يناير 2018 م
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر يناير 2018 م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- الذكاء الاصطناعي وأثره على التنمية.
- الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. من الهيمنة إلى المنافسة.
- مهنة التمريض في السعودية.. احتياج وتحديات.
- السينما.. مقاربات ثقافية واقتصادية.
- مستقبل الصحافة الورقية.
المحور الأول: الذكاء الاصطناعي وأثره على التنمية
- الورقة الرئيسة: د. زهير رضوان
- التعقيب: أ.د. حسنين البرهمتوشي
- إدارة الحوار: م. خالد العثمان
- المداخلات حول القضية
- التوصيات المقترحة
المحور الثاني: الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. من الهيمنة إلى المنافسة
- الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
- التعقيب الأول: د. ناصر القعود
- التعقيب الثاني: م. خالد العثمان
- إدارة الحوار: د. مشاري النعيم
- المداخلات حول القضية
- التوصيات المقترحة
المحور الثالث: مهنة التمريض في السعودية.. احتياج وتحديات
- الورقة الرئيسة: د. عبير برهمين
- التعقيب الأول: د. الجازي الشبيكي
- التعقيب الثاني: أ. علياء البازعي
- إدارة الحوار: أ. مها عقيل
- المداخلات حول القضية
- التوصيات المقترحة
المحور الرابع: السينما.. مقاربات ثقافية واقتصادية
- الورقة الرئيسة: أ. عبير خالد
- التعقيب الأول: د. فهد اليحيا
- التعقيب الثاني: د. سعود كاتب
- إدارة الحوار: أ. عبد الله الضويحي
- المداخلات حول القضية
- التوصيات المقترحة
المحور الخامس: مستقبل الصحافة الورقية والكاتب الصحفي
- الورقة الرئيسة: د. فهد الحارثي
- التعقيب الأول: د. عبدالله بن ناصر الحمود
- التعقيب الثاني: د. زينب الخضيري
- إدارة الحوار: أعضاء ملتقى اسبار
- المداخلات حول القضية
- التوصيات المقترحة
المحور الأول
الذكاء الاصطناعي وأثره على التنمية
الورقة الرئيسة: د. زهير رضوان
يعيش العالم مرحلة جديدة في تاريخ البشرية تسمى بالثورة الصناعية الرابعة. وهي فترة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تعرف بأنها قدرة النظم الحاسوبية على استخدام الذكاء لتحسين نوعية وكفاءة النظم والعمليات الحاسوبية في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والطاقة. ويعتقد كلاوس شواب مؤسس ومدير المنتدى الاقتصادي العالمي أن العالم يقف على حافة ثورة تكنولوجية من شأنها أن تحدث تغييراً جذرياً في أنماط الحياة التي نعيشها والعمل الذي نؤديه والطريقة التي نتعامل مع بعضنا البعض. وأجمعت لجنة الخبراء الأكاديميين والتكنولوجيين، الذين شاركوا في دراسة المائة عام لجامعة ستانفورد عن الذكاء الاصطناعي (بحسب تقرير لموقع Computer World.) بقولهم “بحلول عام 2030، سيكون الذكاء الاصطناعي قد غيّر الطريقة التي نذهب بها إلى العمل وإلى الحفلات، وطريقة اعتنائنا بصحتنا وطريقة تعليم أطفالنا”، وتركز هذه الدراسة على محاولة التنبؤ بالتطورات المقبلة للذكاء الاصطناعي، والتحديات الأخلاقية المصاحبة لها، وفي أول دراسة أصدرتها اللجنة، أشارت إلى أنه يجب البدء الآن في معرفة كيفية مساعدة الناس على التكيف مع التطورات الذكية لتأثيرها في الاقتصاد والوظائف الحالية التي سوف تنتهي وتولد بدلاً منها وظائف جديدة. من هنا نجد أن تقنيات “الذكاء الاصطناعي” باتت تؤثر على حياتنا على نحوٍ أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ والسبب وراء بروز الذكاء الاصطناعي هو الثورة الصناعية الرابعة.
ويتلخص مفهوم “الثورة الصناعية الرابعة”، الذي انطلق من ألمانيا قبل سنوات قليلة، حول أتمتة الصناعة، والتقليل من عدد الأيدي العاملة فيها، بحيث ينحصر دور الإنسان في الصناعة على الإشراف، وهذا يستلزم استخدام قدرات علمية لامتلاك بنية تقنية ورقمية متطورة. وستكون الثورة الجديدة، سلاحاً ذا حدين: إيجابيات وسلبيات عديدة ستطال الجميع، بما في ذلك المجتمعات المتقدمة. ومن إيجابيات “الثورة الصناعية الرابعة” أنها ستعين الإنسان على تحقيق نسب عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عموماً، بتخفيضها كلفة الإنتاج، وبالتالي تأمين خدمات ووسائل نقل واتصال تجمع بين الكفاءة العالية وتكلفة أقل. كما أنها ستساهم في تقديم رعاية صحية أفضل للإنسان، وستختصر الكثير من الوقت في عملية التطور، وتعميم منجزاتها على العالم. إلا أنها ستفرض في الوقت نفسه تحديات غير مسبوقة على المجتمعات البشرية؛ لأن الثورة الصناعية الرابعة تشترط إعادة هيكلة اقتصادية شاملة، مقرونة بهيكلة اجتماعية وسياسية، سيرافقها تغيّر في القيم الثقافية والاجتماعية مما سيؤدي إلى اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة في العملية الإنتاجية، وهيمنة الشركات الكبرى، حيث يؤدي ذلك إلى إشكاليات اجتماعية وسياسية واسعة، بسبب اتساع حالة الفقر، وتدهور الأوضاع المعيشية إضافة إلى خطر عدم كفاية إجراءات المؤسسات الاقتصادية للحد من الهجمات الإلكترونية، مما يتطلب التعاون بين كل دول العالم.!!!
ومن المعروف أن الثورة الصناعية الأولى استخدمت الماء والبخار من أجل مكننة الإنتاج واستخدمت الثانية الطاقة الكهربائية من أجل الإنتاج الواسع. واستخدمت الثالثة الالكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتمتة الإنتاج، وتستند الثورة الصناعية الرابعة على الثورة الرقمية التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي. حيث تمتاز الثورة الرابعة بمزجها للتقنيات التي تلغي الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي، مما ساعد على تطورها بسرعة عالية، علاوة على أنها تطال كل صناعة تقريباً في كل بلد. وأن سعة وعمق هذه التغييرات تبشر بتحول لجميع نظم الإنتاج، والإدارة، والحوكمة. كما أن الاحتمالات ستكون غير محدودة أمام المليارات من البشر الذين يتواصلون عبر هواتفهم المحمولة التي لم ير لها الإنسان مثيلاً في قوة المعالجة، وسعة التخزين، والوصول إلى المعرفة. وسوف تتضاعف هذه الاحتمالات عن طريق الاختراعات التكنولوجية الجديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والمركبات ذاتية الحركة والطباعة ثلاثية الأبعاد وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية، وهذا سوف يؤدي إلى رفع مستويات الدخل وتحسين نوعية الحياة للسكان في جميع أنحاء العالم.
فلقد مكنتنا التكنولوجيا من الوصول إلى منتجات وخدمات جديدة تزيد من كفاءة وجودة حياتنا الشخصية. وأصبح طلب سيارة أجرة أو حجز تذكرة طيران، أو شراء سلعة أو دفع اشتراك أو الاستماع إلى الموسيقى، أو مشاهدة الأفلام، أو الاستمتاع بلعبة ممكناً وبسهولة مما سيؤدي في المستقبل إلى فوائد عديدة ومكاسب طويلة الأجل في الكفاءة والإنتاجية وتخفيض تكاليف النقل والاتصالات وستصبح الخدمات اللوجستية وطرق التوريد العالمية أكثر فعالية، وسوف تقل تكلفة التجارة، وتفتح أسواق جديدة لدفع عجلة النمو الاقتصادي. وأشار الاقتصاديان (إريك برينيوفلسون / وأندرو مكافي)، إلى أن الثورة الصناعية الرابعة يمكن أن تؤدي إلى أضرار كبيرة في سوق العمل. فعندما تحل أتمتة العمل محل الأيدي العاملة البشرية في مختلف قطاعات الاقتصاد، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة بين العائد على رأس المال والأيدي العاملة، ولا يمكننا التنبؤ في هذه المرحلة بسيناريو المرحلة القادمة إلا أننا نتوقع أن النتيجة قد تكون مزيجاً من الاثنين. وذلك بسبب ظهور سوق عمل منقسم إلى قسمين عمال بمهارات متدنية يحصلون على أجور متدنية وعمال بمهارات عالية يحصلون على أجور عالية وسيكون أكثر المستفيدين من الابتكار أصحاب المواهب الفكرية والمادية من المخترعين والمساهمين والمستثمرين مما يفسر اتساع الهوة في الثروة بين أولئك الذين يعتمدون على رأس المال أو العمل. لذا ستكون التكنولوجيا واحدة من الأسباب الرئيسة لركود الدخل، أو حتى تراجعه بالنسبة لغالبية السكان في البلدان ذات الدخل المرتفع حيث يزداد الطلب على العمال ذوي المهارات العالية وينخفض الطلب على العمال الأقل تعليما ومهارات. هذا يساعدنا على تفسير حالة الإحباط لدى عدد كبير من العمال الذين يمتهنون الحرف المهددة بالانقراض؛ بالنظر إلى أن مداخيلهم المالية ستستمر في الركود والتدني مستقبلاً، وأما بالنسبة للمملكة ودول الخليج فمن الممكن أن تستفيد جيداً من تعزيز الذكاء الاصطناعي لأنها فرصة ينبغي أن نكون الأكثر حرصاً على تطويرها وتسريع إمكانية تطبيقها، ليس لتحسين أداء المشاريع فحسب، بل لتقليص أعداد العمالة الوافدة وتعديل التركيبة السكانية.
تأثير الثورة الصناعية الرابعة
مما لا شك فيه أن عملية الطلب ستشهد تحولات رئيسة؛ حيث أن تزايد الشفافية، ومشاركة المستهلكين، وأنماط جديدة من السلوك الاستهلاكي ستجبر الشركات على تبني طرق المستهلكين في تصميم وتسويق وتسليم السلع والخدمات. وستظهر مواقع تكنولوجية تمزج العرض والطلب للتأثير على الصناعات القائمة، مثل تلك التي نراها في اقتصاد الاستهلاك التعاوني أو اقتصاد “عند الطلب”. هذه المواقع التكنولوجية، والتي أصبحت في متناول الهواتف الذكية، تجمع الناس والأصول والبيانات لتخلق بذلك طرقاً جديدة تماماً لاستهلاك السلع والخدمات. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تقلل من الحواجز أمام الشركات والأفراد لعمل الثروات وتغيير البيئات الشخصية والمهنية للعمال. هذه الشركات الالكترونية الجديدة تتضاعف بسرعة فائقة وتقدم خدمات متعددة مثل غسيل، وتسوق، ومواقف السيارات، والسفر، والسياحة وغيرها الكثير.
هناك أربعة آثار رئيسة للثورة الصناعية الرابعة على القطاع الخاص، الأول: على توقعات الزبائن، الثاني: على تحسين المنتج، الثالث: على الابتكار التعاوني، الرابع: على الأشكال التنظيمية. وسيكون الزبائن وبشكل متزايد هم بؤرة الاقتصاد الذي يقوم على تحسين الخدمات المقدمة لهم. وعموماً، فإن التحول من الثورة الصناعية الثالثة والانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة المعتمدة على مزيج من التقنيات والابتكار القائم المستمر سيدفع الشركات إلى إعادة النظر في طريقة عملها. وعلى رجال الأعمال وكبار المدراء التنفيذيين لفهم بيئتهم التي تتغير باستمرار وتحدي الافتراضات التي تقدمها فرق العمل لديهم، أن يبتكروا باستمرار وبلا هوادة. أما تأثير الثورة الصناعية على الحكومات فإنه ومع استمرار تداخل العوالم المادية والرقمية والبيولوجية ستتيح التقنيات والمناهج الجديدة للمواطنين وبشكل متزايد التفاعل مع الحكومات والتعبير عن آرائهم وتنسيق جهودهم. في الوقت عينه ستحظى الحكومات بقوة تكنولوجية جديدة من خلال تبني حوكمة فعالة تفرض على المشرعين التكيف بصورة مستمرة مع بيئة دائمة التغيير وأن يكونوا دائماً قادرين على فهم القوانين التي يتولون تنظيمها. كما يتعين على الحكومات والهيئات التنظيمية التعاون بشكل وثيق مع قطاع الأعمال والمجتمع المدني لتفعيل دور الحكومة في التحول الرقمي. وفي الأمن الوطني والدولي سوف تؤثر الثورة الصناعية الرابعة في شكل الحروب الحديثة وستكون للحرب الالكترونية بفضل التقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أثر كبير في محاربة الإرهاب أو المجموعات الصغيرة القادرة على إحداث دمار واسع والحد من آثار العنف من خلال تطوير وسائل جديدة للحماية ومزيد من الدقة في إصابة الأهداف. ومن أهم الآثار الاجتماعية للتكنولوجيا المعلوماتية ما يتعلق بالخصوصية، ونحن نفهم وبشكل غريزي أهمية الخصوصية وتأثير تقاسم المعلومات الخاصة بنا على حياتنا الخاصة في السنوات المقبلة مما يدفعنا إلى التمسك بمفاهيمنا المعنوية والأخلاقية.
ويعتقد (شواب) أن التكنولوجيا والتغييرات التي سترافقها مهما بلغت ستبقى تحت سيطرة البشر وستكون مسؤولية الجميع توجيه تطور التكنولوجيا من خلال القرارات التي نتخذها بشكل يومي سواء كنا مواطنين، أو مستهلكين، أو مستثمرين. وبالتالي يجب علينا استغلال الفرصة والقوة لدينا لتشكيل الثورة الصناعية الرابعة، وتوجيهها نحو المستقبل الذي يعكس الأهداف والقيم المشتركة. ولذلك يجب علينا أن نضع رؤية شاملة ومشتركة على الصعيد العالمي حول تأثير التكنولوجيا على حياتنا وكيفية إعادة صياغة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. فنحن بحاجة إلى تشكيل مستقبل لنا جميعاً من خلال إعطاء الأولوية للناس وتمكينهم لأفضل ما يملكه الإنسان: الإبداع والتعاطف، والتنظيم والإشراف، للرقي بالإنسانية إلى وعي جماعي وأخلاقي جديد يستند إلى المصير المشترك. وعلينا أن نعمل جاهدين لتحقيق ذلك.
والتوصيات المقترحة في النهاية لتتلاءم مع متطلبات المستقبل العالمي الجديد للثورة الصناعية الرابعة هي التالي:
أولاً: تحديث الآلية التنظيمية:
1- استحداث هيئة حكومية تحت مسمى (تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي) تساهم في تطوير القطاعات المختلفة بالدولة وتأهيلها لاستقبال ضرورات الذكاء الاصطناعي ويوكل إليها الإشراف والمتابعة والاستقطاب والمشاركة مع جميع القطاعات العامة والخاصة، محلية أو دولية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
2- تدريب موظفي الحكومة من خلال إشراكهم في دورات متخصصة في علم البيانات data scienceوذلك لمعرفة كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
3- توفر البنية التحتية التي تؤهل الوطن ليصبح رائداً في هذا المجال.
4- إصدار قوانين بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي.
ثانياً: تطوير المنظومة الأكاديمية والاجتماعية:
1- تبني مادة مستقلة للذكاء الاصطناعي في المدارس والجامعات، لتأهيل الطلاب المتفوقين المقبولين للجامعات خلال السنوات العشر المقبلة الذين يملكون الفهم الحسي والمهارات اليدوية.
2- بناء كفاءات علمية متخصصة في هذا المجال والاهتمام بعلوم الحاسب الآلي وتشجيع المواطنين على دراسة هذا التخصص لخلق قاعدة من الكوادر البشرية المتخصصة.
3- توفير البيئة الأكاديمية والبحثية المحفزة لاستدامتها، مع التركيز على تطوير العنصر البشري وخلق منظومة متكاملة لدعم وتطوير وتوظيف الكفاءات الشابة.
4- تنمية وتطوير الكفاءات العلمية المتخصصة، والقدرات المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي.
5- إعادة هندسة مستقبل التعليم في الجامعات عبر التكنولوجيا الذكية والابتكار والبحث العلمي.
6- تكاتف وتضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والتعليمية والإعلامية للتوعية المجتمعية بأساسيات هذا المجال لخلق المواطن الرقمي القادر على التعامل مع مثل هذه التقنيات.
7- خلق ثقافة الذكاء الاصطناعي لدى فئات المجتمع لتسهيل انتشار استخدام التطبيقات التي تعتمد على هذه التقنيات.
8- ترسيخ فلسفة التعلم مدى الحياة لمختلف فئات المجتمع وفق أعلى معايير الجودة.
التعقيب: أ.د. حسنين البرهمتوشي
عند بناء معجم دلالي تقني لتعزيز تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع دخول عصر المعلومات وثورة الاتصالات، كانت هناك حاجة إلى إعادة النظر في محتوى العملية البحثية والتربوية وأهدافها وتطويرها لتواكب التغيرات في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يتيح لمستخدمي التقنيات الحاسوبية اكتساب المعرفة المتصلة بالحاسوب.
ومع دخول عصر تقنية المعلومات وثورة الاتصالات أصبح هناك اهتماماً متزايداً بتقنية الحاسوب والإنترنت وخاصة التطبيقات الذكية، مما أدى إلى تطوير نشاط حركة البحوث العلمية، فكان له جميل الأثر بمساعدة مؤسسات البحث العلمي إلى تطوير برامجها وتقنياتها لكي تواكب تعزيز وتطوير برامجها، مما أتاح للطالب الاستفادة من وسائل وأدوات التقنيات في تحصيله الدراسي (الحيلة ،2002).
وانتشرت تقنية الحاسوب التعليمي والمرتبط بعملية حوسبة التعليم، والتي أتاحت تصميم وعرض المادة العلمية بطريقة تفاعلية مما يساعد الطالب على اكتساب مهارات ومعارف جديدة (عبابدة، 2004).
واتضح من خلال دراسات قامت بها جامعة ميتشجان في أمريكا على طلابها، أن أساليب التعلم والتعليم المبني والمعزز بتقنيات الحوسبة أدت إلى نتائج أفضل وأنّ هؤلاء الطلاب الذين تعلموا بالاستعانة بهذه التقنية تفوقوا على قرنائهم ممن لم يستخدموا هذه التقنيات بمعدل توفير وقت يصل إلى 88%، وأنّ استخدام تقنية الحوسبة في التعليم أدى إلى رفع الاستيعاب للطلاب ورفع مستوى الأداء للمعلم وقلت شكوى هؤلاء الطلاب (حسين، 2002).
فالحاسوب التعليمي تتمركز فيه المقررات الدراسية إلى برمجيات، حيث تعتمد تقنية صناعة هذه البرمجيات على تحليل المقرر إلى مجموعة مترابطة من المكونات البنائية سواء كانت خاصة بالمعلم (Teach Ware) أم بالمتعلم (Course Ware).
ويرى كثير من العلماء أن التطبيقات الحاسوبية المبنية على علم الذكاء الاصطناعي هي الأمل الوحيد لإحداث التغيير المطلوب عن طريق إجراء مراجعة شاملة للسياسة البحثية والتربوية والتعليم والصناعة وطرق ووسائل الإبداع والتفكير في المنهج (حسين، 2002).
ومن ثم التأكيد على دور هيئات التعليم في تقدير مواهب الطلبة وتنمية أفكارهم الإبداعية ، وتشجيعهم بتقديم حوافز مناسبة لهم ، وإعطائهم حرية الإبداع والتفكير ، والتعامل مع المبدعين بعد تزويد هذه المؤسسات بالمهرة من المدربين على استخدام أساليب التعليم التقنية الحديثة التي تنمي الذهن ، وتعمل على تنمية قدرات الطالب الإبداعية ، و التأكيد على دور هيئات التعليم والجامعات في تزويد وتوفير التقنيات الداعمة للنواحي البحثية والتربوية لتعزيز قدرة الطلبة على الابتكار والإبداع ، وإعادة النظر في حجم المنهج ، وأن يتم بناءها بحيث تراعي سيكولوجية الفرد وتحرر طاقاته الإبداعية (أبو جادو، 2004 و العمري، 2002).
وهناك دراسات اهتمت بدراسة العلاقة بين الحاسوب واللغة ، وهذه العلاقة أخذت تتأصل بسبب التطور الهائل في اللسانيات الحاسوبية ، وخضوع معظمها للمعالجة اللغوية عن طريق تفعيل المعادلات الرياضية والمقارنات المنطقية والحسابات الإحصائية ، وتتميز بعض اللغات منها اللغة العربية بمواصفات فريدة يمكن برمجتها تقنياً ، حيث إنّها تمتاز بالتوافق بين ما هو منطوق وما هو مكتوب، مما يكون لها جميل الأثر على قابليتها لبرمجة آلياً ، ويعزز ذلك ما تم التوصل إليه من بناء تطبيقات لغوية ، كتنمية القراءة اللغوية الشفهية والكتابيـة (عفان ، 2005، المطيري، 2005).
وفي سبيل تسخير التقنية الحديثة لخدمة هذا الغرض يتم التركيز، حديثاً، على توظيف التقنية في جانبين:
- توظيف التقنية وهندسة اللغة (معالجة اللغات الطبيعية) في بناء وتخطيط المناهج والمقررات والاختبارات.
- التعليم (التعليم / التعلم الإلكتروني) أي توظيف التقنيات الحديثة باعتبارها وسيلة لعملية التعليم والتعلم.
ويركز هذا التعقيب على الجانب الأول، لأنه يكاد يكون مغيباً عن الاهتمام العربي، في حين أن كلا من التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني يعتمد عليه. ونقدم هنا مقترحاً لتصميم وتنفيذ وتطوير منظومة حاسوبية تكون بمثابة بنية تحتية Infrastructure أو منصة Platform لتطوير مناهج تعليم اللغة العربية Arabic Language Curriculum Builder.
هندسة اللغة وتعليم اللغة
في هذا القسم نحاول أن نبين بعض جوانب العلاقة بين الهندسة واللغة وتعليم اللغة. فنبدأ بتجلية بعض جوانب الإفادة الممكنة للغات من استعمال الحاسوب، ثم توضيح الجوانب التي يمكن للحاسوب واللسانيات الحاسوبية أن يقدمها لتعليم اللغة:
الحاسوب واللغة: اللسانيات الحاسوبية:
ظهر من فترة ليست بالقصيرة، في مجال مقاربة اللغات الطبيعية، مجال بحثي جديد يعتمد على معطيات الحواسيب في معالجة اللغات الطبيعية. هذا المجال أطلق عليه هندسة اللغة البشرية HLT (Human Language Technologies) أو معالجة اللغات الطبيعية (NLP) Natural Language Processing) من قبل الباحثين ذوي الخلفية الهندسية الحاسوبية بالأساس (أو اللسانيات الحاسوبية) من قبل الباحثين ذوي الخلفية اللسانية بالأساس، وهو مجال يتم فيه توظيف الحاسوب في معالجة اللغة الطبيعية لما يتوفر لدى الحاسوب من قدرة هائلة على تنفيذ الأوامر في دقة وسرعة.
واهتم هذا المجال بكل ظواهر اللغة الإنسانية على مستوى تقديم منهجيات للتحليل الحاسوبي للظواهر اللغوية، أو تقديم التقنيات والأدوات الحاسوبية لمعالجة اللغة تحليلاً وتوليداً وتمثيلاً.
كما اتسعت مجالات الدرس الحاسوبي للغة، فشملت الجوانب التطبيقية المختلفة للغة مثل تعليم اللغة والترجمة الآلية وبناء المصادر اللغوية.
يتضمن هذا التعقيب اقتراح تصميم مكون تقني ولغوي (معجمي، صرفي، تركيبي، دلالي، بلاغي، فونولوجي) ذو واجهة حاسوبية للتعامل مع مكونات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويستهدف تقنيات لغوية للغة العربية والإنجليزية في مرحلتها الأولي، كلغةً أولى أو ثانية، سعيا لتنمية مهارات اللغة الاستماعية، والتحديثية، والقرائية، والكتابية لدي المستفيدين منها، لتعزيز تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحسين كفاءة نظمه في التعامل مع قطاع التعليم، والصحة، والطاقة، والنقل، والأمن، والصناعة.
وبالاستعانة بالتقنية اللغوية: المحلل الصرفي، والمعنون الدلالي، يساعد في الوصول إلى تحليل لغوي عميق، يسهم في الارتقاء بمستوى التطبيقات الخاصة بمعالجة اللغة في كل مستوياتها، وبالأخص في الترجمة الآلية وتحليل النصوص، والتنقيب في البيانات، وتحليل الآراء.. إلخ.
يشير الواقع اللغوي إلى تعدد مشكلات تعليم اللغات العربية والإنجليزية، وتتعدد جوانب التأثير السلبي المترتبة على ذلك، ومن أبرزها ضعف المستوى اللغوي للمتعلم، ونفور الطلاب من تعلمها.
لذا قام بعض المتخصصين بفحص عناصر عملية تعليم اللغة، وتفاعلات الطلاب مع فروعها؛ وقد أظهرت ما يلي:
- ضعف مستويات التأسيس اللغوي الثقافي ومحدودية توظيف التطبيقات التقنية لمواجهه ذلك.
- سيطرة الذاتية في اختيار المعارف اللغوية (الصوتية والإملائية والصرفية والنحوية والمعجمية والبلاغية.
- محدودية تمثيل المضمون اللغوي ونصوصه للأبعاد الثقافية اللغوية، وعدم اكتمال التحليل اللساني والتربوي لنصوص المضمون اللغوي المختارة.
- غياب البنية التحتية المنظومية في تناول اللغة ومعالجتها، التي تكون مصدرا لعمليات تحليل النصوص اللغوية.
- غياب المصادر اللغوية الأساسية أو نقصها. وذلك مثل معاجم المراحل التعليمية الملائمة.
- التركيز على مهارات القراءة والكتابة على حساب الاستماع والتحدث.
- الانفصال بين الماد المسموعة التي تخدم مهارة الاستماع وبين النصوص المقررة.
- صعوبة تطوير الواقع اللغوي الثقافي لما يتطلبه ذلك من وقت، وجهد، وتطويع توظيفي للتقانات الحديثة.
وبناءا عليه، فقد تزايدت الحاجة إلى توظيف التقنيات للمساهمة في تعزيز تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويتطلب تحقيق ذلك التركيز على توظيف التقنية في:
1- توظيف تقنية هندسة اللغة (معالجة اللغات الطبيعية) في بناء المناهج وتخطيط المقررات.
2- توظيف التقنيات في تطوير أساليب التعلم الرقمي، ومنها أساليب التعلم الإلكتروني والمدمج.
وهذه بعض جوانب التقنيات الحاسوبية اللغوية في إطار هندسة اللغة، وبعض تطبيقاتها في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي:
- تقنيات استخلاص المعلومات Information Retrieval كما في محركات البحث.
- الترجمة الآلية Machine Translation.
- التعرف على الكلام المنطوق Automatic Speech Recognition.
- تقنية نطق الكلام المكتوب Text to Speech لضعاف البصر والمكفوفين.
- تقنية التعرف على النصوص Optical Character Recognition المطبوعة، أو المكتوبة باليد.
- الإنسان الآلي المتطور Robot المزود بتقنيات لغوية متعددة تمكنه من التواصل مع الإنسان.
الحاسوب وتعليم اللغة باستخدام أساليب الذكاء الاصطناعي:
يُعد بناء المعاجم أحد أهم الجوانب التي تفيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة اللغة الطبيعية، فكثير من اللغات أصبحت الآن تعتمد على بناء وتطوير المعجم الحاسوبي. وتظهر هذه العلاقة في:
- إعداد بناء المعجم والتخطيط التصميمي: (هندسة اللغة وتعليم اللغة)، ويعنى به الإفادة من معطيات الذخائر اللسانية والحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية مثل بناء المصادر اللغوية، والأدوات التقنية التي تعد رافداً لهذا البناء.
- التعلم الإلكتروني: تقنية التأكد من النطق السليم للحروف والكلمات والجمل، لمساعدة المتعلمين على النطق السليم للغتهم (نظام Speak Correct)، تقنية تعليم الكتابة والخطوط، تقنية مراجعة الكتابة البشرية، وتصويب أخطائه الإملائية والتركيبية، تقنية تقويم كتابة التعبير Automatic Essay Scoring. ويعد تطوراً مهماً في عالم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ يقوم الحاسب باكتشاف الأخطاء في المقالة سواء الإملائية أو التركيبية أو المنطقية أو الدلالية والتي لها علاقة بالموضوع.
- نظم القياس والتقويم: وهي نظم حاسوبية تبنى لتقيس وتقوم / تقيم المستوى اللغوي للمتعلم في مهاراته السلبية (الاستماع والقراءة) ومهارته الإيجابية (التحدث والكتابة)، مثل منظومة TOEFL IBT TEST.
المداخلات حول القضية
أشار م. حسام بحيري إلى أن الكثير من العلماء يتخوفون من تطور تكنولوجيا الذكاء الصناعي ويعتبرونه أكبر خطر على البشر لأن التطور الحاصل في هذه التكنولوجيا ستصل بنا إلى نقطة ال Singularity (التفرد أو الأحادية) التي أصبحت الآن مسألة وقت وهي حسب شرحها العلمي “افتراض أن اختراع الذكاء الصناعي سوف يؤدي إلى خلق أو صناعة تكنولوجية لا سيطرة للإنسان عليها مما يؤدي إلى تغيرات لا يمكن تفسيرها أو السيطرة عليها في الحضارة البشرية”.
ال Singularity هي النقطة التي تبدأ فيها الأجهزة سواء كانت روبوتات أو أجهزة كمبيوتر بالتفكير مثل الإنسان تماماً وسيكون لديها منطق تتصرف على أساسه، والتجربة التي حصلت بين جهازين مبرمجين بالذكاء الصناعي التي تم عرضها من قبل شركة Facebook وتم فيها توجيه الروبوتات للعمل على كيفية التفاوض بينهما وباللغة الإنجليزية؛ ولكن الروبوتات بدأت بخلق لغة تخاطب جديده بالإنجليزية مفهومة لكل منهما ولكن ليس لبقية البشر واضطرت الشركة لإغلاق البرنامج. كان واضح أن شركة Facebook فقدت السيطرة على أجهزة صنعتها وبرمجتها في معاملها وتم إغلاق البرنامج بالكامل.
الخطر الاخر في ال Singularity هو قدرة الأجهزة على اكتساب جميع العلوم الإنسانية التي تمارس من قبل البشر (وكمثال) الروبوت سيكون عنده القدرة على الحصول على ٥٠٠ شهادة دكتوراه في عدد مختلف من العلوم وفي وقت يسير جداً – ما تأثير ذلك على الأكاديميين حول العالم – أو المهندسين أو الأطباء أو حتى القانونين؟ عندها سيكون السؤال البديهي لماذا سأحتاج للجوء إلى عقل بشري قابل للصواب والخطأ والتأثر بالعوامل المحيطة به وعدد ساعات إنتاجه اليومي محدود؟
نحن نعلم الفوائد الإيجابية اللامحدودة من تكنولوجيا الذكاء الصناعي ولكن يجب أن نركز أكثر على دراسة آثار تقدم هذه التكنولوجيا على الحياة البشرية. هل نريد أن نطلق العنان لتطور هذه التكنولوجيا أو جعلها محدودة في أطر أو قدرات معينة؟
وأوضح م. خالد العثمان أن من أبرز ما تضمنه تعقيب أ. د حسنين هو تسليط الضوء على فرص تطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة العربية.. الكثيرون يعتقدون أن التقنيات الجديدة تتطلب قسراً الانجراف إلى اللغة الإنجليزية واللغات العالمية.. وهو ما يشيع خوفاً على اللغة العربية من جهة وخوفاً من عدم القدرة على ملاحقة التقنيات بسبب حواجز اللغة من جهة أخرى.
وأشار د. زهير رضوان إلى أن منافع الذكاء الاصطناعي تتمحور حول إمكانية أن يملك الحاسوب عقلاً يماثل عقل الإنسان في تحليل المواضيع واتخاذ القرار وتمييز الأشياء وخلافه بسرعة ودقة أكثر من الإنسان وذلك نظراً للقدرات اللا محدودة للحاسوب. ومن أنشطة الذكاء الاصطناعي:
- Speech recognition التعرف علىالكلام
- Learningالتعلم
- Reasoningالمنطق
- Planningالتخطيط
- Problem solvingحلول المشكلات
- Knowledgeالمعرفة
- Perceptionالتصور
- Ability to manipulate and move objects القدرة على معالجة ونقل الأشياء
وأضاف أ. د حسنين البرهمتوشي أن هذا التماثل في الذكاء يحتاج لنظم رياضية وحسابات معقدة وأساليب إحصائية وطرق استدلال منطقية ومن ثم صناعة الحوسبة اللغوية بالاعتماد على المعاجم والمصادر اللغوية.
وأورد د. مشاري النعيم مقالاً مهماً لضرار بالهول الفلاسي، بعنوان: لماذا نخاف من الذكاء الصناعي؟ (1) وجاء فيه: “هل تعاملت مع تطبيقات الذكاء الصناعي مؤخراً؟ دعني أفاجئك بمثالين، الأول البوابة الإلكترونية في مطار دبي، والثاني بوابات التعرفة المرورية سالك، وهذان مثلان في غاية البساطة على الذكاء الصناعي إلى حد أن البعض يترفع عن وصفهما بالذكاء الصناعي لكنهما يقدمان نموذجاً مبسطاً لما يمكن أن يضيفه هذا العلم التطبيقي الواسع جداً إلى حياتنا اليومية.
فمن تقنيات التعرف على الوجوه إلى الترجمة الآلية الفورية بين الأشخاص وكل ما يتصل بمعالجة اللغات الطبيعية، إلى التنبؤات الجوية الدقيقة، وتوقعات السلوك البشري، ودراسة السيرة الجينية والتنبؤ بمساراتها لتسهيل علاج الأمراض المستعصية والتنبؤات المستقبلية عموماً، إلى تبسيط وتيسير الخدمات العامة والحكومية المختلفة مثل المركبات ذاتية الحركة (بدون سائق) وغيرها، أصبح الذكاء الصناعي اليوم جزءاً لا غنى عنه ليس فقط من حياتنا الحاضرة وإنما أيضاً من مستقبل حياتنا وحياة أولادنا.
وللأسف فإن كثيراً من المخاوف التي يسوقها البعض للتحذير من الذكاء الصناعي مرتبط بفهم خاطئ لفكرته، ويكون في الغالب من باب الخشية من فقدان الوظائف متأثرين بصورة مصانع السيارات التي تتحول للأتمتة (وليس للذكاء الصناعي)، وهي خشية مبالغ فيها، لأن ما يتم عملياً هو استخدام أدوات الذكاء الصناعي لتيسير الأعمال وزيادة فعالية الموظف وليس إحلال الآلة مكانه.
ولنأخذ مثلاً القراءة الآلية للحروف، وهي أبسط تطبيق للذكاء الصناعي وتسمح لنا بمسح جوازات السفر المقروءة آلياً وإدخال بياناتها في قواعد بيانات المسافرين، مغادرين أو قادمين. تخيل لو أن موظفي جوازات المطار يضطرون لإدخال كل تلك المعلومات يدوياً مقابل إدخالها عبر “السكانر” في فترة زمنية لا تتعدى الثانية أو الاثنتين. وعندما يكون مطارك يستقبل عشرات الملايين سنوياً فإن الذكاء الصناعي (بكل تطبيقاته وليس فقط القراءة الآلية للحروف) يصبح خياراً إلزامياً وليس ترفاً.
ومن الطبيعي هنا أن نستذكر أن الميزة الأهم للذكاء الصناعي هي في تيسير حياة الناس وتحسينها، مهما اختلفت مستوياتهم الحياتية أو الوظيفية أو المعرفية، فمثلاً في دبي نقوم بإعداد قاعدة البيانات الجينية العربية، ولكم أن تتخيلوا حجم الفائدة التي يضيفها الذكاء الصناعي هنا لكي يتم دراسة أنماط مرضية جينية معينة للمساعدة في شفائها ومعالجتها، أو حتى تجنبها إذا ارتبط بمعادلات زواج وراثية معينة.
ولكن هذه أمور كلها تحتاج إلى قوننة وإلى ضوابط تشريعية ورسمية، وقبل ذلك إلى خطط واستراتيجيات وطنية تضعها في مسارها الصحيح وتضمن أن يستفيد المجتمع الإماراتي منها أفضل فائدة. وهذا هو السر في تأسيس وزارة دولة للذكاء الصناعي فالقضية لم تكن مجرد رغبة في الشهرة أو إتباع الموضة وإنما لأهمية وجود مأسسة حكومية تعالج الجوانب التشريعية والتنظيمية وليس فقط التطبيقات التكنولوجية. وعمليا فإن هذه الوزارة تستكمل عمل وزارتي السعادة وجودة الحياة، والتعليم العالي والمهارات المتقدمة”.
ولفت م. خالد العثمان النظر إلى أن البعض من العلماء يرون أن إنترنت الأشياء يمثل الخطر الأكبر من تطبيقات الذكاء الاصطناعي فهو سيكون الشبكة التي تخاطب فيها الأجهزة والآلام مع بعضها البعض على مستوى العالم متجاوزاً كل الحدود الجغرافية.
وفي ذات الإطار فإننا نعلم بمشكلة أمن المعلومات وما تعرضت له المملكة من هجمات إلكترونية في الفترات الأخيرة.. وإذا ما علمنا أن المملكة العربية السعودية متقدمة نسبياً على كثير من الدول العربية في مجال أمن المعلومات، يكون التساؤل: ما هو شكل المخاطر التي قد تطالنا نتيجة هذا الوضع أمام تطور شبكات الذكاء الاصطناعي؟
وحول ذلك أوضح أ. د حسنين البرهمتوشي أنه بالتأكيد توجد مخاوف وينبغي أن يكون لدينا وسائل وآليات للتعامل معها وخاصة مع تقنية إنترنت الأشياء. فالجانب التطبيقي في المجالات اللغوية ينبغي أن تكون جاهزيتنا فيه عالية. ومن جهة أخرى يمكن اختراق بعض تطبيقات الحاسب بالاعتماد على لغة التطبيقات وبالتالي اللغة العربية منها. ومن ثم يجب أن نتحصن من هذا النوع من المخاطر.
وفي تساؤل جديد ذهب م. خالد العثمان إلى أنه في المقارنة بين مستوى الذكاء الاصطناعي المستهدف في الآلات ومستوى ذكاء البشر.. البعض يقول إن الذكاء الاصطناعي سيحيل البشر إلى حالة من الغباء.. وعليه من المهم التساؤل: هل بالفعل يخشى من ظاهرة الذكاء الاصطناعي على تعطيل قدرات العقل البشري؟
وفي هذا الإطار يرى د. زهير رضوان أن جوهر الذكاء الاصطناعي يكمن في القدرة على معالجة الرموز التي يستعملها الإنسان لأداء عمل ما مرتبط بحقائق وليس مشاعر أو أحاسيس بديهية… لذا من المستحيل أن تأخذ محل الإنسان لأنه هو من يشغلها. ولكن تأخذ بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان وتستبدل بأعمال مستحدثة تحتاج إلى مهارة. وقد يرى البعض الآخر تعطيل المخ البشري من ناحية أخرى مثل استخدام الآلة الحاسبة في الجمع والضرب بدلاً عن استخدام عقله لحسابها.
أما إنترنت الأشياء معناها اللا مركزية في أداء العمل حيث أن كل قطعة على سبيل المثال في المصنع سوف تكون ذكية تستطيع أن تطلب مباشرة من المورد إذا وصل عددها إلى الحد الأدنى، والمعدات على خط التصنيع تبلغ بعضها البعض إذا حدث فيها عطل أو بطء لتقوم الأخرى بالتوقف أو إبطاء السرعة … كل هذا دون تدخل الإنسان.
وتطرق د. حميد المزروع إلى أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على قدوة الإنسان على تحويل الأداء الحركي بدقة عن طريق ترميز أو تشفير المكننة بإمكانية قياس الأداء، مما يترتب علية ضمان الجودة وتقليص التكاليف.
وأشار أ. د حسنين البرهمتوشي إلى أن الذكاء الاصطناعي مبني على ذكاء البشر. فكيف سيتم إحلال شيء مصطنع مكان أصل قد صنعه؟ لذا نركز على صناعة وتطوير تقنية يسهل تطويعها لخدمة البشرية. فالعنصر البشري سيظل الطابع المميز لصناعة التقنية. فشوارعنا التي نسير فيها وسياراتنا التي نقودها ستصبح ذكية. فمن سيصمم هذه الشوارع ومن سيطور هذه السيارات؟ إنه العنصر البشري الفاهم والدارس والواعي للمستقبل. ومن جهة أخرى فقد تم تطوير قليل من المصانع باستخدام المستشعرات المدمجة في إنترنت الأشياء وتسبب هذا في تقليل أعطالها. وهذه أتاحت التفاهم التام بين الأجهزة المترابطة في المصنع. وبقدر ما أحدثته التقنيات من تغيير في نمط حياة البشر يجب علينا أن نعيد التفكير في استراتيجيات جديدة في التعليم والصحة والنقل وتوليد الكهرباء وتحليل المياه. هذا نوع واحد وهناك مستشعرات أخرى مثل استشارات حسية وسمعية وصوتية وغيرها. والمستشعرات المدمجة هي ترجمة RFID (Radio Frequency Identification) وهي تقنية راديو لاسلكية يتم التعرف عليها عبر ترددات الراديو، ولها مدى محدد، ولها استخدامات معينة وتستخدم في التعرف على هوية الأشياء.
وفي تصور م. خالد العثمان يبقى دوما السؤال الأهم: أين نحن من هذا العنوان؟ وهل نحن مؤهلون بتعليمنا وثقافتنا وبنيتنا التحتية لمجاراة العالم المتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي؟
وباعتقاد أ. د حسنين البرهمتوشي فإننا غير مؤهلين تأهيلاً كاملاً. ولكن لابد أن نبدأ في إعداد وتدريب وتأهيل باحثين في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الحيوية واللغوية والحاسوبية مع التركيز على الرياضيات والإحصاء.
وباعتقاد د. زهير رضوان فإن مشروع مدينة نيوم في إطار رؤية ٢٠٣٠ يهتم بوضع البنية التحتية الصحيحة واستقطاب الأفراد والشركات المؤهلة لمثل تلك التقنية مع تخطي البيروقراطية الحكومية لمجاراة العالم المتقدم، ونيوم للسعودية ستكون مثل هونج كونج للصين. فنيوم متصلة ومستقلة عن السعودية في الوقت ذاته؛ فهي متصلة بالسيادة وخلق بيئة للشباب السعودي الطموح، وهي أيضاً مستقلة عن الأنظمة والتشريعات الخاصة بالسعودية.. ورجال الأعمال والمستثمرين والمطورين هم من يضعون الأنظمة والقوانين التي تساعد على جعلها مدينة تواكب التطور العالمي الجديد.
ومن ناحية القوانين، فكما أصبح هناك قوانين وأنظمة تحدد الجرائم الإلكترونية سيصبح هناك قوانين وأنظمة تحدد استخدامات الذكاء الاصطناعي.
في حين يرى م. حسام بحيري أن قوانين الجرائم الإلكترونية لن يكون لها أي فعالية في التعامل مع هذه الاحتمالات لأنها ستكون جرائم متطورة جداً ويصعب تحديد مصدرها؛ فالكثير من الحكومات المتقدمة عندما يتم اختراق أجهزتها وسرقة معلوماتها أو أموالها تأخذ وقت طويل لتحديد الجاني، وعادة ما يكون الجاني خارج السلطة القانونية للدولة المخترقة ولا ينطبق عليه قوانينها المحلية. إذا فما فائدة أية قوانين محلية للجرائم إلكترونية، إذا أخذنا الاختراق الكارثي الذي حصل لشركة أرامكو كمثال حتى اليوم لا يوجد أي شخص أو كيان تم القبض عليه وقدم للعدالة على الرغم من الضرر الكارثي الذي حصل للشركة وتدخل دول عظمى في التحقيقات لتحديد هوية الجاني.
وعلق د. زهير رضوان على مشكلة أرامكو بأن ما حدث فيها ليس اختراق وإنما سرقة اسم المستخدم والكلمة السرية لمهندس النظام في أرامكو. ودخل الهاكر على النظام من الخارج باسم هذا المهندس واتلف ما اتلف داخل النظام؛ لذا لم يستطع أحد أن يمسك به ولم يستطيع النظام أن يعرف أن هذه الشخص دخيل. وتمت السرقة بسبب قصور من أرامكو في الاحترازات الأمنية وهو جعل الكمبيوتر يحفظ الكلمة السرية في الجهاز دون تشفير وعن طريق الإيميل الذي فتحه المهندس تم سرقة الكلمة السرية.
ومن ناحيته أشار د. فهد الحارثي إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي في مستقبل التنمية، هو الشغل الشاغل للأمم المتقدمة والمتنافسة على المستقبل فوق هذا الكوكب، ولا غرابة أن نلاحظ الاستثمار بترليونات الدولارات في تكنولوجيا النانو، وفِي مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي على الرغم مما سيسببه من تحديات أخلاقية وتشريعية إلا أنه كان الطريق الأمثل إلى رسم خارطة الثورة الصناعية الرابعة.
ويجدر أن نذكر هنا أنه يجري الحديث اليوم عن الثورة الصناعية الخامسة ، ويرى المبشرون بها أنها ستعالج إلى حدّ كبير الخلل الذي أحدثته سابقتها ، والمقصود هنا بالخلل ما جعل الإنسان الذي كان يكتفي بمجرد الإشراف على المنجز أو المنتجات بينما الذي يسيّر العمليات فيه هي التقنية في نسختها الجديدة ( الرابعة ) نقول أن الثورة الخامسة ستجعل ذلك الإنسان فاعلاً متفاعلاً مع ابتكار المنتجات ، فالثورة الخامسة تبشر بنوع من التكاملية بين الإنسان والتقنية وهي هكذا ستحدّ من هاجس “التفرد” الذي أشار له م. حسام بحيري ، وستحد من نسبة “الأغبياء” في العالم التي أشار اليها د. حسنين . فالنسخة الخامسة التي أقبلت الينا من الثورات الصناعية تحفُّز على مزيد من الابتكار، ومزيد من قدرة الإنسان على المواكبة، وبالتالي فإن هذا سيجعل الأمور تحت السيطرة للحد من تمردات التقنية وتحدياتها الحالية والمتوقعة.
بالنسبة لنا.. فنحن مازلنا مشغولين في مغازلة الثورة الرابعة على استحياء.. أما الخامسة فهي منا على مسافة ليست بسيطة أبداً.
وعلق د. زهير رضوان على طروحات د. فهد بخصوص الثورة الصناعية الخامسة، بقوله: لا نستطيع أن نقول إن هذا في المستقبل البعيد بل هو أقرب مما نتصور؛ لأن علوم التقنية تتحرك بسرعه فائقة مقارنة بأي علم آخر؛ فاليوم نحن في العصر الصناعي الثالث الرقمي ونطمح للانتقال إلى العصر الصناعي الرابع باستخدام الذكاء الاصطناعي للواقع الافتراضي بإشراف الإنسان في التصنيع، وهذا يقودنا إلى العصر الصناعي الخامس للشبكات العصبية بين أجهزة التصنيع بحيث يمكنها أن تصنع باستقلالية تامة بأوامر من الإنسان.
أما أ. عبير خالد فتطرقت إلى الجانب العاطفي في الذكاء الاصطناعي، من ناحية أن الكثير من الناس يستخدمون التقنية ليشعرون أفضل حيال أنفسهم بل ويقال بأن هناك طلب لصناعة آلات تشارك الفرد اهتماماته الشخصية وتتحدث معه وتعرف مفضلاته وحالاته.
والأكثر من ذلك أن هناك محاولات لبرمجة آلات تفهم المشاعر وتنصت لتعبيرات مثل التأفف والضحك لتتجاوب وفقا لذلك حيث تم برمجتها لتتعاطف أو تشارك صاحبها سعادته.
وفقاً للباحث في جامعة امبريال كوليج لندن “بيورن شولر” فإن هذه الخطوة المعنية بالاهتمام بالعاطفة الصناعية مهمة جداً لمستقبل الآلة ودمجها بشكل ناعم مع البشر. البشر بدورهم اختلفت نظرتهم لهذه الآلات فالأوروبيين بشكل عام يرون أنها تشكل خطراً على منظومة حياتهم بينما اليابانيين سعداء ومنفتحين تجاه هكذا تغييرات.
في تقرير MIT هذا العام، كُتب أنه “بعد تطوير الآلة بمنحها القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتجاوب معها قد نصل لمرحلة يكون فيها للآلة شعوراً خاصاً بها ولكن ذلك لا يجعلهم بشرا مثلنا”.
وبعد دخول الآلات لحيواتنا المهنية والعائلية ربما قد يكون فعلاً هذا هو زمن دخول الآلة لمساحاتنا الفردية والذاتية الأمر الذي قد يقود إلى كثير من التغييرات الاجتماعية ومن هنا يمكن الإشارة إلى نظرية “مارشال ماكلوهان” حول حتمية التقنية.
وأشارت د. نوف الغامدي إلى أن الدراسات ترسم مستقبل الذكاء الاصطناعي، فلقد توقعت ورقة بحثية في جامعة أكسفورد أن 47% من الوظائف في الولايات المتحدة هي في “خطر كبير” خلال العقدين المقبلين، كما أن جميع المناصب مهددة بالتهميش، بما في ذلك وظائف في مجال النقل والخدمات اللوجستية، والبناء والتعدين، وإعداد الطعام، وأعمال الشرطة، حتى بالنسبة للوظائف “عالية القيمة” مثل وظائف الأطباء والمحامين، وفِي ورقة بحثية جديدة من جامعة بوسطن وجامعة كولومبيا، ذكرت أن “الأجهزة الذكية” سوف تؤدي إلى انخفاض في حصة العمل ذات الدخل على المدى الطويل، كما خلُصت إلى أن الاعتماد على الاستثمار في مجال البرمجيات سيقل أيضاً بسبب الحاجة الأقل لتعليمات برمجية جديدة تشغل أجهزة الكمبيوتر، وبالتالي فرص عمل أقل حتى بالنسبة إلى المبرمجين أنفسهم.
ومن التجارب العالمية “الصين” التي في طريقها لأن تصبح الأكثر نجاحاً في الروبوتات، لأن تكاليف العمل ترتفع بسرعة كبيرة، كما أنها إما أن تزيد الإنتاجية من خلال التشغيل الآلي وإما أن هذا العمل سوف يتم في دولة أخرى مثل فيتنام أو كمبوديا أو البرازيل، فالصين أكبر سوق في العالم للروبوتات الصناعية في عام 2013، متخطية اليابان وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات IFR، ولديها نحو 30 روبوتاً صناعيًا لكل 10 آلاف عامل مصنع.
الروبوتات الصناعية لديها القدرة على تحسين جودة المنتج بدرجة عالية جداً من خلال الدقة المتناهية في تأدية العمل، وبالتالي حلت مشكلة لطالما أرقت علماء الاقتصاد وهي مستوى جودة السلع والخدمات.
الروبوتات الصناعية تنتج بوتيرة سريعة جداً حيث تعمل بسرعة ثابتة ودون توقف لراحة أو نوم أو إجازات، وبالتالي فهي تحل مشكلة زيادة الإنتاجية أيضاً، وبشكل خاص عند ارتفاع مستوى الطلب، مما يقلل من معدل التضخم الناشئ عن زيادة الطلب مع ثبات المعروض، إذا نشأ هذا الوضع بسبب التشغيل الكامل لعنصر العمالة.
لا تتطلب الروبوتات رعاية صحية أو تأمين اجتماعي، ولا تتطلب زيادة سنوية في الأجر، وبالتالي تقل التكاليف المادية التي يتكبدها صاحب العمل مما يؤدي إلى تحقيق الوفرة المالية، كما أنها تقلل من النفايات المادية الناجمة عن عمليات الإنتاج، وبالتالي تعمل على توفير الموارد الطبيعية وعدم إهدارها.
وتبلغ مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي ما يعادل 359.6 إلى 773 مليار دولار، في عام 2014 ، وأشارت دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي بعد توسيع نطاق استخدامه سيؤدي إلى زيادة الاقتصاد الدولي بما يعادل بين 1.49 و2.95 تريليون دولار، كما أن بعض التقديرات تشير إلى أرقام أكبر من ذلك بكثير، فالتقرير الصادر عن أكاديمية “برايس ووتر هاوس كوبرز” عن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الدولي ذكر أنها تصل إلى 15.7 تريليون دولار من الآن وحتى عام 2030، أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي للصين والهند معاً، مع الأخذ في الاعتبار أن قيمة الاقتصاد الكوني حالياً 74 تريليون دولار وسيزيد بنحو 14 في المائة بحلول عام 2030، والزيادة تنقسم إلى 6.6 تريليون دولار تأتي من ارتفاع معدلات الإنتاجية و 9.1 تريليون دولار زيادة نتيجة زيادة الجوانب الاستهلاكية في ضوء ارتفاع مستوى جودة السلع المنتجة.
وأوضح د. زهير رضوان أن أتمتة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل إلى ٥٠% بين الفئات المتوسطة والدنيا من الأيدي العاملة وهم أصحاب الوظائف التي لا تحتاج إلى خبرات علميه وتقنية عالية، وهذه الفئة من الأيدي العاملة عادة متوفرة لدى الشركات المتوسطة والصغيرة في العمليات الإنتاجية، مما يعني هيمنة الشركات الكبرى وإغلاق أو إفلاس الشركات الصغرى والمتوسطة.
وفي تصور د. مساعد المحيا فإن التقنية ستظل في خدمة الإنسان وينبغي أن يعمل من أجل كونها في خدمته، وكل ما قيل عن الروبوتات وقدرتها على تحقيق إنتاج أدق وأسرع وارد وجميل؛ لكن ما ينبغي أن ندركه أن مثل هذا كان هماً مقلقاً إبان الثورة التكنولوجية الثالثة وكان يقال بأنها ستقلص وستقضي على الأعمال والكفاءات البشرية وستسهم في نقص القوة العاملة.
في الحقيقة نجح هذا في إخراج وظائف من السوق لكنه صنع في السوق الكثير من الوظائف البشرية التي استطاعت أن تستوعب هذه التقنية وتستثمرها في عدد من الأعمال بل إن وظائف الاتصالات والمعلومات تعد اليوم هي الأكثر دخلاً في كثير من دول العالم.
الأمر الآخر أننا لسنا مجتمعاً صناعياً وانما مجتمع استهلاكي بامتياز ووجود مثل هذه الروبوتات يمكن أن تحقق لنا الكثير من الاحتياجات لكنها ستنتج الكثير من الوظائف؛ ومن ثم فقد لا يكون مؤكداً الحديث عن هذا التطور على أنه أزمة اقتصادية مقبلة وإنما هو باب واسع وكبير من أبواب رزق الله وفضله على عباده.
وتطرق أ. مسفر الموسى إلى أن الذكاء الاصطناعي اقتحم أيضاً مجال الصحافة على كافة أنواعها وفنونها.. فقد استطاعت “الواشنطن بوست” هذا العام إنتاج ما يقرب من الألف مادة صحافية بفضل ما يسمى حديثاً بتقنية الصحافي الالكتروني. ومثلها فعلت “الأسوشيتد برس” في تغطيتها للأعاصير التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية، كما ذهبت صحيفة “يو إس إيه تودي” إلى أبعد من ذلك وهي تستخدم البرمجيات في إنتاج مقاطع الفيديو دون أي تدخلات بشرية.
هذا الواقع الجديد في امتزاج الآلة والتقنية بالأعمال الفكرية الصرفة التي تحتاج إلى العقل البشري، قد يدخلنا في جدليتين. الأولى تتعلق بقضية الحياد الذي قد تضيفه الآلة للأعمال الصحافية وهي تعمل بلا مشاعر أو توجهات سابقة سوى تلك المدخلات والبرمجيات التي يمكن السيطرة عليها. القضية الجدلية الأخرى، هي إمكانية اضمحلال الإبداع البشري والإنساني فيما يتعلق بصناعة المحتوى، والتحول إلى فكرة النمذجة والمنتجات المتشابهة والمكررة، في الوقت الذي ستستأثر فيه الصناعة التقنية بالإبداع.
ومن جهتها ترى د. عبير برهمين أن ثورة الذكاء الاصطناعي من الأمور المحتومة والتي تتطور بسرعة هائلة نعجز كشعوب عربية عامة ومجتمع سعودي على وجه الخصوص على مجاراته. إننا كشعب مستهلك من الدرجة الأولى. وتطبيقات التقنية تلقى رواج كبير جداً في أوساط الشباب والذين يمثلون أكثر من ٦٠% من التركيبة السكانية. إلا أننا تفتقر إلى أبسط مقومات الثقافة في الاستهلاك وتوظيف التقنية للتطور العلمي. فما نبرع فيه إلى حد المنافسة الدولية هو الاستهلاك السطحي وتوظيف التقنية في الإساءة إلى الآخرين بدعوى الحرية. فالهوة واسعة بين تطور العقول الراقي وبين الاستهلاك السريع للتقنية. دور التعليم في وضعه الحالي قد يكون مثبطاً وليس محفزاً للإبداع والاختراعات. ففاقد الشيء لا يعطيه. نحتاج إلى مرونة أكبر في التعامل مع التقنيات وتوظيفها التوظيف الأمثل للرقي في مجال التعليم. تأهيل المعلمين بكل فئاتهم والرقي بعقولهم ضرورة قصوى. اقتصار الدراسة على السعوديين فقط وخاصة في الكليات الطبية والهندسية والتطبيقية يحد من المنافسة في مجال البحوث العلمية وخاصة في الأبحاث الجامعية والدراسات العليا. كما أن طرق تمويل البحوث العلمية الحالية عقيمة جداً. البحث العلمي ليكون محفزاً ومثمراً يجب أن يخصص له نسبة معينة من الدخل القومي إضافة إلى مرونة تحفيز القطاع الخاص للمشاركة. مؤسسات المجتمع المدني غير الربحية تحتاج إلى حرية ومرونة في تدريب وتأهيل وإذكاء روح المنافسة في مجال الاختراعات والدفع نحو عملية التصنيع بدل الاستهلاك. مدى انفتاح الشعب السعودي على الآخر مهم جداً للتطور التقني لأننا سنكون بحاجة للعقول والخبرات الأجنبية على الأقل في بداية تأسيسنا لنظام توطين التقنية وما نراه حالياً من تصاعد وتيرة العنصرية والكراهية والإساءة إلى الآخر قد يشكل عقبة كبيرة جداً.
وذهب د. حامد الشراري إلى أن متطلبات النهوض بالذكاء الاصطناعي تتمثل في:
1- استقطاب الكفاءات وتجنيسها إن أمكن.
2- توفير المعامل ومراكز البحوث تحت إشراف الجامعات التقنية والبحثية، وهذه المرحلة تعتبر مرحلة تأسيسية حيوية لتوطين وزراعة الذكاء الاصطناعي عند الجيل الحالي، والذي سيصبح محور من محاور الاقتصاد المعرفي الذي سيقود العالم خلال العقد القادم.
كذلك فإن الريادة العلمية ومنها الذكاء الاصطناعي تحتاج لتوفر منظومة متكاملة من المراحل التعليمية والتدريبية؛ أولها الإيمان بأهمية الابتكار والإنتاج، وتزدهر بتوفير التمويل والإشراف العلمي. ولعل نظام الجامعات الجديد، وما يتمتع به من استقلالية إدارية وعلمية سيوفر مراكز ومنصات بحثية متخصصة بالبحوث المتصلة بالذكاء الاصطناعي. يبقي الدعم المالي وتوفير الكفاءات بوصفها من المتطلبات اللازمة للنهوض بهذه النوعية من العلوم.
ومن المهم إيجاد قوانين دولية ذات علاقة بالتقنيات المتقدمة (الجرائم المعلوماتية، أمن المعلومات …) أسوة بالقوانين الدولية الأخرى كقوانين أعالي البحار، على أن تُضمن ضمن مهام الشرطة الدولية (الإنتربول)، ويمكن أن تقدمها المملكة كمقترح للأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى فإن من المتطلبات الرئيسة لمواكبة هذه الثورة والمساهمة فيها:
1- تأسيس علمي جيد مرتكز على (الرياضيات، الخوارزميات، علم المنطق والإحصاء..).
2- تعليم البرمجة ابتداء من لغة الآلة.. ولغات البرمجة الحديثة.
3- إيجاد مراكز للبيانات الضخمة التي سيكون لها دور في الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء …. عصر الثورة الصناعية الرابعة.
4- توطين تقنية وصناعة أشباه الموصلات.
5- والأهم استقطاب الشباب الشغوفين بالبرمجة وصقل مواهبهم وإعطائهم حوافز مشجعة للاستمرار في البرمجة التي تعتمد على القدرة الذهنية الفردية.
وهناك ضرورة لتحديث التشريعات التقنية الحالية بشكل دوري كل ثلاث أو خمس سنوات، وأيضاً البدء باستحداث تنظيمات وتشريعات تتوافق مع الثورة الصناعية الرابعة…لتكون محفز وجاذب لاستثمارات الشركات الأجنبية، والحماية من سلبياتها على المجتمع.
ومن وجهة نظر د. زهير رضوان فإنه وللاستفادة من الذكاء الاصطناعي لابد لنا أن نستخدمه لحل مشاكلنا في التطوير والجودة وخلافه …ولا نستورد الحلول بل نحن من يجدها …والابتكار هو رأس الحربة لحل هذه المشاكل. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ستيل جريج أوجز في مقال له في عام ٢٠١٢ أربعة فئات من الابتكار وهي:
- أولاً: البحث الأساسي (Basic research):وهو الأعمال أو البحوث التي تقوم بها الجامعات لاكتشاف كيفية عمل الأشياء.
- ثانياً: الابتكار المدعم (Sustaining innovation):وهو الابتكار الروتيني الذي يطور تدريجياً استجابة لمطالب العملاء والسوق أو تحديثات في التقنية.
- ثالثاً: الابتكار المزعزع( Disruptive innovation): ويقصد به الابتكار الذي يساعد على خلق شبكة سوق وقيمة جديدة بسببها يعطل شبكة السوق والقيمة الحالية وذلك بدثر التكنولوجيا السابقة مثل اختراع السيارات التي ألغت عربات الأحصنة كوسيلة مواصلات.
- رابعاً: الابتكار الخارق(Breakthrough Innovation ): وفي الحقيقة هو اختراع لأنه ينطوي على تحول نموذجي من أجل خلق شيء جديد تماماً مثل الهاتف الذكي أي فون.
وإذا بدأنا بالتركيز على البحث الأساسي في الجامعات والابتكار المدعم لتطوير ما لدينا ستكون خطوة جيده تمكننا من الانتقال إلى الابتكار الثالث وأيضاً الرابع.
وأكدت د. نوف الغامدي على أنه لابد من العمل على “بروتوكول الذكاء الصناعي” والعمل على خارطة طريق للتشريعات والسياسات التي يجب وضعها والقطاعات التي يجب التركيز عليها فيما يخص مستقبل الذكاء الاصطناعي. ويؤسس البروتوكول بيئة بيانات ضخمة متكاملة وآمنة إلكترونياً لتحفيز الثورة الصناعية الرابعة ومواجهة تحدياتها مع مشاركة البيانات على نطاق واسع وربطها بالذكاء الاصطناعي بالتوازي مع تطوير سياسات وتشريعات لحوكمة القطاعات الجديدة والمواضيع المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة وضمان الخصوصية لأفراد المجتمع.
والسؤال: هل نحن جاهزون للمستقبل؟ هل نحن جاهزون للدخول في عصر الذكاء الإلكتروني من خلال المشاريع الضخمة كـ “مشروع نيوم”؟ لابد من التأكد من جاهزيتنا للمستقبل من خلال العمل على معايير ومؤشرات واستراتيجية المستقبل لتطوير البرامج والسياسات وأطر العمل الكفيلة بإعداد الجهات الحكومية لتحديات المرحلة المقبلة التي ستترتب على توسع انتشار تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
ومن خلال تجربة فنزويلا في وزارة الذكاء الاصطناعي لم يكن مشروع الوزير والشاعر الفنزويلي لويس ألبيرتو ماتشادو إنشاء وزارة لتعليم الذكاء في بلاده ناشئاً عن خيال شعري، بل عن حقيقة علمية فالذكاء ليس عاملاً وراثياً، بل بالإمكان تعلّمه! هذه الوزارة مهمتها الوحيدة هي البحث عن الأذكياء واكتشاف مهاراتهم وتشجيعهم ودعمهم مادياً ومعنوياً.
وحول مدى جاهزيتنا للدخول في عصر الذكاء الصناعي ترى أ. د فوزية البكر أنه علي أرض الواقع وخاصة في التعليم العام ورغم المحاولات المضنية لوزارة التعليم إلا أن واقع البنية التحتية للمدارس ودرجة إعداد وتدريب المعلمين تقصر تماما حتى عن تأدية مهامهم اليومية العادية فكيف بإعداد الأجيال لعصر المستقبل الالكتروني. الوزارة الآن تحاول تنفيذ التعليم الالكتروني في ١٥٠٠ مدرسة كمرحلة أولي عبر بوابة المستقبل الالكترونية لكن المعوقات أكبر، وربما التعليم الجامعي أفضل نسبياً.
هذا الوضع ستنجم عنه مشكلات إنسانية بعيدة المدي من انتشار البطالة والفراغ وعدم الإحساس بالجدوى لدي العامة من العاملين وليس العلماء المشغولون في معاملهم بمحاولة زيادة كفاءة إنتاج الروباتز.
ومن وجهة نظر م. حسام بحيري فإن الاستثمار بشكل متوسع في قطاع التعليم التكنولوجي أصبح ضرورة ملحة؛ فمنذ بدايات دخول الانترنت في عصرنا ركز قطاعين رئيسين وهما البنوك والشركات الكبرى على الاستثمار في أبحاث الذكاء الصناعي. البنية الأساسية التعليمية كانت دائما تأتي من الجامعات والمعاهد المتخصصة ولكن البحث والتطوير معظمه يأتي من القطاع الخاص ليتمكنوا من زيادة حصصهم السوقية من خلال فهم متطلبات المستهلك.
وأكد أ. د حسنين البرهمتوشي على ضرورة أن نعمل في عدة محاور متكاملة وهي:
- أولاً: إعداد كفاءات محلية.
- ثانياً: تجهيز شركات تقنية تهتم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
- ثالثاً: رسم خارطة طريق تحدد أولويات التطبيقات والصناعات التي نبدأ بها.
- رابعاً: رسم سياسات تعاون مع مؤسسات عالمية عملاقة في التقنيات.
- خامساً: صياغة هذه المحاور في مشروع وطني أو قومي يهدف إلى اللحاق بركب هذه الثورة التقنية.
وهذه المحاور يجب تنفيذها من الآن بآلية متوازية. بالتأكيد الجامعة مكون في قمة الأهمية، أو بمعنى آخر الجهة المستفيدة التي تحتاج البحث هي من تمول الجامعة لإجراء البحث. كذلك هناك ضرورة لوجود مشروع وطني يجتمع عليه أهل التخصص مع وجود سياسة وطنية لتحفيز العلماء المتميزين (خبراء الذكاء الاصطناعي) في جامعاتهم البحثية لا أن تتخطفهم الشركات العملاقة.
وحول ما يجب عمله لمعالجة نمطية النظرة السلبية والمتشائمة تجاه التطور التقني وتأثيره على معائش الناس وظروف حياتهم، وتحفيز الناس على التفاعل الإيجابي مع هذه التوجهات وغرس هذه المفاهيم في أذهان الأطفال، يرى أ. سمير خميس أن البذرة الأولى تكون في مناهج ومقررات التعليم العام، وفتح مسارات خاصة لهكذا تقنية في التعليم العالي.
كوريا وألمانيا ومؤخراً إسبانيا بنت تفوقاً تقنياً من الاهتمام بالهندسة الإلكترونية ثم انطلقت إلى آفاق أرحب انعكست على شعوبهم التي ربما بدأت تنسى معنى كلمة بطالة.
الصعوبات جمة وتكاد تكون مستحيلة لكن الرؤية وبعض المشاريع الحديثة كنيوم وغيرها قادرة على صنع واقع جديد إن صدقت النيات وصلحت العزائم. أيضاً فإن تغير كبير كهذا ننشده لا بد له من تغير في بنية المجتمع الثقافية والذهنية؛ نحتاج مجتمع يتحرر من سلطة القبيلة والتراث وما إلى ذلك من قيود.. فالواضح أن مؤسسات الدولة تتجه إلى التحديث في الوقت الذي يرتكس فيه المجتمع إلى عكسه والأمثلة على ذلك كثيرة يطول ذكرها. وليس هذا تبرئة للحكومة واتهام للمجتمع أو العكس بقدر أهمية الخطوات التي يجب أن تكون متقاربة ما أمكننا إلى ذلك سبيلاً.. كي لا نصحو ونحن نرتدي قشرة الحضارة فيما الروح جاهلية.
وأكد م. خالد العثمان على أن أي استراتيجية لابد أن تأخذ في اعتبارها مختلف أطراف العلاقة.. وهنا لابد من تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. نحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة تتبنى خطط مرحلية قصيرة المدى ومتوسطة وطويلة المدى، مع تحديد المخرجات المستهدفة لكل مرحلة، والموارد المطلوبة لتنفيذها، ومعايير قياس تحقيقها.
بينما يرى د. مشاري النعيم أن هناك اشكالية في التعليم بالفعل، لكن المشكلة لا تكمن في المناهج ولا الفصول الدراسية ولا حتى في كفاءة الأساتذة إنها تكمن في حرية الأفكار التي تطرح في الجامعة أولا وفي قدرة مؤسسات الدولة على تحمل الأفكار الحرة.
ربما أغلبنا له أبناء درسوا في جامعات في الخارج وربما لاحظ أن المعلومات التي تقدم هناك ليست خارقة أو لا يمكن الإتيان بمثلها، لكنه لاحظ كذلك مناخ التفكير الحر الذي يشكل فلسفة التعليم هناك وهذا الأمر الذي يصعب خلقه في مجتمعنا.
يضاف إلى ذلك وجود مناخ التفكير العملي البراجماتي الذي يربط الأفكار بمنجزات الصناعة وهذا الترابط هو الذي يجعل الطالب يشعر أن النظريات ممكن أن تتحول إلى واقع في يوم وهذا يصعب جداً تحقيقه لدينا. التعليم لا يكفي وحده إذا لم يتبعه حرية في التفكير ومقدرة على تجريب الأفكار.
التوصيات المقترحة
أولاً: تحديث الآلية التنظيمية:
1- استحداث هيئة حكومية تحت مسمى (تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي) تساهم في تطوير القطاعات المختلفة بالدولة وتأهيلها لاستقبال ضرورات الذكاء الاصطناعي ويوكل إليها الإشراف والمتابعة والاستقطاب والمشاركة مع جميع القطاعات العامة والخاصة، محلية أو دولية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
2- تدريب موظفي الحكومة من خلال إشراكهم في دورات متخصصة في علم البيانات data science وذلك لمعرفة كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
3- توفر البنية التحتية التي تؤهل الوطن ليصبح رائداً في هذا المجال.
4- إصدار قوانين بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي.
ثانياً: تطوير المنظومة الأكاديمية والاجتماعية:
1- تبني مادة مستقلة للذكاء الاصطناعي في المدارس والجامعات، لتأهيل الطلاب المتفوقين المقبولين للجامعات خلال السنوات العشر المقبلة الذين يملكون الفهم الحسي والمهارات اليدوية.
2- بناء كفاءات علمية متخصصة في هذا المجال والاهتمام بعلوم الحاسب الآلي وتشجيع المواطنين على دراسة هذا التخصص لخلق قاعدة من الكوادر البشرية المتخصصة.
3- توفير البيئة الأكاديمية والبحثية المحفزة لاستدامتها، مع التركيز على تطوير العنصر البشري وخلق منظومة متكاملة لدعم وتطوير وتوظيف الكفاءات الشابة.
4- تنمية وتطوير الكفاءات العلمية المتخصصة، والقدرات المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي.
5- إعادة هندسة مستقبل التعليم في الجامعات عبر التكنولوجيا الذكية والابتكار والبحث العلمي.
6- تكاتف وتضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والتعليمية والإعلامية للتوعية المجتمعية بأساسيات هذا المجال لخلق المواطن الرقمي القادر على التعامل مع مثل هذه التقنيات.
7- خلق ثقافة الذكاء الاصطناعي لدى فئات المجتمع لتسهيل انتشار استخدام التطبيقات التي تعتمد على هذه التقنيات.
8- ترسيخ فلسفة التعلم مدى الحياة لمختلف فئات المجتمع وفق أعلى معايير الجودة.
ويضاف إلى ما تقدم التوصيات التالية:
1- أهمية إيجاد قوانين دولية ذات علاقة بالتقنيات المتقدمة (الجرائم المعلوماتية، أمن المعلومات …) أسوة بالقوانين الدولية الأخرى كقوانين أعالي البحار، على أن تُضمن ضمن مهام الشرطة الدولية (الإنتربول)، ويمكن أن تقدمها المملكة كمقترح للأمم المتحدة.
2- توفير المتطلبات الرئيسيّة لمواكبة هذه الثورة والمساهمة فيها تشمل:
أ. تأسيس علمي جيد مرتكز على (الرياضيات، الخوارزميات، علم المنطق والإحصاء..).
ب. تعليم البرمجة ابتداء من لغة الآلة.. ولغات البرمجة الحديثة.
ج. إيجاد مراكز للبيانات الضخمة التي سيكون لها دور في الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء …. عصر الثورة الصناعية الرابعة.
د. توطين تقنية وصناعة أشباه الموصلات.
ه. استقطاب الشباب الشغوفين بالبرمجة وصقل مواهبهم وإعطائهم حوافز مشجعة للاستمرار في البرمجة التي تعتمد على القدرة الذهنية الفردية.
و. تحديث التشريعات التقنية الحالية بشكل دوري كل ثلاث أو خمس سنوات، وأيضاً البدء باستحداث تنظيمات وتشريعات تتوافق مع الثورة الصناعية الرابعة…لتكون محفز وجاذب لاستثمارات الشركات الأجنبية، والحماية من سلبياتها على المجتمع.
3- لابد من العمل على “بروتوكول الذكاء الصناعي” والعمل على خارطة طريق للتشريعات والسياسات التي يجب وضعها والقطاعات التي يجب التركيز عليها فيما يخص مستقبل الذكاء الاصطناعي.
4- وأخيراً فإن من الضروري العمل على عدة محاور متكاملة وهي:
- أولاً: إعداد كفاءات محلية.
- ثانياً: تجهيز شركات تقنية تهتم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
- ثالثاً: رسم خارطة طريق تحدد أولويات التطبيقات والصناعات التي نبدأ بها.
- رابعاً: رسم سياسات تعاون مع مؤسسات عالمية عملاقة في التقنيات.
- خامساً: صياغة هذه المحاور في مشروع وطني أو قومي يهدف إلى اللحاق بركب هذه الثورة التقنية.
المحور الثاني
الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. من الهيمنة إلى المنافسة
الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
من المؤكد أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص أحد المكونات الرئيسة لبرنامج التحول الوطني، الذي يهدف إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص من 40% من الناتج المحلي عام 2016 إلى 65% عام 2030 ، وفِي تقرير صدرّ عن بيت التمويل الكويتي، فإنّ اجمالي قيمة مشاريع البنى التحتية التي منحتها حكومات دول مجلس التعاون خلال تلك الفترة في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص بلغ 628 مليار دولار، ومثّلت الإمارات والسعودية أكبر سوقين لنماذج الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص خصوصاً في مشاريع البُنى التحتية كالطاقة والمياه وبدرجة أقل في الكويت مما يؤكد أننا نعيش مرحلة هيكلة كبيرة لهذا القطاع، حيث أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تهدف للارتقاء بجودة الخدمات، وتنمية دخل الجهات الحكومية، والاستفادة من كفاءة القطاع الخاص، وقدراته المالية والفنية وبالتالي إزاحة عبء التمويل على الدولة ومشاركتها في المخاطر.
إن قطاع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المملكة تبلغ إجمالي قيمة استثماراته 160.9 مليار ريال (42.9 مليار دولار أمريكي) حسب تقرير مشترك نشرته شركة “جونز لانج لاسال إنكوربوريتد، جي إل إل” ومؤسسة “دلا بايبر”، ورغم ضخامة هذا القطاع ومستقبل الاستثمار فيه إلا أن الدولة بحاجة إلى أن تكون أكثر حرصاً في اختيار مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ وذلك من أجل تحقيق أهدافها الاقتصادية، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وعليها أن تنشئ مجموعة من المشاريع التي تعزّز من جاذبيتها للرعاة، وينبغي أن تركز أيضا على قطاعات محددة تتيح الفرص الأكبر للتعاون بين القطاعين العام والخاص. ويشمل ذلك قطاعات الضيافة، والنقل والمواصلات، والتعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، وإرساء بيئة مواتية لنموذج الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتجنب المشاريع المعقدة.
وبالنظر للقوانين المقارنة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، تخضع الجهات الحكومية المشمولة في الموازنة العامة لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعد ممثلة للقطاع العام في إطار الشراكة، وتتراوح عادة المدد الزمنية للمشاريع ما بين 15 عام وكحد أقصى 30 عام، يبدأ من توقيع عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص وليس منذ إكمال التجهيز والبناء ومن ثم البدء بالانتفاع بالمشروع، بنظام الـ Bot وهوّ اختصار لــ BUILD, OPERATE & TRANSFER، أو نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية وما نسميه البيع بحق الانتقاع، أو الـ PPP public-private-partnership ، وتعطي القوانين المقارنة صلاحية مقيدة للجهة الحكومية المشرفة على عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص مشروطة بتكوين لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تضم أعضاء يسميهم رئيس الجهة المعنية بالمشروع؛ وفي حال المشاريع التي تتجاوز تكاليفها الإجمالية حداً معيناً، تضم اللجنة ممثلاً من وزارة المالية. وتكون هذه اللجنة بمنزلة مجلس إدارة انتقالي للمشروع، وبالتالي لا يتطلب ذلك إنشاء جهة حكومية جديدة للقيام بأعمال اللجنة المعنية. وفي المملكة المتحدة التي تعتبر رائدة في هذا المجال، لم تخصص جهة حكومية مستقلة لإدارة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
قد تمثل أكبر التحديات التي قد تعترض تنفيذ أنظمة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في اعتراض نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الذي يتضمن عدد من المتطلبات بخصوص شروط العطاءات، والجداول الزمنية، وشروط العقود، التي لا تتلاءم بسهولة مع عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي المقابل، الأساس في عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تمنح الجهة الحكومية درجة من المرونة لتحديد شروط العطاءات والعقد على أساس كل حالة على حدة، والمعيار الرئيس للترسية هو العطاء الأكثر ملاءمة من الناحيتين المالية والفنية، وللجهة الحكومية حرية التصرف لتحديد تفاصيل ذلك، بما يشكل الموازنة بين المعايير الفنية والمالية، في مستندات العطاء. ومن أبرز خصائص عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص ربط التعرفة بمؤشر أسعار indexation، وهو لا يتوافق أبداً مع نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الذي يعطي هامشا بسيطا لتغيير قيمة العقد.
وبالنسبة للحصص التي يجوز للجهة الحكومية تملكها فليست هناك مستويات محددة، فهناك بعض الآثار للتكييف النظامي لشركة المشروع، واحتمال التعامل معها كـ “شركة حكومية”، وهذه المسألة تتطلب المزيد من الاعتبارات التفصيلية للتكييف النظامي في حالة ممارسة أي جهة حكومية لهذا الخيار وذلك على خلاف القوانين الإقليمية الأخرى للشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لا يفرض أي متطلبات بشأن تقديم جزء من شركة المشروع للعامة من خلال طرح عام، على الرغم من أنه بالطبع إذا كانت للجهة الحكومية حصة محددة فإن ذلك يتيح احتمال طرحها للتداول عند مرحلة معينة في المستقبل.
وهناك فرق لابد أن نوضحه بين مفهوم الخصخصة ومفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فالخصخصة تعني تنازل أو بيع الحكومة لأصول تملكها للقطاع الخاص بهدف تحسين الأداء وخفض التكلفة والأسعار، أما الشراكة فتعني تنازل القطاع الخاص عن أصول قام بتأسيسها للحكومة مقابل مزايا تغطي كلفة التأسيس مع هامش ربح، وبهدف توفير خدمات معينة وبجودة أفضل وكلفة أقل، والاثنين يهدفان إلى تقديم الخدمات التي تقع ضمن مسؤوليات وواجبات الدولة؛ كخدمات الصحة والتعليم والمطارات والمياه والصرف والطرق، بجودة أعلى وكلفة أقل، من مشاريع الخصخصة لدينا مثلاً: بيع الحكومة لجزء من أصولها في شبكات الاتصالات، والخطوط السعودية، وشركات سابك والكهرباء وغيرها… أما الشراكة فمن أمثلتها صالات الحجاج في مطار جدة، وبناء مطار المدينة المنورة وإنشاء محطة تحلية مياه مطار جدة وغيرها.
إن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لا تجدي فيما هو في الأصل من أنشطة القطاع الخاص الربحية، لأن ذلك سيحول الشراكة إلى منافسة من قبل الحكومة للقطاع الخاص، وهذا مفسدة ومضرة للقطاع الخاص والمجتمع بشكل عام، ومآله في النهاية تردي الخدمات والمنتجات، لأن الأجهزة الحكومية ستستخدم سلطاتها في الحصول على امتيازات واستثناءات لن يحصل عليها بقية منافسوها من القطاع الخاص، ومن غير المنطقي دخول أجهزة الدولة بحجة الشراكة أو تنويع مصادر الدخل في المجالات التي يحسنها القطاع الخاص، ولديه القدرة على تمويل تأسيسها وإدارتها، وأن يقتصر دخول الحكومة على المجالات التي لا يستطيع القطاع تأسيسها مثل الصناعات البتروكيماوية، أو في مجال تأسيس البنى التحتية كالمطارات والخطوط الحديدية والطرق والجسور وبهدف توفير الخدمة وليس التربح أو الحصول على دخول إضافية لخزينة الدولة، بل العكس وهو أن الحكومات في الأصل تدفع لشركائها من القطاع الخاص مقابل الخدمات التي سيقدمها مشروع الشراكة من خلال تنازلها عن جزء من الرسوم التي يتم تحصيلها من تشغيل المشروع طول فترة عقد الشراكة.
وأخيراً؛ إن التدفق الحالي للمشاريع يعكس رغبة القطاع الخاص في دخول الشراكات بين القطاعين العام والخاص وعدم وجود بيئة قانونية منظمة؛ حيث تتم الشراكات عبر التعاون التلقائي بين الجانبين، إلا أن هناك حاجة وضرورة لأن يتم تطوير الإطار التنظيمي السعودي من أجل تحقيق نمو أكبر في الشراكة بين هذين القطاعين، ولا يتوقف نجاح الشراكة على التشريعات والأنظمة فحسب وإنما لابد من خلق روابط بينها وبين مفهوم الحوكمة فكلاهما له أبعاد متعددة ذات جوانب إدارية وقانونية واقتصادية واجتماعية تلتقي في نقاط مشتركة مستندة إلى مبادئ الشفافية والافصاح والمساءلة والحقوق المتساوية لأصحاب المصلحة وتحديد المسؤوليات من أجل رفع كفاءة استخدام الموارد وتعزيز القدرة التنافسية.
التعقيب الأول: د. ناصر القعود
هناك ارتباط بين موضوع الخصخصة وموضوع شراكة القطاعين العام والخاص، وبدأ الاهتمام بهما في الربع الأخير من القرن الماضي.
زاد الاهتمام بشراكة القطاعين العام والخاص في الوقت الحاضر من قبل العديد من الدول المتقدمة والنامية؛ لما تتطلبه مشاريع البنية الأساسية والخدمات العامة من استثمارات كبيرة في ضوء العدد المتزايد من السكان وعدم قدرة الميزانيات الحكومية على توفير التمويل اللازم فضلا عن الاستفادة من قدرات القطاع الخاص بتوفير الخدمة بجودة أعلى وتكلفة أقل.
في الاتحاد الأوربي، وعلى مدى العقدين الماضيين، تم التوقيع على ما يزيد على ١٤٠٠ شراكة بين القطاعين العام والخاص برؤوس أموال تبلغ ٢٦٠ مليار يورو.
وقد ركزت رؤية ٢٠٣٠ على زيادة دور القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي كما ورد في ورقة د. نوف. وتناولت وثيقة برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠ تحفيز القطاع الخاص لمزيد من المشاركة في مختلف القطاعات الاقتصادية وتم التأكيد على ذلك في ميزانية ٢٠١٨ وتخصيص ٧٢ مليار ريال لتحفيز القطاع الخاص. إضافة إلى البرامج المنتظرة: برنامج ريادة الشركات الوطنية وبرنامج التخصيص وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
وقد أُقيم في المملكة أكثر من ١٨ مشروع على أساس المشاركة بين القطاعين العام والخاص في مجالات الإسكان والطاقة والنقل وغيرها بلغت استثماراتها ما يزيد على ١٦٠ مليار ريال، واستحوذ قطاع الإسكان على ٥٤ في المائة منها، يليه قطاع النقل ب٣٧ في المائة. وبالمثل تبنت عدد من الدول العربية مشاريع وفق هذا الأسلوب، في مقدمتها الإمارات والمغرب والجزائر.
ولبيان مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ذكر دليل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الصادر عن برنامج التعاملات الالكترونية الحكومية ” يسّر ” أن ” الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي اتفاقية بين جهة حكومية وشريك خاص لاقتسام المخاطر والفرص في العمل التجاري المشترك الذي ينطوي على تقديم الخدمات العامة “.
وقد أوضحت البوابة الرسمية لحكومة الإمارات مفهوم الشراكة بأن الشراكة تستند على ترتيبات تعاقدية بين واحدة أو أكثر من الجهات الحكومية وإحدى شركات القطاع الخاص في مشروعات معينة يتم بمقتضاها قيام الشريك الخاص بإمداد الحكومة بالأصول والخدمات التي تقدم تقليديا من القطاع العام بصورة مباشرة، وتشمل هذه الترتيبات التعاقد الخارجي كما تشمل نقل أو مشاركة الإدارة أو عملية اتخاذ القرار، وبحيث يكون للقطاع الخاص الدور الأكبر في تخطيط وتمويل وتصميم وبناء وتشغيل وصيانة الخدمات العامة. وقد تأخذ الشراكة صورا تعاقدية وفق أحد النماذج التالية:
- عقود الخدمة، عقود الإدارة، عقود الايجار أو عقود الامتياز.
- البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT.
- البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية BOOT.
- البناء والتملك والتشغيل BOO.
والهدف الأساس من الشراكة بين القطاعين العام والخاص تحقيق اقتصاد مستدام يستند على المعرفة والخبرة والتنافسية ويؤدي إلى منتجات بجودة أعلى وبتكلفة أقل.
ومن ذلك يتضح أن الحكومة أو القطاع العام ليست منافسة للقطاع الخاص بل محفزة له ومشجعة على زيادة استثماراته. وما يثار من البعض عن منافسة استثمارات صندوق الاستثمارات العامة لاستثمارات القطاع الخاص ليس دقيقا فالصندوق ليس له علاقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمفهوم الموضح أعلاه؛ فالصندوق له أهداف متوسطة وطويلة المدى ومن أهدافه تحقيق الربح رغم أنه مملوك للحكومة وأحد أذرعها الاستثمارية، وقد يكون شريكا استراتيجيا للقطاع الخاص في المشروعات الهادفة إلى الربح.بينما مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص تركز على البنية الأساسية والخدمات العامة المتوقع من الحكومة تقديمها ولا تهدف الحكومة منها إلى الربح بل توفير الخدمات العامة بشكل يحقق الجودة ويخفض التكاليف من جراء قيام القطاع الخاص بإنتاجها.
التعقيب الثاني: م. خالد العثمان
أتفق مع كثير مما ورد في ورقة د. نوف حول هذا الموضوع الهام، لكنني أيضا أختلف مع قليل مما تضمنته، وأود كذلك تسليط الضوء على بعض الإضافات التي لا تنتقص من كفاءة الورقة. وأورد كل ذلك في النقاط التالية:
- الشراكة بين أي طرفين أو أكثر تعني التوازن في العلاقة، وهو ما يتسم بالحساسية في حال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، خاصة عندما يكون القطاع العام فاقدا لفهم المعنى الحقيقي للشراكة ومتمسكا بدوره السلطوي القائم على النفوذ، وكذلك عندما يكون القطاع الخاص متمسكا بحالة التوحد والتحفظ وغياب روح المبادرة والمغامرة نتيجة التشبع المالي. هذا الواقع بكل أسف هو ما يتسم به توصيف القطاعين العام والخاص في المملكة، وهو ما يعمق شرخ الثقة الهائل الحاصل بين الطرفين. وبالتالي فلا سبيل إلى تحقيق توسع فعال في تطبيقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلا بجسر هذا الهوة ومعالجة هذا الشرخ، وتنازل كلا الطرفين عن مفاهيمهما العقيمة المكبلة، وتبني نظم وهياكل أثبتت نجاعتها وفعاليتها في تجارب عالمية أخرى كثيرة، وأشير هنا بوجه الخصوص إلى التجربة البولندية التي حققت نجاحات مهمة، إلى جانب التجربة البريطانية الأسبق التي أشارت إليها كاتبة الورقة.
- رقم 628 مليار دولار لحجم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دول مجلس التعاون الذي ورد في الورقة أجدني مضطرا للتشكيك فيه وعدم تصديقه. أكاد أجزم أن هذا الرقم مبالغ فيه بشكل صارخ وربما تنقصه فاصلة عشرية في مكان ما. والأغلب أن هذه الأرقام تأتي من مصادر حكومية في ظل غياب مصادر موثوقة للمعلومات، والأغلب كذلك أنها تتضمن صنوفا مختلفة من التعاقدات بين القطاعين العام والخاص لا تندرج بطبيعتها ضمن تصنيف الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبعيدا عن تعميم الأرقام على مجلس التعاون كله، فإنه من الضروري تبني إعداد دراسة شاملة عن واقع هذا السوق وتجاربه السابقة وما حققه من نجاحات وإخفاقات وعوائد حتى يمكن البناء عليها وأخذ العبر منها لتطوير نماذج فاعلة وناجحة للشراكة، هذا أن آمنت الدولة أن هذه الشراكة هي السبيل الأمثل والأهم لتحقيق المضامين الطموحة في رؤية 2030 وبرامجها المتنوعة.
- نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاصPPP متعددة وكثيرة ولا تنحصر فقط في نموذج البناء والتشغيل والنقل BOT. صحيح أن هذا النموذج هو الأكثر شيوعا في التجارب العالمية، لكن من الضروري دراسة وفهم النماذج الأخرى الكثيرة والمتنوعة، والتي كثيرا ما يكون بعضها أكثر جدوى وفعالية وسهولة في التبني بالنظر إلى التباينات المختلفة في تعقيدات المشاريع، والأدوار المتوقعة من طرفي الشراكة، والعديد من العوامل الأخرى. من تلك النماذج دون تفصيل مثلا أنظمةBLT ، BOOT ، BOO ، BTO وغيرها الكثير من النماذج .
- دائما ما نصل في أي نقاش يتعلق بالتنمية في المملكة إلى أن نظام المنافسات الحكومية بشكله الحالي يمثل العقبة الأكبر في سبيل نجاح مشاريع التنمية، وهذا الحال ينطبق على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لن أفند هنا مشاكل النظام، لكني أقول إن هناك فرصة مواتية جدا لتفعيل دور المركز الوطني للتخصيص لإدارة منظومة هذا القطاع بعد فصله تماما عن الإطار التنفيذي لنظام المنافسات الحكومية. وفي ظني الأكيد أن العقلية التي تعمل بها وزارة المالية والتي يسيطر عليها فكر حماية المال العام لن يمكنها أبدا من إدارة ملف الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمفهوم المتوازن الذي أشرت إليه في بداية هذا التعقيب.
- إن الغرض من تبني منهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليس فقط النفاذ الحكومي إلى مصادر التمويل، ولا يجب أن يكون هذا هو الهدف وإلا لخضع الجانب الحكومي إلى ابتزاز الجانب الخاص الممول. الغرض الرئيس والأهم من هذه الشراكة هو النفاذ إلى الخبرات المتخصصة التشغيلية والإدارية والفنية المتراكمة، إلى جانب المشاركة في المخاطر والتمويل للعناصر الربحية وغير الربحية في تلك المشاريع. كما أنه من الضروري التوصية بأن لا تسعى الحكومة دوما إلى البقاء كشريك في تلك المشاريع، بل إنه من الضروري تبني نماذج الشراكة المتناقصة التي تتخارج فيها الحكومة تدريجيا من الشراكات بعد أداء أدوارها الداعمة التأسيسية، وذلك لضمان تحرير تلك المشاريع من تأثيرات الإدارة البيروقراطية الحكومية وتفعيل فكر ودور القطاع الخاص في الإدارة التشغيلية لتلك المشاريع.
المداخلات حول القضية
أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن ما تطرقت إليه الورقة الرئيسة من وجوب زيادة مشاركة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 65 % انطلاقا من النسبة الحالية التي تقف الآن عند نسبة ال 40 %، يعد أمر من الضروري السعي إليه للنيل من مكتسبات وطنية مبتغاة.
ومسألة الشراكة التي يؤمل دوما أن تصل إلى نجاح اقتصادي محققا لمسيرة اقتصادية ذات أهداف وخطط استراتيجية مرسومة، لابد في الواقع أن يبنى أو يستند ذلك على ترتيبات تعاقدية بين واحد أو أكثر من الجهات الحكومية، وإحدى منشآت القطاع الخاص من خلال مشروعات معينة، ليتم بمقتضاها قيام الحكومة بالأصول والخدمات.
وتشمل هذه الترتيبات الصور المبسطة للتعاقد الخارجي، أو قد تمتد لتشمل نقل أو مشاركة الإدارة، أو عملية صنع القرار، وبحيث يكون للقطاع الخاص دوراً أكبر في تخطيط، وتمويل، وتصميم، وبناء وتشغيل وصيانة الخدمات العامة.
ويتوقف شكل التعاقد بين القطاعين العام والخاص على المهام التي يتولاها القطاع الخاص، وحجم المشاركة بين القطاعين في أطر عدة تشمل:
- تصميم المشروع.
- تمويله.
- تشييده.
- تشغيله وصيانته.
وبناء على ذلك، تقوم الحكومة بتحديد أي من تلك المهام التي سيتولاها القطاع الخاص لتنشأ بمقتضاها صورة تعاقدية، يمكن تنظيمها وفق أحد الأشكال التالية:
- عقود الخدمة.
- عقود الإدارة.
- عقود الإيجار.
- عقود الامتياز.
- البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT).
- البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية (BOOT).
- البناء والتملك والتشغيل (BOO).
- البيع المباشر، أو من خلال بيع الأسهم في الأسواق المالية، أو البيع للعاملين والإدارة.
وهنا يبرز تساءل مهم للغالية وهو: لماذا يكون هناك شراكة بين القطاعين العام والخاص؟
الاجابة هي، أن الشراكة تهدف إلى خدمة الدولة عامة من خلال الاستراتيجية العامة التي رسمتها في خططها العامة الرامية إلى تحقيق اقتصاد مستدام، يستند على المعرفة، والتنافسية والخبرة، والتنوع، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والوصول إلى نتائج ومخرجات أفضل مما يستطيع أن يحققه كل فريق بمفرده.
كما تساعد الشراكات على إبراز دور الحكومة في التركيز على رسم السياسات والاستراتيجيات لقطاع البنية الأساسية، ومراقبة مقدمي الخدمات وتنظيمها، إضافة إلى توفير رأسمال القطاع الخاص ومعارفه وخبراته في إدارة المشاريع، مما يسهم في تقليل المدد الزمنية لتنفيذها، وخفض تكلفة الخدمات وتحسينها.
ومن الأهداف الأخرى:
- جذب وتنشيط الاستثمارات الوطنية، والإقليمية، والأجنبية.
- تحقيق قيمة أفضل مقابل النقود فيما يتعلق بالإنفاق العام.
- تشجيع القطاع الخاص على المشاركة والابتكار وتعزيز النمو الاقتصادي في الدولة.
- توفير فرص عمل جديدة.
- تخفيض وطأة الإنفاق والتمويل الحكومي، ومشاركة المخاطر مع القطاع الخاص.
وحول السؤال المطروح من جانب د. مشاري النعيم: هل القطاع الخاص لدينا بشكله الحالي مؤهل لقيادة الشراكة مع القطاع الحكومي؟ وهل يمتلك القطاع الحكومي رصيد من الشفافية تجعله مصدر ثقة للقطاع الخاص؟
يرى م. خالد العثمان أنه في الوضع الحالي كلا الطرفين بحاجة ملحة لتطوير المفاهيم والقناعات تجاه الشراكة بينهما. والحقيقة أن القطاع الخاص السعودي عموما يغلب عليه نمط العمل الفردي والعائلي، والشراكات حتى بين شركات القطاع الخاص ليست النموذج الأغلب. وفي نمط عمل القطاع الخاص هناك نزعة شائعة للسلطوية في التحكم والإدارة وتتسع لممارسة المركزية في أحيان كثيرة؛ هذا النمط يرفض فكرة الشراكة من الأساس وحتى إن تقبلها يصطدم بتنازع الاختصاصات وتناقض الرغبات والاهتمامات. أيضا فإن ظاهرة نقص المؤسسية في عمل القطاع الخاص هي أحد أهم عقبات تفعيل الشركات عموما والشراكة مع القطاع الحكومي خصوصا.
وباعتقاد د. عبد الله بن صالح الحمود فإن الأجهزة الحكومية ومن رأس الهرم أضحت مؤخرا تتبادل شيء من الرؤى مع القطاع الخاص، وهو أمر ليس بجديد، إنما ما يحدث لا يعد طموح قطاع يعد شريك كبير في الناتج المحلي الإجمالي.
لكن م. خالد العثمان أشار إلى أن الرؤية كلها تمت صياغتها في البداية بمعزل عن القطاع الخاص.. بعد ذلك بدأ شيء من استدعاء أفراد من القطاع الخاص للمشاركة في بعض ورش العمل لكنها في الغالب كانت دعوات على سبيل رفع العتب وليس لاستقطاب مشاركة حقيقية في وضع الخطط والبرامج.
في المقابل لا يوجد حراك مؤسسي منظم من القطاع الخاص في هذا الاتجاه.. معظم القائمين على الشركات المؤثرة في القطاع الخاص متشبعون مترهلون لا يهمهم كثيرا تحمل مخاطر في التغيير.. أو أنهم ببساطة يفتقرون إلى الاحترافية اللازمة لتحقيق أي أثر ملموس.
وفي ذات السياق فإن هناك مبالغة في التحرز والتشكيك ونقص الثقة بين القطاعين الحكومي والخاص، وبعض الخطاب الشعبوي يغذي هذه الثقافة.. الحديث عن الهوامير وتجار التراب وغير ذلك يجعل من الصعب تسويق فكرة الشراكة أساسا؛ لذلك لابد من معالجة شرخ الثقة بين الطرفين قبل الحديث عن تطوير هذه الشراكة بالفعالية المأمولة. والتعويل هنا على مبادرة القطاع الحكومي في هذا الجانب؛ ببساطة لأن الحكومة الآن بحاجة للقطاع الخاص، وعليها أن تثبت جديتها في فتح الأبواب وتغيير المنهج السيادي المتعسف غير المتوازن سابقا حتى يمكن إقناع القطاع الخاص أن هذا التغيير حقيقي ومستدام وليس مجرد وعود هلامية. وبالطبع ليس كل القطاع الخاص كذلك؛ لكن الحديث عن سمة عامة في تلك الشريحة التي تمسك بزمام المبادرة في الغرف التجارية وغيرها من المنظمات؛ فالقطاع الخاص نفسه بحاجة لغربلة وتجديد، بعض الغرف تمكن الشباب من تسلم الدفة فيها وهو ما يمكن أن يحدث بعض التغيير.
وفي تصور د. نوف الغامدي فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تسيطر عليها بعض المفاهيم الخاطئة من أمثلتها:
أ – تمويل المشروع من قبل الدولة هو أقل كلفة:
هذا أمر غير صحيح، إذ أن كلفة المشروع هي نفسها في كل الحالات، آخذين بعين الاعتبار المخاطر والكلفة الإضافية التي سيتحمّلها القطاع العام نتيجة زيادة حجم الديون السيادية، بالإضافة إلى منافسة القطاع العام للقطاع الخاص على الطلب على موضوع القروض.
ب- الشراكة ستؤدي إلى فقدان وظائف موظفي القطاع العام:
إنّ هذا المفهوم خاطئ أيضا، إذ أن القطاع العام سيبقى له حق تقديم الخدمات، وبالتالي هناك إمكانية استحداث وظائف جديدة بفعل بناء إنشاءات جديدة.
ج – الشراكة هي خصخصة مقنّعة:
في الخصخصة يُعطى القطاع الخاص الحرية في وضع مواصفات الإنتاج وكذلك الأسعار، بينما في عقود الشراكة تحدّد المواصفات والأسعار مسبقًا ضمن استدراج العروض. كذلك تبقى في الشراكة مسؤولية تقديم الخدمة على عاتق القطاع العام بعكس الخصخصة.
د – الشريك الخاص يريد تحقيق الأرباح على حساب الدولة:
إنّ مفهوم الشراكة الناجحة يقضي باستفادة الأطراف المتشاركة، ممّا يتيح للقطاع الخاص تحقيق العائد المطلوب الناتج عن مشاركته ويتيح أيضا للقطاع العام في حال نجاح الشراكة، تحقيق أعلى إفادة ممكنة.
ه – الشراكة هي الملكية المختلطة لشركة المشروع:
إنّ القطاع الخاص يؤسس شركة المشروع ويموّله ويديره ويملكه للفترة المتعاقد عليها فقط. إذا أراد القطاع العام الإسهام في التمويل، تكون له حصّة في الشركة وتكون عندها شركة المشروع شركة مختلطة.
و – الدولة تفقد السيطرة على الكلفة والجودة:
إنّ مسؤولية القطاع العام في عقود الشراكة هي تقديم الخدمة، وهو بالتالي يضع مواصفات الإنتاج التي على أساسها يتمّ اختيار الشريك.
وتساءل د. خالد بن دهيش: في ظل قيام قطاعات حكومية بإنشاء شركات تملكها الدولة بالكامل وتسند لها تنفيذ مشاريعها ومشاريع غيرها، هل سيكون المجال واسع لمشاركة القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الحكومية، وهل إنشاء مثل هذه الشركات بسبب عدم قدرة القطاع الخاص على القيام بهذا الدور (مثال شركة علم)؟
وفي هذا الإطار أوضح م. خالد العثمان أنه في منطق الحكومة سابقا كانت الشراكة مع القطاع الخاص وسيلة للنفاذ إلى تمويل القطاع الخاص فقط، وكانت وزارة المالية قد تبنت نموذج الشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشروع الجسر البري.. ثم فجأة خرج وزير المالية السابق ليعلن أن الدولة تملك موارد مالية كافية وليست بحاجة للشراكة مع القطاع الخاص في هذا المشروع.. هذا الكلام منذ عدة سنوات وما زال مشروع الجسر البري يراوح مكانه والله وحده يعلم متى سيجد طريقه للتنفيذ.
ومن جانبه قال د. ناصر القعود: اتفق مع ما طرح من التعقيدات التي تكتنف علاقة شراكة القطاعين في السابق، لكن ألا يحق لنا أن نتفاءل ونأمل أن الوضع سيتغير بما يرسمه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية من برامج وآليات، مركز التخصيص وبرنامجه وبرنامج ريادة الشركات؟ ألا يمكن أن تُطرح الخدمات العامة المراد إشراك القطاع الخاص فيها مثل المطارات والخدمات البلدية من خلال منافسات شفافة بين الشركات المؤهلة؟
وبدوره أوضح م. خالد العثمان أنه بالطبع من الخطأ أن نغرق في التشاؤم؛ لكن من الخطأ أيضا أن ننجرف وراء التفاؤل بلا وعي.. المركز الوطني للتخصيص حتى الآن ليس له مهمة واضحة والجهات الحكومية تنازعه الاختصاص في قضية الخصخصة. فكرة المركز رائدة بالفعل.. لكنه بحاجة لكثير من التمكين والدعم حتى يؤدي دوره كما يجب.
ويرى د. مشاري النعيم أن أحد الشراكات المهمة هي البحث العلمي؛ فمن يقود البحث العلمي في الجامعات الحكومية هو القطاع الخاص، ويفترض أن القطاع العام لديه أهداف استراتيجية يشارك في تحقيقها القطاع الخاص والبحث العلمي أحد الآليات لتحقيق هذه الأهداف.
وأضاف د. خالد بن دهيش أن الجامعات السعودية ( قطاع حكومي ) تعد أكبر منافس للقطاع الخاص العامل في مجال الاستشارات والدراسات والأبحاث حيث تحصل الجامعات على مزايا عديدة لا يحصل عليها القطاع الخاص عند المنافسة في مشاريع الدراسات الاستشارية الحكومية والغير حكومية ، مثل عدم تقديم الضمان البنكي كما تستفيد من الخدمات اللوجستية المتوفرة بالجامعة مجاناً ولا تحسب ضمن التكلفة بينما هي تعد تكلفة على القطاع الخاص، إضافة إلى كون القائمين على العمل هم من موظفي الجامعة من سعوديين وغير سعوديين يستلمون رواتب من الدولة، ومن ثم يكون التساؤل المطروح: أين العدالة في العملية التشاركية بين القطاعين؟
وأشار د. زهير رضوان إلى رؤية البنك الدولي للشراكة بين القطاع العام والخاص التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة في الدول النامية حيث يبرز دور الدولة في اتخاذ القرار ورسم السياسات، أما دور القطاع الخاص فيبرز في تنفيذ المشاريع والمشاركة في أدائها بناء على فكرة عدم كفاءة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية إذا ما اقتصرت على أي من الدولة وأجهزتها أو القطاع الخاص بشكل منفرد. ويمكن حصر فوائد الشراكة بالنقاط التالية:
1- توزيع المخاطر الناجمة عن إقامة المشاريع بين أكثر من طرف هم أطراف الشراكة.
2-توفير رأس مال القطاع الخاص وما يمتلكه مـن المعرفة (Know how) والخبرة في إدارة المشاريع التي يعتبر عنصر الوقت حاسماً فيها وتقليل المدد الزمنية اللازمة لتنفيذها وبالتالي تحسين موقف الإدارة العامة.
3-تخفيف الوطأة المالية التي يعاني منها القطاع العام وخلق القيمة المضافة التي توفرها المرونة المالية مع تحسين القدرة الإدارية للقطاع العام.
4-إن ترتيبات الشراكة تحقق نتائج أفضل مما يستطيع أن يحقق كل فريق على حده من خلال تأثير الشركاء على أهداف وقيم بعضهم البعض عن طريق التفاوض والتوصل إلى معايير عمل أفضل، ومن ناحية أخرى سيكون هناك مجال لتوسيع الموارد المالية نتيجة تعاون الأطراف فيما بينها.
5- تعزيز مبادئ الافصاح والمساءلة في كيفية إدارة الموارد.
6-تبني مناهج عمل أكثر استراتيجية من قبل الشركاء ممثلاً في تزويد أفكار استراتيجية أفضل، منهج تنسيقي أفضل، وصياغة وتنفيذ أفضل.
7-إيلاء البعد الاقتصادي اهتماماً أوسع في السياسات ذات العلاقة وإدارة المشاريع على أسس اقتصادية بما يحقق المكاسب الاجتماعية والاقتصادية.
8-التوصل إلى الحلول المرنة التي تستجيب للسياسات التنموية والتطويرية، حيث يسهل الشريك المحلي مواءمة البرامج التي تشملها هذه السياسات لغرض توصلها إلى المشاكل المحددة، والفرص المتاحة لأسواق العمل.
9- إعطاء الشرعية والمصداقية للمشروع من خلال مشاركة الجماعات.
10- تحقيق النجاح والتوسع في الأعمال من خلال التحفيز والالهام والنظرة المستقبلية وإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتي بدورها تخلق الحوافز المستحدثة.
11- خلق بيئة عمل ديناميكية للتغيير داخل البيروقراطيات الحكومية المحصنة وتسمح الشراكة للحكومات بتنفيذ التغيير دون التأثير في أعمالها الحقيقية المتعلقة بتطوير السياسة الاجتماعية والتوجه المستقبلي وإدارة تقييم الخدمات.
ومن جهته يرى م. أسامة كردي أن أخطر ما يواجه القطاع الخاص هذه الأيام هو منافسة الحكومة له في الاقتصاد الوطني.. ويتمثل ذلك في أربعة نواحي:
- أولاً: الشركات الحكومية التي يجري إنشاءها بسرعة البرق وبأعداد متزايدة.. تنشئها الدوائر الحكومية أو صندوق الاستثمارات العامة (وآخرها شركة قناة الإخبارية وشركة دور السينما !!) والأخطر من إنشاء هذه الشركات هو المعاملة التفضيلية لها من الجهات الحكومية في إصدار التراخيص وتوقيع العقود ودفع الزكاة.
- ثانياً: توقيع عقود كبيرة مع الشركات الأجنبية غير المرخصة في المملكة.. والخطورة هنا هي مخالفة أنظمة المملكة بشكل واضح وعدم وجود شريك سعودي قد يساهم في نقل العلم والخبرة وغياب متطلبات السعودة وعدم تطبيق القواعد المالية المعطلة للقطاع الخاص.
- ثالثاً: ارتفاع تكاليف أداء الأعمال.
- رابعاً: غياب دور القطاع الخاص في إجراءات التخصيص المتوقعة وكأن القصد من التخصيص هو مالي بحت لاستقطاب رؤوس أموال القطاع الخاص.
التوصيات المقترحة
في تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإنه ولتحقيق مشروع التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، يفترض أن تكون الشراكة بين القطاعين العام والخاص شراكة مبينة على وفاق وثقة متبادلة يكون هدفها الأوحد الوصول إلى تكامل اقتصادي منشود.
القطاع الخاص في أي دولة يعد شريكا رئيسا في التنمية، ولهذا فإن تقديم الدعم والمؤازرة له أضحى أمر حتمي الاتيان به، فالقطاع الخاص أصبح المستقطب والموظف الرئيس لطالبي العمل في قطاعاته المتعددة الأوجه، أيضا أصبح يشكل نسبة لا يستهان بها في الناتج المحلي الإجمالي.
الشراكة يجب أن تبنى على:
– الثقة.
– المساندة.
– الشفافية.
وذهب أ. جمال ملائكة إلى أنه لابد أولاً من تحديد أهداف الدولة بالنسبة لتملك أو إدارة المشاريع، كما أنه لابد من تحديد آلية التخصيص التي تفكر بها الدولة بالنسبة لقطاعي الصحة والتعليم كمثال لما تخطط له الدولة؛ حيث أن ما يتم تداوله بالنسبة لهاذين الموضوعين هو أن الدولة ستسلم المنشآت للقطاع الخاص وتقوم بسداد مبلغ معين للقطاع الخاص وتقوم الدولة بدور المُنَظِم. وفي ضوء القول بأن وضع القطاع الحكومي الحالي و كذلك وضع القطاع الخاص الذي أشار إليه م. خالد العثمان و بالنظر الي أن توجه الدولة هو عدم الدخول في أي قطاع إنتاجي أو خدمي و أن تقوم بالخصخصة بالكامل فإن الأمر يصبح معقداً لأن القطاع الخاص يعتمد علي مشاريع الدولة بصفة عامة ، لذلك فإن موضوع الشراكة بين القطاعين هذا قد لا يصلح لنا، و الأصلح هو أن تقوم الدولة بوضع القوانين و النظم و المواصفات و توظيف المواطنين الخ و تقوم بتحديد قيمة (تحديد range) المنتج أو الخدمة بالتفاهم مع القطاع الخاص و جذب شركات “معينة” من الخارج تكون قد نجحت في هذه التجربة و أن تشترط دخول مستثمرين محليين معهم (تحدد النسبة) و أن يظل المشروع مملوكا للقطاع الخاص (المختلط) بشرط تحت رقابة الدولة حسب المواصفات و التنظيمات و المتطلبات الخ، ولابد طبعا من سداد رسوم ليست باهظة للدولة أو فرض ضريبة دخل معقولة. وعليه فقد لا ينجح موضوع الشراكة بسبب: أولا توجه الدولة، وثانيا عدم قدرة القطاع العام بعد سنوات طويلة على إدارة هذه المشاريع، وثالثا لعدم قدرة القطاع الخاص للاضطلاع بدور الشريك مع الدولة بحكم عقليته وما تعود عليه من طرق إدارة الخ (بصفة عامة طبعا).
وفي تصور د. حميد المزروع فإن الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص يجب أن تقتصر علي ما يرتبط بالأمن الوطني بالمقام الأول ، وعلي وجه التحديد صناعة الأسلحة وتصديرها إن أمكن ، أما الصناعات الأخرى بأنواعها فالمقترح أن تترك للقطاع الخاص المحلي أو الدولي وفقا لتوفر المتطلبات الفنية والمادية لنهوض المنتج الصناعي محل الاهتمام ، و يتم ذلك بعد وضع التشريعات اللازمة ومنها نظام الافلاس والتحكيم الدولي ، وحرية تملك الأجانب لمشاريعهم بشكل كامل ، وبذلك نضمن انتقال التقنية و رؤوس الأموال للبلاد إلى جانب استحداث فرص العمل للمواطنين وتعزيز الصادرات.
ويعد دور الغرف التجارية في تفعيل العلاقة بين القطاع الخاص والحكومي الخطوة الأساسية الأولي لتطوير العلاقة بين تطلعات القطاع الخاص والحكومي، كما يجب توحيد جهات التعامل قدر الإمكان لتحويل الفرص الاستثمارية الي واقع.
لكن برأي م. خالد العثمان فإن الغرف التجارية بشكلها الحالي قاصرة عن لعب أي دور مؤثر في التنمية، ناهيك عن أداء دور فاعل في قيادة جهود تنظيم الشراكة بين القطاعان العام والخاص.. صحيح أن الدورة الحالية لمجلس الغرف تشهد حراكا جيدا.. لكن أمامه الكثير لتحقيق التحول المأمول.. كما أن الغرف تتفاوت كثيرا في مستوى احترافيتها وأدائها.. وجميعها بالمطلق لا ترقى للمستوى المطلوب.
وفي ظل تواتر الحديث عن شرخ الثقة بين القطاعين العام والخاص وحالة التنافس والتنافر والتناكف بينهما.. تبرز مرة أخرى الحاجة ملحة أيّما إلحاح لإبراز وتفعيل وتوطيد دور مؤسسات المجتمع المدني في لعب دور محوري في جسر الهوة بين القطاعين.. واستكمال أركان القاعدة الثلاثية لبناء التنمية المستقرة المستدامة. ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة الفاعلة قادرة بحول الله على معالجة كثير من الأعراض والمشاكل في مجمل المشهد واستكمال أداء أدوار محورية يمتنع ويترفع ويمتعض كلا القطاعين العام والخاص عن القيام بها.. ومن المهم في هذا الإطار مراجعة وتعديل وتطوير وتجويد نظام المؤسسات الأهلية الذي تشرف عليه وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، أو إصدار نظام جديد مستقل للمؤسسات المدنية المهنية والنقابية وما في حكمها.. مع رفع مستوى ارتباط الإشراف عليه فوق مستوى الوزارات التنفيذية ليكون مرتبطا بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية على أقل تقدير.
وعقب د. حميد الشايجي بأن الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص لها عدة أوجه ومجالات وقطاعات. فما أثاره د. المزروع يعد أحد أوجه هذه الشراكات، وهو مجال التصنيع وخصوصا التصنيع العسكري، ولكن هناك قطاعات ومجالات أخرى كثيرة للشراكة منها ما هو إنتاجي (كالصناعي) ومنها ما هو خدمي (كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والمرور)، وهناك تجارب ونماذج ناجحة إلى حد ما لشراكات حكومية مع القطاع الخاص في عدة مجالات كالمجال الصحي متمثلة في تشغيل المستشفيات، والمرور كشركة نجم لمباشرة حوادث المرور، وإدارة بعض دور الرعاية الاجتماعية. كما أن هناك مجالات لا يقوم بها إلا القطاع الحكومي ومجالات أخرى لا يقوم بها إلا القطاع الخاص، ويجب أن لا يتنافسا فيما بينهما في تنفيذها.
لكم من المهم علاج بعض الاشكاليات التي تواجه الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتتضمن:
1- عدم ثقة القطاع العام في قدرات القطاع الخاص لإدارة المشاريع الحكومية.
2- دخول القطاع الحكومي كمنافسة للقطاع الخاص في تنفيذ بعض المشاريع، مما يضعف القطاع الخاص اقتصاديا لعدم حصوله على المشاريع.
3- عدم الشفافية لدى كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص في تنفيذ بعض المشاريع.
4- تضييق القطاع الحكومي على القطاع الخاص عند ترسية المشاريع الكبرى.
5- جشع القطاع الخاص عند تنفيذه لبعض المشاريع الحكومية.
6- عدم وضوح بعض الأنظمة المتعلقة بالاستثمار المشترك.
7- الفساد بعض المشاريع.
وأشار د. فهد الحارثي إلى أن مشروع التنمية هو المشروع الوطني الأمثل الذي يهم الجميع ولاسيما أننا في مرحلة شرعنا فيها بوضع الخطوات الأولى في طريق التخلص من الاقتصاد الريعي باتجاه الاقتصاد الإنتاجي، وهذا هو أحد أهداف برنامج التحول الوطني، وتتوخى الرؤية 2030 أن نحقق فيه، في النهاية، أهدافاً ليس أقلها أن يتسلم القطاع الخاص مقود العربة التنموية ويتقلص بالتالي دور القطاع العام مقتصراً على التشريع والإشراف وإدارة الاقتصادات السيادية. ومعنى ذلك أننا اليوم في مرحلة تأهيل وهيكلة للقطاعين: العام من أجل أن يتعود على التواضع والتخلي عن بعض نزعاته في الهيمنة السلبية غالباً، والخاص لكي يكون قادراً على القيام بذلك الدور الوطني الكبير المنتظر.
أشياء كثيرة أخرى أخلاقية ونفسية ينبغي أن تنجز في هذه الأثناء ومنها إعادة بناء الثقة التي أشار إليها م. خالد، فلا القطاع الخاص متربص دائم لنهب أموال الدولة ولا القطاع العام هدفه قمع القطاع الخاص وتطهيره من عيوبه المزعومة.
مما يدل على النوايا الطيبة للقائم على تنفيذ الخطة الوطنية 2030 وبرنامج التحول التأكيد في الميزانية 2018 على تخصيص 72 مليار لتحفيز القطاع الخاص. هذا فضلا عن تأجيل التوازن المالي إلى العام 2023، وربما سيؤجل إلى مدد أخرى وكل هذا بهدف تخفيف الضغط على الإنفاق مما يحقق أهم غايات التنمية ومنها نشدان مزيد من الكفاءة للقطاعين العام والخاص. نحتاج كذلك إلى هيكلة التشريعات الحاكمة لهذه المسيرة المثيرة من العلاقة.
أما أ. عبد الرزاق الفيفي فقال: إن الاشكال الحاصل في حالة الانفكاك ما بين تصورات رأس الهرم وقاعدته حول (ماذا نريد من القطاع الخاص؟) تجعلنا في حالة دوران حول مصالح غير مستدامة ومشتتة وغير منطقية. لذلك الحل أن نسبق سؤال (ماذا نريد من القطاع الخاص) بثلاثة أسئلة تساعد في صنع إجابات فاعلة ومثمرة، وتلك التساؤلات الاستباقية هي:
1- ما هو القطاع الخاص؟
2- هل فعلا يصدق أن نطلق عليه مصطلح (قطاع) بمعناه المهني؟ أو لدينا شبه قطاع؟
3- هل ما نسميه (بالقطاع الخاص) واضح الأدوار والواجبات في بنية الدولة التشريعية بأن يكون قائما بذاته ومستدام ومتين وذو إسهام وعائد على الفرد؟ أم هو مازال (القطاع الرضيع) ويعاني من صعوبات نمو؟
والإجابة على ماذا نريد من القطاع الخاص بشكله الحالي؟ أن مرحلة الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص مرحلة متقدمة، وما نحن بصدده الآن هو (قطاع خاص رضيع) لا يرتقي أن يكون شريكا، وأقرب شكل يمكن أن يكون بينه وبين القطاع الحكومي هي (ولاية) لا (شراكة)؛ فالشراكة مرحلة كبيرة جدا يجب أن يجتهد في إطارها القطاع الحكومي لتسريع نمو القطاع الخاص الرضيع ليبلغ سن الرشد ويعتمد على ذاته. لذلك فإن كان من إشكال في البنية والبيئة القانونية الحاضنة للقطاعين فهو ناشئ من عدم تساوي طرفي الشراكة؛ فالأهلية لابد أن تكون متوافرة في الطرفين، مع الاقرار أن هناك نجاحات داخل القطاعين رائعة لكنها تبقى في دائرة الجزئية والذاتية على مستوى كيانات مستقلة توافرت لها ظروف خاصة أسهمت في نجاحها.
وأضاف م. أسامة كردي: من المهم لو أن صندوق الاستثمارات العامة ركز على الاستثمارات الخارجية باعتبار إمكانيته الأكثر تطوراً، وترك الاستثمارات الداخلية للقطاع الخاص.. كيف نحقق هدف الرؤية في رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني إلى ٦٥٪؟ إلا إذا عرّفنا الشركات الحكومية بأنها قطاع خاص!! لا شك أن الاستثمارات الحكومية مهمة في القطاع المناسب وفي الوقت المناسب.. تم انشاء سابك في وقت لم يكن لدى القطاع الخاص لا الخبرة ولا السيولة اللازمة.. والأمر نفسه على شركة الصناعات العسكرية (سامي) التي تم إنشاءها مؤخراً.. أما دور السينما فلا! وقد نجد السبب وراء كل هذا هو الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى والتي تحتاج الى تدخل الغرف التجارية لإصلاحها.
وأكد د. زهير رضوان على أن هناك حاجة لتطوير المفاهيم والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، ولابد قبل ذلك من مكافحة عمل القطاعات الخاصة التي تعمل بطرق العصابات، ومكافحة الفساد في القطاعات العامة التي تعمل لمصالح شخصية تحت ستار خدمة الوطن، مثل ما هو حاصل في الشركات التي باعت لها الحكومة جزء من أصولها؛حيث لم تتطور ولم تقدم خدمة افضل للمواطنين، بل العكس وبأسعار أعلا. ويتوجب على الحكومة إذا أرادت إشراك القطاع الخاص في المشاريع الخدمية إعطاءه لثلاث شركات على الأقل لخلق المنافسة بينهم في تقديم الخدمة واستقصاء السيئ فيهم، وليس فقط بجلب شركات من الخارج للمنافسة مثل الحال مع شركات الاتصالات ولا الإحتكارية لمثل شركة الكهرباء والمياه.
المحور الثالث
مهنة التمريض في السعودية.. احتياج وتحديات
الورقة الرئيسة: د. عبير برهمين
تعتبر مهنة التمريض من المهن القديمة والتي عرفت منذ عصر صدر الإسلام بالمنطقة العربية. إذ كانت أول ممرضة في الإسلام هي رفيدة بنت سعد من قبيلة بني أسلم بالمدينة المنورة. والتي عاصرت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تمرض الجرحى في ساحات المعارك بمباركة منه صلى الله عليه وسلم وقد تعلمت أصول مهنة التمريض على يد والدها الطبيب في ذلك العصر.
تعليم التمريض ليس حديث عهد في السعودية، فقد مضى على تعليم الممرضات بالسعودية أكثر من نصف قرن. إذ افتتحت عام 1960 المعاهد الصحية (3 سنوات بعد شهادة الكفاءة) بافتتاح معهدين للتمريض في مدينتي الرياض وجدة، واستمر الاهتمام بهذه المهنة وتدرج للرقي بالرعاية التمريضية وتشجيع التمريض على الالتحاق بها تبعا لمستجدات الساحة ومتطلبات الدولة. من خلال افتتاح الكليات الصحية للتمريض (3 سنوات بعد الثانوية) والكليات الجامعية (4سنوات دراسية وسنة امتياز) التي تمنح درجة الأخصائي، ثم الأخصائي الأول (درجة الماجستير) وانتهاء بالاستشاري في التمريض (درجة الدكتوراه).
وعلى الرغم من أن أعداد العاملين في التمريض السعودي في القطاع الصحي في تزايد مستمر بلغ نحو 55% في الفترة من عام 1425 هجرية وحتى عام 1430 هجرية. إلا أن سوق العمل مازالت بحاجة إلى أعداد كبيرة جدا من العاملين والعاملات في قطاع التمريض لتلبية احتياجات القطاع الصحي بالسعودية. وحسب إحصائية عام 1435 هجرية من موقع وزارة الصحة: يوجد (6) من حملة الدكتوراه و(109) ماجستير و(22521) بكالوريوس و(59101) دبلوم.
شهدت مهنة التمريض في الفترة الحالية الكثير من التطور فأصبح لها سياسات وإجراءات ومعايير تساعد هيئة التمريض على أداء الرعاية التمريضية في أطر ومعايير الجودة. إذ أصبح التسجيل والتصنيف في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إلزاميا لجميع هيئة التمريض منذ عام 2002 م. كما تم اعتماد برنامج التجسير الذي يؤهل حملة دبلوم التمريض للحصول على درجة الأخصائي في التمريض (البكالوريوس). وجود الممرض والممرضة السعودية أزال الكثير من العوائق والحواجز التي كانت تعيق المهنة، والتي كان منها اللغة وتفهم عادات وتقاليد المجتمع السعودي إضافة إلى إثبات كوادر التمريض السعودي وقدرتهم على تفهم احتياجات ومتطلبات أبناء وطنهم.
وعلى الرغم من التقدم والاهتمام الذي يلقاه التمريض في السعودية إلا أن الفجوة بين التعليم النظري والتعليم السريري لا تزال كبيرة وتحتاج إلى المزيد من الاهتمام، إضافة إلى دمج التكنولوجيا للوصول إلى أرقى ما تم الوصول إليه في التعليم السريري. كما أن معرفة الاحتياجات الفعلية من التخصصات الدقيقة في التمريض (مثل تمريض الجراحة والباطنة، وصحة المجتمع، والصحة العقلية والنفسية، والتوليد والأطفال والعناية الحرجة، والطوارئ والحوادث والعمليات والتعليم التمريضي وإدارة التمريض وغيرها) يجب أن تدرج في أعلى سلم أولويات التطوير في مهنة التمريض إذ لا يوجد برامج متخصصة لدراسة التمريض في السعودية حتى الآن.
تحديات مهنة التمريض في السعودية متعددة بعضها اجتماعي والآخر يتعلق بسياسات العمل وطبيعة المهنة فعدم اقتناع كثير من الأسر حتى الساعة بأهمية مهنة التمريض وخاصة للإناث هو أحد أكبر التحديات القائمة فبين من يدفع ببناته إلى التمريض للحصول على وظيفة مضمونة دون الرغبة في التقيد بأنظمتها. فنجد كثير من المشاكل الأسرية تنجم من مناوبات العمل وخاصة الليلية منها ما أدى إلى تسرب ما يقارب من 50% من عدد العاملات بالتمريض لتخيير الأزواج أو الآباء لهن بالاستمرار بالعمل أو الطلاق أو عدم الزواج. والتوظيف يعتبر تحدي آخر فمع التوجه العالمي لتقليص الإنفاق الصحي وترشيده يقتضي ذلك خفض أعداد العاملين بالقطاع الصحي ومن ضمنهم التمريض. مما يؤدي إلى تكليفهم بساعات عمل طويلة (العمل الإضافي الإلزامي) تؤثر سلبا على مستوى الرعاية الطبية بسبب الإرهاق والاجهاد مما يسهم في حدوث أخطاء طبية عديدة فتنخفض درجة رضا المريض عن مستوى الخدمات الصحية المقدمة فيؤثر سلبا على سمعة ممارس مهنة التمريض. كما أن العلاقات “بين المهنية” والعلاقة مع المرضى هي أيضا من هذه التحديات ونقصد بها الآراء المتضاربة والشعور بعدم الاحترام والازدراء والتي يمكن أن تنشأ بين الممرضين ومرضاهم وزملائهم في العمل من أطباء وإداريين. وبحكم العلاقة الوثيقة مع المرضى فإن الممرضين يكونون عرضة للتأثر نفسيا عندما يناضل المريض في علاجه أو يتحضر ليموت فهم يقاسمونهم آلامهم ويتأثرون بفقدهم.
التحدي الآخر هو مخاطر المهنة والسلامة في الوظيفة فحاويات الأدوات الحادة الممتلئة الفائضة والأرضيات الزلقة ورفع المرضى الثقيلون والتعرض للعدوى من المرضى المصابين بالأمراض المعدية شديدة الخطورة وسلوك الآخرين في بعض الحالات قد يعرض الممرضين والممرضات إلى الإساءة اللفظية والتي قد تأتي أيضا من الإداريين والأطباء، وغيرهم من أعضاء فريق الرعاية. إضافة إلى التحرش الجنسي. وخاصة بالممرضات الإناث وعدم كفاءة تطبيق قانون التحرش والاساءة الوظيفية على أرض الواقع يضيف عبئا مضاعفا على ممارسات مهنة التمريض.
إثبات الكفاءة لابد منه والحفاظ على ساعات التعليم المستمر والشهادات العليا والتقدم في التكنولوجيا هو تحد آخر في مهنة التمريض قد لا يتمكن عدد كبير منهم من تحقيقه لطبيعة العمل والساعات الطويلة والشاقة. علما بأن مواكبة هذه التطورات هو أمر ضروري.
كل ما سبق أعلاه يدفعنا إلى التساؤل هل يمكن أن يتم استبدال الكادر التمريضي البشري بآخر آلي؟ وهل سيتم تعويض النقص في مهنة التمريض بروبوتات ذات ذكاء اصطناعي متعدد في المستقبل القريب؟ وهل المرضى سيقبلون بالممرض الآلي عوضا عن الممرض البشري لتخفيف آلامهم وتقديم العناية الصحية لهم دون شكوى أو أخطاء مهنية؟
التعقيب الأول: د. الجازي الشبيكي
ترتبط هذه القضية بتوجه خطة الدولة التنموية الحديثة ورؤيتها المستقبلية التي تركز على تنمية وتكثيف وتطوير حجم ونوعية الموارد البشرية السعودية في شتى المجالات، وخاصة مجالات العمل التي تشغلها العمالة غير السعودية، مثل مهنة التمريض التي لا تتجاوز نسبة السعودة فيها 50٪ لمجموع الجنسين من العدد الكلي للطاقم التمريضي في المملكة، بينما تبلغ شواغر وظائف التمريض للنساء السعوديات فقط حوالي 120 ألف وظيفة تشغلها غير السعوديات كما أشارت إلى ذلك إحدى المسؤولات في المجال الصحي.
إن رؤية المملكة المستقبلية 2030 تستهدف رفع نسبة مشاركة المرأة في العمل إلى من 20٪ إلى 30٪.
وهذا يتطلب مواجهة التحديات المتوقعة نحو تحقيق ذلك الهدف ، ومن أهم تلك التحديات فيما يتعلق بمهنة التمريض للنساء على وجه الخصوص ؛ طول ساعات العمل والاضطرار للمناوبات الليلية والنظرة الاجتماعية غير المُنصِفة لهذه المهنة باعتبارها مجالاً واسعاً للاختلاط لا ينسجم مع ثقافة المجتمع ، لأنها تعرضهن للمضايقات والاتهامات والتحرش ، لذا فالإقبال على الالتحاق بها يعد إقبالاً ضعيفاً قياساً لغيرها من المهن الإدارية والتربوية ، على الرغم من التناقض المُلاحظ على هؤلاء الرافضين الذين يطالبون بضرورة تواجد العنصر النسائي من لحظة دخولهم إلى المستشفى!!!
بالإضافة لتلك التحديات الاجتماعية، توصلت بعض الدراسات الميدانية إلى أن الحوافز والبدلات والرواتب لمهنة التمريض في السعودية لا تعد مجزية قياساً للعمل المُجهِد فيها.
إن الاهتمام المتصاعِد من قِبل الدولة، والذي أشارت له د. عبير في ورقتها، من حيث تزايد افتتاح الكليات الصحية والكليات الجامعية وبرامج الدراسات العليا وغيرها من الإجراءات والسياسات، يُعد توجهاً إيجابياً لا شك في ذلك، ولكنه يتطلب مزيداً من الخطط التشجيعية والتحفيزية المُصاحِبة المبنية على الأسس السليمة وقواعد البيانات الدقيقة.
وهناك العديد من التوصيات التي انتهت اليها بعض الدراسات والحوارات وحلقات النقاش بهذا الخصوص أبدأها بتوصية أراها جداً هامة وهي حول أهمية بذل الجهود المكثفة بالأساليب المؤثرة المتعددة بهدف رفع مستوى الوعي بأهمية مهنة التمريض في المجتمع لكلا الجنسين وللمرأة على وجه الخصوص.
- إتاحة الفرصة للمرأة السعودية للعمل بالنظام الجزئي مع حوافز مادية مُجزية.
- مٌراعاة التوافق مع ثقافة المجتمع بتخصيص المناوبات الليلية للممرضة في الأقسام النسائية تشجيعاً لهن ولذويهم على الالتحاق بكليات التمريض.
- فتح الحضانات لأبناء الممرضات في كل منشأة طبية تعمل بها المرأة.
- دعم التمكين ورفع المستوى المهاري لمهنة التمريض للجنسين من خلال تشجيع الابتعاث للدراسات العليا.
أما بالنسبة للتساؤل الذي طرحته د. عبير في ختام ورقتها، والمتمثل في مدى قبول استبدال الكادر التمريضي البشري بآخر آلي لتعويض النقص في مهنة التمريض ، فإني أعتقد أن الكادر الآلي قد يكون مهماً ومقبولاً في إنجاز الأعمال والمهام الروتينية المتكررة التي تستغرق وقتاً طويلاً لا يجب إضاعته في مجال الصناعة والزراعة وما شابهها ، كذلك في مجال المعامل والمختبرات الصحية وغيرها ، أما بالنسبة للتعامل المباشر مع المرضى فلا أعتقد أن ذلك سيكون مقبولاً بحكم العلاقات الإنسانية المطلوبة مع مشاعرهم واحتياجاتهم في هذه الظروف.
التعقيب الثاني: أ. علياء البازعي
سأبدأ تعقيبي بقصة قصيرة… روت لنا إحدى الزميلات تجربتها العلاجية في أحد مستشفيات أبو ظبي وتحدثت بأسى عن الطاقم الطبي وبالأخص الممرضات الفلبينيات الرائعات وأن غالبيتهن كن يعملن في مستشفيات مثل العسكري والتخصصي وكيف أن عقودهن أنهيت بدون وجه حق!!
قلت لها…كلامك أسعدني!!
استغربت قائلة: كيف؟؟
قلت: هذا يعني أن لدينا كوادر وطنية حلت محل الطاقم الأجنبي.. لن أكمل بقية الحوار لأنه يدور حول عدم الثقة في السعوديين.
كان هذا ملخص حديث يمثل توجهات البعض نحو توطين المهن.. شخصيا لا أقف ضد وجود غير السعوديين في جميع المهن فتنوع الخبرات مطلب…والكفاءات المتميزة لها قيمة.. لكني في الوقت نفسه يسعدني أن أجد ممرضين سعوديين وممرضات سعوديات في مستشفياتنا.
لن أضيف على ما ذكرت د. عبير عن مهنة التمريض.. لكن سألخص حديثي في عدة نقاط:
- مهنة التمريض تشابه كثير من المهن الأخرى التي تعتبر “مساندة” من وجهة نظر المجتمع وهذا يجعل النظرة لها بأنها “أقل”.. أي أن الكثيرين ينظرون للممرض/الممرضة على أنهم أقل من الأطباء…وأن الطب هو المهنة المرموقة وبقية المهن الصحية تعتبر مساندة فقط ولا أهمية لها…مع أن الطبيب لا يمكن أن يؤدي عمله بدون هؤلاء المختصين!!
- أن مهنة التمريض لم تكن يوما ضمن المهن الموجودة في المناهج الدراسية.. فنجد للبنين المهن التالية: طبيب.. ضابط – مهندس – معلم – مزارع، وللبنات: معلمة.. وممكن طبيبة مؤخرا.. وهذا يفسر التوجهات المهنية للأجيال السابقة.
- ما يبشر بالخير أن اهتمام الدولة الكبير بتوطين هذه المهن بدأ يؤتي ثماره تزامنا مع تحول توجهات الشباب والشابات وخوضهم في مجالات جديدة لم تكن مقبولة من قبل.
- أن الشكوى من صعوبة العمل وساعات الدوام وما أدى إلى تسرب الممرضات…بنظري هي نفس الشكوى من أي وظيفة أخرى.. فشكاوى المعلمات اللاتي يصلن بيوتهن قبل أذان الظهر تملأ الدنيا وتشغل الناس.. من يرغب بالعمل سيعمل أي كانت الظروف والمطالبة بالحقوق أمر مشروع ويختلف تماما عن الشكوى!
- نحتاج إلى حملات وطنية لتحسين الصور الذهنية لهذه المهن والتوعية بأهميتها ودورها في خدمة المجتمع.
- نحتاج أيضا إلى سن أنظمة توظيف مرنة توفر خيارات متعددة لتشجع على العمل بهذه المهن.
المداخلات حول القضية
أشار أ. عبد الرزاق الفيفي إلى أن أهمية مهنة التمريض في السعودية تكمن في أنها متصلة بمجال أساسي وحيوي جدا وارتفاع أو انخفاض كفاءته وجودته يسهل ملاحظته؛ لتأثيره المباشر والسريع والمؤثر على حياة المريض. ومن الملائم الإشارة هنا إلى بعض النقاط المحورية وهي:
1- من المهم عند التعاطي مع قضايا التنمية أن نتنبه من فكرة (الجندرية المؤسسية)؛ فلكي تحقق المرأة مشاركة حقيقية واعية متزنة تنال موثوقية ودعم جميع الأطياف والأجناس فلابد أن تناقش وتطالب بالحقوق المشتركة لها ولشقيقها الرجل وألا نتحول بممارساتنا لتمكين المرأة إلى حالة اصطفاف وتحزب؛ فمثلا: مهنة التمريض تخص المرأة والرجل بحدٍ سواء…فلابد من أن تكون نقاشاتنا بعيدة عن عنصر جندر الجنس (ذكر أو انثى) إلا ما يستدعي الأمر. التخصيص في نطاق محدود وواضح لسبب هام ونتيجة مأمولة. قد يستساغ ويقبل لمرحلة قصيرة ومحددة وغير معانة في المرحلة الأولية لمشروع تمكين المرأة شيء من الجندرية الفردية لا المؤسسية.
2- بالنسبة لمشكلة عزوف المواطنين والمواطنات عن المهنة فإن السبب الحقيقي هو افتقار بيئة العمل في المهنة لعنصر الأمان النفسي والأخلاقي والاتزان ما بين العمل والأسرة للعاملين والعاملات مما جعل ذلك سبباً لظهور عَرَضْ رفض المجتمع (أسرة أو زوج أو أب) لإلحاق أو استمرار قريبته في سلك المهنة. ويجدر الاشارة أن هناك مهن هي أكثر (اختلاطا) من التمريض ومع ذلك نجد الأسر من أكثر الداعمين لقريباتهم في مزيد من التمكن في تلك المهنة وذلك لتوفر عامل الأمان النفسي والأخلاقي في تلك المهن. ولتحقيق الأمان النفسي والأخلاقي والاتزان بين العمل والأسرة في تلك البيئات يمكن اقتراح الآتي:
- مراعاة ساعات العمل المناسبة والتي يفترض ألا تتجاوز الفترة النهارية لها ولغيرها من المهن؛ فيفترض أن تكون ساعات عمل المرأة لا تتجاوز الساعة 3 م.
- تزويد بيئات العمل المختلطة بكاميرات المراقبة في المناطق العامة والتي لا تؤثر على خصوصية المريض.
- مراعاة رغبة وأهمية عدم تواجد العنصر الرجالي في مساحات مختلطة وضيقة وغير مريحة مع العنصر النسائي.
- تفعيل قانون مكافحة التحرش وإضافة مادة فيه وهي موجودة في بعض القوانين (البريطانية) وهي حد النظر (التحديق) فيعتبر من المحظورات إذا هو تعدي على الطرف الآخر. ويحتاج القانون ليكتمل ويكون قابل للتطبيق أن تضاف له مواد توضح (وسائل الاثبات)؛ حتى يكون الطرف المعتدى عليه (امرأة أو رجل) قادر على حفظ وصون حقه وكرامته بوعي ورشد.
- سن نظام يخص الجانب الانشائي للمؤسسات ذات البيئات المختلطة وبالذات الصحية وهو: أن تكون الجدران والفواصل من مادة شفافة غير حاجبة للرؤية مع مراعاة إضافة سواتر في حالات استدعى الأمر حفظ خصوصية الكشف أو العلاج للمريض. بهذاتنشأرقابةذاتيةوتنخفض حالات التوتروتزيد الموثوقية فيدوائرهاالممكنةوالتييسهلالتحكمبها، وتبقىأخلاقياتالشخصهيالضابطالأساسي.
3- تأهيل الكادر التمريضي السعودي ليرتقي للكفاءة المطلوبة الواقع على المستوى (الفني – أخلاقيات المهنة).
4- غياب التخطيط الصحيح والواضح للتوطين والإحلال الوظيفي.. ولو يتم الاستفادة مثلا من تجربة وزارة التعليم في ذلك (مع ما فيها من سلبيات) ولكن هي أفضل الموجود. لو كل قطاع اجتهد في استراتيجية توطين للوظائف على مدى العشر سنوات القادمة بمعدل 10٪ كل سنة. كل ما نحتاجه إن عجزنا عن تجويد ورفع كفاءة كل المدخلات في الكليات الصحية أن نخصص مسار مركز نخرج منه 10٪ مخرجات مميزة لتوطين القطاعات لدينا وأولها الصحي.
وذهبت أ.د فوزية البكر إلى أن السؤال المهم طرحه هو أنسنة هذا القطاع؛ والمقصود بذلك أنه ورغم أن مهنة للتمريض هي الأكثر إنسانية وعطاء إلا أننا لم نتمكن من تعميق هذا البعد الإنساني في أذهان المتلقين في المجتمع ذكورا وإناثا لكي يروا عظمة هذه المهنة ولا يكون التركيز على الاختلاط فحسب. ويمكن استخدام الدين كأحد وسائل الاقناع بإنسانية هذه المهنة، وبالطبع من الضروري إصدار قانون للتحرش وحتى على نوع النظرة كما يرى أ. عبد الرزاق؛ لتوفير بيئة مهنية وآمنة لكافة الأطراف وهذا بالطبع يعني حماية الجميع بغض النظر عن جنسياتهم.
وقد يكون من المناسب أيضا التساؤل: ألا يمكن إعادة تأهيل الخريجين والخريجات العاطلون عن العمل في تخصصات مثل الكيمياء والأحياء وغيرها لمزاولة مهنة التمريض؟
وحول هذه النقطة الأخيرة أوضح د. زهير رضوان أن عملية التأهيل لمزاولة التمريض عملية صعبة جدا أو بيروقراطية جدا، وذكرعلى سبيل المثال أنه في عام ٢٠١١ رفضت وزارة الصحة تعيين أكثر من ١٢٠٠ خريج من المعاهد الصحية الخاصة بسبب ضعف منهج التدريس وكذلك لعدم اجتياز الاختبار الخاص لمزاولة المهنة، وبعد ضغوط خارجية لتعيين هؤلاء قامت الوزارة بتوظيف ٦٠٠ ممرض على وظائف إدارية، والسؤال: إذا لم تستطع الوزارة تأهيلهم فكيف لهم أن يؤهلوا أصحاب الاختصاصات الأخرى؟
ويعتقد د. زهير رضوان أن المسؤول الأول عن النظرة السلبية أو الدونية هو عدم انزال هذه الفئة مكانتها العملية والاحترافية علما أن مهنة التمريض تعتبر القلب النابض للمنشأة الصحية، فتجد في الدول النامية أن المنشأة الصحية تدار بثلاث مراكز وظيفية وهم : المدير الإداري و المدير الطبي و رئيس قسم التمريض وكلا له عمله المكمل لعمل الآخر ولهم مرجع واحد وهو الشؤون الصحية للمدينة أو المنطقة وهذا يوضح للمرجع المجتهد والمقصر في العمل لخدمة ورعاية المريض؛ لذلك تجد أن مهنة التمريض تعطى لها المشاركة والمكانة واتخاذ القرارات اللازمة لأداء عملها مثل الطبيب والمدير الإداري.
ومن جانبه قال أ. سمير خميس: في ملف التمريض لابد من الاعتراف بأننا فشلنا فيه فشلاً ذريعاً حتى سنوات قليلة خلت.. فشلنا حكومة ومجتمع.. يكفي هذا الكم الهائل للممرضين والممرضات الفلبينيين والسريلانكيين ومؤخراً الهنود والهنديات الذين تعج بهم مستشفياتنا ومستوصفاتنا ومراكزنا الصحية الحكومية منها والخاصة.
فشل تجذر بالفصل العنصري بين الرجال والنساء في المستشفيات والارتهان لبعبع الاختلاط الذي استهلكنا سنين طويلة.. فشل تجذر بالكم الهائل للتخصصات النظرية في مؤسساتنا الأكاديمية على حساب التطبيقية التي نحن أحوج إليها كالتمريض.. فشل عندما نجحنا في تكوين صورة سلبية عن مهنة هي من أرقى المهن على أرض المعمورة، وعندما كانت الشعوب الأخرى “تؤيقن” هذه المهنة كنا وللسخرية نشيطنها.
ولما كنا قد أملنا أن تحل هذه المشكلة برزت مشاكل أخرى مرتبطة بها من نقص تأهيل وعدم احترافية بالإضافة إلى أوجه القصور الأخرى المرتبطة بالقطاع الصحي ككل.. علينا الاعتراف بفشل السنين الماضية أولاً، حتى يمكن أن نلمس ضوءاً في نهاية النفق.
وباعتقاد أ. عبد الرزاق الفيفي فإن مهنة التمريض مهنة أهملت فترة من ناحية:
1- جودة التعليم في الجانب (الفني – أخلاقيات المهنة).
2- حفز المواطنين والمواطنات نحو المهنة.
3- توفير بيئة عمل لائقة وآمنة.
وفي تصور د. عبير برهمين فإن الصورة النمطية السلبية عن مهنة التمريض متواجدة للأسف على كل المستويات وتحتاج لبرنامج وطني لتصحيح الصورة الذهنية لمهنة التمريض بالمجتمع السعودي. فالجميع دون استثناء يرى أنها من المهن الوضيعة التي ينظر إليها المواطن العادي بأنها للأسف “خادمة بمستشفى” وقد نعت بذلك صراحة عدد كبير من الممرضات السعوديات من قبل المرضى وذويهم. إلا أن الغريب أنه ضمن شريحة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات يرفض الأهالي التحاق أبناءهم وبناتهم بكلية التمريض ويصرون على التكلف بدفع مصاريف دراسية في جامعات خاصة محلية أو إقليمية لدراسة الطب أو طب الأسنان عن الالتحاق بكليات التمريض مجانا بالمملكة رغم أن الشهادة هي درجة البكالوريوس في مختلف هذه التخصصات.
ويرى د. خالد بن دهيش – وفقاً لإحدى الدراسات التي اطلع عليها – أن المملكة تحتاج خلال الخمس سنوات القادمة ل ١٤٠ ألف ممرض/ة حسب المعدل السكاني، و١٨١ ألف ممرض/ة حسب المعدل التشغيلي للسرير. وأنه وفق الأعداد المتوقع تخرجها بالبكالوريوس في تخصص التمريض في عام ١٤٤٥ هـ يصل إلى ٦٠٠٠ ممرض/ة من التعليم الجامعي الحكومي والأهلي والابتعاث. ومن سيكون على رأس العمل من ممرض/ة من حملة البكالوريوس في عام ١٤٤٥ حوالي ٤٠ ألف. لذلك من المهم التوسع في افتتاح كليات وأقسام التمريض ووضع المرايا التشجيعية للملتحقين وللخريجين لمحاولة سَعوَدَة مهنة التمريض لتصل لنسبة ٧٥٪ تقريباً بعد خمس سنوات. وهي مقبولة، علماً بأن بعض الدول المتقدمة تستعين بالممرضين/ت من غير مواطنيها.
ومن وجهة نظر أ. عبد الله الضويحي فإن المجتمع لدينا يعاني من ظاهرتين تعيقان الإقبال على كثير من المهن:
1- ثقافة المجتمع.
2- من يعلق الجرس!؟
ويتم حلها عادة بأحد أمرين:
1- قرار رسمي من أعلى سلطة.
2- قرار مجتمعي بتعليق الجرس من الشخص الراغب في المهنة.
الحل الأول سريع ومفعوله كذلك.. والآخر.. بطيء ويحتاج لوقت.. يضاف لهذين الحلين وجود الحوافز مادية كانت أو معنوية.
تعودنا في مجتمعنا على كثير من العزوف عن بعض الظواهر الجديدة على المجتمع بدءا بالراديو مروراً بالسائق الخاص والدشوش وصولاً إلى جوال الكاميرا تم حلها بمبادرة وانتشار فصارت أمراً مقبولاً.
نتذكر أنه في نهاية السبعينيات كان الإقبال على مهنة المعلم ضعيفاً بسبب نظرة المجتمع وقلة الحوافز المادية وعندما تم تعديل رواتب المعلمين ثم شحت الوظائف الإدارية فترة الركود في الثمانينيات زاد الإقبال على مهنة التعليم حتى وصلنا لمرحلة الاكتفاء الذاتي وربما الفائض.
إذا أردنا تطبيق ذلك على قضية التمريض نجد أن عمل المرأة لدينا ظل ردحاً من الزمن مقصوراً على مهنة التعليم مما أنشأ ثقافة مجتمعية سلبية تجاه الوظائف الأخرى، وعندما وجدت بعض المعوقات كشح الوظائف أو التعيين في مناطق نائية توجهت المرأة لتخصصات أخرى لكن ظلت مهنة التمريض حتى بالنسبة للرجل من المهن المتدني الإقبال عليها.
النظرة لمهنة التمريض هي جزء من النظرة العامة للمهن المساندة.. المعيد والدكتور.. الممرض والطبيب.. الميكانيكي والمهندس.. وغيرهم، وكذلك النظرة للطبيب العام أو طب الأسرة والاستشاري، يضاف لذلك بالنسبة للمرأة نظرة دونية ارتسمت في ذهن المجتمع في فترة معينة تجاه الممرضات عموماً مما جعل كثير من الأسر ترفض عمل بناتهم في هذه المهنة.. نحن الآن ومع القرارات التي صدرت في عام 2017 أمام تحول كبير في نظرة المجتمع وثقافته تجاه العديد من القضايا وتفهمه لها مما يسهل حل كثير من المعضلات.
أي مهنة تحتاج إلى (الأمان الوظيفي)؛ وفي مهنة التمريض لدينا خاصة المرأة فإن أهم ما تحتاجه بالإضافة لما ذكر حفظ قيمة المهنة واحترامها والرفع من قيمتها في المجتمع ولدى المريض نفسه أيضا، وذلك من خلال الحوافز المادية والمعنوية مما يصعب حصره شاملة التأهيل العلمي وتثقيف المجتمع بأهمية الممرض كثقافة تنشأ مع الطفل نفسه ويدركها المريض والمراجع وقبل ذلك المسئول.
وردا على التساؤل في ختام الورقة الرئيسة عن مدى قبول استبدال كادر التمريض البشري بروبوتات ذات ذكاء اصطناعي في المستقبل القريب؟ وهل المرضى سيقبلون به عوضا عن الممرض البشري لتخفيف الآمهم؟ بجانب تساؤل آخر عن مهنة التمريض التي منذ أن بدأت وهي تقدم الرعاية الصحية وجها لوجه مع المريض، أما حان الوقت لتغيير ذلك؟
أوضح د. زهير رضوان أن قضية توفر مهنة التمريض المحترفة تعد من أكثر التحديات التي تواجه الرعاية الصحية حول العالم، وهناك مقترحات وأبحاث وأعمال لإدخال مهنة التمريض والطب ضمن الثورة الصناعية الرابعة، وذلك بتطبيق الذكاء الصناعي في المنشآت والمجالات الصحية، من المستشفيات، وسبل ووسائل التشخيص وقضايا الصحة العامة والأبحاث المتعلقة بها، وتحسين نمط الحياة والسلوك الشخصي، وإدارة الأمراض والحالات المزمنة، بالإضافة إلى تطوير واكتشاف الأدوية والعقاقير الحديثة.
مثل معهدMIT) ) التي تقوم باختبار أنظمة الذكاء الصناعي لاتخاذ القرار على الروبوتات في جدولة مهام الممرضين وتخصيص غرفة للمريض المحتاج إلى تنويم، وفي اليابان يقومون بتطوير روبوت لمساعدة المريض على الوقوف وكذلك نقلة من السرير إلى الحمام.
وفي كندا يستخدم مستشفى تورانتو الذكاء الصناعي بواسطة الروبوت للقيام بعمل الممرض في صنع سجل يساعد المراجعين في تسهيل وسرعة إنجاز عمليات التسجيل وأخذ المؤشرات الحيوية من قياس الضغط ودرجة الحرارة بالإضافة إلى سحب عينة من الدم، ولديهم كذلك روبوتات يمكن لها التواصل مع المريض بشكل مباشر عن طريق طرح الأسئلة والتعلم من الإجابات المقدمة من قبل المريض، واستحداث منتجات فريدة من نوعها تساعد الطبيب في العلاج.
وهناك التطبيقات الذكية على الجوالات والتي تتيح رعاية للمرضى المستقرة حالتهم، أثناء وجودهم في بيوتهم، مما يقلل من الطلب على الخدمات الصحية داخل المستشفيات، ويمكن لنظم الذكاء الصناعي تحقيق الاستغلال الأمثل لوقت الطبيب والممرض بدلا من زيارة المريض في مسكنة بالاعتماد على التقنيات الحديثة، مثل إدارة الحالات المزمنة عن بعد، وتوفير الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى أثناء وجودهم في منازلهم، من خلال مراقبة ومتابعة أعراض وعلامات مرضهم، وتذكيرهم بجرعات ومواعيد أدويتهم، وتوجيههم لزيارة الطبيب المعالج إذا ما استدعت حالتهم ذلك.
وهذا كله سوف يرفع من شأن مهنة التمريض التي ستتحول من عمل يدوي إلى عمل إشرافي في الرعاية الصحية، وبنفس الوقت سيكون هناك انخفاض كبير على وظائف التمريض في المستقبل القريب بسبب الأتمتة والروبوتات، حيث سيتم استبدال من تأخذ درجة الحرارة، وتقرأ ضغط الدم وغيرها من المهام المتكررة بالآلات. ويبقى الطلب على الذين يتعلمون الطرق الجديدة لرصد نتائج الفحوصات مع الأجهزة الجديدة أو آلة/الروبوتات. والجانب الإيجابي لهذا التغيير تعويض النقص في هذه المهنة والتركز على زيادة الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية.
وترى أ. علياء البازعي فيما يخص الحديث عن الممرض الآلي أن هناك شقين في مهنة التمريض: شق إنساني لا يمكن أن يقوم به روبوت، وشق مهني مثل أوقات أخذ الأدوية وأخذ القياسات اللازمة من نبض وضغط وخلافه فهذا ممكن وشاهدنا تطبيقات تقوم ببعض ذلك، وقد تتطور لأكثر من ذلك.
وذكرت د. الجازي الشبيكي بما أن مهنة التمريض، تُعد العمود الفقري لأغلب الخدمات العلاجية للمرضى، حيث يتولى المنتسبون لهذه المهنة تقديم حوالي 80٪ من مجموع الخدمات التي تُقدًم للمرضى كما أشارت إلى ذلك منظمة الصحة العالمية، فإن هناك دور تخطيطي هام مطلوب من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة لمواجهة تحديات وعقبات تحسين وتطوير أوضاع مهنة التمريض، كي تتم معالجة الأمر بمنظومة تخطيطية متكاملة من الناحية التعليمية والتدريبية وأنظمة العمل والمرتبات والمميزات والحوافز التشجيعية مع أخذ قضية رفع مستوى الوعي الديني والاجتماعي في هذا الجانب في الاعتبار.
وهناك أهمية كبرى لموازنة أمور فوائد وعائدات تشغيل الكفاءات الوطنية واستثمار تواجدها الفاعل في هذه المهنة مقابل أعباء وخسائر العمالة التمريضية الوافدة على اقتصاد البلاد حتى ولو كانت مرتباتهم أقل.
أما د. مساعد المحيا فيرى أن طبيعة خصوصية المجتمع السعودي تفرض ضرورة تهيئة بيئة عمل تتكيف مع نمط الحياة وطبيعتها أو تتماهى مع غالبها؛ إذ أهم ما تحتاجه المرأة كي تطمئن وتطمئن أسرتها وزوجها هو بيئة عمل جيدة من حيث التوقيت ومن حيث وقت العمل ومن حيث الخصوصية وعدم الاختلاط الذي يفضي للتحرش ويجعل المرأة المحافظة تشعر أنها في بيئة مخيفة ومرعبة فلا تطمئن ولا ترتاح.. هذا الأمر يرتبط بعلاقة المرأة بزوجها أو خطيبها أو قد يؤثر على مستقبلها الاجتماعي.. ومادام أننا نستطيع تحقيق قدر عال من جو المحافظة التي تجعل بيئة العمل بيئة مريحة.
الخلاصة أن مهنة التمريض شاقة ومتعبة وتتطلب البعد عن المنزل في أوقات طويلة وقد تحتاج الممرضة أن تنام خارجه وتعيش إجازة نهاية الأسبوع في عمل مستمر في مناوبة أسبوعية أو ليلية. ولذا فإن من تختار مهنة التمريض تحتاج مجتمعا يشجعها ويتقبل كل الظروف المحيطة بها.
وأكدت أ. آمال المعلمي على أهمية العمل على تصحيح الصورة الذهنية عن العمل بالتمريض في المجتمع حتى تصبح مهنة جاذبة للفتيات المتفوقات من كل فئات المجتمع وهذا يشمل زيادة العائد المادي.
التوصيات المقترحة
1- مهنة التمريض هي القلب النابض للمنشأة الصحية ويجب أن يرتقي الاهتمام بها إلى هذه المكانة ووضعها في منزلتها الطبيعية.
2- تعميق البعد الإنساني لمهنة التمريض في ذهن المجتمع لكي يروا عظمة هذه المهنة وتوظيف الدين كأحد وسائل الإقناع لتأكيد هذا الجانب.
3- دعم التمكين ورفع المستوى المهاري لمهنة التمريض للجنسين من خلال تشجيع الابتعاث للدراسات العليا في مختلف التخصصات التمريضية المختلفة.
4- رفع مستوى الوعي بأهمية مهنة التمريض في المجتمع لكلا الجنسين وللمرأة على وجه الخصوص من خلال حملات وطنية شاملة ومرتبطة بأهداف مرحلة التحول الوطني لتحسين الصور الذهنية لهذه المهنة ودورها في خدمة المجتمع. وربط التشجيع والدعم وتغيير الصورة النمطية السلبية ببرامج التحول الوطني. وهناك حاجة ماسة للدعم من أعلى سلطة بالدولة لهذا الملف.
5- إدراج برامج للتوسع في إفتاح كليات وأقسام التمريض التخصصية في برامج التحول الوطني. لرفع نسبة سعودة المهنة والوصول إلى 75% كحد أدنى بعد خمس سنوات.
6- توظيف الذكاء الاصطناعي (الروبوت) والتقنية الحديثة (تطبيقات الجوال) لتعويض النقص في مهنة التمريض خاصة في الوظائف المساندة للمهنة وغير المباشرة للتعامل مع المريض.
7- تطبيق قانون التحرش والاساءة الوظيفية على أرض الواقع وتزويد بيئات العمل المختلطة بكاميرات مراقبة في المناطق العامة والتي لا تؤثر على خصوصية المريض.
8- سن أنظمة توظيف مرنة توفر خيارات متعددة تشجع على العمل في مهنة التمريض مثل:
– مراعاة ساعات العمل المناسبة للمرأة والتي تتوافق مع ثقافة المجتمع مثل ساعات الدوام النهارية وتخصيص المناوبات الليلية للممرضة عند الضرورة في الأقسام النسائية.
– إتاحة الفرصة للمرأة السعودية للعمل بالنظام الجزئي.
– رفع مستوى الحوافز المادية والمعنوية بما يتناسب ومكانة هذه المهنة والعمل المجهد فيها.
– فتح الحضانات لأبناء الممرضات في كل منشأة طبية تعمل بها المرأة.
9- إضافة مقررات دراسية الي كليات التمريض يدور محتواها حول المناخ المؤسسي وتأثير العوامل الثقافية والاجتماعية فيه وكيفية التفاعل في الفضاءات العامة سواء للرجل أو المرأة.
المحور الرابع
السينما.. مقاربات ثقافية واقتصادية
الورقة الرئيسة: أ. عبير خالد
من المتعارف عليه أن صناعة الأفلام أحد القوى الناعمة الفاعلة في تغيير الصور النمطية، ورسم المفاهيم، والاقناع والاتصال مع كافة دول العالم. وقد لوحظ أن صناعة الأفلام كقوة ناعمة أمر تم الحديث عنه بشكل وافر من ناحية سياسية حيث يتم ربطه بالحرب الباردة وما سبقها وما يليها، ولذلك فقد ركزت في الورقة أدناه على الجانبين الاقتصادي والثقافي وتحديداً على التجربة البريطانية السينمائية وبُعدها الاستثماري وتجربة كوريا الجنوبية المعروفة بنجاحها الثقافي في مقاومة الأمركة والهيمنة الغربية سينمائياً.
بداية، ما العوامل التي يفترض تفعيلها لتقوية السينما المحلية من ناحية اقتصادية؟ – وفقا للبروفسورة في اقتصاديات الإعلام بجامعة جلاسكو Gillian Doyle-:
1- دمج صناعة السينما مع منظومة المجتمع المحلي من جهة، ومع المجتمع الدولي من جهة أخرى. مثلا: استقطاب شركات عالمية للتصوير في السعودية بشروط تتضمن وجود حد معين من الممثلين أو المخرجين أو المنتجين السعوديين (نموذج مطبّق فعليا في بريطانيا كما ستتم مناقشته أدناه).
2- حثّ وتشجيع رجال الأعمال والشركات الكبرى في الاستثمار في صناعة الأفلام المحلية.
3- توفير التسهيلات من ناحية قانونية ونظامية عند التعامل مع الأفلام وصنّاعها السعوديين.
4- الحد من الاحتكار في الملكيات.
فيما يتعلق بالنقطة الأولى، ونموذج الاستثمار في السينما السعودية من جهات خارجية ما يدعى inward investment)) مع الاحتفاظ ببعض التشريعات العامة لضمان مصلحة البلد المستضيف، فقد أثبت نجاحه في بريطانيا. منذ أن تم تطبيق هذا النوع من الاستثمار على السينما البريطانية بشكل كليّ في ٢٠٠٢ فقد تضاعف إنتاج السينما البريطانية وازدادت أرباحها أكثر من الضعف وصولا لعام ٢٠١٣. الجدير بالذكر، أنه في النموذج البريطاني، تتضمن التشريعات إما مكافأة مالية أو إعفاء من الضرائب تمنح للمستثمر (الذي يكون عادة شركة سينمائية كبرى) في حال اجتياز/تحقيق معايير ثقافية وقانونية محددة. تشمل المعايير أولاً تصنيف الفيلم كصناعة وطنية (بريطانية) بكل ما يتضمن ذلك من تمثيل للثقافة الشعبية واللغة الخ، وثانياً: توظيفه لمواطنين (بريطانيين) منتمين لقطاع السينما. وقد تصل المكافأة ل٢٥٪من تكلفة الإنتاج دون أي سقف أعلى للقيمة المادية في هذا السياق كما ويتم الاعفاء من الضرائب ومنح العديد من المزايا لأي شركة أو مؤسسة سينمائية ترغب في الاستثمار ببريطانيا لخدمة المتلقيين البريطانيين. هذا النموذج البريطاني في التعامل مع السينما من ناحية اقتصادية استثمارية أثبت نجاحه وساهمفي تنظيم وزيادة التوظيف الوطني في السينما كما وطوّر المهارات والقدرات الوطنية في صناعة الأفلام وذلك عبر اختلاطها بخبرات من شتّى أصقاع الأرض الأمر الذي لا أعتقد أنه عسيرا علينا عند الشروع بصناعة السينما. وما يميز هذا النموذج أيضا هو وضعه الجمهور الوطني (ودراسات الجماهير) في عين الاعتبار فهو يضع صانعي الأفلام أمام خيارين إما دفع الضريبة حالة كان التصوير في البلد أو أخذ مكافأة ولكن تمثيل الجمهور والثقافة الشعبية بمستوى يرقى للذائقتين الوطنية والعالمية. مثل هذه الحوافز التشجيعية للسينما تجعلنا نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ونستفيد من تأخرنا في تفعيل السينما عن طريق النظر لخلاصة ما أتت به الدول وتنفيذه لتحقيق المنفعة الثقافية السعودية، والبعد الاستثماري الوطني، والتأثير الناعم على الآخرين، وفي أقصر فترة ممكنة.
من ناحية ثقافية، يتوقع من السينما المحلية التالي:
1- عدم عولمة الثقافة المحلية أو منحها مساحة أقل من الثقافات الأجنبية.
2- عدم فرض ثقافة منطقة/مدينة واحدة على ثقافة المناطق/المدن المتبقية بداخل الإطار المحلي/الوطني نفسه.
3- العمل كقوة ناعمة للتأثير وتعزيز الثقافة المحلية على الصعيد العالمي.
لقد ازدادت – ثقافيا- صناعة الأفلام بقيمتها ودورها لتعكس مضامين المجتمعات والدول ومعارفهم وقيمهم وأنماط حيواتهم، لذلك فإن الدول إذا أرادت أن تزيد قوتها فالحل هو الاهتمام بهذا الجانب إلى جانب الأمور اللوجستية والدفاعية المحسوسة والمتعارف عليها. ولعل ذلك يعيدنا لما يقوله “جوزيف ناي” بهذا الخصوص “ماذا أعني بالقوّة الناعمة بالتحديد؟ القوّة العسكريّة هي مثال على القيادة القوية والتّي يمكن استعمالها لإقناع الآخرين بتغيير مواقفهم ومواقعهم..، لكن هناك أيضا طريقة أخرى ناعمة وغير مباشرة لاستخدام وممارسة القوّة. فبإمكان دولة أن تحصل على النتائج التّي تريدها في السياسة الدولية لأنّ الدول الأخرى تريد اللّحاق بها وإتّباعها إعجابا بقيمها أو تقليدا لنموذجها أو تطلّعا للوصول إلى مستوى ازدهارها ورفاهها وانفتاحها”.
ومن هنا يمكن الإشارة إلى تجربة كوريا الجنوبية ونجاحها في ذلك. نجحت هذه الدولة الآسيوية الصغيرة مساحة وسكانا في مجابهة هيمنة أكبر دول العالم مثل أميركا في ضمان حدا مرتفعا من صناعة سينمائية محلية تعكس الثقافة الشعبية بدقة متناهية. في الثمانينات الميلادية، لم يكن لدى كوريا الجنوبية من صناعة الأفلام شيئا وقال كثير من الباحثين أن كل ما كان يعرض في صالات السينما أن ذاك كان دعايات ركيكة وفجة أما اليوم، ولعوامل كثيرة يدخل فيها الدعم الحكومي، والبحث والتطوير R&D، ووفرة المسارح الفنية، ومراكز الإنتاج المستقلة، فقد ارتفع معدل الإنتاج للأفلام السينمائية المحلية من ١٣٪ في الثمانينات الميلادية وصولا ل ٥٨٪ في ٢٠١٢. بل وقد نجحت كوريا الجنوبية في تصدير أعمالها السينمائية لأكثر من ١٦٠ دولة بما في ذلك فرنسا وأميركا وفقا لمجلس الأفلام الكوريKorean Film Council (KOFIC) . يذكر أن كوريا الجنوبية لم تصل لهذه الاستقلالية النسبية، والاكتفاء الثقافي سينمائياً، والقدرة على التصدير إلا بعد أن أتاحت المساحة لشركات وفروع أجنبية فاكتسبت منها الخبرة والمهارة لتنطلق في بناء صناعة سينمائية لا تمثّل من خلالها إلا الوطن وثقافته وشعبه. تقاوم كوريا الجنوبية بذلك أمركة محتواها الفني أو إعطاء أفلامها طابعا غربيا لا يشبه الثقافة المحلية. وهناك أيضا من يعول نجاح تجربة كوريا الجنوبية سينمائياً للدعم والإشراف الحكومي والاختصاصي بهدف ضمان تحقيق المصلحة العامة.
التوصيات:
1- وضع مكافئة لشركات السينما العالمية لتنفيذ أعمال سينمائية في السعودية مع الاشتراط باستقطاب سعوديين مختصين عند التنفيذ الميداني.
2- إذا لم يكن تنفيذ الأولى بحدود المستطاع: تغطية تكاليف جزء من تنفيذ أعمال الشركات السينمائية الميداني في السعودية بهدف التحفيز والاستقطاب.
3- تسهيل الاجراءات القانونية والأذونات لصانعي المحتويات السينمائية.
4- السماح لشركات الأفلام الأجنبية الشهيرة مثل Twentieth Century Fox وDisney بفتح مكاتب تدريب وإنتاج بداخل السعودية.
المصادر:
– Eungjun MIN، Jinsook JOO، Han Ju KWAK، Korean Film: History، Resistance and Democratic Imagination، Greenwood Press، 2003 .
– Understanding Media Economics: by/ Gillian Doyle، 2013.
التعقيب الأول: د. فهد اليحيا
يجب الانتباه إلى أن قرار السماح بدور السينما لا يعني قراراً بصناعة أفلام سعودية. فصنع أفلام سعودية كتجارب فردية وبعيدة عن العمل المؤسساتي (التجاري لا الرسمي) قائمة خصوصاً في الأفلام القصيرة وبميزانيات متواضعة. وهناك عدة أفلام طويلة مثلها قيد الإنتاج. ولكن وجود دور عرض سيسرع على الأرجح من وتيرة إنتاج أفلام سعودية وقد يؤدي لاحقاً إلى قيام صناعة سينما سعودية (بالشكل الذي أشارت له أ. عبير، وغيره) إذا وُجدت الإرادتين السياسية والاقتصادية.
ولا أعني بصناعة سينما إنتاج أفلام سينمائية بحد ذاته ولكن أن تكون السينما رافداً اقتصادياً يوفر فرص عمل حقيقية. وأقول بقدر كبير من الاطمئنان أن صناعة السينما في الدول العربية بالشكل الذي أعنيه موجود في مصر فحسب فهي رائدة صناعة السينما في العالم العربي.
من جانب أخر علينا أن نسمع أصوات مختصين في الإنتاج المرئي يقدرون أن السوق السعودي (من حيث عروض الأفلام) سيكون 98% لأفلام غير سعودية أو خليجية عموما.
هذا يدفعني إلى القول إن صناعة السينما هنا ستعتمد (ويجب أن يكون هذا أحد أهدافها) إقامة استوديوهات سينما كبيرة لجذب تصوير الأفلام الأجنبية هنا. ولا سيما وأن المقومات الجغرافية واسعة فالتضاريس متعددة بشكل يدعو للدهشة. كما أن هناك عدداً كبيراً من السعوديين من الجنسين قد درسوا صناعة السينما دورات أو مؤهلات جامعية وخلال الـ 15 سنة الماضية تم ابتعاث ما يقارب الـ 5000 طالب من الجنسين لدراسة صناعة الفيلم في كل من كندا وأمريكا.
وإني وإن كنت أتفق مع أ. عبير في دعوتها إلى تقديم التسهيلات لشركات أجنبية لتقوم بإنتاج أفلامها لدينا؛ إلا أنه يصعب استنساخ التجربة البريطانية. فلا أظننا سنشهد إقبالا من المستثمر الأجنبي في إنتاج أفلام سعودية كما حدث في التجربة البريطانية؛ إذ أنه بالإضافة إلى البنية التحتية الكبيرة لصناعة السينما البريطانية العريقة فإن المزاج البريطاني والثقافة البريطانية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها الأوربية وامتدادهما في الأمريكيتين. أما بالنسبة للسينما السعودية المرتقبة فمحتواها الثقافي والشروط الرقابية ستحد من إنتاج أفلام بمقاييس أوروبية أو عالمية.
لكن هناك باب أخر هو الاتجاه لإنتاج أفلام أجنبية سعودية عن قصص الرحالة الأوربيين في الجزيرة العربية (وخصوصا السعودية) أو بعثات التنقيب عن البترول عبر سرد درامي.
مؤخراً حدثني أحدهم عن قدوم والده إلى الخرج عام 1958 للعمل سائق وايت (صهريج مياه) في مشروع الخرج الزراعي الوليد. وحدث حريق في المشروع وأصاب حريق كبير يد الأب فأرسلوه بطائرة أرامكو إلى مستشفى أرامكو بالظهران ولكنه بعد أسبوعين هرب من المستشفى ليعود إلى العمل! لماذا؟ لأنه لم يعرف شيئاً اسمه إجازة مرضية ومدفوعة الأجر!!
وصديق أخر حدثني عن تجربته في أمريكا حينما ذهب فقيراً معدماً للدراسة في أمريكا وكيف تشكلت شخصيته الصلبة هناك حيث عمل في أعمال مختلفة: من عامل نظافة في نادي الطلاب السعوديين إلى مساعدة طلبة الماجستير والدكتوراه في تصحيح رسائلهم لغوياً.. الخ! تحويل قصة كفاحه – وهو من أبناء الخرج- إلى قصة سينمائية لا شك ستكون مثيرة ومشوقة للسعوديين والغربيين على السواء (شريطة تقديمها بلغة سينمائية رفيعة).
التجربة الكورية جديرة بالاحتذاء مع ملاحظة أن المجتمع الكوري (ومثله الفلبيني والياباني وغيرهم) متأمرك إلى حدٍ ما فلا يوجد ذلك البون الثقافي بين الكوريين (والآسيويين) والأمريكيين اللهم إلا في الأفلام التاريخية.
نحن -المجتمع السعودي- متنوع الثقافات المحلية يدل على هذا اختلاف الفولكلور والمطبخ واللهجة.. الخ. وهذا التنوع مصدر قوة وثراء وسيكون معيناً في صناعة أفلام سعودية. ولكن يجب الحذر أن لا ننزلق إلى أفلام “الكارت بوستال” التي تهدف إلى إبهار الآخر بالثقافة المختلفة على حساب عناصر العمل الفني والشروط الدرامية.
التعقيب الثاني: د. سعود كاتب
سبق لي كتابة مقال حول هذه القضية بعنوان “عندما نخفي وجهنا يرسمه الآخر كما يشاء” ذكرت فيه كيف أننا بقينا لعقود نشكو من التشويه الذي تمارسه صناعة الأفلام الغربية لصورتنا كعرب ومسلمين، وهو تشويه لم يتوقف حتى اليوم رغم اختلاف أساليبه وأدواته التي أصبحت اليوم أكثر قوة وتأثير. عقود ونحن نشكو من عدم فهم الآخر لثقافتنا الحقيقية التي تعكس حبنا للسلام والتعايش والتسامح، في وقت كان فيه الآخرون شرقاً وغرباً ينشرون ثقافتهم ويجسرون الفجوات فيما بينهم عبر إنتاجهم السينمائي، ومن ذلك مثلا المسلسلات والأفلام الأمريكية التي حافظت دوما على تفوقها وتفننت في نشر ثقافتها وإبراز الأمريكي بصورة البطل المحب للخير والمنقذ الأول للبشرية، بل وإعطاء مبررات لأقسى الممارسات وأكثرها وحشية كما فعل مثلاً فيلم “بيرل هاربر” بتبريره لاستخدام القنابل النووية على اليابان، وأفلام عديدة عن الحرب في العراق عمدت إلى تصوير بطولات الجيش الأمريكي في أرض المعركة دون ذكر لأي ممارسات غير إنسانية كتلك التي جرت في سجن أبو غريب وسواه.
هذا التوظيف الأمريكي للقوة السينمائية الناعمة بدأ في الواقع منذ عقود طويلة، وقد يذكر الكثيرون مسلسل جحيم المعركة combat”” في السبعينات الذي تمكن حينها من إعطاء تصور إيجابي لا يستهان به عن الجيش الأمريكي وقوته ومبادئه، وهو بالمثل توظيف جعل الملايين حول العالم يعرفون ثقافة أمريكا ويولعون بها دون حتى أن تطأها أقدامهم يوماً.
المفرح المحزن بالنسبة لنا هو أن يكون لدينا مجموعة من الشباب المبدعين في مجال صناعة الأفلام القصيرة ممن توهجت أعمالهم عالمياً لكنها غابت تماماً محلياَ، في وقتٍ نحن أحوج ما نكون لتلك المهارات والقدرات. يكفي أن أقول بأن إيران أنتجت 5 أفلام مترجمة بعدة لغات عن حادثة التدافع في منى، إضافة إلى العديد من الأفلام الأخرى التي يتواجدون من خلالها في كل مهرجان ومناسبة ممكنة لتحسين صورتهم في العالم.
اليوم وبعد تجاوز عقبة التصريح فإن خشيتي هي أن نتحول كالعادة إلى مجرد سوق استهلاكي يستورد منتجات هوليوود وبوليوود وغيرهما على غرار استيراد منتجات غوانزو وشتوتجارت وديترويت. إن من المهم لنا ونحن في بداية الطريق أن لا ننظر للسينما ونتعامل معها على أنها مجرد ترفيه واستثمار تجاري استهلاكي فقط، فالسينما اليوم هي وسيلة هامة من وسائل الثقافة والإعلام وقوة ناعمة جبارة ينبغي توظفها التوظيف الأمثل وعدم الاكتفاء بجعلها مجرد شباك تلج من خلاله إلينا أفكار وثقافات الشعوب شرقها وغربها، بما فيها صورنا نحن التي يتم رسمها وتشويهها وفقاً لرغبات مدن الإنتاج العالمية المختلفة.
تأسيس صناعة سينما سعودية يتطلب دون شك وجود بنية متكاملة لعرض وتوزيع المحتوى السينمائي، لكنها قبل ذلك تحتاج إلى تحرك فوري لوضع خطوات متعددة الاتجاهات منها على سبيل المثال:
- فتح أقسام للمسرح والسينما في كليات الإعلام بجانب أقسام الصحافة والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة والصحافة الرقمية.
- تبني ودعم الكفاءات السعودية الشابة التي أثبتت قدراتها في مجالات الإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو والحوار والتصوير والنقد السينمائي. الجميل أن لدينا حالياً قاعدة رائعة من الأسماء في كافة تلك المجالات أثبتت تفوقها وتوهجها في المهرجانات العالمية والإقليمية.
- إطلاق جوائز ومهرجانات مرموقة للسينما بكافة فروعها.
- تشجيع مؤسسات الإنتاج السينمائي وإقامة مدن سينمائية متكاملة.
- منح تصاريح لإقامة جمعيات متخصصة بصناعة السينما من حيث التدريب والتطوير ومواثيق الشرف والأخلاق وغيرها.
- وضع معايير وأنظمة محددة تتسم بالشفافية والوضوح لتنظيم هذه الصناعة بشكل يعرف منه كل من يعمل في هذا المجال حقوقه ومسؤولياته.
- على وسائل الإعلام المختلفة عدم ترك هذا المجال لصحفيين غير متخصصين والبدء بإعداد كوادر وأقسام وملاحق متخصصة بهذا المجال الذي يتوقع أن ينافس المجال الرياضي من حيث اهتمام شريحة الشباب ذكورا وإناثا.
المداخلات حول القضية
أشارت د. نوف الغامدي إلى أن صناعة السينما وهي من أهم الأنشطة الترفيهية لها فوائد اقتصادية واجتماعية وسيكولوجية تنعكس ايجابياتها على سلوك الأفراد بشكل كبير، فعندما تخلق بيئة اجتماعية سعيدة فيها العديد من الخيارات الترفيهية مؤكد سيكون لها تأثير إيجابي على تخفيف ضغوط الحياة، كما أن دور السينما مربحة اقتصاديا للمستثمرين المحليين ولها تأثير اقتصادي يمكن التحقق منه بواسطة تحليل نموذج المدخلات والمخرجات الذي يوضح لنا مدى تأثير دور السينما Cinema Multiplier Effect)) على الخدمات المرتبطة بها والاقتصاد ككل، فإن إنفاق السعودي 30 ريالا على التذكرة سيكون له مضاعف يزيد على القيمة الفعلية مما يرفع من أداء قطاع الخدمات بشكل خاص والقطاعات الأخرى بشكل عام ويعزز إجمالي الأنشطة الاقتصادية.
كثير من الدراسات أظهرت أن اثنين من كل ثلاثة مستهلكين يرتادون دور السينما، كما أن عدد الرجال الذين يرتادون السينما يفوق عدد السيدات، أما الاهتمامات الترفيهية فلقد توزعت على السينما بنسبة 65%، ومراكز التسلية والمدن الترفيهية بنسبة 47% والأندية الصحية بنسبة 32% .
مؤشر شباك التذاكر في الخليج يشير إلى أرقام قياسيه فمثلاً بلغت الايرادات في الإمارات 5 ملايين درهم وبيع 850 ألف تذكرة بإجمالي 212 مليون درهم، وبنسبة نمو بلغت 6%، وفِي البحرين أعلنت شركة البحرين للسينما “Cineco”، الشركة الرائدة في قطاع الترفيه في البحرين، أنها حققت أرباحاً صافية بلغت 35.89 مليون دينار بحريني للستة الأشهر الأولى.
إن العمل بالقطاع السينمائي له أثر اقتصادي كبير يؤدي إلى زيادة حجم السوق الإعلامي، وتحفيز النمو والتنوّع الاقتصادي.
كما سيوفر القطاع أكثر من 30 ألف وظيفة دائمة، إضافة إلى أكثر من 130 ألف وظيفة مؤقتة بحلول عام 2030، منهم المصورين والكتاب والمخرجين والمنتجين والممثلين والمحاسبين والفنيين كما سيعمل على دعم الخدمات المساندة كالمكياج وتصميم الملابس والمؤثرات الصوتية والإعلان والتسويق وغيرها.
عدد سكان السعودية يتجاوز 27 مليون نسمة فلو تم بيع فقط مليون تذكرة أسبوعيا في الرياض لحققت دور السينما ما يقل عن 30 مليون ريال أسبوعيا، فالقطاع السينمائي يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 90 مليار ريال.
وتساءل أ. عبدالله الضويحي: من خلال الدراسات والأرقام المطروحة.. هل أن نسبة ارتياد السينما اثنين من ثلاثة ستنطبق على مجتمعنا!؟ ثم ما هو تأثير وجود السينما لدينا على مداخيل السينما في الخليج خصوصاً البحرين ثم دبي!؟
وحول ذلك ترى د. نوف الغامدي أن التوقعات كبيرة ومع بداية إطلاق أول الأفلام من المتوقع أن تكون النسبة كبيرة ففئة الشباب لدينا هي الأغلبية وسيكون هناك تأثير ملحوظ على دور السينما في الخليج فمرتاديها من السعوديين نسبة لا يستهان بها أيضا.
فالآن لن يحتاج الجمهور السعودي بعد اليوم إلى تكبّد عناء السفر لمشاهدة نجمهم أو عرضهم المفضّل، الترفيه قادم إليه بتنظيم ودعم الهيئة العامة للترفيه، فالحراك الترفيهي المتنوع ما بين فني وتراثي وترفيهي يستهدف الشباب والأسرة السعودية. وهو في شكل عام موجّه لتحقيق هدف استراتيجي وهو أنسنة المدينة السعودية وإحياء روحها الإنسانية بعد أن تحوّلت إلى كتل اسمنتية وأسواق تجارية. ما دفع البعض إلى العزلة أو السفر إلى الخارج بغية طلب الترفيه والتواصل الإنساني، وتستهدف أيضا تطوير المفاهيم الاجتماعية للإنسان السعودي والمجتمع في شكل عام لتنويع أسلوب الحياة والانفتاح الثقافي.
وفي تصور د. زينب إبراهيم فإنه سيتطلب من السينما السعودية أن توفر نفس الأفلام التي تعرض في سينما دول الخليج على الأقل، كذلك بالنسبة للأفلام السعودية لابد أن يكون مكتمل الأركان من قصة وإخراج وممثلين، الواقع أن السينما في السعودية ستكون مكان لتجمع الأسرة مثل المول والمطعم، لأننا في الواقع نشاهد الأفلام في المنزل وبعض المنازل لديهم غرفة سينما. لكن السؤال المطروح: الأفلام التي ستعرض ستخضع لذائقة من؟
وأوضحت د. نوف الغامدي أنه ستظل نوعية الأفلام منتقاة لتناسب الذوق المحلي ومقص الرقيب سيعمل بشكل جيد فالأفلام العالمية بها الكثير من الجرأة التي ستكون مستبعدة من دور السينما السعودية وذلك كان واضحاً في نوعية الأفلام التي ستطرح في البداية كفيلم نجد والفيلم الذي يتحدث عن حياة الملك فيصل والمتوقع أنه سيكون التعامل معها تدريجياً لتخفيف وطأة الانتقاد.
والحقيقة لا توجد مشكلة في الذوق المحلي فمرتاديها هنا هم نفس الأشخاص الذين يرتادونها في الخارج ولكن بعد منع أكثر من 80 عاماً لن تفتح السينما على مصراعيها بنفس نوعية الأفلام بل ستكون تدريجياً فقط لمنع الجدل؛ أي أننا سنقع تحت وطأة النوعية الجغرافية لكسب التفاعل الشعبي وتدريجياً ستفتح الخيارات العالمية.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أنه بعيداً عن الاطروحات التي تقول إن السينما أداة ثقافية ووسيلة للتواصل والثقافة العليا؛ وأنها وسيلة اقتصادية لخلق مداخيل جديدة، فمن المهم النظر للسينما كوسيلة ترفيه وليس أكثر مع ما يصاحب هذا الترفيه من طقوس اجتماعية ترتبط بخروج أفراد الأسرة مع بعضهم للفرجة على فيلم ومن ثم الذهاب إلى مطعم أو مكان آخر وقضاء وقت ممتع بدلا من ذهابهم فرادى إلى نشاطات ترفيهية متنوعة. وبالتالي فالقضية هي ضرورة وجود وسائل الترفيه بمختلف صورها سواء كانت سينما أو مسرح أو رحلات بحرية أو برية أو أنشطة رياضية أو ثقافية.
الترفيه ضرورة قصوى بل إن غيابه يعد أحد مؤشرات “الفقر النسبي” كما يعتقد من نظروا لمفهوم الفقر ومدلوله (هارالمبوس، ١٩٩٥) فالفقر ليس فقط نقص الطعام والأساسيات الأخرى بل يشمل غياب الترفيه كذلك. نحن نحتاج للترويح والترفيه بعد ساعات العمل الطويلة حتى نعود لأعمالنا بصورة أفضل وأكثر حيوية ونشاطاً.
مدننا ينقصها الكثير من وسائل الترفيه الممؤسس كالسينما والمسرح والملاهي والمقاهي والمطاعم العائلية والمراكز الرياضية والفنية، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة انتشار “الاستراحات الخاصة” في مدن المملكة وما تشكله من ضغط على الخدمات؛ كالكهرباء والماء وأسعار الأراضي؛ بحيث أصبحت هي الوسيلة المتاحة للترفيه خارج المنزل مع كل هذه الأعباء التي خلقتها على المستوى العام. ومن يعتقد أن الاستراحات ليست مشكلة فليذهب خارج مدننا عدة كيلومترات ويحصي عددها إن استطاع ويحاول تقدير مساحاتها ليعرف حجم هذه الظاهرة باهظة التكاليف سواء على مستوى ملاكها أو الجهات الحكومية التي تمنحها التصاريح وتقدم لها الخدمات. ودون الإشارة إلى أن بعضها أصبحت أوكار فساد، فإن سجلات الشرطة تقدم ما يؤكد ذلك.
وخلاصة القول إن السينما ضرورة ترفيهية للحد من كثير من النشاطات الترفيهية غير البناءة. السينما نشاط خلاق ووسيلة لتعزيز الحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال انهماكهم بعمل مشترك، وهي كذلك وسيلة تثقيف ولهو بريء، ويفترض أن ننظر لها كخيار ترفيهي ضمن خيارات أخرى وأن نتخلص من الصورة النمطية السلبية التي رسمناها عنها طيلة العقود الماضية.
ومن جانبه قال د. إبراهيم البعيز: أخيرا أسدل الستار على واحدة من السمات التي تفردت بها المملكة عن كل دول العالم، ولم تعد الدولة الوحيدة في العالم التي لا تدخل السينما ضمن خيارات الترفيه المتاحة لمواطنيها والمقيمين فيها. لم يكن القرار مفاجئا، فقد بدأت التلميحات والإشارات في أخبار صحفية متناثرة هنا وهناك، وفي تبني وزارة الثقافة الإعلام وجمعية العربية السعودية لفعاليات ومناسبات مثل مهرجان أفلام سعودية.
منذ أن صدر القرار، والمشهد الإعلامي السعودي مزدحم بتصريحات وتحليلات صحفية ولقاءات إذاعية وتلفزيونية، كلها تفاؤل بولادة صناعة سينما سعودية، بعضا منها يشير إلى أرقام ونسب ستأتي بها السينما إلى الناتج المحلي، ووصل التفاؤل بالبعض أن يشير إلى أن عوائد السينما ستعادل 45% من الايرادات غير النفطية. مثل هذه النظرة فيها الكثير من التسطيح لمصطلح صناعة السينما وقطاعاته الثلاثة (الإنتاج – التوزيع – العرض) وفيها إغراق في التفاؤل ورفع لسقف التوقعات لميلاد صناعة سينما سعودية فقط بمجرد قرار يسمح بالتراخيص لصالات عرض الأفلام. القضية أعقد من ذلك بكثير، فهناك مسافة طويلة علينا أن نقطعها قبل أن ننقل رغبتنا في صناعة السينما إلى واقع.
تتسم صناعة السينما بما يسمى يعرف في دراسات الاقتصاد باحتكار القلة، حيث المجال والفرصة للاستثمار فيها مفتوحة ومتاحة للجميع، لكن متطلبات النجاح لا يقدر عليها إلا عدد قليل من الشركات الكبرى ممن لديها القدرة المالية التي تمكنها من المخاطرة في سوق يتسم بالكثير من المخاطرة.
تجدر الإشارة إلى أن معظم المشاريع (بين70 و80%) لا تتمكن من تجاوز هذه المرحلة نظرا لما تكتنفه صناعة السينما من مخاطر استثمارية عالية. تشير كثير من التقارير في اقتصاديات الإعلام أن واحد فقط من كل أربعة أفلام يحقق أرباحا مجزية، والبقية بالكاد تسدد تكاليفها إن لم تكن خاسرة أساسا. ما يتم إنتاجه في هوليود لا يمثل في الغالب إلا 25% تقريبا من المشاريع السينمائية التي كانت تبحث عن تمويل.
إشكاليتنا ستتمثل في وجود مستثمرين لديهم الرغبة والقدرة المالية للدخول في صناعة يكتنفها الكثير من المخاطرة، وهذه طبيعة الاستثمار في الأفلام السينمائية الطويلة. وهذا ما تشير إليه التجارب الدولية؛ واحد فقط من كل أربعة أفلام يحقق أرباحا مجزية، والبقية خاسرة أو بالكاد تسدد تكاليفها. هل المؤسسات المالية في المملكة لديها الرغبة في الدخول للاستثمار والتمويل لمجال تحتاج إلى كوادر فنية وإبداعية شحيحة في المجتمع السعودي؟ فعلى الرغم من الثقافة والتراث الزاخر بالكثير من القصص والروايات التي يمكن تحويلها إلى قصص وأفلام سينمائية، إلا أن الاشكالية تتمثل في وفرة كتاب السيناريو والحوار القادرين على المعالجة الفنية لما في التراث والثقافة من قصص ليتحول إلى أفلام سينمائية، ومن الشواهد على هذا العجز ما يلاحظ من سطحية الكثير من المسلسلات التلفزيونية التي هيمنت المواضيع الكوميدية الساذجة على الكثير منها.
وجود صالات العرض السينمائي ليس كافيا لولادة صناعة سينمائية. صالات العرض متوفرة في كل الدول العربية، لكن لم توجد صناعة سينمائية إلا في مصر، حيث الوفرة في الفنون المساندة للإنتاج السينمائي.
أما د. حميد المزروع فطرح فكرة أن تخصص الحكومة نسبه لا تقل عن ٥٠٪ من عوائد القيمة المُضافة والمفروضة على القطاع السياحي (الخدمي- والترفيهي)، وتوجه لدعم ميزانيات البلديات لتطوير الأحياء وإنشاء مرافق خدمية للمجتمع. المواطن سيتقبل وبصدر رحب دفع مثل هذه الضرائب إذا علم مصير هذه العوائد، خاصة تلك التي لا ترابط بالموارد الطبيعية للدولة مثل اقتصاديات السينما والمسرح.
وباعتقاد د. خالد الفهيد فإن السينما صناعة لابد النظر لها من منظور اقتصادي وتنموي وأن يتم إنشاء صالات العرض لها خارج المدن الرئيسة لتساهم في إتاحة فرص عمل والتعريف بالجوانب الحضارية والتنموية لمختلف مناطق المملكة أن تكون جاذبة ومعززة للسياحة الداخلية.
الصورة الذهنية عن السينما في مجتمعنا هي نمط فساد معها معول لهدم كيان أخلاق وعادات تم بناؤها في المجتمع من عشرات السنين والإنسان عدو ما يجهل مما يعني أهمية التعريف والتركيز باتزان وعدم المبالغة على ايجابيات السينما بشكل مطلق وتوضيح الآثار الجانبية التي قد تصاحب الفهم السيء لانطلاق هذه الصناعة بشكل مكثف.
وعقب أ. عبدالله الضويحي على هذا الطرح الأخير بقوله: يؤكد ذلك نظرة البسطاء من العامة للسينما وترديد ما يسمعون وكذلك الذين لم يسبق لهم السفر أو متابعة الأفلام وخاصة من أصحاب الأجندات المحددة الهدف والرؤية.. ولذلك فإن التوعية يجب أن تأتي أولاً، يلي ذلك تكثيف الأفلام الدرامية أو ذات البعد التاريخي والاجتماعي مثل عمر المختار والرسالة وغيرها، والقصص التي أشار لها د. فهد اليحيا في تعقيبه سيكون لها دور كبير في تغيير النظرة للسينما.
بينما يرى د. خالد الرديعان أننا نعطي موضوع السينما أكبر من حجمها ربما بسبب الصور النمطية التي رسمناها عنها في السنوات الماضية وتحديدا منذ ١٩٧٩ عندما تم منعها تماماً.
قبل ذلك التاريخ كانت معظم الأندية الرياضية في المملكة تضم صالات سينما ولعل أشهرها وأفضلها في مدينة الرياض صالة سينما نادي اليمامة (نادي الرياض لاحقاً) فقد كانت تشكل دخلا مناسباً للنادي وإن كان صغيرا لكنه منتظم. كما أنها كانت تشكل متنفساً ترفيهيا لسكان وسط الرياض (حي المربع وما حوله) ولم يكن هناك أي محاذير من وجودها رغم عدم وجود رقابة دقيقة على ما يعرض فيها من أفلام. كانت المسؤولية ملقاة على إدارة النادي التي ضمت جيلا واعياً من الإداريين.
وبالتالي فإن الجدل حول السينما سيهدأ بل سيختفي تماماً عند إدخال هذا النشاط إلى منظومة أنشطتنا الترفيهية. الكثير مما يقال هو مجرد تخمينات وتخرصات ليس لها أصل وإلا ما الفرق بين الأفلام التي تعرض في التلفزيون وتلك التي ستعرض في صالات السينما.
المخاوف التي يعبر عنها بعض أفراد المجتمع لا علاقة لها بمضمون الأفلام، ولكنها تنحصر في خروج المرأة والاختلاط فهذا ما يقلق المجتمع. مشكلتنا هي ليست مع السينما.. المشكلة هي مع المرأة.
وذهب م. أسامة كردي إلى أنه وعلى الرغم من تحفظه على منافسة الحكومة للقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، إلا أنه قد يتفهم استثمار صندوق الاستثمارات في هذا القطاع كونه قطاع وليد.. المقصود هنا الاستثمار في بناء وتشغيل دور السينما وليس إنتاج الأفلام.. ولعل هذا مدعاة لقيام الصندوق بدراسة قطاع السينما – بشكله الكامل – في بعض الدول العربية والإسلامية والصديقة للاستفادة من خبرات الآخرين.
في حين ترى أ. لمياء العنزي أن إصدار الرخص للسينما، سيحدث أثراً اقتصادياً يؤدي إلى زيادة حجم السوق الإعلامي وتحفيز النمو والتنوع الاقتصادي السعودي وهذا يوفر فرص وظيفية في مجالات جديدة للسعوديين بتعليمهم وتدريبهم والهدف من ذلك تحسين صورة المملكة في الداخل والخارج من خلال شاشات السينما.
ومن جانبه قال أ. عبد الرزاق الفيفي: شخصيا من المؤيدين للسينما.. ولكن مع توفير ضماناتها الأخلاقية في محتواها وطريقة عرضها؛ فلكل مُكَوِّن من مكونات المجتمع (الفرد / الأسرة / الدولة) أدواته الخاصة التي لا يصح إسقاط بعضها على بعض؛ فإن صحت لي حريتي في مؤسستي الصغيرة (الأسرة) بعرض ومطالعة ما أشاء من مواد فيلمية، فلا يصح إطلاق تلك الحرية في المؤسسة الكبيرة (المجتمع). ففي خاصة نفسي ومن أعول لنا حريتنا التي لا تتعدى سور المنزل، ولو تجاوزت في ذلك فتبقى خصوصيتي في نفسي وبيتي محفوظة مصونة؛ ولكن لا يصح أن نستخدم الحرية كأداة لفرض نمط من الحرية مخالف لهويتنا التي ارتضينها أرضا وإنسانا ودولة بعقيدتها وأخلاقها لا بالعرف والعادة. من المهم أن يهتم صناع التنمية بموائمة عادلة واعية نهضوية لتطبيقات التنمية العصرية مع منظومة هويتنا.
وأكدت أ. فاطمة الشريف على أهمية الترفيه ودور السينما فيه وأهمية التأثير الاجتماعي، فعدم وجود السينما سابقا خلق عزلة فردية إن صح التعبير؛ فمعظم الجيل الشاب يشاهد أفلاما أكثر من الأجيال السابقة ولكن على شاشة الكومبيوتر أو اللابتوب الصغيرة أو حتى على شاشات الهواتف المحمولة في عزلة فردية، بينما يكمن جانب كبير من سحر السينما في كونها طقسا جماعيا للمتعة المشتركة والاحساس المشترك ، إضافة إلى أننا عندما نشاهد فيلماً في صالة سينمائية أو على شاشة التلفزيون، أو عبر شريط تلفزيوني مسجل، فنحن إلى جانب كوننا نقوم بعمل ثقافي ترفيهي من الجانب الاستهلاكي فإننا فاعلون أيضا سواء احتسبنا ذلك أم لا، بمعنى أننا نشكل حلقة أساسية لا في اقتصاد السينما وحسب، وإنما أيضا في الثقافة السينمائية.
وتساءل د. خالد الفهيد: هل بالإمكان تغيير اسم السينما إلى مسمى آخر يتناسب مع واقعها وذلك للمساهمة في تقبل المجتمع بشرائحه المختلفة لها لتغيير الصورة الذهنية التي ترسخت لدى البعض وتأثيرهم على البعض الآخر وتفاعله مع هذه الصناعة؟
وفي هذا الصدد أوضح د. سعود كاتب أن السينما هي سينما في كل أنحاء العالم، ومنحها اسم مختلف بالإضافة إلى كونه غير ممكن عمليا فهو لن يؤدي إلى تغيير الصورة الذهنية لدى بعضنا عن السينما. هذا البعض لديه صورة ذهنية سلبية عن أشياء كثيرة منها الفن والسفر للسياحة وحتى قراءة الكتب والروايات الغربية. إن تعاملنا على أرض الواقع مع السينما هو الذي سيحدد شكل تلك الصورة.
أما د. عبير برهمين فقالت في مداخلتها: اتفق تماما مع د. سعود كاتب فيما طرحه كنواحي إيجابية لصناعة السينما ودورها الايجابي في حياة المجتمع. صناعة السينما يجب أن لا يذهب عقلنا وطموحنا إلى حد إنتاج أفلام ضخمة هوليوودية تنافس مثيلاتها من أفلام هوليوود على الأقل ليس حاليا. ما نقصده بصناعة السينما هو خلق شريحة جديدة من الأعمال التي لم تكن معروفة من قبل في المجتمع السعودي مثل كتاب السيناريو وكتاب القصص وكذا فناني المكياج ومصممي الأزياء ومكتشفي المواهب والنجوم وكذلك مدراء الأعمال والبدلاء لأداء المشاهد الخطرة وتقني المؤثرات البصرية وغيرهم. وهي فنون وأعمال ستكون جديدة في السوق المحلي حتما ستفتح أفاق جديدة تعود بالنفع على المجتمع. سنرى حتما فوضى في البداية ما بين التيار المتشدد والغارق في الأحلام. إلا أننا بطبيعة الحال سنخضع لقانون الانتقاء الطبيعي الذي يقضي على الغث ويبقي الثمين. الأفلام السينمائية بإمكانها زرع القيم الإنسانية والإسلامية السمحة من خلال بث رسائل غير مباشرة وإذا تم توظيفها بشكل صحيح في كتابة السيناريوهات. فكما نجحت السينما المصرية في ترسيخ بعض العبارات والافيهات التي علقت بأدمغتنا مثل ” المخرج عايز كده” وغيرها. ومثل ما رسخت الأفلام الأمريكية في أدمغتنا أن البطل الأمريكي هو صاحب مبادئ إنسانية عالية وهو سوبر مان مضاد للرصاص والرجل الأسود أو الملون هو من الفاسدين والرجل المسلم هو الإرهابي. نستطيع نحن تقديم النموذج المشرق للمسلم الوسطي من خلال قصص إنسانية حقيقية وتسليط الضوء عليها. السينما هي أداة اختبار للذوق العام فإيرادات شباك التذاكر ومدى إقبال المشاهدين على الأفلام الجيدة هو مؤشر وعي للمجتمع ومؤشر للذوق العام. وانتقاء الأفلام ومقص الرقيب هو بعد آخر. لا أتفق مع الذين يقولون إن كثير من الشعب سيظل في بيته مفضلا عدم الذهاب للسينما. باعتقادي هم فئة قليلة تود مشاهدة ما لا يمكن مشاهدته في العلن. وهم من نفس طينة مرتادي الاستراحات ممن يسهل غسل أدمغتهم فيما لا تحمد عقباه. لكن السواد الأعظم هم إن شاء الله من الوسطيين المعتدلين. الشيء الأخير والمهم جدا هو خلق جيل من الشباب والشابات القادرين على التعامل مع بعضهم البعض في إطار من الاحترام والتقدير بعيد عن العزلة الاجتماعية والعدوانية تجاه الآخر. والأهم أن المجتمع سيكون معافى من أمراض ازدواج الشخصية في التعامل مع الآخر.
واتفقت أ. فاطمة الشريف مع ما للسينما من دور ثقافي واجتماعي هام في تنمية وعي الشرائح الاجتماعية المختلفة بقضايا المجتمع وهمومه إضافة إلى تنمية الحس النقدي لدى الناس وتنمية الشعور بالانتماء المشترك لمنظومة وطنية واحدة وتسليط الضوء على المشاكل المجتمعية الناجمة عن التهميش وانهيار القيم.
وأشار د. فهد الحارثي إلى أن السينما إنتاجاً واستهلاكاً تعد من الصناعات المهمة التي يلتقي فيها الاقتصاد والثقافة لدعم التنمية؛ فهي من الفعاليات التي استرعت انتباه صانع التنمية الجديدة في السعودية. فبعد أن غرقت السينما متوارية سنوات عديدة خلف ذرائع شرعية، أو شبه شرعية، متشددة، فقد وجدت اليوم فرصتها للخروج من القمقم، فالسينما ستكون مجالا مهماً للاستثمار، وهي ستخلق فرصاً وظيفية جديدة، كما أنها في الوقت ذاته مجال مهم للتنمية الثقافية والاجتماعية بطبيعة الحال. وسيتم السماح بفتح دور السينما منذ الربع الأول من بداية 2018م. وفي هذا السياق تعاقدت السعودية مع واحدة من أكبر الشركات في العالم في مجال التشغيل السينمائي، وهي شركة آي ماكسIMAX الأمريكية وذلك لإقامة وتشغيل عشرين قاعة سينما في السعودية في السنوات الثلاث المقبلة. وشركة آي ماكس تقول عن نفسها أن 450 مليون شخصٍ قد زاروا دورها السينمائية منذ العام 1970م فلديها أكثر من ألف دار سينمائية في أكثر من 66 بلداً حول العالم، وهي تعد السعوديين ببناء الصالات “الفخمة الفريدة” وفقاً لتصريحات ريتشارد جيلوفون الرئيس التنفيذي للشركة الذي يؤكد أيضا أن “الشاشات ستكون عالية الدقة مع إضافة أحدث التقنيات”.
ووفقاً لتقارير صحفية توقعت وزارة الثقافة والإعلام السعودية أن صناعة السينما ستسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 90 مليار ريال بحلول 2030. وقد أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن توقيع مذكرة مع شركة (آي إم سي أنتر تيمنت) وهي أكبر مزود ومشغل لدور السينما في العالم وذلك لبحث فرص الاستثمار والشراكة في المملكة. أما صناعة السينما السعودية نفسها، أي إنتاجها محلياً، فستشهد هي الأخرى تطورات كبيرة، وستقدم خدمتها المنتظرة للتنمية الثقافية والفنية، ولكن أيضا ستفتح أحد المجالات المهمة للاستثمار، ولإيجاد الوظائف الجديدة للشباب.
ويندرج في هذا السياق من الصناعات الثقافية المهمة في مشروع التنمية وفق الرؤية الجديدة: المسرح، والإنتاج الفني (التلفزيوني خصوصاً) فقد ظهر اهتمام واضح بهذه الصناعات متمثلاً في بعض المبادرات التي أعلنت مؤخراً في المملكة، ومنها مبادرة “مجموعة روتانا” التي أعلنت خلال الدورة الثانية لمنتدى أسبار الدولي 2017 وتتضمن تنظيم ورش وحلقات ودورات تدريبية في التمثيل والإخراج والإنتاج بالمشاركة مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وعلى أعلى المستويات.
كما يتمثل ذلك فيما أعلن مؤخراً من نيّة هيئة الإعلام المرئي والمسموع الإعلان خلال أسابيع عن “المدينة الإعلامية في السعودية” وهي ستنشئ البنية التحتية والتجهيزات المطلوبة لصناعة الكثير من المنتجات الفنية والإعلامية، وستكون مصدراً استثمارياً ثرياً يخلق العديد من الفرص الوظيفية، ولاسيما إذا استعادت السعودية مشروعاتها الإعلامية الكبرى الموجودة حتى اللحظة في الخارج.
إلى جانب ما سبق نشأت اليوم صناعات ثقافية فنية وإعلامية جديدة آخذة في التشكل كمصدر من مصادر الدخل، وتنوع الاقتصاد وهي قد تكتسب أهمية أكبر وأرحب في وقت لاحق ومنها قنوات اليوتيوب.
أيضا فإنه ولتعزيز الاستثمار في الفنون وأدوات الترفيه ووسائله أنشأت الدولة الهيئة العامة للترفيه للعمل على رفع جودة قطاع الترفيه، وفقاً للمعايير الدولية من أجل منافسة قطاعات الترفيه العالمية. وقد خصصت للهيئة ميزانية سنوية مستقلة فيما تتألف مواردها من مخصصاتها في الميزانية العامة للدولة، وأيضا المقابل المالي الذي تتقاضاه عن الخدمات والأعمال التي تقدمها.
ولا شك أن من أبرز أدوات الترفيه السينما ذاتها وسينتج عن مشروعات وفعاليات هيئة الترفيه ومنها السينما، توفير العديد من فرص العمل التي يتوقع أن يبلغ عددها حوالي 22 ألف وظيفة.
ومن مشروعات الهيئة إطلاق أول مجمع ترفيهي بحلول عام 2019 كما تهدف مخططات الهيئة إلى خدمة حوالي 50 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030. ويتوقع أن تسهم مشروعات الترفيه بزيادة إجمالي الناتج المحلي بمقدار 8 مليارات ريال سعودي.
كما أن من أهداف الهيئة الاسهام في تنمية السياحة الوطنية، والاستفادة من التراث الوطني في المشروعات المتوقع تنفيذها، وذلك فيما يعرف بالسياحة الترفيهية.
ومن جهة أخرى لابد أن نعلم أن السينما تدخل في حزمة تتوخاها الرؤية لتعزيز الاستثمار في الفنون جميعا ومنها السينما، وهي حتماً من أدوات الترفيه ووسائله، وفِي هذا السياق أنشأت الدولة الهيئة العامة للترفيه للعمل على رفع جودة قطاع الترفيه، وفقاً للمعايير الدولية من أجل منافسة قطاعات الترفيه العالمية. وقد خصصت للهيئة ميزانية سنوية مستقلة فيما تتألف مواردها من مخصصاتها في الميزانية العامة للدولة، وأيضا المقابل المالي الذي تتقاضاه عن الخدمات والأعمال التي تقدمها. وسينتج عن مشروعات وفعاليات هيئة الترفيه توفير العديد من فرص العمل. ومن مشروعات الهيئة إطلاق أول مجمع ترفيهي بحلول عام 2019، وكيف لهذا المجمع أن يكون في منأى عن السينما وصناعة الصورة؟ وكيف تستطيع الهيئة أن تصل إلى غايتها المعلنة وهي خدمة حوالي 50 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030؟ ويتوقع أن تسهم مشروعات الترفيه (فضلاً عن السينما) بزيادة إجمالي الناتج المحلي بمقدار 8 مليارات ريال سعودي. ينبغي أن ينظر إلى السينما (أيضا) ضمن هذا السياق التنموي وليس بعيداً عنه.
وفي الإطار نفسه يمكن الإشارة إلى صناعة مزدهرة لدينا، وهي ليست بعيدة عن السينما وتحديداً صناعة اليوتيوب. إذ تشير بعض التقارير إلى أن مشاهدات اليوتيوب في العالم تبلغ في العام الواحد ما يزيد عن 800 بليون مشاهدة، وتجني مئات الملايين من الدولارات سنوياً. ويعد السعوديون، وفق تقرير فوربس، من أكبر مستخدمي موقع يوتيوب في العالم (بدون ضوابط ولا محددات) ونجح الكثير من رواد الأعمال في تكوين مسار مهني عبر استخدام يوتيوب كمنصة لعرض برامجهم، فهناك ثمانية سعوديون بين أشهر 10 قنوات على يوتيوب.
ومن المقرر أن تقوم يوتيوب بافتتاح مقر في مدينة دبي للاستديوهات، وسيكون الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وسيقوم بتقديم الدعم والأدوات والنصائح لتطوير المحتوى المصور.
وتعتبر قناتي Uturn السعودية، وديوان المصرية القناتين المسيطرتين في منطقة الشرق الأوسط، وتقومان بتقديم محتوى مخصص للجمهور العربي. كما أن يوتيوب تمثل مصدر دخل كبير لنجومه، مثل بدر صالح صاحب برنامج “أيش إللي” الذي تدعمه “كتكات” و”هواوي” كرعاة للبرنامج.
ومن السعوديين المشاهير على اليوتيوب:
– حسن عمران، واسم القناةMrMrsnb2 ، وعدد المشتركين 3.7 مليون وعدد المشاهدات: 360 مليون.
– بدر صالح، واسم القناة أيش إللي، وعدد المشتركين 3.2 مليون، وعدد المشاهدات: 371 مليون.
– ريان الأحمري، واسم القناة MjrmGames ، وعدد المشتركين 3.2 مليون وعدد المشاهدات 336 مليون .
– وعبد الرحمن إبراهيم، واسم القناة 7oomy_999 وعدد المشتركين 2.9 مليون، وعدد المشاهدات 491 مليون.
ويغلب على هذه القنوات الفكاهة، والنقد الساخر ولها أن تدخل في نشاط الترفيه. وهي في الوقت نفسه منصة للإعلام تناقش مشكلات تهم المجتمع بهدف تحسين الحياة في المجمل. ومن الجهة الأخرى فهي اليوم تمثل مصدراً من مصادر الدخل المهمة. والإشارة هنا لا تقتصر على هذه القنوات بذاتها، وإنما تمتد إلى مشروع اليوتيوب برمته والذي أضحى في يومنا هذا منافساً قوياً للقنوات التلفزيونية ذاتها من حيث نوعية المحتوى، وطبيعة المنتجات، والوسيلة التي يصل بها إلى الجمهور. فاليوتيوب اليوم ساحة رحبة لصناعة الثقافة ولدعم اقتصادات الإعلام بشكل خاص.هكذا تفكر السعودية الجديدة! أو هذا ما ينبغي أن يكون.
ويرى د. حامد الشراري أن السينما تمثل القوة الناعمة، وكثير من الأفلام الأمريكية تتحدث عن بطولات قواتهم من الحرب العالمية الثانية إلى حرب الفيتنام وأفغانستان والعراق.. ولا يخرجوا من معركة سواء انتصروا أو خسروا حتى يتبعها إنتاج أفلام سينمائية تحولها إلى بطولات وتحقق أرباح كبيرة قد تعوض خسارتهم.. وفيلم سقوط “بلاك هوك” في الصومال خير مثال.. وبالتأكيد فإن بطولات القوات المسلحة وتضحياتهم في الحفاظ على أمن الأمة العربية ووحدتها، وإنسانيتهم في التعامل مع الأسرى، وكذلك الأعمال الإغاثية الإنسانية – مركز الملك سلمان – في اليمن وسوريا تستحق إنتاج سلسلة من الأفلام وتعرض في السينما السعودية والعربية وقد تعرض في السينما العالمية.
ومن وجهة نظر د. علي الحارثي فإن الدولة أفسحت المجال للمشروع بكل أبعاده. المجتمع متفاوت بين الرفض والقبول. الفقه لا يمنع ولكن بشروط بعضها قد يكون عقبةً في عناصر المشروع. التقنيات الحديثة أيضا لها تأثيرها الكبير لما تحققه للفرد من خيارات زمنيه واهتمامات ترفيهية في وقت الفراغ. غالبية الأسر لم تعد تجتمع مع بعضها في المنزل فكيف بالذهاب الجماعي للسينما وبينهم الرافض والقابل. الأنظمة أو الأوامر قد تتغير تبعاً لبعض الظروف السياسية ونوعية المستشارين وبعض المؤسسات الحكومية والمدنية، وأصدق مثال إلغاء حفلات غنائية كانت مبرمجة. المؤسسات الاقتصادية لن تستثمر في مشروع مخاطرة عالية خاصةً في الظروف الاقتصادية الحالية. الدولة يمنعها الاستثمار والدعم في هذا المجال لمسايرتها لبعض المؤسسات وبعض أطياف اجتماعية. خبرة الكتاب والمخرجين والمنتجين وكل الآليات الأخرى لإنتاج فيلم قد يتعثر نجاحها. الشركات السينمائية المرموقة لن تشارك وتأتي إلى مجتمع محافظ.. سيكون المشروع في بوتقة تجاذبات تصل إلى حد التطرّف من بعضهم. لا يمنع البدء بإيجاد منصات إطلاق (صالات) في المدن الرئيسية واختيار أفلام ذات ذائقه اجتماعية مقبولة ترضي نسبة لا بأس بها من أطياف المجتمع والعبرة بالنتائج الأولية خلال سنوات التحول الأربع.
أما د. عبد الله بن ناصر الحمود فقال في مداخلته والتي جاءت تحت عنوان “السينما في السعودية.. رؤية في (المنظور) و (الحق في الاتصال): عندما أصف هذا التحول المنتظر ب (التاريخي) فإنني أستند إلى خصائص مهمة في هذا التحول على مستوى (الرؤية) وعلى مستوى (الحق في الاتصال) وسأعرض هذه الخصائص في ما يلي:
أولا: السعوديون والسينما: جدلية الرؤية
وفق منطوق القاعدة الالهية في أصل الخلقة البشرية (إنا هديناه النجدين)، عمل المجتمع السعودي منذ مرحلة التأسيس على بناء منظومات ضخمة من الرؤى المجتمعية التي كيّف عليها مسيرته الحافلة بكثير من التغيرات والتحولات منذ المراحل المبكرة لنشأة المجتمع السعودي البسيط حتى مرحلة الطفرة الاقتصادية الأهم في تاريخه إبان عقد السبعينات من القرن الميلادي الماضي وما تلي ذلك العقد من تحولات متسارعة خلال الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الالفية الجديدة.
لقد كان كل شيء تقريبا إنما يتم قبول أو رفضه وفق (رؤية) مجتمعية تحدد أي (النجدين) يختاره المجتمع ليعبر من خلاله ليس إلى مصاف الحضارة الإنسانية بالضرورة ولكن إلى (المصير الأخروي المحمود!!)، وهو مصير لا يختلف عليه أبداً العقلاء من البشر.
لقد كانت وسائل الإعلام والاتصال في مجتمعنا منذ لحظات دخولها الأولى في الستينات الميلادية الماضية وفق (الرؤية المجتمعية الاكثر انتشاراً)، لا تعدو أن تكون (نجداً) يقود المجتمع نحو الكارثة أو نحو (المصير المذموم)، فكانت كثير من القوى المجتمعية المؤثرة على مر العقود الماضية تدفع في هذا الاتجاه كلما جدّ جديد في وسائل الإعلام والاتصال في المجتمع.
ومن المفارقات المهمة أن تلك الرؤى (الممانعة) لوسائل الإعلام والاتصال كانت تفعل أفاعيلها في سلوك المجتمع سواء على المستوى المؤسسي الرسمي أم على المستوى الشعبي الأهلي، حيث كان الناس يخشون النار (المصير المذموم)، الذي تحذر منه تلك الرؤى وتسوق له الأدلة العقلية والنقلية (المفحمة فقط) في المنظور الذي يتبناه من يسوقها أو في حالات كثيرة (يعتسفها اعتسافا).
وكان مجتمعنا يلتزم الصمت ويقبل الأمر الواقع حتى تتبين القيادة السياسية مصلحة ما فتنتفض على الواقع المجتمعي لتقوده نحو مستقبل مختلف بمنظور و (رؤية) مختلفة لمعنى ودلالة (النجدين) فيما انتفضت عليه، فيتوافق المجتمع في رحلة تحول كبيرة حول المنظور الجديد ويسلك (نجداً جديداً) يختلف عن سابقه في الاتجاه ولكن يقود لذات (المصير المحمود) الذي لا ينفك مجتمعنا السعودي عن أن يقصده وينشده.
وفي كل تلك المراحل التي تسبق انتفاضة القيادة والتي تليها، تزدهر في مجتمعنا أطروحات وتجاذبات (المنظور والرؤية) التي منها ما يتصف بعقلانية الاختلاف وما يتمرد على أخلاقياته إلى فضاء السب والشتم والازدراء والقطيعة.
لقد عبر مجتمعنا على هذه الحال من مرحلة اللا اتصال جماهيري إلى عصر الإذاعة، إلى التلفزيون، إلى الفيديو، إلى الفضائيات، إلى أجهزة الاتصال الذكية وتطبيقاتها. لكن مجتمعنا رغم تحولاته الكبرى في بيئة الاتصال والإعلام ولو بالشكل السابق ذكره لم يستطع أن يجتاز عقبة (السينما) كل تلك العقود التي مضت.
لقد كانت ثمة أسباب كما يبدو رسّخت (منظور، ورؤية) الممانعين في جعل (السينما) (نجداً) يقود نحو (المصير المذموم)، في حين لم تولي القيادة السياسية أهمية نوعية لصناعة السينما في المملكة لأسباب قدرتها هي بالتأكيد. فبقي مجتمعنا على مستوى (المنظور، والرؤية) وعلى مستوى (السلوك) ممانعا للسينما كخيار مجتمعي عام.
ومن لم يرق لهم حال الممانعة تلك وجدوا بدائل في السفر هم وأبناؤهم لدول الجوار في رحلات خصصت في حالات كثيرة للسياحة السينمائية، أو أنهم وجدوا بدائل صنعوها في أقبية بيوتهم تزدهر فيها أفلام السينما العائلية التي ساعدهم على جدارتها وحداثة أفلامها ما تعرضه مئات المواقع الإلكترونية من فرص لتنزيل الأفلام السينمائية الجديدة وشبه الجديدة.
واليوم وبعد حوالي مئة عام على ظهور أول فيلم سينمائي في العالم، انتفضت القيادة السعودية في مواجهة ل (منظور ورؤية) الممانعة فأصبحت السينما أو أنها سوف تصبح قريبا جداً (نجداً) لا يقود بالضرورة نحو المصير المذموم الذي روجت له قوى الممانعة المجتمعية ردحاً من الزمن.
هكذا دخل مجتمعنا السعودي مرحلة السينما ليطرح التاريخ سؤاله العظيم (..الآن: وقد كنتم تمنعون؟).. ليأتي الجواب الأمثل في رأيي: أن تصل متأخراً خير من أن لاتصل أبدا.
ثانياً: السعوديون والحق في الاتصال
تبدو حكايتنا مع السينما (فيلماً سينمائياً بجدارة) فالممانعون على مستوى المنظور المجتمعي إنما كانوا يمنعون (حقاً) من حقوق الناس وهو (الحق في الاتصال) الذي أقرته المنظمات الدولية منذ منتصف القرن الميلادي الماضي وأنشئت من أجله (لجنة ماكبرايد) مطلع الثمانينات لتعني بقضايا الإعلام والاتصال على المستوى الدولي.
لكن قاعدة (النجدين)، وتأويلات الممانعين للسينما لأي (النجدين) يكون والمؤدي إلى (المصير المحمود) جعل كثيراً من الناس يتنازلون عن هذا الحق الاتصالي طمعاً في النجاة من (المصير المذموم)، وسايرهم على ذلك المنهج كثير من الناس من نخبهم ومن دهمائهم.
واليوم يمكن فهم انتفاضة القيادة السياسية لصالح تشريع السينما في المجتمع على أنها انتفاضة لإعادة (الحق في الاتصال) بعد أن تم سلبه من لدن قوى مجتمعية كل تلك العقود من الزمن.
ويمكن فهم (السينما) كأحد مواطن التمتع بالحق في الاتصال، ما تتيحه تلك الصناعة الضخمة من تشكيل للوعي الجمعي للناس بكثير من الأمور التي يتشكل وفقاً لها وعي الناس الآخرين في العالم، فتتكون وفق ذلك منظومة كبيرة من الآراء والاتجاهات والسلوكيات التي تعبر عنها صناعة السينما وتغرسها في الناس فيصبح الناس تبعاً لذلك شركاء حقيقيين في المعرفة وفي الوعي.
إن انتفاضة القيادة السياسية لمنح هذا الحق للناس ستمضي مثلما مضت كافة الانتفاضات السابقة لصالح المجتمع رؤية وحقوقاً، وبالتالي فسوف تعود صناعة السينما في المملكة على المجتمع بعائدين اثنين عظيمين ليس منهما ما تنادا كثير من الناس به من عوائد فرص العمل ودعم البنية الاقتصادية والخيارات الترفيهية.
فعلى الرغم من جدوى تلك العوائد وأهميتها إلا أن العائدين الأعظمين هما:
- التطور النوعي المهيب في (منظور ورؤية المجتمع) للكون والحياة.
- تمتع الناس بحقهم في الاتصال الكوني عبر صناعة السينما، وامتلاك تشاركية عالمية مهمة جداً على مستوى المعرفة والوعي والسلوك.
هذان العائدان هما ما سوف يشكل تحول تاريخيا مهما للإنسان السعودي، وذلك على الرغم مما قد يظنه البعض (وهم من الممانعين أو من أتباعهم)، من عدم أهلية صناعة السينما لتحقيق تغير جوهري ما، أو أن في السينما اثم كبير ومنافع للناس وأن اثمها أكبر من نفعها.
إننا سنشهد في مجتمعنا مرحلة من التجاذبات المؤيدة والممانعة لسنوات قليلة قادمة لا نلبث بعدها أن ننشد (منظوراً جديداً) و (حقاً جديداً) ننتفض من أجله. تلك هي سنة الله في دفع الناس لتلمس الخير في أي من النجدين.
وباعتقاد م. أسامة كردي فإن من المهم أن ننظر إلى جزء رئيسي من أجزاء قطاع السينما وهو الإنتاج.. الإنتاج يتطلب رؤوس أموال عالية نسبياً حسب نوعية الفيلم.. وهذا يعني أننا سنطلب من المنتجين المغامرة في الاستثمار في قطاع وليد ليس له تاريخ اقتصادي.. لعل هيئة الترفيه تراعي ذلك وتعمل على تحفيز إنتاج الأفلام الوطنية.. البديل عن ذلك الانتظار عدة سنوات لتتكون الاحصائيات الاقتصادية لدور السينما ويعرف تأثيرها على اقتصاديات إنتاج الأفلام. فبعد أكثر من ٢٠ عاما من إنتاج سلسلة أفلام حرب النجوم بلغ دخل الفيلم الأخير (ربما التاسع) مليار دولار بعد شهر من إطلاقه!
وذكر د. حمزة بيت المال أن صناعة السينما بها أكثر من ثمانين مهنة، والناس لا تعرف إلا المخرج والممثل وكاتب السيناريو؛ لذا فإن من الأهمية أن تكون هناك معاهد تطبيقية متخصصة للسينما، الأقسام وكليات الإعلام لا تستطيع بناء كوادر مهنية. التصوير به فقط أكثر من عشر مهن، المصور ومشغل الكاميرا، والمتخصص في حوامل الكاميرات، الآن هناك مهن كثيرة للمختصين في الأعمال الالكترونية والمونتاج، والصوت نفس الشي، السنيما الاحترافية تحتاج مختصين بدرجات عالية، هناك مختصين عالميين للتصوير تحت الماء.. الخ. واتحادات المهنة في بريطانيا وأمريكا لديها حصر وتوصيف للمهن السينمائية يكمن الرجوع إليها.
من الأهمية بمكان العمل على تأسيس فكر يؤسس لمدرسة سعودية خاصة بالسينما؛ نسخ المدارس لن يسهم في تطوير سينما سعودية بالذات المدارس العربية، السينما في السعودية تحتاج الآن لقيادات تضع خط لهذه المدرسة، وبالنسبة لما ذكر من مردود اقتصادي فربما هناك مبالغة كبيرة في الأرقام دول سبقتنا بكثير لم تصل لنصف ما ذكر.
وعقبت أ. فايزة الحربي بأنه للأسف التصوير وغيرها من المهن المتعلقة بالتصوير والإنتاج لازالت مغتربة نادرة التوطين، ولازالت كلياتنا تفرز الاف الخريجين بتخصصات مشبعة وظيفيا ما يخلق البطالة والتوظيف لغير المختصين. نحتاج لمرونة أكبر في التحول للتخصصات المطلوبة من قبل وزارة التعليم.
وفي ذات الإطار قال د. مساعد المحيا: أميل إلى أن المبالغة في الآمال تجاه صناعة السينما المحلية هو لون من مخادعة النفس؛ هذا الأمر دفع الكثيرين لحالة من الاستثمار في ايجاد صالات دور السينما اعتقادا بأن المجتمع سيهرول نحوها وستحقق المداخيل الكثيرة.
سلوك المشاهدة المحلية لدى شبابنا تغير كثيرا وأي استثمار سيواجه رغبة عارمة في البداية لكن ذلك سيخبو وستصبح صالات السينما ضعيفة الإقبال.
كثيرون يعتقدون أن شبابنا يذهبون لأجل مشاهدة الأفلام في دول مجاورة وأن هؤلاء سيختارون الفيلم المحلي حين تفتح صالات السينما أبوابها؛ وهذا الأمر لا أخاله سيتحقق لأن طبيعة سلوك المشاهدة لدينا تعولم لدرجة جعلت شبابنا يتابعون الأفلام الغربية والآسيوية بطريقة وجدوا فيها الكثير من الاستمتاع.. فالشاب مثلا يشاهد عبر نت فلكس أفلاما كثيرة طوال اليوم وبمبلغ زهيد جدا وفي مكان خاص يستمتع فيه مع أصدقائه بكثير من الخصوصية، هذا الشاب يصعب أن يذهب لصالة سينمائية ويدفع مبلغا أكبر لمشاهدة فيلم آخر.. تماما كما يجري في مشاهدة كرة القدم، أصبح الشاب يفضل أن يشاهد المباراة في استراحته أو مجلسه ولا يتكلف عناء الذهاب للملعب والأرقام في كل عام تؤكد تناقص عدد الحضور للمباريات على نحو كبير.. في حين أن الجمهور في أوربا مثلا لا يزال يجد في المشاهدة خارج المنزل متعة أكبر وبالتالي فإن سلوك المشاهدة متغير بين البيئتين الغربية والسعودية لاعتبارات ومتغيرات عديدة وربما ساعد على ذلك عدم وجود بث من خلال الفضائيات للمباريات.. مجتمع شبابنا أصبح متيما باستصحاب الخصوصية أثناء حصوله على الترفيه، والمشاهدة العامة لا تحقق له الاشباعات التي يريدها.
ومن وجهة نظر د. يوسف الرشيدي فإن السينما في المملكة ستكون دور عرض للأفلام العالمية ولن تسهم بشكل كبير في تنمية وتطوير صناعه السينما في البلاد… أثرها الاقتصادي سيكون واضح من خلال الشركات التي سيتم تأسيسها وما ستوفره من وظائف معظمها ذات دخل متدني ولكن عددها الكبير سيسهم في إيجاد مصدر جديد للتوظيف ولو مؤقت للجنسين … وما ستحققه من مداخيل من الممكن أن تكون عالية خلال الخمس السنوات الأولى.
ولكن تجربة فيلم برايت – وإن كان مازال عليها نقاش ما بين مؤيد ومشجع ومعارض – ، والذي أنتجته Netflex وبميزانية تفوق ال٩٠ مليون دولار وبث من خلال شبكتها من الممكن أن يغير صناعه الأفلام إلى الأبد وخاصة أن رواج الاشتراكات وقبولها عند السعوديين وهم جزء من هذا القبول الدولي يمكن أن يؤثر على نجاح السينما من حيث جدوها الاقتصادية على الأمد البعيد.
أما ما يتعلق بصناعة السينما السعودية وتطورها بعد السماح بدور السينما فالمتوقع أنه لن تحدث نقله كبيرة في هذا الشأن ولنا في الكويت والبحرين والإمارات عبره، سبقونا في الأمر ولكن لم نرى إنتاجا يستحق الإشادة على صعيد الإنتاج المحلي للأفلام السينمائية غير الوثائقية.
وأشار أ. أسامة نقلي إلى عدة نقاط محددة فيما يخص قضية السينما كما يلي:
- هنالك فرق شاسع جداً بين فتح دور السينما، وبين إنشاء صناعة السينما، فالأولى بمثابة إضافة أحد المشاريع الترفيهية إلى ثورة الترفيه القائمة، ويقتصر دورها على فتح الدور بكافة مستلزماتها، مع عرض الأفلام العربية والأجنبية مثلنا مثل الكثير من دول العالم. بينما الثانية تُعنى بإنشاء صناعة سينما وطنية شكلاً وموضوعاً.
وعلى سبيل المثال، الكويت كانت من أوائل الدول الخليجية التي فتحت دور سينما، استتبعتها في ذلك البحرين والإمارات وقطر، دون وجود صناعة سينما بهذه الدول، عدا محاولة خجولة جداً للكويت في فيلمها (بس يابحر) الذي أنتج قبل نحو أربعة عقود، ولَم يشفع للكويت إنشاء صناعة سينما رغم توفر الامكانات المادية، والفنية، بينما نجحت في صناعة المسرح الكويتي بمساعدة المخرج المصري زكي طليمات في ذلك الوقت، واستمر المسرح الكويتي حتى عصرنا الحالي.
- ليس هناك مبرر لتفاؤل بعض الفنانين السعوديين بإنشاء الصناعة، لأن ما تم مشاهدته من منتج فيلمي لا يتعدى الأفلام القصيرة، وهي أفلام قصيرة النفس فعلاً، وما حظيت به من إشادة لا يعدو كونه من باب التشجيع، لأن تلك الأفلام تفتقر فعلاً إلى الحرفة الفنية والروائية، وتفتقد للجاذبية ومن الصعب أن تجذب المشاهد للقيام من مقعده الوثير بالمنزل أمام شاشته الـ ٨٠ بوصة لتكبد معاناة المرور والوقوف أمام طابور التذاكر لدخول الفيلم.
- إننا نحتاج لعقود لصناعة فن السينما بكل تفاصيلها المعقدة، وليس فقط بناء قاعة عرض، وشراء ماكينة الفشار والبيبسي، وفِي الغالب إننا لن ننجح مثلنا مثل ٨٠٪ من دول العالم وفِي ظل سطوة وحرفية وشهرة هوليوود وبوليوود والسينما المصرية على المستوى العربي.
- في كل الأحوال تظل السينما مشروع ترفيهي التثقيف جزء من رسالتها وليست أساس رسالتها، فأفلام باتمان وسوبر مان وإيرون مان الحركية، إضافة إلى أفلام بن ستلر وايدي ميرفي الكوميدية تخلو من التثقيف، ولكنها تحقق مردودات عالية جداً تفوق بأضعاف مدخول أفلام الأوسكار.
وفيما يتعلق بمسألة ضبط المحتوى المقدم في السينما ترى د. عبير برهمين أنه شيء فطري سيقوم به المجتمع بوجود ضوابط أو غيابها. فنحن تتحدث عن مكان عام يضم عوائل ترغب في قضاء وقت ممتع مع بعضها. والظن أنه لن يكون هناك من يتقبل جلوسه وعائلته في مكان عام يعرض فيه ما يندى له الجبين. ويثير التحفظ – برأي د. عبير – ربط كثير من الأمور الحياتية بالضوابط الشرعية والقيم الإسلامية؛ لأنه خلال عقود مضت كانت هذه الكلمات تعني لا جدال ولا حوار وإلا اقصيت بوصفك علماني أو حتى خارج عن الملة.
وأشار م. خالد العثمان إلى أن مسألة ضبط المحتوى تشبه الحديث عن الضوابط الشرعية في القرارات والأنظمة.. الحدود العامة للآداب معلومة ولا يتوقع أن يخترقها أحد بجرأة دون مواجهة تلقائية من المجتمع.
في حين يرى أ. سمير خميس أنه وفي مجال صناعة السينما هناك رافد مهم يتمثل في “الحرية” التي تنهل منها، متى ما فكرنا في تقييد هذه الحرية تحت ذرائع دينية أو اجتماعية فستفشل هذه الصناعة من البداية.
أما أ. د راشد العبد الكريم فذهب إلى أن الضوابط العامة لا بد من النص عليها، وما لا نريده أن يقع ونتفق على أنه غير مقبول فلا غضاضة في النص عليه. وعدم وجود الضوابط العامة يجرئ من يكون هدفه الربح المادي، بحجة أنه في حيّز المباح. ونحن – كما تعلمون – في زمن “المادة” تبرر الوسيلة! أما الاعتماد على الأعراف والذوق العام في ظل سيطرة مفهوم الربح والإعلان فهو مخاطرة.. المقارنة في هذه النقطة مع اليوتيوب، قد تكون غير مناسبة، فمن يقدم اليوتيوب معروف باسمه، أما السينما فغالبا من يأذن بها “لجنة” أو شخص خلف الكواليس (وربما تحتها!) لا يعرفه أحد.
لكن د. فهد الحارثي أوضح أن المقصود أن أي منتج أو خدمة تحتاج بطبيعة الحال إلى ضوابط وتشريع، ولكن ليس التشريع المفتوح على احتمالات التأويل، مثل القول “وفق الضوابط الشرعية”.. فلتذكر وتحدد الضوابط المقصودة. هذه الأمور موجودة حتى في الدول الأكثر انفتاحاً.. لكنها واضحة وغير قابلة للتأوّل.. على الأقل المفرط أحياناً.
في حين يرى د. زهير رضوان أن السينما والصحف والكتب تختلف عن التلفزيون والإنترنت ومحتوياتها، وسبب الاختلاف أن الأولى مقابل دفع مالي والثاني مجانا…. وبطبيعة الحال الإنسان لا يدفع إلا مقابل شيء يستحق ذلك ويحرص عليه، أما الشيء المجاني فلا يعطيه ذلك الحرص ويستخدمه لأنه لا يكلفه شيء…. لذلك فإن تأثير السينما والصحف والكتب أكثر على المجتمع من الوسائط الإعلامية الأخرى وتحتاج إلى رقابة مستمرة من الجهات التشريعية، تراعي توجهات الدولة والمجتمع.
ومن جديد ذكر د. خالد الرديعان أن خاصية مهمة للسينما تتمثل بشعبويتها؛ فصالات السينما يرتادها في العادة المثقف والمتعلم ونصف المتعلم والأمي والصغار والكبار من الجنسين وهي الخاصية التي لا تتوفر بمعارض الكتب أو دور الأوبرا على سبيل المثال. وقد تنطبق على المسرح ذات الصفة (الشعبوية).
لذلك لا يمكن القول إن السينما من “الثقافة العليا” بحكم شعبويتها وجذبها للجميع من مختلف الطبقات الاجتماعية مما يجعل منها أداة مهمة في إيصال الرسائل المطلوبة ولأكبر قطاع ممكن من الجمهور من خلال الفيلم. لا يعني ذلك توجيه الفيلم السينمائي ليصبح دعاية فجة؛ لكنه في النهاية يقدم رسالة ومحتوى وهذا معمول به؛ فمعظم ما تعرضه السينما هو مؤدلج أو مثقل ببعض الأطروحات لاحظنا ذلك أم لم نلاحظه.
وفيما يخص السينما السعودية المتوقعة فإنها تحتاج ردحاً من الزمن لبلوغ سن الرشد والنضج لتقدم مادة مناسبة. وحتى ذلك الحين فإن الفراغ ستملأه مادة مستوردة سواء عربية أو أجنبية الأمر الذي يلقي بمسؤولية كبيرة على صناع الأفلام المحليين للحاق بالركب وتقديم فيلم بمحتوى محلي خالص.
ويرى د. عبدالرحمن الشقير أن من أبرز مهددات السينما التقليدية انتشار السينما المنزلية، وزيادة تطبيقات الأفلام في أجهزة الهواتف الذكية، والجاذبية التفاعلية ليوتيوب خاصة بعد تقديمه خدمة زيادة عدد ساعات البث، مع اتجاه كثير من القنوات التلفزيونية العربية لرفع أرشيفاتها على يوتيوب بوصفها قوة ناعمة تثبت أقدامها التنافسية. إضافة إلى أن المشغل الفعلي لصالات السينما هو شركات توزيع الأفلام، وهي العنصر الأقوى في التحكم بالترويج لها أو تهميشها، وأخيرا اتجهت بعض صالات السينما العربية مصممة لتكون صالة عرض سينما ومسرح في الوقت نفسه لرفع جودة استغلالها بحسب الموسم. أما المدة فهي مرتبطة بالإنتاج السينمائي. ولا يمكن قياسها بالسنة الأولى لظروف البدايات.
وأكد د. مساعد المحيا على أن وجود الضوابط من أهم ما ينبغي العمل به وبخاصة في شأن السينما التي ستكون فرصة لتسويق منتجات فيلمية غربية أنتجت وفق ثقافة مختلفة.. سواء في القيم أو في الحريات أو في نمط الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية.. لو أراد أحد أن يبث فيلما يسخر فيه من الله أو من القرآن أو نبيه ﷺ أو من الإسلام أو من الدولة السعودية أو المجتمع السعودي أو من الأسرة الحاكمة بطريقة لا يمكن تقبل عرضها.. كيف للجهة المسؤولة أن تمنع عرض ذلك دون معايير محددة وواضحة.. ولو أرادت إحدى دور العرض أن تقدم فيلما يشتمل على لقطة إباحية أو مشهد لامرأة أو رجل في وضع مخل أو بدون ملابس أو يتجرد من ملابسه قطعة قطعة كيف يمكن منعه دون معايير واضحة ومحددة.
نحن فقط سنستورد الأفلام وسنكون منصة عرض لها وكل حديث عن المشاركة في البعد التنموي هو تصور يقوم على الآمال البعيدة عن واقع هذا المنتج.. نحن بحاجة إلى إنتاج سينمائي حقيقي يرعاه ويدعمه القطاع الخاص.. وليس صالات عرض لمنتجات فيلمية أجنبية تعمق عولمة ثقافة الفرد ولا تصنع له هوية أو تغرس فيه فضيلة أو قيمة اجتماعية أو ثقافية.. هذه الآمال تبدو اليوم بعيدة جداً.
اقتصاديا نحن اليوم سوق كبيرة لكل منتجات العالم ومستهلكون لهذه المنتجات على نحو كبير.. وإذا كنا لم ننجح حتى اليوم أن نمتلك استثمارات كبيرة في التصنيع والتكنولوجيا وفي تقنية الاتصالات والمعلومات ولم نقدم دعما للبحث العلمي على نحو يتسق والطموح والآمال ويجعل النخب العلمية تقوم بجانب من وظيفتها ويجعلنا متميزين كثيرا.. إذا لم نقم بذلك فإن السينما لن تكون إلا كأي منتج بل سنكون أكثر استهلاكا لأنماط من الأفلام الغريبة جدا.. كل ذلك يعزز فكرة وجود ضوابط محددة ودقيقة تضبط مسار الشركات التي ستنتقي بعض الأفلام وستقدمها هنا.
وفي الختام ذكر د. فهد الحارثي أنه ما زال مع محاولة وضع السينما في موقعها الصحيح من حيث علاقتها بمشروع التنمية؛ فالسينما في خدمة التنمية مع الابتعاد عن التصور النمطي الشعبوي المحلي الذي يربط السينما دائماً بالخلاعة، والفنانات “نص كمّ”، والمخرج تاجر الخدمات. إن السياحة والسينما بهذا المعنى هما عبارة عن “مصانع” منتجة للثقافة، وهما مستهلكان لها بصفتها مادتهما الخام في الوقت ذاته، أو أنهما (السياحة والسينما) يمثلان، أحياناً، شكلاً من أشكال إعادة تصنيع الثقافة، في المفهوم، وأيضا في المحتوى والمقومات والأدوات والمعالجة، فهما (السياحة والسينما) هكذا تتحولان إلى منتجات تدر الأموال، وتخلق الوظائف، وتعزز الاقتصاد، فتؤثران بالتالي في عجلة التنمية، وتسهمان بطريقتهما في حل مشكلات البطالة. وهما مصدران يتعاظم دورهما من يوم لآخر، بل إنهما جاذبتان بطبيعتهما للابتكار الذي يقود دائماً إلى التطوير، والاتقان، والجودة العالية، وخفض التكاليف.
وبدوره اتفق د. إبراهيم البعيز مع ما ذكره د. فهد الحارثي حول أهمية السينما للتنمية وأضاف أنه لا خلاف على الأهمية الثقافية والاجتماعية للسينما، لكن ذلك لا يعني تجاهل القيم المضافة عندما تتحول السينما إلى مجال اقتصادي يتسم العمل فيه بالمهنية والاحترافية، ويحولها إلى صناعة تسهم بنسب متفاوتة في الناتج المحلي. وقد أدركت كثير من الدول الأهمية الاقتصادية لقيام صناعة سينما محلية تجني منها حراكا ثقافيا، ومردودا اقتصاديا في السوق المحلية أو الدولية.
تشير التقارير أن مؤشر الأثر المضاعف لصناعة السينما تراوح بين 2 في بريطانيا و2.67 في أستراليا، والمتوسط العالمي 2.43. مما يعني أن كل دولار ينفق على في القطاعات الثلاثة (الإنتاج – التوزيع – العرض) لصناعة السينما يكون مردوده على الناتج المحلي 2.43 دولا.
يضاف إلى ذلك أن صناعة السينما تعتبر محركا أساسيا لعدد من الصناعات الإبداعية الأخرى مثل النشر (الروية وكتابة النص) والفنون التمثيلية، والموسيقى، والتصوير، والتصميم، والأزياء، والبرمجيات، والعمارة (تصميم وديكور مواقع التصوير)، التلفزيون (أحد منافذ العرض للأفلام) والإعلان (لتسويق الأفلام).
ونظرا لهذه العوائد الاقتصادية لصناعة السينما، تبنت كثير من الدول برامج ومبادرات تقدم قروضا لدعم المشاريع السينمائية، وفيها إعفاءات تبدأ من 20% كما في فرنسا وترتفع لتصل إلى 40% كما في سنغافورا. شهد العالم خلال تسع سنوات بين عامي 2005 و2013 ارتفاعا ملحوظا في عدد الأفلام السينمائية، حيث ارتفع عددها من 4642 فيلم في عام 2005 إلى 7610 فيلم في عام 2013 بنسبة زيادة وصلت إلى 64% تقريبا. وعلى الرغم من هذه الأفلام أنتجت في تسعين دولة، إلا أن هناك هيمنة لخمس دول (الولايات المتحدة، الهند، اليابان، الصين، فرنسا) يتجاوز إنتاجها نصف (%56) الإنتاج العالمي من الأفلام السينمائية.
التوصيات المقترحة
1- يفترض أن ننظر للسينما كخيار ترفيهي ضمن خيارات أخرى فهي نشاط خلاق ووسيلة لتعزيز الحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال انهماكهم بعمل مشترك، إلى جانب كونها وسيلة تثقيف ولهو بريء.
2- العمل على تأسيس مدرسة سعودية خاصة بالسينما من خلال قيادات مؤهلة تؤسس لهذه المدرسة فنسخ المدارس لن يسهم في تطوير سينما سعودية.
3- البدء بإيجاد منصات إطلاق (صالات) في المدن الرئيسة واختيار أفلام ذات ذائقة اجتماعية مقبولة وتوضيح الآثار الجانبية التي قد تصاحب الفهم الخاطئ لانطلاق هذه الصناعة بشكل مكثف.
4- إنشاء دور عرض في المناطق المختلفة لخلق فرص عمل والتعريف بالجوانب الحضارية والتنموية لمناطق المملكة وجاذبة ومعززة للسياحة الداخلية.
5- الاهتمام بوجود نظام يشتمل على ضوابط الانتاج والعرض السينمائي حتى لا تكون صالات السينما فقط فرصة لتسويق منتجات فيلمية غربية أنتجت وفق ثقافة مختلفة.. سواء في القيم أو في الحريات أو في نمط الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية .. ولتسهم في صناعة إنتاج سينمائي حقيقي يرعاه ويدعمه القطاع الخاص.. وليس صالات عرض لمنتجات فيلمية أجنبية تعمق عولمة ثقافة الفرد ولا تصنع له هوية أو تغرس فيه فضيلة أو قيمة اجتماعية أو ثقافية..
6- فتح أقسام للمسرح والسينما في كليات الإعلام وتبني ودعم الكفاءات السعودية الشابة التي أثبتت قدراتها في هذا المجال.
7- منح تصاريح لإقامة جمعيات ومعاهد متخصصة في صناعة السينما من حيث التدريب والتطوير ومواثيق الشرف وغيرها. وتسهيل الاجراءات القانونية والاذونات لصانعين المحتويات السينمائية.
8- إطلاق جوائز ومهرجانات مرموقة للسينما بكافة فروعها ووضع معايير وأنظمة محددة تتسم بالشفافية والوضوح لتنظيم هذه الصناعة بحيث يعرف كل من يعمل في هذا المجال حقوقه ومسؤولياته.
9- استقطاب الشركات العالمية وتسهيل أذوناتها وإعفاءها من الضرائب والسماح لها بفتح مكاتب تدريب وإنتاج بداخل المملكة لتدريب السعوديين على هذه الصناعة.
10- تغطية تكاليف جزء من تنفيذ أعمال الشركات السينمائية العالمية الميداني في السعودية بهدف التحفيز والاستقطاب كونها صناعة يكتنفها الكثير من المخاطرة مع الاشتراط باستقطاب سعوديين مختصين عند التنفيذ الميداني.
11- تشجيع مؤسسات الإنتاج السينمائي وإقامة مدن سينمائية متكاملة لجذب تصوير الأفلام الأجنبية في السعودية سيما وأن المقومات الجغرافية تساعد على ذلك.
12- إنتاج أفلام أجنبية سعودية عن قصص الرحالة الأوربيين في الجزيرة العربية (وخصوصا السعودية) أو بعثات التنقيب عن البترول وأفلام وثائقية تتعلق بشخصيات وطنية أو أحداث كبرى لها جانب تاريخي عبر سرد درامي بلغة احترافية تحفظ لها قيمتها.
13- استلهام كثير من الوقائع الاجتماعية والعسكرية والسياسية من تاريخنا الثري ما قبل الإسلام إلى تأسيس الدولة السعودية الثالثة بل وأثناء تأسيسها وصياغتها في عمل درامي كبير يحفظ هذا التاريخ.
14- وجود صالات العرض السينمائي ليس كافيا لولادة صناعة سينمائية فالمجتمع السعودي متنوع الثقافات المحلية وهذا التنوع مصدر قوة وثراء وسيكون معيناً في صناعة أفلام سعودية.
15- تخصيص نسبة كبيرة من عوائد القيمة المُضافة والمفروضة على القطاع السياحي (الخدمي- والترفيهي) مثل اقتصاديات السينما والمسرح لدعم ميزانيات البلديات لتطوير الأحياء وإنشاء مرافق خدمية للمجتمع.
16- أن يقوم صندوق الاستثمارات بدراسة قطاع السينما – بشكله الكامل – في بعض الدول العربية والإسلامية والصديقة للاستفادة من خبرات الآخرين كونه سيستثمر في هذا المجال.
17- أن تبدأ وسائل الإعلام المختلفة بإعداد كوادر وأقسام وملاحق متخصصة بهذا المجال وعدم تركه لصحفيين غير متخصصين.
المحور الخامس
مستقبل الصحافة الورقية
الورقة الرئيسة: د. فهد العرابي الحارثي
في نظري أن الأزمة مصدرها أن القائمين على هذه المؤسسات لم يكونوا مؤمنين بأن العالم يتغير من حولهم بسرعة هائلة، وأن كثيرا من أدوات الحياة تتغير أيضا، وبالتالي كثيرا من الوظائف والأعمال ستختفي، ستتغير المفاهيم وستتغير خيارات المعالجة. صحفيو اليوم سيجدون أنفسهم بلا وظائف.
التغير الذي طرأ على صناعة الصحافة تغير جذري، لأن المنتجات التي كانت تقدمها الصحافة التقليدية أصبحت تقدمها الوسائل والمنصات الجديدة بطرق تتميز بالسرعة والنجاعة والتفاعل، وتتميز بتحقيق ما يسمى اليوم ب “ديموقراطية المعرفة ” وبالتالي في تدشن باقتدار مرحلة ” موت النخبة ” فالناس أصبحوا يتداولون الأخبار والأفكار والمعلومات بسهولة ويسر، بل أن الجمهور نفسه أصبح صانعاً رئيساً للثقافة والإعلام والمعرفة الجديدة.
المؤسسات الصحفية لم تستطع أن تلتقط الخيط فتبتكر خيارات مغرية تبقيها في حلبة التنافس، استندت فقط إلى تراثها ” القديم ” المتراكم، ولم تحسن تقدير سرعة التغيير الذي يجري في العالم السابح في فضاءات المجتمع الرقمي.
وهذا التفريط لا يقتصر على أوضاع صحافتنا العالمية، بل يشمل بيئات صحافية وإعلامية أخرى منتشرة فوق كوكب الأرض.
لست مع الاستنجاد بالحكومة لتقديم الدعم. نحن اليوم في زمن الابتكار والتنافسية، والذي لا يستطيع الجري في هذا المضمار سيخرج سواء بدعم الحكومة أو بغيره.
في ظل التطورات التقنية والمفاهيمية المتسارعة لابد أن ندرك بأن هناك كيانات اختفت من آفاق صناعة الثقافة في العالم، وقد ظهرت في مكانها كيانات جديدة مختلفة. لا بل أن الثورة التقنية في مستوى الذكاء الاصطناعي والروبوتات، بلغت من الدقة والجنون بأن أصبحت الآلة ذاتها منتجة للثقافة، فهي قادرة على التفكير مثل الإنسان! فتذكر بعض التقارير أن صحيفة الواشنطن بوست مثلاً شرعت في استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، لإنتاج روبوتات صحفية قدمت حوالي 300 تقرير قصير. وقدمت تنبيهات حول “أولمبياد ريو” في البرازيل. ثم توسعت في استخدامها تلك التقنيات لتغطية فعاليات من بينها انتخابات الكونجرس، وفعاليات رياضية محلية، ليصل ما أنتجته من مواد إلى 850 مادة صحفية في عام واحد (بمعدل أكثر قليلاً من مادتين في اليوم الواحد).
وتذكر التقارير التي ترصد التطورات المتسارعة في صناعة الإعلام أن وكالة الأسوشتد برس استخدمت الروبوتات (الذكاء الاصطناعي) لتغطية الأعاصير التي اجتاحت بعض الولايات الأمريكية، أما صحيفة “يو إس توداي” فقد استخدمت برمجيات لإنشاء مقاطع فيديو قصيرة.
وتسعى صحيفة “واشنطن بوست” لمعرفة كيفية استخدام، الروبوت (الصحفي الإلكتروني) لمساعدة الصحفيين في إعداد التقارير الفنية والمالية وتحليلها. وخلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، التي أسفرت عن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت هذه البرمجيات، وفق بعض التقارير، لتنبيه غرفة الأخبار عندما بدأت نتائج الانتخابات تتجه لغير المتوقع، مما أتاح للصحفيين مهلة لتغطية الأخبار واتجاهاتها بدقة. بل تذهب بعض المؤسسات لأبعد من ذلك، عبر استخدام الروبوتات للمساندة القانونية للصحفيين بطرق أخرى، بل وتصل لتسهيل المعلومات الجامدة، وتحولها لمسار جديد، لكشف اتجاهات، أو تحليل البيانات المالية وغيرها. ويجري عن طريق هذه التقنيات تحديث القصص الجارية سريعة التغير مثل الأحداث المناخية.
ويشار إلى أن التقارير التي ينتجها الصحفيون الآليون (الذكاء الاصطناعي) يمكن أن تخدم المتخصصين، ويمكن أن تزيد من الوصول إلى مصادر الأخبار. والنموذج الإخباري الرقمي ينتج الرسائل القصيرة والمباشرة، ويقدم نتائج وملخصات أسهل، ويعطي للصحفيين البشريين المحترفين الفرصة للقيام بأعمال أخرى أكثر مهنية.
وتقول وسائل الإعلام التي تستخدم (الصحفي الروبوت) أنها تهدف إلى تمكين الصحفيين من البشر من القيام بمزيد من عمل “ذي قيمة عالية”، عوضاً عن إضاعة الوقت للقيام بوظائف اعتيادية أو تقليدية!
وتقدر وكالات الأنباء أنه تم توفير 20 في المائة من الوقت الذي يقضيه الصحفيون في التغطية، كما ساهم هذا الوضع في خفض التكاليف.
ما لم تدرك الصحافة المحلية هذه الحقائق الجديدة، وما لم يدخل القائمون عليها حلبة الابتكار والتنافسية فهم سيكونون حتماً إلى زوال.
ولنأخذ الحكمة من موجة الثورة الصناعية الرابعة والروبوتات، فلعل أهون ما قدمته هذه الأنواع من الابتكارات هو ترشيد الوقت في خطوط إنتاج الصناعة الإعلامية، وخفض التكاليف، وهما أمران مهمان للتغلب على جزء مهم من التحديات التي تواجه الصحافة.
ولمزيد من استفزاز المطالبين بدعم الحكومة من أجل بقاء الورقيات أشير هنا مرة أخرى إلى التطور الهائل في التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وتحسين قدرات الروبوتات الإبداعية، إذ تقول بعض التقارير، أنه يسير بأسرع مما نتوقع، حيث نشر مؤخرا موقع «تشاينا نيوز» أن خبراء صينيين تمكنوا من صنع أول روبوت «صحافي» في العالم قادر على كتابة المقالات. ووفقا للموقع: «استطاع الروبوت الجديد الذي أطلق عليه اسم (زاو نان) كتابة أول مقالة صحافية ليصبح أول روبوت (صحافي) في العالم تمكن من إنجاز المهمة الموكلة إليه، وكتب نصا مؤلفا من 300 رمز كتابي في ظرف ثانية واحدة فقط».. لاحظ ثانية واحدة.. وبس.
أي مستقبل للقراطيس ولكهولها، أولئك المليئة صدورهم بهموم العيش.. وبقايا سعال!
فوفقا للتقارير العالمية حسبما قرأت مؤخرا أنه بحلول عام 2018 سيكون 20 في المائة من التقارير الاقتصادية مكتوبة بأيدي روبوتات، فهناك تطبيق يدعى “Quill“هو الذي يكتب التقارير السنوية لمجلة «فوربس».
ويؤكد الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، أننا أمام صحافة جديدة هي صحافة «الروبوت» Robot – journalism التي تعرف أكاديميا بأنها «عملية الكتابة بشكل آلي كامل للقصص الإخبارية المركبة الكاملة من دون أي تدخل بشرى»، لافتا إلى أن «قصة صحافة الروبوت أو الصحافة المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعي عام 2010، عندما ابتكر معهد معلوماتيات الأنظمة الذكية بجامعة طوكيو روبوت صحافيا يستطيع بشكل آلي اكتشاف البيئة المحيطة به، ويكتب تقريرا عما وجده، الروبوت يفتش عن الأشياء المتغيرة حوله، يقرر ما إذا كانت ذات قيمة ثم يلتقط صورا بكاميرته المدمجة داخله، ويمكن أن يسأل الناس بالقرب منه ويستعمل محركات بحث الإنترنت، ليزيد من فهمه للأمور المحيطة به. وإذا ما بدا أن شيئا له قيمة إخبارية يظهر في الأفق، فإن الروبوت سوف يكتب تقريرا إخباريا وينشره على شبكة الإنترنت على الفور».
التعقيب الأول: د. عبدالله بن ناصر الحمود
توطئة
تفرض علينا المنهجية العلمية في النظر والاستقراء والتحليل أن نمنح مجمل الرؤى حول مستقبل الصحافة الورقية فرصة الحضور؛ ذلك أن المتخصصين والباحثين يختلفون بشكل كبير في النظر لهذا الأمر.. سيما أن عددا من التجارب العالمية خرجت بنماذج متباينة جدا. وبالتالي.. سوف أعرض تعقيبي بشكل موضوعي قدر الإمكان.. ثم أبين رأيي في نهاية الأمر.
أولا: الرأي الموالي للصحافة المطبوعة
يرى عدد كبير من الباحثين أن الصحافة الورقية باقية.. وأنه لا يزال في عمرها فسحة واسعة من الزمن.
وهؤلاء المتفائلون يرون أن الصحافة كوسيلة اتصال جماهيرية استطاعت في الماضي مع ظهور الراديو وبعده ظهور التلفزيون كوسائل اتصال جماهيرية.. أن تنافس وتستمر.. على الرغم من سطوة كل من الراديو والتلفزيون وامتلاكهما خصائص الفورية والآنية.
وبالتالي.. يرى هذا الفريق أنه يمكننا القول إن الصحافة كوسيلة إعلام.. والصحفيين كقائمين بالاتصال سوف يتمكنون من عبور عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. هذا الرأي يؤمن به الأستاذ الدكتور سفران المقاطي في حوار معه حول القضية الحالية، ويوافقه الرأي د. عبد اللطيف بن صفية.. الذي حاورته في الموضوع فقال: مهنة الصحافة تختلف كليا عن مختلف أنشطة التعبير التي يزاولها المواطن باستخدام التكنولوجيا المتاحة له. فالصحافة تقتضي البحث عن الخبر والتحقق منه والتعليق عليه ومتابعته مع مراعاة قواعد مهنية وأخلاقية دقيقة. وهذه المهنة ليست متاحة للجميع والحاجة إليها مازالت قائمة ولن تتوقف. كما أن عادات القراءة الورقية، في رأي د. بن صفية، لازالت لازمة لدى العديد من فئات المجتمع مثلها مثل عادات الاستماع للإذاعة التي لم تنقرض كما بشر بذلك المنظرون بعد ظهور التلفزيون في الخمسينات. والمطبوع.. ينظر إليه باعتباره دليل مادي وجمالي يسعد به المرء سواء كان كاتبا أم قارئا. والاستئناس به هو تقليد إنساني ممتد في الزمن ومرتبط بمظاهر العلم التي يفخر الإنسان بها. كما أن المطبوع كتاب أو غيره ليس مضر بالصحة بخلاف الحوامل الإلكترونية. أما الإدمان على الكتب فهو أمر مستحسن بعكس الإدمان على الأجهزة الإلكترونية.
تلك إذا.. مرئيات معتبرة.. تجعل المحلل في موقف حذر.. يستلزم مزيدا من التأمل في مآلات الصحافة الورقية. ولعل خلاصة هذا الرأي.. أنه على الرغم مما يمكن أن يحصل للصحافة الورقية من تحولات بنائية وشكلية وموضوعية.. إلا أنها لن تنقرض أبدا.
ثانيا: الرأي المضاد لقدرة الصحافة الورقية على البقاء
كما أن هناك مؤيدين لفكرة قدرة الصحافة على البقاء.. هناك باحثون آخرون يرون أن الصحافة الورقية إلى زوال لا محالة.
في تسعينات القرن الميلادي الماضي قدم البروفيسور رونيه رافو وزميلته مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإعلام والاتصال تيريس باكيه سيفيني محاضرة في جامعة كنكورديا في مونتريال.. سعدت بحضورها.. وكان مما تحدثا عنه.. هل التقنية خيرا أم شرا للبشرية؟
واتفقا على أن من خيرية التقنية أنها سوف تدفع بالإنتاج المطبوع إلى الزوال خلال ثلاثين عاما. وأن الطباعين.. سيصبحون كالطبالين الذين زاولوا مهنة إبلاغ الناس بقرارات السلطة في العصور البدائية، وعلى هذا النسق من التفكير تزدهر الكتابات الغربية التي تنبأت بأعوام سوف تشهد صدور آخر عدد من صحيفة مطبوعة في العالم.. وتباينت تكهناتهم بين ٢٠٣٠ و٢٠٥٠م.
ثالثا: الرأي الوسطي
ثمة رأي ثالث يعتقد أن الصحافة المطبوعة سوف تتخذ إجراءات حاسمة لضمان استمرارها.. وأن الصحف التي تتمكن من ذلك سوف تستطيع البقاء.
د. علاء الشامي أحد الأساتذة والباحثين الإعلاميين المميزين في القاهرة.. قال لي في حوار معه حول موضوع هذه القضية: أن الصحافة المطبوعة ستطور آليات من داخلها لاستمرارها.. كما حدث في بعض الصحف الغربية من تحولها للتوزيع مجانا واستمرار الإعلان. ويعتقد أن عددا من الصحف سوف تتحول إلى صحف رأي فقط دون الخبر كما حدث في مصر مثلا في إصدار جريدة اسمها المقال، كما سوف تعمد بعض الصحف إلى تغيير حجمها بحيث تكون أصغر مع الاعتماد أكثر على الصور وهكذا.
رابعا: رأيي حول مآل الصحافة المطبوعة
أعتقد جازما.. أن الصحافة المطبوعة إلى زوال مهما فعلت. وأن الصحفيين التقليديين لن يكون لهم مكان يعملون فيه على الإطلاق خلال عقدين أو ثلاثة. غير أن الأمر فيه تفصيل، ففي حقيقة الأمر ﻻ توجد سيناريوهات ثابتة لتعاطي الصحف مع التطورات التقنية المتسارعة، ففي كل تجربة وبيئة متغيرات حاكمة؛ فالغرب غير الدول العربية.. والدول العربية ليست سواء في هذه البيئة.
وبالتالي.. أعتقد أن المدى الزمني لغياب الصحف الورقية سوف يتباين كثيرا من مجتمع لآخر. في دول الخليج مثلا.. الوضع سيكون بخلاف الوضع في الشام أو في المغرب أو في مصر؛ فلكل بيئة من هذه البيئات متغيرات حاكمة لسرعة غياب الصحافة الورقية. وفي السعودية حيث دورة الاقتصاد عندنا وثابة بحمد الله.. ونظرا لما تشهده البلاد من مشروعات عملاقة ممتدة لسنوات قادمة.. فسوف يضمن ذلك استمرارا أطول للصحف الورقية لحاجة المعلنين للإعلان فيها من جانب.. ولبقاء أهميتها كمتغير اتصالي ضروري لدى السلطة من جانب آخر.
كما أن طبيعة التركيبة السكانية ووجود معدلات لمواطنين كبار سنا مع ارتفاع معدلات القراءة نسبيا لديهم سوف يساعد في استمرارية الصحف الورقية لمدى أطول.
ومرة أخرى.. في ظل الاقتصاد الخدمي الريعي (نسبيا) عندنا في السعودية (رغم ما يشهده من تحولات) سيظل النظر لوظيفة الصحف المطبوعة بوصفها خدمة وليست سلعة.. وبالتالي، فإن إمكانية استمرارية الصحف والصحفيين فترة أطول ستكون مرشحة.
كما أن نمط الملكية الصحفية شبه الحكومي عبر ما يمكن أن تناله الصحف من الدعم المباشر من الدولة ماديا.. يرجح فترة حياة أطول للصحف مقارنة بالدول الأخرى.
وخلاصة الأمر حول رأيي في مآلات صحفنا المطبوعة هي أن دورة حياة الصحف لدينا في المملكة ستكون أطول من غيرها من الدول لاعتبارات ثقافية واقتصادية وسياسية، لكنها.. في نهاية المطاف سوف تلحق بغيرها.. وبمنظور تقريبي.. ربما تقاوم صحفنا حتى موعد رؤيتنا ٢٠٣٠… ثم بعد عصر الرؤية.. سيبدأ نجمها بالأفول.. فالفناء.. سنة كونية.. لمن هذه حاله.. يصارع من أجل البقاء.
التعقيب الثاني: د. زينب الخضيري
عنونت مداخلتي بـ “الصحافة الورقية توتر بين زمانين”. اعتاد “ويت بيرنت” أن يقول لتلاميذه في جامعة كولومبيا: “لا أعتقد أن بإمكانكم كتابة قصة قصيرة جيدة، دون أن يكون بداخلكم قصة جيدة، وأفضل أن يكون لديكم شيء تقولونه دون بناء فني، على أن يكون لديكم بناء فني دون شيء تقولونه”. وهنا يؤكد بيرنت على أن المحتوى في أي نص هو الأساس الذي يرتكز عليه وليس بناؤه الفني ، و قياساً على موضوعنا أن المحتوى هو الأساس وليس الوسيلة حيث أن الصحافة الورقية ، والرقمية هي قنوات تواصل تتغير بحسب طبيعة المجتمع وتطوره التكنولوجي والاقتصادي ، حيث جمهور الصحافة في العالم الرقمي هو أنت ، وأنا ، وهو ، وهي ، ونحن ، فالمتلقي يمارس في تلقيه للخبر أو المعلومة رفضاً وقبولاً ، يتفاعل بشكل سلبي وإيجابي ، يثري وينتقد ، وهذا يؤكد لنا أن المتلقي يمثل مشارك ومساهم في إعادة انتاج نوع المعلومة أو الخبر ، حيث يبني المتلقي رؤاه من خلال طرح محتوى عميق ومقنع وحيادي ، فهو لا يتوقف عند قراءة النص المكتوب، بل يعيد انتاج النص من خلال ما استوعبه واختزله في عقله اللاواعي، حيث بشريتنا الجديدة في المجتمع الرقمي أصبحت مشتركة جداً ومليئة بالبدع، والأيديولوجيات الفكرية، والتنوع الثقافي، مما جعل الأمور تصبح أكثر تعقيداً فهذه التكنولوجيا الرقمية أصبحت مولدة للكثير من المشاكل والحلول في آن واحد، فنحن نسير على مسارات الذائقة الإنسانية وجمالياتها والتي تنطلق من بنى علمية وثقافية أساسها العلاقة المباشرة بالمضامين الاجتماعية الثابتة والمتحولة، والبنى الاقتصادية والسياسية ، والتحولات الرقمية حولتنا إلى مجتمع مختلف متلقٍ ومشارك ودور الصحافة سواء ورقية أو رقمية لن يختلف فنحن نبحث عن المحتوى، وأتفق مع طرح د. فهد في أن صناعة الصحافة قد تغيرت ، وأن الحل ليس هو الدعم الحكومي بل إيجاد وسائل أكثر فاعلية لاستمرارية الصحف الورقية حيث الصحافة تعيش بين زمانين: زمن كلاسيكي وزمن رقمي، فهي تعيش التوتر الآن ، وأتفق مع د. فهد في أننا الآن نعيش عصر التكنولوجيا الرابعة وعصر الربوتات ولكن الذكاء الصناعي لا يفكر مثل الإنسان. هو يولّد محتوى مثل الإنسان ولكن لا يفكر مثله، وتوليد المحتوى مثل مقالات أو فيديو معتمد أساساً على المحتوى الذي أوجدناه نحن. ومع رياضيات وإحصاء واحتمالات يظهر شيء شبه جديد.
وربما د. فهد في مقالته الثرية خلط بين تطبيقات كثيره للذكاء الصناعي. يعني مثلا إنتاج محتوى ما يعني أنه ابداعي. وإذا استخدمت الذكاء الصناعي للتنبؤ بشي مستقبلي ما يعني أمور خارقة، وهذا ما زال في نطاق الاحصاء والاحتمالات والرياضيات وما زال يحتاج محتوى يقدمه الإنسان. والحديث عن الذكاء الصناعي فيه مبالغة كبيرة بالنتائج، الواقع أن الذكاء الصناعي يتقدم والدول يجب أن تشتغل على التقنية والتطوير التقني ولكن نحتاج إلى تعريف ووضع مفاهيم ومقاييس للذكاء الصناعي الذي نستخدمه، والسؤال ما هو نوع التقرير الاخباري الذي سيكتبه الروبوت؟
الذكاء الصناعي يتقدم بسرعه ولكن الحديث عنه بالصحافة عبارة عن تكهنات أو خيالات أو مبالغات مقارنة بالنتائج الحقيقية للبحوث. والروبوت غير الذكاء الصناعي. الذكاء الصناعي برنامج له قدرة أنه يتعدى حدود برمجته لأنه يعتمد على نموذج رياضي وليس على برمجة حرفية لخطوات معينة. الروبوت هو آلة ممكن تزود بذكاء صناعي وتصبح ذكية أو ممكن فقط تكون آلة تعمل أشياء وتحرك بناء. الذكاء الصناعي له تطبيقات بالصحافة ولكنه ليس بديل عن الإنسان.
والتساؤلات التي أرغب أن اختم بها هي:
- هل أنتم راضون عن مستوى الصحافة الآن وما يُطرح فيها؟
- هل أنت كمتلقي تثق فعلاً بصحافتنا وبما تنقله من أخبار ومعلومات؟
- وهل الآراء التي تطرح في الصحافة مقنعة على المستوى المعرفي والمنطقي؟
- وهل احتضار الصحافة الورقية الحالي وصيحة الاستنجاد من أ. خالد المالك، والتي اشبهها بصيحة هتلر “الزبدة أو المدفع ” هي مشكلة الدعم أو أن هناك مشاكل في عمق الصحافة أدت إلى هذه النتيجة ويخيل إلى أن صيحته هي أعراض المرض وليس المرض الحقيقي؟
المداخلات حول القضية
أشار د. سعود كاتب إلى أنه من المهم وضع بعض النقاط على الحروف حتى لا تعوقنا عن الوصول إلى الهدف المنشود وهو بناء إعلام سعودي قوي ومؤثر ومواكب للتطورات العالمية التي حولت العالم إلى قرية صغيرة تم فيها إلغاء الحدود بين الإعلاميين الخارجي والداخلي، وأضحي فيها ذلك الإعلام سلاح هام وجبهة لا تقل أهمية عن جبهات القتال البرية والجوية والبحرية. بحيث يتم تحقيق ذلك بشكل يراعى فيه الوضع الحالي للصحافة المطبوعة السعودية وقدرتها على الاستمرار والقابلية للعلاج.
تلك النقاط هي:
- أولا: هل لا زال هناك أمل في ضخ الحياة في عروق الصحافة الورقية لتعود منتجة ومؤثرة، وكذلك اقتصادية قادرة على النمو والتطور وتحقيق الأرباح؟ والاجابة هي (لا) باعتراف مسؤولي الصحف العالمية الكبرى أنفسهم.
- ثانيا: هل المسألة مسألة محتوى ووسيلة، بمعنى آخر هل لو استطاعت الصحف الورقية تطوير محتواها إلى أعلى المستويات سيكون ذلك علاجا لمشاكلها؟ الإجابة أيضا (لا) لأن المحتوى لم يعد “الملك”. نعم لا زال هاما جدا، ولكن مهما وصلت جودته وتميزه فإنه يكون عديم جدوى إذا لم يقترن بالقدرة على:
⁃ سرعة الوصول (الآنية).
⁃ الانتشار الواسع.
⁃ التفاعل والتشاركية.
⁃ الحميمية (كما في الجوال).
⁃ مواكبة توجهات الأجيال الجديدة.
وجميع هذه الخصائص لم تعد موجودة في الحبر والورق، ولا يوجد أمل في أن يعكس الزمن اتجاهه ليعود جيل الشباب اليوم إلى الورق بدلا من شاشات الجوال.
- ثالثا: ماذا عن تاريخ الصحافة الورقية وإرثها العظيم؟
التاريخ تحفظه كتب التاريخ والمتاحف، والصحافة الورقية صناعة عالية التكاليف ليس من المنطق دعمها فقط لأنها تراث وتاريخ.
- رابعا: ما هو الحل الآن؟
⁃ عدم دعم الصحافة الورقية ماديا وتركها لتواجه مصيرها اقتصاديا، بحيث يستمر من هو قادر ويتوقف من يعجز عن ذلك. أي دعم حالي للصحف هو على حساب التقدم للأمام والتطوير للمستقبل، خاصة أنه سيكون دعم موجه لمن كان السبب الرئيس في إعاقة تطوير الصحافة الالكترونية بمقاومته للتغيير وتمسكه بالوضع الراهن الذي يعود عليه بمصالح وبريستيج خاص.
⁃ مبادرة حكومية جادة تهدف إلى دعم إنشاء صناعة صحافة رقمية عالمية المستوى متعددة اللغات، ومتعددة الاتجاهات (سياسة، ثقافة، اقتصاد….). هذه الصحافة الجديدة تكون مواكبة لرغبات الناس والمعلنين، وقادرة على العيش وتحقيق الأرباح بعد فترة محددة، كما تكون قادرة على خدمة أهداف المملكة وإيصال صوتها السياسي والثقافي لكافة أنحاء العالم.
⁃ مجالات الدعم المطلوبة:
1- البرامج والتطبيقات الخاصة بالنشر الالكتروني، والبدء في ذلك بما انتهى إليه أفضل الآخرين.
2- المعدات: وتشمل كافة الأجهزة اللازمة سواء لغرف التحرير المدمجة أو صناعة المحتوى الرقمي أو لتسهيل العمل الإبداعي للصحفيين والمحررين ومنتجي الأفلام والانفوجراف وغيرها.
3- المحتوى الفريد: وهذا يعني صناعة محتوى مميز مرغوب لا يمكن إيجاده في أماكن أخرى على الانترنت. هذا المحتوى الفريد سيعزز الطلب على المنتج من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل بالإمكان جذب الدخل المادي بالاشتراكات وبيع المحتوى (نص وصوت وصور وفيديو…..).
4- الامكانات البشرية عالية التدريب والتأهيل فنيا وتحريريا وإداريا.
- خامسا: آلية العمل: إذا تحققت المتطلبات أعلاه وخاصة الدعم الحكومي، تكون الخطوة التالية هي اختيار أفضل التجارب العالمية (وهي معروفة) والتعاقد معها لنقل وتوطين هذه المعرفة وتوابعها. هناك الكثير جدا من التفاصيل في هذا الجانب غير أن طرحه الآن سابق لأوانه.
وأشار د. محمد الملحم إلى أن جوهر المسألة ليس “الورقية” مقابل “الرقمية” بل المكتوبة مقابل غير المكتوبة! ففي عالم اليوم فإن الأجيال الوافدة تتقدم جيلا بعد جيل بل سنة بعد سنة إلى عالم المرئيات visuals وتغادر النص … حتى ذلك المدون إلكترونيا.
تفجير القراءة هو محور الأزمة ولن يكون ناسفا للصحافة الورقية أو الصحفي التقليدي بل سينال من مفهوم التلقي نفسه وستتغير معالم المستفيدين clients ليصبحوا أدوات أكثر طواعية؛ إذ باتت المعلومة مختصرة (أو قل مشفرة) في الصورة فقط وليدخل مفهوم النص المفتوح إلى عالم الخبر والتحليل الإخباري بل وربما المقالة الصحفية بعد أن كان حصرا على الكتابة الإبداعية!
من هنا يمكن الانطلاق في تصور سلسلة من التفاعلات الاجتماعية والسياسية والجيوسياسية الناتجة من هذا الواقع هي أشبه بالتفاعلات النووية المتسلسلة والتي تستخدم في القنبلة الهيدروجينية.
وبالنسبة لهيكلة محتوى المستقبل فهي تكاد تكون محسومة إلى حد كبير من خلال “إنترنت الأشياء” Internet of Things والتي ستغير فلسفة المعلومة (وربما أبستمولوجيا المعرفة) وسوف تمس الصحافة إذا لم تتغلغل فيها وتعيد صياغة أساليبها إذا ما انتشرت فعلا وبالغ الإنسان في تعميمها أكثر وأكثر.
وفي تصور د. خالد الرديعان فإن غاية ما تريده الصحافة هو أن تصل للجمهور وتكون في متناوله، وأن تخلق التأثير المطلوب عند المتلقي. وقد أصبحت وسائل الوصول للجمهور متعددة، ومنها الصحف الالكترونية.
القضية الأخرى التي تلفت الانتباه ما ذكره د. فهد الحارثي حول البرامج الالكترونية التي تكتب وتعد تقارير صحفية بواسطة الذكاء الصناعي، وهذا العمل فتح جديد وإن نجحت التجربة فهذا سيعني أن التقارير ستكون محايدة وربما موضوعية بدرجة كبيرة بسبب تقلص التأثير الشخصي في إعداد التقرير ودس ما يريد الكاتب أن يدسه في ثنايا تقريره. التقرير ستعده آلة صماء لا مشاعر لها وبالتالي ستكتبه بحيادية صارمة وجافة.
ومن التأثيرات المتوقعة لانقراض الصحافة الورقية اقتران ذلك بانتهاء دور الرقيب الحكومي، وبزوغ عصر جديد من الإعلام الحر والمفتوح… إعلام جديد بما فيه الصحافة الالكترونية لا يجامل الحكومات ولا يطبل لها؛ بل يراقبها وربما يفضحها دون أن تكون الفضيحة مقصودة لذاتها بقدر ما تكون العملية برمتها مجرد نقل الوقائع كما هي دون رتوش وماكياج يخفي عيوبها. من الذي سيبكي على الصحافة الورقية وربما يحميها من الانقراض؟ بالتأكيد ستكون الحكومات التي سوف تبذل الغالي والنفيس في بقاء الورق لأنها بموت الصحافة الورقية ستكون خسرت حصناً منيعا كان يوفر لها مهارة تمرير ما تود تمريره وتلفيقه بطريقتها الخاصة. ولأن الحكومات العربية لا ترغب بسقوط هذا “الحصن غير المنيع” لما يقدمه لها من فوائد لا تحصى فإنها ستقاوم سقوطه بكل السبل، إلا إذا غيرت تلك الحكومات رأيها وقررت أن تصبح ديموقراطية بحيث لا تخاف من تأثير الإعلام الكتروني ذلك المعول الذي سيدك عروش الصحافة الورقية. مع الوضع في الاعتبار أن ظهور صحف الكترونية ليست بحاجة إلى تصريح من وزارات الإعلام العربية.. صحف ستكون رديفة للصحف الالكترونية الرسمية التي لن تفلت بالطبع من تأثير الرقيب وتوجيهه.
والقضية الحاسمة في كل ذلك تكمن في المتلقي الذي سينصرف حتماً عن كل ما ستكتبه الصحافة الالكترونية الرسمية ويتجه بدلا من ذلك إلى صحف غير رسمية يتوسم فيها الجرأة في طرح كل ما تريد دون خوف من رقيب أو ديناصور ما يتربص لها في مكان ما من هذا العالم.
واتفق د. علي الحارثي مع ما ذهب إليه د. خالد وأضاف: فيما عدا إذا غيرت الحكومات رأيها لتصبح ديموقراطية، حتى وإن أصبحت فلن يجدي معها دعمها لحصنها المنيع لأن التقنية هدًمت حصونه حجراً حجراً. لم يعد هناك من يشتري الصحف الورقية حتى التي توزع في الدوائر الحكومية تؤخذ لتستخدم سفر للطعام عند الأكثر. أعتقد كما ذكر د. فهد أن على الصحافة الورقية وصحفييها أن يعلنوا وفاتها بشجاعة ويبحثوا تغيير المسار واللحاق بركب الذكاء الصناعي الذي بدأ يغزو كل المجالات.
وباعتقاد د. زهير رضوان فإن الحكومة تعي ذلك والدليل أنها ضمن برنامج التحول تعمل الآن على برنامج التحول الرقمي للجهات الحكومية الذي حل محل الحكومة الإلكترونية، والذي بدونه سيكون من الصعب تفعيل الصحافة الآلية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وذكر د. زياد الدريس فيما يتعلق بالحديث عن المحتوى والتحولات القِيَمية أنه أيام هيمنة الصحافة الورقية وتحكّم الرقيب فيما ينشر وما لا ينشر من كلامنا وكتاباتنا، كنا ندعو الله أن يُهلك الرقيب ويمنحنا الحرية المطلقة، الآن، وبعد التجربة القِيَمية الهابطة في وسائط التواصل المفتوحة، أدعو الله أن يغفر للرقيب ويرحمه ويغفر لنا دعواتنا الظالمة عليه!
وقال د. مساعد المحيا: كنا نتخوف من تنامي عملية التكبيل والتقييد للصحف عبر مزيد من التعليمات.. لكن المقلق هو أن الصحفي ورئيس التحرير ومدير التحرير أصبح يكبل نفسه قبل أن تصل اليه الكوابح بل أصبح لا يعبأ بحرية الصحافة بقدر حرصه على مكتسباته الشخصية ، ولذا أشعر أن المشكلة ليست في الطباعة والصحافة المطبوعة بقدر ماهي أن سلوك الجمهور تغير في تعامله مع وسائل الاتصال، وأصبحت رغبته واشباعاته يجدها عبر السوشل ميديا بحرية أوسع وحجم معلومات أكثر. لذا لو تحولت الصحافة المطبوعة لدينا لتصبح الكترونية فقط فالمشكلة أنها ستظل وعاء نشر صحفي منافس فقط وربما تقاوم لمدة لا تطول. المعلن اليوم يبحث عن سنابي أو عدد من السنابيين.. هؤلاء ينشرون له ويروجون له أكثر من أي وسيلة؛ وهذا يكفي مؤشرا على فقد الصحافة حتى الالكترونية مكانتها.
أحد أسباب الضعف الذي جعلت أداء الصحافة ينحدر هو أنها لم تمنح الصحفيين الفرصة للإبداع ولم تقدم لهم ما يستحقونه من مكافآت. والمشكلة أن الصحفي في الصحافة الالكترونية لن يجد الدعم الكاف مما يعني عدم وجود صحفيين ذوي كفاءة ومهارة عالية.. هذا ما يعزز فكرة عدم نجاح الصحافة المؤسسية الالكترونية … لكن لو تم دعم فقط أبرز ثلاث صحف لتطوير أدائها الالكتروني فربما أسهم هذا في تحقيق بعض الحضور الأميز وربما جعلها أكثر قبولا.
المهم هو أن تتمتع بمناخ واسع من الحرية وأن تستثمر كل السمات الاتصالية للمواقع الالكترونية، وأن يكون هذا الدعم وفقا لإجراءات شديدة ومراقبة من جهة معنية تضمن أن ينفق فيما صرف له.
ومن جهتها ترى أ. فايزة الحربي أن حقيقة نهاية الصحافة الورقية أمر بديهي وحتمي مع تلاحق برامج الميديا وهوس المجتمعات حول هذه البرامج؛ لكننا بحاجة للمرونة في التحول السريع نحو الوظائف بشتى أنواعها صحفية وغيرها، والتحول السريع وليس التدريجي إلى فن الصحافة الإلكترونية المعتمدة على الإعلانات كمصدر رئيس ممول فلم يعد استجداء المساعدات ينفع. الجودة في المنتج الصحافي هي مطلبنا الآن ومستقبلا مع التسويق الاحترافي لمنتجنا الصحفي، وهنا بالضبط سيحيا حفيد الصحافة الورقية وسيموت من انتهى عمره.
ويعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أن مسألة الاستغناء عن الصحافة الورقية، هو زمن سيفرض نفسه لا محالة إذا ما كان للتقنية العالية تطور مطرد. إنما لابد أن يتأتى أمر كهذا من خلال تحول انتقالي تدرجي بالنظر لأمور عدة منها:
⁃ أن هناك من لا يمتلك الدراية أو الإلمام بالتقنية الحديثة.
⁃ أن هناك من يقطن في قرية وهجرة لم تصل إليها خدمة الانترنت.
⁃ أن هناك من يرى أن الصحافة الورقية تحقق له منافع اقتصادية حين يظهر له إعلان تجاري.
ويبدو أن الميل كل الميل للصحافة الورقية على حساب الإلكترونية والعكس صحيح، هو أمر لا يخدم واقع سيفرض نفسه على القارئ، إذ أن الحاجة وطبيعة قدرة وكفاءة التقنية هي من سيحدد لنا من سيمضي قدما نحول الثبات من عدمه.
ولا شك أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها الصحف الورقية إضافة إلى تخوفها من قادم الأيام سيزيد من توقعات توقف أنشطتها الصحفية، وهذا الأمر إن حدث خلال عقد من الزمن فقد تحدث مشكلات اجتماعية بسبب فرض إعلام تقني للكل، أمام من لا يتفق مع تسلط التقنية الصحفية.
التفاؤل جيد أمام مواكبة ما هو جديد وجدير من الانتفاع منه، بينما النظر إلى الشأن الاجتماعي أمر في غاية الأهمية للاعتناء به وعدم تفضيل توجه على توجه بحجج الوصول إلى تطور تقني واجب التعامل معه فحسب.
ولهذا فإن عملية المطالبة بإلغاء الصحافة الورقية عاجلا غير آجل، هو أمر مرده إيقاع الضرر لمستقبل أناس قدمت للإعلام المقروء جهود إعلامية لا يمكن أن نغفلها أو نطالب بسرعة اقفال إنتاجها، فضلا عن أولئك الذين لا يمكن لهم مرحليا التعامل مع التقنية الحديثة للأسباب التي تم الإشارة إليها سلفاً.
بينما ذهب د. حمزة بيت المال إلى أنه في العالم الذي سيطرت عليه الرقمنة، فإن الصحافة مثلها مثل بقية القطاعات بدأت تعاني، وجرت محاولات متعددة تحريرية وإخراجية واقتصادية للبقاء بصحة جيدة لكن الطوفان أكبر؛ فهي تنتظر معجزة لإنقاذها، ويبدو أن أي معالجات فهي وقتية، ويبدو أن كل ما له علاقة بالورق سيلحقها بما في ذلك التعليم، ويجب على المجتمعات البشرية تهيئة نفسها لعالم بدون ورق.
وتطرق د. عبدالرحمن الشقير إلى أن النظام الجديد للمرافعات ومحاكم التنفيذ سيكون التبليغ وإعلانات المحاكم عبر رسائل الجوال. وهذا سيزيد من محاصرة الصحف الورقية التي تعتمد في دخلها على مثل هذه الإعلانات. فضلا عن رفع الدعم الحكومي. علما بأن مواقع الصحف الإلكترونية وعلى تطبيقات التواصل هي الأكثر قراءة وتفاعلا من الورقية.
أما د. علي الحكمي فيرى أن وسيلة النشر غير مهمة في هذا العصر. الأهم والقيمة الحقيقية هي للمحتوى. لا نركز على الصحافة الورقية….. السؤال هل محتوى صحافتنا يؤهلها للبقاء وهي بهذا الشكل سواء مطبوعة أو رقمية؟ الاعتقاد أننا نركز على الجانب الأقل أهمية وهو وسيلة النشر.
وعقب د. فهد العرابي الحارثي بأن المحتوى مهم بلا أدنى شك! ولكن ما أهمية المحتوى إذا لم يصل إلى الجمهور بالطريقة الصحيحة والفعالة والأكثر شمولاً؟
واتفقت أ. علياء البازعي مع ضرورة أن تواكب وسيلة النشر العصر، فالجيل الحالي/ القادم لن يمسك بصحيفة أو مجلة طالما هناك هاتف ذكي أو أيباد، حتى ما ينشر يجب أن يتفق مع العصر الجديد؛ فلم يعد هناك وقت لقراءة مقالات طويلة…الخبر والرأي والصورة يجب أن يكونوا من الذكاء والاتقان بأن يصل أكبر قدر من المحتوى بأقل وقت ومساحة.
لكن د. زهير رضوان يرى أنه ومع أهمية وجود وسائل تقنية تواكب العصر، فإن هذه الوسائل التقنية تحتاج إلى بنية تحتية وحوكمة آلية العمل وغير ذلك سيكون لدينا مواكبة العصر السطحية التي تهتم بالشكل دون المحتوى والعائد الاقتصادي منه، ولا تستطيع القفز من عصر ورقي إلى عصر رقمي في يوم وليلة بمجرد توفر الدعم المالي؛ فلابد من مراجعة الأنظمة والقوانين التشريعية التي قد تكون عائق في استخدام هذه الوسيلة للصحف إذا كان الهدف مواكبة العصر، أما إذا كان الهدف لخفض المصاريف التشغيلية للصحف الورقية فلا بأس للتحول الرقمي.
وحول ما تطرقت إليه د. زينب في تعقيبها، أشار د. فهد الحارثي إلى أن الجمهور الأكبر من الناس قد تجاوز اليوم الإجابة على السؤال عن الرضا عما تطرحه صحافتنا، فما يلتهم الناس راهناً من المنصات المختلفة (غير الورقية) تجعل كل التساؤلات عن الورقي أمراً يبعث على الضحك. ففي عالم النشر والكتب (المحتوى المزعوم) تهاوت صروح دور النشر والتوزيع التقليدية، وأصبح الحصول على الكتاب أو المادة الفنية (المحتوى المزعوم أيضا ً) أقرب إلى الإنسان من بنانه، وذلك عبر محركات البحث الضخمة، أو عبر تطبيقات التسوق الذكية التي تسهم في التسريع بنشر المعرفة، وهي في الوقت ذاته تعيد هيكلة اقتصاديات هذا النوع من الصناعات الثقافية. ومن جهة أخرى فقد حلت المنصات الإليكترونية اليوم محل الوسائل التقليدية في الحوار، وفي نشر الأخبار والأفكار. وهي تميزت بالمواكبة والآنية، والسرعة، والتفاعل، وخفض التكاليف.
وباعتقاد د. عبدالرحمن الشقير فإنه لو وسعنا مفهوم الصحف الورقية ليشمل أوعية المعلومات الورقية لتتضمن الصحف والمجلات والنشرات والكتب لأدركنا أن البدائل لهذه المحتويات كلها متاحة وتنتشر ولها سوق اقتصادية كبيرة تشمل: التصنيع والتصميم والبرمجة وخدمات المحتوى وأمن المعلومات.. لذلك لن يزول الورق بوصفه وعاء معلومات من العالم في لحظة تاريخية واحدة وإنما سيستغرق خمسين سنة تقريبا (قياسا بلحظة زوال الكتاب المخطوط) وذلك بحسب ثقافة كل مجتمع واقتصاد كل دولة.
أما أ. سمير خميس فيرى أننا أوغلنا في الحديث عن الوعاء على حساب المحتوى وهذا يجنبنا عناء طرح الأسئلة “الصعبة الصادمة المؤدية إلى التهلكة” وهذا يجعل من خطواتنا التنموية متعثرة سواء كتبت تقاريرنا “روبوتات فائقة الذكاء” أو كتبها “مخبرون صحافيون برتبة مراسلون حكوميون”.
أزمة الصحافة السعودية هي أزمة استراتيجية وأزمة هدف قبل أن تكون أزمة ورق، فعلى الرغم من كمّ التغيرات والتطورات الهائلة التي عصفت بنا وبالمنطقة من النكسة والثورة الخمينية وحادثة جهيمان وأزمة الخليج وحتى حوادث الإرهاب التي استهدفت المملكة لم تنجح الصحافة كثيراً في الخروج من عباءة الأمني إلا ما ندر وغيرها الكثير الكثير من الأحداث.
ومن ناحية أخرى يمكننا التأمل في سير ذاتية لصحفيين سعوديين أفذاذ حاولوا أن يرفعوا من السقف قليلاً فانهار عليهم ليمحو كلماتهم التي لا تزال وليدة حتى يومنا هذا. لذا من المهم أن يترافق مع التطور التقني الذي نعير “الورقية” به محاولات لتوسيع الهامش الإعلامي والدعوة إلى مرونة أكبر في النشر والتعبير وضمان الحماية والدعم لكل من يعمل في هذا المجال في عالمنا العربي.
ويرى د. إحسان بو حليقة أن زمن الصحافة الورقية قد انتهى، وما تبقى من الصحف الورقية أخضع نفسه طوعاً واستباقاً لعملية “تغيير جنس” ليصبح الكترونياً، ومنهم من يفعل. الصف الأول هو للمحتوى وليس لمن لديهم مباني ومطابع. من أدرك ذلك مبكراً فاز، ومن لم يسعفه إدراكه ليعي المتغيرات العاتية أصبح مهدداً.
ولفت د. خالد الرديعان النظر إلى أن هناك أمر آخر يتمثل في أن الصحف الالكترونية يتم قراءتها مجاناً تقريبا لمن يمتلك جهاز ذكي وانترنت، في حين أن الصحف الورقية تُباع.. صحيح أن سعرها زهيد لكن الاشتراكات السنوية مرتفعة خاصة للشركات والجهات الحكومية التي تشترك بعدة صحف وعدد كبير من النسخ.
وبصفة عامة يمكن تحديد التغيرات المتوقعة بعد اختفاء الصحافة الورقية وسيادة الصحافة الالكترونية فيما يلي:
- انتهاء دور الرقيب الحكومي.
- اختفاء الكتابات المطولة وهذا بدأ مبكراً منذ عام ٢٠٠٦م مع فكرة “التغريدة المكثفة” في تويتر.
- زيادة أعداد من سيكتبون سواء كانوا محترفين أو هواة.
- تقلص الذائقة الأدبية عند المتلقي؛ فاللغة ستكون لإيصال المعلومة وليس غير.
- تغير بعض معالم اللغة العربية وظهور تراكيب ومفردات وأنماط تعبير مستحدثة غير مألوفة؛ لكنها وبمرور الوقت ستصبح مألوفة جداً.
- توفير مبالغ طائلة (ورق، أحبار، مكائن طباعة، توزيع، أجور كتّاب عالية، مهن ووظائف كثيرة).
- تجانس اجتماعي في الاتجاهات والآراء يحد من التفرد بسبب تدفق المعلومات ووصولها للجميع بدرجة واحدة.
- (قد) يتعزز موقع الكتاب وإن كان هو الآخر متوفر الكترونياً.
ومن جانبه قال د. مشاري النعيم تحت عنوان “الصحافة السيبريانية”: “يبدو أن صرخات الأستاذ خالد المالك (رئيس تحرير صحيفة الجزيرة) حول معاناة الصحافة الورقية أثارت الجميع وجعلت هذه القضية في دائرة الاهتمام، وهي على كل حال ضمن سلسلة من الصرخات التي أطلقتها العديد من الصحف على مستوى العالم منذ مطلع الألفية، لكن أكثر ما أثارني في الموضوع هو “تشفي” البعض ورغبتهم الدفينة في موت الصحف الورقية وكأن بينهم وبينها ثأر. المسألة بدأت مع تصاعد انتشار الانترنت فقد بدأ البعض يتحدث عن مستقبل الصحافة التي ستكون الكترونية بامتياز، وهذا لن يكون في المستقبل البعيد بل إن هذا التحول كان يطرق الأبواب بشدة. إذا فما الذي حدث عندنا حتى تهتز عروش مؤسسات صحفية عريقة يفترض أنها خططت للمستقبل وتعاملت مع التحول بمرونة وبساطة لا تجعلها تواجه المصاعب التي تواجهها الآن. بالطبع الكل يتفق أن الصحافة هي المحتوى وليس الأداة، أي أن توصيل المحتوى ورقيا أو إلكترونيا هو الهدف المهم وهذا يجعل من مشكلة “الورق” أو “الضوء” ليس هو لب المشكلة بقدر ما هو التكوين الذهني للصحافة السعودية الذي ما زال متشبثا بالتقاليد الصحفية القديمة.
يمكن أن نتوقف هنا عند مسألتين مهمتين تمس الصحافة الورقية وهي كون هذه الصحافة مكلفة جدا وتعتمد بالدرجة الأولى على الإعلان وبالتالي فإن ظهور آليات جديدة تجعل من الإعلان أكثر فاعلية ووصولا للمستهدفين جعل الآليات القديمة في مأزق كبير، وأذكر هنا أن صحيفة بريطانية اسمها “مترو” توزع مجانا في محطات المترو والناس تقرأها وتظل تقرأها أثناء رحلاتها بالقطارات وهي صحيفة اعلانية بامتياز (توزع مليون ونصف نسخة وفي عام 2017م أصبحت أكثر مجلة توزيعا في بريطانيا ومع ذلك فهي تصدر الكترونيا) مما يجعل فكرة ابتكار الوسائل للوصول للقارئ أحد أبرز قضايا الصحافة. المسألة الثانية هي أن صحافتنا الورقية لم تستطع أن تبني علاقة معرفية مع القراء الشباب ولم تطور من قدرات محتواها المعرفي وظلت تعتمد على المحتوى الخبري الذي هو أبطئ في وصوله للقارئ من وسائل التواصل الجديدة وبالتالي فإن القيمة الفعلية للصحافة الورقية تراجعت جدا لأن هناك وسائل بديلة أكثر فاعلية.
يجب أن نعترف أن المعطيات تغيرت بالكامل وأن وسائل التواصل الاجتماعي سوف تصنع ما يمكن تسميته “الصحافة الفردية” أي أن كل واحد يستطيع أن يصنع صحيفته الخاصة، وربما هذا ما حدث جزئيا عندما تأسست آلاف الصحف الالكترونية. هذا التحول يمثل تهديدا مباشرا للمؤسسات الصحفية الكبرى التي يبدو أنها لم تستطيع أن تحرر نفسها من تقاليدها، فمثلا الصحف الغربية طورت من قدراتها الخاصة وأصبحت تصدر الكترونيا بشكل مثير؛ فالمقابلات واللقاءات صارت شبه تلفزيونية فالقارئ مخير بين قراءة المقابلة أو مشاهدتها. هذا بالطبع يحتاج إلى إمكانات كبيرة جدا وذهنية تدمج بين كل وسائل التواصل الحديثة وتوظفها لخدمة توصيل المضمون الذي يجذب المزيد من القراء والإعلانات.
إذا المشكلة لا يمكن حلها فقط بتقديم الدعم الحكومي للمؤسسات الصحفية، ولا مجرد التحول الرقمي لهذه الصحف التي لم تستطع أن تجذب قراء جدد وخسرت الكثير من قرائها للوسائل الجديدة الأكثر سرعة وانتشارا، ولكن الحل يكمن في تغير البنية الذهنية التي تدير هذه الصحف.
بالتأكيد أنا لست مع الاستغناء عن الصحف الورقية، ولا أعتقد أنها ستختفي في يوم من الأيام ولكن أرى أن هذه الصحف سوف تأخذ أشكالاً أكثر جذباً للقارئ، وستتبنى وسائل جديدة تجمع فيها بين “الرقمنة” الذكية التي توظف كل وسائل التواصل الجديدة وبين حضورها الورقي المهم الذي يعطي القارئ ثقة أكبر في محتواها وما تنقله من أخبار ومعارف.
وذكرت أ. فاطمة الشريف أنه لا خلاف على أن التغيير سنّة حتمية من سنن الحياة، وهو واقع يجب تقبله والسعي إليه في مختلف مجالات الحياة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية أو المعرفية، ولعل الصفة التي لازمت الصحافة والإعلام على مدى تاريخهم هي «المرونة» والقدرة على التأقلم مع التطورات المختلفة في أي مجتمع من أفكاره ومسلماته إلى مبتكراته الفكرية والفنية وأيضا التكنولوجية. و مع ظهور التكنولوجيات الحديثة التي لها القدرة على تفسير البيانات المرئية وتطوير خوارزميات رياضية معينة وتطبيقات لا حصر لها كما ذكر الدكتور فهد سابقا لكتابة الأخبار وجمع وتحليل الكميات المتزايدة من البيانات، سيكون هناك دور أهم ومركزي للصحافيين وفرص عديدة للقيام بعمل صحفي وإعلامي أكثر تنوعا وتقارير معمقة، لذا فالتكنولوجيا الجديدة ستحول الصحافيين إلى (سوبر صحفيين) خارقين إذا توفر لهم بالطبع فرص تدريبية مناسبة من قبل الكيانات التي يعملون بها لاستعمال هذه التكنولوجيا المتغيرة بشكل سريع ، لذا فالطريقة التي ستتعامل فيها وسائل الإعلام مع هذا الواقع الجديد ستكون حاسمة في تحديد المستقبل الذي ينتظرها إما البقاء أو الفناء.
وفي تصور أ. عبدالرازق الفيفي فإن عصر البقاء للصحف الورقية أو الالكترونية هو بأن تصنع لها موثوقية فيما يتعلق بجانبين أساسيين وهما: محتوى مميز، وعدالة وموضوعية بأن تقف من الجميع على مسافة واحدة دون تطفيف. ومتى ما فقدت هذين الأمرين فلن تجد لها مناصرين.
وبدورها اتفقت د. عبير برهمين مع من ذهب إلى أن الصحف الورقية ربما إلى زوال لكنها تعتقد أنها ستطول الفترة في بلادنا حتى زوالها ربما. ما يقلق في الصحافة الإليكترونية بشكل خاص هو المحتوى. فاللغة المستخدمة فيه أسوأ من الورقية. فكل من هب ودب أصبح كاتبا في زمن الانترنت. بغض النظر عن سنه أو خبرته أو أيديولوجيته وتوجهه السياسي أو العقدي. غياب الرقابة مفيد إن كان الكتاب والمتلقين على درجة وعي جيدة وفي ظل أطر عامة تحدد ما هو مستساغ طرحه ومناقشته دون الانفلات غير المسؤول بدعوى حرية التعبير. في الصحافة الورقية المخالفات تجرم وتغلق الصحيفة ويحاسب كادرها، أما الاليكترونية فلا حسيب ولا رقيب وحتى الحظر غير ناجع مع احترافية البعض لكسرها وتخطيها. بقي أمر لا تستطيع الصحافة الإليكترونية تخطيه وهو الأنسنة والحميمية في علاقة الإنسان بالمطبوعة فلها نوع خاص ذو ملمس ورائحة وخصوصية. أما قواعد اللغة العربية في الصحف الإليكترونية ففضيحة بحق. والعذر دائما موجود “هي أخطاء طباعية يرتكبها الكيبورد” وكأنما نلغي عقولنا وعقول من نبرر له المسألة.
وعقب د. زهير رضوان بأنه يرى الفرق بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني مثل الفرق بين الإذاعة والتلفزيون الذي أضاف ميزة الحس البصري للمتلقي والنشر الإلكتروني الذي أضاف حس التفاعل مع الحدث سواء بالتعليق أو إبداء الرأي. الصحف الورقية ستستمر وتبقى ولكن سوف تكون محدودة ومحتواها سيختلف عن محتوى الصحف الالكترونية.
وفي السياق ذاته فإن التحول للصحف الإلكترونية الآن لن يضيف الكثير عن الصحف من ناحية المحتوى إلا انه سيخفيض تكلفة التشغيل والطباعة والتوزيع؛ لأنها ستستخدم نفس المحررين ومدير التحرير وكذلك رئيس التحرير ونفس المحتوى الورقي، ولكن ستظهر لديهم مشكلة سوق مختلف في بيع الإعلانات الرقمية عن الورقية؛ والسبب أن محتوى الصحف الرقمية لن يواكب متطلبات سوق الإعلانات الرقمية بالكامل حيث نحن الآن في مرحلة انتقالية من الورقية إلى الرقمية التي سبقتنا فيه الدول النامية بعدة سنوات، وبعد أن أصبح لديهم مصدر المعلومة المقروءة والمسموعة والمرئية رقمية سواء كانت معلومة عن القطاع العام أو الخاص؛ مما خلق سوق إعلانات رقمي تفاعلي، بمعنى آخر بمجرد الضغط على الإعلان تحصل على الخدمة المعلنة الكترونيا ؛ وهذا لن يتحقق لدينا إلا بعد التحول الرقمي للقطاعين العام والخاص.
وجاءت مداخلة أ. عبدالله الضويحي تحت عنوان: “الصحافة الورقية وأصحاب الأعراف” حيث قال: هناك عاملا مهما في التحول إلى الصحافة الرقمية أو الإلكترونية عن الورقية ليس سهولة التعامل معها أو سرعة نقل الحدث.. إلخ. نعم هذه أسباب لكن هناك سبب آخر وهو أن المتلقي فقد الثقة في الصحافة الورقية فلم تعد جاذبة له أو محققة لتطلعاته.
الصحافة قبل 40 عاماً كانت أكثر جرأة ومصداقية وقرباً من هموم المواطن، صحافة اليوم أصبحت تبرر كل قرار حكومي دون أن تفنده أو تناقش بعض سلبياته رغم أنه قرار بشري.. ليس ذلك فحسب بل تحاول تلميعه رغم عدم قناعة المتلقي بذلك. صحافة اليوم لا يمكن أن تنتقد أداء شركات خدمية لأن هذه الشركات ستوقف الإعلان عندها.. صحافة اليوم أصبحت صحافة رأي وكثير منه غير مقنع.
أصبح القطاع الخاص هو الذي يدير الصحافة؛ لأنها مملوكة لرجال أعمال يهمهم وضعهم الاقتصادي ودخولهم وهذا لا يدركه إلا من عمل فيها وهو الصراع بين الإدارة والتحرير وكم عانينا منه زمناً.. ورئيس التحرير جزء من المنظومة فهو عضو مجلس إدارة ومرتهن بهم.. جيلي ومن وصفهم د. الحمود بالكهول تعودنا على الصحافة الورقية.. أما جودة قضية المحتوى فهي ترتهن بحالتين:
⁃ وعاء جاذب يغري المتلقي بالنهل منه.
⁃ فكر واع يصنع هذه المحتوى.
وإذا كان مقدم المحتوى الرقمي هو الذي كان يقدم المحتوى الورقي فلن يغير ذلك من الوضع شيئاً.. مالم يتم تأهيله وتطويره أو البحث عن فكر يواكب المرحلة.. والمقصود هنا ليس فقط المرحلة التقنية ولكنها العصر بكل متطلباته.
صحافة اليوم الإلكترونية ليست مقنعة لدرجة اعتبارها بديلاً للورقية عدا سرعة الخبر وهذه تنافسها فيه وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى مثل تويتر وغيره، والكثير منها ناقل من الآخرين ويعتمد على القص واللصق ونقل المقالات.
وسقف الحرية المنشود لن يتغير طالما أن هذه الصحافة ستصدر بترخيص من الحكومة، وبالتالي تستطيع إيقافها عندما تتجاوز الحدود.. وستبحث عن داعمين وقد يتحكمون فيها.
لا زال الموقف غامضاً.. هناك إحجام عن الصحافة الورقية المحلية أكثر منه هروباً للإلكترونية.. ستتوقف بعض الصحف الورقية لكن سيظل بعضاً منها ولو بعدد محدود قادرة على الوقوف حتى إشعار آخر.. أو عندما ينقرض الجيل الذي نشأ معها ويحضر جيل لا يجيد التعامل معها ولا يفهم لغتها.
وتعتقد أ.د فوزية البكر أن الصحافة السعودية ممثلة في الكثير من المحررين والمحللين والصحفيين وكتاب الرأي قد ساهمت بشكل واضح في دفع عجلة التنوير والوعي العام بمقدار ما أتيح لها من هامش حرية كان يضيق أو يتسع حسب الأوضاع العامة، إضافة إلى أن الصحف وإداراتها – وهي في النهاية صحف غير مستقلة وتخضع لرقابة الوزارة وتمثل وجهة النظر الحكومية – ساهمت كثيرا في تهيئة الرأي العام لتفهم وجهة النظر الحكومية وتحقيق الدعم الشعبي لسياساتها العامة لذا فهي كانت ولا زالت تقوم بذلك.
أما بخصوص معضلة الانتقال من الصيغة الورقية إلى الالكترونية لهذه الصحف وهي المصير المتوقع خلال الفترة الزمنية القادمة فهل نكتفي بالتسليم بذلك أم أن الجهاز الحكومي والمؤسسات لازالت تؤمن بمصداقية ما ينشر من أخبارها لأنها تسيطر عليه وتحتاجه في تهيئة الرأي للعام لتقبّله؛ لذا فالمتوقع هو تقديم الدعم الحكومي لهذه المؤسسات لتتماشى مع التحول الرقمي الذي نادت به الرؤية (وهي بالمناسبة قد بدأت ذلك وسارت فيه بخطوات لابأس بها)، مع تهيئة المؤسسات الصحفية لقبول صيغ جديدة من الاندماج والتحول الرقمي ورفع سقف الحريات المعطاة لتتناسب في هذه الصحف مع سقف ما ينشر في السوشل ميديا.
نعترف بأن عصرا جديدا من الصناعات المعلوماتية والتقنية هو من سيكون سيد الميدان ولذا فلا مناص من حاجة المؤسسات الصحفية في بلادنا الي التحول التدريجي الي الإطار الرقمي لمواكبة العصر ومعالجة المشكلات الهيكلية والمالية التي تعاني منها، ولذا فإن التوصية هنا هو بضرورة دعم الحكومة للمؤسسات الصحفية في معضلتها الحالية ومساعدتها تدريجيا على الدخول إلى العالم الرقمي. وقي ذات الوقت التوصية بشدة بتخفيف يد الرقابة الرسمية عن هذه المؤسسات التي ستدخل عالما جديدا بشروط مختلفة كلية عن الفضاء الواقعي والمركزي الذي نعيشه اليوم.
أما د. عبدالعزيز الحرفان فيرى أن القضية تتلخص في النهاية في منتج وقيمة؛ فالمؤسسات الإعلامية لم توفق في تقديم منتج ذو قيمة لدى القارئ، قيمة الاشتراك في النسخة الالكترونية لجريدة الفايننشال تايمز ٤٥٠ دولار والوول ستريتب جورنال ٢٥٠ ومع ذلك يدفع لهم القارئ لقيمة المعلومة.
بينما يرى أ. عبدالرازق الفيفي أن الصحف الورقية أسهمت في مراحلها الاولى في صناعة ثقافة قراءة ليس لمحتواها بل لعنصر الجذب لكل ما هو جديد، وكونها نمط ورقي جديد ملفت يختلف عن نمط الكتب الورقية حينها، ثم في مرحلة أخرى متقدمة استمرت الصحف الورقية بمرحلة انتشار رائعة وإقبال من الجمهور أقرب للعادة اليومية اللازمة مما منحها نمو واستقرار مالي دعا ملاكها لرفع وتيرة انتشارها الأفقي على حساب تهميش تأثيرها ودورها العمودي. وفي عصرها الحديث تحولت الصحف الورقية في أغلبها إلى دواوين نخبة (منهم و إليهم)، بالإضافة لما اعترى بيئات الصحف الورقية من صناعة هالة هلامية وهمية تشعرك باصطفاء مقدس تجده في ثنايا أحاديث بعض ملاكها و كتابها، بالإضافة إلى ما يعتري تلك البيئات من حالات لا مهنية وربما لا أخلاقية لتحقيق مآرب شخصية على مستوى أذونات الانضمام والنشر والتعاقد؛ كل هذا خلق منها جسدا ميتا له خوار بسبب مرور الريح في داخله. إن أرادت مؤسسات الصحافة أن تحيا كريمة عزيزة نافعة فلابد لها من درأ مالا يليق من العوالق قبل أن تخطوا خطوتها القادمة.
وفي تقدير د. وفاء الرشيد فإن الأزمة اليوم عالمية والتوجه إلى الصحافة الالكترونية لم يعد خيار، والأمنية أن يكون هناك مخرج من هذه الأزمة وإن كان على الأرجح غير موجود! والتلفزيون سيلحق قريباً وسننتقل إلى حقبة جديدة الكترونية تفقد حياتنا جزء آخر من الذكريات الجميلة وتدخلنا إلى عالم أكثر جفاف وعملية. لكن تحميل الصحافة أكبر مما احتملت بمثابة ظلم لها، ولنكن منصفين وواقعين فقد نجحت هذه الصحافة بالرغم من كل الظروف التي قد تكون تعجيزية في بعض الأحوال لأي صاحب كلمة؛ إلا أنها استطاعت أن تمشي على خيط رفيع لتصل للمتلقي برسالتها.
وأوضح م. أسامة كردي أنه لابد أن نحدد نقاط الضعف ونقاط القوة في صحافتنا الورقية، فصحافتنا الورقية مصدر مهم من مصادر الأخبار المحلية والدولية بالإضافة إلى الصفحات المتخصصة مثل الثقافية والاقتصادية وبالتالي لا نحرمها من هذه الميزة على الرغم من عدم اكتمالها وعدم مثاليتها.
في حين ذهب د. زهير رضوان إلى أنه يمكن للصحف السعودية أن تزدهر باستخدام الصحافة الآلية في تحرير المقالات التي تعتمد على الإحصائيات والأرقام المتوفرة على صيغة الكترونية رقمية مثل: نتائج المباريات الرياضية والسوق المالي وسوق الأسهم وتحليل العقار والقوى العاملة والبطالة … الخ، ولكن تكمن المشكلة لمن تنسب المقالة؟ ومن المسؤول عن نشر المقالة؟ وهل لدى الصحف السعودية صلاحية نشر المقالات بهذه الشفافية حيث سيكون من الصعب على القارئ التفرقة بين كتابة الصحافة الآلية وكتابة الصحافة البشرية، سواء اتجهنا إلى طمس الصحف الورقية واستبدالها بالرقمية أو ابقينا عليها.
والنقطة المحورية في هذا النقاش هو الدعم المالي من الحكومة لاستمرار الصحف الورقية!! وقد انقسم الرأي حول هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض ومطالب بتحويل هذا الدعم باتجاه تحول الصحف إلى رقمية، وكلاهما له نقاط قوة ونقاط ضعف.. ولو تطرقنا لنقاط الضعف لوجدنا أن التكلفة التشغيلية في الصحف الورقية تعد السبب الرئيسي لطلب الدعم، والذي أفاد أ. خالد المالك أنه ما لم يتم الحصول على الدعم سيتم خفض التكلفة التشغيلية بإغلاق بعض المكاتب وتقليل عدد صفحات الطباعة وتخفيض عدد الموظفين وكذلك رواتبهم وهذا إجراءات تتخذها معظم الشركات العالمية عندما تواجه أزمة مالية.. وأما نقاط الضعف للتحول للصحف الرقمية هو أنها تحتاج الدعم المالي والفني والتقني والتدريب لمزاولة المهنة بالاضافة الى البنية التحتية الرقمية، ونقطة الضعف الأخرى هي بيع الإعلانات والتي بدونها يصعب عليها الاستمرار.
لذا يمكن أن نمسك العصى من المنتصف ونطالب بدعم مالي مشروط للمؤسسات الصحفية سواء لاستمرارها ورقية أو تحولها إلى رقمية على أن تقدم كل منهم دراسة جدوى لهذا الدعم تعرض على فريق عمل أو لجنة مكونة من عدة تخصصات إعلامية واقتصادية ومالية وتسويقية وتقنية ومهمتها مراجعة الدراسة والموافقة عليها أو رفضها أو طلب التعديل عليها وبعد ذلك لها الحق بأن تشرف على مراحل تطبيق دراسة الجدوى المقدمة من تلك المؤسسات. وقد يؤدي ترك الأمر بين من يريد الاستمرار الورقي ومن يريد التحول الرقمي إلى خلق أجواء تنافسية بين المؤسسات الصحفية في تقديم الأفضل للقراء.
ويرى م. خالد العثمان أن الصحافة الورقية قتلتها النمطية والتقليدية وسقف الرأي المنخفض.. الصحف الإلكترونية لديها فرصة أكبر كثيرا لتحقيق نجاحات أكبر لكنها أيضا تواجه ذات الخطر Yن لم تستطع أو تُمَكَّن من تجاوز الحدود التقليدية.
ومن وجهة نظر أ. سعيد الزهراني فإننا أمام مشهد مكون من حقلين: الأول يمثله الإعلام التقليدي بما فيه الصحافة، والثاني تمثله بيئة الاتصال والتواصل الالكتروني الجديدة، ولكل حقل “ثقافة” ارتبطت به ونشأت فيه، وكل ثقافة من هاتين الثقافتين تناقض الأخرى، بل تمثل كل واحدة منهما سياق حضاري مضاد للسياق الحضاري الذي تمثله الأخرى.
ففي حقل الإعلام التقليدي.. نحن أمام سياق حضاري قوامه وأداته الرئيسة “الكتابة” وتحديداً الصحافة، وحين نستحضر أهم سمات هذه الأداة “أداة الكتابة”.. فسنجدها “سمة التفكير”، والكتابة والتفكير عمليتان منظمتان تستلزمان جملة من المراحل في سياقها الإنتاجي. السؤال هنا هو: هل لا يزال “فعل الكتابة بوصفه منتجاً اتصالياً” حاضراً الآن؟ أم أنه توارى وخفت حضوره بناء على خفوت تأثيره؟
الذي يظهر أننا أمام مرحلة جديدة ضمن سيرورة البناء الحضاري الإنساني.. هذه المرحلة تراجع فيها “فعل الكتابة الاتصالية” في ظل ولادة وظهور “الشفاهية الالكترونية” التي خرجت من رحم المنظومات الشبكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا هو الحقل الثاني.
وبصيغة أكثر شمولية: نحن أمام انحسار ثقافة الحضارة الكتابية اتصالياً وإعلامياً.. وبالتالي انحسار تأثيرها.. ثم انحسار المؤسسات القائمة عليها بالضرورة.. في المقابل نحن أمام بروز تطبيقات البيئة الاتصالية الالكترونية الجديدة وبالتالي بروز تأثيرها ومن ثم تشكل ثقافة الحضارة الشفاهية الالكترونية.. وكأن البشرية تعود من حيث انتهت إلى حيث ابتدأت.
تراجع صناعة الصحافة اليوم ليس نتيجة لتراجع سوق الإعلان وليس لعزوف القارئ عن التعاطي مع نشاطها الاتصالي.. بل لظهور ولتشكل سياق ثقافي جديد ولّدته البيئة الاتصالية الجديدة.. القضية أبعد من معلن ومن متابع.. هي قضية ثقافة بالدرجة الأولى.. وهي بصورة أدق وأشمل: انتقال من مرحلة حضارية إلى مرحلة حضارية أخرى.. انتقال من مرحلة الكتابة إلى مرحلة الشفاهية.. وهي شفاهية جديدة أيضاً.. إنها الشفاهية الالكترونية (وهي مرحلة أحدث من مرحلة الشفاهية الجديدة التي أطلقها والترج اونج وكوزوموتور على وسائل الإعلام).. هذه الشفاهية الالكترونية قائمة على استخدامات تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي. التغريدة الموجزة في تويتر والصيغة الاتصالية في فيس بوك والصورة في انستقرام والتسجيلات المرئية في سناب شات وفق توصيف والتر أونغ.. هي في حقيقتها فعل شفاهي الكتروني جديد يقوم على استثمار الاقتصاد اللغوي المرتكز على قيم الخطابية والمباشرة والبلاغة والتذكر السريع والانتشار.. على العكس من فعل الكتابة المرتبط بالفكر والقراءة وبالتحليل وبالحالة الواعية.. يقول الرئيس التنفيذي لشركة سناب شات (يتساءل بعض الناس لماذا تلتقط ابنتهم 10 آلاف صورة في اليوم.. وما لا يدركونه أنها لا تحتفظ بشي من تلك الصور.. إنها فقط تتحدث) لاحظ صيغة الشفاهية الالكترونية وأدواتها.. إنها الصورة والسنابة والتغريدة.
وأشار د. زياد الدريس إلى أنه في البدء، يتحفّظ على الظن بأن ما يُجرى الآن هو حرب بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية، فحرب الاستنزاف الدائرة الآن ليست ضد الصحافة الورقية، بل ضد الصحافة التقليدية، سواء كانت ورقية أو إلكترونية.
هذا التمييز الضروري بين ثنائيات الصراع سيجعلنا نمحّص؛ هل استغاثة الصحافي الكبير أ. خالد المالك، هي لإنقاذ نوع الصحافة الورقية أم لإنقاذ نمط الصحافة التقليدية؟!
تمكننا المقاربة بين تطور حالة الصحف مع تطور حالة الهاتف في بيتنا، في البدء كان الهاتف الثابت هو وسيلة الاتصال لعقود طويلة، وكنا نظن استحالة استغناء البيت عنه، حتى جاء الهاتف الجوال فأصبح الناس لا يسألون عن رقم هاتف المنزل كما كانوا يفعلون، وأصبحت تمر الأيام أو الأسابيع من دون أن يرن الهاتف الثابت الذي أصبح شبه أبكم، حتى إن كثيرين عمدوا إلى إلغاء الهواتف الثابتة في منازلهم حتى لا يدفع رسوم اشتراك غير مستخدم، تماماً كاشتراكات الصحف التي لا تُقرأ!
المعركة لم تنته حينذاك، فالهاتف الجوال كان في بداياته يشبه الصحافة الإلكترونية في بداياتها، وعندما خرجت الهواتف الذكية إلى الوجود تحوّل الجيل الأول والثاني من الهواتف الجوالة إلى هواتف تقليدية على رغم البون الشاسع بين تقليديتها وتقليدية الهاتف الثابت!
وهكذا، فإن النسخ الإلكترونية المنقولة بحذافيرها عن نسخ الصحافة الورقية سيكون مصيرها مثل مصير الجيل الأول من الجوال.
هل انتهت معركة التطور والتنافس والإحلال الآن، لا يمكن أحداً أن يجرؤ على القول: نعم.
يخطئ من يظن بأن الحرب ضد الصحافة التقليدية هي في الوسيلة فقط أو في المحتوى فقط، بل هي فيهما معاً، أي هي فذلكة جديدة في صياغة المحتوى يتم إيصالها للمستفيد بوسائل جديدة.
وخلافاً للقانون الشهير في تأويل الأحداث: «ابحث عن المستفيد»، فإن سؤالنا هنا، عن التهديدات التي تطارد الصحف التقليدية، يجب أن يكون: «ابحث عن المتضرر»، هل هو القارئ (الذي نسمّيه: المستفيد الأول من الخدمة)؟ أم هو الصحافي (الذي هو في الحقيقة المستفيد الأول من الخدمة!!!)؟
وختاماً، فإذا كان من أحد أتحسّر على موته مع الإعلام التقليدي، فهو (الرقيب) الذي كنا نهاجمه وصرنا الآن نعرف قيمته ودوره في حماية الذوق العام، بعد أن ذقنا بعض مرارات الانفلات والبذاءة اللفظية والفكرية التي تغشى الإعلام الجديد!
أما د. نوف الغامدي فأشارت إلى أن التكنولوجيا الرقمية أتاحت مجموعة متنوعة من مصادر المعلومات والأخبار للمجتمع، وخلقت مساحات وفرص جديدة للمعلنين، كانت السبب في الاستغناء عن بعض الموظفين وإغلاق الصحف والمطبوعات الأخرى في العديد من الأماكن، إلا أنها مكّنت الصحافيين والمدوّنين من تأمين وسيلة تواصل فعّالة وسريعة مع المجتمعات. وفي عصر المنصات الرقمية التي وفرت فرصاً غير مسبوقة للتوزيع السريع للمحتوى، و التفاعل الحقيقي مع الجمهور في الاتجاهين، مع توفير طرق جديدة لإخبار القصص من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما منحت الجمهور إمكانية الوصول إلى مزيد من المعلومات أكثر من أي وقت مضى، إذا أرادت الصحافة البقاء في المنافسة فإن عليها تقديم محتوى مختلف وملتزم في نفس الوقت بالقيم الصحافية، ومضاعفة المحتوى المحلي المميز، وهي خطوة قد تكون ضرورية للبقاء على قيد الحياة، وهذه الفكرة قد تكون مهمة لعدم إمكانية العثور على هذا المحتوى في أماكن أخرى، وهو “مبدأ قد يكون ضرورياً لإنشاء منتج عملي ونموذج تجاري للصحافة المحلية” وذلك لأن الندرة تحدث فرقاً .
فيمكن للمجتمع الوصول إلى مزيد من المعلومات أكثر من أي وقت مضى، لذلك تحتاج الوكالات المحلية لتقديم شيء مختلف من حيث المحتوى والمنظور والقيم الصحافية.
ممارسة الصحافة المحلية يجب أن تكون في تطور مستمر، ولابد من التركيز بشكل خاص على الاستماع إلى المجتمعات المحلية، وتسخير المنصات الرقمية لسرد القصص كاستخدام الفيديوهات ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي كل الأحوال هناك حقيقة مؤكدة لا يمكن إلغاؤها، وهي أنه مهما بذل من جهد، فإن الكثير من الوظائف التي اختفت من الصحافة المحلية لن تعود مطلقا، ومن المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى عصر ندرة المعلومات والإعلان، عندما كان على المجتمع والشركات أن تأتي إلى الصحيفة مباشرة.
بالنسبة للمجتمع، لماذا يجب عليه أن يهتم إذا بقيت تلك الصحف على قيد الحياة أم لا؟ نحتاج إلى خيال 3D من أجل إجابة مقنِعة، فالمستقبل كفيل بتحويل الأحلام إلى حقائق، لكنه أيضا لا يبالي بما يحسب على الماضي، والجريدة ماضية في شكلها الورقي المألوف وكيف كان يتأبطها القراء الأوفياء ويتمتعون بقراءتها في الصباح خلال أعمالهم أو بعد وجبة غداء دسمة، كل ذلك سيأخذ مساحة من أرشيف التاريخ الصحافي.
ستعترف عندئذ جميع حلول إنقاذ الصحافة الورقية بفشلها، تغيير رائحة الصحيفة الورقية إلى عطر منعش كان حلاً فاقداً لجدواه. وبلا إغراء لأن الزمن حينها سيكون قد تجاوز الورق، “في بريطانيا بدأت البلاد تغيير العملة الورقية إلى بلاستيكية لأنه لا يمكن التعويل على تداول الورق سليماً بين أيدي الناس، العملة اليوم مطبوعة على مادة لا يمكن تقطيعها أو إتلافها! ” الجريدة مستقبلا ستكون كذلك وباسم مختلف لا يمت للورق بصلة.
وفي الختام حصر د. سعود كاتب القضية في النقاط المحددة التالية:
- تحديد المشكلة: انخفاض مداخيل الصحافة الورقية السعودية وعجزها عن الاستمرار ووصولها الحتمي إلى حافة الإغلاق، والحاجة إلى حل يضمن لها الاستمرار كصناعة مربحة أو التسليم بالإغلاق النهائي. وعلى نفس المسار هناك حاجة ماسة وطنيا وإعلاميا لتأسيس صناعة صحافة رقمية الكترونية على أعلى مستوى. كل هذا بحاجة لدعم حكومي يؤتي ثماره لا دعم يتبخر في مرتبات موظفين عالية ومصاريف تشغيل تعود بعدها الأمور للمربع الأول.
أسباب مشكلة الصحافة الورقية:
1- منافسة التكنولوجيا القوية ذات الخصائص المتفوقة والتكلفة المنخفضة.
2- انهيار التوزيع والإعلانات.
3- عزوف الناس عن الورق وتحولهم إلى شاشات التكنولوجيا الجديدة.
- الحلول:
1- مبادرة حكومية يشترك بها من يريد من المؤسسات الصحفية يتم خلالها وضع خطة لمدة ٥ سنوات بحد أقصى لبناء إعلام رقمي سعودي متفوق.
2- اَي دعم حكومي لا يتم توجيهه للصرف على الصحافة الورقية، بل على التطوير، حيث ثبت بما لا يدع مجال للشك أن القارئ عزف تماما عن الورق، ليس بسبب ضعف المحتوى بل بسبب تفوق البدائل الرقمية.
3- يتم علاج مشاكل الصحف الورقية بالاندماجات وتخفيض المصاريف إلى أقصى درجة ممكنة.
وأخيراً فإن المملكة تريد أن يكون لديها إعلام قوي ومؤثر وقادر على الوصول بسرعة وبكل اللغات إلى جميع أنحاء العالم. ومع موت الصحافة الورقية فإن البديل السريع هو ضرورة قيام مبادرة حكومية لصناعة إعلام إلكتروني قوي بأعلى المعايير العالمية يكون قادر على الدفاع عن المملكة وتقديم صورتها الحقيقية للعالم. الفرصة اليوم لا ينبغي إضاعتها أو تأجيلها، وبالنسبة للمؤسسات الصحفية الحالية فإن عليها أن تثبت أنها مستعدة وقادرة على التغيير والمساهمة في هذا التوجه وإلا فإن عليها مواجهة مصيرها وحدها.
وقد جتمع وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد، في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض ، برؤساء تحرير الصحف المحلية.وجرى خلال اللقاء مناقشة مجموعة من الموضوعات منها وضع المؤسسات الصحفية المحلية، ودراسة سبل التطوير في التحرير والانتشار والتأثير، وتوظيف التقنية ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة المحتوى الإعلامي.
كما تم استعراض التجارب والممارسات الدولية للاستفادة من الخبرات المشابهة، ومناقشة وسائل وسبل تطوير قطاع الإعلام والنهوض بصناعة الصحف لكي تكون منافسة وذات تأثير قوي يتناسب مع مكانة المملكة السياسية والاقتصادية والثقافية.
ومن خلال تبادل الآراء والأفكار تمت دراسة سبل مواجهة الوضع المالي الذي تمر به المؤسسات الصحفية، وخرج الاجتماع بمجموعة توصيات مهمة في مجال الاستثمار للاستفادة من أصول المؤسسات الصحفية وكذلك النظر في سوق الإعلان والبحث عن المشاركة الفعالة والمؤثرة في هذا السوق، وفي مجال التدريب والابتعاث لتنمية الكفاءات الصحفية المتميزة في سبيل النهوض بالعمل الإعلامي المحلي والخارجي.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- د. إحسان بو حليقة
- م. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- أ. أسمهان الغامدي
- أ. آمال المعلمي
- د. الجازي الشبيكي
- أ. جمال ملائكة
- د. حامد الشراري
- د. خالد الرديعان
- د. خالد الفهيد
- م. حسام بحيري
- د. حميد الشايجي
- د. حميد المزروع
- أ.د. حسنين البرهمتوشي
- د. حمزة بيت المال
- م. خالد العثمان (رئيس الهيئة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- د. خالد بن دهيش
- أ. د. راشد العبد الكريم
- د. زهير رضوان
- د. زياد الدريس
- د. زينب إبراهيم
- د. سعود كاتب
- أ. سعيد الزهراني
- أ. سمير خميس
- د. عبدالرحمن الشقير
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- د. عبدالعزيز الحرفان
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- د. عبير برهمين
- أ. عبير خالد
- أ. علياء البازعي
- اللواء د. علي الحارثي
- أ. فاطمة الشريف
- أ. فايزة الحربي
- د. فهد العرابي الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. لمياء العنزي
- د. محمد الملحم
- د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
- أ. مسفر الموسى
- د. مشاري النعيم
- أ. مها عقيل
- د. ناصر القعود
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
- د. وفاء الرشيد
- د. يوسف الرشيدي
(1) – http://www.albayan.ae/opinions/by-the-way/2017-12-17-1.3133274
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 34