التقرير الشهري 33

ديسمبر 2017 م

ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر ديسمبر 2017 م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:

  • ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية والمساهمة في إيرادات الموازنة العامة.
  • جدلية الاعلام والدعاية.. على موقع التواصل الاجتماعي – تويتر – المنافع والأضرار.
  • الهوية الثقافية إلى أين؟
  • منظمة اليونسكو.. ماذا استفاد العرب؟

محتويات التقرير

المحور الأول: ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية والمساهمة في إيرادات الموازنة العامة

  • الورقة الرئيسة: د. ناصر القعود
  • التعقيب الأول: أ. محمد العمران
  • التعقيب الثاني: أ. جمال ملائكة
  • إدارة الحوار: م. حسام بحيري
  • المداخلات حول القضية:
  • أبعاد تطبيق ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية
  • التوصيات المقترحة

المحور الثاني: جدلية الاعلام والدعاية.. على موقع التواصل الاجتماعي – تويتر – المنافع والأضرار

  • الورقة الرئيسة: أ. لمياء العنزي
  • التعقيب الأول: أ. سمير خميس
  • التعقيب الثاني: أ. ياسر المعارك
  • إدارة الحوار: أ. أسمهان الغامدي
  • المداخلات حول القضية:
  • الإشكالات ذات الصلة باستخدامات موقع التواصل الاجتماعي تويتر
  • التوصيات المقترحة

المحور الثالث: الهوية الثقافية إلى أين؟

  • الورقة الرئيسة: د. زينب إبراهيم
  • التعقيب الأول: د. نوال الضبيبان
  • التعقيب الثاني: أ. مها عقيل
  • إدارة الحوار: د. الجازي الشبيكي
  • المداخلات حول القضية:
  • الهوية الثقافية والإشكالات المتضمنة
  • التوصيات المقترحة

المحور الرابع: منظمة اليونسكو.. ماذا استفاد العرب؟

  • الورقة الرئيسة: د. زياد الدريس
  • التعقيب الأول: د. سعود كاتب
  • التعقيب الثاني: أ. آمال المعلمي
  • إدارة الحوار: أ. عبدالرحمن الطريري
  • المداخلات حول القضية
  • التوصيات المقترحة

المحور الأول

ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية

 والمساهمة في إيرادات الموازنة العامة

الورقة الرئيسة: د. ناصر القعود 

تتطرق الورقة إلى تعريف هاتين الضريبتين ، وخلفية عن مراحل فرضها في إطار مجلس التعاون، ودول المجلس التي شرعت في تطبيقها ، ثم تتناول بعض جوانب ضريبة القيمة المُضافة ليكون ذلك مدخلا ومحفزا لمناقشة الموضوع..

ضريبة السلع الانتقائية :

تفرض الضريبة الانتقائية على السلع المضرة للصحة العامة أو البيئة كما تفرض على بعض السلع الكمالية وتفرض بنِسَب متفاوتة. والسلع الخاضعة لهذه الضريبة في المملكة وفي بقية دول مجلس التعاون ( طبقت في الوقت الحاضر في المملكة والإمارات فقط ) هي:

–         المشروبات الغازية بنسبة ٥٠ في المائة.

–         مشروبات الطاقة بنسبة ١٠٠ في المائة.

–         التبغ ومشتقاته بنسبة ١٠٠ في المائة.

وقد اعتمد مجلس التعاون الخليجي الاتفاقية الخليجية الموحدة للضريبة الانتقائية في نوفمبر ٢٠١٦م. وبعد مصادقة المملكة عليها صدر نظام ضريبة السلع الانتقائية ، وصدرت لائحته التنفيذية في يناير ٢٠١٧م. وآلية تحصيل هذه الضريبة تتمثل في الآتي :

1-   بالنسبة للمنتج المحلي ، يقدم اقراراً ضريبياً كل شهرين عن البضاعة المطروحة للاستهلاك من تاريخ الانتاج و سداد الضريبة المستحقة على ذلك خلال ١٥ يوماً من تقديم الإقرار .

2-  بالنسبة للمستورد ، يقوم بسداد الضريبة على السلع الانتقائية لكل بيان جمركي في مصلحة الجمارك ، وفي نهاية كل شهرين تقوم هيئة الزكاة والدخل بمراجعة احتساب الضريبة للبيانات الجمركية عن الفترة ومطالبة المستورد بالفروقات إن وجدت.

ضريبة القيمة المُضافة :

هي ضريبة غير مباشرة ( أي ليست على الدخل مباشرة ) تفرض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها أو بيعها من قبل المنشآت (هناك استثناءات ستأتي لاحقا ).

تفرض ضريبة القيمة المُضافة في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمداد ، ابتداء من الانتاج ومرورًا بالتوزيع وحتى مرحلة البيع النهائي للسلعة أو الخدمة .

يدفع المستهلك تكلفة ضريبة القيمة المُضافة على السلع والخدمات التي يشتريها للمنشآت وبدورها تقوم المنشآت بدفعها للحكومة وتسترد ضريبة القيمة المُضافة التي دفعتها على مدخلات الانتاج .

ومن الجدير بالذكر أن ضريبة القيمة المُضافة ظلت تدرس في مجلس التعاون أكثر من عشر سنوات وحظيت بمناقشات ودراسات وورش عمل بالتعاون مع البنك الدولي إلى أن اعتمد مجلس التعاون الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة الموحدة في يونيو ٢٠١٦ وتضمنت الاتفاق على النسبة ٥ في المائة وعلى الأطر وآليات التنفيذ والسلع والخدمات والقطاعات المستثناة من فرض الضريبة. وأعطت المادة ٢٩ من الاتفاقية مرونة للدول الأعضاء بأن تعفي أو تخضع للضريبة بنسبة صفر القطاعات التالية:

–         قطاع التعليم.

–         القطاع الصحي.

–         القطاع العقاري.

–         قطاع النقل المحلي.

–         قطاع النفط والغاز.

–         وسمحت لها باستثناء بعض الجهات ( الحكومية ، والخيرية والنفع العام …)

وقد صادقت المملكة على الاتفاقية الموحدة في فبراير ٢٠١٧، وأصدرت نظام ضريبة القيمة المُضافة واللائحة التنظيمية له وقررت تطبيقها ابتداء من الأول من يناير ٢٠١٨.

واستثنى النظام السلع والخدمات التالية :

1-   الأدوية والأجهزة الطبية المحددة والمعتمدة من وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء.

2-  بعض الخدمات المالية مثل الحسابات الجارية والايداع والتوفير والفائدة على القروض وبطاقات الائتمان والرهن والتمويل التأجيري.

3-   إيجارات العقارات السكنية.

4-   الخدمات الحكومية مثل تجديد جوازات السفر ورخصة القيادة .

5-  توريدات استثمارات الذهب والفضة والبلاتين على أن لا يقل نقاؤها عن ٩٩ في المائة وقابلة للتداول في سوق السبائك العالمية.

6-   النقل الدولي .

7-   الصادرات إلى خارج دول مجلس التعاون الخليجي .

والمنشآت الملزمة بالتسجيل لأغراض هذه الضريبة تلك المنشآت التي تكون إيراداتها ٣٧٥ ألف ريال أو أكثر . وقد ألزمت الهيئة المنشآت المؤهلة التي تزيد إيراداتها عن مليون ريال بالتسجيل في موعد لا يتجاوز ٢٠ ديسمبر ٢٠١٧ بينما منحت المنشآت الصغيرة التي تتراوح إيراداتها ما بين ٣٧٥ ألف و مليون ريال مهلة حتى ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨ .

والإجراءات اللازمة لتطبيق هذه الضريبة دقيقة وطويلة ولذلك لم تطبق حتى الآن، وابتداءً من يناير القادم، إِلَّا في المملكة والإمارات نظرا لاستعدادهما المبكر لتطبيقها خلافاً لبقية دول المجلس .

وهذه الضريبة هي أوسع الضرائب انتشارًا حيث تطبق ضريبة القيمة المُضافة في ١٦٠ دولة، وتختلف نسبة الضريبة من دولة إلى أخرى ما بين ٥ في المائة إلى ٢٢ في المائة. وتعد هذه الضريبة مصدرا رئيسا للإيرادات الضريبية التي تساهم في إيرادات الموازنة العامة ؛ حيث تشكل على المستوى العالمي حوالي ربع الإيرادات الضريبية الكلية وما يقارب ٥ في المائة من الناتج المحلي الاجمالي ؛ وذلك لشمولها معظم السلع والخدمات .

وفيما يتعلق بدول مجلس التعاون وحيث نسبة الضريبة ٥ في المائة ، فإن صندوق النقد الدولي يقدر بأنها تتراوح ما بين ٠.٨ -١.٦ في المائة من الناتج المحلي الاجمالي  وتقديره للمملكة وبعد اكتمال تطبيقها ١.٦ في المائة من الناتج المحلي أي ما يقارب ٤٠ (أربعين) مليار ريال .

ولضريبة القيمة المُضافة ايجابيات وسلبيات. فهي تنوع مصادر الإيرادات الحكومية وتقلص العجز في الموازنة العامة وفي حال الدول النفطية تقلل من الاعتماد على إيرادات النفط ، يضاف إلى ذلك أنها قد تساعد على ترشيد الاستهلاك ، وأنها ليست متحيزة ضد الادخار والاستثمار وتشجع على التصدير .

ومن سلبياتها أنه يتحملها المستهلك وتفرض بنِسَب متساوية على الجميع دون أخذ مستوى الدخل في الاعتبار ، وترفع أسعار السلع والخدمات مما قد يؤدي إلى زيادة في معدل التضخم، وقد تؤدي إلى تراجع في مستوى الإنفاق العائلي ما لم يعوّض بزيادة في الإنفاق الحكومي المحلي.

التعقيب الأول: أ. محمد العمران  

بالنسبة لضريبة السلع الانتقائية (الضارة) فلا يختلف أحد على أهميتها للمجتمع السعودي ليس من المنظور الاقتصادي فقط بل من المنظور الاجتماعي و الصحي حيث أنها ستسهم بشكل كبير في رفع مستوى الوعي بالسلع الضارة و ستعمل حتماً على تقليل استهلاك هذه السلع الضارة من خلال زيادة إيرادات الدولة بآلية تسمح للدولة بالتدخل المباشر بشكل يتماشى كثيراً مع مفهوم النظرية الكينزية الشهيرة (تماماً كما فعلت الدولة سابقاً مع صندوق الموارد البشرية الذي يتم تمويله من فرض رسوم على العمالة الأجنبية).

 الآن من المنظور الاقتصادي، من المتوقع أن تدر ضريبة السلع الانتقائية (الضارة) إيرادات مباشرة للدولة ستتراوح ما بين 10-15 مليار ريال سنوياً، لكن المهم هنا أن تطبيق هذه الضريبة و الذي بدأ العمل بها في أبريل 2017م سيحقق وفورات كبيرة جداً للدولة (و تحديداً في موازنات وزارة الصحة) أو حتى الأفراد أنفسهم في المستقبل البعيد من خلال تقليل احتمالات أصابتهم بالأمراض المرتبطة بالسلع الضارة و هي وفورات بمبالغ ضخمة يصعب قياسها بلا شك لكنها مهمة جداً من المنظور الصحي و الاجتماعي.

 أما ما يتعلق بتطبيقها فهي سهلة و مرنة بالمقارنة مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة، حيث أن تطبيق ضريبة السلع الانتقائية (الضارة) سيركز فقط على الإقرارات الضريبية و الفواتير التي تصدر من المصنع الداخلي و المستورد، و هي عملية تمت بسهولة و لم تواجه أي عقبات منذ بدء تطبيقها و حتى الآن.

 بالنسبة لضريبة القيمة المضافة، فهي ضريبة أكثر تعقيداً و أكثر أهمية (على الأقل بالنسبة للدولة) حيث أن الإيرادات المتوقعة للدولة ستتراوح ما بين 25-35 مليار ريال سنوياُ فيما سيسهم تطبيق هذه الضريبة في ترشيد و تقنين الإنفاق (و خصوصا الاستهلاكي منه) و بشكل كبير مع ارتفاع أسعار غالبية السلع و الخدمات بنسبة 5% و هذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع التضخم (تكاليف المعيشة) بنسبة لن تقل عن 4% اعتبارا من يناير 2018م و هذا ما ذكره د. ناصر في ورقته ضمن السلبيات المرافقة لتطبيق الضريبة.

 على الرغم من أن هذه الضريبة سيتحملها المستهلك النهائي، إلا أن تطبيقها سيشمل جميع الكيانات من شركات و مؤسسات و أفراد على شكل سلسلة كما أوضح ذلك أيضاً د. ناصر في ورقته.  فمثلاُ سيتضمن الإقرار الضريبي لصاحب العقار التجاري مبلغ إضافي بنسبة 5% على قيمة الإيجارات التجارية يدفعها مباشرة للدولة، بعد ذلك سيتضمن الإقرار الضريبي للمستأجر التجاري طلب استرداد 5% التي دفعها لصاحب العقار مع سداد مبلغ إضافي بنسبة 5% على أسعاره من بيع السلع و الخدمات، و هكذا دواليك مع تاجر التجزئة حتى تصل للمستهلك النهائي الذي سيتحمل دفع 5% من قيمة السلع و الخدمات دون أي حق لاسترداد أي مبلغ.

 يجب الإشارة إلى أن هناك بعض المشاكل التي ستواجه تطبيق ضريبة القيمة المضافة، منها مثلاً عدم وضوح آلية التطبيق بين المحاسبين في كيانات القطاع الخاص من شركات و مؤسسات فردية و أفراد و لدى العاملين في الهيئة العامة للزكاة و الدخل، و عدم وضوح من سيتوجب عليه التسجيل في ظل اعتقاد الأفراد أنهم سيكونون معفيين من التسجيل، و عدم وضوح كيفية تعبئة الإقرارات الضريبية و سدادها بحكم أنها تجربة جديدة لأول مرة.

 في الختام أتفق تماماً مع ذكره د. ناصر في سرده للإيجابيات و السلبيات المتعلقة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، و هنا يجب ملاحظة تلميح معالي وزير المالية مؤخراً لوسائل الإعلام عن احتمال تبني الدولة لسياسة مالية توسعية في الموازنة العامة لعام 2018م ستعتمد على زيادة جيدة في الإنفاق الحكومي و هي في رأيي الشخصي إشارة إلى رغبة الدولة في تخفيف الآثار السلبية المتوقعة لارتفاع التضخم و هو بلا شك تصرف حكيم آخذين في الاعتبار أن أثر ارتفاع التضخم سيكون مؤقت حيث من المتوقع أن يتوقف هذا الارتفاع اعتبارا من بداية 2019م بإذن الله تعالى.

التعقيب الثاني: أ. جمال ملائكة   

أود أن أطرح هنا ما يتعلق بأهمية الضريبة المضافة و الجدل الذي نسمعه بخصوصها. كما أشار د. ناصر تقريبا تطبق كل دول العالم الضريبة المضافة بنسبٍ مختلفة و تعتبر نسبة ال ٥٪‏ (وشخصيا أري زيادتها في “الوقت المناسب”) من أدني النسب و هي ضرورية جدا لموازنة الدول و تنويع مصادر الدخل للموازنة خاصة في بلد يعتمد اعتماد شبه كلي علي النفط و بالتالي ففرض الضرائب بكافة أنواعها و ليس فقط المضافة أمرٌ حيوي لأسباب واضحة. و لكن هناك شروط أيضا “حيوية” لتطبيق الضريبة المضافة و غيرها من الضرائب:

1-   أن يتم دعم ذوي الدخل المحدود و يتم احتساب ذلك باحترافية شديدة.

2-   أن يتم الاستمرار بمحاربة الفساد بكافة أشكاله.

3-  أن يتم تقديم الخدمات بأعلى معايير الكفاءة التشغيلية و الادارية (كون دخل الضريبة يُوجه لهذه الخدمات و من حق الناس أن تجد الخدمة لقاء ما سددته من ضرائب). و هنا نلفت الانتباه أنه لا بد من حسن اختيار المؤهلين و الشرفاء لإدارة منشآت الخدمات العامة.

4-   لا أري من بأس أن الضريبة المضافة تُطبق علي الجميع لأن ذوي الدخل المحدود يتم دعمهم.

5-  طالما يسدد الشعب ضرائب للدولة فمن حق الشعب المراقبة و المسائلة و الحساب. و لا بد من الوصول الي “ألية” لذلك و العالم ملئ بهذه الأليات.

و بالنسبة للضريبة الانتقائية فهي ضرورية جدا لحماية الصحة العامة و أيضا توجيه بعض مداخيل هذه الضريبة للخدمات الصحية التي تتسبب بها تناول المنتجات الضارة. و المفترض أن تكون هذه الضريبة عالية جدا للحد من الأضرار الي أدني حدٍ ممكن.

أما بالنسبة لما سيحدث من تضخم فهو أمرٌ واقعي علي الشعب التأقلم معه بإعادة حسابات مصروفاته و يقوم بالتقليل مما ليس منه ضرورة أو حتي وقف الصرف علي بعض البنود الغير ضرورية فالشعب السعودي مثله مثل أي شعب في العالم عليه التأقلم مع الظروف الاقتصادية المتغيرة خاصة أن الدعم سيكون موجها لذوي الحاجة.

المداخلات حول القضية:

  • أبعاد تطبيق ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية

أشارت د. نوف الغامدي إلى أنه و للحد من الاعتماد على عائدات النفط وإنشاء تدفق دخل إضافي فمن المهم الإشارة إلى أن الإيرادات التي تحصلها الحكومة ستستخدم في تطوير البنية الأساسية، وحسب التقرير الربعي للميزانية ذكر أن الإيرادات من الضرائب تقدر بـ 64.995 من إجمالي الإيرادات غير النفطية للربع الأول والثاني والثالث وهي تشمل الضرائب على السلع والخدمات، وضرائب على التجارة والمعاملات، وضرائب أخرى منها الزكاة مما له أثر كبير على نمو إيرادات الدولة .

ضريبة القيمة المضافة لها تأثيرات على المجتمع وبيئة الأعمال وسوق العمل والحكومة، فهي ضريبة يجب أن يدفعها المستهلكون النهائيون. وسيؤدي ذلك إلى زيادة أسعار السلع والخدمات، وبالتالي ستنخفض القوة الشرائية على افتراض أن الدخل سيظل ثابتاً من دون تغيير ، وبما أن نسبة الضريبة المطبقة 5٪ فهي نسبة منخفضة مقارنة بما هو مطبق في أجزاء أخرى من العالم. لذا ليس من المتوقع أن يكون تأثيرها شديداً، ولكنه سيظل يؤثر في القوة الشرائية عند مستوى الاستهلاك العادي .

ويختلف هيكل تطبيق ضريبة القيمة المضافة عن ضريبة المبيعات، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن كل سلسلة توريد يجب أن تطبق وتحصّل وتصرّح عن الضرائب. ويتعين على الأعمال إجراء تغييرات في العمليات والتكنولوجيا والموارد البشرية لديها، لضمان امتثالها الكامل للمتطلبات الحكومية، وسيتضمن ذلك تكلفة إضافية للقيام بهذه الأعمال، قد لا يكون لدى الشركة أو المؤسسة المنتجة القدرة على تحمل الضرائب الإضافية التي تترتب على كل مرحلة من مراحل الإنتاج، وهذا ممكن في حال كان باستطاعة بعض الشركات المنتجة تحمل 3% من حجم الضرائب المضافة على الأقل، إلا أن تاجر الجملة في معظم الأحيان لا يتحمل ذلك، لذلك فإن تكاليف العاملين والبحث وتطوير السلع وما يترتب على ذلك من نفقات تتغير بشكل غير ثابت ولا يتناسب مع الزيادة الضريبية المطردة، والسبب الثاني الذي يجعل من تأثير ضريبة القيمة المضافة تأثيراً سلبياً، أن مرونة الطلب على السلع المنتجة لا تتوفر بشكل دائم، كما أن الزيادة التي تصل إلى 5% على كل عنصر من عناصر السلعة، والطلب تتفاوت بنسبتها بين السلع والخدمات المختلفة، وهنا تكون زيادة سعر السلع من أجل تعويض الأموال المدفوعة على ضريبة القيمة المُضافة، وبالتالي ستنعكس على المستهلك ذي الدخل المحدود.

ومن المتوقع أن ترتفع أسعار التأمين على المركبات مع بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، متأثرة بالزيادة المتوقعة على أسعار قطع غيار السيارات، وأجور الإصلاح والصيانة، فشركات التأمين ستربط تسعيرة وثائق تأمين المركبات، بنتائج القوائم المالية للشركات، وأسعار قطع الغيار وتكلفة الإصلاح بورش السيارات.

وسوف ينتج عن قانون ضريبة القيمة المضافة طلب جديد للأعمال على صعيد الموارد البشرية من المهارات والكفاءات (مثل المحاسبين والمستشارين المتخصصين بالضرائب). وعلى الرغم من أن الأعمال ستحاول تقليص هذه التكاليف عن طريق تفويض هذه المسؤوليات إلى الموظفين الحاليين (أي المحاسبين)، فإن الضرائب تعتبر مجالاً جديداً يمكن أن تتعرض الأعمال لعقوبات شديدة في حال حدوث أخطاء، أو عجز عن تقديم سجلات كافية وقت تقديم العائدات الضريبية. ومن المتوقع أن تستعين الأعمال بخبراء ضريبة القيمة المضافة للقيام بهذا الجانب الإلزامي من التقارير.

ومن وجهة نظر د. هند آل الشيخ فإن ضريبة القيمة المُضافة هي ضريبة على الفرق بين التكلفة للسلع والخدمات وسعر البيع النهائي وهي مختلفة عن ضريبة الدخل المرتبطة بمستوى دخل الفرد كما طرح البعض. وتأثيرها على جميع المستهلكين باختلاف مستوياتهم الاقتصادية لكن بطبيعة الحال الأكثر دخلا أكثر استهلاكا.

وضريبة القيمة المُضافة يدفعها جميعنا في الخارج دون اعتراض وهي مطبقة في أغلب الدول لكن هناك نظام لاسترجاع هذه الضريبة إذا كنت غير مواطن ؛ لأن الضرائب المحصلة في الخارج يحكمها نظام معلن ، ويتم الإفصاح عن حجم المحصل من الضرائب  و يعلن عن أوجه صرفها.

ما يقلق الكثيرين هنا أن الشفافية ومعايير الحوكمة لدينا في المملكة موضع شك لدى الغالبية مثل ما حدث مع صندوق الموارد البشرية وكثير من الرسوم الحكومية التي يتم تحصيلها ولا يتم الإفصاح عن أوجه صرفها .

ومن ناحيته قال م. حسام بحيري: إذا تطرقنا للقضية من منظور آخر وهو مع تباطؤ الوضع الاقتصادي الحالي ومحاولة رفع الدعم عن سلع رئيسية مثل الوقود والكهرباء والماء هل التوقيت مناسب لفرض هذه الضرائب؟

وحول هذا التساؤل أوضح أ. جمال ملائكة أنه يرى أن تأخير رفع الدعم لم يكن في محله إذا قامت الدولة بتنفيذ آلية دعم ذوي الدخل المحدود، و واضح أن دراسة هذه الآلية لم يتم. و بالنسبة للضريبة المضافة فمن الممكن تأخيرها سنة واحدة فقط للتأكد من أنها مفهومة و أن هناك منظومة متكاملة و دقيقة.

أما م. أسامة كردي فيرى أن هذين النوعين من النظام الضريبي مهم جداً لتطوير المعاملات المالية للقطاع الخاص. خاصة في ضوء الشروط و المعايير التي ذكرت أعلاه. إن ضريبة السلع الانتقائية ضريبة في مكانها الصحيح لحماية صحة السكان في دول الخليج و كوّن أنها تطبق على السلع الكمالية التي لا يهتم بها جل المستهلكين . أما ضريبة القيمة المُضافة فوضعها مختلف لأنها تطبق على كافة السلع و الخدمات المباعة للمستهلك ( ما عدا بعض الاستثناءات ) ، و هناك بعض الأسئلة حولها:

1-   ماذا سيكون تفاصيل تأثيرها على التضخم في دول الخليج لأنها سترفع تكاليف السلع و الخدمات مع ملاحظة أن العلاقة ليست طردية بسيطة لأنه من المتوقع انخفاض صرف المستهلك بسبب ارتفاع أسعار السلع؟

2-  هل سيسمح للبائعين توضيح السعر الحقيقي للسلعة للمستهلك و قيمة هذه الضريبة منفصلة لكي يعرف المشتري ذلك؟ ( كما هو الوضع في أمريكا بالمقارنة بأوروبا )

3-  هل سيسمح باسترجاع هذه الضريبة لمن يستحق له استرجاعها؟ زوار المملكة كمثال كما هو مطبق في بعض الدول.

4-   هل ستقوم الحكومة بحملة تثقيفية حول هذه الضريبة تشمل دورات تدريبية للمحاسبين؟

5-  هل مصلحة الزكاة و الدخل لديها البنية التحتية لتطبيق هذه الضريبة؟ حتى لا تصبح المصلحة عنق زجاجة في تطبيق هذه الضريبة.

و من ضمن ما كتب أن ضريبة القيمة المباعة تطبق على مؤسسات القطاع الخاص التي تزيد مبيعاتها عن مليون ريال فقط.

وفي تصور د. ناصر القعود فإنه لا وقت مناسب من وجهة نظر المستهلك لأي ضريبة، ولكن بهدف إعادة هيكلة الاقتصاد وتنظيم عمل مؤسساته فالوقت مناسب مع أخذ السياسات المناسبة لمعالجة تأثيرها على الفئات الأضعف اقتصادياً. وأشار كذلك إلى أن الورقة الرئيسة تضمنت الاجابة علي تساؤلات م. أسامة في النقاط التالية:

1-   تأثيرها على التضخم سيكون محدودا .

2-   نعم ستتضمن فاتورة البائع السعر وقيمة الضريبة بشكل مستقل ، وبموجبها يورد البائع مبلغ الضريبة للهيئة.

3-   نعم يمكن استرجاعها على السلع التي ستستهلك خارج المملكة.

4-   تقوم الهيئة بعقد ورش عمل ودورات تدريبية للمحاسبين بالتعاون مع هيئة المحاسبين السعودية.

5-   الهيئة جاهزة فالمملكة عملت تطبيق الضريبة منذ أكثر من خمس سنوات.

6-  إن المنشآت التي مبيعاتها مليون ريال أو أكثر. لابد  أن تسجل قبل ٢٠-١٢-٢٠١٧ وأعطت مهلة سنة أخرى للمنشآت التي تقل مبيعاتها عن مليون إلى ٢٠-١٢-٢٠١٨.

وحول التساؤل المطروح من م. حسام بحيري ومفاده: هل نسبة التضخم المتوقعة ستكون المؤشر الاقتصادي الوحيد المتأثر. هل سيكون هناك تأثير سلبي متوقع على قطاعات اقتصادية أخرى؟

أوضح د. القعود أن هناك تأثيرات سلبية وايجابية تم ذكر بعضها في الورقة؛ فهي ستحد من القوة الشرائية للمستهلك وتضعف من النمو الاقتصادي، وهذا سيعالج بزيادة الإنفاق الحكومي من خلال إيرادات الضريبة والإيرادات الأخرى مما يزيد من النمو الاقتصادي لا سيما إذا وجه الإنفاق للقطاعات الخدمية والانتاجية، وتبني سياسة ضريبية متدرجة مع عدالة في توزيع أعبائها أصبحت من مقومات التنمية والاقتصاد المستدام.

ومن جانبه قال م. خالد العثمان: الضريبة “بعبع” مخيف بالنسبة للشعوب خاصة تلك التي اعتادت الوضع الريعي الأبوي كما هو الحال في المملكة.. أنا كنت دوما أنادي بتأسيس نظام ضريبي منذ سنوات ليس فقط لتحقيق موارد مالية لخزينة الدولة فهذا يرتبط بنسبة ومقدار الضريبة.. لكن العائد الأهم في رأيي في تأسيس النظام الضريبي هو تحقيق مستوى متقدم من التوثيق والتسجيل والرصد لحركة الاقتصاد بما يحشد كما هائلا من المعلومات التي تنعكس إيجابا على جودة التخطيط التنموي وصياغة التوقعات.. علاوة على تأسيس مناخ للحوكمة في كل المستويات بما في ذلك حوكمة الأداء الحكومي والخدمي مقابل ما ينفقه دافع الضرائب .. في ظني سيكون هناك انعكاسات اجتماعية وسياسية تالية لتطبيق الضرائب خاصة مع احتمال زيادة نسبتها في مراحل لاحقة.

ضريبة السلع الانتقائية يمكن أن تكون أداة فاعلة لتصحيح كثير من الممارسات والعادات السلبية صحيا واجتماعيا.. المنتجات المشبعة بالسكريات التي وضعت المملكة في مقدمة الدول التي تعاني من أمراض السكري مثلا يمكن محاربة استهلاكها الجائر بإدراجها ضمن قائمة السلع الخاضعة للضريبة.

واتفق د. ناصر القعود مع ما ذكره م. خالد حول تأثير النظام الضريبي على الجانب الاجتماعي والتنظيمي ، حيث سيساعد كذلك على دقة وضبط تحصيل الزكاة وضريبة الدخل على المنشآت الوطنية والأجنبية.

وأضاف أ. سمير خميس أن قراراً كهذا سيؤسس أيضاً لثقافة الحقوق الأمر الذي سينعكس إيجاباً على المجتمع أفراداً ومؤسسات.. سيكون أمام الإعلام عامة والصحافة جهد حقيقي تمارس من خلاله دورها لإيضاح الصورة حول الضرائب وآثارها من دون تحيز أو نفور .

من المهم إن أردنا الانتقال من المجتمع الريعي الأبوي إلى المجتمع المنتج أن يشارك الناس في صياغة هكذا قرارات لاسيما وأن نوعية التحالفات في السياسة السعودية تغيرت مؤخراً، بالإضافة إلى أن الشعب يعتبر الرقم الثابت خلال الفترة الماضية من خلال توحده خلف القيادة وتقبله لمختلف القرارات أياً كان نوعها.

لكن باعتقاد أ. محمد بن فهد العمران فإن هناك مشكلة كبيرة ستظهر بعد تطبيق ضريبة القيمة المُضافة تتعلق بضرورة تسجيل الأفراد في النظام الضريبي و تعبئة الإقرارات و سداد الضريبة؛ فالضريبة حتى الآن تتحدث عن منشئات فقط و لم تتطرق للأفراد رغم أهميتهم و خصوصا في ضرورة تسجيل العقارات التجارية المملوكة لهم. فمثلاً ما لا يقل عن ٩٠٪ من العقارات التجارية في جميع مدن المملكة (بما فيها مكة و المدينة) هي مسجلة باسم أفراد و حتى الآن لم يقوموا بالتسجيل في النظام و لا يعلمون شيئاً عنه.

ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: إن فكرة الضريبة ترتبط بوجود قدر عال من الشفافية في إدارة المال العام وفي منافذ انفاقه وتوزيعه .. كما أنها لا تنفك عن حقوق دافعي الضريبة في المحاسبة لأي تقصير أو خلل في الحقوق الاقتصادية والسياسية.

كما قال د مساعد بأن د. ناصر أشار لمجلس التعاون وأن الضريبة المضبطة والتي ستطبق ترتبط بقرارات المجلس ؛ والذي يظهر أن ما يجري اليوم لا علاقة له بالمجلس الذي يعد اليوم في حالة إغفاءة سريرية .. بل إن هذه الضرائب هي جزء من رؤية المملكة في تنمية مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط . كذلك فقد أشار د. ناصر  إلى أن الضريبة لا تأخذ مستوى الدخل في الاعتبار .. ويبدو لي أن الضريبة لا يمكن أن تمضي في هذا ففي دول العالم تؤخذ الضريبة وفقا مثلا لطبيعة المسكن وحجمه والمركبة ونوعها وموديلها وحجم الدخل.. الخ.

إذ التباين مطلب لتحقيق العدالة النسبية.. اختلف مع أ. جمال الذي يقترح أن تزيد الضريبة عن ٥٪‏ لاحقا ؛ إذ ينبغي أن نكون منطقيين في رؤيتنا لمصلحة الوطن والناس وأن ندرك أن المملكة لا تزال بخير وأن مصدر الدخل الرئيس النفط لا يزال هو الدخل الأهم والأعلى .. إن العمل المؤسسي لإدارة وتنفيذ مشروعات الدولة سيحقق الكثير من الدخل من خلال ضبط هذه المشروعات وطبيعة تكلفتها ومحاربة الفساد.

وعقب د. ناصر القعود على ما ذكره د. مساعد بأنه بغض النظر عن الوضع الحالي الذي يمر به مجلس التعاون ، فإن ذلك لا يقلل من الالتزام بما ورد في الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المُضافة لدول مجلس التعاون فهي ملزمة لجميع دول المجلس (تتضمن مواد ملزمة ومواد أعطت الخيار للدول الأعضاء) وأصبحت الاتفاقية نافذة بعد مصادقة دولتين عليها ، المملكة والإمارات . ولا يمكن تعديل الاتفاقية إِلا بموافقة جميع الدول الأعضاء. وقد نص نظام ضريبة القيمة المُضافة السعودي ولائحته التنفيذية على مرجعية الاتفاقية. وتوحيد الضرائب على السلع والخدمات من مستلزمات التكتلات الاقتصادية حيث حرية حركة السلع والخدمات مكفولة بين الدول الأعضاء في التكتل.

ويمكن التوصية في هذا الإطار بإعادة النظر في فرض ضريبة القيمة المُضافة على التعليم الخاص والرعاية الصحية المقدمة من القطاع الخاص ، لاسيما وأن الاتفاقية الموحدة في المادة ٢٩ أجازت للدول الأعضاء بأن تعفي أو تخضع للضريبة بنسبة صفر في المائة قطاع التعليم و القطاع الصحي . وذلك ما فعلته الإمارات حيث استثنت قطاعي التعليم والصحة من ضريبة القيمة المُضافة .

وبخصوص ضريبة السلع الانتقائية فهي مفهوم واسع يشمل السلع الضارة لذاتها ويشمل السلع الكمالية، أما إغراق السوق بسلع معينة سواءً كانت ضارة أو غير ضارة  ولكنها ضارة؛ لأنها تشكل منافسة غير عادلة للسلع الوطنية حيث أنها تباع بأقل من تكلفتها في الدول المصدرة فعلاجها في إطار منظمة التجارة العالمية وقوانين الإغراق ونظام الجمارك.

من الصعب التنبؤ بما يحدث مستقبلا ، غير أن فرض ضرائب جديدة مستبعد ، ضريبة الدخل موجودة ومطبقة حيث تحصل الزكاة على المنشآت والشركات السعودية بما فيها الشركات المهنية وتحصل ضريبة الدخل على المنشآت والشركات الأجنبية أو على نصيبها في الشركات السعودية بالإضافة إلى فرض ضريبة الدخل على أنواع أخرى من الإيرادات ليس هذا محل التفصيل فيها.

وتساءل م. حسام بحيري: هل البدء بتطبيق أنظمة الضرائب سينعكس ايجابيا على مستوى الشفافية المالية من قبل المؤسسات المالية المختلفة بما في ذلك وزارة المالية؟

وفي هذا الإطار أشار م. خالد العثمان إلى أنه لا يتوقع ذلك، والأمل أن ترفع مستوى الشفافية في مؤسسات القطاع الخاص الخاضعة للضريبة بما فيها البنوك وشركات التأمين وغيرها، لكننا بالتأكيد بحاجة لآليات تفرض الشفافية في المؤسسات الحكومية بما فيها وزارة المالية؛ وهو ما يعيدنا لطرح مشكلة مركزية الإدارة المالية التي تمارسها وزارة المالية والحاجة إلى تفكيكها وخلخلتها لتحقيق مستويات مقبولة من الشفافية والحوكمة.

و في معرض الحديث عن استعداد مجتمع الأعمال لتطبيق ضريبة القيمة المضافة من المهم إبراز مشكلة غياب التأهيل والتدريب الكافيين لتحقيق هذا الاستعداد.. والغريب أنه لم يبادر أي أحد لتقديم دورات أو ورش عمل تطبيقية عملية لمؤسسات القطاع الخاص لفهم الضريبة وتطبيقاتها.. كل ما يقدم إلى الآن منشورات ومحاضرات نظرية وما إلى ذلك دون تدريب عملي للممارسين للعمل على تطبيق الضريبة في مؤسسات القطاع الخاص. من ذلك مثلا أن الأغلبية يعتقدون أن تطبيق الضريبة هو شأن محاسبي محض.. بينما الحقيقة أن الجانب القانوني في فهم النظام وتطبيقاته لا يقل أهمية.. بل ربما هو الأساس في توجيه التطبيق المحاسبي للضريبة.. وهو ما يتطلب تنشيط وتفعيل دور المستشارين القانونيين الغائبين عن المشهد بشكل عام في هذه القضية.

ومن جديد ذكر م. حسام بحيري أن القطاعات الصناعية تعمل بهامش ربحي بسيط لا تتعدى نسبة ٥ إلى ١٥٪‏ على أكثر حال. إضافة القيمة المضافة على مبيعاتها قد تدفع بعضها إلى خارج المنافسة. وعليه فالتساؤل المطروح: هل يوجد آلية للتعامل مع الشركات أو القطاعات المتضررة من تطبيق ضريبة القيمة المضافة؟

لكن وباعتقاد م. خالد العثمان فإن القطاع الصناعي هو الأقل تأثرا بضريبة القيمة المضافة لأنه الأكثر قدرة على استرجاع القيمة المضافة المحمّلة على المدخلات في الدورة الصناعية. الظن أن القطاع الخدمي هو الأكثر تأثرا نظرا لأن مدخلاته غير ملموسة.

أيضاً فمن المهم الإشارة إلى التأثير المتوقع لتطبيق ضريبة القيمة المضافة على التستر التجاري.. إذ يتوقع أن يسهم ذلك بشكل إيجابي وفاعل في مكافحة التستر التجاري كنتيجة التوثيق المعلوماتي الذي يفرضه نظام الضريبة المضافة، وهذا بالتأكيد أحد المكاسب المهمة.. وربما يسهم أيضا في تحسين مناخ الاستثمار عموما بما ينعكس إيجابا على فرص العمل وتحجيم اقتصاد الظل. إن ضريبة القيمة المضافة ستحد كثيرا من التستر التجاري لأنها back to back .. أي أنها تبنى على التبادل التجاري بين المؤسسات ما يعني ضرورة توثيق العمليات التجارية بشكل شفاف.

لكن د. عبد الله بن صالح الحمود يرى أن الضريبة لن تحد كثيرا من التستر؛ فهناك عدة طرق تقطع الطريق على المتسترين. الضريبة آلية تحصيلها هي أشبه بتحصيل الزكاة مع فرق الآلية في التطبيق ، ثم أن الضريبة  تحصل من المشتري ( المستهلك ) ، وبالتالي لا ضرر على المتستر أو المتستر عليه.

ومن جهته قال د. زهير رضوان: في الحقيقة أنا لدي ملاحظتان على كلا الضريبتين سواء الانتقائية التي كان يجب أن تحدد في أي شيء سوف تنفق …على صحة المجتمع أو الصحة العامة….. وليس أن نقول لدعم الميزانية العامة ؟

والضريبة المضافة التي يتحملها المستهلك والتي تشمل قيمة المنتج وربح المورد وربح الموزع وربح نقاط البيع الذي على الأقل يصل إلى ثلاثة أو أربع اضعاف قيمة المنتج … ولحماية المستهلك لا بد أن يكون هناك شفافية في نسبة الربح التي يأخذها التاجر… ولن يكون ذلك إلا إذا فرضت ضريبة الدخل عليهم أو اتخذت وزارة التجارة بتحديد سقف أعلى وسقف أدنى لهذه المنتجات سواء الغذائية أو الخدمية أو الاستهلاكية بما فيها السيارات والتي تشكل مبلغ كبير عند دفع ٥%.

ضريبة الدخل بالنسبة للتاجر تكون على الربح بعد خصم المصروفات التي تشمل قيمة ما يستورد بالإضافة إلى التشغيل وخلافه فإذا كان دخل الشركة فرضا مليون في السنة ومصروفاته جميعا ٦٠٠ الف أي أن ربحه ٤٠٠ الف أي ٤٠% علما أن وكلاء السيارات وغيرهم يدعوا أن أرباحهم ١٥ إلى ٢٠%؛ فإذا كان هناك ضريبة دخل تستطيع الجهة المسؤولة عن الضرائب تحديد ذلك الربح ، ويساعد ذلك وزارة التجارة على وضع الحد الأدنى والأعلى لربح التاجر لتخفيض أسعار بيع السلع ، أما كلمة تجارة حرة وسوق مفتوحة يمكن أن تطبق عندنا إذا منع الوكلاء من احتكار تلك السلع.

وعقب م. خالد العثمان بأنه لا يعتقد أن ضريبة الدخل تدخل في حساب الأرباح ليس فقط لأنها قابلة للتزوير والتلاعب وتتطلب رقابة عميقة ودقيقة.. لكن لأنها تفرض عبئا إداريا رهيبا على هيئة الزكاة والدخل لمراجعة حسابات الأرباح والخسائر لكل مؤسسات القطاع الخاص. إن ضريبة الدخل في الدول التي تطبقها تُفرض على دخول الأفراد والمؤسسات بشكل عام وفق شرائح متدرجة؛ بمعنى أنها تفرض على الدخل وليس على صافي الربح. ضريبة القيمة المضافة شيء آخر وتفرض على السلع حين بيعها وتحصيل ثمنها وليس على مجمل دخل المؤسسة أو الفرد.

لكن د. زهير رضوان أوضح من جديد أن ضريبة الدخل صعب جدا تطبيقها؛ وتحتاج إلى جهد وعمل مؤسسي كبير، ولكن صحيح أن ضريبة الدخل تطبق على مجموع الدخل العام الشركة ومن ثم تقوم الشركة بتقديم فواتيرها التشغيلية وخلافه لأخذ الخصم من المبلغ العام والباقي هو الربح الذي يدفع عليه الضريبة.

وفي الختام قالت د. عبير برهمين: لا أجد أن ضريبة القيمة المضافة ستحد من التستر التجاري على الإطلاق. كما أن ما سيحصل من ضرائب لن تغني خزائن الدولة بشكل كبير. ومن جهة أخرى ستؤدي ببعض الفئات إلى أن يزدادوا فقرا. وأخشى ما أخشاه أن نجد تزايد أعداد الفئات تحت خط الفقر. إذ أن المعونة المقدمة من خلال حساب المواطن بفئاته لا تتناسب مع ازدياد الأسعار المتوقعة على السلع والخدمات الأساسية لضريبة القيمة المضافة. إضافة إلى أن عدم توفر وسائل النقل العام المنخفض التكلفة مثل الباصات والمترو والقطارات سيزيد العبء على الأسر الأكثر فقرا في حين سيكون تأثيره محدود على الفئات الغنية. إلا أنني كمواطنة يهمني أكثر أن أعرف ما هو لي تحديدا مقابل هذه الضريبة المضافة؟ هل يحق لي مقاضاة ومسائلة المسؤولين والوزراء مثلا على غرار ما يحدث في البلدان التي تحصل منهم الضرائب في حال لم يقدموا مستوى خدمة مرضي ؟ هل يحق لي رفع دعوى قضائية في حال لم تتحسن الخدمات المقدمة لي مقابل هذه الضرائب؟ هل سيكون مستوى الشفافية عالي في طرح حقوق وواجبات المواطنين بعد فرض القيمة المضافة؟

  • التوصيات المقترحة

1-  ضرورة التوسع في التدريب التطبيقي لمختلف شرائح الأعمال على تطبيق الضريبة مع تأجيل فرض الغرامات لمدة ستة أشهر لفترة تجريبية.

2-  إعادة النظر في فرض ضريبة القيمة المُضافة على التعليم الخاص والرعاية الصحية الخاصة بسبب أن التعليم والقطاع الصحي ينبغي  أن يعفيا من الضريبة.

3-   التوسع في تطبيق الضريبة الانتقائية لمعالجة ظواهر صحية واجتماعية سلبية في المجتمع.

4-  فصل إدارة عمليات الضريبة عن إدارة عمليات الزكاة في هيئة الزكاة والدخل وذلك لتباين واختلاف آليات العمل في الموضوعين.

5-  قيام الهيئة بحملة توعية للمواطن وشرح إيجابياتها وآلية تحصيلها فموعد التطبيق قريب والوعي بها على ما يبدو محدود للمواطن غير المتخصص.

6-   تفعيل الرقابة على أسعار السلع والخدمات لتفادي التضخم غير المنضبط كنتيجة لفرض الضرائب.

7-  توجيه صرف عوائد الضريبة الانتقائية على الصحة العامة تحديدا وإفراد صندوق مستقل لتحصيلها على غرار الضمان الاجتماعي.

8-  في حال الزام الأفراد مالكي العقارات التي تدخل ضمن وجوب دفع ضريبة القيمة المضافة على بعض العقارات يقترح أن يكون هناك وضوح تام لمدى وكيفيه تطبيق هذه الضريبة عليهم.

9-  المطالبة بمزيد من الشفافية حول توظيف الموارد المالية المستقطعة من الضرائب، وتوضيح كيفية استثمارها في توفير الخدمات للمواطنين.

10-  العمل على تعزيز المواطنة، وربط الحقوق والواجبات بين المواطن والدولة من خلال الشراكة في بناء الوطن وخدمة المواطن.

11-  رفع الوعي المجتمعي بالمسؤولية المجتمعية، ودور نظام الضرائب وآليات عمله، والفائدة المتوقعة من هذا النظام على الفرد والمجتمع.

12-     إعفاء المؤسسات التعليمية بمراحلها المتعددة من ضريبة القيمة المضافة.

13-     إعفاء مؤسسات الرعاية الصحية من ضريبة القيمة المضافة.

14-     إعفاء الأطعمة والأغذية الخاضعة للسياسة التموينية من الضريبة المضافة.

ومبرر التوصيات الثلاث الأخيرة:

‌أ.        أن خدمات التعليم والصحة ضمن مسئوليات الحكومة ، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للحكم.

‌ب.أن الأغذية والأطعمة الأساسية الخاضعة لسياسة التموين، هي من الضروريات، التي تتدخل الحكومة في تسعيرها بصورة مباشرة وغير مباشرة وتحرص لبناء مخزون استراتيجي منها. وهي تخضع لدرجات متراوحة من الدعم والتدخل شأنها في ذلك شأن الماء والطاقة والكهرباء، ولا يجدر إدخالها في نطاق ضريبة القيمة المضافة، وتعريضها – بالتالي- لضغوط تضخمية.

المحور الثاني

جدلية الإعلام والدعاية.. على موقع التواصل الاجتماعي – تويتر – المنافع والأضرار

الورقة الرئيسة: أ. لمياء العنزي

شهدنا مؤخرا تطور كبير في وسائل التواصل الاجتماعي والتي يطلق عليها البعض “الثورة التكنوإعلامية” فالإعلام يأتي من كونه أهم الأدوات التي تستخدمها الدول في سبيل الترويج لسياسة معينة أو خط سير محدد لإقناع الرأي العام به وتمرير مشاريع سياسية، بداية أريد أن أوضح أن الدعاية لها أنواع منها تجارية , ومنها سياسية, وغيرها ولكن بحكم تخصصي سوف أتحدث عن الدعاية السياسية في مواقع التواصل الاجتماعي ” تويتر ” والتي تعني القوة الخفية القادرة على تشكيل  وتوجيه الرأي العام وسرعة التأثير على الجماهير.

والإعلام بات وسيلة من وسائل السياسة الخارجية للدول من أجل تحسين صورتها, وهكذا أصبح الإعلام في كثير من الأحيان مزيجا من الدعاية والإعلام, لذا يمكن أن نطلق عليه الإعلام الدعائي, حيث باتت كل دولة تحدد لإعلامها أهدافا سياسية واقتصادية ودعائية يعمل على الترويج لها عند جمهورها المستهدف بشكل تجعله يتقبل سياساتها بشكل أفضل, أو يتقبل ما لم يكن يتقبله من قبل. لقد أصبح الإعلام لغة عصرية وحضارية لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها ، ما يتطلب فهمها واستيعابها من خلال امتلاك مقوماتها وعناصرها ومواكبة التطورات التي تشهدها وسائله المختلفة ، حيث تعددت أدوات الإعلام وتنوعت ، وأصبحت أكثر قدرة على الاستجابة والتكيف مع الظروف والتحديات التي يفرضها الواقع الإعلامي الذي بات مفتوحا على كل الاحتمالات في ظل ما تشهده أدواته ووسائله المختلفة من تطورات وابتكارات نوعية , فلم تعد وسائل التواصل الاجتماعي ترفاً، بل أصبحت ضرورة فرضتها المتغيرات المتسارعة في عالم الاتصال الجماهيري، الذي تسارعت وتيرة تطوره، إذ أصبحت «الميديا الاجتماعية» أداة فاعلة في تعبئة الرأي العام وصناعته في المجتمع ولا يمكن التقليل من أهميتها، وفي المقابل من غير المنطقي المغالاة جداً في دورها وإهمال العوامل الأخرى.

فقد أتاحت هذه الوسائل دخول فاعلين جدد في المشهد الإعلامي والسياسي اليوم، بعد أن كان محصوراً في النخب، فقد أصبح هؤلاء قادرين على التأثير في الرأي العام ومخاطبة الجماهير بلغة قريبة إليهم. وإذا نظرنا إلى تويتر الذي أصبح عاملاً مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي, في نظرة الإنسان إلى مجتمعه ومحيطه والعالم من خلال المضمون الذي يتوجّه به عبر رسائل إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية أو غيرها، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل إنه يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها والصياغة التصورية لجدلية الإعلام والدعاية هي تتبلور حول بعض المجتمعات بوضع منصات دعائية مدفوعة الثمن لأفراد من النخبة الفكرية بإرسال رسائل إعلامية مقنعة للجماهير ونلاحظ مؤخرا وجود حسابات شخصية لأفراد لهم متابعين وجمهور يوجهون رسائل معينة ضد السعودية تحديدا أملا في التشويش على سياساتها وقراراتها،  مثل عبدالله العذبة وعبدالباري عطوان، أو في صناعة رأي عام مضاد كمجتهد، وغيرهم الكثير لذلك نجد الرأي العام هو الظاهرة الفكرية الناجمة عن الحشد الذهني للمتابعين التي يترتب عليها أقوى العلاقات الاجتماعية والنفسية للفرد ثم للجماعة ، وهي حركة اجتماعية تتأثر بما يأتي من الفرد في إطار الجماعة وبذا توجه الأفراد جماعياً .

استطاعت ظاهرة  الدعاية المضادة في السنوات الأخيرة أن تنتشر بوتيرة سريعة من خلال تغريدات أثار محتواها المواطن و سعى لبث الكراهية والفتن في المجتمع السعودي تحديدا إذ بات هناك من يروجون الشائعات التي باتت صناعة يديرها محترفون في مختلف العلوم والمعارف ثم إعادة بثها من خلال تغريدات تستهدف أمن السعودية بمعناه الواسع رغم تحذير المختصين للمجتمع من حرب الجيل الرابع وهي الحرب الفكرية والنفسية التي تواجه السعودية عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ؛ حيث أصبح الفرد جنديا في معسكر العدو دون وعي منه، وعلى سبيل المثال ظهرت هاشتاقات مثل ” حراك 15 سبتمبر , الراتب ما يكفي الحاجة , ما تسوقين , سعوديات يطالبن بإسقاط الولاية , أوباما يختار امرأة لقيادة سيارته بالسعودية …. وغيرها الكثير من الهاشتاقات السلبية والتي تهتم لتضليل الرأي العام وبث الشائعات وتزييف الحقائق والانتقاص من قدر المجتمع السعودي.! لذا لا يمكن أن يتجاهل المتابع دور بعض الحسابات بتويتر في صناعة الرأي العام وتوجيهه، حتى أصبح تأثير بعض الأسماء الشبحية في إدارة قضايا ومسائل وطنية يفوق أحيانا قدرات صحف ومنابر إعلامية رسمية، و قوة التأثير الخاصة لمواقع التواصل الاجتماعي السعودية يعزوها الكثيرون إلى ضعف المنابر الأخرى.

أخيراً نستطيع القول أن «الميديا الاجتماعية» غدت بمثابة مطبخ جديد لصناعة وتوليد رأي عام جديد في القضايا والمواضيع، وهي أداة فاعلة لا يمكن إغفالها، ولاسيما أنها تشهد مزيداً من الإقبال، والداخلين الجدد إليها من الجمهور بمختلف فئاته وأعماره ومستوياته.

التعقيب الأول: أ. سمير خميس  

لعلي أشير في بداية تعقيبي إلى أنه مع مرور الوقت لتغلغل مواقع التواصل الاجتماعي في حياة الناس وعاداتهم ظهرت عدة قيود سياسية وأمنية واجتماعية وغيرها الأمر الذي جعل الكثير مما يطرح لا يكاد ينفذ إلى عمق المشكلات والاكتفاء بملامسة السطح ، الأمر الذي ينتج عنه إما تسرع في تحليلنا لكثير من الظواهر أو كسل معرفي أو فكري تتسم دراستنا لتلك الظواهر ولا أدل على ذلك من اللهجة المتخوفة التي يتسم بها أي خطاب يناقش محتوى مواقع التواصل الاجتماعي ولعلي هنا أذكر بأن الأوطان القوية لا تهزها مجرد تغريدات أو منشورات والمجتمعات الأقوى لا تعبث بها الترندات والهاشتاقات.

إشكالية أخرى يزرعها هذا التخوف أن كثيراً من القضايا التي تروجها مواقع التواصل الاجتماعي هي قضايا عادلة في أصلها وذات مطلب شعبي ولعلها تكون الأقدر على إيصال صورة عادلة لصانع القرار الأمر الذي يجعل منها الوسيلة الإعلامية الأجرأ والأقدر على إعانة صاحب القرار في تحقيق بعض الشراكة مع مجتمعه.

“مواقع التواصل الاجتماعي.. والدعاية”

مثلها مثل أي وسيلة إعلامية تقليدية يشغل الجانب الدعائي مساحة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي وكي نصل إلى صورة متكاملة أجزاؤها حيال الخطاب الدعائي فيها لابد لنا من تعريف المفهوم الدعائي ومكوناته في الميديا الحديثة عنه في مؤسسات الإعلام التقليدية الأخرى وطبيعة العلاقة ما بين هذا المفهوم وبين الأنظمة الحاكمة الحالية باستحضار نموذجين متضادين تضاداً كاملاً لكنهما يكادان يتفقان في استفادتهما من التقنية الحديثة وأساليبها الدعائية:

“ترامب.. وداعش”

وعبر هذا الموقع الذائع الصيت كسر ترامب في العديد من المرات طبيعة العلاقة بين مؤسسات الحكم الأمريكية فنراه يغرد بما يخالف الموقف الرسمي لوزارات سيادية مثل الخارجية أو البنتاغون ونحو ذلك، وعبر تويتر نفسه عبّر ترامب ليس عن تطلعات الناخب الأمريكي البسيط وحسب بل عن الكثير من الحكومات في شرق العالم وغربه موظفاً البنية الدعائية الضخمة التي يحملها هذا الموقع لخدمة أهدافه ورؤاه حيال أي قضية صغرت أم كبرت.

وعبر هذا الموقع ذاته، يمكننا ملاحظة الخطاب المعارض لترامب بل وبصخب في بعض الأحيان وهذا لعمري ما برعت فيه “الميديا الحديثة” في ترسيخ وتكريس رؤيتها وفي الوقت نفسه ما خففت به غلواءها كما سنرى عند “آثمة الذكر” حركة “داعش” التي ساعدت التقنية الحديثة في ترويج خطابها فكان حضورها فاعلاً في البداية وصادماً في الوقت ذاته على مختلف المواقع “تويتر، يوتيوب، فيس بوك…” واستطاعت الانتشار – بتواطؤ من بعض الدول أو من غيره – من خلال آلاف الحسابات الوهمية لكن سرعان ما تشكّل مزاج شعبي مضاد لها جراء التوحش الذي اتسم به خطابها الدعائي الذي حاولت هذه الحركة أن تروج لنفسها به.

 ثمة اتفاقات عدة بين خطابي ترامب وداعش تتركز في المباشرة والآنية إذ نراهما يهرعان إلى مناقشة مناسبات قائمة وبلغة فجة في بعض الأحيان للدرجة التي صنفت به صحيفة ألمانية خطاب ترامب بأنه يصلح للأطفال في سن العشر سنوات، فيما اشتهرت “داعش” بالإحالة إلى القرآن وإلى السنة النبوية والإرث الإسلامي في أي نازلة تراها معتمدة في ذلك على فهم خاص بهم ولوي ظاهر لأعناق النصوص التي تظن أنها تخدم فكرتها، وآخر اتفاقاتهما في أنه من خلال المنصة التي برعا في استخدامها تكوّن مزاج عام يعارض كل ما يطرحانه أو يروجان له.

لذا أرى أن مواقع التواصل الاجتماعي تحمل الداء والدواء في بنيتها الأساسية، ومع قليل من المتابعة والتوجيه غير المباشر وإتاحة الحرية للتعبير عن الرأي يمكن خلق رأي قوي وثابت وأصيل تجاه أي فكرة أو حركة قد تعبث بأمن الوطن ومقدراته.

التعقيب الثاني: أ. ياسر المعارك   

أحدثت منصة تويتر واخواتها في التواصل الاجتماعي ثورة رقمية و تحولا كبيرا في التأثير على الأفراد والجماهير ؛ فلا أسهل من أن تمسك هاتفك الجوال وتطلق لحروفك العنان و تتحدث في كل شيء و تعلق على كل الأحداث ، فأصبح جميع المغردين إعلاميين حتى أن الكثير من المغردين لديهم تأثير و محتوى أكثر تأثيرا في الجماهير مقارنة برؤساء التحرير ووزير الإعلام نفسه.

هذه الحالة خلقت حشد معلوماتي وفوضى لا يمكن السيطرة عليها وهنا تكمن الخطورة فالواقع كشف لنا مئات المعرفات بتويتر تدار من قبل أجهزة استخباراتية معادية اعتمدت على حالة فوضى المعلومات في التضليل والتأثير على المجتمع السعودي لحشد تعبئة ضد توجهات الدولة.

إن تويتر أحد النعم التي أثرت في المجتمع و ساهمت في تغيير الكثير من المفاهيم والتوجهات والآراء المغلوطة خصوصا في الجانب الديني و الوعي السياسي ، كما كانت أيضا من النقم التي ساعدت الإرهابيين في نشر الأفكار المتطرفة و تجنيد الخلايا و تنفيذ العمليات الإرهابية.

أخيرا هذا الموضوع حساس وله أثر خطير على المجتمع ولذلك يجب أن يأخذ حيزا من البحث بشكل أوسع ، وأن يتم تبنيه من جهات لها ثقل حكومي وميزانية مستقلة لتعزيز الوعي حيال كيفية أن تستثمر الجوانب الايجابية في بناء الأوطان ، كما يجب الاستمرار بسن القوانين التي تضبط هذا الحشد المعلوماتي دون المساس بحرية التعبير المنضبطة.

المداخلات حول القضية:

  • الإشكالات ذات الصلة باستخدامات موقع التواصل الاجتماعي تويتر  

أوضحت أ. لمياء العنزي أن تويتر هو الأقوى تأثير في السعودية وله جمهور كبير من مختلف الفئات وأكثر ما يتأثر به الشاب لحداثة تجربتهم وقلة خبرتهم لذلك يستخدمه البعض في توجيه رسائله السلبية خصوصا إليهم؛ فهو وسيلة تجمع جميع الوسائل وقناة تحيلك إلى جميع الوسائل وسهل الاستخدام وقليل التكلفة وامكانية الكتابة خلف اسم مستعار.

كما أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة هي خدمة مفتوحة وعامة للجميع ، لكن هناك “فئة مؤدلجة ولديها أجندات” تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لبث رسائل تحريضية مستغلة متجاوزة للحدود وهي الفئة التي يتم رصدها في إطار نظام الجرائم المعلوماتية المعمول به في المملكة.

أتاحت هذه الوسائل دخول فاعلين جدد في المشهد الإعلامي والسياسي اليوم، بعد أن كان محصوراً في النخب، فقد أصبح هؤلاء قادرين على التأثير في الرأي العام ومخاطبة الجماهير بلغة قريبة إليهم والصورة أقرب مثال؛ من خلال حسابات شخصية لأفراد لهم متابعين وجمهور يوجهون رسائل معينة ضد السعودية تحديدا ، تهدف للتشويش على سياساتها وقراراتها.

في حين ذهب أ. عبدالرحمن الطريري إلى أن الشبكات الاجتماعية حولت فكرة المحتوى الصحفي تماما، على مستوى الشكل لا على مستوى الرسائل والمضمون، فلديها أدواتها وتقنياتها المختلفة، لكن يمكن إرسال نفس الرسائل من خلالها.

لم يكن الهدف السياسي واضحا في بدايتها، بل كانت تهدف إلى التواصل بين الأفراد، لخلق بيئات افتراضية تتسم بالعولمة، لا يحتاج أحد من خلالها إلى الحصول على تأشيرة للوصول لصديق في أقصى الأرض. لعل تعاظم تأثيرها السياسي نتج من قصور عمل الوسائل التقليدية، عن نقل الواقع بضغط من أنظمة سياسية، حيث كانت الثورة الخضراء في ٢٠٠٩، والتي حدثت في إيران، يوما تاريخيا لتويتر، اضطر من خلالها لمنح المستخدمين فرصه استخدام SMS لإيصال التغريدات، وكان ٢٠١١ يوما تاريخيا للفيس بوك في مصر، لدرجه سماها البعض ثورة الفيس بوك، وفي هذا مبالغة لصالح الشبكات الاجتماعية عموما.

اهتمت الشبكات الاجتماعية بالربح، وهذا ما جعلها تتلكأ في إغلاق كثير من الحسابات التي تروج للإرهاب والكراهية، كما أن البحث عن الوصول لترند، حفز أجهزة أمنية لصنع رأي عام في دول أخرى، لعل أبرز صوره التدخل الروسي في الدعاية التي تمت على شبكات اجتماعية، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة.

الشبكات الاجتماعية في نهاية الأمر، أداة ألغت احتكار وسائل تقليدية للخبر والمعلومة، لكن هذا لا يمنحها مصداقية كاملة، حيث أن فرص المحاسبة لها أقل من التلفزيون أو الصحف، خصوصا في حالة الحسابات الوهمية التي تغرد من خارج المحيط الجغرافي للدولة، ولذا لزم للتعاطي معها إدراك فرق السرعة بينها وبين الوسائل الأخرى، وتوفير المعلومة بوقت سريع ودقيق، لا يترك مجالا للشائعات لتكون الانطباع الأولي للناس .

ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: هناك مبالغة في الورقة في القول بتأثير المادة الإعلامية عبر الشبكات الإعلامية، كما أن هناك فهما خاطئا لصورة ما يجري .. المسح اليوم للمادة التي تطرح عبر مواقع التواصل الاجتماعي يمكن النظر لها على أنها لا تتمتع بالمناخ الذي يفترض أن تعمل فيه.

الأطوار التي مرت بها مواقع التواصل يمكن تصنيفها على مراحل … اليوم نشهد انحسارا للحرية الواسعة التي أتاحتها الشبكات وتدفقا للحسابات المستتر أصحابها يرافقها كم كبير من الحسابات الوهمية .. و هذه مرحلة تنمو فيها الدعاية كثيرا وفق أشكال متعددة تجعل الناس ربما يجدون الواتس واللقاءات الاجتماعية هي فرصة لتناول تفاصيل يجدون حرجا في تناولها عبر مواقع التواصل وبخاصة تويتر وسناب شات … حتى وسائل الإعلام التقليدية باستخدامها لمواقع التواصل لم تعد تقوم بوظيفتها في مراقبة المجتمع ومؤسساته بل أصبحت تمارس أنشطة تماثل نشاط العلاقات العامة. ما يقلق اليوم هو إنتاج محتوى يقوم على إثبات الحضور والمشاركة أو مسايرة التيار والتغريد مع السرب حتى لا يتعرض المرء للتشبيح الكتروني فقط لأنه اقترح أمرا أو خالف النسق أو السياق.

وأشارت أ. عبير خالد إلى أن تويتر اليوم بات أداة يمكن من خلالها دراسة المجتمعات وتحليلها واستقراءها. ويمكن من خلال الوسوم الأكثر متابعة معرفة الذائقة الشعبية، والحس العام، وصار من السهل جدا على أفراد المجتمع الاختلاط ببعض بدون حواجز الطبقة  Class وبدون حواجز الذكر والانثى Gender ، وبدون أي عقبات أخرى قد تكون حاضرة في الاتصال المجتمعي الفعلي.

ويلاحظ أن تويتر عمل كمنصة ناقلة للعديد من التحركات الإنسانية المناهضة للعنف ضد المرأة، أو تعذيب الحيوانات والصيد الجائر (مثل حملة #ضد_إبادة_الكلاب)، أو الافراط في قص الأشجار (مثل حملة #تشجير_الرياض).

لا يمكن علمياً احصاء كل ذلك بشكل متناهي ولكن بمنطلق المختص المتابع فإن لتويتر نفع اجتماعي، ولكن ماهي سلبياته؟ وهل هناك فارق بين مجتمع وآخر في التأثر سواء بسلبياته أو ايجابياته!

هذه أسئلة تظل على الطاولة ولعله من المناسب هنا اقتباس مقولة الكاتب “دينيس ماكويل” الذي يلقب بأبو الاتصال الجماهيري حول هذا الموضوع: “قد تستفيد المجتمعات جميعها من مواقع الاتصال الحديثة ولكن سيكون هناك ميلا دوما لأن تكون الفائدة الأكبر من نصيب المجتمعات التي صنعت تلك المواقع أو كانت مساهمة في صناعتها”.

أما د. حمزة بيت المال فتطرق إلى عوامل سرعة انتشار وكثافة استخدام وسائل التواصل عندنا في المملكة متعلق بظاهرة المجتمعات الفقيرة إعلاميا. والتي تعني أن المجتمعات التي كانت خيارات وسائل الإعلام التقليدية بها محدودة لذلك اندفعت جماهير هذه المجتمعات والمملكة بالطبع منهم للاستفادة منها في تعبئة الفراغ و كأنها وجدت ضالتها بها؛ لذلك لا يستغرب أن احصائيات الاستخدام عندنا قد تكون أكثر من بعض الدول المتقدمة.

وسائل التواصل الاجتماعي بالرغم من الايجابيات الكثيرة التي قدمتها إلا أنها استغلت مثلها مثل أي شيء آخر من قبل البعض لتحقيق أغراض قد لا تتفق مع أغراض المجتمع السعودي وأصبحت قوة مؤثرة بسبب ما تتميز به من مميزات لا تملكها الوسائل التقليدية ، ولعل أهم هذه الميزات هي السهولة في إنشاء وتوزيع الرسائل.

لقد سهلت هذه الميزة من دخول مرسلين مشبوهين يروجون لمضامين دعائية وتحريضية من داخل المملكة وخارجها، هنا بالضبط أصبحت المشكلة؛ نحن في الداخل من حقنا مناقشة قضايانا الداخلية لكن بدون تحريض، وكمثال كان من حقنا كمجتمع مناقشة قيادة المرأة ولم يكن عندنا بأس في سماع صوت المعارض والمؤيد، لكن الدعوة للتظاهر كانت تحريض خارجي، وقس على ذلك الكثير، التوظيف الدعائي لهذه الوسائل أصبح خطير ومضر بالأمن المجتمعي العام.

ذكر م. حسام بحيري أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي شكل ظاهرة جديدة غير مسبوقة خصوصا للقطاع الإعلامي التقليدي الذي تأثر كثيرا لأن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت النخب الإعلامية تفقد تأثيرها على الشعوب بسبب فقدان ثقتها في نخبها سواء كانت الإعلامية أو الاجتماعية أو السياسية وعدم وجود البديل الذي ينقل مشاعر هذه الشعوب وأفكارها الحقيقية إلى العلن وهذه المشكلة لا نختص بها هي موجوده في الكثير من دول العالم حاليا. في وقتنا الحاضر أي شخص يستطيع أن يكون منصة إعلامية ينقل فيها ما يشاء بدون حسيب أو رقيب أو الحاجة للتعامل مع وسائل الإعلام التقليدية سواء للشهرة أو التحشيد أو الترويج لأي أفكار؛ وهذا كون مشاكل خطيرة جديدة على مجتمعاتنا لم نكن مستعدين لها. خطورة هذه الظاهرة الجديدة رأيناها في قدرة وسائل التواصل الاجتماعي للتحشيد في مصر في عام ٢٠١١ والتي كونت ثوره فورية ومن غير قادة أو استراتيجية واضحه لماهية المسار السياسي الذي سيتبع إسقاط الحكومة وفشلت هذا الثورة بسبب أنه بعد إسقاط الحكومة لم يكن هناك أي فكر يوضح ما هو المجتمع الجديد الذي يريد الشعب أن يصنع لمستقبله. كل الذي صنعته هذه الثورة أنها أعطت فرصة لجماعات سياسية كانت محظورة باستغلال الظرف للوصول للسلطة وهذا لم يكن هدف الثورة أصلا. خطورتها في أنها كانت فعليا ثورة تحشيد وإدارة الجماهير. نفس الظاهرة حصلت في أمريكا في حراك ما يسمى احتلال وال ستريت التي أيضا لم تحقق أي أهداف غير تحشيد الجماهير واحتلال شوارع ومباني وجعل صوت كل شخص مسموع ولكن لم تحقق أي نجاح أو تغيير سياسي أو اجتماعي ملموس على الرغم من مطالب المتظاهرين.

الأمر الآخر هو ظاهرة الإعلام المظلل التي أصبحت تثير الكثير من القلق لسرعة انتشار الأخبار المضللة وقابلية الكثير من الناس لتصديقها, تاريخيا كانت ومازالت الحكومات تستخدم وسائل الإعلام التقليدية في الهجوم على دول أخرى واختلاق الأخبار المزيفة للتأثير على الرأي العام وهذه عملية عادة طويلة ومكلفة وتحتاج إلى بنيات أساسية قوية ولكن مع انتشار وتطور أجهزة الاتصالات أصبحنا لا نحتاج إلى تلفزيون أو راديو لتلقي المعلومة. أجهزة الاتصالات الحديثة المسلحة ببرامجها الجديدة جعلت العملية سهلة وغير مكلفة لأنك ليس فقط تتلقي المعلومة منها مثل الراديو والتلفزيون، ولكن أيضا تستطيع الرد ونشر المعلومة , أي شخص أو مجموعة يوجد لديهم القدرة على القيام بما تفعله الحكومات وبشكل أفضل في الكثير من الأحيان وبكلفة اقتصادية زهيدة. ضرر الأخبار المضللة على المجتمع أصبح واضح والحكومات أصبحت عاجزة عن التعامل معها وذلك لعدم تبلور أي استراتيجية لمواجهة هذه الظاهرة الجديدة. دونالد ترمب استغل هذه الظاهرة الجديدة في حملته الانتخابية واطلق العنان لجهازه الإعلامي لنشر أخبار كاذبة ضد منافسيه ولم يستطع أي من منافسيه رفع قضايا أو دعاوي ضده لأنه لم يوجه اتهامات مباشرة ضدهم هو فقط نشر أخبار مضلله ذو طابع هجومي وهذا يعفيه من المسؤولية القانونية.

في حين يرى د. زهير رضوان أن الغريب في الأمر أن تويتر والوتس آب لم يكن لهم أي تخطيط للنمو بهذه الحجم مثل التخطيط للإنترنت  واليوتيوب والفيس بوك فهما ظهرا بالصدفة .. حيث التوتير كان الغاية منه لاستخدام المشاهير و صممت بعدد حروف محدودة لمتابعة المعجبين أخبارهم ولترد على الصحف الصفراء التي تطلق عليهم الشائعات ولكن حصل ما حصل وأصبح الجميع يستخدمها كمنصة إعلامية وكذلك الواتس آب حلت محل البلاك بيري التي صممت لرجال الأعمال لتبادل المعلومات المشفرة مقابل دفع رسوم شهريه… والواتس آب لتبادل المعلومات بين الأصدقاء وأصبحت لنشر الشائعات والأكاذيب. ودونالد ترامب استخدم التوتير الاستخدام الصحيح الذي صمم البرنامج له بإلغاء الوسيط (الصحف الإخبارية) بينه وبين من يريد أن يرسل رسالته له مباشرة وقت الانتخابات والآن وقت رئاسته.

بينما ترى أ. علياء البازعي أنه لا نستطيع أن نقول أن وسيلة تواصل ما وضعت لغرض معين ثم استخدمت لغرض آخر…فباعتقادي أن مصممي هذه التطبيقات لا يستهدفون شريحة معينة و إلا يصبحون قد حكموا على تطبيقهم بالفشل. فبدءا بالبريد الاليكتروني و الماسنجر و انتهاء بتويتر و سناب و هاوس بارتي و بيريسكوب…جميع هذه التطبيقات تستخدم لكافة الأغراض.. و من كافة شرائح المجتمع…نجد بها الوعاظ و العلماء و الفنانين و الأطفال و المراهقين و التجار و الباحثين عن الشهرة بأنواعها.

في حين ذهب د. مشاري النعيم إلى أنه في بداية الألفية أثير موضوع “العزلة الاجتماعية” التي سوف تسببها تقنية الإنترنت ولم يكن توتر أو فيس بوك ظهر على السطح.  نسمي هذه الوسائل الآن بالتواصل الاجتماعي بينما هي في الحقيقة وسائل للعزلة الاجتماعية وأدوات للعيش في عالم افتراضي.

بينما لاحظت أ.د فوزية البكر أن الأوراق المطروحة حول القضية تؤكد علي التخويف من وسائل التواصل و تعتبر أن أية مطالبات عبره هي لعملاء يستهدفون المملكة وهذا في الحقيقة مبالغة لا تعكس الواقع. فنعم هناك الكثير من الأصوات المدسوسة والمسيسة من قبل أعداء المملكة لكن الناس تكتشفها بسرعة مثل حساب مجتهد لكن لا يمكن تعميم هذا التخوف، فتوتير وغيره منصة مفتوحة في فضاء واسع وللجميع الحق في استخدامه بالطريقة التي تناسبهم طالما لا يكون هناك تهديدا للحريات العامة أو الخاصة أو تجاوز لقوانين الدولة.

وعقب د. عبد الله بن صالح الحمود بأنه ليس بالضرورة أن تكون منصة تويتر هي لتوجيه اللوم أو بث الأحقاد لجهة أو دولة معينة ، هي منصة مقالات إلكترونية يظهر فيها ما يظهر من السلب والإيجاب. لذا يأتي هنا دور الإعلام الداخلي والخارجي للتصدي لما يواجه بلاده من سلبيات بقرائن فعلية ، وفي المقابل يبث أو ينشر الجهود الوطنية عامة.

أما د. حمزة بيت المال فيرى أن المشكلة اعمق من ذلك؛ فالإعلام تقليديا عندنا يعرف على أنه إعلام حكومي، لذلك الناس في شوق لسماع الرأي الآخر، من هذه الثغرة استطاع أصحاب النوايا السيئة التسلل للفكر المجتمعي العام، هذا من جانب ومن جانب آخر بالرغم من اعتراف الجميع بضرر الشائعة ، لكن الملاحظ أن بعض الحسابات رغم كون ما تطلقه شائعة؛ إلا أنه قد تصدر لاحقا قرارات حكومية رسمية تؤيدها.

وعقب د. مساعد المحيا على ما ذكره د. حمزة بأن هذه من أهم سمات منصات التواصل الاجتماعي؛ فهي أتاحت للجمهور أن يتلقى المعلومات من مصادر تبدو لديه محل ثقة وإذا كان بعض هؤلاء فعلا لا يستحقون الثقة فإن نقص المعلومات وتأخر ظهورها يتيح لكثير من الحسابات استغلال ذلك، وهنا تصبح الحسابات الرسمية التي تعد مصدر المعلومات الصحيحة وسائل دعائية في نظر الجمهور النشط والعنيد والذي تحول ليصبح مرسلا بعد أن كان كثير منهم كالإسفنجة التي تمتص الماء على الطاولة.

لكن ثمة سؤالان مهمان يتعلقان بالبعد الدعائي الذي نريد أن يتحرر منه إعلامنا …

  • الأول : حول ماهية طبيعة البيئة أو المناخ الذي يجده البعض ممن ينشطون في استعداء المملكة ولماذا لا ننشط عمليا في إنتاج محتوى سريع يقطع الأوكسجين عن تلك الحسابات.
  • الثاني : لماذا يتسم نمط بعض خطابنا بالمظلومية حيث يحاول أن يشعر العالم بأننا نواجه مظلوميات متعددة وعلى الناس أن يتعاطفوا معنا.

كثيرا ما نجد لغة تتخوف بل تبالغ من بعض ما تطرحه حسابات لها موقف من المملكة ، وتتحدث عن هجمة واسعة تواجهها المملكة. هذا الخطاب يوحي للأخرين بالعجز وهو ما قد يكون شكلا من المظلومية.

ومن وجهة نظر د. عبير برهمين فإن منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وغيرها هي سلاح ذو حدين يمكن توظيفه لخدمة المجتمع أو تدميره. إذ لم يجل في خلد مؤسسيها أنها ستحظى بشعبيه كبيرة وأنها ستستخدم في مجالات شتى غير ما أوجدت له أساسا. ولفظ العالم أصبح قرية صغيرة تحقق بفضل هذه المنصات فبكبسة زر يستطيع أي شخص أن يتابع ما يجري في الطرف الآخر من العالم وهو في مكانه صوتا وصورة بل ويشارك بصوته وصورته في الحدث آنيا. كل ما يلزمه هو جهاز تلفون ذكي أو كمبيوتر واتصال بالإنترنت.

وأضافت د. عبير قولها: أنا وإن كنت بطبعي متفائلة إلا أن نظرتي للإعلام الجديد ليست كذلك. لأن كل شخص مهما كان عمره أو خلفيته العلمية أو الاجتماعية أو توجهه السياسي أو الأيديولوجي أو العقدي بإمكانه الولوج لهذه المنصات وضخ ما يجول في خاطره وتنتشر كالنار في الهشيم دونما حسيب أو رقيب. ولعل الشائعات والأخبار المغلوطة والمفبركة أكبر دليل على ذلك. يرى البعض أن هناك جو عام من الحرية والتعبير عن الرأي بفضل الإعلام الجديد. وأرى أنها ليست كذلك. فمفهوم الحريات والتعبير عن الرأي هي كلمات فضفاضة كل يراها بمنظوره. لذا استغلها الكثير للأسف للتعبير عن مدى عنصريته وكراهيته للآخر والاعتداء على الآخرين قذفا وشتما بدعوى حرية الرأي. واستغلها البعض الآخر تجاريا بشكل سمج يشبه تربيط الشريطية لكنها أصبحت تقنية. فراجت موضة الفاشونستات ومشاهير الميديا أمثال ابو سن. وبائعي الفلولورز الوهميين وغيرهم. فأضحى الفضاء الافتراضي يغص بكل ما هو غث وغير مفيد. إضافة إلى أن بعض المنظمات الإجرامية والإرهابية وجدت فيها ممرات آمنة للتجنيد وبث الرسائل والشيفرات وتسهيل الصفقات المشبوهة وغسيل الأموال. سياسيا لا أجد أن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وغيرها ذات أثر كبير في تغيير السياسات أو توجيه الشعوب نحو قلب الأنظمة الحكومية الفاسدة. فعلى الرغم من أنها استغلت في فترات معينة كالتي رافقت ما يسمى بالربيع العربي إلا أنها تظل محدودة التأثير. الدعاية الانتخابية في السياسات الخارجية استفادت من منصات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد في كسب الأصوات الانتخابية لصالح جهة دون أخرى إلا أنها لم تستطع على حد علمي أن تفرض أو تلغي سياسة إجرائية قائمة. يبقى السؤال الملح هو: هل سيكون دور الإعلام الجديد في وجود منصات التواصل الاجتماعي قادر على إحداث التغييرات  فعليا؟ إضافة إلى عدد كبير من الأسئلة: هل فرض عقوبات تقنين وضوابط على المتداولين في هذه المنصات هو مقيد للحريات أم ضرورة؟  ماهي حدود المسموح والممنوع لكل بلد؟ هل سنشهد وجود منظمات دولية تنظم العمل في هذه المنصات وتراقب المحتوى لحفظ الحريات الشخصية على غرار منظمات حفظ السلام الدولية؟ كيف يمكن أن نرفع من مستوى الوعي للمستخدمين لهذه المنصات؟ وكيف يمكن توظيفها للصالح العام؟ ما هو دور القانون والتقاضي في حال ثبوت اعتداء على الحريات أو حدوث جرائم إليكترونية؟.

  • التوصيات المقترحة

في تصور د. حمزة بيت المال يمكن التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الوسائل التالية:

1-   القوانين والتنظيمات والمعضلة هنا كيف يمكن الموازنة بين الضبط العام وحرية التعبير.

2-   رفع مستوى الوعي المجتمعي العام والفردي.

3-   تبني مواثيق اخلاقية لاستخدام هذه الوسائل.

وأكد أ. ياسر المعارك على أن من المهم التوعية بفوائد هذه المنصات، والحث على استثمار محتواها ايجابيا من خلال البحث المعرفي ، والمتابعة للمغردين ذو القيمة و الفائدة الفكرية أو متابعة القنوات الإخبارية الرسمية أو القنوات الثقافية و الترفيهية ، وبالتزامن نرفع مستوى الوعي حيال خطورة تلك المنصات عندما نستثمرها فيما لا ينفع ، خصوصا تداول الشائعات أو التعدي على حريات الآخرين أو المشاركة في المواقع التحريضية أو التي تدعوا للعنف ، ومن المهم هنا أن نقول أن وحده القانون هو القادر على ضبط الاستخدام.

وأشارت د. نوف الغامدي إلى أن هناك فرص كبيرة في المنطقة يمكن توفرها عبر استغلال تطبيقات البيانات الضخمة المبنية على بيانات شبكات التواصل الاجتماعي وإنترنت الأشياء، فالبيانات والمعلومات المتبادلة عبر شبكات التواصل المختلفة لها دور في تشكيل الرأي العام.

أصبحت لمواقع التواصل حاجة ملحة للمؤسسات الصغيرة والكبيرة، والأهم أن هذه المواقع بمتناول الجميع وتوفر منصّات إعلانية وترويجية وتعريفية خاصة وبتكلفة بسيطة، وهي تتيح للشركات الصغيرة منافسة العمالقة من حيث المساواة والفرص، فشبكات التواصل الاجتماعي تجاوزت مؤخرا مفاهيم التواصل والاتصال وتبادل الآراء بين الناس لتصبح أدوات قوية يمكن استخدامها من قبل الأفراد والمؤسسات والحكومات وتطويعها لخدمة الاقتصاد وتطوير عمليات الأعمال التجارية في مختلف القطاعات.

هذه الشبكات يمكن أن تحدث تأثيرات قوية في نمو الأعمال، في تسويق وتحسين صورة المؤسسات، وفي إنشاء الأعمال الجديدة وريادة الأعمال.

المؤسسات البطيئة في تبني التغيير، هي المؤسسات التي تعتمد على ردة الفعل وتنتظر نتائج المؤسسات الأخرى قبل تبني أية توجهات جديدة، كما أن استخدامها محدود لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل الأعمال التجارية، وغالبا ما تكون هذه المؤسسات مؤسسات تقليدية أو حكومية، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد في تحسين صورة الشركة حيث أن الصورة العصرية للشركات تعلن على شبكات التواصل الاجتماعي، وإلى جانب ذلك تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بمزيد من التفاعلات المباشرة مع المتعاملين، وبالتالي تقوية العلاقة مع العملاء، والاستفادة من ملاحظات المتعاملين بشكل فوري، وخدمة المتعاملين بسهولة، وسرعة وتفاعلية، إن الشركات الصغيرة على أرض الواقع هي كبيرة جداً على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويرى م. حسام بحيري أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي سيحتم علينا بناء استراتيجيات جديده للتعامل مع المعلومة ومخاطبة المجتمع بلغة وأساليب جديدة خارج الاطار التقليدي الممل والتحدي الشاق اليوم أمام النخب الإعلامية والسياسية التقليدية هو القدرة على التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بنفس مستوى الفكر الجديد والسرعة والتجاوب الموجود في المجتمع الحديث.

اليوم نحن في أمس الحاجه لتطوير الدور الإعلامي سواء كان على مستوى أفراد (وهذا الذي نحن بأمس الحاجه إليه في بلادنا) أو مؤسسات ليتوافق مع التحديات الجديدة لأنه من الصعب جدا استرجاع المصداقية إذا فقدت.

وأوضح د. مساعد المحيا أن ما أشارت اليه د فوزية يعزز ما أشار إليه في مداخلته حول ما نشهده من  انحسار جزئي للحرية الواسعة وتدفق للحسابات المستتر أصحابها والتي يرافقها كم كبير من الحسابات الوهمية ..فبرغم أهمية وجود الانضباط ينبغي أن يكون ذلك في إطار المسؤولية الذاتية التي تكون المحاسبة فيها ضمن نظام جرائم النشر المعلوماتية.

نحن أصحاب حق ونحن نمتلك الحقيقة وحري بنا أن يكون استثمارنا لهذه الشبكات التواصلية الاجتماعية قائما على خطاب يعتني بالمعلومة والحقيقة من مصادرها ويحتفي بها وينشرها .. وأن يكون تناول ذلك بعيدا عن الدعائية التي توهم بقوة الخطاب في حين أنها أوهى من بيت العنكبوت.

نحن نحتاج أن ندرك فعلا طبيعة اختلاف الوسائل الإعلامية التقليدية عن المنصات الاجتماعية ؛ إذ يمكن القول بأن ‏التطورات الكبيرة جدا والتي تشهدها تقنيات الاتصال وتطبيقاتها هي التي أسهمت على نحو كبير في تغيير معيارية الاهتمام من وسائل الإعلام التقليدية إلى مستخدمي مواقع التواصل الأمر الذي أثر على طبيعة العلاقة بين هذه المواقع ومشاهيرها ومستخدميها الفاعلين وبين جماهيرها وجعل كثيرا من رموزها يتمتعون بقبول فاق الرموز في الوسائل الإعلامية التقليدية.

وبدورها أوضحت د. الجازي الشبيكي أن مواقع التواصل الاجتماعي أضحت واقعاً فرض نفسه  تتزايد تأثيراته الإيجابية والسلبية يوماً بعد يوم. وتويتر على وجه الخصوص  أصبح أحد أهم الوسائل الإعلامية والدعائية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية ومختلف الاهتمامات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

وكي يتم استثمار هذه الوسيلة التواصلية الحديثة التي أصبحت ملء السمع والبصر  الاستثمار الأمثل ، هناك حاجة لعقد اتفاقيات دولية مُلزِمة لكل دولة من دول العالم تتمثل في ميثاق أخلاقي يتم التوقيع عليه ويُعاقب من يخالفه، وتنفذه كل دولة بالأسلوب الذي تراه مناسباً لها ، ويركز على صدق وأمانة المُحتوى بعيداً عن الكذب والتضليل والفساد القيمي  والسلوكي ، كي نضمن تغليب التأثيرات الإيجابية والمنافع لهذا الموقع التواصلي الهام في العصر الحديث ونقلل قدر الإمكان من التأثيرات السلبية والأضرار.

و أشارت أ.د فوزية البكر إلى أنه من الضروري أيضا عدم المبالغة في تقييد تويتر بأحكام تلغي الفائدة منه وتجعله سوطا مسلطا علي رقاب الباحثين عن فضاء حر دون اجندات سياسية. الموازنة الدقيقة لما يمكن السماح به أو عدم السماح به ضروري للدول الناضجة التي لا تخشي صوتا شابا معارضا لبعض الممارسات أو السياسات.

المحور الثالث

الهوية الثقافية إلى أين؟

الورقة الرئيسة: د. زينب إبراهيم

توطئة:

تكمن خطورة المواجهة الحالية بين مجتمعاتنا العربية والثقافات الأجنبية ذات العرض المغري للمواد الثقافية بعدم استعدادنا لاحتواء هذا التدفق الهائل للمعلومات والثقافات الجاهزة العرض على فاترينه الشعوب العربية، حيث إنه لا توجد أي منتجات ثقافية ومعلومات تساوي ما تُصدّره البلاد الأجنبية لنا، والواقع أن ما يصلنا من ثقافات أجنبية جذابة وباهرة إلا أنها تخلو في محتواها الداخلي مما يتناسب معنا ومع ثقافتنا، وفى ظل تحديات العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية لا بد من أن تكون المواجهة على نفس ما يطرح لنا، وعلى مستوى هذه التحديات التي نواجهها. فنحن الآن في عصر (فرط الاتصال) (وثورة المعلومة) لذلك أتساءل: ما هو الشيء الغير قابل للاختراق في حياتنا، وما الذي يدفعنا لقرض شرنقتنا والهرولة نحو الآخر؟

يقول كولن ويلسون:” لقد أدركت أن الناس يبنون لأنفسهم شخصيات كما يبنون المنازل، لتحميهم من العالم، ويصبحون سجناء داخل هذه الشخصيات، ومعظم الناس يستعجلون الاختفاء داخل جدرانهم الأربعة بما يجعلهم يبنون المنزل بسرعة هائلة “.

تكشف السلوكيات البشرية في بعدها الإنساني والاجتماعي عن الكيفية التي يعبر فيها البشر عن ذواتهم، حيث يتم ضمن سياقات الجماعة التي ينتمون اليها، وفي المشهد الثقافي هناك الكثير من المثقفين والمهتمين بالثقافة ولكن لا يجدون سبيلهم للنجاح وتأسيس ثقافة صلبة، هل نحن نحاول محاولات يائسة لرتق الخروقات الثقافية التي تجتاحنا من الخارج دون محاولة تعزيز الهوية الثقافية؟ كيف يمكن ربط قانون إثراء الخارج الثقافي بقانون تصحيح الداخل الثقافي؟ فما نراه من غياب التنوع الثقافي وسيادة القالب الثقافي الواحد هو بسبب غياب الهوية الثقافية مما يجعل الفعل الثقافي في عزلة وبالتالي لا يؤدي وظيفته كما

ينبغي؟ ماهي الهوية الثقافية؟ وماهي التحديات التي تواجهها والمعيقة لنموها؟ كيف نعزز من هويتنا الثقافية في عالم تتجاذبه تيارات الثقافات العابرة للحدود؟

ولمناقشة هذه الأفكار وضعنا محاور رئيسية نحاول من خلالها معرفة ماهي الهوية , ومفهوم الهوية الثقافية ومقوماتها, والتحديات التي تواجه الهوية الثقافية السعودية أمام الهيمنة الثقافية الغربية على مجتمعاتنا وكيفية تعزيز الهوية الثقافية السعودية وإعطاء الصورة لثقافتنا وانتماءاتنا مع المتغيرات العالمية ، حيث تؤكد ( حكيمة بولعـشب ) ” أن الحديث عن وجودنا التاريخي والجغرافي وإقرانه بالوجود الثقافي إنما هو في الحقيقة الوجود الذي يحدد خصوصيتنا الثقافية ويشكل هويتنا وانتماءنا أمام الآخر في ظل ما يسمى بالثقافات المعمولة التي روجتها وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التكنولوجيا وغيرها التي غذت العقول خاصة عقول النشء الصاعد من الشباب ثروة مجتمعاتنا، والذي أصبح يرى في ثقافة مجتمعه ثقافة مختلفة تمكنه من إثبات نفسه أمام الآخر، وبما أن ثقافة الآخر ثقافة استهلاكية فإن شباب مجتمعاتنا أصبح يتلقاها ويعمل على تجسيد مقوماتها دون أن يكترث بحقيقة ما يجب أن يتحول وما يجب أن يبقى ثابت حتى يتمكن من تأكيد هويته إذن فهناك العديد من تحديات أمام الدول العربية للمحافظة على هويتنا الثقافية وأين يقف فيها الثابت عن المتحول”.

لذلك كان لابد من البحث في “الهوية الثقافية” حيث أن الشعوب التي تحافظ على ثقافتها لا تموت. و يحكم مصطلح “الهوية الثقافية” رؤية تصحيحية داخلية من قبل المفكرين والعلماء والمثقفين من أجل إثراء الداخل الثقافي، فعند تصحيح الداخل سينعكس على الخارج، لذلك كان لابد من التفريق بين الحاجات الثقافية، فهناك حاجات ثقافية تنبع من الذات، وهناك حاجات ثقافية موضوعية. فالمسار الثقافي الذاتي لابد أن يحتوي على عملية بناء عمودي وأفقي بشكل منهجي وتأتي فكرة تنمية الهوية الثقافية كأساس في عملية صناعة الثقافة. وبما أن قنوات التواصل مع الآخر اختلفت حيث فتحت الإنترنت إمكانيّة المشافهة اليوميّة مع الآخر بالصورة والصوت، وأصبح الآخر حاضراً بكل ما فيه من أفكار ومعتقدات بعملية يصعب السيطرة عليها، لذلك كان لابد من أن نسيطر على أنفسنا ونبني منظومتنا النفسية والفكرية والثقافية تجاه هذا الآخر، لذلك جاء تعزيز الهوية الثقافية كحل لمواجهة الآخر وعدم الاندماج به أو تمييع الذات والهوية. لكن السؤال المطروح هو: ماهي الهوية الثقافية؟

في البداية لابد من الاعتراف بأن الثقافة هي نوع من أنواع التعبير عن حالة المجتمع في ضعفـه أو قوته. وهي التي تحدد هوية المجتمعات البدائية أو المتقدمة، وهل هي مجتمعات تؤمن بالحداثة بأسسها المعاصرة مستفيدة من التطور العظيم الذي يحيط بعالمنا أم لا؟

فنحن نحتاج أن نفكر بشكل جماعي فتاريخنا الثقافي مليء بالإنجازات الرائعة والمميزة، والتراكم الثقافي العربي لا أحد ينكره، و تتمثل أوائل مهمات الفعل الثقافي في أفق تأسيس منعطف الاصغاء إلى الحالة الصحية لذاتنا المعرفية والنقدية والابداعية، كذلك تأسيس الوعي بالنقطة الفاصلة بين الثابت والمتغير في كل ما يتعلق بما نعتقده. ولا نهمل أننا بحاجة لتغيير طريقة تفكيرنا ونظرتنا للأمور في كل ما يتعلق بالثقافة، كذلك تقديم الذات الثقافية إلى العالم تقديماً مهيكلاً يضع كل شيء في نصابه. فهي ليست مجموعة أفكار مترفة تغازل خطط السلطة وتتماهى مع المتغيرات , إنما تقوم على البحث في العوائق التي جعلتنا لا نواكب ركب العالم وتطوره. ولعلي أبدأ هنا من مفهوم الهوية الذي يرى “ولد خليفة ” : أنها جسر يعبر من خلاله الفرد إلى بيئته الاجتماعية والثقافية، فهي إحساس بالانتماء والتعلق بمجموعة، وعليه فالقدرة على إثبات الهوية مرتبطة بالوضعية التي تحتلها الجماعة في المنظومة الاجتماعية ونسق العلاقات فيها .

فالثقافة تمثل أساس هوية الشعوب، أما الهوية الثقافية كما يعرفها “إبراهيم الحسين في كتابة الهوية الثقافية بالصحراء” : بأنها الهوية الثقافية والحضارية لأمة، هي القدر الثابت والجوهرية والمشترك السمات والقسمات التي تميز حضارة أمة عن غيرها من الحضارات والتي تجعل الشخصية الوطنية أو القومية طابعا تتميز به عن الشخصيات الوطنية القومية الأخرى.

وهي نوع من أنواع قبول الآخر دون المساس بالذات، فكل جماعة بشرية تتصل مع الآخر وتعيد تأكيد ثقافتها من خلال التحولات والتغيرات السلوكية والقيمية الداخلية، كذلك التغير الخارجي بفعل البيئة المحيطة بالأفراد والجماعات، وهي عملية متغيرة وقد تتطور أو تنكمش، وهي تجارب الأفراد والجماعات مع الهويات الثقافية الأخرى. ومكونات الهوية الثقافية هي : اللغة, الدين , والتاريخ , وتقوم الهوية الثقافية على الآتي :

  • الاستفادة من الجهود الإبداعية للشباب.
  • مدى إيمان المثقفين بحركة ونمو مجتمعهم وفق مفاهيم عالمية.
  • تقوم على تفكيك بنى المفاهيم الثقافية الموروثة العازلة لحركة نمو المجتمع التي وضعت نصب عينها مقدسات وترفض التنمية.
  • دمج الثقافة في كل الخطط المستقبلية للتنمية الشاملة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية.

والهوية الثقافية تمر بأزمة بسبب عوامل كثيرة منها التبعية الثقافية , العولمة الثقافية , ويؤكد ذلك (د. هاني موسى) حيث أوجز مظاهر أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي كالآتي :

1-   عجز الثقافة العربية الراهنة عن التكيف الإيجابي الخلاق مع المتغيرات العالمية والإقليمية والمحلية .

2-   ما تمر به الهوية الثقافية من قسر وقهر وإجبار تروج له قوي العولمة ، وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، من حيث محاولة جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة المشتركة للعالم ؛ ومحاولة فرض معايير مشتركة واحدة ، وغالبا ستكون ما يرتضيه الأمريكيون .

3-  ومن أكبر مظاهر أزمة الهوية الثقافية ، انبهار كثير من التربويين بالنتاج التربوي للغرب ، وتطبيقه علي الواقع العربي رغم اختلاف البيئتين العربية والغربية ، ومن ثم اختلاف متطلباتها ، حيث لا يكاد يوجد فكر تربوي عربي أصيل ، بل هناك نظريات تربوية غربية غرست في أغلب البيئات العربية ، مما ساهم في جعل الهوية الثقافية العربية غير واضحة المعالم.

4-  تظهر أزمة الهوية الثقافية بوضوح من خلال سيطرة النظام السمعي البصري للعولمة الثقافية ، والمتمثل في عشرات الإمبراطوريات الإعلامية التي تبث ملايين الصور يوميا ، فهو طريقة معينة لإدراك العالم والتعبير عنه ، ومصدرا جديدا لإنتاج القيم والرموز وصناعة الوجدان والذوق ، وتشكيل الوعي.

ما هي التحديات التي تواجه الهوية الثقافية:

1-  العولمة الثقافية من التحديات التي تهدد خصوصيتنا وتعتبر تهديدا للهوية السعودية من خلال محاولة تحويل نمط الحياة إلى نمط حياة غربي , و تعد من أخطر التحديات المعاصرة للهوية فهذه العولمة تأتي على الآليات والأدوات التي تستخدمها لفرضها وهيمنتها.

2-   سيطرة وسائل الإعلام الغربية وتمييع الخصوصية الثقافية لأي بلد.

3-  الترويج للقيم والثقافات والسلوكيات التي ذوبت خصوصيتنا الثقافية وهويتنا فكيف يمكن أن نصنع الجيل والنشء القادم وتأكيد هويته في عالم اليوم.

4-   محاولة طمس حقيقة وهوية مجتمعاتنا العربية وإثارة الشبهات حول الهوية الثقافية العربية.

5-  تذويب الثقافة العربية من خلال الترويج لقوى عولمة الثقافة والتركيز على نشر الثقافة الغربية وجعلها النمط الثقافي السائد.

6-  التبعية الثقافية من خلال اعتماد ثقافاتنا على ثقافات الأخرى في إنتاج وتطوير ثقافاتها وتتمثل هذه التبعية في عدة مظاهر منها إحلال قيم وعادات وأنماط سلوكية محل القيم السائدة في هذه المجتمعات حيث تظهر.

7-  التبادل اللامتكافئ بين العناصر الثقافية إذ يكون التبادل أحادي الاتجاه مما يخلق مشكل الخصوصية في ظل شمولية الاتصال.

كيف يمكن تعزيز الهوية الثقافية:

  • أولاً: نشر الوعي والمعرفة بين جميع أفراد المجتمع بأهمية الهوية الثقافية وتعزيز فكرة المحافظة على الإرث الثقافي والعمل على ترسيخها من أجل تربية جيل من الأبناء متمسك بهويته الثقافية ويفخر بها.
  • ثانياً: عمل ندوات وورش عمل تتناول قضية تعزيز الهوية الثقافية.
  • ثالثاً: عمل حملات إعلامية وتثقيفية في المدارس والمراكز الثقافية، واستهداف المسرح المدرسي والترفيهي والتلفزيون ومعارض الصور والتراث، بالإضافة لوسائل الإعلام من الصحف والمجلات والمنشورات، كذلك وسائل التواصل الاجتماعي.
  • رابعاً: التركيز في المناهج على الهوية الثقافية السعودية.
  • خامساً: الاهتمام بالبحوث وكتابة الدراسات والكتب والدراسات التي تتعلق بالهوية
  • الثقافية.
  • سادساً: عمل أرشيف ثقافي غني بالمعلومات التي تعزز من الهوية الثقافية من أجل أن يصبح إرثاً في المستقبل.
  • سابعاً: الاهتمام بموضوع التراث والفلكلور والشعر الشعبي والأدب مما يعزز من  الهوية الثقافية.
  • ثامناً: تحديث ثقافتنا وتطويرها من خلال تبيان وضعية المتحول من الثابت فيها وذلك بإثبات هويتنا في وجه تيارات العولمة الثقافية حتى نتمكن من المحافظة على ثقافتنا العربية [عدنان المجالي، ص220].
  • تاسعاً : لابد من وضع رؤية ثقافية لنا تعد كالمنهج وكالخريطة التي نسير عليها.
  • عاشراً: التفاعل مع الثقافات العالمية، دون إذابة هويتنا ومحاولة جعل ثقافتنا منتجة لا استهلاكية.
  •  الحادي عشر: لابد من ابتكار أدوات لتعزيز وجودنا الثقافي وبنفس الوقت حماية خصوصيتنا وهويتنا أما الآخر، فمواجهة الثقافات الأخرى تقضي التعامل معها وليس تبعيتها حتى لا نذوب في الآخر.

وهكذا يمكن أن تسهم هذه الخطوات في تعزيز هويتنا الثقـافية، وإلى أهمية اتخاذ مزيد من الخطوات لبذل مزيد من الجهود للحفاظ على هويتنا الثقافية؛ خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي تجتاح العالم.

التعقيب الأول: د. نوال الضبيبان

موضوع الهوية الثقافية إلى أين من الموضوعات الموجعة لنا حيث أننا نشعر بخطر فعلى من ذوبان الهوية الإسلامية السعودية العربية الأصيلة ذات الجذور العميقة منذ بدء البشرية وحيث تعد من أعرق الحضارات بل أعرقها على الاطلاق وهي تذوب وتختفي وتتلاشي ونجد أبنائنا وفلذات أكبادنا بهويات وأفكار ليست مغايره لنا بل ضد أفكارنا وثوابتنا الراسخة التي لا يقبل فيها فصال…الخ.

ومن أهم وأبرز العوامل التي أدت لذلك من وجهة نظري بشكل مختصر ومركز الإعلام بشكل عام وبكل أنواعه حيث أن السواد الأعظم فيه يروج لانتصار العولمة الغربية والأفكار الرأسمالية التي تمجد وتأله (الجسد والمال والفردية) فوق كل الاعتبارات الإنسانية الأخرى. وأيضا التعليم فكلنا نعلم مدى انتشار المدارس العالمية التي تقدم في معظمها تعليم راقي وعصري ويتفوق على ما يقدم في المدارس الحكومية ولكنه مع الأسف رغم تدريسهم للغة العربية والمنهج الإسلامي إلا أنه تدريس على استحياء لاستقطاب الأهالي وأموالهم لتسجيل أبنائهم في المدارس العالمية. والسبب الثالث وهو لا يقل أهمية عما ذكر أعلاه مشكلة التفكك الأسري المنتشر بشكل مخيف وكأنه سرطان (نسأل الله العافية منه) والأدهى أنه في الأغلب لا يكون انفصال راقي بمعايير إسلامية وبحسب ثقافة أجدادنا الأوائل بل يكون بصراع وفضائح قد تصل إلى وسائل الإعلام.

كل هذه العوامل بعضها مع بعض سهلت ذوبان الهوية الثقافية الأصيلة لأنها بالأصل لم تجد من يغرسها ويسقيها وينميها في وقت تفوق ثورة الاتصال وانتشار علوم هندسة العقل البشري والاستعمار الفكري وتسيد الرأسمالية والتفوق الغربي.

ماهي الهوية:

عند مناقشة موضوع الهوية يجب أن نعرف ماهي الهوية أولا. فالهوية هي انعكاس واضح لقناعات الإنسان الداخلية. وفي المعجم، هوية منسوبة إلى هو.

• هوية الإنسان هي حقيقته المطلقة وصفاته الجوهرية.

• الهوية الوطنية هي معالمها وخصائصها المميزة وأصالتها.

فالهوية هي مجمل السمات التي تميز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى.

 كيف نحافظ على هويتنا الثقافية والتي هي معتمده بشكل أساسي على قاعدة راسخة وصلبة وهو الدين الإسلامي والثقافة والحضارة العربية.

قَالَ الْعِرْبَاضُ بن سارية رضي الله عنه صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ

 إذا أردنا هوية متميزة ومتفوقة على الحضارات الأخرى والسائدة في وقتنا الراهن؛ لن يكون إلا بدين الإسلام فهو الذي يعنى بتأكيد الهوية الخاصة ويرفض أطروحات الغرب العقدية والتشريعية، ويأمر بمخالفتها، فالله تعالى يقول :(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ).

المعالجة:

ذكرت د. زينب إبراهيم ، العديد من المعالجات الواقعية والميسر تنفيذها وأضيف لها:

1-  إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المعنيَّة برصد الانحرافات الفكريَّة والتعامل معها بتغيير القناعات وأدب الحوار وتوفير البدائل المناسبة للشباب.

2-  تفهم طبيعة الهوية العمرية التي يمر بها أبنائنا والسعي لاحترامها والتصفيق لكل ما هو إيجابي فيها مهما كان صغره أو بساطته بدلا من محاربتها طالما أنها لا تتعارض مع الثوابت.

3-   الاهتمام بالجانب الترفيهي المغموس بالثقافة الإسلامية العربية الأصيلة وتوفير أماكن لائقة لممارستها.

4-   إنشاء المتاحف الإسلامية (التاريخية) بصبغة تكنولوجية وحضارية عصرية.

5-  إنشاء المتاحف العلمية والتي توضح جهود العلماء المسلمين القدامى والعلماء المعاصرين وجهود وانجازات الشباب وصغار السن الحالي ويبرز الطموح العلمي المستقبلي.

6-  عمل المؤتمرات العلمية التي تبرز العلماء المسلمين والكوادر المشرفة لتكون قدوة لأبنائنا من بني جلدتنا ولشباب العالم.

7-  توظيف الشباب والكادر السعودي والعربي لإعداد المسلسلات والأفلام الكرتونية الإسلامية العصرية في التقنيات واللغة المستخدمة.

8-  تشجيع مشاعر الفخر بالزي السعودي والإسلامي وارتدائه عند السفر للخارج وإجراء المقابلات والبرامج التي تساعد على انتشاره.

9-  إنشاء دور للمصممين العرب والمسلمين المهتمين بإبراز التراث الإسلامي في المسكن والزي والاحتياجات المنزلية وفق تصميم عصري عملي متميز يسهل ويفيد اقتنائه وشرائه.

10- إعداد الأبحاث العلمية التي تقيس أثر العولمة على مكانة الدين الإسلامي واللغة العربية ومظاهر القيم الثقافية لدى الشباب والمجتمع السعودي ومشاركة نتائجها معهم.

11- إعداد الأفلام القصيرة والتوعوية التي توضح ما سيكون عليه المستقبل في ظل الذوبان للهوية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية…. الخ ، لعلها تثير فيهم مشاعر النخوة والحياء من الله في عدم المشاركة أو مد يد العون في طمس أجمل وأرقى وأعرق هوية على وجه البشرية .

التعقيب الثاني: أ. مها عقيل

قدمت د. زينب تعريف للهوية والثقافة والهوية الثقافية ومكوناتها (اللغة والدين والتاريخ) وعلى ماذا تقوم. وبناء على هذه المفاهيم أطرح سؤال عن ماهي هويتنا الثقافية التي تميزنا ونود الحفاظ عليها ونقدمها للغير على أنها تمثلنا؟

لكي نستطيع أن نواجه العولمة الثقافية وسيادة واكتساح الثقافة الغربية علينا أن نحدد ماهي المبادئ والصفات والعادات والتقاليد والملابس والمأكولات وغيرها التي تُعد من المكونات الثقافية وليس فقط اللغة والدين والتاريخ. للنظر مثلاً للثقافة الهندية التي استطاعت أن تحافظ على مكوناتها بل وتصدرها للخارج بالرغم من مواكبتها لكل معالم التمدن والتطور والتحضر والتفوق العلمي والاقتصادي. من المؤكد أن انتشار ثقافة بلد ما هو أيضا دليل على قوتها ومكانتها في العالم.

مثال آخر أقرب لنا المغرب، فقد حافظ على ثقافته التي تميزه ونجح أيضا في تصديره فأصبحنا نرى القفطان المغربي على منصات الأزياء العالمية والمطبخ المغربي منتشر في أنحاء العالم والفن المعماري والديكور المنزلي.

حتى المفردات الخاصة لأي ثقافة قد تصبح أيضا جزء من هويتها. التنوع الثقافي يُغني الدولة ويدل على ثراء حضارتها وتاريخها. للأسف في الماضي حصل طمس والغاء ورفض لبعض الموروث الثقافي وفقدان الكثير من المعالم الثقافية المتنوعة في السعودية وفرض نوع واحد وفكر واحد مما أفقد الإحساس بالانتماء أي الهوية. ولا يعني المحافظة على الهويات المحلية عدم الانتماء إلى الهوية الوطنية بل العكس هو جزء منها.

مؤخراً نلاحظ عودة إلى بعض الأزياء التقليدية والعادات الحسنة حتى من قبل الشباب وهذا شيء من المهم تشجيعه كي لا نفقد ما تبقى لنا من هوية وانتماء. العمل على الاحتفاء بهذه العادات والأزياء وإبرازها في الداخل والخارج من الأشياء التي تعزز الحفاظ على ثقافتنا. وكما أشارت د. زينب علينا أن نضع رؤية وبرنامج تصحيحي داخلي. فكما هناك عودة خجولة لبعض ملامح ثقافتنا هناك أيضا انسياق وانجراف نحو عادات ونمط حياة غريب علينا. الحفاظ على ديننا ومبادئنا وخصوصيتنا لا يعني أن نظل نعيش في القرون الماضية وإنما نطبق هذه المبادئ والأسس على الحاضر ونواكبه.

إسبانيا كان لها تجربة ناجحة في تعزيز هويتها الثقافية ووضعت خطة استراتيجية بعد فوزها في استضافة الألعاب الأولمبية لتقديم اسبانيا إلى العالم وقامت بحملة ترويج بدأت بسنوات قبل انعقاد الألعاب واستمرت بعدها وجنت ثمارها في زيادة السياحة ونمو الاقتصاد وتصدير منتجاتها وطبعاً صاحب ذلك تطوير البنية التحتية والخدمات. إذاً ما نقدمه داخلياً وخارجياً من ثقافة يجب أن يكون ضمن خطة استراتيجية طويلة الأمد تعمل على ترسيخ هويتنا.

من الأشياء التي أرى أيضا أنها تعزز هويتنا الثقافية هي إنتاجنا الأدبي والفني القديم والحديث. العمل على ترجمة أعمال أدباءنا من روائيين وشعراء سيسهم ليس فقط في تعريف العالم بتنوع ثقافتنا وفكرنا وإنما أيضا يعمل على تعزيز ثقتنا بأنفسنا وبثقافتنا مما سينعكس إيجاباً على تمسكنا بها. ونفس الشيء بالنسبة لأعمالنا الفنية من موسيقى وفن تشكيلي وأفلام وغيرها فهذه هي بطاقة التعريف بنا لتغيير الفكرة السائدة عنا التي ألصقت صفة الإرهاب والتشدد والتزمت بنا.

وأخيراً أودّ أن أشير إلى أن المحافظة على تنوع ثقافتنا وتعزيز هويتنا يتطلب سقف عالي من الحرية للقبول والسماح بهذا التنوع والتعبير.

المداخلات حول القضية:

  • الهوية الثقافية والإشكالات المتضمنة

أشار أ. مسفر الموسى إلى أن أزمة الهوية الثقافية ذات بعد عالمي تعاني منها أغلب المجتمعات.. في أمريكا مثلا عقد قبل سنوات مؤتمر موت القيم .. وهو مؤتمر يعالج قضايا الارتباط داخل المجتمعات المحلية.

إننا نعيش مرحلة ما بعد العولمة بسبب طفرة الاتصال. هذه الطفرة نقلت المجتمعات إلى ما يسمى بالتفتيت الثقافي.. وتعني أن القيم المشتركة لم تعد ترتبط بالحيز المكاني أو الجغرافي وإنما من خلال الاهتمامات المشتركة في فضاء السايبر.

وبالتالي فإن الهويات الجديد بحسب هذه الفرضية لم تعد ترتبط بالسعوديين أو الفرنسيين أو الصينيين بقدر ارتباطها بجماعات المهن والهوايات المشتركة.. مثل مجتمع الفن الفوتوغرافي ومجتمع المهندسين المعماريين ومجتمع محبي عالم السيارات وهكذا.

وفي تصور د. نوال الضبيبان فإن من أهم الأسباب التي تجعل الفرد ينسلخ من هويته.. هي مشاعر إحساسه بالدونية للقوى العظمي وحاجته لمشاعر القبول والانتماء من قبلهم.

فبقدر الإعجاب يكون التقليد والانجراف وبقدر الثقة والايمان يكون الثبات والتشبث.. هويتنا ليست كأي هوية، تميز وتفرد لا يضاهيه ثقافة أو حضارة أخرى .. تميز في الدين وهو الشرع المدبر لكل جوانب الحياة .. تميز في اللغة وهي عباره عن الأصالة ولا تنافسها في ذلك لغة أخرى… فكلنا يعرف مشاكل اللغة الإنجليزية مثل الفرق بين الأحرف المنطوقة والمكتوبة وأن العديد من الكلمات مقتبسه من اللغات الأخرى. وأيضا هذه الثقافة مشتقة ومبنية على موقع جغرافي هو الأفضل على مستوى المعمورة وهو مركز وأساس الحضارات ومولدها.

فحقيقة بعد كل هذا نستغرب من كل من يتفاخر أو يتباهى بأدبيات أو اخلاقيات الثقافات الأخرى، باستثناء القوانين العصرية للحياة المدنية مثل حقوق الإنسان وأساليب التعليم ومنهجية البحث العلمي والنظام والتنظيم والتخطيط المستقبلي والاستراتيجيات المتنوعة لكل جزئية وكل ما لدى المجتمع المدني من قوانين موضوعية وعلمية بدرجة كبيرة.

هذا أمر مستقل تماما عن الثقافة؛ فالثقافة موروث والموروث لدينا أفضل، ولكن الواقع من حيث المدنية لديهم أفضل وهذا له أسباب متعددة وإن شاء الله تزول؛ فعادة الأمم في تقدم وتأخر ، في صعود وهبوط . وبالمختصر الحقيقة كل محاولة لطمس الهوية الثقافية المتميزة والمتفردة هي جريمة إنسانية وجريمة حضارية.

وفي السياق ذاته قال د. طلحة فدعق: وصلني قبل أيام تساؤلات تتعلق بعمل بحثي حول الشباب في السعودية وكانت التساؤلات تتعلق بقضايا حول الهوية ومعناها في سياق العمل وكانت حرفيا : هل الشباب عينة الدراسة باعتبارهم  من المنطقة الغربية يعكسون الهوية الثقافية الحجازية ؟ والى أي مدى ممارساتهم اليومية والحياتية التي تعكس ثقافتهم المناطقية يمكن أن تنطوي تحت مسمى هوية وطنية ؟ .

التساؤلات جعلتني أعيد التأمل في بعض العبارات التي حللتها كيفيا .. كثير منها إن كانت تعكس هوية ثقافية مناطقية تختص بالمنطقة الغربية لكنها حقيقه لم تخرج عن إطار الهوية الوطنية الأم وبالتالي فليس من الضرورة أن تكون الهوية الثقافية الفرعية ( اثنية أو مناطقية أو طائفية ) معول هدم للحمة الهوية الوطنية .. الإشكالية كانت في تحديد المفاهيم وأدوات التحليل بالنسبة للقضية البحثية محور الدراسة .. و بشكل أو بآخر ممكن طرحها للتأمل أمام صناع السياسات فيما يتعلق بإشكالية تعزيز الهوية الوطنية.

أما أ. كوثر الأربش فترى أنه أمامنا فيما يخص الهوية الثقافية السعودية محطتين لابد من التوقف عندهما طويلاً، يمكن طرحهما كسؤالين:

1-  هل تشكلت الهوية الثقافية السعودية كمفهوم له ثوابت و مشتركات. أم مازالت الهويات المذهبية والمناطقية والقبلية ينازعون الهوية الثقافية السعودية الوجود؟

2-  كيف نسير بكل خفة بين حفاظنا على هوياتنا وبين انعزالنا عن العالم ورفض التماس والاشتراك مع الثقافات الأخرى دون أن نذوب ونفقد تشكلنا الثقافي؟

وذهب د. مشاري النعيم إلى أن هناك مسالك مهمة جدا مرتبطة بالهوية هي أنها مرتبطة بالأيديولوجيا أي أن الهوية الثقافية غالبا ما تكون استبعادية وتهميشية لبعض الفئات في المجتمع…فهل نستطيع بلورة هوية احتوائية ديناميكية لا تتوقف عند الأيديولوجيات وتستوعب المستجدات.

بينما يرى د. زياد الدريس أن الهوية مرتبطة بالإيديولوجيا في مسارين: من لدن المنافحين عنها وأيضا من لدن المهمشين لها! أي أن الذين يقاتلون للدفاع عن الهوية يقعون في أدلجة عنصرية، في حين أن الذين يُبدون استخفافاً بمساعي المحافظة على الهوية هم أيضا ينطلقون من منطلق أيديولوجي، ولكن مضاد! وعلى أي حال، من الصعوبة بلورة هوية متكاملة، ثم لا تكون بكل أسف طهرانية إقصائية !

وعقب د. مشاري النعيم بأن هذه أحد الاشكالات الكبيرة التي عادة ما ترتبط بحالة البحث عن الهوية…أمين معلوف في كتابه “الهويات القاتلة” أكد على أن البحث عن الهوية. يحمل في طياته نظرة فوقية على الآخر…الموقف الشرعي من الهوية ليس استبعادا للآخر بل تعارفا معه…لتعارفوا.

وأشار أ. عبدالرزاق الفيفي تحت عنوان: الثقافات الأصلية والثقافة البيضاء – النواة والجسر ، أنه سبق وطرح رؤية حول مصطلحين هما ( الثقافة الأصلية ) و (الثقافة البيضاء) ، وكيف نخلق منهما ثقافة وطنية أصيلة عزيزة متجددة في كل زمان ومكان؛ فلكل أمة ودولة ( ثقافة أصلية ) لابد أن يحموها و يطوروها و يعتزوا بها ، وهناك (ثقافة بيضاء) تمثل الجسر والمعبر الذي يربط بين كل الثقافات الأصلية الأخرى.

( فالثقافات البيضاء ) تُعتبر مناطق أمان وتبادل وتعايش مع الآخر دون ذوبان (للثقافة الأصلية) لأحد في ثقافة الآخر الأصلية . و( الثقافة البيضاء ) يفترض فيها أن تكون حارسة موثوقة للثقافات الأصلية الوطنية الأخرى ، تمنع الاعتداء على الثقافات الأصلية أو ذوبانها في بعضها، ونحن على هذا الصعيد نواجه ثلاث مشاكل وتحديات هي :

1-  أننا نسعى لجعل ثقافتنا الأصلية التي ميزتنا ثقافة بيضاء وبهذا كأننا قررنا أن نخرج من التاريخ الحضاري دون أن نشعر أو كما يراد لنا أن نخرج ، وأن نكون معبراً  يقبل أن يسحق تحت قوة الثقافات الأصلية الوطنية للأمم الأخرى.

2-  عندما يعجز ( بفتح الياء و ضمها ) المجتمع وبالذات النخب على أن يوجدوا لهم ثقافة وطنية أصلية تنسجم مع الثقافة البيضاء كمعبر إلى الثقافات الأصلية الأخرى في العالم ، فتجدهم يتلمسون المخرج كحاطب ليلٍ أو كموقد مصباح غيره في رابعة النهار.

3-  عندما يقصر فهم ووعي وإدراك المجتمع عموماً والنخب خصوصاً عن الميزة التنافسية والنوعية والوجودية لثقافتنا كمسلمين أولاً ثم كسعوديين ثانياً بأن ثقافتنا منطلقة من ( منهج حياة ) لا من دين محاريب أو أفكار منابر و تجارب فلاسفة ، مع الاحترام لها جميعا ، وأنه يفترض في ثقافتنا الأصلية الوطنية أن تدرك ثلاثة أمور مهمة :

  • أنها مسلمة فلا تقبل الذوبان.
  • أنها عالمية فلا تقبل المحلية.
  • أنها متجددة فلا تقبل الجمود.

إن حالة التوهان في رحلة البحث عن الهوية تنشأ بسببين هما :

1-   محاولات فك الارتباط عن الأصل بشكل حاد مباشر.

2-   محاولات لفك الارتباط بشكل غير مباشر.

في محاولات مستميتة للموائمة بين ثقافتنا الأصلية مع ثقافة أصلية لأمة أخرى بسبب تلازم ثلاثة عوامل في عقل ناقل الثقافة المحلي وهي :

1-  كسل و عجز عن بذل الجهد في سبر ثقافتنا الأصلية و إحياء وتجديد ما يلزم (لعدم وجود القيمة والأهمية لذلك في كل أشكال مؤسسات المجتمع).

2-   توافر عوامل إبهار في ثقافات أصلية أخرى عززت العامل السابق .

3-   السرعة التنافسية في النمو لدى الأمم الأخرى مما أوهم ناقل الثقافة المحلي بحالة نقص وشعور بالتأخر.

دافع ذلك حاجة إنسانية ومعيشية ملحة لديه دعته لاستنساخ واجترار لتلك الثقافات الأصلية دون تفريق في تشكيل بنيتها ما بين المقبول والغير مقبول ، وما بين الممكن وغير الممكن ، وما بين المفيد وغير المفيد.

ومن جهته ذكر د. عبدالله بن ناصر الحمود أن من أكثر الأشياء أسفاً أننا نخشى على هويتنا من الذوبان.. بل ومن الطمس.. كما يروق لعدد كبير من المنظرين الاجتماعيين أن يصف حالنا مع الثقافة.. ومن ذلك.. ما تم نحته من مصطلحات خلال القرن الماضي .. على نحو: الغزو الثقافي، الاستلاب الثقافي، الهيمنة الثقافية … الخ، أو ما يعبر عن هذا الشعور والقلق من نحو: العولمة، الأمركة، التغريب… الخ. يضاف إلى ذلك .. ما شهده هذا القرن الحالي من مطلعه.. على نحو: الثورة الاتصالية، وتحدي المحتوى الإعلامي والاتصالي… الخ.

كل تلك الهموم اصطحبها العالم ليعبر عن عالم الثقافة .. ولكن من زوايا مختلفة.. وقد اتفقت جل شعوب الأرض حول التباكي على هويتها جراء هيمنة أو فرضية هيمنة ثقافة أخرى.. وتقود الملاحظة المتخصصة للقول بأن الأمر ليس حكرا على العرب والمسلمين فقط؛ بل إن من شعوب العالم الأول من تباكى.. ولا زال يتباكى حتى اللحظة.. كندا على سبيل المثال.. يصفها كتاب التغير الاجتماعي فيها مقابل جارتهم أمريكا بأنها كمثل الحمل النائم بجوار فيل…كلما تحرك في الفيل عضو منه فزع الحمل أشد الفزع.. وتزدهر في كندا دراسات التغير الاجتماعي.. وتزدهر أيضا استراتيجيات صناعة الرموز والقدوات الكندية؛ لأن كثيرا من دراسات التغير المجتمعي في كندا دلت على أن شخصية البطل لدى نسبة عالية من الشباب الكندي شخصية أمريكية.. مستمدة غالبا من أفلام السينما.. والتلفزيون.. والشبكات الاجتماعية ونحوها.

وكدليل واضح في هذا السياق.. تتباين الدراسات الثقافية وفقا للواقع بين الفعل ونقد الفعل؛ فتزدهر دراسات الفعل الإعلامي والاتصالي (صناعة الإعلام والاتصال) في الولايات المتحدة .. مثل الدراسات الوسائلية.. والتقنية.. وصناعة المحتوى.. ودراسات الجمهور.. والتسويق .. والصور الذهنية.. ونحوها ، في حين تزدهر الدراسات النقدية في كندا وأوروبا.. مثل دراسات التأثير..  وبخاصة الآثار الثقافية والاجتماعية لوسائل الإعلام. ومن هنا.. يمكن فهم شيء من أسباب ظهور وازدهار المناهج النوعية الكيفية في أوروبا مثل مدرسة فرانكفورت المعنية بالتحليل النقدي، وازدهار المناهج الكمية الإحصائية في أمريكا بالمقابل المعنية بالدراسات الأساسية المسحية.

من جانب آخر.. عندما يريد أحد منك النصيحة حول دراسة الإعلام والاتصال في الغرب مثلاً، فستكون نصيحتك .. مجازفة خطيرة .. لو أشرت عليه بأي رأي .. قبل أن تعرف.. ما إذا كان سيدرس الإعلام والاتصال كوسائل وسلوك مهني ..أم كأثر وفاعلية ودور؛ ففي الحالة الأولى، وبشكل عام، ستكون الجامعات الأمريكية أكثر كفاءة.. في حين تكون الجامعات الكندية والأوربية أجدر في الحالة الثانية.

ثمة سبب رئيس وراء سرد التفصيل السابق.. وهو.. محاولة التأكيد على أن شعوب الأرض تتساوى في معرض قلقها على كينونتها الثقافية، ولا ينفك من هذا الشعور إلا ذلك المهيمن ثقافيا بالضرورة.. فكلمة ثقافة تعني في بعض القواميس cheap word (كلمة رخيصة)  ، وهذا بالتأكيد.. في الذهنية الأمريكية بشكل رئيس.. لأسباب ترتبط ربما بالشعور بالتفوق الثقافي الصارخ.. أما “نحن”.. فحالنا مع الثقافة كناطح صخرة يوما ليوهنها.. فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل، نحن نعيش حاليا عقود الضعف، الضعف العام، وبالتالي منتجنا الثقافي ضعيف، ضعيف في ذاته لأنه هجين، وضعيف في دلالته ومغزاه لأنه مشوه أيديولوجيا، وضعيف في أثره لأنه متخلف؛ وبالتالي تتكالب علينا الأمم.. وتخور قوانا الثقافية مؤسسات وأفراداً في مواجهة تحديات المرحلة ونعجز عن الفعل الثقافي، ونخاف من الآخر.

وأشار م. خالد العثمان إلى النص الكامل للائحة تنظيم الهيئة العامة للثقافة والتي بدأت مهامها قبل فترة وجيزة ومتاحة على الرابط (http://www.ajel.sa/local/2002861) حيث أكدت تمتعها بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري، وارتباطها تنظيميًا برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وأقرّت اللائحة مقر الهيئة الرئيس في مدينة الرياض، على أن يتم إنشاء فروع أو مكاتب أخرى لها بحسب الحاجة. وتهدف الهيئة إلى تحفيز قطاع الثقافة في المملكة وتطويره والارتقاء بجميع عناصره ومقوماته وإمكاناته، والإسهام في رعاية المواهب الثقافية، وتعزيز التنوع الثقافي والتلاحم الاجتماعي. فيما تتولى وزارة الثقافة والإعلام الإشراف على التنسيق مع الهيئة بما لا يخل بغاياتها ومهماتها، ويسهم في الارتقاء بالشأن الثقافي، ويحقق التكامل في الأدوار بينهما، خاصة فيما يتصل برسم السياسات المتعلقة بالنشاط الثقافي.

وفيما يلي نص اللائحة:

المادة الأولى:

يكون للألفاظ والعبارات الآتية- أينما وردت في هذا التنظيم- المعاني المبينة أمامها، ما لم يقتضِ السياق خلاف ذلك:

الهيئة: الهيئة العامة للثقافة.

التنظيم: تنظيم الهيئة.

الوزارة: وزارة الثقافة والإعلام.

المجلس: مجلس إدارة الهيئة.

الرئيس: رئيس المجلس.

الرئيس التنفيذي: الرئيس التنفيذي للهيئة.

المادة الثانية:

1-  تتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري، وترتبط تنظيميًا برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

2-   يكون مقر الهيئة الرئيس في مدينة الرياض، ولها إنشاء فروع أو مكاتب بحسب الحاجة.

المادة الثالثة:

1-  تهدف الهيئة إلى تحفيز قطاع الثقافة في المملكة وتطويره والارتقاء بجميع عناصره ومقوماته وإمكاناته، والإسهام في رعاية المواهب الثقافية، وتعزيز التنوع الثقافي والتلاحم الاجتماعي.

2-  تتولى الوزارة الإشراف على قطاع الثقافة في المملكة، والتنسيق مع الهيئة بما لا يخل بغاياتها ومهماتها، ويسهم في الارتقاء بالشأن الثقافي، ويحقق التكامل في الأدوار بينهما، وبخاصة فيما يتصل برسم السياسات المتعلقة بالنشاط الثقافي.

المادة الرابعة:

مع عدم الإخلال باختصاصات الجهات الأخرى، يكون للهيئة في سبيل تحقيق أهدافها الاختصاصات والمهمات الآتية:

1-  تعزيز المكانة الثقافية للمملكة، ومدّ جسور التواصل المعرفي والإنساني بصفتها مصدر إشعاع فكري وعطاء معرفي، على المستويين الإقليمي والدولي.

2-   إبراز الهوية السعودية من خلال الثقافة والفكر والفنون، وإشاعة القيم التي تعمق الانتماء الوطني.

3-   إبراز مكانة المملكة وما تشهده من رقيٍّ حضاريٍّ في مختلف الجوانب.

4-   الإسهام في تنمية حركة الفكر والثقافة والفنون والإبداع، وتهيئة البيئة المحفزة على ذلك.

5-   الاهتمام بثقافة مختلف فئات المجتمع، والعمل على تنميتها.

6-  اقتراح مشروعات الأنظمة والتنظيمات التي تتطلبها طبيعة عملها وتعديل المعمول به منها، والرفع بها لاستكمال الإجراءات النظامية.

7-   المشاركة في المؤتمرات والملتقيات والمهرجانات والمعارض الداخلية أو الخارجية، وفقاً للإجراءات النظامية.

8-  الاشتراك في الاتحادات والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية وما في حكمها ذات العلاقة، وفقاً للإجراءات النظامية.

المادة الخامسة:

1-   يكون للهيئة مجلس إدارة يشكل من رئيس يعين بأمر ملكي، وعضوية كل من:

أ – الرئيس التنفيذي.

ب – عدد لا يقل عن سبعة من المهتمين والمتخصصين من ذوي الخبرة في المجالات ذات العلاقة بعمل الهيئة.

2-  يصدر أمر من رئيس مجلس الوزراء بتعيين الأعضاء المشار إليهم في الفقرة (1/ ب) من هذه المادة، وذلك بناءً على اقتراح من رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتكون مدة عضويتهم ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.

المادة السادسة:

المجلس هو السلطة المهيمنة على إدارة شؤون الهيئة وتصريف أمورها، ويتخذ جميع القرارات اللازمة لتحقيق أهدافها في حدود أحكام التنظيم، وله على وجه الخصوص ما يأتي:

1-  إقرار السياسات المتعلقة بنشاط الهيئة ـ بعد التنسيق مع الوزارة ـ والخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها، والرفع عما يلزم تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية في شأنها.

2-  اقتراح مشروعات الأنظمة ذات العلاقة بعمل الهيئة وتعديل المعمول به منها، ورفعها تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية.

3-   إقرار الهيكل والدليل التنظيمي للهيئة.

4-  إقرار لوائح الهيئة المالية والإدارية، بما في ذلك اللوائح المتعلقة بشؤون منسوبيها وتأمين مشترياتها وتنفيذ مشروعاتها.

5-   الموافقة على إنشاء فروع أو مكاتب للهيئة.

6-   تحديد المقابل المالي لما تقدمه الهيئة من خدمات وأعمال.

7-  إقرار اللوائح المتعلقة بالأنشطة المشمولة بمجال عمل الهيئة وما يتصل بها، بما في ذلك إجراءات إصدار التراخيص والفسوحات والموافقات والأذونات، وتحديد المقابل المالي لذلك.

8-   الموافقة على استثمار أموال الهيئة بما يحقق أهدافها، وفقاً للأنظمة والتعليمات المتبعة.

9-   تعيين مراجع حسابات خارجي معتمد، ومراقب مالي داخلي.

10-الموافقة على مشروع ميزانية الهيئة السنوية وحسابها الختامي وتقرير مراجع الحسابات والتقرير السنوي، تمهيداً لرفعها بحسب الإجراءات النظامية المتبعة.

11-     النظر في التقارير الدورية التي تقدم عن سير العمل في الهيئة.

12-     الموافقة على إبرام الاتفاقيات والبروتوكولات والعقود بحسب الإجراءات النظامية المتبعة.

13-     قبول الهبات والتبرعات والمنح والوصايا والأوقاف، وفقاً للأحكام المنظمة لذلك.

وللمجلس تفويض بعض اختصاصاته إلى رئيسه أو إلى من يراه من أعضائه أو من منسوبي الهيئة.

وللمجلس تشكيل لجان دائمة أو مؤقتة ـ من بين أعضائه أو من غيرهم ـ يعهد إليها المجلس بما يراه من أعمال، ويحدد قرار تشكيل كل لجنة رئيسها وأعضاءها واختصاصاتها، ويكون لها الاستعانة بمن تراه لتأدية الأعمال الموكولة إليها.

المادة السابعة:

1-  تعقد اجتماعات المجلس في مقر الهيئة الرئيس، ويجوز عند الاقتضاء عقدها في مكان آخر داخل المملكة أو خارجها.

2-  يجتمع المجلس (مرة واحدة) كل ثلاثة أشهر على الأقل، أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك بحسب ما يقدره الرئيس، أو إذا طلب ذلك ثلث أعضائه على الأقل، وللرئيس أن ينيب من يراه من ممثلي الجهات الحكومية الأعضاء في المجلس برئاسة الاجتماعات في حال غيابه، وتوجه الدعوة للاجتماع من الرئيس كتابة قبل موعد الاجتماع بسبعة أيام على الأقل، ويتعين أن تكون الدعوة مصحوبة بجدول أعمال الاجتماع، ويشترط لصحة الاجتماع حضور أغلبية الأعضاء بمن فيهم الرئيس أو من ينيبه، وتصدر القرارات بأغلبية أصوات الحاضرين، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي صوت معه رئيس الاجتماع، وللعضو المعترض تسجيل اعتراضه وأسباب الاعتراض ضمن محضر اجتماع المجلس.

3-  تثبت مداولات المجلس وقراراته في محاضر يوقعها رئيس الاجتماع والأعضاء الحاضرون، وتبلغ الهيئة هذه القرارات إلى الجهات المعنية بها مباشرة وبالطريقة المناسبة.

4-   لا يجوز للعضو الامتناع عن التصويت أو تفويض عضو آخر بالتصويت عنه عند غيابه.

5-   لا يجوز للعضو أن يفشي شيئاً مما وقف عليه من أسرار الهيئة.

6-   للمجلس أن يدعو لحضور جلساته من يرى الاستعانة بهم دون أن يكون لهم حق التصويت.

المادة الثامنة:

يكون للهيئة رئيس تنفيذي يعين ويعفى من منصبه بقرار من المجلس، ويحدد القرار أجره ومزاياه المالية الأخرى، وهو المسؤول التنفيذي عن إدارة الهيئة، وتتركز مسؤولياته في حدود التنظيم وما يقرره المجلس، ويمارس الاختصاصات التالية:

1-   اقتراح السياسات المتعلقة بنشاط الهيئة والخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها، ورفعها إلى المجلس.

2-   اقتراح الهيكل والدليل التنظيمي للهيئة، ورفعهما إلى المجلس.

3-  اقتراح لوائح الهيئة المالية والإدارية والوظيفية، واللوائح المتعلقة بالأنشطة المشمولة بمجال عملها، ورفعها إلى المجلس.

4-  الإشراف على إعداد مشروع ميزانية الهيئة السنوية وحسابها الختامي والتقرير السنوي، تمهيداً لعرضها على المجلس.

5-   تعيين العاملين في الهيئة والإشراف على سير العمل فيها وفقاً للوائح والخطط والبرامج المعتمدة.

6-   إصدار الأوامر بمصروفات الهيئة بموجب الميزانية السنوية المعتمدة.

7-   متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس.

8-   تقديم تقارير دورية إلى المجلس عن أعمال الهيئة ومنجزاتها ونشاطاتها.

9-   تقديم الاقتراحات إلى المجلس في شأن الموضوعات الداخلة في اختصاصات الهيئة.

10-     التوقيع على الاتفاقيات والبروتوكولات والعقود بعد موافقة المجلس ووفقاً للإجراءات النظامية المتبعة.

11-     التعاقد مع الخبراء والمستشارين في حدود أغراض الهيئة، ووفقاً لما تحدده اللوائح.

12-  تمثيل الهيئة أمام الجهات القضائية وله تفويض غيره بذلك، ولدى الجهات الحكومية والمؤسسات والهيئات الأخرى ذات العلاقة، وغيرها من الجهات داخل المملكة وخارجها.

13-     إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام التنظيم واللوائح الصادرة بناءً عليه بحسب الصلاحيات المخولة له.

14-     أي اختصاص آخر يسنده إليه المجلس.

وللرئيس التنفيذي تفويض بعض اختصاصاته إلى من يراه من منسوبي الهيئة.

المادة التاسعة:

يسري على جميع منسوبي الهيئة نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية.

المادة العاشرة:

1-   تكون للهيئة ميزانية سنوية مستقلة، تصدر وفقاً لترتيبات إصدار الميزانية العامة للدولة.

2-   السنة المالية للهيئة هي السنة المالية للدولة.

المادة الحادية عشرة:

1-   تتألف موارد الهيئة من المصادر الآتية:

أ – ما يخصص لها في ميزانية الدولة.

ب – المقابل المالي الذي تتقاضاه الهيئة عن الخدمات والأعمال التي تقدمها وفقاً للوائح الهيئة.

ج – ما يقبله المجلس من هبات وتبرعات ومنح ووصايا وأوقاف.

د – عوائد استثمار مواردها المالية المتاحة.

هـ – أي مورد آخر يقره المجلس بما لا يخالف الأنظمة والتعليمات.

2-  تودع أموال الهيئة في حساب لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، ويصرف من هذه الأموال وفق ميزانية الهيئة المعتمدة.

المادة الثانية عشرة:

ترفع الهيئة إلى مجلس الوزراء حسابها الختامي السنوي خلال تسعين يوماً من تاريخ انتهاء السنة المالية، ويزود ديوان المراقبة العامة بنسخة منه.

المادة الثالثة عشرة:

ترفع الهيئة إلى رئيس مجلس الوزراء خلال (تسعين) يوماً من بداية كل سنة مالية تقريراً سنوياً عما حققته الهيئة من إنجازات مقارنة بما ورد في الخطة العامة للتنمية خلال السنة المنقضية وما واجهها من صعوبات وما تراه من مقترحات لتحسين سير العمل فيها.

المادة الرابعة عشرة:

مع عدم الإخلال باختصاص ديوان المراقبة العامة، يعين المجلس مراجع حسابات خارجياً (أو أكثر) من المرخص لهم بالعمل في المملكة، لتدقيق حسابات الهيئة ومعاملاتها وبياناتها وميزانيتها السنوية وحسابها الختامي، ويحدد المجلس أتعابهم. ويرفع تقرير مراجع الحسابات إلى المجلس، ويزود ديوان المراقبة العامة بنسخة منه.

المادة الخامسة عشرة:

ينشر التنظيم في الجريدة الرسمية، ويعمل به بعد تسعين يوماً من تاريخ نشره.

وعقب م. أسامة كردي بأن هذه اللائحة أعلاه قد فشلت في أمرين :

1-   تعريف الثقافة بالمعنى الإداري.

2-   الفصل بين صلاحيات الهيئة و الوزارة.

ولاحظ د. خالد بن دهيش أن هناك تحول واهتمام من قبل الحكومة نحو الثقافة بشكل عام بالمملكة بدأ من سنوات بإسناد الثقافة لوزارة الإعلام التي بدأت بتجميع شتات المسؤوليات المعنية بالثقافة الموزعة بين عدة جهات حكومية و المجتمع المدني. وأخيراً تم إنشاء هيئة للثقافة تم إيضاح التنظيم الصادر بشأنها أعلاه والذي يحدد مهامها ومسؤولياته وعلاقاتها بالجهات المعنية بالثقافة وآليات تنظيم ذلك بحكم كوّن الهيئة منظم لكل ماله علاقة بالثقافة، لعل هذا يستدرك ما فات من فوضى – إن صح التعبير- في إعادة صياغة ثقافتنا ووضع الاستراتيجيات للمحافظة والتعزيز للهوية الثقافية الوطنية.

وهناك جهات حكومية أخرى لديها خطط لتعزيز الثقافة الوطنية مثل الحرس الوطني (مهرجان الجنادرية للثقافة) هيئة السياحة والتراث العمراني (الأثار والمتاحف ) الهيئة العليا لتطوير العلا (إحياء ثقافات وأثار قديمة) و مركز الملك عبد العزيز للأبل ( تنظيم المهرجات للأبل) ودارة الملك عبد العزيز (ضبط تاريخ وأحياء ثقافة المملكة خلال الدولة السعودية الأول والثانية والثالثة) وغيرها.

لذا من المهم القول: أن نبدأ بشكل صحيح ومنظم خير من أن تتشتت الجهود. وأن تكون تلك الجهود ضمن رؤية المملكة ٢٠٣٠ التي تضمنت رؤيتها التالي:

(( السعودية… العمقُ العربيُ والإسلامي … قوة استثمارية رائدة … ومحور ربط القارات الثلاث )).كما وتضمنت أهداف وزارة الإعلام والثقافة بالهدف الاستراتيجي الأول (( تطوير بيئة محفزة للأنشطة الثقافية )).

ومن جانبه قال د. مساعد المحيا: أكاد أيقن أننا حين نتحدث عن هويتنا فإننا نستصحب ذواتنا فقط إذ كل الحديث عن عدم تقبلنا أو عن انصهارنا في ثقافة واحدة أو عدم مواكبتنا للتطور هي جوانب أصبحت منذ أمد من الماضي .. إذ الجيل الجديد اليوم يعيش حياة جديدة ورؤى جديدة ..فقد استطاعت التقنية أن تحول لديه الكثير من القناعات وأن تزرع لديهم هوية جديدة .. حين نغوص فيها نستغربها لأنها أصبحت تتم بتسارع شديد.

التطبيقات الحديثة للسوشل ميديا جعلت هذا الجيل يبحث عن هذا التغير ويسعى إليه .. إنه تحول كبير لم يكن يدور في خلد أحد منا أنا سنعيش ذلك .. لذا أظن أن المستقبل سيكون مختلفا وربما يحمل لنا الكثير من الألم وبخاصة في جوانب قيمية كان المجتمع حريصا على الالتزام بها.

  • التوصيات المقترحة

أشارت د. زينب إبراهيم في الورقة الرئيسة إلى وسائل تعزيز الهوية الثقافية وتضمنت ما يلي:

1-  نشر الوعي والمعرفة بين جميع أفراد المجتمع بأهمية الهوية الثقافية وتعزيز فكرة المحافظة على الإرث الثقافي والعمل على ترسيخها من أجل تربية جيل من الأبناء متمسك بهويته الثقافية ويفخر بها.

2-   عمل ندوات وورش عمل تتناول قضية تعزيز الهوية الثقافية.

3-  عمل حملات إعلامية وتثقيفية في المدارس والمراكز الثقافية، واستهداف المسرح المدرسي والترفيهي والتلفزيون ومعارض الصور والتراث، بالإضافة لوسائل الإعلام من الصحف والمجلات والمنشورات، كذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

4-   التركيز في المناهج على الهوية الثقافية السعودية.

5-   الاهتمام بالبحوث وكتابة الدراسات والكتب والدراسات التي تتعلق بالهوية الثقافية.

6-   عمل أرشيف ثقافي غني بالمعلومات التي تعزز من الهوية الثقافية من أجل أن يصبح إرثاً في المستقبل.

7-   الاهتمام بموضوع التراث والفلكلور والشعر الشعبي والأدب مما يعزز من  الهوية الثقافية.

8-  تحديث ثقافتنا وتطويرها من خلال تبيان وضعية المتحول من الثابت فيها وذلك بإثبات هويتنا في وجه تيارات العولمة الثقافية حتى نتمكن من المحافظة على ثقافتنا العربية [عدنان المجالي، ص220].

9-   لابد من وضع رؤية ثقافية لنا تعد كالمنهج وكالخريطة التي نسير عليها.

10-التفاعل مع الثقافات العالمية، دون إذابة هويتنا ومحاولة جعل ثقافتنا منتجة لا استهلاكية.

11- لابد من ابتكار أدوات لتعزيز وجودنا الثقافي وبنفس الوقت حماية خصوصيتنا وهويتنا أما الآخر، فمواجهة الثقافات الأخرى تقضي التعامل معها وليس تبعيتها حتى لا نذوب في الآخر.

وأضافت د. نوال الضبيبان إلى ما ذكرته د. زينب إبراهيم بخصوص وسائل تعزيز الهوية الثقافية ما يلي:

1-  إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المعنيَّة برصد الانحرافات الفكريَّة والتعامل معها بتغيير القناعات وأدب الحوار وتوفير البدائل المناسبة للشباب.

2-  تفهم طبيعة الهوية العمرية التي يمر بها أبنائنا والسعي لاحترامها والتصفيق لكل ما هو إيجابي فيها مهما كان صغره أو بساطته بدلا من محاربتها طالما أنها لا تتعارض مع الثوابت.

3-   الاهتمام بالجانب الترفيهي المغموس بالثقافة الإسلامية العربية الأصيلة وتوفير أماكن لائقة لممارستها.

4-   إنشاء المتاحف الإسلامية (التاريخية) بصبغة تكنولوجية وحضارية عصرية.

5-  إنشاء المتاحف العلمية والتي توضح جهود العلماء المسلمين القدامى والعلماء المعاصرين وجهود وانجازات الشباب وصغار السن الحالي ويبرز الطموح العلمي المستقبلي.

6-  عمل المؤتمرات العلمية التي تبرز العلماء المسلمين والكوادر المشرفة لتكون قدوة لأبنائنا من بني جلدتنا ولشباب العالم.

7-  توظيف الشباب والكادر السعودي والعربي لإعداد المسلسلات والأفلام الكرتونية الإسلامية العصرية في التقنيات واللغة المستخدمة.

8-  تشجيع مشاعر الفخر بالزي السعودي والإسلامي وارتدائه عند السفر للخارج وإجراء المقابلات والبرامج التي تساعد على انتشاره.

9-  إنشاء دور للمصممين العرب والمسلمين المهتمين بإبراز التراث الإسلامي في المسكن والزي والاحتياجات المنزلية وفق تصميم عصري عملي متميز يسهل ويفيد اقتنائه وشرائه.

10- إعداد الأبحاث العلمية التي تقيس أثر العولمة على مكانة الدين الإسلامي واللغة العربية ومظاهر القيم الثقافية لدى الشباب والمجتمع السعودي ومشاركة نتائجها معهم.

11- إعداد الأفلام القصيرة والتوعوية التي توضح ما سيكون عليه المستقبل في ظل الذوبان للهوية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية…. الخ ، لعلها تثير فيهم مشاعر النخوة والحياء من الله في عدم المشاركة أو مد يد العون في طمس أجمل وأرقى وأعرق هوية على وجه البشرية .

ومن وجهة نظر د. طلحة فدعق فإن تعزيز الهوية لابد أن يتطرق لأعماق أخرى من تجليات الثقافة المادية والمعنوية لكن الإشكالية هي كيف؟ ومسئولية من ؟  فإن كنا نعيش في عصر الهويات المتعددة فأين الثقافة المحلية أو القومية منها ؟ وإذا استطعنا النفاذ لتعزيز ما يسمى بالهوية الثقافية المحلية فهل يعني ذلك تعزيز الهوية الوطنية؟ وماهي مكونات الهوية الوطنية أولا؟

وترى د. زينب إبراهيم أنه و عند تعزيز الهوية الثقافية والشعور بالذات سنبني سد منيع ضد الآخر نقبله نعم ولكن لا نأخذ كل شيء منه لأننا سنكون ممتلئون من الداخل بقناعة. والمهم الآن الاجابة على السؤال: كيف نبلور هوية ثقافية بعيدة عن الأدلجة .

وعقب أ. عبدالرزاق الفيفي بأنه هنا تكمن المشكلة ؛ فالهوية الثقافية يسهل إيضاحها ولكن الإشكال كيف نصنع الامتلاء الداخلي بقناعة؟

وبدورها أشارت د. زينب إبراهيم إلى أن الامتلاء الداخلي يبدأ من الأسرة ثم المدرسة والمجتمع؛ بمعنى أنه هو منظومة متكاملة.

ومن جديد أكد أ. عبدالرزاق الفيفي أننا نحتاج لمشروع وطني يركز عليه بتفاصيله و يتولى خلق ( بيئة تكاملية وتفاضلية )  بين مؤسسات المجتمع بداية بالمؤسسة الصغيرة والنواة ( الأسرة ) مرورا بمؤسسة ( المجتمع ) وصولا إلى مؤسسة ( الدولة ).

ومن الضروري أن تبذل الجهود لسن قانون ( وجودي ) تشريعي ثابت يفسر للمجتمع ثقافته الأصلية الوطنية بكل وضوح وثبات ، وقد تكون هذه مبادرة لمشروع فكري تنموي وطني لابد أن ترسم خارطته قبل البدء في السير ؛ فالأرض التي سيسير عليها كثير شوكها ( واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى ) ؛ إن لم نبادر لهذا سنجد مجتمعنا داخله مجتمعات متنوعة وقد تكون متضادة ، فيصعب حينها الرتق والإصلاح ، وسيجد المجتمع نفسه متعطش حينها لمؤسس جديد يوحد ما افترق بعدما وحده الملك الملهم والمنصور عبدالعزيز ال سعود – رحمه الله وجزاه عن وطنه وشعبه و دينه و أمته كل خير -.

وفي تصور أ.د فوزية البكر فإن الهوية الثقافية تحوي مكونات كثيرة جدا تبدأ بالتراث من دين ولغة و تاريخ و تصل الي المكونات الحضارية من تعليم ومهنة و ثورة تكنولوجية ويمكن التركيز هنا على النقاط التالية:

  • علينا عند الحديث عن الهوية الثقافية أخذ الشباب بعين الاعتبار. أي أن لا نسقط أحكامنا ورؤيتنا ككبار من جيل آخر عليهم، و نفسر أزمة الهوية كما تبدو لنا. لا كما تبدو لهم.
  • أزمة الهوية مرتبطة ارتباطا عضويا باللغة ولدينا مشكلة عميقة في هذا الجانب. ولا عجب أن يتحدث شباب قنوات ال اف ام مكسر و عامي وإنجليزي لأنهم أبناء جيل العاملات المنزليات اللاتي كانت إحدي وظائفهن تعليم الأطفال اللغة الإنجليزية. ولأن الأم والأب أصلا لا يعرفون الإنجليزية جيدا فيعتقدون أن هذه (البروكن انجليش) لغة جيدة و يفرحون ويستمرؤون التحدث للأطفال بهذه اللغة المكسرة بحيث يعجز الطفل وحتي يكبر عن التعبير عن نفسه و مشاعره لأنه لا يملك مفاتيح ولا مخزون لغوي كافي من أية لغة . هذا يولد صراع هوية هائل ويؤثر علي قدرة الشباب في أداء واجباتهم الدراسية ثم المهنية لاحقا فضلا عن صراعهم مع الذات لعدم القدرة علي التواصل.
  • شيء ثالث من المهم التأكيد عليه و هو ما سألت عنه زائرة أجنبية للمملكة، حيث قالت تعجبت لجهل السعوديين بمناطقهم وقراهم. لا أحد يعرف قري الجنوب أو تهامة أو الشمال أو السواحل. ألا تدرسونها لطلابكم في المدارس بالتفصيل ؟ ألا تأخذونهم لزيارة المناطق الأثرية المشهورة ؟ ماذا إذن تدرسونهم ؟
  • هناك قصور كبير في محتوي المناهج في تدريس جغرافية وتاريخ وثقافة مناطق المملكة الشاسعة التنوع. إذ التركيز في المناهج ينصب علي تدريس التاريخ الإسلامي وتاريخ المملكة .  والباقي مهمل …
  • كما أن طلاب الجيل الحالي لم يدرسوا شيئا عن الحربين العالميتين الأولي والثانية، و رحى الحرب الثالثة ( لا قدر الله ) تدق طبولها.

وأضافت د. نوال الضبيبان أن الأزمة والاشكالية في الوعي لاستخدام الأدوات واستثمارها كما ينبغي بتأصيل الثقافة والمحافظة على تميزنا وتفردنا بالثروة الثقافية الموجودة لدينا؛ تاريخنا يبدأ من بدء الإنسانية على وجه الأرض.

إن المسؤولية هي مسؤولية الجميع ( الفرد، الأسرة ، جميع مؤسسات المجتمع، الحكومة)، والثقافات الفرعية هي جزء من الثقافة والهوية الأم؛ وبقدر التنوع ومقداره كما وكيفا يثري الهوية الثقافية العامة.

وعقب أ. عبدالرزاق الفيفي بأنه لذلك ( لا يوجد ) لدينا أدوات لبناء الوعي ؛ لانشغالنا بأدوات بناء المهارة ، وباختصار : (( كيف للجيل أن يعرف قِيَمَه مالم يدرك قِيْمَته ))، الحملة الفوضوية لكسر وخفض قِيْمة هويتنا الاسلامية الوطنية السعودية ما بين طرفي تطرف و جهل وتجهيل هي محاولات يائسة تؤخرنا فقط لا أكثر فمتى نتخلص من ذلك ونتبنى (العودة إلى الإمام).

واتفقت أ. علياء البازعي مع القول بأن المسؤولية جماعية؛ لكن أضافت أن الحكومة هي من يقر التشريعات و يفرضها سواء لمؤسسات المجتمع أم للأفراد.

ومن جانبها قالت د. عبير برهمين: أن الهوية الثقافية تحتاج إلى قيم وثوابت يتشاركها مجموعة من الناس ضمن نطاق جغرافي محدد يتبادل فيها المحيط البيئي والإنساني التأثير والتأثر.  إلا أنه من المهم أن نعرف أن هناك مفردات مهمة تترادف ومفهوم الهوية الوطنية مثل ( التعايش- التناغم- تقبل الآخر- احترام الاختلاف- الميثاق الأخلاقي- اللغة – الثوابت والقيم الأخلاقية- المصاهرة والاندماج- الحرية المسؤولة والتوارث) هذا غيض من فيض. منطقة الحجاز ومكة تحديدا كمثال يتجلى فيها بوضوح الهوية الثقافية دون غيرها من مدن ومناطق المملكة كونها غنية جدا بالتعدد العربي و الاثني والأصول والثقافات المختلفة إلا أن الناس في هذه المدينة قاموا على مر العصور بتطوير هوية ثقافية خاصة بهم تستوعب الجميع ولا تذيب الأصول فأنشأوا ما يسمى ” بالنسيج المكي” وهذه العبارة تنطوي على وصف دقيق للهوية الثقافية لهذه المدينة ؛ إذ يحتفظ كل عرق بأصوله الثقافية والتي طرأ عليها تحديث لا يذيب أو يمسخ الهوية الأصلية ولكنه يسمح بالتجانس مع الآخرين. فلو أخذنا مثلا اللغة أو اللهجة المحكية نجدها متميزة جدا عن غيرها من اللهجات في المملكة. تتسم بالسلاسة والبساطة التي تجعل الناس مهما كانت خلفيتهم يتواصلون بأريحية كبيرة عند استخدامها يرجع ذلك كون اللهجة المكية هي خليط من مفردات متعددة ذات أصول مختلفة أساسها اللغة العربية الفصحى لغة قريش، والتي هي لغة القرآن الكريم. هذا الخليط جعل القادمين من خارج مكة أو من خارج المملكة يشعرون بألفة كبيرة كون كل جنسية أو بلد تجد عدد من مفرداتها في اللهجة المحكية في مكة. المثال الآخر وصفات الطعام المتعددة في مكة تجد هناك ما يعرف بالأكل الجاوي و البخاري والهندي والافريقي والأوروبي والتركي والشامي والمغربي والمصري وغيرها تدمج في قوائم الطعام اليومية في كل بيت. يتقن أهل مكة صناعة وتقديم كل هذه الوصفات بهويتها الأصلية ومذاق مقدمها الخاص. فبعض طرق الطبخ تقليدية كما هي في بلد المنشأ لكن بنكهة مكية خاصة تتمثل بإلغاء نوع من المكونات واستبدالها بآخر وهكذا.  والحديث في هذا المجال ذو شجون. إن التعدد الثقافي لبلد ما كبير بمساحته الجغرافية كالمملكة العربية السعودية وتعدد الأنماط الثقافية المناطقية هي ما تميز بلدنا الغالي وكل منطقة لها خصوصية معينة يجب تقبلها والاعتزاز بها كمكون من مكونات الهوية الثقافية الوطنية والإرث الإنساني. إذا استطعنا فهم اختلافنا في الموروثات الإنسانية المختلفة واحترمناها عرفنا كيف نعزز هذه الثقافة ونحافظ عليها. وأما كيف نواجه المد العولمي إن جاز التعبير والذي يمسخ الهويات الثقافية والإرث الإنساني فقد تضمنت الورقة الرئيسة الكثير من النقاط.

وفي تصور د. عبدالله بن ناصر الحمود فإن الحل يكمن في ثلاثة شروط يمكنها إيجاد صيغة مناسبة للفعل الثقافي للحفاظ على الهوية:

  • الأول: أن يكون منتجنا الثقافي أصيلاً وليس هجيناً.
  • الثاني: منع الأيديولوجيا من تشويه الثقافة.
  • الثالث: إتاحة فضاء رحب للتمايز الثقافي والترقي في سلم الثقافة دون وجل.

المحور الرابع

منظمة اليونسكو.. ماذا استفاد العرب؟

الورقة الرئيسة: د. زياد الدريس

كنت قبل أن أذهب للعمل في اليونسكو (عام ٢٠٠٦) أتساءل: ماذا استفاد العرب؟ لكني بعد تجربة عشر سنوات هناك، جعلت سؤالي: ماذا خسر العرب؟!

هذان السؤالان، المتفائل والمتشائم، ينطبقان على المنظمات الدولية كافة وليس على اليونسكو فقط، لكن مع تفاوت في درجة الاستفادة أو الخسارة من منظمة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى.

سبق أن قلت بأننا أمضينا زمناً طويلاً أقنعنا فيه أنفسنا بأن المنظمات الدولية لعبة بيد القوى المتنفذة، لكن من يدخل دهاليزها سيكتشف خطأ اعتقادنا، فالمنظمات ليست لعبة بل هي ملعب!

كلنا يعلم أن الركض المثمر في الملعب يتطلب:

–         مهارات.

–         لياقة.

–         معرفة باللاعبين الآخرين.

–         معرفة التوقيت المناسب للهجوم والمناسب للدفاع.

نحن العرب ظللنا سنوات طويلة، للأسف، ندخل (ملعب) المنظمات الدولية قبل أن نستعد ونأخذ بأسباب الكسب فيها.

في السنوات الأخيرة تحسن الوضع العربي كثيراً، ليس فقط في اليونسكو، ولكن في منظمات أخرى غيرها. كأننا بدأنا نتجاوز فكرة (العضوية الصامتة) والانتظام في دفع المساهمة السنوية، لكن دون الانتظام في صف المستفيدين من مجالات المنظمة واختصاصاتها.

التحرك العربي في اليونسكو بدأ ينتعش بعد إدراك تأثير (القوة الناعمة) في حلبة التزاحم الدولي، بعد أن كان العرب لعقود طويلة لا يمنحون الاهتمام لغير الأمم المتحدة في نيويورك!

استطاع العرب أن يشاركوا في وضع بنود اتفاقية التنوع الثقافي، واتفاقية صون التراث الشفوي، واتفاقية الأخلاقيات الحيوية، كما التفت العرب كثيرا إلى تسجيل تراثهم العظيم في لائحة التراث العالمي، بعد أن ظلت اللائحة شبه محتكرة لتراث الدول الغربية.

التصويت لدولة فلسطين عام ٢٠١١ لتكون دولة كاملة العضوية في اليونسكو شكّل منعطفاً في مسيرة اليونسكو، كما أثّر بقوة في المنظمات الأخرى.

إنشاء احتفالية (اليوم العالمي للغة العربية) صنع فارقاً ملموساً من الاهتمام بالعربية بين اللغات الدولية الست.

هل هذا يكفي؟ سأجيب بإيجاز، حتى لا أطيل عليكم:

في الحقيقة فإن هذه النتائج تُعتبر بداية فقط لتحرك (اللاعب) الذي ظل سنين طويلة قابعاً في وسط (الملعب) دون أن يلعب!

ما زال أمام العرب مساحة واسعة يمكنهم التحرك فيها وتحقيق أهدافهم من عضوية المنظمات الدولية، سواءً أهدافهم الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية/ الوطنية.

لحسن الحظ أن (الفيتو) الذي يسبب الإحباط للمستضعفين، لا يوجد في غير نيويورك. أما في المنظمات الأخرى فإن أضعف دولة عربية لها صوت مثل صوت أقوى دولة غربية.

فلماذا لا نتحرك ونبني الاتفاقيات التي تخدم احتياجاتنا بما لا يتعارض مع الاحتياج الإنساني، ونطالب بحقوقنا التي ظلت مشكوكاً فيها لزمن طويل. ونتواضع قليلاً فنستفيد من المنظمات بوصفها بيوت خبرة في معالجة أخطائنا التي تعيق تَقدّمنا وتنميتنا؟

التعقيب الأول: د. سعود كاتب

عبر د. زياد الدريس بحرقة عن وضع العرب في منظمة اليونسكو وباقي المنظمات الدولية الأخرى، مقدما كشف خسائر بدلا من كشف أرباح لذلك التواجد العربي خلال عقد كامل من الزمن. وأنا أتفق معه وأشاركه تلك الحرقة، التي هي في الواقع لا تذهب بعيدا عن كونها جزء من حرقة الأداء العربي الشامل في كافة المجالات وليس في المنظمات الدولية فحسب.

و أختلف قليلاً مع د. زياد في جزئية وضع العرب جميعا في “صندوق” واحد، أو وضعنا معهم في ذلك الصندوق ثم توقع النجاح أو تحقيق نتائج متفائلة جماعية أو فردية، قائمة على التشاركية أو التوافق الجماعي الذي كان ولا زال عائقا، واستمرار تعلقنا به هو مدعاة للتراجع أكثر من كونه مدعاة للتقدم والنجاح.. نعم، هي دعوة مني للاعتماد على النفس ووضع يدنا فقط بيد من تجمعنا به مصالح حقيقية مشتركة وليس مجرد شعارات وعواطف.

وعودة لليونسكو، فإنه من محاسن الصدف أن أكون عدت اليوم من باريس بعد قضاء يومين حافلين في اليونسكو تكللا بالنجاح وردود الفعل الإيجابية ولله الحمد من قبل النخب الثقافية والسياسية والإعلامية التي حضرت. واحدة من تلك الفعاليات كانت لسيدات سعوديات أذهلن الحضور بما لديهن من ثقافة وتعليم وسرعة حضور وبديهة، حيث أثبتت المرأة السعودية أنها قوة ناعمة لا يستهان بها عند منحها الفرصة التي تليق بها.

سعيد لأن د. زياد أشار إلى انتعاش الحراك العربي في اليونسكو واعتباره بداية جيدة. وكلي أمل في استمرار ذلك، ولو من قبل مجموعات عربية متناسقة ومتناغمة قادرة على التحرك بمرونة وسرعة وفاعلية لا يعوقها السعي لإرضاء “كيان” “واحد” يتحرك كل جزء منه في اتجاه مختلف.

لدي تفاؤل كبير بكون المملكة تسير بخطى ثابتة ومدروسة حيال التواجد الفاعل في جميع المنظمات الدولية، ومن ذلك استقطاب الكفاءات السعودية في عمل المنظمات العربية والدولية بشكل يتناسب مع المرحلة الجديدة والمتغيرات التنموية التي تعيشها بلادنا على كافة الأصعدة، بما في ذلك استقطاب الكفاءات النسائية لتمثيل المملكة في تلك المنظمات، بالرغم من خيبة الأمل الأخيرة الناتجة عن تصويت بعض أعضاء مجلس الشورى ضد تمكين المرأة من المناصب القيادية الحكومية.

التعقيب الثاني: أ. آمال المعلمي

بداية قبل أن نستعرض سويا ماذا استفاد العرب وماذا خسر العرب من وجودهم في منظمة اليونيسكو لابد أن نتوقف قليلا أمام 10 سنوات تحرك فيها الدور السعودي في اليونسكو بشكل لم يسبق له مثيل في العقود السابقة وأتمنى أن يستمر ذلك في السنوات القادمة. كل الإنجازات التي ذكرها د. زياد الدريس تمت خلال العشر سنوات الماضية. فما الذي تغير؟ هل تغيرت اليونيسكو والتفتت إلى الأعضاء المهمشين وقررت أن تدعمهم (وتمكنهم) من التواجد بإيجابية وتفاعل؟ بالتأكيد لا. نحن الذين تغيرنا ونحن الذين بادرنا بالتحرك بشكل إيجابي للاستفادة و الإفادة من تمثيلنا في هذه المنظمات الدولية. نحن الذين طورنا من أساليب دعمنا وتمويلنا للمشاريع والبرامج التي اقتصرت في عقود سابقة على دفع مبالغ ضخمة لتمويل مراكز إسلامية ومدارس وطباعة الكتب المدرسية في المناهج الإسلامية وتوزيع نسخ مترجمة من المصحف الشريف.

واقتصرت المساعدات الثقافية على العنصر البشري الذي يقوم بالتدريس في المعاهد الإسلامية والإمداد بالمراجع والكتب الثقافية الإسلامية وعقد ندوات ومحاضرات كلها تهتم بالجانب الديني من الثقافة فقظ.

مرت المملكة العربية السعودية بحدثين مهمين شكلا اختباراً ومعياراً للعلاقات مع المملكة العربية السعودية ومدى تأثيرها وتواجدها على الساحة الدولية من خلال مشاركتها في المنظمات الدولية وإنشاءها للمراكز الإسلامية ودعمها في العالم. هذان الحدثان هما حرب الخليج الأولى (غزو النظام السابق للكويت وتهديده للسعودية) والهجمة الإعلامية الشرسة التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. تابعنا بأسى ردود الفعل المعارضة لسياسة المملكة والهجوم الغير متوقع عليها من قبل الرأي العام المسلم في العالم. كان من الواضح أن الشارع الإسلامي لا يعي بشكل واضح توجهات المملكة ورؤيتها السياسية. شعر السعوديون بأن كل الدعم الذي قدمته المملكة في العقود الماضية لم يقدر وأن الدعم المعنوي والسياسي الذي توقعوا الحصول عليه لم يتحقق بالشكل الكافي على المستوى الشعبي في العالم الإسلامي.

لذا فإنه من الضروري أن نستوعب الدرس وأن يكون هناك تطويراً لأدائنا السياسي وتواجدنا الدولي من خلال عمل منهجي منظم وفق خطة واضحة لها أهداف يمكن قياسها وأن يوجه الدعم والتمويل السعودي ليشمل جوانب اجتماعية وخيرية وثقافية وتعليمية وإعلامية. كما اتضح أنه من المهم التعريف (بالشعب السعودي) بصفته وهويته الوطنية ومكوناته الثقافية والاجتماعية وأن يصاحب ذلك تغطية إعلامية للإعلان عن جهود المملكة وإطلاق مسميات سعودية عن المبادرات والمنشآت والمراكز التي تدعمها المملكة. وتنظيم لقاءات مباشرة للشباب والنخب الفكرية في المملكة مع نظرائهم في الغرب واستخدام التقنية الحديثة بشكل فاعل وإقامة معارض فنية وغيرها. وقد بدأ بالفعل هذا التوجه بالنسبة لمنظمة اليونيسكو من خلال الدعم الذي قدمته المملكة لبرامج (مشروع الملك عبدالله -الحوار من أجل السلام) والذي يهدف إلى نشر ثقافة الحوار والتواصل الحضاري البنّاء. وتم في إطار هذا المشروع الكثير من الفعاليات المتميزة في عدة دول عربية وأجنبية. إضافة إلى المشاركات الثقافية من جهات أخرى في المملكة كوزارة الثقافة والإعلام ووزارة الخارجية ومسك ومركز الحوار الوطني وغيرها.

هذا الوجود المتنوع والمشاركة بالفكر والأعمال الفنية وإبراز الجوانب التراثية من خلال المعارض والفعاليات المتنوعة ساهم في إبراز دورنا ومشاركتنا في هذه المنظمة.

هل هذا يكفي؟ أزمة قطر الأخيرة كشفت أننا بحاجة لبذل المزيد من الجهد والتركيز على مراكز الدراسات والبحوث وإعداد كوادر مؤهلة من الشباب السعودي نساءً ورجالاً للحديث في وسائل الإعلام العالمية للتعبير عن مواقف المملكة وتوجهاتها وهذا ما نأمل أن ننجح به في المرحلة المستقبلية.

إذاً عودة لسؤال البداية ماذا استفاد العرب؟ أقول ماذا استفادت السعودية؟ وكيف نفعّل دورها أكثر. كل تقدم للدور السعودي سينعكس إيجابياً على العرب والمسلمين. لذا لعله من الأجدى في المرحلة المقبلة أن نسأل ما الذي ستستفيده السعودية؟

المداخلات حول القضية

أشار د. فهد الحارثي إلى أن القضية الحالية تثير موضوعا في غاية الأهمية دون أدنى شك : خمول السعوديين الشديد في المنظمات الدولة ، فهم يقبلون الالتحاق بالبعثة ليس بهدف تفعيل البرامج إن وجدت وإنما لتغيير جو والإقامة في الخارج ، فالعمل في منظمة دولي أو سفارة إنما وجد في الغالب للنزهة !! ولذا فنحن نستمع دائما إلى الشكاوى المرة من السعوديين وغير السعوديين لتعذر مقابلة المسؤول في السفارة أو في المنظمة ، وإن رأف بك الله وقابلته فلن تجد لديه ما يقول إما جهلا وإما خوفاً .

فنحن لا نستفيد من المنظمات لأننا نرسل اليها مجرد “موظفين ” لا يحملون أي رسالة و ليسوا من القادرين على الأخذ والعطاء.

إن الوعي بدور البعثات السعودية في المنظمات يعاني من خلل فادح ولاسيما في تصور التكنوقراط في المملكة ،  فيكون دعم البعثات دائما شحيحاً ،  وطبعا هذا يزيد الطين بله في موضوع عدم الافادة من البعثات ومن المنظمات في أن معاً .

لنا بعثات منتشرة في العالم ، وبالتأكيد بينها تجارب ناجحة ، خذوا مثلاً مندوبنا السابق في اليونيسكو .. كثير من السعوديين لم يشعروا بوجود شيء اسمه يونيسكو إلا بعد أن ولج ذلك الشخص بابها الضخم ، فهو قلب عاليها سافلها حيوية ونشاطا . لقد حقق لبلاده ولأمته مكاسب كثيرة ليس هنا مجال تعدادها .

اليونيسكو على وجه الخصوص هي ميداننا الخصب الفسيح لسبب بيّن وهو أنها بيت الثقافة العالمي ، ونحن رسالة المملكة في هذا الكون هي ثقافية بالدرجة الأولى ، فلدينا التنوع الثقافي الذي قلما يحصل لبلد آخر مثله في الآثار،  في الفلكلور ، في الأزياء . في كل شيء. ثم لا ننسى أن موقعنا  في منظور الحضارة البشرية هو رسالة ثقافية : مهبط القرآن ، موئل الاسلام ، بكل ما تدركه هذه المفاهيم من منتجات . في اليونيسكو ستلتفت إلينا الاعناق دائما !

وفي تصور أ.د فوزية البكر فإن موضوع القضية الحالية تعنينا اليوم أكثر من أي وقت مضي حين تطور إدراكنا لأهمية وجودنا في هذه المنظمات العالمية كقوة ناعمة توضح وتحسن صورة المملكة في المخيلة الخارجية.

و الظن أننا لا نعطي هذه المنظمات أهمية كبري في مناهجنا وسياساتنا لتوضيح آلية عملها أو طرق التأثير فيها  وبذا ننتهي كلاعبين خاملين لأننا لا نفقه اللعبة ولأن التعيينات في مثل هذه المواقع تخضع للمحسوبية والشللية واسم العائلة لا الكفاءة التي تحقق الأهداف من تواجدنا في هذه المنظمات العالمية.

وذهب أ. عبدالرحمن الطريري إلى أنه يتفق مع د. زياد في ما ذكره عن اليونسكو، وهو ينطبق على عدة جهات رياضية وسياسية واقتصادية، فالنجاح في بناء التحالفات  وتمرير القرارات ، لا يتم عند الحاجه لذلك، بل يجب العمل على شبكة العلاقات قبل ذلك بوقت كبير.

فالاستثمار في العلاقات داخل المؤسسات، ومع ممثلي الدول الأخرى، سمة نجاح الدول في المنظمات، كما أنك مسؤول عن التعريف بثقافتك، أما الآخرين فسيبحثون عن زلاتك.

كما أن الادعاء بأن منظمات مخترقة، هو وصف غير مفيد، والمنظمات التي تتخذ قرارات ضدك، هي منظمات في واقع الأمر نجح خصومك في التأثير فيها، بدرجه أكبر من ما فعلنا نحن.

والعديد من المنظمات ذات استقلالية عالية، ولعل أبرز سمات ذلك انسحاب الولايات المتحدة عدة مرات من اليونسكو، وكذلك الأمر مع إسرائيل.

اليونسكو تحديدا ومن خلال جهود د. زياد ، عرفت الكثيرين بالتراث الثقافي السعودي، والجهد بإذن الله سيستمر، وهذه الأعمال ثمارها تظهر تراكميا وليس اليوم.

ورداً على تساؤل طرحه أ. عبدالله الضويحي مفاده: ماذا خسرت السعودية من ابتعادها وماذا ستخسر مستقبلاً إذا استمر هذا الابتعاد !؟ أوضحت أ. آمال المعلمي أنه في كل يوم تغيب فيه السعودية عن المشهد الدولي تتمدد كيانات أخرى في الحيز الخالي من السعودية. انكماش السياسة الخارجية السعودية أدى إلى تغلغل نفوذ دويلات وكيانات ما كان لها أن تتغول لولا غيابنا عن الساحة. نحن الآن حاضرون بشكل جيد ما أتمناه أن نسير بشكل منتظم ممنهج ودوري ونستثمر الأثر الجيد الذي تركناه سواء من اليوم العالمي للغة العربية أو مؤتمر الشباب أو ندوات وزارة الخارجية ومعارض مسك في اليونيسكو. الفعالية في حد ذاتها مقدمة ما يليها هو الأهم. نحتاج لاستمرار التواصل وتطوير مبادرات مشتركة للتبادل الحضاري والثقافي.

وأكد د. سعود كاتب على أن لدية قناعة وثقة كبيرة بأن المملكة تسير في الاتجاه الصحيح فيما يختص بعلاقتها بالمنظمات الدولية عموما، وباليونسكو تحديدا. سبب هذا التفاؤل بالدرجة الأولى هو هذا التحول المختلف الذي تشهده المملكة على كافة الأصعدة، والصعيد الخارجي ليس بمعزل عنه، ومن ضمن ذلك التوجه النشاط غير المسبوق للدبلوماسية السعودية في مختلف دول العالم. من ناحية أخرى، هناك اهتمام كبير بزيادة فاعلية المكاتب السعودية في المنظمات الدولية سواء من حيث الأنشطة أو من حيث شغل المقاعد المتاحة بها بكفاءات سعودية، أو من حيث التأثير عبر برامج الدعم المختلفة. سبب آخر يدفعني للتفاؤل خاصة فيما يتعلق باليونسكو تحديدا هو التوجه الحالي القوي نحو تفعيل الدبلوماسية العامة السعودية عبر مختلف أشكال القوة الناعمة السعودية وفِي مقدمتها الثقافة والتعليم. وزارة الخارجية أقامت مؤخرا عددا من الفعاليات الثقافية التي حققت نتائج جيدة، وهناك فعاليات أخرى يجري الإعداد لها تشمل الفنون التشكيلية والسينما ومشاركات للوفود والمهرجانات في دول مختلفة. ندوة المرأة التي أقيمت مؤخرا في باريس حققت ردود فعل ممتازة كما تم الإشارة سلفاً ونأمل أن تتكرر بحول الله في دول أخرى وبالشراكة مع منظمات دولية وثقافية مختلفة.

ومن وجهة نظر د. سعود كاتب فإن قيادة اليونسكو ليست هي أكبر خسائر العرب، الخسارة الكبرى برأيه أن يكون لدى العرب كل هذا التنوع الثقافي والحضارة في حين تنحصر معرفة شعوب العالم عنهم في العنف والنفط والترف، وعدم استفادتهم من هذا المنبر لتغيير هذه الصورة وتعريفهم بحقيقة الثقافة العربية.

أما أ. مها عقيل فترى أن وجود السعودية وتفاعلها في المنظمات الدولية تحسن كثيرا في بعضها وبسبب شخص ممثلها في تلك المنظمات مثل السفير عبدالله المعلمي و د. زياد، ولكن في معظم الأوقات ومعظم المنظمات حتى التي مقرها السعودية ضعيف بسبب من يمثلها و يعمل فيها. فكما ذكر د. فهد كثير من يعمل في الممثليات الدولية والسفارات ليس مؤهل ولا يفكر كيف يطور العمل أو يطور من نفسه وإنما يذهب للفسحة. وهناك عدة أسباب من ضعف استفادة العرب، والسعودية خاصة، من اليونيسكو وغيرها من المنظمات الدولية تشمل:

  • ضعف الكوادر وعدم تأهيلهم.
  • عدم وضع أهداف وخطط وبرامج محددة لتحقيقها.
  • عدم التنسيق والتشاور بما فيه الكفاية حول القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المشترك.
  • عدم توفير الدعم المادي الكافي لتحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج.
  • قلة المعرفة بكيفية اليات العمل والأشخاص والمجموعات المتنفذة.

وفي سياق متصل يرى م. خالد العثمان أن مشكلتنا الأزلية هي الاتكاء والاتكال على أداء الأفراد دون هياكل مؤسسية منظمة واستراتيجيات وخطط واضحة وممنهجة وموارد بشرية ومادية مؤهلة ومرصودة وغير ذلك من مكونات العمل المؤسسي الناضج.. في النتيجة يصبح الواقع مرتبطا بقدرات الأفراد الذين توكل لهم تلك المهمات .. فإن تميزوا تميزت مرحلتهم.. وإن أخفقوا وقعنا في مشكلة.. مراحل نجاحات د. زياد والمعلمي وقبلهم القصيبي وغيرهم هي مراحل مبتورة لا تحقق النجاح المطلوب المستدام وفق مفهوم سباق التتابع.. بل والأنكأ أننا نخسر ونهدم ما بناه السابقون من المتميزين الناجحين.. والأفدح أن نتائج العمل المثمر والناجح في جبهة ما لا تثمر تكاملا وتضافرا مع جهد آخر في جبهة أخرى.. فتصبح جهودا مبعثرة متناثرا لا ترسم صورة مكتملة واضحة الملامح ولا تؤسس قاعدة صلبة يمكن البناء عليها بشكل مستدام.

إذن.. المطلوب هو “مأسسة العمل الدبلوماسي في الخارج” .. لعل هذا العنوان يكون سبيلا لتحقيق المكاسب المرجوة من وجود المملكة في اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية.

وفي ذات الإطار حول مسألة المأسسة، ذكر د. عبدالله بن ناصر الحمود تحت عنوان (مأسسة) الفكر الوطني قد تكون السبيل(*): “عندما نعلم أن (كل ابن آدم خطاء) يلزمنا استقراء راشد لما نعلمه؛ فربما اعتدنا أن نقول بعلمنا بأشياء كثيرة، ولكن عندما يكون الأمر ذا علاقة بالممارسة في أرض الواقع، تسود العادة، ويسود العرف على كثير من تفاعلاتنا مع الكون والحياة من حولنا. وأعتقد أن الأوان قد أن لنعترف بأننا قد منحنا الفرد في مجتمعنا مكانة ربما كان أولى بها العمل المؤسسي، حتى شاعت الثقافة الفردية وما ترتب على بعضها من مخرجات فردية مُشكَّلة في الفكر والمنهج والسلوك. وطننا اليوم لم يعد يحتمل الاجتهادات الفردية، مهما بلغ الأمر من قلة أو عظمة، اللهم إلا أن ينتج من الاجتهاد الفردي – في أي أمر- رأي شخصي خاص تُعلم – بالضرورة- فرديته وخصوصيته، ففي هذه الحال يكون -فقط- اجتهاد المرء في فهم الأمر ممكنا؛ لأنه قد لا يصح أن يُمنع الأفراد من أن يكون لهم آراء خاصة، وربما خاصة جدا، ولكن عندما يرتبط الأمر بالمجتمع وبالوطن فهنا منزلة أخرى يجب أن يقف دونها الفرد لتحل محله مؤسسة وطنية تنتظم مجموعة من المتخصصين في موضوع الاجتهاد والنظر في القضايا والموضوعات. منتج الأفراد -في هذا الزمن بخاصة- يجب أن يكون حصريا للفرد الذي أنتجه، أما المنتج الذي جاء من منظومة مؤسسية معتمدة ومناسبة، فهو ما يمكن أن يشاع للناس وأن يصبح شيئا للمجتمع وللوطن. وفي هذا الباب مشكلة متجذرة مجتمعيا، أعتقد بلزوم التصدي لها والعمل على تغييرها وتحويلها من أجل الصالح العام، وهي أن ثقافة الأفراد لا تزال تهيمن على بعض التجمعات المجتمعية وربما على عدد من المؤسسات باعتبارها مرجعية صائبة ومنهجا يُتَّبع. وأعتقد أن شيئًا من الخلل المجتمعي الذي نواجهه اليوم قد جاءنا من هذا الباب. وللتعامل مع هذه المشكلة فقد يسوغ أن يُنظر في تفاعلاتنا اليومية مع كل معطياتنا الفكرية والعملية لتحويلها إلى عمل مؤسسي متكامل، وإلغاء الفردية فيها وتجريم من يدعي الأهلية ليكون رأيه الفردي منهجا ومسلكا للجماعة، مهما اعتقد من سلامته وملاءمته للتطبيق.

قد يلزمنا اليوم أن نعمل على إنشاء ودعم مؤسسات مجتمعية ضخمة تنتظم كل التفاعلات الفكرية والسلوكية، وإذا صح الاستناد إلى ما هو قائم فعلا من منظومات مؤسسية فقد نحتاج إلى مراجعتها وتطويرها. وهنا، قد تكون الأولوية لمؤسسات التربية والتعليم فتجرى مراجعة علنية شاملة لجميع الخطط والمناهج التعليمية، في جميع المراحل التعليمية مع تجريم كل من يحول دون المراجعة والتقويم؛ لأن تلك العملية ستقوم وفق منظومة مؤسسية معتمدة، وهي من مقتضيات الصالح العام التي يجب الانصياع إليها دون الآراء الفردية المتناثرة التي لا تقوم إلا -ربما- بإعاقة العمل الجاد ومنع السعي نحو الأفضل. كما تبدو الحاجة اليوم للتنظيم المؤسسي للمساجد باعتبارها من أهم مواطن التربية والتنشئة في المجتمع، وفي مقدمة ما تبدو الحاجة لنقله للتنظيم المؤسسي: خطب الجمعة، ودعاء القنوت، وغير ذلك مما يقال أو يفعل في المساجد مما لا يدخل ضمن الفروض والسنن الرواتب.. ولعل وزارة الشؤون الإسلامية تبادر إلى تفعيل ذلك وإعلانه للناس تماشيا مع الضرورة الراهنة، وخروجا بالناس من دوائر المشكل الفردي المعاصر، فتوضع خطط مفصلة ومناهج وطنية متكاملة لرسالة المسجد بالطريقة التي يكون إمام المسجد فيها بمثابة المعلم في المدرسة أو الأستاذ في الجامعة (حلقة مهمة ضمن منظومة وطنية معتمدة لرسالة المسجد)، وعدم الاكتفاء بلغة التعميمات المتناثرة التي -مع أهميتها- لا يمكن أن تكون عملا مؤسسيا تمتد آثاره لمدة زمنية طويلة، مع ضرورة المراجعة والتقويم الدوريين. ومن مواطن إشاعة الثقافة المؤسسية -أيضا- مراجعة مجمل الأنظمة الإدارية في جميع مؤسساتنا العامة، وإلغاء ما يدعم دور الفرد فيها واستبداله بثقافة المؤسسة وعمل الفريق. كما قد يكون ملائما دعم الأندية الثقافية المتعددة وتفعيلها وإنشاء الجديد منها لتقوم بدور فعَّال في إشاعة ثقافة المؤسسة، وقبول الرأي العام المستنير وفق ثوابت ومبادئ هذا البلد الكريم. وللكُتَّاب، والمفكرين، وغيرهم من المتخصصين في أي مجال معرفي، قد يسوغ اليوم أن يكون لهم منظومة مؤسسية تجمع شتاتهم، وتحدد الرؤى العامة المجتمعية التي يحتاجها الناس ويتطلعون إليها منهم.

إننا في زمن نحتاج فيه إلى العمل المؤسسي، وإلى إلغاء دور الأفراد -في رؤيتنا الوطنية- بالقدر الذي نحتاج فيه للماء والهواء”.

ومن جهتها ترى أ. كوثر الأربش أن الخطوة الأولى التي تسبق تكريس ثقافتنا وتراثنا في الخارج هي الاتفاق على هذا التراث، وتخليصه من تشويه المتطرفين و دعاة الموت.

أما د. مساعد المحيا فتساءل في مداخلته: ما معاييرنا لاختيار الشخصيات للعمل في المؤسسات الدولية .. هذه المعايير هي التي ينبغي أن نهتم بها وأن تكون أداة اختيار تلك الشخصيات ..كما أنها ينبغي أن تكون معيارا نقوم به أداء المسؤول سنويا بعد أن يباشر العمل وبناء عليه يتم التمديد أو التغيير ..مثلا لماذا لم يستمر د. زياد ما دام أنه حقق الكثير من النجاحات … ؟ ثم هل نحن نعمل بسياسة العمل التراكمي بمعنى حين نريد أن نغير شخصية ناجحة في أي مؤسسة دولية علينا أولا أن نبعث الشخصية المستهدفة لتعيش العمل على الأقل لمدة سنتين مع الشخصية التي سيتم تغييرها حتى يكون العمل تراكميا ومؤسسيا وحتى لا يبدأ الجديد من جديد؟

كما أن عملية الاختيار للشخصيات ينبغي أن تقوم على الكفاءة لا على معيار الثقة؛ إذ في علم الادارة يقولون أن معايير اختيار الكفاءات هي إما أن يكونوا من اهل الثقات يعني من نثق بهم وهناك علاقة سابقة معهم أو أن يكونوا من أهل القدرات والمواهب والمعارف والتميز حتى ولو كان المسؤول لا يعرفهم مسبقا وإنما يتميزون بسيرة ذاتية مميزة.. إن الذين نجحوا في هذه المؤسسات الدولية ينبغي أن نحافظ على وجودهم وأن نكسبهم في مؤسسات دولية أهم وأكبر.

أما د. عبدالله بن ناصر الحمود فقال في مداخلته حول منظمة اليونسكو وماذا استفاد العرب، أن اليونسكو آلة.. فاعلة.. لحالة واعية، أو هي آلة واعية لحالة فاعلة؛ عندما تفقد ال (حالة) وعيها بسبب الأيديولوجيا المهيمنة، وفعلها بسبب المصالح المهيمنة تصبح ال (يونسكو) آلة عاطلة، وبين (الفعل) و (العطل) قصة حضارة.

اليونسكو بالنسبة لنا مثل موديلات سيارات 2015.. الجديدة في مستودعات الوكالات نستطيع اقتناءها .. و (تفعيل) خدمتها.. اليوم، ولكن الحد الأدنى لل (فاعلية) هو تغيير  المساعدات.. (بكسر العين) وكافة الربلات.. فقد تقادمت.

اليونسكو لن ترحب بنا حتى نغير مساعداتنا وكافة ربلات مفاصلنا في الحياة فإن لنا صريرا يدفع للشفقة.

ومن وجهة نظر د. عبير برهمين فإنه و إذا أردنا أن نجيب عن ماذا كسب أو ماذا خسر العرب من اليونسكو يجب أن نطرح تساؤل مهم جد: ماذا يعني وجود اليونسكو أو غيابه في حياة الدول والشعوب؟. للأسف أغلب المنظمات الدولية تحمل في ثناياها أجندة سياسية مخفية لصالح الدول المسيطرة أو ذات التمثيل العالي. قد تكون بعض هذه المنظمات أنشأت لأغراض وغايات نبيلة ابتداء إلا أنها بمرور الوقت تم تسيسها أو تم تمرير بعض الأمور السياسية لصالح دول على حساب دول أخرى. لذلك أرى أن العمل المؤسساتي المستدام يجب أن يتماهى مع التوجهات السياسية والاقتصادية والثقافية للبلد نفسه إن أردنا أن يكون لنا تمثيل فاعل ومؤثر. إضافة إلى أن تشكيل التكتلات داخل مثل هذه المنظمات هي من الأمور ذات الأهمية البالغة لضمان تحقيق مكاسب حقيقية. لأن الفردية أثبتت فشلها في كل محفل. اختيار الشخصيات الممثلة يجب أن يكون لها حد أدنى من المقومات لملء هكذا منصب لا أن يكون مجرد اسم لملء خانة. ومن المهم طرح سؤال عن أهمية عملية التسليم والاستلام بين الخلف والسلف. هل يتم استشارة السلف في بعض الأمور أم أن علاقتنا بالشخص تنتهي بتركه مكانه؟ لأنه من المؤسف أن نلقي بخبرة أفراد تمتد لسنوات في منظمة ما ونبدأ من الصفر مع كل اسم جديد يمثلنا كبلد. ماذا كسب العرب ؟ كسبوا جولات محدودة ولكنهم لم يكسبوا المعركة بعد. ماذا خسر العرب؟. ربما خسروا كل شيء أو في طريقهم لذلك في سبيل تأمين لقمة العيش اليومية التي شغلت العالم والناس بما فيهم المفكرين عن أهم مقدرات العرب وثرواتهم.

ومن جانبها قالت أ. فاطمة الشريف في مداخلتها حول موضوع القضية: بداية من سؤال: ماذا تريدون من اليونسكو؟ وانتهاء بعنوان القضية: ماذا كسب العرب أو ماذا خسروا في اليونسكو؟

قبل الإجابة على السؤال هناك اعتراض على بنية السؤال، نقد لصياغته، على الأقل في الجزء الأول منه. إذ أنها صياغة معبرة بشكل واضح عن مفهوم ملتبس، ومُشكل، ونسقي أيضا، من خلال وضع كينونة مستقلة للمثقف بمعزل عن ثقافته. هذا الفصل البنيوي بين الثقافة والمثقف يحيل إلى عدم الانتباه إلى معنى كل منهما، وأنه، بهذا الفصل، الفصل بين إرادة المثقف، ومجال فعله وتأثيره، تم وضع كينونتين بشكل مفارق لكل من : المثقف، و الثقافة، بينما المثقف كونه مثقفا، أي منتجا ومتأملا وناقدا للمنتج الاجتماعي والسياسي والفني والتراثي في مجتمع ما، لا يريد أمرا يتعلق بكونه هكذا، إنما هو يريد أمرا يتعلق بالثقافة التي يمثلها ويشتغل عليها، بمعنى؛ أنه من الأجدر لو كان السؤال على هذا النحو: ماذا تريد ثقافتكم من اليونسكو؟. هذا من حيث الشكل.

عموما سوف تكون إجابتي حول ما تريده ثقافتنا من اليونسكو؛ أظن أن ثقافتنا، وتراثنا الثقافي يريد مزيدا من الاهتمام والاعتراف والحماية، الحماية بمعناها الفكري، تلك الحماية التي تتعلق بعدم التشويه. على اليونسكو أن تعمل بجد من أجل إزالة هذا الفهم الملتبس، والمتزايد، والمقصود في أغلب الظن، بين مفهوم الثقافة الإسلامية، ومفهوم الإرهاب والاقصاء، والريبة، التي أصبحت تربط بشكل متزايد بين هذا التاريخ الثقافي الهائل للحضارة الإسلامية، وبين ما نشهده حاليا من فوبيا دينية متزايدة.

ماذا كسب العرب؟.. وأظن السؤال هنا يُشير إلى المكسب المباشر في المجال الذي يفترض أن المؤسسة تعمل فيه، أي مجال “إحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمي للعدالة ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية”، ولا أظن أن هناك من خلال نظرة أولية إلى حال العرب اليوم، وما تعانيه قضيتهم الأولى قضية فلسطين من خسائر متتالية، وعطفا على هشاشة تماسك منظمة اليونسكو نفسها، وارتهان قراراتها لمموليها، وكبار داعميها، والذين بالتأكيد غير حريصين على إعادة الحق العربي المستلب إلى أصحابه، ويتضح هذا جليا مع أي موقف يعارض المصلحة الصهيونية، من خلال التلويح المستمر بالانسحاب من المنظمة ووقف دعمها، وهذا ما حدث بالفعل، عندما اتهمت الولايات المتحدة المنظمة بالتحيز ضد إسرائيل، وتلى ذلك قرار انسحابها، متبوعة بالطبع بقرار انسحاب مماثل من قبل الكيان الإسرائيلي، هذه الهشاشة كما أسلفنا في مدى تماسك وجدية هذه المنظمة الأممية، بالإضافة إلى محاولتها المستمرة البعد عن الاتهام الذي يلاحقها دائما بكونها منظمة مسيسة، وبعيدة عن مجال تخصصها الإنساني ، يجعل فكرة الاستفادة العربية من هذه المنظمة في خدمة القضايا العربية الإنسانية السياسية لا يكاد يذكر، كذلك يمكن القول عن قضاياهم المحلية المنفردة، والمتعلقة بالحروب الطائفية والنزاعات الإقليمية، وما تتعرض له جل الأوطان العربية من مشاكل ناجمة عن افتقارها إلى فضاء خصب ومنتج من السلام والأمن، لا أظن أن هناك مكاسب ملحوظة وملموسة. دون أن نغفل ما تحاول أن تساهم به المؤسسة من خلال تعاونها مع المنظمات الوطنية للدول العربية والعاملة في مجال الثقافة، ومن خلال دعمها المالي والفني والاستشاري، وأنها حققت بعض النجاحات الملموسة من خلال محاولة حماية، والتعريف ببعض الموجودات الثقافية العربية، قبل أن تلحق بها يد العبث والفقد والنسيان.

في حين يرى أ.د. صدقة فاضل أنه و قبل أن نطلب من هذه الجهة الدولية أو تلك ما نعتقد أنه يخدم مصالحنا العربية والاسلامية لابد أن نطلب من أنفسنا صلاحها . الأمة في وضع مأساوي لا تحسد عليه . وهى في أمس الحاجة إلى الإصلاح الحقيقي؛ حتى يكون لها شأن وتكون لها كلمة في الساحة الدولية. دون الإصلاح الضروري لن يكون لهذه الأمة أي تأثير … لا في اليونسكو ولا في غيرها .

وعقب م. خالد العثمان بأن هذه النقطة الأخيرة مهمة، هل تحقيق مكاسب سعودية في اليونسكو وغيرها من المنظمات يمكن أن يتعطل أو يتعثر بفعل واقع الشتات العربي؟ .. هل يمكن تحقيق مكاسب سعودية محضة بمعزل عن المكاسب العربية عموما أو الخليجية خصوصا؟ .. هل مكاسبنا تختلف عن مكاسبهم؟

وبدوره أشار أ.د. صدقة فاضل إلى أن قدرنا أن نكون دولة عربية واسلامية . ولا شك أن جميعنا يتمنى أن تكون بلادنا رائدة في التقدم والمعاصرة التي تحترم التراث الايجابي وتنبذ السلبي . ولكننا كثيرا ما نتعثر مع الأسف … ويصبح حالنا حال بقية المتخلفين . .. أشقاءنا في المعاناة .

وفي الختام فقد عدد د. زياد الدريس أبرز الإنجازات السعودية في منظمة اليونسكو في الفترة 2006 – 2016م وتمثلت فيما يلي:

  • إنشاء برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم وتفعيل اللغة العربية:

تأسس البرنامج عام 2007م ، وقد أسهم منذ تأسيسه في نقل اللغة العربية من المنافسة على اللغات الأقل مكانةً وحضوراً في المنظمة، مع اللغتين الروسية والصينية، إلى مزاحمة اللغة الإسبانية على المركز الثالث في الأهمية، بعد لغتي العمل الانجليزية والفرنسية.

  • إنشاء برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز ثقافة الحوار والسلام:

تأسس البرنامج عام 2009م، وقد نظم العديد من الندوات العلمية والمبادرات الشبابية على المستوى الدولي في مجالات الحوار والتنوع الثقافي. ومن أبرز ذلك مؤتمر دولي عُقد في جدة عام 2012م، شارك فيه فتيان وفتيات من 50 دولة حول العالم.

  • تأسيس احتفالية اليوم العالمي للغة العربية:

بمبادرة من المندوب السعودي الدائم؛ اتخذ المجلس التنفيذي للمنظمة عام 2012م قراراً دولياً بالاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في يوم 18 ديسمبر من كل عام.

ومنذ ذلك الحين؛ أصبحت المدن العربية، والمدن المستعربة (ذات الجالية العربية الكبيرة) تحتفل بهذه المناسبة، من خلال فعاليات تربوية وثقافية وفنية متنوعة.

  • لائحة التراث العالمي:

–    دخلت المملكة اللائحة لأول مرة في العام 2008م وذلك عبر تسجيل (مدائن صالح)، وتم تسجيل (الدرعية القديمة) في عام 2010م، وتم تسجيل (جدة التاريخية) في عام 2014م، كما تم تسجيل (الرسوم الصخرية في حائل) في عام 2015م.

–         يوجد 10 مواقع سعودية في اللائحة التمهيدية يتم العمل على تسجيلها تباعاً بإذن الله.

–         بدأ العمل فعلياً على تجهيز موقع واحة الأحساء ثم قرية رجال ألمع للتسجيل خلال العامين القادمين بإذن الله.

  • لائحة التراث الشفوي:

دخلت المملكة اللائحة لأول مرة في العام 2015م عبر تسجيل (العرضة النجدية/ السعودية). وتسجيل (رقصة المزمار) عام 2016 م. كما تم تسليم ملف (القط العسيري) لليونسكو للتقييم والتصويت عليه في شهر نوفمبر من العام 2017 م بإذن الله.

  • كراسي اليونسكو/ السعودية:

تم إنشاء 12 كرسي أكاديمي بين الجامعات السعودية ومنظمة اليونسكو.

وقد تنوعت اختصاصات هذه الكراسي بين الدراسات الإنسانية، والدراسات العلمية التطبيقية بالانسجام والتناغم مع اهتمامات اليونسكو في قطاعاتها المختلفة.

  • إنشاء مركز اليونسكو الإقليمي للجودة في التعليم:

يعتبر المركز الأول من نوعه في المنطقة العربية في مجال الجودة في التعليم. وقد تأسس بقرار من مجلس اليونسكو في العام 2012م بحيث يكون مقره المملكة العربية السعودية، وقد بدأ المركز بالفعل مباشرة أعماله من خلال مقره بالرياض في تطوير البنية الأساسية لتجويد التعليم في الدول العربية كافة.

  • ضم جمعية ( حرفة ) النسوية كأول مؤسسة مجتمع مدني سعودية في اليونسكو.
  • ضم (الجمعية السعودية للمحافظة على التراث) ضمن المؤسسات المهنية الدولية في المنظمة.
  • النفوذ السعودي في اليونسكو:

في العام 2013م صدر تقرير استطلاعي عن (الدول العشر الأكثر نفوذاً في منظمة اليونسكو)، وقد كانت المملكة هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة بين هذه الدول.

التوصيات المقترحة

1-  المملكة رسالتها ثقافية بالدرجة الأولى بما تملكه من تنوع ثقافي واليونيسكو هي بيت الثقافة العالمي وبالتالي فهي ميداننا الخصب الفسيح لنشر هذه الرسالة.

2-  الإيمان بأن كل تقدم للدور السعودي في المنظمات الدولية سينعكس إيجابياً على العرب والمسلمين ، لذا علينا التركيز على هذا الدور ومدى ما يحققه لنا من فوائد.

3-  يجب أن لا نتوقف عند النجاحات بل لابد من استمرار التواصل وتطوير مبادرات مشتركة مع الآخرين للتبادل الحضاري والثقافي لتحقيق المزيد من النجاح.

4-  الإدراك بأن المنظمات الدولية لم تتحرك تجاهنا أو تتغير بقدر مانحن الذين تغيرنا وبادرنا بالتحرك بشكل إيجابي للاستفادة والإفادة من تمثيلنا في هذه المنظمات.

5-  يجب أن نستفيد من اليونيسكو كمنبر عالمي لتغيير الصورة النمطية التي رسمتها حولنا بعض الشعوب والمنظمات كالعنف والنفط وتعريفهم بحقيقة الثقافة العربية.

6-  البدء ببناء الاتفاقيات التي تخدم احتياجاتنا بما لا يتعارض مع الاحتياج الإنساني، والاستفادة من المنظمات الدولية بوصفها بيوت خبرة في معالجة أخطائنا التي تعيق تَقدّمنا وتنميتنا.

7-  الاعتماد على أنفسنا في الوصول لأهدافنا والتعاون والتنسيق مع من تجمعنا به مصالح حقيقية مشتركة وليس مجرد شعارات وعواطف.

8-  اختيار الكوادر الكفؤة وتأهيلها لتمثيلنا في المنظمات الدولية وتوفير الدعم المادي الكافي لتحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج التي نسعى لتحقيقها.

9-  ينبغي أن نحافظ على الكوادر الناجحة في المنظمات الدولية من خلال استمرارهم في مناصبهم أو الاستفادة منهم في مؤسسات دولية أهم وأكبر.

10-     “مأسسة العمل الدبلوماسي في الخارج” بات أمراً هاماً وضرورياً في هذا الوقت فهو السبيل لتحقيق المكاسب المرجوة من وجود المملكة في اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية.

11-  تأسيس مركز تنسيقي أو وحدة تنسيق مركزية لمشاركات السعودية دولياً تكون تحت مظلة وزارة الخارجية أو مرتبطة بمجلس الشئون السياسية أو أي مظلة أخرى تحقق الغرض.

12-  العمل على أن تهتم اليونيسكو بثقافتنا والحرص على حمايتها من أجل إزالة الفهم الملتبس والمقصود أحياناً بين مفهوم الثقافة الإسلامية ومفهوم الإرهاب والاقصاء، والريبة.

13-  معظم المنظمات الدولية ذات استقلالية عالية وبالتالي يجب العمل على تكوين شبكة من العلاقات داخل هذه المنظمات ومع ممثلي الدول الأخرى فيها واستثمارها بما يعود علينا بالفائدة.

14-  ينبغي أن نستثمر القرار التاريخي الصادر عن اليونسكو بجعل القدس مدينة إسلامية عربية محتلة لا وصاية للكيان الصهيوني عليها بأن يقوم مندوب المملكة الدائم بالتنسيق مع مندوبي الدول العربية والإسلامية بالتأكيد على ذلك ورفض أي قرار يقبل بجعل القدس عاصمة لإسرائيل.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

)                   حسب الحروف الأبجدية (

  • د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
  • م. أسامة كردي
  • أ. أسمهان الغامدي
  • أ. آمال المعلمي
  • د. الجازي الشبيكي
  • أ. جمال ملائكة
  • م. حسام بحيري
  • د. حمزة بيت المال
  • م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
  • د. خالد بن دهيش
  • د. زهير رضوان
  • د. زياد الدريس
  • د. زينب إبراهيم
  • د. سعود كاتب
  • أ. سمير خميس
  • أ.د صدقة فاضل
  • د. طلحة فدعق
  • أ. عبدالرحمن الطريري
  • أ. عبدالرزاق الفيفي
  • أ. عبدالله الضويحي
  • د. عبد الله بن صالح الحمود
  • د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • د. عبير برهمين
  • أ. عبير خالد
  • أ. علياء البازعي
  • أ. فاطمة الشريف
  • د. فهد الحارثي
  • أ.د. فوزية البكر
  • أ. كوثر الأربش
  • أ. لمياء العنزي
  • أ. محمد بن فهد العمران
  • د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
  • أ. مسفر الموسى
  • د. مشاري النعيم
  • أ. مها عقيل
  • د. ناصر القعود
  • د. نوال الضبيبان
  • د. نوف الغامدي
  • أ. هادي العلياني
  • د. هند آل الشيخ

تحميل المرفقات