مايو 2015م
ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر مايو 2015م موضوعات متعددة حول الأحداث الجارية، وبعض القضايا الفكرية ومنها: حال الرجل السعودي والمرأة، والأوامر الملكية الأخيرة وتداعياتها، والصحافة المحلية والمتلقي. إضافة إلى موقف عمان والخليج، وحرية الصحافة، وعملية ثأر نجران، ومراكز بحوث الـ (think tank) .
كما ناقش أعضاء المنتدى قمة كامب ديفيد ونتائجها، والعلاقة بين الدين والدولة، ورعاية كبار السن، وأوضاع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات. كما طالت الحوارت مواضيع: الأحكام القضائية في مصر، وتداعيات تفجير القديح والطائفية والإرهاب.
الصحافة المحلية والمتلقي
فحول العلاقة بين صحافتنا المحلية والملتقي ذكر الأستاذ مسفر الموسى بأننا صرنا نحاكم الصحافة في ضوء قدرتها على تقديم مواد دعائية، وليس قدرتها على تقديم مادة صحافية. واعتبر الأستاذ عبدالله الضويحي أن مستوى المتلقي ارتقى بينما لم يرتق مستوى بعض القيادات الصحفية، متأسفاً من حال الصحافة التي لا زالت تتعامل مع المتلقي كما كانت تتعامل معه قبل 30 عاماً. واتفقت الدكتورة عائشة حجازي معه مبينة أن ذلك أدى لعزوف جماعي عن قراءة الصحف.
الدكتور عبدالله الحمود قال بأن الصحافة المطبوعة (أو ما بقي منها) عندنا، تجيد إجمالا التعبير الموضوعي عن عقلية جمهورها وتطلعاته وميوله، وهي تعرف جيدا كيف تعبر عن ذلك بمهارة عالية على الرغم من بعض هفواتها كما فعلت صحيفة الحياة في عرض إنجازات الأمير محمد بن سلمان. مضيفاً: أعتقد أن المشكلة ليست هنا ، وإنما الإشكال في ظني متعلق بمدى معرفتنا للجمهور الذي تستهدفه الصحافة المطبوعة، فهي لم تعد تستهدف الجمهور كما تعرفه دراسات الإعلام والاتصال، بل إن لها جمهورا نوعيا بينها وبينه علاقة نفعية، فهي تخاطبه وتخافه وترجوه، وهذا الجمهور سعيد -كما يبدو- بما تفعله الصحافة المطبوعة؛ لأنه يظن أن الناس تقرأ ما يقرأه هو وينتشي به. مؤكداً بأن الجدلية عميقة، والوعي الإعلامي حبيس الهوى من الجانبين، والجمهور الحقيقي وجد طريقا آخر ، بل طرقا شتى ليقرأ لمن يعبر موضوعيا عن عقليته ويحقق تطلعاته.
أما الدكتور فهد العرابي الحارثي فعقب على هذا الموضوع بالقول: “من منكم ينتظر التغيير، أو التطوير من قيادات صحفية متخشبة ومعزولة تماما عما يجري في هذا العالم، وهي إذا اتصلت به تفعل ذلك عبر وسائط أخرى غير قادرة على أن تنقل لها أكثر من نصف الحقيقة أو ربما ربعها” .
وانتقد الدكتور مساعد المحيا الإعلام الرسمي بأنه لا يخبر عمّا جرى في زيارات رؤساء الدول إلى المملكة، وإنما تأتي دائما الجمل المستهلكة التي تشير للعلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك! مسترجعا بأنه منذ أن كان صحفياً في عام 1400هـ، وهو يكتب هذه الجمل، ولا يزال الإعلامي حتى اليوم يفتقد المعلومة.
وعلّق الدكتور زياد الدريس على انتقاد د. المحيا بتساؤلٍ قال فيه : هل تعني أن هيئة الصحفيين، رغم جهودها الحثيثة في تحقيق التطلعات المستقبلية ذات الاهتمام المشترك لصناعة الصحفي السعودي المحترف، لم تحرّك ساكناً ؟!
موقف عُمان والخليج
في تساؤل حول موقف عُمان من القضايا التي تجمع دول الخليج، قال الأستاذ عبدالله آل حامد: “موقف عُمان إيجابي بالنسبة لنا؛ فلعلها تريد أن تكون الوسيط بيننا وبين إيران، ومن الملاحظ أن منصب مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية يكون عماني منذ تأسيس المجلس، بل إذا ذهبنا للأمم المتحدة قليلا سنجد أن كل القرارات التي تخدم إسرائيل في مجلس الأمن لا تقدمها الولايات المتحدة بشكل مباشر، بل عن طريق أستراليا”.
وأضاف: “في وجهة نظري أن قراءة الخريطة تحدد وجهاتنا السياسية ، فموقع عُمان الجغرافي المطل على هرمز يجعلها تتبنى موقف أكثر اعتدالا من إيران. كما أنه في قراءة لعلاقة الغرب بعُمان أتوقع أنها ستكون الأردن الجديد من ناحية احتضان المستشرقين والإسلام المعتدل من وجهة نظر غربية، وكذلك مراكز الدراسات. والدليل هو أن عُمان البلد الوحيد الذي زارته ملكة بريطانيا قبل سنوات”.
وأشار الدكتور خالد الرديعان إلى حجم التبادل التجاري بين عُمان وإيران ، ومذكرا أنّ للعُمانيين موقفاً مختلفاً عن بقية الدول العربية بعد اتفاق كامب ديفيد، فهم لم يقاطعوا مصر أيام جبهة الصمود والتصدي.
ولفت الدكتور مساعد المحيا إلى أن اعتدال عُمان مفهوم إذ أنها كانت على الحياد خلال موقفنا وموقف دول الخليج من حرب العراق، وحين أساء الإيرانيون إلينا في مكة كانوا على الحياد أيضاً، لكن حين تكون على الحياد لا يعني أن تذهب لمن أصبح يهدد أمننا وتوثق علاقتك التجارية معه، إنهم بهذا –أي العُمانيون- يستغلون الحياد في تحقيق المكاسب. بينما لم ير د. عبدالله الحمود في سلوك عُمان شيئاً غريباً، واصفا (عُمان) التي يعرفها، بأنها ليس لها علاقة بأحد، وتعمل بدون سياقات إقليمية واضحة.
وحول منهج قابوس، ذكر د. المحيا بأن منهج قابوس منذ القدم هو إخراج السلطنة من عزلتها التي وضعها فيه والده، وأن تأثير الإدارة البريطانية واضح في جعلها تمضي بسياسة النأي عن المواقف الأحادية.
وعزى د. الرديعان ذلك إلى براجماتية قابوس الذي يعرف طبيعة العرب، ولذلك نأى بنفسه كثيرا عن قضايا العرب وتفرغ لتنمية بلده، لافتا إلى أن دولة عُمان كانت قبل 1970م أفقر من اليمن، وأن إيران دعمت قابوس خلال ثورة ظفار، في حين رفضت الدول العربية انضمام عُمان لعضويتها بعد انقلاب 1970م، ملمحا إلى أن العُمانيين الآن يسددون الدين لإيران! مقترحا ضم اليمن لمجلس التعاون الخليجي كحل مناسب في الفترة الحالية.
قناة الميادين بين العرابي والأمير
حظيت استضافتي د. فهد العرابي الحارثي والأستاذ يحيى الأمير على قناة الميادين في برنامجين منفصلين بتفاعل أعضاء المنتدى، حيث تناول الأعضاء توجهات القناة، ومهنيتها، وتحليلاً لنتائج الاستضافتين.
كتب د. عبدالله الحمود: “هؤلاء هم المفلسون كما ورد في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للمفلس، وما يسمى بـ(الإعلام الفارسي) وكل ما يدور في فلكه، ليس إعلاما، بل هو نسق من أنساق الدعاية الذي يقوم ابتداء على الكذب والتضليل والمخادعة، وهؤلاء قوم لا يأنفون الكذب في أمر الدين، فكيف في أمور الدنيا” .
أما د. مساعد المحيا فذهب إلى أن السؤال المهني الذي ينبغي أن يسأل هنا، هو: “إلى أي مدى ينبغي أن نشارك في القنوات ذات التمويل أو الانتماء الإيراني؟ وأنه علينا استصحاب كل ما قد يترتب على المشاركة، مؤكدا أن ما حصل من قناة الميادين كان متوقعا، وأن سيل الشتائم والسباب التي جاءت على هاتف د. الحارثي بعد الحلقة هي صراخ من شدة ألم الكلمات التي أقضّت مضجعهم، وهو وسام شرف لدفاعه عن الحق والوطن”. مضيفاً: “يجب قبول الوقوف فوق أي منصة حتى لو كانت معادية، لأنها فرصة لإظهار الرأي الآخر الذي ينبغي أن يسمعه الخصم ومن يقف في صفه، ولكن ينبغي أن يتم ذلك وفق أخلاقيات مهنية معروفة ، أهمها الالتزام بالمحاور المتفق عليها”.
وتوالت التعليقات والتحليلات ، فقد أشارت الأستاذة كوثر الأربش إلى أن مذيعة القناة كانت تريد تجيير واغتصاب ما تريد من خلال الحوار، ومن ثم فرضه على المشاهد على أنه الحقيقة . ووافق اللواء د. سعد الشهراني على عدم ترك المنابر الإعلامية لهؤلاء، والتصدي لهم.
وذكر د. زياد الدريس أن الحرب الإعلامية تتطلب تجهيز مقاتلين أشداء لكنهم لا يقاتلون بالشتائم بل بالحقائق.
وأشار د. حميد المزروع إلى أن ايران ليس لديها أصلا مشروع وطني حتى للإيرانيين أنفسهم، ومشروعها عقائدي وتهدف من خلاله للسيطرة على مقدرات الدول المجاورة. وعموما لا يمكن الجمع بين السلطة الدينية والدنيوية بشكل متوازن ودائم خاصة في هذا العصر، وعلية نموذج الحكم في إيران مصيره الاندثار لأنه ببساطة لا يحقق المتطلبات الحياتية الحديثة. ليضيف أ. الأمير بأن إيران، هي المثال الوحيد لهذا النموذج الواقع خارج الدولة القُطرية الحديثة تقدماً في أرض المعركة الإعلامية.
حرية الصحافة
عرض الدكتور مساعد المحيا معلومة تتعلق بترتيب المملكة العربية السعودية في حرية الصحافة، وأنها جاءت بعد السودان واليمن والصومال، وفي الترتيب العالمي 160، متسائلاً : في ضوء هذا الترتيب، ماذا قدمت هيئة الصحفيين للصحافة في المملكة؟ كما تساءل أ. خالد الحارثي: هل حرية الصحافة ترتبط بشكل وطبيعة النظام الحاكم في الدولة أم أنّه لا توجد سقوف للصحافة باختلاف الأنظمة وطبائع وتقاليد الشعوب؟ فذكر د. عبدالله الحمود أن وجود هيئة صحفيين عندنا شيء مهم، وأجاب د. المحيا بأن الأمر يرتبط بمجموعة من المعايير السياسية والقانونية، والاقتصادية التي يتم التقييم بناء عليها، وهي مختلفة ومتباينة وترتبط بنظام الحكم وطبيعة الثقافة، وقال بأننا نحتاج إلى إرادة سياسية، تقوم بتغيير شامل في الصحافة، وفي أنظمة النشر، وفي الكفاءات المهنية المرتبطة بواقع الجمهور واحتياجاتهم.
وعاد أ. خالد الحارثي ليعرض إمكانية مناقشة معايير “فريدوم هاوس” وتباينها مع واقعنا، بهدف تحسين معاييرنا نحو المزيد من المساحات ورفع درجة التصنيف.
الدكتور خالد الرديعان قال : “طالما أنّ رؤساء تحرير الصحف يعيّنون بقرار حكومي فإن الصحافة ستظل غير مستقلة، كما هو الحال مع هيئة الصحفيين، وهذا معيار مهم بتقديري المتواضع”.
كما أشار أ. مسفر الموسى إلى أن المواطن أصبح يلجأ إلى الكاميرا المخفية لعدم ثقته أخذ حقوقه بالطرق النظامية، مناديا بإعادة النظر في استخدام الكاميرا المخفية في الأماكن الرسمية ونشر المقاطع من الناحية الأخلاقية والقانونية. مضيفاً: هناك مجموعة من المحددات الأخلاقية المهنية لاستخدام الصحافيين للكاميرا المخفية، مثل: تحقيق المصلحة العامة، أو أن تكون الحقيقة مرتهنه عليها فقط، أو للحفاظ على سلامة الصحافي. لكننا اليوم أمام متغيرات جديدة في ظل صحافة المواطن، فهل باتت الصحافة مهنة محتكرة لأشخاص معينين أم أنها حق للكل ؟! لأنها تدخل في إطار حرية التعبير والحصول على المعلومات في ظل الوسائل الحديثة.
كما اقترح أ. الموسى بدائلَ أخرى عن الكاميرا المخفية، وهي: شفافية الإجراءات في المؤسسات، ونشر الواجبات والحقوق للمستفيدين من الخدمة والمراجعين، وفتح منفذ للشكاوى بآلية معلنة، وتقييمها دوريا من قبل جهة مستقلة لضمان تحقيقها لمهماتها. ويعتقد د. علي الحكمي أن لا مشكلة في ذلك؛ لأن الموضوع ليس سرياً والتصوير يردع الموظفين من إساءة معاملة المراجع، كما أن من الصعب منعه لتطور التقنية، متفقاً مع مقترحات بدائل الكاميرا المخفية هو ود. الرديعان، وأن يكون هناك تقويم للموظفين بناءً على الأداء، وحسن الإنجاز، وليس بناء على انطباعات شخصية.
ثأر نجران
أثار الأستاذ خالد الوابل موضوع (ثأر نجران) وتساءل مستنكراً: هل حربنا تصفية حسابات وانتقام أم لعودة الشرعية؟ قائلاً : “إن اختيار هذا الاسم: سقطة مهنية لا تُغتفر”. ونبه اللواء د. سعد الشهراني إلى أنه ربما يكون نسبة الاسم إلى بلدة في منطقة نجران اسمها (ثار)، وليس تعليقا على العمليات العسكرية. لكن د. الرديعان لم يوافق معتبرا أن تلك الحرب حماية للحدود أيضاً . فعلق أ. الوابل بالقول: “إن استخدام هذه المصطلحات يفقدنا التعاطف، وهناك فرق بين (ثار) و (ثأر)”.
وقال أ. مسفر الموسى : “اسم ثأر نجران، مسوغ في ثقافتنا، ومقبول محليا، لكنه غير مقبول عالميا، والاتجاه نحو الإطار الإنساني مثل (الحرب على الإرهاب) كما فعلت أمريكا في حربها على العراق .. يعطي المعركة قبولاً عالمياً” . موضحا أننا متفقون على الهدف والفكرة، ولكن الاختلاف هو في صياغة الإطار الإعلامي.
د. مساعد المحيا ذهب إلى القول بأن لا أحد يتحدث اليوم عن مستقبل اليمن بمعنى (ما السيناريوهات المتوقعة بعد أحداث طويلة)، وأنه يشم رائحة أن المملكة العربية السعودية هي من ستمضي في الحرب ضد صالح والحوثي، أما بقية دول التحالف فقد تتغير مواقف العديد منهم، ويميلون إلى خيارات أخرى، والأمريكيون سيميلون معنا حين يرون تفوقنا، لكنهم الآن يريدون أن ندخل أيدينا في عش الدبابير.
وأما الأستاذ عبدالله الضويحي، فقد عزا مجيء هذا الاسم إلى المخزون الثقافي، كون نجران معتدى عليها وسقط فيها بعض القتلى، متفقاً مع خطئ توظيفه بهذا الشكل، ومعتقدنا أننا لا زلنا دون المستوى المطلوب في التعاطي الإعلامي مع الأحداث، وبخاصة العسكرية منها، لاعتمادنا على الاجتهادات، وعدم الإفادة من الكوادر الإعلامية المتخصصة في الجامعات وغيرها، مطالباً بفتح باب التخصص العالي في الإعلام العسكري والحرب النفسية، وما تفرضه الظروف من اختصاصات ذات علاقة.
واتفق البعض مع أ. الوابل في أن تعبير “ثأر نجران” لم يكن موفقاً، منهم د. فهد الحارثي، ود. زياد الدريس الذي قال: كأننا بهذا الخطاب الإعلامي الهزيل سنصنع ذريعة لاسترجاع ثارات قديمة! ورسالة التحالف المعلنة منذ البدء، أرقى من هذا بكثير. إلا أنّ د. الرديعان ما زال يرى بأنه من الضروري التحدث بلغة يفهمها المتلقي، خصوصاً إذا لم يكن عالي الثقافة، وعلى اتصال مع كل القنوات، لافتاً إلى أن المجتمع الذي وجهت له رسالة الثأر يفهم المقصود منها. كما طالب كل من د.حسين الحكمي، وأ. عبدالله الضويحي بأن يستمر استخدام اسم (عاصفة الحزم).
مراكز بحوث الـthink tank
أخذ هذا الموضوع نصيباً واسعاً من النقاشات والطروحات ، وأسهب أعضاء المنتدى في الحديث عن هذه المراكز لإيمانهم بأهميتها. فقد طرح د. خالد الرديعان الموضوع، وبدأه بالتساؤل التالي: إلى أي حد يمكن القول أن مراكز بحوث Think Tank تقوم بدور فعال في صناعة القرار عندنا؟ وما جدواها؟ وهل يؤمن بها صاحب القرار؟
فكتب د. فهد العرابي الحارثي: “أتفق مع د. الرديعان، بأن هذا الموضوع مهم جداً ليس لأننا نعتبر أنفسنا في أسبار من أوائل مراكز مخازن الأفكار (21 عاما)، ولكن لأننا نعتقد أن هذه المراكز مبعدة عن الإسهام في صناعة القرار إما لعدم الإيمان بجدوى البحث العلمي، أو لعدم الثقة في منهجية هذه المراكز. وعندما بدأت فكرة مراكز صناعة الأفكار تجد بصيصا من الاحترام أنشأت بعض الجهات مراكزها الخاصة وهي جهات ليست محايدة بطبيعتها وعيبها الآخر أن العاملين فيها موظفو حكومة، والباقي عليك!”
أما د. حميد المزروع فقد أضاف مراكز قياس الرأي تجاه قضايا أساسية ، وقال : إن المملكة العربية السعودية بحكم تحولها السريع تجاه النمط العصري، تحتاج إلى هذه المراكز لتقيس تطلعات شرائح المجتمع وتقدمها لصاحب القرار، وهذا يساعد على الاستقرار والأمن الاجتماعي. وقال : “إن ما ينتج عن الجامعات من أبحاث لا يصل لصاحب القرار، إما لطابعه الأكاديمي الممل، أو لكونها تركز على قضايا ومشاكل اجتماعية متخصصة، وليست فئوية ، أو لاتهم معظم شرائح المجتمع ، وأن وسائل التواصل الحديثة سيكون لها دور وحضور بهذا الخصوص، لأنها بعيدة عن الإعلام الموجه”. فأوضح له د. فهد العرابي الحارثي، بأن مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام ، هو عضو مجلس أمناء المنظمة العربية لمراكز استطلاعات الرأي في العالم العربي ، وعضو اللجنة التنفيذية فيها بناء على تراثه وخبرته ، ومع هذا فهو لم يجد المساحة التي يمكن أن يتحرك فيها في المملكة، وقليلة هي الجهات التي أولته مهمة لاستطلاع الرأي. لافتا إلى أن استطلاع الرأي لدينا ما زال يشوبه الحذر وبعض الريبة!
اللواء د. سعد الشهراني قسّم مراكز البحوث إلى ثلاث فئات، فقال: “الفئة الأولى هي مراكز البحث في الجامعات المرتبطة بالحقول المعرفية لنشر البحوث ذات الطابع العلمي الأكاديمي البحت ، وهذه موجودة وتزايد عددها في السنوات الاخيرة إلا أن جودة معظم البحوث لا ترقى إلى المعايير الدولية، أما الفئة الثانية فهي مراكز البحوث الاستراتيجية think tanks وهي ضرورية للقرارات الاستراتيجية في هذا العصر، وللأسف الشديد فهي مفقودة تماما عندنا، مع أن المتخصصين في الحقول المعرفية المختلفة في الجامعات السعودية يمكن أن يكونوا منتجين ومفيدين جدا في تكوين وتطوير هذه المراكز.
والفئة الثالثة هي تلك المراكز التي تعنى بالبحث والتطويرr&d أو البحوث التطبيقية التي تطور منتجات منافسة في الأسواق الوطنية والعالمية، وهذه أيضا تحت الصفر عندنا، ما عدا بعض النجاح في سابك وأرامكو ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهذا هو أحد أهم أسباب تخلفنا التنموي الصناعي، كما أن هذا النوع من البحوث هو وظيفة مهمة للقطاع الخاص النائم في العسل بمخدر حكومي”. محذرا بأنه إذا لم نطور النوعين الاخيرين من مراكز البحث فلن نغادر مكاننا، بل قد نتراجع بعد نضوب مصادرنا الطبيعية.
من جهتها اعتبرت د. الجازي الشبيكي أنه سيكون لتلك المراكز شأن معتبر ويتنامى الاهتمام والأخذ به مع تنامي دور الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي التي لاحظنا جميعاً تأثيرها في الإقالات والإعفاءات الأخيرة.
ورأى الأستاذ خالد بن عبدالعزيز الحارثي أن هناك مستويات من التحديات التي تعيق وصول “مخازن الفكر” في عالمنا من أبرزها المقارنة بيننا وبين العالم المتقدم، والتي فيها إغفال للمستوى التصوري للمعرفة وللمعلومات اجتماعيا وعلميا، وأيضا المستوى المعرفي للباحثين وعمق اطلاعهم، ودمج مستجدات المعرفة المختلفة في قراءاتهم وتحليلاتهم المستقاة من توسع الجامعات ومراكز الأبحاث في جميع فروع المعرفة التي لم نسمع بها حتى في بعض الموضوعات وبعض القضايا العلمية. مضيفاً بأن السياسي في العالم العربي لا يثق كثيرا بأصالة وضرورة الدراسات والمراكز الدراسات، ولعل فصلية “السياسة الدولية” من دار الأهرام تمثل دليل على علاقة (عدم ثقة) متبادلة فيها.
وفي ذات الموضوع لفت د. الرديعان إلى أنّ الباحث يحتاج في هذه المراكز إلى حرية الوصول لبعض المعلومات، وألا تكون السرية المفتعلة لبعض الإحصاءات الحكومية سببا لإحجامه عن العمل في هذه المراكز، وذكر أنه ذهبت مرة إلى إدارة حكومية للحصول على بيانات محددة، إلا أنّ المسؤول عنها رفض التعاون معه بحجة سرية البيانات، ليتفاجأ بعد ذلك بتوافر المعلومات على موقع البنك الدولي! منتهيا إلى أنه يوجد توجس من البحث لدى بعض البيروقراطيين، وأنهم يرونه من باب دس الأنف في أمور يفترض ابتعاد الباحثين عنها.
وتداخل د. فهد العرابي الحارثي، موضحاً أنّ الذي صنع مجد الغرب، وأمريكا تحديدا، هو البحث العلمي وبدونه لا رؤية للمستقبل، ولا خطوات ثابتة نحو تحقيق الأهداف، بل هو استثمار وعوائد مالية مهمة لديهم لأنها تعرف كيف توظفه ومتى! منبها إلى أنّ مراكز البحث الحكومية تصرف أغلب ميزانياتها على الوظائف والمكاتب والانتدابات، وأما المنتجات العلمية فهي آخر ما يلتفت له، بينما في إسرائيل يصرف على البحوث العلمية حوالي3% من الدخل القومي، وفي الدول المتقدمة يضطلع القطاع الخاص بجزء وافر من تمويل البحوث العلمية لسبب بسيط وهو أن تمويل البحوث العلمية معناه تحويلها إلى منتجات تدر الأرباح، وحتى على المستوى السياسي فإن البحث العلمي عبارة عن منتج يسهم في تحجيم الخسائر إن لم يحقق أرباحا ظاهرة. وعلق على هذا الأستاذ خالد الحارثي بأن السياسي متقدم كثيرا عن منتجات مراكز البحث في عالمنا، واستراتيجية التحول لمجتمع المعرفة هي دليل إضافي على التحديات المشار إليها. وأثار الأستاذ خالد الوابل حفيظة الأعضاء بنقل اللائحة الموحدة للبحث العلمي في الجامعات السعودية؛ والتي من موادها أن مكافأة الباحث الرئيس من حملة الدكتوراه ألف ومائتا ريا ل (1200) شهرياً.
الأستاذة فاطمة الشريف تعتقد أن من أهم أدوار مراكز الأبحاث والدراسات في العالم أن تكون بمثابة المحاضن الاستراتيجية لإنتاج المعرفة العلمية وتطوير المناهج وتفعيل المقاربات العلمية والمعرفية في خدمة المجتمع، وأن تكون أحد الدلائل المهمّة على تطور الدولة وتقييمها للبحث العلمي واستشرافها آفاق المستقبل وَفق المنظور المعرفي لتطور المجتمعات الإنسانية عموماً، لذا فإن تفعيل دورها الحقيقي في دراسة القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع والدولة وتحليلها، من أهم الأدوار التي يجب إقرارها وتفعيلها وربطها مع منظومة اتخاذ القرار.
وأفاد د. خالد الرديعان بأن معظم الأقسام العلمية في جامعات بريطانيا ممولة من القطاع الخاص لإجراء البحوث، وعندما يفشل قسم ما في الحصول على إيرادات من الشركات تتم هيكلته، أو دمجه مع قسم آخر. وأكدت الأستاذة فاطمة الشريف هذا بالإشارة إلى تجربتها الشخصية في العمل مع شركات الأدوية العالمية، التي تمول جميع البحوث العلمية، وتقيد لها ميزانيات سنوية ثابتة من أرباحها، حتى وإن كانت هذه البحوث لا تصب في مصلحة الشركة مباشرة لإنتاج أدوية أو مواد طبية.
كما أفاد د. فهد العرابي الحارثي بأن ميزانية البحث العلمي في جامعة الملك سعود كانت في يوم ما لا تتجاوز 8 ملايين ريا ل فقط! مضيفاً: في الاستشارات التي تدخل تحت مظلة البحث العلمي، هناك دراسة تؤكد بأن 95% مما يصرف في هذا المجال يذهب لمراكز وشركات أجنبية (مليارات)، بينما 5% فقط يصرف للمراكز المحلية.
وعن الحلول الممكنة في هذا الصدد ذكر الأستاذ خالد الوابل بأن الحل يكمن في قصر دراسة الدكتوراه على المؤسسات الأكاديمية؛ وأن لا يغادر حامل الدكتوراه المؤسسة الأكاديمية إلا بعد حصوله على درجة أستاذ مشارك؛ ليقدم -على الأقل- بعض البحوث قبل مغادرته؛ ولأن شهادة الدكتوراه أصبحت في وقت مضى وإلى الآن الطريق لمنصب وزاري، وفرغت الجامعات من أعضاءها. كما رأى د. الرديعان ضرورة وضع أجندة بحثية للموضوعات الملحة، والتركيز عليها لخلق تراكم معرفي.
وأشارت د. عائشة حجازي إلى مشكلة التمويل أيضاً، إذ قالت: الميزانية محدودة جدا لتمويل الأبحاث، وإجراءاتها جدا معقدة، كما أشارت إلى تجربة جامعة نورة في المراكز البحثية، وأنها لازالت وليده ولم تتضح رؤاها بعد، كما أنه توجد مجموعة من مراكز البحوث على مستوى الكليات بالجامعة العمل بها مازال يحبو.
وتوصل الدكتور مساعد المحيا من خلال تجربة شخصية إلى أن من المهم هنا، هو الإفادة من هذه البحوث، وأن صانع القرار لدينا يرى أن العمل بتجربته وخبرته أفضل من أن يأخذ بنتيجة دراسة وهذا جزء من مكمن الخلل. وهو ما وافقه في عدد من الأعضاء. وعلق د. فهد الحارثي بأن هذه هي أم المصائب.
د. الرديعان اعتبر أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من أفضل الجهات الممولة للبحوث في المملكة ، إلا أن مشكلتها تكمن في النماذج التي يقدمونها للباحث لتعبئتها، فهي كثيرة جدا ومطولة، وتقود الباحث لأن يعين معه محاسب قانوني، يلهف نصف ميزانية البحث من أجل ضبط الفواتير!
كما أشارت د. الجازي الشبيكي إلى أن التوجه الحالي في البحوث هو نحو الدراسات والأبحاث البينية، بين التخصصات والمجالات المختلفة، لكنها تحتاج إلى رؤية تخطيطية شاملة على مستوى الدولة، ثم يتم تشعيبها بين الجامعات ومراكز الدراسات ومراكز الأبحاث، لتحقيق الفاعلية بشمولية وعمق.
وانتقل الحديث إلى فكرة الكراسي البحثية في الجامعات إذ خاب تفاؤل الدكتور مساعد المحيا فيها، وتحولت –في نظره- إلى شكل من أشكال تنمية الموارد الخاصة، و”الشللية”، مع إنتاج بحثي أو علمي ضعيف جدا، ولا يتسق والمأمول منها أو حجم التمويل الذي تحصل عليه – مع استثناء يسير لبعض هذه الكراسي-. بينما ذكر د.خالد الرديعان بأنه على معرفة بخمس أو ست، دراسات قائمة عن الكراسي العلمية، تبين أن مشكلاتها كثيرة، وأنها بحاجة إلى بحث مستقل رغم بعض الايجابيات. كما لفت أ.د. عبدالرحمن العناد بأن أسوأ ما في أبحاث بعض هذه الكراسي أنها لا تنشر وتبقى حبيسة درج أستاذ الكرسي، أو تنشر على نطاق محدود جدا يقلل فرص الاستفادة منها، لافتاً إلى أنه اقترح على جامعة الإمام محمد بن سعود بصفته عضو هيئة علمية لأحد كراسي البحث فيها، أن تنشر الأبحاث كاملة على مواقع الكراسي نفسها.
قمة كامب ديفيد ونتائجها
على خلفية انعقاد قمة كامب ديفيد، نشر الأستاذ خالد الوابل مقالا للنيويورك تايمز يحلل: لماذا غاب الملك سلمان عن كامب ديفيد؟ ونقل منه أنه لا يمكن تجاهل أربعة أسباب، هي: الاتفاق النووي مع إيران، وصعود الحركات الإسلامية، والاضطرابات الاقليمية، وطفرة النفط الأمريكي وتحرر أمريكا من اعتمادها على الرياض. مشيراً إلى أن الصحف الأمريكية أجمعت أن غياب الملك ازدراء لأوباما. أما الدكتور زياد الدريس فقال بأن غياب الملك سلمان عن قمة كامب ديفيد أشغل الإعلام الأمريكي، متسائلاً: هل هذا الغضب لسبب: أن القمة فشلت قبل أن تبدأ ؟!، مؤكداً أن غياب الملك سلمان بالفعل هو ازدراء لأوباما، وللإدارة الحالية عامة. وأن أعضاء الكونغرس المحافظون سيستخدمونها ورقة تشويش على الاتفاق الإيراني النووي.
أما د. مساعد المحيا فأشار إلى تصريح أوباما في “النيويورك تايمز″ مع الكاتب توماس فريدمان من أنّ إيران ليست الخطر الأكبر على دول الخليج، وإنما الخطر الداخلي المتمثل في استياء شعوبها من غياب الإصلاحات، وغياب فرص العمل، والمساواة، معتبراً أن هذا التصريح أحد أسباب عدم ارتياح المملكة بجدية أوباما في موقفه مع دول الخليج، وأن كيري (مهندس هذا اللقاء) أصبح يرى فيه فرصة لعقود تسليح من خلال ما أسماه باتفاق أمني جديد، وأن دعوة الرئيس الفرنسي لمؤتمر دول مجلس التعاون، ومرور (المحمدين) بفرنسا قبل الوصول إلى أمريكا للقمة، هي رسالة قد تشير إلى تحول في المواقف بحسب المصالح، وورقة ضغط في اتجاه الحصول على موقف يضمن للمملكة أن أمريكا لن تكون مع من يهدد أمن المملكة.
وفي تصور الأستاذ خالد بن عبدالعزيز الحارثي، فإن يرى أن أوباما يبحث عن صفقة يختم بها مسيرته الرئاسية، ولا مانع لديه من أن يتورط العرب فيها ويحترقوا بعده. ووافقه د. علي الحكمي، مضيفاً: صفقة تتفق مع ما وعد به الأمريكيين والعالم بعدم خوض أمريكا حروب خارجية، حيث إن 60% من الأمريكيين يؤيدون الاتفاق مع إيران. وأكد أ. الحارثي مرة أخرى بأن الغرب وأمريكا لا يزالان ينظران لإيران على أنها شريك محتمل وأكثر أمناً بصفتهم “فرس″، إضافة إلى ارتباط قراءتهم للشرق بالفرس وحضارة فارس وارتباط تاريخ الدماء بالإسلام والعرب ، ولن يتغير ذلك سوى بالتحركات السياسية “الحزم ” والمزيد من الدراسات الجيوبوليتيكية والاستراتيجية وإصلاح النظارة التي يقرأون من خلالها التاريخ هنا.
وعوداً على المقال الذي طُرح في بداية النقاش حول هذا الموضوع، اعتبر الأستاذ يحيى الأمير بأنه تلخيص لرؤية الديمقراطيين الحادة تجاه المملكة، وتجاه الأنظمة التي تعيش استقرارا داخليا، وفي ذات الوقت لا تقدم نموذجا ديمقراطيا وفق المعايير النظرية الصرفة للديمقراطية. مستطرداً: المتابع لكتابات فريد زكريا مثلا، وهو المقربين من البيت الأبيض يجد في مقالاته كثيرا هذه الروح التي ترى في النظام السعودي نظاما غير ديمقراطي ومستقر في ذات الوقت، وهنا تأتي التفسيرات العمومية من قبيل: الثراء، القمع، الاستبداد، كما أننا كلنا ندرك أن هذه تفسيرات وإن صحت نظريا إلا أنها لا تصح واقعيا، فالديمقراطيون: سياسيون كانوا أو مثقفين، تهيمن عليهم دائما النظرية أكثر من الواقع.
وألقى د. حميد المزروع بعدة تساؤلات حول أبرز نتائج قمة كامب ديفيد، وهل في الاعتقاد أن أوباما أخذ من رؤساء دول الخليج أكثر مما أُعطى؟ وهل تكون هذه هي البداية الحقيقية لأن تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على نفسها؟!
فأخذ بزمام الإجابة الأستاذ خالد الحارثي، وقال: “فيما يخص كامب ديفيد هل اعتقدنا أننا فجأة أصبحنا أنداداً لأمريكا، ونعول على أننا في عشية وضحاها سنغلبها على عقيدتها السياسية وليبراليتها وتعتنق هي مصالح دول الخليج؟! هناك مبالغة كبيرة في توقعات مخرجات كامب ديفيد في نظري، ولعل من الجدير بالذكر أننا نتعلم اليوم من كامب ديفيد، وعاصفة الحزم المسار الصحيح لإدارة النزاع مع إيران وإسرائيل، وكل الدول الأخرى من ضمنها (دول الخليج) ، كما أننا نغفل قواعد العلوم العسكرية والاستراتيجيات”. مضيفا: “نتعلم من كامب ديفيد أيضاً أننا في حاجة لبناء (بحرية قوية) تتناسب مع العمق الاستراتيجي والسواحل الممتدة للسعودية، ومراكز قيادة وقواعد ملائمة لذلك وتطوير الصناعات العسكرية والابتكار بوتيرة أسرع من غيرنا في المنطقة، واعتبر أن درس كامب ديفيد أجّل حدة الصراع مع ايران، وعلمنا أن تجاهلها كما سبق يمكنها من رقابنا، وإلغائها غير ممكن. كما أن كامب ديفيد عزز من مكانة المملكة العربية السعودية في صناعة القرار السياسي الأمريكي، في قضايا الخليج والالتزام بالحد الأدنى من التعاون ، وبناء نظام الإنذار المبكر، وتقاسم الأدوار مع فرنسا في بناء المنظومة العسكرية واستغلال الفوائض لتعزيزها وكبح جماح الطموح الإيراني وإلجام بروبجندا التهويل، والتشجيع على دور الخليج في نزع براثن إيران من سوريا ولاحقا العراق، الذي يستدعي مع صفقة (اف ١٦) للعراق أن يكون هناك نشاط دبلوماسي مؤثر، لتكون صفقة التسليح للعراق مقترنة بإصلاحات سياسية لصالح دول الخليج في العراق.”
وحول بيان قمة كامب ديفيد الختامي بيّن د. مساعد المحيا رؤيته التحليلية ،وأنّه يعتقد أن البيان لا يعبر على وجه الحقيقة عما دار في القمة، ويبدو من بعض التصريحات أن أمريكا معنية بعقود السلاح، وتطوير أنظمة دفاعية صاروخية وجوانب المعلوماتية الأمنية، كما يبدو أنّ أمريكا تتجه لإرسال وفود أمنية لعواصم الخليج لزيادة وتيرة قوات العمليات الخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج يعملون لإنشاء مكتب مشتريات المبيعات العسكرية. مضيفاً أن اتجاه أمريكا إلى أن إيران لم تعد مصدر خطر للمنطقة ولا للعالم، فإنها ووفقا لتصريحات أمريكية اتجهت للدول الخليجية نفسها، ووصفتها بعدم الديموقراطية .. إلخ، ومن دون شك فإن البيان شمل نقاطا أخرى بعضها يتناقض مع الواقع مثل الحديث عن الأوضاع في سوريا والعراق واليمن، كما أنه أشار إلى أنه من المتعذر نجاح الحل العسكري فيها، في حين تتجه أمريكا لدعم المعارضة في سوريا والسنة في العراق لمواجهة داعش. وختم تحليله بالقول أن البيان لم يشتمل على الأهم، وهو ما جرى في المحادثات المغلقة! فبعض كتابنا انشغلوا كثيرا بغياب عدد من القادة وجعلوا ذلك نصرا حققته دول الخليج على أمريكا، والحقيقة هي أننا نبحث عن أي شكل من أشكال العنترية لنبرز بها أنفسنا، وأننا لقنّا أمريكا درسا قاسيا!
العلاقة بين الدين والدولة
أثار طرح موضوع حول إيران هل هي دولة شيعية أم فارسية؟ نقاشا طويلا في قضايا متصلة حول الدين والدولة، وعلاقتها بالاستبداد، فقال الأستاذ خالد الحارثي: لقد كذبوا على الناس ، قالوا جمهورية إسلامية وأنتجوا نظاما عنصريا يقصي الآخرين من شركاء الوطن، وأعتقد أنه لا يوجد دولة دينية أخرى في العالم غير إيران، والفاتيكان لكنها دولة رهبان وتمثيلية فقط بما تحمل من رمزية، وداعش المنافس الوحيد (ضاحكا). وعلق الأستاذ معاذ العتوم: إيران لا يهمها الشيعة العرب، وترى فيهم أداة لتنفيذ حسرة الماضي، ومخططاتهم في المنطقة العربية. ليضيف أ. الحارثي: الأكراد أيضا أخذوا نصيبهم من الاضطهاد، فالدولة الدينية غطاء لاستبداد القلة، ولم يسلم منهم أيضا الشيعة من فرس وعرب وغيرهم من مواطني إيران، والشعب الإيراني سيقود انتفاضته حتما للتخلص من هذه الصيغة التي بادت وأبادت، كما أنّ القلة المستبدة في إسرائيل التي تدعي الديمقراطية تحاول التلاعب للتحول نحو دولة دينية أيضا. وقال: “البرجوازية الحديثة متوحشة ودموية وذات أنياب لا قبل للبشرية بها. غلبوا وحوش تحالف الكنيسة مع الأرستقراطية”.
الدكتور عبدالله الحمود يرى أنه لا يمكن لمن فكر في صناعة هذه الآلة أن يكون ممن شغل ذهنه حوثي أو صفوي أو صهيوني أو قاعدي أو داعشي أو من هو في حكمهم.
وعلقت أ. فاطمة الشريف على ما ذهب إليه أ. الحارثي، بأن الإسلام حارب البرجوازية بشتى أنواعها وعلى مختلف العصور البشرية ، وحرص على تحقيق العدل بين جميع الأطياف اقتصاديا واجتماعيا، سواء بالحرص على العدل في توزيع وسائل الإنتاج، أو سواء كان عبر الزكاة والصدقات لتوفير التكافل الاجتماعي للفقير والغنى المعسر. مضيفة بأن العقيدة الإسلامية تعطي المسلم تصوراً كاملاً ومتوازناً للحياة الدنيا والآخرة، وتوفر له إرشادات وتوجيهات كلية تحدد الخطوط العامة لشؤون الحياة المختلفة، وتحدد له السلوك الأخلاقي الذي ينبغي له أن يسلكه في المجالات والحالات المختلفة.
هذا دعا الأستاذ عبدالله الضويحي لأن يطرح التساؤل الآتي: هل يمكن القول أن الحكومات أصبحت تعزف على وتر الدين إيمانا منها بأنه وسيلة لـ (ترقيص) الشعوب – إن جاز التعبير -؟ ليقول أ. د. عبدالرحمن العناد بأن الأدق هو (استمرت) والأقرب لـ(تخدير). أما الدكتور زياد الدريس فأكد على تعليق أ. الشريف، وكتب يقول: ظل الإنسان لقرون طويلة يبحث عن الصيغة الأمثل للعلاقة بين المجتمع والمال، وتم تجريب كثير من الصيغ الدينية والوضعية لوضع الترتيبات اللازمة للعيش الرشيد. ومن الإجحاف القول بأن الصيغ الوضعية كلها كانت خالية من الحس الإنساني والمسعى الأخلاقي ، مثلما أنه من المبالغة القول بأن الصيغ الدينية كانت هي الحلول السحرية لهذه المشكلات ، ليس هذا قصوراً في الدين ولكنه قصور في فهمنا للدين، وإلا لقلنا بأن الإسلام الذي حرم الزنا قد عجز منذ ١٤٠٠ عن القضاء على الزنا وهكذا شرب الخمر وأكل الربا. مضيفاً: الله عز وجل خالق البشرية وهو لم يرسل الرسل ليحول البشر إلى ملائكة وإلا اختلت موازين المشيئة الربانية ، تعالى الله علواً كبيراً. والأديان السماوية جاءت لتهذب البشرية وتخفف فقط من أعراض التوحش البشري، وقد تميز الإسلام عن غيره بكثرة استحضار واستذكار مكافآت وعقوبات اليوم الآخر لتصبح وسيلة للتحذير من إغراءات الخطيئة الشهوانية. بنفس المنطق، ستظل الشهوانية المالية (الرأسمالية المتوحشة) هي التي تدير العالم ، وإن خبت بين حين وآخر ، ليس لشيء إلا لأن الأقوى هو الذي يفرض قانونه الذي يزيد من قوته وهيمنته. هذا على صعيد التطبيق ، أما على صعيد التنظير فالأثرياء هم أكثر الناس حديثاً عن الفقراء والمعدمين، وإن كانوا يدركون أن سر ثرائهم هو من فقر هؤلاء !
وتداخلت الأستاذة كوثر الأربش، فقالت: لطالما كان الدين أهم الأفخاخ التي ينصبها السياسيون لاصطياد أكبر عدد من الأنصار. لأن الانسان بطبيعته متدين. ولأن الشرق أوسطين – تحديدا- متدينون، وهذه أهم سماتهم؛ لأنهم الأقرب إلى مهبط الوحي والأقرب عهدا بالنبوة. وأضافت في معرض توضيحها لما قالته: “اسماعيل الصفوي حينما نوى عزل بلاد فارس عن جسد الأمة الاسلامية، لم يجد أسهل من العزف بأوتار الدين. فتلبس التشيع وأغرى المتدينون البسطاء بمبالغات وهرطقات لم يكن الشيعة يقومون بها حتى، كأن يعلّق حذائه على رقبته ويذهب لزيارة ضرائح الأئمة حافيا! أما من تجدي معه مبالغاته تلك فقد عمد لاستخدام العنف وتهديدات الموت، وفعلا فرض التشيع على الناس بقوة السيف! ولعلنا ندرك أن التاريخ يعيد نفسه مع إيران ومخصصها التوسعي.
وعلقت أ. فاطمة الشريف على أ. الأربش، بأن استخدام الدين في الخطاب الموجه للشعوب بدأ منذ عقود، وتحديدًا منذ بروز ظاهرة ما يسمى الإسلام السياسي- ونحن نسمع مقولة استخدام الدين في السياسة من قبل الأوساط الرسمية العربية بمختلف تجلياتها وتصنيفاتها، وذلك في معرض الهجوم على القوى الإسلامية التي تطرح برنامجا ذا صبغة إسلامية. مضيفة بأن مسألة العلاقة بين الدين والسياسة تستحق بعض التحرير، ومن حق أية قوى سياسة استخدام ما تراه مرجعية لها في التشريع والرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما الدكتور خالد الرديعان فأشار إلى رفض كارل ماركس للدين بدعوى أنه أفيون الشعوب، وأن الطبقة الحاكمة الرأسمالية تستخدمه لتزييف الوعي خوفا من بروز الوعي الطبقي عند البروليتاريا. ونوه بدراسة أنجزها مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام بعنوان “تدين السعوديين”، والتي قد تفيد في هذا الجانب.
وأكد د. عبدالرحمن الهدلق على أن إرسال رسائل تفترض فصل الدين عن السياسة لا يتسق مع السائد في التعاليم الإسلامية، فالإسلام دين ودنيا، إضافة إلى أن المنطق والعقل يقول بأن الجميع يحق لهم ممارسة السياسة في إطار يحفظ الوحدة الوطنية.
وذكر د. حميد المزروع أنه في تاريخ اليمن القديم كان الحاكم يعرف باسم (المكرب)، وكان يجمع بين السلطة الدينية والدنيوية. وأضاف: ما أتصوره ومع العولمة وتداخل المصالح مع الأمم المعاصرة، ومتطلبات تطبيق القانون الدولي أنه من الصعوبة للحاكم أن يجمع ما بين السلطة السياسية الحديثة والالتزام الكامل بالقيم التشريعية. ولذا رأت الأستاذة فاطمة الشريف بأنه يجب التفريق بشكل واضح وجلي بين من يطرح رؤاه الدينية ويعرضها على الجمهور بالإقناع، وبين من يفرضها بسطوة الأمن والمال، ومؤخرا بسطوة الفضائيات، ووسائل الاعلام الحديثة. وقالت: نحن في الوقت الراهن كمجتمعات عربية بحاجة إلى تحرير الدين من قبضة السياسة، أكثر من حاجتنا إلى منع استغلال الدين في السياسة.
على صعيد متصل، وحول ممارسة الدور السياسي أوضح الدكتور عبدالله الحمود الأصل أن يلتزم كل صاحب مهنة بحدود مهنته، وأن تكون المعايير المهنية للأداء واضحة ومحددة ومرجعية للسلوك الوظيفي، وأنه وينبغي أن يجري ذلك على أهل المهن جميعا، فإن بغى أهل مهنة على غير مهنتهم ظهر الفساد في البر والبحر. ويجري ذلك على الشرعيين بأن تكون حدود مهنتهم بيان الشرع للناس: (يا أيها الرسول بّلغ ما أنزل إليك من ربّك)، وإقحام الشرعيين أنفسهم في مهنة السياسي (الإداري) بغي على مهنته، وإتيان بالعجائب، وتحوير للغايات والمقاصد الكلية إلى الأنا والمصالح الضيقة. وكذا يفعل السياسي عندما يتجاوز بمهنته الإدارية المحضة إلى مواطن الشريعة، فيكثر حوله الغلاة والبغاة، وتغلب من جديد الأنا والمصالح الحزبية والفئوية والطائفية على المصالح والغايات الكلية. وأضاف د. الحمود: المجتمع المستقر المزدهر، هو المجتمع الذي لا يبغي فيه أهل مهنة على غيرهم من أهل المهن التي يقوم عليها المجتمع الإنساني، والذي تحدد فيه تللك الحدود ويحرم تجاوزها. والذي يكون فيه الشرعي واعيا ومنفتحا على مصادر التشريع كافة، وتقديم الأحكام في العبادات والمعاملات كما هي في دائرة الإسلام الكبرى.
أما د. مساعد المحيا فلفت إلى أنّ الأمريكيين ضربوا أمثلة صالحة للقول بأن لسياسة يمكن أن يمارسها كل من يملك قدرات دبلوماسية ولو لم يكن متخصصا، فكولن باول كان جنرالا، ثم أصبح رئيس هيئة الأركان، ثم تسلم الحقيبة الدبلوماسية لوزارة الخارجية، وومثله كوندوليزا، منتهياً إلى أنه إذا صح أن يتولى الدبلوماسية الأمريكية من يأت من خلفية عسكرية وفي دولة تعد أنموذجا متقدما في الإدارة، فيمكن أن يكون الديني والثقافي والاقتصادي سياسيا حين يمتلك أدوات ذلك وأسباب نجاحه.
لكن د. الحمود يؤكد على الفصل بين المهن، وأنه يلمح خلطا بين حق الإنسان في الجمع بين مهن عديدة، وبين بغى أهل مهنة على أهل مهنة أخرى، قائلاً: ليكن النجار أو الحداد شرعيا أو سياسياً، لكن لا يجعل النجارة والحدادة قربة لله، أو أشرف مهنة، مطالباً بالتأمل بعمق في المعاني والأفكار. هذا قاد د.الهدلق لضرب بعض الأمثلة من الواقع السياسي في المملكة، إذ أشار إلى أنّ د. محمد عبده يمان جيولوجي كان وزيراً للإعلام، و علي الشاعر العسكري السابق أصبح سفيرا ثم وزيراً. مضيفاً الممارسة السياسية ممكنة لمن يمتلك الأدوات الفنية في ذلك بمعنى أنه لا ينبغي اشتراط شهادة في العلوم السياسية حتى تمارس السياسة.
وأوضح الأستاذ خالد الحارثي ، بأنه كما يحب أن يتفق مع الأغلبية ، فإنه يلاحظ أنهم تحاشوا ذكر أن نظرية الدولة تطورت في العقد الاجتماعي وفصل السلطات بعيدا عن ارتباطها بالدين لأن الدين لا يتطور ،والعلوم السياسية هي نظريات تتطور مع تطور الإنسان ، فهل كان ذلك لسبب ما، أم خشية من الالتباس في فهم الرابط بين الإنسان والدين والدولة والعلوم؟
فأوضح د. عبدالرحمن الهدلق أن نظام الحكم، وهو المرجع الأساسي للدولة لا يزال يؤكد على ارتباط الدولة وسلطاتها بالكتاب والسنة (أي الدين)، وبيّن د. عبدالله الحمود بأنه في تجربتنا السياسية مركبات وعناصر لا علاقة لها بالنظرية، وبالتالي لا علاقة لها بالفكر والثقافة، قائلاً: في تجربتنا سلطة سياسية مكنها الله تعالى من الحكم وأنعم عليها بخصال هي سر تمكينها في اعتقادي وهي سر بقائها وتجدد بقائها، وستبقى -بإذن الله- ما بقيت تلك الخصال فيها، وأهم خصالها:
- أنها سلطة لا تظلم ولا تبطش وهذا سر تمكين فردي وجمعي ودولي ثبت بالنقل والعقل والتجربة.
- أنها سلطة تخاف الله وتراقبه وإن أخطأت فضميرها الحي يربطها بالله عن صدق نية وقصد.
- أنها سلطة مكنت للعلم الشرعي قدرا واسعا من تنظيم حياة الناس، وهو قدر غالب لا شك، حيث تقل مواطن تسجيل الجدليات الشرعية المحكمة.
- أنها سلطة إن غضبت من أحد أو سخطت عليه من العاملين فيها أو معها أو من حولها اكتفت بتحييده عن طريق عبورها، وضمنت له حياة كريمة، ولم تغدر به.
- أنها سلطة توشحت الكرم كخصلة وكقيمة، فهي سلطة كريمة النفس كريمة الخلق كريمة اليد كريمة.
رعاية كبار السن
أثير حق كبار السن في الرعاية الكريمة، ومعاناتهم من نقص المرافق الترفيهية لهم في المملكة العربية السعودية، فطالب د. خالد الرديعان بتوفير أندية لهم في كل حيّ، مشيراً إلى أنهم يشعرون بالتهميش والغربة في ظل هيمنة التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي قد لا يجيدون استخدامها، ولوجود من ينكر التعبير عن الفرح والبهجة رغم أنها من المباحات إذا كانت في حدود الشرع.
وطالب د. علي الحكمي بتنويع الأنشطة، وإدخال العرضة والسامري وغيرها من الفنون الشعبية والألعاب، والأنشطة الرياضية التي تناسب أعمارهم. وقال: للأسف في بعض مجتمعاتنا هناك من قتل روح المرح في المجالس والأفراح، وحتى حفلات الزواج الخاصة بالرجال.
الأستاذ مسفر الموسى ذكر بأن تخطيط الأحياء عندنا لا يتناسب مع الأطفال وكبار السن، والترفيه للكبار ليس له وسيلة معينة أو نمط معين (حديقة صغيرة خلف المنازل، ممرات للمشاة، مجلس للحي) تكفي لكبار السن، وتذكر بأنه في عام ٢٠٠٣ أنتج مع مجموعة فيلما وثائقيا بعنوان (الهجرة إلى المدينة)، وطرحت فيه مجموعة من المحاور من ضمنها طريقة تصميم المدن، وخلص المشاركون في الفيلم إلى أن مدننا ليست مدن إنسانية، ولا تساعد على تحسين العلاقات الاجتماعية.
وبينت د. عائشة حجازي أنه للأسباب السابقة أضحى كبار السن عرضة للأمراض النفسية، وخاصة الاكتئاب وأصبحوا فريسة للأدوية، وبعد تقاعدهم من العمل يجدون أنفسهم وكأن الحياة انتهت. مضيفة بأن كبار السن في القرى وبعض المناطق لا زالوا يتمتعون بروح النشاط والحيوية، لأن البيئة لم تتعرض للمدنية والتقنية المزعجة. وشرح د. الرديعان ذلك بأن هناك مصطلحا جديدا هو: “هجرة الإياب”، أو الهجرة العكسية حيث يلجأ بعض المتقاعدين لترك المدن التي عملوا فيها سنوات، ويعودون لقراهم التي ولدوا فيها بحثا عن النواحي الإنسانية، وهو أفضل للصحة النفسية ، إذ أن شروط مدننا مزعجة. وقال د. عبدالله الحمود: إن مجتمعنا -في الأصل- يفتقر للهيكلة المجتمعية، وأعتقد أنه يواجه مشكلة مفهوم (مجتمع) ومشكلة شكل (مجتمع)، وذلك أن العلاقة بين عناصره تفتقر لشكل المجتمع ويسودها أنماط أخرى من العلاقات الأسرية والقرابية وجماعات الرفاق وزملاء العمل، وفي هذه النمطية من العلاقة بين الناس، يصبح الكيان المجتمعي غير مترابط بل قائم على منظومة من الكيانات الصغيرة التي لا تشترك مع بعضها بقواسم منفتحة، وتعلو قيمة الخصوصية لكل كيان فرعي، وهو كما يبدو ما يبرر حرص الكيان الصغير على خصوصيته في البيئات المتاحة أصلا للمجتمع كالمنتزهات والمطاعم ونحوها. مضيفاً: المنتزهات عالميا هي مكان يختلط الناس فيها، ويلتقون في سياق اجتماعي كبير. لكن المتاح منها عندنا أشبه بصناديق تعيد إنتاج خصوصية الأسرة والجماعات الصغيرة. واقترح أن الحل يقوم على أمرين: الأول: منع تدخل المؤسسات الداعمة لمثل هذا التقليد بحجج دينية أو ثقافية غير دقيقة، والثاني: وضع خطط تعليمية وتربوية وثقافية وإعلامية لترسيخ قيم العيش في مجتمع كبير ودعم السلوك المجتمعي الرشيد ومراقبته حضاريا.
الأستاذ عبدالله الضويحي أشار إلى مشروع مركز الأمير سلمان الاجتماعي في الرياض، وقال: كان مشروعاً جيدا للمتقاعدين وكبار السن، وواجه معارضة في البداية من البعض على أنه سيؤدي إلى قطيعة الرحم وعدم بر الأبناء بآبائهم باعتباره – كما يرى هؤلاء – مركز إيواء للمسنين؛ لأن مفهومه لم يكن واضحا والآن أصبح مركزا عاما حتى لمن هم في سن الثلاثين. وأضاف: مثل هذا المركز سيكون مشروعا ناجحا لو تم تعميمه، وجمعية المتقاعدين لم تفعل شيئا فهي تعاني، ويبدو بأنها ولدت ميتة! وكشف د. فهد الحسين عن تجربة شاهدها في البحرين، وهي إقامة مجموعة من الأندية خاصة بكبار السن، ويطلق عليها اسم: (دار ياكو) نسبة إلى جمعية خيرية يابانية. وتتكون الدار من قاعات مختلفة الأحجام، منها قاعة للجلوس واللقاءات، وقاعة للاحتفالات، وقاعة رياضية، إضافة إلى ورش للحرف. يقضي كبار السن أوقاتهم في العمل وإنتاج مصنوعات تقليدية مميزة تشتريها الدار. ويوجد داخل الدار طبيب. وتقام مسابقات داخلية بين أهل الدار ومسابقات خارجية مع الدور الأخرى، ويتم نقل كبار السن من قبل الدار. معلقاً: وجدت فرحا كبيرا بين رواد الدار، ومن المؤكد أنها تجربة ريادية في رعاية كبار السن جديرة بتطويرها وتعميمها في الأحياء.
أما اللواء د. سعد الشهراني، فأكد على بّر الآباء ليبروهم الأبناء، وقال: الدعم الاسري لكبار السن، وبر الوالدين، وتقديرهم، وجعلهم أولوية في حياة الأبناء هو العامل الجوهري في مجتمعنا، ولن يتغير المجتمع لمجرد أننا نرى فيه عيوبا أو قصورا أو حتى تخلف. وعزا د. مساعد المحيا عدم وجود وسائل ترفيهية للكبار إلى ثقافة الكبار وعادتهم الاجتماعية، وليس لهيمنة جهة تمنع هذه الوسائل. إذ أن كبار السن لدينا لا يرون أن من المقبول، أن يمارسوا الكثير من الوسائل الترفيهية. وخالفه د. الرديعان بالقول: الكبار يحبون البهجة ويحبون الآيسكريم لكن هناك من ينكر عليهم فيما لو فرحوا. واعتبر الأستاذ علي الورافي بأن المشكلة عندنا هي أن الكبار إذا عملوا شيئاً غير مألوف، قالوا: “ذا الشايب انهبل”.
واقترح د. علي الحكمي مشروعاً لتأسيس مقاهي لكبار السن ومن في حكمهم بتصميم مبتكر وأنشطة متنوعة، وبادر عدد من الأعضاء بمباركة الفكرة، واقتراح تفاصيل المشروع وآلياته.
الجامعات وأعضاء هيئة التدريس
نقل د. حميد المزروع خبرا مفاده أن أكثر من 18 ألف عضو هيئة تدريس أجنبي في الجامعات السعودية، من أصل 63 ألف عضو هيئة تدريس فيها، وبين أ. عبدالله الضويحي أنّهم يمثلون 30% تقريبا، وأنّ النسبة كبيرة، وهناك كوادر سعودية مؤهلة من الجنسين لشغر هذه الوظائف.
وألقى البعض بتساؤلات أمام النقاش في الموضوع فتساءل د. علي الحكمي: من أي الجامعات تخرج أعضاء هيئة التدريس الأجانب؟ وتساءل أ. خالد الحارثي من أي جامعات جاء الـ ٣٠٪ وما هو الأثر الذي يتركونه على البلاد؟ وهل يتماثل احتياجنا القديم بملأ الفراغ مع الاحتياج الحالي في إثراء البحث العلمي والمعرفة؟ و ماهي السياسات العامة التي تخدم هذا التحول وهل بإمكان الوزير الجديد رؤيتها وتبنيها؟
كما تساءل أ. مسفر الموسى: هل توطين وظائف أعضاء هيئة التدريس مطلب أساسي؟
فتوقع د. حميد المزروع: بأنه ومع ازدياد عدد الخريجين المبعثين ستزداد نسبة السعوديين بشكل أكبر، ورأى د. علي الحكمي، أن الجنسية ليست مهمة في اختيار الأستاذ الجامعي، المهم تميزه العلمي والبحثي، والتوجه لسعودة الجامعات على حساب الجودة خطأ كبير، مستحضرا بأنهم كانوا يلغون عقود أساتذة غير سعوديين متميزين بسبب بقاؤهم عشر سنوات أو بلوغهم الستين، ويحلون مكانهم غير أساتذة سعوديين حديثي التخرج من جامعات منخفضة. واعترض أ. الحارثي بأن الأستاذ المدرس يمكن توفيره بدون دكتوراه ومحليا، متسائلاً: ما هو التميز المطلوب اذا كان مدرس وليس باحث او مشرف خارق للتقليد؟ فأجاب د. الحكمي بأن الجامعة تشمل البحث العلمي والإشراف إلى جانب التدريس.
اللواء د. سعد الشهراني قال بأن السعوديون يستحقون التشجيع والتوظيف ورفع مستواهم، إذا كان ذلك ضروريا من خلال الابتعاث لما يعرف بـ(postgraduate studies)، التعاقد قد يأتي أحياناً بأشخاص غير مؤهلين ،فيما نتشدد مع أبناء الوطن، والتوسع في التعليم العالي يتطلب من الجامعات السعودية الأقدم، والأكبر أن تطور من برامج الدراسات العليا لتغذية الجامعات الناشئة. مضيفاً: لقد تأخرت كثيرا، وكان هناك مبررات زائفة لهذا التأخر، بل مارس بعض أعضاء الهيئة العلمية في هذه الجامعات فوقية أكثر زيفا على جامعات أخرى تقدمت على جامعاتهم وخاضت التجربة ونجحت أخيرا خصوصا في العلوم الدينية، واللغة العربية والعلوم الإنسانية.
واقترح بعض الأعضاء في هذا الصدد اشتراط نشر بحث علمي واحد على الأقل في مجلة علمية محكمة، والشفافية أكثر من هيئة الاعتماد الأكاديمي، وتعريف المجتمع بوضع الجامعات السعودية ومستوى جودتها، وتوسيع صلاحيات مجالس الكليات والأقسام، والتفريق بين الأهداف والخطط في مجال البحث العلمي، وفصلها عن التدريس والإرشاد الأكاديمي، وأن تكون الجامعات مؤسسات مستقلة، وعدم تكبيلها بأنظمة تحد من تميزها، وتتولى هيئة الاعتماد موضوع مراقبة الجودة، وجهاز آخر يراقب الأداء المالي، ولا حاجة للجامعات لجهات تديرها من خارجها.
وتوقع د. علي الحكمي أن قرار دمج وزراتي التعليم العالي والتربية والتعليم، هو مرحلة لاستقلالية الجامعات. كما لفت د. مساعد المحيا إلى فكرة ستطبق قريباً ، وهي اختيار مديري 3 جامعات، يمثلون لجنة تنظر فيما ترفعه مجالس الجامعات، ثم تقرر ما تراه ليعتمده الوزير.
واستغرب أ. الضويحي أننا في حين نعتبر الجامعة بدرجة وزارة، ومنها يأت الوزراء والقيادات في القطاعين العام والخاص، ومع ذلك لا نمنحها الاستقلالية في القرار والإدارة!
ولم يتفق د. حميد المزروع مع ما ذهب إليه البعض من فرض سعودة قطاع التعليم بجميع درجاته، قائلاً: ربما يكون هذا من أهم أسباب فشل مخرجات التعليم لدينا حيث أصبح مهنة من لا مهنة له ، والتعليم بدرجاته هو سلسلة من المراحل التربوية والتعليمية التي يجب ألا يقوم عليها الكوادر المتخصصة تربويا وتعليميا ولذلك أنا ضد سعودته دون معايير ثابتة، إضافة إلى التعليم العالي الذي أصبحت بعض برامج الدراسات العليا فيه أقرب لبرنامج (أبو ريال) مع احترامي لكم.
وتساءل د. خالد الرديعان: كيف تستقل الجامعات وهي قطاع حكومي؟! أولا يجب خصخصة الجامعات، وإيجاد ريع خاص بكل جامعة، وبعدها تستقل، الخصخصة هي الحل. ثانيا: ليس كل من حمل دكتوراه مناسب للتدريس حتى لو كان سعودي، على الجامعات أن تضع معاييرا لمن يود العمل بها، وتستقطب أي كفاءة بصرف النظر عن جنسيتها، ووجود غير سعوديين فيها ضرورة فكرية قبل أن يكون احتلال وظيفة من قبل غير سعودي.
عاد د. المزروع ليوضح بأن ما تحتاجه الجامعات أيضاً هو التخصص، فجامعة بحجم جامعة الملك سعود لديها ١٧ كلية متنوعة، لا يمكنها أن تركز على تخصصات نوعية، والميزانية العامة مشتتة على عدد كبير من الكليات والأقسام، وبالتالي غارقة بالتزاماتها التدريسية أكثر من البحثية، ولذلك نجحت جامعة البترول والمعادن لأنها ركزت على تخصصات نوعية محددة، وقد حان الوقت لأن تركز كل جامعة علي تخصصات تركز علي المعرفة والمهارة التي يحتاجها سوق العمل.
لكن اللواء د. سعد الشهراني طالب بأن توضع المعايير الموضوعية التي تطبق على الجميع ثم نتشدد بعدها! أما أن تكون آراء شخصية ، فكفانا وضع عراقيل أمام شباب الوطن، وبعض من يتشدد في بعض الأقسام العلمية في جامعاتنا، ليتهم يرجعون لماضيهم! لا يجب أن يطالب أو حتى يقبل أحد بأن يكون التوطين على حساب الكفاءة بل التوطين في الهيئات العلمية بالكفاءة، وبمعايير عليا. ولكن أين الخطط والسياسات و الشفافية والمساءلة؟ ألا يوجد بين شبابنا المبتعثين الذين ناهزوا 150000 ما يسد بعض الاحتياج ؟ نحن نحتاج لتطبيق مبادئ ومعايير الحوكمة في الجامعات.
وعبر د. الرديعان في إطار الحديث عن تدني رواتب الأساتذة الجامعيين، والمحفزات المالية بأن رواتب أساتذة الجامعات عندنا متدنية مقارنة بما يحصل عليه الأستاذ في جامعات الخليج بما في ذلك جامعات سلطنة عمان، وقال: هناك اضطررت قبل فترة مع بعض الأساتذة من الكويت لتقديم معلومة غير دقيقة عن راتبي عندما سئلت: كم معاشك؟
الأحكام القضائية في مصر
كانت تغريدة د. فهد العرابي الحارثي التي نصها “كيف كان مستوى الحريات في عهد #مرسي وكيف أصبح في عهد #الانقلاب؟
ذاك يساق إلى الإعدام وهذا يمجّد في عرشه أين ستخفون وجوهكم من الله والتاريخ ؟ “هي شرارة الحديث حول نتيجة الأحكام القضائية في مصر، والموضوعات المرتبطة بها كقضية الإخوان مثلاً، فذكر الأستاذ يحيى الأمير بأن هناك زخما عاطفيا هائلا في قراءة الأحكام القضائية التي صدرت في مصر، والعاطفة دائما ما تكون هي المسيطرة، ولكن أخطاء الإخوان وصلفهم هو الذي أوقعهم في هذا مع الأسف، وليس من الدين ولا من المروءة الشماتة بالسجين، كما لا يمكن تجاهل القيمة الكبرى التي يمثلها القضاء المصري، وكونه أعرق المؤسسات في مصر وأكثرها قوة وثباتا”.
أما الأستاذ خالد الوابل فكتب: أنا أتحدى اي سعودي “إلا من رحم ربي وهم قلة قليلة” يكتب في الشأن المصري لأنه تهمه مصر، أو ديمقراطية مصر، أو قضاء مصر؛ هو في الحقيقة يرحل خلافاته المحلية إلى مصر حتى يستطيع التحدث بحرية بعيدًا عن أعين الرقيب!
واختلف أ. الأمير مع هذا معتبراً أ فيه الكثير من التعميم ومصر ليست شأنا مصريا، وترسخ هذا المفهوم بعد أحداث 2011. إضافة إلى أن د. مساعد المحيا اختلف مع الأمير أيضاً ، وذكر أنه لو أجريت دراسة تحليلية للأحكام التي صدرت في السنة الأخيرة في مصر، لما وجدنا معنى لأن القضاء المصري عريق أو شامخ أو ثابت، وأن ما سنجده هم أفراد اختارتهم المؤسسة العسكرية والأمنية ليكونوا أداتها القضائية، وما جرى بدا أنه عمليات انتقامية استئصالية، فأي قضاء شامخ ذلك الذي يقضي بحكم الإعدام على مئات قبل عدة أشهر في جلسة استغرقت نصف ساعة؟! ليرد عليه الأمير بأنه لا أحد قال بأن الجلسة الخاصة بالنطق بالحكم هي كل إجراءات القضية.
الأستاذ بدر العامر اعتبر أن ما جرى في مصر من قبل الجماعات والمنظمات التي باعت نفسها لأمريكا والصهيونية قبل 2011 خيانة كبرى وحقيقة يتعامى عنها الكثير على الرغم من أنّ شواهدها واضحة مثل الشمس. وأضاف: بغض النظر عن الأحكام التي صدرت ، كل من يتابع الشأن المصري ويقرأ تفاصيل ما يجري فيه يعرف ضلوع حماس وحزب الله ومنظمات أخرى فيما جرى في المشهد المصري، وأن الأحكام التي صدرت لا تنفصل عن الحدث وتفاصيله، وذلك في معرض استدراك د. المحيا بأننا نعني الأحكام فقط. متابعاً: مثل تفريق البعض عن فعلين ثوريين 25 يناير و 30 يونيو: الأول يرونه عفوي وطبيعي وثورة اجتماعية غير منظمة ، والثاني يرونه مؤامرة. أنا لا أراهم يستحقونه أو لا يستحقونه، هذا حكم قضائي يقع عليه الصواب والخطأ والضلال، وحكمي عليه بناء على فحصه.
وأكد أ. الأمير أنّ كل شواهد المؤامرة حاضرة جدا في الفعل الأول، لكننا ومع زخم الشعور الثوري العام اندمجنا في اللحظة إلى درجة فقدان التوازن. ليضيف أ. العامر بأننا نتعامى عن ذلك، وأن أخطر شيء هو الربط بين السفاهة والمؤامرة وبين النزعة العقلانية وإنكارها. فقد بيّن القضاء أن الحكم غيابي وأن المحكمة لم تشعر بموت المتهمين، وهذا لتبيان أن القضية تقرأ من المخطط العام للثورات وليس دفاعا عن القضاء. واعتبر الدكتور عبدالرحمن الهدلق، أنه عندما يسيس القضاء فإن الأحكام تكون عرضة للخطأ. وأشار أ. بدر العامر إلى أنّ الدفاع عن الإخوان من مثقفينا بالوكالة هو الذي أشغب على الموقف وأربك الشباب. بينما ذكر د. مساعد المحيا أنا من الظواهر السلبية وجود نخبوي يهلل لإعدام طيف سياسي، ويبحث عن لغة تساعده في انتقاء إسقاطات معينة، ويغمض كامل عينيه عن قضاء لم يحقق أصلا في كل ما جرى من جرائم قتل.
وفي ضوء هذا طالب الأستاذ يحيى الأمير بالرجوع إلى أرشيف قناة المنار في تلك الفترة، والنظر في كيف احتفلت بخروج عناصر حزب الله التي كانت في سجن النطرون، وأيضاً الرجوع لأرشيف تلك الفترة لمعرفة لماذا سجن هؤلاء، وستظهر أخبار إلقاء القبض على خلية إيرانية تابعة لحزب الله. وسآءل د. المحيا: كيف عرفت بأنه لم يتم التحقيق في كل ما جرى من جرائم قتل؟ لأنه في حال ثبوت هذه المعلومة لديك كواقعة، سوف تتراجع قراءتنا وتحليلاتنا.
وواصل أ. العامر توضيحاته بالقول بأننا بدأنا نتحرج من نقد الاخوان أكثر من نقد حكومتنا لكثرة الفزيعة، والصورة المختصرة التي لا يهم معها التفاصيل: أن هناك مشروعاً للإخوان بالتعاون مع القوى الكبرى يضر بالأمن القومي المصري والعربي، وأن كل هذه التفاصيل تُقرأ في هذا السياق ومعه وبه. القتل والاقتتال له صور كثيرة، هناك اقتتال وقتل يقع بين فئة ودولة، وهناك قتال (الهيشات) الذي يقع بين الفئات المتصارعة في الشوارع، وهناك القتل العمد الذي يهجم فيه على أبرياء أو مركز شرطة، أو عزل فيقتلوا، ولكل حالة حكمها، وهو مفصل في كتب الفقه.
وتداخل د. عبدالله الحمود في النقاش قائلاً: دعوا مصر لأهل مصر، فو الله لم نعد نعرف برهم من فاجرهم. فما أحسن منهم أحد إلا بعلة، ولا أساء إلا بملة، ولا معروف عند خاصتهم، ولا منكر عند عامتهم. هم الأوس والخزرج في أرضهم، وهم الفرس على بعضهم. صنيعتهم دسيسة إلا من رحم ربك. سرهم عجيب، وعلانيتهم أمر غريب. تقول عنهم أجود الناس فتصدق. وتقول عنهم أحمق العرب فتصدق. وتقول عنهم أهل دين وأخلاق فتصدق. وتقول عنهم أهل فسوق فتصدق. وتقول عنهم ذوو عفة فتصدق. وتقول عنهم أهل ميثاق فتصدق. وتقول عنهم غدروا ببعضهم فتصدق. وتقول عنهم ما شئت فتصدق. ليس لأهل مصر في الخليقة جناس ولا طباق، وليس لهم بين الورى رفاق. رفيقهم من هو حولهم. إن رجوه أغاثهم، وإن دعوه أجابهم، وإن سألوه لم يمنعهم. طلابون للمراد، ملحون فيه، متمنعون عما يراد، متفلتون فيه.
وبين أ. بدر العامر أنّ القضية لم تعد مصر والسعودية، بل القضايا مرتبطة ومتشابكة، والأحداث بينها علاقة مباشرة، وإذا عطست مصر زكمنا! فمن شاء أن يدع فليدع. ليس الأمر من فروض الأعيان. ليضيف د. المحيا: استقرار مصر هو عمق للسعودية.
فأوضح أ. العامر بأنّ الحكومة المصرية تعلن استقلال القضاء وعدم التدخل فيه، ولو سلمنا بأن الأحكام مسيسة فهي للوصول إلى اتفاقيات، وهذا معروف في مصر. فالإخوان يحرضون الأتباع للإشغاب من أجل التفاوض والتخفيف، والحكومة تصدر الأحكام والاعتقالات من أجل الضغط باتجاه التهدئة. مشدداً بأن المهم ألا يرجع الإخوان حتى يتخلصوا من قياداتهم الهرمة الاستبدادية التكفيرية (المصلحجية) التي باعت مصر والبلاد العربية بحفنة من المليارات. وختم د. عبدالرحمن العناد الموضوع بالقول بأنه بعد هذه الأحكام: مصر ستكون بخير إن شاء الله.
حفلات تسليع الفرح
خلق نقل د. زياد الدريس لمقال له بعنوان حفلات كيدية تحدث فيه عن تسليع الفرح، وتحوله من استثناء إلى عادة قتلت بهجته، والهدف السامي منه، وبيّن أن ظاهرة انتشار الاحتفالات بدون مسوغ هو عَرَض لمرض التباهي والتنافس في البذخ والتمظهر وإدعاء التمدن. فكلنا ننتقدها ونبدي غضبنا واستياءنا لكننا ننخرط في مزاولتها استجابة لضغوط عائلية أو وجدانية ! مطالباً بمناقشة هذه الظاهرة، والإفادة من إيجابياتها الأسرية مع الحذر من سلبياتها المؤثرة على المزاج الاجتماعي ؟!
فبيّن د. المحيا أن المشكلة في هذه الحفلات أنها أضحت سلوكا افتخاريا يمارس من خلالها الفرد سلوكا يريد أن يبز به الآخرين، كما أنها أصبحت شكلا من أشكال الإتاوات التي تفرض على الأسرة والفرد ليقوم بها فيضطر إلى الاستدانة لتوفير المصاريف. ويعتقد د. خالد الرديعان أن تسليع المناسبات واللحظات السعيدة كإفراز رأسمالي هو السبب في كثرة الحفلات والمناسبات، وقال بعبارة أخرى: (فتش عن الرأسمالية) .
من جهتها أوضحت د. الجازي الشبيكي أنها حاولت بجهد متواضع أن تثني من تستطيع من عائلتها عن ذلك أو تخفف منه، ولكنها قوبلت باتهامات غير مباشرة بالبخل، وعدم مجاراة بقية أفراد العائلة، غير الحالة النفسية والمزاج السيئ لدى الشابات القريبات مني. وقالت: الموضوع يحتاج إلى جهد مركز، ومدروس لزيادة الوعي حوله، ثم عمل تكاملي على مستوى المجتمع، لتنفيذ نتائج ذلك الجهد باستثمار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وغيرها من القنوات، وقدوات المجتمع. لافتة إلى أنّ حاكم قطر السابق أوصى أفراد الأسرة الحاكم بضرورة التبكير في انتهاء حفلات الزواج، والتقليل من الحفلات، ومن الإسراف فيها، لأنه قوة الشعب القطري.
وكشف د. خالد الرديعان بأن نظاماً متعارفاً عليه في حائل يقنن إنهاء حفلات الزواج عند الساعة الثانية عشرة ليلاً، منعا للإسراف في الحفلات، وللحد من البذخ.
وأشارت كلا من د.عائشة حجازي، وأ. فاطمة الشريف، إلى أن هذه الاحتفالات آخذة في التضخم، فهناك حفلات زواج، وتخرج، وودلاة، وطلاق، وتوديع العزوبية، وقبل الولادة بشهر، ويتم الإنفاق عليها بشكل موازي لحفلات الزواج، وأنهم لم يتركوا شيئاً، والهدف هو الاستعراض والتصوير، وليس التعبير عن الفرح.
أما د. عبدالله الحمود فذهب إلى جانب آخر (غير رب الأسرة) وهم الفتيات والفتيان ولسان حالهم: (قال وش حدك على المر؟ قال اللي أمر منه!) مخالفاً ما ذهب إلى البقية، وموضحاً: مجتمعنا يئن من وحشة الأنس، ويبكي من فقد الترفيه، ويلطم (وهو يعلم جنحة اللطم)، عندما يرى العالم من حوله يأنس الناس فيه ويمرحون ويضحكون في (مجتمع) ليس عندنا صفاته وخصاله الاجتماعية التي عرفها (علم الاجتماع). فوجد الشباب من الجنسين وبخاصة الفتيات في هذه الحفلات حلا ليأنسن ويتمتعن بالحياة، وعلى الآباء والأمهات تمويل أنسهن، الذي عجزت مؤسسات المجتمع عن فعله. وأضاف: أنا مع هذه الحفلات، وأدعمها في بيتي قدر ما تسمح به المحفظة. وجريرة ذلك على كل من نكد على مجتمعنا جهلا منه، أو تزلفا، أو احتكارا للمعرفة. وخلص إلى أنّه ليس ثمة عيب فينا سوى عجز القادرين على التمام.
وثنى د. الدريس على ماذهب إليه د. الحمود نظراً لوجاهة منطلقاته التبريرية، وقال: هذا المأزق الثقافي لم يغب بصراحة عن ذهني حين كتابة المقال، ولذا كتبت: “هذا الاعتساف للحفلات، بمبرر ومن دون مبرر، ليس دوماً مردّه رغبة المحتفلين انتهاز أي فرصة للفرح والسعادة وإشاعة البهجة، بل ربما كان مردّه أحياناً إشاعة الضغينة والغيرة والتفاخر والتحاسد، خصوصاً بين النساء، فتتحول الحفلة إلى حملة للكيد وتصفية الحسابات!”.
وعلق د. الرديعان بأنه وفقاً لمنطق د. الحمود فإنه علينا تجهيز صالات عرض سنيمائية في منازلنا، كما قال اللواء د. سعد الشهراني إن صالات العرض في المنازل حاصلة فعلا في بعض البيوت، وبتقنيات الاتصال الحديثة، ولكن: المفقود هو الفرح والترفيه الجماعي خارج المنزل. وأضاف أ. عبدالله الضويحي بأن هناك ممارسات متقدمة لتوفير الفرح في المنازل حيث تنتشر بين البنات أكثر من الأبناء وتحولت إلى تجارة رائجة.
أما الاستاذ خالد الحارثي، فزاد في توسيع دائرة النقاش وذلك بالحديث عن الرأسمالية بشكل أوسع فرأى أن قيم الفراغ الرأسمالية التي تقودها البرجوازية لدينا وتحاول نشر المظاهر بمبالغة تضيع معها جواهر المناسبات والفرح وتشوش على جمال الأصل والجوهر، وأن تقلص وانكماش حجم الطبقة الوسطى يغذي مثل تلك المظاهر الاصطناعية، التي تعبث في المتعة الحقيقية للتجمع والاحتفال. معتبراً أن البذخ يبدد المتعة الأصيلة ويحدث التشويش، وأننا إذا تعودنا سماع ورؤية بذخ الاحتفال الذي لا يطيقه الكثير من الشعب فنحن بشكل، أو بآخر نهدم سلالم الجدارة على الشباب ونحرف معاني المتعة من ذوات المناسبات إلى بذخ المظاهر والأدوات.
هذا قاد د. عبدالسلام الوايل إلى الاستغراب بعزو مجتمعنا و قيمه المستجدة للرأسمالية! وقال: نحاول أن نعلي من أنفسنا حين نصف مجتمعنا بأنه رأسمالي أو قيمنا بقيم رأسمالية. الرأسمالية تعنى مجتمعا منتجا جادا يقدس العمل والقيم. الرأسمالية تعني تسيد القانون في مخيلات الناس والعقلانية في تصرفاتهم وخياراتهم. نحن بعيدون من كل هذا. لا نحن مجتمع رأسمالي و لا قيمنا قيم رأسمالية.
ولفت د. مساعد المحيا إلى أنّ التلفزيون لدى الغرب ارتبطت برامجه بالترفيه لأن برامجه كانت لمجتمع صناعي، يحتاج الفرد فيه لبعض الترفيه بعد يوم عمل شاق، وأنّ غالبية الحضور في مباريات الكرة في إسبانيا أو انجلترا من كبار السن، أما الشباب والأطفال فلا يتاح لهم حضور المباريات لغلاء التذكرة، وامتناع الوالدين أو عدم قدرتهم على دفع التذاكر، وعلى هذا فإن شبابنا مترعون بالعديد من الوسائل الترفيهية.
بينما اعتبر أ. الحارثي أن الرأسمالية فشلت كنظرية في ترقية الانسان ورخاء، فأمريكا الدولة قدمت تريليون دولار لدعم البنوك وهذا مخالف لمبادئ الرأسمالية ومثل ذلك كثير في تاريخ أمريكا، أيضاً فإن دول شمال أوروبا واسكندنافيا تجمع بين عدد من الإجراءات والسياسات التي تمنع تحكم القلة بمصير الأغلبية وهذا نموذج نجح للوصول بالمجتمعات هناك إلى تبني التكافل البراجماتي الواعي. بأهمية سلوك الفرد في بناء وبقاء استقرار المجتمع.
لكن د. عبد السلام الوايل رفض أن يقرر الفشل من خلال نقاش، بل عبر سقوط النموذج وعجزه، كما حدث للنموذج الاشتراكي الشمولي قبل ربع قرن، وإلى الآن، فإن الرأسمالية هي المتسيدة كنموذج إنتاجي أمثل. وذكر بأن القصد هو التوصيف والتصنيف. فالمنظرين الماركسيين شديدي العداوة للرأسمالية. لكنهم يقرون بأنها حالة ارتقاء تاريخي عما قبلها من نماذج. والذي يفرقهم عن المنظرين الليبراليين أنهم يتطلعون لتجاوزها نحو عالم أكثر عدلا. لكنهم حتما لا يتطلعون لما قبلها. موضحاً أن دخول علينا لا يعني ببساطة أننا صرنا رأسماليين، إنما يعني أننا استوردنا بعض خصائصها الاستهلاكية. فبين د. الرديعان أنه ضد الصورة المتوحشة التي نراها اليوم للرأسمالية, وأنها –أي رأسمالية اليوم- تقنعك وبكل الطرق أن أنفك ليس جميلا، فهو مجرد أداة لدخول وخروج الهواء، وأنه يلزم تجميله لكي يصبح أنفا حقيقيا وجميلا كذلك، وهذا سر انتشار عيادات التجميل والهوس به في السنوات الاخيرة. فعاد د. الوايل ليقول نحن سوق، ولسنا خط إنتاج. بمعنى أن الرأسمالية هي: سوق + خط إنتاج.
الأستاذة فاطمة الشريف ترى أن النظام الرأسمالي سيزول، ولم يعد يوجد سبب معقول للإشادة بهذا النظام، وأن هذا ما أكدته تصريحات عديدة لأعضاء في الاتحاد الأوروبي في المدة الأخيرة، خصوصا في منتدى دافوس الذي عقد مؤخراً. عن الرأسمالية وسقوطها، مدللة على ذلك، بأن الوضع في اليونان، المهددة بالإفلاس، يعكس بوضوح الفشل الاجتماعي الكبير للرأسمالية في أوروبا، وفي ايرلندا والبرتغال وإسبانيا لا يختلف الوضع كثيرا.
وطرح د. مساعد المحيا وجهة نظر تفيد بأن مفهوم السوق أبعد وأشمل إذ أصبح سوق الأفكار ونماذج الحياة الغربية القائمة على الحرية الواسعة غير المنضبطة وتسويقها في مجتمعاتنا بعيدا عن روح الوحي وهدي الرسالة ، ويهدد ثقافتنا لاسيما وأنها أصبحت تمرر عبر ثقافة ناعمة جعلت مجتمعاتنا تميل إلى كثير منها. كما شدد أ. الحارثي على أن النظريات تظل نظريات، وتطبيقها هو الأهم، وهو الذي يحكم عليها بالنجاح والفشل. وأشارت أ. الشريف مرة أخرى إلى مؤتمر دافوس، وأنه منذ سنتين تقريبا أعلن كل من ساركوزي وميركل ضرورة التخلي عن هذا النظام والانتقال إلى نظام آخر مثل اقتصاد السوق الاجتماعي، وهو البديل الذي يعيد الإنسان إلى مركزية النظام كهدف للنشاط الاقتصادي، بدل هدف الربح الذي تدعو إليه الليبرالية الجديدة، مبينة أن هناك العديد من الدول التي ترفض هذا الطرح وعلى رأسها الولايات المتحدة خاصة وأنها هي التي صنعت النظام الرأسمالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية حسب حاجاتها الخاصة ، ثم قررت أن تقفز لاحقا إلى الليبرالية الجديدة بعد أزمتها في السبعينات لتحل مشاكلها على حساب دول العالم الأخرى، ودول العالم الثالث بشكل خاص كما جرت العادة.
وعزا د. عبدالسلام الوايل انتصار الرأسمالية إلى قدرتها على تطعيم نفسها بنقد خصومها لها، مبينا أنه لا مقارنة بين رأسمالية اليوم والرأسمالية التي كتب عنها ماركس قبل قرن ونصف، أنه لو كان تعديل الرأسمالية لنفسها وتحسيناتها لذاتها فهذا يعني أنها لم تعد رأسمالية، ولكانت منتهية منذ أكثر من قرن. واستغربت أ. الشريف القول بانتصار الرأسمالية، مع كل هذه الاخفاقات والاصوات التي تعلو حول العالم وتطالب “بنظام رأسمالي اخلاقي، إنساني، يهتم بالشؤون الاجتماعية، ويخلق فرص عمل، ويوجه الاستثمارات نحو القطاعات الاقتصادية الحقيقية. وتداخل د. خالد الرديعان ليشير إلى أن سنة 2012م هي سنة الجمعيات التعاونية لتنشيط “الاقتصاد الثالث”، الذي يحارب رغم كل شيء. ووافق د. الوايل ما أشارت له أ. الشريف قائلاً أنا أطالب بنظام أكثر أخلاقية وعدلا. لكن الحدث الكوني الذي هو انتهاء الحرب الباردة يسمى انتصار الليبرالية/الرأسمالية على الشمولية/الاشتراكية. هذا الوصف لا يعني أن الرأسمالية نظام عادل أو بلا مشاكل. إنه محض وصف لعملية تاريخية حدثت وتمت وتحتاج فهم و إدراك.
وانتهى الحديث هنا إلى د. زياد الدريس الذي قال بأن الأفكار التي تم تداولها حول الرأسمالية والرأسمالية البديلة إن صح التعبير جميلة، متفقاً مع د. عبدالسلام الوايل من أن الحديث عن سقوط الرأسمالية ما هو إلا حديث أمنيات لا وقائع، ذلك أن المرات العديدة التي أوشكت فيها الرأسمالية على السقوط، أو هكذا ظن الناس، كانت تستعيد أنفاسها عبر قدرتها على نقد أدواتها وتجديد نفسها، وهي خصلة تجعلنا أمام رأسمالية جديدة أعقاب كل أزمة مالية، ومن أبرزها الأزمة التي وقعت في القرن التاسع عشر وفرح بها ماركس وهو ما زال يدون كتابه الشهير (رأس المال). لكن فرحة ماركس لم تتم ! ودعا للإطلاع على الرابط التالي لم يرغب في المزيد: http://www.ziadaldrees.com/?p=409، قائلاً بأنه ما دام أن الرأسمالية مستمرة في المحافظة على ميزة النقد الذاتي والتعديل فسنكون كل حين أمام رأسمالية جديدة بديلة عن الرأسمالية القديمة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا !
مقال حصة آل الشيخ !
تناول الأعضاء مقال الكاتبة حصة آل الشيخ الذي أثار ردود فعل واسعة بالنقاش والتحليل، بعيدا عما يدور في تويتر من إدانة وتحريض، بدأها د. خالد الرديعان بالقول أنّ حصة آل الشيخ تغرد خارج السرب وتنكر أشياءً كثيرة، وليست دقيقة في وصف الوضع، فهي تتبنى منظور نسوي وتدافع عنه. وعبرت أ. فاطمة الشريف بأن المقال يغلب عليه الجهل، بغض النظر عن التجاوز الديني، وكان من الأولى للكاتبة أنّ توسع اطلاعها وثقافتها، قبل أن تنتقد الدين. وأشار د. عبدالسلام الوايل إلى أنّ الشيخ محمد الغزالي انتقد الطريقة التي تطبق بها عدة الأرملة، أجاز لها التزين من أجل جذب الخطاب، وأنّه يستدل بأمثلة من عالم التابعين لنقد الطلب من الأرملة الانعزال والتقوقع أثناء فترة العدة. كما نبّه الأستاذ مسفر الموسى إلى ضرورة العدل، وطالب بإعادة قراءة مطلبها الأساسي في المقالة أولاً، ثم البحث عن نص شرعي يخالف ما أرادت قوله. متسائلاً: هل يوجد نص مباشر يدعو المرأة للانعزال في مكان محدد أثناء العدة؟!
الدكتورة الجازي الشبيكي رأت أنّ كلام الشيخ الغزالي غير مقبول نفسياً وشعورياً وإنسانياً، قائلة: بالله عليك.. كيف لامرأة فقدت شريك حياتها أن يكون لها أدنى تفكير أو ميل للتجمل والتزين في أشهر وفاته الأولى، وهل هي منعدمة الإحساس والمشاعر والوفاء؟! واتفق أ. عبدالله الضويحي مع ذلك، مرجعا المشكلة في ذلك إلى الأعراف التي تحولت إلى شرع. وذكر د. خالد بن دهيش بأنّ إحدى الزميلات المسؤولات في العمل داومن بانتظام بعد عدة أسابيع من وفاة زوجها، فاستغرب ذلك، فذكرت له بأنها سألت الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – فأجاز لها الخروج للعمل دون التزين – إذا رغبت – رغم أنها تستحق إجازة عدة وفاة. مبيناً أنّ أسلوب الكاتبة في تخريج الهدف من العدة لم يكن جيدا، إذ أدخلت الموروث الاجتهادي لتحقيق التوجيه الرباني ولهذا كان المقال مثارا للنقاش. واتفقت الدكتورة عائشة حجازي مع ذلك، وقالت بأنّ التشريع واضح في مثل هذه الأمور، وله مبررات واضحة، ولكن الخلط بينه وبين بعض الأعراف والتقاليد هي ما جعلته يأخذ منحى آخر ويتعرض للنقد. فلم يذكر الدين أبدا أن الأرملة تلتزم البقاء في مكان، ولا تمارس أي نشاط.
لكن د. عبد السلام الوايل اعتبر أن الأحاسيس الذاتية لا تدخل في باب الحلال و الحرام، بل في باب الحسن و القبيح، ويمكن للشخص اعتبار هذا الفعل غير مقبول وفقا لقيميه الخاصة، مؤكداً أن ذلك لا يعني الادعاء بأن صاحبه اعتدى على أحكام الله. مطالباً بالتفريق بين ما نستحسنه وبين ما نستقبحه، وقائلاً: هي أحكام ذاتية تختلف باختلاف الأفراد، والثقافات، و لا مشاحة في الاختلاف فيها، والاختلاف بينها وبين الأحكام الشرعية.
الأستاذ مسفر الموسى قال بأننا أمام إرث ثقافي، كما ذكرت الكاتبة آل الشيخ، وأنّ الكثير من الأمور تحتاج إلى مراجعات. وبين أ. الضويحي، ود. الوايل بأن الهدف الأساسي من العدة هو للتأكد من وجود حمل من عدمه، وحفظ الأنساب و عدم اختلاطها. وربما هناك أسباب أخرى خافية.
بينما دعت د. الشبيكي: لترك الحكم الشرعي جانباً، وتساءلت: ماذا يُعيب اتباعنا لبعض الأعراف والتقاليد الوفية الجميلة التي تظل من سمات مجتمعاتنا؟ لماذا يجب أن نُغير كل شيء في حياتنا حتى نكون طبق الأصل كالآخرين؟ لماذا نثور لمجرد الثورة على ما يميزنا إيجابياً، ويؤكد على إنسانيتنا في التعامل والوفاء والحب الذي افتقدته مجتمعات غيرنا في خضم صخب الحياة وتسارعها وجمود العلاقات فيها؟!
الدكتور حسين الحكمي ألمح إلى أن استخدام الكاتبة قد لا يكون موفقا، إذ أنها مست بمسألة دينية، وأنّ ذلك هو ما أدى للإقصاء والهجوم بهذا الشكل، مؤكداً بأن التغيير قد يكون مطلبا بسبب تغير المجتمع وخروج المرأة للعمل والانتقال للمدينة والبعد عن العائلة والأقارب وأسباب أخرى كثيرة. فالتغير حاصل لامحالة ، المهم أن لا يخالف الشرع ويكون لأجل التيسير ومساعدة الناس. وعلق د. الوايل على تساؤلات د. الجازي بالقول أن هذه أسئلة مشروعة، ولكن يجب التأكيد على أن الكاتبة لم ترتكب جرما، وبعد تأكيد هذه النقطة: يمكن للجميع انتقادها والرد عليها. كما أن الأمر، إن كانت المقاربة من زاوية الوفاء يطال الزوج الذي توفيت عنه زوجته أيضا.
على إثر ذلك ذهب أ. الضويحي إلى أن القضية ليست ثورة على الأعراف والتقاليد، بل بعضها مطلوب المحافظة عليها، وإنما الحديث عن الموقف الشرعي، وموقف المجتمع الذي يختلف من مجتمع لآخر حتى داخل المملكة العربية السعودية نفسها, موضحا أنّ النقد في هذه الموضوع طال الأشخاص وإقصائهم، أكثر من الفكر والرؤى ووجهات النظر. وأوضح الدكتور اللواء سعد الشهراني بأنّ بعض أفكار الكاتبة حصة آل الشيخ، جيدة بل ممتازة ولكنها تحتاج إلى ترشيد قلمها. وانتهى الجميع إلى أنّ الخلاف في هذا الموضوع هو في إلباس العادات والتقاليد والخيارات الشخصية في هذه الموضوع لباس القدسية، وكأنها من الدين.
من جهته، ذهب الأستاذ خالد الحارثي تعليقا على مقال آل الشيخ، إلى أن الاستهزاء والسخرية من علماء الشريعة ليس حلا، ولا يدل على وعي أو منطق ، لأن هؤلاء الشرعيين قاموا باجتهادهم، في إطار زمن محدد وحال وواقع محدد ملتزمين بمنهج واضح ومحدد، وأضاف في نظري أن مثل هذه الهجمات على علماء الشريعة هي أحد أهم الأسباب التي تؤجل تجديد الخطاب الديني وحداثة الفتوى، وأنها زوبعة إعلامية.
أما الدكتور عبدالله الحمود، فأشار إلى أن المجادلة بالعلم نقلا وعقلا هو ما يعجبه، في حالة مثل كتابات حصة آل الشيخ الفكرية ، وليس أخذها بجلبة المواقف وما اعتاده الناس. مطالباً بمناقشة المقال بالحجة الشرعية من مصادرها الأصلية.
واعتبر الأستاذ بدر العامر أن المبالغات في رسم المشهد الاجتماعي مؤذية، وأحيانا تكون انعكاسا لبيئة الشخص الخاصة، فيظن أنّ كل المجتمع كذلك. وأن بعض العوائل إذا توفي أحد منهم، تظل نساؤها بلا زينة لمدة تزيد عن السنة، لكن ذلك ليس بالقصر والإكراه، بل بالإرادة الذاتية، ويظنونه مبالغة في الوفاء. مضيفاً: الذي يقرأ مثل هذه المقالات، يخيل إليه أن هناك حراسات مشددة على المعتدة، أو أن المتوفى عنها زوجها تتحين الفرصة للخروج والمرح، لكن الحقيقة أنه يقرأ بين السطور في بعض هذه المقالات، خلفية رافضة للقيم الشرعية أكثر من رفضها للتطرف والغلو.
الدكتور علي الحكمي أدلى برأيه في هذا الموضوع، وقال بأن مجتمعنا ليس بهذا السوء الذي يصوره البعض، سواء في تعامل الرجل مع المرأة وقيمتها عنده، أو في تعامل المرأة مع الرجل وقيمته عندها. وتعميم عينة صغيرة من تصرفات بعض فئات من المجتمع على المجتمع بشكل عام خطأ. وبين أن بعض المقالات، ومن خلال قراءتها، تشعرك أنها تتحدث عن مجتمع آخر تماماً، بينما الذي أعرفه أن المجتمع الذي عشت وأعيش فيه، لا المرأة فيه في سجن عند وفاة زوجها، ولا الرجل يركض للزواج عند وفاة زوجته، بل هناك احترام متبادل في حياتهم، وعند وفاة أحدهم.
وعلى ضوء ذلك سأل د. الحمود: هل يمكن أن نقول أن بين أسطر الشرعيين ما هو ناقم على الحياه ومحب للكدر؟ متبعا ذلك بالقول: لا أظن ذلك منهجا حميدا. فأجاب أ. العامر بأنه يجزم بأن هناك من يقول هذا بين سطوره، وهو يقوله في سياق الكلام عن كاتبة محددة، وليس كرؤية تيّارية، ليعلق أ. الحمود: إذا هذا خلل عميق في منهج النقد، ولا يفرق أن يكون الحديث عن كاتبة محددة أو لا. واستطرد الحديث بعد ذلك بين د. الحمود وأ. العامر حول منهج النقد، والتحليل الظاهر والباطن.
وأوضح د. حسين الحكمي، أنه عند تحليل أي خطاب فإن الشخص يحلل الكلمات والنصوص بعيدا عن خلفية كاتبها، وفي مثل حالة مقال حصة آل الشيخ، فإنه علينا تحليل المفردات بعيدا عن الكاتبة لكي نخرج بأصل الفكرة. مضيفاً: ربط هذا المقال بأفكار الكاتبة وبعض طروحاتها التي قد تمس الشرع يحتاج إلى أن يتم الاستفهام من الكاتبة عنه لتشرح مقصدها؛ لأن ذلك يترتب عليه حكم شرعي. أما عند تحليل النص فعلينا أن لا نضع سيناريوهات ونبني عليها تحليلات وآراء، ثم نجزم بأن هذا ما رمت إليه.
ورداً على هذا نوه أ. بد العامر بأنه ردد وجادل الذين يتهمون حصة آل الشيخ بـ (إنكار الحكم الشرعي)، وأنها تقر بأصل التربص ولكنها تنكر طقوسه. لكنه لا يرى أن يتم ذلك بمعزل عن سياق مقالاتها. منبهاً بأن الكوميديا السوداء لا تصلح في سياق النقاش في أمر شرعي، وأن هناك غياباً لمنهجية التناول للمسائل الشرعية، الذي هو علم قائم بذاته وأصوله.
وتحدث عن الحالة النفاقية في هذا السياق، وقال: من إبداعات المنافق التي ذكرت في القرآن أنه يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، ثم يبدأ يرمي كلمات يفت كبد المجتمع وله ألف مخرج ومخرج بحيث لا يكون ثمة مستمسك عليه، ولذا يعامل في الظاهر كمسلم. مضيفاً: تخيل عبدالله بن أبي بن سلول كان رأس المنافقين، يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل! كلمة عظيمة، لكن لا مستمسك في الحكم القضائي عليه فيها، ولو دعي وسئل لقال: الرسول الأعز وأعداؤه الأذلون، والله تعالى قال عنهم: (ولتعرفنهم في لحن القول)، ولحن القول هذا قرائن للباطن إذا تكاثرت على الشخص. وبين بأن الحالة النفاقية هذه أعم من فكرة النفاق، فحتى الذي يعيش في مجتمع له طقوسه الخاصة يبدي أفكاره بشيء من التورية وترك الوضوح.
لكن د. عبدالسلام الوايل رأى بأن النقاش الفكري لا يصح أن يقارب بألفاظ شرعية كالردة والنفاق، لأن هذا يسقط أهم شرط لنقاش حر، و هو عدم ادعاء طرف أنه يدافع عن أحكام الله، أو أن خصمه يمثل خطرا على هذه الأحكام. وأبدى د. مساعد المحيا تحفظه على آل الشيخ، وأنه كان يمكن لها أن تنتقد المظاهر المجتمعية التي دخلت في مفهوم التربص فهو أدعى لقبوله، لكنها اتجهت إلى استخدام مصطلحات مثل التراث المأفون والاحتقان ضد هذا التراث دون التصريح بغير الصحيح منه، وهذا ما جعل من الصعب تصور أنها تريد ما يجري في واقع الناس من ممارسات خاطئة. معتبرا أنها بالغت في القول بأن المرأة لدينا تقضي العدة وفاء للرجل ثم تسخر من الرجل بأنه يتزوج بأخرى منذ أن يدفن زوجته، وأن هذه المقابلة في المشهدين غير منطقية.
وفي أثناء اشتعال النقاش حول المقال، كتب د. عبداللطيف العوين: صحيفة الرياض تحذف المقال، فعلق أ. مسفر الموسى بأنها مصيبة، وأ. عبدالله الضويحي بأن الصحيفة خضعت لرأي الجمهور، وهذا ضعف إلا إذا كان هناك ما هو أقوى منها. وقال د. عبدالسلام الوايل بأنه يحسن إبعاد المفاهيم العقدية من مجال تصنيف الكتابة والفكر، وأن الطريق نحو تحمل الاختلاف طويل، مؤملا أن نتعود عليه شيئا فشيئا. وتعجب أ. العامر من هذا، وقال: الدعوة لإبعاد المفاهيم العقدية والشرعية في مجال النقاش في المسائل العلمية الشرعية قد يصدق في حدود القضايا الدنيا المحضة المتعلقة بالإجراءات ، أما في مثل حال مقال آل الشيخ فغريب !
ولم يستغرب د. عبدالرحمن الهدلق ما كتبته آل الشيخ، مشيراً إلى أنها صاحبة سبق في الإبحار عكس التيار، وفي أمور لا ينبغي التهاون فيها، مثل هذه المقالات المثيرة للجدل والتي يعتبرها كثير من أفراد المجتمع مصادمة لشرع الله قد تكون من أسباب دفع بعض الشباب للتطرف.
وبعد تداول انتشار هاشتاق مقال حصة آل الشيخ على تويتر ووصوله للرقم (3) في الترند، بأكثر من 119 ألف تغريدة ، وإشارة أ. خالد المشرفي بأنه غالبيتهم موجهون ولا يستوعبون ما يكتبون، علق د. مساعد المحيا، بأن ذلك الوصف فيه حالة من النرجسية، إذ ينبغي احترام كل ذي فكر، وأننا إذا آمنا بطريق الحرية والديمقراطية، فينبغي أن تتسع صدورنا لآراء الآخرين، ومن أكبر الأخطاء مصادرة الناس رأيهم. ليضيف د. عبد السلام الوايل: التعبير عن الرأي حق مادام أنه لا يحرض على ارتكاب العنف، وإن لم تسد هذه القيمة فسيتطلع كل أحد لكتم صوت معارضيه، ومن الواضح أن التعبير يكتسب شرعية الوجود من محتوى المقولات، وليس من مبدأ الحق في التعبير.
وكشف د. الهدلق عن أن حيثيات مقال حصة آل الشيخ اتضحت لأصحاب القرار من خلال تواصل العلماء مع الأمراء ومن خلال حملات تويتر التي تجاوزت عشرات الآلاف من التغريدات، وأن الإجراءات ستتخذ حوله. موضحا أننا أمام ضغوط شعبية تشكل أغلبية إن صح التعبير. وعلق د. خالد الرديعان بأنه إذا تم اتخاذ إجراء قاس بحق الكاتبة، فإنه قد يكون له تأثير على هامش الحرية الصحفية في المملكة، وهو هامش محدود –كما وصفه-.
موضوع المقال قاد الحديث لموضوع حرية التعبير، وممارسة الإقصاء في الإعلام، والقضايا ذات الصلة، فتساءل أ. خالد الوابل: لماذا لا يُعطى أي معترض على المقال، موثوق بعلمه الشرعي مساحة في الجريدة لتفنيد ما جاء في مقال آل الشيخ؟ أليس من المفترض ألا يُمارس إعلامنا الإقصاء، وأن يعزز فكرة الحوار ومجادلة الفكر بالفكر؟
فقال د. الهدلق: إعطاء الجميع فرصة متساوية أمر جميل، لكنه لا يطبق للأسف. وقال أ. الحارثي: نحن حديثو تجربة بالتعبير والحريات غير مصحوبة بحريات حقيقية في الحياة العامة، فهل نتبنى الحدود القصوى من الحريات ونعرض المجتمع للاضطراب والتناقض دون تفسيرات مقنعة تحفظ البنية الاجتماعية للأسرة. كما تساءل د. خالد الرديعان: أين مخرجات الحوار الوطن، وضرورة تقبل الرأي المخالف ومحاورته؟ فأوضحت د. الجازي الشبيكي بأن “الحوار الوطني” كان يحتاج لتنظيم برامج تنموية مختلفة تشترك فيها الأطياف الفكرية المختلفة، ولا يُكتفى بالحوارات فقط. وذكّر أ. الوابل بأنه إذا استمررنا على هذه الحال (الإقصاء) فإن مركزا واحدا للحوار لا يكفي!! واعتقد أن جريدة الرياض فوتت على نفسها فرصة ذهبية بخلق حوار فكري قد يطول ويُثري بدلا من حجب المقال، وسيكون فعلها سنة يتبعها بقية إعلامنا.
الأستاذ عبدالله الضويحي توصل بعد قراءة متأنية لمقال آل الشيخ إلى بعض النتائج، فعاد ليقول بأن عنوان المقال كان مثيرا ويهيئ المتلقي لردة فعل مقولبة وجاهزة تجاه هذا النوع من الطرح، كما أنّ المقدمة كانت امتدادا للعنوان مما يرسخ ردة الفعل تلك، ويجعل المتلقي مهيأً أكثر لها، وبخاصة عندما يرتبط ذلك باسم الكاتبة. مضيفا بأنه من الواضح أن الكاتبة تدرك الحقيقة والحكم الشرعي بدليل استشهادها بآيات من القرآن الكريم، ولكنها أرادت توصيل رسالة معينة، فقد أخذت قضية محسومة سلفا ويمكن مناقشتها في بضعة أسطر ودندنت عليها عندما بالغت في جلد الذات والتعامل مع المرأة السعودية بصورة غير صحيحة، والدخول في مواضيع أخرى حول العلماء المتقدمين، وبعض النصوص والتراث. وأوضح بأنه ليس غريبا تتصدر التغريدات حول الموضوع تويتر لأسباب منها استثمار ذلك ممن يريدون الإساءة للسعودية، أو لنسائها، أو للإسلام على طريقة (وشهد شاهد من أهلها)، وانتهى إلى القول بأن الذي أجاز المقالة إما أنه لم يقرأها، أو قرأ مقتطفات منها معتمدا على أن الكاتبة منتظمة مع الجريدة وتعرف حدود وضوابط النشر. أو أنه يدرك ذلك وأراد هو الآخر تمريره لهدف معين، أو أن ثقافته لا تساعده على فهم مضامين الموضوع ومن ثم تداعياته.
وانتهز الأستاذ خالد الوابل هذه الفرصة ليشير إلى ردود الفعل على مقال القفاري في جريدة اليوم حول مخططات إيران، ورد رئيس تحريرها، ووقوف الدولة حينها موقف الحياد! و لخص أ. مسفر الموسى من وجهة نظره، موقف المعارضين لمقالة حصة آل الشيخ في المنتدى على فئتين: الأولى تنظر إلى أنها تحدثت عن أمر غير موجود في مجتمعنا وأنها قالت بما يقوله العلماء، وأن التجاوزات والعزل لا يتم إلا بصورة نادرة. والثاني تقول أنها تجاوزت الحد الشرعي وخالفت النص المنزل. والخلاصة أننا في مجتمع لا يقبل بالرأي المعاكس للتيار، وبالتالي ففرصتنا في التغيير دائما نادرة ومحدودة حتى في أوساط النخب.
لكن د. عبد السلام الوايل ألمح إلى وجود وجهة نظر مختلفة حول موضوع المقال، مفادها أن ما جرى من هبة تويترية يخفي وراءه صراع تيارات إسلامية على السلطة الدينية في البلد. وهو ما أكد د. الهدلق مستدركا بأن ذلك لا يعني عدم مشاركة تيارات أخرى في الصراع، بل قد يستغرب البعض من وجود “نوع من أنواع التحالف” بين تيار إسلامي سلفي وبعض الإخوة الليبراليين في حالة الأخت حصة وفي حالات سابقة. كما خالف د. مساعد المحيا تلك الفكرة، وقال: ربما كانت الردود المتشنجة تقوم على موقف مسبق من الكاتبة، وبالتالي فإن كثيرا مما جرى هو تصفية حسابات، ويبدو أن الغضب ليس تويتريا، وإنما هو غضب مجتمعي، فكثير ممن لا يستخدمون تويتر محتقنين على الكاتبة، ورأيي هو أنه من الخطأ أن تكون هذه المقالات المستفزة معيارا لمعرفة مدى تقبل الجمهور للرأي الآخر، لأنها مقالات صادمة ومستفزة للمجتمع، ومثل مقال حصة يمكن أن يكون أداة إفساد لنمو تطور الحوار المجتمعي.
وحول موقف الكاتبة د. نورة السعد من مقال الكاتبة حصة آل الشيخ وتشكيكها في أنها تكون قد كتبته، ذكر أ. مسفر الموسى بأنه تشكيك في غير محله، ورأت د. الجازي الشبيكي بأن السعد تتخذ موقفاً حدياً متطرفاً من كثير من عطاءات وجهود المرأة السعودية الطامحة للمشاركة بجدية في تنمية بلادها، وتصب جام غضبها على من لا يعجبها من أولئك النساء بألفاظ قوية وجارحة، وقد وافقها د. عبدالرحمن الهدلق في ذلك. وذكر د. الوايل بأن تشكييك د. السعد بالقدرات الكتابية لحصة آل الشيخ هو تكتيك قديم، فحين كتب قاسم أمين كتابه “المرأة الجديدة” تلقى نفس التشكيك، بس لصالح البريطانيين وليس المغاربة.
القديح، والطائفية والإرهاب
خلّفت حادثة تفجير القديح تفاعلات وأراء مهمة حول تداعياتها، وأسبابها فاستشهدت الأستاذة فاطمة الشريف بمقولة للكاتب أمبرتو أيكو: “لا يفعل الإنسان الشر بكمال وحماس مثلما يفعله عندما يصدر عن قناعة دينية”، وقال اللواء د. سعد الشهراني أن المقصود من هذه التفجيرات ليس القطيف ولا أهل القطيف، بل أمن المملكة العربية السعودية، ليضربوا العصب الحساس في بناء هذا المجتمع، ولينغمس البعض في مستنقع الطائفية البغيضة. واعتبر د. فهد العرابي الحارثي أن ما حدث في القديح بالقطيف جريمة بشعة يرفضها الدين والأخلاق والعقل السوي. كما ذكر أ. خالد الحارثي بأنه عند الرجوع إلى الحادثة الأخيرة في حسينيات الأحساء، وهذه الحادثة نجد أن المتطرفين يعملون على عدد من المسارات المتوازية، منها: ضرب شيعة السعودية أيضا أملا في إثارة الفتنة/ والتأثير على الداخل السعودي. معتبراً أنّ هذه الأعمال الخطيرة تحتاج إلى إعلام يكافحها بتخصصية واحترافية. أما د. خالد الرديعان، فرأى أنّ حادثة القديح يراد منها تفجير المجتمع السعودي من الداخل.
واتجه د. عبدالسلام الوايل إلى القول بأن هناك من يريد لنا أن نمضي على طريق العراق، وسوريا لجهة الاحتراب المذهبي، مع ملاحظة أن العوامل الداخلية لدينا تمنع ذلك –بحمد الله-، وأضاف بأن الحال في حادثة (الدالوة) جرى فيه تكثيف إعلامي تلاه جهود مجتمعية، سرعان ما تبخرت، ولم تستثمر الحالة من أجل تعزيز فكرة المواطنة. لكن د. الرديعان خالفه في شعوره هذا، معتبرا أن التكثيف الإعلامي مهم وضروري، لخلق الوعي بأهمية التسامح المذهبي، الذي نشأ دون أن تعمل له برامج عملية رسمية تعمق من وجوده. وأكد أ. مسفر الموسى في هذا السياق بأن مساحة الفضاء الإعلامي إن لم تملأها بوجهة نظرك وتوجهك، فسيملأها غيرك بأجندته الخاصة. كما لفت د. مساعد المحيا إلى أنّ بيان وزارة الداخلية وصف ضحايا الانفجار بالشهداء وهذا تطور نوعي.
وعلق د. حسين الحكمي على مقطع طرد مندوب قناة الإخبارية بالقول: هل لاحظتم من يصيح في مقطع طرد مندوب الإخبارية بجملة (الإرهاب السعودي) وكأن القائل غير سعودي! مصيبة أن يحمل أهل القطيف فكرة أن السعودية تحاربهم، وأنهم ليسوا مواطنين! معتبراً أن الذي يقول مثل هذا الكلام قد يكون متعمداً، لنشر الفكرة بين الناس خصوصا في مثل هذه المواقف التي يغيب فيها فكر العقل والحكمة والمنطق، وأنهم م سيحثون عمن يحتضنه. ووافقه د. الوايل مطالباً بمواجهة ذلك، ومعرفة أسبابه، وطرق مواجهته.
حول ذات الموضوع أثار د. عبدالرحمن الهدلق فكرة وجود صراع فكري كبير بين معتدلي الشيعة ومتطرفيهم في القطيف نفسها. ليستدرك عليه د. حسين الحكمي، بأن التطرف موجود عند الشيعة وعند السنة والاعتدال كذلك. وتساءل أ. مسفر الموسى عن وجود مشروع اندماج ثقافي واضح مع مدن مثل القطيف؟ فأوضح د. الهدلق أنه لا يوجد شيء تجاه فكرة الاندماج وكلا الطرفين يرفضونها، إنما الفكرة الموجودة هي فكرة “التعايش”. وبين د. حسين الحكمي بأنه كان لدينا نماذج مقبولة في التعايش بين السنة والشيعة (العراق، الكويت، البحرين)، لكننا الآن نرى الطائفية هي الأبرز، ونرى التناحر والتنافر بين الطائفتين. وهنا طلب د. عبدالله الحمود أن يتركز الحديث في موضوع التفجير حول تعريف الطائفية، والتحريض عليها، وتعريف المجتمع المسلم الحديث، وتشريعات للمحرضين على الطائفية.
الأستاذ خالد الوابل التقط الحديث هنا، ليقول بأن هذه الأحداث يجب أن تجعلنا نعالج مكامن الخلل في أنفسنا، بدلا من محاولة رمي التهمة هنا أو هناك. نحن لدينا طائفية بغيضة وجدت تساهلا وتراخياً من قبل الدولة؛ واليوم تعدت كونها اختلافا عقائديا، أو فكريا لتصبح (أمنا ووطنا)، ولهذا وجب على الجميع محاربتها، وعلى رأسهم الدولة. مستغرباً عدم اتعاظنا مما يجري حولنا.
وتمنى د. الهدلق أن يطرح الجميع أفكارا ومقترحات إيجابية، لمكافحة الطائفية، وتعزيز التعايش بين طوائف وفئات المجتمع. وذهب د. فهد العرابي الحارثي إلى أنه لا سبيل إلى مواجهة الطائفية إلا بتجريمها، وأنّ محاربة الطائفية تبدأ من تنقية الخطاب الوعظي والدعوي من شوائب الطائفية، كما يجب العمل على متطرفي السنة بنفس قدر العمل على متطرفي الشيعة لأن أمن الوطن خط أحمر. واعتبر د. الرديعان بأن أول طريقة لتجريم الطائفية هي منع مصطلحات مثل رافضي وناصبي، ثم إيجاد مرجعية سعودية شيعية معترف بها على المستوى الرسمي لا ترتبط بمفهوم ولاية الفقيه، وعمل مخصصات سنوية للمراجع، ومنعهم من أخذ الأخماس من الناس. أما د. حسين الحكمي فدعا لأن يتوقف الخطباء عن تكفير الآخر على منابر الجمعة، حاكياً أنه حضر خطبة لأستاذ جامعي بالقرب من سكن الجامعة، ويظن أن كل من حضرها خرج وهو موقن بكفر الشيعة، وعداوتهم للسنة.
واقترح د. خالد الرديعان لدمج الشيعة، أن نعترف أولا إن كان هناك تمييز ضدهم أم لا، ثم بعد ذلك ينطلق الحوار، معتقدا بوجود تمييز ضدهم في أجهزة الدولة، وعلى مستوى الوظائف والمناصب، وبعض المكتسبات. وبين د. الحارثي بأن المواطنة حق مشروع، وواجب لا تنازل عن الوفاء به، ويشترك في ذلك كل شريك في هذه الجغرافيا التي اسمها (السعودية). كما رأى د. مساعد المحيا بأن التطرف أحداث اليمن والعراق وسوريا ولبنان تؤججه التطرف لدينا، ولا يمكن فصل المؤثر الخارجي وبخاصة إيران على الشيعة، وأن التأجيج الطائفي ليس له طرف، بل كل الأطراف مشاركة فيه، وأرجعت الأستاذة فاطمة الشريف كل هذا التطرف وما نتج عنه إلى ما سبق النقاش حوله، وهو نقد الخطاب الدعوي والإرشادي وتجديده وتنقيته.
الأستاذ بدر العامر أكد على أن القطيف فيها من البنية والعناية أكثر من جنوب وشمال المملكة العربية السعودية، وأن الشعور بالمظلومية وحالة الانفصال الشعوري توجد عند كثير من الشيعة كما توجد عند المؤدلجين الإسلاميين.
الدكتورة عائشة حجازي رأت أنه لترسيخ المواطنة الحقيقة يجب أن يكون في كل مدينة مزيجا من الطوائف، يمارسون حياتهم، ولا يمسون حريات الآخرين المشروعة.
واقترح د. فهد الحارثي ترشيد الطائفية والحد من أضرارها، معترفا أنه من المستحيل القضاء على الطائفية أو اجتثاثها، وأنه ليس المطلوب إلغاء الطائفة، وإنما أن لا تستعدي غيرها من الطوائف، وأن يبق السنة سنة، والشيعة شيعة، ويحترم كل طرف معتقد الطرف الآخر، وكلٌ سيلقى ربه بما عنده. وتداخل أ. يحيى الأمير بالقول أن الممكن هو إدارة الطائفية، وتقنين خطابها عبر تنظيمات وتشريعات تحمي الوطن، ولا تجعل منها خطرا على أمنه واستقراره.
وفسر أ. مسفر الموسى فكرة الدمج من وجهة نظره، وأنها لا تعني تغيير المعتقد، وإنما إيجاد روابط أخرى تحل مكان الاختلاف المذهبي، وتجعله في ذيل قائمة الاهتمامات. ليضيف د. العرابي: الطائفية مشروع كبير وطويل قائم على تراث مديد مليء بالشحناء، وهو يحتاج إلى استنفار كامل (ثقافي وفكري وتربوي وإعلامي)، وتكون البداية من عقلاء العلماء أنفسهم ، لأن كلمتهم هي المسموعة فيما يتعلق بالاختلاف، في الفكر، أو في مسائل المذاهب. وسخر د. خالد الرديعان من فكرة الدمج، بالقول بأننا لم نستطع حتى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع سائر الطلاب، فكيف بدمج الشيعة مع السنة وكل منهم يقول ما يقول عن صاحبه.
واستنتج أ. يحيى الأمير: بأن الطائفية لا تنتهي بقرارات أو تغييرات طفيفة في المناهج، وإنما تحتاج لمشروع ثقافي ضخم، وأن القيمة الأولى التي يجب العمل عليها هي الإعلاء من شأن المشترك الوطني على حساب المتنوع الثقافي والديني، فيتحول التنوع إلى عامل ثراء، لا إلى عامل فرقة.
من منظور نفسي للطائفية والعنصرية رأى د. علي الحكمي أنه لا يمكن التغلب عليها بالتعليم وحده، أو التوعية، أو حتى العيش جنباً لجنب، بل لا بد من قوانين وأنظمة واضحة (تحدد جميع أشكالها العملية واللفظية والمكتوبة.. إلخ)، وتطبق العقوبات على الجميع. وأن الدراسات النفسية وجدت أن التصنيف والعنصرية أشياء متجذرة في النفوس قد تختفي فترة، لكنها تظهر عند توفر السياق المحفز لظهورها، ولذلك لا يعالجها إلا القانون. وأضاف: حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تظهر العنصرية والقبلية في سياقات معينة ، ولكن الرسول كان يتعامل معها بحزم شديد، هذا ونحن نتحدث عن أفضل جيل، أما الآن فالقوانين يجب أن تكون بالغة الصرامة ولا تسامح مع أي شخص. وتساءل د. خالد الرديعان: أين المشكلة في صياغة قانون يعكف على إعداده سنة وشيعة؟
الأستاذ عبدالله آل حامد عبر عن أنّ أهل القطيف خاصة يواجهون صعوبة في الانصهار داخل المجتمع ، على الرغم من أن شبابهم أنموذج وقدوة في العمل والإنجاز، وفي التواضع والعمل الاجتماعي والفنون والمبادرات، وعزا د. علي الحكمي المشكلة الحقيقية هنا إلى المتطرفين من السنة والشيعة، الذين يحرضون العامة لخدمة أهدافهم، فمتطرفو السنة خطر على الشيعة والسنة، ومتطرفو الشيعة خطر على السنة والشيعة. وقال بأن الوضع بين الشيعة والسنة قبل ثورة الخميني كان عادياً والتعايش قائم بسلام، ولكن تطرف الثورة عزز مكانة المتطرفين من الجانبين، ثم انفرط عقد التطرف وانتشر في كل مكان.
الأستاذ بدر العامر ذكر مرة أخرى أن القضية ليس لها دخل في الطائفية ولا في الموقف العقدي من الشيعة، وإنما القضية في التسييس الآيدلوجي الذي يوظف هذا الأمر في المشروعات للمنظمات التي توجه أنظار الأتباع وعقولهم، مدللاً على ذلك بأننا لا نجد شاباً يقوم بنفسه بمثل هذه الأفعال ، وإنما إذا دخل ضمن منظومة سياسية. ويرى بأنه لا يوجد أي ارتباط بين التكفير وبين القتل، وأن خطاب التكفير قد يهيئ الأرضية للأفكار المتطرفة ، لكنه ليس سبباً مباشراً – في الغالب – لمثل هذه الأفعال. مضيفاً بأن الأمر متوقع جداً بعد عاصفة الحزم، إذ أن إيران وكل القوى التي تريد إثارة الفوضى سوف تتوجه لمثل هذه الأفعال، ومن يقرأ كتاب “إدارة التوحش” للقاعدي أبي بكر ناجي يعرف معنى أن تتوجه القاعدة، أو داعش، أو ايران الممسكة بخيوطهم لإثارة الفتنة الطائفية، وقد فجرت إيران في قبري السامرائيين وهي ضرائح مقدسة لإثارة النعرات الطائفية بالعراق، وهذا بشهادة شيعة العراق.
كما أضاف أ. العامر بأن التوجه يجب أن يكون الآن لهذه المخططات التي تتخذ من هؤلاء الشباب مطايا لتحقيقها واقعاً، وإقناع الوعي الاجتماعي بأنها ليست أفعالاً فردية أو نزعات ذاتية، بل أمر لا ينفصل عن ما يراد بنا.
وذهب أ. خالد الحارثي إلى أن ممارسة الشعائر لمختلف الفرق دون الإخلال بحق الآاخرين أو الانتقاص من مقدساتهم لا تعتبر مشكلة إذا كنّا نعتبر الوطن قدس الأقداس، والعبث بأمنه أو استقراره خط نار. مطالباً بالتنمية السياسية ليتعرف الشعب من كل الفئات على المقابل في الحكم الملكي من آليات في الأنظمة الاخرى، هناك من يتهمنا بتهم باطلة مستغلا عدم نشر الوعي وأحيانا جراء ضعف أجهزة الرقابة والمحاسبة العامة، ورأى أن لنا أدواراً كبيرة وكثيرة ومتنوعة علينا القيام بها للعيش بأمان وكرامة وسلام، لكنها تحتاج منا لجرعة كبيرة من الجرأة والتواضع أمام مصالح وطننا.
وذكر أ. بدر العامر أن الكرة في مرمى الشيعة، فنحن (أي السنة) نترضى عن كل الصحابة وهم يسبون جمهور من الصحابة، فأي الفريقين من المفترض أن يوجه له اللوم، وهو المسؤول عن ترك ما يحدث العداوة؟
وأبان د. عبد السلام الوايل بأن ما يشغل باله هو مدى قدرة الخطاب المشيخي على الضفتين، في تجاوز حالة السجال المذهبي واستشعار خطورة الطريق الذي نسير إليه. فالشرارة صراع سياسي لكن دور الخطاب المشيخي في توجيه مسار اﻷمور يتزايد. متمنياً أن يذهب بعض أعضاء هيئة كبار العلماء لتعزية شهداء القديح بأنفسهم. مؤكدة ذلك د. عائشة حجازي بأن الخطاب هو أحد الأسباب القوية فيما يظهر الآن على الساحة. لكن د. مساعد المحيا هنا، رأى أن التأثير للجموع، وهي من يقود النخب بما فيهم العلماء، على طريقة المثل الإنكليزي: (أيها الناس أنا قائدكم فدلوني على الطريق).إلا أن د. الوايل رجع ليقول بأن خضوع العلماء ﻵراء الجماهير يعززه شواهد كثيرة. فمرة اعترف الشيخ القرضاوي بخضوعه في فتوى صدرت عنه، والحالات عندنا أكثر من أن تحصى. لكننا أمام احتمال خطير جدا. لابد لفئة العلماء أن تقتنع من داخلها أولاً بعبثية الحرد المذهبي منذ قرون بلا طائل، وثانيا أن تدرك قصورها وعجزها وانقيادها، وأنّ عليها أن تقول لنفسها مجتمعاتنا أمام أخطار أهم بكثير من اكتساب نجومية، أو تعزيز مكانة أو تنافس على موقع لدى الجماهير.
وخلص د. عبد الله الحمود من هذا الموضوع، وموضوع مقال حصة آل الشيخ إلى القول بأنه ما بين دعوة كثيرين للقصاص من حصة آل الشيخ، والتسامح والتعايش مع الشيعة نحن مجتمع لم ينته بعد من تحديد قناعاته وتعريفها. (نحن) لا نعرف (كلنا) ماذا نريد تماما من بعضنا! إن حكمنا الأقلية فلأنها أهل حل وعقد، وإن قاربنا الأغلبية فهي ديموقراطية غربية مقيتة وتحكيم للشعب لا يليق بنا. إن تكاشفنا ففينا بر وفاجر، مع تناوب الأدوار طبعا عند كليهما، ومرجعية كل منا محسومة، وليس بالضرورة بيانها. أهل السنة عندنا لم يتفقوا على السنة، وافترقوا فرقا شتى تكاد أو هي تلعن إحداها الأخرى، وننظر في التوافق مع غير أهل السنة.
وكتب: ندعو العالم للحوار، ونقرب ما بين أتباع الديانات في كل الأرض، ونحاضر في نيويورك وفينا عن أخلاقيات وأدبيات الحوار، ونضيق ذرعا ببني جلدتنا عندما يقولون قولا لا يروق لنا، ثم نلقمه زندقة ومروقا عن الدين، أو هو مروق عن الحضارة والمدنية والعصرنة. يخاصم بعضنا بعضا، وأحيانا يفجر في الخصومة بعضنا ويحتكر المعرفة. الفكر والثقافة عندنا ليست كالفكر والثقافة عند غيرنا، لنا حدودنا الفكرية والثقافية، بل وطقوسنا، ومفرداتنا، وشروطنا، لكننا نظن أنها أسمى حدود، وما عند غيرنا هرج ومرج. لا أدري كيف يمكن التقريب بيننا، حتى أن من بين من يقرأ الآن خطابي هذا من تجاوز النص المقروء يبحث عن شيء ما بين السطور ينسبني إليه، ولا يستنكف أن يقسم لفظا أو إضمارا أنه صادق في ظنه بي. السياق يأسر فكرنا أكثر من المركب الفكري ذاته، والبيئة الثقافية تبتلعنا أكثر مما تفعل الثقافة ذاتها. نحن هنا، لكننا لا ندري تماما أين موقعنا؟ حتى أن من بين من لا يزال يقرأ هذا النص من يسأل مستنكرا ما ذا أريد أن أقول بالضبط؟ لأنه إنما يريد أن أعبر عنه هو أو أنني سيء التعبير.
وتعليقا على ما ذكره د. الحمود، قال أ. خالد الحارثي بأنه نحن بالمجمل نتصرف بوعي القرن الثامن عشر أو التاسع عشر في أحسن تقدير، والعالم المتقدم يبني على تراكم ويستفيد من مكتسبات وعيه بالحاضر فيما نحن في سبات نستغبي حتى أنفسنا. مضيفاً : الوطن الذي نتمتع به هو أجمل وأرفع وأفخر الأوطان بكل مقوماته ومقدساته، وهذه نعم كبيرة لا نرعاها بوعي القرن الواحد والعشرين، ونتجاهل مستجدات المعرفة في علم النفس وعلم الاجتماع وكل العلوم كأن لم نتعرض للوعي بالبراجماتية واقتصاد المعرفة، وكأن الله سيمهلنا شعبه المختار حتى نفيق في الوقت المناسب، وكذلك منع عنا سننه فلا يحل بنا إلا ما نريد.
ومضى أ. الحارثي يقول: لكل العالم أهداف وأطماع في وطننا الحبيب، واعتقادنا بطوباوية الحلفاء والأصدقاء ليس إلا غباء كما تقول العلوم وثوابت وقواعد المعرفة، تتمظهر هذه الأطماع بأقل شكل في الحسد أو الغيرة على الأقل إذا كنّا نحن طوباويين بذواتنا. أسئلة كبرى وإجابات صعبة تلزم لهذا الوعي المأمول لنتناول تساؤلاتك بالحوار والنقاش، حتى يؤثر ذلك في كيف نستجيب لهذه التحديات الوطنية الدائمة وفي أي اتجاه تكمن الاستدامة؟ وهل هناك من مزايدات على الوطنية بين فئات دون أخرى؟ وهل يمكن للوعي المنشود الظهور أم أن قدرنا أن تتنازعنا الأهواء والعنصرية حتى تعلو على مصالح الوطن ونفقده بعد أن تتأزم الحلول ولا يصبح لها مفعول حين تذهب السكرة وتأتي الفكرة؟ الطائفية وحدها تشق العصا وتنبي عن مدى الجهل الذي يخترق الصفوف. والعنصرية لم تقف هنا بل تذهب لأشكال مختلفة مندسة في ثنايا السلوك الاجتماعي ولحن القول.
وتفاءل د. الرديعان بأن ما جرى ويجري من مآسي وإرهاصات علامات بولادة فجر جديد ووعي جديد في وطن جديد يسع الجميع، ولا ندري ماذا يحمل المستقبل في طياته، فلعل الله يريد بنا خيرا لا نعلمه، لكن علينا أن نتذكر أن الله عادل ولا يقبل الظلم. وتخوف د. الوايل من غياب الحس بالبشر، فالأحداث في وجهة نظره تقارب لا بوصفها مآسي بحق بشر، وأن حس الإنسان بأخيه الإنسان هو أكبر طوارد العنف والدم من المخيلة.
الدكتور زياد الدريس أدلى بدلوه حول الموضوع، ولاحظ أن الدواعش المشمولين في قائمة وزارة الداخلية كلهم أو جلّهم من أبناء أسر نجدية عريقة ومرموقة (غير مهمشة)، وطالب بأن نتساءل من منطلق سوسيولوجي وليس إقليمي وبكل تجرد: لماذا ظهروا من نجد بالذات؟! وقال بأن المبالغة في تفسير وتأويل دعوة المرجع طاهر الشميمي إلى تكوين الحشد الشعبي ليس من الإنصاف، وهي دعوة فاسدة وخطيرة ويجب الوقوف ضدها نعم، لكن لو أن انفجارين وقعا في بلدة نجدية لربما أدى انفعال أهلها إلى رد فعل أشد من هذا، فلا نتمسك ونفرح بتأويل المواقف الانفعالية الطبيعية الآن !
وأضاف: نحن نتعامل الآن في تقييم الحدث بحديّة واضحة ؛ (الصواب المطلق أو الخطأ المطلق)، أي إما أن مشايخنا برآء كلهم من مسؤولية التصعيد وهم المسؤولون عنه ، أو من طرف آخر يبرؤهم كلهم ويلقي اللوم فقط على مشايخنا كلهم ! والحق أن لدينا مصعّدون ولديهم مصعّدون ويجب أن يوقف ويحاسب هؤلاء وهؤلاء.
هذا الموضوع طال كثيراً، وتشعب إلى موضوعات متعددة ذات صلة لكنها تصب في أن الاختلاف لا ينبغي أن يقود إلى الطائفية، وأن الطائفية يجب أن تنتظم في نسيج واحد لا يشكل خطرا على أحد، وكون التعايش نتيجة نرجو الوصول إليها. إضافة إلى نقاش حول الإمامية، وولاية الفقيه.
عودة على الإرهاب والتطرف
على الرغم من أن القضية السابقة كانت على صلة وثيقة بهذا الموضوع، بل إنه يعد امتداداً لها، إلا أنه بعد صدور بيان وزارة الداخلية حول التفجير وهوية المفجر: تساءل أ. بدر العامر هل من كان أبوه مسجوناً ينتقم له بقتل رجال أمن؟ أم بمصلين في القديح؟ هذا يدل أن التطرف ذاتي تترسخ فكرته في النفس من دون حسابات أو مؤثرات. كما أضاف د. مساعد المحيا بأن الإحباط لدى بعض هؤلاء الأبناء يجعلهم مشروعات إرهابية، أو أنهم يملكون الاستعداد للانخراط في ذلك.
وطالب أ. مسفر الموسى بأنه القوائم السنوية من الإرهابيين، والخلايا النائمة خارج القوائم المعلنة بكل ما تحمله من دلالات الانتماء لليافعين تجعل من إعادة تقييم مشروع مكافحة الإرهاب والأمن الفكري بعد ١٥ عاما ضرورة ملحة، فنتيجة السنة الأخيرة تكاد تتطابق مع السنة الأولى. ونفى د. عبدالرحمن الهدلق أن الوضع الآن مثل ما كان في بداياته، رغم الفرق بين الظروف المحفزة للتطرف والمحيطة بنا، مشيراً إلى أن من أهم هذه الظروف: تنامي الطائفية بشكل كبير، وارتفاع نسبة التجنيد بين الشباب ، خاصة بعد تدخل حزب الله وإيران في الشأن السوري، إضافة إلى الاستخدام الواسع والمؤثر لوسائل التواصل الاجتماعي بين الشباب، ووجود التدخل الغربي الدولي في الشأن الإقليمي واستخدامه لسياسات مزدوجة مثيرة وارتكابه أخطاء في حق مجموعات مدنية بريئة. مؤكدا أن هذه الأسباب في مجملها هي من أهم العوائق التي تواجه استراتيجية مكافحة الإرهاب والتطرف، معترفاً بأن بعضها خارجة عن الإرادة.
وذهب د. الوايل إلى أن العنف الآن أخطر بكثير، لأن استراتيجية (داعش) تستهدف التفجير عنفا طائفياً، والوصول لهذا الهدف أسهل بكثير من وصول القاعدة لأهدافها المتمثلة في طرد غير المسلمين وتقويض المؤسسة الأمنية، موضحاً: القاعدة جعلتنا نحس بالغصة، بينما داعش جعلتنا نشعر بالرعب، وأنّ ما كان هدفا عبثيا في سنة 2004 يتحول إلى هدف ممكن سنة 2015.
وبيّن د. خالد الرديعان أنه، ولمواجهة المخاوف المذكورة (لدى د. الهدلق) هناك حل واحد يجب التركيز عليه، وهو التحام الجبهة الداخلية في مجتمعنا، وعدم إعطاء الفرصة لكائنا من كان في شق عصا الطاعة أو التشكيك في سلوك وممارسات القيادة، معتقداً أن ذلك ضروري جداً -على الأقل- لترسيخه عند أبناءنا.
فأوضح د. الهدلق بأن ذلك مطلب أساسي فعلاً، وأننا في حاجة للمزيد من التربية الوطنية إلى جانب التربية الدينية، وإلى جانب توعية الأسر بمؤشرات التطرف وتحصين الأبناء من الدعوات التي تدعو للتطرف والعنف، مبشراً باتخاذ خطوات قريبا لتفعيل الجوانب الوقائي والتحصينية في هذا الصدد.
واقترح د. الرديعان على من يعملون في التدريس (سواء في الجامعات أو التعليم العام) أن يخصصوا جزءا من المحاضرة للتوعية، كما اقترح على من يكتبون في الصحف تحري الحقيقة، والبعد عن كل ما يثير البغضاء والمشاحنات والتصنيف، وفي خطب الحرمين الشريفين على الخطباء أن يبتعدوا عن الموضوعات السياسية نهائيا، أو التي فيها خلاف، وأن يتوقف الدعاء على المخالفين مهما اختلفنا معهم.
ولفت أ. مسفر الموسى إلى أن هناك محفزات أخرى (غير فكرية) نحو السلوك الإرهابي وتسويغه في أذهان الشباب، مثل ألعاب البلايستيشن الكثيرة التي تجعل من قضية القتل والتفجير والتدمير أسهل من شرب الماء، ويجب دراسة مدى تأثيرها الألعاب على ذهنية المنضمين لهذه الجماعات المتطرفة في الوقت الراهن، أو المتورطين من اليافعين الذين تم القبض عليهم؛ لأنها من المتغيرات الحيوية.
الدكتور علي الحكمي نبه إلى أن التأثير الأقوى للألعاب الالكترونية هو فكري، وشرح ذلك بالقول أن الإرهابي أولاً يؤمن بفكرة ويعتقد بضلال من يخالفه، ثم يبدأ في إيجاد التبريرات لعمله وإضفاء الشرعية عليه، ويرى أن حياة من يخالفه ليس لها قيمة، ثم يتحول الاعتقاد إلى عمل. كل هذا في وجود نظام دعم نفسي فكري واجتماعي ولوجستي من المجموعة الإرهابية التي ينتمي إليها. وألقى أ. عبدالله آل حامد باللائمة علينا، وقال: نحن من أودع أبنائنا أحضان الترهيب والتغريب! فكم ساعة نجلس معهم؟ وكم يوما نمارس الأنشطة معهم؟ هل نعرف من هم أصدقائهم؟ وأي طعام يفضلون؟ وأي صديق يألفون؟ وهل ساعدناهم في التخطيط لمستقبلهم كما يريدون هم لا نحن؟ معتبرا أن صيانة الأسرة والعناية بدورها أهم من كل مشاريع واستراتيجيات الدنيا لحل هذا الموضوع.
لكن د. مساعد المحيا ومن رؤية إعلامية يرى أن ثمت مبالغة في تقرير أن برامج العنف هي من يقود الاطفال إليه، إذ توجد متغيرات اجتماعية ونفسية كثيرة تؤدي إلى ذلك. وقال: إننا حين نفعل ذلك نكون قد أغفلنا الظروف أو التراكمات والبيئة التي عاشها الفرد أو تعرض لها فصنعت منه رجلا يحب السلوك العدواني، وفي المقابل أظهرت بعض الدراسات أن مشاهدة مواد العنف تمتص ما لدى المرء من رغبة في ممارسة العنف. مضيفاُ في سياق آخر، بأن الذين خططوا لجريمة القديح، وشاركوا في تنفيذها سيعملون على أن يكون لها ثمرتها في تأليب كل طرف على الآخر، وأي استجابة حتى ولو كانت هامشية تصب في مصلحتهم.
كما بين د. المحيا بأنه عند محاولة تحلل محتوى عدد من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للذين تم القبض عليهم بما فيها حسابان يبدو أنها للذي فجر نفسه، اكتشف بأنهم متيمون بحب داعش، وأنّ ذلك يسيطر على عدد من تغريدات حساباتهم، وأنّ احتقانهم تجاه المملكة العربية السعودية ورموزها السياسية والعلمية والاجتماعية بسبب تعاطفهم مع الموقوفين ظاهر وبارز.
ونقلت أ. كوثر الأربش مقالا لها على هامش تفجير القديح، وكان مما قالت فيه عن الإرهاب بأنه لا يُولد بصورته الدموية أولاً، إنما يبدأ من تعبئة النفوس بالكراهية والنبذ. لتصنع قاتلاً عليك أولاً إفساد قلبه، وفكره! وقتلت أيضاً: أن الغريب أن أغلب المطالبين بتجريم الطائفية كتبوا بياناتهم بلغة تفوح بالكراهية! يطالبون بالإصلاح بأدوات الفساد! فلا أدري كيف نبني بيتاً على أرض رخوة؟ وكيف نحمي تماسكنا بالمزيد من التفكيك.
صياغة تعريف للإرهاب
وعلى صعيد متصل في موضوع الإرهاب، وتعليقا على مشاركة د. فهد العرابي الحارثي في ورشة عمل في أبو ظبي بعنوان (القتل باسم الله) ومطالبته بإيجاد تعريف خاص بالعرب للإرهاب، رأى أ. مسفر الموسى أن أي استخدام لأدوات والقتل والقوة حتى لو كانت طلبا للحقوق هي إرهاب. بينما أكد د. مساعد المحيا ما ذهب إليه د. فهد من أن أحد أسباب انخراط الشباب في الأنشطة الإرهابية هو “عوامل الاحباط مما تتعرض له بلدانهم ومستقبلهم من امتهانات داخلية وخارجية”. الأستاذ خالد بن عبدالعزيز الحارثي، قال بأنه لم يعبر أحد بمثل ما عبر به د. العرابي من أن الإيجابي في الموضوع أنه من داعش، وأنّ هذا يطمئننا على بلدنا، والمفارقات بين دعوى داعش في الخلافة وقتل المسلمين في المساجد. وضم د. خالد الرديعان صوته إلى صوت د. فهد قائلاً فعلا نحتاج إلى تعريف للإرهاب ينطلق من بيئتنا السعودية، فلنحاول القيام بذلك، لأن معظم التعريفات مؤدلجة وتعكس مواقف غير موضوعية.
الدكتور زياد الدريس ذهب إلى أنّ العالم المتقدم والمتأخر والمنظمات الدولية المعنية لم تستطع سكّ تعريف محكم للإرهاب ، بسبب التحيزات الدينية والعرقية وبسبب صراع المصالح الظاهرة والباطنة، وهو من التعريفات العصيّة على الحياد –للأسف-. بينما اتجه د. حميد المزروع إلى أن الدول الدائمة العضوية إذا كانت لا ترى في ميثاق الأمم المتحدة إلا ما يناسب مصالحها، فلن تهتم بالنظام العالمي.
وبدأ د. الرديعان بمحاولة صياغة تعريف للإرهاب، فقال يمكننا تحديد بعض السمات الموضوعية للإرهاب، منها سمة: قتل الابرياء، أو ترويعهم، فقال د. الدريس: ما المانع من المحاولة كما حاول الآخرون ! وسمة: قتل الأبرياء، بداية متينة ومنطقية لنحت التعريف. أما د. فهد الحسين فاعترض على أن وصف بريء هو سمة الكل يدعيها من وجهة نظره، والمجرم قد يدعي البراءة؛ واقترح سمة قتل الآخرين دون مسوق قانوني صادر من منظمة قضائية. الدكتور علي الحكمي وضع سمات كلفظي، ونفسي، وجسدي (تعذيب وقتل)، واضاف د. عبدالله الحمود: وتدمير المرافق والممتلكات أو إفسادها دون حكم قضائي معتبر. ونوه د. زياد بإشارة أ. عبدالله الضويحي إلى أنّ الإرهاب ليس (قتل) فقط، لأنه مهم جداً في التعريف المنتظر. كما أضاف أ. الموسى كلمة ( التحريض)، التي أفاد د. الدريس بأنها أول معاول الإرهاب، ولن يكتمل أي تعريف للإرهاب ما لم يشر إلى (لعنة) التحريض. كما أدرج د. المزروع الأحزاب الدينية المتطرفة، وكذلك السياسية الإقصائية ، تحت ما يمكن أن يسمى حاضنات الارهاب والمحرضة عليه لتحقيق أهدافها !
لكن أ. مسفر الموسى ألمح إلى أن المشكلة في التعريف ستقع عند تطبيق النظرية في الواقع الفعلي، فمثلا كيف سنصف مجموعة من الطلاب في الثانوية العامة قاموا بتكسير ممتلكات المدرسة؟ وكيف نصف الداعية الذي يدعو على الشيعة كل خطبة جمعة؟ إذ لا بد من وجود مصطلحات أخرى نستطيع من خلالها تمييز الإرهاب، مثلا (التخريب، أو دعاة الفتنة ..) ويرتبط الإرهاب فقط بكل ما يشار به إلى الضرر بالنفس البشرية من الأقوال والأفعال.
كما كشف د. زياد الدريس بأن الشغل الشاغل للوفود الإسلامية في المنظمات الدولية كان هو إيجاد الحد الفاصل بين الجهاد والإرهاب عند بناء التعريف ! وافترض أ. الموسى وفقا لما ذكر بأن كل مفهوم أو تعريف سيكون لا محالة مؤدلجا ويختص ببيئة معينة، لكن د. الرديعان لم يرى بأساً في ذلك، إذ سيتم الكشف عن جانب الأدلجة لاحقاً. ورأى اللواء د. سعد الشهراني أن التعريفات الشرعية والقانونية هي المعول عليها في مواجهة الإرهاب لأنها تجرم وتحدد العقوبات، كما أنّ التعريفات السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية مهمة خصوصا في تحديد المواقف والأسباب والوقاية. مشيراً إلى مئات التعريفات في أدبيات دراسة و مكافحة الظاهرة، وإلى أن العنف جزء من التاريخ الإنساني –كما في قصة هابيل وقابيل-، وإلى أن أحد أهم محفزات الإرهاب والذي أنتج داعش هو تخبط وتعدي القوى العظمى على منطقتنا، والعدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق، وقبله اعتداء الاتحاد السوفيتي على أفغانستان، مؤكداً بأن لدينا القابلية للاستفزاز والاستغلال والاختراق لتدمير أنفسنا قبل غيرنا.
ولأن كل ثقافة لديها مأزقها الإيديولوجي (إن صح التعبير) فقد أشار د. زياد الدريس إلى أن هنا تكمن صعوبة الوصول إلى تعريف كوني موحد للأشياء، خصوصاً التي تحمل مكوّناً ثقافياً. كما أشار د. الشهراني إلى أنّ الجريمة الإرهابية معرفة تعريفا لا بأس به في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وقال: المفكرون والمحرضون على الكراهية والعنف والقتل إرهابيون. والمخططون والمنظمون للقتل إرهابيون. والداعمون والممولون والمتسترون إرهابيون. ونحن لا نرى أحيانا إلا المنفذين الذين هم رأس جبل الإرهاب، وكل هذه الأعمال وما في حكمها يجب أن تجرم وتعاقب. ورأى د. عبدالله الحمود بأّن الجرائم والاعتداء والعنف بشكل عام لا يمكن فيه اتفاق الطرفين المعتدي والمعتدى عليه في تفسير السلوك وتعريفه. فالثأر مثلا عمل شريف عند فاعله، لكنه جريمة عند المتضرر، ونحو ذلك. وتوصل إلى أنه لتعريف الإرهاب لا بد من معرفة وجهة نظر المتضرر، ولا يمكن تعريفه إطلاقا أبدا!
الأستاذ بدر العامر جاء ليقول بأن البشرية اضطرت للعلوم العقلية وعلم المنطق لضبط حركة التفكير وضبط المصطلحات، ودلالات الألفاظ للوصول من التصورات إلى التصديقات وإقامة البراهين، مضيفاً بأن عدم الاهتمام بالضبط والتعريف أحيانا يكون له مقصد لجعل الناس في عماية كمصطلح الإرهاب الذي هو مصطلح مسيس في أصله.
لكن اللواء سعد الشهراني في وجهة نظره يعتقد أن الحروب غير المشروعة أعظم وأخطر أنواع الإرهاب، وبهذا الفهم فإن أمريكا أكبر دولة إرهابية في التاريخ. أما إرهاب الافراد والمنظمات فالقانون الوطني لكل دولة هو المعول عليه في تحديد وتجريم وعقاب الأفعال التي يعرفها القانون كأفعال إرهابية. ويطالب بتطوير وتحديث المنظومة التشريعية التي تجرم العنف وكل ما يؤدي إليه.
أما د. حميد المزروع فأوضح أننا نحتاج مرحليا أن نصف الإرهاب، ثم نصنفه. وبعد ذلك نتوافق على صيغة متوازنة تجاه التعريف العام للإرهاب. وذهب الأستاذ خالد الحارثي إلى ضرورة ضبط المصطلح، وأّلا يذهب إلى حد شمولي يفترض أن تكون هناك عائلات بأطفالها وضعفائها ومرضاها وجميع أقربائهم وجيرانهم إرهابيين، عندها سنصبح نحن الإرهابيين. بينما شدد د. مساعد المحيا على أن الوصول إلى تعريف جامع مانع للإرهاب يتطلب استثمار كل الجهود المعرفية المحلية والدولية التي أنتجت تعريفات للإرهاب أو حددت مفهومه، ولذا يكون تعريف الإرهاب من الصفر دون استصحاب ما قيل جهدا معرفيا لا يضيف جديدا. وأضاف: في تقديري أن الإرهاب أصبح أداة وورقة سياسية تستخدمها كل دولة تجاه دولة أخرى وأصبحت مصالحها هي التي تقود لوصف هذا العمل أو هذه المؤسسة أو هذه الجهة بأنها إرهابية. كما نبهت د. عائشة حجازي بأن هناك إرهابا عقليا وفكريا ليس فقط في العقيدة، بل في تنشئة أجيال غير واعية.
وهنا طالب الدكتور فهد العرابي الحارثي بأن التعريف الإجرائي الذي ينادي به، هو لنا نحن العرب لكي لا تستغل بعض السلطات العربية المصطلحات المائعة فيما يكفل لها ممارساتها القمعية.
هيئة الأمر بالمعروف وطرد متسوقة
تعليقاً على حادثة طرد عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمتسوقة بأحد المولات في حائل اتفق الجميع على خطأ تصرفه، فاعتبر أ. خالد الحارثي بأن هذا تتبع للعورات، وادعاء لكشف النيات، وهو ما يفقد معنى وظيفة جهاز الهيئة، معتبرا بأن الحل يكمن في أن يقتصر عمل الهيئة على التوجيه والإرشاد، وتسحب منها سلطة الضبط. ورأى د. عبدالله الحمود بأن نهر امرأة مسلمة محتشمة بهذا الشكل، اعتداء وترويع للمسلمات، ويجب معاقبة فاعله والاقتصاص منه لحق خاص وحق عام. أما د. عبدالسلام الوايل فقارن بين ردود الفعل على مقالة حصة آل الشيخ، وبين الردود على مقطع طرد رجل الهيئة للمتسوقة، ووجد أن الأصداء التي حصدها المقال أشد وأعنف، والسبب من وجهة نظره هو إحساس الناس بأن حراستهم للدين تتقدم على حراستهم للعدل. معلقا: نحن مجتمع متدين، نسقنا القيمي يقدم مقتضيات الآخرة على الحقوق الدنيوية!
الدكتور عبدالرحمن العناد رفض كلام عضو هيئة الأمر بالمعروف، وأسلوب الطرد، وقال هذا لا يليق، واتهام المرأة بهذا الشكل عذر أقبح من ذنب، بل أقرب إلى القذف. وبين أ. العامر بأن بعض شباب الهيئات فيهم غلو وتشدد. واعتبر د. عبدالرحمن الهدلق بأن مثل هؤلاء هم من يسيء للعمل الاحتسابي. كما ذهب د. مساعد المحيا إلى أنه تصرف فردي. لكن د. الحمود أكد على أنه تصرف مؤسسي، مستندا إلى البيان الأخير من الهيئة حول الموضوع، الذي يؤكد تواطئ المؤسسة، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن رئيس الهيئة د. عبدالرحمن السند لا يرضى ذلك، لكن المؤسسة أقوى منه. مطالباً بإلغاء وظيفة الرقابة نهائيا؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس هكذا! بل وظيفة المجتمع كله وفق نظام وقانون حصيف، وأن يكون أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر متطورا جدا، فنظام الجمس لم يعد مقبولاً.
حال الرجل السعودي والمرأة
طُرح رأي الكاتبة الأمريكية زوي فيراري عن الرجل السعودي، وأنها تشعر بالشفقة والحزن تجاهه بسبب ما يتحمله من تعب وإرهاق بحياته اليومية وأنه مظلوم مقارنة ببقية الرجال في العالم. ووجه الدكتور خالد الرديعان سؤالاً عن حقيقة وصحة ما قالته زوي؟ فعلقت الأستاذة كوثر الأربش، على سبيل التهكم “يبدو أنها لم تزر الرياض”. فقال د. الرديعان إن الرجل يعاني في الرياض أكثر من المرأة؛ لأن أدواره متعددة، فهو زوج وأب وسائق، ومدير مالي .. إلخ، ولديه مهام كثيرة تستطيع المرأة القيام بها. لترد الأربش: كلنا أدوارنا متعددة يا سيدي، أحيانا نصبح سباكات، وحارسات للحديقة، ومربيات، وطباخات. وألاحظ ازدواجية ملفتة في تفكير أغلب السعوديين بخصوص ما تقوم به المرأة وما لا تقوم به. موضحة بأنه بعض أولئك يطالب نظرياً بتمكين المرأة، ومساعدتها للرجل، ومن جهة أخرى إذا صادف امرأة مستقلة ومتمكنة ينتقدها ويتهمها بالمسترجلة! وأن الرجل السعودي إذا كان مظلوما، فإنه لم يظلمه أحد، وإنما ظلم نفسه، فهو يمنعها من أن تعتمد على نفسها ومن الاستقلالية ثم يشتكي من تحمل المسؤولية كاملة!!
أما الدكتورة الجازي الشبيكي، فتفسر ما ذهبت إليه الكاتبة زوري بأنها عاشت مع عينة غير ممثلة لكافة أطياف المجتمع السعودي، وكثير من الرجال يخلدون للقيلولة أو الراحة بعد العودة من العمل، أما المرأة فتبدأ بعد عودتها في تأدية أدوارها الأخرى كزوجة، وأم، وموظفة علاقات عامة للأسرة فيما يخص أهلها وأهل الزوج والأقارب والصديقات والجيران .
ولفت د. الرديعان إلى أنّ جدل المرأة والرجل لا ينتهي في كل المجتمعات، ويرى أنه من المفترض فحص علاقات الجندر من خلال ثقافة المجتمع التي تشكل هذه العلاقة، معتبراً أن كثيرا من الرجال قد لا يكونون راضين عن تلك العلاقة، وفي نفس الوقت لا يستطيعون الفكاك من قيد الثقافة.
وحول الصدمات والإصرار على التغيير في المجتمع والتي أثارت موضوعها أ. الأربش ذكر الدكتور مساعد المحيا بأننا نعيش منذ سنوات على صدى الصدمات التي أفقدتنا الكثير من السلطات عاما بعد عام ، حتى أننا لم نعد نسيطر على قراراتنا التي تمس شخصياتنا. مضيفاً بأن المرأة في مجتمعنا تجد دعما لوجستيا أتاح لها أن تمسك الريموت بيدها، ونحن ندار من حيث نشعر أو لا نشعر، متسائلا: ماذا بقي من الصدمات؟ أرجوكم دعوا لنا بعض الأكسجين كي نتنفس!
وتداخلت الأستاذة كوثر الأربش مع د. المحيا مرة أخرى، وطالبته بتأمل حال المرأة الآن وحالها أمهاتهن ليدرك حجم الاستلاب الذي كانت تعيشه المرأة، وحجم التغيير على مدى 30 سنة –كما ذكرت-. وقالت: ما حصل هو أن آبائنا – سامحهم الله – تمادوا كثيرا في تسليع المرأة واستغلالها والتعاطي معها كأحد الأملاك الخاصة، الأمر الذي ألقى في روع الجيل اللاحق قلق المصير ذاته. متسائلة: ماذا لو استسلمت المرأة أكثر؟ هل كانت ستحصل معجزة ويفيق الرجل من نشوة التسلط تلك؟ ومؤكدة: إذاً كان لا بد من حراك فاعل وداخلي، وكان لابد للفتاة أن تقول لا، وكان لابد من صوت يعاكس تيار الرضى والقناعة التي توارثتها الأمهات من الجدات.
الدكتور فهد العرابي الحارثي قال بأننا كلنا نتحدث عن المرأة بشيء من العشم الممزوج بالضجر ، وأحيانا شيء من الضجر الممزوج بالأطماع، وأنه ينبغي عدم النظر إلى حقوق المرأة في معزل عن واجباتها، التي تختلف من مجتمع إلى آخر وفق الثقافة العميقة للمجتمع، تلك الثقافة التي تكون في دينامية متطورة دائما.
ورأى الدكتور عبدالله الحمود أنه عوضا عن تقاذف الأطروحات الثقافية والفكرية والأيديولوجية حول موضوع المرأة السعودية يكفي التذكير بحقوق وواجبات المرأة في الإسلام تجاه الرجل، والعكس أيضاً بمنهجية وأمانة علمية رفيعة، وبعد ذلك يتم عمل إحصاء بسيط نعرف من خلاله أين موقعنا الاجتماعي من الإسلام ذاته. كما أوضح د. الرديعان بأنه لا يوجد إسلام واحد وبصيغة واحدة، قائلاً: إن الإسلام متنوع، وتنوعه بسبب الثقافة نفسها التي تسمه بسمتها، وهناك تنوع في الإسلام من ماليزيا إلى المغرب، والنصوص الدينية قد تفسر ثقافيا، فخلافنا على حجاب المرأة على سبيل المثال ليس دينيا بالتأكيد، ولكنه ثقافي في المقام الأول. متابعاً أطروحته حول هذا الموضوع: تقسيم العمل على أساس جنسي (ذكر/أنثى) أساسه حيواني، فإناث القرود لا تخرج بعيدا لحاجة أبنائها للإرضاع، ومن ثم تكل مهمة إحضار الطعام لذكورها. وتعتبر الدكتورة عائشة حجازي أنّ للمرأة نفسها دور كبير في وضع صورتها في إطار المستضعفة، أو المغلوب على أمرها. بينما يعتقد د. العرابي أن موضوع المرأة هذا لن يتم الفصل فيه في كل المجتمعات البشرية، وهو دائما محكوم بثقافة المجتمع الداخلية مع بعض الاستجابة للمؤثرات الخارجية. وخالفه الدكتور عبداللطيف العوين بالقول: “بل في اعتقادي أنه أمر تم الفصل فيه، فقط عد إلى الأصل: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، ولفت د. الرديعان إلى أن الجدل هو حول تفسير النص الديني والتنوع في ذلك. كما أوضح د. العرابي أن كلامه من الناحية الثقافية المغلقة أحيانا. وتساءل د. العوين: هل النص يمكن تفسيره من كل أحد، أم أنه من المتخصص؟ ليجيب د. الرديعان بأنه حتى المتخصص فإنه يأتي من خلفية ما، وإلا كيف نفسر ظهور المذاهب الاسلامية، وأنه لا يتحدث عن النصوص قطعية الدلالة.
د. العوين واصل النقاش حول الموضوع، وأوضح أن المذاهب لم تختلف على نصوص ألبته، وإنما كان الخلاف في الاجتهاد لظروف الزمان والمكان، وما ليس فيه نص، أو أن النص لدى أحد المذاهب غير معلوم، أو موثوق في حينه.
من جانبه قال د. الحمود، إنه ليس المقصود بالإسلام: (الإسلامات) الوضعية التي يظن أصحابها أنها دين إلهي، في حين أنها وضعية بامتياز، وأطلب ممن يستطيع أن يتجاوز جل ما وضعته ثقافة الناس دينا منذ صدر الإسلام حتى اليوم في موضوع المرأة، ويأتي لنا من النقل وليس العقل ما للمرأة وما للرجل. لن يكون هنا اجتهاد أو بوابة للوضع. واستدرك د. فهد العرابي الحارثي بأن هذه الإسلامات المتعددة ستفسر النصوص وفق هوى الثقافات التي تنتمي إليها. متفقاً مع ما ذهب إليه د. الرديعان.
وعوداً على ذي بدء أشار د. المحيا في معرض رده على أ. كوثر الأربش إلى أن ما تعيشه المرأة في بيئتنا هو نتاج تراكمات كثيرة وبعيدة الأمد، وتراثنا مليء بالصور والقصص التي تظهر استلاب حقوق المرأة، بعضها يقول به رموز فقهية، وبعضها نتاج نظام اجتماعي ترويه لنا كتب السير. مضيفاً: ما أعنيه هو أن المرأة اليوم –الفتيات تحديدا- يأخذن الكثير من الحقوق ولا يقمن إلا بالقليل من الواجبات، والمستقبل يؤذن بسلبية أكبر، فقد حصلت المرأة على الكثير من هذه الحقوق بيد أن غالب ما يروج له هي أشكال حقوقية لا تضيف للمرأة في المجتمع شيئا، ولا يفيد منها إلا الذين يتم اصطفاؤهم أو اختيارهم.
وأسهب أغلب الأعضاء في النقاش حول هذا الموضوع، وتشعب إلى موضوعات متصلة حول كيد النساء، ورياضة المرأة، والدفاع عن المرأة، وأشار البعض إلى أن الحوار مفيد، ولكن يجب أن نكون متسامحين، وأن نبتعد عن التشنج.
انتهى،،