نوفمبر 2017 م
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر نوفمبر 2017 م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي
- شبكات التواصل الاجتماعي وتعزيز قيم المواطنة.. الأساليب والوسائل
- الشباب والإبداع.. من أين نبدأ؟
- كأس العالم.. وصورتنا في الخارج
- صندوق الاستثمارات العامة.. دوره في التنمية وتطوير سياساته
محتويات التقرير
المحور الأول: القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي
- الورقة الرئيسة: د. خالد الفهيد
- التعقيب الأول: د. مشاري النعيم
- التعقيب الثاني: أ. محمد العمران
- إدارة الحوار: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- واقع ومعوقات إسهام القطاع الزراعي في تنمية الاقتصاد السعودي
- التوصيات المقترحة
المحور الثاني: شبكات التواصل الاجتماعي وتعزيز قيم المواطنة.. الأساليب والوسائل
- الورقة الرئيسة: د. مساعد المحيا
- التعقيب الأول: أ. خالد الوابل
- التعقيب الثاني: أ. لمياء العنزي
- إدارة الحوار: أ. أسمهان الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- محددات تعزيز قيم المواطنة بالنظر لتأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي
- التوصيات المقترحة
المحور الثالث: الشباب والإبداع.. من أين نبدأ؟
- الورقة الرئيسة: د. زينب إبراهيم
- التعقيب الأول: د. نوال الضبيبان
- التعقيب الثاني: د. هند الخليفة
- إدارة الحوار: د. فوزية البكر
- المداخلات حول القضية:
- الشباب والإبداع والإشكالات المتضمنة
- التوصيات المقترحة
المحور الرابع: كأس العالم.. وصورتنا في الخارج
- الورقة الرئيسة: أ. عبدالله الضويحي
- التعقيب الأول: د. إبراهيم البعيز
- التعقيب الثاني: أ. عبدالمحسن القباني
- إدارة الحوار: أ. عبير خالد
- المداخلات حول القضية:
- المشاركة بكأس العالم وفرص تحسين صورتنا الذهنية في الخارج
- التوصيات المقترحة
المحور الخامس: صندوق الاستثمارات العامة.. دوره في التنمية وتطوير سياساته
- الورقة الرئيسة: د. إحسان بو حليقة
- التعقيب الأول: د. مشاري النعيم
- التعقيب الثاني: د. نوف الغامدي
- إدارة الحوار: م. خالد العثمان
- المداخلات حول القضية:
- صندوق الاستثمارات العامة: الواقع والإشكالات ذات العلاقة
- التوصيات المقترحة
المحور الأول
القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي
الورقة الرئيسة: د. خالد الفهيد
القطاع الزراعي هو أحد الروافد الهامة للاقتصاد الوطني في المملكة العربية السعودية وله أدوار متوقعة للمساهمة في زيادة رفاهية المواطنين وتحسين مستواهم الغذائي وتقليل تكاليف المعيشة وتوفير فرص وظيفية للعاملين فيه والأنشطة المرتبطة به كمدخلات ومخرجات ليساهم هذا القطاع في توطين التقنية والخبرات الوطنية التي تعمل للمساهمة في رفع كفاءة الإنتاج وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه وإلى جانب دوره الاقتصادي الهام فهناك أبعاد صحية، واجتماعية، وديمغرافية، وأمنية لا تقل أهمية وتتمثل في إحداث التنمية المتوازنة بين المناطق وتوفير سبل العيش الكريم والمحافظة على نمو القرى والهجر وتوطين أبناء البادية والحد من معدلات البطالة، والفقر.
وحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده حفظهما الله تدرك أهمية هذا القطاع ودوره الرئيس في تحقيق رؤية المملكة 2030 ليسهم في تنمية الاقتصاد السعودي حيث يسهم حاليا في توفير 25 % من جميع الأغذية المتاحة للاستهلاك في المملكة كما يوفر وظائف لنحو 450 ألف مواطن في مختلف مناطق المملكة بالإضافة إلى إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بقيمة نحو 53 مليار ريال ما يعادل 4 % من الناتج المحلي غير النفطي كما يمثل هذا القطاع مساحة تقدر بنحو 2 % من إجمالي مساحة الأراضي في المملكة لهذا تبنت الدولة البرامج والمبادرات الهادفة إلى تحويل القطاع الزراعي من قطاع تقليدي إلى قطاع تقني يستفيد من الميز النسبية في المناطق الزراعية بالمملكة، وبالرغم من أهمية هذا القطاع ودوره الرئيس في تحقيق التنمية الاقتصادية إلا أنه يواجه بعض التحديات سواء في الموارد الطبيعية أو البشرية منها:
- من أهم معوقات التوسع زراعيا ندرة المياه في بلد صحراوي يمثل شبه قارة مثل المملكة حيث يستهلك القطاع الزراعي أكثر من 85 % من الموارد المائية المتاحة مما يتطلب أهمية مراعاة جانب الترشيد في استخدام المياه واستمرار التطوير في أنظمة الري المرشدة ورفع كفاءتها والتركيز على المنتجات النباتية أو الحيوانية أو السمكية التي لا تستنزف هذا العنصر الحيوي.
- رغم تميز بعض الشركات الزراعية والمشاريع الزراعية في حسن استخدام عناصر الإنتاج بتحقيق معدلات إيجابية للوحدة المنتجة إلا أن غالبية المزارعين لديهم انخفاض كفاءة استخدام عناصر الإنتاج في ظل ارتفاع التكاليف الثابتة لها ينتج عنها ارتفاع تكاليف الوحدة المنتجة مما يضع المزارع في وضع تنافسي سيئ مما يتطلب أهمية مراعاة الجوانب الاقتصادية وتفعيل العمل التعاوني لخفض التكاليف الثابتة (آلات ومعدات زراعية ، عمالة، مخازن وغيرها).
- موسمية المنتجات الزراعية وسرعة تلفها وصعوبة التحكم في الدخول والخروج من حلبة الإنتاج وتأثر الزراعة بالظروف الجوية خصائص يتسم بها القطاع الزراعي ويختلف عن القطاع الصناعي مما ينتج عنها ازدياد الحاجة إلى عمالة في أوقات جني الثمار يصاحبها زيادة من الفاقد والهدر من المنتجات الزراعية وتبرز معها أهم التحديات معضلة “التسويق الزراعي” وتزداد التكاليف على المزارع مما يتطلب أهمية تطوير الأسواق الزراعية في المناطق والمحافظات للتعرف على مناطق العجز والفائض في تلك الأسواق وفقا لقوى العرض والطلب وإنشاء كيانات متطورة للتسويق الزراعي وتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية كروابط للمزارعين لتمثيلهم للقيام بالشراء والبيع الموحدين لمدخلات ومخرجات مزارعهم للحصول على أسعار تفضيلية.
- على الرغم من تقديم صندوق التنمية الزراعية لقروض للمزارعين إلا أن المزارع يواجه مشكلة ضعف التمويل لعدم وجود الضمانات مثل القطاع الصناعي والعقاري.
- ارتباط القطاع الزراعي بالعديد من الجهات الحكومية للحصول على التراخيص، والخدمات المختلفة أثناء مراحل الإنتاج والتسويق مما يخلق مناطق رمادية تزيد من سوء وضع المزارع وتعطل أو تقلل بعض منافعه.
ونظرا لأهمية القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد الوطني خاصة في مجالي الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة فإن الأمر يتطلب استمرار دعم الدولة له وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في سلاسل إمدادات الغذاء وتقديم الخدمات اللوجستية، إضافة إلى تذليل الصعوبات والتحديات التي تواجه العاملين في القطاع والحلقات الأمامية والخلفية المرتبطة به.
التعقيب الأول: د. مشاري النعيم
تناولت الورقة أهمية القطاع الزرعي وركزت على التحديات التي تواجه هذا القطاع مثل ندرة المياه رغم أن الزراعة تستهلك 85% من المياه وارتفاع تكلفة المنتج الزراعي الذي يرفع المنافسة عند المزارع السعودي ويقلل من العائد الاقتصادي لمنتجاته، وضعف التسويق مع سرعة تلف المنتج الزراعي، وهذا ربما نشاهده بوضوح في تسويق منتجات مزارع المانجو في جازان كمثال.
هذا التعقيب سوف يحاول أن يطرح بعض الأفكار التي ربما لم تغطيها الورقة، فمثلا ندرة المياه تم التعامل معها في واحة الأحساء، كمثال، باستخدام المياه المعالجة وقبل أسابيع قليلة تم افتتاح مشروع محطة المياه المعالجة في الخبر التي تغذي الواحة بما يعادل 100 الف متر مكعب يوميا وبلغ استخدام المياه المعالجة في الواحة نحو 400 الف متر مكعب عوض نقص المياه بشكل كبير وأدى إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية. في تصوري أن الاعتماد على تقنيات المياه “الرمادية” سيكون الخيار المهم في المستقبل القريب بالنسبة لنا مع أهمية الاحتفاظ بالمياه الطبيعية كمخزون استراتيجي مستقبلي في حال الأزمات لا قدر الله.
موضوع “الأمن الغذائي” وأهميته الاستراتيجية يحتاج أن نركز عليه بشكل كبير، فالقطاع الزراعي ليس خيارا اقتصاديا فقط بل هو خيار أمني، وبالتالي يفترض أن يكون التوسع في هذا القطاع مرتبط بأعلى التقنيات، فنحن نملك الطاقة الرخيصة لكنا لم ننجح في استثمار هذه الطاقة في تطوير القطاع الزراعي. أحد الدراسات تؤكد على أن مدن “ما بعد النفط” ستعاني بشكل كبير من توفير المنتج الزراعي بنفس الكميات الحالية نتيجة لتكلفة الطاقة وبالتالي إمكانية حدوث مجاعة إنسانية في المستقبل وارد. هذه المخاوف تستحق أن نتوقف عندها كونها تؤثر بشكل مباشر في وجودنا المستقبلي على هذه الأرض.
الأمر الثالث هو “التصنيع الغذائي” الذي عادة ما يكون مرتبط بشكل مباشر بالقطاع الزراعي، فأنا أرى أننا حتى الآن فشلنا في هذا الجانب وربما أستثني منتجات الألبان والبيض والدجاج، وكلها منتجات حيوانية وليست زراعية بشكل مباشر، والمنتج الزراعي الوحيد الذي يمكن أن نتوقف عنده هو “التمور”، مما يؤكد أننا نفتقر للتخطيط البعيد المدى في هذا القطاع، واقترح أن يكون الدعم الحكومي لهذا القطاع موجه فقط لتنشيط التصنيع الغذائي وتطويره كخيار استراتيجي. علما بأن التصنيع سوف يضع حلولا لتلف المنتجات الموسمية وهبوط أسعارها وسيجعل الاستثمار في القطاع الزراعي مجد.
فيما يخص موضوع التسويق، أرى أن هذا الموضوع لا يؤخذ بجدية كافية وحسب علمي تم تأسيس مركز لتسويق النخيل عالميا، ولا أعلم إن كان هذا المركز في وزارة التجارة أو وزارة التجارة لكن هذا المركز ليس له أي تأثير، مثل كثير من المراكز التي تؤسس على أساس “بيروقراطي” وليس على أساس تنافسي، وأرى أن التسويق يجب أن يكون اختصاص القطاع الخاص وليس القطاع الحكومي لأنه الأقدر على القيام بهذه المهمة. ولعلي أذكر هنا أنني قبل أسابيع قليلة التقيت بفريق من أستراليا في سوق التمور بالأحساء في وجود أمين الأحساء وكان الهدف من الزيارة الاطلاع على منتجات التمور والإجراءات الصحية المتبعة لأن أستراليا تعتزم استيراد التمور من المملكة وتصنيعها في أستراليا.
التعقيب الثاني: أ. محمد العمران
سأتناول القضية من المنظور الاستراتيجي من واقع أهداف و مبادرات الرؤية السعودية 2030 و برنامج التحول الوطني 2020، حيث تضمنت الرؤية في أهدافها تعزيز فاعلية الحكومة من خلال ضمان الأمن التنموي و الغذائي و ضمان الاستفادة المستدامة من الموارد المائية، و في تمكين حياة عامرة و صحية من خلال ضمان الاستدامة البيئية و ما يتفرع منها من برامج تستهدف الحد من التلوث الهوائي و المائي و الترابي و الصوتي إلى جانب حماية البيئة من الأخطار الطبيعية كالتصحر و هي أهداف استراتيجية ستكون لها فوائد مهمة في المدى البعيد اقتصادياً و اجتماعياً و صحياً و ديموغرافياً و أمنياً، تماماً كما ذكر الدكتور الفهيد.
أما برنامج التحول الوطني، فأهدافه الاستراتيجية أتت أيضا متناسقة مع الرؤية السعودية لكنها جريئة جداً حيث تضمنت على سبيل المثال لا الحصر: تخفيض نسبة استهلاك المياه في القطاع الزراعي لإجمالي المياه المتجددة لأكثر من النصف، زيادة حجم الاستزراع المائي بأكثر من الضعفين، زيادة إنتاج التمور بأكثر من 20%، تحويل زراعة الأعلاف إلى زراعة المحاصيل الزراعية بنسبة 100%، زيادة المساحة الكلية للمراعي المؤهلة من صفر إلى 60.000 هكتار، زيادة متوسط تعرفة التكلفة الكلية للمياه بأكثر من الضعفين، تخفيض نسبة الفاقد من المياه من 25% إلى 15%، خفض استهلاك المياه من المصادر غير المتجددة بأكثر من 70% و غيره من الأهداف الطموحة جداً.
مما سبق يتبين لنا بوضوح أننا أمام منعطف تاريخي للقطاع الزراعي في المملكة حيث سنتعامل مع معطيات تختلف جذرياً مع جميع المعطيات التي عهدناها في السابق لعشرات و ربما لمئات السنين في ظل التحديات الصعبة التي تواجه القطاع الزراعي مثل: شح مصادر المياه المتجددة و غير المتجددة و في ظل شح الأراضي الصالحة للزراعة قرب المدن الرئيسية و ارتفاع تكلفتها و في ظل شح الأيدي العاملة السعودية المتخصصة في المجال الزراعي و في ظل غياب الجدوى الاقتصادية أو المردود الاستثماري المغري للمستثمرين، و الأهم من كل ذلك قرب فك الدعم عن أسعار الطاقة قريباً حيث سيشكل ذلك تحدياً كبيراً لتكلفة الإنتاج الزراعي و نقله داخل المملكة.
سأتوقف قليلاً عند بعض النقاط التي ذكرها د. خالد الفهيد و منها وجود وظائف لنحو 450 ألف مواطن في القطاع الزراعي اليوم، حيث أرى أن الرقم مبالغ فيه و لا يتناسب مع أرقام التوظيف الرسمية للمواطنين و التي تعلنها دورياً هيئة الإحصاءات العامة، خصوصا و أننا نعلم جميعاً أن العمالة الأجنبية تسيطر سيطرة شبه كاملة على الإنتاج و النقل و التسويق الزراعي فيما لم ألحظ شخصياً شباب سعوديين يعملون في الفلاحة أو النقل أو التسويق كوظيفة تمثل دخلهم الرئيسي سوى بعض الحالات الاستثنائية و المحدودة العدد من بعض كبار السن في مناطق محددة (كالقصيم و جازان و الأحساء و القطيف و حائل و المدينة) !!!
و من النقاط المهمة التي أوردها د. الفهيد ما يتعلق برفع الدعم عن أسعار المياه حيث سيسهم هذا حتماً في ترشيد استهلاك الطاقة (خصوصا في القطاع الزراعي) و بنسب ترشيد ربما تفوق الأهداف الاستراتيجية في برنامج التحول الوطني و سيسهم حتماً في تخفيض التكلفة على الدولة، لكن في الجانب الآخر فإن هذا سيجعل من مسألة الحصول على المياه مسألة أكثر صعوبة و أكثر كلفة من السابق و ربما يؤثر على جاذبية الاستثمار أو جدواه الاقتصادية.
أما ما يتعلق بتطوير أنظمة الري، فلا شك أن هناك أفكار مبتكرة و مبادرات مميزة تبعث الأمل في هذا الجانب لكنها مع الأسف تظل ضمن إطار الاجتهادات الشخصية من بعض الشركات أو المزارعين و لا تزال تحتاج إلى تطورات جوهرية و ملموسة لنتأكد من نجاحها بالشكل المطلوب (الزراعية المائية مثلاُ أو ما يعرف بـ Hydroponics) فيما تبرز التحديات أعلاه عائقاً أمام هذه الأفكار و المبادرات خصوصاً ما يتعلق بتوفر المياه المتجددة و الأراضي بمساحات واسعة و تكلفة معقولة.
و في المقابل، نجد تغير جوهري في الخطط الاستراتيجية للدولة مع تشجيعها لاستيراد الأعلاف و المحاصيل الزراعية من خارج المملكة بدلاً من زراعتها محلياً، و أبرز مثال على ذلك قيام صندوق الاستثمارات العامة و شركات مساهمة مؤخراً باستثمار مليارات الريالات لإنشاء شركات و تحالفات دولية لاستيراد المنتجات الزراعية و الأعلاف من خارج المملكة، و أيضا توقف شركة المراعي تماماً عن زراعة الأعلاف محلياً و قيامها فعلاً باستيراد الأعلاف من شركات تابعة لها في الولايات المتحدة !!
و بالنسبة للجمعيات التعاونية الزراعية، فقد تكون هذه محاولة جيدة لفك احتكار العمالة الأجنبية على التسويق الزراعي في المملكة (تجارة الجملة تحديداً) لكنها لن تكون الحل الجذري لفك الاحتكار، و أرى أن الجهود التي تقوم بها حالياً وزارة التجارة للحد من ظاهرة التستر التجاري بالتنسيق مع جهات حكومية أخرى ستكون أكثر نجاعة و فعالية من فكرة الجمعيات التعاونية التي حتماً ستكون أكثر كلفة و صعوبة في التنفيذ، و ما يؤكد ذلك هو فشل مشروع سعودة أسواق الخضار في المملكة و الذي صدر منذ نحو 16 عام دون أي نتائج ملموسة حتى الآن.
و أخيراً، يجب أن لا نعول كثيراً على صندوق التنمية الزراعي في المرحلة المقبلة لأنه أقدم مؤخراً على رفع تكلفة الاقتراض على المزارعين و وضع ضوابط أكثر تشدداً عليهم من السابق بهدف زيادة فعالية الاقتراض و تخفيض نسبة التعثر التي يعاني منها الصندوق مؤخراً، مما يدل على أن التمويل لن يكون خياراً جاذباً لغالبية المزارعين في المستقبل.
المداخلات حول القضية:
- واقع ومعوقات إسهام القطاع الزراعي في تنمية الاقتصاد السعودي
أشارت د. نوف الغامدي إلى أنه عندما نتحدث عن الاقتصاد الزراعي فنحن نتحدث عن تطبيق المبادئ والقوانين الاقتصادية في مجال الزراعة، و يعرف أنه العلم الذي يحاول عمل توازن الموارد الاقتصادية وبين رغبات المجتمع من السلع الزراعية. أو العلم التطبيقي الذي يحاول رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية في المجال الزراعي. فهناك السياسة الزراعية، التسويق الزراعي، الإدارة المزروعية، التنمية الزراعية وَ التمويل الزراعي … الموضوعات كثيرة وَ الموضوع له فروع كثيرة.
أما د. حمزة بيت المال فقد لفت انتباهه عدم التعرض لموضوع مراكز الأبحاث والتطوير خصوصا في مجال الزراعة المائية والنخيل. وأضاف أنه بالرغم من أنه ليس متخصص لكنه لفت نظره جهود جامعة الفيصل في أبحاث النخيل والتمور. والواقع أنه يجب أن يكون لدينا عشرات من مركز البحث والتطوير في مجال الزراعة في المناطق شحيحة المياه. البيوت المحمية لازالت إن لم يكن كلها مستورة، لماذا لا يتم تصنيعا وتطويرها محليا.
وحول هذه النقطة أوضح أ. محمد بن فهد العمران أنه تطرق في تعقيبه لما ذكره د. حمزة تحت إطار الأفكار المبتكرة للتطوير و هي كثيرة و متنوعة و قدم مثالا لذلك ؛ لكن المشكلة أن الأبحاث تظل اجتهادات من قبل البعض لم تتوسع بالشكل المطلوب و ظلت في زاوية ضيقة جداً حتى الآن. المهم هو الجدوى الاستثمارية لهذه الأفكار لأن هذا ما سيكفل تطورها و توسع تطبيقها.
وذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أن هناك مصادر متخصصة تقدر أن القطاع الزراعي يستهلك أكثر من 85 في المائة من مجمل أوجه الاستهلاك المائي في السعودية ، الأمر الذي دعا الكثير من الجهات الحكومية المختلفة إلى اتخاذ تدابير احترازية تعمل على ترشيد الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي عبر سلسلة من الخطوات لأجل الحفاظ على الموارد المائية ، في ظل شح هذه الموارد وقلتها في البلاد.
التساؤل هنا ، ماهي القيمة الاقتصادية التي من الممكن أن نعتقد من خلالها إمكانية الموائمة ما بين البعدين الاستراتيجيين في الحفاظ على مقدار المخزون المائي ، والإنتاج الزراعي عامة في آن واحد.
وأوضح أ. محمد بن فهد العمران حول هذا التساؤل أن إنشاء السدود في جميع مناطق المملكة ساهم في تفاقم مشكلة استنزاف المخزون الاستراتيجي من المياه في باطن الأرض خصوصا و أن جزء كبير من المياه المحتجزة في السدود تتبخر في الهواء. على مدى مئات السنين، تكونت في باطن الأرض خزانات طبيعية ضخمة لمياه الأمطار إلا أن إنشاء السدود قلل من وصول المياه لهذه الخزانات الطبيعية.
وأضافت د. نوف الغامدي أن من أهم المحاور التي تضمنتها الرؤية المحافظة على الموارد الحيوية للمملكة، والتي تشمل:
– حماية الموارد المائية من خلال ترشيد استهلاك المياه وخاصة في المجال الزراعي.
– تحقيق الأمن الغذائي الوطني من خلال بناء شراكات زراعية استراتيجية مع الدول التي حباها الله موارداً طبيعية من تربة خصبة.
– الاستفادة من المساحات الشاسعة على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي عبر دعم مشاريع الاستزراع المائي والمساهمة في تنويع القاعدة الإنتاجية للمملكة.
– زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من الدواجن ودعم الزراعة العضوية.
على ضوء ذلك، تبرز مجموعة من التساؤلات المهمة منها: ما المبادرات التي تبنتها الوزارة حتى الآن ؟! وكيف تساهم كل تلك التوجهات في زيادة نسبة مساهمة القطاع الزراعي بالمملكة في الناتج المحلي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتوفير فرص عمل للمواطنين، ومواكبة كل جديد من أجل تطويره وتحويله إلى قطاع مستدام ينسجم مع الموارد الطبيعية للمملكة؟
أيضا فإن صندوق التنمية الزراعية يعمل حالياً على تطوير استراتيجية الاستثمار الزراعي السعودي في الخارج، وخطتها التنفيذية لتعزيز الأمن الغذائي في السعودية، بالتعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، وبما يركز بشكل محدّد على توجيه الاستثمارات الزراعية السعودية لتحقيق استراتيجية الأمن الغذائي الوطنية.. إلى ماذا تهدف هذه الاستراتيجية وما هو دور الشراكة بين القطاع العام والخاص في هذا المجال ؟
وفي إطار الإجابة على التساؤلات السابقة أوضح د. خالد الفهيد أن القطاع الزراعي يرتبط بعدة أنشطة هامة منها الثروة النباتية والحيوانية والسمكية والغطاء النباتي والبيئة وكل نشاط من هذه الأنشطة له حلقات مرتبطة به أمامية وخلفية وكذلك من الخدمات المساندة من التسويق والنقل والبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي والتدريب . وبدعم هذا القطاع من المؤمل أن يحقق تنمية ريفية مستدامة وتوطين أبناء الريف وكل مهنة يعمل فيها الأجنبي بمختلف المواقع بالمملكة فهي فرصة عمل للمواطن وحسب إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء هناك أكثر من 600 الف حيازة زراعية في المملكة وتختلف المناطق من حيث الميز النسبية سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الوسط من حيث مناسبة زراعة منتجات زراعية عن غيرها.
كذلك فإن القطاع ليس فقط زرع وحصد بل إنه تحول من قطاع تقليدي إلى قطاع تقني يدار بأحدث التقنيات إلا أن هذا لا يعني أنه يخلو من الرخاوة والضعف في حلقات مراحلة الإنتاجية والتسويقية وللأسف لازال الإرشاد الزراعي والبحوث الزراعية أقل من المأمول سواء من الجامعات أو مدينة الملك عبدالعزيز أو كبحوث تطبيقية من وزارة البيئة وهيئة الغذاء والدواء والصندوق الزراعي أو الصادرات السعودية. ورغم ذلك هناك نجاحات في مشاريع الألبان الطازجة تحقق معها الاكتفاء الذاتي من منتجاتها ومن بيض المائدة أما لحوم الدواجن بنسبة 42٪ والتمور منها فائض ويصدر بنسب أقل من المأمول لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي للمملكة (أحد برامج التحول أن تتصدر المملكة الدول من حيث قيمة صادرات التمور).
هناك توجه من الدولة لتطوير الاستزراع السمكي والاستفادة من السواحل وإقامة المشاريع السمكية في مواقع مختلفة من المملكة للاستفادة من الميز النسبية لها. وحاليا هناك تصدير للروبيان لعدد من الدول.
وفي واقع المنتجات الزراعية من الخضار يبرز نشاط البيوت المحمية تطبق فيها التقنيات الحديثة. وتختلف نسب الاكتفاء الذاتي منها حسب المواسم ويتم سد العجز بالاستيراد عبر المحاجر الزراعية في مختلف منافذ المملكة.
ومن الفرص الاستثمارية هو الاستفادة المثلى من مخرجات القطاع ومخلفاتها مثل إقامة المصانع لمخلفات النخيل والأسمدة وتربية الدواجن والنقل المبرد وتطوير عمليات التسويق الزراعي وتفعيل دور الجمعيات الزراعية من خلال مجلس الجمعيات التعاونية الذي يحظى باهتمام الدولة . وتفعيل المركز الوطني للنخيل والتمور الذي انشأ منذ أكثر من سبع سنوات بموافقة سامية وأن يدار بفكر القطاع الخاص تحت مظلة مجلس الغرف السعودية بالتعاون مع وزارة الزراعة والجهات الحكومية ذات العلاقة .
ومن الأمور الهامة في القطاع الزراعي رفع كفاءة إنتاج وتسويق المنتجات الزراعية وسلامة الغذاء وخلوه من المتبقيات .
ومن جديد ركزت د. نوف الغامدي على أن القطاع الزراعي تحول من قطاع تقليدي إلى قطاع تقني، وقد أطلقت الوزارة في سبتمبر الماضي برنامج دعم التقنيات الحديثة في القطاع ، وعليه يكون التساؤل حول أهمية البرنامج ودوره في دعم التقنية الزراعية.
وفي هذا السياق أشار د. خالد الفهيد إلى أنه من المعروف أن أهم أهداف التحول التقني هو رفع كفاءة استخدام عناصر الإنتاج وخدمات التسويق الزراعي وترشيد استخدامها ومن المعروف أن القطاع الزراعي يستخدم بشكل كبير المياه والعمالة يصاحبها سوء استخدام وهدر في تلك العناصر إضافة إلى فاقد في المنتجات الزراعية عند تسويقها بسبب شكل الثمار وسلامتها مما يعني أهمية التقنية لتعزيز الأنشطة التقنية مثل البيوت المحمية والدواجن وأنظمة الري المرشدة والزراعة المائية والاستزراع السمكي والتصنيع الزراعي والغذائي وكذلك التسويق الإلكتروني وتنظيم التسويق الزراعي وتشجيع المزارعين للدخول في كيانات لخفض التكاليف الإنتاجية والتسويقية لتحقيق عائد مناسب للمزارع ومن هنا تكمن أهمية دعم التقنية الزراعية.
وحول دور الإرشاد الزراعي في تحقيق الأمن الغذائي، يعتقد د. الفهيد أن الإرشاد الزراعي في المملكة لازال أقل من المأمول ويحتاج إلى تطوير مستمر ومتابعة كل ما هو جديد والمزارع ليس لديه ثقة لما يقدم له من المرشدين الزراعيين بل إن بعض المزارعين لديهم تجارب وخبرات أفضل من المرشدين فمثلا في هولندا تم تخصيص الإرشاد الزراعي بأكمله والمزارع يدفع للحصول على المعلومة ويبحث عنها لإرشاده لوجود الثقة فيما يقدم من المرشدين مما يعني وجود أزمة ثقة.
أما تعدد الجهات التي تشرف علي البحوث الزراعية لا يخدمها ومن المفترض توحيد الجهة وأن تكون مرجعية وتكاملية بين الجهات ذات العلاقة. ومن ناحية المبتكرات هناك العديد منها سواء مناسبة أو غير مناسبة لكن بيروقراطية تأخر اعتمادها أو رفضها من جهة اعتمادها يترك الأمر للاجتهادات والتخبط من البعض.
ويوجد هناك مراكز للبحوث في عدة مناطق لكن ليست لديها إمكانات مراكز أبحاث مدينة الملك عبدالعزيز والجامعات مما يشتت الجهود والرأي أن تبقى فقط مراكز تطبيقية تتعاون مع الجامعات والمدينة ويكون تمويلها من تلك الجهات يستفيد من مخرجاتها الإرشاد الزراعي وتكون بيئة للتدريب الزراعي.
أما عن فكرة استثمار الأوقاف الزراعية فهي فكرة متميزة وكون الأوقاف متوقع أن تكون قريبة من النطاق العمراني وفي مختلف مناطق المملكة مما سيساهم في إيجاد فرص عمل للمواطنين والتعريف بالبيئات المختلفة لتلك المناطق .. فإنه من المناسب استثمارها في السياحة الزراعية التي تحظى باهتمام وتشجيع الهيئة العامة للسياحة وأصدرت لها تنظيم ويمولها صندوق التنمية الزراعية.
وحول خصخصة القطاع الزراعي والخدمات المتوقع خصخصتها ، فإن القطاع الزراعي شأنه شأن القطاعات الأخرى يتوجه للتخصيص في الأنشطة المناسبة للتخصيص مثل الخدمات الزراعية ( مبيدات وبذور وتراخيص زراعية وإرشاد وغيرها ومناحل ) والخدمات البيطرية وشركة للثروة السمكية والمطاحن وصوامع الغلال.
ومن ناحية أخرى تطرق م. خالد العثمان إلى دور الأنظمة التشريعات والأجهزة الحكومية في تحفيز الإنتاج عموما والإنتاج الزراعي خصوصا.. فنظام المشتريات الحكومية مبني على مفهوم التوريد وليس الإنتاج.. وهو بالتالي لا يحفز لا الاستثمار ولا البحث والتطوير ولا الإبداع والابتكار ولا الحماية والشراء المسبق.. قد يقول قائل أن هذا النظام يخص المشتريات الحكومية فقط.. لكن هذا النظام هو السبب في مجمل ثقافة التنمية والأعمال في المملكة بما فيها أعمال القطاع الزراعي كونها أصلت ورسخت ثقافة التوريد والشراء والاستهلاك والاسترخاص عموما .
وفي الحديث عن القطاع الحكومي في الشأن الزراعي فإن الاعتقاد أن الجمع بين اختصاصات الزراعة والمياه والبيئة في وزارة واحدة هو خطأ استراتيجي بالنظر إلى تضارب المصالح بين هذه القطاعات.. ناهيك عن أن كلا منها يمثل هما كبيرا وحملا ثقيلا يتطلب وزارة مستقلة بذاته .
وفي موضوع تقنيات الزراعة الحديثة بما فيها الهايدروبونيك والاكوابونيك والايروبونيك فهي بالتأكيد تقنيات واعدة ولها نتائج مبهرة لكنها لم تجد الدعم الكافي للتوسع في تطبيقاتها في المملكة حتى الآن والكثير من التجارب أيضا تخضع لنموذج الاسترخاص الذي يمارسه المستثمرون فيخرجون بنتائج رديئة .. المطلوب أن تحفز هيئة الاستثمار استقطاب التقنيات عبر الاستثمار المشترك مع الشركات العالمية الضليعة في هذه التقنيات بهدف نقل المعرفة والتقنية وتوطينها تمهيدا للتوسع في تطبيقاتها على نطاق واسع وبمفهوم صناعي إنتاجي بعيدا عن مفهوم الزراعة الموسمية الفلاحية التقليدية قليلة الكفاءة عظيمة المخاطر.. صندوق التنمية الزراعي أعلن اهتمامه بهذه التقنيات على وجه الخصوص لكننا ننتظر خطوات ملموسة في هذا المسار.
واتفق م. خالد مع ما ورد بتعقيب د. مشاري النعيم حول أهمية التوسع في الصناعات الزراعية وأضاف إليه الخدمات والصناعات اللوجستية المساندة للقطاع الزراعي فهي لا تمثل فقط مجالا لخلق الوظائف والحراك الاقتصادي فحسب بل هي أيضا عامل مهم في رفع كفاءة القطاع الزراعي بالمجمل ورفع جودة المنتجات الزراعية وتحسين المناخ الاستثماري فيها.. وكمثال هناك تقنية بولندية للتغليف للمنتجات الزراعية في شكل وحدة متنقلة مجهزة بكل ما يلزم لترتيب وتغليف المنتجات الزراعية في المزارع ونقلها مباشرة إلى الأسواق بدلا من نقلها بالتكديس في شاحنات النقل بما يتسبب في إتلاف نسبة كبيرة منها.. هذه التقنية تسهم بالتأكيد في رفع جدوى وربحية المزارع الصغيرة التي لا تستطيع توفير تجهيزات لوجستية متقدمة لنقل منتجاتها للأسواق بشكل آمن.. هذا مجرد مثال وهناك غيره الكثير.
ويرى د. مساعد المحيا أن المزارع الصغير لدينا هو أقل الرابحين .. فالمنتجات الزراعية في المزارع الصغيرة غالبها لا يحقق ما انفق عليها من مبالغ كبيرة جدا .. بل قد يخرج بخسائر .. والمشكلة الأكبر حين يتم رفع سعر الطاقة ويوضع عدادات على ماء البئر حينها سيصبح المزارع الصغير في أزمة أكبر وقد يخرج الكثير منهم من السوق.
وأوضح د. خالد الفهيد أن من العوامل المساعدة على خفض التكاليف الإنتاجية والتسويقية للمزارعين وتحسين العائد لهم هو الانخراط في الجمعيات التعاونية الزراعية للشراء الموحد لمدخلات الإنتاج ، وكذلك إبرام العقود لبيع منتجاتهم والمؤمل تفعيل دور مجلس الجمعيات التعاونية لتقوم بدورها فيما يخدم صغار المزارعين. كذلك فمن الفرص الاستثمارية في القطاع الزراعي التي تقل فيها المخاطرة العمل في سلسلة الإمدادات (supply chain) ابتداء من المزرعة إلى مائدة الطعام.
ويرى أ. محمد بن فهد العمران أن هذا التوجه لينجح يجب أن يكون على نطاق واسع و بدعم حكومي من الأنظمة (مكافحة التستر مثلا) ؛ فالعمالة الأجنبية تسيطر تماماً على أهم نقاط سلسلة الإمدادات المتمثّلة بتجارة الجملة و التي يحققون فيها أعلى هوامش الربح و التي يصعب اختراقها باجتهادات فردية.
وذكر م. خالد العثمان أن هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة حملت عبء إدارة ملف مكافحة التستر التجاري وتعمل عليه بجدية مشهودة.. أول مخرجاته سيبدأ تطبيقه قريبا في قطاع التجزئة وتحديدا البقالات في مرحلته الأولى .. المقترح هو تسريع تطبيق توجهات هذا البرنامج بشكل متوازٍ في قطاعات أخرى ومنها القطاع الزراعي بالتنسيق مع الوزارات المختصة.
ومن جانبه قال د. علي الحارثي: الموضوع ذو أهمية بالغة امنياً وصحياً واجتماعيا واقتصادياً . التساؤل هو أن السياسة الزراعية مرت بتحولات متعددة ومتنوعة كغيرها من السياسات التعليمية والصحية والاقتصادية وغيرها تبعاً لرؤية الوزراء ومستشاريهم وبعض التحديات ، بمعنى أنه لم يستقر الحال على رؤية واحدة، وكانت تكاليفها باهظة وبالذات المورد الأكثر والأكبر أهمية الماء وغيره من الموارد الهامة. ومن ضمن الرؤى المنح الزراعية الكثيرة التي فتتها فيما بعد الإرث والتكاليف والمنافسة والتسويق واستحواذ الأجانب على المدخلات والمخرجات !!.. فهل ما جاء في الرؤية ٢٠٣٠ والتحول كما أشارت الورقة الرئيسة والتعقيبات ملاذ يحقق النجاح لكل العناصر والأبعاد والسياسات التي فشلت والتحديات التي واجهها المزارعون والوزارة ولا زالت قائمة لهذا القطاع الهام والحيوي ؟؟ أم سيستمر الحال في الحلقة المفرغة هدر الجهد والمال والموارد والمآل . ؟؟ وهل الأفضل أن نفسح المجال للاستثمار الأجنبي الناجح للاستصلاح الزراعي أم نبني شركات استثمارية محلية تستثمر خارجياً كما حاصل مع شركة المراعي بالنسبة للأعلاف؟
وفي هذا السياق أشار د. خالد الفهيد إلى أن الاستثمار في القطاع الزراعي شأنه شأن الاستثمار في القطاعات الأخرى يخضع لعدد من المعايير ويضاف لها ارتفاع درجة المخاطرة نظرا لتعرض المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني لعدد من المتغيرات مثل التقلب الحاد في الظروف الجوية والآفات الزراعية والأمراض وموسمية الإنتاج الزراعي ويضاف ارتفاع نسبة الفاقد والهدر سواء في مدخلات عناصر الإنتاج أو مخرجاته كما أنه يواجه ندرة عناصر إنتاجي هام وهو المياه مما يرفع تكاليف الإنتاج خاصة إذا كان هناك سوء إدارة للمنشأة.
الفاقد في منتجات بعض صغار المزارعين في المتوسط لا يقل عن الثلث ويكفي زيارة مساءا للأسواق الزراعية بعد انتهاء فترة البيع هناك أطنان يتم التخلص منها لسوء المنتج وسوء النقل لك أن تتخيل نقل منتج مثل الطماطم من وادي الدواسر إلى الرياض في سيارات مكشوفة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في الصيف. في حين أن نسبة النقوق في بعض مشاريع دجاج اللحم تتجاوز 50٪ .
وفي ظل أهمية القطاع الزراعي اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وصحيا يجب التركيز على الميز النسبية في المناطق التي تجود فيها منتجات دون أخرى وتعظيم الفائدة منها مع مراعاة نظم للري المرشدة والاستفادة من المياه الرمادية ومعروف أن أي مشكلة اقتصادية يعاني منها المنتج تعتبر فرصة استثمارية مثل النقل والتخزين ودباغة الجلود وتصنيع التمور والتبريد والتغليف للمنتجات الموسمية وغيرها.
وفي سياق متصل فإن الغذاء له ارتباط وثيق بالزراعة وفي المملكة يتم تأمين الغذاء عن طريق إنتاج محلي والاستيراد وتشرف عليهما جهتين مختلفتين وتراقبه جهة ثالثة (البيئة والمياه والزراعة ، التجارة والصناعة، هيئة الغذاء والدواء) أي أن الأمر يتطلب تحديد المسئولية فمثلا منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAo) هي التي تهتم بالزراعة والغذاء . كذلك يجب أن يكون الاهتمام بالغذاء من الأولويات في الجهات الأكاديمية وتسخير البحوث فيها لما يسهم في رفع كفاءة الإنتاج وتعظيم الفائدة من استخدام الموارد الطبيعية وتحفيز المبادرات لما يحقق هذا الغرض.
ومن جديد أشار د. علي الحارثي إلى أن الاستثمار في القطاع الزراعي في المملكة معاييره وعناصر مدخلاته ومخرجاته نادرة إلا النذر اليسير : لا ماء لأنه أبو الزراعة وعمها وخالها ، صحراء جرداء قاحلة ، أجواء صحراوية قد لا تساعد على إنتاج جيد، عمالة وطنية ضعيفة ، دعم حكومي ضعيف في الوقت الحاضر وقد يستمر ، تكاليف عالية لا تقوى على التنافس ، مراكز أبحاث علمية مبعثرة ، تصنيع زراعي وهو ذات أهمية غير متوفر إلا في منتجات الألبان إلى حدٍ ما وغير ذلك كثير . ألا يمكن شق عدد من القنوات المائية من الخليج العربي والبحر الأحمر وعمل بحيرات على طول السواحل وإيصالها إلى أبعد مسافة داخل الصحاري والسهول والوديان نستطيع من خلالها إيجاد صناعه مائية زراعية حيوانية وبشرية كاستراتيجية زراعية طويلة المدى آمنة تغنينا عن صديق اليوم عدو الغد.
ويرى د. إحسان بو حليقة أن موضوع المساهمة الاقتصادية للزراعة، لم تكن، لكنها أصبحت محل جدل بسبب انخفاض العائد نسبياً للمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي نسبةً لما يستنزف من موارد، ولاسيما المياه. ويبدو أن رؤية المملكة 2030 وضعت من خلال أهدافها ذات الصلة بالقطاع الزراعي، يدها على الجرح.
قطاعنا الزراعي متدني الإنتاجية، يستنزف المياه، ولا يقدم فرص عمل مواتية للمواطنين، ويعاني من عدم كفاءة قنوات التسويق، وقد تمكنت العمالة الوافدة من تكييف جزء مهم من القطاع، وتحديداً الحيازات الصغيرة والمزارع الفردية لصالحها، ليحصل المالك على فتات الفتات.
ولابد من الإقرار أن الحفاظ على الماء من الهدر أهم من إنتاج سلع زراعية يذهب جل ربحها لمتستر عليهم من العمالة الوافدة، أو لشركات مساهمة تراكم أرباحاً على حساب استهلاك مخزون مائي ضئيل.
ولذا، فمن الضروري مراجعة وضعية القطاع الحالية، من باب الحفاظ على المخزون المائي وتوظيفه توظيفاً اقتصادياً يتناسب مع ندرته، السعي للارتقاء بمنظومة التسويق الزراعي لتعزيز قيمة المنتجات من خلال انتشارها والسعي للترويج لها، والتوجه للتصنيع الغذائي باتباع الأساليب التقنية المتقدمة عبر رعاية البحث والتطوير في القطاع.
وتساءلت د. نوف الغامدي: هل هناك تشجيع لمشاريع التصنيع الغذائي لامتصاص فوائض الإنتاج، وماذا عن الاختناقات التسويقية، هل توجد حلول لها؟
وحول هذه النقطة ذكر د. حميد المزروع أن المملكة تشتهر بزراعة النخيل وهناك حوالي ٣٠ مليون نخلة متنوعة ، مع ذلك يعاني مزارعي النخيل من مشاكل متراكمة ؛ أهمها السوسة الحمراء التي تحتاج الي علاج جذري ، كما تواجه مشاكل أخري مثل ضعف التصنيع ( التعبئة والتغليف ) وكذلك أساليب التسويق التي ما زالت بدائية . علما أن القيمة السوقية لزراعة وتجارة النخيل تبلغ حوالي ٣-٤ مليار .
كما أوضحت المداخلات بأن الزارعة نشاط اقتصادي أساسي لجميع المجتمعات . ولكن نحتاج بالحقيقة إلى تصنيف الأنواع المناسبة لظروفنا البيئية من ناحية والتركيز علي زراعة الأقاليم التي تتمتع بمعدلات مرضية لسقوط الأمطار مثل المنطقة الجنوبية التي ستبقي سلة غداء نوعي للمملكة إذا ما استغلت بشكل مهني .
وعقب د. إحسان بو حليقة على هذا التوضيح الأخير بأنه كثيراً ما نتغنى بالنخيل والتمور، ويحق لنا ذلك، فالنخلة بنت الصحراء البارة. لكن تقصيرنا نحوها ونحو اقتصادياتها بادي للعيان. فما زلنا نتعامل معها باعتبار أنها تنتج مادة خام (تمراً)، يؤكل أو يصنع منه حلويات أو يصدر، وهذا بالضبط ما كان يقوم به الأجداد منذ مئات السنيين! وضعت كل العقبات غير المبررة أمام تصنيع التمور، تصنيعاً عالي القيمة، إنتاج الكحول الطبي واستخلاص السكر.
وبدوره استغرب م. خالد العثمان أن نجد منتجات مختلفة من التمور التونسية في الأسواق الأمريكية بينما هم ينتجون نوعا واحدا من التمور.
في حين يرى م. أسامة كردي أنه يجب ألا تأخذنا العاطفة .. و يجب أن لا ننسى أن النخيل من أكبر مستهلكي مياه الري و لكننا حتى لم نطور أساليب ري هذه الشجرة المباركة.
وعقب د. خالد الفهيد بأن النخيل والتمور رغم أنها الرفيق على الطريق لنا في الصحراء إلا أنه يجب أن لا ننظر إليها بالعاطفة بقدر ما هي مورد اقتصادي هام تجود زراعته في المملكة وفعلا لايزال الاهتمام أقل من المأمول فرغم الميز النسبية للتمور السعودية اقتصادية روحانية وتوافد الحجاج والمعتمرين بعدد يفوق 7 مليون زائر إلا أن ما يتم تصديره للخارج لا يتجاوز 10٪ من كمية الإنتاج من التمور التي تقدر بنحو 1.2 مليون طن بمتوسط سعر للكيلو تتفوق علينا عديد من الدول منها تونس وأمريكا وإسرائيل بسبب عقبات للتصدير من أهمها غياب المواصفات والمقاييس للتمور السعودية وغياب المؤشر الجغرافي للمنتج السعودي.
وفي ذات الإطار فإن من أهم مشاكل القطاع الزراعي مشكلة التسويق الزراعي التي تبدأ مع المزارع بإجابته على التساؤلات ماذا يزرع؟ متى يزرع؟ من هو عميله؟ مما يعني أن التسويق الزراعي منظومة بين المزارع والوسيط والمستهلك والجهات التشريعية ولازالت البنى التحية للأسواق الزراعية أقل من المأكول لتعرض المنتجات لدرجة حرارة عالية وظروف جوية سيئة وعدم نظافة مما يكون لها تأثير سلبي على المستهلك وبالتالي العزوف عنها والاتجاه للأسواق المركزية وتكون الاستفادة للوسطاء برفع الهامش الربحي لهم وخسارة المزارع الصغير ، ولعل الحل يكمن في إنشاء كيانات تسويق زراعية من خلال الجمعيات التعاونية كما يتم في الدول المتقدمة وتطوير الأسواق الزراعية وتوحيد جهة الإشراف على التسويق والتصدير الزراعي خاصة التمور وتشجيع التصنيع الزراعي ليكون منافس وجاذب للمستثمرين.
وفي تصور د. ناصر القعود فقد استمر الجدل منذ ثلاثة أو أربعة عقود بين إمكانية التوازن بين الأمن المائي والأمن الغذائي وصدرت وتصدر نتيجة ذلك سياسات وإجراءات مختلفة: إعانات القمح وتعديلاتها ، مشاريع التحلية، إعانات القطاع الزراعي وتطورها ، الزراعة في الخارج على سبيل الأمثلة.
ولا خلاف على أهمية وضرورة تحقيق كل من الأمن المائي والأمن الغذائي ، وقد تناول مقدم الورقة والمعقبون الموضوع وأبلوا بلاءً حسناً في بث التفاؤل بأنه بمكن تحقيق التوازن بين الهدفين الاستراتيجيين من خلال ترشيد استخدام المياه في الزراعة واستخدام التقنيات المختلفة لتوفير المنتجات الزراعية بأقل التكاليف وبأعلى جودة ومراعاة المزايا النسبية لكل منطقة من مناطق المملكة مما سيزيد من جدوى الزراعة في المملكة وزيادة مساهمتها في الناتج الوطني . وما لم تتحقق للزراعة كل الشروط التي تطرق لها المتداخلون فالخوف أن يختل التوازن بين الهدفين ويضعف أحدهما الآخر .
وبالنظر إلى أهمية القطاع الزراعي والحاجة إلى جعله ذَا جدوى و كفاءة إنتاجية وزيادة مساهمته في الناتج الإجمالي ، فإن من الضروري العمل على ما يلي:
- تحديد أولويات للمنتجات الزراعية وأماكن إنتاجها وفق المزايا الجغرافية لكل منطقة.
- تبني التقنيات المرشّدة لاستخدام المياه.
- تطوير أساليب التسويق من خلال تشجيع الجمعيات الزراعية وإقامة شركات لهذا الغرض.
- تطوير صناعة المنتجات الزراعية للاستفادة من المنتجات الموسمية.
وأشار م. أسامة كردي فيما يخص إيقاف زراعة القمح – محور الأمن الغذائي – ، إلى مقالة في مجلة ألمانية تحدث إليها صاحب الشركة التي أجرت الدراسة المائية التي اعتمدت عليها الجهات الحكومية في إيقاف زراعة القمح ، أخطر ما قاله الرجل هو أنه لا يصدق أن شركة دراسات صغيرة مثل شركته كلفت بهذا العمل الكبير للمملكة و أن اختصاصهم كان أنظمة الري في المزارع. واستطرد م. أسامة بقوله: عندما قابلت هذا الرجل خلال محاضرة القاها في السفارة الألمانية ، أجاب على أحد أسئلتي بأنه ليس مسؤولا عن القرارات التي اتخذتها وزارة المياه حول الموضوع … و أنا اعتقد أن قرار إيقاف زراعة القمح ( رقم ٣٣٥ ) مرتبط بسوء العلاقة بين وزارة الزراعة و وزارة المياه في ذلك الوقت و الدليل على ذلك أن القرار به ٢١ بند لم يتم تنفيذ سوى البند الأول المتعلق بوقف زراعة القمح .. و قد كان بالإمكان تخفيض الكمية المنتجة إلى نسبة محددة من الاستهلاك المحلي لتأكيد الاهتمام بالأمن الغذائي .
وذكر د. حميد المزروع أن من المشاكل التي تهدد مستقبل الزراعة بالمملكة ، عدم وجود ضوابط لاستخدام كميات الأسمدة والمبيدات الكيميائية ، مما يتسبب في أمراض متنوعة ، وتحتاج وزارة الزراعة لوضع آليات جديدة للمراقبة والمتابعة لتجويد الإنتاج وضمان سلامته من الملوثات بأنواعها .
ومن ناحيته أوضح د. خالد الفهيد أن عملية ضبط متبقيات المبيدات تشترك فيها وزارة البلديات ووزارة البيئة لأن البلديات هي المسئولة عن الأسواق الزراعية وتفحص المتبقيات في المنتجات الزراعية بالأسواق.
وباعتقاد م. خالد العثمان فإن تحويل النفايات العضوية إلى محسنات تربة يمكن أن تسهم بشكل مؤثر في زيادة الرقعة الزراعية وتحسين كفاءة استخدام المياه .. محسنات التربة لديها خاصية الاحتفاظ بالمياه إلى ثمانية مرات مقارنة بالتربة العادية.
ومن ناحيته قال د. منصور المطيري: لست متخصصاً لكني أميل إلى النظر إلى الزراعة في المملكة على أنها قضية أمنية بالدرجة الأولى كما وردت الإشارة في تعليق د. مشاري . هذه المسلمة (عندي) يجب أن تحكم الاستراتيجية الكبرى الخاصة بالمجال الزراعي .. فالتفكير في التصدير يجب أن يقتصر على بعض المنتجات الزراعية كالنخيل في مناطقه المعروفة ، و العنب و الرمان في مناطقه المعروفة، و غيرها كالمانجو في جيزان . و أما غير ذلك فيجب الاهتمام به من زاوية الأمن الغذائي حرصاً على الماء.. وفي نفس الوقت يكون هناك استفادة من زراعة الغذاء في الخارج بحيث يكون له بعد اقتصادي خارجي و استهلاكي محلي في نفس الوقت .
يلاحظ أن السعوديين الأفراد في المجال الزراعي أصحاب رأس مال و أرض في بعض الأحيان ، لكن العمل مفقود. من يقوم بالعمل هم العمالة الأجنبية ، و لذلك يتردد الكثير من الأفراد في الاستثمار في الزراعة لقلة العائد و للجهد المضني و المنهك، و أحياناً و في بعض المناطق يتخلصون من الأرض الزراعية نفسها بتحويلها إلى أراض سكنية لعائدها الأعلى و الأجدى؛ شهدتُ هذا في مدينة الطائف في التسعينيات الهجرية و ما بعدها حيث حولت مزارع و بساتين كثيرة إلى أراضٍ للبيع ، فخسرنا الرمان و العنب و التين و المشمش . و ما نراه معروضاً على جانب الطريق في الهدى و الشفا فهو من إنتاج تبوك.
القصد من هذا أن النجاح محدود بالنسبة للفرد في المجال الزراعي دون العمالة الأجنبية الرخيصة و دون العائد الذي يوازي الأنشطة الأخرى.
و أثناء تحول أبناء البادية و الريف إلى الاستيطان في مناطقهم ( انقرضت البادية ) حصلت لهم مأساة حقيقية فقد اندفعوا إلى الزراعة بلا خبرة معتمدين على رواتبهم من وظائف أبنائهم ، رافق ذلك انعدام تام لأي إرشاد زراعي ، و كان أول شيءٍ يمتص ما معهم من رأس مال حفر الآبار الارتوازية التي تصل إلى ثلاثمائة متر و أربعمائة متر ، و قد انتهت مغامرة الأغلبية العظمى منهم إلى غرق في الدين مع وجود بعض النخلات التي تذكره بمغامرته ، و لما توافدت العمالة المثابرة و التي تعيش على الكفاف ولديها بعض الخبرة استأجروا هذه الأراضي وقاموا بزراعتها و الاستفادة منها مع ممارسات خطرة على الصحة العامة، و اكتفى صاحب الأرض بمبلغ الأجرة الزهيد ، لكنه تخلص من تعب الزراعة و تعب الحصاد و تعب التسويق بمراحله المختلفة .
نجاح الفرد في الزراعة دون دعم الدولة شبه مستحيل في المملكة.. زراعة القمح دليل على ذلك ، فعندما دعمت الدولة زراعة القمح نجح غالبية الأفراد و استفادوا ، و عندما توقف الدعم لأسباب اختلف الناس في ماهيتها كسد كل شيء .
و القصد من هذا أن الزراعة في المملكة ليست في طاقة الفرد و إنما ينبغي أن تكون عمل و جهد شركات كبيرة مساهمة يراعى في تأسيسها أن يتملك أهل كل منطقة الشركات العاملة في مناطقهم بالمساهمة على أن يكون للوزارة دور في الدعم و المساندة الفنية. و ذلك لتقليل سيطرة الرأسماليين و للحد من الفجوة الطبقية .
عندما رأيت أهل الموصل و الفلوجة و دير الزور يهيمون على وجوههم في الصحراء بعد المآسي التي حصلت لهم جال في ذهني غياب أي استعداد لدينا لمثل هذه الكوارث كفانا الله شرها علماً أنه لا يوجد لدينا لا نهر و لا حتى جدول صغير إلا ما كان من نهر الحائر ، و تساءلت في نفس الوقت لماذا نفتقد حس الاستعداد المسبق للأزمات و الكوارث (قرأت مرة عن استعداد الفرنسيين لتسرب إشعاعات نووية من المفاعلات النووية المنتشرة في ربوع فرنسا فوجدت أن عندهم خطة متكاملة حسبوا فيها حساب كل شيء حتى مصير الدجاجة و النعجة و البقرة بل و التربة علماً بأن نسبة حدوث التسرب ضئيلة). فخطر في بالي مسألة إحياء الموارد و العدود المائية القديمة في طول المملكة و عرضها و تجهيزها بحيث يمكن السقيا منها يدوياً و تكليف المراكز و المحافظات بالعمل على ذلك وفق خطة معدة سلفاً ، و يكون هناك خرائط تحدد هذه المواقع و تكون متوفرة لكل أحد . (الله يكفينا الشر ) لا شك أن أحد الأهداف لأي عدو يريد بالمملكة شراً هو ضرب محطات التحلية .
وأشار د. حامد الشراري إلى أن المملكة حباها الله مساحة شاسعة وتنوعاً بجغرافيتها وحضارتها ومناخها وتربتها وزراعتها ومجتمعها، فكل منطقة من مناطق المملكة تتميز بميزة خاصة عن غيرها، فمثلاً القصيم والأحساء تتميزان بإنتاج أفضل التمور، وجازان بإنتاج المانجو والفواكه الاستوائية، ونجران بإنتاج الحمضيات..، والمنطقة الشرقية بإنتاج النفط والصناعة المعتمدة عليه، ومنطقة الحدود الشمالية بوفرة المعادن… إلخ.
وأضاف: لنكون أكثر دقة وواقعية ونبعد عن التنظير، فلنأخذ الميزة النسبية لمناطق الشمال (زراعة أشجار الزيتون مثال) : المناطق الشمالية (الجوف، حائل، تبوك) تكتسب الميزة النسبية بزراعة شجرة الزيتون المباركة ذات المردود الاقتصادي الكبير، هذه الشجرة المباركة تنتشر بشكل كبير في تلك المناطق وتتركز بوجه خاص في منطقة الجوف لخصوبة تربتها وقربها من حوض البحر الأبيض المتوسط البيئة المناخية المناسبة لزراعة شجرة الزيتون. فعدد أشجار الزيتون بمنطقة الجوف يقدر بالملايين، معظمها يسقى بنظام الري الحديث (التنقيط) ومزروع بالطريقة المكثفة. فمن الملاحظ أن هناك توسعاً بزراعة أشجار الزيتون مع قصور واضح في انتشار منتجات أشجار الزيتون في أسواق المملكة مقارنة بالمستورد من الخارج، ووجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب على زيت الزيتون، هذا يؤكده ما جاء في الكتاب الإحصائي الزراعي للعام 2012، فالاستهلاك المحلي من زيت الزيتون 28500 طن، يستورد 20000 طن، وينتج محلياً 8500 طن، ويعزو غالب المنتجين لزيت الزيتون والمزارعون هذا التباين بسبب عدم وجود آليات تسويق متطورة لهذا المحصول الغذائي الوطني الاستراتيجي، الذي لو تم فهو كفيل لنا بالاكتفاء الذاتي كمرحلة أولى من المزروع حالياً، ومن ثم التصدير لدول الجوار كدول مجلس التعاون الخليجي.
وشجرة الزيتون تعتبر قليلة الاستهلاك للمياه مقارنة بالمحاصيل الزراعية الأخرى، فمثلاً معدل استهلاك أشجار الزيتون من الماء سنوياً للهكتار الواحد عُشر استهلاك البرسيم تقريباً، قد يزيد أو ينقص حسب آلية الري ووعي المزارع في استهلاك المياه. فعلينا الإسراع بتفعيل المبادرة الثالثة – إحدى مبادرات صندوق التنمية الزراعية السبع التي أعلن عنها قبل عدة سنوات- وتنص على: «تطوير أساليب المناولة والتسويق للمحاصيل الزراعية (الخضار والفواكه)»، وإعطائها الأولوية مع إنشاء كيان يخدم قطاع الزيتون بالمملكة في ظل ضعف واضح في أداء الجمعيات التعاونية الزراعية خصوصا في محصول الزيتون، نكون قد ساهمنا في مساعدة المزارع بالتحول من زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه إلى زراعة شجرة الزيتون غير المستهلكة للمياه والذي تقوم عليه عدة صناعات مثل صناعة الأعلاف والفحم للتدفئة والصابون والمنظفات الطبيعية، هذا إضافة إلى المنتج الرئيسي وهو زيت الزيتون والزيتون المخلل، وبالتالي نجمع بين التوفير في استهلاك المياه، وتوفير سلعة غذائية كجزء من الأمن الغذائي الوطني، وخلق فرص عمل مستدامة للمواطنين من خلال الزراعة والمناولة والتصنيع والتسويق.
أما د. عبير برهمين فركزت رؤيتها لقضية القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي في النقاط التالية:
1- الأمن الغذائي والمائي ربما هو ما سيحدد الخارطة السياسية مستقبلا. والأمن الغذائي والمائي يرتبط أحدهما بالآخر بشكل كبير.
2- التنمية في هذا الجانب تتطلب تنمية شاملة يجب أن تتزامن في كل الاتجاهات ذات العلاقة. فالجامعات وكليات الزراعة تحديدا يجب أن تكرس بحوثها في التقنية الزراعية التجريبية وليس النظرية للتوصل لحلول جذرية لمشكلة التصحر واستصلاح الأراضي وتحويلها إلى أراضي زراعية.
3- البنوك الزراعية يجب أن يتخطى دورها مجرد منح القروض وتوزيع الحبوب والأسمدة إلى تأجير المعدات الزراعية وتوفير الاستشارات الفنية والتقنية وتقديم النصائح بآخر مستجدات البحوث.
4- أما الجمعيات الزراعية التعاونية فدورها كبير لحماية حقوق المزارعين الصغار وتعزيز هوياتهم والدفاع عن حقوقهم وضمان توزيع منتجاتهم وغير ذلك.
5- تبقى عملية تحديد الأولويات في اختيار المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وفقا لأسعار السلع المستوردة وعمل موازنات بين المصروفات وكمية المياه المستهلكة والأيدي العاملة. إذ ليس من الحكمة مثلا استزراع بعض المحاصيل التي تستهلك قدر كبير من الماء مثل القمح في وقتنا الحالي.
6- الاعتماد على المياه المعالجة الآمنة في سقي المحاصيل هو أحد الخيارات لتقليل الهدر المائي.
7- يجب أن تفكر الدولة في التصنيع الغذائي فمثلا نقل بعض المحاصيل الزراعية في درجات حرارة عالية يعرض قسم كبير منها للتلف في حين أن تصنيعها بتعبئتها وحفظها في أماكن زراعتها ربما أفضل من نقلها.
8- تسهيلات دخول المستثمرين الأجانب يعني دفع عجلة التنمية الزراعية بشكل أكبر.
9- إعادة تدوير المخلفات الزراعية واستخدامها كأحد مصادر الطاقة هو جانب آخر يجب أخذه بالحسبان.
10- تشجيع الشباب باستصلاح الأراضي وتقديم كل التسهيلات اللازمة وتنتهي بتملك الأرض ( مبدأ إحياء الأرض الموات وهو مبدأ إسلامي بحت ) يسهم في خلق فرص عمل ومشاريع صغيرة ومتوسطة.
11- استضافة معارض زراعية متخصصة لزيادة الوعي والإحاطة بآخر المستجدات في المجال الزراعي والاستفادة من خبرات الدول الأخرى.
- التوصيات المقترحة
1- تبني ودعم وتحفيز واحتضان التوسع في تطبيق واستخدام وتوظيف التقنيات والحلول المتقدمة في مختلف مراحل ومستويات الإنتاج الزراعي.
2- دعم وتحفيز البحث والتطوير في القطاع الزراعي وتشجيع الشراكات العالمية ونقل المعرفة في هذا المجال.
3- تشجيع وتحفيز تأسيس الجمعيات التعاونية الزراعية وتسهيل الإجراءات الحكومية والنظامية ذات العلاقة.
4- مراعاة المزايا النسبية وتوفر المياه في مختلف مناطق المملكة عند وضع الأولويات.
5- تشجيع الزراعات البعلية التي تعتمد على حصاد الأمطار في سهول تهامة بمنطقة مكة المكرمة والمدرجات الزراعية بالمناطق الجنوبية لتساهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة بتلك المناطق.
6- حث الجهات المختصة لتطوير البنى التحتية للأسواق الزراعية بمناطق المملكة وتنظيم تلك الأسواق ليكون هناك تنظيم لمعرفة مناطق العجز والفائض من المنتجات الزراعية لحفظ توازن قوى العرض والطلب بينها وحث المستثمرين للاستثمار في سلاسل الإمدادات الغذائية من النقل المبرد والتخزين للمساهمة في تذليل مشكلة التسويق الزراعي.
7- التركيز على رفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية في المناطق والميز النسبية لها لتشجيع النحالين للاستفادة من الأشجار البرية في الأودية والبراري لإنتاج العسل ويصاحبها المحافظة على الغطاء النباتي (لتميز العسل السعودي وفوز عسل من حائل مؤخرا بأفضل عسل على مستوى العالم في مؤتمر أقيم في تركيا).
8- تقديم الدعم للمزارعين لتطوير أساليب الإنتاج الزراعي، مع الحفاظ على خصوصية الإنتاج المناطقي، واستدامة الدخل من الإنتاج الزراعي، وتجنب استنزاف البيئة.
9- تعزيز الإنتاج القائم على البيوت المحمية.
10- دعم الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وحمايته من الإنتاج المستورد الذي تعود الفائدة منه بالدرجة الأولى على المستثمرين الاقتصاديين.
11- تشجيع وتحفيز صناعة المنتجات الغذائية.
12- تشجيع المستثمرين للاستثمار في الاستزراع السمكي والصناعات المرتبطة به كحلقات أمامية وخلفية.
13- حث جهات الاختصاص لاعتماد تنظيم المؤشر الجغرافي للمنتج السعودي الذي يحفظ هويته كحماية فكرية لتكون ماركة مسجلة مرتبطة بالبيئة للمنطقة الجغرافية على سبيل المثال: تمر عجوة المدينة ، رمان وورد الطائف ، خلاص الاحساء ، سكري القصيم، صقعي الرياض، صفري بيشه والآراك السعودي ( السواك) وكذلك سلالة غنم النجدي وغيرها ( في حال اعتماد مشروع لهذا الغرض يتم مسح وتحديد المنتجات في المناطق).
14- تخفيض زراعة النخيل مالم نقنن استخدام طرق ري بديلة.
15- حفاظا على الثروة المائية ، يقترح إلزام ملاك الأنشطة الزراعية ، باستخدام الآلات وأدوات ترشيدية للسقيا ، توفيرا للمياه الجوفية .
16- للنيل من محاصيل زراعية أكثر سلامة وصحية ، يفترض إلزام ملاك الأنشطة الزراعية ، باستخدام تقنيات حديثة تقلل من نسبة درجة المياه الكبريتية .
17- تأسيس حاضنات لتبني المبتكرات في المجال الزراعي للمساعدة في استقطاب المستثمرين لتطويرها تجاريا وتسويقها.
18- يجب أن يتخطى دور البنوك الزراعية مجرد منح القروض وتوزيع الحبوب والأسمدة إلى تأجير المعدات الزراعية وتوفير الاستشارات الفنية والتقنية.
19- الاعتماد على المياه المعالجة الأمنة في سقي المحاصيل هو أحد الخيارات لتقليل الهدر المائي.
20-استضافة معارض زراعية متخصصة لزيادة الوعي والإحاطة بأهم المستجدات في المجال الزراعي والاستفادة من خبرات الدول الأخرى.
21- تنسيق حملة وطنية لإعادة توجيه وتشجيع الشباب السعودي للعمل والاستثمار بالقطاع الزراعي.
22- إنشاء كيان يخدم القطاعات المميزة كقطاع الزيتون.
23- توحيد جهة الإشراف على الأسواق الزراعية في المناطق لتكون مرتبطة بوزارة البيئة لتكتمل سلسلة إمداد الغذاء من المزرعة فيما يخص المنتج المحلي أو من المحاجر فيما يخص المستورد وتكون تحت إشرافها لمراقبة سلامة الغذاء بالتنسيق مع هيئة الغذاء والدواء ليتم تذليل مشكلة التسويق الزراعي بتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.
24- العمل على حماية الشباب ( المستثمرين) الذينّ يعملون في القطاع الزراعي من العمالة الأجنبية؛ وسيطرتها على الإنتاج والتسويق.
25- تسهيل إجراءات تصدير التمور السعودية وسرعة إنهاء المواصفات القياسية لها للمساهمة في زيادة كمية وقيمة التمور المصدرة.
26- إنشاء جمعيات للمستثمرين في القطاع الزراعي.
المحور الثاني
شبكات التواصل الاجتماعي وتعزيز قيم المواطنة.. الأساليب والوسائل
الورقة الرئيسة: د. مساعد المحيا
الغاية من مثل هذا الموضوع هو إثارة النقاش حول قضية مهمة تتعلق بتعزيز قيم المواطنة عبر شبكات التواصل الاجتماعي , محاولا عدم تكرار ما تناولته قضية فرص تعزيز الوحدة الوطنية التي طرحت في ملتقى أسبار قبل فترة.
مدخل
تطور وسائل الإعلام جعل العالم قرية إلكترونية واحدة فازداد تطوره فأصبحت القرية غرفة فجاءت الشبكات الاجتماعية فحولت الغرفة إلى شاشة صغيرة.. بفضل أجهزة الهواتف الذكية وتطبيقات الشبكات الاجتماعية..
حجم استخدام الشبكات الاجتماعية
ثمة نمو في استخدام هذه الشبكات محليا وعربيا وعالميا لاحظ مثلا الجداول المرفقة جدول 1 وجدول 2 وجدول 3 ..
هنا بعض إحصائيات 2017م :
- عدد مستخدمي الفيس بوك في العالم العربي 130 مليون مستخدم، وفي العالم ٢ مليار مستخدم.
– في العالم عدد مستخدمي انستغرام يتجاوز 300 مليون مستخدم.
– عدد مستخدمي تويتر حتى ٣٢٨ مليون مستخدم وعربيا 30 مليون حساب.
– عدد مستخدمي wechat في 1/17 تجاوز 930 مليون مستخدم.
– مستخدمو واتس آب، مليار شخص .
هذه الأرقام مؤشر على نمو الشبكات الاجتماعية وانحسار الإعلام التقليدي.
ماهية الشبكات الاجتماعية
هي مجموعة منصات أو تطبيقات تتيح لكل فرد أن يستخدمها عبر مجموعة من الوسائل وتحقق لكل فرد ما يريد الوصول إليه وفقا لإمكانات كل منها.
لعل من أبرز سمات الشبكات الاجتماعية وتطبيقاتها ومنصاتها أنها منحت الجمهور قدرة متساوية ومتكافئة في البث والنشر وأتاحت لكل مستخدم أن يكون صحفيا ومراسلا إذاعيا وتلفزيونيا ..وكاتبا ومنصة إعلان وراو ومقدم معلومات خدمية وأتاحت للجمهور الحصول على معلومات وأخبار وصور تتجاوز في حجمها ونوعها ما تنقله الوسائل التقليدية نقلها ولذا فهي مصدر مهم للأنباء ، كما أضحت وسيلة مهمة لدى المسؤولين وصناع القرار في العالم ، كما أضحت منصات قادرة على تحقيق جماهيرية واسعة واستحوذت على كثير من الدخل الإعلاني وأصبح مشاهيرها أكثر ثراء.. وتحولت معها صناعة الإعلان من وسائل الإعلام الورقية والتقليدية إلى الشبكات الاجتماعية .. كما أصبحت سلطة مجتمعية رابعة ، وصنعت مجتمعا نخبويا جديدا .. وتغيرت معها أدوات التغيير.
كما يشير تنامي استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمستوى عال من القبول والثقة برغم كل ما يعتريها من ضعف المصداقية . لاسيما حين تطغى فيها الحسابات المجهولة والوهمية وحين تركز على سلبيات محددة وتغفل المشهد بصورة عامة.
يضاف لذلك تغير طبيعة الشكل والسلوك الاتصالي عبر الشبكات الاجتماعية لذا فإنها يمكن أن تكون وسائل أكثر إظهارا وإبرازا لقيم المواطنة ..وبخاصة حين يتم صناعة محتوى يتسق واحتياجاتهم واهتماماتهم لاسيما وأن مستخدميها يفضلون الارتباط بمجتمعاتهم الافتراضية حتى في حال سفرهم ونزهاتهم وعملهم مما يبرز أهميتها ومكانتها وانتشارها ..إذ الأمي اليوم هو من لا يحسن استخدام الشبكات الاجتماعية وتطبيقاتها المتنوعة.
السؤال ماذا يشمل مفهوم المواطنة.. بداية المواطن هو الثروة الحقيقية للوطن وهو ميدان الاستثمار الحقيقي لمستقبل أفضل ، لذا كان الاهتمام بتعليمه وتدريبه مهم في صناعة شخصيته وجعله رجلا صالحا لبناء الوطن ليكون في مقدمة الدول.
مشكلة الحديث عن المواطنة أنه حديث عن السلوك والتأثير في السلوك هو من أصعب وأعقد الجوانب وأكثرها حاجة لوسائل وأساليب غير مباشرة تستثمر ما لدى الجمهور من قدرات وسمات.
لذا كان الاهتمام بالمواطنة الصالحة مطلب للمحافظة على قيم ومبادئ المجتمع السعودي وعلى الأنظمة والقوانين ومقدرات الوطن ومكتسباته .. مما يعزز قيم الولاء والانتماء للوطن وحبه وإرساء مبادئ المواطنة وهو أمر يتطلب العناية بالنوع والكفاءة والجودة في المخرجات وفي المنجزات وكذلك العناية بكل البرامج الاجتماعية والثقافية والفنية التي تستثمر القدرات والكفاءات والمواهب بأشكالها المختلفة وكذلك تشجيع العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي والاهتمام ببرامج المسؤولية الاجتماعية مما يعزز قيم المواطنة والسلوكيات السليمة.
يثار أحيانا سؤال ما المقصود بالمواطنة… والإجابة على هذا السؤال تتنوع .. أرى أن المواطنة: هي ممارسة ومشاركه الجميع في الحقوق والواجبات وفق قيم مشتركة تتسق وطبيعة المجتمع ومبادئه لخدمة الخير العام للوطن وقاطنيه ، فهي إذا جملة من الأقوال والأعمال والممارسات التي ينبغي أن يقوم بها الفرد والمنسجمة مع قوانين الوطن وأنظمته.
وهي شعور يثمر انتماء وحبا وعطاء للوطن وهي تعميق لمفهوم الانتماء للوطن الحاضن للتنوع منذ الصغر بحيث يسهم ذلك في تجاوز آثار بروز الهويات الفرعية التي لا تنسجم ومفهوم المواطنة الحديث.
المواطنة تظل مشروع يتم فيه توظيف كثير من الوسائل والبرامج لتعزيز حب الوطن والاهتمام بمقدراته وبذل الجهود من أجله للوصول لمجتمع ريادي ناجح ولمستقبل مشرق للوطن.
وفقا لذلك فإن من المهم استثمار الشبكات الاجتماعية لتعزيز المواطنة.. إذ أن مستخدمي الشبكات الاجتماعية يزدادون احتفاء بها كل يوم بوصفها بيئة تتيح لهم الحصول على ما يريدون إيصاله أو تلقيه .. فهي تتيح تقديم ملايين الرسائل الوطنية التربوية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والدعوية والعلمية ، ويمكن أن يفاد من كثير من ذلك في تعزيز قيم المواطنة ، وفي دعم مواقف المملكة ومواجهة الحملات الموجهة ضدها وفق تنسيق مهني منظم يصنعه محترفون في السوشل ميديا وبخاصة من جيل الشباب، ويمكن الإفادة من المؤسسات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية أو الأفراد الذين يحظون بحجم متابعة واسعة .. مثلا بعض المجموعات الإعلامية ذات الملكية السعودية لها عدة وسائل ولكل وسيلة حساب .. إجمالي متابعيها عددهم كبير ..مثلا ال براهيم في mbc يقول لدينا في الشبكات الاجتماعية 27 مليون مشترك ..ومع وجود التكرار إلا أنها مؤشر مهم يمكن استثماره وتوظيفه.. لاسيما وأن الوسائل التقليدية لم تعد تستهوي الجيل الجديد.. فالشبكات الاجتماعية أضحت أهم أدوات الاتصال والتواصل.
وهنا أشير إلى أن التحول الذي يعيشه العالم بشأن الشبكات الاجتماعية يعود أولا إلى التحول في سلوك المستخدم لهذه الشبكات بوصفها تحقق له اشباعاته حيث أتاحت الفرصة للحوار في ضوء مجموعات منسجمة فكريا وثقافيا وربما جغرافيا .. هذا الأمر ينبغي استثماره في بناء قيم مواطنة إيجابية يرى الآخرون أثرها ويهتدون بها فهي مظهر من مظاهر المجتمع المتنوع ثقافيا وفكريا وجغرافيا ولذا فمن المهم أن يؤمن الجميع بأن وحدة المجتمع خياره الأهم دون مساس بالمكونات الأصغر التي تمثل التنوع الطبيعي.
وبالتالي يكون من الجميل حفز المهتمين والمتخصصين من مستخدمي الشبكات الاجتماعية أن يقوم استخدامهم على رؤية معتدلة ومتفائلة تصنع خطابا يقوم على التفاؤل بمستقبل الوطن والاهتمام بكثير من مكتسباته .. ويتجنب الخطاب الذي يحول الأداء الإعلامي لنمط من سلوك مؤسسات العلاقات العامة .. فالثناء المبالغ فيه في أي تغطية إعلامية لم يعد له قبول في بيئة وواقع مشهد الشبكات الاجتماعية.. وكذلك يتجنب الخطاب المتشائم الذي يضخم السلبيات . إذ أن عدم الاعتدال في ذلك يقود لنتائج عكسية في الموقف والاتجاه.
- تذكير مستخدمي هذه الشبكات بأهمية الإيمان بأن الوحدة الوطنية لدينا هي أنموذج وحدوي حضاري يجب أن نعمل على المحافظة عليه ونعض على ذلك بنواجذنا.
- غرس حب الوطن ومقدراته والانتماء إليه وحب الدفاع عنه والولاء له لدى الصغار عبر المؤسسات التعليمية وتنشئتهم على ذلك بل والاهتمام بصناعة جيل من المعلمين يحمل هذه القيم ويهتم بغرسها لدى الطلاب.
- “المواطنة” حين يستشعرها المواطنون ويعيشونها في حياتهم وممارساتهم اليومية سيكون بلا شك أثرها إيجابيا على “الوحدة الوطنية” قناعة وممارسة.
- مجتمعنا بحاجة لتنظيمات تجرم كل قول وفعل يهدد كل ما يتعلق بالوحدة الوطنية وبمكتسبات الوطن ومقدراته فالممارسات السلبية لعدد من الناس يمكن أن تهدم ما بناه المخلصون وما تحرص عليه الدولة.
لذا حري بنا أن نستثمر هذه الشبكات في تعزيز قيم المواطنة وفق أساليب ووسائل تقوم على صناعة مهنية عالية . والحديث هنا لا يمكن أن يغفل بعض مظاهر خطورة الشبكات الاجتماعية الأمنية والمجتمعية التي تهدد قيم المواطنة عبر مجموعة من الأساليب والوسائل ؛ فوفقا للبيانات الرسمية واعترافات المقبوض عليهم من الإرهابيين اتضح أن الشبكات الاجتماعية هي بيئة التجنيد والتعاطف مع الكيانات الإرهابية ، كما أنها اليوم أصبحت المصدر الأكثر نشرا للعديد من المواد المخلة والمناظر غير المقبولة وللفكر السيئ .. هذا الأمر حين يكثر يعزز مفهوم تطبيع مشاهدة تلك المناظر واستمرائها مما يدعو للقلق.
من المهم إدراك أن الشبكات الاجتماعية تشتمل على جيوش من الحسابات الإلكترونية المعادية والتي تحرض على التطرف وتشجع المتطرفين وتعمل على نشر الفتنة وتقويض قيم الوطنية والولاء وتنشر الرذيلة وتسوق لتعاطي المخدرات… فقد أصبحت وسيلة الاتصال والتواصل الأقوى والأكثر انتشارا وتأثيرا.. وقد امتطاها الإرهاب ليستخدمها وسيلة للتجنيد والتعاطف.. وقد كنت أعددت ورقة بحثية حول: كيف تقدم وسائل الإعلام “داعش” قراءة في توظيف الحسابات الداعشية للصورة عبر الشبكات الاجتماعية .. أظهرت الدراسة نتائج مثيرة للاهتمام حول توظيفهم للصورة لنشر فكرهم وكسب التعاطف معه.
لذا فإن مزيدا من الحضور الإيجابي مهم حتى لا يقع البعض في وحل بعض الحسابات التي تمجد أفعال الإرهابيين والخارجين عن القانون والنظام و تصفهم بالأبطال.. !!
ومع أن الشبكات الاجتماعية تضخم الأنا وتغرس حب الذات للحصول على مزيد من الإعجاب والرتويت.. إلا أن القيم الوطنية تحتاج من يكون الوطن فوق الأنا والذات.
الإيمان بالقيم الوطنية يتطلب جهدا يمكن للشبكات أن تنجح في جوانب منه إذ التغيير والحراك المجتمعي في خدمة الوطن تصنعه اليوم الشبكات الاجتماعية لأنه عمل مشترك بين فئات مجتمعية كثيرة.. علما أن من لا يحسن توظيف الشبكات الاجتماعية يحولها لأن تكون ضوءا يحرقه وينهي برنامجه وفكرته.
الشبكات الاجتماعية قلصت دور الجغرافيا واستطاعت أن تجعل الإنتاج الفردي والمؤسسي يمتد خارج الحدود الجغرافية وما يقدمه أشخاص معروفون أو مجهولون عبر الشبكات الاجتماعية أصبح هو الموجه الأكثر وصولا وتأثيرا لدى فئات عديدة من الشباب في مجتمعنا المحلي ، لذا فإن من أهم ما ينبغي العناية به هو العمل على غرس قيم المواطنة وتعزيز مفاهيمها وهو أمر يمكن أن يشارك فيه كثيرون إذ يقضي المرء ساعات طويلة يوميا وهو يستمتع بالشبكات الاجتماعية في حين تقصر به همته أن يقدم ولو كلمات ودقائق معدودة في أمر ينعكس إيجابا ويعزز قيم المواطنة .. نحتاج فعلا أن نستثمر هذه الشبكات في تعزيز قيم المواطنة وفي حب الوطن وفي الاهتمام بنشر ثقافة الوعي باستخدام الشبكات الاجتماعية وفي تربية الأبناء على تنمية القدرة الانتقائية أثناء التعامل مع هذه الشبكات وتقييم مصداقية ما ينشر فيها.. وأن نثابر من أجل تعليم الصغار وتوعية الكبار بحب الوطن وبالقيم الإيجابية تجاهه.
التعقيب الأول: أ. خالد الوابل
السعوديون لهم حضور طاغي في شبكات التواصل الاجتماعي، لهذا سأتطرق للموضوع من زاوية أخرى، وهي لماذا لا نستثمر هذه الميزة ونجعلها واقعاً على الأرض لتنشيط دور المجتمع المدني في التنمية والتوعية. ولعلني أطرح هنا مقال سبق وكتبته عن حضور السعوديون في شبكات التواصل الاجتماعي؛ عنوان المقال: متى يهبط السعوديون على الأرض.
حسب مجلة الإيكونومست, السعودي يشاهد اليوتيوب بمعدل سبع مقاطع فيديو في اليوم. وحسب دراسة لأرامكو:
– هناك 12 مليون سعودي له حساب في الفيس بوك.
– السعودية في المرتبة الثامنة عالميا في استخدام السناب شات.
– السعودية في المرتبة الرابعة عشر عالميا في استخدام الواتس اب.
– هناك 10.7 مليون مستخدم لبرنامج السناب شات في السعودية.
– وحسب جوجل, السعودية أكبر مستخدم لموقع اليوتيوب في العالم على مستوى الفرد.
– السعوديون الأكثر استخداما لتويتر في العالم.
– سعوديون وصلوا للعالمية في أداء “الستاند اب كوميدي”، وهو أسلوب كوميدي, يؤدي الممثل عرضه أمام جمهور حي. وهناك العشرات من الفنانين السعوديين والذين يؤدون نشاطهم من خلال محطات اليوتيوب وبمشاهدات مليونية.
لك أن تتخيل كل هذا النشاط المحموم في العالم الافتراضي لو تم إنزاله إلى أرض الواقع؟ كيف سيصبح طبيعة مجتمعنا؟ وما نوع الحراك الذي سيحدثه في الداخل؟ ما الذي يمنع مثل هذه النشاطات من تبنيها وعرضها للجمهور في الداخل؟
هناك مبادرات جميلة في تويتر قامت بدور جبار في التوعية ومحاربة الفساد والتجاوزات، على سبيل المثال لا الحصر مبادرة “هلكوني” للدكتور موافق الرويلي في محاربة الشهادات الوهمية، ما الذي يمنع من عملها على الواقع وبشكل مؤسسة أو جمعية تؤدي دورها كاملا وبشكل نظامي؟ وهناك مبادرة “رابطة آفاق خضراء” وهي مهتمة بالبيئة والتشجير ونشر الوعي البيئي ومكافحة التصحر والتلوث بكافة صوره. وهناك مبادرة “أصدقاء المرور” لنشر الثقافة المرورية بين مستخدمي تويتر ولها دور فاعل في ذلك. وهناك الرائعة أماني الشعلان وما تقوم به من جهد جبار في برنامج التكافل الاجتماعي بطرق مبتكرة.
مجتمعنا المدني نشط جدا في مواقع التواصل الاجتماعي وبمبادرات هادفة وجميلة فما الذي يمنع من إنزاله إلى أرض الواقع بشكل منظم وقانوني تحت مظلة مؤسسات المجتمع المدني؟
أين الأندية الرياضية وجمعية الثقافة والفنون والإعلام الحكومي عن دعوة الممثلين في اليوتيوب لأداء أعمالهم أمام الجمهور وبشكل دوري ومنظم؟
وفي الجانب الاقتصادي هناك الكثير من المنتجات والتي يقدمها السعوديون ويتم عرضها في شبكات التواصل الاجتماعي، لماذا لا يكون هناك مهرجان أسبوعي في المراكز التجارية أو الأسواق لعرض هذه المنتجات؟ من يعلق الجرس؟ وماذا عن عودة الطيور المهاجرة؟
ماذا لو عادت المحطات التلفزيونية والصحف ومؤسسات الفكر ومركز الملك عبدالله العالمي لحوار الأديان والتي هي جميعها برأس مال سعودي للعمل داخل المملكة؟
اليوم المواطن جاهز لتقبل كل هذا على أرض الواقع لما سيخلقه من حراك اجتماعي إيجابي ونشاط اقتصادي وثقافي وفني يسهم في تغيير الصورة النمطية للمواطن والوطن.
أعتذر لأني لا أملك سوى التساؤل وليس لدي جواب عن الأسباب، ولكني أعي تماما التأثير الإيجابي لتبني هذه المبادرات وجعلها واقعا حقيقيا نعيشه ونشاهده.
تغريدة : حقيقة: السعوديون يعيشون العالم الافتراضي أكثر مما يعيشون العالم الحقيقي.
التعقيب الثاني: أ. لمياء العنزي
على الرغم مما تنفرد به المواطنة وما يتداخل معها من مفاهيم الانتماء إلا أنها وعلى مدى السنوات القليلة الماضية مع ظهور قوة وسائل الإعلام في العصر الحديث و الدور الذي تلعبه هذه الوسائل في تنمية المجتمعات شهدت تحديات جديدة تتمثل في عملية الانفتاح الثقافي الذي تعددت آلياته ووسائله لتخاطب المجتمعات من خلال شاشات صغيرة نحملها بجيوبنا , فالمواطنة هي شرط وجود الفرد في الدولة أو المجتمع السياسي وهي التي تمنحه الإحساس بالهوية وتتيح له ممارسة حقوقه السياسية والاجتماعية وتؤهله لأداء أدواره وتحمل مسئولياته والوفاء بالتزاماته في الحياة العامة في مجتمعه فضلا عن تفاعله مع القضايا العالمية باعتباره مواطنا عالميا يعيش في عالم مترابط متعدد الثقافات ، إضافة إلى أن قيم المواطنة تشير إلى مجموعة من المبادئ والمواقف والمفاهيم السياسية التي لها أبعادها الفردية والاجتماعية فضلا عن جوانبها المعرفية والوجدانية والأخلاقية ومن ثم تعدد المجالات التي تغطيها قيمة المواطنة والتي تتضمن مجموعة من القيم المرتبطة بالحياة في أي مجتمع سياسي .
تتنوع أهداف وأدوار شبكات التواصل الاجتماعي لدى أفراد المجتمع فهي ليست منحصرة في نطاق معين ولكن لها دور كبير في (عملية التأثير) حسب الإحصائيات التي ذكرها د. مساعد ومع هذا العدد الهائل لعدد المستخدمين باليوم الواحد لابد أن تعمل برامج الحكومة – الإعلامية والتعليمية والدعوية وغيرها- على الاستفادة منها وتوظيفها بهدف تعزيز الوحدة الوطنية حيث أن التوظيف الجيد لشبكات التواصل الاجتماعي من السبل التي تجعل مستخدم الوسائل الإعلامية الجديدة خصوصا الشباب أكثر حرصا على خدمة وطنه في بث رسائل توعوية هدفها الأساسي ( الانتماء الوطني ).
وكما أشار د. مساعد على التحول الاجتماعي الذي نعايشه هذه الفترة والعمل على مبدأ احترام السيادة الوطنية والقانون الدولي ومكافحة الجرائم الإلكترونية يجب استثمار شبكات التواصل الاجتماعي في توجيه كافة أفراد المجتمع بإلمام الفرد بحدود مسؤولياته نحو وطنه مستخدمين أسلوبا متماشيا مع اهتماماته والبداية هنا دائما تبدأ من الأسرة , والإعلام دور بالغ الأهمية في بناء الإنسان عبر تعزيز انتمائه الوطني وتثقيفه وتعريفه بحقوقه وواجباته في الميادين كافة، وكذلك في بناء المجتمع من خلال الارتقاء بالرؤى والتصورات التي تساعد الناس على أن يصبحوا قيمة مضافة في عملية التنمية وانصهار الجماعة الوطنية. ويمثل الإعلام المنبر الجماهيري الأضخم للتعبير عن آراء المواطن وهمومه وعرض قضاياه وشكاواه.
وأختم بما ذكره د. مساعد ” من أن الإيمان بالقيم الوطنية يتطلب جهدا يمكن للشبكات أن تنجح في جوانب منه إذ التغيير والحراك المجتمعي تصنعه اليوم الشبكات الاجتماعية لأنه عمل مشترك بين فئات مجتمعية كثيرة.. علما أن من لا يحسن توظيف الشبكات الاجتماعية يحولها لأن تكون ضوءا يحرقه وينهي برنامجه وفكرته ” خصوصا مع الظروف السياسية الأخيرة التي تمر بها دول المنطقة والمشاكل والأزمات وتسلل بعض الأشخاص باستغلال هذه الشبكات لنشر الفتنة والكراهية والطائفية نحن هنا بحاجة ماسة إلى إعلام لا تمارس به انتهاك مبدأ المواطنة لأن ” الإعلام الهادف ” يبني دولة !
مثلاَ لدينا حسابات يديرها نكرات تنتهك مبدأ المواطنة وتقسم المجتمع لأحزاب وفئات تنعكس سلبا على وحدتنا الوطنية وأمننا القومي …… يزعم أصحابها أن هدفها تعزيز قيم المواطنة ولكنها تعمل العكس تماما من خلال عمليات التنبيش بتغريدات قديمة “جداً” تتوافق مع الظروف السياسية الماضية والتي كانت مقبولة في وقتها بل والتعمد بتفريغها من سياقها التاريخي والاجتماعي والوظيفي الذي تمت به لمواطنين اشتهروا بحب وطنهم والدفاع عنه في كل محفل وهذا يعزز الفتنة والشك بين المواطنين أنفسهم . هذا غير الحسابات الوهمية التي تنشر الطائفية والكراهية.
المداخلات حول القضية:
- محددات تعزيز قيم المواطنة بالنظر لتأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي
استهلت د. نوف الغامدي المداخلات في هذا الصدد بقولها: الحقيقة لدي تساؤل يطرحه العنوان لهذه القضية وهو: كيف ساهمت التحولات الإعلامية بشكل عام على الشباب والقيم وصناعة المواطنة ؟!! الإحصائيات التي طرحت في ورقة د. مساعد نسب لا يستهان بها، أرقام مليونية ومليارية، بافتراض أن عدد سكان العالم 7 مليار!
في آخر دراسة لكرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية التابع لجامعة الملك عبدالعزيز، تقول الدراسة أن السعوديين سجلوا أعلى نسبة نمو عالمياً من حيث عدد مستخدمي موقع تويتر، فقد تجاوز عددهم ثلاثة ملايين مستخدم، أي نحو 12 % من السكان، وأن نسبة 51 % منهم يترددون بانتظام على الموقع. وأن مستخدمي شبكة الإنترنت السعوديين – خاصة الشباب – يعتمدون على شبكات التواصل الاجتماعي كأداة للاتصال والتعبير عن الرأي والحصول على المعلومة، أما مستخدمو “فيسبوك” من السعوديين فقد تجاوزوا الـ 6 ملايين، وينشرون أكثر من مليون وخمسمائة ألف رسالة يوميا. كما أن شبكة “Lenkd In” تضم مليون مستخدم سعودي، بالإضافة لتسجيل السعوديين أكبر نسبة مشاهدة لموقع يوتيوب في العالم.
أي أن التأثير على الشباب بشكل كبير ومباشر، الحقيقة هناك ضعف في هذا الجانب وفِي الأبحاث التي تخدم هذا الجانب رغم تأثيراته الكبيرة! كما أن تصارع القيم والمبادئ قد يؤدي إلى اهتزازات نفسية كبيرة إذا لم يتم تفعيل الجانب التوعوي بشكل كبير، كما أن هناك قصور في الالتزام بقوانين الاتصالات والنت والإتكيت الإلكتروني لدى الشباب، وقد يكون هناك هدر اقتصادي من خلال مدمني الإنترنت والبعض الآخر يخلق مورد اقتصادي من خلاله كالانستغرام وغيره .
إن رصد توقعات الشباب واتجاهاته وارتباطها بواقع الممارسة وتعاملها مع قطاعات التنمية والإنتاج والأمن والتوظيف وتحديات الشباب، وما يمكن أن توفره هذه الشبكات التواصلية من تعميق فرص الوعي وترسيخ ثقافة إيجابية. وبالتالي فإن دور شبكات التواصل الاجتماعي في صناعة المواطنة يرتبط بتأثيرها في تشكيل هوية الشباب الوطنية – أكبر المتفاعلين من شبكات التواصل الاجتماعي – في أبعادها الترويحية والفكرية والثقافية والتعليمية والتشريعية والتحفيزية، والتمكين وترسيخ مستويات عالية من الثقة في كفاءة الشباب وبناء قدراته، وما تتطلبه المواطنة من فكر واعٍ مدرك لمسؤولياته، وشعور بواجب التضحية والعمل من أجل الوطن، وترسيخ قناعات إيجابية، منطلقات تتيح للمواطنة – عبر توظيف هذه الفضاءات المفتوحة – فرص مواجهة حالات التشاؤم والإحباط والسلبية والنظرة الضيقة في ثقافة البعض، وحواراته و ردات الفعل التي تتخذ مواقف مغايرة ، خاصة عندما يكون الحديث عن مثل المواطنة الحقوق والواجبات والمسؤوليات؛ أن المواطنة بذلك إطار لاكتشاف اتجاهات الشباب وموطن القلق الذي يعانيه، لتضع مؤسسات الدولة يدها في مساعدته على تجاوزها، فهي بذلك دعوة صريحة للمؤسسات لقراءة جديدة لموقع المواطنة وتقييم متطلباتها، تتناول الحالة الراهنة والأبعاد المستقبلية المرتبطة بها، ومستوى الجاهزية المؤسسية في التعامل معها بفكر مستنير وبرامج عمل تحتوي الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو تعميق ثقافة الابتكار والاختراع والموهبة، وبالتالي بناء المناخات الإعلامية والتوعوية والتثقيفية الداعمة للشباب كتعزيز جودة التعليم وترقية أساليب التوعية والتثقيف وإيجاد حاضنات للشباب تستقطب أفكارهم وتتيح لهم فرص النقاش وإبداء الرأي وتمنحهم فرص الثقة في أنفسهم، والمرونة في التشريعات الداعمة لعمل الشباب. وبالتالي تأتي شبكات التواصل الاجتماعي في ظل مفهوم المواطنة الرقمية كمحطات لتعميق القيمة المضافة لها في رقي الوطن وتحقيق غاياته وتنمية موارده وتوجيهها نحو تحقيق منافعه والترويج له وتحفيز أبنائه على المحافظة على منجزاته، والسمو بممارساتهم في ظل شعور الفرد المستخدم لها، بأنه يحمل رسالة المواطنة الداعية إلى السلام والوئام والتعارف والحوار، ويمارس دوره الوطني في ظل التزام بالقواعد والأسس والأخلاقيات.
الشبكات تحمل بين جوانبها العديد من الكتائب الإلكترونية لابد من الانتباه لها فهناك جيوش إلكترونية تسعى لاستقطاب الشباب وتوظيفه ضد وطنه !!!
وأشارت د. زينب إبراهيم إلى أن الموضوع حيوي ومفصلي والحديث ربما يتركز حول المواطنة الإلكترونية… ولأن شبكات التواصل الاجتماعي تعزز المواطنة لأنها تفاعليه ، استعمالاتها متعددة، وعالمية في الغائها للحدود الجغرافية والمكانية ، لذلك كان توظيفها ضروري لتعزيز قيم المواطنة .. وذلك من خلال عمل الدراسات التي من شأنها البحث في التحديات التي تواجه تعزيز المواطنة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ، كذلك عمل دورات تدريبية للطلاب في التعليم العام والجامعي لتطوير مهاراتهم في توظيف شبكات التواصل الاجتماعي لخدمة قضايا المجتمع. وأيضا التأكيد على أخلاقيات النشر الإلكتروني من أجل إثراء المحتوى العربي بمصداقية وموضوعية.
وأوضحت د. نوال الضبيبان أنه بحسب آخر الإحصائيات السعودية بأنه تضاعف عدد المستخدمين النشطين خلال الأعوام الأخيرة من 8.5 مليون مستخدم إلى 12.8 مليون ثم أخيرا وصل عددهم إلى 18.3 مليون مستخدم بما يعادل 58% من تعداد سكان المملكة العربية السعودية.
جاءت المملكة في المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً في استخدام موقع التواصل ” سناب شات “، وتصدر واتساب وفيس بوك نسب استخدام منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بنسبة 22% للوا تساب ،و 21% للفيس بوك.
كل هذه المعلومات والإحصائيات توضح ضرورة أن تكون هناك دورات علمية ومهنية متخصصة وجادة لجميع الفئات العمرية وابتداء من فئة الأطفال من عمر ٧ سنوات لتنشئتهم وفق تعلم أدبيات وأخلاقيات التواصل والحوار لتدريبهم على استخدام هذه الأدوات الذكية وكيفية استغلالها بالشكل الأمثل، و أن يفرد لهم مساحة لا يستهان بها في كيفية توظيفهم في المساهمة في تحقيق أهداف رؤية 2030م.
ويرى د. عبدالله بن ناصر الحمود أن من الواضح أن القضايا التنموية هي مداد الوطنية ؛ فالوطنية لا تتكون من فراغ بخلاف المواطنة التي تعد أمرا قسريا في كينونتها. الوطنية .. تتكون كنتيجة حتمية لحاصل جمع منظومة من عناصرها ومكوناتها.. ولا يمكن تشكلها بالتعلم ولا بالتمني ، على أن التعليم قد يصقلها ويهذبها ويعمقها.
وتحت عنوان: “الفلسفة الأخلاقية للعمل التنموي في البيئة الراهنة للاتصال” أضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود أن فكرة (الفردية) تتسق في فضاء الإعلام والاتصال المجتمعي الراهن، مع الفلسفة الأخلاقية للعمل التنموي (الرشيد)، حيث يكون للفرد دور مهم جدا في دعم الرؤى والأفكار والسلوكيات التنموية. إن التنمية في فلسفتها مفهوم أخلاقي، فهي تعتمد على تغييرٍ في أنماط السلوك بحيث يتحمل الفرد مسؤولية الشعور بالآخرين من حوله، وكذلك بمن سيأتي بعده. فمحور التنمية هو الإنسان وتوفير الحياة الأفضل له. وبالتالي فإن كل إنسان أيا كان موقعه يعد عنصرا حيويا في منظومة التنمية كلها، سواء المواطن الذي يراعي احتياجاته واحتياجات أبنائه وجيرانه والمحيط الذي يعيش فيه، أم كان الموظف الذي يؤدي واجبه بأمانة لتحقيق الأفضل لكل المستفيدين من خدماته في مجال التنمية، أم على مستوى صانع القرار أو واضع السياسة التي من شأنها ضمان رغد العيش، والقدرة على تلبية الاحتياجات للحاضر والمستقبل. فطالما أن محور التنمية هو الفرد واحتياجاته، فإن الفرد أيضا هو الأساس في بناء هذه التنمية.
وتتسم الشبكات الاجتماعية بعدد من السمات كالاندماج والمشاركة والانفتاح وغياب الحدود. كما أن النمو الكبير الذي شهدته مواقع الشبكات الاجتماعية، يفرض عددًا من التحديات على سياسات الإعلام التقليدية وتنظيمها. فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن هناك عددا من السلبيات والمخاوف المرتبطة بهذه المواقع، تتمثل في الخصوصية وحماية البيانات وانتشار خطاب الكراهية والتحريض والبلطجة، وقضايا الملكية الفكرية أو حق المؤلف، وأيضا انتشار الشائعات المجهولة المصدر. وبالتالي، فإن شبكات التواصل الاجتماعية تثير جملة من المفاهيم والقضايا الخلافية حول “أخلاقيات” الشبكات الاجتماعية ومن يمكنه ضبط سلم الأخلاق فيها. وقد شهدت دول الخليج العربية خلال السنوات القليلة الماضية موجة من إصدار تشريعات الإنترنت والتعاملات الإلكترونية، نتيجة الإحساس العميق بتهديد سلّم “الأخلاق” وبحجم المخاطر المترتبة على الاستخدام غير المنضبط للتطبيقات الإلكترونية إجمالا، ومن بينها شبكات التواصل الاجتماعي.
ومن الجدير بالملاحظة، في هذا الإطار، أنه في الوقت الذي نؤمن فيه (في مجتمعاتنا الخليجية) بكثير من سمات وخصائص المرحلة الاتصالية الراهنة، وننشئ التشريعات الضابطة، إلا أننا نخفق، بقدر ما، في أن نطوّر من (قدراتنا المؤسسية والمجتمعية) لفهم هذا الواقع الجديد والتعامل معه بما يحتاجه اتصاليا من (رؤى حالية ومستقبلية)، ومن (كفايات مهنية، بشرية وتقنية)، وحتى على مستوى (المصطلحات والتراكيب اللغوية) لم نطوّع ملكاتنا بما يكفي للتعامل مع هذه المرحلة الاتصالية الحاسمة. كما أن الملاحظة المتخصصة، لما يجري حاليا في شبكات التواصل المجتمعي في منطقتنا الخليجية عند تناول (الجمهور) لقضايا وموضوعات التنمية، تؤكد، أيضا، أن أنماطا من الصور الذهنية (السلبية غالبا) هي التي تسيطر على سياقات المضامين عبر الشبكات، وذلك على الرغم من أن هذه الصورة تتفاوت تبعا لاختلاف بيئة الاتصال، وتبعا لطبيعة القيمة أو المنتج أو السلوك أو الفكرة التنموية التي يتم تداولها عبر أي من وسائط الإعلام المجتمعي.
وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود كذلك بأن أهم تحدّ تفرزه شبكات التواصل المجتمعي في التنمية هو معرفة كيفية الاستفادة من هذه الشبكات وأنماط الاستثمار التنموي فيها. ويعني ذلك كيفية الإفادة من كم المعلومات التي تتيحها شبكات التواصل المجتمعي من جانب، ومن جانب آخر تبادل المعلومات والتشبيك الحاصل في منظومة شبكات التواصل المجتمعي بطريقة بناءة إيجابية ومفيدة، وكيفية الاستثمار في هذه الشبكات لتكون وسيلة لاستقطاب الكفاءات والخبرات وتكوين فرق عمل لتنفيذ مشاريع أو برامج محددة، ولبناء القدرات وتبادل الخبرات. إن معظم الوقت المهدر في شبكات التواصل المجتمعي نمط من أنماط الاستخدام غير المنتج. ويزداد الأمر سوءا حين يتم تبادل معانٍ مكتوبة ومواد فلمية ونحوها تكون غير صحيحة أو غير دقيقة. وهنا التحدي الآخر، وهو النقص الحاد في وسائل توعية عدد من مستخدمي هذه الشبكات للتمييز بين الحقيقة والشائعة بين الموثوق والملفق، بين الجدير بالاهتمام والقراءة والإسفاف المضيّع للوقت. من هذا التحدي، يمكن خلق الفرص التنموية والإفادة من المدى الواسع من معرفة جيل الشباب اليوم بما يجري من أحداث، وهي معرفة لم تعد تقتصر على نطاقات محدودة، بل تتمتع بآفاق واسعة جغرافيا ومعرفيا. فإضافة إلى حرص الشباب على متابعة المستجدات ومعرفة الكثير من تفاصيل الأحداث، وما يجري في قطاعات الأعمال والإنتاج، وروافد التنمية في العالم، تعد هذه الفئة، كما سبق القول، الفئة الأكبر من بين الفئات العمرية في المجتمع والأكثر استخداما لشبكات التواصل. هذه الحقيقة، تدفع للإيمان بأن ثمة فرصة ثمينة يمكن الإفادة منها في قضايا وموضوعات التنمية يتم من خلالها حث الشباب على العمل الجماعي والتطوعي وتوجيههم وجهات مفيدة، وبث روح المنافسة من أجل المشاركة والتميز والإبداع. إن شبكات التواصل الاجتماعي تعد إحدى الأدوات الفاعلة، وأنه قد أمكن بالفعل استخدامها في تحريك المياه الراكدة، وبعثرة أوراق وخطط الوزارات والمؤسسات النائمة، وكشف قيادات إدارية مُتحجرة واهنة، ورصد الخلل والفساد في مشاريع البُنى التحتية والعلوية، وتسليط الضوء على العشوائية والتَّخبط في الأداء، وعدم الشفافية ونقص المهنية، الحاضرة في أداء بعض الوزارات والأجهزة الحكومية التنموية، والسياسات والبرامج والمشاريع التي تحيط بها الضبابية، ولا تنعكس ثمراتها بدرجة كافية على الأحوال المعيشية والاقتصادية لشرائح واسعة من المجتمعات الخليجية. لكن أبرز التحديات التي تواجه هذه الشبكات هو فلترة محتواها من أجل الإفادة من الجانب الإيجابي الذي يخدم التنمية. وهو الأمر الذي يؤكد على أن كم المعلومات والأفكار التي تتوافر عليها شبكات التواصل ربما يصطدم بعقبة تأكيد مدى دقة ومصداقية ما يتم تداوله عبر تلك الشبكات. لكنه يدفع من جديد لبذل مزيد من الجهود في تنقية شبكات التواصل المجتمعي وجعلها بيئة داعمة للعمل التنموي، سواء أخذت جهود التنقية تلك أبعادا تشريعية أو مهنية.
وذكرت أ. عبير خالد نقطة أخرى مهمة ، وهي أنه و بالنسبة للسعوديين في الخارج سواء مبتعثين أو غيره فإن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً في تعزيز هويتهم، وربطهم بوطنهم من كافة أصقاع الأرض.
وفي تصور أ.د فوزية البكر فإن موضوع السوشال ميديا فعلا يتعقد كل يوم أكثر مما نتصور وبدأت دراسات كثيرة توضح دوره الكبير في كثير من التغيرات الاجتماعية والثقافية و أيضا دوره في تعزيز اللحمة الوطنية والتي وإن لعبت وسائل التواصل فيها دورا إلا أن هذه الوسائل لابد أن تضم محتوي أولا وأسباب تدعوا الإنسان للاعتزاز بهويته بشكل حقيقي وليس مظهري ثم يأتي التأكيد والتعزيز بعد ذلك من خلال وسائل التواصل. ولنتذكر ما حدث هذا العام في العيد الوطني الذي كان مختلفا بكل المقاييس و خرج الناس زرافات وأفرادا للتعبير عن ولائهم و حبهم لوطنهم كل بطريقته لأن مساحات التعبير عن هذا الشعور كبرت و توسعت كما تم دعمها والموافقة عليها رسميا من رأس الهرم فبدأ التعبير عن المشاعر الوطنية مختلفا عن ما سبقه من سنوات ولعبت وسائل التواصل دورا كبيرا في إيصال الرسالة.
وعقبت أ. أسمهان الغامدي: لذلك نجد أن السوشال ميديا سلاح ذو حدين .. أصبحت منصات فردية ومؤسساتية وموجهة .. السيطرة صعبة إن لم تكن مستحيلة.. ولكنها أصبحت أدوات بيد الإرهاب والسياسيين والاقتصاديين والمغرضين لتمرير أفكارهم وتوجهات حكوماتهم حسب أجندات معينة. والسؤال هنا .. هل هناك حاجة لاستحداث وزارة لإدارة العالم الافتراضي.. بأن تكون مركز بأذرع ممتدة لكافة القطاعات الحيوية؟
وردا على هذا السؤال، تعتقد د. نوال الضبيبان أننا لا نحتاج استحداث وزارة معنية بالعالم الافتراضي ؛ لأنه المفترض أنها جزء من مهام وزارة الإعلام ، كما أنه تشترك فيها كل الوزارات الأخرى شاءت أم أبت ، فهو واقع يفرض نفسه علينا جميعا ، وهي أداة نافعة بدرجة أكبر بكثير من المضار أو السلبيات التي قد توجدها.. أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من سلبيات السوشال ميديا ، فهذا راجع لطبيعة حياتهم التي يمارسونها ولأهدافهم التي وضعوها لأنفسهم في هذه الحياة.
وأضافت أ. أسمهان الغامدي أن سلبيات السوشال ميديا تجاوزت الأفراد للمجتمع بشكل كامل ..فالتجنيد .. والثورات في العالم العربي .. والإرهاب .. والترويج للمخدرات .. وخلافه . كلها نشطت من خلال السوشال ميديا وعانت ولازالت تعاني الجهات الأمنية من ذلك. وفي المقابل .. لا ننكر أن السوشال ميديا نجحت في كشف الكثير من الجرائم المجتمعية والأمنية وأسهمت في حلها من خلال الهاشتاقات. هنا نجد أننا نقف أمام قوتين متساويتين بالتأثير ومتضادتين .. فكيف يمكن أن نوازن بما يعزز الوطنية؟
ومن وجهة نظر د. مساعد المحيا فإن أحد مظاهر الاستخدام السلبي لهذه الشبكات أن تكون بيئة يترعرع فيها اتهام الناس وتخوينهم وانتزاع الوطنية منهم وتصفية الحسابات مع آخرين يختلف معهم باسم المواطنة وباسم الدفاع عن الوطن …هنا يصبح هذا الحراك مكارثي على المجتمع وعلى الصورة الذهنية للمملكة.
و من ناحية مكملة فإن من الصعب النظر إلى هذه التطبيقات على أنها تحمل سمات الإعلام التقليدي … هذه منصات يستخدمها المرء فتحقق له اشباعاته فيألفها … كما أن المرء هو من يحدد طبيعة المحتوى المقدم واتجاهه.. عبر متابعة أشخاص يجد لديهم المحتوى الذي يريد.. هذه الجوانب ونحوها هي ما يحفز للقول بأهمية استثمار هذه الشبكات في تعزيز قيم المواطنة. وهنا من المناسب الإشارة إلى جانب مهم في هذه الشبكات.. فنحن نصنف أنواع الاتصال لأربعة: ذاتي وشخصي وجمعي وجماهيري ، أقواها هو الشخصي .. وسائل الإعلام التقليدية تعد نمطا جماهيريا ، أما السوشال ميديا فهي منصة أتاحت للجمهور أن يعيش في بيئة اتصالية تنتمي لمشهد الاتصال الشخصي الذي يعد أكثر تأثيراً.
وأضافت أ.د فوزية البكر أن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي تبدو لنا تحديدا في السعودية بالنظر إلى مستوي الاستهلاك المرتفع فيها. هذا بقدر ما يثير من مشكلات ( إدمان السوشل ميديا ) وتبعاته السلبية علي العمل والأسرة و الفرد نفسه. ألا نعي أيضا الفرصة المتاحة للاستفادة منه في تعزيز الولاء الوطني. والسؤال الذي يمكن طرحه هنا. عن من هو المتلقي الذي نتحدث عنه ؟ هل الشباب يؤخذون بطرح الحسابات الحكومية و يتحمسون لمحتواها. وإذا كان بعضهم كذلك. فما نسبتهم التقريبية وهل الأساليب المستخدمة في إيصال هذه الرسائل تتماشي مع طرح جيلهم وتقدمه التكنولوجي؟
وأشار د. عبدالله العساف إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت تطوراً كبيراً ليس فقط في تاريخ الإعلام، وإنما في حياة الأفراد والمجتمعات والدول على المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي، وجاءت لتشكل عالماً افتراضياً يفتح المجال على مصراعيه للأفراد والكيانات بمختلف أنواعها، لإبداء آرائهم ومواقفهم في القضايا والموضوعات المختلفة بحرية غير مسبوقة.
ووفقاً لذلك، أنهت ثورة الاتصال الجديدة عدداً من المفاهيم كهرمية الاتصال، وحارس البوابة، وأحادية مصدر الرسالة، واستحدثت بالمقابل عدداً من المفاهيم الاتصالية الجديدة مثل: الوسائط الرقمية، والمجتمعات الافتراضية، والتشبيك الاجتماعي، وغيرها من المفاهيم والمصطلحات الأخرى، التي تدل في مجملها على مدى الوفرة والتنوع في وسائل الاتصال.
وساهمت هذه الوسائل بدور رئيس في صناعة الرأي العام وتحديد اتجاهاته أو تغييرها، وذلك وفقاً للمضامين التي تنشرها بغض النظر عن درجة مصداقية المعلومات التي تقدمها من عدمها، الأمر الذي أدى إلى فراغ اتصالي أسهم في تعظيم أثره – أحيانا -نقص المعلومة، مما صيّر هذه الوسائل في بعض الأحيان مصدراً لبعض المعلومات المغلوطة والشائعات المختلقة.
وتفشت في مختلف المجتمعات لكن بدرجات متفاوتة عادات جديدة في التعامل المعلوماتي والخبري والتفاعل معهما، والسبب يعود لشبكات التواصل الاجتماعي بسعة انتشارها ورواج مضمونها في زمن قياسي غير معهود، حتى أصبحت فضاء مفتوحا للحوار.
وكان المأمول أن ينحصر حوار ومناقشة القضايا المهمة والمصيرية على أهل الخبرة والاختصاص والتأثير، مدعما بالأدلة والبراهين المنطقية، لكن هذه الثورة الاتصالية اتسمت بالعدالة الاجتماعية؛ وأعطت للجميع دون استثناء حق استخدمها، والانتفاع بها، مما أربك المشهد الاتصالي بدخول الغوغائيين لهذا الفضاء الاتصالي والتعامل معه دون سابق وعي، أو معرفة، وصار عامة الناس يتبادلون وجهات نظرهم المختلفة من خلال هذه الوسائل نظرا لانعدام الرقابة وارتفاع مستوى الحرية فأصبح الكثير يخوضون غمارها وهم لا يجيدون السباحة في جداولها، وأصبح لكل مشارك رأيه الذي ينشره عبر هذه الوسائل إما مقلدا وإما ناقلا أو كاتبا بلا وعي لخفايا القضية موضوع النقاش وأبعادها من أجل تسجيل حضور أو انتصارا لطرف دون أخر نتج عنها التصادمات المتشنجة وانتشار وباء التصنيف وتقسيم المجتمع نتيجة للجهل العام والجهل الخاص بفلسفة التعامل مع هذه المنصات واحترام الرأي المخالف وعدم مصادرته والتهجم على أصحابه.
ولهذا تثير وسائل التواصل الاجتماعي إشكالات عدة نتيجة الاستخدامات غير المنضبطة ومنها الفتوى السياسية تحدياً من غير المختصين والعارفين بدهاليزها المظلمة وتحولت هذه الوسائل نتيجة الاستخدام الخاطئ إلى أدوات للحرب وتصفية الحسابات بدلا من استخدامها وتوظيفها في إعلاء قيم المواطنة ونشر المعرفة و وثقافة النقد والتوجيه التي ينطلق منها أي مشروع وطني بأبعاده المتعددة.
وبهذا لم تحقق وسائل التواصل الاجتماعي التوعية الرشيدة والمنضبطة وإدراك الحقيقة كما هي ؛ بل ساهمت في تكوين اتجاهات ومعارف متحيزة، قد تساهم بدورها في خلخلة بناء المجتمع، وتمزيق نسيجه الاجتماعي المتماسك، كما تفعل بعض الحسابات النكرة والمجهولة والتي أشارت إلى بعضها أ. لمياء في تعقيبها، وهي بهذا تنصب نفسها مكان الأجهزة الأمنية التي لديها طرقها وأدواتها وقنواتها الخاصة دون أن تمس بالأمن والسلم الاجتماعي كما تفعل هذه الحسابات، لأسباب متعددة منها :
1- تحفيز مشاعر الخوف والذعر لدى الجمهور.
2- الهجوم على الشخصيات “الرموز الوطنية” بضراوة وحِدَّة.
3- التركيز على الأخطاء.
4- تزييف الحقائق لتتوافق مع الرغبات والتوجهات.
5- استدعاء أفكار فاشية وتصنيف الناس وفقاً لها.
6- تكرار الرسالة الواحدة بشكل متتابع ودقيق وباستخدام حسابات وسائل مختلفة.
7- شيطنة الآخرين عبر أدلة وارتباطات غير منطقية.
وفي تصور أ. عبد المحسن القباني فإن محور السلم الاجتماعي مهم و يحتاج إلى رؤية و نقاش و الوصول إلى كلمة سواء. هناك مثلا إساءة من الأفراد في استخدام تطبيق و هاشتاق كلنا أمن. أو مثلا حين الاستجابة لدعوات التبليغ على أصحاب المعرفات و أصحاب الرأي ممن لديهم وجهة نظر سياسية قد تكون مختلفة.. و هكذا.
ومن ممارسات عدم المواطنة في وسائل التواصل الاجتماعي هو اللجوء إلى الشخصنة الفورية في حالة اختلاف الرأي. قلما يصان حق الفرد في طرح رأيه و مجادلته فيما يقول. المظهر الحالي في شبكات التواصل موبوء بعمليات الهجوم على الذات و التشبيح على الرأي.
ومن جانبه قال د. علي الحارثي: الوطنية كما أشار إليها د. مساعد ((ممارسة ومشاركة الجميع في الحقوق والواجبات وفق قيم مشتركة تتسق وطبيعة المجتمع ومبادئه لخدمة الخير العام للوطن والوطنية)). ولذا أثار د علي تساؤلا حول طبيعة حقوق المواطن الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها بالالتفاف حول الوطن والوطنية؟ فقد تضمنت المداخلات السابقة طروحات أشارت إلى علامات استفهام كثيره حول هذا التساؤل: ما هي القيم والمبادئ المشتركة التي يتفق عليها المجتمع لاسيما مع وجود من يناصر التفلت من القيم الدينية والاجتماعية بل وصل الحال بالبعض إلى التشكيك ببعض أسس المعتقد؟ من هنا تهيأت الفرصة للمنصات الوهمية والمغرضة والمريضة والإرهابية لجر الشباب إلى صدق بعض ما يدًعون ويدعون الشباب إليه. أشار الجميع إلى تبني عدد من البرامج لصيغة مفاهيم المواطنة والوطنية والولاء للوطن إعلامياً وتعليمياً وسلوكياً وتربوياً عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الزاحف إلى العقول كالسيل الجارف بكل ما هو مغاير لمفاهيمنا ورؤانا ومعتقدنا وتطبيقنا للمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. والخشية أن تكون المخرجات كسابقتها.
ليست المسألة محصورة في الخلط بين الوطنية والمواطنة ولا في مفاهيم وطنية خالية من موروثات اجتماعية لأن كثير من الموروثات الاجتماعية تتسق مع مفاهيم الوطنية والاعتقادية ؛ ولكن الأمر يتعلق بمدى قدرة وحرية الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني على خلق مدوناته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أصبحت المحك الأساسي والمطلوب وبالذات جيل الشباب المنتشي والراغب في المشاركة في تجسيد هذه الصيغ التي يراها وتأتيه من كل مكان .
وبرأي د. عبدالله بن ناصر الحمود فإن من عجائب السوشال ميديا في مجتمعاتنا النامية بشكل خاص التي تشغل نفسها بالأيديولوجيا ، أنها مرتع للجميع ، يكتب العالم والمفكر والمثقف وذو الخبرة بلغة العلماء والمفكرين والمثقفين وأهل الخبرة ، فلا يلبث أن يجادله صبي غر غرير ، لا يعرف مما قرأه شيئا ، ويصول ويجول بهجائية عجيبة قوامها مفردات شوارعية ، وخطاب جاهل ، والعجيب أكثر أن العلماء والمفكرين والمثقفين وأهل الخبرة يتركون صويحبهم يصارع منفردا ، ويجبنون حتى عن إشعاره بوجودهم حوله ، في حينن تتكالب دهماء تويتر مع رفيقهم ، ويناصرونه بذات الجهل وقلة فهم الخطاب ، وأعجب من كل ذلك أن من الجماهير الواعية من تنطوي عليهم عبارات الدهماء فيصفقون معهم ويبقى ذلك العالم أو المفكر أو المثقف أو الخبير مشدوها.. بائسا .. مما يحدث.
أما د. عبير برهمين فترى أن منصات التواصل الاجتماعي وإقبال السعوديين على الواقع الافتراضي هو مؤشر خطير جداً للنواحي التالية:
1- انعدام الحوار في الواقع أدى بالسعوديين للاتجاه للواقع الافتراضي.
2- انعدام الرقابة أو تطبيق العقوبات على من يسيئون إساءات متكررة ضد الآخر دون أي محاسبة.
3- قصور الإجراءات القانونية اللازمة لضبط ومحاسبة الجرائم الإليكترونية تجعل منصات التواصل وسيلة سريعة وآمنة للتواصل بين التنظيمات الإجرامية عبر العالم.
4- عدم وجود البدائل الترفيهية للشعب السعودي والمسارح والسينما والمقاهي الثقافية وغيرها يجعل الكثير يتجه إلى الاستناد أب كوميدي باليوتيوب وغيرها.
5- عدم معرفة كثير من السعوديين بضوابط حرية الرأي ومفهومه يجعل منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لتبادل الشتائم وتغذية العنصرية المقيتة.
إضافة إلى أن قرارات الحجب والمنع تنشط دوما الاتجاه المعاكس ، وعليه فإن حجب كثير من المواقع يؤدي إلى ظهور الهاكرز والمراهقين المتخفين وراء أسماء وحسابات وهمية لأن سياسة المنع تؤدي إلا الإفراط في الاستخدام الجائر والإدمان كردة فعل.
ومن ناحية ذات صلة: هل نستطيع تعزيز المواطنة والوطنية باستخدام التقنية والعوالم الافتراضية؟ نعم إذا تمكنا من طرح أفكار غير تقليدية خارج الصندوق وعلى افتراض أن بذور المواطنة الصالحة والوطنية قد تم بذرها في نفوس النشء الصاعد وآباءهم وأمهاتهم ومن ثم تنميتها. لكن يجب أن نعرف أن فاقد الشيء لا يعطيه في أغلب الأحيان.
وفي مداخلة ختامية قالت د. منيرة الغدير: كيف يتم نقل مفهوم المواطنة وقيمها من الواقع الاجتماعي إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ وهل هي موجودة ومفهومة وممارسة على أرض الواقع أولاً لكي يتم نشرها، ووضع كافة البرامج التي تنبع من اهتمامات الذين يرتادون هذا الفضاء الافتراضي، بل هو رابطهم الوحيد، تقريباً مع العالم ، هذا سؤال القضية الذي تم التطرق له بصيغ مختلفة أثناء النقاش المهم.
- أود أن أنقض الافتراض الذي تم طرحه في نقاش القضية: لو تم تصميم أكثر البرامج القصيرة البصرية والرسائل المؤثرة التي توظف قيم المواطنة وبثها بشكل واسع وبطرق خلاقة، أعتقد أن تأثيرها سيشبه الدعاية التي تغريك أن تستهلك منتجاً ما، وهذا المنتج غير واضح أو ملموس؛ أيضا هناك فجوة بين ما يحدث لتسويق منتج ما وما بين “تسويق” واجبات المواطنة، وهنا سندخل الكثير من التعقيدات ليصبح الوطن براند (brand)، لكن الولاء/الانتماء/المشاركة/المسؤولية تجاه هذه البراند “شبه مفقود” أو مرتبك في الواقع العملي والسلوك الثقافي وذلك لأن كل هذه الواجبات تجاه الوطن لم يتم غرسها ورعايتها وفهمها منذ الطفولة في البيت والمدرسة والعمل.
- هنا يكون ربط ما طرح في قضية المواطنة السابقة مع هذه القضية فاعلاً ومؤثراً، هما تؤامان لا نستطيع فصلهما لكي يحدث التأثير المأمول من طرحهما.
- أخشى إن لم تكن المواطنة مفهوماً واضحاً ومتبلوراً، والوطن في قلبك وينعكس ذلك على ممارساتك اليومية وتعي ما هي واجباتك تجاهه، ويكون حاضراً في العمل، والنزهة، والسفر، وأن الوطن ليس فكرة مجردة من الولاء والواجبات، فلن تحقق حشود الجهود لغزو الفضاء الافتراضي أهدافها.
- الوطن ليس تطبيقاً تقنياً نحمله في المناسبات ثم نمحوه؛ فهم الواجبات تجاه الوطن هي واجب الدرس الأول.
- ترسيخ أسس المواطنة أولاً لكي يكون لنشر هذه الثقافة في الفضاءات التقنية الجديدة التأثير المأمول.
- التوصيات المقترحة
فيما يتعلق بالأساليب والوسائل التي من شأنها تعزيز قيم المواطنة ودور شبكات التواصل الاجتماعي في ذلك، أشارت أ. لمياء العنزي إلى مجموعة التوصيات التالية :
1- إعداد برامج متكاملة لتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي في نشر التوعية بقيم المواطنة والانتماء.
2- زيادة عدد الأنشطة التي تنفذ داخل الصف وخارجه بحيث تحقق في مجملها تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية لدى طلاب المدارس ولا تقتصر فقط باليوم الوطني !
3- إضافة مادة للمدارس أو الجامعات تتناول أخلاقيات النشر الإلكتروني تهدف إلى الرقي بالمجتمع السعودي.
4- لا بد من التعليم تعميق مفهوم السمع والطاعة لولاة الأمر في نفوس الطلبة والبعد عن كل ما يثير الاختلاف والفتنة انطلاقاً من قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )).
وركزت أ. أسمهان الغامدي على ضرورة إدخال أخلاقيات ممارسات العالم الافتراضي بالمناهج المدرسية .. خاصة وأن الطفل يولد وبيده أي باد.
وفي السياق ذاته يرى د. عبدالله بن ناصر الحمود من جانب مؤسسي أن جدلية تعزيز الوطنية عبر السوشال ميديا.. هي ذاتها عبر الإعلام التقليدي ؛ فحتى يمكن تمرير رسائل لتعزيز الوطنية يجدر بالمؤسسات أن تمتلك ما يقود لذلك من محتوى وطني. ولكن من جانب فردي، أصبح الأمر في غاية التعقيد نتيجة امتلاك أفراد صلاحيات مفرطة في مخاطبة الجماهير. أما من جانب الجماهير فالأمر في غاية الغرابة فقد استطاع دهماء شبكات التواصل أن يحددوا خيارات الجماهير ، وليس ذلك فحسب، بل أن يصنعوا قناعاتهم ورؤاهم نحو الكون والحياة عبر أفكار يبثونها يتلقاها الجمهور دون تمحيص.
و أكد د. عبدالله العساف على واجب النخب في كبح جماح الغوغائية وتسيدها المشهد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والحد من تأثيرها وقبولها لدى شرائح المجتمع المختلفة، من خلال الارتقاء بالوعي، ومستوى الطرح، ومضمونه، وتوقيته، شريطة وجود حزم ودعم من الجهات المختصة، التعليم- الإعلام- الشؤون الإسلامية- أمن الدولة- هيئة الرياضة- بالإضافة إلى الأسرة.
من جهته يرى د. حمزة بيت المال أن أهم شيء في السوشال ميديا هو صناعة المحتوى ؛ المحتوى الآن في السوشال ميديا يتركز في نوعين:
- الأول: نوع منشئ من قبل المستخدم نفسه.
- والثاني: إعادة توزيع وإعادة التوزيع عادة يعكس اهتمامات الشخص.
وللإفادة من السوشال ميديا في تعزيز قيم الوطنية هو التدخل لوضع محتوى يخدم هذا الغرض من قبل البعض ويكون مغري بالإعجاب للمستخدم السلبي بحيث يشجعه على إعادة النشر. والسؤال من يمكن أن ينشئ محتوى جيد يلائم طبيعة هذه الوسائل. المشكلة في موضوع الوطنية لا يوجد أب روحي لها ؛ بالأصح لا توجد جهة محددة تهتم بها ؛ لذلك من المهم أن تكون هناك جهة هي التي تصنع المحتوى المناسب لهذا الموضوع.
ويرى د. علي الحارثي أن الحل يكمن في التفات الرؤية والتحول والبرامج للداخل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي بصدق وبحرية رأي منضبط ومشاركة الجميع في اتخاذ القرار ، وسيعود المجندون والمجنحون والمغردون خارج السرب إلى عِش الوطن والوطنية.
أما أ. عبدالرزاق الفيفي فيرى أنه ربما يكون من ضمن الحلول هو ضخ محتوى إيجابي يوازي ضعف المحتوى السلبي في وسائل التواصل الاجتماعي…كاستراتيجية احتواء كمية قد تحدث اهتماما تراكمياً جاذبا مع الأخذ بالاعتبار مواكبة عنصري الحدث و الأدوات.
واتفقت أ. عبير خالد مع هذا الطرح، وأضافت أنه قد يكون ذلك عن طريق دعم المراكز والصفحات المليونية المتاحة حالياً.. لكن الموضوع معقد ، فأغلب القراءات والأبحاث الإعلامية تتحدث عن هوية محددة وتأثير السوشال ميديا عليها؛ كالمرأة أو ذوي البشرة السوداء ؛ أما إذا كنا سنتكلم عن تعزيز وسائل التواصل لهوية وطنية سعودية فإننا هنا نتحدث عن هوية جماعية collective identity لمجموعة هويات عديدة متفرقة… وهذا يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار أنواع الجمهور واستهلاك كلا منهم على حده Audience segments والعنصر الأهم هو تعزيز التنوع، وتضمين كافة أطياف المجتمع في تمثيلنا للهوية الوطنية الواحدة، عبر مختلف المنصات الرقمية.
وأضاف أ. عبدالرزاق الفيفي بأنه يفترض أن تجد المؤسسات المتخصصة في صناعة المحتوى الدعم الكامل والكبير ؛ لأن الواقع الحالي يشير لحالة ندرة لتلك المؤسسات على كل الأصعدة. ومن ناحية أخرى فإن الأزمة تكمن في تعامل الجهات المسؤولة بشيء من عدم المواكبة على مستوى السياسات والقوانين ؛ فوسائل التواصل الاجتماعي خلقت نطاق قانونيا جديدا لم يستوعبه المشرع القانوني و كذلك المطبق القانوني ( القضاء )، ومازالوا في محاولات مستميتة لموائمته مع النطاق القانوني التقليدي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأحداث التي في النطاق القانوني الحديث لوسائل التواصل الاجتماعي امتازت بأمور لابد على المُشرع والمُطَبق القانوني إدراكها و إيجاد القوالب المتناسبة معها وهي:
1- سرعة الانتشار.
2- سرعة التفاعل.
3- سرعة التأثير.
4- القدرة على الاحتيال.
5- القدرة على التخفي.
6- قابلية تحول الأفكار لسلوك مؤذي.
7- انتفاء حالة الجهل بالأثر.
8- توافر الإرادة الجنائية وتحولها من الفرد إلى المجموع.
وبشكل عام فإن من مؤشرات احتياج التشريعات والقوانين إلى تطوير أن يتم اللجوء إلى اتفاقيات دولية وما في حكمها لا إلى القوانين بسبب عدم تواجد قاعدة قانونية تشريعية تتحمل الارتكاز عليها.
أما د. نوال الضبيبان فترى أنه وإذا كان الهدف هو كيفية تعزيز الوطنية في شبابنا والجيل الصاعد… في ظل الانفتاح الإعلامي اللامحدود بواقع افتراضي .. فإن من الواجب أن نعترف أن هذا الجيل له فكر مختلف ويصعب التنبؤ بملامح هويته أو انتمائه.. وأن انتمائه لنفسه ولذاته في المقام الأول.. فهو لا يدين لدين أو وطن أو أسرة أو عائلة… نمى لديهم مفهوم Individualism & Materialism Moreover Irresponsible
وأضافت: جيل تربي على أيدي خادمات وعلى انفتاح إعلامي مغاير للأخلاقيات العامة التي نشأنا عليها ، وتعليم هزيل ، رفاهية زائدة ، وتفكك أسري ، وهيمنة غربية على الإعلام ؛ أمور فعلا تدعوا للقلق والحيطة ، المفترض أن يكون هناك وزارة للشباب ، تقودها قيادات شابة من الجنسين ، من نفس الفئات العمرية المستهدفة ؛ لمعرفة أساليب ووسائل التأثير فيهم وتقديم أنشطة تنمى إمكاناتهم ؛ فهم ابتكروا لغات وأساليب للتواصل بينهم ومواكبتها ليس بالأمر الهين ، كما أن لهم طريقة مختلفة في التفكير بسبب اختلاف القيم والمبادئ والتوقعات.. والحل هو معرفة كيفية تغيير قناعاتهم والارتقاء بها وتوظيفها بالشكل الأمثل بما يعود بالنفع لمجتمعهم والإنسانية بشكل عام.
المحور الثالث
الشباب والإبداع.. من أين نبدأ؟
الورقة الرئيسة: د. زينب إبراهيم
مدخل ..
بما أننا نعيش في هذه الحياة أدواراً مختلفة وأحياناً مختلطة على أمل انتظار القادم الأجمل فكلنا (بانتظار غودو) الذي لا يأتي ، نظل ننسج الآمال والقصص والحكايات في فصول حياتنا بانتظار هذا الغامض الذي سيأتي ومعه خلاص لمشكلاتنا ، باعتقادي أن (غودو) هم الشباب المبدعون حيث يعيش داخل كل مبدع درجة من الشغف بانتظار شيء ما ، وهذه الدراما الإنسانية كفيلة بأن تدفعنا للأمام في الحياة .
قرأت ذات مرة أن سقراط كان همّه اليومي هو التساؤل فقد كان يلقي أسئلة لا تنتهي على كل من يقابلهم ، فهو يسعى إلى أن يتعلم من الآخرين ما كان يزعم أنه تعلمه ، وهنا عدم ركونه إلى وجهة واحدة في التعاطي مع البحث الخلاق عن أجوبة لأسئلته الكثيرة عن الحياة جعلته مختلف ، فبداخله إنسان مبدع لا يهدأ ، وهذا ما يجب أن نفعله ، وهو تهيئة الفرصة للشباب المبدعين وعدم سجنهم وتقييدهم بقوانين المجتمع وبالأحكام المسبقة.
ومن خلال هذه المقدمة التي تحدثت عن ظروف الشباب وما يجول بداخلهم وإن كان شيئا موجزا إلا أنه يوضح طرح عام عن آمال وآلام شباب الغد ، ولأن عنوان القضية قد أتى بصيغة سؤال متمثلا بعبارة مباشرة وهي: بين الشباب والإبداع…من أين نبدأ ؟.
نبدأ من إبداعات الشباب من ناحية ( الفرق بين الإبداع والعبث ) حيث تقاس الدول المتحضرة بمدى اهتمامها بالشباب ، فهم ثروة الوطن والذراع الثالث للتنمية في البلد ، فالشباب مساهمتهم كبيرة في رقي مجتمعاتهم وتطورها ، والشاب المبدع هو الذي لديه القدرة على النظر للأمور بطريقة مختلفة، ورؤية مغايرة ، من أجل البحث عن حل للمشكلات بطريقة مبتكرة وجديدة ، منطلقاً من مكونات الإبداع وهي العمل الإبداعي ، والعملية الإبداعية ، والموقف الإبداعي ، بمعنى التعامل مع الأشياء المعتاد عليها بطريقة غير عادية ، والمجتمع هو ما يعزز هذا الإبداع ويستفيد منه.
والشباب المبدع الرائد في أعماله وابتكاراته في مختلف المجالات الإبداعية، سواء كانت علمية ، ثقافية ، اقتصادية ، اجتماعية ، رياضية ، يحتاج إلى من يحتضن و يهتم بإبداعه أياً كان .
قرأت ذات مرة أن الفنان الإسباني “سلفادور دالي” كان يعمل لأيام دون نوم ، ثم ينام لأيام أو حتى أسابيع ، كان أحياناً منتجاً وأحياناً أخرى كان يبيت بياتاً شتوياً فقط ولا يفعل شيئاً ، ولو أخضعنا “دالي” إلى المعايير الاجتماعية التي نحكم على الشباب من خلالها ، وطلبنا الحكم عليه من خلال سلوكه سيقول البعض أن طريقته في التعامل مع نفسه فاشلة ، وسيتساءل كيف يبدع وهو لا يستغل وقته جيداً ، ولكن الحقيقة أن دالي كان متفهماً لنفسه جيداً ، وعندما تدق لحظات الإبداع ، يبدأ بالعمل في الوقت الذي تشتهيه نفسه دون وضع أي اعتبارات ، فهو يفهم نفسه ، ويفهم متى يحتاج أن يعمل ، ومتى يحتاج أن يرتاح ، هنا يأتي فهم المبدع الشاب لذاته وكيف يطرح نفسه في بورصة الإبداع .
ونلاحظ أن هناك خلط بين الإبداع الحقيقي والعبث ، فالإبداع الحقيقي هو انعتاق من كل شيء إلا المعنى ، والعبث يخلو من المعنى وإن كان محركه الرغبة الإبداعية ، فهو ينطلق من طاقة بلا هدف ، أو طاقة لا تجد أفقاً حقيقياً لتحقيق المعنى .
أحياناً يكون العبث مقيد بقيود أخرى ليس منها قيد المعنى، وهذا يقودنا إلى سؤال آخر، ما هو المعنى؟ فالمعنى هو: انطلاق من تصور أفضل للعالم وحياة الإنسان. فشخصية الشاب العميقة أقرب للإبداع ، والشخصية السطحية أقرب للعبث. فالإبداع يحتاج إلى عقول مستقلة وقادرة على التفكير والخروج من الصندوق والجرأة في الطرح ، أما العبث ينشأ نتيجة التبعية في التفكير واستسهال الأمور وعدم المسؤولية.
مثلاً: التفحيط عند مزاوليه إبداع ، ولكن حقيقته عبث لأنه يفتقد المعنى ، وكذلك ما نشاهده في السوشيال ميديا وأي نشاط مشابه ، يغيب الإبداع ويسود العبث إذا لم نكن قادرين على الإبداع الأصيل المشبع بالجمال.
والواقع أن هناك تحديات كثيرة (ماذا نستطيع أن نفعل) ، وعوائق تحول بيننا وبين الاستفادة من الشباب المبدعون ، وأجمل هذه التحديات بالآتي :
1- تحديات تنظيمية:
التي تبرز من خلال غياب السياسات والاستراتيجيات والخطط العامة المتكاملة التي تهدف إلى تطوير منظومة المبدعين ، وعدم وجود تشريعات في النظام ، واختلاف الاهتمامات والأولويات وخاصة بين جهات التشريع وجهات التنفيذ ، وعدم وضع أنظمة خاصة بالإبداع ، واعتماد الاستراتيجية للمبدعين ، وإنشاء هيئة وأكاديمية للمبدعين.
2- تحديات مالية واقتصادية:
تتمثل في ضعف المردود المالي من الإبداع وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في المبدعين، وغياب الحوافز للمبدعين.
3- تحديات اجتماعية:
العادات والتقاليد وسلطة القبيلة ورسم هالة فاشلة أمام صورة الأسرة واسمها، كذلك الفجوة الكبيرة بين جيل الآباء والأبناء، واختلاف طريقة التفكير والتعامل مع المستجدات.
4- تحديات نفسية:
تجنب المخاطرة ، الخوف من تجربة شيء جديد.
وأمام كل هذه التحديات نطرح سؤال ، ماذا نستطيع أن نفعل؟ ، نحن نستطيع أن نفعل الكثير لمواجهة هذه التحديات وأوجز بعض الحلول كالآتي:
1- توفير الدعم بمختلف أشكاله من المعنوي والمادي إذا كنا فعلا جادين ومؤمنين بإبداعات الشباب وانطلقنا للعمل بدلا من التنظير فحسب.
2- التدريب والصقل المهني والأكاديمي.
3- التشجيع والتحفيز بمختلف أشكالهما وتبني الطاقات الإبداعية المميزة.
4- في أسوأ الأحوال يجب أن لا نكون نحن كمجتمع حجر عثرة في طريق الإبداع الشبابي “هذا بالنسبة لمن لم يستطيع توفير الدعم”.
5- رفع قيمة العلوم الإنسانية والآداب ، ومنح بعثات في هذا المجال بقدر ما نحتاج إلى الابتعاث للجامعات المتقدمة لدراسة الهندسة والعلوم الطبيعية والطب .
وبناء على ما سبق ، نحن نعلم أن شبابنا يمتلكون من الطاقات والإبداعات ما يؤهلهم للوصول للعالمية ، ولكن ماهي فرص الإبداع التي أمامهم ، بمعنى (ماذا يحتاجون – وماذا نريد منهم) .. هذا السؤال كبير بحجم طموحنا نحوهم ونحن نعلم أن الاهتمام بالشباب المبدعون هو اهتمام بالإنسان باعتباره قيمة عليا بالمجتمع له الدور الكبير في بناء الوطن وتطوره.
لذلك يحتاج الشباب المبدعون منا إلى رعاية تمكنهم من تنمية طاقاتهم وهذا يتطلب وجود خدمات متكاملة تتجه إلى اكتشاف المبدع وتطويره. وهذه الخدمات هي:
– إقامة مسابقات دورية أو معارض علمية خاصة بالمبدعين نستطيع من خلالها معرفة، المبدعين وأعمالهم الإبداعية.
– تشكيل لجنة من المختصين في النواحي العلمية ومن البارزين، مهمتها تقويم العمل الإبداعي لدى المبدعون الشباب في مختلف المجالات.
– افتتاح أكاديميات للمبدعين في جميع المجالات.
– إعداد برامج هادفة لكي تشبع في الشباب المبدع رغبة حب الاستطلاع.
– تنمية شخصية المبدع من خلال رعايته والعناية به، وتوفير الخدمات النفسية والتربوية والصحية والاجتماعية.
– وجود صحافة خاصة بالشباب، تنقل المستجدات من كل مكان من أجل مساعدة المبدعين في مواكبة ما يجري حولهم ، وكذلك وجود مجلات علمية يساهم المبدعون في الكتابة فيها.
– الحرية في إبداع ما يرونه مناسباً لهم ويعود على المجتمع بالفائدة.
– الحاجة للتعبير الابتكاري.
– الحاجة إلى الانتماء.
– الحاجة إلى المنافسة.
– الحاجة إلى الشعور بالأهمية.
– استثمار إبداعاتهم وتوظيفه.
والحياة لكي تستقيم لابد أن تكون تبادلية، فلك حق وعليك حقوق .
لذلك يأتي دورنا وحاجاتنا تجاه هؤلاء الشباب ، فماذا نريد من المبدعين؟ نحن نريد منهم ما يتوافق مع حاجة المجتمع وما يتناسب مع قدراتهم كالآتي :
1- توظيف طاقاتهم توظيفا إيجابيا نحو الإبداع والجهد الخلاق.
2- تحمل مسؤوليتهم نحو مجتمعاتهم.
3- إحساسهم بأهمية ما يقومون به لمستقبلهم ومستقبل أوطانهم.
4- العمل الجاد المواكب للتطلعات والآمال.
5- عدم الاستسلام للمعوقات والعقبات التي قد تعترضهم رغم الجهد لتوفير ما يلزم.
6- السعي للتغيير البناء والانعتاق من الأفكار النمطية العميقة.
وختاماً..
من حق الوطن أن يستفيد من إبداعات الشباب ويجني من خيراتهم ، كما أن من حق الشباب المبدع على وطنه أن تهيء له الأسباب والبيئة الصحية ليبدع وينتج ، ومن حقنا كمجتمع الاستمتاع بأي إبداع من شبابنا، فهذا يعزز من الانتماء لدى الجميع وهو بمثابة رابطة وعهد بين الشباب المبدع و بين مجتمعه.
التعقيب الأول: د. نوال الضبيبان
يعد موضوع الإبداع والشباب من الموضوعات ذات الأهمية الملحة والمتجددة وغير المحدودة، خاصة وأن 70% من المجتمع السعودي من فئة الشباب تحت سن 30 وهو عمر الفتوة والإنجاز، بحسب ما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تصريح له بمنتدى مبادرة مستقبل الاستثمار بتاريخ 24/10/2017م. علما أن الإبداع ليس له سن معين ولا جنسية محددة ولا ميعاد، ولا يعترف بالفوارق الاجتماعية أو الاقتصادية، ولا يخضع لحدود الزمان أو المكان، ولا ينتقي أو يصطفي أحدا دون غيره من تلقاء نفسه إذ أنه حالة خاصة وفريدة، تتلبس إنسانا- ما- فتحيله إلى إنسان متجدد ومتفرد في عطائه وأفكاره وإنجازاته وخدماته للمجتمع. وهي ثروة إنسانية تسعى الدول المتقدمة لاقتنائها واستقطابها من جميع بقاع الأرض.
والإبداع قرار ذاتي وهذا خلاصة أبحاث عديدة قمت بها ابتداء من رسالة الدكتوراه والتي كان موضوعها Exploring the Relationship Between Self-regulation and creativity.وكانت الدراسة الأولى عام 2005م في محركات البحث العالمية والتي تناقش موضوع الإبداع من جانب متفرد وأصيل بعكس النمط المشاع في ذلك الوقت ودخلت فيها عدة مسابقات في أمريكا ومتواجد نسخ منها في جامعة الباما، أمريكا وجامعة هون كونك، الصين.
ومما لاشك فيه أن قضية الإبداع والشباب قضية هامة وحيوية للغاية لأن الإبداع طاقة فطرية ذكية تميز بين الأفراد والمجتمعات وهي لا تنضب ولا تفنى أو تزول فهي باقية ببقاء الإنسان. أوجدها الخالق عز وجل في النفس البشرية لعمارة الأرض ولمزيدا من التمتع ببهجة الحياة وروعتها.
يقول (هارول أندرسون) في الإبداع: إنه عمليّة إنتاج تشهد كلّ لحظة من لحظاتها ولادة جوهرة ذات قيمة آنية، ليس ذلك فحسب بل تكمن الأهمية في كون الإبداع ضرورة من ضرورات الحياة.
وجدت الموهبة والإبداع لتكون مقياس للتنافس بين الأفراد والعقول والدول، وإلى تحقيق أعلى درجات التمدن الإنساني والسيطرة بين الدول، وبلوغ ذلك حقيقة قد لا يدركها إلا فئة محدودة ومتميزة في المجتمع بحوالي 2% من أفراده فقط وهي تخدم وترتقي بباقي 98% من المجتمع وهذه النخبة الذين يتربعون على قمة “هرم ماسلو” لخدمة ما دونهم وهي التي تحمل هم الأمة على عاتقها.
هذه الموهبة نعمة من الخالق عز وجل وهبها عباده لتكون أمانة فيصقلها وينميها سواء كان الفرد أو الأسرة أو المجتمع، فهي قدرة بشرية طبيعية وطاقة متجددة متطورة وذات قيمة متميزة بحق. ومن هنا يظهر التمدن والتحضر الحقيقي واحترام وجود الإنسان والتعامل معه كثروة لا تقدر بثمن بالتمييز بينهم بحسب إبداعاتهم وقدراتهم وخدماتهم لمجتمعاتهم وللإنسانية.
الموهبة تفوق في الحواس والإدراك العقلي إلى حد الابتكار والاختراع ونسج ما يتكون في العقل الباطني من صور وخيالات وطموحات جريئة يقوم الموهوب بتجسيدها في الحقيقة وخلقها حتى تتكون صورة ملموسة ومحسوسة مما يراه في عقله ويشعره به في داخله. وهنا يظهر دور المجتمع والذي يتمثل باحترام وتقدير هذه الإمكانيات وإتاحة الفرصة لرعايتها ودعمها وبلورتها… وكم من متميزون وموهوبون ومبدعون هاجروا وتركوا أوطانهم خلفهم بكل الحسرة والألم حيث أنه كان لا خيار لهم غير ذلك، بسب عدم احترامهم أو الثقة فيهم كما ينبغي!؟ لإظهار ابتكاراتهم واختراعاتهم التي من المتوقع أن تمر ببعض مراحل الفشل والتأخر حتى تنضج.. فالموهبة خلط بين الإدراك الحسي والمعنوي والعقلي تحتاج من يرعاها وينميها لأنها لا تورث ولا تكتسب فقط بل هي خليط من كل شيء بشكل متفرد تختلف نسبته من إنسان لآخر.
وما خلصت إليه بعد سنين طويلة من التفكر في ماهية الإبداع وكيفيته وكيف نكتشفه وننميه أن الإبداع قرار ذاتي … لكل من أراد أن يستخدمه ويوظفه…. هذا وبصرف النظر عن مستوى الذكاء أو عمر الإنسان أو نوعية التعليم الذي يتلقاه الفرد.. فهم نخبة نادرة وقليلة ومتفردة وهي التي تقود المجتمعات في الدول المتقدمة وكلا بحسب مجاله أو تخصصه.. ويقول وليام براون” لا تقل أنا فاشل، بل قل كانت محاولة فاشلة.. فالفشل حدث وليس شخص”.. والمبدع بحق هو من يسعى للإبداع والتميز كإثبات للذات والوجود وكمشاعر فطرية وجب تفريغها واحترام لذاته ومجتمعه ولمن يحيط به من البشر.
نعم كلنا تواجهنا العقبات والسلبيات والإحباطات في حياتنا ولكن في الأغلب الأعم نحن ننعم بنعم عظيمة وآلاء جسيمة وجب شكر الله أولا على هذه النعم من خلال خدمة وعمارة الأرض وإثبات الوجود بأعمال الحب والخير والنفع والرخاء للذات وللآخرين (واما بنعمة ربك فحدث). والله عز وجل له المثل الأعلى في الإبداع والتفرد (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) .
لذا نجدها فطره إنسانية في شخصياتنا وكل ما علينا إخراجها واستثمارها في الواقع بجد وصبر واجتهاد.
وللإبداع دوافع عديدة ذاتيّة داخليّة وبيئيّة خارجيّة وماديّة ومعنويّة وأكثرها أصالة وصدقا ورسوخا من كانت دوافعه ذاتية ومعنوية متخطيا بها إحباطات وعوائق مجتمعه وعالمه. ونقلاً عن رويتر في دراسة أجريت على 300 مليونير والتي كشفت عن أن 40% منهم يعانون من صعوبات التعلم مثل القراءة (الديلكسيا) وهذا لم يعيقهم من التقدم والتميز الاقتصادي المذهل.
ونتائج الدراسات والأبحاث تؤكد أن الإبداع على مستويات شتى، منها البسيط الذي يقدر عليه الكثير من الناس، ومنها المتوسط الذي تقدر عليه قلة من البشر، ومنها العالي الذي ينتجه العباقرة.
وهي من أهم الصفات الإنسانية التي تغير تاريخ الدول، فالمجتمع لا يمكن تغييره تغييراً نوعياً عبر التخطيط، بل عبر أعمال المبدعين.
يشير “كونانت conant “فيقول : ” أن عالماً واحداً لا يعوضه عشرة رجال، وبحسب ما يشير ألكس أوزبون أن : كل الناس قادرون على التفكير إبداعياً إذا لم يتم منعهم من ذلك بالتربية والتعليم!!!
ومن أولى مراحل الإبداع العصف الذهني Brain strome والمراد به إتاحة الفرصة للإنسان كي يفكر بعيداً عن أي ضغط أو مؤثر سلبي أو قوالب مجتمعيه ، ليُخرج كل ما عنده بطلاقة تامة ودون قيود … والهدف هو كشف الإبداع الكامن ، وإظهار حساسيته وحله المبدع للمشكلة التي لا يشعر بها الإنسان النمطي.
والعصف الذهني الذي قد يأتي بنتائج باهرة لكنها غير متوقعة، وغير منسجمة مع الأساليب المألوفة والمتعارف عليها.
واليكم هذه القصة الحقيقية…. في امتحان الفيزياء في جامعة كوبنهاجن بالدانمارك، جاء أحد أسئلة الامتحان كالتالي: كيف تحدد ارتفاع ناطحة سحاب باستخدام الباروميتر (جهاز قياس الضغط الجوي)، كانت الإجابة الصحيحة: هي بقياس الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وسطح ناطحة السحاب.
إحدى الإجابات استفزت أستاذ الفيزياء، وجعلته يقرر رسوب صاحب الإجابة بدون قراءة بقية إجاباته على الأسئلة الأخرى.
كانت الإجابة المستفِزّة هي: نقوم بربط الباروميتر بحبل طويل، وندلي بالخيط من أعلى ناطحة السحاب حتى يمس الباروميتر الأرض. غضب أستاذ المادة لأن الطالب قاس له ارتفاع الناطحة بأسلوب بدائي ليس له علاقة بالباروميتر أو الفيزياء.
تظلم الطالب مؤكداً أن إجابته صحيحة 100% وحسب قوانين الجامعة، ونظرا لذلك تم تعيين خبير ومستشار في تخصص الفيزياء للبت في القضية.
وكانت نتيجة تقرير الخبير كالتالي: أن إجابة الطالب صحيحة لكنها لا تدل على معرفته بمادة الفيزياء، وتقرر إعطاء الطالب فرصة أخرى لإثبات معرفته العلمية، فتمّ إحضار الطالب أمام الخبير الفيزيائي، الذي أعاد طرح السؤال نفسه شفهياً، فكّر الطالب قليلاً، وقال: ” لدي إجابات كثيرة لقياس ارتفاع الناطحة ولا أدري أيها أختار “. فقال: ” هات كل ما عندك “. فأجاب الطالب :
يمكن إلقاء الباروميتر من أعلى ناطحة السحاب على الأرض ، ويُقاس الزمن الذي يستغرقه الباروميتر حتى يصل إلى الأرض ، وبالتالي يمكن حساب ارتفاع الناطحة ، باستخدام قانون الجاذبية الأرضية ، وعندما تكون الشمس مشرقة ، يمكن قياس طول ظل الباروميتر وطول ظل ناطحة السحاب ، فنعرف ارتفاع الناطحة من قانون التناسب بين الطولين وبين الظلين ، أو إذا أردنا حلاً سريعاً يريح عقولنا ، فإن أفضل طريقة لقياس ارتفاع الناطحة باستخدام الباروميتر هي أن نقول لحارس الناطحة : ” سأعطيك هذا الباروميتر الجديد هدية إذا قلت لي كم يبلغ ارتفاع هذه الناطحة ” ؟ . أما إذا أردنا تعقيد الأمور، فسنحسب ارتفاع الناطحة بواسطة الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وأعلى ناطحة السحاب باستخدام الباروميتر.
كان الحَكَم ينتظر الإجابة الأخيرة التي تدل على فهم الطالب لمادة الفيزياء، بينما كان الطالب يعتقد أن هذه الإجابة هي أسوأ الإجابات لأنها الأصعب، والأكثر تعقيداً.
بقي أن تعرفوا: أن اسم هذا الطالب هو ” نيلز بور “، وهو لم ينجح فقط في مادة الفيزياء، بل إنه الدانماركي الوحيد الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء.
وهذا يقودنا إلى سؤال هام: لماذا تفشل المدرسة عادة في اكتشاف المبدعين؟ كان الجواب: لأن المدارس تعتمد معايير نمطية لا بديل عنها، وهي تصلح للشريحة العظمى من أفراد المجتمع.
وبحسب نتائج الدراسات والأبحاث بأن الأذكياء جداً ليسوا مبدعين دائما! فالإبداع يتطلب خصائص عقلية ونفسية معينة.. وقد يوجد الإبداع عند صعوبات التعلم والمعاقين وصغار السن ومنخفضي الذكاء… ومع هذا كله، وُجدت علاقة بين الذكاء والابتكار في المستويات العليا جداً، وعندئذ يجتمع الاتزان النفسي، والاستقامة السلوكية والنتائج العبقرية.
ومن أبرز الصفات النفسية عند المبدعين صفة الاعتماد على الذات والإصرار والمثابرة والثقة الزائدة بها، والتحفظ والعزلة ورقة القلب والحساسية تجاه المشكلات والتفكير المستقل، والبصيرة النفسية، وضعف الأنانية.
فمعظم عوامل إعاقة الإبداع تكون من ذواتنا: فالخوف من الفشل، وضعف الثقة في النفس، وضعف الحماس والدافعية، والانشغال بمسؤوليات الحياة البعيدة عن الموهبة، والامتثال لقوالب المجتمع النمطية في التعامل مع المشكلات كلها تعيق الإبداع وتحبسه.
وفي الجانب الآخر لابد أن نشير إلى معاناة المبدعين والتي تختلف من مجتمع لآخر.. نعم إن الأذكياء الذين يتسمون في شخصياتهم بسمات الطموح العالي وحب الإنجاز وحب البحث عن الحقيقة والفضول والتحليل والنقد والتقييم فهؤلاء هم من يعانون نفسياً أكثر من غيرهم من مشاعر الكأبة والإحباط والتوتر والمزاجية.. وهم المعنيون بقول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة منعم
ويؤيده الشاعر العباسي ابن المعتز المعروف بـ «خليفة اليوم والليلة»
حيث قال:
وَحَلَاوَةُ الدُنْيَا لِجَاهِلِهَا وَمَرَارَةُ الدُنْيَا لِمَنْ عَقَلا
فالمبدع يعاني حالة إنسانية خاصة جدًّا، إما أن تحمل حالة إبداع خاصة تحمل كآبتها آنية بسبب الإبداع، أو أنها حالة مستديمة من القلق النفسي والتوتر، التي لا تستقر لا في حالة الإبداع والإنجاز ولا في حالة الركود الإبداعي.
فالمبدع الأكثر تمسكا بفرديته يعاني أشد المعاناة إذا وجد نفسه مغمورا ومشلولا ومنقادا مع عوام المجتمع ورعاع الناس، لا يستطيع التنفيس عن أفكاره وإبداعاته جهارا… فهي تشتد بمقدار انغلاق المجتمع وتحفظه وتنفرج وتهدأ بمقدار الانفتاح والتمدن والرقي في المجتمع.
التعقيب الثاني: د. هند الخليفة
سأتناول بعض الأفكار والموضوعات التي ناقشتها الورقة، من ذلك مقدمتها التي أشارت إلى أن الشباب المبدعين هم من سيحقق الغد الأجمل. وفي ذلك إشارة إلى أن الأمل والطموح والشغف للحياة مكونات أساسية في تحقيق التغيير للأفضل. وأرى أن تهيئة الظروف لوجود تلك المكونات لابد أن يبدأ من خلال تصحيح فهمنا للماضي والحاضر والمستقبل، والقناعة بأن التعامل مع حاضر الأطفال والشباب هو الأساس لتمكينهم من الإبداع في تشكيل المستقبل، بمعنى خلق الفرص لهم للعيش في الحاضر دون تكبيلهم بتوقعات دورهم في المستقبل وتشكيل شخصياتهم وطموحهم وأحلامهم في قوالب وأحلام الراشدين.
توقفت الورقة عند التساؤل وأهميته في تهيئة الفرصة للشباب المبدع، وإطلاق قدراتهم خارج حدود قوانين المجتمع والأحكام المسبقة. أضيف على ذلك أن التساؤل هو تحرير العقل من القيود التي تعيق الفكر المبدع، وطرح الأفكار للنقاش هو الوسيلة إلى نقش العقول، والفكر الناقد هو الذي يمكن الفرد من التحليل وتفسير الأسباب ومن ثم الاستقلالية والإبداع في حل المشكلات. لابد أن نترك العنان للفرد طفلا ثم شابا ليحلم ويفكر ويسأل وينتقد، حتى يبدع. فالرؤية المختلفة والتعامل مع الأمور العادية بأسلوب مبتكر، يتطلب سياق ثقافي واجتماعي يخلق الفرص ويحترم الاختلاف ويدرب على تحمل المسؤولية، ويجد مكانة للصغير قبل الكبير. وتظهر هنا أهمية علاقة الراشدين بالشباب، وتأثير أسلوب التنشئة الاجتماعية على نمو القدرات وصقل المواهب والإبداع.
ويأخذنا هذا الحديث إلى ما طرح في الورقة من تساؤل؛ هل الإبداع يعني العبث، واستخلصت مقدمة الورقة أن الإبداع يعني الانعتاق من كل شيء إلا المعنى. وبتعبير آخر الحرية الهادفة. هذه الحرية المسؤولة هي نتاج لتحرر الراشدين من التسلط والقمعية، وتحملهم لمسؤولياتهم تجاه الجيل الجديد. مسؤوليات من نوع جديد لا تعني الرقابة المقيدة بل التمكين من ضبط النفس واتخاذ القرار والاختيار. وهنا تكون الحرية والإبداع وجهان لعملة واحدة، لكنها لا تعني العبث أو الفوضى.
ونستخلص مما سبق أن الشباب ليسوا ظاهرة معزولة عن العالم، ولا حجر عثرة في وجه التقدم، بل المجتمع قد يكون كذلك في وجههم.
الإبداع التزام وإنجاز…وترتبط دافعية الشباب للإنجاز بالسياق الثقافي والاجتماعي والسياسي المحيط بهم. وتظهر الدراسات أن العوامل الذاتية هي الأكثر تأثيرا على دافعية الإنجاز لدى الشباب، كتقدير الذات والثقة بالنفس ووضوح الأهداف… ومرة أخرى يؤكد ذلك على أهمية العلاقة الوالدية وأسلوب التنشئة الاجتماعية في غرس بذور الإبداع والالتزام والإنجاز منذ نعومة الأظافر.
أعود إلى السؤال: الإبداع والشباب.. من أين نبدأ ؟
وأقول نبدأ حيث تبدأ الحياة…فالإبداع يولد حيث يكون هناك حب واحتضان واحترام… والإبداع ينمو معنا ونحن ننمو في مراحل حياتنا، والإبداع يقتل حين يقمع خيالنا وتحجر عقولنا وتربط ألسنتنا…ولكي نغرس في شبابنا الخصائص والخصال التي يتغدى عليها الإبداع، لا خيار لنا إلا أن ننفض الغبار العالق في أذهاننا عن التربية الناجعة، والصور النمطية عن الشباب وقدراتهم التي تقلل منها أو توجه لهم أصابع الاتهام، لا لشيء إلا لأنهم “شباب”…ليس لنا إلا أن نستبدل السلبية بالإيجابية والتسلط بالتحاور ، وبدل من أن ننظر إلى ٧٠٪ من شعبنا على أنهم عنصر ضعف، لابد أن نؤمن بأنهم عنصر قوة، وسيكونون كذلك.
المداخلات حول القضية:
- الشباب والإبداع والإشكالات المتضمنة
أكدت أ.د فوزية البكر على أهمية قضية الشباب والإبداع لارتباطها الوثيق بالرؤية التي تؤكد علي دور الشباب والإبداع والابتكار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ، لكن التساؤل المطروح: هل وصلت الرسالة فعلا للجيل الجديد؟
وفي هذا الصدد أوضحت د. زينب إبراهيم أن التسارع في التغيير تجاوز القلق التاريخي الذي نعيش فيه وهو محاولة للاتساق مع الحاضر والتصالح مع المستقبل ، والتحديات التي نواجهها عظيمة لذلك الرسالة تصل على شكل حراك وتغيير وفرص موجودة قد لا يعيها الجيل الجديد الآن ولكن تؤسس له فرصه ومكانه ولا نستطيع قياس الأمور الآن إلا بعد أن تظهر نتائج هذا الحراك.
ولأن الإبداع لا يعرف الركود ولا يتآلف بسهولة مع كل ما هو سائد ، تأتي رغبة الخروج على ما ارتضاه الجموع ، خروجاً هادئاً في بعض الأحيان ، وعاصف في أحايين أخرى ، ضرورية لحركة الإبداع ، فالبشرية لازالت تعيش خصوماتها التي لا تهدأ بين الأجيال ، فالتمرد على السائد يقابل برفض عنيف من الكلاسيكيون مثل بعض الفنانين بيكاسو وسيزان ومانيه وفان غوخ فاللوحات التي رسموها لم يكن مبدعوها يجدون ثمن وجبة عشاء والآن تباع لوحاتهم بالملايين ، هذا يعيدنا إلى طرح تساؤل كيف نوقظ ذاكرة الإبداع الحقيقية وهل الإبداع مرتبط بعمر معين. فمثلا الشاعر الألماني هينرش هاينه كتب مسرحيته المنصور وهو في سن الثانية والعشرين في وقت تأثر ألمانيا و أوربا بروحانيات الشرق .
في حين يرى م. محمد الشهري أن الإبداع صفة فردية في المقام الأول أي أنها ترتبط بالفرد (Individual)، ومقومات الإبداع لدى الفرد تقوم على الميزات والهبات التي وهبها الله ذلك الفرد إضافة إلى البيئة التي ينشأ فيها ويستطيع فيها أن يمارس إبداعه.
في مجتمعنا المحافظ ينشأ الفرد وهو مثقل بما يملى عليه من معايير ومبادئ من خلال دائرته الصغيرة أو الضيقة (المجموعة – Group) والمتمثلة لدينا في العائلة أو القبيلة، أو الدائرة الكبرى (المجتمع – Society) .. فيعيش لكي يُرضي هاتين الدائرتين (الصغيرة والكبيرة) ولكي يحقق نسبة مناسبة من الرضا والقبول لديهم.
لقد أثرت وبشكل كبير معايير التقييم التي فرضها المجتمع على الفرد وساهمت في كبت وقتل الكثير من المواهب والإبداعات الفردية وأصبح هناك أنماط ضيقة ومحدده للنجاح الذي تريده العائلة أو المجتمع.. الأمثلة كثيرة جداً إما أننا عايشنا بعضها شخصياً أو رأيناها أمامنا على آخرين.
لابد أن نتخلص من تلك الذهنية الرهيبة ونحرر الفرد من تلك القيود لكي نوسع دائرة الإبداع والمبدعين.
وعقبت أ.د فوزية البكر بأن معايير التقييم الاجتماعي من الدوائر المحيطة بنا بالفعل تقتل المواهب والإبداعات كما أنها تشكل نمطا محددا للتفكير والسلوك المطلوب اجتماعيا وهو للأسف ما يتم تأكيده من قبل المؤسسات الاجتماعية كالبيت والمدرسة.
لذا يلعب التعليم دورا كبيرا من خلال أنماطه التقليدية، و تقليدية معلميه لإجهاض أية محاولة إبداعية لدي التلاميذ و هو مرة أخرى ما يكرس أنماط السلوك والتفكير التي لا تُخلْق إبداعا.
ومن جديد أورد م. محمد الشهري مقال كتبه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في صحيفة البيان له علاقة بخلق وتهيئة بيئة للإبداع من قبل القيادات وكان مما جاء فيه: “كثير من الأسئلة والتعليقات والمكالمات وملخصات الأخبار، تلقيتها وقرأتها خلال الأسبوع الماضي، كلها تدور حول التغيير الحكومي الذي أجريناه مؤخراً في دولة الإمارات ……. لماذا غيّرنا؟. نحن غيّرنا لأننا تعلمنا الكثير خلال الخمس سنوات الأخيرة، تعلمنا من أحداث المنطقة حولنا، وتعلمنا من دروس التاريخ، وتعلمنا أيضا من جهود كثيرة بذلناها لاستشراف المستقبل.
علمتنا منطقتنا، وعبر أحداث رهيبة مرت بها في السنوات الأخيرة، أن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب، الذين يمثلون أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية، هو سباحة في عكس التيار، وبداية النهاية للتنمية والاستقرار.
علمتنا منطقتنا، أن الحكومات التي أدارت ظهرها للشباب وسدت الأبواب أمامهم.. إنما سدت أبواب الأمل لشعوب كاملة، … .
نحن دولة شابة، ونفخر بذلك، ونفخر أيضا بشبابنا ونستثمر فيهم، ونمكن لهم في وطنهم، وعينّا وزيرة شابة من عمرهم، وأنشأنا مجلساً خاصاً لهم، ونؤمن بأنهم أسرع منا في التعلم والتطور والمعرفة، لامتلاكهم أدوات لم نمتلكها عندما كنا في أعمارهم، ونعتقد جازمين بأنهم هم الذي سيصلون بدولتنا لمراحل جديدة من النمو والتطور.
علمتنا السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط «الجديد»، أننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكراً وقيماً وتعليماً وسلوكاً، أن نضع له قوانين وسياسات، ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات………
نعم تعلمنا من التاريخ أهمية التسامح، ولكن جاءت الأحداث الأخيرة في منطقتنا، لتؤكد لنا أنه لا مستقبل لهذه المنطقة بدون إعادة إعمار فكري، ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً………
نعم، نحن مغرمون بالمستقبل وما يحمله.. المستقبل يحمل تغييرات عظيمة في الصحة وطرق التعليم وفي إدارة مدن المستقبل، وفي الخدمات الذكية، وفي التنقل المستقبلي، وفي الطاقة المتجددة، وفي الفضاء، ونحن وضعنا رهاننا في موجة التغييرات القادمة، واستثمرنا في أبنائنا، وتجربتنا مفتوحة للجميع للاستفادة منها.
نعم، نحن غيّرنا حكومتنا، وأتمنى أن نكون نموذجاً يمكن أن يستفيد منه غيرنا، ومعادلة التغيير عندنا بسيطة: تنمية تقوم على منظومة من القيم.. ويقودها الشباب.. وتستشرف المستقبل.. وتسعى لتحقيق سعادة الجميع.. والله الموفق أولاً وآخراً”
ومن جانبه أشار م. خالد العثمان إلى أن قضية الشباب والإبداع تأتي متزامنة مع مبادرة مستقبل الاستثمار التي نظمها صندوق الاستثمارات العامة ورفعت سقف الطموحات في التنمية والإبداع والاستثمار العالمي.. وأيضا استباقا لمنتدى أسبار الدولي في دورته الثانية والذي يتناول اقتصاد المعرفة والإبداع والابتكار والثورة الصناعية الرابعة.
ومن المهم التفريق بين الإبداع Innovation و الاختراع Invention.. هناك كثيرا من الخلط بين المصطلحين. الإبداع حالة عامة تتعلق بابتكار أو خلق شيء جديد في أي مجال كان ولا يتطلب أي تأهيل علمي أو مؤسسي مسبق، في الوقت الذي يختص فيه الاختراع بمجالات التقنية ويكون مرتبطا بالتأهيل العلمي للمخترع. الإبداع يطال كل مجالات الحياة والتنمية بينما الاختراع يكون في المعامل والمختبرات.
وأضاف م. خالد العثمان قوله: “وضع مؤسسة موهبة تحت مظلة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية هو سبب رئيسي في تركيز المؤسسة على الإبداع العلمي والتكنولوجي بعيدا عن مجالات الإبداع الأخرى.. طرحت سابقا عليهم في مناسبات عديدة إطلاق برامج لاستكشاف الموهوبين في مجالات مثل الرياضة والرسم والتصوير والشعر والقصة وغير ذلك الكثير”.
أما د. عبير برهمين فذهبت إلى أن قضية الإبداع تواجه الكثير من التحديات على مستويات متعددة. وهي للأسف محاطة بأسيجة متعددة من القوالب النمطية المنهجية والبيئية والمجتمعية والتي هي في الواقع ضد الإبداع. وقصر الإبداع على الشباب هو تهميش للفئات العمرية الأخرى ومسمار آخر يدق في نعش الإبداع. مع خالص احترامنا لمؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع إلا أنها تربط الموهبة والإبداع بالتحصيل العلمي وهذا في حد ذاته خطأ فادح. إذ ليس كل مبدع بالضرورة ذو تحصيل علمي متطور. فإذا نظرنا للأمثلة عبر العصور نجد أن المبدعين والنوابغ كانوا من فئة غريبي الأطوار والغير متميزين في التحصيل العلمي إلا أنهم نابغين بشكل مختلف في مجالات معينة.
وضربت د. عبير برهمين مثالاً للتدليل على وجهة نظرها حيث قالت: “أحد الشباب الصغار كان مهووسا بالحاسب الآلي ولديه القدرة على فهم وقراءة أي كتاب يختص بالحاسب الآلي ولو كان باللغة الإنجليزية وقادر على فهمه وإن كان بحجم كبير يبلغ مئات الصفحات. رغم أن درجاته في اللغة الإنجليزية عادية وتحصيله العلمي في بقية المواد أقل من عادي. مثل هذا الشاب أبدى نبوغا محددا وشغفا في مجال الحاسب. السؤال هو هل تتبناه جهة ما مثل مؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع. الإجابة ربما لا. وهل يستطيع أن يتخصص في دراسة الحاسب بالمرحلة الجامعية والإجابة أيضا لا إذ أن كلا المجالين يتطلبان تحصيلا علميا بدرجات محددة وهذا أحد أشكال القولبة المضادة لمفهوم التميز والإبداع.
مثال آخر دائما ما نستشهد به في تدريباتنا وربما هو ليس بجديد. أحد المصانع التي تصنع الصابون اكتشفت أن هناك خلل في التعبئة يجعل خط إنتاجها لا يعبئ العلب كلها فتنتج عدد من العلب الفارغة وكان السؤال كيف يميزون العلب الفارغة من الممتلئة. إجابة المهندسين والمختصين كانت نمطية وصبت في محاولة معالجة الخلل بأساليب هندسية مختلفة معقدة ومكلفة للغاية. في حين أن أحد العمال بالمصنع وجد حلا زهيدا يقضي بأن يسلطوا مروحة على خط الإنتاج فتسقط العلب الفارغة وتبقي الممتلئة. المغزى من القصة هو التالي:
1- أن من هم بدائرة الإبداع ليسوا بالضرورة مبدعين. أحيانا هناك أفكار بسيطة لأناس بسطاء لكنهم يفكرون بطريقة غير نمطية وهذا أحد أشكال الإبداع.
2- ربط الإبداع بالتحصيل العلمي أو بفئة عمرية معينة هو أحد صور القولبة النمطية وهي ضد مفهوم الإبداع.
3- أي فكرة مهما كانت بسيطة توجد حلا لمشكلة معينة أو تزيد من الفعالية أو الإنتاجية هي فكرة مبدعة وصاحبها مبدع.
4- أي هواية أو تصرف للشباب وإن كانت في ظاهرة خطيرة أو تترتب عليها تداعيات خطيرة لا تعني أنها بالضرورة غير مبدعة. وإنما يكمن الإبداع في توظيف هذه الهواية فيما يعود بالنفع على الآخرين فمثلا قدرات الشباب المفحطين والذين يمشون على عجلتين بالسيارات يمكن استثمار طاقاتهم ومواهبهم وتوظيفها في رياضة استعراض مهارة القيادة أو توجيههم للعمل كبدلاء لأبطال أفلام الأكشن مع ضرورة الأخذ بأساليب الحماية الشخصية وحماية الآخرين. هذا التصرف بالوضع الحالي جريمة لكنها لا تخلو من إبداع نحتاج فقط لحلول مبدعة لاستثمارها.
5- هناك فئات من الناس قد يبدون غريبي الأطوار أو ذوو مستوى تحصيلي متدني إلا أنهم يبدون مواهب أخرى في مجالات محددة. ماهي الفرص المقدمة لمثل هؤلاء لتنمية مواهبهم وإبداعهم.
6- غالبا ما يتم التطوير بشكل معاكس فيقرر الرؤساء أن آلية معينة هي الأصلح لتطوير العمل وهذا خاطئ لسببين عادة الرؤساء بعيدون عن العمل الميداني. والرؤساء يميلون لقولبة العمل بحيث يستطيع أن يحاسب الأشخاص على جوانب التقصير في الأداء. ولذلك لا نحصل غالبا على التطوير الذي ننشده والذي يبنى على حلول إبداعية تركز على الإنتاجية الإيجابية. أصغر موظف في أي منشأة قد يكون لديه الحل لأكبر معضلات هذه المنشأة إلا أنه قد لا يجرؤ على البوح بها.
7- مؤسسات وشركات التقنية والحواسيب يحرصون على اختبار أنظمتهم وبرامجهم بطرق إبداعية. فهم يتحدون المبدعين و غريبي الأطوار في إيجاد الثغرات في هذه البرامج وكيفية التغلب عليها. ويدفعون لهم مبالغ طائلة لهذا الغرض. السؤال هو ماذا لو تم تبني هذه المنهجية لتنقيح الضوابط واللوائح المنظمة للعمل في قطاعاتنا الحكومية والخاصة هل سيؤدي ذلك إلى تطوير العمل بطريقة إبداعية أكثر؟
وأضافت د. عبير برهمين أن الإبداع قد يكون بهدف إثبات الوجود من قبل فئة مهمشة ولكن لديها ما تقوله ولم تجد من يستمع لها ولكنها تريد لفت الأنظار لها ولا تريد أن تدخل في صدام. فتنتج إبداعات قد تكون فنية على شكل لوحات أو منحوتات أو مسرحية رمزية أو رواية خيالية. وقد يلجأ البعض إلى هواية جديدة غير معروفة. وهذا بحد ذاته إبداع. إلا أن الأخطر هو عندما يحتاج المبدع في مجال ما إلى تقدير ذاتي ولا يجده في بيئته فيتجه لمن يقدرها كائنا من كان. وقد برعت بعض التنظيمات الإجرامية و الإرهابية في استقطاب هذه الحالات وضمها إليهم بثمن بخس للأسف.
وفي الختام قال د. مساعد المحيا: درست مقرر حول التفكير والإبداع وبرغم جمالية مفرداته ومحتواه كنت محبطا جدا لأني لم أجد لدى كثير من الطلاب من يحمل ما في هذا المحتوى من جمال .. حتى شعرت بأن كثيرا من الطلاب اليوم قليل منهم المبدع….
طبعا خارج الجامعة نحن اليوم نستمتع بإبداعات الكثير من الشباب في صناعة أفلام قصيرة مميزة وفي إنتاج محتوى عبر السوشل ميديا جميل .. الشباب والفتيات يحتاجون فقط للتشجيع ولمناخ يستزرع ويستنبت فيه الإبداع.. يحتاجون أن يشعروا أنهم ليسوا ترسا في ماكينة ولا أفرادا على هامش الحياة.
- التوصيات المقترحة
من أبرز التوصيات حول قضية الشباب والإبداع والتي وردت في سياق الورقة الرئيسة وتم الإشارة إليها سلفاً أن الشباب المبدعون يحتاجون إلى رعاية تمكنهم من تنمية طاقاتهم وهذا يتطلب وجود خدمات متكاملة تتجه إلى اكتشاف المبدع وتطويره. وهذه الخدمات هي:
1- إقامة مسابقات دورية أو معارض علمية خاصة بالمبدعين نستطيع من خلالها معرفة، المبدعين وأعمالهم الإبداعية.
2- تشكيل لجنة من المختصين في النواحي العلمية ومن البارزين، مهمتها تقويم العمل الإبداعي لدى المبدعون الشباب في مختلف المجالات.
3- افتتاح أكاديميات للمبدعين في جميع المجالات.
4- إعداد برامج هادفة لكي تشبع في الشباب المبدع رغبة حب الاستطلاع.
5- تنمية شخصية المبدع من خلال رعايته والعناية به ، وتوفير الخدمات النفسية والتربوية والصحية والاجتماعية.
6- وجود صحافة خاصة بالشباب، تنقل المستجدات من كل مكان من أجل مساعدة المبدعين في مواكبة ما يجري حولهم، وكذلك وجود مجلات علمية يساهم المبدعون في الكتابة فيها.
7- الحرية في إبداع ما يرونه مناسباً لهم ويعود على المجتمع بالفائدة.
8- الحاجة للتعبير الابتكاري.
9- الحاجة إلى الانتماء.
10- الحاجة إلى المنافسة.
11- الحاجة إلى الشعور بالأهمية.
12- استثمار إبداعاتهم وتوظيفه.
والحياة لكي تستقيم لابد أن تكون تبادلية، فلك حق وعليك حقوق .
لذلك يأتي دورنا وحاجاتنا تجاه هؤلاء الشباب ، فماذا نريد من المبدعين؟ نحن نريد منهم ما يتوافق مع حاجة المجتمع وما يتناسب مع قدراتهم كالآتي :
1- توظيف طاقاتهم توظيفا إيجابيا نحو الإبداع والجهد الخلاق.
2- تحمل مسؤوليتهم نحو مجتمعاتهم.
3- إحساسهم بأهمية ما يقومون به لمستقبلهم ومستقبل أوطانهم.
4- العمل الجاد المواكب للتطلعات والآمال.
5- عدم الاستسلام للمعوقات والعقبات التي قد تعترضهم رغم الجهد لتوفير ما يلزم.
6- السعي للتغيير البناء والانعتاق من الأفكار النمطية العميقة.
وبالإضافة إلى التوصيات السابقة فقد ركز م. خالد العثمان على أهمية التواجد الإقليمي والمناطقي لجهود استكشاف واستقطاب الموهوبين؛ فلا يصح أبدا مركزة كل الجهود التنموية في العاصمة والمدن الرئيسة.
وفي السياق ذاته وفي الحديث عن مأسسة الإبداع من المهم الإشارة إلى التجربة الكورية على وجه الخصوص .. كوريا الجنوبية بالرغم من موقعها المتقدم عموما في الصناعات التقنية قررت حكومتها أنهم متأخرون في مجال الإبداع فأقرت تأسيس وزارة للإبداع هدفها ومهمتها تحفيز وتشجيع الإبداع والابتكار في كل المستويات والمؤسسات التعليمية والمجتمعية وغيرها.. هذه تجربة تستحق التمحيص والمراقبة وتجيب على تساؤلاتنا حول انحسار الدور الذي تقوم به مؤسسة موهبة مناطقيا أو تخصصيا أو قطاعيا.
وأكدت د. هند الخليفة على أهمية التفريق بين الإبداع والاختراع. فالإبداع يمكن أن يظهر في كل جانب من جوانب الحياة، ولسنا بحاجة إلى شهادات علمية لنبدع…بل إلى تقدير العقل والإيمان بالتجديد. كذلك فإن القدرات الهائلة التي يملكها العقل البشري بحاجة إلى عناصر قيمية ومادية لكي تنطلق.. وقد أظهرت الدراسات أن التعليم في الدول التي تركز على القيم الوجدانية، كان من أهم مخرجاته المبدعين الذين تميزوا على مستوى العالم في إنتاجهم الفكري والعلمي. ويثبت ذلك أن العقل البشري جزء من منظومة متكاملة.
المنهجية الشمولية المتكاملة هي الطريق إلى إبداع شبابنا. أيضا فإن مؤسسة واحدة لا يمكن أن تفي بالغرض وتغطي الاحتياج، يمكن أن تقوم بدور متخصص في مجالات محددة، كما هو في الحال في موهبة…ويفترض أن تكون هناك مؤسسات أخرى، أولها المدارس والجامعات… ترعى المواهب وتكتشفها وتغذيها، كجزء من الروتين اليومي.
واتفقت أ.د فوزية البكر مع هذا الطرح السابق وأضافت أن المناطق النائية أو تلك التي خارج المناطق الحضرية في الغالب تعاني من عدم وجود خدمات كيفية فيها وهذا طبعا موضوع مهمل تماما من قبل الباحثين.
ويرى م. محمد الشهري أنه و للأسف فإن الرعاية الحالية للمبدعين أو الموهوبين تتركز بشكل أساسي على العلوم والرياضيات والطب وما شابهها. بينما مجالات الإبداع رحبة في الفنون والرسم والكتابة والموسيقى (العلوم الإنسانية) إن جاز التعبير … لذا، فالحاجة ملحة للكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة لرعاية ودعم هؤلاء المبدعين المتميزين (الخاصين).
كذلك فإن الإبداع والموهبة The giftedness and creativeness يجب التعامل معها بشكل خاص خارج إطار التعليم العام التقليدي.. فهؤلاء نخبة أو نوعية خاصة تحتاج إلى رعاية وأساليب متخصصة لتنمية مواهبهم وتطوير إمكاناتهم ؛ عدد لا بأس به من العباقرة والمبدعين خلال التاريخ لم يظهروا من العملية التعليمية التقليدية.
أما د. نوال الضبيبان فقالت: للأمانة يوجد خدمات كثيرة في المجتمع من الممكن أن يستفيد منها أي إنسان جاد وصادق في موهبته ولكن هي للنخبة فقط ؛ ومع الأسف الإشكالية مع الطالب العادي ذو القدرات العادية ، التعليم لدينا لا يدعم الإبداع بالشكل المطلوب، ومن المهم أن يهتم بذلك في المستقبل.
من أهم الأمور التي يجب مراعاتها في التعليم اليوم في مدارسنا هي كيفية تأهيل المدرس وكيفية تدريس المدرس للطلبة ونوعية الاختبارات التي تقدم لهم؛ لأن هذا هو مربط الفرس؛ وهذا هو ما يصنع الفرق.
المفروض يكون التركيز على تنمية مهارات وإمكانيات الطالب في كيفية البحث عن المعلومة وإيجادها ومن ثم تطبيقها في الواقع أو تقيمها والتعديل عليها أما عملية الحفظ والاسترجاع فلا معنى له؛ معظم الاختبارات في أمريكا Open Book ، أو Take Home Exam .
والمفروض كذلك أن التعليم هو الذي يقود المجتمع بناء على احتياجات المجتمع ووفق ثقافته وأديباته، حقيقة نحن نستحق الأفضل، أكرمنا الله بأحسن وأجمل دين، وأسكننا الله أجمل وأحب البقاع إليه.
من الضروري جدا ربط الإبداع بالتعليم ، ويجب إدخال منهجية التفكير الإبداعي ومراحل التفكير العليا في مناهج التعليم وآلية تقييم الطالب… الخ وبدونه لا يكون هناك تعليم أصلا.
الموهوبون نعمة عظيمة وثروة لا تقدر بثمن وهم الذين يقودون الدولة إلى التحضر والريادة؛ لذلك وجب بذل أقصى الجهود لرعايتهم.
وأضاف م. خالد العثمان أنه و بالرغم من أن الحديث هو عن الإبداع والابتكار إلا أن من المهم إثارة الحديث عن التعليم ودوره في تحفيز الإبداع.. فطالما استمر أسلوب التلقين في التعليم فلا سبيل إلى تنمية ملكات الإبداع والابتكار لدى النشء.. التعليم هو مفتاح تغيير الثقافة الجمعية ، وهو مفتاح تغيير قناعات المجتمع عبر خلق جيل جديد واعٍ ومتنور.
وفي ذات الإطار، ترى د. عبير برهمين أن ثقافة التغيير في المجتمعات من أكثر الملفات تعقيدا وليس هناك طريقة واحدة هي أكثر نجاحا من غيرها. بل هناك مصفوفة من الوسائل والطرق التي يجب أن تسلك في هذه المسيرة والتي تستدعى أن تطرق أبوابا وسبلا تبعا للنتائج المحققة في كل مرحلة. والتسويق لبعض المفاهيم الصعبة في مجتمع ما مثل الإبداع وحدوده وريادة الأعمال والملكية الفكرية والاقتصاد المعرفي تتطلب تضافر الكثير من العقول والجهود المنظمة في أكثر من اتجاه وفي آن واحد لنرى ثمار مبكرة.
وفي ظن أ. سمير خميس فإن الإبداع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسقف الحريات أياً كان أشكالها.. فكلما ارتفع هذا السقف ارتفعت أشكال وأنواع هذا الإبداع.. كما أنه يرتبط ارتباطاً بمستوى الطبقة المعيشية، فلقمة العيش تبقى الهاجس الذي يغني الفقير عن أي إبداع فيما طبقة الأثرياء تميل لاستهلاك هذا الإبداع لتبقى الطبقة المتوسطة هي المنوطة به الحاملة للوائه.
وفي تصور د. زهير رضوان فإن مشوار التنمية البشرية يبدأ بالاهتمام بعقول الأطفال وتنمية قدراتهم لمواكبة العصر ولخدمة الوطن والبشرية جمعاء ؛ وإبداع الشباب يبدأ بتربية الأجيال على التحليل المنطقي واحترام حقهم في التساؤل وإيجاد الإجابات الصادقة وهنا يأتي دور التعليم و الأهل وضرورة تثقيفهم وتوعيتهم بخطورة الدور الذي يقومون به للفرد والمجتمع ….. إن صلحت صلح الفرد وإن فسدت فسد المجتمع ؛ كما أن ثقافة الحوار وحرية الرأي والتعبير عن النفس يؤدي بالفرد إلى زيادة في معرفة الفرق بين جودة المحتوى المعرفي وبين الفراغ الذي لا فائدة منه سوى إضاعة الوقت ؛ ولصناعة شباب مبدع لابد من تربيتهم وتوعيتهم بأهمية الوقت وضرورة استثمارهم للوقت بحيث يكون الكيف أهم من الكم والنتائج أهم من المتابعين .. فغرس ثقافة احترام الوقت وجودة المحتوى في عقول الشباب هو بحد ذاته إبداع في تربية الأجيال القادمة.
المحور الرابع
كأس العالم.. وصورتنا في الخارج
الورقة الرئيسة: أ. عبدالله الضويحي
في كل أربع سنوات تتنافس حوالي 210 منتخبات وطنية (أعضاء الأمم المتحدة 193 دولة) للفوز بشرف الوصول لنهائيات كأس العالم لكرة القدم التي تستضيف فيها إحدى الدول 32 منتخبا من تلك المنتخبات بعد تنافس ماراثوني على مدى سنتين و 8 أشهر.
بدأت كأس العالم عام 1930 بـ 13 منتخبا وتنامت كما وكيفا وظلت منتظمة كل 4 سنوات عدا 1942 و 1946 بسبب الحرب العالمية الثانية.
في عام 2002 بدأ الفيفا بيع حقوق النقل التلفزيوني لكأس العالم حصريا لشركة واحدة فحدث انقلاب كبير في مفهوم كرة القدم من فكرة نشر اللعبة وتمتع المشاهدين بفنونها إلى فكرة ادفع من أجل أن تشاهد.
لقد تحولت كرة القدم إلى صناعة ليس في إعداد اللاعب والفرق ولكن أيضا في استثمارها كحدث يدر مداخيل كبيرة ويسهم في تنمية اقتصاديات الدول سواء المشاركة أو المستضيفة بل تحولت إلى ثقافة في حد ذاتها.
وأصبحت الدول تتسابق على استضافتها لأهداف دعائية أو اقتصادية في الغالب أو لأهداف سياسية كما حصل في الأرجنتين 1978 ودور السي أي إي في النتيجة وما أثير حولها.
سأتوقف عند بعض الأرقام حول كأس العالم:
– 1970(المكسيك) بدأ النقل التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية.
– 1978(الأرجنتين) بيع حقوق النقل لأول مرة بـ 34 مليون دولار.
– 2002 (اليابان وكوريا) بيع الحقوق لشركة واحدة (مشفرة) بمليار دولار
– 2014(البرازيل) بيع الحقوق بـ 4 مليار دولار.
– بلغت أرباح الفيفا من مونديال (البرازيل 2014) حوالي 2.6 مليار دولار فيما جاوزت عائدات الدولة المضيفة 10 مليار (جنوب أفريقيا 2010 حوالي 5 مليار).
– يقدم الفيفا جوائز مالية للمنتخبات المشاركة والفائزة تصل إلى نصف مليار دولار حيث يحصل كل منتخب يشارك في النهائيات على 2 مليون لإعداده و 10 ملايين مقابل مشاركته ويزداد المبلغ كلما تقدم خطوة في البطولة.
– 213 دولة تتابع كأس العالم على الهواء مباشرة.
– 3.6 مليار مشاهد يتابعون كأس العالم (أكثر من نصف سكان الأرض).
هذه الأرقام تضعنا أمام حدث غير عادي لا نستغرب حرص كل الدول على الوصول إليه.
المنتخب السعودي وصل لنهائيات كأس العالم 5 مرات وهو رقم جيد لم تصل إليه كثير من الدول. لكننا هذه المرة وصلنا والمملكة تحمل هوية واضحة ومحددة بدأت منذ الإعلان عن رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 مرورا بالعديد من القرارات سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي التي أعادت تشكيل هويتنا وثقافتنا ومشاريع استثمارية وضعتها في دائرة الضوء كمشروع البحر الأحمر و(نيوم) واستضافة المملكة لقمة الدول الـ 20 في عام 2020 وغيرها من المشاريع التي جعلت من المملكة قبلة استثمارية ووجهة حضارية لعالم معاصر.
هذه الحالة تتطلب أن نستثمر كل فرصة متاحة لنقدم أنفسنا للعالم على حقيقتنا دولة معاصرة تسابق الزمن دون أن تتخلى عن قيمها ومبادئها السامية.
كأس العالم ووفقا للأرقام التي أشرت إليها قبل قليل فرصة لا تتاح لكثير من الدول بل تتمناها وعلينا أن نستثمرها لنقدم أنفسنا كما نحن وكما نتطلع أن يرانا الآخر.
إلى جانب الاهتمام بإعداد المنتخب إعدادا فنيا لائقا بحيث يظهر بصورة مشرفة لعلي أطرح هنا بعض الأفكار التي تترجم عنوان القضية الحالية:
1- تكوين فريق عمل على مستوى عال من المتخصصين يرتبط مباشرة بمعالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة لرسم سياسة المشاركة وأبعادها والاهتمام بها عمليا وليس مجرد تقارير صحفية تشيد بما تم إنجازه.
2- الاهتمام بتعويذة (تميمة) المنتخب باعتبارها تمثل هويته بعيدا عن النمط الكلاسيكي الذي تعودناه (الثوب والغترة) بحيث تكون معبرة عن المرحلة التي تعيشها المملكة وأن تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
3- أن تكون رؤية 2030 وشعارها الراعي الرسمي للمنتخب هذه الرعاية ستثير حولها العديد من التساؤلات مما يفتح الآفاق للتعريف بها وأهدافها وشرح أبعادها.
4- إقامة مركزين إعلاميين متكاملي الخدمات أحدهما مؤقت في المدينة التي سيلعب فيها المنتخب والآخر رئيس ودائم في موسكو حيث الافتتاح والختام ومباريات المنتخب الروسي.
5- إعداد حقيبة إعلامية تحتوي على كتيبات ومطويات وأشرطة (سي دي) مختصرة جدا باللغة العربية والإنجليزية والروسية عن مظاهر النهضة والتطور في المملكة والمشاريع الاستثمارية ورؤية 2030 وبرنامج التحول لتوزيعها وعرضها هناك في المركز الإعلامي تشارك في إعدادها ودعمها جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص كل فيما يخصه.
6- تقديم عروض فنية وفلكلورية وثقافية لتوضيح الوجه الآخر لثقافة المملكة.
7- الاستفادة من الشباب السعوديين المتميزين الدارسين في روسيا وأمريكا القادرين على التحدث والشرح عن صورة المملكة من الداخل ونقلها للخارج.
بقي التأكيد على نقطة مهمة:
أن ندرك أن المشارك في كأس العالم ليس المنتخب السعودي وإنما المملكة العربية السعودية وبالتالي أن تكون مشاركتنا كدولة بحجم ومكانة المملكة أكثر منها كفريق كرة قدم.
التعقيب الأول: د. إبراهيم البعيز
تشير كثير من الكتابات (الأكاديمية والمهنية) في الدبلوماسية العامة إلى المشاركة في المناسبات الرياضية كأحد العناصر الأساسية والمهمة في منظومة الجهود الاتصالية لبناء الصورة الإيجابية للدولة، ولتعزيز فرص التفاهم والتعاون بين الشعوب.
فالمناسبات الرياضية تحظى بمتابعة جماهيرية لم تستطع الأفلام الحديثة ولا الأخبار المثيرة منافستها. حيث تجاوز عدد مشاهدي دورة الألعاب الأولمبية وبطولة كأس العالم 3 مليار مشاهد. هذا الزخم والاهتمام العالمي نابع مما يتمثل في الرياضة من قيم إنسانية مشتركة مثل العزم والجدية والإصرار على التميز والمنافسة والفوز، لذا تحرص الدول على الدخول في هذه المنافسات وتستثمرها كمنفذ اتصالي تقدم به نفسها وإنجازاتها، أو على الأقل لتسجل حضورها على المستويين الإقليمي والدولي، كما تتنافس دول أخرى على استضافة الفعاليات الرياضية لما لها من قيم مضافة في الجوانب الاقتصادية والإعلامية والثقافية.
هذا من الجانب النظري، لكن القراءة المتأنية لكثير من التجارب الإقليمية والعالمية قد تعطي صورة أقرب إلى الواقعية وأقل إشراقا مما يأمله المخططون لهذه المشاركات الدولية. فكل ما قيل من أهمية للرياضة ودورها في التقريب بين الشعوب والثقافات لا يزال يراوح في منطقة التمني والمثالية. فالتجارب من مختلف القارات خلال نصف قرن مضى تشير إلى أن الخلافات لم تقتصر على السياسة والقائمين عليها بل انتقلت إلى المستوى الشعبي بصورة سلبية جدا. (السلفادور وهندوراس 1970، الصين واليابان 2004، فرنسا وإيرلندا 2009، مصر والجزائر 2009، دوري كاس الخليج منذ بدأ).
التفاؤل والنظرة الإيجابية مطلوبة هنا، خاصة وأننا نتأهل لتصفيات كأس العالم 2018، والتي تقام في دولة عظمى، وللتو فتحنا معها بحزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم صفحة جديدة في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية. لكن النظرة الموضوعية تحتم علينا إدراك الآتي:
- لا يمكن رسم صورة جميلة بفرشاة واحدة، بمعنى أن مشاركة في البطولات العالمية، يفترض أن يسبقها و/أو يتزامن معها جملة من المبادرات في الدبلوماسية العامة، لتجاوز كثير من المغذيات للصورة والانطباعات السلبية عن المملكة.
- جمال الصورة مرتبط بمكونات الحائط ، بمعنى أن الصورة التي ستكون عن المملكة في هذه المشاركات سترتبط بالسياق العام لصورة المملكة في الإعلام أو في الذاكرة الشعبية في دول العالم، خاصة فيما يتعلق بالمساحة المتاحة للمرأة السعودية في المجال الرياضي، وعلينا أن نتذكر التناول الإعلامي لمشاركات المملكة في الألعاب الأولمبية.
التعقيب الثاني: أ. عبدالمحسن القباني
باتت مسابقة كأس العالم لغة اتصال دولية تفهمها شعوب العالم من دون الحاجة إلى التمكن من لغة مشتركة.
يشير باحثون إلى إمكانية استخدام البطولة والرياضة عموما في عوامل الدبلوماسية الثقافية Sports as cultural diplomacy خصوصا للدول المستضيفة المنظمة للمسابقة حيث تسلط عليها الأضواء منذ الظفر بفوز التنظيم قبل سنوات وليس فقط حين مشاركة منتخبها الوطني في المباريات.
في الحالة السعودية في روسيا ٢٠١٨ فنحن أمام فرصة جيدة للاتصال الثقافي. السعودية لن تكون قصة لافتة بحد ذاتها إلا في حالتين: حقق المنتخب نتائج مبهرة تحظى بإعجاب أو تحقيق نتائج رديئة تجلب التندر ( من ينسى من محبي الكرة حول العالم ثمانية ألمانيا في ٢٠٠٢ ). مع أن الأحداث السيئة هي أحداث جيدة أحيانا حيث ستلفت الأنظار إليك في كلا الحالتين.
النتائج الجيدة تشمل التقدم في مراحل المسابقة، أو تسجيل أهداف خالدة لا تمل شعوب الأرض من مشاهدتها، أو بعض السلوكيات الحسنة من اللاعبين في داخل الملعب أو خارجة. في هذا الصدد وزعت الفيفا قبل أيام جوائز الأفضل في العالم وشملت أفضل لاعب و مدرب و جمهور وهدف ولعب نظيف. حقق لاعب توغولي اسمه فرانشس كونيه Francis Koné جائزة اللعب النظيف لعام ٢٠١٧ حينما أنقذ حياة حارس مرمى الفريق المضاد بعد اصطدام عرضي نتيجة المنافسة على الاستحواذ على الكرة. رصد العالم الحادثة و تناقلتها الوسائل و التواصل على الرغم من أن المباراة كانت مغمورة و لا يلتفت لها أحد. (لمشاهدة الحادثة:https://www.youtube.com/watch?v=_G3g25dIlJs)، كيف سيكون الأثر لو حانت فرصة للظهور بسلوك مشرف و العالم يتابع؟
اختم مشاركتي بالتوصيات التالية:
1- إلزام اللاعبين والطواقم بورش عمل في مجالات العلاقات العامة وزيادة استيعاب أهمية التجمع على صورة المملكة تكون جنبا لجنب لإعداده البدني و الفني و النفسي.
2- التواصل مع وسائل الإعلام غير السعودية لفتح المجال لها لتسليط الضوء على قصص لافتة ذات ارتباط بالبطولة. مثلا – وليس للحصر – قصة كيف ساهمت الرياضة في فتح باب التجنيس في السعودية وذلك من خلال اللاعب الصومالي الأصل مختار علي الذي ولد في السعودية ويلعب في إنكلترا ومثل منتخبها للفئات السنية. بالإمكان تسخير اللاعب للتعامل مع الصحافة الإنكليزية تحديدا لكتابة بروفايل عنه و عما إن كانت الآمال معقودة عليه. و كذلك التواصل مبكرا مع قناة روسيا اليوم باللغة العربية والتي تحول القصة إلى لغات أخرى تشمل الإنكليزية و الروسية.
3- القيام بزيارات للمستشفيات و للمدارس وللجمعيات الخيرية الروسية.
4- إنتاج فيديو تعريفي بقوالب مبهرة عن المملكة و يوزع على الفيفا و وفود المنتخبات المشاركة ووسائل الإعلام و معلقي المباريات وينشر على وسائل التواصل.
5- الاهتمام بسلوكيات الجمهور الجماعية تحديدا رابطة التشجيع و عدم احتكاكهم السلبي مع جمهور المنتخبات الأخرى، إضافة إلى حسن ظهورهم الجماعي في المدرجات.
6- لا يسمح الفيفا بتوظيف الشعارات السياسية على القمصان الرياضية و لذلك من المستبعد السماح بوضع الشعار على القمصان ولكن بالإمكان توظيف الرؤية ومنجزات المملكة في أعمال اتصالية أخرى.
المداخلات حول القضية:
- المشاركة بكأس العالم وفرص تحسين صورتنا الذهنية في الخارج
أشارت د. نوف الغامدي إلى أنه من الثابت أن ربع القرن الأخير قد شهد تزايدا ملحوظا في أهمية الألعاب الرياضية وفى طبيعة الدور الذى تلعبه كعامل مؤثر في العلاقات الدولية ويرجع هذا التزايد إلى تفاعل عاملين:
- أولهما: تطور تكنولوجيا الاتصال الدولي، مما أتاح للجمهور فرصة متابعة الأنشطة الرياضية في مختلف أنحاء العالم في الوقت ذاته.
- وثانيهما: تطور ورسوخ التنظيمات الدولية العاملة في ميدان الألعاب الرياضية، ونجاح تلك التنظيمات في وضع قواعد محددة لممارسة تلك الألعاب تطبق في كل دول العالم، مما أدى إلى بروز ظاهرة ـ وحدة الأنشطة الرياضية عبر الحدود السياسية الدولية.
تؤدى الألعاب الرياضية مجموعة من الوظائف الاجتماعية والسياسية الهامة بل وتلجأ بعض الحكومات إلى الاهتمام الشديد بالألعاب الرياضية لأنها تؤدى وظائف لا يمكن أن تؤديها أي أدوات أو تكوينات اجتماعية أخرى بالكفاءة ذاتها ولعل من أهم تلك الوظائف أن الألعاب الرياضية تسهل عملية الاندماج الاجتماعي على مستويين:
– مستوى الفرق الرياضية.
– مستوى الجماهير.
فالفريق الرياضي يتألف على أساس معيار الكفاءة الرياضية وحدها، ومن ثم، فإن الفريق كثيرا ما يضم أفرادا ينتمون إلى أقاليم، وطبقات مختلفة يعملون معا لتحقيق هدف محدد وفقا لقواعد معترف بها.
كذاك تسهل الألعاب الرياضية عملية الاندماج الاجتماعي حين تتنافس الفرق الرياضية القومية مع فرق رياضية أجنبية، إذ تتحد الجماهير، بصرف النظر عن انتماءاتها.
الألعاب الرياضية تستخدم كأداة للدعاية السياسية الدولية، فمن خلال توظيف الألعاب الرياضية تستطيع الدولة أن تظهر لباقي دول العالم مدى قوة مواردها البشرية.
قد تستخدم بعض الدول مشاركتها أو عدم مشاركتها في بعض الألعاب الرياضية كأداة لتحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية بدول أخرى ويظهر استخدام المشاركة في الألعاب الرياضية كوسيلة لتحسين العلاقات في حالتي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فكثيرا ما حاولت الدولتان أن تحسنا علاقاتهما بالدول الصغيرة المجاورة من خلال الألعاب الرياضية بإقامة المباريات الرياضية مع تلك الدول وتعمد خسارة تلك المباريات أو على الأكثر التعادل فيها فإن الدولة العظمى تدعم من الكبرياء الوطني للدولة الصغيرة المجاورة وتخلق المناخ الذى يؤدى إلى طمأنتها إلى حسن نوايا الدولة العظمى ـ وبالتالي تحسين العلاقات معها.
كما أن الألعاب الرياضية وسيلة لتحسين العلاقات بين الدول وهذا ما يتعلق بقضيتنا عن المشاركة في كأس العالم. إن المشاركة يجب أن تُستثمر لإيضاح وإيصال صورتنا الحقيقية في الخارج وتمثيل السعودية كما يجب من خلال المشاركة الإيجابية وإظهار الصورة السعودية كما يجب والترويج للرؤية 2030 والمتغيرات ومستقبل الاستثمار والصورة الحقيقية للهوية السعودية الجديدة فمشاركتنا في كأس العالم فرصة إعلامية فاخرة من الاتصالات المؤسسية لنقل ما يحدث هنا بصورة تليق بِنَا، الرياضة رسالة يجب أن تصل كما يجب من خلال الأخلاق المهنية للاعبين والفعاليات المصاحبة والإعلانات عن الرؤية وقد تستغل لنقل صورة المملكة الحديثة .
في حين عقب أ. عبدالله الضويحي على ما ورد بالتعقيبات بأن السياسة لها دور كبير في بعض الأحداث الرياضية وقد تم الإشارة في الورقة الرئيسة إلى تنظيم الأرجنتين لمونديال 1978 ودور السياسة وتحديداً السي أي إيه وهنري كيسنجر على وجه الخصوص في ذلك وفي فوزها به. ولم تخل كأس العالم في بدايتها من تأثير السياسة عليها. وبالتوقف عند بعض الأحداث التي وردت في تعقيب د. إبراهيم البعيز يمكن الإشارة إلى ما يلي:
– الهندوراس و السلفادور 1970 كان السبب سياسياً وخلافات سبقت المباراة وكانت المباراة الفاصلة بينهما على أرض المكسيك شرارة استثمرت لشن الحرب التي استمرت 4 أيام وسميت حرب الـ 100 ساعة وراح ضحيتها الآلاف.
– فرنسا و إيرلندا 2009 هدف غير شرعي تأهلت بسببه فرنسا إلى مونديال جنوب أفريقيا 2010 وانتهى الحدث ولم يكن هناك أي تبعات.
– مصر و الجزائر 2009 فهي امتداد للصراعات بين الطرفين وتأكيد انعدام ثقافة المنافسة وكان للإعلام دور كبير في حدوثها ومن ثم تصعيدها بعد انتهائها.
– ما يتعلق بتوضيح دور المرأة والاهتمام بها يفترض أن يرد ذلك ضمن الأفلام القصيرة والمطبوعات والمعارض بالإشارة إلى:
– وجود وكيلة لرئيس الهيئة.
– وتعيين رئيسة لأحد الاتحادات الرياضية.
– والترخيص للأندية النسائية.
– وإقرار رياضة البنات في المدارس.
– وغير ذلك.
ومن ناحيتها قالت د. زينب إبراهيم: في عصر تقنية النانو ودراسات الفضاء وعلم الدراسات المستقبلية ، كيف نتحرك ونتصرف؟ نحن نعلم أن الثقافات الأكثر حيوية والأعظم تأثيراً ، هي التي بسطت كفها لمواجهة الحياة وإشكالياتها ، وهي التي لم تدعي امتلاك الحقيقة ، ولم تغلق نوافذ الحوار مع الآخر ، بل تسعى بصمت لاحتواء مستجدات الحياة وتتوحد مع الواقع للبحث عن إجابات لمزيد من الأسئلة التي لا ينقطع خيطها ، والعالم الآن اختلفت معاييره وكوننا مجتمع عاش غربة وتكتم على حياة لم يستطيع التعرف عليها لفترة طويلة كان فرحنا مضاعف لوصولنا لمونديال كأس العالم :
في الطريق إلى كأس العالم،،
أرض مبللة بالعشق،،
موال عراقي حزين،،
طائرة تطارد الشمس،،
غيمة ترتدي فستان الأمنيات.
سأبدأ من حيث انتهى الحديث حيث حمى التنافس للفوز بلقب الأفضل يدفعني دائماً للتساؤل عن ماهية هذا المسمى بالأفضل ذلك المحصور بين فجوة الخيال وصخرة الواقع، ومفاهيم الأفضل تغيرت قد تكون العمل الاحترافي والإخلاص في العمل أو الصورة الذهنية التي تصنعها لدى الآخر بكل دقة ، إن أحوج ما نحتاج إليه إعلام يعكس صورة متحضرة عنا، وهذا لا يأتي اعتباطا إنما بالتخطيط الجيد ، واعتبر اللاعبين سفراء للبلد لذلك السفير لابد أن يمثل ثقافة بلدة، هنا افتح نافذة للتساؤل :
ما مدى ثقافة اللاعبين لدينا؟
وهل تثقيف اللاعبين رفاهية أم ضرورة ملحة ؟
وما هي الصورة التي نريد رسمها وإظهارها للعالم عن اللاعب السعودي؟
هذه التساؤلات نوع من الاحتجاج الناعم الهيّن الليّن الذي لا يخدش شعور أحد ولكن يحرضه على الإمساك بالأفكار.
وبدورها أشارت د. عبير برهمين إلى أن الحوار استفزها في نقطتين مهمتين هما: مشاركة المرأة وإعداد مواد إعلامية ترويجية عن المملكة. أما الأولى فإنها كامرأة تعترض على مبدأ الزج بالمرأة في كل مجال بصورة لا تليق بها. فهي إما “جوهرة مكنونة” يجب أن يقفل عليها جيدا وتوضع في علبة مغلقة بحرص للحفاظ عليها أو سلعة يزج بها لنضمن الاستمرار في مشاركة فرق الرجال في كأس العالم أو في الأولمبياد. والسؤال هو وماذا عن المرأة كإنسان يتمتع بنفس الحقوق والواجبات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية؟ ماذا عن المرأة الإنسان كرمز حقيقي للإنسانية “لا يكرمهن إلا كريم ولا يظلمهن إلا لئيم” و كدليل على الرقي في التعامل والأخلاق “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”؟. نعم لمشاركة المرأة في المجال الرياضي الذي يناسبها وتختاره هي بلا فرض عليها. نعم لمشاركة المرأة وتمكينها في رياضات لا تحملها مالا تطيق ولا تخدش قيمها وحشمتها وقوتها البدنية.
ويرى م. حسام بحيري أن الرياضة وفعالياتها ليست حكرا على الذكور. النساء لهم حق ممارسه أي نشاط رياضي يناسبهم سواء كان احترافي أو كهواية أو نشاط. مجتمعنا الكروي في المملكة ذكوري بحت وهو إحدى النشاطات القليلة التي لا نجد للمرأة حضور والحديث هنا ليس عن ممارسة النشاط الكروي النسائي الذي هو حق لهم على أي حال ولكن الحديث عن مشاركة المرأة في الفعاليات المساندة للنشاطات الرياضية سواء كان إعلامي أو ثقافي أو مؤسساتي. كأس العالم سيكون فرصة مناسبة للمشاركة النسائية السعودية خصوصا أننا في المرحلة الحالية نعيش عام المرأة السعودية. الملاحظ أن الإعلام الغربي خفف هجومه الموجه ضد السعودية منذ تم السماح للمرأة بالقيادة.
في محفل كبير مثل كأس العالم حيث نحتاج للبروز إعلاميا ونشر ثقافتنا من المتوقع أن الإعلام الدولي سيتعامل مع المرأة السعودية بإيجابية أكثر لأنه سيسنح لها فرصة أكبر لإظهار نفسها والمساهمة في نشر ثقافتنا عالميا بصورة إيجابية.
أما د. مساعد المحيا فيرى أن أهم ما في المشاركة هو ظهور المنتخب بمستوى رياضي جيد وبتحقيق نتائج جيدة .. يضاف لذلك ما يبدو من سلوك للاعبين أثناء المباريات حيث تنقل الشاشات ما يجري علي المسطح الأخضر.
ويبدو أن هناك حراكا رياضيا كبيرا نشهده هذه الأيام غايته حشد كل المؤسسة الرياضية والمشهد الرياضي ليكون مع المنتخب في المونديال بدلا من حالة عدم الاتفاق. وهذا الأمر يلاحظ اليوم أنه أصبح مظهرا شائعا وهو ما تحتاجه الرياضة بعد حالة من الانفلات الإعلامي الرياضي عاش الناس خلالها انحدارا وسبابا وشتما بين عدد من الإعلاميين الرياضيين.
لذا فإن الذهاب لكاس العالم بمشهد يحمل تجانسا طيبا بين الرياضيين والإعلاميين لأجل الوطن هو من المكاسب الجيدة التي تجعل الجمهور يغلب المصالح العليا للوطن فوق المصالح الصغيرة والانتماءات للأندية .
- التوصيات المقترحة
أكد د. إبراهيم البعيز على ضرورة العمل على جملة من المبادرات لتسبق أو تتزامن من المشاركة من أجل تجاوز كثير من المغذيات للصورة والانطباعات السلبية عن المملكة، ولعل من أهمها ما أشار إليه أ. عبدالمحسن بــ “إلزام اللاعبين والطواقم بورش عمل في مجالات العلاقات العامة وزيادة استيعاب أهمية التجمع على صورة المملكة ، جنبا لجنب مع إعدادهم البدني و الفني و النفسي”.
لكن الأهم الابتعاد عن كل شيء له علاقة بالحكومة والسياسة – لأننا لا نريد أن تكون جهودنا على المستوى الشعبي مجرد ترديد لما تقوم به الحكومة Gov Propaganda التي تجاوزها الزمن بسنوات ضوئية، فما بالك في مناسبات تحرص على الابتعاد عن الحكومات وسياستها. وتوضيح ذلك أنه وقبل عصر التقنيات الحديثة وذوبان الحدود الثقافية بين الدول، ظهرت قيم ومعايير جديدة في المجتمع الدولي، كنّا في السابق نقاوم هذه المعايير بحجج الخصوصية أو بادعاءات عدم القبول الاجتماعي لها ، كنّا نرفض حتى الحديث عن حقوق الإنسان والآن لدينا جمعية وهيئة لها ، كنّا نرفض الحديث عن الفساد والآن لدينا هيئة ولجنة عليا لمكافحته ، كنّا نرفض توسيع محالات عمل أوسع لبناتنا خارج الصحة والتعليم والآن كل يوم يفتح منفذ جديد لها ، كنّا نرفض الفعاليات الترفيهية والآن لدينا هيئة معنية به وإعلانات الفعاليات تتسابق إلى هواتفنا النقالة.
مشاركة المرأة في الأنشطة الرياضية محليا وإقليميا وعالميا ملف يجب الانتهاء منه بما يجنبنا الإشكالات التي نحاول أن نتجاوزها بدبلوماسيتنا الرياضية – محاولات التهرب أو القبول على استحياء لم يعد لها مكان أو وقت في زمن الفضاءات الافتراضية وتسارع القرارات. الممانعة ليست دينية إلا إن كنّا نعتقد أننا الدولة الإسلامية الوحيدة في هذا العالم.
وأوضح أ. عبدالله الضويحي فيما يتعلق بالإعلان والشعارات السياسية التي أشار لها أ. عبدالمحسن من المهم التنويه إلى أن الفيفا يمنعها على القمصان أثناء المباريات لكن خلال التمارين والتنقل والسكن ورعاية المنتخب فليس هناك ما يمنع ومن هنا يأتي اقتراح بأن تكون رؤية 2030 راعياً رسمياً للمنتخب كماهي الخطوط السعودية الآن كناقل رسمي وغيرها.
وفي تصور م. حسام بحيري فإن واحدة من أفضل الأشياء التي نستطيع أن نعملها لتحسين صورة المملكة في كأس العالم هي مشاركة المرأة السعودية بشكل لافت وملحوظ في الفعاليات. نريد العالم أن يرى نساء سعوديات متعلمات مواكبين لعصرهم الحالي وفي نفس الوقت محافظين على تقاليدهم العربية الإسلامية وإثبات أن التطور والتحديث الاجتماعي في مجتمعاتنا لا يعني التغريب.
في حين أكد د. خالد بن دهيش على أهمية حُسن اختيار أعضاء وإدارة المنتخب والمرافقين ، وكذلك حُسن اختيار الجمهور الذي تنقله هيئة الرياضة لتشيع المنتخب في مبارياته ، وأن يعمل لهم تهيئة جيدة في آليات التشجيع و اللباس والتنقل واحترام أنظمة البلد وعدم ارتياد الأماكن المشبوهة فمسكو بلد تكثر فيه الجريمة المنظمة .
ففي المشاركات الرياضية وبالذات منتخبات كرة القدم تستضيف هيئة الرياضة مجموعة من المشجعين على حسابها لحضور مباريات المنتخب وتنقلهم بطائرات خاصة وتعيدهم بعد نهاية كل مباريات وهكذا، وهم من سوف يظهرون على الشاشات عند نقل مباريات المنتخب كمشجعين للمنتخب السعودي وهنا يكمن حُسن الاختيار والتهيئة لمثل هذا الحدث الهام فهم سوف يمثلون المجتمع السعودي الرياضي.
ويرى أ. عبد المحسن القباني أن القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية تهتم بالشأن العربي جنبا لجنب لتقديم وجهة نظر البلد الذي تبث منه وتعرض ثقافتها. وبناء عليه من المواتي لقناة روسيا اليوم تسليط الضوء أكثر على المنتخبات العربية المشاركة و تقديم تلك المواد على اللغات الأخرى. ومن المفيد هنا فتح قناة تواصل معهم وتقديم كافة الاحتياجات اللازمة لتنفيذ القصص و التغطيات بحيث لا نكتفي بتغطيات الوسائل السعودية.
وذهب أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أن مشاركة المرأة في الرياضة جزء من دبلوماسية تحسين الصورة للسعودية ؛ وينشأ على هذا تحديات تحتاج لأطروحات عقلانية لا انفعالية ، ووطنية لا انتهازية ، وأخلاقية لا انفلاتية. من هذه التحديات :
– اللباس وما يستلزم له من ضوابط شرعية ومقدار موائمته مع القوانين الدولية في الأولمبياد (الجمباز والسباحة نموذجا).
– قوانين الحماية والضبط الأخلاقي للبيئة الحاضنة لشريحة الرياضات النسائية وبالذات الشريحة العمرية الصغيرة وأهمية فصل الجنسين على مستوى التدريب والتأهيل والممارسة.
– تحليل الاحتياج الحقيقي للتمثيل النسوي الدولي لتوفير السقف الأدنى منه ، مع أهمية التمكين فيه محليا مع اعتبار الجانب الديني والأخلاقي والقيمي.
– توفير بيئات مناسبة.
ومما ينبغي أن نعنى به الآن هو صناعة البراند السعودي الرياضي كما يلي:
- على مستوى الجمهور:
تتبنى هيئة الرياضة موديل يتكون من الآتي :
1- قوانين صارمة وواضحة تنظم عملية التشجيع تتضمن:
- الممارسات المسموحة والممنوعة والمطلوبة.
- اللباس.
2- برامج موجهة لوعي الجماهير عن ما ينبغي ومالا ينبغي.
3- إعداد منظومة ( إنجازات – ثقافات – وثائقيات – تراث إنساني – وغيرها ) يتولى الجمهور تسويقها عبر أدوات معاصرة وبأشكال فنية.
4- تحويل العمليات الجماهيرية إلى شكل مؤسسي (فاعل) ( نقابة – رابطة ) ليسهل تفعيل ما سبق وفق أدواتها.
- على مستوى الرياضيين:
1- عمل تحليل لواقع الرياضات والرياضيين السعوديين خلال الخمس سنوات الماضية لتحديد الآتي:
- أبرز الإنجازات الرياضية في كل الرياضات ؟ ولماذا ؟
- أبرز الرياضيين ؟ ولماذا ؟
وعليه يتم التركيز على الرياضات التي نبدع ونتميز فيها ولو كانت رياضة واحدة أو اثنتين ( أعتقد أن لدينا إنجازات في رياضة الكاراتيه تستحق الاهتمام والرعاية والعناية ).
2- سن قوانين واضحة ومقننة ( أو تفعيل الموجود ) في أخلاقيات وممارسات الرياضي (أصبح التأثير الشعبي والسياسي لممارسات الرياضين السلبية أو الإيجابية أقرب لتأثير الدبلوماسيين).
3- تحديد حزمة من الأدبيات المهمة للرياضي وإدراجها ضمن برامج التوعية والتثقيف والممارسة ( وطنية – أخلاقية – قانونية – عالمية ).
أما د. نوال الضبيبان فذهبت إلى أنه وإذا اردنا استغلال حدث كاس العالم لتحسين صورة المملكة في الخارج من الممكن:
1- استعراض أعداد المبتعثين من الطلاب والطالبات للدراسة خارج المملكة.
2- استعراض إنجازات أبنائنا وبناتنا من ابتكارات وبراءات اختراع.
3- عمل أفلام قصيره مخصوصة لهذه المناسبة توضح أخلاقياتنا وقيمنا وحضارتنا الإسلامية الأصيلة بطريقه جذابة تواكب العصر . ولتحقيق ذلك من الممكن عمل مسابقات على مستوى الثانويات والجامعات… الخ لاختيار أفضل أربعة أفلام قصيرة جدا.
4- إعداد كتيبات تتحدث عن جزيرة نيوم والمشاريع التنموية المتاحة.
5- أن يكون الفريق الرياضي ومرافقيه خير سفراء بأخلاقيات إسلامية وسعودية أصيلة.. وأن يحرصوا على إبراز حضارتنا بالشكل الأمثل من خلال الاحتكاك والتفاعل مع الشعوب الأخرى.
6- عمل دورات تدريبية مخصصة للفريق المشارك ومرافقيه لمهارات التواصل والحوار مع الثقافات الأخرى.
7- استعراض الفرص الاستثمارية في السعودية.
8- إعداد كتيبات صغيرة تتحدث عن ثقافتنا السعودية بشكل شامل.
9- إرسال فرق لعمل عروض استعراضية في الملعب بالزي والثقافة السعودية.
10- استخدام شاشات العرض الموجودة في الملاعب أثناء الاستراحات لعرض أفلام قصيرة من دقيقتين أو ما شابه تصلح للغة العصر، بحيث تتضمن طرح لأهم الجوانب التي تميز مجتمعنا السعودي وقد لا توجد في المجتمعات الأخرى.
وأشار د. عبدالرحمن الهدلق إلى أنه عندما تأهلت المملكة في ١٩٩٤ لنهائيات كأس العالم في لوس أنجلوس قامت السفارة بالإعلان في صفحات كاملة في معظم الجرائد الأمريكية الرئيسية مبرزة حجم التنمية في المملكة كما أقامت معارض ثقافية في بعض المدن ووزعت كتب مجانية دعائية خارج الملاعب وشارك في ذلك وبشكل تطوعي الكثير من الطلاب السعوديين والعرب والمسلمين.
وذكرت أ. علياء البازعي أنه أثناء الأحداث الرياضية العالمية تنظم فعاليات ثقافية للدول المشاركة و عادة ما تكون في خيام و أكشاك حول الملاعب.. ليس بالضرورة أن نستعرض إنجازاتنا بشكل مباشر، و لا بالطرق التقليدية…الرسائل غير المباشرة تعتبر أكثر تأثيراً.
وأضافت د. نوال الضبيبان أنه هنا يأتي دور التفكير الإبداعي والخروج من الصندوق والأطر المعتادة في التعريف بهويتنا وشخصيتنا الحضارية والرؤية المستقبلية لنا. وثورة الاتصالات والتكنولوجيا والشبكات العنكبوتية خير داعم وأرخص وسيلة متاحة وميسرة لنا في هذا المجال. كما أنه من الممكن الاستعانة بالمبتعثين والمبتعثات في روسيا والملحقيات الثقافية لمساعدتنا في كيفية التأثير في المجتمع الروسي وماهي أفضل المداخل للتأثير والتعرف على اهتماماتهم وأولوياتهم لملامستها.
واقترح أ. عبد المحسن القباني أن يضع الاتحاد السعودي هدفا للعام المقبل وهو أن يرشح الجمهور السعودي لجائزة أفضل جمهور لعام ٢٠١٨ في جوائز الفيفا ؛ على أن يكون التخطيط مدنيا أهلياً.
بينما قالت د. عبير برهمين: إن تحسين صورة الدولة باستغلال كأس العالم كحدث كروي مهم لا يتأتى بمفهوم آخر لحظة last minute quick fix . نحن لا تتكلم عن عرض سلعة أو فكرة وإنما تتكلم عن تحسين صورة بلد له ثقله ومقامه ودوره الإقليمي والدولي ، بلد يزخر بكنوز بشرية أهم كثيرا من الكنوز المادية. السؤال هو هل إقامة بعض الرقصات وعرض بعض الأفلام كفيلة لتحسين الصورة؟؟ الجواب قطعا لا. كل تأثير ما تقدم هو تعريف ببعض الجوانب الثقافية ليس إلا؛ وهو موضوع مهم لتعريف الشعب الروسي على بعض ملامح المملكة. أما السمعة الحسنة والصورة المشرقة البهية التي تتناسب مع مكانة المملكة فهي تحتاج لعمل دؤوب منظم كمنهج علمي على مختلف الأصعدة يبدأ ببناء الإنسان من كل النواحي ثقافيا ورياضيا ودينيا وسياسيا… الخ. اللاعب يجب أن يكون صورة مشرقة أداء وخلقا. داخل وخارج الملعب. المشجعين والإدارة والجميع يستشعر أن حسن تعامله وإنسانيته هي مطلب وطني. ومن المقترحات في هذا الصدد:
1- أن تسعى هيئة الرياضة جاهدة لخلق سياسة قوية لاكتشاف المواهب المبكرة في طلاب وطالبات المدارس من المرحلة الابتدائية وتوجيههم للرياضة بمفهومه الواسع وليس الكروي حصرا.
2- تهيئة الظروف لتمكين مشاركة المرأة في الرياضة التي تختارها هي بما فيها كرة القدم إن رغبت ، مع دعمها بشكل كامل يحفظ لها حشمتها وإنسانيتها.
3- العمل على غرس مبادئ فنون التعامل مع الآخر وعكس الصورة الجميلة عن البلد في كل أدوار الفرد في المجال الرياضي كلاعب وطاقم فني وإداري وجمهور وإعلام ونقاد.
4- استغلال منهج التربية الوطنية لغرس قيم الولاء والانتماء والشخصية الوطنية المتميزة بدينها وتراثها دون غلو أو تطرف.
5- غرس ثقافة صناعة النجوم والاستعداد المبكر للعمل للحدث القادم من اليوم.
6- جعل مشاركة المملكة في أي محفل رياضي مشاركة وطنية نستمع فيها لآراء المواطنين من الجنسين عن كيفية تحسين الصورة وكيف نرقى بالأداء وكيف نحفز اللاعبين لعطاء أفضل وكيف نظهر كجمهور مثالي. فهناك الملايين من الأفكار الخلاقة الغير نمطية والتي قد تغيب عن هيئة الرياضة.
7- الاهتمام برابطة المشجعين فهم فاكهة أي محفل رياضي هتافهم أهازيجهم وإظهار الدعم والتشجيع فلديهم مخزون لا نمطي هائل يستحق وقفة اهتمام ودعم.
8- العمل على دعم الإعلام الرياضي المتوازن المثقف الذي يعي أن عرس الوطن يعني اختفاء كل الشعارات والألوان إلا شعار الوطن ولونه.
أما د. الجازي الشبيكي فترى أن خير ما يمكن أن يُساهم في تعزيز الصورة الإيجابية لبلادنا في فترة تصفيات كأس العالم ، هو الاهتمام الشديد بظهور منتخبنا بمستوى فني لائق ومنافِس ، فهذا ما يجب أن نركز عليه لنكون في دائرة الضوء مما يفتح المجال لنا للتعريف ببلادنا وبرؤيتنا المستقبلية التطويرية.
الأمر الآخر هو السعي للتواصل مع كُبرى القنوات الإعلامية العالمية الناقلة للحدث ودفع مبالغ إعلانية حتى لو كانت كبيرة، ويمكن أيضاً تأمينها من بعض الرعاة ، على أن تكون تلك الإعلانات قصيرة ومركزة ومدروسة جيداً بشكل إضاءات سريعة على المملكة العربية السعودية وإنجازاتها وبالآلية التي تجذب المشاهد الأجنبي الخارجي وتلفت انتباهه وليس بالطريقة التي نخاطب بها أنفسنا ومشاهدينا.
المحور الخامس
صندوق الاستثمارات العامة.. دوره في التنمية وتطوير سياساته
الورقة الرئيسة: د. إحسان بو حليقة
أصبح لدينا صندوقاً سيادياً نشطاً ، يجوب العالم بحثاً عن فرص مواتية ، بعد أن كان منزوياً في الداخل لعقود ، حتى كنا نظن أن ملكيتنا السيادية تقتصر على ما تديره مؤسسة النقد العربي السعودي من أموال ، مستثمر جُلها في سندات الخزانة الأمريكية.
لكن أولاً ما الذي يسعى صندوق الاستثمارات العامة لتحقيقه عبر استراتيجيته الجديدة المُبادرة؟ بداية ، على الصندوق أن يولد 285 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة وبناء حتى العام 2020 ، وأن يرفع مساهمته في المحتوى المحلي من 32 مليار إلى 50 مليار في العام 2020 ، وأن يستقطب استثمارات غير حكومية مجملها 630 مليار ريال حتى ذلك العام.
يعمل صندوق الاستثمارات العامة لإنجاز برنامج من بين 12 برنامجاً لتحقيق الرؤية 2030، وعليه النهوض بأعباء لتحقيق جوانب من الرؤية السعودية للمستقبل ، ويؤطر عمل الصندوق من الناحية الاستراتيجية توجيهات واضحة من خادم الحرمين الشريفين : “سوف نعمل على بناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل ، وتنمو من خلاله المدخرات.” ، كما ذكر سمو ولي العهد : “بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة ، وسنسعى إلى أن تكون محركاً لاقتصادنا وموردا إضافياً لبلادنا.”
فما هو برنامج صندوق الاستثمارات العامة؟ ، وكيف سيحقق تطلعات القيادة بما في ذلك تنويع موارد الخزانة العامة؟ ، ولابد هنا من الأخذ بالاعتبار أن مرتكزات الرؤية 2030 ثلاثة ، أحدها “القوة الاستثمارية الرائدة”. ويهدف البرنامج – وفقاً لصندوق الاستثمارات العامة – بلورة الغايات الوطنية في حقول الاستثمار داخلياً وخارجياً وتنويع مصادر البناء والانماء ، وتعزيز دور الصندوق كمحرك لتنويع اقتصاد المملكة ، وتطوير قطاعات استراتيجية محددة ، وأن يصبح الصندوق أكبر الصناديق السيادية في العالم ، ويؤسس شراكات اقتصادية تعمق دور المملكة إقليمياً وعالمياً.
لكن ما الذي سيفعله البرنامج لتحقيق هذه الغايات الوطنية حرجة الأهمية؟ ، كما هو معروف فتحقيق الرؤية السعودية 2030 يقوم على 12 برنامجاً ، لتنفيذ 96 هدفاً استراتيجياً ، نصيب صندوق الاستثمارات العامة منها أربعة أهداف، وهي:
1- تعظيم أصول الصندوق إلى 1.5 ترليون ريال في العام 2020 ، بعائد على الاستثمار 4% – 5%.
2- إطلاق قطاعات اقتصادية جديدة ، وعلى الصندوق استثمار 20 بالمائة من إجمالي الأصول التي يديرها في هذه القطاعات ، وأن تصل مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 مليار ريال .
3- بناء شراكات اقتصادية استراتيجية ، بالعمل على الاستثمار خارجيا (25 بالمائة) من الأصول بحلول العام 2020 ، وأن تسهم هذه الشراكات في جذب استثمارات أجنبية نوعية لا تقل عن 20 مليار ريال في العام 2020.
4- توطين التقنيات والمعرفة من خلال: القطاعات الجديدة التي يطلقها ، والشراكات الاستراتيجية التي يكونها ، وتحفيز البحث والتطوير عبر الشركات السعودية التي يساهم الصندوق فيها.
ويسعى الصندوق لتوليد 11 وظيفة عالية المهارة ، واستثمار 210 مليار ريال حتى العام 2020 ، في القطاعات الجديدة والشراكات الاستراتيجية والبحث والتطوير.
أمام الصندوق قائمة طويلة من الأهداف لتحقيقها في الداخل ، وأموال لاستثمارها استثماراً نوعياً في الخارج.
لكن الأمر ليس ميكانيكياً ، فقدرة الصندوق على تحقيق أهدافه تعتمد على جملة أمور منها ، مناخ الاستثمار وامتلاك الاقتصاد السعة لاستيعاب استثمارات في أنشطة اقتصادية جديدة.
فهل سيتمكن الصندوق من تحقيق تلك الأهداف ، إذا ما أخذنا أنها في القطاعات والأنشطة الغائبة إجمالاً عن هيكلة الاقتصاد السعودي؟ وإن كان سيحققها – ونتمنى جميعاً ذلك لما سيجلبه من منافع- فما هي الاشتراطات؟
التعقيب الأول: د. مشاري النعيم
ربما أبدأ من التساؤل الذي أثاره د. إحسان في آخر عبارة من ورقته حول ما هي الاشتراطات التي يمكن أن تجعل الصندوق السيادي يحقق أهدافه التي وضعها لنفسه؟ والذي يبدو لي أن هذه الاشتراطات غير واضحة لأن ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة في الوقت الراهن هو المشاركة في تحقيق برامج الرؤية الـ 12 بينما كان يفترض أن يكون التركيز على بناء قاعدة اقتصادية واضحة وأن يكون التركيز على توفير جميع الظروف لتحقيقيها.
وسوف أتحدث عن توجه واحد يمكن أن نفهم من خلاله أن “صندوق الاستثمارات العامة” يجب أن يعمل ضمن بيئة تكاملية يفترض أن تحث عليها الرؤية، فمثلا إذا ما افترضنا أن المملكة ترغب في الاستثمار في التصنيع والصناعات العسكرية بشكل خاص، يفترض أن يصاحب هذا الاستثمار تحول عميق على مستوى مؤسسات التعليم والجامعات على وجه الخصوص كي تكون مصدرا للبحث العلمي والكوادر البشرية التي تدعم هذه الصناعة وتسهل نقل المعارف والتقنيات لها وتجعلها تعتمد بشكل كامل على أيد وطنية. كوريا الجنوبية على سبيل المثل عملت في نهاية القرن الماضي من أجل إحداث تحول معرفي تقني في المجتمع الكوري واستثمرت كل مواردها كي تبني قاعدة صناعية قائمة على البحث العلمي المحلي ووجهت مؤسسات التعليم إلى تبني رؤية مركزة وعميقة صنعت التحول الاقتصادي الذي تعيشه كوريا في الوقت الراهن. التشتت في خطط صندوق الاستثمارات يمكن أن يبدد الاحتياط السيادي دون أن يصنع التحول المطلوب على المستوى المحلي. فالسؤال المهم هو: هل نريد أن يكون لدينا ثروة أو أن نستطيع بناء اقتصاد ومواطن يصنع الثروة؟
يركز د. إحسان في ورقته على ثلاث مسائل مهمة يفترض أن يحققها الصندوق أولها رفع مشاركة الصندوق في العائد المحلي إلى 50 مليار ريال والثاني جلب استثمارات غير حكومية تصل إلى 630 مليار وتوفير وظائف تصل إلى 285 ألف. والحقيقة أن هذه الأهداف لا تعني أبدا وجود “هوية اقتصادية” محددة نسعى لها، فبرامج الرؤية واسعة ولا تقود إلى “هوية اقتصادية” محددة وأعتقد أن تحقيق هذه الهوية يجب أن يقودها صندوق الاستثمارات العامة لما له من تأثير. وكما ذكرت الأمر يتطلب تحول كامل في ثقافة المؤسسات التعليمية وبناء تشريعات جديدة. ولا بد أن أذكر هنا أن الظروف مهيأة بشكل كبير في الوقت الراهن لإحداث مثل هذا التحول خصوصا مع توجه الدولة الواضح لضرب الفساد المالي والاداري وتجفيف منابعه الأمر الذي سيساهم في صناعة قيم جديدة على مستوى العمل والإنتاج.
في اعتقادي أن التحول الاقتصادي لا يمكن أن يكون مجرد أفكار ولا يمكن أن يتوقف عن الاستثمارات الكبيرة التي لا يكون للمواطن دور فيها، وأقصد هنا أن صندوق الاستثمارات العامة يجب أن يكون هو المحرك للتحول الاقتصادي للمواطن السعودي من خلال اجباره أن ينخرط في برامجه ومشاريعه (أي مشاريع الصندوق) الوطنية وأن يدفعه لتطوير قدراته ويحثه على التنافس والإبداع. ويجب أن أنوه أنني في هذا التعقيب لم أتناول الاستثمار في مشاريع حيوية في الخارج لأن قناعتي تتركز على أن إحداث الفرق يبدأ من يناء الداخل، وأرى أن اهتمام صندوق الاستثمارات العامة يجب أن يحدث نقلة نوعية على مستوى الاقتصاد الوطني يكون أساسها إعادة بناء قدرات المواطن السعودي.
التعقيب الثاني: د. نوف الغامدي
أوضحت الورقة الرئيسة بشكل كبير الدور الذي يقوم به صندوق الاستثمارات العامة من خلال أهداف الرؤية التي تتعلق بصندوق الاستثمارات العامة، ونلاحظ بشكل كبير أن السعودية غيرت زاوية النظر إلى الاستثمار، فأصبح التركيز الآن على عنصر الكفاءة، وأصبح المعنى التجاري للاستثمار يرافق جوانبه التنموية، بالتالي فالقضية ليست موارد مالية بل سياسات اقتصادية وتدابير عامة كما أن عمليات الهيكلة والسياسات المالية الرشيدة يمكن أن تصنع التقدم والتنمية، فالصندوق تأسس منذ 1971، إلا أنه لم يكن له أثر يذكر في الاقتصاد السعودي وبرامج الاستثمار الخارجي إلا بعد انتقاله من وزارة المالية إلى مجلس الاقتصاد والتنمية، وهو ما أدى إلى تغير جذري في دور الصندوق كلاعب أساسي في الاستثمار المحلي وبرامج الاستثمار الخارجي.
تركز الدولة على برنامجين أساسيين هما “صندوق الاستثمارات العامة” و”الخصخصة”، ضمن رؤيتها حتى عام 2030. وتهدف رؤية المملكة، إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، بما يعمق من أثر ودور المملكة إقليميا وعالميا. إن قياس التقدم في تحقيق أهداف البرنامج يتحقق من خلال مبادرات محددة منها: تعظيم أصول الصندوق، إطلاق قطاعات جديدة، بناء شراكات اقتصادية استراتيجية، الاستثمار الأجنبي المباشر التراكمي في الأصول في الأسواق العالمية 5% – 25%، أيضا توطين التقنيات والبحث والتطوير من خلال توطين التقنيات بـ 11 ألف وظيفة تتطلب كفاءة عالية والاستثمار التراكمي 210 مليارات ريال.
ومن الواضح أن صندوق الاستثمارات العامة قرر اتخاذ مسار جديد في الاستثمار غير التقليدي، هو الاقتصاد التشاركي، من خلال مبادرات الاستثمارات العالمية الاستراتيجية مثل مبادرة صندوق رؤية سوفت بنك 100 مليار دولار كأكبر صندوق عالمي في قطاع التكنولوجيا، ومبادرة صندوق البنية التحتية بـ 40 مليار دولار، وأكبر صندوق عالمي في قطاع البنية التحتية، ومبادرة الاستثمار في شركة أوبر، ومبادرة برنامج الاستثمار في الملكية الخاصة الفرنسية، وأيضا مبادرة شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار المساهمة العامة المحدودة، ومبادرة صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة (RDIF)، بالإضافة إلى مبادرات محفظة المشاريع الكبرى: منها مشروع البحر الأحمر، ومشروع القدية، ومشروع نيوم.
أما مبادرات الاستثمارات في المشاريع العقارية ومشاريع تطوير البنية التحتية السعودية، كتطوير تجربة الحج والعمرة ورفع الطاقة الاستيعابية للفندقة والإسكان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تطوير منطقة عسير، ومدينة مطار الملك خالد الدولي في الرياض، ومدينة مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، أيضا تعظيم قيمة أراضي الصندوق وإنشاء نماذج حضرية جديدة في المدن الرئيسة، وتطوير الأحياء السكنية.
كما أن مبادرات الاستثمار الهادفة إلى تطوير وتنمية القطاعات السعودية لها دور كبير في تطوير الاستثمارات، كتأسيس الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير، والشركة السعودية للصناعات العسكرية، والشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة، ومبادرة الصندوق في تنمية التحول الصناعي، وإنشاء صندوق الصناديق، وشركة للاستثمار في الترفيه، وشركة تشغيل طائرات الهليكوبتر للنقل الخاص والرحلات السياحية وأخيراً تأسيس الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري.
إنّ قياس مساهمة صندوق الاستثمارات العامة في تنمية الاقتصاد المحلي والتأثير على الناتج المحلي الإجمالي قد تكون من خلال توليد فرص العمل الجديدة بما يعادل 20 ألف وظيفة مباشرة، ومعدل التغير في ميزان المدفوعات، أيضا من خلال الأثر المباشر في نسبة المحتوي المحلي، وحجم الاستثمار التراكمي غير الحكومي بـ 630 مليار ريال، و التأثير على معدل الاستهلاك تقريباً بـ 0.7 نقطة مئوية، والتأثير على معدل التضخم 1.4 نقطة مئوية.
ولنستطيع تحقيق التساؤل الذي طرحه د. إحسان في نهاية ورقته فلابد من إعادة إنتاج معايير الحوكمة من جديد، وإصدار ميزانية عمومية للصندوق تنشر سنويا، كما لابد من وضع تشريعات وقوانين واضحة لآلية دخول الاستثمار الأجنبي وهيكلة شراكته من خلال وضع أسس واضحة لنظام الـ BOT/ PPP ومحاولة الاعتماد على الخبرات المحلية من المستشارين كالعاملين في وزارة المالية سابقاً أو حتى الحاليين، كما أن بعض سماسرة الاستثمار ينشطون تجاه مصالحهم حتى ولو أدى ذلك لمحاولة تسويق معلومات خاطئة عن مناخ الاستثمار في السعودية، وهذا يعني ضرورة أن تنشط الجهات المعنية وتكثف العمل الإعلامي التوعوي بشأن حقيقة ما يكتنف بيئة الاستثمار في السعودية وشرح الاجراءات والمحفزات التي ساعدت على تطوير وزيادة سعة الاستثمار الأجنبي لدينا محليا وخارجيا وذلك لقطع الطريق أمام المتعاملين مع الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب في الخارج مع وسطاء وسماسرة غير أمناء ولا موضع ثقة.
المداخلات حول القضية:
- صندوق الاستثمارات العامة: الواقع والإشكالات ذات العلاقة
أورد د. عبد الله بن صالح الحمود مقالاً مهماً في سياق قضية الصناديق السيادية، بعنوان (الخليج نموذجاً: مستقبل الصناديق السيادية في الاقتصاد العالمي) (1) ، وجاء فيه:
تزايدت أهمية صناديق الثروة السيادية في الاقتصاد العالمي بصورة ملحوظة خلال العقدين الماضيين، خاصةً خلال الفترة التي ارتفعت فيها أسعار النفط بصورة ملحوظة تجاوزت المائة دولار للبرميل، وما صاحبها من ارتفاع الفوائض المالية للدول المنتجة للنفط، والمتاحة للاستثمار عبر هذه الصناديق، بحيث أصبحت هذه الصناديق تلقى اهتماماً متزايداً ليس فقط بين الدول المنتجة للنفط، بل أيضا بين الدول الجاذبة للاستثمارات.
وأصبح يُشار إلى دور تدفق استثمارات صناديق الثروة السيادية بصورة إيجابية في أمور عدة، ومنها إعادة الاستقرار في اقتصادات الدول الصناعية الرئيسية بعد أحداث مثل الأزمة المالية والتباطؤ الاقتصادي العالمي.
وقد تزايدت النظرة الإيجابية لهذه الصناديق مع توجهها خلال الأعوام القليلة الماضية لرفع درجة الشفافية في إدارة أعمالها، وتطبيق الحوكمة الجيدة، والتركيز بدرجة أكبر على دورها في الدول ذات الفوائض المالية، سواء من حيث تنويع مصادر الدخل بما يساعد على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، أو في تحقيق عدالة توزيع الثروة بين الأجيال، لتستفيد الأجيال القادمة من عوائدها حال نضوب النفط أو الغاز الطبيعي.
وقد كانت بداية فكرة صناديق الثروة السيادية في دول الخليج، حيث تم إنشاء أول صندوق للثروة السيادية في عام 1953، وهو مجلس الاستثمار الكويتي الذي تأسس قبل ثماني سنوات من استقلال الكويت، وتطور لاحقاً ليصبح الهيئة العامة للاستثمار لدولة الكويت، التي تدير في الوقت الراهن أصول تبلغ 592 مليار دولار، وفقاً لأحدث بيانات “معهد صناديق الثروة السيادية” SWF Institute.
ولم يكن غريباً أن صناديق الثروة السيادية قد بدأت بدولة مُصدّرة للنفط، وأن جاذبيتها كانت لفترة طويلة تثير اهتمام مُنتجي المواد الأولية أساساً، حيث أن هذه الصناديق وُجدت مبدئياً لخدمة غرضين أساسيين: الأول، تفادي الآثار السيئة على اقتصادات الدول المعتمدة على إنتاج وتصدير المواد الأولية نتيجة التقلبات الحادة في أسعارها من فترة لأخرى، وبالتالي تخدم هذه الصناديق غرض التنويع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، من خلال استغلال الفوائض المتحققة في أوقات ارتفاع أسعار النفط، لتحقق عوائد تُعوّض النقص عند تراجع أسعاره.
أما الغرض الثاني، فارتبط بطبيعة المواد الأولية التي تنتجها الدول المهتمة بصناديق الثروة السيادية، حيث تعتبر موارد مثل النفط والغاز الطبيعي قابلة للنضوب مستقبلاً، وبالتالي يتطلب غرض تحقيق العدالة في توزيع الثروة بين الأجيال أن يتم استثمار أجزاء من متحصلات الصادرات الرئيسية للدولة المنتجة للمواد الأولية، بحيث تأتي بدخل للأجيال القادمة حال نضوبها.
لكن يُلاحظ هنا أن فكرة الصناديق قد تطورت بصورة جعلتها لا تقتصر فقط على منتجي المواد الأولية، فثمة عدد من الدول، وعلى رأسها الصين، أصبحت تعمل على إنشاء صناديق الثروة السيادية لاستثمار فوائضها من المعاملات التجارية الخارجية، من أجل تعظيم العائد الاقتصادي للدولة، وأحياناً لممارسة نفوذ سياسي في مناطق هامة لها، بما يمكن أن يجعل مثل هذه الصناديق ذراعاً فعَّالاً لممارسة القوة الاقتصادية الناعمة على الساحة العالمية.
أما بخصوص الوضع الراهن لصناديق الثروة السيادية، فتشير أحدث الإحصاءات الصادرة عن “معهد صناديق الثروة السيادية” SWF Institute، في فبراير 2016، إلى أنه يتواجد في العالم الآن 78 صندوق ثروة سيادية، تتبع خمسين دولة، ويبلغ إجمالي قيمة استثماراتها نحو 7 تريليون دولار. ومن ضمن هذه الصناديق، تبلغ الاستثمارات المرتبطة منها بالنفط والغاز نحو 4 تريليون دولار، أي بنسبة 57% من إجمالي قيمة استثمارات صناديق الثروة السيادية، بينما تبلغ الاستثمارات المرتبطة منها بمجالات أخرى، بخلاف النفط والغاز، نحو 3 تريليون دولار، أي بنسبة 43% من الإجمالي.
وبالنسبة لطبيعة استثمارات صناديق الثروة السيادية، تُظهر تقديرات شركة “بريكن” Preqin الأمريكية المتخصصة في الأصول البديلة، أنه على الرغم من أن الجزء الأكبر من محافظ هذه الصناديق يُستثمر في أدوات الدين الحكومي وأسهم الشركات الحكومية، إلا أنها بدأت مؤخراً في زيادة استثماراتها في أصول أخرى، حيث يُستثمر 55% من صناديق الثروة السيادية في الأسهم الخاصة في عام 2016، مقابل 47% العام الماضي، بينما يُستثمر 62% منها في القطاع العقاري والبنية التحتية، و35% من الصناديق يتم استثمارها في أدوات الدين الخاص.
وتظهر أيضا إحصاءات الشركة حجم التطور الملحوظ الذي شهدته صناديق الثروة السيادية خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث تم إنشاء نحو 67% من كافة صناديق الثروة السيادية منذ عام 2000، منها نحو 14 صندوق ثروة سيادية تأسس خلال الستة أعوام الماضية.
ويمكن ترتيب صناديق الثروة السيادية في العالم حسب عدة مستويات، كالتالي:
1- على مستوى الدول: تعتبر الصين، وفقاً لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية، أكبر مستثمر في صناديق الثروة السيادية، حيث لديها خمسة صناديق تبلغ قيمة استثماراتها نحو 1.9 تريليون دولار (أي ما يمثل نحو 27% من إجمالي الصناديق عالمياً). ويأتي بعدها دولة الإمارات العربية المتحدة بعدد سبعة صناديق تبلغ قيمة استثماراتها نحو 1.2 تريليون دولار (أي 17% من إجمالي الصناديق عالمياً)، ثم النرويج التي لديها صندوق واحد تبلغ قيمة استثماراته 825 مليار دولار، فالمملكة العربية السعودية بصندوقين بقيمة استثمارات 638 مليار دولار، وتختتم دولة الكويت مجموعة الدول الخمسة الكبرى في عالم صناديق الثروة السيادية، بصندوق واحد هو الأقدم عالمياً، وتبلغ قيمة استثماراته 592 مليار دولار.
2- على مستوى الصناديق فرادى: يعتبر الصندوق الحكومي للمعاشات للنرويج (Government Pension Fund – Global) هو الأكبر عالمياً، حيث تبلغ استثماراته 825 مليار دولار بنسبة 11.6% من إجمالي الصناديق عالمياً. ويليه في المرتبة الثانية جهاز أبوظبي للاستثمار (Abu Dhabi Investment Authority) باستثمارات بقيمة 773 مليار دولار (11% من الإجمالي). وتأتي مؤسسة الصين للاستثمار (China Investment Corporation) في المرتبة الثالثة باستثمارات قيمتها 747 مليار دولار، ويليها الحيازات الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي (SAMA Foreign Holdings) باستثمارات تبلغ 632 مليار دولار. وتحتل الهيئة العامة للاستثمار لدولة الكويت (Kuwait Investment Authority) المرتبة الخامسة باستثمارات قيمتها 592 مليار دولار.
3- حسب النطاق الجغرافي: يُلاحظ أن آسيا وأستراليا (مع نيوزيلندا) لديها السيادة المطلقة على صناديق الثروة السيادية وفقاً للاستثمارات، حيث تمتلك نحو 83% منها، يليها قارة أوروبا بنسبة 12%، ثم الأمريكيتين بنسبة 3%، وأخيراً قارة أفريقيا بنسبة 2%.
وتجدر الإشارة إلى أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجتمعة لديها ثقل متميز ومتفرد في مجال صناديق الثروة السيادية. ويبلغ إجمالي استثمارات الدول الستة مجتمعة من خلال هذه الصناديق نحو 2.8 تريليون دولار، بما يجعل وزنها النسبي عالمياً 38.8%. وبإضافة خمس دول عربية أخرى لديها صناديق ثروة سيادية، وهي ليبيا والجزائر والعراق وموريتانيا وفلسطين، يرتفع الإجمالي عربياً بصورة طفيفة ليبلغ 2.9 مليار دولار، وبوزن نسبي عالمياً يبلغ 40.5%.
وحول مستقبل صناديق الثروة السيادية، فمن المتوقع أن تلعب صناديق الثروة السيادية دوراً متزايداً في الاقتصاد العالمي مستقبلاً، فالدول التي تعتمد بصورة كبيرة على موارد النفط والغاز الطبيعي تسعى جاهدة لانتهاج مسارين اقتصاديين متوازيين داخلياً وخارجياً قائمين على التنويع.
فداخلياً، تتبنى غالبية هذه الدول استراتيجيات تنموية قائمة على استغلال مزايا تنافسية بخلاف النفط والغاز، وهو الأمر الذي يتضح بصورة جلية في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، حيث تتبع استراتيجيات التنويع الاقتصادي، والتي تستهدف تقليص دور قطاع النفط في النشاط الاقتصادي، وزيادة دور قطاعات أخرى مثل السفر والسياحة، والخدمات المالية، والتجارة الخارجية، وتقنية المعلومات، وصناعات متطورة تقنياً مثل تصنيع مكونات الطائرات.
أما خارجياً، فتعمل هذه الدول على تنويع مصادر الدخل وحماية الاقتصاد من آثار الصدمات الخارجية السلبية (مثل تراجع أسعار النفط عالمياً) من خلال إنشاء صناديق الثروة السيادية، ومثال على ذلك أيضا دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تحتل في الوقت الراهن عالمياً المرتبة الثانية سواء من حيث أكبر الدول استثماراً في هذه الصناديق السيادية، أو من حيث حجم أكبر صندوق فردي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى واحدة من أهم التطورات التي تم الإعلان عنها خلال الأيام القليلة الماضية، والتي من الممكن أن تغير بصورة ملموسة دور صناديق الثروة السيادية في الاقتصاد العالمي، وهي إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية، عن عزم المملكة إنشاء أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم بحجم استثمارات يزيد عن 2 تريليون دولار، من أجل جعل الاقتصاد السعودي لا يعتمد على النفط خلال العشرين عاماً المقبلة.
فالتصور المقترح لهذا الصندوق يُظهر بصورة جلية جهود التنويع الاقتصادي في الدول المنتجة الرئيسية للنفط، خاصةً مع تقلبات أسعار النفط خلال العام ونصف الماضيين، وعدم توقع عودتها لمستويات تتجاوز المائة دولار للبرميل، حيث سيتم العمل على بيع جزء لا تتجاوز تقديراته حالياً 5% من أكبر شركة نفط عالمياً، وهي شركة “أرامكو” السعودية، في عام 2018، وتحويل أسهمها إلى صندوق الاستثمار العام، يُستثمر داخل المملكة وخارجها، مع زيادة نسبة الاستثمارات الأجنبية للصندوق من 5% في الوقت الراهن إلى 50% بحلول عام 2020.
ومثل هذا التوجه سيؤدي إلى تقوية روابط الاقتصادات المعتمدة في الوقت الراهن على النفط، بالاقتصاد العالمي، وتنويع العلاقة بينهما، بحيث لا تقتصر على توفير الطاقة الهيدروكربونية، والاستثمار في أدوات مثل الديون الحكومية الأجنبية، بل يُنتظر أن تمتد، في ظل التوجه الحالي، للاستثمار في أصول إنتاجية وشركات كبرى تُغطي مجالات أنشطة اقتصادية متنوعة ومؤثرة عالمياً، بما يعود بالفائدة على كل من الدول المالكة للصناديق، والدول التي تستثمر فيها هذه الصناديق أموالها.
وفي تصور د. حمزة بيت المال فإن ما يلفت الانتباه أن جل تركيز الصندوق على اقتناص الفرص الاستثمارية، وهذا شيء إيجابي بالتأكيد؛ لكن هناك نوع من عدم التركيز على البنى التحتية وبالأخص في مجال الأبحاث والتعليم، والسؤال الذي يشغله كثيرا كيف يمكن للصندوق توفير ٢٠٠ الف وظيفة مع ٢٠٢٠، ونحن نشهد تسريح مرتفع للعاملين في بعض شركات القطاع الخاص؟ والسؤال الثاني: إذا كان جل استثمارات الصندوق في الخارج، كيف يمكن الاستفادة منها في توظيف السعوديين؟
أما م. أسامة كردي فقال في مداخلته: سأستعير جملة مهمة من د. مشاري و هي ( هل نريد أن يكون لدينا ثروة أو أن نستطيع بناء اقتصاد و مواطن يصنع الثروة ) و الواقع أنه من المهم البحث في هذين الأمرين عند النظر في خطط و استراتيجيات الصندوق .. ففي رأيي أن هناك حاجة لتنسيق برامج الصندوق مع متطلبات الميزانية الحكومية و مع متطلبات الرؤية خاصة فيما يتعلق بدور القطاع الخاص السعودي في الاقتصاد .. فمن الملاحظ أن الصندوق يعتمد في نشاطاته على أمرين .. الشراكات الأجنبية و الشركات الحكومية .. مما سيؤدي إلى انخفاض كبير في نسبة مشاركة القطاع الخاص السعودي في الاقتصاد و بدلاً من الاعتماد على النفط كمصدر واحد للدخل الحكومي .. سيُصبِح الاعتماد على مصدر واحد آخر و هو الصندوق .. و البديل هو مأسسة مشاركة القطاع الخاص ( و المواطنين بشكل خاص ) في مشاريع و نشاطات الصندوق .. و لا يقصد بالمواطنين كموظفين فقط و لكن كذلك كمساهمين أفراد في شركات الصندوق و مشاريعه .. مما يجعل الصندوق أداة اقتصادية و ليس أداة تمويل للميزانية الحكومية.
الواقع يقول أن الصندوق تاريخياً وجه اهتماماته إلى الاقتصاد الوطني بشكل تام و هذه ميزة محمودة كما أنه لم يبادر بمشاريع أو استثمارات بل دعم و ساند استثمارات القطاع الخاص و هذه ميزة أخرى .. و بالمناسبة الصندوق لم يقرض الشركات السعودية بل دخل معها في شراكات.
وأشار د. ناصر القعود إلى الملاحظات التالية:
1- كان من المهم إعطاء خلفية عن انشاء الصندوق وما ساهم به في بناء الاقتصاد المحلي مثل إنشاء سابك وتملكه لها وتخصيص الاتصالات وتملك سكك الحديد وإقراضه لكبريات المشاريع في البتروكيماويات من باب التشجيع على إقامتها فضلا عن دخوله مساهما كبيرا في البنوك التجارية بهدف دعمها وتطويرها وما نتج عن هذه المشاريع من نمو أصوله ، ثم إنشاءه شركة سنابل.
كلنا متفائلون بالنقلة النوعية في صندوق الاستثمارات العامة في السنوات الثلاث الماضية ولكن لابد من الخلفية ومن أين جاءت أصوله.
2- الصندوق له أهداف معينة وسيشارك في التنمية والاقتصاد المحلي ولكن لا ينبغي أن نحمله كل متطلبات النهوض بالتنمية ، التعليم وغيره.
3- الصندوق من الصناديق السيادية يهتم باستمرار التنمية في المدى الطويل و مصلحة الأجيال القادمة فلا ينبغي أن يكون مصدرا للموازنة العامة بل مساهما في تنويع مصادر الاقتصاد الكلي وتوظيف الأيدي العاملة من خلال مشاريعه الداخلية والخارجية.
في حين تساءل د. خالد بن دهيش: فيما يتعلق بمدخرات موظفي الحكومة وموظفي القطاع الخاص لدى مؤسسة التقاعد ومؤسسة التأمينات الاجتماعية هل من المناسب استثمارها من قِبل المؤسستين ( التقاعد و التأمينات ) مع مؤسسة النقد أم سيكون من الأنسب قيام صندوق الاستثمارات العامة بذلك؟ وهل هناك جهة تراقب هذه الاستثمارات للمؤسستين وتنميها في ظل نظام حوكمة عالي الشفافية؟، حيث سبق أن أعلن عن توقعات بعدم قدرة المؤسستين من الوفاء بالتزاماتها نحو المدخرين وفق نظامهما الحالي.
وبدوره ذكر م. خالد العثمان أن من المخاوف التي يعبر عنها الكثيرون خاصة في جانب القطاع الخاص أن الصندوق ربما يتحول إلى منافس للقطاع الخاص بشكل أو بآخر، وبناء عليه تساءل: ما مدى صحة هذه المخاوف وكيف يمكن تحجيمها خاصة في ظل تأكيد الرؤية على دور القطاع الخاص في التنمية؟
وفي هذا الإطار يرى م. أسامة كردي أن صحة هذه المخاوف تتضح عند النظر إلى الأمور التالية:
1- أعداد الشركات الحكومية التي تم تسجيلها خلال السنوات الأخيرة و أحجام رأس أموالها العالية جدا .
2- الغياب التام لممثلي القطاع الخاص و رجال و سيدات الأعمال في كافة جلسات مبادرة الاستثمار إلا في المقاعد المخصصة للحضور.
3- لم يرد ذكر القطاع الخاص في جلسات مبادرة الاستثمار إلا لماماً و لم يرد بتاتاً في الجلسة الأولى. و الوحيد الذي أشار إليه هو ولي العهد.
المأمول أن ينتبه الصندوق لهذا الأمر و يعدل من خططه لتشمل القطاع الخاص و المواطنين.
وأضاف. أسامة كردي قوله: لم يكن الصندوق مبادراً إلا في القليل من هذه الشركات و من المؤكد أنه لم يكن مبادراً في شركة سابك .. و لكن إنشاء بعض الشركات مثل علم و سار أدت إلى حرمان القطاع الخاص و المواطنين من فرص استثمارية مهمة .. ومنحه القروض لبعض الشركات و المشاريع يؤكد أنه لم يبادر بإنشائها.
وأشار م. خالد العثمان إلى أن الشركات التي ذكرها د. ناصر وأسسها أو أسهم في تأسيسها صندوق الاستثمارات العامة سابقا هي شركات رائدة في قطاعاتها.. وهو ما يشير إلى إمكانية نجاح مبادرات الصندوق لتأسيس شركات جديدة تفتح أبوابا موصدة لقطاعات أخرى واعدة ومنها مثلا قطاع النفايات والطاقة وإعادة التمويل العقاري وغير ذلك.. هذه الريادة بقوة ومكانة الصندوق وما يجده من دعم حكومي عالي المستوى يمكن أن يكون ميزة إيجابية تبتعد به عن فكرة احتمال منافسته للقطاع الخاص .. بل بالعكس.. هو يفتح أمام القطاع الخاص أبوابا لقطاعات جديدة.
وحول الأثر الاجتماعي لاستثمارات الصندوق التي يفترض أن تعود للمواطن ، أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أنه يتمثل في أن يكون للصندوق دور كبير في الإسهام نحو تقديم خدمات اجتماعية متعددة الأوجه ؛ وذلك من خلال دعم الصندوق للقطاعات المسؤولة عن الخدمات العامة كافة. و تعظيم الربحية أحد الأسس لمنطلقات الصناديق السيادية، إنما المطالبة بدورة لخدمة المجتمع يعد ركيزة أساسية في الوصول إلى التنمية بعد التدرج في النمو من خلال أكثر من صعيد. والمقصد هنا أن يكون للصندوق دور في الدعم ماليا لخدمة المجتمع ، سواء ضمن ميزانية الدولة أو بجانبها.
وفي تصور أ.د. صدقة فاضل فإن هناك ، كما يقول خبراء الاقتصاد والتخطيط ، ثوابت استثمارية أثبتت جدواها عالميا ، في متقدم الدول وفى متأخرها . ومن ضمن تلك الثوابت : تنويع مصادر الدخل ، التركيز على التعليم وخلق جيل متعلم بالفعل علميا وتقنيا ، إنشاء صندوق سيادي له فروع عدة …. الخ . ثم وضع الخطط الخمسية لتنفيذ الثوابت وغير الثوابت حسب الأحوال . قد كانت هناك دعوات قديمة لإنشاء صندوق سيادي سعودي على غرار صندوق الكويت . ولا ندرى لم تأخر انشاء هذا الصندوق كل هذه المدة رغم مناداة الخبراء به عدة مرات ورغم دعوة بعض أعضاء مجلس الشورى لإقامته منذ العام 1426هـ. ونحمد الله أن شرع في إقامة هذا الصندوق مؤخرا .
وتطرقت د. هند الخليفة إلى أن من الآثار الاجتماعية الهامة، تعزيز التنمية المستدامة والتي من شأنها الحفاظ على ثروات الوطن للمواطنين والأجيال القادمة. وتمكين الأفراد ورفع القدرات بما يتناسب ومتطلبات المرحلة وسوق العمل، بحيث تصبح الموارد البشرية عنصرا أساسيا في استدامة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويتزامن مع توفير الخدمات العامة بأعلى مستوى للمواطنين، بناء الانسان والاستثمار فيه ليصبح شريكا أساسيا مسؤولا عن إنتاج هذه الخدمات والاستفادة منها والحفاظ عليها. ويأخذ بِنَا هذا الحديث، إلى التأمل في نوعية الخدمات والهدف منها وتأثيرها الاجتماعي والإنتاجي والاستهلاكي، وعلى الرقي والذوق العام.
وركز م. محمد الشهري في مداخلته على الاستثمارات الداخلية للصندوق؛ حيث قام الصندوق مؤخرا بالاستحواذ على بعض المشاريع العقارية وبعض الشركات الخدمية … مثل مركز الملك عبدالله المالي والشركات التابعة للأمانات وقطاع الترفيه وغيرها. وتكمن الخطورة في أن الصندوق مملوك بالكامل للدولة و سوف يدخل منافسا للمستثمرين (أشخاص أو شركات مساهمة) في القطاعات الاقتصادية.
إن مثل هذا التوجه سيكون له تداعيات على القطاع الخاص ونموه لاسيما وأن الصندوق يستطيع أن يتمتع ببعض المزايا و القوة المالية و الاستثناءات التي لن يتمكن غيره منها .. ومثال على ذلك عند إنشاء مركز الملك عبدالله المالي أحدث صدمة كبيرة على المستثمرين في قطاعات التطوير العقاري في مدينة الرياض واضطر الكثير منهم إما للتخلي عن مشاريعهم أو تغيير الاستخدامات لأنهم لا يستطيعون التنافس مع كمية وحجم المنتجات العقارية التي ضخها المشروع في السوق .. وسيكون نفس التأثير في قطاعات أخرى كالترفيه والاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها.
وأيد م. أسامة كردي ما ذهب إليه د محمد الشهري، كونها برأيه هي مخاوف حقيقية من استحواذ القطاع الحكومي ( الصندوق و الشركات الحكومية المتعددة التابعة للدوائر الحكومية المختلفة ) على فرص الاستثمار و العمل في الاقتصاد المحلي. وحول كيفية تعامل القائمين على الصندوق مع هذه المخاوف يرى إمكانية أن يتم ذلك من خلال خطة واضحة و محددة للشراكة مع القطاع الخاص يتبعها إجراءات تنفيذية تضع الثقة لدى القطاع الخاص مع تحديد قطاعات متروكة للقطاع الخاص تماماً مع عضوية للقطاع الخاص في مجلس إدارة الصندوق و لجانه الرئيسيّة.
وتساءل م. خالد العثمان حول مبادرة مستقبل الاستثمار التي نظمها الصندوق قبل فترة قصيرة، وهل حققت أي أثر في التعريف بالصندوق وبرامجه وخططه بشكل كاف؟
وفي هذا السياق أوضح د. إحسان بو حليقة أن الصندوق استخدم المناسبة لجلب أكبر عدد من المستثمرين والمؤثرين في عالم الاستثمار. وكان واضحاً اجمالاً أن الصندوق وجه المناسبة لجلب شركائه أو من يتطلع في أن يصبحوا شركائه. وليس في ذلك ما يعيب. لكن كان هناك غياب لتناول أنشطة الصندوق المحلية، بما في ذلك إبراز شركائه وممتلكاته المحلية، من باب بيان التزامه بنمو وتنويع الاقتصاد السعودي ليس فقط من خلال المشاريع الجديدة العملاقة مثل نيوم والبحر الأحمر والقدية. أما من ناحية إعلان الصندوق استراتيجيته المستهدفات، فقد بينها بجلاء ووضوح، لكنه لم يصرف كثير من الوقت في تناولها، بل ركز جل اهتمامه لاستقطاب المستثمرين المحتملين.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن الصندوق منذ ضمه إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ، وهو فاعل نحو الاستثمارات الدولية ، ولم يلتفت إلى المحلي ، مسألة مبادراته لمشاريع ( القدية والبحر الأحمر ونيوم ) تلك مشاريع تعد دولية أيضا لضخامة حجمها ، ولهذا فإن المواطن يود أن يلمس استثمارات محلية تعود إليه بالنفع اجتماعيا واقتصاديا.
وعقب د. إحسان بو حليقة بأن للصندوق استثمارات محلية. فقد كان تركيزه في السابق داخلياً. السعي الآن أن يجلب استثمارات جديدة تساهم في تنويع الاقتصاد في القطاعات الغائبة من هيكل الاقتصاد المحلي.
وذكر د. خالد بن دهيش أنه وبالنظر إلى أهداف صندوق الاستثمارات العامة المتمثّلة في:
- تعظيم قيمة أصول الصندوق.
- إطلاق قطاعات استثمارية جديدة.
- توطين التقنيات والمعارف المتقدمة.
- بناء الشركات الاقتصادية والاستراتيجية.
ولتحقيق ذلك نفذ الصندوق عدة أنشطة ليصبح من أهم صناديق الثروة السيادية في العالم وأكثرها تأثيراً منها:
- أنشطة لتطوير الخبرات بالصندوق واستقطاب كفاءات مؤهلة فزاد عدد الموظفين ثلاثة أضعاف ليصل إلى 200 موظف وموظفة.
- تطوير شامل بأنشطة الاستثمار وأطر الحوكمة والجوانب القانونية وأنشاء أدارات جديدة بالصندوق مثل إدارات المخاطر والالتزام والتمويل.
- تنظيم مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالمملكة والذي دعي له وحضره 2500 مستثمر ومهتم بالاستثمار.
- إضافة للزيارات الناجحة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس إدارة الصندوق للولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي وعقد عدة اتفاقيات مع قادة الشركات العالمية الكبرى للاستثمار بالمملكة.
- التوصيات المقترحة
في تصور م. حسام بحيري فإن من أهم الاشتراطات التي ستمكن الصندوق السيادي من تحقيق أهدافه هي الاحترافية والاستقلالية. ومن ثم فإدارة الصندوق لابد أن تكون من قبل مختصين محترفين في قطاع الأعمال المصرفية والمال والأسواق العالمية بغض النظر عن جنسياتهم.
الاستقلالية في اتخاذ القرار مهمة جدا نظرا لأن قرارات الصندوق السيادي لابد أن تكون اقتصاديه استثمارية بحتة وبعيدة عن الضغوط أو المجاملات السياسية في الاستثمار. فلا داعي لتوجيه الاستثمارات إلى أسواق دول نملك علاقات سياسية قوية معها وتعاني من مشاكل اقتصادية ونسبة خطورة عالية للاستثمار بأسواقها.
وأكد د. عبد الله بن صالح الحمود على ما ذهب إليه م. أسامة كردي ، وهو وجوب حرص القائمين على صندوق الاستثمارات العامة من السعي إلى مشاركة القطاع الخاص وكذا عامة المواطنين كشركاء في نمو الناتج المحلي ؛ شراكة عبر اكتتاب عام في الشركات أو المنشآت التي يدخل فيها صندوق الاستثمارات العامة كشريك أو مؤسس.
بينما ذهب أ.د. صدقة فاضل إلى أن ما نتمناه الآن أن يدار بحكمة وشفافية وتحت إشراف أمين كما هو مأمول ومتوقع . ويمكن الإفادة من تجربة مملكة النرويج بهذا الخصوص . إنها تجربة رائدة ورائعة وتحقق أكبر قدر ممكن من مبدأ حسن توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية .
ومن وجهة نظر م. خالد العثمان فإن تعظيم وتنويع مصادر الدخل ضمانة للاستقرار والرخاء الاقتصادي الذي يمثل أساسا للرخاء الاجتماعي للمواطنين؛ لكن هذا الواقع يبرز أهمية رفع كفاءة إدارة الصندوق وهو ما يستلزم آلية للحوكمة المتزنة بين المرونة والحصافة.
ويرى م. محمد الشهري- بناء على ما طرحه في مداخلة سابقة – ضرورة ألا يكون الصندوق منافسا مباشرا للقطاع الخاص و أن يحدد دور الصندوق في طريقة استثماراته داخليا وأن يقتصر دوره في الاستثمار في شركات مساهمة أو ما شابه ذلك وليس التملك بالكامل، أما بالنسبة للاستثمارات الخارجية فالمجال مفتوح بالكامل.
وفي تصور أ. عبير خالد فإن الحديث عن صندوق الاستثمارات وبحثه عن فرص ملائمة محلياً وعالمياً لا يمكن أن يكون مكتملاً دون التطرق للجوانب الإعلامية، والاتصالية. وبالنظر للاستراتيجيات الحديثة لصندوق الاستثمارات العامة، والتطلع لتنويع موارد الخزنة العامة، ثم الوصول لمراتب السيادة الاقتصادية في العالم فإننا اليوم بأمس الحاجة لزرع الثقة لدى المستثمرين العالمين بهدف استقطابهم وذلك عن طريق الحملات الإعلامية.
ويمكن أخذ تجربة اليابان بعيد الحرب العالمية الثانية كمثال على ذلك فقد تبّنت آنذاك عدد كبير من الحملات الإعلامية لبناء الثقة لدى المستثمرين الخارجيين عن اليابان، وقد نجحوا بالفعل في إقناع المستثمرين بجدية اليابانيين، وكفاحهم، رغم الأثر المدمي الذي تسببتا به هيروشيما وناجازاكي على اقتصاد الدولة ككل آنذاك. أو يمكن النظر للحملات التي نفذتها ماليزيا لاستقطاب مستثمرين عالميين مطلع الثمانينات كمثال آخر.
وتنبع أهمية توظيف الإعلام والعلاقات العامة عند استقطاب مستثمرين أجانب في:
1- توفير الأجوبة لتساؤلات المستثمرين في الخارج عن المملكة.
2- إقناعهم بجدوى الاستثمار.
3- تبديد مخاوف المستثمرين.
4- إبداء انفتاحنا تجاه معلومات سوقنا الاستثماري.
5- الظهور إعلامياً كند وكحليف للدول المستقطبة لكبار المستثمرين.
فالعلاقات العامة والحملات الإعلامية يفترض أن تعمل هنا كاستراتيجية نمو لصندوق الاستثمارات العامة، تبني له هوية مميزة خارجياً وتزيد من وعي الآخرين به.
في حين ترى د. الجازي الشبيكي أهمية تركيز خطط الصندوق على بناء قدرات اقتصاد ومواطن يصنعون الثروة والدخل للبلاد بخط متوازي مع الاهتمام بحجم الثروة نفسها المـُستهدف الحصول عليها في إطار تنويع مصادر الدخل تحقيقاً لرؤية المملكة 2030. وأيضا ، من المهم أن يركز الصندوق على الاستثمار في الخدمات التي يحتاجها المواطن بالدرجة الأولى قبل الخدمات التي تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة.
واتفقت د. الجازي كذلك مع ما ذكره د. مشاري النعيم ، من أهمية أن يصاحب توجهات الصندوق الاستثمارية تحولاً على مستوى المؤسسات التعليمية والبحثية ، بحيث تساهم المنظومة المُتكاملة بتخطيطها بعيد المدى السليم في إحداث التحول المعرفي والتقني المطلوب .
والنقطة الأخيرة أن يساهم صندوق الاستثمارات العامة في إعادة شيء من التوازن في المستويات الاقتصادية والمعيشية للمواطنين الذين تسببت لهم قضايا الفساد في العقود الماضية في حدوث فجوة كبيرة زادت الأغنياء غنىً والفقراء فقرا. لعله يكون في هذا التوازن دعماً لعودة الحياة الطبيعية في المستوى المعيشي للطبقات المتوسطة.
أما د. خالد بن دهيش فيري أهمية أن يعلن الصندوق تقارير دورية أسوة بالبنوك تظهر إنجازاته وأرباحه وأهم المعوقات والحلول التي وضعت لها. كما أتمنى أن يكون تركيزه في مجال الاستثمار في مجالات الطاقة البديلة والتنوع الاقتصادي والاقتصاد المعرفي والاستعداد لمتطلبات التغير المناخي المستقبلي.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- د. إحسان بو حليقة
- م. أسامة كردي
- أ. أسمهان الغامدي
- د. الجازي الشبيكي
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حمزة بيت المال
- د. حميد المزروع
- م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- د. خالد الفهيد
- أ. خالد الوابل
- د. خالد بن دهيش
- د. زينب إبراهيم
- أ. سمير خميس
- أ.د صدقة فاضل
- د. عبدالرحمن الهدلق
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبدالله العساف
- أ. عبد المحسن القباني
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- د. عبير برهمين
- أ. عبير خالد
- أ. علياء البازعي
- اللواء د. علي الحارثي
- د. فهد الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. لمياء العنزي
- أ. محمد بن فهد العمران
- م. محمد الشهري
- د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
- د. مشاري النعيم
- د. منصور المطيري
- د. منيرة الغدير
- د. ناصر القعود
- د. نوال الضبيبان
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
- د. هند آل الشيخ
- د. هند الخليفة
(1) – أحمد الصفتي: الخليج نموذجاً: مستقبل الصناديق السيادية في الاقتصاد العالمي، منشور بتاريخ الخميس, 28 أبريل, 2016، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، https://futureuae.com
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 32