التقرير الشهري رقم (88) لشهر (سبتمبر) 2022

سبتمبر – 2022

تمهيد:

يعرض هذا التقرير قضية مهمة تمَّ طرحهم للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر سبتمبر 2022م، وناقشهم نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت القضية الثانية بعنوان: الأيتام في المملكة: بعض الحقائق والأرقام، وأعد ورقتها الرئيسة د. خالد الرديعان، وعقب عليها كلٌّ من د. الجازي الشبيكي، أ. سمها الغامدي، أ. موضي الزهراني، وأدار الحوار حولها د. مها العيدان.

 


القضية الثانية 

الأيتام في المملكة: بعض الحقائق والأرقام

(12/9/2022م)

 

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية الأيتام في المملكة في ضوء بعض الحقائق والأرقام. وأشار د. خالد الرديعان في الورقة الرئيسة إلى أن البيانات المتاحة توضح أن أول دار لرعاية الأيتام كانت في المدينة المنورة وتأسست عام ١٩٣٤م – ١٣٥٢هـ، ثم دار الأيتام في مكة المكرمة عام ١٩٣٦م – ١٣٥٥هـ، تلاها دار الأيتام بالرياض عام ١٩٣٨م- ١٣٥٧هـ. وكانت الدور الثلاث بجهود أهلية في بداية الأمر. أما بالنسبة لليتيمات كانت دار الحنان بجدة أول من اعتنى بهن وذلك عند تأسيسها عام ١٩٥٥م – ١٣٧٥هـ، ثم تأسست “مبرة الكريمات” بالرياض عام ١٩٥٦م – ١٣٧٦هـ لتكون أيضاً جهة حاضنة لليتيمات وتعليمهن ضمن أخريات. وكان ملحوظاً اهتمام المملكة ومنذ مرحلة مبكرة برعاية الأيتام وحتى قبل أن يكون للمملكة مصادر مالية كافية؛ ففي بداية الأمر كانت رعاية الأيتام معتمدة على جهود أهلية من فاعلي خير، لكنها تحولت لاحقاً لتصبح تحت المظلة الرسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية).

بينما ركّزت د. الجازي الشبيكي في التعقيب الأول على ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والنفسية والتربوية في التعامل مع الطفل اليتيم ومن في حكمه داخل الدور والمؤسسات الاجتماعية، كي يتحقق الاندماج المجتمعي المطلوب والمُستهدف من وجود تلك الدور والمؤسّسات باعتبار رعاية اليتيم واجباً دينياً وإنسانياً يجسّد المسؤولية الاجتماعية والتكافلية بين أفراد المجتمع، إلى جانب أنه حق وطني لليتيم على وطنه كفرد من أفراد المجتمع له حقوق يجب أن تُكفل وعليه واجبات يستطيع أن يساهم من خلالها في المشاركة في عجلة تنمية بلاده.

في حين سلطت أ. سمها الغامدي في التعقيب الثاني الضوء على الأيتام ذوي الظروف الخاصة (مجهولي الأبوين أو الأب) على وجه الخصوص من خلال خبرتها على مدى أكثر من 35 عاماً من العمل الحكومي معهم، ثم من خلال منظمات المجتمع المدني لا سيما جمعية كيان المتخصصة في هذه الفئة.

أما أ. موضي الزهراني فأشارت في التعقيب الثالث إلى أن من أعظم صور معاناة الأيتام فقد الوالدين الحقيقيين، وإحساسهم بالرفض والنبذ بسبب ظروفهم الاجتماعية، وبالرغم أن هناك نماذج رائعة منهم وحققت نجاحاً ملموساً في مجالات مختلفة، لكن قد لا تنجح البرامج النفسية والاجتماعية مع فئة منهم، ولا يكون للخدمات المختلفة المقدمة لهم أثرها الإيجابي على شخصياتهم، وذلك لافتقادهم للدعم العاطفي، بسبب عدم الاختيار السليم للعاملين معهم في مختلف التخصصات في مختلف مراحلهم العمرية.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • مشكلات الأيتام في الواقع السعودي.
  • معوقات الرعاية المؤسسية والمجتمعية للأيتام.
  • خصوصية قضية الأيتام مجهولي الأبوين.
  • إدماج الأيتام ومن في حكمهم في المجتمع مبكراً.
  • توسيع مفهوم كفالة اليتيم كوسيلة لحل مشكلات الأيتام.
  • الصحة النفسية للأيتام وسبل رعايتها.
  • آليات مقترحة لمعالجة قضايا الأيتام في المملكة العربية السعودية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • الرفع لصنّاع القرار بطلب إعادة النظر في دمج وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مع وزارة الموارد البشرية؛ لأهمية التركيز على قضايا الفئات الاجتماعية بمختلف مجالاتها ليتسنى تحسين وتطوير وتجويد العمل.
  • إنشاء هيئة مستقلة للأيتام، ويكون تحت مظلتها جميع الجهات التي ترعى الأيتام بهدف توحيد آلية المتابعة والخطط والبرامج.
  • إعادة النظر في الأنظمة التي تهتم بحقوق وحماية الأيتام مثل نظام الحماية من الإيذاء ونظام مكافحة التحرش وتبني النهج الحقوقي في تصميم برامج الرعاية للأيتام ومجهولي الوالدين، وضبط المراقبة من قبل الجهات المختصة وهيئة حقوق الإنسان.
  • بناء معايير جودة الأداء في مؤسسات رعاية الأيتام ومجهولي الوالدين، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
  • إعداد وتأهيل الكوادر العاملة في دور الأيتام من خلال تعيين خريجي أقسام الدراسات الاجتماعية والنفسية وتدريبهم من خلال دورات مكثفة في كيفية التعامل مع أبناء الدار.

 

  • الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان

أبدأ موضوعي عن الأيتام بواقعة أعرفها جيدًا؛ فلي قريب من جهة الأم اسمه فهد توفيت أمه (غير السعودية) بعد ولادته مباشرة، ثم كفلته جدتي لأنه ابن أخيها، ولانهماك جدتي بمهام أخرى فقد قذفت بفهد على والدتي -رحمها الله- للعناية به لينشأ فهد معي أنا وأخ أصغر مني قليلاً. كانت أمي تقسم الحليب والطعام والعناية بيننا وبينه، بل إنها كانت تميزه أحياناً كونه يتيماً وابن خالها والجميع كانوا يتحاشون نهره أو ضربه رغم شقاوته. عندما بلغ فهد سن السابعة أو الثامنة ضاقت جدتي به ذرعاً فهو يأكل كثيراً ويتحرك أكثر، عندها جاء إلى جدتي من اقترح عليها إيداعه بدار الأيتام في سكاكا وذلك بعد وفاة والده الذي سبق أن ارتبط بزوجة أخرى. ذهاب فهد لدار الأيتام خفف من العبء على جدتي وأمي، ففي الدار كانوا يقدمون له طعاماً جيداً وكافياً، وملابس جديدة، وكسوة للعيدين وكسوة شتائية وأخرى صيفية، ومبلغاً شهرياً أظنه كان بحدود ٤٠ ريالاً كانت تستلمه جدتي. وكان ذلك بحدود عام ١٣٨٥ هجري. فملابسه تُغسل بغسالة كهربائية، ولديهم في الدار مراجيح وألعاب، والحلاق الوحيد في البلدة يزورهم بمعدل منتظم لتقصير شعر رؤوسهم خوفاً من القمل الذي كان منتشراً بين الصغار في تلك الفترة. وفوق ذلك ألحقوا جميع الأيتام (بحدود ٥٠ يتيماً أغلبهم من البادية) بنفس المدرسة الابتدائية التي كنتُ وأقراني غير الأيتام ندرس بها (المدرسة الشرقية ولاحقاً أطلقوا عليها مدرسة غرناطة).

كنا نحن “غير الأيتام” نغبط الأيتام بسبب ملابسهم النظيفة والمرتبة والأحذية والجوارب الجميلة والكنزات الشتائية التي يرتدون، وسندويتشاتهم المحشوة بالجبن والمُرَبى، أو البيض وهي الأطعمة التي ليست متاحة لنا دائماً. أحياناً يحضرون معهم لوجبة الفسحة تفاحاً لبنانياً أحمر، وهذا كان يغيظنا أكثر نحن “غير الأيتام” بسبب رائحته النفاذة والعبقة؛ الفاكهة التي نتناولها فقط في بعض المناسبات. أخبرني فهد أنهم يعطونه في الدار موزاً وهو الذي قرأنا عنه قطعة في كتاب المطالعة عنوانها “لا ترمِ قشر الموز”. وحقائبهم المدرسية كانت أيضاً من النوع الفاخر مقارنة بحقائبنا رديئة الصناعة، فحقائب الأيتام كانت من الجلد وتستمر معهم طوال العام بعكس حقائبنا التي تتمزق سريعاً.  أقلامهم الرصاص ودفاترهم من النوع وارد مكتبة مرزا في مكة، بعكس دفاترنا ذات الورق البيج السميك (دفاتر القدس وكانت تأتينا من الأردن).

أقلامنا كانت تتكسر مادة الفحم داخلها عندما نقوم ببريها بسبب رداءتها. والذي كان يؤذيني بخصوص فهد هو أنهم في الدار أوكلوا أمره إلى يتيم آخر أكبر منه سناً يسمونه عريفاً؛ بحيث يكون كل عريف مسؤولاً عن أربعة أو خمسة أيتام، كان العريف يقسو على فهد كثيراً، وفهد كان يشكو لي منه بحكم أنني قريبه ولا أملك إلا أن أتألم دون أن أستطيع القيام بشيء، بعد أن أنهى فهد المرحلة الابتدائية في دار الأيتام التحق بالمعهد المهني بسكاكا الذي كان قد فتح للتو ليمكث فيه مدة سنتين بعد أن عاد إلى بيت جدتي هذه المرة. وخصصت له جدتي ملحقاً في البيت شبه منفصل عن البيت وله باب مستقل يزوره فيه بعض أصدقائه الأيتام، وتخرّج فهد في المعهد ليعمل بعد ذلك عريفاً في جهاز الشرطة ويشق طريقه في الحياة دون منغصات تذكر. فاحتواء جدتي ووالدتي وأقاربنا والمجتمع المحلي، ودار الرعاية الاجتماعية بعد ذلك كانت عناصر أساسية في نجاحه وانخراطه في الحياة كمواطن صالح. والجميع نظروا إلى رعاية فهد واحتوائه والعناية به من منظور ديني محض، وهو جانب مهم ومتجذر في ثقافتنا الاجتماعية لحسن الحظ.

قصة فهد تقودني إلى المرور على تاريخ دور الرعاية الاجتماعية في المملكة؛ إذ تشير البيانات المتاحة أن أول دار لرعاية الأيتام كانت في المدينة المنورة وتأسست عام ١٩٣٤م – ١٣٥٢هـ، ثم دار الأيتام في مكة المكرمة عام ١٩٣٦م – ١٣٥٥هـ، تلاها دار الأيتام بالرياض عام ١٩٣٨م- ١٣٥٧هـ.

كانت الدور الثلاث بجهود أهلية في بداية الأمر. أما بالنسبة لليتيمات فكانت دار الحنان بجدة أول من اعتنى بهن وذلك عند تأسيسها عام ١٩٥٥م – ١٣٧٥هـ، ثم تأسست “مبرة الكريمات” بالرياض عام ١٩٥٦م – ١٣٧٦هـ لتكون أيضاً جهة حاضنة لليتيمات وتعليمهن ضمن أخريات. ويرد أدناه سرد تاريخي مختصر لنشأة دور الأيتام في المملكة.

  • دار الأيتام في المدينة المنورة (١٩٣٤م- ١٣٥٢هـ):

تعد دار التربية في المدينة المنورة أول دار تنشأ في المملكة العربية السعودية لرعاية الأيتام، ولقد افتُتحت الدار في محرم عام 1352هـ وسُميت (دار أيتام الحرمين الشريفين والصنائع الوطنية) وحددت أهدافها بما يلي:

  1. إيواء أبناء البادية والمدينة والأيتام والفقراء.
  2. تعليم التلاميذ وتدريسهم حسب منهج المرحلة الابتدائية.
  3. إكساب التلاميذ نوعاً من الصناعات الرائجة.
  4. تحفيظ الراغبين منهم القرآن الكريم.

وقد بلغ عدد طلاب الدار عند تأسيسها 150 طالباً، وقد تنقلت الدار في أكثر من مبنى حتى انتقلت إلى بيت أكبر لآل أبي عزة في منطقة باب المجيدي، وقام بافتتاح هذا المقر رسمياً وكيل أمير المدينة المنورة الأستاذ ناصر السديري.

  • دار الأيتام في مكة المكرمة (١٩٣٦م – ١٣٥٥هـ):

تعد دار الأيتام في مكة المكرمة الدار الثانية من حيث النشأة في المملكة العربية السعودية من قبل صاحب الفكرة الأستاذ (مهدي بك المصلح) مدير الأمن العام ونشر مقالاً في صحيفة أم القرى يوضح فكرته وصدرت الموافقة الملكية على تكوين هيئة من أعيان مكة للمشاركة مع الأستاذ مهدي في عملية إنشاء الدار وفق نظم وأهداف قيّمة للعناية بالأيتام وتنشئتهم النشأة الصالحة لخدمة أنفسهم ودينهم ووطنهم في المستقبل مع توفير المأكل والمشرب والملبس، واستمرت الدار في تقديم الرعاية لأيتام البلاد، ثم انضمت إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وقد بدأت الدار باستقبال الأيتام مع بداية شهر شوال من عام ١٣٥٥هـ ببيتٍ صغير مستأجر بحي أجياد بمكة المكرمة، وقد بلغ عددهم في السنة الأولى قرابة 50 يتيماً، ثم تلقت الدار مساعدات من الملك عبد العزيز وولي عهده آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز ونائب جلالته بالحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وقد قام الملك عبد العزيز بافتتاح الدار يوم الاثنين 3/ 12 / ١٣٥٧هـ وكانت لهُ عادة سنوية حين يقدم إلى مكة لأداء فريضة الحج يقوم بزيارة الدار؛ فقد زارها عام ١٣٥٧هـ حين افتتح المبنى الجديد للدار، ثم زارها مرةً أخرى عام ١٣٥٩هـ لافتتاح الدور الثالث بالمبنى نفسه، وقد سار على دربه ابنه سعود، وقد بلغ من تشجيع الملك عبد العزيز للأعمال الخيرية أن منح مهدي بك لقب (المصلح) عام 1357هـ، وقد استمرت الدار بعملها حتى انضمت للرئاسة العامة لدور الأيتام، ثم إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية كغيرها من دور الأيتام الأخرى.

  • دار الأيتام بالرياض (1938م-1357هـ):

بدأت هذه الدار بمبادرة من الأمير منصور بن عبدالعزيز آل سعود حين قام بإنشاء أول مدرسة نظامية عامة وألحق بها غرفة خاصة بالأيتام، وتم اتخاذ نظام تعليمي جديد بتقسيم الطلاب إلى مستويات وإضافة مواد تعليمية مع تعليمهم القرآن والقراءة، وحَرِصَ مسئولو الدار على وجود دروس صناعية وتدريبية للأيتام، وقد بدأت هذه الدار في عام 1357هـ، وقد رأى الأمير منصور ضرورة التوسع في مبناها، وبالفعل أمر الملك عبد العزيز بإنشاء مبنى خاص بها، وانتقلوا إليه مع بداية عام 1363هـ، وافتتحها ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبد العزيز، وقد كانت الدراسة تتم كما هو الحال في دور الأيتام السابقة الذكر، واستمر نظامها حتى بعد انضمامها إلى الرئاسة العامة لدور الأيتام عام 1375هـ، وفي عام 1382هـ تم تحويل طلاب دور الأيتام إلى الدراسة في المدارس الخارجية تحقيقاً لإزالة الفوارق الاجتماعية.

  • مبرة الكريمات بالرياض:

“تُعَد هذه المبرَّة أول دار لإيواء الفتيات اليتيمات في الرياض، أُنشئت في عام 1376هـ – 1956م. ولُقِّبت بالكريمات نسبة إلى القائمات على إنشائها والإشراف عليها وهن كريمات الملك سعود الأميرات (حصة، وموضي، ونورة) وسُمِّيَت بالمبرة لشدَّة المعارضة – في ذلك الوقت – لفتح مدارس البنات في الرياض. وسبب إنشاء المبرّة هو الاحتفاء بعودة الملك سعود من إحدى رحلاته الطويلة في العالم الإسلامي عام 1376هـ – 1956م، فتصدّقت الأميرات كريمات الملك بإقامة مبرّة ميمونة لإقامة اليتيمات في دار لهن. ولقد كانت فكرة الأميرة حصة بنت سعود لإنشاء هذه المبرّة حتى تعطي أكبر فرصة للمواطنات في التعليم. فافتتحت المبرّة في فيلا، وخُصِّص لهن مدرِّسات، وجهزت المدرسة بالوسائل اللازمة، وبدأت المبرّة بعدد (14) تلميذة ممن تقبّل أهاليهن إلحاقهن في برامجها التعليمية، وفي القسم الداخلي. ووصل عددهن بعد عام إلى حوالي خمسين طالبة بعد أن اقتنع الأهالي بهذه المدرسة، وبلغ إجمالي التبرعات لهذه المبرّة (150) ألف ريال، (50) ألف ريال من الملك سعود نفسه. وقد واجهن معارضة شديدة من الأهالي الذين قدّموا خطابات اعتراض للملك سعود، إلاّ أنه ولقناعته الشخصية بأهمية تعليم البنات، ساند استمرار المبرّة، وبدأ الأهالي في التقبُّل التدريجي لها. وقد قدّمت لهن المبرّة جميع أوجه الرعاية والإيواء، وتعلّمن القرآن الكريم، ومبادئ الدين، وإدارة المنزل، وتربية الطفل، إضافة إلى منهج وزارة المعارف. واللغة الإنجليزية والأشغال اليدوية، وأعمال الصوف. (علاوة على ذلك امتازت المبرّة بالتنوُّع في البرامج التعليمية والأنشطة، فقد كانت تقدم أنشطة غير منهجية من خلال ممارسة الرياضة، والرحلات الأسبوعية، وإقامة الحفلات) (١) وقد تولى الإشراف العام على المبرّة الشيخ عثمان الصالح الذي كان يشرف على عدد من الجهات التعليمية بأمر من الملك سعود، وهذه الجهات هي (معهد أنجال الملك سعود، معهد الكريمات، مبرّة الكريمات) وكان يتابع وضعه بشكل كامل، ويشرف على أعماله واختباراته ونتائجه وحفلات تخرجه) (٢).

  • دور الأيتام في المملكة:

يبلغ عدد جمعيات الأيتام في المملكة 24 جمعية متخصصة في خدمة الأيتام، يعمل فيها أكثر من 1300 موظف وموظفة، يقدمون الرعاية لأكثر من 135000 يتيم ويتيمة وأرملة على مستوى المملكة (٣).

  • الأيتام المكفولون:

بلغ عدد الأيتام المكفولين بمناطق المملكة كافة خلال عام 1438/ 1439هـ نحو 8412 يتيمًا، تمت كفالتهم من قبل 7358 أسرة سعودية. وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء فإن منطقة الرياض سجلت أعلى معدل لكفالة الأيتام بعدد 1914 يتيمًا، كفلتهم 1611 أسرة، تليها المنطقة الشرقية بعدد 867 يتيمًا، مكفولين من قبل 745 أسرة. وسجلت منطقة الحدود الشمالية أقل معدل لكفالة الأيتام بعدد 15 يتيمًا مكفولين بواسطة 14 أسرة، وعدد المستفيدين من برنامج كفالة الأيتام خلال العام نفسه بلغ نحو 15770 مستفيدًا.

وبحسب وزارة الموارد البشرية فإن الأسرة الكافلة تقوم بإيواء اليتيم بضمه إليها والإنفاق عليه، ومعاملته معاملة أبنائها بالإحسان والتربية حتى يبلغ مرحلة الاعتماد على نفسه.

وتتضمن ضوابط وشروط كفالة الأيتام أن تكون الأسرة سعودية، ومؤهلة نفسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا وألا يزيد سن الزوجة على 50 عامًا، وأن تكـون الحالـة الاقتصاديـة للأسرة جيـدة، وألا تكون من الأسر التي تتلقى عوناً من الضمان الاجتماعي، وأن يثبـت طبيًّا خلـو أفـراد الأسرة مـن الأمـراض المعديـة والسـارية والنفسية المزمنة (٤).

  • جمعية إنسان:

شعوراً من أهالي مدينـة الريـاض بأهمية وجود جمعية خيرية متخصصة تقوم بشؤون الأيتام، فقد اجتمع نخبة من المحسنين بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ عندما كان أميراً لمنطقة الرياض في ذلك الوقت ـ في منزل الشيخ حمد بن محمد بن سعيدان. فتبنى الملك سلمان رفع الطلب للمقام السامي وصدر الأمر السامي الكريم بإنشاء الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض برقم 427/8 وتاريخ 22 /6 /1419هـ، وسُجلت في وزارة الشؤون الاجتماعية (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حالياً) بالرقم (166) وتاريخ 1420/08/28هـ طبقاً للائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية. ومنذ ذلك اليوم وهي تمارس نشاطها في رعاية الأيتام السعوديين داخل مدينة الرياض بالأهداف التالية:

  1. غرس مبادئ الدين الإسلامي في نفوس الأيتام.
  2. توفير مختلف أوجه الرعاية للأيتام والأرامل.
  3. العمل على إنشاء البرامج والمشاريع والمراكز الإيوائية وإدارتها.

واتخذت من كلمة (إنسان) شعاراً لها لتعبر عن مضمون رسالتها (٥).

وللجمعية ١٩ فرعاً في منطقة الرياض (خمسة فروع في مدينة الرياض وأربعة عشر فرعاً في بقية المحافظات) وتخدم نحواً من ٤٠ ألف يتيماً ويتيمة وأرملة، بعدد أسر يفوق ٩٥٠٠ أسرة.

يتضح من العرض السابق اهتمام المملكة ومنذ مرحلة مبكرة برعاية الأيتام وحتى قبل أن يكون للمملكة مصادر مالية كافية؛ ففي بداية الأمر كانت رعاية الأيتام تعتمد على جهود أهلية من فاعلي خير، لكنها تحولت لاحقاً لتصبح تحت المظلة الرسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية).

  • مراجع:
  1. حصة الهلالي ١٤٢٧ (التعليم في عهد الملك سعود) الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، نقلاً عن مجلة المنهل، العدد ذي القعدة ١٣٧٦، ١٩٥٦ ص: ٤٨٤
  2. حصة الهلالي ١٤٢٧ (التعليم في عهد الملك سعود). الرياض: دارة الملك عبدالعزيز. ص: ٤٣٤
  3. صحيفة الوطن.
  4. مجلة سيدتي: ١٦ سبتمبر ٢٠١٨م
  5. الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض نشأتها نظامها جهودها، ط1، الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام، الرياض، 1420هـ/1999م، ص12-15.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. الجازي الشبيكي

تحدّث د. خالد الرديعان في ورقته عن تاريخ إنشاء دور الأيتام في المملكة العربية السعودية وتطوّر خدماتها وبعض الحقائق والأرقام عن المستفيدين والمستفيدات منها خلال السنوات والعقود الماضية.

واستكمالًا لما تفضّل به، أركّز في تعقيبي على ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والنفسية والتربوية في التعامل مع الطفل اليتيم ومَنْ في حكمه داخل الدور والمؤسسات الاجتماعية، كي يتحقق الاندماج المجتمعي المطلوب والمُستهدف من وجود تلك الدور والمؤسّسات باعتبار رعاية اليتيم واجباً دينياً وإنسانياً يجسّد المسؤولية الاجتماعية والتكافلية بين أفراد المجتمع، إلى جانب أنه حق وطني لليتيم على وطنه كفرد من أفراد المجتمع له حقوق يجب أن تُكفل وعليه واجبات يستطيع أن يساهم من خلالها في المشاركة في عجلة تنمية بلاده.

في المملكة العربية السعودية وكما أشار الدكتور خالد الرديعان في ورقته، هناك جهود وخدمات متعدّدة للأيتام ومن في حكمهم ولها العديد من الإيجابيات من حيث التكفّل بإيوائهم وتعليمهم ورعايتهم الصحية والنفسية والاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة والحماية الاجتماعية والقانونية لهم.

ما يؤخذ على جهود تلك الدور والمؤسّسات من وجهة نظري، الجوانب التالية:

  • أولاً: من حيث التخطيط والهيكلة : الافتقار للرؤى الشاملة المتكاملة في الرعاية الاجتماعية بشكل عام ورعاية الأيتام على وجه الخصوص، وبالتالي ضعف التخطيط المطلوب للوصول للمستهدفات المرجوّة، ونستطيع ملاحظة ذلك منذ بداية خطط الدولة التنموية عام 1390هـ، حيث تعدّدت وتنقّلت مرجعيات تلك الدور والمؤسّسات لأكثر من جهة في الوزارة، فضلاً عن تغير واختلاف خطط العمل وتوجهات التركيز مع تغير الوزراء وفرق العمل المصاحبة لكل وزير باعتبار الوزارة المعنية بالأيتام من أكثر الوزارات التي تَعاقَب عليها أكثر من وزير خلال فترات زمنية قصيرة.
  • ثانياً: من حيث ممارسة العمل المهني الاجتماعي والنفسي والتربوي داخل الدور:

بالرغم من عدد من الاجتهادات والمبادرات  الفردية المتنوعة من قِبل بعض المتخصصات بين وقت وآخر، إلّا أنه يمكن القول بشكل عام ومن خلال الوقوف الشخصي على العديد من المواقف والحالات، ضعف الاهتمام بالرجوع والاستناد للمنهج والنظريات العلمية الموجهة للعمل الاجتماعي إلى جانب الافتقار للتقييم وقياس الأثر، فالأيتام حُرِموا عاطفياً من حنان الأبوين ومن البيئة الأسرية الطبيعية وتوجسهم من جانب الأمان الاجتماعي عالي، لذا فهم بحاجة لفهم نفسياتهم ومتطلباتهم، وبالتالي التعامل معها بالأسلوب التربوي المناسب، وللأسف تُمارس معهم في بعض الأحيان اجتهادات حسنة النية ظاهرياً لكنها تفتقر للعمل  المهني المطلوب، وهذا قد يكون له انعكاسه السلبي على نفسيات الأيتام فيما بعد.

(أحد الأمثلة على ذلك، السماح بقرار فردي لإحدى الجمعيات الخيرية من خلال إحدى عضواتها المتطوعات الإشراف على مجموعة من نزيلات الدور اللاتي تم بحقهن تطبيق عقوبة الشغب).

جهود هذه العضوة اللطيفة المُبادِرة، كانت تتمّ بشكل عفوي وارتجالي وغير مخطّط، ولم تأتِ في النهاية بنتائج مرجوّة في تحسين سلوك أولئك الفتيات المعاقَبات.

ولديّ اعتقاد بأن ما حدث في دار الأيتام في خميس مشيط في القضية التي انتشرت مؤخّراً، كان شبيهاً بالموقف الذي ذكرته أعلاه، من حيث محاولة علاج السلوك غير السويّ بآلية وأسلوبٍ ارتجالي بعيدًا عن المنهج التربوي السليم.

  • ثالثاً: هناك جانب آخر من المهم الالتفات له وإعطائه أهمية فيما يتعلق بالنواحي الاجتماعية والنفسية للأيتام، ألا وهو موضوع المرحلة العمرية بعد الثامنة عشر في الدور، وكذلك موضوع متابعة الأيتام في قضاياهم الخاصة بالزواج والطلاق والمحاكم وما إلى ذلك.

هذه المسائل بحاجة إلى خدمات متخصصّة تتعاون فيها الجهات الحكومية مع منظمات المجتمع المدني وفق آلية متكاملة نضمن من خلالها قدر الإمكان استمرار رعاية المجتمع للأيتام وعدم تخليه عنهم حتى بعد مرحلة سن الطفولة والمراهقة.

هذا ما تسنّى لي طرحه في التعقيب على هذه القضية وأختم بالمقترحات التالية:

  1. من المهم أن تكثف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية جهودها التطويرية في جانب الرعاية والشؤون الاجتماعية بقدر اهتمامها المُلاحظ في جانب العمل والتدريب والتأهيل والتوظيف، خاصّة فيما يتعلق باستقطاب الكوادر البشرية المتخصّصة المؤهّلة للعمل مع الفئات الاجتماعية المختلفة وخاصة فئة الأيتام، إلى جانب استحداث البرامج والخدمات الاجتماعية المتقدّمة والمتكاملة مع رؤية المملكة 2030.
  2. على الإعلام مسؤولية رفع وعي المجتمع بقضايا اليتم والأيتام وتشجيع موضوع تبني الأسر للأيتام وفق ضمانات وإجراءات تكفل للطرفين تحقيق ما يرجونه ويتطلعون إليه.
  • التعقيب الثاني: أ. سمها الغامدي

سيكون تعليقي المختصر متعلقاً بالأيتام ذوي الظروف الخاصة (مجهولي الأبوين أو الأب) على وجه الخصوص من خلال خبرتي على مدى أكثر من 35 عاماً من العمل الحكومي معهم، ثم من خلال منظمات المجتمع المدني وأخص منها جمعية كيان المتخصصة في هذه الفئة أو على الصعيد الشخصي، بفضل من الله كوني أسرة كافلة لاثنين منهم أحدهم ذو احتياجات خاصة وأسرة صديقة دائمة لاثنين آخرين منذ طفولتهم حتى تجاوزا الآن عمر الثلاثين.

وبالتأكيد أن مجال الأيتام ذوي الظروف الخاصة من أهم المجالات الإنسانية، خاصة وأن الدراسات أشارت إلى أن الأطفال المحرومين من الوالدين أقل ثقة بأنفسهم من العاديين وأن نموهم الاجتماعي أقل مقارنة بالعاديين، مما يؤكد الحاجة لفهم هذه الخصائص وغيرها من قبل العاملين أو المتعاملين معهم.

وقد ذكر د. الرديعان أن هناك 24 جمعية خيرية تختص بالأيتام، وأزيد على ذلك أن العدد وصل إلى حوالي عشرين دار حكومية بعد انتقال بعض الدور إلى الجمعيات الخيرية المختصة برعاية الأيتام، وقد بلغ عدد الجمعيات أكثر من 45 جمعية تتولى رعاية الأيتام من النواحي الاجتماعية، والصحية، والنفسية، والتربوية، وترعى تلك الدور أيضاً أبناء الأسر المفككة بسبب اليتم، أو الطلاق، أو بسبب حالات العنف الأسري أو غيرهما إذا تعذر إقامته داخل أسرته مع الاهتمام باستمرار تواصله بأسرته الأصلية، واعتبار إقامته في الدار بصورة مؤقتة لحين العمل على تحسين ظروفه الأسرية.

وأود بداية أن أسلط الضوء على سيكولوجية اليتيم ذي الظروف الخاصة لفهم أعمق لاحتياجاته، حيث إن وجود طفل غير مرغوب منذ معرفة خبر الحمل أمر لا يمكن تصور بدء المعاناة بمحاولة التخلص منه ومشاعر الذنب والألم والخوف وربما الغضب لدى الأم والتي تكتنف مراحل الحمل والتي تؤثر حتماً في تكوينه النفسي (حتى وإن كانت أحياناً من زواج غير مكتمل الأركان).

حتى تصل إلى لحظة الولادة التي أنتم في غنى عن توضيح ظروفها وملابساتها في غرف غير مخصصة وأماكن غير مُهيَّأة للتخلص منه سريعاً، وقد يكون حسن الحظ أن تم اكتشافه في عيادات المستشفى، حينها تحظى فيه الأم برعاية صحية تجنبه مخاطر فقد الحياة أو الإعاقة. إن هذا التصور لبدء حياة اليتيم الذي قد نعثر عليه في أماكن مناسبة وغير مناسبة أحياناً تضعنا أمام عجز عن إدراك كيف ستكون ملامح شخصيته مستقبلاً لغياب السجل الصحي لأسرته بجوانبه المختلفة وما هي الجينات التي يحملها؟ ووفقاً للبيئة التي تحتضنه في أسرة كافلة محبة أو دار إيوائية تتشكل فيها شخصيته مع بقاء بعض السمات الوراثية التي يصعب التكهن بها.. وعند وصوله لمرحلة الإدراك يبدأ في التفكير المستمر في واقعه المختلف وتزداد معاناته إن لم يجد إجابات واضحة ومدروسة، فقد يسمع روايات متناقضة ممن حوله خاصة في الدور تجعله يعيش ألم الفقد مرات عديدة وتبعاته المريرة في مجتمع يؤمن باسم العائلة والقبيلة في تقييم من الآخرين. إذاً الوضع الاجتماعي لفهد الذي استشهد به د. خالد مختلف تماماً رغم الظروف المؤلمة التي اشتركوا فيها… أرجو أن أكون قد وضحت جزءاً من المعاناة التي لا يمكننا محوها؛ ولكن نستطيع التخفيف منها -بإذن الله- إن أعطيناهم مساحة من الحب والاحتواء.

ومما لا شك فيه أنه قد تكفلت حكومتنا الرشيدة بهم ووفرت لهم سبل العيش الكريم، من منطلق هام وهو اتباعاً لنهجها الإسلامي الذي يحض على رعاية الأيتام والإحسان إليهم واعتبارهم شرعاً كاليتيم فاقد أبويه أو أحدهما، وهذا الأمر قلَّ ما نجده في دول عديدة. فاليتيم المولود في المملكة العربية السعودية من أبوين مجهولين أو أب مجهول يعتبر مواطناً، شأنه في ذلك كشأن بقية المواطنين، ولا فرق بينهم، وجميعهم يخضعون لنظام الدولة، ويحصلون على كافة الحقوق، وعليهم كافة الواجبات.

ويمكن أن أشير إلى بعض الممكنات في واقع الأيتام بالمملكة باختصار ومنها:

  • اهتمام وعناية الدولة بالأيتام ذوي الظروف الخاصة والحرص على دعمهم، ومنحهم الوثائق الثبوتية والجنسية السعودية فور ولادتهم؛ إلا من كانت أمه غير سعودية وتعثر ترحيله معها، فإنه يحصل على إقامة لحين بلوغه سن الرشد، وقد ساهمت جهود وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بشكل كبير في التغلب على كثير من المعوقات والتحديات التي قد واجهت عملية التنشئة الاجتماعية لهم وتوفير الكوادر البشرية المؤهلة والحرص على توفير جميع الاحتياجات المعيشية للأيتام، وكذلك مشاريع التشغيل والصيانة التي تساهم في تهيئة أجواء مريحة للأيتام مع متابعة دائمة، وتقييم مستمر.
  • توفير كافة الفرص لتعليم الأيتام في جميع الأعمار، ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال، وانتهاءً بالتعليم الجامعي والعالي، مع إتاحة الفرصة لبعضهم للالتحاق بالتعليم الأهلي، كان له دور كبير في دعم حياة الأيتام.
  • كما أن فرصة التحاق الأيتام بالابتعاث الخارجي، واستثناءهم بزيادة عدد المبتعثين منهم، قد ساهم في تحفيزهم وسعيهم الحثيث للتميز، والحصول على أعلى الدرجات في التعليم، ونهتم في جمعية كيان بهذا الأمر بصفة خاصة لكونه أهم الممكنات التي تساعده على الاندماج مستقبلاً، وقد أدت العناية بتعليم الأيتام لوجود نماذج متميزة منهم، وظهور قصص نجاح للأيتام يفتخر بها الوطن. ومن المؤسف أن المتميزين والقدوات منهم لا يرغبون الظهور للمجتمع حفاظاً على خصوصيته وتحسباً لنظرة من حوله.
  • إن تطبيق نظام الحياة الأسرية المشابهة للأسر الطبيعية في بعض الدور الإيوائية النسائية، منذ سنوات عديدة والذي يقوم على أساس بناء أسري شبيه بقدر الإمكان بنظام الأسر الطبيعية، ويتضمن تجميع عدد من الأيتام في أعمار مختلفة في مجمعات سكنية تحتوي بيوتاً صغيرة مع أم بديلة مقيمة، قد ساهم في توفير نوع من الاستقرار النفسي والاجتماعي للأيتام، وتهيئتهم إلى حد ما للانتقال للحياة الاجتماعية خارجها بيسر وسهولة.. إلا أن طابع الحياة المؤسسية لا زال يُلقي بظلاله على الكثير منها، وهذا النظام لا يساعد على الإشباع المناسب والكامل لاحتياجات الأيتام الاجتماعية والنفسية والتربوية أو يساعد على اكتشاف القدرات وتنميتها في أحيان كثيرة، رغم ما يُبذَل من جهود، وما يتوفر من إمكانيات مادية وبشرية كبيرة، وذلك لغياب مفهوم الحياة الأسرية والفردية التي يحتاجها الأيتام لاكتمال نموهم بصورة طبيعية لإدراكهم أنها مصطنعة تُقدَّم من خلال موظفين وموظفات قد يغيب عن بعضهم تمثيل القدوة التي تعتبر مؤثراً كبيراً في حياة اليتيم.
  • ورغم ما حظيت به الدور الاجتماعية بتطوير لأسلوب الحياة فيها بصدور لائحة البيوت الاجتماعية الصادرة بالقرار رقم 86 وتاريخ 9/2/1436هـ، والتي تعتبر نقطة تحول في مفهوم رعاية الأيتام، وبصدورها أُلغيت اللوائح الخاصة بدور الحضانة الاجتماعية، ودور التربية الاجتماعية، ومؤسسة التربية النموذجية. وبدأ التطبيق في عام 1441هـ على بعض المناطق لتحويل الدور إلى بيوت اجتماعية لا يزيد عدد أفرادها عن 7 أشخاص موزعة في عدد من الأحياء، مما سيساهم في تنمية وتمكين الأيتام وسرعة اندماجهم في مجتمعهم -بإذن الله- ورغم أهمية هذا النظام؛ إلا أنه لم يتم استكماله لبقية المناطق حتى الآن.
  • ويحظى الأيتام بزيادة فرص تقبل المجتمع لهم، حيث إن الانفتاح على المجتمع، قد ساهم كثيراً في اندماج الأيتام، وعزز فرص نجاحهم، كما أن هذا الانفتاح قد ساهم في زيادة الإقبال على  نظام الكفالة (الاحتضان) الذي يعتبر الأساس والأصل  في رعاية اليتيم، وبالتالي تقليل أعداد الأيتام في الدور الإيوائية، حيث تجاوز عدد الأطفال حالياً في أسر كافلة 10.000 طفل، إضافة لذلك فإن وجود قوائم انتظار للأسر طالبي الكفالة قد تصل إلى أكثر من 3000 أسرة، يعتبر مؤشراً قوياً على تقبل المجتمع لهم، وتأكيداً واضحاً على حدوث وعي إيجابي في مجتمعنا بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، لهم كافة الحقوق وعليهم جميع الالتزامات.

إن الممكنات السالف ذكرها لا تلغي وجود بعض التحديات في الخدمات المقدمة للأيتام التي يمكن معالجتها ومن أهمها:

  • تبني مفهوم الرعائية بدلاً من التنموية، فقد استولى مفهوم الرعاية على أساليب تقديم الخدمات للأيتام منذ البداية، مما جعلهم متلقين للخدمة غير مشاركين بالرأي أو بذل الجهد فيما يُقدَّم لهم إلا في حالات قليلة، وبالتالي ضعف في خطط فردية لكل يتيم تنمي قدراته وتستثمر إمكانياته وتحفزه على المشاركة في تقرير مصيره ومعالجة ما يواجهه من تحديات، مما أدى إلى افتقاد البعض لمعنى المسئولية الذاتية وأصبح إلقاء اللوم من بعض الأيتام على الدار أو مسئوليها بدلاً من الاعتراف بمواطن الخلل في شخصيته. كما أن برامج الأسر الكافلة وأساليب المتابعة تركز في غالبها على الخدمات الرعائية للطفل، ولا تجد الأسر الأقل معرفةً التأهيل المناسب لأساليب التربية لفهم أهمية التنمية لقدرات الطفل وبناء الشخصية المسئولة عن ذاته.
  • كما أن قلة برامج التنمية البشرية لهم من النواحي المختلفة، لكونها عنصراً أساسياً في بناء القدرات المهارية، وبالتالي توفر فرص التمكين الاجتماعي والاقتصادي والأسري لهم، ورغم الجهود المبذولة إلا أنها تظل قاصرة لحاجتها للاستناد على خطط تربوية مهارية مستمرة في جميع مراحل حياتهم، مما يتطلب جهوداً تشاركية كبيرة لتنفيذ برامج التمكين وخاصة من القطاع الخاص، ولقلة الأنشطة التي تساعد الأيتام على الاستقلالية عن الدار منذ طفولتهم، سواء كبرامج تدريبية أو حلقات نقاش أو جلسات دعم فردية، وتواضع الجهود في مجال العمل على ربط الأيتام بأشخاص متميزين ليكونوا لهم قدوة ويتعلمون منهم. ويعد برنامج الأسر الصديقة أحد أهم الأساليب لرفع قدراته وربطه بمجتمعه؛ إلا أنه لم يحظَ بالدعم الكامل ليستفيد منه أبناء الدور.
  • كما تمثل تنقلات الأبناء الذكور بين الدور من دار الحضانة إلى دار التربية، ثم إلى مؤسسة إخاء ثم إلى المجتمع، كل ذلك قد تسبَّب في بتر الجهود التنموية في كل مرحلة من تلك المراحل في حياته عدا ما تُسبِّبه من الكثير من المشكلات النفسية والتذبذب السلوكي لدى الأيتام لعدم الثبات والاستقرار في بيئة واحدة. لذلك فإن للنظام المؤسسي السائد في بعض الدور الإيوائية دوراً أساسياً فيما ظهر لدى بعض الأيتام من مشكلات. والتي تحتاج لوقت طويل لمعالجة تداعياتها.
  • ويلاحظ أيضاً الاحتياج إلى البرامج التي تعالج انخفاض مستوى الدافعية والرغبة في النجاح والإنجاز لدى العديد من الأيتام، والتدريب على إدارة حياته أو أموره المالية. مع التركيز على البرامج التي يمكن أن تُعِد الأيتام لسوق العمل، كالبرامج التأهيلية التي تستهدف الأيتام الذين لم يُقبَلوا في الجامعات، أو برامج إعادة التأهيل للأيتام الحاصلين على شهادات علمية لا تتفق والاحتياج في سوق العمل.
  • إضافة لذلك فإن هناك العديد من الأيتام الذين يتسربون من سوق العمل لأسباب مختلفة، منها عدم قدرتهم على التحمل وعدم ثقتهم بذواتهم، وعدم وعيهم بأساسيات العمل كالقدرة على التعامل مع الآخرين، والدقة في الإنجاز، والانضباط… إلخ أو نقص المهارة اللغوية، وبالأخص أن من أهم متطلبات سوق العمل في الوقت الراهن إتقان اللغة الإنجليزية. ولأهمية هذه الجوانب فقد ركزنا في جمعية كيان عليها في برامج التنمية والتمكين.
  • ولا شك أن استقبال الأطفال العائدين من الأسر الكافلة لتخلي الأسر عنهم بسبب سلوكياتهم السلبية أو لعدم صلاحية الأسر لبقائهم فيها، وخاصة أنهم غالباً يكونون في سن المراهقة الأثر السلبي الكبير عليهم، حيث يجدون معاناة شديدة في التكيف مع النظام المؤسسي الجديد بدلاً من حياتهم الأسرية، وكذلك أثر وجودهم مع الأيتام المقيمين بالدور منذ طفولتهم، مما يعطيهم ردة فعل سلبية تجاه المجتمع الخارجي المتمثل في الأسر الكافلة. إضافة لذلك فإن تجمع عدد ليس بالقليل في الدار الواحدة يعتبر من أهم التحديات التي تحُول دون القدرة على خلق جو أسري صحي مريح، يَسهُل ضبطه، والتحكم فيه بيسر وسهولة.
  • ورغم الحرص على توفير كافة اللوائح والأنظمة التي تُسهِّل العمل، إلا أنه لا زال هناك احتياج كبير في هذا الجانب للوائح التي تحدد حقوق وواجبات العاملين والمقيمين في الدور أو الأنظمة والقوانين الحياتية الممكنة للأيتام، التي يمكن أن تساعد على التنشئة الاجتماعية السوية، وتحقق الرقابة اللازمة، وضبط وتنظيم السلوك، وتقدير سلطة المربين عند الأيتام، وقد ساهم ذلك في ظهور بعض الحالات لأيتام يعانون من قلة الإشباع العاطفي، وانخفاض الشعور بالأمان. مما يؤكد الحاجة إلى برامج الإصلاح والدعم الاجتماعي والنفسي، وتقديم المعالجات السلوكية المناسبة لتلافي ظهور مشكلات سلوكية لدى بعض الأيتام.
  • كما أن القوى البشرية العاملة معهم أو المشرفة عليهم في الدور والجمعيات والأسر الكافلة بحاجة إلى المزيد من برامج التأهيل والمحفزات للعمل معهم ومعالجة تسرب القدرات المتميزة منهم.

إن الحاجة تستلزم وجود معايير ومؤشرات الأداء والتمكين، التي يمكن أن تساعد على حوكمة الخدمات المقدمة للأيتام، وتقييمها تقييماً دقيقاً، للمساهمة في تقليص حجم بعض المشكلات الإدارية والسلوكية التي تواجه اليتيم عند خروجه لمجتمع العمل. كما أن وجود معايير فردية لكل يتيم لتحديد مستوى إنجازه في كل مرحلة من مراحل حياته، مع وجود ضوابط لمكافأة المتميزين منهم. لذا فإن هناك حاجة لوجود معايير لتقييم مستوى الأداء مع كل يتيم.

إضافة لذلك فإن وجود المؤشرات أيضاً في برامج الأسر الكافلة والأسر الصديقة لإيجاد آلية مقننة لاختيار الأسر الكافلة باعتبارها نموذج الرعاية الأول والأفضل لليتيم وربما يساهم ذلك في تقليص الحاجة إلى دور إيوائية مستقبلاً، وتقليل إشكالية عودة الأيتام من الأسر الكافلة؛ حتى لا تتضاعف مسئولية إعادة التهيئة والتمكين لهم وتستنزف جهود العاملين لمعالجة أثر تخلي أسرهم عنهم، وبالتالي ما يحتاجه من برامج نفسية واجتماعية متخصصة تدعم تنميتهم وتمكينهم.

وأود ختاماً الإشارة إلى ما حدث في دار الإيواء بعسير مع التحفظ على آلية المعالجة واستخدام العنف، فإنه لا يمكن لأي شخص إصدار الأحكام إلا بعد اطلاع كافٍ على جميع تداعيات المشكلة ومسبباتها.

ونعلم الاستغلال السيئ إعلامياً لهذه الحادثة، وربما في تحليلي السابق ما يشير إلى بعض من واقع الدور وخاصة في المناطق الأصغر في الكثافة السكانية لتأثير المجتمع المحيط بها بصورة كبيرة وتكوين صوره ذهنية مشوشه وغير واقعية عن تلك الدور قد تدفع بعض الأيتام إلى الخروج على النظام لعدم الوعي أو لنقص في تقدير الذات وغيرها من الأسباب، وكلنا ثقة في عدالة الجهات المعنية تجاه هذه القضية.

  • التعقيب الثالث: أ. موضي الزهراني
  • المقدمة:

بعد الشكر والتقدير لسعادة الدكتور خالد الرديعان على هذه الورقة التي تناولت بعض الخدمات المقدمة للأيتام منذ بداية عهدها، وتسليطه الضوء على الجانب الإحصائي لنشأة تلك الدور، وتطور خدماتها على مستوى المناطق، فإنه لا يخفى علينا جميعاً اهتمام ورعاية حكومتنا الغالية بتوفير الحياة الكريمة للأيتام تحت مظلة رسمية اجتماعية  ألا وهي” وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية “سواء من خلال الدور الإيوائية، أو من خلال  الجمعيات التخصصية، وسوف أقدم  إضافة بسيطة لورقة د. خالد الرديعان  عن الأطفال الأيتام (ذوي الظروف الخاصة) والتي تتمثل في الآتي :

  1. منذ عام ١٣٨٢هـ حددت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قواعد تنظيمية مهمة لرعاية الأطفال الأيتام من ذوي الظروف الخاصة) وهم الأيتام مجهولو الأبوين (والتي تندرج منها المواد التالية حسب أولوية الرعاية من حيث:
  • إجراءات استلام الأطفال الأيتام مجهولي الهويّة من المستشفيات.
  • التسجيل والمتابعة وإجراءات الرعاية داخل الدور.
  • إجراءات الرعاية البديلة وتسليمهم للأسر الحاضنة لهم.
  • إجراءات طي القيد، سواء بالانتقال لدار التربية الاجتماعية بعد بلوغهم سن الثامنة أو التسليم لأسرة كافلة له.
  • الإدارة العامة للأيتام:

توجد بالوزارة الإدارة العامة للأيتام أُنشِئت عام ١٣٧٥هـ وهي: إدارة مختصة بشئون الأيتام داخل الفروع الإيوائية على مستوى مناطق المملكة، أو داخل الأسر الصديقة، وذلك من خلال إدارتين متخصصة وهما:

  • إدارة شئون كفالة الأيتام وهي مختصة باستقبال طلبات الأسر الراغبة في كفالة الأيتام، والأسر الصديقة ويكون ذلك تحت معايير دقيقة تتابعها لجان مختصة من العاملين في هذا المجال.
  • إدارة الرعاية الإيوائية وتعمل هذه الإدارة على تهيئة الاستقرار الأسري السليم للأطفال المشمولين بالرعاية الإيوائية، سواء في دور الحضانة أو التربية الاجتماعية، أو مؤسسات التربية النموذجية وتقديم كافة أوجه الرعاية لهم في جميع المجالات.
  • تزويج الأيتام: ونظراً لأن الوزارة هي الوليّ الشرعي البديل للفتيات اليتيمات ومن في حكمهن، فإن موضوع تربية وتزويج الفتيات من أهم الأعمال التي تقوم بها وكالة الوزارة للرعاية الاجتماعية. حيث وضعت الشروط والضوابط للمتقدم بطلب الزواج من خلال لجنة مختصة بذلك.
  • الجمعيات المختصة بالأيتام:

توجد الكثير من الجمعيات المتخصصة لرعاية الأيتام على مستوى مناطق المملكة، لكن سأذكر منها على سبيل المثال:

  • جمعية الوداد لرعاية الأيتام : alwedad.sa

سعياً لتحقيق مستهدفات رؤية 2030 وضمن ما نصت عليه في جانب تمكين المنظمات غير الربحية، وبهدف تعظيم أثر العمل الصالح وبموجب اتفاقية مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، انطلقت جمعية الوداد كشريك استراتيجي وكأول جمعية سعودية لرعاية الأطفال الأيتام فاقدي الوالديّة دون سن السنتين وإسناد حضانتهم لأسر مؤهلة وذلك عام 1429 هـ وسُجلت بوزارة الموارد البشرية بترخيص رقم 415.

وتقدم خدمات مختلفة مثل الإيواء المؤقت، المتابعة والمساندة، الاحتضان، والتأهيل والتمكين، والتوعية والتثقيف، والاستشارات.

وبالإمكان الاطلاع على موقع الجمعية alwedad.sa ومتجرهم الخيري. كما أن للجمعية خمسة فروع على مستوى مناطق المملكة.

  • جمعية كيان للأيتام ذوي الظروف الخاصة:

تأسست الجمعية عام 2016م، تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ومسجلة برقم 787 رؤيتها التميز والريادة في بناء كيان الأيتام.

  • الرسالة: تحسين جودة حياة الأيتام ذوي الظروف الخاصة وتمكينهم من خلال برامج تنموية وشراكات نوعية ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع.
  • الأهداف:
    • تقديم البرامج الوقائية بما يحقق التوعية المجتمعية للحدّ من تنامي المشكلة والمساهمة في دعم النظرة الايجابية للأيتام.
    • تحويل الأيتام إلى طاقة فاعلة في المجتمع.
    • توفير الإرشاد النفسي والاجتماعي لهم.
    • مساعدة الأيتام على الاندماج في المجتمع.
    • تشجيع ودعم البحث العلمي بما يحقق أهداف الجمعية.
  • النطاق الجغرافي: منطقة الرياض.

وبالإمكان الاطلاع على معلومات أكثر عن الجمعية عبر حسابهم على التويتر @kayan_org والمتجر الإلكتروني store. Kayan.org.sa

  • عرض مشكلات الأيتام من واقع الدراسات المحلية والعربية:
    • لا شك فإن الأيتام ذوي الظروف الخاصة يعانون من مشكلة واحدة على مستوى العالم العربي ألا وهي (فقد الأسرة الطبيعية) وفقد معرفة النسب الحقيقي لهم، وأثبتت الدراسات السابقة بأن هناك فروقاً كبيرة في الجانب النفسي والاجتماعي ما بين الأيتام الذين يعيشون في الدور الإيوائية والذين يعيشون لدى أسر كافلة لهم، لذلك اهتمت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ببرامج الاحتضان منذ سنواتهم المبكرة وأنشأت الجمعيات المتخصصة في هذا المجال في السنوات الأخيرة.
    • تطورت الخدمات المقدمة للأيتام مع مرور السنوات وأصبحت ذات توجه مهني وتخصصي أكثر، مما ساعد على تغير النظرة السلبية للأيتام وساهم في دمجهم بالمجتمع الخارجي، حيث سعت الوزارة إلى التركيز على الشراكات مع الجهات المختلفة لتلبية احتياجات الأيتام المختلفة.
    • من واقع تجربة عمل يومي ومباشر مع الأيتام خلال ١٢ سنة مارست معهم العمل الاجتماعي والنفسي، فإن من أعظم معاناتهم الفقد الحقيقي للوالدين الحقيقين، وإحساسهم بالرفض والنبذ بسبب ظروفهم الاجتماعية، وبالرغم أن هناك نماذج رائعة منهم وحققت نجاحاً ملموساً في مجالات مختلفة، لكن قد لا تنجح البرامج النفسية والاجتماعية  مع فئة منهم،  ولا يكون للخدمات المختلفة المقدمة لهم أثرها الإيجابي على شخصياتهم،  وذلك لافتقادهم للدعم العاطفي، بسبب عدم  الاختيار السليم للعاملين معهم في مختلف التخصصات في مختلف مراحلهم العمرية. حيث كانت إحدى التوصيات التي قدمتها في دراستي عام ٢٠١١م والتي تناولت (مفهوم الذات لدى الأطفال ذوي الظروف الخاصة والأطفال العاديين بمدينة الرياض – دراسة مقارنة) هي: أهمية اختيار العاملين والعاملات في المؤسسات الإيوائية، وأن يكونوا على درجة من النضج، والخبرة، والتأهيل العلمي، والقدرات الشخصية المؤهلة مع هذه الفئة.

وما زلت أطالب بأهمية هذه التوصية من واقع تجربة لدورها العظيم في بناء شخصياتهم، واحتواء معاناتهم الاجتماعية، وإشباع فقدهم للأسرة الطبيعية. والتي لا تعوضها أي خدمات مادية في حال الافتقاد لها.

  • المداخلات حول القضية
  • مشكلات الأيتام في الواقع السعودي.

إن السرد التاريخي للخدمات التي تقدمها المملكة للأيتام ومجهولي الوالدين والمشار إلى بعض منها في الورقة الرئيسة والتعقيبات يعكس الاهتمام الكبير على المستوى المؤسسي، والذي يستهدف معالجة الظروف التي يعيشها أفراد هذه الفئة، كما أنها تطرقت لجوانب أساسية ترتبط بالظروف والإجراءات والأنظمة التي شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، بهدف رفع مستوى جودة الخدمات المقدمة، وتغطية الاحتياجات الخاصة لهذه الفئة.

ومع هذا لا يزال الأيتام يواجهون عددًا من المشكلات التي تعترض اندماجهم في الواقع العلمي. حيث يواجه الأيتام لا سيما الأيتام ذوي الظروف الخاصة (مجهولي الأبوين) مشكلة تنعكس بالسلب على حياتهم الاجتماعية وهي مشكلة الاسم، فعلى الرغم من صدور أمر ملكي بإضافة أل التعريف قبل أربع سنوات؛ إلا أنه لم يُطبق إلى الآن ولا يزال تحت الإجراء! ورغم أنه يعد أمراً بسيطاً لا يؤثر في اندماج اليتيم؛ لكنه بالنسبة للأيتام يعتبر أملاً كبيراً أن يضيفه رسمياً في بطاقته، بدلاً من أن يضيفه كذبًا أمام الآخرين.

كما أن من أشد المشكلات التي تواجه مجهولي النسب هو عدم معرفتهم بنسبهم الحقيقي وخاصة حين يصلون مرحلة المراهقة، كما أن من الهموم الأخرى التي تواجه الأيتام عندما يبلغون سن الزواج تفضيلهم الزواج من خارج المملكة على الزواج ممن بنفس ظروفهم! وحسب إحدى الدراسات التي تناولت (صعوبات الزواج لدى ذوي الظروف الخاصة) عام ٢٠١٥م كان من إحدى النتائج رفضهم للأسرة البديلة بعد مرحلة البلوغ ودخولهم مرحلة الصراع لإثبات الذات والهويّة الاجتماعية، مما يدفعهم للزواج المبكر بهدف إشباع حاجتهم لتكوين أسرة قد تعوضهم معاناة فقدانهم لأسرهم الحقيقية؛ لكنهم للأسف يدخلون في صراعات أشد وقعاً عليهم لمواجهة حياة جديدة لم يؤهلوا تأهيلاً شاملاً لاحتواء متطلباتها النفسية والاجتماعية والجنسية!

  • معوقات الرعاية المؤسسية والمجتمعية للأيتام.

يُقصَد برعاية الأيتام “كفالة الطفل اليتيم وتوفير الاحتياجات الأساسية له ومتطلبات العيش كأنه في أسرة طبيعية”.

وتذهب بعض وجهات النظر إلى أن مشكلة الأيتام بالرغم من خدمات الدولة العديدة لهم تنحصر في الآتي:

  • آلية اختيار العاملين معهم خلال سنوات مراحلهم العمرية المبكرة والمتقدمة.
  • نوعية البرامج المقدمة لهم داخل الدور وآلية تنفيذها، وآلية وثبات إشراف الإدارة المختصة عليهم.
  • عدم ثبات الكفاءات المميزة معهم خلال سنوات عمرهم، مما تتسبب في معاناتهم المستمرة من قلق الانفصال!
  • عدم الاهتمام باعتماد برنامج تعريفهم بواقعهم الاجتماعي سواء داخل الدور أو في الأسر الكافلة (وهذه المعاناة تعتبر من أقوى الصدمات التي يواجهونها في حياتهم وقد تكون فجأة، مما يتسبب لهم في انتكاسة نفسية ينتج عنها اضطرابات نفسية وسلوكية) تسيء لجميع أوجه الرعاية والخدمات المقدمة لهم!!
  • سهولة تنقلهم ونقلهم من دار إلى، إما بسبب التقدم في العمر أو بسبب إيقاع عقوبة ما عليهم، وهذا من أسوأ أساليب التعامل معهم التي ينتج عنها سلوكيات ذات اضطرابات حادة لا يمكن تداركها بسهولة!

ويلاحظ أن كبر حجم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وتعدد مسؤوليات إشرافها على المؤسسات والدور والضمان وكذلك الجمعيات الخيرية، ساهم في ضعف تطبيق ومتابعة ما يتم طرحه عليهم من رؤى وخطط وبرامج تطويرية تتعلق بالأيتام. بالإضافة إلى التغيرات المتعددة والمتلاحقة في الهياكل الإدارية والتنظيمية مع تغيّر الحقب الوزارية.

ولا يوجد إلى اليوم معايير مهنية وثابتة من حيث اختيار العاملين مع الأيتام، خاصة من حيث المهارات الشخصية والنضج والوعي تجاه التعامل معهم منذ مراحلهم المبكرة؛ وإن كانت التخصصات من خدمة اجتماعية وعلم نفس موجودة!

إلى جانب أنه لا يوجد مرونة في ثبات القدامى من العاملين معهم عندما يتم حصولهم على الترقيات، فمن السهل انتقالهم واستبدالهم بكوادر أخرى بين يوم وليلة تكون مُحمّلة بخبرات مختلفة جداً عن بيئة العمل مع الأيتام.

ومن ناحية أخرى، يبرز التساؤل المهم: هل قمنا كمجتمع بتنفيذ التوجيه الكريم {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى، الآية 9) هذا التوجيه الرباني لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضيق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك. مع الأخذ بالاعتبار جهود الدولة الكبيرة نحو الأيتام بكافة أعمارهم وأجناسهم وفئاتهم. وفي هذا الصدد تذهب بعض الآراء إلى أننا نفتقد التوعية في تحقيق التوجيه الرباني بكافة جوانبها الديني والاجتماعي والاقتصادي. نعم لقد قام المجتمع المدني بجهود في السنوات الأخيرة من خلال الجمعيات الخيرية المتخصصة لخدمة الأيتام فهي جهود تُذكر فتُشكر. والتوعية المقصودة هنا ليست الدينية فقط بل التوعية بالجوانب الاجتماعية المتعلقة بالأيتام على تنوعها، وكذا الجوانب الاقتصادية التي تبذلها الدولة لتجنب المُسبِّب الأساس في وجود اليتيم في ظل الانفتاح الكبير والمثير للشهوة الجنسية والاتصال للجنسين بالثقافات المتحررة. ثمة تقصير كبير نظراً لحساسية الطرح التوعوي للمسببات، بجانب أهمية نشر بل وتعليم الثقافة الجنسية للجنسين في التعليم الثانوي. كوننا في عصر يُلزمنا بذلك، خاصة مع توفر وسائل الاتصال بين أفراد المجتمع، ثم يلزم التأكيد على دور التوعية المجتمعية.

  • خصوصية قضية الأيتام مجهولي الأبوين.

تكتسب مناقشة قضايا الأيتام ومشكلاتهم خصوصية شديدة لا سيما مع فئة مجهولي الأبوين، المودعين في ‏مؤسسات الرعاية الرسمية، تبعاً لمتغير العمر والجنس، وتبعاً لارتباط هذه المؤسسات بالحكومة ‏ووزارة الموارد البشرية بشكل مباشر، أو المرتبطة بالجمعيات الأهلية التي تشرف عليها ‏الوزارة، وتضلع المؤسسات الأهلية بجهود نوعية ولها أثر جيد على مستوى ساكني هذه ‏الدور، أو على المستوى المجتمعي، بصفة عامة.‏

والواقع أن قضية تزايد أعداد “مجهولي الأبوين” لها جانب وقائي يخفف منها لم نلتفت له بما يكفي، وذلك لخفض أعدادهم مستقبلاً، فهذه المشكلة ترتبط “بالحمل السفاح” في الغالب مما يترتب عليه مواليد يُرمى بهم على أبواب المساجد لتتخلص منهم أمهاتهم خوفاً من الفضيحة وتبعات الحمل غير القانوني. والمقترح في هذا الصدد من جانب البعض عدم التشدد في مسألة الإجهاض في شهور الحمل الأولى التي تسمح بالإجهاض طبياً، وأن تُخصص عيادات استشارية لهذا الغرض تلجأ إليها من تورطت بحمل سفاح ولا تستطيع التصرف بالجنين، ولا تقتصر التوعية على البنات بل على الأولاد أيضاً، وذلك بتوفير وسائل صحية لمنع الحمل كالواقي الذكري الذي أيضاً يحد من انتشار الأمراض الجنسية بين المراهقين والمراهقات. يضاف إلى ذلك مقترح آخر يتمثل بعدم استقدام عاملات منزليات بسن الإنجاب، وذلك باشتراط عمر معين للشغالة يحدده الأطباء فهم أعلم بالسن الذي لا تنجب فيه المرأة.

وفي السياق ذاته فإنَّ رمي الأم لجنينها بغرض قتله عادة -رغم معرفتها بأبيه أحياناً- جريمة جنائية كبرى ترتكبها المرأة للهروب من جريمة اجتماعية، وهنا يكون الضحية هذا المولود (ذكراً أو انثى)، والذي سيعيش عموماً حياة قاسية معنوية في غالبها نتيجة مجهولية الأبوين، الأمر الذي يتطلب دراسات علمية متكاملة، شرعية، وتشريعية، واجتماعية، ونفسية وحتى سياسية، للتعامل مع هذه الحالات التي باتت ظواهر منتشرة، بل وأحياناً مشكلات اجتماعية. تتطلب الحل!!

ويلاحظ أن جميع هذه التعقيدات والمشكلات المتعلقة بقضية “مجهولي الأبوين” ترتبط غالباً بقضية “العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج” وهو ما يوجب كتوصية مقترحة التحذير من هذه العلاقات وبيان ضررها الاجتماعي والنفسي فوق أنها محرّمة، وضرورة الإعلاء من شأن الزواج الشرعي، خاصة في ظل بعض الكتابات والنزعات المتنامية عند الجنسين التي تقلل من شأن الزواج وأنه قيد وله سلبيات، مما يفتح الباب للعلاقات المحرّمة وما يترتب عليها.

  • إدماج الأيتام ومن في حكمهم في المجتمع مبكراً.

تقع المسئولية الأولى لإدماج الأيتام ومن في حكمهم في المجتمع مبكراً ومِنْ مرحلة الطفولة المبكرة على المربين والمربيات في الأسر البديلة والمشرفين والمشرفات على دور ومؤسسات الأيتام في التركيز في تربيتهم على كل ما يدعم ويعزّز ثقتهم بأنفسهم ويقوي شخصياتهم، إلى جانب العمل على إشراكهم في الفعاليات والأنشطة المجتمعية من دون أي تمييز، وإعلاء الجانب الإيماني والقيمي لذواتهم وضرب الأمثلة باستمرار بالقدوات العظيمة من الأيتام الذين كان لهم أدوار بارزة في حياة الأمم والحضارات وعلى رأسهم رسول الهدى عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي كان يتيم الأبوين منذ صغره.

وحبذا لو كانت هناك آلية شكلية معيّنة لتسمية الدور بأسماء أكاديميات أو معاهد شخصيات وطنية معروفة بعيداً عن مسمى دور الأيتام أو الرعاية الاجتماعية، والعمل على تنفيذ مقترح تعديل الأسماء الأخيرة (للعائلة) لهم بدلاً عن الاسم المفتوح بلا تعريف.

وتعد إمكانية دمج الأيتام أيضاً في المجتمع مبكراً، ومن مرحلة الطفولة المبكرة من أولويات الوزارة من خلال أقسام الأسر البديلة الموجودة في مكاتب الإشراف الاجتماعي النسائي سابقاً على مستوى المناطق، ومن خلال جمعية وداد حالياً والمتخصصة في كفالة الأيتام خلال السنتين الأولى من عمرهم.. حيث إن احتضان الأطفال لدى أسرة مستقرة وذات كفاءة عالية لاحتضان وتربية طفل يتيم من أهم البرامج الداعمة لهم نفسياً واجتماعياً ويبعدهم عن الكثير من المشكلات النفسية التي يعانون منها خلال وجودهم لسنوات متقدمة من عمرهم في الدور الاجتماعية.

ولعل أحد أفضل مجالات الاندماج للأيتام مبكراً في الدور من خلال برنامج الأسر الصديقة؛ حيث يتاح لمن ترغب من الأسر المناسبة بعد دراسة حالتها أن تكون أسرة صديقة لطفل تستضيفه في نهاية الأسبوع أو الإجازات والأعياد ليعيش معهم الحياة الطبيعية ويرى أمامه فعلياً نموذج الأسرة بأدوارها المختلفة، بشرط الالتزام في الاستمرار في هذه العلاقة التي قد تتحول مستقبلاً إلى علاقة دائمة كأسرة بديلة، وقد حدث هذا كثيراً للعديد من الأسر. والشواهد كثيرة لأيتام ناجحين في حياتهم بسبب وجود أسر صديقة محبة استمرت معهم حتى سنوات حياتهم بعد زواجهم وخروجهم من الدور. والتصور أن هذا البرنامج من أهم أبواب فعل الخير والتطوع إذا وجدنا أسرة واعية بهذا الهدف وقادرة على تحقيق البديل الأسري لمن حرموا من الاحتضان. وما يميز هذا الأمر أن للطفل حرية الاستمرار مع الأسرة من عدمه إن لم يجد الارتياح النفسي فيها. ولذلك تتطلب دراسة واختياراً جيداً للأسرة ومتابعة مِنَ الدار لكل التغيرات والأحداث التي تحدث للطفل فيها، بما يعزز الإيجابيات لهذا البرنامج وتلافي السلبيات.

ويرى البعض في نظام دور الإيواء الذي تغير إلى نظام البيوت الاجتماعية – الذي لم يُستكمل تطبيقه في جميع المناطق – والذي يقوم على توزيع الأيتام داخل الأحياء الجيدة في فيلا بكل حي لا يتجاوز عدد الموجودين بها عن سبعة أيتام مع أم بديلة مقيمة، هو الحل الأساسي لاندماج الأيتام داخل المجتمع وتوفير الحياة الطبيعية لهم، ويبني شخصيات قادرة على تحمل المسؤولية مبكرًا، ومن خلاله سيسهل تنفيذ برنامج الأسر الصديقة وتكوين علاقات مع الجيران ويمارسون الاستقلالية الكاملة في توفير احتياجاتهم. وهذا النظام يُعدُّهم للحياة بعد زواجهم، ويتطلب وجود أمهات أو آباء قدوات وآلية متابعة غير مباشرة في غالبها، والأهم في كل البرامج مع الأيتام الاختيار الجيد للعاملين وتأهليهم تأهيلاً جيداً لممارسة تلك الأدوار الحساسة والمؤثرة في شخصيات الأيتام.

ومن جانب آخر، فإن إدماج الأيتام بالمجتمع من خلال المدارس الحكومية وغيرها لا شك أنه ضروري جداً، ولكن المشكلة في كيفية اختيار تلك المدارس ونوعية المعلمين والتربويين والمرشدين الطلابيين فيها، بالإضافة للحي الذي يحيط بالمدرسة وربما تكون المدارس النموذجية خياراً جيداً في هذا الصدد.

  • توسيع مفهوم كفالة اليتيم كوسيلة لحل مشكلات الأيتام.

تذهب بعض الآراء إلى أننا بحاجة لتوسيع مفهوم كفالة اليتيم إلى المعنى الأوسع والأشمل، ليمتد لرعاية اليتيم ماديًا ونفسيًا واجتماعيًا وتربويًا، بما في ذلك حفظ حقوقه، وسماع اقتراحاته، وإشباع رغباته الشرعية، واحتضان موهبته. وهذا لن يكون إلا عبر ارتباط الجمعيات الخيرية المستقلة برعاية الأيتام بآلية موحدة تحت مظلة واحدة ولتكن جهة رئيسة شبيهة بجمعيات رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

وبالتأكيد فإن من أهم الأمور التي تدعم عمل الجمعية وتدعم برامجها ومشاريعها التنموية لرعاية هؤلاء الأيتام هو توفر الموارد المالية واستدامتها. لذلك أكثر ما واجهناه في هذه الناحية هو أن هناك من يفضل أن يعطي أمواله للأيتام السعوديين فقط، أو يجعلها مشروطة. هذا من جانب التبرعات، ومن جانب آخر فإن هناك بعض حالات لأسر تحتضن اليتيم طمعًا في المعونة المالية المقدمة لهم من الدولة، ولكن للأسف بعد ذلك تسيئ معاملته أو ليس لدى أفرادها الدراية الكافية بأسلوب التربية الصحيح لاحتضان هذا اليتيم؛ وهذا يزيد من معاناته.

وفي هذا السياق يمكن تكثيف حملات كفالة اليتيم من خلال الأسرة الصديقة لرعاية اليتيم؛ فمفهوم الأسرة في أعين الأيتام (فاقدي الأبوين ومجهولي النسب) مفقود، والاحتواء هو المطلب الملح لهم، والأجر الذي يرجوه كافل اليتيم سيتحقق له لمتابعته الشخصية بتربية هذا اليتيم ومواصلة تعليمه ومساعدته في الحصول على عمل، ومصاحبته عند التقدم للزواج.

أما معايير اختيار الأسرة الحاضنة لليتيم فهناك شروط محددة عامة تتضمن أن تكون الأسرة سعودية، ولا يزيد عمر الأم عن ٥٠ عاماً وتثبت صلاحيتها من النواحي الاجتماعية، وأضيف مؤخراً الوضع الاقتصادي ويتم الفحص النفسي والأمني والمخدرات، وتتم الدراسة الاجتماعية بناءً عليها، وتم تطوير هذه الإجراءات مؤخراً.

ويمكن العمل على منح بطاقة (يتيم) لليتيم أسوة ببعض الفئات إن لم يكن ذلك معمولاً به حالياً؛ لتكون هذه البطاقة بطاقة تصريح لليتيم لدخول المهرجانات كالمباريات وأماكن الترفيه في الأماكن العامة مجانًا. كما تخول اليتيم للحصول على تخفيض رسوم الخدمات كالطيران والمستشفيات والمدارس الأهلية، إضافة لخدمات الهاتف والكهرباء، وفق آلية معينة توضع لهذا الغرض، بعد وضع تنظيمات وضوابط خاصة بالأيتام، أسوة بالمعاقين.

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأسر الكافلة التي وصلت مؤخراً إلى أكثر من ٩ آلاف أسره تحتضن حوالي ١٠ آلاف، وهذه الإحصائيات لم تصدر بعد لتكون دقيقة، أما الأسر الصديقة فلا يوجد عدد مؤكد، وتظل نسبة بسيطة وتحتاج إلى تقنين؛ لأن الأسرة الصديقة المؤقتة والتي ترتبط لفترة بسيطة وتترك اليتيم وفق مزاجها يتألم لفقدها، تختلف عن الأسرة الصديقة الدائمة، والأمر يحتاج إلى اهتمام أكبر من الوزارة لقياسها بمستوى التأثير على حياة اليتيم.. وإلى الآن لا يوجد نظام يحكمها وجميعها إجراءات اجتهادية. ولذلك تغيب الدراسات عن هذا الجانب والاحتياج كبير لها. ويوجد مراقبة على الأسر من خلال أقسام الأسر الكافلة بفروع الوزارة ولكنها غير كافية.

  • الصحة النفسية للأيتام وسبل رعايتها.

أكثر ما يجب الالتفات له هو الصحة النفسية للأطفال الأيتام من اللحظة الأولى لإيداعهم في مؤسسات الرعاية، واستمراراً بعد ذلك سواءً استمر اليتيم في المؤسسة أم تمت كفالته لدى أسرة حاضنة أو أسرة صديقة وعليها ينبني كل شيء، قبول الشخص لذاته وثقته بنفسه وتقديره لذاته وفهم واقعه والتعامل الفردي مع الآخرين ومع المجتمع والاندماج فيه، دون التقليل من أثر أي عوامل أخرى.

حكومة المملكة العربية السعودية كفلت هؤلاء الأيتام وقدمت لهم كثيراً مما يحتاجه الطفل الناشئ وأعطتهم الجنسية السعودية، مما كفل لهم جانباً من الاستقرار بالطبع، وتغدق عليهم مادياً وكلنا نشهد بذلك، مشكلتنا في جانب كبير منها يتعلق بالتربية النفسية الاجتماعية والمنهجية في معالجة وضعهم الاجتماعي الحساس في مثل مجتمعنا، ولعل أول المداخل لذلك هن المربيات أنفسهن، هل هن مقتنعات ببراءة هؤلاء الأطفال الأيتام من مجهولي الهوية؟ كثيراً منهن يحملن في داخلهن ما يتعارض مع العمل الذي يقمن به وقد ينعكس ذلك على التعامل. قبول المربية العمل في المؤسسة يجب أن يعتمد على عوامل شخصية ومهنية ومستوى علمي يسمح بتدريبها لهذه المهمة التي ستقوم بها، عملها ليس سهلاً أبداً!! وحول المربية أيضاً نجد أن تبدلها وانتقالها إلى عمل آخر أو مؤسسة أخرى هو حدث مؤلم جداً للأطفال!! إنه يُتم جديد، وهذا يحدث كثيراً بالطبع، كما أنه يحدث أحياناً نقل الأيتام من بلد إلى بلد آخر لأسباب منطقية أو غير منطقية، يُتم من جديد، وأكثر ما يعاني هذا الُيتم هم الذكور الذين ينفصلون عن النساء كأمهات في دور جديدة يديرها الرجال. ثم إن المنهجية التي نخطط لها لتربية هؤلاء الأطفال تحتاج إلى إعادة نظر، وبقوة! كما نحتاج لوضع معايير للمربية، ومعايير للمكان، ومعايير للأسرة الحاضنة حتى لا يكون ضم الطفل لأسرة تطمع في كرم الدولة فقط؛ فبجانب الشروط المحددة من الجهات المختصة، نحتاج إلى بناء معايير مفصلة لقبول الأسرة كأسرة حاضنة كما أن هذه الشروط قديمة قِدم الأيتام أنفسهم إلا فيما يتصل بالوضع الاقتصادي.

  • آليات مقترحة لمعالجة قضايا الأيتام في المملكة العربية السعودية.

إن البحث والتحليل لقضية الأيتام يتطلب المنظور العلمي المتكامل، وهذا ما لا تعمل عليه كثير من الأبحاث الأكاديمية، والتي تتسم بالتحليل من المنظور العلمي المتخصص، والواقع أن فهم الظاهرة المبحوثة يتطلب تحليلها من خلال البيئتين: الداخلية والخارجية، وفي البيئة الخارجية يتم بحث الظاهرة موضوع الدراسة وفق المنظور: السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، التقني، القانوني، البيئي، كإطار شامل للظاهرة، ومن هنا يكون التشخيص شاملاً، ثم بناء تصور لأفضل الحلول، ومناقشة تطبيقه، والأثر المتوقع منه!!

وبصفة مبدئية نحتاج إلى تعريف “اليتيم” orphan بشكل دقيق، فهو في الأدبيات الغربية يشير إلى من فقد كلا والديه، في حين أنه في ثقافتنا العربية يشمل من فقد أحدهما.

وبالنظر إلى أن غياب أو ضعف الالتزام بالمعايير الأساسية لبناء نظام مؤسسي متكامل وشامل لدور الإيواء، يشكل فجوة وثغرة كبيرة في استقرار واستمرارية جودة الخدمات والرعاية المقدمة لهذه الفئة. وتعد المعايير حجر أساس في تخطيط الخدمات المقدمة، بدءاً من البنية التحتية ومواصفات المباني والمرافق وغيرها، إلى مواصفات العاملين وتأهيلهم المستمر، ثم إجراءات التطبيق والمتابعة والتقييم، وقياس جميع ذلك بمؤشرات الأداء.

معايير دور الإيواء هي معايير دولية مطبقة في كثير من الدول الغربية والعربية، ويمكن الاستعانة بها في بناء نظام مؤسسي مستدام ومرن وحيوي يقابل الاحتياجات المحلية والمتغيرة.

النهج الشمولي الذي يستهدف التكامل في عمل القطاعات المختلفة ذات العلاقة برعاية الأيتام ومجهولي الوالدين، كذلك وعلى مستوى آخر، الشمولية في فهم وتحليل، ثم تحسين ما يقدم من خدمات ومن علاج للمشكلات التي تظهر في دور الإيواء…فالمشكلات نتيجة لظروف متعددة ومعقدة، لا يمكن إلقاء اللوم فيها على العاملين فقط ولا النزلاء فقط ولا الجهات المقدمة للرعاية… التشبيك والتكامل في العمل، يمثل دون شك أحد مفاتيح النجاح.

أيضاً فإن النجاح في التعامل مع الإشكالات التي تواجه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يكمن في التخصص والتركيز واتباع استراتيجية واضحة المعالم لا تتغير بتغير القيادات الإدارية، إلى جانب فصل الشؤون الاجتماعية عن شؤون العمل والتوظيف، وكذلك العمل على الاستقلالية التامّة للجمعيات والمؤسسات الخيرية عن الوزارة. وهذا الإجراء سيساهم في التركيز أكثر على قضايا الرعاية والخدمات المقدمة للفئات الاجتماعية المختلفة ومنها فئة الأيتام.

وفي تصور البعض فإن إعادة فصل الشؤون الاجتماعية عن وزارة الموارد البشرية لتقوم بدورها الإنساني الواجب عليها تجاه قضايا المجتمع بشكل كامل ومنها قضايا الأيتام ومجهولي الأب والأم وهي لا شك واجبات مجتمعية وليست منة أو فضلاً من الجهات الحكومية المختصة وخاصة في دول الرفاهية والوفرة المالية كما نحن فيه ولله الحمد والمنة، ويمكن الاستفادة مما هو موجود من تجارب مميزة في دول أوروبا وفي مقدمتها بريطانيا العظمى.

وربما يكون من المناسب العمل على ضم كل ما يخص الجمعيات الأهلية الخاصة برعاية الأيتام والأيتام ذوي الظروف الخاصة تحت مظلة ومرجعية واحدة وتعمل بآلية موحدة أسوة بالمعاقين؛ لتوحيد الجهود المبذولة وتكاملها ووضع قاعدة بيانات موثوقة (للأيتام والعاملين)؛ تكشف أهم التحديات ومناطق الخلل وتعالجها بخطوات وقائية وعلاجية.

ولا يجب إغفال مسألة إعداد الكوادر العاملة في دور الأيتام وتدريبهم على حسن التعامل مع نزلاء الدور، باختلاف أعمار النزلاء وكونهم ذكورًا أم إناثًا. ينبغي أن تتوفر في الكوادر كفايات العمل وأخلاقياته. ومن الضروري أن تكون تخصصاتهم في الخدمة الاجتماعية social work أو علم النفس.

وثمة أهمية لتفعيل دور اللجنة المكلفة بالزواج في الوزارة من خلال الاهتمام بكفاءة ومهارة المختصين القائمين عليها والمناط بهم العديد من المهام التي يمكن أن تسهم في تأهيل الأيتام تأهيلاً سليماً للالتحاق بالحياة الزوجية (خاصة أنهم يفتقدون لنموذج الوالدية الطبيعية أمامهم طوال سنوات حياتهم)!

  • التوصيات
  • الرفع لصنّاع القرار بطلب إعادة النظر في دمج وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مع وزارة الموارد البشرية؛ لأهمية التركيز على قضايا الفئات الاجتماعية بمختلف مجالاتها ليتسنى تحسين وتطوير وتجويد العمل.
  • إنشاء هيئة مستقلة للأيتام ويكون تحت مظلتها جميع الجهات التي ترعى الأيتام بهدف توحيد آلية المتابعة والخطط والبرامج.
  • إعادة النظر في الأنظمة التي تهتم بحقوق وحماية الأيتام مثل نظام الحماية من الإيذاء ونظام مكافحة التحرش وتبني النهج الحقوقي في تصميم برامج الرعاية للأيتام ومجهولي الوالدين، وضبط المراقبة من قبل الجهات المختصة وهيئة حقوق الإنسان.
  • بناء معايير جودة الأداء في مؤسسات رعاية الأيتام ومجهولي الوالدين، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
  • بناء معايير مرنة لاختيار ومتابعة الأسر الكافلة بما يحقق استقرار اليتيم وعدم عودته للدار والسماح للسيدات باحتضان الأطفال الأيتام، وإن لم تكن متزوجة أو مطلقة بدون أطفال طالما لديها القدرة النفسية والمادية للرعاية.
  • إعداد وتأهيل الكوادر العاملة في دور الأيتام من خلال تعيين خريجي أقسام الدراسات الاجتماعية والنفسية وتدريبهم من خلال دورات مكثفة في كيفية التعامل مع أبناء الدار.
  • إدراج حصص وجلسات تهيئة نفسية واجتماعية في دور الرعاية لزيادة ثقة الأيتام بأنفسهم وتقبل وضعهم وردم الفجوة بينهم وبين المجتمع، مما يسهل عملية اندماجهم بالمجتمع لاحقاً.
  • ترخيص وتطوير صندوق وقفي باسم “صندوق الأيتام الوقفي” لدعم الأيتام في مراحل النمو المختلفة ودعم الأسر المحتضنة للأيتام وإتاحة الفرصة للمانحين للتبرع لصندوق الأيتام الوقفي وتطوير استراتيجية للصندوق تهدف إلى تمكين الأسر المحتضنة ودعمهم لتحسين جودة حياة الأيتام وحفظ كرامتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وبمجتمعهم وتنمية مسيرتهم الحياتية، بما في ذلك المساعدة في زواجهم وبناء أسر مستقرة.
  • تحفيز رجال الأعمال لتوظيف الأيتام مجهولي الأبوين المتميزين وذوي الكفاءات وإتاحة الفرصة لهم في العمل في كافة القطاعات مثل العسكرية والخارجية.
  • نشر برنامج الأسر الصديقة من خلال مجموعة من المعايير الملائمة وتحفيز أفراد المجتمع في المشاركة به.
  • القيام بدراسات لبناء تصور استراتيجي وصفي واستشرافي شامل لظاهرة مجهولي الأبوين.
  • الاهتمام بالجانب الوقائي والتوعوي للحد من تزايد أعداد الأيتام من ذوي الظروف الخاصة.
  • المصادر والمراجع
  • حنان أسعد خوج: تصور مقترح لتطوير أساليب رعاية الأيتام بالسعودية في ضوء اتجاهات بعض الدول العربية: دراسة مقارنة، مجلة العلوم التربوية، العدد الرابع، ج1، أكتوبر 2014م.
  • عمر بن محمد المعمر وآخرون: واقع احتياجات الأيتام بالجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بالمنطقة الشرقية “بناء”، جامعة الدمام، 2014م.
  • معن التنجي: الأيتام العرب والمؤشرات اليتيمة، ورقة بحث حول إطلاق مقياس احتياجات اليتيم في المنطقة العربية، مركز سبر، 2015م، https://www.sabr-sp.com/ar/home
  • صفاء الجمعان وآخرون: مشكلات الأيتام داخل دور الدولة وخارجها، مجلة أبحاث البصرة (العلوم الإنسانية)، المجلد (37)، العدد (3)، السنة 2012، ص ص 319-344.
  • إبراهيم إسماعيل عبده محمد: نماذج من تجارب رعاية الأيتام في العالم العربي، المؤتمر السعودي الأول لرعاية الأيتام، الرياض 26-28 إبريل 2011م.
  • أمل صالح الدحيات: دراسة مقارنة في السمات الشخصية للأيتام الذين ترعاهم المؤسسات الاجتماعية والأيتام الذين ترعاهم أسرهم، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة مؤتة، 2007م.
  • أنيس عبدالرحمن عقيلان أبو شمالة: أساليب الرعاية في مؤسسات رعاية الأيتام وعلاقتها بالتوافق النفسي والاجتماعي، كلية التربية، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الإسلامية – غزة، 2002م.
  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. خالد الرديعان
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. الجازي الشبيكي
  • التعقيب الثاني: أ. سمها الغامدي
  • التعقيب الثالث: أ. موضي الزهراني
  • إدارة الحوار: د. مها العيدان
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د محمد الثقفي
  • د وفاء طيبة
  • د مها المنيف
  • أ فهد الأحمري
  • أ فاضل القرني
  • أ عبدالرحمن باسلم
  • د زياد الدريس
  • أ احمد المحيميد
  • د فوزية البكر
  • د خالد بن دهيش
  • د هند خليفة
  • د علي الطخيس
  • د مساعد المحيا
  • د صالحة آل شويل
  • أ عبدالله الرخيص
  • د خالد المنصور
  • د عبدالرحمن العريني
  • د عبدالله العرفج
  • د هناء الفريح
  • د محمد المقصودي
  • أ فهد القاسم
  • أ فايزة العجروش
  • د فايزة الحربي
  • د عبير البرهمين