت عبارة “النساء السعوديات” في مقالات صحيفتي نيويورك تايمز، و واشنطن بوست وإلى أي مدى ازدادت التغطية الإعلامية بعد الربيع العربي؟
للإجابة على هذا السؤال، أجريت بحثاً في Lexis Nexis، باستخدام كلمات “النساء السعوديات”، وركزت على التواريخ التي كانت مأهولة بالأزمات والاحتجاجات المتعلقة بالشرق الأوسط. في الفترة ما بين ١١ سبتمبر ٢٠٠١ و٣٠ أبريل ٢٠٠٣، نشرت صحيفة واشنطن بوست ١٤ مقالة ونشرت صحيفة نيويورك تايمز ١٣، وخلال الفترة من ١ يونيو ٢٠١١ إلى ٣٠ ديسمبر ٢٠١٥، نشرت صحيفة التايمز ١٠٣ مقالة بينما البوست نشرت ٨٢، في الفترة الأخيرة من ١ يناير ٢٠١٦ حتى ٣٠ أبريل ٢٠١٧، هناك ٢٧ مقالا في التايمز و١٩ مقالاً في البوست.
هنا، أود أن نتناول تأثير الخطاب السياسي الأمريكي في صياغة وتشكيل “المرأة السعودية” كفكرة، وكصورة وسط الصراع والاضطرابات التي اندلعت منذ الربيع العربي في عام ٢٠١١ وتحول المدن العربية إلى أنقاض وفوضى.
إن محاولة ستر وكشف النساء العربيات قد نوقشت طويلاً وخطابها يتكرر مراراً في الأخبار والتحقيقات عن النساء السعوديات في السنوات الأخيرة. بعض هذه المقالات تحاول “كشف النقاب” عن النساء السعوديات وكمثال سريع، “السعوديات بالبكيني،” مقالة رأي تقدم وصفاً فاضحاً، كتبها نيكولاس كريستوف، أحد كتاب نيويورك تايمز المعروفين الذي يحاول وصف مشهد في الرياض:
“في أول ليلة لي في الرياض، رصدت مشهداً سريالياً: ثلاث أشباح سوداء تقهقه، ربما شابات ملتفات برداء أسود يسمى “العباءة”، يجتمعن حول واجهة العرض في مركز للتسوق، وبحماس يلمسن بلوزة شفافة جداً بقصة صدر منخفضة لن ترتديها زوجتي مطلقاً حتى لو كانت ميتة.”[3]
تظهر النساء السعوديات على أنهن “أشباح سوداء تقهقه”، وهو مشهد لا يمكن إلا أن يثير القلق والتوقع، على المسرح الكاريكاتيري الذي تبرزه النبرة الساخرة. على الرغم من حجابهن ومراقبة التقاليد، فإن التحرر الضمني للنساء السعوديات هنا يذكرنا بكليوباترا الفاتنة في عمود مورين داود.
إن التناقض الصارخ بين أمريكا والسعودية يوحي دائماً عن صراع مفترض بين عالمين: “السعودية مكان غريب. فيها مطاعم ماكدونالدز التي تبدو تماما مثل تلك الموجودة في أمريكا إِلا أن هناك طابور واحد للرجال وآخر للنساء.”[4] ويضيف كريستوف: “هل محاولة تحرير النساء هي وصاية منا في الغرب، وهل نحاول أن نحرر نساء يصررن أن حياتهن سعيدة كما هي؟ لا، أعتقد أننا على أرض ثابتة.”[5] كريستوف فشل في تأمل تساؤله العابر ويؤكد بدلاً من ذلك أن الناس في الغرب هم في الواقع من س/يحرر النساء السعوديات، حتى لو كن يدعين خطأ أنهن سعيدات في حياتهن كما هي. كلماته تنقل بوضوح الرؤية الإمبريالية الجديدة وتؤكد قمع هؤلاء النساء: “ظللت أسأل النساء كيف يشعرن عن قمعهن، وظللن يجبن باستياء بأنهن لسن مقموعات.”[6]
يعتمد تمثيل المرأة السعودية في وسائل الإعلام الأمريكية على أحكام قيم ثقافية وأخلاقية غربية. وبالتالي، فإن التصوير الناتج لا يخلو تماماً من الاستعارات الاستشراقية الجديدة، وتنشأ هذه الاستعارات، من الدهشة المتجددة حول ما يكمن في الواقع، حيث أن من يزور السعودية يصاب بصدمة بسبب المجتمع الذي يدور بين الحداثة وما قبل الحداثة؛ انقسام ما بين الغرب والشرق كما توحي بذلك العديد من المقالات، أو حين وضعت الصحف الأمريكية الكبرى صياغات وصفية عن كيفية عيش النساء وكفاحهن في عوالم أخرى، أي العالم الذي لا يشبه الغرب؛ أو الوصفات التي تعالج كيف يمكن إنقاذهن من ثقافتهن ودينهن و ” الرجال السمر ” الذين يضهدونهن، كل هذا يذكرنا بما وصفته ليلى أبو لغد أن “التمثيلات الغربية للمرأة المسلمة لها تاريخ طويل مرتبط بإنقاذها.”[7]
تميل وسائل الإعلام الغربية إلى تصوير المرأة السعودية بأنها غير مرئية، هامشية، ومضطهدة، وأحياناً متمردة، والأهم من ذلك، هي بحاجة إلى الإنقاذ من قبل الغرب. هذا النهج الخلاصي لا يقتصر على لغة التغطية الإعلامية نفسها ولكن يمكن قراءته في العديد من المقابلات مع الأكاديميين والخبراء الذين يتدفقون إلى البلاد للخدمات الاستشارية والذين يوظفون استعارات الدهشة والصدمة الثقافية. في نيويورك تايمز وصفت أستاذة هارفارد، كلوديا غولدين رحلتها إلى المملكة بأنها رحلة خيال علمي، مستخدمة استعارة الاغتراب: “أعتقد أنني على”ستار تريك”، كما تقول غولدين. “أنا أساعد كوكباً آخر، ولكن لا علاقة لي بأي شيء مطلقاً مع ثقافتهم. أنا أتقبل ثقافتهم.”[8]
إن هذا البعد الغيري والاغتراب الواعي جنبا إلى جنب مع محاولة قبول الثقافة الأجنبية نابع من تجسيد استشراقي عادة ما يظهر في التغطية الإعلامية لزيارات القيادات النسائية الغربية إلى السعودية. فوسائل الإعلام تعرض هذه القيادات النسائية على أنها “نمذجة” التحرير للمرأة السعودية؛ وكمثال على ذلك حين زارت تيريزا ماي السعودية صرحت أنها “ستكون نموذجاً تحتذي به المرأة السعودية المظلومة.”[9]
ومعظم هذه المادة الإعلامية تزينها في كثير من الأحيان الصور والرسوم الكاريكاتورية لنساء محجبات تماماً يفتحن أبواب السيارات الفاخرة أو جاثمات داخلها وهن حائرات في مقعد السائق، وصور لهن وهن يحملن أحدث أجهزة الهواتف، أو يقفن بلا هدف أمام محلات الذهب؛ هذه الصور تسلط الضوء على تباين كبير بين عالم مادي وحديث للغاية، أي الغرب ولكنه في ذات الوقت يصطدم مع تقاليد الشرق وتراثه. ولا يزال هذا التجاور ما بين هذين العالمين المتناقضين واحداً من أكثر المفاهيم الثقافية التي لا يمكن تفسيرها أو تقريبها للجمهور الغربي. إن الصور السابقة تثير حشداً من الدلالات الأخرى، مثل الثروة، المجتمعات الخفية، وأوقات الفراغ التي تجبر المشاهد على استدعاء الاستشراق من الصور المنبثقة التي لم تتلاشى في الألفية الجديدة ولكنها تعود كمحاكاة ساخرة للوحة الفرنسي ديلاكروا الشهيرة “نساء الجزائر في مكانهن الحميم.”
بعض الأسئلة للنقاش
كيف نقرأ اهتمام الإعلام الأمريكي الواضح بالنساء السعوديات، بدءا من الربيع العربي في عام ٢٠١١ كما تشير نتائج هذا البحث السريع الذي أشرتُ إليه، خاصة بعد التجمع الرقمي النسائي (الحملات في الإعلام الجديد) وهل أحدث هذا النشاط تفكيكاً للصور النمطية للمرأة؟ وهل نرى صوراً أكثر واقعية وتنوعاً للنساء السعوديات في وسائل الإعلام الأمريكية والتي قد تساعد في تغيير التصور الخاطئ السابق للمرأة العربية أو المسلمة، ذلك التصوير الذي يحث عادة على إنقاذها وحمايتها من الرجل الأسمر/العربي/المسلم؟ هل بالإمكان بناء حجة مفادها أن العلاقة الأمريكية المتقلبة مع منطقة الخليج والنظام السياسي الجديد قد أثرت على زيادة الأخبار والمقالات الصحفية عن النساء في السعودية؟ وهل تُستخدم المرأة كأحد عناصر الضغط السياسي لتبرير التدخلات غير الدبلوماسية في المنطقة مستقبلاً؟
الهوامش
* نص القضية ملخص لبعض الأفكار من مقال طويل سينشر بالإنجليزية.
1- Dowd, Maureen (2001, November 18). Liberties; Cleopatra and Osama. The New York Times, p. 13.
2- Little, Arthur L. Shakespeare Jungle Fever: National-imperial Re-visions of Race, Rape, and Sacrifice. Stanford, CA: Stanford UP, 2000. P. 4.
3- Kristof, N. D. (2002, October 25). Saudis in Bikinis. The New York Times, p. A35. http://www.nytimes.com/2002/10/25/opinion/saudis-in-bikinis.html
4- Ibid.
5- Ibid.
6- Ibid.
7- See Abu-Lughod, Lila. Do Muslim Women Need Saving? Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 2013, p. 6-7.
8- Searcey, Dionne. (2014, November. 28) A Conundrum for Saudis: Women at Work. The New York Times.
9- Uddin, Asma T. (2017, April 7). Theresa May is no feminist hero. Her decision not to wear a headscarf in Saudi Arabia was not brave. Washington Post Blogs. https://www.washingtonpost.com/news/acts-of-faith/wp/2017/04/07/theresa-may-is-no-feminist-hero-her-decision-not-to-wear-a-headscarf-in-saudi-arabia-was-not-brave/?utm_term=.9595934c952e
التعقيب الأول: د. الجازي الشبيكي
تتفق كثير من الآراء على ضرورة إعطاء القضايا الإعلامية حقها من الاهتمام لكون ذلك مطلباً ملحاً لكل المجتمعات في الوقت الحاضر ، فضلاً عن أهميته المضاعفة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تُعد محوراً لأغلب الأحداث والصراعات التي يشهدها ويعيشها المجتمع الدولي للدور الهام الذي يلعبه الإعلام في تلك الأحداث سواء بشكل ظاهر أو مبَطًن.
سأتناول تعقيبي على ورقة د. منيرة من خلال طرفي القضية ، الطرف السعودي والطرف الأمريكي :
- أولاً : الطرف السعودي الذي لا شك أنه يُثير شهية الإعلام الخارجي بشكل عام والأمريكي على وجه الخصوص فيما يتعلق بقضايا المرأة ، لتأخره في حسم ملفاتٍ كثيرة لها وبطء وتيرة معالجته لتلك القضايا بشكل يتناسب مع التغيرات والتطورات التي يشهدها المجتمع السعودي وبما يحقق طموح وتطلعات مئات الآلاف من السعوديات اللاتي يتلقين العلم والمعرفة والتواصل التقني الهائل والسريع مع مجتمعات العالم.
إلى جانب أمر الازدواجية العصية في بعض الأحيان على فهم الإعلاميين والمراقبين من الداخل ، فكيف بغيرهم من خارج المجتمع ؟
ففي الوقت الذي يتيح لها صانع القرار المشاركة السياسية بتمثيل عددي يفوق مثيلاتها في دول عديدة أخرى عربية وإسلامية بل ودولية ، إلًا أنها لازالت تعاني من بعض قوانين الوصاية عليها ومعاملتها في بعض الأحيان كمواطن من الدرجة الثانية بسبب هيمنة كثير من الأعراف الموروثة وإسباغ صفة الشرعية الدينية عليها .
كما تتحمًل المرأة السعودية جزءاً من المسؤولية في الحراك الإعلامي السلبي ضدها بسبب ضعف مشاركاتها الخارجية في الملتقيات والمؤتمرات والندوات قياساً لأعداد الكفاءات العلمية والاجتماعية في البلد . بالإضافة إلى الضعف الذي يتسم به إعلام بلادها الخارجي والذي يتحمًل جزءاً كبيراً من ضبابية المشهد وبالتالي مزيداً من المعلومات غير الدقيقة وغير المواكبة عن المرأة السعودية في الوقت الحاضر.
هذا الإعلام الذي لا يملك رؤيةً أو خططاً واضحة لإيصال المعلومات خارجياً بمنجزاتنا والتعريف الدائم بقيمنا بآلية مُبادرة غير دفاعية ولا يُفرٍق في العادة بين أسلوب مخاطباتنا لبعضنا وبين أسلوب وآليات مخاطبة غيرنا من المجتمعات الخارجية.
- ثانياً : الطرف الأمريكي الذي مما لاشك فيه أن مشاعر أفراده قد تغيرت سلباً نحو السعودية وأهلها بعد أحداث11 سبتمبر ، إلًا أن نظرة الإعلام الأمريكي السطحية للمجتمع السعودي بأنه مجتمع قبلي صحراوي لا يحفظ للمرأة حقوقها ولا يمكًنها من قيادة السيارة وغير ذلك من السمات ، ظلت نفس النظرة ، على الرغم من التحولات والتغيرات التي حدثت طيلة العقود الماضية.
والإعلام الأمريكي على وجه الخصوص يميل في الغالب إلى مهاجمة السعودية والبحث عن أوجه القصور وتضخيمها كما جاء في مقالة إحدى المتابعات للإعلام الخارجي (فضيلة الجفال) في جريدة الاقتصادية ، كما أن الدوافع والمصالح والضغوط السياسية من مراكز النفوذ في الجامعات والمؤسسات الصحفية ومراكز الأبحاث الأمريكية والتي يشكل فيها اليهود والإيرانيين أكثرية متطرفة، تعتبر عاملاً هاماً مؤثراً في هذه القضية.
وموضوع المرأة السعودية من أكثر المواضيع جذباً لاهتمام الإعلاميين الأمريكيين لما يُحيطه من الغموض والضبابية لعدم السماح للباحثين والدارسين الأمريكيين الاطلاع عن قرب على أوضاع المرأة مما يجعلهم يبحثون عن مصادر بديلة غير صحيحة أو دقيقة.
ومن الأهمية بمكان من وجهة نظري:
1- الإسراع في معالجة قضايا المرأة في بلادنا معالجة جذرية متكاملة حتى لا يشكل ذلك ثغرة تُستغل ضدنا إعلامياً بشكل دائم.
2- تحفيز وتشجيع الطاقات والكفاءات النسائية على المشاركات في الملتقيات الخارجية العلمية وغير العلمية.
3- تخفيف الإجراءات والقيود المجتمعية على الإعلاميين و الباحثين الخارجيين وتيسير الاطلاع المستمر عن كثب على التطورات والإنجازات في المجتمع.
4- فتح قنوات تواصل مستمرة مع الإعلام الخارجي وتزويدهم بالمعلومات الصحيحة التي تعكس واقع المجتمع ومستجداته وفق آلياتٍ مرتكزة على أسسٍ سليمة فيما يتعلق بالأساليب التي يجب أن يُخاطَب بها الغرب والتي من المفترض أن تختلف عن أساليب مخاطبتنا لبعضنا البعض.
5- التأكيد على عدم التعامل مع قضايا المرأة في بلادنا وفق أحكام وقيم وثقافة وأخلاق الغرب.
التعقيب الثاني: د. ثريا العريض
قرأت أطروحة د. منيرة الغدير و أتفق معها أن صورة المرأة السعودية في التغطيات الإعلامية الأمريكية سيئة للغاية تستعرض بنمطية مبالغ في سطحيتها المظاهر الخارجية كاللباس و أعراف المجتمع .. والأسوأ هي التفسيرات التي تشرح معنى هذه المظاهر للمتابع الأمريكي, الذي لا يرى أو يقرأ إلا التغطيات الإعلامية ويصدق التحليل السلبي. و السلبية إما مقصودة للإساءة للسعودية كدولة أو كمجتمع مسلم يراد أن تلتصق به تصنيفات التخلف والتشدد والعنف والقمع للمواطن وللأنثى بالذات.
وهذا التشويه و تقديم صورة نمطية سيئة جدا تصاعد في الفترة الأخيرة بتزييف الحقائق مرتبطا بالتأزمات السياسية على الساحة الدولية خاصة موقف الرفض لإسرائيل.
معرفتي لأمريكا و المواطن الأمريكي تعود إلى مرحلة الستينات حين كانت زميلتي في السكن الداخلي بالجامعة الأمريكية في بيروت طالبة أمريكية واعية. “ديبورا” جاءت إلى بيروت ضمن مجموعة من قرابة 40 طالبا و طالبة اختيروا في برنامج “جونيور يير أبرود” أي الابتعاث للدراسة السنة الجامعية الثالثة في الخارج. وهو برنامج يشمل قضاء سنة في شتى الجامعات الأمريكية في العالم من أوروبا إلى الشرق الأوسط و أفريقيا وآسيا.
ديبورا كانت ذكية ومتفتحة وابنة سيدة فاعلة في الساحة السياسية في نيويورك, ولكن لم تكن تعرف عن واقع المجتمع العربي والإسلامي سوى تلك الصورة النمطية السطحية. بعد نقاشات كثيرة غيرت رأيها حول كثير من الأمور منها وعي المرأة السعودية و الخليجية و العربية. وتكونت لديها فكرة أوضح وأعمق حول الأوضاع في العالم العربي أكثر تعاطفا مع العرب وتفهما لموقفهم من إسرائيل بالذات. بل وقررت هي وزميل آخر من المجموعة قضاء صيف في فلسطين يدرسان التلامذة الفلسطينيين في برنامج الأنوروا. وكالة غوث اللاجئين.
ثم سافرت أنا إلى الولايات المتحدة للدكتوراه. وخلال السنوات التي قضيتها هناك زرت مناطق أمريكا المتعددة واكتشفت عدة أشياء:
1- عندنا نحن صورة نمطية عن أمريكا كصور الروزنامة المتكررة للمدن الكبرى تربطها بناطحات السحاب والعنف والعلاقات المنفلتة بين الجنسين.
2- هناك مواطنون أمريكيون محافظون مثلنا ويسارعون لتقديم المساعدة بوازع ديني .
3- و لديهم برامج للدعوة إلى دينهم و بعضهم إقصائي متطرف. لا يختلفون عنا في ذلك.
4- غالبية المواطنين الأمريكيين لا يعرفون شيئا عن السياسة الخارجية وما يدور في العالم. همهم هو ما يلامس دخلهم. و يستثنى من ذلك الصهيونيين.
5- المال والإعلام مسيطر عليه تماما من قبل المصالح الصهيونية.
6- الدس الصهيوني يعمل بتقديم الشروحات السلبية المتحيزة ضد العرب والمسلمين.
7- أما التركيز على “معاناة” المرأة السعودية بمنطلق نسوي فلم يكن موجودا في تلك الحقبة.
8- تصاعد في مرحلة تفاقم تشدد الصحويين والإلزام بالنقاب والبرقع وتفاعلت معه الكثير من الناشطات النسويات سلبيا.
9- التركيز على المرأة باستهداف التسيس جاء لاحقا مع برامج المحافظين الجدد لبث الفوضى الخلاقة بتفعيل كل جوانب السخط في المجتمعات العربية خاصة بين فئة الشباب. ودعيت أكثر من مرة للمشاركة في مؤتمرات تركز على بناء التحالف النسائي و إيقاظ المرأة العربية لحقوقها المسلوبة من قبل ذكور مجتمعها, وتوعيتها لتقصير الأنظمة المحلية في هذا الجانب. منها برنامج اليزابث تشيني. وسمعت ممن شاركن تفاصيل ما يحدث من تأليب تستجيب له بعض الناشطات النسويات بحماسة دون أن يتعمقن في السؤال من المستفيد من تأجيج الناشطات؟ ولماذا تصرف عليه ملايين الدولارات.
الشهيرات من المحررات و الإعلاميات و الكاتبات اللاتي يأتين إلى البلاد ليغطين المناسبات أو يعملن التحقيقات أو يؤلفن الكتب كثيرا ما يفاجئننا بتصويرنا سلبيا مثل مورين داود أو كارين هاوس.
كل ذلك يزعجنا كثيرا لعدة أسباب:
1- أننا ندرك أن في بعض ما يرسم عنا تفاصيل حقيقية نحن شخصيا لا نحبها. ويسيئنا أن تهمش بعض فئات المجتمع معاناة المرأة واستلاب حقوقها الشرعية والإنسانية.
2- يسيئنا أن يعلق إعلامهم على ما تصرح به الناشطات أغراض لا علاقة لها برغبات النساء في تحسين أوضاعهن, بل تستغل كوسيلة لتشويه صورة المجتمع كله وتقديم الواعيات كثائرات غاضبات كارهات للوطن.
3- ويسيئنا أن بعض المتشددات ينسين أن القضية هي تصحيح أوضاع المرأة المواطنة متشبثات بدور الداعيات إلى الإنكتام وتقبل الجور الأسري والعرفي. طالما يبقين هن في الصدارة ولهن فقط حق الحضور. بل ويتقبلن أن يعقد مؤتمر عن دور المرأة وحقوقها.. لا يتكلم فيه إلا رجال !
4- فالحمد لله أن رؤية التحول تفتح لتمكين المرأة آفاق الفعل و تحقيق الذات والمواهب. و التصحيح قائم على قدم وساق دون صخب إعلامي وصراخ وجدل.
و إذا أصبح الإنجاز في الداخل هو المعتاد والمتقبل والسائد فستختفي الصورة النمطية المبالغ فيها من التغطيات الإعلامية. وتظهر للمتابع الحيادي الصورة المضيئة المعبرة عن الواقع. و يبقى أن الأهم من كيف يروننا هو ماذا نعمل لنعدل أحوالنا بوجهة إلى الأفضل مستقبليا.
المداخلات حول القضية:
- واقع صورة المرأة السعودية في الإعلام الأمريكي
أشار د. خالد الرديعان إلى أن صورة المرأة السعودية في الإعلام الأمريكي ليست “بالصورة الحسنة” حسب تقييمنا؛ فنحن نراهم يركزون على السلبيات ومعاناة المرأة وغياب حقوقها وهي الحقوق التي كثيراً ما رُسمت بمسطرة غربية.
في فحص الموضوع هناك مسألة مهمة يجب أن لا تغيب عن بالنا وهي أنه ليس من الضروري أن نعتقد أن الأمريكان يتقصدون الإساءة إلينا؛ فهم حسب قناعاتهم يريدون مساعدة المرأة السعودية طبقاً للنموذج السائد عندهم لما يجب أن تكون عليه المرأة.. صحيح انهم يقعون في مشكلة (التعصب الثقافي) ethnocentrism بحكم أن نموذجهم منتشر وعالمي universal ومن ثم يصبح من الصعوبة بمكان على معظم الأمريكيين أن يلتفتوا للتباينات الثقافية التي تنتشر خارج الولايات المتحدة فيما يخص المرأة وغيرها. القصد أنه ليس من الضروري أن نعتقد أن الإعلام الأمريكي يتقصد الإساءة لنا هكذا.
الذي يتقصد الإساءة لنا هم السياسيون الأمريكان ومؤسساتهم وذلك عندما يستخدمون المادة الإعلامية التي يروجها إعلامهم وأفلامهم وبرامجهم الوثائقية عن المرأة. يستخدمون هذه المادة كأداة ضغط سياسي وهنا نشعر أن الإعلام متحيز.
قبل عدة سنوات تواصلت معي باحثة أمريكية من جامعة ميسوري أسمها “سارا سوبوني” حيث كانت تعد أطروحة دكتوراه عن المرأة السعودية.. كتبت لها بالحرف: “تجاهلي كل ما قرأتِ وكل ما تعرفين عن المرأة السعودية في الأدبيات الأمريكية وغيرها وتفضلي بزيارة المملكة وسوف أقوم بكل ما أستطيع لتسهيل مهمتك حتى تري الأمور عن كثب ولتكون أحكامك مبنية على بيانات أولية.. لا يهمني ما ستكتبين لاحقاً لكن من شروط الموضوعية أن يكون حكمك مبنياً على مشاهدات ومقابلات ميدانية” (انتهى).
نأتي الآن إلى السؤال الأهم: إلى أي حد يعتبر ما يقدمه الإعلام الأمريكي صحيحاً بخصوص المرأة السعودية؟ ولماذا يركز على ما يراه سلبيات ويغفل الجوانب الإيجابية؟
إن من طبيعة الإعلام والتحقيقات الصحفية على وجه الخصوص أنها تركز على القضايا التي تشد انتباه القارئ وتثير ردود أفعال، وبالتالي يميل الإعلام إلى استعراض نماذج محددة سلفاً وغالباً تتسم بالغرائبية ومنها موضوعات المرأة وقضايا الجندر. قرأت بهذا الخصوص ومن كتّاب أتراك أن الدراما التركية المدبلجة والتي تعرض في العالم العربي لا تعكس واقع حالهم فهي تضخم عيوبهم وتميل إلى أخذ النماذج غير الدارجة وإن كانت نماذج موجودة (قصص السفاح والهروب مع العشيق وجلسات الحب على ضفاف البوسفور والانتقام الخ). وفيما يخص المرأة السعودية فإن ما يكتب ويقال عنها في الإعلام الأمريكي صحيح إلى حد مقبول لكن يتم معالجته وتقديمه بطرق غير موضوعية أحياناً بهدف لفت الانتباه إلى ما يُقدم. يجنح بعض الأمريكيين إلى أسلوب dramatization لتقديم مادة صحفية ومن هنا يراودنا شعور قوي أن ما يُكتب عنا يقصد به الإساءة إلينا؛ في حين أن صاحب العمل أو الكاتب يعتقد أنه يطرح “قضية عادلة” من وجهة نظره. حقوق المرأة عندنا وباعتراف معظمنا ليست كما ينبغي؛ فنحن ما فتأنا نردد أن الإسلام منحها كذا وكذا في حين أننا كمجتمع لم نمنحها إلا الفتات وهنا يلزم التفريق بين النظرية والتطبيق ومعرفة سبب هذه الفجوة بين الإسلام وثقافة المجتمع وسبل تجسير الفجوة بينهما. الفقه الدارج متكلس في هذه المسألة وطرح قضايا المرأة أو مناقشتها من قبل كتاب سعوديين يفتح عليهم أبواب جهنم؛ فتهم التغريب والعلمنة واللبرلة جاهزة لوصمهم بها حتى لو كانت منطلقاتهم إسلامية صرفة.. وحتى عندما يتحدث شيخ أو فقيه معتبر في هذه المسائل وينافح عن حقوق المرأة فإنه لا يسلم من الطعن بدعوى فساد عقيدته أو أن لديه شطط أو جنوح أو أنه يستخدم أدلة شاذة غير مرجوحة.
وقالت أ.د. سامية العمودي: هل للمرأة السعودية معاناة؟ بالتأكيد نعم أي واحدة ممن طرحن القضية مثلاً لا تستطيع الحركة والتنقل إلا بإذن ولي أمرها ولو كان ابنها الصغير وإن كانت هي عضو شورى.
هل الوضع عندنا كما كان سابقاً؟ قطعاً لا هناك تمكين متصاعد بدأ في عهد المغفور له الملك عبدالله وتسارعت وتيرته في عهد الملك سلمان.
هل يمتلك الإعلام الغربي والأمريكية صورة حقيقية للداخل؟ قطعاً لا .
السؤال لماذا والجواب لأننا كسيدات اختبأن في ظل العباءات وكانت الغالبية ترفض الظهور الإعلامي ولم يتغير الوضع غير في السنوات الأخيرة وبالتالي لم نبذل جهداً حقيقياً لتعريف العالم بوضعنا الحقيقي بمنجزات نسائنا وإبداعاتنا كما تظهر الصور السلبية ولذلك بنى الإعلام هذه الصورة السلبية والنمطية. بل يزداد الأمر تعقيداً برفض النساء وبعدم السماح لهن أحياناً بلقاء الإعلاميين أو وسائل الإعلام الغربي.
وذكرت د. منيرة الغدير أننا وكأننا في معادلة تتكرر: إن لم نصلح وضع المرأة في الداخل فإن صورها المنعكسة في الخارج ستظل سلبية؛ هذا صحيح. لكن أيضاً: هل ننتظر حتى نعالج قضايا المرأة داخلياً وخاصة أن إيقاعنا العربي المنشأ بطئ؟ ألا يجب أن نتناول ونقدّم الحلول لهذا الحضور الإعلامي للمرأة السلبي في أغلب الأحيان؟
أما من ناحية عدم رغبة النساء السعوديات في التحدث للإعلام الغربي إما تردداً أو خوفاً من العواقب، فهذا موضوع بحاجة لمناقشة في إعلامنا. حتى الآن عدد القادرات على التحدث للإعلام الغربي والمتمكنات من فهم لغة الحوار مع الثقافات الغربية قليل.
هناك شح في المادة الإعلامية والثقافية والأكاديمية عن المملكة. لو ذهبنا لأكبر مكتبة جامعية في لندن أو بوسطن، الخ، هل هناك مادة كافية عن السعودية في التاريخ، السياسة، التراث، العمارة، الأدب، الخ مترجمة وَلْكتاب وأكاديميين من السعودية؟! المادة قليلة وهي عادة مشروعات فردية أو كتب كتبها متخصصين غربيين.
الآن في منصات الإعلام الجديد: أين نحن؟ دائماً نحن غائبون، فقط نظهر كموضوع للنقاش والاختبار، مثل موضوع المرأة تقريباً.
ومن جهته قال أ. أمجد المنيف: السؤال الملح هنا، والذي قد يساعد في فهم وتفكيك القضية: كم عدد السعوديات اللاتي ظهرن في الإعلام الأميركي؟ إن الرقم قليل جدا مقارنة مع حجم التناول. وقضية المرأة السعودية (في منظور الغرب) قبل الإعلام الأميركي؛ إحدى أهم القضايا التي تنطبق عليها نظرية غياب صاحب القضية.
الأمر يعاني من إشكاليتين:
- أولا، عدم تصدير الإعلام الخارجي لدينا للصوت النسائي، وتقديمه في الإعلام الغربي بشكل مُلفت.
- ثانيا، عدم وجود مبادرات فردية جادة، أو مشاريع من قبل مؤسسات غير ربحية، مع عدم إغفال بعض المبادرات المحدودة.
الأهم من كل هذا، هو التفنيد والرد العام، لا توجد ردود عميقة – أو لنقل مجازا منطقية – تستجيب لتساؤلات الإعلام الغربي، بشكل سريع وديناميكي ومرن.
كما يجب ألا ننسى أن ورقة المرأة السعودية في الإعلام الأميركي هي أحد أهم ملفات الضغط المرتبطة بالعلاقة السياسية بين البلدين، ويمكن قياس ذلك من خلال رصد تواريخ النشر، ومقارنتها بطبيعة العلاقة وقتها.
وعقبت أ.د. سامية العمودي بأنها ربما هي فرصة لنقوم بمراجعة الإحصائيات وماهي القنوات وهذا مهم للإعلاميين والحقوقيين.
وأشار د. ناصر القعود إلى أن د. الجازي أبرزت نقطة مهمة وهي أهمية مشاركة المرأة ومن مختلف الأعمار في الملتقيات والندوات، ويمكن إضافة المسابقات العلمية والأنشطة التي تقيمها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي لما يحصل فيها من الالتقاء بمواطنين من جنسيات متعددة.
ومن ناحيته يرى د. عبدالله بن ناصر الحمود أن جدلية المرأة في عالمنا (المعاصر) تبقى جدلية ذات شؤون وشجون؛ فثمة مفردات وردت في ثنايا العروض الثلاثة.. تئن من ثقل حمل أعباء التاريخ والجغرافيا والفكر والسياسة عندنا.. وهي أثقال .. حملتها المرأة السعودية لعقود طويلة، ولا تزال تحملها.. وتحمل أوزارها التي ظهرت بعد ثورة الاتصالات وتلاطم واقع المرأة السعودية بالواقعات الأنثوية والنسائية العالمية الأخرى.. وجها لوجه.
مفردات وجمل تحمل معان عجيبات من نوع (صورة المرأة السعودية) و (هن يردن ذلك) و (إعلام غربي يتابعنا) و (يرصد واقع نسائنا) و (يتجنى علينا وعليهن) و (لا يعرف حقيقة نسائنا) و (لا يدري) و(يبالغ في تشويه صورتنا) .. (لدينا مبدعات) و(صرن عضوات شورى).. ونحو ذلك.
جدليات.. يمكنها أن تستمر قرونا دون حسم؛ لأننا.. كما يبدو.. تعودنا.. كأمة عربية وإسلامية وليس فقط سعودية.. في هذه العصور المتأخرة من عصور ضعف المسلمين.. أن نتجادل حول الحمى.. لا نقع فيه.
ولو أردنا أن نقع فيه لقلنا أن الرجل قد تمرد على المرأة وسلبها (كينونتها). حتى إذا ما قاده نبله لامتداحها.. فلن تبلغ أنبلهن أكثر من أن تكون أم رجال.. وبنت رجال. (طبعا.. رجال هنا.. بصيغة الجمع).
ومظاهر سلب الكينونة هذا.. كثيرة عندنا.. فأهلية المرأة منقوصة في كثير من المسائل.. وسلطة الرجل عليها شبه مطلقة .. وحقوقها .. موضوع نظر.. وكثير من ترسبات ثقافة الوأد .. ليست من كثيرين منا ببعيد.
سواد لباس المرأة الذي زرع في وعينا أنه حشمة وعفة، لا يمكن فهمه ولا تفسيره خارج منظور سلب الكينونة. وهنا نعود لموضوع الإعلام.. و (صورة) بنت الرجال.. فيه.
في الإعلام قاعدة .. لها في الإعلام وزن القواعد الفقهية في الفقه، تقول.. الخبر ليس عندما يعض كلب رجلا.. ولكن الخبر المؤهل للنشر عندما يعض رجل كلبا.. ويعني ذلك أن الإعلام المحترف.. لن يهتم بالدكتورة منيرة أو د. الجازي أو د. ثريا وأمثالهن من (بنات الرجال) إلا في سياقات خاصة عندما تكون تلك السياقات موضوع الإعلام، لكن.. فضاءات (بنات الرجال) الأخريات.. المثقلة بأطنان ترسبات ثقافة التخلف الحضاري والإنساني هي ما سوف تكون مادة إعلامية ثرية ومهمة.
المرأة لا تقود السيارة، هذه قضية محدودة وهامشية في ذاتها ربما، وربما .. أيضا في مجتمع تعود على استقدام السائقين كما لو كان يستقدم (بق ماك) من ماكدو، لكنها.. في المجتمع الدولي.. ليست كذلك.. بكل ما تحمله من خلفيات فكرية وثقافية ومجتمعية.. كما أنها مع فقد النقل العام وهامشيته.
قضايا أخرى مهمة كقضايا الولاية والحقوق بكافة تفاصيلها (الفكرية).. وليست الدينية.. وكقضية (الاختلاط) بأحكامها الوضعية.. وليست الشرعية.. كلها مواد مشروعة للإعلام.. والإعلام الغربي تحديدا.. الذي يفسرها بدقة متناهية وفق قاعدة عض الرجل للكلب.. وليس لقصد مهاجمتنا .. أو السخرية منا.. فهو .. وإن أراد السخرية وفعلها.. يبقى محترفا.. لا تثريب عليه.
هذا.. ليس من باب الدفاع عن الإعلام الغربي (المحترف) المأزوم بترهات الغرب ومشاكله الأخرى غير المرأة.. ولكنه دعوة. لوضع الأمور مواضعها.. و (للوقوع في الحمى).. والتوقف عن الدوران حوله.
مجتمعاتنا الإسلامية (مخترقة فكريا).. ويجب التصدي بقوة فكرية مناهضة لكافة أشكال الاختراق.. التي منها ما يطال (بنات الرجال) في العمق.. وفي الخاصرة.. فيذرو كثيرا من حقها.. وأهليتها للعطاء والمنافسة.. ويجعلها ذريعة لإعلام غربي مأزوم محترف.
ومن ناحيتها قالت د. ثريا العريض: شاركت في الإعلام الخارجي بكثافة في اجتماعات مع مراكز بحوث متخصصة ومؤتمرات و مقابلات على قنوات الإعلام التلفزيونية و الإذاعية في القارات الست. و يمكنني أن أقول أن هناك إعلاما محترما يركز على توضيح الحقائق و الواقع .. و هناك إعلام متحيز مسبقا يركز على ما يثبت مواقف مسبقة سلبية منا و أحيانا سلبية جدا – مع الأسف بعضه عربي- ضد السعودية و الخليج أو العرب أو الإسلام. و أسوأ أسئلة و ردود فعل وجهت لي كانت ممن عملوا في السعودية وعايشوا “خصوصية” المجتمع خاصة في مرحلة الثمانينات و تعامله مع العمالة و الوافدات بما في ذلك أستاذات عملن في جامعات السعودية.
أسوأ أسئلة كانت من الملحدات أو ممن قاموا بإجراء مقابلات مع الناشطات النسويات حيث تضخم الجوانب السلبية و يركز عليها فيرسمن صورة توحي بالطالبانية دون أن يقصدن.
أنقل صورة الواقع بحيادية و أوضح مسببات الاختلاف أو التأخر مجتمعيا عن مواكبة تاريخنا أو حاضر العالم .. و أذكر المنجزات التي تحققت في فترة قصيرة و التحديات التي نواجهها و أن لكل مجتمع طموحات يشترك فيها مع الآخرين و تفاصيل لا تناسبه و له خيار الممارسات التي تناسبه و لا تتعارض مع حقوق المواطنة.
وطرح م. خالد العثمان تساؤلاً مهماً مضمونه: هل النظرة الأمريكية والغربية إعلاميا للمرأة السعودية هي ذاتها للمرأة الخليجية والمرأة العربية أم أن الخصوصية السعودية تتمثل هنا أيضا؟
وفي تصور د. عبدالله بن ناصر الحمود فإن وضع المرأة في السعودية مختلف تماما عن وضع أي مرأة في العالم بما فيه الخليج. والمعادل الموضوعي لوضع المرأة في الإعلام الغربي اليوم هو التشريعات المؤسسة على منظور ديني؛ وهذا الأمر موجود في الكتابات الغربية وفي التناول الإعلامي منذ القدم.. حتى أن المستشرقين أعطوا موضوع المرأة العربية والمسلمة حيزا مهما جدا. ولكن منذ الحادي عشر من سبتمبر.. بدأ التنقيب عن مكامن مهمة للغلو والتطرف عند العرب والمسلمين.
ومن المؤسف أن التشريعات التي رآها الغرب مناهضة للتحضر صعدت لتحتل أولوية التناول الإعلامي؛ وجاء في مقدمة ذلك في غالب التناول التشريعات المناهضة لحرية التدين ثم التشريعات ضد حقوق المرأة.. وهنا برزت قضايا مهمة لا توجد على مستوى التشريع إلا في السعودية كقضايا تحريم الاختلاط وتحريم قيادة المرأة للسيارة وعدد من حقوق المرأة في العمل والأسرة والملكية والتقاضي.
في الدول الأخرى الخليجية والعربية تتماثل المرأة هناك مع المرأة السعودية وفق معايير العادات والتقاليد والثقافة العامة المحافظة؛ وهذه أمور لا تزعج الغرب كثيرا فهو ينظر لها كتمايز اجتماعي وثقافي وربما حضاري.. ويتفهمها كما يتفهم أحوال المرأة في كينيا والصومال وجيبوتي وهاييتي وغيرها.
والظن أن مركز هجومهم ليس مبنيا على مبادئهم أبدا. هم مثلا لا يطالبون بالحرية الفردية المطلقة وفق منظور لبرالي… ولو فعلوا أمكن كبح جماحهم.
هم لا يطالبون بتعري نسائنا عند الشواطئ.. ولا بالترخيص لبيوت البغاء وفق منظور لبرالي وعقيدة فردية مطلقة في حدود المسؤولية الاجتماعية فقط ..ولو فعلوا لكبحنا جماحهم..
هم باختصار يصطادون ثغرات في نسيجنا الثقافي والاجتماعي حكمتها العادة أكثر من المنظور الشرعي؛ وهي أمور لا يمكننا الدفاع عنها شرعا .. لأننا الوحيدين من بين كافة الدول الإسلامية والعربية الذين نقرها تشريعا وممارسة.
ثلاثين مليون .. فقط.. من أصل مليار وسبعمائة مليون مسلم.. هنا يكون الاصطياد في مكانه.. ليس وفق منظورهم .. ولكن وفق كل منظور.. مثلا.. لا يمكن تبرير منعنا للاختلاط .. شرعا.. وكل المسلمين لا يمنعونه.. ولا يمكن تبرير عدم قيادة المرأة .. وكل المسلمات غيرنا يمكنهن القيادة.. وعلى ذلك قس باقي الثغرات.
هم إذا.. لا يتكئون على قيم اللبرالية والديموقراطية والفردية الغربية؛ ولكن على قيم وأعراف عالمية .. نحن نقرها فلسفيا… ولكن نخالفها تطبيقا.
وأوضحت أ. عبير خالد أن د. منيرة تحدثت عن البعد الغيري الذي نلمحه في كلام الأوروبيات النخبويات حين يزرن السعودية واستحضرت البريطانية “ثيريزا ماي” كمثال على ذلك حين جاءت مكشوفة الرأس وتقول بأنها تريد أن تكون مثال تحتذي به المرأة السعودية.
هذا الأمر لا يحدث في دول الخليج…. هل هناك حلقة أو خطوة مفقودة (إعلاميـاً) نجحت فيها الدول الخليجية نحن لم ندركها؟ الإمارات أنموذجا. أو أن الأمر كما قال د. عبدالله وغيره هو أن وضع المرأة الخليجية مختلف عن المرأة السعودية إلى حد ما؟
وعلق م. خالد العثمان على هذا الطرح الأخير بأن هناك مشتركات كثيرة بين واقع المرأة في دول الخليج بما في ذلك العباءة السوداء .. بل إن العباءة السوداء عنصر مشترك مع إيران أيضا.. إذن فإن تباين الموقف الإعلامي الأمريكي من المرأة السعودية والمرأة الخليجية هو تباين ينطلق من منطلقات أخرى أولها التجييش السياسي الذي يستغل بالطبع مواطن الضعف في الجوانب الحقوقية للمرأة السعودية.
وأضافت د. منيرة الغدير أن التمثيل للمرأة السعودية في الصحافة الأمريكية يرتكز على خطوط مشابهة للمرأة العربية والمسلمة:
- أنها مضطهدة من الرجل العربي/المسلم.
- لازالت تعاني من سلب حقوقها.
- نقابها/حجابها دائماً يثير الأسئلة منذ الخطاب الإستشراقي وحتى الآن.
بالمقابل نرى أن سمات المرأة السعودية في الإعلام الأمريكي تدور حول أنها:
- لا تقود السيارة وهي الوحيدة في العالم (وهذا الموضوع يتصدر العناوين والمقالات).
- مضطهدة.
- عاطلة عن العمل على الرغم من كفاءتها.
- مغطاة بالسواد كما تنهمر صفات العباءة والحجاب في المقالات والصور الفوتوغرافية.
ويِصور الغرب على أنه المنقذ للمرأة السعودية/العربية والمسلمة وأن المرأة الغربية وخاصة القيادية هي النموذج الذي سيساعد المرأة على تحررها ونيل حقوقها.
والملاحظ حسب القراءة والمتابعة للصحافة الأمريكية، أن المرأة الخليجية لا تحضر والسعودية هي التي تحت المجهر.
وأوضحت د. منيرة الغدير أنها تتفق مع ما سبق وذكره د. خالد من أن الإعلام الغربي لا يتعمد الإساءة إلينا لكننا في مواجهة خطاب ثقافي وحضاري وموقعنا العربي منكسر، بالتالي تظهر هيمنة هذا الخطاب سواء على رؤية الصحافيين والديبلوماسيين، والسياسيين، ومن ثم نعود للسؤال الأول: ما الذي نقدمه من أطروحات لكي يتم خلق شيء من التوازن في الطرح؟ فحضور الصوت غير غيابه التام!
الدراسات الجندرية أوضحت خطاباً متعالياً على المرأة الأثنية (الهندية، الإفريقية، العربية) فليست المرأة السعودية وحدها من دخلت هذا النقاش الغربي، لكن التركيز عليها كما لو أنها رمز للسعودية.
ومن جانبه قال د. حميد الشايجي: أتساءل هل الإعلام الأمريكي إعلام مسيّس أم إعلام حر فهو عندما يرسم صورة العربي والمرأة خصوصاً ؟ هل هو ينطلق من خلفيه ثقافية أم خلفيه سياسية؟
وبناء على ذلك نستطيع أن نفهم الصورة النمطية المرسومة للمرأة السعودية في الإعلام الأمريكي. فعلى الرغم من مئات الزيارات التنويرية والممنهجة لإعلاميين أمريكيين للمملكة، وعلى الرغم من ابتعاث ألاف الطالبات السعوديات إلى أمريكا وكذلك زوجات المبتعثين واختلاطهن بفئات مختلفة من المجتمع الأمريكي وتميزهن العلمي والمهني، ومع ذلك تظل الصورة النمطية للمرأة السعودية المتخلفة والمضطهدة هي الطاغية على الإعلام الأمريكي، فهنا نتساءل عن الحيادية والموضوعية والمهنية في الإعلام الأمريكي؟
أم الأمر يتعلق بالنقطة السوداء في الثوب الأبيض الجميل، فإن لم تتغير بعض الأمور سيظل الجلد مهما عملنا من تحسينات. أم أن الأمر عادي، فهو نقد إعلامي وسياسي مشروع قد يوجه لأي دولة لكن نحن حساسون قليلا ولا نتحمّل أي نقد؟؟!!
بينما يرى د. عبدالرحمن الشقير أن الإعلام الأمريكي مفتوح، ومن يسيطر على قنوات وصحف إعلامية سيواجه بخصوم يسيطرون على قنوات وصحف مضادة. ولا يمكن أن يتفق الإعلام الأمريكي على وجهة نظر واحدة في سياسات دولته فما بالك بقضية مثل المرأة السعودية. و المرأة السعودية حظيت باهتمام مراكز الفكر (ثينك تانك) وهذا أهم من الإعلام لأنه يقدم نصائح وتوصيات لمتخذ القرار في أمريكا.
وبناء عليه تساءلت أ. عبير خالد: وهل يركز العرض الإعلامي عن المرأة السعودية على قضايا الحقوق الطبيعية مثل السيارة والولاية فحسب؟ أم أنه يستخدم هذه الحقوق لخلق وتعزيز الصور النمطية السلبية عن المرأة السعودية؟
وفي ها الشأن ذكر د. الشقير أن التركيز على المرأة السعودية جاء في سياق الاهتمام بالمرأة المسلمة. وسبق أن أجرت مؤسسة كارنيجي فرع لبنان دراسة بعنوان “المرأة في الحركات الإسلامية: نحو نموذج إسلامي لنشاط المرأة” (2007)، وفي تقرير مؤسسة راند “بناء شبكات مسلمة معتدلة” (2007) أوصت بإعادة تفسير الآيات القرآنية عن المرأة بما يتماشى مع قيم العصر الحديث. إن نموذج المرأة السعودية المتدينة (عباية الرأس والنقاب والقفازات) يعتبر من النماذج التي حيرت مراكز الفكر والإعلام الغربي عموما بسبب قدرتها على تصدير نموذجها إلى دول كثيرة مثل مصر وغزة والجزائر وباكستان. والآن تتوجه الدراسات الغربية للداعيات السعوديات.
ولعل من أسباب تهميش المرأة هو اختزالها والتعامل معها بوصفها جماعة لا تنفصل لذلك صارت قضية البعض هي قضية الكل. ومن هنا أميل إلى جانب الفردانية والتحول من تمسك المرأة بالمرأة وبحزمة قضاياها إلى تمسك المرأة بقضاياها الشخصية وبقيمها التي تتفق مع شخصيتها.
وأشارت د. منيرة الغدير إلى أن هناك أهراماً من الأبحاث والدراسات التي تُعنى بالمرأة المسلمة والعربية، وفِي السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام بالمرأة السعودية وخاصة في الدراسات الإنسانية والإعلام، بل أننا نجد الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه عن المرأة السعودية والإعلام. أيضاً كلمة “مضطهدة” هي الصفة التي تتداول لوصف المرأة السعودية.
المرأة العربية والمسلمة هي نموذج مثل بطلة رواية تتمتع بسمات معينة في سياقات درامية وبرؤية عيون غربية، لكن لا نستطيع إطلاق تعميم عن الخطاب الإعلامي الأمريكي بهذه النبرة المباشرة لأننا سننحاز للاتهام بدلاً من تحليل أدواته وكيفية تمثيلاته للمرأة العربية والمسلمة.
وأشار م. حسام بحيري إلى أن الإعلام الأمريكي دائما يستخدم حقوق المرأة السعودية كأداة لمهاجمة السعودية وليس لاهتمام صحافتهم بأوضاع المرأة في البلاد. منذ متى الإعلام الأمريكي يهتم بالسعوديين عامة أو بالعرب والمسلمين, هذا هو الإعلام الذي برر سفك دماء العرب والمسلمين وصنع الكراهية ضد أدياننا ونفس الإعلام المنزاح الذي يبرر ويغطي انتهاكات وجرائم العدو الصهيوني على مدى أكثر من٥٠ عاما. الإعلام الأمريكي لا يأبه بحقوق المرأة السعودية أو المرأة العربية. لا نرى مقالات لهم عن وضع أو مشاكل المرأة التونسية أو الجزائرية أو المصرية أو اللبنانية وهل حققوا أي إنجازات مقارنة بنظيراتهم في دول أخرى أو حتى أي مقالات عن أي امرأة عربية. هناك نساء مواطنات كثيرات في المملكة يطالبون بحقوقهم والبعض منهم دخل السجن لمطالبتهم بحقوق معينة لم نرى الإعلام الأمريكي يتبنى قضاياهم أو حتى أن يكون له دراية عن مطالبهم وتوجهاتهم ومعاناتهم أو حتى معرفة أسماءهم إلى بعد أسابيع من حصول الحدث. إن مناصرة الإعلام الأمريكي الذي له تاريخ طويل في مهاجمة أدياننا وطريقة حياتنا لقضايا المرأة هو أسوأ شيء ممكن أن يحصل للمرأة السعودية ولجوء أي امرأة سعودية للإعلام الأمريكي أو الغربي عامة سيضر مواقفها أكثر من أن يفيدها. حقيقة إن المرأة السعودية تحتاج للحصول على الكثير من حقوقها خصوصا أن المطلوب منها اليوم أن تكون مواطنة منتجة ولديها التزامات نحو وطنها أسوة بالرجال في مجتمعها ومن حقها الحصول على حقوق مساوية ولكن هذا شأن اجتماعي داخلي لا يجب أن نسمح لأجانب بالتدخل فيه، خصوصا أنهم أثبتوا أن يعملون ضد مصالح بلدانا وشعوبنا. إن جميع المواطنين السعوديين وبغض النظر عن توجهاتهم في موضوع المرأة وحقوقها بالبلد لابد أن يتخذوا موقف متحد في رفض التعامل مع الإعلام الغربي وتدخلاته في مجتمعنا؛ لأنه أثبت بدون أي شك مستوى معاداته لمجتمعاتنا ومعتقداتنا.
لكن د. ثريا العريض قالت رغم الاتفاق مع أغلب ما ذكره م. حسام إلا أننا لا نستطيع أن ننفذ على أرض الواقع منع أي إعلام من تناول أوضاع أي دولة. نستطيع فقط فرض الأوضاع الداخلية أو تغييرها .. ونحن نرى ذلك يحدث وليس إرضاء لضغوط من الخارج.. أو حتى ضغوط من الداخل. التغيير يحدث لأن من ضرورات النمو و الاستقرار و الأمن و الاقتصاد أن يحدث.
وعقبت د. منيرة الغدير على ما ذكره م. حسام ، بأن بإمكاننا قراءة الخطاب الإمبريالي في ثنايا الإعلام الأمريكي؛ أيضاً الذي نلمسه من نقاشاتنا أننا ننحاز للجانب العملي (إصلاح أوضاع المرأة أولاً، الخ) ولكن لدينا الجانب الفكري والثقافي: كيف نحاور ما يجلبه هذا المد المعرفي الغربي فكرياً؟ وأين المراكز البحثية التي تستطيع تقديم الدراسات التحليلية لكي نقترب من خلق شيء من التوازن؟
والمد الفكري المشار إليه أشمل من تركيزه على المرأة السعودية فقط. وبتبسيط الفكرة: عندما نتعرض لمد، أو طوفان إن أردتْ، معرفي والذي يلتهم ملامح الثقافة وتنوعها وثراءها ويحصرنا في نماذج مؤطرة وجاهزة، فلا بد أن يكون لدينا مداً مشابهاً ولو كان أصغر بسبب سيطرة ذلك الغربي. مقاومة لابد أن تكون مشابهة وقوية لكي لا يستمر تغييبك.
أما بخصوص السؤال عن رؤية الإعلام الأمريكي لحرية المرأة السعودية، فهو هلامي هنا، نستطيع أن نرى تصورات معينة لكنها متشظية والسبب لأن المرأة السعودية بمجتمعها وثقافتها تقع كلها في الظل المجهول. وبالتالي تأتي المقالات والعناوين حافلة بما حرمت المرأة منه: قيادة السيارة كمثال، بعيداً عن فهم السياق الاجتماعي والثقافي. باختصار حقوقها تنبع بمقياس قيم غربية. كما أن النبرة الساخرة في المواضيع المتعلقة بالمرأة ملفتة.
وبدوره أوضح م. حسام بحيري أنه يتفق مع ما ذكرته د. منيرة حول مسألة المد أو الطوفان الفكري الذي نتعرض له من قبل الإعلام الغربي ولكن لماذا نستسلم لهجومهم ونتعامل معه كواقع ونبدأ في الدخول في دوامة الدفاع والرد. إن المرأة السعودية تستخدم في الإعلام الأمريكي والغربي كوسيله للهجوم على السعودية وليس للوقوف مع حقوقها؛ هم يصنعون المشكلة ويفرضون عليك التعامل معها ويجعلونها واقع مفروض. أهم وسيلة لمجابهة فكرهم هو ضرب مصداقيتهم وإثبات أن فكرهم لا يناسب واقع المرأة السعودية في مجتمعها وأن المرأة السعودية هي أفضل من تمثل نفسها أمام مجتمعها وستنال جميع حقوقها بالاعتماد على نفسها ومجتمعها وليس مساندة إعلام غربي أثبت عدائه لمجتمعنا ومعتقداتنا. حتى لو فرضا طورنا فكر مشابه للرد عليهم أو نفذنا جميع ما يدعون إليه بخصوص حقوق المرأة هل هذا كفيل بوقف هجومهم أو مدهم الفكري على مجتمعنا. من غير المرجح ذلك بل سيبتدعون مواضيع أخرى كثيره كمثال سيكون موضوع تعدد الزوجات أو موضوع حقوق المرأة من الناحية الإسلامية أو ميراثها أو أي شيء آخر لا يناسب توجهاتهم موضوع جديد يستخدم للهجوم على السعودية. موضوع تغطية الإعلام الأمريكي والغربي لحقوق المرأة في السعودية ليس له أي دخل بحقوقها؛ هو جزء من سياسة الكراهية التي يتم تلقينها في مجتمعهم ،وهذا ليس اتهام بل حقيقة واقعة مبنية على دراسات وأبحاث لا ينكرها الغربيون أنفسهم. من المهم أن نتذكر أيضا أن العالم بأجمعه يواجه غزو فكري غربي والغرب يسعى جاهدا لفرض طريقة حياته على المجتمعات في العالم وتغييرها ليناسب توجهاتهم ومسؤولية شعوب العالم أجمع مواجهة أي مد فكري يُفرض عليه ولا يتناسب مع مجتمعه.
وفي تصور د. علي الحارثي فإن الإعلام الغربي وبالذات الإعلام الأمريكي المتسيد للإعلام العالمي له أثر كبير على سياسات الدول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والقيم المجتمعية ، وقد نالنا النصيب السلبي الأعظم منذ قرون وليس وليد الساعة؛ لأنهم باختصار يَرَوْن أن الإسلام بقيمه وأخلاقياته ومناهجه وتشريعاته الربانية هو الخطر الحقيقي على حضارتهم وقيمهم وبالتالي حاربوا ولا زالوا ويحاربون وسيظلون يحاربون لأن لا يخرج هذا المارد من قمقمه كما يقولون وليس ما نقول، حتى ننسلخ تماماً من قيمنا وعقيدتنا وتفافتنا وحضارة الإسلام. هذه مقدمة قد يختلف معها ويتفق خلقٌ كثير. وما الحديث عن المرأة السعودية وحقوقها في الإعلام الأمريكي إلا جزء مما في نفوسهم ومخططاتهم، لن ندخل في تفاصيل إيجابيات وسلبيات تعاطي الإعلام الأمريكي حول المرأة السعودية ، وهل أفادنا في بعض الجوانب أم أساء إلينا ؟ المؤكد أنهم لا تعنيهم حقوق المرأة السعودية ، وإنما يستخدمون ذلك سياسةً للإساءة لصورتنا عالمياً، و لفرض مصالحهم وأيديولوجياتهم وثقافتهم التي يريدون بسطها على العالم وبالأخص علينا لكراهيتهم لنا بالذات ، لأننا قبلة العالم الإسلامي .وليس من الضرورة أو من غير الضرورة متابعة ما يكتبون والرد عليهم لأنه لا فائدة من مجاراتهم واقتناعهم بما نقول ، بل قد يستفيدون من أخطاء خطابنا والدفاع عن أنفسنا ، لأنهم سيختلقون من خلاله محاور جديدة وافتراءات لا تمت لحقوق المرأة ولا للحقوق العامة بصلة. !!!
أما د. مساعد المحيا فقال في مداخلته: لدي رأي ربما يغرد خارج السرب .. أتساءل هنا عن سبب تتيمنا بأن نكون كما يريد السياسي والإعلامي الغربي، لماذا علينا أن نقدم فروض الولاء والطاعة ليرضو عنا؟
لدينا فعلا أخطاء وقصور في تعاملنا مع المرأة بعضها منزعه اجتماعي وبعضها اجتهاد فقهي وبعضها تاريخي لكن ذلك ينبغي أن لا يقودنا بحال إلى أن نبحث عن الحل خشية العيب أو النقد الإعلامي؛ فالغرب في نظرته لوضع المرأة لدينا يقوم على مركزية إدارة الحياة وفق مفهوم الغرب للكون والإنسان.
الغربي يعتقد أن العالم ينبغي أن يكونوا كثقافته بوصفه يرى أنها المرجعية وبالتالي فهو لا يؤمن بأن الحجاب أو النقاب هو ثقافة يعتمدها مجتمع عريض في هذا العالم.
كم كنت أتطلع أن يكون حضورنا لدى هذه الوسائل حضور الذي يبسط ثقافته باعتزاز وفخر بدلا من الركون لزاوية الدفاع مع استشعار الهزيمة باتهام المجتمع ووصفه برزايا عديدة. ديننا شرع لنا الحجاب والنقاب مدرسة فقهية معتبرة؛ والغربي لن يرضى حتى تكون المرأة المسلمة والعربية كالمرأة الغربية؛ لذا أنا أشعر أن أي نقد لممارسة مشروعة لدينا هو كالذي يقول لي أنت سعودي ومن الرياض.
وذهب د. خالد الرديعان إلى أن هناك أحداث أو فرقعات إعلامية من شأنها تشويه صورة المرأة عندنا؟ كبيرة كهروب بعض الفتيات من المملكة وهي مشكلة بدأت تتنامى في الفترة الأخيرة وهناك عدد لا بأس به من السعوديات طلبن اللجوء للولايات المتحدة وهناك بعض الناشطات في الداخل ممن يتم مقابلتهن وأخذ تصريحاتهن ونشرها في وسائل إعلام أمريكية وغيرها. علاوة على كل ذلك هناك حقوق للمرأة بسيطة لكنها محجوبة ويتم غالباً تأجيل البت بها. وهذه بعض الأمور التي تساعد على تشويه الصورة.. ومن ثم يعرض الإعلام الأمريكي أو بعضه صور للمرأة المضطهدة.
أما في مسألة المرأة السعودية هناك قضية “العولمة الجارفة” فهي تلعب دوراً محورياً في محو وتهميش التباينات الثقافية (الخصوصيات) بين الشعوب.. وكلما زاد زحف العولمة ازداد تهميش الخصوصيات الثقافية للشعوب الشرقية حتى لو كانت هذه الخصوصيات تقدم حلولاً ناجحة أو تقدم نماذج معقولة.
مع العولمة أصبحت المعايير الغربية والأمريكية على وجه الخصوص هي الطاغية والجارفة، وحتى لو نجح نموذج ما (لامرأة ما) في مكان آخر خارج الدائرة الغربية (المرأة اليابانية، الصينية الخ) فإن المعيار الغربي يظل هو النموذج المثالي الذي تتطلع الشعوب إلى إتباعه.
يُغلف هذا النموذج البراق بحصول المرأة على حقوقها وعلى المساواة بين الجنسين وتبوأ المرأة المراكز القيادية. هذا النموذج مغري جداً لأي امرأة تقع تحت الاضطهاد لعدة قرون بما في ذلك المرأة العربية بشكل عام. كيف يمكن إقناع منظري العولمة أن هناك نماذج أخرى شرقية وغربية وإفريقية قد تكون جديرة بالفحص إذ ربما تقدم حلول مناسبة؟ إن مبحث “المرأة والعولمة” جدير بالمناقشة المستفيضة. وسؤال آخر: هل تعاني المرأة اليابانية أو الصينية أو الهندية من نفس الصور النمطية التي يطلقها الغرب على المرأة السعودية خصوصاً؟ هل يتم تقصّد المرأة السعودية أم أن النموذج العولمي لا يفرق بين السعودية وغيرها من نساء العالم؟
وفي نفس الإطار قال أ. عبدالله الضويحي: هل هذه النظرة في الإعلام الأمريكي تختص بالمرأة السعودية بذاتها أم المرأة المسلمة أو الخليجية أو غيرها ممن تتفق معها في كثير من الثقافات !؟ ومتى بدأت هذه النظرة !؟ وهل هي مرتبطة بأحداث معينة !؟
في السبعينيات والثمانينيات كانت معظم أحاديث الغرب والإعلام الأمريكي وأسئلتهم تتمحور حول كم بئر نفط لديك !؟ وعن الجمال والصحراء !؟ وتعدد الزوجات .. وبرزت هذه التساؤلات بعد قطع إمدادات النفط في 1973.
والمرأة الخليجية تلبس العباءة السوداء والبرقع والنقاب وكذا الإيرانية لكن الحديث فقط عن السعودية بل ربما تم تصنيفهن على أنهن سعوديات.
والملاحظ أن الحديث عن المرأة السعودية برز في العقدين الأخيرين وبعد أن نالت المرأة السعودية حقوقاً كثيرة ووصلت لمراكز قيادية وأصبح لها حضورها الدولي عكس ما كان الوضع عليه قبل ثلاثين سنة أو أكثر. ولهذا سببان أحدهما خارجي والآخر داخلي:
- الخارجي: بروز المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها وأحداث 11 سبتمبر ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالمملكة؛ كل هذه الأمور جعلت الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص ينبش الملفات ويبحث عن نقاط الضعف والتناقض لدينا ويركز عليها وأهمها حقوق المرأة وحقوق الإنسان وغيرها في محاولة منه للوصول إلى أهدافه.
- الداخلي: قبل ثلاثة عقود وأكثر كانت المرأة لدينا شبه غائبة إن لم تكن غائبة بالفعل عن المشهد عدا في التعليم والتمريض والطب ( بصورة محدودة ) وكان هناك تغييب لدورها:
- إما جهلاً : من خلال ثقافة مستمدة من قيم وعادات تحولت لتعاليم وتشريعات تردد أن الإسلام كفل للمرأة حقها وحررها من العبودية وأن الغرب أهانها … إلخ دونما دخول في التفاصيل واستسلمت المرأة لهذا.
- أو تجاهلاً : فهناك من لا يريد المرأة أن تتفوق وتأخذ مكانها لأسباب تعود له.
- أو خوفاً : من أن يؤدي حصولها على بعض الحقوق إلى وصولها لغير الحقوق .. فجاء باب “سد الذرائع” سداً منيعاً وكل من أراد حصل على نسخة من مفتاحه.
بعد قيادة عدد من السعوديات للسيارة الحادثة الشهيرة (نوفمبر 1990) ثم الانفتاح الإعلامي وقنوات التواصل وغيرها وتعلم كثير من السعوديات في الخارج والسعوديين أيضاً بدأت النظرة تتغير وتتأثر وظهرت ناشطات سعوديات وأخر بمعرفات سعودية فوصل الصوت للخارج وتم استثماره للوصول لأهداف معينة.
شخصياً أرى أن المرأة السعودية حققت العديد من النجاحات ووصلت لمراكز قيادية عالمية وحصلت على كثير من حقوقها بزمن لم يتوقعه كثيرون ومع ذلك لازالت نظرة الغرب والإعلام الأمريكي سلبية لسببين:
- الأول: أن عجلة الإصلاح فيما يتعلق بحقوق المرأة تسير ببطء بسبب تصادمها مع تيارات لازالت ترى في ذلك سلباً من حقوقها وقوامتها على المرأة لأنها اعتادت على ذلك.
- الثاني: أننا لم نستطع أن نوصل النجاحات التي تحققت للمرأة السعودية والحقوق التي حصلت عليها إليهم نتيجة ضعف الأداء الإعلامي لدينا من جهة وقصورنا في ترجمة هذه النجاحات على أرض الواقع من جهة أخرى.
الإعلام الغربي لا يهتم بتعيين امرأة في منصب قيادي أو عضوية برلمان أو شورى قدر اهتمامه بمطاردتها في الشارع أو سلبها حقاً شرعيا فالأول حق مكتسب والآخر حق مسلوب وهو يتعامل مع ذلك كما أشار د. عبدالله الحمود و د. خالد الرديعان بمن عض الآخر!؟
تكوين فرق ضغط لا تجدي لأننا نعرف كيف تتعامل دولتنا مع هذه الأمور فهناك مشاريع كثيرة أجهضت بسبب ذلك وبسبب ظهورها للإعلام. وبرامج العلاقات العامة مدفوعة الثمن لا يستفيد منها إلا منفذوها !!
بقي سؤال مهم: لو صدر قرار بالسماح للمرأة بالقيادة في السعودية هل سيتوقف الإعلام الغربي عن تصعيد حملته !؟ وهل هو منتهى الطموحات لتحصل على حقوقها !؟
وركز د. عبد الله بن صالح الحمود على حقيقة الأسباب التي تجعل من الإعلام الأمريكي خاصة والغربي عامة ، يزداد اهتمامه بين وقت وآخر بعاداتنا وتقاليدنا خصوصا ما يختص بالمرأة السعودية تحديداً ، هل نحن بالنسبة له كما يقال مادة دسمة لتسويق أمور لا نعلمها ، أم هل يرى أننا شعب نحتاج من يناصرنا لوجود نقص في حياتنا الاجتماعية ورأى هو وغيره إشباع ذلك.
والتساؤل حول ماهية هذه الأسباب تبقى تساؤلات مشروعة كي نتعرف أكثر عن أحوالنا ، فإن كان هذا الإعلام يلاحظ فينا ثقافة الملبس مثلا وبالذات ارتداء النساء لدينا العباءة خصوصا ذات اللون الأسود ، وأن هذا أمر يزعجهم كشعب أمريكي أو إعلام أمريكي ، فتلك هي مشكلتنا وليست مشكلتهم ، أم هل يرون أن المرأة لدينا لم تنال حقوقها المشروعة لها أو عدم منحها حق اجتماعي تمارس من خلاله حياة طبيعية كغيرها من نساء العالم؟
إن المرأة السعودية لم تعد هي المرأة السعودية بالأمس ، فالمشاهد أن المرأة السعودية نالت من الحقوق والفرص ربما لم تنالها غيرها في مجتمعات أخرى ، لم لا وقد أصبحت عضوا بمجلس الشورى وعضوا بالمجالس البلدية ومديرة جامعة ووكيلة جامعة ووكيلة وزارة ، والقائمة تطول.
إن أكثر ما يشغل بعض النساء لدينا هو أمران لا ثالث لهما ، الأول حرية السفر خارج البلاد بدون إذن من ولي لها ، والأمر الآخر السماح لها بقيادة السيارة ، وهذان الأمران الزمن وربما الزمن القريب كفيل بحسمهما لصالحها.
ثم إن ربط النيل من أي حقوق من خلال إعلام خارجي لا يعد مجدياً وبلادنا تسير في هذه المرحلة نحو تغير وتطور مشهود ، أمام مرحلتين ، مرحلة التحول الوطني، ومرحلة رؤية 2030 .
ولهذا فإن التمكين الحقيقي لحقوق المرأة قد بدأ منذ زمن ، وإن كانت الطموح لاتزال تهيب بالمسؤول أن يقدم المزيد وهذا يعد حق أيضا ، إنما لا يمكن القول أن هناك حقوق كبيرة يقال عن أن المرأة لم تنالها بعد. ومع هذا أيضا أرى أن هناك تنظيمات أو قواعد تحتاج إلى إعادة هيكلة سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية بما يتفق والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية .
وتحدثت أ. إيمان الحمود عن تجربة شخصية كمثال حيث قالت: قبل عدة أشهر وتحديدا في اليوم العالمي للمرأة قررت السفارة السعودية تنظيم احتفالية بالمرأة السعودية وأحضرت أربع نماذج من سيدات المجتمع السعودي البارزات واللاتي يجمعهن عاملان مشتركان .. النجاح من جهة والانتماء إلى الطبقة المخملية من جهة أخرى .. ونعني هنا تلك الطبقة التي تعلمت الحديث بلغات أجنبية وعزف البيانو من أيام صغرها ضمن أجواء عائلية منفتحة في السعودية. وقد حاولت السفارة تقديمهم على أنهم نموذج المرأة السعودية اليوم .. كانت هناك قناة فرنسية تغطي الحدث .. فأجرت بعض المقابلات مع الحاضرين كلها طبعا إيجابية ومشرقة .. ثم عملت الصحفية في تقريرها على عقد مقارنة بين تلك المقابلات وبين أخرى أجرتها نفس الصحفية عندما زارت السعودية مؤخرا مع سيدات يعانين ظلما اجتماعيا بسبب نظام الولاية !!
هنا تكمن العقدة؛ فمهما كانت المرأة السعودية متطورة وناجحة لا يمكن أن تمثل في الغرب إلا نفسها ونجاحاتها وليس نجاحات المرأة السعودية بشكل عام. والسبب أن الإعلام الغربي يعرف جيدا بأن الواقع مختلف وأن مبدأ تكافؤ الفرص بين التجارب النسائية في السعودية غير متاح.
لذلك بات الإعلام في الغرب يبحث عن القاعدة وليس الاستثناء .. بمعنى أن أي سيدة سعودية في الغرب تعرضت للظلم الاجتماعي وجاءت لطلب اللجوء هي بالنسبة لهم من تمثل المرأة السعودية.
وحول ذات النقطة أشار م. خالد العثمان إلى مثال آخر وهو مجموعة السيدات اللائي اخترن لمقابلة السيدة الأمريكية الأولى أثناء زيارة ترامب الأخيرة إلى المملكة.. وعلى أي أساس تم هذا الاختيار؟ وهل هن فعلا يمثلن المرأة السعودية بمختلف فئاتها وشرائحها أم أن الاختيار كان لغرض تجميلي تسويقي أجوف بلا وزن حقيقي لإنجازات واختراقات ملموسة لأولئك السيدات أو بعضهن؟.
وذكرت أ. علياء البازعي أنها تتفق مع ما ورد في الورقة الرئيسة والتعقيبات عليها ومن المهم الإشارة في هذا الإطار إلى نقطتين أساسيتين:
1- لدينا ملفات تخص المرأة تحتاج لمعالجة سريعة.
2- الغربيين بشكل عام. و بالذات الأمريكان يقولبهم إعلامهم كما يشاء…و يفتقرون لبعد النظر و عمق الطرح عندما يكون الحديث عن ثقافات أخرى…و خصوصا ثقافتنا نحن…و يريدون المرأة في العالم نسخة من المرأة الأمريكية لأنه النموذج الوحيد الصحيح أمامهم.
وركز أ. عبد المحسن القباني في مداخلته على جانبين بشأن المرأة السعودية في إعلام الغرب، فقد ذكرت د. منيرة الغدير مسألة مهمة للغاية و وصفتها بالاستعارات الاستشراقية أو وصفت محاولات نيكولاس كريستوف بالرؤية الإمبريالية الجديدة. إدراك هذه حالة بإمكانها أن تفك كل عسير في فهمنا لماذا هم يتعاملون معنا هكذا؟
إن المجتمع الغربي الرسمي و الشعبي يرون أن شعوب هذه المناطق يستحقون الرأفة و يجب أن يكون لهم نصيب من الثقافة والحضارة الغربية. يرى الغرب أن عليه مهمة استخراج هذه المجتمعات من ظلماته إلى نور حضارتهم. كأنهم يقولون:
We have to get those people civilized
نحتاج لأن نجعل هؤلاء الناس متحضرين
وبالتالي الغرب يرى هذه الأمم خارج التاريخ حينما لا تتبنى تلك القيم و التي أحيانا يفرضونها على الجميع بالقيم العالمية Universal Values نسبة لمواثيق أممية و هي كلها تعبر عن قيم غربية الطابع و الفكرة.
صحافيا، تعد قصص المرأة السعودية قصة جذابة و طريفة للغاية على الرغم من التصدعات التي تصيب واقعها. الجانب الآخر هو أن من يستقطب الصحافة الغربية هُن النساء اللواتي يتطلعن للنموذج القيمي الغربي فيما تقاطع المحافظات القصص الصحفية تماما و لا ينشطن مع الصحافة على الرغم من إيمانهن بعدالة واقعهن؛ لذلك تظهر القصص وهي مليئة بالمظلومية لأن فيها الصوت النسائي السعودي الأقوى.
وترى أ. مها عقيل أن الصحف العربية تركز على قضايا معينة وخاصة القيادة وتضع المرأة السعودية في إطار نمطي نشعر وكأنها ترفض حتى أن تراها خارجه مثل موضوع الفصل بين الرجال والنساء وموضوع النقاب وأنهم يتغاضون عن ما أنجزته المرأة السعودية والتقدم ولو البطيء أو القليل الذي يتحقق بالنسبة لحقوق المرأة. والتعليقات على هذا عادة بأن كل هذه الإنجازات شكلية وتظل المرأة مسلوبة الإرادة والأهلية.
أما بالنسبة للنساء اللاتي يتم اختيارهن لمقابلة الشخصيات فهم معروفين، أي أنهم نفس الوجوه، وهم بالطبع لا يمثلون كافة فئات النساء ولكن الهدف من هذه اللقاءات هو “تحسين” صورة المرأة وإبراز “أفضل” نماذج المرأة السعودية سعيا لتغيير الصورة النمطية السائدة، والإعلام الغربي يعي ذلك.
- وسائل تحسين صورة المرأة في الإعلام الأمريكي
ترى أ.د. سامية العمودي أن الأمر الذي نحتاجه ليس حملة إعلامية بقدر ما هو تغيير حقيقي جذري وإصلاح وضع المرأة داخلياً بقوانين واضحة حاسمة لا تلك التي تجئ لتقدم خطوة ثم تعود للوراء خطوات ووقتها سيتغير بروفايل المرأة ولن يجد الإعلام الغربي ما يتناوله.
ومن القضايا التي يتناولها الإعلام الخارجي للدلالة على قمع المرأة قضية الحقوق الصحية وورد هذا في تقارير حقوق الإنسان وخاصة حق المرأة في القرارات الخاصة بالعلاج الطبي والجراحي، وتأتي الصحافة الخارجية لتأجيج الأخرين في قضايا الصحة والمضاعفات والوفيات وكيف أن المرأة تحتاج لموافقة ولي أمرها قبل أي علاج. ويتم تضخيمها إعلامياً. و لم ندرك كمجتمع أهمية الوعي بهذه الثقافة الحقوقية ولم نخرج للحديث عن جزئية ليس فيها قمع للمرأة لا شرعاً ولا نظاماً؛ فهيئة كبار العلماء ونظام وزارة الصحة كفل هذا الحق من عام ١٤٠٤هـ ولها وحدها حق التوقيع خاصة للعمليات القيصرية تعميم رقم ١١/٢٦/٨٤٤٨٤، وبالتالي لا ولاية في الصحة لكن الإشكالية في الثقافة المجتمعية.
جزئية كهذه تستوجب توضيحها وإبرازها في كل محفل إعلامي ونشرها لأنها من النقاط الإيجابية لكننا لازلنا قاصرين إعلامياً في توضيح هذه الحقائق في الإعلام الخارجي بقوة وبصورة توجد توازناً في النظرة لواقع المرأة.
وأكد د. فهد اليحيا كذلك على ضرورة إصلاح البيت من الداخل؛ فهناك ملفات كثيرة عالقة منها حقوق المرأة. ومنذ 1990 كلما ظهرت بوادر أزمة لوحت أمريكا إما عبر إحدى وسائل الإعلام .. أو تصريح لنائب أو سيناتور .. وبلغت الظاهر أشدها في 2011 وما تلاها. من المواضيع التي نذكرها: حقوق الأنسان، وحقوق الأقليات في السعودية، والحقوق الدينية للمقيمين في السعودية من غير المسلمين .. الخ!
وأضاف: أنا على ثقة أن الأجهزة الأمريكية ترصد كل هذه الأشياء وتدونها أول بأول لتلوح بها عند الحاجة! لن ينفعنا الحديث عن الإمبريالية .. ولا المؤامرات من حولنا .. الخ! ما لم نصلح أحوالنا من الداخل فإن الجبهات الكامنة جاهزة للنار.
وأكدت د. منيرة الغدير على أن إصلاح البيت بالفعل ضرورة ملحة ولا تحتاج أي تأجيل. ومن المهم العمل على مسارين في مثل هذه القضايا: الخارجي والمحلي. كما أن حضورنا الثقافي دائماً يحدث الكثير من الاهتمام والحوار الذي يجسر الهوة المفزعة المشار إليها. وبخصوص موضوع قيادة المرأة للسيارة فمن المهم حل هذه القضية؛ لأن هذا الموضوع أصبح “الشغل الشاغل” للإعلام الأمريكي، لكن أيضاً إذا كانت قضايا تمثيل المرأة السعودية متشابكة مع قضايا سياسية، فعلينا أن نحلل هذا التشابك، إن صح التعبير، لكي نتفهم ما يحدث وخاصة إذا كانت المرأة السعودية تستخدم كأداة ضغط سياسي.
إن علينا أولاً أن نقوم بالبحث والحصول على المادة الإعلامية لنرى الفرق بين تمثيلات المرأة الخليجية والسعودية في الإعلام الأمريكي. أما نمذجة المرأة الغربية موجودة ونراها في دول أخرى مثل مصر وأفغانستان وخاصة في فترة رئاسة بوش الابن حيث كانت لورا بوش توجه خطابات تركز على مساعدة النساء المسلمات، كما كان لابنة تشيني نشاطات كثيرة موجهة للمرأة.
واقترح د. عبدالله بن ناصر الحمود تبني مشروع استراتيجي سعودي وطني رائد لرؤية معرفية ثاقبة وناضجة لصناعة الحياة الكريمة تدعم وتتكامل مع رؤية 2030.
ولا ترى د. ثريا العريض أن نركز على تعاملنا مع الإعلام دولة دولة بل مع مهارات المشاركة الإعلامية الخارجية بصورة شاملة. حتى الأفارقة و الآسيويين يجدون ما يتعجبون منه كما عايشت هي شخصياً في المقابلات في الهند و جنوب إفريقيا و أستراليا. ومن المهم أن تخرج المرأة من الانحصار في دور الأنثى مضافة إلى ذكر ما في صيغة الأسرة ، إلى دور المواطنة بكل حقوقها و مسؤولياتها و بدون علاقة تبعية لأي أحد سوى الوطن.
وأضافت د. ثريا العريض حول قضية قيادة المرأة للسيارة: من متابعتي للساحة على مدى طويل .. الحكومة لا تستسلم للضغط إذا كان صاخبا و معلنا و مشوباً بطموحات التصدر و النجومية الفردية عبر استقطاب الأضواء الإعلامية في الداخل أو الخارج . ولكن تستجيب للنصح و توضيح الموقف بهدوء و المنافع المتوقعة من القرار. يمكن القيام بدراسة مدعمة بالأرقام عن الجانب الاقتصادي و المنافع الاقتصادية لقيادة المرأة تقدم لصانع القرار وترفق برسالة يوقعها الموافقون و لا تعلن لتجنب الجدل حولها.
و تساءلت أ. عبير خالد: هل نجاح حملات العلاقات عامة هنا كدعاية لتحسين مظهر السعوديات خارجياً وفي نفس الوقت إبعاد النظر عن قضية القيادة حتى يُسمح بها متى ما شاء الله؟
وفي هذا الصدد أشار د. عبدالله بن ناصر الحمود إلى أن هناك أناس يعتقدون أن دور العلاقات العامة تحسين السيء، لكن العلاقات العامة تستطيع كذلك التعريف بما لا يعرفه الناس، أما ما يعرفه الناس فلا تستطيع العلاقات العامة محوه، ولا حتى الدعاية.. بكل جبروتها .. فالدعاية تنجح في فعل أي شيء لمدة محدودة .. إذا نجحت ، ثم تكون النكسة إذا كان نجاحها المؤقت في تضليل الناس.
هناك منطق سائد عند كثيرين ارتقى لمستوى نظرية، وتقوم هذه النظرية عند روادها على أساس أن الغرب يبني مواقفه غالبا على صور ذهنية أو على مصادر غير موثوقة، وأنه لو جاء ورأي واقع المرأة في الداخل فسوف يتغير رأيه وسيكون أكثر إيجابية. بعضهم يقول أكثر مصداقية وموضوعية.
كذلك ترى د. الجازي الشبيكي بخصوص مدى جدوى تنظيم حملات علاقات عامة لتحسين المظهر الخارجي للسعوديات ، أن ذلك من أنشطة ردود الفعل غير الملائمة ، في حين نحتاج إلى مبادرات إعلامية مدروسة ودائمة تسلط الضوء على إنجازات النساء السعوديات في شتى المجالات بلغات أجنبية مختلفة ومن خلال قنوات عالمية لها نسب مشاهدة عالية ، ومن خلال قنوات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً بحسب طبيعة واهتمام ولغة كل بلد.
وشأننا الاجتماعي فيما يخص المرأة بحاجة إلى قرار سياسي يُكلًف من خلاله علماء الشريعة في بلادنا بالدراسات التي هم أولى بالقيام بها بجهود مشتركة مع مجمعات الفقه الإسلامية العشر المتواجدة في عدد من البلدان الإسلامية ومع الجامعات الإسلامية.
كي يعيدوا فهم واستنباط الأحكام الخاصة بالمرأة والتي في الحقيقة تعطيها الكثير من الحقوق الطبيعية لها بصفتها شريكة للرجل ومساوية له في تكاليف عبادة الله وإعمار الأرض ، بعيداً عن التشدد والتضييق أو التمرد والتمييع.
في حين يرى د. حميد الشايجي أن نظرة الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص هو جزء من أجندة سياسية لها عدة ملفات في كل فتره يتم فتح ملف ونحن نستمر نركض لإطفاء حرائق؛ فكلما أغلقنا ملف سيفتح غيره؛ بينما في الحقيقة بعض الأمور لا تختص بها المملكة فهي موجودة في مجتمعات كثيرة وقد تكون المجتمعات الغربية لها نصيب منها؛ لذا يجب أن نعمل جاهدين على إصلاح ذواتنا لا لإرضاء الآخرين بل لننعم بحياة نوعية متزنة سليمة.
المملكة من عدة سنوات وهي تعمل على محاولات تحسين صورتها أمام الأمريكان وبعدة طرق و وسائل وتم استخدام شركات PR ومع ذلك كل ما تقدمنا خطوه تراجعوا هم خطوات، كل ما تحسنّا في جوانب فتحوا جوانب أخرى وصدق الله العظيم القائل (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
لذلك أفضل وسيلة للدفاع هي العمل الجاد لتحسين أنظمتنا وممارساتنا من أجلنا نحن وليس من أجل غيرنا؛ فالمرأة الكويتية تقود السيارة، والمرأة التونسية حصلت على الكثير من حقوقها، والنظام الليبي على أيام القذافي ساوى بين المرأة والرجل في الميراث و ألغى عقوبة الإعدام وكذلك النظام الأردني أوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، والنماذج والأمثلة على ذلك كثيره هل ساعد ذلك على تحسين صور هذه الأنظمة في أمريكا؟ إذن لنجعل همنا كعرب في تحسين أوضاعنا ونظمنا وقوانينا لمصلحة الشعوب وهذا بدوره سيكون أفضل وسيلة للدفاع.
ومن وجهة نظر د. مشاري النعيم فإن أهم قضية تمس المرأة السعودية هي قيادة السيارة ولو حلت هذه المسألة سوف تتغير صورة المرأة السعودية في الإعلام العربي. فالمرأة السعودية تحتاج إلى سقف حرية أوسع وإلا ستظل ردود الأفعال هي المهيمنة على إعلامنا الدفاعي، والدراسة التي نقلتها د. ثريا العريض تحاول أن تقنعنا أن المرأة السعودية إدارية وقيادية فذة لكن مع الأسف هي في بلدها لا تستطيع القيادة ولا تملك كل الحقوق التي تجعلها حرة نفسها. والخطوة المطلوبة يجب أن تكون جريئة ولعل وقت هذه الخطوة الملائم يجب أن يكون الآن وليس غداً.
وذهب أ. عبد المحسن القباني إلى أن الصحفي الزائر يختلف عن الصحفي المقيم. خذوا مثلا. صحفي غربي مقيم منذ عقد أو أقل في الرياض وذكر أنه لا يكترث كثيرا بقصة دخول المرأة إلى المجالس البلدية. إلا أنه مضطر للتجاوب مع زميلته الموفدة من المؤسسة لتنفيذ تغطية كبيرة لذلك الحدث. حدث يراه من منظوره صغير و عابر فيما الذي يسمع تلك “الأخبار المدوية” و هو في الخارج يظن أن البلد تتغير و أنها تخطو نحوه.
ليت لدينا مكاتب صحافة أجنبية منذ سنوات. هم من سيجعلون التغطية متوازنة و سيخوضون معارك كثيرة لإقناع غرف الأخبار البعيدة بزوايا أكثر عدلا نظرا لأنهم يعيشون الواقع. و لكن السعودية بلد صعب للعيش و لعمل الصحافة .. حتى لمواطنيها المهنيين.
ويرى أ. عبدالرزاق الفيفي أنه لابد من تصحيح أوضاع المرأة وغير المرأة على المستوى الحقوق الأساسية وليست الترفيه على الأقل ، مثل ما يخص الأمور القضائية و التجارية ، وبفضل الله الآن نلمس تحسناً ملفتاً وجيداً ، ولعل بطأه يعود للماكينة المؤسساتية البيروقراطية وليس لتأخر صاحب القرار في التحسين.
ومن جانبه ذكر أ. سمير خميس في مداخلته أننا حينما نتتبع صورة المرأة في أعين العالم فإننا نهرب من رؤية صورتها في أعيننا. فهناك قضايا معلقة قد يراها البعض هامشية لكن حلها سيشكل انفراجة حقيقية لنا أولاً، ولعل في الإشارة السابقة إلى قضية قيادة المرأة للسيارة كفاية عن البحث عن أمثلة قد تكون أكثر سوداوية. لذا بدلاً من إضاعة الوقت في تقديم صورة يرضى عنها الشرق أو الغرب لنبادر في إصلاح ما كنا نحسبه حق لنا فإذا به أمسى حق علينا.
ومن ناحيته يرى د. علي الحارثي أن ما يجب هو أن نرصد ونبين ونوضح الحقوق العامة للجميع رجالاً ونساءً ، ثم نرصد ونبين ونوضح بجلاء الحقوق الخاصة بالمرأة التي ليس فيها (( نص محرًم )) من القرآن والسنة وتتسق مع قيم وثقافة وأخلاق المجتمع وتطوير ما يتماشى مع متطلبات الزمن ، لا أن نصدم المجتمع بمطالب لا يرى وجاهتها في الوقت ذاته ، ويدخل المجتمع في صراع ثقافي يستفيد منه المتربصون بِنَا كما هو حال الغرب وإعلامه وسياسته. من المهم أن يخرج هذا الحوار برصد كل الحقوق الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية الممكن تطبيقها وقبولها في الوقت الرًاهن ولو جزئياً. ونجعل المجتمع بكل أطيافه يشترك في المطالبة بها لإقناع صاحب القرار بوجاهتها .
إذا لم ترصد الحقوق المطالَب بها رصداً واضحاً وموضوعياً وقابلا للتطبيق ومقبولاً اجتماعياً ، فسيستمر السجال والمناكفة والأخذ والعطاء في الموضوع طويلاً ، للعمومية الضبابية التي تفقده روح المسؤولية من قبل الطرفين : المُطالِب وصاحب القرار ، وسنخسر الوقت دون فائدة، وسيستفيد الحاقدون والمغرضون من قضايانا لتشويه حالنا ومآلنا.
ويعتقد م. حسام بحيري أن الصحفي أو المثقف الغربي أذكي من أن يعترف علانية بأنهم يمارسون سياسة كراهية ضدنا، ولكن هذا الأمر لا يمكن إخفائه لأنه موجود في مقالاتهم ، وعلى هذا الرابط دراسة من مركز بحث كندي يثبت ذلك: http://www.globalresearch.ca/study-nyt-portrays-islam-more-negatively-than-alcohol-cancer-and-cocaine/5513340
أما بخصوص آليات مواجهة مدهم الفكري فهذه مشكله نعاني منها منذ فترة طويلة بسبب عدم وجود أيدلوجية واقعية نابعة من مجتمعنا لتملأ الفراغ الفكري الموجود ، وأصبحنا نتجه أو نتبنى أفكار وأيدولوجيات غربية نراها مناسبة لأنها نجحت في مجتمعاتهم وليس لأنها مناسبة لمجتمعنا ونرى هذا بوضوح في شبابنا المتجهين بقوة لكل ما هو غربي بسبب فقدان البديل؛ نحتاج للاتجاه للداخل وإعادة اكتشاف ثقافتنا وفكرنا وتقديمها بشكل جديد مناسب ومقنع لشعوبنا.
المرأة السعودية ستكون أفضل من يمثل نفسها أمام الإعلام الأمريكي ولكن ما هي طبيعة المرأة السعودية التي نريد أن نراها في الإعلام الغربي أو الأمريكي. بالتأكيد نريد أن نرى امرأة متعلمة ذو خلفية أكاديمية أو اقتصادية أو اجتماعية، تتقن لغتهم وتعرف ثقافتهم ولديها تطابق مع فكر مجتمعهم لتتمكن من كسب ثقتهم وإيصال الرسالة. على الرغم من وجود الكثير من النساء السعوديات الذين يستطيعون القيام بهذا الدور على أكمل وجه ولكننا لم نصنع أو نتيح الفرصة حتى الآن لإظهار شخصية نسائية لديها القدرة على التعامل مع الإعلام الغربي ومازال هناك فراغ كبير. نحتاج إلى إنشاء مجموعات نسائية مناسبة تستطيع أن تمثل المرأة السعودية في الإعلام الخارجي بدون الدخول في حساسيات مظهرها أو اتجاهها الديني أو الفكري لأن الهدف في الأخير هو إيصال الرسالة للمشاهد الغربي الذي لابد أن يتلقاه من شخصية يستطيع الارتباط بها.
وذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن مسألة التواصل مع الصحافة الغربية أو مع الإعلام الغربي عامة ، وسواء قل هذا التواصل أو كثر ، كل ذلك سببه ضعف الحضور الإعلامي المحلي. وقضايانا الاجتماعية حينما تظهر خارجيا لاشك أن عدم وصول البعض منها إلى حل جذري هو سبب في تعري تلك القضايا أمام الغير ، فضلا عن القدرة الإعلامية المحلية المتواضعة أمام إعلام خارجي يفوقه بكثير.
ومن وجهة نظر أ. عبدالله الضويحي فإن الحل هو أن نبدأ بأنفسنا بتسريع وتيرة الإصلاح وبعضها لا يتم إلا بقرار سيادي، وأن يكون للمرأة السعودية حضورها في المناسبات الدولية وأن نقدمها أنموذجاً حقيقياً وأن نختار الكفاءات المؤهلة منهن لمقابلة الوفود الرسمية الزائرة بعيداً عن المحسوبيات والعلاقات الشخصية.
وفي اعتقاد أ. مها عقيل فإننا لو أننا فتحنا المجال للصحف الغربية أن تزور السعودية بسهولة لإجراء لقاءات وقصص صحفية عن ما يريدون وليس ما تمليه عليهم وزارة الإعلام لاتضحت لهم صورة أكثر توازنا عن المرأة السعودية. بالإضافة إلى أن إعلامنا الخارجي ضعيف وإعلامنا المحلي الذي يستقي منه الإعلام الغربي الكثير من الأخبار أيضا ضعيف وغالبا ما يكرس الصورة النمطية. و ليس هناك أفضل من الحوارات وجه لوجه فيمكننا مثلا القيام بنشاطات ثقافية في الغرب وتبادل زيارات لطلبة جامعات ومؤسسات أكاديمية وبحثية وإطلاق بعض المشاريع البحثية والفنية والأدبية المشتركة.
المحور الرابع
التسول: نظرة حديثة لظاهرة ممتدة
الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الشقير
ما يعنيني من ظاهرة التسول هو جانب التهديد الاجتماعي والاقتصادي والأمني، لأن تفاقم خطر بعض المتسولين الوافدين والمقيمين، من خلال قوة تواجدهم وكثرة الساعات التي يعملون بها، قد حولهم إلى مصدر بيانات ضخمة ومعلومات دقيقة عن المزاج العام للمجتمع، وتقدير درجة كرم الإنسان السعودي وتعاطفه الديني والإنساني، وإمكانية خداعه. ويبدو أنهم استفادوا فعلياً من هذه البيانات، إذ لوحظ ظهور بوادر ظاهرة “التسول بالإلحاح”، وأحياناً باستخدام العنف إذا أتيحت الفرصة لهم. وهذا في رأيي ناتج عن ارتياح المتسولين في مهمتهم واطمئنانهم من عدم وجود أي ملاحقة أو عقوبة.
لذلك أرى عدم ملاءمة النظريات الاجتماعية الكلاسيكية التي تفسر ظاهرة التسول بوصفه ناتج الفقر، وضعف مستوى التعليم، لأنها نظريات موجهة للمتسول المحتاج، ونحن اليوم أمام أكثر من نموذج للمتسولين. إذ تغير واقع التسول من أقلية سعودية، إلى أكثرية غير سعودية، ومن كبار سن وعجائز إلى جميع الفئات العمرية للمجتمع، وخاصة الأطفال، والرضع الذين تحملهن نساء، ومن المدن الكبرى إلى أكثر مناطق ومحافظات المملكة، ومن تسول فردي إلى تسول منظم تديره عصابات، كما قد تستعمل أموال التسول في الإتجار بالبشر والدعارة والمخدرات.
سوف أقدم وصفاً لواقع التسول بمفهومه الجديد معتمداً في بناء افتراضاتي على ملاحظاتي الميدانية، والاطلاع على التقارير والتصريحات المنشورة في الصحف، ومقابلة بعض المواطنين ممن حصل لهم تجارب مع المتسولين، نظراً لعدم وجود إحصائيات للأموال المحصلة من التسول، وعدد المتسولين، وجنسياتهم، وقصصهم التي يرويها الناس، ولأنماط الجرائم المتولدة من تحركهم داخل المجتمع، وذلك كما يلي:
تركز القضية على ثلاث ظواهر أساسية في التسول، إذ ترى أن التسول قد تجاوز مفهومه التقليدي السائد بوصفه مشكلة اجتماعية محلية، ليتحول إلى قضية تداخل معها قضايا دولية فرضتها الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، وإعادة ظهور مفاهيم قديمة بشكل جديد، كاللاجئين، والإتجار بالبشر، والهجرة غير الشرعية. حيث طالت ظروف الحرب في سوريا دول أوربية، وارتبط وجودهم هناك بمشكلات جديدة، كما طال جزء منها المملكة، وارتبطت مشكلات الذين هربوا من الحرب، وأغلبهم نساء وأطفال، بالتسول أو بيع الأدوات البسيطة كعلب المناديل والمياه والسُّبح، وهذه الظاهرة الأولى، ويمكن عدها ظاهرة تسول مؤقتة، ولكن ينبغي رصدها وتفسيرها مقارنة بمشكلات وجودهم مع الدول الأخرى. أما الظروف السياسية والاقتصادية في اليمن، فقد انعكست على المملكة بكاملها تقريباً، وظهر معها الهجرات غير الشرعية والإتجار بالبشر واستخدامهم لأغراض التسول بشكل غير مسبوق. ثم توسعت مجالاته ودخل فيها عمالة من جنسيات مختلفة أكثرها تخالف أنظمة الإقامة، ليصبح، في رأيي، جريمة منظمة، يعاد إنتاجها من قبل “عصابات إدارة التسول” بشكل تستحق معه أن تصنف قضية اقتصادية وسياسية وأمنية، وهذه الظاهرة الثانية، ويمكن عدها ظاهرة تسول دائمة. أما الظاهرة الثالثة فتتمثل في وجود أحياء شعبية تهيمن عليها جاليات تخالف أنظمة الإقامة، وتصدّر المتسولين وجرائم السطو والسرقات للأحياء الأخرى، علماً بأن بعض هذه الجاليات تقيم في المملكة منذ نصف قرن، وهي تزيد سكانياً بشكل يحمل معه بذور مشكلات جديدة ستظهر.
ولاحظت أن له حالة دائمة، وحالتين موسميتين، هما: التسول في رمضان، ويتركز عند المساجد، وإشارات المرور، والأسواق، والطرق على أبواب المنازل من قبل نساء متسولات، والحالة الثانية في موسم الحج، ويتركز في المدن والقرى الواقعة على الطريق الدولي السريع (الدمام- الرياض- مكة والمدينة). وهذا يعني أن التسول يتحرك بحرية كبيرة في معزل عن مؤسسات الضبط الاجتماعي المعنية. إذ لم تتواكب إدارة مكافحة التسول مع المفهوم الجديد للتسول بدليل أنها ما تزال تقبع في أسفل الهيكلة بحسب موقع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
ومن هنا، أرى أن التسول قضية استراتيجية، وتقع في اهتمام التخصصات الاجتماعية والإنسانية، في ظل تطور أساليب المتسولين، ونظام قديم، وفشل توعية المواطن بعدم التعاطف معهم، ومن ثم أوصي بضرورة اتخاذ حزمة تدابير أمنية وتنموية تضمن الحد من ظاهرة التسول، وتجفيف أحد أهم منابع “اقتصاد الظل”، ويوصى في هذا المجال بـ: إصدار نظام جديد وفعال لمكافحة التسول، والتعرف على آليات تهريب البشر عبر الحدود البرية الجنوبية وتقديم التوصيات بشأنها، وتصحيح وضع الجاليات التي تخالف نظام الإقامة، وتشكيل لجنة عاجلة لمعالجة الوضع الحالي.
التعقيب الأول: د. حسين الحكمي
التسول موضوع مثير للنقاش وطرح الآراء والاتفاق والاعتراض . ارتباط التسول برمضان له أكثر من سبب من أهمها العامل الديني والحث على إخراج الصدقات والزكوات خلال هذا الشهر حتى ينال المسلم الأجر في موسم فضيل ويرجى له أن تقبل طاعته. عندما ينتشر بين الناس.
وقد روي عن ابن القيم أنه قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان ، يُكثر فيه مِن الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف . هذا الحديث وغيره من الحث على فعل الخيرات في رمضان شجع الناس على أن يتصدقوا ويخرجوا الزكاة في رمضان ، وإخراج هذه الأموال يحتاج إلى طرف آخر وهو المتلقين أو المستفيدين أو المحتاجين .
غياب المصادر الموثوقة التي يمكن أن تتلقى الصدقات لزمن مضى ، وطيبة الناس وتعودهم على إعطاء صدقاتهم لكل من تظهر عليه سمات الحاجة والفقر ، وأحيانا تكاسل الناس عن البحث عن الشخص المستحق فعلا والذهاب له والتأكد من المتلقي أسهم في أن يقوم بعض المحتاجين إلى التسول والسؤال ، كل ذلك ساعد على أن يتم استغلال الوضع بشكل سلبي من بعض النصابين والتمثيل بأنهم محتاجون ويستحقون الصدقة مما انعكس سلبا على بعض الناس فأحجموا عن دفع الصدقة علما أنها تقبل ويكتب الله أجرها لجهل من دفع بها لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله.
التسول مشكلة في كل دول العالم و، وهو سلوك إنساني يمارسه البعض لعدة أسباب وهو ناتج عن الفقر والحاجة والعوز ، وأحيانا النصب والاحتيال .
كثير من الدول تحاول منع هذا السلوك وتعمل على مكافحته وبنفس الوقت تعمل على الحد من أسبابه ، فلديها مؤسسات وجمعيات من مهامها أن تكون وسيلة لإيصال المساعدات لمستحقيها وأن تكون حلقة وصل بين المعطي والمعطى ، وبنفس الوقت تقدم خدمات للمحتاجين على اختلاف احتياجهم من منطلق تقدم الرعاية الاجتماعية ووضع سياسات اجتماعية تسهم في سد حاجة المعوزين كحق لهم كبشر.
يقول د. عبدالرحمن أن ما يهمه هو التهديد الأمني والاجتماعي والاقتصادي ومعه حق في ذلك ، وأرى أن وضع سياسات واضحة ومعلنة للجميع تكفل للمحتاج حياة كريمة بغض النظر عن جنسه وجنسيته أمر واجب ، الفقير فقير سواء كان سعودي أم غير سعودي ، ومن دخل البلد بطرق غير نظامية فهذا خلل آخر من الجهات الأمنية عليها أن تعمل على علاجه ، ولا ألوم إنسان قدم صدقة لمحتاج وهو متأكد من احتياجه بغض النظر عن كونه مخالف لأنظمة الإقامة أم لا ففي كل كبد رطبة أجر .
وجود منصات معرفة حكومية تساعد على الربط بين المحتاجين والمانحين ولها تنظيم وذات ثقة ويتم الإعلان عنها في كل مكان ليعرفها الجميع من الفئتين فتحقق بذلك هدف أن تصل المساعدات والصدقات والزكوات للمستحقين وبعد ذلك يمكن للناس أن تتوقف عن إعطاء المتسولين في الشوارع لأنه يمكن وببساطة دلهم على تلك المنصة بحيث يحصلون على احتياجهم وبطريقة نظامية ورسمية ويمكن للجهات الرسمية الإمساك بكل متسول في الشوارع فإن ثبت لهم أنه محتاج فإنه يحال لتلك الجهة وإن ثبت نصبه واحتياله فيحال للجهات ذات الاختصاص.
أيضا يمكن الاستفادة من الثورة التقنية بحيث يمكن معالجة هذه المشكلة والحد منها قدر الإمكان – لأن إيقافها بشكل كامل يكاد يكون محالا – يمكن الاستفادة من التقنية بحيث يتم التواصل بين المعطي والمعطى من خلال برامج ترعاها جهات رسمية أو خيرية موثوقة ، وأيضا يمكن أن تكون تلك البرامج مساعدة في الإبلاغ عن المتسولين فيتم إما خدمتهم إن كانوا من أهل الحاجة أو معاقبتهم إن كانوا من النصابين المحتالين.
التعقيب الثاني: د. عبدالله صالح الحمود
التسوّل بلاشك أنه ظاهرة عالمية لا تختصُّ بوطنٍ بعينه ، بل هي مُنتشرةٌ في كلّ بُلدان العالم الفقيرة والغنيّة ، وبإيجاز يُعرف التّسول بأنه طلب الإنسانِ المالَ من أشخاص في الطُّرق العامة والمساجد والأسواق ، عبر استِخدام عدّة وَسائل لاستثارة شَفَقة الناس وَعطفهم ، كما ويعد أحدَ أبرز الأمراض الاجتماعية المُنتشرة الذي لا يخلو بلد أو مجتمع إلا وقد أصيب بهذا الداء.
ولاشك أن للتسول أنواع متعددة ، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير ذلك ، وكذا ما سمي بالإجباري وغير الإجباري أو الاختياري والعارض ، وأخيرا هناك الموسمي والقادر والجانح .
وبطبيعة الحال فإن كل نوع يتمثل به صاحبه حسب ظروفه الاجتماعية والاقتصادية وقدرته على إظهار نفسه استعطافا أو مكرا للنيل من المال بتلك الطرق.
أشارت الورقة الرئيسة إلى أمر مهم للغاية وهو أن التسول يمثل جانب التهديد الاجتماعي والاقتصادي والأمني ، وذلك بسبب نجاح وتفوق المتسولين عند مزاولة التسول والذي من المؤسف له أنها أصبحت مهنة لدى البعض ، وللأسف أن نعطي لها وصف مهنة ، لأن الظاهرة حينما تتزايد ويتقن أصحابها أعمالهم من خلال الأنشطة التي يؤدونها وباحترافية فتصبح مهنة بتلقائية ، هذا فضلا عن أن من أسباب وصول بعض المتسولين إلى ذلك الوصف ، هو بسبب ضعف الدور الرقابي المتواضع على ممارسة المتسولين لأنشطتهم ، سواء من الجهة الحكومية المختصة أو الرقابة المجتمعية ، والذي أسهم في دعم ومؤازرة المتسولين لمناشطهم المخالفة .
كما تحدث د. عبدالرحمن ، عن أمر مهم للغاية ، وهو ما يراه من عدم ملاءمة النظريات الاجتماعية الكلاسيكية التي تفسر ظاهرة التسول بوصفه ناتج عن الفقر أو ضعف مستوى التعليم ، وأنا هنا اتفق مع هذا الرأي ، بحكم أن العديد من المتسولين وبالذات من اكتفوا ماديا أو حلت مشكلاتهم المالية التي كانوا يعانون بسببها ، من أنهم لايزالون منتهجين آفة التسول حتى أصبحت مهنة بعد أن كانت ثقافة مكتسبة أوصلت بهم إلى المهنية.
ولكن مع هذا كله تظل هناك فئات في أي مجتمع تضطر إلى استمرار مسلك أو طريق التسول ، إما بسبب العوز ، أو عدم توافر جهات خيرية تمنح الفقراء ما يسد احتياجاتهم الأساسية.
والتساؤل الأساس هنا إذا ما تحدثنا عن ظاهرة التسول في المملكة العربية السعودية ، وهي فعلا ظاهرة وليست مشكلة فحسب ، نظرا لانتشارها انتشارا كبير خصوصا من قبل الوافدين ، وهو تساؤل نحتاج من خلاله إلى معرفة النسبة العامة لهذه الفئة من سعوديين ووافدين ، والهدف الأساس من هذا التساؤل هو تحديد أسباب التسول لدى السعوديين على وجه الخصوص ، أما بالنسبة لغير السعوديين فمهما تكن الأسباب فإنه لابد لنا أن ندرك أنهم قدموا غالبا بغرض العمل ، وقلة منهم لأجل الزيارة وأداء فريضتي الحج والعمرة ، وهؤلاء لا تعنينا مشكلاتهم الاقتصادية مهما تكن ، وأن أشد عقوبة ناجعة تجاههم هو ترحيلهم فورا وتثبيت البصمة الوراثية للأيدي وكذا العينيين لضمان عدم عودتهم للبلاد .
ولهذا لابد أن يكون لدى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية استراتيجية متكاملة للحد من ظاهرة التسول ، سواء بالنسبة للسعوديين أو غيرهم.
أما بالنسبة للتساؤل الذي طرح من خلال عنوان القضية ، وهو هل التسول يعد ظاهرة أم جريمة ، ففي اعتقادي أنه يتمثل في الأمرين ، أي أنه ظاهرة فعلا نظرا لتحوله من المشكلة ابتداء إلى أن وصل إلى درجة الظاهرة ، أما هل يعد التسول جريمة ، نعم أرى أن بعض المتسولين قد يمارس الحيلة أو الكذب أو ربما ممارسة الاعتداء بطرق قد لاتصل إلى مستوى الاعتداء التقليدي ، إنما تظل هذه التصرفات عند حدوثها من قبل المتسول تعد جريمة وإن كانت لا توصف بالجرائم الكبرى.
وهنا أرى أن العلاج الأمثل للقضاء مرحليا على ظاهرة التسول هو ما يلي:
1- يدرك الجميع أن التسول غالبا مقترن بنشؤ الجريمة ، وبالتالي فهو بلاشك يزيد من نسبة حدوث الجرائم عامة ، وهنا يتطلّب الأمر معه وجود وسائل علاجٍ مُجديةٍ وقوانين رادعة.
2- يفترض أن تتوافر الدّراسات الاجتماعية اللازمة للكشف عن الأسباب الحقيقيّة لظاهرة التسول وأسباب انتشارها ، فذاك أمر مهم للوصول إلى الحلول التي يمكن أن تكون علاجا ولو إلى درجة الحد من انتشار هذه الظاهرة.
3- توعية المُجتمع بالمُشكلة وآثارها من خلال نشرِ برامج التّوعية حول التّسول وآثاره ومضاره عبر كافة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ، بهدف زيادة الوعي لدى المجتمع بالمضار التي تلحق بالمجتمع اقتصاديا وأمنيا ، وحتى يكون المُجتمع مُسانداً حقيقياً في عمليّة مكافحة هذه الظّاهرة المقلقة .
4- دعمُ المراكز أو المكاتب المتخصّصة بمُكافحة التسوّل في فروع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في المناطق ، ودعمها بعَددٍ من العاملين المؤهلين مع إعطائهم دورات تدريبه بين وقت وآخر .
5- إصدار قانون رادع يحدد الضوابط التي من خلالها تطبق العقوبات للحد من هذه الظاهرة بنسبة عالية ، مع السعي نحو متابعة من يقفُ خلفَ من يمثلون مجموعات من المتسولين بهدف استغلال بعض العناصر المتسولة، والذي من خلالهم يعتبرون وعاء مالي لجمع ما يمكن جمعه من الأموال .
6- إنشاء وحدات أمنية داخل مراكز الشرط لتكون داعم مباشر لأعمال مراكز أو مكاتب مكافحة التسول .
7- الرفع من درجة المشاركة المجتمعية بين أفراد المجتمع عامة ، لإعطاء قيمة للتّكافل الاجتماعي ، وإصدار خط ساخن للإبلاغ عن تواجد المتسولين .
8- إعادة هيكلة الجمعيّات الخيرية خصوصا في جانب المساعدات النقدية والعينيّة تجاه المحتاجين ، والأمر هنا يتطلب إعداد دراسات فنية للحالة الاجتماعية لكل أسرة وفرد لضمان الوصول إلى حد الكفاية على الأقل لمن هو محتاج مد يد العون له.
المداخلات حول القضية:
- أسباب وآثار تفاقم ظاهرة التسول
أشار أ. محمد بن فهد العمران إلى أن من الطبيعي أن تزداد ظاهرة التسول في شهر رمضان الكريم و سبب ذلك أن الله عز و جل يضاعف الأجر لعشر مرات و لهذا نجد غالبية الناس يحرصون على إخراج زكاة أموالهم و صدقاتهم خلال هذا الشهر سعياً للأجر المضاعف و في المقابل من الطبيعي أن نجد انتشار لظاهرة التسول خلال هذا الشهر أيضا. لكن الغير طبيعي هو انتشار المتسولين “غير السعوديين” بشكل مخيف لم نشهده في المملكة من قبل مع إدراكنا الضمني أن غالبيتهم قد دخلوا حدود المملكة و يقيمون فيها بطرق غير مشروعة و هذا يشير إلى ضعف الأجهزة الأمنية في المملكة (حرس الحدود – مكافحة التسول – الخ).
بالفعل ظاهرة التسول هي ظاهرة عالمية و ربما تكون هناك أسوأ على اعتبار وجود مشردين دون مأوى، و هو الذي لم يصل له المتسولون في المملكة حتى الآن لكن المهم أن التسول (و خصوصا من الأجانب) في جميع دول العالم يخضع لقوانين و أنظمة واضحة بينما نجد العكس في المملكة.
ومن جانبه أشار د. خالد الرديعان إلى دراسة أجراها د. المأمون السر كرار عن ظاهرة التسول في مدينة الرياض شملت ٣٢٣ متسولاً من الجنسين ممن تم القبض عليهم وأودعوا الحجز في مكافحة التسول، وذلك في العام ١٤٣٤ هجرية. وتبين من الدراسة ما يلي:
- أن ما نسبته ٧٥٪ من العينة كانت من غير السعوديين ونحو ٢١٪ سعوديين. ومعظم غير السعوديين من اليمن (٦٢٪) ومن دول عربية أخرى وإفريقية وآسيوية.
- ٧٢٪ كانوا ذكوراً و ٢٧٪ نساء.
- ٦٦٪ من العينة تقع أعمارهم بين ١٥ إلى ٣٥ سنة وهي مرحلة الشباب وسن العمل.
- بلغت نسبة العزاب ٤٩٪ والمتزوجين ٤٦٪.
- ٩٩٪ من المتسولين لا يعملون بأي مهنة.
- طريقة الدخول للمملكة بالنسبة لغير السعوديين:
– ٥٨٪ تسلل عبر الحدود.
– ١٢٪ بتأشيرة عمرة.
– ١.٢٪ تأشيرة حج.
- لوحظ وجود علاقة عكسية بين المستوى التعليمي وممارسة التسول؛ إذ كلما انخفض المستوى التعليمي زادت نسبة المتسولين؛ فنحو ٣٥٪ أميون، و ٢٢٪ ابتدائي و ٢٢٪ كذلك متوسط و ١٩٪ ثانوي والجامعي ١.٢٪.
- أين يتسولون:
– ٤٧٪ في الأسواق.
– ١٣٪ في المساجد.
– ١٥٪ عند إشارات المرور.
– ١٣٪ على الأرصفة.
– ١.٢٪ طرق أبواب المنازل.
– ١٢٪ أماكن أخرى غير ما ذكر.
- وسائل التسول:
– إبراز صكوك ووثائق مشكوك بصحتها.
– استدرار العطف بطفل مع المتسول أو المتسولة.
– بيع أشياء تافهة.
- الدخل الشهري من التسول:
– ٧٣٪ الف ريال أو أقل.
– ٢٢٪ من ١٠٠٠- ٢٠٠٠ ريال.
– ١٪ أكثر من ٢٠٠٠ ريال شهرياً.
- ماذا يفعلون المتسولون بالمبالغ المتحصلة من التسول:
– ٦٢٪ تحويل خارج المملكة لأهاليهم.
– أيضا ٦٢٪ يتسول بمفرده (لحسابه الخاص).
- أهم أسباب التسول:
هناك ١٦ سبب يدفع المتسولين للتسول وفقاً للدراسة، وهي حسب الترتيب الإحصائي:
1- سوء الوضع الأسري.
2- سهولة ممارسة التسول.
3- مصدر رزقه الوحيد.
4- البطالة.
5- غياب الرادع.
6- غياب العائل.
7- تعاطف أفراد المجتمع مع المتسول.
8- نقص التوجيه والتربية.
9- شدة العوز.
10- تأثير الأصدقاء والمعارف.
11- مخالطة محترفي التسول.
12- العجز عن العمل.
13- كبر السن.
14- الترمل.
15- المرض والعاهة.
16- اليتم.
- انتهت الدراسة إلى خلاصة مفادها تفشي الظاهرة في مدينة الرياض وضرورة مواجهتها والحد منها بسبب أضرارها الأمنية والاجتماعية.
وذكر د. خالد الرديعان أن هناك ظاهرة المتسول المتجول.. رجل يقود سيارة ومعه أسرته ومن ثم يستوقف المارة ويقول لهم أنه جاء من مكان بعيد وأن محفظته قد ضاعت أو أنه فقد نقوده وأنه بحاجة إلى مبلغ لوقود السيارة وإطعام من معه.. قد تكون القصة حقيقية لكن كثرة تكررها أصبح ملفتاً للنظر.. غالباً يتم مساعدة مثل هؤلاء وربما بمبالغ كبيرة وخاصة عندما ترى أطفال في السيارة مع أمهم التي ترمقك كذلك بنظرات استجداء.
وهناك ظاهرة “المتسول الدوري” وهو متسول له عادة سنوية فهو يفد من مكان بعيد وربما من دولة أخرى إلى مدينة صغيرة يعرف سكانها (سكاكا مثلاً) وقد عوده السكان على إعطاءه صدقاتهم أو من بعض زكواتهم؛ فيقول الناس مثلاً: “عندنا فلان يتعطى”. هذا النمط يفد عادة في العشر الأواخر من رمضان ويقيم عدة أيام.. مثل هؤلاء في مدن الشمال حيث يفد هذا “المتعطي” من الأردن أو سوريا وربما من العراق وهم عادة من أبناء عشائر معروفة… قدومهم في الأصل يكون عادة لأقارب لهم في المدينة المذكورة لكنهم قد يجدون تعاطف من الآخرين مما يشجعهم للقيام بهذه المهمة بصورة دورية.. بعضهم يطوف على الاستراحات والجلسات الخاصة ويبدو مظهره أنيق (بشت وثوب وعقال ومسبحة بين أصابعه.. الخ). وهذا النوع تعتقد أنه مهم ومن ثم أنت أمام خيارين إما أن تهرب منه أو تعطيه مبلغ جزل بسبب مظهره.
بقي نوع ثالث من المتسولين وهو “المتسول المتعولم” هذا تقابله خارج المملكة.. وقد يكون من أبناء جلدتنا تقابله في المدن السياحية حيث يسرد لك قصة فقدانه لنقوده أو سرقته مما يدفعك لمساعدته وربما بمبلغ كبير خاصة إذا أفصح لك عن اسمه وعائلته فتأخذك الحمية وتقول هذا من حمولة معروفة في حين أنه قد لا يكترث لاسم أسرته ويمارس هذا النمط من التسول بشكل دائم.. وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً إذا كان المتسول امرأة مما قد يعرضها لمواقف هي بغنى عنها.
ويرى د. ناصر القعود أن من المهم التركيز على أسباب استفحال ظاهرة التسول وتحولها إلى ظاهرة، وأسباب القصور الإداري في معالجتها والحد منها، ويبدو أن هناك قصور في التنسيق بين الجهات المعنية والمسؤولة عنها و هي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والجهات الأمنية.
وبدوره قال د. حامد الشراري: عندما أرى امرأة أو فتاة تحمل طفل صغير عند مدخل المسجد أو الجامع ، أعيش في حرب داخلية مع نفسي هل أعطيها شيء يسير وأكسب الأجر ، أو امتنع عن العطاء لأسهم في معالجة والحد من ظاهرة التسول! .. ماذا عن ابني الصغير وهو يرى شخص آخر يعطي ابنه قليل من المال ليسلمه لتلك المرأة، وأنا لا أعطيه يتصدق مثل الآخر ويكسب الأجر!، كيف أوضح لابني أن هذا الشخص على خطأ في التصدق لهذه المسكينة وأنا على صواب ! كيف أبين له أنها غير صادقة!، ونحن نربيهم على القيم الإسلامية وأن كسب الحسنات تأتي من خلال التصدق على المحتاج بالمال وبالملابس والطعام … ( والمسكينة وطفلها خير مثال على المحتاج ) وأنها سلوكيات تدخلهم الجنة وتقربهم إلى الله وهو هدف كل مسلم ومسلمة.
وأوضحت د. ثريا العريض أن الظهور بمظهر كاذب كمحتاج للحصول على صدقة غير مستحقة هو جريمة في كل القوانين. وأغلب المتسولين محترفون لمهنة تدر أكثر مما تمنحهم وظيفة في عمل شريف. المحتاجون الحقيقيون غالبا يتعففون. وأشارت د. ثريا إلى دراسة أجريت بمشاركتها على الجمعيات والبر في الشرقية وخرجت الدراسة بأن نفس الأفراد يأخذون من عدة جمعيات؛ وتم جرد الأسماء لضمان عدم تكرار العون من عدة مصادر، وقد أظهرت الدراسة أن بينهم عائلات غير سعودية هندية و لبنانية.. الأب لا يعمل .. يتسول المحسنين بالهاتف لدفع فاتورة الكهرباء و الماء .. وليس له كفيل .. السؤال لماذا هو في السعودية؟
ويرى د. إبراهيم البعيز أن المتسولون يحرصون على فهم القيم في المجتمع واستثمارها في التسول؛ في المجتمعات الغربية يدرك المتسول أنها تقيم وتثمن الفن لذا يكون التسول بالعزف الموسيقي في الطرقات، وعندنا يعرف المتسولون مدى التقدير للمرأة العفيفة لذا يكون التسول بغطاء الوجه وعباية الرأس والقفازات حتى لو لم تكن عفيفة.
وأشار د. حسين الحكمي إلى أن التسول ظاهرة سلبية تدل على أن الدولة قصرت في أن تكفل للإنسان على أرضها حد الكفاف وقوت يومه. ويمكن تعريف حدد الكفاف بأنه ما ذكره حبيبينا المصطفى ﷺ : « مَنْ أصبح مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»؟ لكن وعلى الجانب الآخر فإن التسول لدى البعض أصبح وظيفة مدرة للكسب أكثر من وظيفة بعض الناس فامتهنوها و تركوا وظائفهم أو ربما وظفوا وظيفتهم كطريق لتسول مبطن وهو ما يجب وضعه بالاعتبار.
وتجدر الإشارة هنا إلى إدارة مكافحة التسول التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية من خلال التعريف بها بموقع الوزارة الرسمي؛ حيث تهدف إدارة مكافحة التسول إلى تحقيق أسس التوجيه والإصلاح السليمة للمتسولين السعوديين حيث يوجه ذوو العاهات والعجزة إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، ويحال المرضى إلى المستشفيات المتخصصة حيث تقدم لهم الرعاية الصحية المناسبة دون مقابل أما المحتاجون مادياً فتصرف لهم المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية بعد دراسة حالتهم، كما يحال الصغار والأيتام الذين تنطبق عليهم لوائح دور التربية إلى هذه الدور حيث توفر لهم الإقامة المناسبة والتنشئة الاجتماعية السليمة، أما المتسولون الأجانب الذين يشكلون نسبة عالية من المتسولين فإن مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها الجهات الأمنية المختصة.
- مكاتب مكافحة التسول وعددها (4) مكاتب وتقوم بالآتي :
– استضافة المتسول السعودي المقبوض عليه من قبل اللجان الميدانية .
– بحث حالة المتسول السعودي المقبوض عليه اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وصحيا .
– تقديم الخدمات الاجتماعية الصحية والنفسية و الاقتصادية للمتسولين السعوديين حسب احتياج كل حالة .
– القيام بالرعاية اللاحقة للمتسولين السعوديين المقبوض عليهم .
– استضافة العمالة الهاربة من منازل أصحاب العمل .
– استضافة العمالة المنزلية المحالين من جوازات المطارات والتي يتأخر أصحاب العمل عن استلامهم .
- مكاتب المتابعة الاجتماعية وعددها (8) مكاتب وتقوم كالتالي :
– صرف إعانات ذوي الاحتياجات الخاصة .
– متابعة الأطفال ذوي الظروف الخاصة لدى الأسر البديلة وصرف الإعانات للأسر الحاضنة .
- مركز رعاية شؤون الخادمات بالرياض:
يقوم باستقبال الخادمات الهاربات من منازل أصحاب العمل بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية الأخرى في المملكة وكذلك استضافة خادمات المنازل القادمات للعمل من خارج المملكة وتعاني بعض الظروف مثل عدم استقبال أصحاب المنازل لهن في المطارات والإشراف على رعايتهن اجتماعيا وصحيا وتقديم الخدمات الأخرى كالإرشاد والتوجيه والإعاشة والكسوة وأشغال وقت فراغ الخادمات بما يعود عليهن بالنفع من خلال البرامج والأنشطة لحين تسوية حقوقهن وإنهاء وضعهن من قبل الجهات الأمنية .
- مراكز الأطفال المتسولين الأجانب بمكة المكرمة :
يقوم باستضافة الأطفال المتسولين الأجانب ما دون سن الثامنة عشر وإيداعهم بالمركز الإيوائي بفرعيه الرجالي والنسائي وتقديم أوجه الرعاية المتكاملة لهم لحين التحقيق معهم من قبل الشرطة والجوازات وإنهاء أوضاعهم .
ومن وجهة نظر م. خالد العثمان فإن تبرير التسول بالفقر تعد مشكلة كبيرة تفتح باب التنازل والتساهل في هذه القضية الخطيرة.. الفقر له مؤسسات تقع عليها مسئولية معالجة وتيسير أمور الناس الذين يطالهم تصنيفه.. لكن فتح باب التسول بحجة الفقر يعني فتح الباب لمشكلات مجتمعية كثيرة وممارسات مخلة ذات آثار وخيمة على كل المستويات. قصور أداء مؤسسات معالجة الفقر سواء الحكومية أو الخيرية لا يعني التساهل في مكافحة التسول. وذكر م. خالد من واقع تجربة شخصية أنه يجد أحيانا شبابا يتسولون في الطرق فيعرض على بعضهم وظيفة تقيهم الحاجة فإذا بهم يسارعون بالهرب وبعضهم قد يرد بوقاحة “بتعطيني والا خلك ساكت لا تتفلسف”.
والتسول برأي م. خالد لا علاقة له البتة بالفقر ولا قصور مؤسسات الضمان الاجتماعي وليس صحيحا أن كثير منهم محتاج حتى لو كانوا نساء. والحديث عن زيادة التسول في رمضان والمواسم الدينية أمر متفق عليه؛ وهو يدل على أن التسول مهنة التكسب واستغلال المواسم دون أية علاقة بالفقر والحاجة. وحي الشميسي في الرياض لمن يعرفه يشهد بتلك الظاهرة التي يأتي فيها أناس من القرى حول الرياض لاستيطان الحي في شهر رمضان وممارسة التسول طيلة الشهر وكثير منهن يعود بغلة تكفيه طوال السنة.
التسول آفة اجتماعية ضد ثقافة العمل النزيه.. هو يخلق حالة من التبلد والبحث عن الربح السريع دون تعب أو عناء.. وهذه مصيبة في طريق التنمية التي تعتمد على العنصر البشري الذي هو أساس التنمية.
التسول بات يقتحم البيوت والمكاتب والأسواق ولا يكتفي بتلقي الركبان في الطرق والمساجد.. في جانب اقتحام البيوت هناك خطر أمني كبير نتيجة دخول أولئك المتسولين المنازل، وربما يستخدمون وسائل ضغط قد تصل إلى التهديد وما إلى ذلك. التسول مشكلة أمنية كبيرة على كل المستويات. أيضا هناك احتمالات لممارسات لا أخلاقية قد يلجأ لها المتسولين بما في ذلك الدعارة وتجارة المخدرات وغير ذلك. فضلاً عن أن التسول بالتأكيد يزيد من حجم الأموال المتداولة خارج النظام البنكي ويزيد من تعمق ظاهرة اقتصاد الظل وما يرتبط بها من مخاطر اقتصادية وأمنية.
وذكر أ. عبدالله الضويحي في مداخلته أنه لا شك أن المتسول يستغل طيبتنا وعاطفتنا خاصة في هذا الشهر الفضيل حتى أن بعض العمالة هي الأخرى تتصدق على هؤلاء المتسولين (تصور عامل أجنبي أو سائق يتصدق على سعودي)، أما نحن فقد اتخذنا ( دفاعة بلا ) شعاراً ننطلق منه لتفسير تصدقنا على هؤلاء خاتمينها بـ (في ذمته).
التسول ربما لا يعرف كثيرون أنه ( إدمان )؛ فكثير من المتسولين لم يعد باستطاعته ترك هذه العادة وقد كشفت بعض البنوك والمصادر عن متسولين لديهم أرصدة دخلت الأصفار الستة.
التسول مصدر دخل ولهذا شاهدنا ونشرت الصحف عن حالات ( نقل قدم ) بين متسولين لمواقعهم ومضاربات بين آخرين على مواقع معينة كل يدعي أنه مكانه؛ المتسولون كل له إشارة مرور أو موقع يتواجد فيه باستمرار .. ونلحظ السيارات التي تقلهم وتوزعهم على هذه المواقع ثم تعود لأخذهم .. وشاهدنا حالات قبض على متسولين جمعوا الآلاف في يوم واحد ..أحد الزملاء مارس المهنة يوماً واحداً ونشر عنها تحقيقاً صحفياً كان مثيراً منذ فترة وخرج منه بعدة حقائق مما تم الإشارة إليه حول المواقع والمداخيل ..وهذه الأمور تشير إلى أبعد من الحاجة. ولذلك فلن يوافق المتسول على إيجاد فرصة عمل له.
وحول نظامية التسول وهل هناك قانون يمنعه على نحو ما تساءل د. إبراهيم البعيز، فإنه وإذا افترضنا أن نسبة منهم وإن كانت قليلة لهم أهداف أبعد من التسول وقد تضر بأمن البلد أو نسيجه الاجتماعي والأخلاقي فإن ( باب سد الذرائع ) يجيز منعهم ..هذا الباب استخدمناه كثيراً فلماذا لا يستخدم في التسول !؟
ويضاف لذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن الذي يتسول ومعه ما يكفيه من المال: (إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من نار جهنم قالوا يا رسول اللَّه وما يغنيه قال ما يغديه أو يعشِيهِ) هؤلاء يحصلون على أكثر من ذلك.
وبالنسبة لاستدلال أ. أسمهان في تعليق لها بقوله تعالى ( وأما السائل فلا تنهر ) فالنهر هنا لا يعني الامتناع عن إعطاء المتسول بقدر ما يشير إلى الزجر والاستهزاء به.
وبالعودة لمداخلة د. خالد الرديعان، فقد أشار د. خالد لدراسة أعدها د. كرار على 323 متسولاً أودعوا الحجز، فهذه الدراسة هناك عدة ملحوظات عليها:
1- ٧٥٪ من العينة كانت من غير السعوديين ونحو ٢١٪ سعوديين والـ ٤٪ المتبقية !؟
2- بلغت نسبة العزاب ٤٩٪ والمتزوجين ٤٦٪ والباقي ٥٪ ماهي حالتهم !؟
3- الدخل الشهري من التسول:
٧٣٪ الف ريال أو أقل.
٢٢٪ من ١٠٠٠- ٢٠٠٠ ريال.
١٪ أكثر من ٢٠٠٠ ريال شهرياً.
هل يعقل أن يظل المتسول تحت الشمس ساعات وبهذه الوضعية ليحصل على أقل من الفي ريال شهرياً .. ناهيك من ضياع نسبة ٤٪ لم تذكر !!
مثل هؤلاء سيقبل بعرض أية فرصة عمل، ربما لأنه تم أخذ المعلومة من أفواههم فكان من الطبيعي أن لا يعطوا معلوماتٍ صحيحة.
وأضافت أ. أسمهان الغامدي أن من كوارث التسول .. التسول بالأدوية من خلال ادعاء المرض لتسول العلاج من المارين .. ثم إعادة الدواء بتواطؤ مع الصيدلي للأسف .. فهل هذا الأمر يقف أمام حاجة أو إدمان .. أم أن الأمر مرتبط بشبكات كبيرة وخلايا بأهداف مدروسة؟
وفي نظر د. فايز الشهري فإن التسوّل فيما طرح هنا ظاهرة عالمية – تسول الضعفاء ومحدودي الإرادة ويبقى الموقف منها فرديا. هناك متسوّلون لا يستحون ولا يستحقون ولا يحتاجون، وهم أولئك الذين يتسولون على الشاشات وفِي العرضات بالشعر وحيل الكلام، والأسوأ منهم هو ذلك المثقف الذي يجيد التسوّل بالمبادئ والمواقف وهؤلاء يستحقون أن تطرح عنهم القضايا والنقاش.
وذكر أ. محمد بن فهد العمران أن أحد أخطر صور التسول خلال رمضان الكريم هي ظاهرة تسول شيوخ القبائل و رجال الدين للأمراء في سبيل جمع أموال ضخمة لدفع دية شخص مطلوب للقصاص و ذلك من أموال الزكاة !!
ما يحزن في هذه الظاهرة الخطيرة و السلبية ما يلي:
- أنها توجه أموال الزكاة من مصارفها المطلوبة (لأناس لم يرتبكوا أي أخطاء في حياتهم) إلى مصارف أخرى (لأناس ارتكبوا أخطاء قاتلة).
- أنها تشجع على ارتكاب الجرائم و خصوصا بين أفراد القبائل الكبرى ذات النفوذ الاجتماعي.
- أنها تقتصر على مطلوبين للقصاص ينتمون لقبائل كبرى بينما يتم تجاهل مطلوبين للقصاص من قبائل صغيرة أو جماعات ليس لها نفوذ.
- أنه يتم استغلال جزء من هذه الأموال كأتعاب و عمولات من قبل السماسرة.
- أنها تسول من النوع الفاخر و تحت غطاء ديني مع الأسف الشديد.
وعلقت أ. أسمهان الغامدي بأنه في ضوء ذلك فإن قضية التسول أكبر من حصرها في إشارة مرور أو مسجد، بل تعددت أشكالها بحسب المصالح والمكاسب الشخصية.
وأضاف د. خالد الرديعان أن هناك التسول على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة؛ فكل يوم نجد حالة أو حالتين من هذا النوع تطلب إيصال شكواها إلى الجهات العليا وخاصة ما يتعلق بقضاء دين أو توفير مسكن أو طلب علاج.. هذه الظاهرة تتزايد بصورة ملحوظة.
وفي مداخلتها حول ظاهرة التسول قالت أ. هيا السهلي: هناك عدة تساؤلات مهمة في هذه القضية:
1- من هم المتسولون؟
2- من يدفع بصدقته للمتسولين؟ أو من يحسن إليهم حتى يستمروا في ممارسة هذه المهنة؟
3- هل الدخل مجزيا حتى يطمع فيه المتسولون؟
عادة ما نرى المتسولين بلباس سعودي خاصة للمرأة هذا يوحي للعمالة الوافدة أن المستول (عزيز قوم ذل)، إذا لا يصدق أن بلدا غنيا ووفد عليه ليدفع عنه فقره يكون فيه فقيرا يستظل بحرارة الشمس عن الشمس عند الإشارات إلا ويكون محتاجا حقيقا !
ردة فعل العامل الوافد أنه يتصدق بما يستطيع وهي ريالات معدودة ! وهذه الريالات المعدودة يحصل عليها المتسولون بشكل مستمر وهي بالنسبة لهم خير من مبلغ عالي يتحصلونه وقد لا يتحصلونه! إن محاولة تتبع ذلك يكشف عن أن ثمة مصدر للغنيمة لهؤلاء المتسولون من العمالة الوافدة انطلاقاً من مبدأ قليل مستمر ولا كثير منقطع! وعلى هذا المنوال خرج متسولون بلباس سعودي إلكترونيا عبر الحدود.
وذكر د. خالد بن دهيش أنه وللأسف لا تزال المملكة تعاني من تزايد المتسولين الوافدين وضعف المتابعة لظاهرة التسول، وتأخر ظهور التشريع اللازم للحد من هذه الظاهرة. وَمِمَّا يزيد من تفشيها أن هناك نسبة كبيرة من المتسولين دخلوا البلاد من خلال السماح لليمنيين الذين هربوا من بطش عصابات الحوثي بالإقامة بالبلاد.
المؤلم جداً أننا أصبحنا نستقدم المتسولين الذين تستقدمهم شركات نظافة المدن وتتركهم يتسولون عند إشارات المرور وعند مداخل المولات وبالأسواق تاركين عملهم الذي استقدموا من أجله ، فمن المسؤول عن هذه الفئة؟ هل هي شركات النظافة أم البلديات والشؤون الاجتماعية؟ و أين دور الجمعيات الخيرية في المساهمة في حصر المحتاجين وتوزيع مواردهم الخيرية على المحتاجين من السعوديين وتكفيهم من الحاجة إلى التسول؟ وأين نتائج صندوق الفقر الذي رصدت له مبالغ ضخمة وأوقاف خيرية للفقراء للقضاء على الفقر بالمملكة أو على الأقل لمن هم وصلوا إلى حد الفقر المدقع؟
وتطرق د. مساعد المحيا إلى جوانب أخرى فيما يتصل بظاهرة التسول حيث ركز على النقاط التالية:
- أولا: ثمة أشخاص في المجتمع وصفهم الله بقوله: الذين لا يسألون الناس الحافا ؛ وهؤلاء هم الأجدر بالصدقة أو الزكاة أو الهدية .. وهؤلاء حالهم في الغالب سيئة من الناحية المادية لكن لاسباب عدة لا يسألون الناس تعففا ؛ فالله – عز وجل – وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف ، وأنهم إنما كانوا يعرفون بسيماهم . فلو كانت المسألة من شأنهم ، لم تكن صفتهم التعفف.
- ثانيا: لدينا من لا يعطي الناس إلا حين يذلهم فمثلا حين تشاهد طوابير تقف في مخيم لشخصية ثرية ويتم إذلالهم بالوقوف الطويل وكل يمتطي ورقته ليسلمها له …وربما استخدم معهم السخرية والنهر .. وكان يمكن أن يتم ذلك كله عبر جمعية تخصه أو جمعيات خيرية لديها قوائم المحتاجين حيث تقوم بتنظيم عمل زكواته وصدقاته.
- ثالثا: الله عز وجل دعانا أن لا ننهر السائل إما أن نعطيه أو نتركه.. ( وأما السائل فلا تنهر ) نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره قال المفسرون : يريد السائل على الباب ، يقول: لا تنهره لا تزجره إذا سألك ، فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا ، قال قتادة: رد السائل برحمة ولين.
- رابعا: حديثنا عن الكذابين والمحتالين وغير المحتاجين.. وأما المحتاج فهو وسيلتنا للصدقة والإنفاق وربما نلام نحن في المجتمع أننا لم نصل إليه ونسد حاجته حتى اضطر للسؤال.
- التوصيات للحد من ظاهرة التسول
ذكر د. حامد الشراري أن أحد الحلول المطروحة للحد من ظاهرة التسول أن يكون لوزارة الشؤون الإسلامية دور مهم مع الأجهزة الحكومية ذات العلاقة في التصدي لهذه الممارسات والظاهرة من خلال توجيه أئمة المساجد وخطباء الجمع بتوعية الناس بمخاطرهم على المجتمع وأمن الوطن؛ خاصة أن سماحة المفتي وصف المتسولين بأنهم كذابون ومتلاعبون، ومشدداً على أنه لا يجوز إعانتهم.
واتفق د. ناصر القعود مع الرأي الذي يرى بضرورة وجود مؤسسات حكومية أو خيرية تكون حلقة وصل بين المحتاجين وبين المزكين والمتصدقين.
في حين تعتقد أ. أسمهان الغامدي أن قوة تأثير الظاهرة وخطورتها تتطلب إعادة هيكلة إدارة مكافحة التسول وإعطائها من الصلاحيات ما يمكنها من أداء مهمتها كما يجب.
وفي تصور أ. عبد المحسن القباني فإنه بدلا محاربة المتسولين أو الفقراء علينا مكافحة الفقر؛ فالفقر هو الموضوع المروع لا التسول.
وأكد د. حسين الحكمي على أن وجود سياسات رعاية اجتماعية شاملة تعالج مشكلة المحتاج تجعلنا نمتنع عن إعطاء المتسول كفرد بكل طمأنينة لأننا بكل سهولة يمكن أن تقدمها لتلك المؤسسات الرسمية التي توصلها للمحتاجين.
وذهب د. خالد الرديعان إلى أن للتسول جانب آخر فهو يكشف ضعف برامج الرعاية الاجتماعية خاصة ما يتعلق بالنساء والأطفال.. والحديث ليس عن الرجال والشباب ممن يستطيعون إيجاد عمل ولكن المشكلة هي في تسول النساء والأمهات ممن لديهن أطفال صغار. وبناء عليه لابد من إعادة النظر في نظام الضمان الاجتماعي ومعرفة عيوبه وعلاجها للحد من ظاهرة تسول النساء على وجه الخصوص. ويتضح ذلك من قراءة النسب المذكورة بالدراسة المشار إليها سلفاً، حيث أن ٧٥٪ من المتسولين هم من الوافدين الذين لا يشملهم نظام الرعاية الاجتماعية وما نسبته ٥٨٪ دخلوا البلد تسللاً.. ما يعني أنه ليس عندهم أوراق ثبوتية ولا يحصلون على عون من جمعيات خيرية.
لكن برأي م. خالد العثمان فإن الذين لا يشملهم نظام الضمان الاجتماعي غالبا غير مستحقين بحسب معايير النظام.. وهم بالتالي غير فقراء وتسولهم خطأ.. طبعا لا ننزه النظام عن القصور وهو بالتأكيد بحاجة لمراجعة وتطوير. كما أن التسول أحد أخطر قنوات اقتصاد الظل وهو بالتالي يمكن أن يكون وسيلة لتمويل أية عمليات غير مشروعة بما في ذلك الإرهاب وتجارة المخدرات وتجارة البشر وما إلى ذلك.
وعقب د. الرديعان بأنه و رغم كل ما يقال عن المتسولين وأنهم ربما يحولون المبالغ إلى جهات مشبوهة إلا أنه يلزم أن نغلب الجانب الإنساني في المسألة؛ فقسم كبير من المتسولين هم كبار سن ونساء ربما دفعتهم الحاجة والبؤس للتسول.. يجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة بمهنية عالية وحس اجتماعي. لابد من آلية للفرز لمعرفة المعوز من الذي يمارس التسول لأهداف مشبوهة.
وبدوره أكد م. خالد العثمان على أن تحديد المحتاجين وخدمتهم مسئولية مؤسسية، ومن الضروري التوصية بتطوير أداء تلك المؤسسات لخدمة المحتاجين بشكل أكثر كفاءة بما يخرجهم من دائرة التسول ويمكن السلطات الأمنية من محاصرة المتسولين غير المستحقين.
أما أ. محمد بن فهد العمران فيرى أنه ولحل المشكلة العاطفية مع المتسولين فالقاعدة الأساسية يجب أن تكون “الأقربون أولى بالمعروف” بينما الأولوية تكون لمن لا يجد قوت يومه أي من لا دخل له أو لا يكفيه. و الأقربون هنا هم الأقارب و الجيران و المعارف ثم سكان المدينة ثم سكان الدولة و هكذا، مما يعني أن المتسولين المجهولين أو الوافدين سيأتون في أخر سلم الأولويات. المهم أن نتحرى لأن هناك أناس متعففين قد لا ننتبه لهم في زحمة الحياة و في ظل انتشار ظاهرة التسول خلال الشهر الكريم. والمشكلة أن المتسولون الوافدون يزاحمون المستحقون للزكاة و الصدقة و يستخدمون في ذلك أساليب الإلحاح و ربما الاعتداء اللفظي أو الجسدي، والتجاوب معهم يشجعهم أكثر على الإلحاح و العنف و هذا وضع كارثي. لو اتبعنا جميعا قاعدة الأقربون أولى بالمعروف لانتهت ظاهرة التسول تماماً.
وترى أ. هيا السهلي أن ما نحتاجه لمكافحة التسول هو التوعية بمن هو المحتاج خاصة للعمالة الوافدة. ومن ناحية أخرى فإن القبض على المتسول مكلف! ويجب تحديد إجراءات ما بعد القبض على المتسول كالجهة المسؤولة وآلية ترحيله؛ فمعظم المتسولون مخالفون للإقامة أو قد دخلوا البلاد بشكل غير شرعي.
وقالت أ. أسمهان الغامدي: مهما كان القبض على المتسول مكلف، أليس بقائه أكثر تكلفة؟، وبدورها أوضحت أ. هيا السهلي أن المقصود أن الجهات المسؤولة ترى ذلك؛ وعند القبض على الطفل المتسول أين يرحل: للشؤون؟ أو الأحداث ثم ماذا بعد؟
وأكد د. حامد الشراري أن التسول مشكلة لها سلبياتها الأمنية والاجتماعية، وتزداد يوما بعد يوم، ومن ثم يجب الحد منها مهما كانت التكلفة.
ولفت د. خالد بن دهيش النظر إلى أننا لا نزال في حاجة للمزيد من الإجراءات للقضاء على الفقر والحد من ارتفاع البطالة ورفع الحد الأدنى من الأجور وذلك للحد من تسول السعوديين.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- د. إحسان بو حليقة
- م. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- أ. أسمهان الغامدي
- أ. إيمان الحمود
- د. ثريا العريض
- د. الجازي الشبيكي
- أ. أمجد المنيف
- أ. جمال ملائكة
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حسين الحكمي
- د. حميد الشايجي
- د. حميد المزروع
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان (رئيس الهيئة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- د. خالد بن دهيش
- أ.د. سامية العمودي
- أ. سمير خميس
- أ.د صدقة فاضل
- د. عبدالرحمن الشقير
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- أ. عبد المحسن القباني
- اللواء د. علي الحارثي
- أ. علي بن علي
- أ. علياء البازعي
- أ. عبير خالد
- أ. فاطمة الشريف
- د. فايز الشهري
- د. فهد العرابي الحارثي
- د. فهد اليحيا
- أ.د. فوزية البكر
- أ. محمد بن فهد العمران
- د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
- أ. مسفر الموسى
- د. مشاري النعيم
- أ. مها عقيل
- د. منيرة الغدير
- د. ناصر القعود
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
- أ. هيا السهلي
- أ. ولاء نحاس
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 27