شهر يوليو 2015م
ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر يوليو 2015م موضوعات متعددة، وكان هناك عدة قضايا رئيسة تم طرحها للنقاش على مدار الشهر شملت: قضية التطرف والإرهاب والتي حظيت بقسط وافر وممتع من التحليلات العلمية الرصينة. كما تم طرح قضية الأيديولوجيا والأدلجة بكل ما تنطوي عليه من إشكالات فكرية ومفاهيمية. ويضاف إلى ذلك قضية التحرش الجنسي والتي تضمنت العديد من الأبعاد الجديرة بالتحليل.
أيضاً فقد أفضت المستجدات على الصعيدين المحلي والدولي إلى مناقشة قضايا إضافية أخرى لا تقل أهمية ؛ فعلى الصعيد المحلي حظيت وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في الولايات المتحدة الأمريكية باهتمام بالغ من أعضاء المنتدى، وتبلورت في هذا الشأن آراء تعكس مكانة ودور الأمير سعود الفيصل وما قدمه من إسهامات لا حدود لها للمملكة وللأمتين العربية والإسلامية. وعلى الصعيد الدولي كان هناك اهتماماً ملفتاً بالاتفاق النووي بين إيران والغرب وأبعاده ودلالاته وانعكاساته المباشرة وغير المباشرة على المملكة والآليات المناسبة للتعاطي معه.
وعليه فقد تحددت القضايا المحورية التي يتضمنها التقرير الرابع لمنتدى أسبار في تلك القضايا المشار إليها، والتي اتسم النقاش حولها بتنوع أبعاده، فضلاً عن تميزه بالجدية والعمق الواضحين؛ الأمر الذي يبدو جلياً من تحليل محتوى المداخلات المتضمنة في إطار كل قضية على حده.
محتويات التقرير
المبحث الأول: ظاهرة التطرف والإرهاب
- مدخل ورؤية عامة
- الأسباب والعوامل المؤثرة: رؤية تحليلية
- آليات الوقاية / استراتيجيات المواجهة
المبحث الثاني: الاتفاق النووي بين إيران والغرب
- قراءة في بنود الاتفاق.. هل ثمة مبالغة في المكاسب الإيرانية؟
- الموقف الأمريكي: محاولات للفهم والتفسير
- الموقف الإسرائيلي: ماذا يخفي الصمت؟
- انعكاسات الاتفاق النووي على المملكة: وماذا عن ردات الفعل؟
المبحث الثالث: وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل
- مشاعر فياضة في رثاء رمز من رموز الوطن
- ملامح من نجاحات سعود الفيصل
- متي كان يغضب سعود الفيصل؟
- وفاة سعود الفيصل وقصور أداء إعلامنا المحلي
- تكريم سعود الفيصل: هل ثمة مقترحات عملية؟
- مذكرات سعود الفيصل ضرورة ملحة … وأسبار تتبنى الفكرة
المبحث الرابع: الأيديولوجيا والأدلجة: إشكالات مفاهيمية
- الأيديولوجيا: نحو فهم محدد لدلالة المفهوم
- الأدلجة والمؤدلجون: مغالطات التوظيف السلبي للمفهومين
- الأدلجة وإشكالية التحيز / الموضوعية
المبحث الخامس: التحرش الجنسي بالمرأة
- مدخل ورؤية عامة
- التحرش الجنسي: إشكالية المفهوم
- إحصائيات التحرش: تهويل أم تهوين؟
- الأسباب والعوامل المؤثرة: رؤية تحليلية
- آليات الوقاية / العلاج: الحلول المجتمعية والنصوص التشريعية
المبحث الأول
ظاهرة التطرف والإرهاب
مدخل ورؤية عامة:
تنوعت مداخلات وتحليلات أعضاء منتدى أسبار حول ظاهرة التطرف والإرهاب. وفي هذا الإطار قدم د. علي بن صديق الحكمي ورقة بحثية تضمنت تحليلاً لظاهرة التطرف والإرهاب وكيفية وقاية النشء من الوقوع في براثنهما بأساليب عملية مناسبة تركز على الوقاية التي تصمم برامجها وفق أسس علمية منتظمة وليست جهوداً مشتتة لا توظف أساليب الإقناع والتأثير والتنشئة الاجتماعية المناسبة ويشارك المجتمع جميعاً في تنفيذها. وكما يقول المثل الإفريقي “تحتاج بلدة كاملة لتنشئة طفل واحد” فنحن نحتاج المجتمع مؤسسات وأفراداً للعمل وفق توجه واحد لوقاية النشء من الانحراف والتطرف. إن فهم الأساليب التي يستخدمها المتطرفون لتغيير اتجاهات النشء واستقطابهم مدخل مهم لتصميم برامج الوقاية ولمساعدتنا للتعامل الفعال معها. وأشار د. الحكمي لبعض تلك الأساليب والشعارات وكيف يمكن التعامل معها:
- تعيش لهدف سامٍ، والآخرون يلهون: هذه الاستراتيجية تستهدف الفراغ الذي يعيشه بعض النشء بعدم وجود أهداف لحياتهم يسعون لتحقيقها. هنا يكون من أهم أسس الوقاية تربية النشء ليكون له أهدافاً في الحياة يكرس جميع جهوده وتفكيره وطاقته من أجلها. فمن لديه هدف وتعلم كيف يحققه سيستمر في طريق ذلك، أما من يعيش بدون هدف فهذا يسهل اختطافه لتحقيق أهداف الآخرين والتضحية بحياته “وحياة الآخرين” ثمناً لذلك.
- أنت غضبان، إذاً انتقم: يستخدم المتطرفون أسلوب إثارة روح الغضب لدى النشء حول مختلف جوانب حياتهم وحياة مجتمعهم ودفع صاحبها للانتقام. ونستطيع كمربين وقاية النشء من ذلك بأن نعلمهم أن يفرقوا بين الغضب والسلوك الذي قد ينتج عنه، فمن الطبيعي أن يغضب الإنسان، ولكن ليس من الطبيعي أن ينتقم بنفسه، أو أن يسمح لمشاعر الغضب أن تتحول لكراهية تمنعه من التمييز بين الصواب والخطأ. إن تربية النشء على التحكم في الغضب وإتاحة الفرص لهم لتحويله لقوة إيجابية تدفعهم للعمل والانتاج هو من أهم المسؤوليات التي يجب أن تتصدى لها الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي.
- نحن وهم: التصنيف أحد أهم الوسائل التي يستخدمها المتطرفون لاستقطاب النشء لأفكارهم أو جماعاتهم، وهذا يعتمد على وجود حاجة نفسية أساسية لدى جميع الناس: الحاجة للانتماء. وتستغل هذه الحاجة عند بعض الشباب، فيوفرها لهم المتطرفون، فيصبح الشاب منتمٍ لكيان، له أفكاره وأهدافه الواضحة، كيان يشعر أتباعه أنهم “أفضل وأكمل وأنقى” من الآخرين، وأن الآخرين لا قيمة لحياتهم. وبالتالي، فهم لا يستحقون العيش ناهيك عن التعايش. هنا تكون وقاية الشباب بغرس الانتماء لديهم لدينهم الحنيف ولوطنهم ومجتمعهم منذ مرحلة عمرية مبكرة، وتوفير مؤسسات مجتمعية تشبع لديهم هذه الحاجة مثل مراكز الأحياء والأندية التي تقدم أنشطة متنوعة وزيادة تماسك المجتمع المحلي والجيران.
- اتبعني، معصوب العينين: هذه استراتيجية أخرى مهمة يستخدمها المتطرفون، اتبعني أوصلك الطريق الصحيح لتحقيق “أهدافك”، ليس هناك داعٍ، أيها الشاب، لأن تفكر باستقلالية فنحن نفكر نيابة عنك. وبالتالي طمس التفرد والاستقلالية لديه وجعله يتحرك وفقاً لما يريدون. في هذه الحالة، تتحقق الوقاية بتربيته ليكون مستقلاً في تفكيره يقدر عواقب أفعاله على نفسه وعلى الآخرين. إن البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية التي تشجع التساؤل ولا تكبته، وتدعم الحوار الحقيقي، هي التي يخرج منها جيل يسير في دروب الحياة بثقة ومسؤولية وشخصية وتفكير مستقلين.
- نمهد لك السبيل لتصبح بطلاً: يتطلع النشء عادة لأن يكونوا أبطالاً يشار لهم بالبنان. ويستغل المتطرفون هذه الحاجة عندما يشعرون الشاب بأنه هو أيضاً يمكن أن يكون بطلاً عن طريقهم وفقاً لمفهومهم المنحرف للبطولة. وللوقاية من استغلال ذلك، فإننا بحاجة إلى “تحرير” مفهوم البطولة عند الشباب وإقناعهم أن محورها الأساس هو عمل الخير ونبذ الشر، وأنها لا تتحقق بالقتل وإلحاق الضرر. إن من الضروري أن نعلم أطفالنا وشبابنا أن نصرة الدين لا تكون بالهدم والقتل والإرهاب، وإنما تكون بالعلم والعمل والبناء والمحافظة على الوطن قوياً ومتماسكاً وآمناً، وإتاحة الفرص لهم لأن يكونوا أبطالاً حقيقيين من خلال توفير مشاريع إنتاجية تتيح لهم إظهار طاقاتهم الكامنة وتحتفي بإنجازاتهم.
الأسباب والعوامل المؤثرة: رؤية تحليلية
عقبت أ. فاطمة الشريف بأن التطرف يصحب دائماً الأفكار الجديدة المنقلبة على أفكارٍ قديمة بالية، فتُبالغ في تقديس الجديد، كرد فعل انتقامي من القديم الذي كان مقدساً (فالثورة البلشفيَّة، مثلاً، قامت بالأساس لنزع القداسة عن المؤسسات الدينية التي كانت أهم ركائز ورموز النظام الرأسمالي، ثم انتهى بها المطاف إلى إسباغ قداسة أكثر تطرفاً، على رموز الثورة وشعاراتها وأفكارها، إلى حد المسارعة في إعدام كل من يتم مجرد الشك في ولائه لتلك الرموز وتلك الشعارات والأفكار. فشهدت سيبيريا مصارع معظم قادة الثورة البلشفيَّة، على أيدي زملاء لهم، لمجرد الإحساس بأن ولاءهم للثورة لم يعد كاملاً وهذا يختلف كلياً على التيارات السياسية ذات النهج الإسلامي ويختلف عن مفهوم الأيديولوجي.
أما د. فهد العرابي الحارثي فقد لفت نظره في طرح د. علي الحكمي استغلال تطلع الشباب إلى البطولة ، وربما تجلى ذلك في أهم عوامل الجذب لداعش مثلاً ، وذلك ليس لدى بعض الشباب فقط وإنما لدى بعض الشابات كذلك في منطقتنا وفي العالم. لابد إذن من تدشين قنوات مهمة لاستيعاب طاقات الشباب وتلبية تطلعاتهم لإظهار بطولاتهم . وربما يكون التجنيد أحد الفعاليات المهمة في هذا الصدد. كذلك رأى د. الحارثي إن د. الحكمي لم يذكر شيئا عن حملات التيئيس ونشر الاحباط بين الشباب ما يهيئ لتماثل انسدادات الأفق في وجوه النشء. فنحن في حاجة إلى نشر ثقافة التفاؤل ودعم الصور الإيجابية للمستقبل. وهذه مسؤولية جميع مؤسسات المجتمع وفعالياته. نحن في حاجة كذلك إلى تعزيز الثقة في الحاضر ودعم الإيمان بالكيان والولاء له : ثقافياً وسياسياً وإعلامياً . ليس عن طريق الدعاية الممجوجة وإنما وفق منتجات منهجية ذكية وذات تأثير.
بينما يرى د. عبدالله الحمود أن ما نقوله من أن داعش والقاعدة جماعتان متطرفتان تمييع لواقعهما. وما ندعيه من أن التكفير سمة وخصلة من خصال التطرف، تسييس للمصطلح، وتحييد له عن حقيقته في الفكر والسلوك الاجتماعيين. إن التكفيرين والقاعدة وداعش ليسو متطرفين بل مجرمون خارجون عن القانون. ولهؤلاء مناهج خاصة في التعامل معهم ومواجهتهم وحماية المجتمعات والأفراد من شرهم. أما التطرف فهو ما حارت عقولنا فيه، وقصرت دون الإقدام على تعريفه، مع يقين كثير منا به، ومعرفتهم لكنهه، ومعايشتهم لأصحابه، واكتوائهم بجحيمه. وما ذلك إلا لأنه اختلط بعادة، أو امتزج بعبادة، وتسلط على فرد أو جماعة. التطرف ليس جريمة ظاهرة كما تفعل داعش والقاعدة وكما يفعل التكفيريون. التطرف فكر وسلوك خطيران يتلبسان ما اعتاده الناس وألفوه من تدين، أو تحرر، فيوغلان في الإقصاء عن مركز الدائرة، ويطوقان أتباعهما بسياج من العفة المزعومة أو التقوى المكذوبة، أو التنوير المتخيل أو الحرية المأفونة. ففي مجتمعنا اليوم سطوة التطرف المسيج بالعفة والتقوى هو المتمرد علينا أكثر. ومواجهته هي الأولى، دون إغفال لشقيقه.
وذكرت د. سامية العمودي أن هناك أيضاً عملية تهيئة مباشرة وغير مباشرة عبر تحريف رسالة التعليم والمعلم وتحضير الصغار تدريجياً عبر إدخال عناصر جذب مثل الفوز بالجنة وحور العين والخلود والانتصار على الضالين في المجتمع فتصبح هذه عوامل جذب وإغراء فنحن نعرف أن المال ليس الهدف للمتطرف الانتحاري وهناك شحنة الغضب من مظاهر التغريب التي يصورونها لهم مثل سياسات الدولة التي تسمح بمشاركة المرأة في التنمية أو الانفتاح الإعلامي والعلاقة مع الدول الكافرة مما يمثل في نظرهم منكراً حرياً بهم مجاهدته انتصاراً للدين، لذا فإن الدعاة للتطرف محركين لمشاعر الانتصار للدين والقيم والفضيلة لكن في الاتجاه الخطأ والمجتمع والبيت يغفل، ودور الأسرة واضح في عدم التقاط هذه المؤشرات في بداياتها ولم ندرك هذه الأخطار مبكراً بما يكفي قبل حصول هذا المد الفكري والعقدي عندهم.
وعلق أ. خالد الحارثي على ما طرحه د. على الحكمي ففيما يخص العيش لهدف سامٍ؛ ذهب إلى أن تفريغ الحياة من الهدف السامي الذي يبصره الشباب أتى من عدة تقاليد تركز على الانصياع للمجموع، وعدم توفر المساحة لاستيعاب الإرادة الفردية وبحثها لتطوير مبادرات مع آخرين. وفيما يتعلق بالتعبير عن الغضب؛ رأى أن غياب آليات التعبير عن الغضب السلمية يساهم في كبت الغضب والاحتقان لدى الشباب ، وهو ما يدعونا لتبني مبادرات في المدارس لوقفات الغضب في الطابور الصباحي مثلاً ، والتطوع لغرس شجرة أو عمل بلدي آخر. وبالنسبة لنحن / هم؛ يعتقد أ. الحارثي أن الانتماء أيضاً نفتقده كثيراً نظرا لتفكك الرابط الاجتماعي الذي يضم الشباب لبعضهم البعض ، وبذلك يصعب على فهمهم استيعاب الانتماء الوطني الكبير ، وعليه فقد اقترح أ. الحارثي أن تشتمل مجالس الأحياء على نشاط مشترك وحوارات بشكل يومي أو مرتين أسبوعياً على الأقل من شانها امتصاص الشعور بالـ نحن و هم السلبية.
بينما توفقت أ. ليلى الشهراني عند جزئية الغضب؛ حيث ترى أنها جداً مهمة ولعلها الشرارة الأولى التي تحرق كل شيء جميل في داخل الإنسان وتعميه وتدفع به إلى الغلو والتطرف ، الرسول عليه الصلاة والسلام كررها مراراً (لا تغضب) والخطاب الموجه لجيل اليوم يغلب عليه الحدية والغضب واختيار أعنف العبارات للتأثير عليهم ، ولنأخذ ما يحصل في الشبكة العنكبوتية أكبر مثال ، في السابق كانت تستفزنا بعض كتابات الصحف ، والتي كانت عبارة عن مقالات كيدية وهجومية ، وبسببها تحولت النقاشات والكتابات في هذه المواقع إلى دفاع وهجوم واختفت المقالات الأدبية والأشعار وغيرها من الكتابات التي تجذب الشباب والشابات ، ثم جاءت مواقع التواصل لتزيد من هذه المشاكل ، أصبح التأثير على العقول أسهل بكثير مما كان في السابق ، تلك الأوراق التي كانت تطبع وتوزع في الخفاء للتأليب على حكومات أو للتحريض على الإرهاب اختفت وحل محلها تغريدة لا تتجاوز ١٤٠ حرفاً ، استغل المتطرفون الأوضاع الخانقة في بعض الدول العربية من (بطالة ، وفقر ، وهدر للمال العام ، وغيرها) وبدأ البعض ينفث سمومه ، فتراه يضخم كل سلبية أو خطأ ، ويتغاضى أو بالأصح يدفن الإيجابيات ، فأصبح بعض الشباب مهووس بمسألة القوة في النقد وشجاعة الكلمة ، حتى لو كانت تغريدة عادية لكن نبرتها عالية كأن يضيف لها (تبا لكم ، قاتلكم الله ، وبعض الشتائم التي يستخدم فيها البعض عضلات لسانه ويعطل عقله) ثم تتطاير بها الركبان وكأن كاتبها اكتشف الذرة ، ويبدأ مشوار التطرف بالنفخ في بالون الشجاعة المزعومة ، ومن هنا يصنع الانسان الغاضب ، المعطل عقلياً والمسير جماهيرياً ، والعلاج ليس بإغلاق تويتر أو أن نتهمه بأنه بؤرة لجذب الشباب للتطرف ، بل أن يستغله المؤثر ليزرع وعياً وليحرر العقول من التبعية المقيتة وأن يجذب هذا الجيل للفضاء الأرحب ليتنفس الإيجابية والحب والرحمة.
وعقب د. عبدالرحمن الهدلق على ورقة د. على الحكمي بأنها تطرقت في أولها لأهمية دور الوقاية ثم تحولت وركزت بشكل كبير على الأساليب التي يستخدمها المتطرفون لتغيير اتجاهات الشباب كمدخل لتصميم برامج الوقاية إلا أنه – فيما بعد – فقد خرجت عن صلب الموضوع حيث تحدثت عن الوسائل والرسائل التي ترسلها الجماعات المتطرفة لتجنيد الشباب ولم يتطرق فعلياً لوسائل وقاية الشباب من التطرف. ويتفق د. الهدلق مع د. الحكمي في أنه يجب فهم وسائل ورسائل المتطرفين لكن في نفس الوقت فإن من المهم معرفة واقع الشباب المتلقي لهذه الرسائل حتى نتمكن من تحصينه ووقايته من الأفكار المتطرفة. ويرى د. الهدلق أنه ومن خلال الدراسات العلمية التي تم إجراؤها على المتطرفين وواقع الشباب في مجتمعنا فإن بعض الشباب يعيش حالة من الإحباط النسبي تؤدي بهم إلى القهر والغضب مما يجعلهم صيداً سهلاً للمتطرفين لتجنيده وقد ذكر العالم في العنف السياسي “تيد قور” في كتاباته العديدة من العوامل التي تؤدي إلى الإحباط وهي عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية …الخ. ومن خلال هذه الدراسات تم التوصل إلى استراتيجية أطلقت عليها (M’s3 ) وهي عبارة عن 3 عناصر متى ما اجتمعت مع بعضها البعض فمن المؤكد أن تكون النتيجة وقوع بعض أعمال الإرهاب والعنف والتطرف, وهذه العناصر الثلاث :
1- وجود شباب ساخط ومنظم Men”” .
2- توافر القدرة المادية “Money” .
3- فكر منحرف عنيف” Mindset” .
وذهب د. فايز الشهري في مداخلته إلى أنه لا بد من الإقرار بداية بأن التطرف في الفكر والسلوك جزء من حقائق المجتمعات البشرية قديماً وحديثاً. ويبدأ تحدي مواجهة التطرف من متلازمتي نفيه أو التصور الخيالي بالقدرة على (القضاء عليه). وعبر دراسات التطرف نجد أن الظاهرة تصبح مشكلة كماً ونوعاً حين تتقاطع الظروف النفسية والبيئية للفرد القابل للتطرف مع أوضاع سياسية ومجتمعية لا تستوعب مشكلاتها بشكل سريع أو تستبق الظاهرة بالحلول. فالتطرف ليس حالة فردية معزولة بل منتج مجتمعي تشكله الظروف وتبرزه الأحداث الكبرى. ومن إشكالات مواجهة التطرف في العقود الأخيرة أن الفكر والسلوك المتطرف لم يعد مجرد جماعات أو أفراد تأتي ردات فعلهم العنيفة والمتطرفة عفوية عاطفية تؤججها أحداث …. بل أصبح منظمات ومصالح تستثمر فيه الدول ضمن أدوات الصراع الخفي.
ومن وجهة نظر د. خالد الرديعان فإن غالبية المتطرفين ينحدرون من الطبقة الوسطى مع وجود استثناءات قليلة.. والطبقة الوسطى في مجتمعنا السعودي ليست بعيدة كثيراً عن طبقات القاع الاجتماعي لذلك فإن من الضروري حل المشكلات الاقتصادية للشباب وعدم الاستهانة بقضية البطالة… عندما ينسد الافق أمام الشاب أو يشعر أنه كذلك فإنه يصبح ضحية محتملة إما للمخدرات أو الارتماء بأحضان الجماعات المشبوهة. واتفق د. الهدلق مع هذا الطرح بقوله: فعلا الغالبية طبقة وسطى مع وجود أقليات من الطبقة الدنيا والعليا.
من جانبه يرى د. زياد الدريس أن صراع الهويات مشكل كبير عند الشباب المعاصر ، الأمر الذي لمسه عند الشباب المسلم في فرنسا بدرجة أكبر؛ فهم يعيشون في بلد يعتقدون بكفره وكفر حكومته فكيف سيتعزز عندهم الولاء للقيادة السياسية ؟ هذا إذا كنّا سنتناول الشباب المسلم عالميا ، أما إن كانت معالجتنا عن الشباب السعودي فقط فالوضع أقل تعقيدا لحسن الحظ !
وبلورت د. الجازي الشبيكي رؤيتها بالتأكيد بأنه لاشك أن ما تضمنته ورقة د. على الحكمي من أسباب مهمة جداً ، لكن السؤال الضروري دائماً هو عن أسباب تأثر بعض النشء وعدم تأثر آخرين قد يكونوا جيرانهم من نفس الحي ونفس الطبقة الاجتماعية وتقريباً يتعلمون في مدرسة واحدة بكل إيجابياتها وسلبياتها ومع ذلك يلتحق أحدهم بركب المتطرفين والإرهابيين والمخربين وجاره الذي يلاصق بيته لا يفعل. هنا من وجهة نظر د. الشبيكي يبرز بوضوح دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية ، فالأسرة المترابطة المتفقة على التربية السليمة القريبة من أبنائها المُشبـعة لاحتياجاتهم الغارسة بهم تعليماً وقدوةً قيم الاعتدال والوسطية المُعززة لأسلوب الحوار الأسري والاجتماعي الدائم والمُتيحة لهم قدر من الحرية في خياراتهم الشخصية بضوابط مرنة ومُتفق عليها ، هي الأسرة التي في الغالب تقل إمكانية ميل أبنائها للتطرف.
أيضاً فقد عقبت د. الشبيكي على مداخلة د. عبدالرحمن الهدلق حينما قال عن العناصر الثلاث المؤثرة: شباب ساخط وقدرة مالية وفكر منحرف ، أننا يمكن أن نضيف هنا وبقوة وضياع أسري نتيجة تنشئة اجتماعية غير سليمة بالإضافة إلى غياب قنوات احتواء اجتماعية مُخطط لها تخطيطاً جيداً مواكبة لاهتمامات الشباب وجاذبة ومفيدة لهم.
وأكدت مداخلة د. خالد بن دهيش في تعقيبه على ورقة د علي الحكمي على أن معرفة الأسباب هو السبيل لمعرفة آليات وسبل الوقاية , فالقضية كما ذكر البعض أشبعت دراسةً ونقاشاً ، وهناك من التوصيات ما يضمن الوقاية إذا توفرت الإدارة والإرادة ، والدولة ولله الحمد قدمت الكثير للوقاية وبقي الأكثر للوقاية بدليل أن هذا الفكر لا يزال ينتشر ، والدولة هي من يملك المخزون الوافر من محاضر التحقيقات مع من اعتنقوا الفكر التكفيري أو مع المحرضين والداعمين لهم ، من خلال هذه التحقيقات نتعرف على الأسباب التي سوف تقودنا الى الوصول إلى سبل وآليات الوقاية، ولكن ينقصنا تصنيفها من حيث الأهمية والأولوية والمصدر ( المناهج ، الأسرة ، الخطاب الديني …..الخ ) وفي أي المناطق الجغرافية ينتشر هذا الفكر، و الأهم كيف يتم التنفيذ الفاعل وفق الاستراتيجيات المعتمدة أو التي في طور الدراسة ، والمؤمل أن شاء الله أن تقوم استراتيجية ثقافة الجيل بدور كبير إذا توفر لها حُسن الإشراف والتنفيذ والالتزام المادي والمعنوي فهي مشروع وطني ذو أهمية قصوى.
وأشار د. منصور المطيري إلى أنه قد لفت انتباهه اعتقاد البعض أن الدعوة الإصلاحية التي ظهرت في نجد دعوة متطرفة.. كما يقول عنها أعداؤها بالضبط .. و يستدلون على ذلك بظهور جهيمان و إخوان من طاع الله و جماعة الحميد و غيرهم .. وهناك عدة ملاحظات يجب توضيحها في هذا الشأن:
١. كل هذه الحركات المنسوبة إلى هذه الدعوة تستنكرها الدعوة و تنتقدها على لسان علمائها .. ويبدأ الاستنكار عندما تتطرف.
٢. حركات التطرف أو تيارات التطرف ( مثلها مثل غيرها من الحركات و التيارات ) مربوطة بتفاعلها مع الواقع بأبعاده المختلفة و خاصة السياسي .. فهناك دوافع للتطرف في كل حين و في كل وقت .. و لذلك فإن الحكم على أن السبب في ظهور هذه أو تلك الحركة المتطرفة الفكر الذي يرفضها ، لأن الفكر المتهم أنتج الأكثرية الساحقة غير المتطرفة و لأنه يستنكر التطرف هذا قبل غيره من المنكرين.
٣. التطرف بحديه الإفراط و التفريط لم تخل منه الحياة سابقاً و لن تخلو منه مستقبلاً .. إنه مثل العواصف التي تثور ثم تنتهي ثم تثور أخرى و تنتهي و هكذا.. و قد أشار الرسول صلى الله عليه و سلم إلى ذلك ( كلما ذهب قرن ظهر قرن ) في إشارة إلى الخوارج .. لأنه مربوط بذهنية الإنسان و نفسيته وأطماعه و آماله و آلامه .. لكن مجموع الأمة لن يتطرف أبداً.
٤. الجماعة المتطرفة تُعرَف بعقيدتها المخالفة مثلا للنص الشرعي الكلي .. أو المعتقدة للأفضلية العرقية وهو الأوضح.
- التطرف هو الوقوف في طرف بعيدٍ عن الوسط الذي هو الحق ( و كذلك جعلناكم أمة وسطاً ) فالأمة الإسلامية اذا اتبعت الإسلام حقاً فهي أمة وسط أو عدل .. و لذلك الحكم على الفرد أو الجماعة لا بد أن يسبقه تصور للحق و لا بد أن يكون هذا التصور صحيحاً .. و لا يقع الموقف في خانة التطرف إلا إذا كان الخلاف في أصل اعتقادي مثل القول بالتكفير بالمعصية أو اعتقاد عصمة أحد من الناس غير الأنبياء .. و على هذا فليس الخلاف الفقهي بين العلماء تطرفاً لأنه طبيعي وفي أمور لا تغير من الأصل شيئا.
- تميزت الدعوة الإصلاحية بأمر مهم و هو اعتماد مرجعيتها على الدليل الشرعي و رفضت معارضته .. ولم تضع أقوالا لعالم مثلاً هي الحد الفاصل بين الحق و الباطل .. بل جعلت الدليل كما فهمه السلف و يقصد بهم الصحابة و التابعين و من تبعهم في طريقة فهمهم.. وجعلت هذا حكماً يحكم حتى أقوالها التي تقول بها متى ما تبين لها أنها مخطئة متمثلة بذلك منهج العلماء الأوائل من المسلمين الذي يقولون ( كل يؤخذ من قوله و يرد إلا صاحب هذا القبر ).. أي يؤخذ قوله بالدليل و يرد بالدليل.
وركز أ. خالد الحارثي في تعليقه على ما طرحه د. منصور المطيري على إثارة النقاط التالية:
- أولاً: التسليم بطبيعة التطرف لا يتوافق مع إنكار ونهي النبي عنه ، فهو ليس طبيعي ولا يقبل علمياً أيضاً أن يكون طبيعي.
- ثانياً: آن الأوان لمراجعة أخطاء الدعوة التي كان فيها نظرة تكفيرية ، والعودة في الحق أولى من الاستمرار على تنزيه الذات.
- ثالثاً: وصف المرجعية بالسلفية يضفي قدسية وهمية وغير منهجية لأن الذي يستدل بكلام الصحابة إنما استدل بفهمه هو وفي ظرف وزمان مختلف ولم يقف على رأي الصحابة في هذا الزمان لأنهم لحقوا بالرفيق الأعلى.
كما أضاف أ. الحارثي كملاحظة عامة تخص النقاش حول الوقاية للشباب من الإرهاب وتتعلق برأيه في إصرار البعض في المبالغة في دور العنصر الديني وإعطائه اكثر مما تستحق بقية العناصر هو كالإصرار على ركن الحج في الإسلام وترك بقية الأركان وتقليل أهمية الشهادة وبقية الأركان ، البيئة الإيكولوجية تحمل عناصرها مجتمعة أهمية أعلى في الحد من قوة وفعالية العنصر الديني ، الشباب يصعب استدراجهم للتضحية بالنفس إذا توفرت لديهم مقومات واضحة للعيش الكريم ودون صعوبات وعرقلة ، اتخاذ القرارات عند الشباب ليس مفصولاً عن الأمل واليأس.
وأوضح د. خالد الرديعان أن التشدد يقود للتطرف والتطرف للإرهاب… لدينا تشدد في كثير من المسائل التي نخالف فيها معظم فقهاء السنة ومنها قضية الحجاب على سبيل المثال لا الحصر.. وهناك أسباب تاريخية وحتى ايكولوجية لتفسير تشددنا.. ومع ذلك لا ننتقص من الدعوة الوهابية أهم مآثرها وهي تخليص الدين من بعض البدع التي تثقل كاهل المتدين.. كزيارة الأضرحة وبناء القباب عليها والاعتقاد بالأولياء وأنهم واسطة لله كما تفعل بعض فرق السنة والشيعة كذلك.. مع ذلك توسعت الدعوة بمسألة البدعة بصورة جعلت معظم ما يستجد بدع.
واهتم د. منصور المطيري بالتعقيب على ما طرحه د. الرديعان بقوله: إذا كان التشدد الذي يقصده هو التوسع في بعض القواعد الفقهية كمثل قاعدة سد الذرائع فهذا صحيح يدركه فقهاء الدعوة أنفسهم و يتناقشون فيه .. وهو أمر هين يذوب مع توسع الحوار و انكشاف جوانب الموضوع للفقيه .. بل إن البيئة نفسها التي ينشأ فيها الفقيه تغيرت و توسعت و انفتحت فانعكس ذلك على كثير من الفقهاء الشباب .. لكن المشكلة عندما يعتبر النقاب تشدداً علماً بأن عمل المسلمين قاطبة سنتهم و شيعتهم على هذا الأمر إلى أن دخل الاستعمار ثم من قلده كأتاتورك و بو رقيبة .. و هناك مقاطع فيديو موجودة يزيل أبو رقيبة الحجاب بيده .. لا يمكن أن يصف هذا بالمتشدد من يشم رائحة الفقه .. و إنما هو قول قال به أكثر من من قال بالرأي الآخر و على المسلمة أن تتوقى لنفسها .. فقد نفهم أن يكون منع قيادة تشدداً لكن هذا تجاوز الفقهاء الآن إلى اعتبارات أخرى منها الزحام.
وأشار د. عبدالله الحمود أن الإشكال الذي نعجز حتى الآن عن مواجهته، هو معنى التطرف، والتشدد. ترك المساجد للمتطرفين، ادعاء يحتاج بينة. ولا بينة دون معنى يفهمه الناس. التطرف الذي نبحث عنه لا نملك الجرأة لتعريته، حتى يتجاوز تطرف الاتجاه إلى السلوك، وهنا نحن في الحقيقة لا نواجه التطرف، لكننا نواجه الجريمة. والجريمة لا تحتاج نباهة في معناها. نحن لا نجرؤ أبداً أن نقول (لمتطرف) مدع للعلم شرعي، آذى الناس بادعائه، أنك مترف فأصمت. سواء كان ذلك في المسجد أو في المدرسة أو في البيت. ومن المحزن، أن كثيراً مناً عوضاً عن أن يأخذ على يد المتطرف، يخشاه تديناً أو لعلة اجتماعية. فقط لأنه ليس ثمة وعي كاف عند أي مناً.. نحدد يقيناً من خلاله من هو المتطرف. لذلك .. التطرف سيستمر يعبث بنا ردحاً من الزمن. ما دام فينا من حدثته نفسه الآن ممن قرأ هذه السطور، وقالت له شيئا لا يروق له مما قرأ.
وأوضح د. فايز الشهري أن هناك مسألة مهمة في هذا النقاش إضافية يود التنبيه إليها فيما يتصل بتأثيرها على الجانب الوقائي من التطرف، وهذه المسألة تتعلق بإغفال التوعية بالنتائج الجنائية أو ما يسمى بالمسؤولية الجنائية للشباب المنخرطين في تنظيمات العنف. فبكل أسف معظم أطروحاتنا تبريرية لأفعال الشباب المنخرط في العنف بدعوى “التغرير” تارة وأخرى بسبب “المناهج” أو “الخطاب الوعظي” ونحو ذاك. وهذا الاتجاه الاعتذاري لا يلامس أو يحرك الضمير الإنساني أو الخشية من العواقب للفرد المتورط في جرائم العنف سواء المبشر بها أو المنظر لها أو مرتكبها. ولعل جرائم العنف هي الوحيدة التي تعامل بمثل هذا ال soft approach . وخطورة هذا المنحى في جرائم العنف وأيضا يلاحظ ذلك مع متعافي المخدرات بحيث يتم تصوير الوضع في الخطاب التوعوي السائد بصورة الضحية المسلوب والمجتمع المسئول. وبهذا النهج يتم عزل أهم قوى الردع النفسية والشعور بالذنب وما يتبع ذلك من تخفيف وطأة العيب والتأثير الردعي الوصمة stigma.
وقدمت أ. فايزة الحربي تحليها لظاهرة التطرف موضوع النقاش من خلال عرضها لمقالها بجريدة الجزيرة عدد الثلاثاء 7 يوليو 2015م بعنوان: ” كدت أن أكون داعشية… ولكن”، وجاء فيه ما نصه: “كنت في مراهقتي أو في عمر الزهور وتحديداً في المرحلة المتوسطة، حيث يقارب عمري خمسة عشر عاماً، أحلم بأن أسمى هدف في حياتي، هو أن أضمد جراح المجاهدين في أفغانستان إلى أن أستشهد وألقى ربي شهيدة، حقيقة كانت هذه الأمنية تسيطر على فكري وتجسد أكبر همومي وأحلامي…كنت أعيش صراعات في داخلي مع نفسي وأهلي، أريد السلام والإسلام الحق، وكل من حولي يلهون ويمرحون بلا هدف يسمو بأرواحهم لتعانق السماء هذه نظرتي لمن حولي…طبعاً جميع أفراد عائلتي لا ينتمون للتطرف الديني وهم متوسطون دينياً، لكن بعض زميلاتي بالمدرسة وبالحي وصلاة التراويح بمسجدنا تجمعنا والجمعيات الخيرية والاحتفالات التي نجتمع لتنظيمها كانت تسمو بهدفنا من خلال التركيز على مشاعرنا بالأناشيد الإسلامية، وهي تضرب بقوة على أوتار قلوبنا وعقولنا الفارغة في غفلة من الأهل حول ما يحاك حولنا والاطمئنان التام لتواجدنا بين أهل الدين ممن حولنا….لم أكن أعلم ما هي المنظمات الفكرية (القاعدية أو الداعشية أو حتى التيار الصفوي…) كانوا يرسمون لي أحلامي الكبيرة في ظل فراغي التخطيطي لحياتي ويرسمونها بطموح عالٍ ويلامسون شغفي لحياة أفضل ورغبات جامحة لإثبات الذات بالدنيا والآخرة معاً…كم كانت الحياة جميلة معهم لشعوري بالتحليق والتسامي، خرجت من هذه الحياة النرجسية – ولله الحمد- دون خسائر، وتوقفت عن أفكارهم مبكراً في السنوات الأولى من شبابي، لكن هم لم يتوقفوا عن تخطيطاتهم وما زالوا يستنزفون عقول شبابنا ويرسمون أحلامهم، وما زالوا يطورون أساليبهم ويطورون استمالاتهم الإقناعية العقلية والعاطفية معاً، بل زادوا على ذلك بتسخير التقنيات الحديثة وأدوات الإعلام الجديدة لمصالحهم التي خدمتهم كثيرا من ناحيتين.. الأولى: لتوصيل أفكارهم وسرعة الوصول للفئات المستهدفة بكل وقت وزمان ومكان مع قوة التقنيات الحديثة، الثانية: اتساع الفجوة بين الشباب والأطفال مع الجهات التربوية من (آباء ومربيين) الذين يفترض أن يكونوا مصادر التربية والتوجيه الأساسية للشباب.
وذكرت أ. فايزة الحربي أن حقيقة التيارات الفكرية الجهادية المتطرفة غرست على مر سنوات طويلة ظاهرة انتحارية يصعب تجاهلها أو حتى التغاضي عنها في أبنائنا وفي مجتمعنا، لذا يلزمنا وقفة حازمة نتطلع فيها لإنشاء مركز استراتيجي بحثي يناقش هذه الظاهرة بكل أطرافها، ويبحث في أسباب نشأتها وطرق معالجتها والتصدي لها والوقاية منها، ويركز على الفئات الشبابية والتربوية في مرحلة العلاج والتوعية، ولا يغفل نهائياً عن فئة الأطفال بل يعززهم بخطوات وقائية توعوية فكرية تكون حصناً وقائياً لهم من الهجمات الفكرية بكل مسمياتها العقيمة التي تظهر لنا بمسمى جديد كل فترة لكن الأفعال متشابهة”.
وتضمن تحليل د. مساعد المحيا لقضية التطرف في ضوء ما طرحته ورقة د. الحكمي الإشارة إلى أن الغموض الذي يكتنف كثيراً مما يتم على أرض واقع المنظمات الإرهابية وصناعة الإرهاب لعل أحد أسبابه الأساسية كون النخب لا تزال تدور في حلقات بعضها مفرغاً وبعضها تكرر فيه اطروحاتها بشأن أسباب انجذاب الشباب لدينا نحو داعش والمنظمات القريبة منها ..فنحن نمقت داعش ونرى أنها تمارس سلوكيات وجرائم لا يمكن أن يتقبلها نصف عاقل فضلاً عن شاب مكتمل الأهلية ..لذا نحن لا نتوقف أكثر عند هذا المعنى ترى لما ينجذب الشاب لهذه المنظمة ذات الصورة القاتمة لدينا .. من هنا نحن نستغرب .. ونتعجب حين نعلم بانضمام فتى أو حتى فتاة لهذا التنظيم أو حين يتعاطفون معه ..هنا نحن نتعاطى من رؤيتنا لهذه الظاهرة ونحكم عليها ثم نقرر بأن الذي يجري خارج التصور والعقل … بينما حين نحاول فعلاً أن نفسر ما يجري سنكتشف أن ذلك هو نتيجة طبيعية لمجموعة من المعطيات .. ولعل أكثر ما يعيننا على فهم هذا الواقع هو أن هذا التنظيم يجد حواضن شعبية له في بعض المناطق في العراق وسوريا .
وذكر د. المحيا أنه ومن خلال تتبعه لما يكتبه بعض العراقيين والسوريين على الفيسبوك أو على تويتر وغيرها وبخاصة الذي اكتووا من الميليشيات الشيعية في العراق أو حزب الله في سوريا وجدهم يشعرون بأن داعش وأفرادها هم من استطاعوا أن يدرؤوا عنهم جرائم إبادة كانت ستتم بشأنهم. و يضاف لذلك الموقف الدولي المخابراتي الذي يجري بتنسيق محكم يواكبه ضخ إعلامي واسع وتحالف عسكري وأمني دولي ضد التنظيمات الجهادية وتشويه صورتها بحق وبباطل وأن ما يجري يشوه صورة الإسلام وربما شارك في قول ذلك الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ورئيس الوزراء البريطاني وان ذلك كله تطرف في حين لا تجد أن المنظمات والميليشيات الشيعية التي تمارس الاجرام بحق السنة وبحق تلك المنظمات لا تجد إلا الدعم العسكري واللوجستي وهو يعني وجود شعور قاتل بأن الدول الكبرى والإقليمية تحارب هؤلاء نصرة لتلك الميليشيات ..هذا الموقف يتم تسويقه عبر كثير من النخب والمثقفين لصناعة موقف يقول للشباب بأنكم على خطأ حين تنضمون لتلك الجماعات في حين أن المعلومات والمواد الاخبارية كلها تقول لهؤلاء الشباب بأن إخوانهم من أهل السنة يذبحون ويبادون على أيدي تلك الميليشيات وتتردد صور الأطفال وهم يذبحون والنساء وهن تنتهك اعراضهن ..هذه الحملة التي تشن على هذه التنظيمات أصبح لها فيما يبدو نتيجة لإيغال تلك الدول ومخابراتها في صناعة الفوضى في المنطقة، أصبح لها نتيجة معاكسة وربما أصبحت هي بعض الوقود الذي يحمل هؤلاء الشباب لتجنيد أنفسهم للدفاع عن إخوانهم لا سيما وهم يجدون من رجال هذا التنظيم بعض ما يشفي صدورهم من النصر والغلبة على تلك الميليشيات وقدرة التنظيم “الظاهرية” على مواجهة الدول الكبرى وعلى مواجهة جيش منظم مثل الجيش العراقي والسوري ، إذ نحن نلحظ نمواً في أعداد الذي ينضمون لهذا التنظيم …وما يقلق أكثر هو خطاب البغدادي الأخير الذي شرعن فيه لهؤلاء الشباب أن يبقوا في بلادهم وأن يقوموا بما يوكل إليهم…نحن فعلاً نحتاج أن نكون أكثر واقعية في قراءتنا لما يجري ولا زال هناك شك في أن الدول الكبرى وبعض الدول الإقليمية لا تريد لهذا التنظيم أن ينته فعلاً وربما توفر الكثير من الدعم لأنه يحقق لها الكثير من المكاسب وربما شرعنة العديد من المواقف السياسية وتصفية الحسابات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ..ولعل ما يعزز ذلك أن عدداً من القراءات الغربية والأمريكية خاصة تخيفنا اليوم بتوقعات تشير إلى أن المنطقة ستبقى في حالة عدم استقرار خلال السنوات الثلاثين المقبلة وأن كل ما يبذل بشأن السياسة الهادفة إلى إعادة الاستقرار وإحياء هذه الدول لن تكون مجدية. فالوقائع على الأرض توحي بما هو أسوأ مما نعيشه اليوم، والمملكة هدف رئيس بعد العراق وسوريا ..هذا المدى الزمني الذي يتوقع استمرار الفوضى وهذا المدى الجغرافي الذي يبتغي الوصول للمملكة يوجب علينا أن نكون أكثر إدراكاً لحجم الخطر وأن المسؤولية كبيرة على الجميع وبخاصة على الدولة من خلال مؤسساتها المعنية في مواجهة هذا الخطر الواسع والكبير ، وأن ذلك يتطلب الكثير من صانع القرار لما نسميه احتواء هذا الفكر واحتواء هؤلاء الأفراد في إطار مواجهته ومواجهتهم.
ويضيف د. مساعد المحيا أن الصورة كما كانت تحالف استخباري دولي يصنع ويوظف الفوضى ويهيئ لها حواضن لتستقر وتعشعش لسنوات طوال ويقدم لذلك الدعم والتأييد فمن الطبيعي أن تجد من يهيم تأثراً بهذه المهانة التي يعيشها أولئك الذي يتعاطف معهم، ومن ثم تتناغم تطلعاته ليدافع عنهم لا سيما وأن هناك من يستنصره في الدين فيرى مجتهداً أن عليه النصر …وهؤلاء يصنعون ذلك غير آبهين لرأي كبار العلماء والدعاة الذين يحثونهم في كل موقف ومناسبة أن لا يخرجوا إلى مواقع الصراع وأن ينأو بأنفسهم عن داعش ونحوها ، وتلك صورة تؤكد أن هؤلاء الشباب لا يستمعون للدعاة ولا للعلماء الذين نخالهم هم من يحرض الشباب على الذهاب للقتال ..والمؤسف أن مثل هذه الحقيقة لا يريد البعض أن يراها ولا حتى أن يفكر بها لأنها تتقاطع مع رؤية محسومة لديه في توصيف الظاهرة.
وأشار د. المحيا إلى أنه حاول أن يحلل كل الشخصيات الشبابية التي تم القبض عليهم في العراق أو سوريا وبثت مقاطعهم؛ فوجد أن غالبيتهم لا يحملون علماً شرعياً ظاهراً وبالتالي لم يجدهم من المتشددين في مسائل علمية فقهية كما نتوقعهم بل بسطاء جداً .. بل تحدث هؤلاء بأن لديهم حمية وأن حبهم للدفاع عن أعراض المسلمين التي يراها تنتهك هو الذي جعله ينتقل لمناطق القتال وينضم لتلك الجماعات.. ودون شك كل ذلك يتم بتغذية من الخلطاء ومن شخصيات قيادية في أرض سوريا والعراق أصبحوا يرونهم رموزاً لهم ونماذج تحتذى وتطاع عبر شبكات التواصل الاجتماعي خاصة وأن هؤلاء يستخدمون كثيراً من أساليب الاستمالات العاطفية والعقلية ويدعمونها بالوثائق والصور الصحيحة والمفبركة. نحتاج فعلاً أن نتصور هذا الواقع المأساوي وأن نتبين سبيل المجرمين الذي يريدون بهذه الجغرافيا كثيراً من الألم والأسى لتنكفئ على ذاتها وتنشغل بمأساتها ولا يقوم لأهلها ولا لها أي دور …على المستوى السياسي نحتاج أن نقول للعالم بأنكم تكذبون علينا فأنتم حين تقولون لنا بأنكم تحاربون تلك المنظمات فإنكم تمنحونها مشروعية البقاء ولوجستيات التحرك .. وأن يكون لنا مواقف أكثر وضوحاً في إقناع الرأي العالمي عبر جهد دبلوماسي واسع وثري بأن المنطقة تتآكل وأنهم من سيكتوي بنار ذلك قريباً ليكفوا عن ممارسة الدجل والكذب في محاربة هذه المنظمات.
أما على المستوى المحلي فكثيراً ما يدور تساؤل حول ماهية الجوانب أو البرامج التي يمكن الاهتمام بها لمقاومة هذا التعاطف أو الانضمام لتلك المجموعات المتطرفة … وثمة سيل من المقترحات والآراء التي طرحتها بحوث ودراسات ومقالات ومؤتمرات كلها أشارت بالكثير من البرامج والأفكار التي أخذ بعضها طريقه للتنفيذ وبعضها يبدو تم التحفظ على تطبيقه ..وما يمكن تناوله هنا هو أننا في المملكة إذا كنا نشعر بأننا مستهدفون فنحن اليوم أكثر شعوراً بهذا فالناس من حولنا يتخطفون والتهديدات المعلنة وغير المعلنة يصلنا شررها كل يوم .. والعقل والحكمة تتطلبان الحديث بشيء من الصراحة والوضوح تماما كما يفعل الطبيب حين يخبر المريض بطبيعة المرض ليكون مستعدا للمفاجأة .. ولنكون أقرب في فهم بعض الأسباب الخفية التي قد تسهم في جعل الفرد بيئة خصبة لتقبل مثل تلك الأفكار التي قد تورده المهالك.
وتساءل د. خالد الرديعان من هو الشاب الذي ينخرط بداعش؟ هو غالباً مسيس يعني يحمل هم الأمة ولاشك في ذلك.. وهو يرى إخفاقات الزعماء العرب في حل مشكلات جذرية فهذي قضية فلسطين نسمع عنها منذ ستين عاماً ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى حل جذري لها… وهذه العراق وقد تم استباحتها من قبل الأمريكان ثم إيران… وهذه سوريا تتفتت أمامنا وليس بأيدينا شيء.. وهذي السودان أمامنا وقد انشطرت سودانين.. وها هي الصومال اصبحت أربع صومالات.. وهنا ليبيا وقد تشظت بين قبائلها… وها هي مصر غير مستقرة… جميع هذه الإخفاقات تعطي رسالة واحدة:… فشل النظام العربي السياسي برمته… إذن ما البديل للخروج من هذا المأزق التاريخي؟ الشباب قد يفكر هكذا ومن ثم يأخذ الأمر بيده بسبب ما يراه من مآسي… داعش هي إخفاقاتنا المتكررة في حل قضايانا الملحة وهي الحل بنظر كل شاب مسيس.
أيضاً فإن ثمة بعد آخر يتعلق بالإعلام؛ أشار له د. الرديعان بتوضيحه أن الإعلام الديني طائفي للأسف فهو يركز على المد الصفوي والرافضي وبعيد عن طرح لب المشكلة أو مناقشتها بصورة مقنعة… كل ما يتحدث عنه هو الوسطية التي لا تزال مفهوماً ضبابياً في أذهان الناشئة.. ففي قضية اليمن كان جل التركيز هو على المد الصفوي ولم يقل المد الإيراني… وهناك فرق بين الاثنين…حتى في ما يدور في سوريا نحن لم نركز على قضية أن هناك شعب يريد الحرية والكرامة بل كان التركيز أن هناك فئة علوية أو نصيرية تحكم أغلبية سنية.. وبطريقة غير مباشرة ساهمنا في الترويج للطائفية والجهاد دون وعي.
وأكد م. سالم المري على أن من أهم أسباب هذه الظواهر الشحن في ثقافتنا وتربيتنا وتعليمنا حيث يتناقض كلياً وبشدة مع ما يراه الفرد في مجتمعنا و يواجهه في واقعه العام والخاص دون سبب مقنع أو شرح أو توضيح .. فمثلاً :
- تراثنا يلقننا بأن الغرب عدونا تاريخياً حيث غزانا وهدم حضارتنا التي كانت تنير العالم (بينما نحن حقيقة عندما غزانا الغرب كنا نرزح في التخلف تحت الحكم العثماني أو في فوضى همجية نهدم القبور ونقطع الأشجار ونتحارب بالسيوف على الدواب والعالم في ذلك الوقت يصنع الطائرة والقطار والسفينة البخارية و المدفع و البندقية).
- وعلى المستوى المحلي يلعنهم الخطباء على المنابر بينما سياستنا الخارجية و تحالفاتنا و ملبسنا و مأكلنا كله معهم برغم من شيطنتهم ، و هذا ينعكس ليصبح بطبيعة الحال شيطنة” لنا.
- كذلك تجد إلحاح شديد على أن ما نراه هو الطريق الصحيح الوحيد دون اعتبار للمختلف ، بينما في واقع الحال مجتمعنا المحلي والعربي و الإسلامي به مختلف المذاهب و المعتقدات.
- يلقن الفرد عندنا بأننا دعاة الدين و حماته و في نفس الوقت يرانا لا نفعل شيء حيال إخوته في العقيدة في الشام و العراق وغيرهما الذين يقتلون من قبل من شيطناهم.
- على المستوى الشخصي : كثير من الشباب ليس لديه عمل أو ما يشغل به فراغه و غير مستقر نفسياً بسبب الفراغ أو البطالة أو العمل الغير مناسب حيث يرى أنه يستحق أكثر مما يجد.
و كل هذا يصعب تحمله من قبل الانسان العادي و لذلك فإنه ما لم نتمكن من إيجاد علاج جذري لهذه المشكلة يجنب الفرد البسيط هذه التناقضات فإن الكثير من أفراد المجتمع يمكن تحوله لذئب منفرد أو تحوله لداعشي أو أي فكر آخر مماثل في المستقبل و في أي وقت من الأوقات دون مقدمات.
ومن جهته تساءل أ. سعيد الزهراني: هل نحتاج إلى التذكير أولاً بأن كل ما يقال حول تحديد السبب الرئيس للانخراط في لجّة التطرّف لن يكون سوى محاولات لقراءة طلاسم كتبت بدم ملعون.. عليه فلن تكون مقترحات التحصين والتضمين أيضاً سوى توهمات تائه في صحراء يتتبع الأنواء والأشياء.. ربما ضَل وربما غوى.. ومع هذا تبقى قيمة الفعل والعمل بدلاً من الفرجة القائمة والقادمة.. من هنا يبرز سؤال الفن.. الفن الذي هو كل شيء.. ليس المعنى المجرد أو القاصر للفن.. وأدب وموسيقى وتشكيل ورقص ونحوها ..بل المقصود ثيمة الفن وقيمة الفن وروح الفن في كل شيء.. الفن في أداء الواجب.. الفن في التعامل مع الذات مع الرعية.. الفن حتى في الرياضة.. بل وحتى في العبادة.. نحن ونحن للأسف من ذبح معنى الفن من الوريد إلى الوريد.. ثقافياً وسلوكياً ودينياً .. فلا تبتأس إن تحولت أنت كما سائر الأشياء من حولك إلى قطعة خشبية لا تنقل الحرارة.. بل تقبل أن تستحيل إلى شرارة تحرق البيوت والأحلام.. واختتم أ. الزهراني بقوله: ويلٌ لأمة عُيّب الفن فيها إلى أن غُيِّب.
أما أ. سعد البلال فأشار إلى أهمية “القدوة ” في المجتمع كأمر ضروري . فمن هو القدوة المعاصرة في واقعنا ؟ وإذا كان موجود فعلاً فأين هو من إعلامنا ؟ الكثير لا يعرف عبدالرحمن السميط إلا بعد موته غفر الله له ولوالدينا. حالياً ومع الإعلام الجديد تساقطت أوراق التوت لتخرج سوءة من يعتبرون أنفسهم قدوة للجيل الجديد من خلال ممارسات وواقع مختلف عمّا يخاطبونهم فيه .أحدهم يسرق كتاباً والآخر يأمر بالزهد ويشيّد العمارات ومن تجار الأراضي. إذاً ، كلنا راع ومسؤول عن رعيته في مجتمعه الصغير ( الأسرة ) كخطوة أولى والأمل أن ننتقل للمرحلة الثانية في المحيط الحي والاصدقاء .
ومن زاوية أخرى، ركز أ. عبدالله آل حامد على جانب مهم من أسباب وقوع الشباب ضحية للتطرف في كلا الاتجاهين وهو الطاقات المهدرة وحجم الملل والإحباط المرسوم في تفاصيل حياتهم وقد لخصها في أسباب:
١- المصاهرة بين القيم الدينية بالعادات الاجتماعية والأعراف القبلية ليصنع مجتمعاً جامداً تغيب عنه الابتسامة ويقتل فيه الأبداع وروح المبادرة ويتم من خلاله تضييق المساحة المتاحة للشباب للتعبير والانطلاق والمشاركة في الأدوار الوطنية.
٢- حصر العملية التعليمية في قاعة الصف أو قاعة المحاضرة دون المشاركة في البحث والتحليل وأن يكون جزء من (فريق عمل دراسة ، زيارة، ابتكار مشروع، عرض مرئي) وهكذا مما يبني الشخصية ويعزز الإحساس بالكيان الشخصي.
٣- البطالة المقنعة بواقع لا يمكن انكاره فالآلاف من الشباب يشغلون وظائف دون مهام واضحة ولا نتاج حقيقي يولد الشعور باليأس والفشل.
٤- الفساد والمحسوبية التي يختل معها ميزان العدل والإخفاق في منح الفرص المتساوية للتعليم والعمل والحياة يولد مجتمعاً حاقداً ناقماً محبطا يمتزج باندفاع الشباب وحماسهم فتكون النتائج كارثية.
ويرى أ. عبدالله آل حامد بصفة عامة أن الشباب يجمعهم هدف واحد هو أن يشعر أن له أثر في مجتمعه ووطنه ولا يهمش ويرى ثمرة خطواته الطيبة على الأرض كما يشعر الشاب أنه عندما يصل إلى مرحلة الوعي الكامل أن وطنه قالب من الكيك والمواطنين متسابقين على التهامه والذكاء لمن يجد الوسيلة الأسرع لتصل يده الى الطبق.
وتساءلت أ. فاطمة الشريف: هل نستطيع أن نقول أن للتطرف لدى الشباب أيضاً أسباب بيولوجية تستدعي الدراسة والاهتمام مثل:
- الحرمان من رعاية أحد الأبوين أو كلاهما في سن مبكرة.
- الحرمان الاجتماعي.
- الصدمة النفسية الشديدة خاصة في الطفولة.
- العلاقة المضطربة بالأقران.
- اضطراب العلاقة بين الطفل ووالده أو بين الطفل ورموز السلطة في الأسرة أو في المدرسة أو في المسجد، مما يودي أن يكبر الصراع ويصبح الشخص في صراع مع أي رموز للسلطة علي المستوي الاجتماعي أو السياسي.
كما أن من المفيد النظر إلى الحالة النفسية أيضاً لدى المتطرف فقد تكون هناك بوادر أولية لدى شاب معين تجعل فكرة التطرف مقبولة لديه أكثر من غيره مثل الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب؛ ففي محاولة الشخص للخروج من دائرة القلق أو الاكتئاب يلجأ إلي نقل مجال الصراع من داخل النفس إلي الخارج حيث يصبح الصراع دائراً بين النفس والمجتمع وبالتالي يصبح الصراع أقل إيلاماً للشخص وأكثر قبولاً منه حيث يشعره أنه يقوم بدور ما .
وعلق د. عبدالرحمن الهدلق بأن ما ذكرته أ. فاطمة الشريف يدخل ضمن الأسباب الاجتماعية وهو صحيح في مجمله ولا يعتقد أنها ذات بعد بيولوجي. وأضافت أ. فاطمة الشريف بأنه ورجوعاً الى ما ذكر د. خالد الرديعان فان انخفاض المستوي الاجتماعي والاقتصادي للفرد يلعب دوراً هاماً لأن الأسرة الفقيرة لا تستطيع أن تدعم أفرادها وأن تزودهم بمهارات التكيف الخاصة في وقت الأزمات. كما يجب التأكيد على أهمية الدين وتقديمه والتعريف به بشكله الصحيح الوسطي المعتدل في القضاء على آفة التطرف وغيرها، لكن يبقى دائما هناك خلط بين الدين وبين الخطاب الديني.
في حين أشار أ. يحيي الأمير إلى أن هناك العديد من الدراسات والندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي ناقشت الإرهاب والتطرف وكيفية حماية النشء منه ؛ لكن الملفت ليس أنها لم تقدم شيئاً. . الملفت أنها بعد كل تلك السنوات تعيد تناول القضية بذات الطريقة وبذات القاموس .. دون كلل ودون جدوى أيضاً. كما أن التربويون والفقهاء / الوعاظ والاجتماعيون والنفسيون والمثقفون والكتاب. . كلهم تنمطوا أمام هذه القضية وأصبح خطابهم خطاباً يعيد إنتاج نفسه .. دون تغيير ودون جدوى أيضاً.
واتفقت أ. فاطمة الشريف مع ذلك بل وأضافت أن الأكثر حزناً ليست الأسئلة التي لا تزال مطروحة فقط بل التطرف الذي يزداد ويظهر بأشكال وألوان وتنظيمات عدة تفتك بالأخضر واليابس. بينما اختلف أ. خالد الحارثي مع ذلك الطرح؛ حيث ذهب إلى أن الدراسات قد أنتجت حصار الظاهرة وتعريتها اجتماعياً وإعلامياً وحتى تعليمياً وبناء المنظومات التي يصح أنها لم تتكامل بعد في كل أجزائها، ولكن الجزء الأمني على الأقل في طور كبير من النجاح ، ولا يمكن القول بأن المطلوب هو أن نبدأ من جديد كل شيء ونتغافل عن ما أنجزناه حتى اليوم ، بل نبني عليه. وأيد د. الهدلق هذا الرأي؛ حيث قال بأنه لو لم يقوم هؤلاء بأدوارهم لرأينا وضع السعودية كسوريا والعراق؛ فنحن لا نقول أن الإرهاب والتطرف زال ١٠٠٪ لكن نقول على الأقل أنه لا يتزايد مقارنه بالأعوام ٢٠٠٤-٢٠٠٦.
أما د. منصور المطيري فقد لفت انتباهه رأي أ.د العناد والذي يعتقد أن التدين هو السبب و أن الحل هو تقليل جرعة التدين و تكثيف جرعة حب الحياة. وذهب د. المطيري إلى أن الحقيقة أن التدين هو الحياة الحقيقية.. و ربما حصل اللبس من أن التطرف الموجود حالياً “تدين” في حين انه تطرف ديني .. و الذي حدد أنه تطرف أو غلو هو الدين نفسه .. فالمشكلة في الغلو و ليس في التدين .. وعلاج هذا الغلو يبدأ من الدين نفسه أي بتوضيح المفاهيم التي التبست على الغلاة و المتطرفين .. و قبل ذلك يكون بعلاج البيئة التي أنتجت هذا الغلو و هذه البيئة بيئة سياسية .. فالغلو و التطرف محاولة يائسة لعلاج أوضاع معقدة.
وعقب أ.د. عبدالرحمن العناد على ما طرحه د. منصور المطيري بقوله ليكن الغلو؛ ولكن أيضاً المبالغة في تدين المجتمع والاهتمام بالمظاهر الدينية أكثر من الجوهر عامل مهم. ومن جهة أخرى فإن نموذج كداعش يعد أحد اهم إفرازات التطرف وأهم أدوات ممارسة العنف. ومن ثم أشار د. عبدالرحمن الهدلق إلى أنه وإذا كان التدين أو الدين هو السبب لماذا نرى انتشار التطرف والإرهاب في المجتمعات العربية العلمانية التي يكون فيها التدين محدود. وأضاف د. منصور المطيري أن بيئتنا لا تزرع الغلو .. بل تحارب الغلو المتمثل في التكفير و القتال .. و أكبر الإدانات جاءت من العلماء و الدعاة .. و أكثر ما يحرج هؤلاء الغلاة هو تركيز العلماء على مقولاتهم المركزية. كما نوهت أ. فاطمة الشريف إلى أن الغلو والتطرف بعيد تماماً عن الدين الصحيح الذي لا استقامة للحياة البشرية بدونه. والتدين فعل بشري يحصل فيه الخطأ والصواب ويخضع للنقد إذا خرج أو جاوز أصول الدين الصحيحة من الكتاب والسنة. أما أ. يحيي الأمير فقال في هذا الشأن : لنأتي أولاً للتدين .. مع أهمية التفريق طبعاً بين التدين والدين. . فالتدين هو التفعيل البشري للدين وهذا له سياقاته الاجتماعية والثقافية التي تؤثر فيه. وعقب أ.د. العناد بأن مجتمعنا يدفع الشباب بحسن نية نحو التدين أو التظاهر بالتدين ليجدوا الاحترام ثم يزدادون تمسكا فغلواً وتطرفاً.
وركز أ. خالد الحارثي على أن محاولات إنشاء العلاقة بين الإسلام والإرهاب هي محاولات سياسية تستهدف ليس الدين بل الكيانات السياسية التي يسكنها المسلمون.. ومن ثم فلنفتش عن المستفيد من ربط الإسلام ومذهب السنة بالإرهاب. بينما ذهب د. عبدالرحمن الهدلق إلى أن البيئة التي ينتشر فيها الجهل الديني تكون أكثر عرضة لانتشار التطرف فيها عندما يستهدفها المتطرفون. المتطرفون عندما يختارون أهدافهم في التجنيد يبحثون عن محدودي العلم الشرعي ليسهل التلاعب بعقولهم … لكن يبقى هناك من يشذ عن ذلك.
وفي هذا السياق ذكر د. خالد الرديعان بعض الأمثلة على التشدد؛ ومن ذلك أنه وحتى منتصف الثمانيات الهجرية (١٣٨٠) كان من يمتلك راديو لا يستطيع سماعه إلا وصوته منخفض وفي منزله وكأنه يسرق خوفاً من هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر…وهناك أمثلة كثيرة على تشددنا في أمور بسيطة ليس المقام هنا لعرضها.
ومن جانبه قال د. عبدالسلام الوايل: بمناسبة الحديث عن التطرف و دوران الأرض، عبدالكريم الحميد أحد الزهاد المشهورين يرفض نظرية دوران الأرض و كان يسكن بيتاً من الطين بلا كهرباء و يرفض ركوب السيارة أو حتى تطعيم أولاده و مع ذلك له كتاب بعنوان: “الوعيد على أهل الغلو والتشديد”. وعقبت د. عائشة حجازي بأن من يذم الغلو والتطرف هو من أهله ولكن يعتقد أنه معتدل وهناك أمثله كثيرة في حياتنا نجد أشخاص يحملون فكرا متطرفا بشكل أو بأخر ويذمون الناس على تطرفهم. والكثير يعتبر نقد التدين نقد للدين فلا يسمح بأي مواجهة أو وجهة نظر عن من يعتبرهم رموز للدين.
آليات الوقاية / استراتيجيات المواجهة:
تقتضي مواجهة الفكر المتطرف برأي د. عبدالرحمن الهدلق وضع استراتيجية فرعية أطلق عليها (وتر) هي اختصار لكلمات ثلاث (وقاية, تأهيل, رعاية) ويهمنا هنا العنصر الأول وهو عنصر الوقاية والذي تم اتخاذ عدد من التدابير الوقائية لتحصين الشباب من الأفكار المتطرفة ومنها:
1- دعم جميع الجهود التي تقوم بتوعية المجتمع بخطورة الأفكار الضالة والمنحرفة وتشجيع نشر الفكر الوسطي المعتدل ومفاهيم التسامح وتصحيح المفاهيم الخاطئة من خلال التالي:
- تشجيع إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات وعقد المؤتمرات.
- تشجيع الجهات المختصة لتأليف الكتب وإصدار الأشرطة المتخصصة في نشر الفكر الوسطي والرد على الشبهات.
- دعم البرامج الإعلامية التي تهدف إلى توضيح خطورة الفكر الضال ونشر المفاهيم الدينية الصحيحة المعتدلة.
- التأكيد على عدم وجود أي تعارض بين الهوية الإسلامية والهوية الوطنية.
- حث القائمين على مؤسسات التنشئة الاجتماعية (المسجد, المدرسة ، الأسرة ، الإعلام) بإقامة البرامج المفيدة للمشاركة في مواجهة الفكر الضال والتحذير منه وترسيخ قيم التسامح لوقاية الطلاب وتحصينهم من التطرف.
- إصدار الفتاوى لمواجهة الإرهاب والتطرف والقيام بحملات توعوية مكثفة في المدن والقرى.
- العمل على تطوير الخطاب الدعوي.
- تنفيذ برامج لمواجهة التطرف في أوساط الجاليات الغير سعودية الأكثر عرضه للتطرف في السعودية.
2- استخدام الانترنت كوسيلة للتوعية وتحصين الشباب من الأفكار الضالة والرد على دعاوى وشبهات الفئة الضالة مع حث جميع أفراد المجتمع للمساهمة في ذلك, ومن أهم الأنشطة والجهود في مجال الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي ما يلي:
- الرصد الدائم للمواقع المتطرفة ووسائل التواصل الاجتماعي ، خاصة المواقع الشعبية منها.
- تعقب المشاركين والمحرضين على العنف والناشرين للأفكار المتطرفة على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتقديمهم للمحاكمة.
- حجب مواقع الانترنت المتطرفة من خلال نظام الترشيح.
- تثقيف الجمهور بشأن الآثار السلبية لمواقع الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي التي تستخدم لنشر التطرف.
- التواصل مع الأسر وتشجيعها على ترشيد استخدام أبنائهم وبناتهم للإنترنت.
- تشجيع إنشاء المواقع على الشبكة العنكبوتية والقنوات المرئية على شبكات التواصل الاجتماعي لدحض الأفكار المتطرفة والرد على أي فهم خاطئ للإسلام.
- تشجيع المتطوعين بأوقاتهم وعلمهم من المعتدلين العارفين بالدين الإسلامي لإجراء الحوار مع المتطرفين لدحض أفكارهم في المواقع المتطرفة التي يزورونها خاصة غرف الدردشة والمنتديات العامة وبرامج التواصل الاجتماعي ( يوجد مئات الأشخاص).
وذكر د. الرديعان في تعقيبه بعضاً من سبل الوقاية من وقوع النشء فريسة للتطرف والإرهاب وتتضمن:
١- فتح حوار مع الشباب وعمل قنوات تواصل معهم للتعبير عن همومهم وتطلعاتهم فهذا ضروري… شبابنا ينشأ في بيئة قمع تبدأ بالأسرة والمدرسة وتنتهي بالنظام الاجتماعي برمته الذي لا يسمع صوتهم.
٢- خلق أمل عندهم بمستقبل واعد ويتمثل بثلاثية “فرص التعليم وفرصة العمل والزواج”.. الشاب يرى أن الأفق مغلق أمامه في هذه الثلاثية على الأقل قسم كبير منهم وليس كلهم.
٣- تعميق الولاء للقيادة السياسية والانتماء للوطن بكل الطرق الممكنة.
٤- محاربة الفساد في المجتمع بكل صوره لأن الشاب يرى فساد المجتمع من خلال الفساد المالي والإداري المستشريان مما يدفعه للكفر بالنظام وبالمجتمع.
5- حل المشكلات التنموية والحاجات الاقتصادية، وبذلك قد ننجح في التخفيف من غلواء التطرف.. فلنبدأ بالجانب المادي الاقتصادي فنحن دولة غنية وقدراتنا في هذا الجانب لا تخفى على الجميع.
وعلقت أ. فاطمة الشريف على ذلك بقولها أن الوقاية تكون في نظري بزرع الإسلام الصحيح في نفوس الشباب والنشء عن طريق برامج حقيقية تبدء من الأسرة وتنتهي بالمجتمع فالإسلام ، والقرآن العظيم ، مثَّل – على مدى التاريخ أعظم حاجزٍ في وجه التطرُّف، وأصدق كاشف لأخطاره ، وأحكم محذِّرٍ من الوقوع فيه ، و جعل التوسُّط شرطاً لازماً لكون المرء مسلماً وكون الأمة أمة مسلمة: (وكذلك جعلناكم أمَّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) ورمزية التوسط هنا، التي تتيح “الشهادة” على الناس، تُفيد التوسُّط والعلو.، فكون الأمة وسطاً يفيد في الوقت ذاته كونها أعلى مقاماً، وأقدر على الرؤية/الشهادة، على ما حولها، التوسط، برمزياته العديدة في الخطاب القرآني، توسُّطٌ مكاني، وزماني، وفكري، وسلوكي، واعتقادي، وشعائري، واجتماعي، واقتصادي وهو ما يجب زرعه في عقول وقلوب الأطفال قبل الشباب كموقف إنسانيٌّ متسامحٌ مع طبائع الأشياء والخلائق، موقفٌ يُدينُ التطرُّف ، دون أن يتطرف أو يغلو في مواجهة التطرف ، كما أن التوسط في الفكر هو ما أنتج نهضة الحضارة الإسلامية ذلك أن الفكر المتطرِّف – مهما توسَّل بتعميم خطابه، كالإحالة إلى مصلحة الأمة ودين الأمة وعقيدة الأمة إلخ ، يبقى فكرٌ شحيح، عاجزٌ عن النظر خارج ذاته ، الوقاية الحقيقة في نظري هي العودة للأصل الدين الوسطي وتقديمه من خلال برامج ومبادرات كسلوك حضاري ومفهوم ونظام شامل وكامل للحياة الانسانية.
في حين حصرت د. سامية العمودي إلى أن الخطاب الديني يعد أحد العوامل التي لا ينبغي إغفالها؛ ولذا يكون من المناسب تصحيح الخطاب الديني واتخاذ خطوات حازمة حقيقية لوقف الخطاب المحرض ضد الدولة والمجتمع؛ فالشباب واقع تحت سيطرة هذا الفكر ولن ننجح بدون تحريره من سطوة هذا الفكر أما بقية الإصلاحات ستساعد لكن لن تكفي.
وفي الإطار ذاته أضافت أ. فاطمة الشريف حلول عدة تقلل من حدة التطرف وتتضمن: التنشئة الأسرية الدينية الوسطية الصحيحة ، الخطاب الديني المعتدل ، تنمية الثقافة والفنون والابداع وفتح مجالات ارحب لجميع الفنون والنشاطات الثقافية المختلفة ، تنمية النشاطات الرياضية بشتى أنواعها وعدم حصرها في كرة القدم ، برامج ومبادرات تنموية تخدم الشباب.
ويتفق د. عبدالرحمن الهدلق مع ما جاء ضمن مداخلة د الجازي الشبيكي و أ. فاطمة الشريف بأن التدابير والإجراءات الوقائية بالتأكيد تنطوي على أهمية دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمسجد والمدرسة وغيرها ؛ وهو ما تم الإشارة إليه. فهناك عدد لا بأس به من المتطرفين تم تجنيدهم بسبب واقع الأسرة إما لجهل الأبوين أو لخلافات أسرية بين الأب والام أو لفساد الأسرة الأخلاقي مما أغضب هؤلاء الشباب ودفع بهم للارتماء في أحضان تلك الجماعات هروباً للواقع. الغريب أن الجماعات المتطرفة جندتهم بدعوى أن قيامهم بالجهاد هو رحمة للوالدين بحجة أنه إذا تم استشهادهم يكون شفيعا لوالديه.
واهتم أ. مسفر الموسى في تعقيبه على ورقة د. الحكمي بأن هناك أمرين يعتقد أنهما سيساعدان في الوقاية من التطرف والإرهاب:
- الأول: شفافية المعلومات والنتائج العلمية التي تتوصل إليها الجهات البحثية لمكافحة الإرهاب والأمن الفكري.. أرباب الأسر يجب أن يتعرفوا بكل جلاء ووضوح وبسهولة على أهم محاضن الإرهاب وعلى الأساليب والطرق التي يتم من خلالها جذب الشباب والفتيات إلى هذا الفكر المتطرف.
- الثاني: فتح آفاق ومجالات الهوايات منذ المراحل الأولية في التعليم.. وحث اليافعين للانخراط فيها وتوجيه تفكيرهم نحوها.. ففي السنوات الأخيرة أصبحت صناعة الأفلام والتصوير الضوئي تجذب الكثير من الشباب والفتيات لممارستها كهواية.. ولكن الخطاب المتطرف استطاع أن يحد من تقدم هذه الهواية، بل سلط عليهم المؤسسة الحكومية وجعل منها مؤسسات سلبية لا تستطيع مواجهة هذا الخطاب.
ومن جانبه أوضح اللواء د. سعد الشهراني أن موضوع التطرف كان ولا يزال شغل الدولة و المجتمع والمهتمين على الأقل للعقدين الأخيرين وكان هناك جهود تركزت في العلاج أكثر منها في الوقاية و وضعت استراتيجيات متعددة وكانت نقطة الضعف المتفق عليها بين المهتمين تتركز في التنفيذ وعدم المتابعة و المساءلة. إن معظم هذه الاستراتيجيات لم تنزل على الأرض للتطبيق و في كثير من هذه الجهود ما يمكن أن يكون أساساً لجهود رسمية واجتماعية متكاملة للوقاية من هذا الوباء الذي يستفحل بالرغم من الموقف القوي والمعلن للدولة.
وأضاف أ. خالد الحارثي أن المشاركات المتنوعة التي تم استعراضها، أعطت جسداً كبيراً للعمل الإعلامي والتوعوي والإرشاد الديني والأنشطة الاجتماعية ، إلا أن في ذلك مبالغة كبيرة – حسب اعتقاده – تتناقض مع واقع الحياة ووزن العوامل المؤثرة في الميول والسخط والرضا، كل تلك العوامل لا عوائد مادية لها ، بل تزيد من حجم المطالب على الشباب؛ فهو بتلك العوامل يصبح مطالب بوطنية أكثر وتوسط أكثر ووعي أكثر ووقت أكثر وتفكير أكثر ودور أكثر بدون مقابل ، ولعل ذلك يزيد من وتيرة التطرف. ويتفق أ. الحارثي مع ما قاله د. الرديعان من أهمية حل المشكلات التنموية والحاجات الاقتصادية، فلا نجاح لمنظومة تعتمد على الإعلام والتوعية والإرشاد والنشاطات التطوعية والرياضية في حين أن الشباب يعانون من البطالة بسبب عدم تكافؤ الفرص مقابل الأجانب، وغياب الفرص التجارية بسبب التستر واستحالة توطين المهن وتوطين الفرص التجارية ، وصعوبة بناء أسرة المستقبل في ظل عدم واقعية قبول العائلات بالزواج به. كما اتفق أ. الحارثي أيضاً مع ما قاله د. سعد الشهراني ، من أن الحلول عبارة عن دراسات ، والتطبيق بعيد عن الواقع وملامسة الشباب.
بينما اختلف د. الهدلق مع الرأي بأن الاستراتيجيات الموضوعة لا تلامس واقع الشباب؛ ربما أنها ليست بذلك الكمال لكن لاشك أن كثير من عناصرها تلامس واقعهم. وعقب أ. خالد الحارثي على ذلك بأن القصد هو التطبيق الفاشل وليس الدراسات؛ فالدراسات يشارك فيها صفوة النخب ولا غبار عليها، أما التطبيق يتعامل مع الدراسات بحساسية ضعيفة ، ويغفل عن أن كل ما كتب مقصود ويحمل أهمية ، وهي بمجموع المكتوب تمثل بناء منظومة الحل ، وليس مختارات حسب ملائمة هذه الجهة أو تلك.
ومن ناحية أخرى نبه د. حميد المزروع إلى أن حزمة الإجراءات الوقائية الواردة في الاستراتيجية تعالج بشكل متوازن الانحراف الفكري على مستوي الوطن ، لكنه كان يتمني أن تركز بنفس القدر على الإجراءات الإقليمية والدولية ، لأن الإرهاب قد تنوعت أسبابه ، وبعضها سياسي ، وعليه اقترح د. المزروع بهذا الخصوص أن تتضمن الاستراتيجية الوقائية مضامين ذات بعد دولي.
بينما انطلق أ.د. عبدالرحمن العناد في تحليله من أن من الواضح أن التدين المبالغ فيه هو القاسم المشترك بين المتطرفين والإرهابيين … وعلينا ألا نعالج مشاكل جانبية كتلك المشاكل الاقتصادية لنحل مشكلة التدين … وإنما علينا الاتجاه مباشرة للهدف والحلول البديهية تكون في تقليل الجرعات الدينية للنشء في البيت والمدرسة والمسجد … وزيادة جرعات الحب والفن والترويح وحب الحياة. وبحسب رأي أ.د العناد فإنه لو كان الفقر مشكلة محفزة فعلاً لوجدت أكثر المتطرفين من الدول الفقيرة كبنغلاديش والهند. وعليه فإن الوقاية تكون بتقليل الجرعة الدينية وزيادة جرعة الحب والحياة عند النشء. وعلق أ. خالد الحارثي على هذا بأن نشاط المنظمات الإرهابية هو السبب في اجتذاب الشباب الذين لا يمكن اجتذابهم في ظروف العيش الكريم والحياة المتوازنة ، إذا صلحت هذه الظروف تخف قوة الجذب والاستمالة.
وفي ذات السياق؛ طرح د. منصور المطيري رؤيته حول ورقة د. على الحكمي واستهلها بتعريف المتطرف بأنه المتجاوز للحد الشرعي والقانوني و يمكن أن نقول و حدود المصلحة العامة .. و هو نوعان تطرف فردي يخص الفرد نفسه في رأيه و في سلوكه الشخصي دون أن يتعدى تطرفه إلى غيره .. و تطرف منظمة أو تنظيم وهو التطرف الخطر جداً علماً بأن التطرف الفردي قد يقود إلى وجود التنظيم ، والمواقف المتطرفة تشتمل على عناصر :
- البيئة التي ظهر فيها التطرف.
- الأفراد المتبنون للتطرف سواء كانوا أتباعا أو قياديين.
- التنظيم ( مجموع القيادة و الأفراد و الأيديولوجيا و الحركة ).
- الأيديولوجيا.
- الهدف الاستراتيجي للتنظيم.
وكل هذه العناصر يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند وضع سياسة للوقاية. ومن ناحية أخرى يجب الانتباه إلى أن التطرف و ما يلحقه من إرهاب متعدد العوامل …و من هنا لا يمكن قصر الوقاية على الناحية التربوية و النفسية. كما يجب الانتباه إلى أمور معينة حين وضع برامج الوقاية و العلاج وتتضمن:
- الحذر من النظرة العدائية المنطلقة من العاطفة والتي تخلو من العمق وتتجاوز المنطق العلمي؛ لأن مثل هذه النظرة تمنع الفهم الدقيق للدوافع والأهداف؛ ولذلك فإن الفهم العميق يتطلب محاولة فهم أفعال التطرف من وجهة نظر المتطرفين.
- من الخطأ اعتبار التطرف إفراز لمرض نفسي ( مثلاً ) عند الأفراد الذين فشلوا في إشباع الحاجات الأساسية لتحقيق الذات. فهم ليسوا كالمنتحرين كما أنهم لا يبدون أي علامة على الاكتئاب أو الأمراض النفسية والاجتماعية، بل على العكس المتطرفون يبدون إحساساً عالياً بالغاية والهدف (عندهم شعور قوي بأن لهم هدفاً، ويحسون بقوة الانتماء والولاء للمجموعة، وعندهم تركيز عال على المهمة والواجب كما يرونها).
- المتطرفون يعتقدون بمشروعية تصرفهم، وأن ما يقومون به أخلاقي ومشروع، وأن قادة الرأي المنصفين يتبنون وجهة نظرهم. والمتطرف ينسب تصرفه إلى أهداف غير ذاتية وإنما تخص الجماعة التي ينتمي إليها، فهو لا يحقق مكسباً ذاتياً وإنما يقوم بخدمة الجماعة.
- من الأخطاء الاعتقاد أن الأفراد المتطرفين يبحثون عن هوية. والحقيقة أنهم يعتنقون الآراء المتطرفة كتعبير عن الهوية التي طوروها وحددوها مسبقاً. كل المتطرفين في كل مكان من العالم كانوا واضحين جداً فيما يخص لماذا تورطوا في العنف؟
هذه الأمور الأربعة تساعدنا على التركيز على المبدأ الأساس المتعلق بتقليل وتحجيم جاذبية الأيديولوجية المتطرفة، وذلك بأن نقدم فرصاً حقيقية يرى من خلالها المتطرف بدائل وسبلاً أفضل وأكثر جاذبية وقابلية للتطبيق من الخيار الذي اختاره المتطرف لنفسه.
و التطرف الموجود الحالي لا يمكن معالجته و لا الوقاية منه دون معرفة سياقه التاريخي القريب و البعيد ، و لا دون إدراك أيديولوجيته كما هي لا كما نحب نحن أن نعرضها ، و قبل ذلك البيئة التي نشأ فيها ، و لا طبيعة عمل التنظيمات التي تتبنى التطرف ، و لا أهدافها .. و لذلك فإن الوقاية الحقيقية يجب أن تنصب على الأبعاد التالية : السياسي .. الديني ..الإعلامي ..أما التربية و النواحي النفسية فهي مهمة و لكنها تأتي متأخرة عن الأبعاد السابقة.
وفي الإطار ذاته ذهب اللواء د. سعد الشهراني إلى أن التطرف والغلو جنس واحد وكتب فيه الكثير؛ أما التدين فأنواع و مستويات أخطرها وأبعدها عن صحيح الدين الغلو والتطرف، وعندما يصل الفرد إلى ذلك فقد ابتعد كثيراً عن دائرة الدين الصحيح فهو خارجي ومارق وليس متديناً وإن تلبس بالدين وإن استخدم كتاب الله وسنة نبيه القولية أو الفعلية. فنحن شعب متدين ولن نقبل من ينكر علينا ذلك أو يزايد علينا أو يسمح للتطرف أن يختطف أبناءنا ويوظفهم ضد دينهم و أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم و وطنهم وأمتيهم العربية والإسلامية. أما الخطاب الديني فهو خطابان خطاب وسطي معتدل يعزز الدين في نفوسنا ويفتح الآفاق للتنمية والتقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا يعادي كل جديد ولا يضيق على الناس واسعاً ويجمع ولا يفرق ويعزز الانتماء للوطن . والنوع الثاني هو الخطاب المحرض الناقم المتشدد والمشدد على الناس الذي ينازع السلطان حقه و يكفر ويجهل المجتمع ويحقر رموزه ويفرق جمعه ويسيس الدين تسييساً متخلفاً يهدد الأمن والاستقرار ويشيع الخوف و الذعر ويسوغ للعنف بل هو أبو العنف. كيف نعزز التدين الوسطي والخطاب المعتدل عموماً وليس الديني فقط و كيف نحاصر التطرف والغلو والخطاب الذي يسوغ له مهما كان دينياً أم غير ديني ، مع الاحتفاظ بأكبر قدر من حرية الراي المسؤولة؟. كل الأدوات المتاحة للمجتمع و الدولة و معظمها والحمد لله أدوات ناعمة إلا أن كثير منها معطل للأسف الشديد (نستثني هنا الحلول الأمنية والدفاعية التي يتم اللجوء لها في المواجهات مع الخارجين على الدولة والمجتمع) كل هذه الأدوات يجب أن تستنهض في جهود متكاملة ومنسقة نحو هدف واحد : محاصرة التطرف والغلو والقضاء على أسبابه الداخلية بالدرجة الاولى وهذه مسؤوليتنا وتحت سيادتنا ثم بذل الجهود على المستويات العربية والإسلامية والدولية للقضاء على أسباب الإرهاب الخارجية في بيئة إقليمية و دولية غير صادقة ولا صديقة بل محرضة على الغلو والتشدد والإرهاب لغايات في أنفس اليعاقبة. ويمكن لأدواتنا الداخلية السيادية المحضة أن تكون فاعلة جداً في محاصرة هذه الظاهرة المعقدة والتي قد تبدو مستعصية. كل أدوات الدولة والمجتمع السياسية و الدينية والاقتصادية والاجتماعية-النفسية والتربوية والإعلامية وغيرها يجب أن تستنهض و في الجهود السابقة خصوصاً الاستراتيجيات الأخيرة المحدثة سواء المعتمدة أو التي في طور الاعتماد ، فيها ما يكفي لمواجهة هذه الظاهرة؛ ففيها التشخيص للأوضاع الراهنة ونقاط القوة والضعف والأهداف الفرعية قصيرة المدى و الغايات والأهداف بعيدة المدى و في بعضها تحديد للجهات المسؤولة و أدوارها واضحة وما ينقصنا إلا الأمر لكل جهة و لكل مؤسسة بالمعنى الواسع الشامل لمفهوم المؤسسة ، رسمية كانت أو اجتماعية بما في ذلك القطاع الأهلي والخاص بتطوير خططها التنفيذية تحت مظلة الاستراتيجية العليا للدولة (وهي موجودة ) و وضع مؤشرات التنفيذ و الانجاز والمتابعة والرقابة و التقويم الخاصة بكل جهة تحت رقابة ومتابعة من لجنة أو لجان عليا. ومن المهم أن تكون هذه الجهود مستمرة لأن الظاهرة تاريخية كلما خبت أطلت برأسها من جديد. ومن المهم أيضا إدراك أن استخدام الأدوات القانونية والحلول الأمنية لها دورها الوقائي بالاستيقاف و المساءلة والتوقيف والمحاسبة والتشريع والتقديم للقضاء.
وأيد د. الشهراني رأى أ.مسفر الموسى حول المدن الثقافية، كما لفت الانتباه إلى أن له رأي قديم في ذلك عندما تراكمت الفوائض المالية للدولة منذ ما يزيد على 10 سنوات وبما له علاقة بالظاهرة محل الحوار و بالشباب وتهميشنا لهم وإهمالنا لحقوقهم واحتياجاتهم وخصوصاً مع انفجار الأوضاع مع ما سمي بالربيع العربي. ويرتكز هذا الرأي ليس فقط في المناطق الثلاث عشرة بل في كل المحافظات وتسمى المدن الشبابية فيه كل ما هو ثقافي حديث و جاذب للشباب من الجنسين بالضوابط الشرعية، كل محافظة بحسب عدد سكانها هذا الأمر متطلب حضاري وسياسي و اجتماعي ومهما كانت تكاليفه فإن فوائده أكبر بكثير. ومن المهم أن يكون الشباب هم في الصورة من الأفكار إلى التصميم إلى التنفيذ إلى الادارة فهو مشروعهم. مشروعاً بهذا الحجم قد يكون بمثابة البنية الأساسية الرئيسة لاستراتيجية الشباب المنتظرة!
واتفقت د. سامية العمودي مع ما طرحه د. الشهراني وأضافت للتدليل على صحة الطرح كمثال بأن هناك تعليمات مشددة من الدولة بعدم خوض الخطباء في المساجد في السياسة وفي العنصرية ومع هذا نسمع عن من هو مستمر أين المتابعة إذن أيضاً لا نسمع عن معاقبتهم ووقفهم لذا هم مستمرين، ولعل ما ينقصنا ما تفضلت به لجنة متابعة وتقصي لضمان التغيير وهذا ينطبق على الخطاب المجتمعي العام. كما أن من المهم أن تكون الدعوة لهذه المدن الثقافية للشباب من الجنسين فدور المرأة في التطرف لا يمكن إغفاله يومنا هذا.
وفي مداخلته تساءل أ. عبدالله الضويحي هل المقصود فيما تضمنته ورقة د. على الحكمي وقاية النشء فقط !؟ وماذا عن الكبار الذين يدفعونهم بطريق غير مباشر المعلمون الدعاة .. وغيرهم !؟ بمعنى إعداد هؤلاء ليكونوا ذو تأثير إيجابي على الشباب. وذهب أ. الضويحي إلى أنه لازال عند رأي طرحه أكثر من مرة مفاده أن توفير البيئة المدرسية بما فيها إعداد المعلم الإعداد الصحيح عامل مهم وأساس في الوقاية من الإرهاب والتطرف. أيضاً فإن كثير منا لا يدرك أهمية لا.. لم نعود أبناءنا عليها .. تعودوا على نعم في المدرسة والمنزل وفي المسجد والخطاب التربوي والديني.. واختصاراً فإن كثير منهم يتخرج من الجامعة ليس لديه القدرة على اتخاذ القرار. ويتفق أ. الضويحي مع ما جاء بتعقيب الدكتور الهدلق، لكنه يؤكد أيضاً على برامج اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي فهي الأقرب للوصول لذهنية الشاب الآن وكذلك البرامج الصيفية للشباب والتوسع في المناشط والمراكز الصيفية. وفيما يخص تعليق أ. الضويحي على ما ذكره د. منصور المطيري فقد أشار إلى ملاحظتين مهمتين:
- الملاحظة الأولى: أن المتطرف لا يحقق مكسب ذاتي وينسب ذلك للجماعة .. إلخ فالجماعة وظفته لمكاسبها من خلال تحقيق مكاسب ذاتية ( الاستشهاد .. الحور العين .. وغيرها من مكاسب دنيوية ).
- الملاحظة الثانية: التأكيد على ثلاثية السياسة والدين والإعلام مع عدم استبعاد التربية.
أما بخصوص الحلول أوضح د. مساعد المحيا أنه لابد من تناول محاور عامة مع بعض التفاصيل إذ نحتاج أن نمارس حث الخطى إليها كي تكون سلوكا نعيشه في الممارسة الواقعية لاسيما وأن التحولات الكبيرة التي يعيشها العالم وبالتالي المملكة تفرض علينا مواكبة ذلك ، إذ أن الجيل الجديد من الشباب والفتيات ينشأون الآن في ظروف مختلفة لا يمكن معها أن تتم إدارة الحياة من حولهم بالأساليب التي امتصها الجيل السابق وتعاطى معها وفق ظروفها … وما يعنيه لا يلزم منه الأفراد الذين ينخرطون في داعش ونحوها فقط وإنما نحن أمام جيل مختلف في طموحه وواقعه وقدراته.
- أولاً : محور الحقوق والواجبات وتشمل جوانب عدة:
أ / منها حقوق الأمن الوظيفي إذ كيف يمكن أن نطالب الشاب أن يكون محتفياً بدولته وهو لا يجد وظيفة مرموقة له وحقوقه في الحصول على سكن مناسب وعيش رغيد.
ب / الحقوق السياسية إذ كيف نطالب الشاب بالولاء وهو لا يشعر بأنه جزء من أي قرار يصدر؟ ، فقط كل ما يقوم به هو أن ينتظر أمام الشاشة ليقرر له غيره كل شيء ونعني بهذا ما يمارسه العالم المتقدم من حقوق في صناعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مما يتعلق بشؤون المواطن وحاجاته ، كيف نطالبه بالقيام بمسؤوليات عديدة ونحن لم نقدم له حقوقه التي يحصل عليها كل فرد في أي دولة متقدمة في استخدام الأدوات السياسية ، فالشاب لا يختار أعضاء مجلس الشورى ولا يجد سبيلاً في الأفق المسدود أمامه ليعبر من خلاله عن عدم رضاه عن أداء مسؤول أو فساد .
- ثانياً : محور العلاقة مع هؤلاء الشباب وتصورنا لكيفية بنائها:
إذ كيف نتطلع لمستقبلنا وبما يحفنا من مخاطر ونحن نمارس مع كثير من شبابنا كل أساليب الوصاية ؟ نحن نقول لهم لا تسلموا عقولكم لغيركم فإن هؤلاء سيوردونكم المهالك. لكننا في الوقت نفسه نطالبهم بأن يسلمونا عقولهم وأن يقتنعوا بما نقول وما نرى وذلك لعمري شعور بالفوقية التي تجعلهم يبحثون عن من يقدر رأيهم ويحتفي بقدراتهم ويفعل كثيراً من إمكاناتهم.
- ثالثاً : البيئة الإعلامية المستفزة لهؤلاء الشباب:
نحتاج أن نعمل على أن تتوقف قنواتنا وصحفنا عن كل أساليب الاستفزاز المجتمعي إذ أن ذلك أحد أسباب شرعنة بعض ما يلقى في روع هؤلاء تجاه الدولة وتجاه قياداتها وعلمائها والمجتمع عامة ، إذ كثيراً من أساليب الاستفزاز تعزز لديهم عدم الثقة بالقيادات السياسية بوصفها تحقق كما يعتقدون للدول الغربية مصالحها والقيادات الدينية بوصفها لا تمتلك سمات العالم المتجرد عن سلطة الدولة “يسمونهم علماء السلطة ” أو العلماء والدعاة الذي خذلوا إخوانهم ولم يتبنوا قضايا المسلمين ” طبعاً كما يراها هؤلاء الشباب ” الأمر الذي جعلهم جميعا خارج دائرة التأثير على أولئك الشباب .. وأن ترتقي وسائلنا الإعلامية بخطابها ليتسق مع رؤية الدولة ومصالحها العليا.
- رابعا : الاصلاحات والعدالة:
نحتاج أن نعمل بجد نحو تحقيق الاصلاحات والعدالة على كل المستويات وفي مقدمتها المجال السياسي والقضاء على الفساد المالي والإداري بوصف ذلك أحد أدوات امتصاص الاحتقان ومن ثم إشباع عدد من الحاجات التي تجعل الشاب لا يعيش إحباطاته السياسية والاجتماعية فيجد من يستثمرها أرضاً خصبة لاستنبات الكراهية والشر.
- خامسا : السجون وقود الكراهية والانتقام:
السجون هي أحد مواقد هذا الفتيل ومع أن كل موقوف أو سجين قد اقترف إثماً فتم سجنه إلا أن هذا السجن أصبح يصنع الكثير من الأفراد الذين يتعاطفون مع تلك التيارات وبخاصة أبناء هؤلاء المسجونين وبناتهم وربما نساؤهم وبعض أقاربهم.
وأخيراً يذكر د. المحيا أنه ومن خلال تتبع بعض حسابات أبناء أولئك المعتقلين يتبين كيف أن أطفالاً صغاراً أصبحوا الآن قنابل موقوتة لا نخال تلك التنظيمات تتعب كثيراً في تجنيدهم؛ فهم نتيجة سجن والدهم أو قريبهم ولسنوات عديدة أصبحوا في بيئة تغرس فيهم الاستعداد للانتقام .. وبيانات الداخلية الأخيرة رصدت بعض هؤلاء الأبناء بل إن الذي فجر مسجد القديح هو مثال لذلك.. نحتاج فعلاً أن نحتوي أولئك الأبناء وأن نعمل على برامج اجتماعية وتربوية تخرجهم من عباءة الشعور بالمظلومية إلى أن يتبينوا الحق وبخاصة حين يجدون فعلاً العدالة وحسن التعامل معهم ومع من يتعاطفون معه من السجناء .. وإلا فنحن أمام جيش من الشباب والفتيات لن يهنأ لبعضهم بال حتى يقضوا مضجع المجتمع وينتقموا من الدولة عبر الافساد والتفجير والقتل. كل تلك الجوانب هي ملامح عامة لبعض ما نحتاج التعاطي معه بإيجابية لتكون درءاً نحفظ به أمن المجتمع ولتواكب كل الجهود الأمنية المبذولة .. لعل ذلك يكون سبباً في شعور هؤلاء بالانتماء للوطن ولمقدراته و قيادته … ومع ذلك كله وفوق ذلك كله لابد من التذكير بحقيقة أن الهداية من الله “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ” فمهما بذل الوالدان والمعلم ووسائل التنشئة فقد لا يهتدي هذا الابن أو الشاب للحق فيعيش على ضلاله وقصص القرآن شواهد على هذا فهذا ابن نوح كان عملاً غير صالح يقول له والده يا بني اركب معنا فيقول سآوي إلى جبل فيقول والده لا عاصم اليوم من أمر الله فكان من المغرقين .. والآخر الذي عق والديه ثم قال لهما أف لكما أي تباً لكما ووالداه يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيرد عليهما مستهزئا ما هذا إلا أساطير الأولين، فهؤلاء ممن حق عليهم القول أنهم كانوا خاسرين …لكن مسؤوليتنا أن نعمل ونجتهد ونبذل ونذلل ونتفانى من أجل أبنائنا وصلاحهم وأن يكونوا أعضاء صالحين في مجتمعنا ومالم تتضافر كل الوسائل التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في صناعة مستقبل أبنائنا ووطننا فنحن ممن يدفع بهؤلاء الأبناء والبنات للانفجار يوماً ما وحينها نندم ولات حين مناص.
واهتم د. خالد الرديعان بالتأكيد على أنه يلزم كذلك الالتفات وبقوة إلى أبنائنا… أين يذهبون؟ وماذا يشاهدون؟ وكيف يقضون وقت فراغهم ومع من.. وأن نناقشهم في اهتماماتهم وقناعاتهم الدينية وأن نوضح لهم وبصورة مكثفة خطورة الجماعات الإرهابية وبطرق ذكية.
وأكد د. حميد المزروع على أن دراسة اثنوغرافية للمواقع التي يظهر منها الإرهابيين ستكون مفيدة لوضع الإجراءات الوقائية من الإرهاب بشكل أقرب. وأشار أ. خالد الحارثي إلى أننا نحتاج للتعرف على الأثر الذي يتركه دراسة الظاهرة من وجهة نظر العلوم الاجتماعية التخصصية التي تدرس خصائص المجموعات المهمشة بتطبيقها على مجتمع السعودية وليس الاكتفاء بالنظرية وتطبيقها على المجتمعات الأوروبية المختلفة عنا سياسياً وثقافياً.. إن ذلك قد يترك أثراً في نظرنا للأفراد بشكل خاص ويزيل عنا (ميكافيلية لا مقصودة) نمارسها دون وعي بتوجهنا بالسياسات والمعالجات لتشكيل (المجتمع كوحدة) وليس (الفرد كوحدة) ويعبر بنا بأثر أكبر على تصحيح السعار الجماعي والشغف بالموت عند الشباب والبحث عن مبررات دينية مزيفة للموت.
وفي نفس السياق ذكر د. خالد الرديعان أنه يمكن اجراء دراسة تحليل مضمون لعينة من التغريدات لعمل مؤشر حول نسبة المستدعشين. ففي ضوء ما أشار له د. عبدالسلام الوايل فإن هناك بعض الخصائص الفكرية العامة لدى مستقطبي داعش. مثل الإحساس الحاد بالعداء حيال الغرب و الشيعة. ربما هذا هو الجامع المشترك. تحته تختلف الخصائص و السمات بحسب ثقافة المجتمع و التكوين الفردي و الأقران والحالة العقلية. وتطلع د. مساعد المحيا لو أن مؤسسة الدولة الأمنية اتجهت لهذا النوع من الدراسات الذي يقوم على دراسة حالة لحسابات كل شاب وقع منه هذا السلوك أو تعاطف معه أو دعمه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لأسهم هذا في محاولة الخلوص لنتائج منهجية دقيقة الأمر الذي سيجعلنا أمام واقع اوضح.
وتساءل د. علي الحكمي: متى يعي المؤثرون في مجتمعنا أننا في مواجهة إرهاب يتطلب أن نوحد جميع جهودنا للقضاء عليه واستئصاله، ليس الوقت الآن وقت خلافات أو تصفية حسابات، إنما وقت العمل معاً.
وذهبت د. الجازي الشبيكي إلى أن الوضع الحالي في بلادنا يتطلب جهود تكاملية ذات اتجاه جديد ومختلف مرتكزة على معطيات ومُدخلات صحيحة ودقيقة وشفافة بين كل من المؤسسات الأمنية والتعليمية (بشقيها العام والجامعي) والمؤسسات التي تُعنى بالشباب وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة لمواجهة المستجدات الفكرية التي تُوجه الأعمال الإجرامية للمتطرفين آخذة في الاعتبار المؤثرات المختلفة الخارجية والداخلية. ولا يجب أن يعمل المجلسين الاقتصادي التنموي والسياسي الأمني في مجلس الوزراء بمعزل عن بعضهما البعض في التخطيط والعمل.
واتفق أ. خالد الحارثي مع د. الجازي فيما يخص ضرورة تضافر الجهود بين الجميع على النحو الذي يضيق الخناق على الصحبة السيئة ويصبح الفكر التكفيري والدموي والعنف مستنكراً بشكل أوسع ويجعل الرأي والفكر السليم هو الحصار الأول ضد التطرف عند الشباب لئلا يجد رواجاً وآخرين يمالئون عليه حتى يخرج عن السيطرة.
كما أن من المهم الالتفات كما يرى د. خالد الرديعان إلى الأسباب الداخلية عندنا والتي تدفع بالشباب إلى التطرف والإرهاب والتوقف عن القول أن العامل الخارجي هو الأساس والتوقف عن نظرية المؤامرة وإلقاء اللوم على الآخرين… لدينا مشكلة مع شبابنا وهناك شحن داخلي وهناك لغة طائفية وهناك مناهج وفقه بحاجة إلى نقد لمعرفة كيف يصبح الشاب هشاً أمام تأثير العامل الخارجي في حالة أنه مؤثر أساسي كما يريد البعض أن يقول… التحصين يبدأ من الداخل من هنا والمشكلة هنا وليست هناك.
المبحث الثاني
الاتفاق النووي بين إيران والغرب
قراءة في بنود الاتفاق.. هل ثمة مبالغة في المكاسب الإيرانية؟
أشار د. محمد السلمي في هذا السياق إلى مقاله المنشور بجريدة الوطن بتاريخ 6/7/2015 والذي جاء بعنوان: “الاتفاق النووي.. خطة أم ورطة؟”؛ حيث ذكر أن تنازلات إيران حيال برنامجها النووي، وإن كانت موقتة، ستشجعها في الغالب على مزيد من التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فجميع أذرع طهران تنتظر حصتها من المئة مليار دولار أو يزيد التي سيتم الإفراج عنها. وسيكون هناك اتفاق منفصل بشأن موقع “بارتشين” في إيران، وهذا يعني أن إيران قد تراجعت عن بعض خطوطها الحمراء المتمثلة في عدم السماح بتفتيش المواقع العسكرية. كذلك يحق للوكالة الدولية مقابلة من تشاء متى وكيفما أرادت وسيتم تفتيش جميع المواقع النووية الإيرانية ولكن ليس بشكل مفاجئ، بل باتفاق بين الطرفين على وقت التفتيش بحيث يتم خلال أربعة عشر يوماً من تقديم الطلب، وإذا ما تم مقارنة هذا بالتصريحات السابقة من الجانبين الإيراني والغربي فإن هذا يعني “الالتقاء منتصف الطريق”. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وصف الاتفاق بأنه “ليس مثالياً ولكنه يفتح صفحة جديدة في العلاقات”. والأمر ذاته تكرر في كلمة الرئيس روحاني، وهذا صحيح فنحن نشهد تحولاً تاريخياً في العلاقات الدولية خاصة بين طهران والعالم. أما فيما يتعلق بالشارع الإيراني فإنه سيحتفل خلال الأشهر القادمة بالتوصل لاتفاق ولكن هذا الاحتفال ليس بسبب الحقوق النووية أو تفاصيل البرنامج النووي الإيراني التي يروج لها النظام، بل لأنه يأمل حقيقة في تحسن وضعهم المعيشي والحصول على وظيفة وانخفاض نسب التضخم في الأسعار وتدني الأجور.. إلخ، ولا شك أن الشعب الإيراني يستحق العيش في ظروف أفضل إلا أن النظام السياسي، ومع الأسف الشديد، لن يكترث كثيراً بطموحات هذا الشعب وتطلعاته ولن ينعكس رفع العقوبات ووصول الأموال المجمدة إلى الخزينة الإيرانية على حياة المواطنين، وبالتالي قد يجد المواطن البسيط أنه كما يقول المثل الشامي “خرج من المولد بلا حمص”. يقول أحد الإيرانيين لمراسل “نيويورك تايمز” الأميركية في طهران: “تفاصيل الاتفاق لا تهمني كثيراً، الأهم أن أملك بطاقة صراف بنكية يمكنني استخدامها خارج إيران”. هذا التصريح يعكس حقيقة تطلعات الشارع الإيراني. وهذا ربما يعبر بوضوح عن آمال الإيرانيين من فترة ما بعد الاتفاق. أما على الساحة السياسية الإيرانية سيبدأ الصراع الأيديولوجي والسياسي سريعاً بعد هدوء العاصفة وسنشهد كثيرا من الانتقادات للاتفاق في الداخل الإيراني، فهناك قوى في الداخل الإيراني لها ثقلها بل تعد أقوى من الحكومة الإيرانية الراهنة ستخسر الكثير وبالتالي ترى الانفتاح على الغرب يشكل خطراً حقيقياً على صورة النظام وثوابته وأسسه الثورية وربما استمراريته، كذلك سيكون الحرس الثوري أشد المتضررين لخسارة أهم موارده المالية المتمثلة في تهريب النفط والبضائع من وإلى إيران. وعلى الجانب الأميركي، تتجه الأنظار إلى موقف الكونجرس من الاتفاق وهل سيؤيد ذلك أو يقول كلمته في هذا الخصوص، خاصة أن الحزب الجمهوري لا يؤيد الطريقة التي تتعامل بها إدارة أوباما مع الحالة الإيرانية وترى في ذلك اندفاعاً أميركياً غير مبرر نحو إيران. الرئيس أوباما كان صريحاً في كلمته بعد إعلان الاتفاق بأنه سيستخدم حق النقض ضد أي محاولات من الكونجرس لرفض الاتفاق، بينما نجد وزير خارجيته متفائلاً بشأن موقف إيجابي من الكونجرس. وفيما يتعلق بإمكانية تطبيق الاتفاق بشكل دقيق، ستواجه الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعوبات كبيرة في مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية نظراً لمساحة البلاد الشاسعة وتمرس النظام الإيراني في خرق الاتفاقات والمواثيق الدولية والتملص منها. نعم يقول الرئيس الأميركي إننا ملتزمون بمراقبة النشاط الإيراني وإن جميع الخيارات ستكون على الطاولة في حال خرقت إيران هذا الاتفاق وتحدث عن تجريد إيران من 98% مما تملكه من اليورانيوم المخصب وكذلك وضع قيود قاسية على المنشآت النووية الإيرانية كتجميد تخصيب اليورانيوم في موقع “فوردو” النووي لمدة 15 عاماً، وكذلك حصر التخصيب في موقع “نطنز” بنسبة 3.6% للمدة ذاتها، وكذلك قصر التخصيب على أجهزة الطرد المركزي من نوع IR1 وهي قديمة جداً. كذلك تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي بواقع الثلثين طيلة مدة الاتفاق. هذه التفاصيل تؤكد على أن هدف الإدارة الأميركية تجميد الأنشطة النووية الإيرانية التي قد تسهم في الوصول إلى إنتاج السلاح النووي لمدة 15 عاماً، وبعد ذلك يكون الطريق مفتوحاً أمام إيران لاستئناف مشروعها نحو إنتاج السلاح المحظور. من المكاسب المهمة التي ستنجح إيران في تحقيقها عند تنفيذ الاتفاق إلغاء العقوبات الصادرة ضدها من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع، وهي بالتالي تراهن على صعوبة إعادة فرضها مجدداً حتى وإن قامت بخرق الاتفاق، نظراً للظروف السياسية التي يشهدها العالم والتوتر في العلاقة بين موسكو وواشنطن، ما قد يقود في المستقبل إلى استخدام روسيا وربما الصين أيضا حق النقض “فيتو” ضد أي مشروع غربي لفرض عقوبات على إيران تحت البند السابع.
من جانبه أوضح م. سالم المري أن البترول الإيراني موجود في السوق أصلاً بطرق مختلفة وإيران تنتج بطاقتها الانتاجية الممكنة فعلياً قبل الاتفاق ولذلك فسوق النفط لن يتأثر كثيراً على ما يظن فقط فترة مؤقتة ثم تتضح الصورة ويعود لطبيعته الحالية. أما بخصوص القوى الشيعية والسنية فمكسب إيران أنها دخلت مع أمريكا في حرب العراق باتفاق بينما المملكة ودول الخليج دخلوا بدون أي اتفاق كتحصيل حاصل وهذا يمكن تداركه بإعادة مناقشة شروط التحالفات مع القوى الغربية فالسعودية والدول العربية لديها نفوذ مهم وقوي جداً في المنطقة. ويمكن دعم الموقف التفاوضي مع الدول الغربية وتعزيزه عن طريق احتواء التنظيمات السنية في العالم العربي بقدر المستطاع وتلطيف حدة خطابها تجاه الغرب وتوحيدها ضد إيران. كما يمكن الدخول بعمق وعلنية وجدية في دعم المعارضة الإيرانية وخلق واجهات دولية مؤيدة لها في العالم وفتح جبهات خارجية وداخلية ضد إيران. كذلك يمكن دعم وإبراز الأصوات الشيعية العربية المناهضة لإيران وتنظيم وبناء قدرات عسكرية لها ومدها بالمال والسلاح كي تقارع القوى الشيعية المؤيدة لإيران. ويمكن دعم المراجع الشيعية التي تحاول الاستقلال إعلامياً وبالإمكانيات ووضع استراتيجيات طويلة المدى بهذا الشأن.
بينما لفت د. مساعد المحيا النظر إلى أن ما يقلق هو إلغاء العقوبات وإلغاء تجميد الأموال وبالتالي إطلاق يد إيران لتكون شرطي المنطقة لاسيما وأنها أدارت الأزمة في العراق بكفاءة تتسق وما يريد الغرب تحقيقه.
وفسر د. محمد السلمي الاتفاق النووي المعلن بأنه يعني تجميد برنامج إيران النووي الذي قد يصل إلى السلاح النووي لمدة ١٥ سنة إذا التزمت إيران وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجموعة ٥+١ جادة في مراقبة إيران ونشاط مواقعها النووية المعلنة وربما أخرى لم يتم الكشف عنها بعد. على البعد الاقتصادي، نعم إيران ستحصل على ما يزيد عن ١٠٠ مليار دولار وهي أموالها المجمدة بسبب العقوبات والسوق الإيرانية سوف تنفتح على الشركات العالمية، لكن كم سيكون نصيب المواطن الإيراني من ذلك وهل سينعكس على حياته المعيشية السيئة جداً وكذلك مستويات البطالة والتضخم الاقتصادي ونحو ذلك؟ عدم انعكاس الاتفاق على حياة المواطن الإيراني سيزيد من الغضب الشعبي الذي ربط الآمال والاحلام على هذا الاتفاق ورفع العقوبات التي ظل النظام يستخدمها شماعة أمام مطالب الشعب. المقامرة الكبرى للنظام الإيراني هو أن الانفتاح على الغرب سيكون خطيراً على أسس النظام الثوري وثوابته وسيؤثر على صورة إيران أمام أتباعها ويكشف أن شعارات الموت لأميركا ماهي إلا كذبة كبرى جعلت بعض المخدوعين بإيران ينقادون خلفها. الأموال المفرج عنها سيكون لنظام الأسد وحزب الله نصيباً منها وهنا الخطورة. على المستوى السياسي، إيران ستشعر بنشوة سياسية ومن المحتمل (خاصة إذا كان من بين البنود غير المعلنة بسط يد النظام الإيراني في المنطقة وسيكون الغرب بموقف الانكشاف أمام الجميع وهل فعلاً ستكون إيران جزء من المنفذين لمشروع الشرق الوسط الجديد؟) أن نرى تدخلات إيرانية سافرة في شؤون دول الجوار العربي وهذا قد يقود إلى المزيد من الاحتقان الطائفي في المنطقة. هنا تحتاج دول المنطقة والخليج خاصة التفكير في إعادة النظر في استراتيجية التعامل مع إيران وافشال المشروع.
وذكر د. منصور المطيري أن المشكلة الحقيقية هي في البعد السياسي .. أي هل سيرسم هذا الاتفاق مستقبل المنطقة السياسي ؟ هل يعني أن نفوذ إيران سيزداد نتيجة لإطلاق يدها في التصرف من قبل الغرب ؟. منذ أن تدخلت أمريكا في العراق و النفوذ الإيراني يزداد و في المقابل يتقلص دور المملكة ونفوذها. وفي هذا السياق فإن اتفاق الغرب مع إيران من الناحية السياسية مؤداه في نظره إلى أمرين :
- الأول: تقوية الأقليات و دفعها لاستلام الحكم في البلاد العربية خصوصاً.
- الثاني: تحقيق ما ذكره ( بارسي ) في كتابه ( حلف المصالح المشتركة ) من أن من ثوابت السياسة الإسرائيلية محاولة وضع قدم لها خلف المنطقة العربية ( مع إيران أو أثيوبيا ) لأنها تعتقد أن الخطر على وجودها يأتي من المنطقة العربية السنية عاجلاً أم آجلاً .. و يكون بتأثير تيارات إسلامية أو قومية.
ومن زاوية مختلفة ذكر م. سالم المري أن الاتفاق يدعو لمراجعة سياسة وضع البيض كله في سلة أمريكا ويحثنا على بناء قدرة الدفاع عن أنفسنا ومع ذلك الاتفاق ليس مفاجأة لأحد ونتائجه ليست جميعها ايجابية لإيران ومن يدور في فلكها:
- يقيد إيران ويعطي الغرب حق التدخل في تفاصيل ستعيق تقدم برامجها ويجعلها تحت رحمتهم. وعودة الأموال المجمدة ليس بسهولة تجميدها؟
- سيلزم إيران بلجم طموحات أتباعها وترويض ثوريتهم إرضاء للغرباء والتخلي عن بعضهم.
- ال 12 سنة كفيله بتأسيس برنامج نووي قوي على الجانب الآخر من الخليج وربما دول عربية أخرى مثل مصر والمغرب والجزائر.
- استغلال إيران لنفوذها في البلاد العربية لإبراز قوتها وتسجيل نقاط في المفاوضات على حساب العرب كشف النوايا للحلفاء العرب وأيقظ المنافسين النيام وفتح العيون على البيت الزجاجي للرامي بالحجر. وشحذ القوى والهمم في المواجهة أوله عاصفة الحزم ويبدو أنه سيستمر في سوريا والعراق ولبنان وقد لا تسلم الساحة الإيرانية من متطاير الشرر.
وذهب اللواء د. سعد الشهراني إلى أن إيران الآن تتحدث و كأنها قوة عظمى تفاوضت بنجاح مع قوى عظمى. الحظر حتم عليها سياسات اكتفاء ذاتي وتشجيع الصناعات الوطنية وتحس أنها قوة إقليمية حققت نجاحات في العراق ولبنان و تقاتل في سوريا و لولا الجغرافيا لكانت تقاتل الآن في اليمن بسليماني و ليس برعاع الحوثي وعفاش. ألن تكون إيران بعد الاتفاق أقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً منها قبله!.. ألا يكفيها الافراج عن 140 مليار دولار المبلغ الذي لم يتوفر لإيران قبل هذا التاريخ ؟ ألا يكفيها انفتاحها على الغرب و العالم من موقع الندية لا من موقع التابع؟ الغرب يريد إيران و إسرائيل قويتان في وجه أي قوة عربية مهما كان شكلها وقريباً قد نرى اعترافاً متبادلاً أو على الأقل قبولاً غير معلن بين إسرائيل و إيران. تأخرنا في مواكبة قوة إسرائيل وها نحن تخلفنا في مواكبة قوة إيران. نعم لديها مشاكل وحكومتها دكتاتورية ثيوقراطية معممة ولديها مشاكل اقتصادية و بطالة ولكن لديها قوة عاملة وطاقات بشرية يمكن أن تنهض بإيران. دعونا منهم، ماذا عنا نحن؟ ماذا نحن فاعلون؟ أين تجميعنا لمصادر قوتنا وهي ليست قليلة و ولكن من أهم مصادر القوة: التنظيم وتحديداً تنظيم القوة؛ وهذا يحتاج لإدارة محكومة بإرادة (قوية وحازمة).
بينما يرى د. عبدالسلام الوايل أن الاتفاق يبين أن تصورات الملالي عن كسر خشم الغرب انتهت. اليوم مثلهم مثل صدام يوم وافق على التفتيش. وافقوا على فتح بلدهم بشكل كامل للتفتيش. لولا العقوبات ما رضخوا. السؤال: هل يتحول هذا الانكسار في أيديولوجيا الدولة الإيرانية إلى مكسب لها؟ هل تكرر نموذج مهزومي الحرب العالمية الثانية (ألمانيا و اليابان و إيطاليا) الذين استأنفوا درب القوة برغم الهزيمة الأيديولوجية؟ أشك في ذلك. لأن هذه الدول انتظمت في سلك القوى الغربية و انقلبت بشكل كامل على أيديولوجياتها السابقة. إيران ليست مستعدة لفعل ذلك. إن الانكسار الأيديولوجي واضح. و الإسلاميين السنة يجب أن يدركوا أن هذا يطالهم هم أيضاً. مناطحة الغرب محض هراء لا يجلب إلا الويلات على أصحابه. الإسلاميين يريدون أن يحصروا الموضوع بإيران و ليس بالصراع بين الإسلاموية والغرب. الآن، هل يفتح الاتفاق لتحول في الدولة الإيرانية لتستوعب القوميين و العلمانيين الإيرانيين؟ ثمة مؤشرات إلى عودة القوى العلمانية الإيرانية إلى حضن الدولة الإيرانية الدينية.
وعلق د. مساعد المحيا على ذلك بأن المكاسب التي حققتها إيران وستحققها هي انتصار لعبة المصالح تقتضي تقديم تنازلات مقابل ثمن أكبر لاسيما وأن الغرب أصبح يهرول نحوها ..والمعول عليه هو أنها خرجت من نفق مظلم إلى نفق مضيئ قد ترسم من خلاله استراتيجية تجعلها في موقع أقوى .. ولا نستبعد أن يعمل الغرب والأمريكيون على منحها ضوءاً أكبر لتحقيق وجوداً أكبر في بيئتنا العربية والخليجية، خاصة وأننا في الخليج لا نملك رؤية موحدة تجاه الموقف من إيران وممارساتها بعيداً عن البيانات الرسمية التي قد لا تجسد ما يجري على الأرض.
وأشار أ. خالد الحارثي إلى أنه إذا كان هناك من يصدق انتصار إيران على دول العالم الأول مجتمعة رغم أن أموالها محتجزة عندهم ويتجاهل قدراتهم العلمية والاقتصادية والعسكرية بجيوش تحكم بحار العالم وأجوائها فهذا قدر من التهويل الإيراني لا يمكن استيعابه، فانبحث عن أسباب ودواعي فتح هذا الباب من الدول المتفاوضة مع إيران لمسار تتطور به الأحداث في المنطقة من جراء هذا الإتفاق دون مراهنة زائفة على مقولات كتغيير نظام الملالي أو التنازل عن النفوذ ومكتسباتها السياسية التي تحققت في المنطقة .
وذهب د. محمد السلمي إلى أن السؤال الذي لم يطرح بعد: كيف سيكون موقف الساسة في إيران والحرس الثوري لو قدر الله ومات خامنئي قبل تنفيذ الاتفاق بشكل كامل؟!! سيكون الوضع مثيرا حقاً… المشكلة أنه لا يوجد اتفاق على من سيخلف خامنئي بل أن التكهنات حول هذا الموضوع كثيرة والحرس الثوري لن يصمت والتيار المعتدل لن يفرط في هذه المكاسب.
وتساءل أ.د. عبدالرحمن العناد. منتدى أسبار: كيف يمكن أن يكون هذا نصراً لإيران؟ وتشمل البنود الرئيسية في الاتفاق الذي وقع في فيينا على ما يلي:
- تقييد البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل مع وضع حد لتخصيب اليورانيوم لا يتجاوز عتبة 3.67 في المئة. وتحويل مفاعل فوردو وهو المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم إلى مركز لأبحاث الفيزياء والتكنولوجيا النووية.
- خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز فقط.
- السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع الإيرانية المشتبه بها، ويشمل ذلك مواقع عسكرية يتم الوصول إليها بالتنسيق مع الحكومة الإيرانية.
- تمتنع إيران عن بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيلة، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاماً.
- حظر استيراد أجزاء يمكن استخدامها في برنامج إيران للصواريخ الباليستية لمدة 8 سنوات، كما يحظر استيراد الأسلحة لمدة 5 سنوات.
- يسمح الاتفاق بإعادة فرض العقوبات خلال 65 يوماً إذا لم تلتزم طهران بالاتفاق.
وستحصل إيران في المقابل على رفع للعقوبات الدولية المفروضة على إيران بشكل تدريجي بالتزامن مع وفاء طهران بالتزاماتها في الاتفاق النووي. ويعني ذلك استمرار تجميد الأصول الإيرانية في الخارج لمدة 8 سنوات، واستمرار حظر السفر على معظم الأفراد والهيئات التي شاركت في البرنامج النووي لمدة 5 سنوات. لكن سيتم تقليل هذه الفترات في حالة تأكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الطبيعة السلمية للبرنامج النووي. وسيتم رفع العقوبات نهائياً في حالة الوفاء التام بكافة الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي. كما ستتمكن إيران من معاودة تصدير النفط بكامل طاقتها الإنتاجية فور بدء تنفيذ الاتفاق. و ينص الاتفاق أيضاً على التعاون بين الدول الكبرى وإيران في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.
واعتبر د. محمد السلمي أن العقوبات التي يتم مناقشتها حالياً وسيتم رفعها بسبب البرنامج النووي الإيراني فقط وقد بدأت بعد أن كشفت المعارضة الإيرانية عن قيام طهران بتطوير برنامجها النووي ونشرت صوراً جوية للمواقع وكان ذلك في عام ٢٠٠٢ تقريباً وفي عام ٢٠٠٦ أقر مجلس الأمن الدولي أول عقوبات دولية على إيران بسبب النشاطات النووية. ومن ثم فإن صفقة رفع العقوبات لا تشمل العقوبات المفروضة على إيران بسبب الإرهاب وحقوق الانسان. ٩٠٪ تقريباً من العقوبات الأمريكية ضد إيران لا يشملها الاتفاق الجديد ولاتزال فاعلة.
والخلاصة الأهم، في نظر د. محمد السلمي، ليست بنود الاتفاق التي تم نشرها على الإنترنت والتي في الواقع تؤكد تجميد البرنامج النووي الإيراني بشكل أو بآخر، ولكن ما لم ينشر وربما لن ينشر مطلقاً من تفاصيل حقيقة الاتفاق التي ستكون الأيام القادمة كفيلة بإبرازها على الواقع. الاتفاق قد يكون فرصة حقيقية لمستقبل أفضل في المنطقة، خاصة إذا ما ضمن سلمية البرنامج النووي وتحول النظام في طهران من سلوك الثورة إلى نمط الدولة الطبيعية، إلا أن المؤشرات تقود إلى واقع أن تنازلات إيران حيال برنامجها النووي، وإن كانت موقتة، ستشجعها في الغالب على مزيد من التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وستزيد من دعمها المالي للنظام السوري وحزب الله وغيرها، فجميع أذرع إيران في المنطقة تنتظر حصتها من المليارات الدولارية التي سيتم الإفراج عنها، ولا بد على دول المنطقة التفكير جدياً في التصدي لأي تهور إيراني محتمل في المستقبل القريب، ومع ذلك كله قد تقود النشوة الإيرانية إلى كثير من المصاعب على المستوى الداخلي، خاصة إذا ما كان هناك انفتاح كبير على العالم الغربي، والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت.
لكن د. خالد الرديعان أشار إلى أن الإيرانيين سيصابون بالصدمة عندما يتضح لهم أنهم لن يستلموا أموالهم المحجوزة كما توقعوا وبالسهولة التي كانوا يتصورون… حكومتهم كذبت عليهم بخصوص الاتفاق ولم تعطهم الحقائق كاملة…وعلى ضوء ذلك سيصاب الشارع الإيراني بالإحباط الذي سيقود الى التململ… وقد نتوقع مفاجآت عندما تتضح الحقائق كاملة أمام الإيرانيين خاصة بعد وأثناء وصول فرق التفتيش…وقد يبدأ الشعب الإيراني ومعظمه شباب مناقشة جدوى نظام الملالي… في الفترة الماضية لم يكونوا قادرين على طرح هذا الموضوع لكنه سيطرح بقوة في السنوات القادمة.
وأشار د. مساعد المحيا إلى أن الشكوك دائماً تدور حول قدرة هذا الاتفاق على الصمود مع وجود جهات لا تريد أن تمضي فيه .. الاتفاق ينص على عودة العقوبات إن لم تلتزم إيران بالاتفاق وطبعاً حظر الأسلحة على إيران سيستمر لمدة خمس سنوات، واستمرار الحظر على مبيعات الصواريخ لثمان سنوات. المقلق أن الاتفاق ينص على إلغاء العقوبات وإلغاء تجميد الأموال؛ اذ أنه حين يتاح لإيران المنهكة اقتصاديا الحصول على مبالغها المجمدة قد تعمل على توظيف بعضها في الأحداث الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة للمضي في تحقيق طموحاتها وهي طموحات يبدو أن الغرب يمنحها لغة الموافقة المبطنة.
وعلق د. خالد الرديعان بأن إيران لن تستطيع الفكاك من الاتفاق الموقع مع الغرب لأن ذلك قد يكون مجازفة كبيرة في ظل وجود إسرائيل ومخاوفها… أما اللغة “الخشبية” التي يستخدمها خامنئي للإيحاء بأن إيران ضد الغرب فقد يكون ذلك الخطاب للاستهلاك المحلي ولحفظ ماء الوجه… إيران سلمت رقبتها للغرب بخصوص هذا الاتفاق طمعاً في رفع الحظر عن أموالها ولإنعاش اقتصادها لأن الخيارات أمامها محدودة…لكن إيران ستواجه مشكلات كثيرة مستقبلاً بعد وصول فرق التفتيش وسيحدث مماحكات كثيرة وشد وجذب لا نعلم كيف ينتهي… وتساءل د. خالد: ما معنى أن تأتي فرق تفتيش إلى بلدك لتفتش مصانعك ومعاملك ومنشآتك الحربية؟ ستكون العملية مذلة لإيران بمرور الوقت وستخلق نقمة على نظام الملالي ولا سيما أن الاقتصاد الايراني لن يتحسن بين ليلة وضحاها.. علينا أن ننتظر ونرى كيف تسير الأحداث.
في حين يرى أ. عبدالله آل حامد أن المبالغة في الحديث عن اقتصاد إيراني سينتعش فجأة وسريعاً كما أوردت الإيكونوميست غير صحيح فالداخل الإيراني محطم تماماً ومثقل بديون ضخمة واقتصاد هش ودخل الفرد في أسوأ مستوياته وما كانت تستطيع أن تفعله في سنوات الطيش السياسي اليوم أكثر صعوبة فقد تضاعف عدد السكان وزادت بؤر التوتر كما أن السوق البترولية تمر بأوضاع صعبة ولا ننسى هجرة العقول الإيرانية عوضاً عن أن نظام الفقيه هو نظام ديني أصولي يقوم على فكرة نشر التشيع والحقد على العرب وكل هذه الجهود والأموال لن تكون في خدمة مشروع اقتصادي بل مشروع ديني لن يخدم المشروع الغربي وسيتصادم مع المشروع العربي الرافض للجسد الغريب كما كان الحال مع تركيا.
الموقف الأمريكي: محاولات للفهم والتفسير
ذكرت أ. مها عقيل أن السؤال الملح بخصوص الاتفاق لماذا حرصت أمريكا على إتمام هذا الاتفاق؟ ماذا ستستفيد؟ ما الذي تريده من إيران؟ ما الذي تريدها أن تقوم به أو لا تقوم به بالإضافة إلى الهدف المعلن وهو منعها من تطوير سلاحها النووي؟…مع كل الحديث عن خطر إيران والعلاقات “المقطوعة” بين إيران وأمريكا والمصالح “المتضاربة” يبدو أن هناك تقارب وتعاون في الخفاء منذ سنوات والآن أصبح مكشوف.
وانتهى أ. مطشر المرشد إلى أن الاتفاق النووي بين إيران والغرب جاء في إطار الحرص على إبقاء التفوق للاقتصاد الأمريكي أمام ظهور التكتلات الاقتصادية مثل البريكس ، حيث إن الأمريكان أدركوا بعد حرب العراق وافغانستان وما تبعها من أزمة مالية / اقتصادية يعاني منها الغرب حتى وقتنا هذا بأنه يجب الحد من التدخلات الخارجية المكلفة و خاصة من خلال تدخل مباشر للجيش الأمريكي … لذا هم الآن سيتبعون استراتيجية المناطق Zones وفي كل منطقة يتشاركون مع الأقوياء ومن ثم التحكم عن بعد ، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إسرائيل وإيران ….وبالنسبة للخليج يرون أن الفوضى وعدم الاستقرار قادم لا محالة ، بسبب الفارق الشاسع بين طبقات المجتمع وتآكل الطبقة الوسطى، وأيضاً يرى الأمريكان بأنهم نجحوا في تقليص أهمية نفط دول الخليج بعد السيطرة على العراق والآن اتخاذ إيران كحليف ( تراجعت نسبة وارداتهم من نفط السعودية إلى أقل من ١٢٪ بعد أن كانت ٢٧٪ من مجمل وارداتهم النفطية) ومع دخول منتجين جدد مثل فيتنام وإيران سيكون بإمكانهم الاستغناء التام عن نفط السعودية ، وأيضاً أصبح الأمريكان يدركون بأن المملكة وبعد أحداث ١١ سبتمبر ومحاصرتها فقدت مركز قيادة العالم الإسلامي ولم تعد بذاك الأهمية للشعوب الإسلامية حول العالم ( تسمية داعش الدولة الإسلامية / الخلافة ) .. هم يرون أنها مسالة وقت ودول الخليج ستتآكل من الداخل انهيار اقتصادي يتبعه تفكك اجتماعي وفوضى تشبه منطقة الانبار في العراق .. وأي مجموعه ستسيطر على منابع النفط والغاز بالتأكيد ستفعل ما فعلته داعش أي بيع النفط والغاز بأسعار رخيصة من خلال وسطاء .. لذلك التقارب من الأقوياء كإيران سيخدم استراتيجيتهم التي وضعها المحافظون الجدد ( الفوضى الخلاقة / الشرق الأوسط الكبير ) وهم أيضاً من ركز على اتخاذ إجراءات تحد من مكانة المملكة بالنسبة للعالم الإسلامي .. والكل يرى كيف تقوقعنا منذ ٢٠٠١ م وعلى جميع المستويات خاصة الدعوة والإرشاد ، وفي المقابل انتشر التشيع المدعوم إيرانياً من إفريقيا الى الفلبين.
وأيد أ. خالد الحارثي هذا الطرح السابق وأضاف أن السياسية الأمريكية والأوروبية تفضل كثيراً التعامل مع إيران عن التعامل مع العرب ، للأنثروبولوجيا وتاريخ الصراع والتحالفات مع الفرس وتاريخ الصراع والتحالفات مع العرب ، إضافة إلى النشاط السياسي والدبلوماسي لإيران والنفوذ المؤثر على واقع الأرض في أحداث الشرق الأوسط.
وعلق د. عبدالسلام الوايل بأن خطط أوباما للاستغناء عن نفط العرب جزء من مسعى بعيد المدى لجعل السعودية غير ذات أهمية للاقتصاد العالمي. تبقى الأهمية الدينية للمملكة و تأثيرها الإسلامي. كما تساءل م. سالم المري: لماذا نعول على أهميتنا للاقتصاد العالمي ونحاول إثبات ذلك ولو على حساب التفريط في مقدراتنا؟ وفي النهاية من سوف يعطينا الغذاء أو الماء إذا نضب بترولنا؟ إن هذه السياسة حيلة من حيل الشركات الكبرى التي كانت تملك البترول وانطلت علينا وصدقناها؟ القوة تكمن في الاعتماد على الذات في بناء قاعده صناعية وطنية متطورة وقوة دفاع مقتدرة وسياسات بترولية تراعي مصالحنا فقط وعندها سيحترمنا حلفاؤنا ويقرون بحقوقنا الاستراتيجية.
وأوضح أ. مطشر المرشد أن نهاية الحرب الباردة كانت بسبب تكتيك اقتصادي ، واليوم الحرب والتسابق بين الدول اقتصادي تنموي بحت .. وكل ما يدور من حولنا سنكتشف أن له أهداف اقتصادية تنموية ، سياسة الدول في الوقت الحالي تحددها خطوات التجمعات الاقتصادية مثل منطقة اليورو ودول البريكس والنافتا الخ. وذكر د. علي الحكمي أن أمريكا بالفعل تعيش الآن مرحلة تحديث كامل لبنيتها الأساسية المهترئة. وهي في طريقها لاستعادة هيمنتها الاقتصادية لاهتمامها أولاً بالإبداع والابتكار والبحث العلمي. عندما ننظر لاهتمام أمريكا باستقطاب المبدعين والمتفوقين الأجانب بل وخريجي جامعاتها منهم بدأت في التوجه لمنحهم إقامات دائمة نعرف سر تفوقها، وسر تغلغل نفوذها في الكثير من دول العالم. وأشار أ. مطشر المرشد إلى أن قطر على سبيل المثال حاولت تمزج بين الخطين الدبلوماسي والاقتصادي حين كان وزير خارجيتها السابق يجمع بين مهمته الدبلوماسية ورئاسته لصندوق قطر السيادي ..ونجح وزير خارجية قطر السابق في تضخيم مكانة قطر وجعل لها ثقل دبلوماسي ووضعها على الخارطة الدولية .. كل هذا بسبب جمعه بين عملة الدبلوماسي ورئاسته لصندوق قطر السيادي …أمريكا تعيش حالة رعب اسمها تنامي القوه الاقتصادية لدول البريكس ، والأمريكان يعون بأن هذا التجمع يشكل نصف عدد سكان العالم ويمثل أكثر من ٤٠٪ من إجمالي الناتج القومي العالمي .. خطر على مستقبل الدولار ومكانة الاقتصاد الأمريكي.
وعلى الرغم من موافقة د. علي الحكمي على أن أمريكا تعيش حالة رعب؛ إلا أنه أكد على أنها تواجه هذه الحالة وتسعى لتقليل أثرها أو التفوق عليها. واتفق أ. مطشر المرشد مع هذا الرأي باعتبار أن أمريكا تسابق الزمن لتجديد الدماء وتحديث القدرة الابتكارية .. فالهدف هو إطالة أمد الامبراطورية الاقتصادية للعم سام.
الموقف الإسرائيلي: ماذا يخفي الصمت؟
أوضحت أ. ليلى الشهراني أن المعروف عن إسرائيل أن من أولوياتها الحذر الشديد من الأخطار الصغيرة التي تهدد كيانها فضلاً عن وجود أخطار كبيرة ، مثل السلاح النووي ، وعرف عنها أنها دولة استباقية مبادرة في القضاء على ما يشكل ضرراً عليها ، وأقرب مثال ضربها للمفاعل النووي العراقي وهو في بداياته ، ودور الموساد البارز في عمليات اغتيال لعلماء ذرة ، كل هذا يجعلنا نجزم بأن الأمر مجرد مسرحية سياسية كبيرة ، وأنه لا يوجد غضب إسرائيلي ولا قوة إيرانية ، كل ما هنالك أن مصالح الغرب وإسرائيل مع بقاء البعبع الإيراني ، حتى وإن اظهروا غير ما يبطنون ، فكل ما فعلته إيران وتفعله في المنطقة يصب في مصلحة إسرائيل.
ومن جانبه ذكر د. عبدالله الحمود أنه لا يمكن تصور أن القوتين الكبيرتين في المنطقة يتفقان على تفوق أحدهما استراتيجياً وعسكرياً. فهذا في نظره مبدأ سيادي مهم. والأمر كذلك، فإن من تقوده تحليلاته للقول بأن إيران تربح في هذه الاتفاقية على المدى المتوسط والبعيد، فلا يمكن مع ذلك القول بأن الموقف الإسرائيلي المعلن الغاضب من الاتفاقية إنما هو من قبيل التضليل، بل تكون إسرائيل في هذه الحالة غاضبة جداً. أما من تقوده تحليلاته للقول بأن إيران تخسر على المدى نفسه، فإن الشعور الإسرائيلي الحقيقي المتوقع هو الرضا، وبالتالي يكون سخط إسرائيل المعلن من قبيل المكر. الآن، إذا كانت إيران رابحة فهذا يعني خسارة إسرائيل. وإذا كانت إيران خاسرة فهدا يعني ربحا كبيراً لإسرائيل. ما يقود إليه هذا القول، أن ما يتخذه بعض المحللين من سعيهم الحثيث للإقناع بأن إيران ربحت، وفي نفس الأسطر التأكيد على أن السخط الإسرائيلي مفتعلاً.. رؤية تحليلية يصعب فهمها. وإذا ثبت أمامنا واقعاً، أن نتنياهو كان ساخطاً، فلا يمكن أبداً أن يكون سخطه مفتعلاً، لسبب بسيط أنه لا يمكن تصور أن تعلن إسرائيل سخطها وتضمر رضاها بأن ربحت إيران الرهان. الخلاصة إذن، إيران تربح بالفعل، وإسرائيل تغضب بالفعل. وبين الربح الإيراني والغضب الإسرائيلي تقع منطقتنا المكلومة دائماً، وهنا مربط الفرس، في إعادة النظر في حساباتنا للمصالح المستقبلية مع الجارين الكبيرين، ومع سيدهما.
ولفت أ. عبدالله الضويحي النظر إلى أنه لا يمكن لأي اتفاق في الشرق الأوسط برعاية أمريكية لا توافق عليه إسرائيل لابد أن يكون لها رأيها وبصمتها عليه. ونوه د. حميد المزروع أن الاتفاق وضع شروط صارمة للتحقيق والتفتيش لجميع المواقع المشبوهة وهذا يزيد من انتهاك السيادة الإيرانية علي منشآتها ، إيران تعاني من مشاكل اقتصادية داخلية متنوعة حتماً ستسبب لها مشاكل اجتماعية ، كما وأن الشركات الأجنبية وخاصة البترولية لن تغامر بالاستثمار مع جيش الباسيج الذي يدير الاقتصاد الإيراني من ناحية ، وإمكانية رجوع العقوبات كما في السابق إذا ما أخلت إيران ببنود الاتفاقية من ناحية أخرى.
وفي السياق ذاته أوضح د. خالد الرديعان أن إسرائيل قلقة من إيران وهو قلق مشروع لأنها ترى في إيران قوة إقليمية في المنطقة… هي لا تقلق من العرب… يقلقها فقط دولتين: تركيا وإيران.. وماعدا ذلك غثاء كغثاء السيل…الكارثة القادمة والمحتملة: هي اتفاق إيراني- إسرائيلي وهو محتمل وبرعاية أمريكية…و يلاحظ أن عندنا قلق مثل قلق إسرائيل… ماذا يعني أن نحمل نحن وإسرائيل نفس المخاوف.. هذا قد يعجل من الاصطفاف مع إسرائيل بسبب الضرورة.. السؤال هو ماذا سنفعل؟ الرهان على تفتت إيران من الداخل خاسر فهذه دولة تستطيع أن تدير مشكلاتها الداخلية بنفسها.
أما أ. يوسف الكويليت فيعتقد أن النوايا للقوى الكبرى لا تتضح إلا بعد سنوات، أما إسرائيل فهي اللاعب الخفي وما تنكره الآن سنراه غداً جزء من خططها التي رسمتها منذ أزمنة طويلة بأن عرب ما بعد ٦٧ هم كومة من القش سيحترقون بشرار أنفسهم. وأكد د. علي الحكمي على أنه لا يلزم في السياسة أن يكون موقفك المعلن هو أعمالك على الأرض، لا بد أن ننتظر ونراقب. المؤشر هو ما يجري في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وذهب د. عبدالله الحمود إلى مسألة أن لا تكون إيران عدوة حاضرة لإسرائيل هذا حق. لكنه من باب مقولة حسني مبارك إبان حرب الخليج الثانية أتحالف مع الشيطان لحماية مصالحي. لكن عدم عداوة إسرائيل في الحاضر.. لا يعني أن إسرائيل صديقة. ولا يعني أنه يسرها تسليح ننوي لأي أحد من حولها. المصالح الإيرانية.. الإسرائيلية تلتقي في عدائهما للعرب من حولهما، وهو عداء عرقي أكثر منه عقدي بالتأكيد. لكن الجانبين مختلفان عقدياً، وجذور القلق المتبادل بينهما عميقة جداً، حتى لو طمرتها آنياً المصالح العرقية، والاستراتيجية. وأضاف د.الحمود: “نحن مثلا في الخليج وفي العديد من دول العالم الإسلامي، نلتقي مع أمريكا والغرب في خيارات مصلحية واستراتيجية كثيرة. نحن لسنا أعداء للغرب على المستوى الرسمي، لكن الذهنية العقدية عندنا والفضاء الديني والثقافي ليس أبداً على ذات الدرجة من القبول. هذا قريب جدا مما ننعت به العلاقة الإيرانية الإسرائيلية”.
وأشار أ. خالد الحارثي إلى أن من مصلحة إسرائيل أن يبقى صراع إيران مع العرب متوقد ومشتعل وجبهات عسكرية إذا كان هذا ممكناً ، ومصالح أمريكا وأوروبا سياسياً (بعيداً عن ثقافياً وحضارياً) أن يكون الشرق العربي متأخراً و مفتتاً ، هذا طبيعي وبديهي جداً.
وفسر د. الوايل الأسباب التي تجعل إسرائيل تخشى الاتفاق بين إيران والغرب من ناحية أن الاتفاق سيؤدي للتالي:
- تعزيز مكانة طهران الإقليمية.
- رد فعل سعودي بتشكيل محور سني يضم تركيا و باكستان و ربما مصر.
- المحور السني سيصطدم حتما بإسرائيل.
- المحور السني أخطر على إسرائيل من محور الممانعة الذي ترعاه إيران.
لكن أ.د. عبدالرحمن العناد اعتبر أن هذا تحليل افتراضي؛ فالواقع أن إسرائيل لا تريد أن تعلن فرحها لكي لا تتضح حقيقة أن المفاوضات كانت أصلاً تتم من قبلها وأن 5+1 مجرد أدوات بيديها.
انعكاسات الاتفاق النووي على المملكة: وماذا عن ردات الفعل؟
من وجهة نظر أ. عبدالله آل حامد فإن الاتفاق النووي الإيراني يشكل تأثير على المصالح السعودية من حيث إن الحصة البترولية الجديدة لإيران في أوبك ستؤدي إلى التأثير على الحصص البترولية للدول الأعضاء وكذلك الاتفاق سيقدم جواز سفر للنفوذ والدور الإيراني في المنطقة وتأجيل الحسم في اليمن ولكن الاتفاق تم وأنتهى الجدل فدعونا ننظر للجانب الإيجابي؛ حيث يعتقد أ. عبدالله أن إيران ستخيب ظن الأمريكيين في تقليص وجودها في المنطقة وستشكل خطراً على المصالح الأمريكية في مقابل دور أكبر لروسيا والصين وعودة التوازن بين القوى العظمي وفصل جديد من الحرب الباردة أرضيتها الشرق الأوسط ستعيد أمريكا خلال الخمس سنوات القادمة إلى الخيار السعودي الذي سيفرض شروطه بشرط قدرة السياسة السعودية في دعم سلة حلول لتخفيف وطأة الوضع الاقتصادي الذي سيواجه تحديات استثنائية كما يبدو علاوة على ذلك ستنضم إيران بقوة في وجه المد الداعشي الذي يشكل خطر أكبر بكثير فتطرف إيراني خيراً ألف مرة من التطرّف الداعشي بالإضافة إلى أن الجموح الإيراني نحو قيادة المنطقة سيورطها في مستنقع لا ينتهي وأخيراً فعل من المناسب استخدام سياسة الاكتفاء برد الفعل وليس الفعل مع الملف الإيراني والاستمرار في ترك العلاقات عند مستوى (النزاع) وعدم تطويرها ودعم الأطراف الرافضة للوجود الفارسي في الجسد العربي مهما كانت. وبخصوص حصص أوبك فإن إيران قد تمارس سياسات استفزازية لإجبار المملكة على الرضوخ لشروط اتفاق يكفل حصولها على حصة أكبر على حساب السعودية.. فالسعودية تعاني من ضغوط تمنعها من استخدام ورقة أوبك بشكل قوي.. وتفسير ذلك أن القوى التي توالي إيران أقوى من القوى الموالية للسعودية في المنطقة. كما أنه ولأول مرة تتقاطع مصلحة الولايات المتحدة وروسيا والصين لخفض الإنتاج السعودي وكلا له أسبابه.
بينما توقع د. حميد المزروع أن المملكة لن تخفض إنتاجها بعد تغيير استراتيجيتها التي تعتمد علي المحافظة علي حصتها السوقية ، كما وأن رفع الإنتاج الإيراني سيضر أيضاً بحليف إيران بشكل مباشر ، ويقصد بذلك روسيا ، أوبك وبعد تزايد إنتاج النفط الصخري أصبحت أقل أهمية من ناحية ترجيح أسعار الطاقة ، وهذا يعد من أسباب تغيير العلاقات ما بين المملكة وأمريكا.
وأشار د. عبدالسلام الوايل إلى تحذير “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي من أن السعودية يمكن أن ترد على تسليم الولايات المتحدة بتعاظم الدور الإقليمي الإيراني بمحاولة بناء محور سني يضم كلاً من تركيا وباكستان ومصر.
وأكد د. منصور المطيري أن ما نحتاجه فعلاً هو ما تم ذكره من ضرورة وجود استراتيجية شاملة لها هدف واضح يدور حول استخدام كل الإمكانات المتاحة في تعزيز القوة الذاتية و الاعتماد على النفس مع الحذر من الوقوع في فخ عداوة القوى العظمى .. على أن تراعي هذه الاستراتيجية مختلف جوانب الحياة بدءاً بتعزيز الهوية الوطنية الإسلامية السليمة المتفاعلة مع العالم و ليست المتصارعة معه.
بينما أشار أ. مطشر المرشد إلى أن الاتفاق بين إيران و الغرب على السماح بالتفتيش مقابل وقف العقوبات الاقتصادية؛ يعني بيع النفط الإيراني و زيادة العرض، ومن ثم تراجع أسعار النفط و التي بدأت في النزول من الآن، ما يعني بدوره الضغط على ميزانية الدول البترولية، بل أيضاً تقليص حصة المملكة في صادرات أوبك .. إذا الخيارات المتاحة مرة،،،، فلنستعد لها. وقد يتسبب هبوط أسعار النفط وتراجع فوائض دخل النفط إلى دفع القائمون على السياسة المالية / الاقتصادية في بلادنا إلى اتخاذ قرارات جريئة. وفي حال تعاملنا مع التطورات الجديدة بالشكل المطلوب بما في ذلك شد الأحزمة وتقنين المصاريف أي الابتعاد عن الهدر المالي سيجعلنا هذا قادرون على التعايش مع أسعار نفط منخفضة لفترات طويلة من الزمن .. وبنفس الوقت سيدفعنا نحو التركيز على الإسراع في تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة؛ حيث أن لدينا في بلادنا أكثر من ٧ مليون نسمه يصدرون رؤوس أموال ضخمة ، لا ينفقون داخلياً وبنفس الوقت يستفيدون من الدعم الحكومي للمياه والكهرباء والخبز الخ. وهو ما يمثل خلل اقتصادي خطير خاصة في ظل غياب خطة وطنية شاملة ( ماستر بلان ) تكون المظلة التي يتم تحتها كل القرارات والتنسيق الاقتصادي. ونوه أ. مطشر إلى أنه وفيما يتعلق بأسعار النفط سيكون تراجعها ردة فعل أولية ، ومن ثم سيدركون أن عودة الصادرات الإيرانية سيحتاج وقت ، لذلك سيتماسك سعر برنت ما بين ٥٢ دولار و ٥٨ دولار وهذا نطاق تعودت عليه أسواق الأسهم خلال الأربع أشهر الماضية .. انخفاض التداولات في سوق الأسهم سيؤدي لتراجعات طفيفة بالأسعار ، وربما تكون تداولات أغسطس نشطة بسبب تغيير المراكز بحيث يتم التحوط لتراجعات أسعار النفط أي الخروج من البتروكيماويات والانتقال لقطاعات تتأثر بنِسَب أقل جراء تراجع أسعار النفط وانخفاض الانفاق الحكومي ..قد نشهد دخول سيولة جديدة في قطاع البنك وقطاع التجزئة والخدمات .. التأثير الكبير على مؤشر الأسهم سيكون بنهاية العام مع إعلان الميزانية.
في حين لفت د. مساعد المحيا النظر إلى أنه يتنامى في هذه الأيام وجود مقالات وتحليلات سوداء فاقع لونها تقول لنا أن الأسوأ حتماً هو القادم وأن علينا فقط انتظار حدوث ذلك خلال الأيام القادمة … وبرغم أن أفق الاحتمالات ينبغي أن يكون مفتوحاً لكل شيء، وبرغم أن حجم المعلومات التي نعرفها عن واقع العلاقة وبخاصة مع أمريكا لا تتجاوز ما يبث هنا أو هناك ..إلا أننا ينبغي أن لا تسيطر علينا روح الذهول والصدمة فنتبنى الأسوأ في الطرح والتوقع ..وتلك إشكالية تقود في تقدير د. المحيا للقصور في تحليل مجريات الأحداث إذ تقوم على حجم معلومات مصدره تخمينات وتوقعات .. ويبدو أن كل الرؤى التي تقوم على تنبآت بانهيار دول الخليج وتفككها وتنامي الفوضى فيها هي أقرب لرغبويات كتاب وجهات لها مواقف سلبية من دول الخليج أكثر منها تحليل استراتيجي عميق ..يجب أن نكون أكثر ثقة بقدراتنا العسكرية والاقتصادية والثقافية ..ولا يعني ذلك اطلاقاً الركون لهذا الواقع وأنه سينجح في تجاوز التحديات بل إن الجدير بالاهتمام هنا هو أن نكون أكثر شفافية في تناول مكامن القصور .. فالمستقبل قد يكون سيئاً جداً إذا لم نعمل على صناعة واقع أفضل ومستقبل واعد يخرجنا من تلك الأزمات عبر تغييرات وكفاءات قادرة أن تتجاوز بنا تلك المحن لمكانة أفضل تفرض على الجميع بالمنطقة والعالم صوتنا ورؤيتنا.
واتفق أ. مطشر المرشد مع ذلك الطرح الذي أشار إليه د. المحيا باعتبار أننا يجب أن نثق بقدراتنا وأن لا يسيطر علينا التشاؤم والانهزامية .. ولذلك نحن بحاجة لقرارات شجاعة ومبنية على معرفة تامة بما يدور من حولنا داخلياً وعالمياً ..وما شعرنا به فور الاعلان عن انطلاقة عاصفة الحزم هو دليل على قلقنا وبنفس الوقت حاجتنا لقرارات شجاعة تعيد الثقة لنا وتعزز مكانة بلادنا.
واختتم د. عبدالسلام الوايل النقاش حول موضوع الاتفاق النووي بين إيران والغرب بقوله: نحن أمام تحديات كبيرة جداً. استجابتنا يجب أن تكون على نفس المستوى. لا نقصر عملنا على إدارة الواقع اليومي. ثمة سيناريوهات يجب أن تطرح بكل صدق و أن تناقش بكل جدية. لم يكن أحد يتصور أن يحدث ما حدث في بلاد عربية أخرى. يمكن لنا تجنب ما حصل لغيرنا. أهم شيء أن نضع تصورات للمستقبل و لا نقصر إدارتنا للشأن اليومي الحاضر الماثل أمامنا.
لكن د. علي الحكمي قال: أنا لست قلقاً من الاتفاق كذلك، بل بالعكس، هو محفز للمملكة لوضع وتنفيذ استراتيجية جديدة لتعزيز دورها الإقليمي والعالمي. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. وقد نجحت المملكة سابقاً في التعامل مع تحديات كبيرة، ولعلنا نتذكر الوضع في زخم الثورة الإيرانية في الثمانينات وأزمة الكويت وأحداث ١١ سبتمبر مثلنا مع إيران ببساطة مثل أي بلدين يتنافسان، ومن المتوقع أن يعمل كل طرف لتعزيز قدراته التنافسية. وهذا شيء طبيعي. وما يجري الآن من تصوير الاتفاق كانتصار لإيران وأنها ستكتسح المنطقة لا يخدمنا ويصب في مصلحة إيران وحلفاءها. المهم أن لا نضخم الخطر من إيران ولا نستهين به.
كما أكد د. خالد الرديعان أنه كعربي فإنه ليس قلقاً من هذا الاتفاق بعد أن تبينت معالمه. مع ملاحظة أن تضخيم خطر إيران هو المشكلة… وهو الذي قد يقودنا إلى اتخاذ قرارات خاطئة كما يقول د. علي… فلنتعامل مع الأمر بواقعية: نصلح من شأننا الداخلي دون أن نستهين بأي دولة…الاقتصاد مهم جداً والعالم يتجه نحو التنافس الاقتصادي.
واتفق أ. مطشر المرشد مع القول بأن باستطاعتنا تجاوز الصعوبات ، ولدينا الكثير من الإمكانيات لتجاوز ما نواجهه من تحديات … الأهم كيف نستفيد من تلك التجارب وما هي الإجراءات التي سنتخذها لتقوية الجبهة الداخلية اجتماعيا+ اقتصاديا/ تنمويا ؟
في حين ذهب د. مساعد المحيا إلى أننا نخطئ كثيراً حين نهون من الاتفاق بين إيران والغرب … إيران دولة ذات أهداف عقدية وتبذل الكثير من أجل تحقيق استراتيجياتها تلك …وإذا كانت خلال فترة الحصار قد حصدت كل هذا التمدد والتمكن في جغرافيا الدول العربية فكيف سيكون حالها وقد منحها الغرب ضوءاً أخضر أن تمتد يدها لتطال مالم تطله من قبل …بكل يسر وبساطة لو كان الأمر لا يدعو للقلق لماذا نحن في دول الخليج قلقون جداً ونتجه لاتخاذ سياسات مع روسيا وفرنسا والصين لخلق بعض التوازن ونشعر بالحسرة والألم … شخصياً أرى أننا نمارس عملاً كارثياً إن كنا نقنع انفسنا بأن الأمر ليس بذي خطر علينا.
أما د. محمد السلمي فأكد أن الاتفاق النووي في حد ذاته ليس خطراً ولا مشكلة بل الكل يرغب في التأكد من سلمية البرنامج الايراني. القضية الرئيسة هي ما سيمهد له الاتفاق أو مرحلة ما بعد الاتفاق. ومن هنا نحتاج أن نكون على أهبة الاستعداد لكافة السيناريوهات رغم التطمينات الامريكية التي لا يصدقها مطلقاً. الأهم كيف سنتعامل مع المستجدات لضمان مصالحنا وحماية دولنا وشعوب المنطقة. الهرولة الغربية تجاه إيران ليس بدوافع اقتصادية بحتة وإن كانت مهمة بل هناك مشاريع سياسية ستظهر في وقتها ولا اعتقد أنها بعيدة جداً.
واتفق أ. عبدالله الضويحي مع أ. مطشر في قوله: “بالرغم من أن المملكة من أكثر الدول المانحة إلا أننا لا نستفيد من ذلك والسبب يعود لتنظيمنا لهذه النشاطات وعدم تسييسها وانتقاء القائمين عليها بعناية”. وأضاف: أننا نكسب القيادات ونخسر الشعوب؛ شعوب الدول التي نقدم لها المساعدات والمنح ربما لا تعلم أننا مصدرها وربما لا تصل إليها وأكثر من يعلم عنها نحن وإعلامنا المحلي فقط.. بعد أحداث 11 سبتمبر وتحييدنا خرجنا أو تم إخراجنا من المشهد كدولة ترعى الإسلام إلى دولة ترعى الإرهاب ثم انشغلنا لنفي هذه التهمة ولم نستطع حتى الآن على حساب رعاية الإسلام وإظهار صورته الحقيقية للعالم.
وبخصوص سعي السعودية لامتلاك سلاح نووي يرى م. سالم المري أنه ومع الإقرار بأن الموضوع يحتاج وقت لكن المسألة تبدأ بامتلاك التقنية النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية وهذه ضرورية للمملكة على أية حال كمصدر مهم للطاقة بعد النفط وليس من الصعب تشغيل وإدارة هذه المحطات وفترة ال12سنة كافيه لتطوير مشروع على قدر من الأهمية. ووجود دولتين عدوتين لديهما القدرات النووية في المنطقة يحتم على المملكة تطوير برنامجاً مماثلاً لخلق شيء من التوازن والندية ويكفي الحصول على التقنية النووية المدنية ليكون هناك رادع من استخدام السلاح النووي كعامل ضغط في السياسة إذا عرف العدو إمكانية حصولنا على نفس السلاح.
أما د. فوزية أبو خالد فذهبت إلى أنها لا تعتقد بأن كل هذا الاهتمام بالموقف الأمريكي من إيران والغوص في الموقف الإيراني فقهياً وسياسياً كان يجب أن يكون على حساب مسؤولية التوقف دقيقة واحدة لقول كلمة حق في شأن الاعتقال أو التوقيف لزميل لمجرد أنه أقدم على التعبير عن رأي سواء نتفق أو نختلف مع طرحه أو حتى أسلوب الطرح طالما أنه يشهر قلماً أو مفاتيح وليس شيء آخر ، إذ النقد الوطني يكون للإصلاح حتى وإن لم يكن كل مجتهد مصيب. والشفافية هنا مبدأ يستحق ويجب الوقوف بجانبه في حق من نختلف أو نتفق معهم ومن يعجبنا أو لا يعجبنا أسلوبه طالما التزم السلمية.
وحذر د. مساعد المحيا من أن إيران قد تكون الكرباج والبعبع الذي يوظف لاستلاب واستنزاف المال الخليجي ..المؤسف أن كل الخيارات المتاحة أمام دول الخليج هي خيارات المستفيد منها الدول التي نتحالف معها .. أكثر من دول الخليج .. يبدو أننا قصرنا كثيرً في إدارة الأزمة …وعشنا على ما منحتنا إياه بعض الدول مثل فرنسا أن الاتفاق لن يتم ……!!
وشدد أ. علي عبدالله بن علي على ضرورة التريث في رد الفعل حيث يرى أن البعد عن العنتريات الإعلامية هو عين التعقل، وإذا كانت إيران وأذنابها فرحين بهذا الاتفاق الإعلامي؛ لذا فالرد يجب أن يكون فعلاً لا قولاً.
واتفق د.م. نصر الصحاف مع ذلك حيث أوضح أن الصمت التام إعلامياً في هذا الوقت مطلب مهم حتى تتبلور الرؤيا وممكن الرد لاحقاً عندما تكون الخيارات أكثر وضوحاً في ظل ما نواجهه الآن من تحديات من كل جانب.
في حين ذهب د. مساعد المحيا إلى أنه لو تأخر لما استطاع أي مسؤول أو إعلامي أو كاتب أن يعبر عن وجهة النظر التي تدعم وتعزز موقف المملكة .. وأضاف لو كان الصمت خيراً لاختارته الدول الكبرى. فنحن نتطلع إلى متحدث يومي يعبر عن موقف المملكة تجاه كل ما يحدث مما له علاقة بالمملكة.
وتساءل م. سالم المري: ألا يمكن ترويض أو الاتفاق تكتيكياً مع داعش وغيرها من المجموعات السنية الإرهابية وتلطيف خطابها ضد أمريكا و الغرب والاستفادة منها كما تفعل إيران مع المجموعات الشيعية الإرهابية مثل حزب الله والعصائب وبدر وغيرها؟ ثم التصرف معها بعد انجلاء الغمة؟ وتحجيم النفوذ الإيراني؟.
وأجاب د. مساعد المحيا بأن هذا سيكون لعب بالنار سواء لدى الغرب أم لدى الأنظمة العربية التي ستكون حينئذ متحالفة مع المنظمات الإرهابية .. ما يمكن هو احتواء الجماعات والمجموعات السنية ذات التأثير الكبير في البيئة العربية ممن لا يملكون تنظيمات مسلحة. وعلق م. سالم المري بأن المنظمات التابعة لإيران ﻻ فرق بينها وبين داعش وغيرها من التنظيمات السنية فجميعهم يؤمنون بالعنف لنشر النفوذ وقتل الخصوم طريقة للإقناع. إن غياب النفوذ العاقل على التنظيمات السنية هو ما جعلها بهذه الحدة والخطورة ونشر الفوضى في البلاد العربية ومن الحكمة أن يكون للدول الكبيرة ومرجعيات السنة مثل المملكة بعض النفوذ عليها ويمكن أن يتم ذلك بتفاهمات مع الحلفاء الغربيين.
وأضاف أ. خالد الحارثي أن تساؤل م. سالم المري قد أثار إعجابه، وذكره بمواصفات اللبنانيين مع جبهة النصرة عبر مشايخ السنة السلفية ، رغم بعض الامتعاض المقنع ولكن أزمة رهائن الجيش سهلت تطوير الوضع، في بقية الشرق الأوسط لا توجد أرضية يمكن معها التعامل مع التطرف الشيعي كبطل شعبي إلا في مناطق النفوذ الإيراني، أما التطرف السني فهو متمرد ولا مرجعية من الدول السنية تحكمه حتى في مناطق النفوذ السني ولم يتم احتواءه بنفس الشكل الذي فعلته إيران مع متطرفي الشيعة ، إيران عملت الكثير على مدى عقود لتهجين وترويض الإرهاب الشيعي لصالحها وتحت قيادتها حتى أصبح يتبع لها رسمياً وتتفاوض به دولياً ، العرب فشلوا في كل ذلك حتى خرجت داعش للوجود التي لا نعلم كيف سنتخلص منها ومتى.
وأشار د. منصور المطيري إلى أننا بحاجة إلى مراجعة التحليلات التي تناولت الاتفاق الإيراني مع الغرب.. فهناك أصوات تكتب و كأنها قبضت الثمن …روبرت فسك في الإندبندنت يكتب و كأنه مولود في طهران .. يكتب جذلان فرِحاً…و يحكم بخسارة السعودية وهزيمتها وأفول دورها بهذا الاتفاق مثله مثل عبد الباري عطوان (هناك نقاط في التحليل سليمة). وقال د.المطيري “ومع أنني كتبت بالمنتدى سابقاً أن الأيام القادمة صعبة على السعودية سياسياً حيث أن الاتفاق له ثمن سياسي قبضته إيران يتمثل في اطلاق يدها و دعمها في تحويل الأوضاع في سوريا و العراق لصالحها و صالح إسرائيل ..تكون الأوضاع في صالحها إذا تمكنت القوى الموالية لها في السيطرة مثلاً على بعض الدويلات التي ستنشأ في منطقة الشام و العراق ..و تكون في صالح إسرائيل إذا تجزأت المنطقة كما هو مخطط له و كما يطبق أمام ناظرينا الآن …طبعا أنا أرى أن إسرائيل كاذبة في دعوى عدم رضاها بالاتفاق .. هي منتشية حتى الثمالة .. وفي رأيي أن الديموقراطيين سيفوزون بالانتخابات القادمة في أمريكا بدعم من اللوبي الصهيوني و الآلة الإعلامية التي يملكونها و ذلك رغبة في ترسيخ الاتفاق و عدم نقضه ..المشكلة في نظري أصبحت عويصة جدا للمملكة لأن المشكلة تكمن في أن الفتى السيئ والكبير الأمريكي و معه الغرب عموماً قد تقدموا خطوة بهذا الاتفاق في تنفيذ مشروعهم الذي أطلقوه بعد ١١ سبتمبر و هو تسليم الحكم للأقليات غير السنية … الحل هو عدم الاستسلام مع ترجيح العمل الدبلوماسي وتقوية الذات .. الالتفات إلى صناعة القوة الذاتية في كل المجالات .. بالمناسبة أعجبني البيان السعودي بخصوص الاتفاق”.
المبحث الثالث
وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل
مشاعر فياضة في رثاء رمز من رموز الوطن:
احتلت وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في الولايات المتحدة الأمريكية مكانة بارزة في اهتمامات أعضاء منتدى أسبار خلال شهر يوليو 2015م. وفي هذا الإطار أشار د. فهد الحارثي إلى أن الكاريزما التي تمتع بها سعود الفيصل في الأوساط السياسية والدبلوماسية قلّ أن يوجد لها نظير ، شخصية مكتملة : ثقافة ، وذكاء ، وخبرة ، ووسامة ، وجاه عريق : أميرٌ جده ملك ، وأبوه ملك ، وأعمامه ملوك ، وفوق ذلك كله سلاسة وأناقة في الهيئة وفي التعبير. وقال د. الحارثي في هذا الصدد: بحكم عملي رئيسا للتحرير رافقت القيادات السعودية في زيارتهم الرسمية في الخارج ولاسيما الملك فهد والملك عبدالله ، كان سعود الفيصل في كل بلد في الدنيا هو نجم النجوم للمضيفين وللإعلاميين ولكاميرات التليفزيون ! فأما إذا تكلم فهو سيد الكلام وأميره : فكراً وعمقا ولغة.
وذكر اللواء د. سعد الشهراني ما نصه: “سعود الفيصل حتى و إن غاب عن دنيانا كان وسيبقى رمز من رموز هذا الوطن ونبراس للدبلوماسية والسياسة السعودية الخارجية. مثل سعود الفيصل هو من نفتخر به في المحافل الدولية كرمز وممثل للشخصية العربية بأنفته وحكمته وحنكته ولباقته ومصداقيته.
وقال م. حسام بحيري: “فقدنا رجل من أفضل إن لم يكون الأفضل من رجال عصره ولا يمكن تعويضه العالم العربي الآن فعلاً تغير لأنه كان قلعة عروبية تمكنت من كبح جماح الغرب ومطامعه في منطقتنا. كان يدرك نواياهم جيداً ويعرف كيف يتعامل معهم لصالح وطنا. كيف سيكون حال السياسة السعودية بعد رحيله هل ستستمر في نفس الوتيرة القوية أم سيكون هناك منهجية جديدة للتعامل مع المنطقة ومشاكلها الخطيرة. رحمة الله على فقيد الامه العربية والإسلامية الأمير سعود الفيصل”.
أما أ. عبدالله بن كدسه فعبر عن أمنيته بأن يكون الأمير سعود الفيصل رحمه الله قد كتب مذكراته أو حتى جزء منها .. فهناك مواقف وأحداث عالمية لم يطلع عليها غيره وهي رصيد خبرة تضيف للقارئ عمق أكبر في السياسة ودهاليزها.
وقالت أ. ليلى الشهراني إن رحيله موجع ، خيم الحزن على كثير من القلوب ، تناقل الناس خبر الوفاة بذهول وبعضهم حاول أن يقنع نفسه أنها لا تزال شائعة ، ليس لأن الناس مخلدون في هذه الدنيا فكلنا ميتون ، لكن لمكانة هذا الرجل رحمه الله ، سمعنا من أهالينا أن يوم وفاة الفيصل رحمه الله كان فاجعة ، واليوم يتكرر ذات الحزن بوفاة الأمير سعود ، لحق بوالده وترك ذات الأثر والحزن أيضاً.
من جانبه ذكر د. مساعد المحيا أن سعود الفيصل رحمه الله في السنوات الأخيرة هده وأعياه المرض لكنه كان يتحامل على نفسه ويتحمل أعباء السفر والاجتماعات مما لا يستطيعه رجل شاب ..كنت أشفق عليه حين يتحدث وحين يمشي .. ولا أخال أحدا تحمل كتحمله. ونوه د. المحيا إلى نعي هيئة كبار العلماء والذي تضمن الإشارة إلى أن الأمير سعود الفيصل قد كرّس حياته لخدمة قضايا الأمة المصيرية؛ ولم يدخر جهدًا في نصرة الأمة العربية والإسلامية.
أما د. الجازي الشبيكي فقالت: لم أرى تأثراً يشبه التأثر بموت ملك مثل ما رأيت من تركيز أغلب وسائل التواصل الاجتماعي والقروبات العائلية وقروبات الأصدقاء والعمل على وفاة الأمير سعود الفيصل رحمه الله. ما أعظمه من شخصية، وكم هو بالفعل فقيدة وطن وأمة بل فقيدة عالم.
وكتبت أ. هداية درويش: وداعاً لمن سكن القلوب وداعاً أيقونة الدبلوماسية وداعاً يامن حملت في وجدانك هموم لا تقوي علي حملها الجبال. ..الأمة كلها تبكي اليوم سعود الفيصل.
وقالت د. فاطمة القرني: كان سعود الفيصل أول أساتذتي في اللغة الفصحى منذ أن كنت في الابتدائي … عباراته وتعليقاته الجامعة المانعة كانت حقا وستظل من نادر (السحر الحلال).
واستكملت أ. ليلى الشهراني بقولها: أحسن الله عزاء الوطن والشعب فيه ، كانت لحظة حزينة يوم أن ترجل الفارس عن كرسي الوزارة ، واليوم يودعنا. وقالت د. سامية العمودي: فقد الوطن أحد رموزه التي من الصعب أن تتكرر رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
ملامح من نجاحات سعود الفيصل:
أوضح أ. عبدالله بن كدسه أنه حينما نسترجع نجاحات المرحوم بإذن الله سعود الفيصل ، نجد أن في كل عهد له بصمة .. لكن يبدو أن أبرزها كان في عهد الملك فهد رحمه الله .. اتفاق الطائف و التكتل العربي في حرب الخليج .. الخروج من مأزق ١١/٩ وغيرها من المواقف.
ومن زاوية مختلفة أشاد أ. يحيي الأمير بدبلوماسية الأمير سعود الفيصل والتي واجهت كل تحركات إيران في المنطقة، كما عاصر الأمير سعود الفيصل مختلف الأحداث التي مرت بالعالم والمنطقة .. كان قادراً على تغيير مواقف العالم بما يلبي مصالح بلاده: حرب الخليج، احتلال العراق ، أحداث ما يسمى الربيع العربي وغيرها كثير. وأضاف أ. عبدالله الضويحي: أيضا لا ننسى أنه عاصر عدد كبير من الرؤساء الأمريكيين منهم: (كارتر، ريجان، بوش الأب، كلينتون، بوش الإبن، أوباما)، ورؤساء سوفييت، كما عاصر فترة تفكك دول المعسكر الشرقي.
بينما أكد أ. خالد الحارثي أن الرجل ليس في حاجة لأي مبالغة في التفخيم فهو فخم من طراز عالي رفيع جوهراً وعملاً ومسيرة وسمعة ، اختاره الله في يوم تعرض فيه الأعمال على الله وليلة جمعة وعشر أواخر من رمضان ، وقلوب تلهج بالدعاء له وأفئدة تحبه ، عفيف عن أموال الناس وعن أذاهم والإضرار بهم ، متفان متقن مخلص محترف مستميت يحمل مبادئ تنوء بمفتاحها العصبة أولوا القوة ، ويستحق عن جدارة كل إشادة وتأبين ومدح.
متي كان يغضب سعود الفيصل؟
ذكر السفير. أسامة نقلي حواراً دار بينه وبين أحد الصحفيين عندما سأله ؛ متى كان يغضب سعود الفيصل ؟ فأجابه ؛ إن من أهم صفات وزير الخارجية ، أن يكون هادئاً متزناً في كل الأوقات ، ولا يدع مشاعره الشخصية تتحكم في انفعالاته ، حتى يستطيع التفكير بكل موضوعية .. سعود الفيصل كان من بين القلائل الذين يجيدون القيام بهذا الدور وبامتياز ، حتى أنني كنت أخال غضبه مقنن يهدف إلى خدمة هدف محدد ، لذلك وجدناه دائماً ينتفض عند المساس بالمملكة أو القضايا العربية والإسلامية ، إلى الدرجة التي تجعل الخصوم يتراجعون. وذكر السفير. أسامة نقلي ما نصه: “كنت أقول للأمير سعود الفيصل رحمه الله ؛ هذا الأمر من الصعب قوله أو التصريح به، وكان يجيب ؛ لا يوجد مالا يمكن قوله إذا احسنت اختيار الكلمات والعبارات المناسبة للموقف ، ولا تنسى أن هدفك الاقناع وليس استعداء الآخرين”.
وأضاف د. فهد العرابي الحارثي عن غضب سعود الفيصل، ومن ذلك ما شهدنا كلنا في شرم الشيخ عندما انبرى للمشاركة الروسية فقال فيها وفي الموقف الروسي مما يجري في سوريا ماهي قمينة به من التقريع . فالدبلوماسية ليست سائغة في كل حين ! والمجاملات غير مرغوبة في كل وقت . وعندما جيء بروسيا الى المؤتمر لم يكن لهذا التصرف إلا شخص بحجم سعود الفيصل. وأضاف د. الحارثي : سمعنا عن مواقف كثيرة له مع بشار الأسد في لقاءاتهما وجها لوجه إلى درجة أن فقد الود بينهما ، لم تكن تروق لسعود فيصل تصرفات بشار، وكان يرى فيه أنه ولد باطش ومتغطرس ولا يفهم في السياسة . وصل هذا إلى درجة القطيعة فكان يقوم بالمهمات الدبلوماسية مع بشار غير سعود الفيصل، ثم بعد الثورة كان الفيصل أشرس خصوم الأسد في كل المحافل.
وقال د. عبدالرحمن الهدلق: من الذكريات مع سموه في هذا السياق؛ كنت معه ضمن وفد نخبوي في زيارة أحد الدول الكبرى فغاب وزير خارجية تلك الدولة فجأة لظرف ما وأناب وكيلاً عنه من وزارة الخارجية بمرتبة وزير فتحركت العزة السعودية عند سموه رحمه الله وأناب السفير السعودي عنه في الاجتماع.
وفاة سعود الفيصل وقصور أداء إعلامنا المحلي:
علق م. حسام بحيري على تناول الصحافة المحلية للحدث بقوله: للأسف مثل هذه الأحداث المهمة تفضح مدى سطحية وضحالة الصحافة المحلية؛ لأنهم في الغالبية مجرد أقلام تغرد في سرب واحد موجه. في الصحافة الغربية حدث كبير مثل وفاة رجل دولة من وزن الأمير الراحل له أسلوب محترف في التعامل معه ويبرز عندهم فن كتابة ال obituaries وهي مهمة جداً لأنهم يؤرخون في عقلية القارئ كيف سيذكر هذا الشخص ولماذا؟.
وعقب أ. مسفر الموسى بأن العمل الصحافي يتطلب: أولاً: مركز متخصص للمعلومات، وثانياً صحافي نبيه يجيد صناعة الفكرة وفرز المعلومات وتحليلها؛ عدا ذلك.. سنظل نحتفل بأن سعود الفيصل خريج جامعة أمريكية في البكالوريوس.. ويجيد اللغة العبرية.. فلا يوجد صحيفة سعودية أو قناة تلفزيونية سعودية لديها مركزاً للمعلومات بكل ما يعنيه هذا المركز حسب الأعراف الصحافية العالمية… فيما عدا صحيفة الوطن.. وللأسف أهمل هذا المركز حتى تحول إلى مكتب أرشيف متواضع، إن صحافة البيانات هي البنية التحتية لأي مؤسسة إعلامية.. وبدونها ستكون الصحيفة بمثابة العربة التي تلحق بالحصان (المجتمع).
تكريم سعود الفيصل: هل ثمة مقترحات عملية؟
أوضح اللواء د. سعد الشهراني أن سعود الفيصل يستحق أن يكرم بكل ما يليق به و بخدمته لوطنه وربما أن أقلها تسمية معهد الدراسات الدبلوماسية باسمه فضلاً عن تدريس أسلوبه في الدبلوماسية في مقررات المعهد”. وأيد د. محمد السلمي تسمية المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية باسم “مركز سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية” أو شيء من ذلك باعتبار أن الأهم تخليد اسمه في مؤسسة متعلقة بالسياسة.
مذكرات سعود الفيصل ضرورة ملحة … وأسبار تتبنى الفكرة:
أشار أ.د. عبدالرحمن العناد إلى أن أصعب شيء هو كتابة سيرة مفصلة لقامة مثل سعود الفيصل… والأفضل اختصارها في القول بأنه: عمل في كل شيء وشارك في كل شيء له علاقة بصناعة السياسة السعودية والعربية والعالمية خلال 40 عاماً. وعلق د. خالد الرديعان بقوله: إن عدم كتابة المذكرات يعد أحد المآخذ على الساسة العرب وقد يفهم ذلك بسبب سرية المعلومات أو حساسيتها ومن ثم يفضل الدبلوماسي عدم تدوين أي شيء…هنا تشتغل تخرصات وتكهنات بعض الكتاب لتدوين ما يمكن تدوينه أو شرحه.. واقترح د. الرديعان استكتاب كل من له تجربة مع الراحل وإصدار كتاب مشترك يحرره شخص واحد. وأوضح د. حمد الماجد أن كتابة المذكرات يحتم أن يكتب المسؤول كل شيء كما يفعل الغربيون وهذا مستحيل في عالمنا الثالث أو لا يكتبون أي شيء وهذا الخيار الاريح والأقل وجعاً للرأس ولهذا فقدنا كنوزاً من التاريخ ووري الثرى مع رجالات الدولة الذين فقدناهم وفقدنا مذكراتهم.
وفي السياق ذاته أشار د. حمد الماجد إلى مقالته بعنوان: “مذكرات سعود الفيصل” والتي أورد فيها أن مذكرات سعود الفيصل هو في الحقيقة عنوان لأمنية كبيرة تليق بهذا الوزير “الأربعيني” من عمره الدبلوماسي الطويل رحمه الله ، أربعون سنة في خارجية بلد محوري سياسياً ودينياً واقتصادياً ، كل يوم أمضاه هذا “الفلتة السياسية” في العمل الدبلوماسي يستحق مقالة وكل شهر يستحق كتاباً وكل سنة مجلد.. أين هي خلاصة تجربته وعصارة خبرته وموجز محطاته الدبلوماسية؟ أين هي الأحداث التي لم ترصدها كاميرا ولا غطتها صحيفة ولا نقلها مذياع؟ أين هي نقاط التماس الساخنة التي واجهها رحمه الله من خلال محادثاته حول الملفات الخارجية الشائكة؟ أين هي قراءته للأحداث السياسية المفصلية وفق قواعد الرصد التاريخي وليس من خلال بروتوكولات المؤتمرات الصحفية التي تطغى عليها اللغة الدبلوماسية “أن تتكلم ساعات ولا تقول شيئاً”؟، أين ما دار خلف الكواليس في لقاءاته بزعماء العالم عربهم وعجمهم؟ علاقته بمدرسة فيصل السياسية، كيف نشأت وترعرعت؟ وأين حواراته معه، ومع الملوك الثلاثة الذين عاصرهم؟ رحمهم الله جميعاً، هذا الإرث التاريخي المعرفي الضخم يستحقه تاريخ الرجل وتستحقه الأجيال ويستحقه كيان الوطن وتاريخه ويستحقه الباحثون وكل المؤسسات المتخصصة. إن أمنية كتابة المذكرات تنسحب على كل الرموز السياسية والعلمية والشرعية والفكرية والتعليمية والاقتصادية، والحيثيات والمبررات هي ذاتها التي تم الإشارة إليها آنفا في الحديث عن الأمير سعود الفيصل رحمه الله، فلا تزال مذكرات المسؤولين المؤثرين نادرة واستثناءات كتلك التي كتبها الدكتور غازي القصيبي رحمه الله “حياة في الإدارة” و “الوزير المرافق” وإن لم تكن كتلك المذكرات التي كتبها المسؤولون الغربيون من حيث ثراء المعلومة وكميتها. واللافت فيما كتبه غازي القصيبي أنه حاول أن يكسر الحاجز النفسي والتحفظ الشديد والمحاذير بأنواعها التي تتغشى المسؤول وتشغل هاجسه، ومع ذلك لم يسلم كتابه “حياة في الإدارة” من عقبات هذه المحاذير فمنع كتابه فترة من الزمن حتى قال ذات مرة : أنه يكاد يكون السفير الوحيد الذي تمنع بعض كتبه من التداول في بلاده، ثم فسح الكتاب، وهذا الفسح فسح لغير القصيبي أن يكتب المذكرات ويكسر بعض الحواجز التي صنعتها الرقابة الذاتية.
وأكد د. الماجد أنه يدرك جيداً أن صناعة المذكرات في عالمنا العربي لا يمكن أن تكون ما بين غمضة عين وانتباهتها كتلك التي ينشرها الغربيون، والفرق هنا كالفارق الحضاري الكبير بيننا وبينهم ، وندرك أيضاً أن بعض المحاذير التي تمنع نشر كل شيء وأي شيء منطقية وواقعية، فبعض الأحداث والحوارات وما يدور خلف الكواليس فيها درجة عالية من الخصوصية والحساسية المجتمعية أو السياسية أو الدينية، وحتى الغربيون الذين كتبوا مذكراتهم يستحيل أن يكتبوا أي شيء، فهذه الحكومات الغربية، وعلى الرغم من سقف الحريات الرفيع، تتحفظ على كثير من الوثائق التاريخية إلا بعد مرور عشرين عاماً أو أكثر، وبعضها يتحفظ عليها حتى بعد مرور هذه المدة إذا كان لها تأثير على الأمن القومي ومصالح البلاد العليا. كل هذا مفهوم، لكن هذه المحاذير السياسية والدينية والمجتمعية يجب ألا تجعل رموزنا الوطنية السياسية والدينية والفكرية بين خياري الأسود والأبيض، إما أن يكتبوا كل شيء أو لا يكتبون أي شيء، بل هناك منزلة بين هاتين المنزلتين ، منزلة وسطية تجعل المسؤول والمفكر والعالم يكتب مراعياً للمحاذير لكن مع شيء من الجرأة “المعقولة”، مثلما فعل غازي القصيبي رحمه الله. كما يجب التأكيد على ضرورة الكتابة والتدوين حتى لا يدفن مع رموزنا الوطنية إرثاً تاريخياً مهماً كذاك الإرث الذي دفن مع الرمز السياسي الكبير الأمير سعود الفيصل رحمه الله، وقبله كثير من رموز الوطن.
وأشار د. فهد العرابي الحارثي إلى أنه وفيما يتعلق بالمقترحات التي طرحت حول ما يمكن تقديمه فيما يخص الفقيد الكبير الأمير سعود الفيصل ، فإن مركز أسبار سيتبنى أي فكرة يراها أعضاء المنتدى في هذا الأمر وفي غيره.. فقط المطلوب أن تكون الفكرة من الأصالة والابداع بما يرقى إلى المستوى المنتظر من النخبة داخل المنتدى وخارجه. ومن جانبه نوه السفير. أسامة نقلي إلى أنه فعلاً بصدد كتابة مؤلف عن تجربته الشخصية مع الراحل سعود الفيصل رحمه الله ، وهي تجربة ثرية بكل ما تحمله من معان ، ولكن الأمر يحتاج بعض الوقت.
وفي جميع الأحوال يبقى مهماً كما أوضح د. نجيب غلاب أن يتم تقديم قراءة للسياسة الخارجية السعودية خلال أربعين سنة وفق مناهج مختلفة ودور وزير الخارجية وعلاقته بالقائد بما يؤرخ للسياسة الخارجية السعودية وكيفية تعاملها مع مختلف القضايا لتكون الدراسة تأسيس التقاليد التي حكمتها والتحولات في مسارها خلال هذه العقود الأربعة وهذا مهم لاستشراف مستقبل السياسية الخارجية في ظل هذه التحولات والدراسة مهمة في فهم ديناميكية الوزير وتعامله مع المتغيرات. وبالإمكان وضع مناهج معروفة أو بناء منهج متعدد الأبعاد بما يؤرخ لمرحلة مهمة ويكشف تفاعلات السياسة الخارجية بما يسهم في تدعيم الرؤية المستقبلية للسياسة الخارجية السعودية في ظل مخاطر وتحديات كثيرة. ومن المهم الاعتماد على خطابات الملوك والوزير وتحليلها ومن خلال مناهج متعارف عليها في دراسة السياسة الخارجية.
المبحث الرابع
الأيديولوجيا والأدلجة: إشكالات مفاهيمية
الأيديولوجيا: نحو فهم محدد لدلالة المفهوم:
فيما يخص موضوع الأيديولوجيا والأدلجة فقد تعددت المشاركات الفكرية لأعضاء المنتدى. ويبدو من الملائم البدء بمفهوم الأيديولوجيا ذاته؛ حيث ذهب د. فايز الشهري إلى القول بأنه وبحسب قاموس المعاني فإن الأيديولوجيا هي بمثابة طريقه التفكير المميز لفرد أو جماعة أو ثقافة فكر؛ عقيدة؛ أما وضع النظريات الأيدولوجية فتتعلق بمجموعه نظامية من المفاهيم في موضوع الحياة أو الثقافة البشرية. بينما أشار د. عبدالرحمن الهدلق إلى أن هناك في الواقع عدة تعريفات لمصطلح الأيديولوجيا والذي يعني في معناه المباشر (علم الأفكار) حيث إنها تنقسم إلى كلمة Idea وكلمة ology أي علم … ومن أنسب التعريفات التي يمكن التطرق إليها:
- Ideology كلمة انجليزية معناها الحرفي “عقائد”، وتعريفها بالإنجليزية: منظومة التصورات والاعتقادات والنظريات التي تبنى عليها حياة الأفراد والمجتمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- نظام من الأفكار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفلسفية والفنية والدينية التي تعكس علاقات المجتمع البشري التي تحددها المصالح المتضاربة في ذلك المجتمع. فهي ناتج عملية تكوين نسق فكري عام يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد، ويحدد موقف فكري معين يربط الأفكار في مختلف الميادين الفكرية والسياسية والأخلاقية والفلسفية.
- كما يعرف (Macridis:4:1980) الأيديولوجيا: بأنها “نظام متكامل من الأفكار والمعتقدات التي نتمكن من خلالها من فهم العالم الخارجي بل ونتصوف من منطلق ما نملك من معلومات. إنها الوسيلة التي نحاول من خلالها فهم العالم الخارجي. أكثر من ذلك تعتبر الأيديولوجيات دافعاً للفعل، وذلك لأن الأفراد أو الجماعات التي تشترك في إطار أيديولوجي واحد تتأثر بذلك الإطار لتعمل في انسجام لإنجاز أعمال تم تحديدها سلفاً.
وأوضح د. منصور المطيري أن من أضفى على الأيديولوجيا معناً سلبياً هم الماركسيون لأنهم يعتقدون أن العقائد تستخدم في الإضرار بالإنسان فهي أداة الطبقة المسيطرة لإخضاع الطبقات المستغلَّة و استغلالها .. و لكن هذا المعنى السلبي شاع بعد ذلك و استخدم ضد الماركسيين و الاشتراكيين بشكل عام لسيطرة نظرية واحدة على عقولهم و هي فرضية صراع الطبقات.
ولفت أ. خالد الحارثي النظر إلى أن مفردة أيديولوجيا وتصريفاتها المختلفة تطرح حسب السياق فنقول أن رمزية العلم السعودي للمسلمين في أنحاء العلم نابعة من الأيديولوجيا ، وهذا ما يجعل غير المسلم لا تتحرك عاطفته بالحنين أو الأماني لرؤية العلم فهو لا يتذكر الحج والعمرة والزيارة النبوية ، وتأتي في سياق تعليق منهجي على المغالطات المنطقية (logical fallacies) عندما يعترض أحد برأي فقهي أو تقاليدي في نقاش علمي أو ثقافي ، أو عندما تصنف المفردات بشكل متناقض كأن تقابل مفردة علماني بسلبية ويطلب في نفس الوقت إيجابية لمفردة الأيديولوجي.
من جانبه أشار د. عبدالسلام الوايل إلى أن مفهوم الأيديولوجيا تطور كثيراً منذ إطلاقه قبل ما يزيد عن القرن و نصف. في البداية و على يد ماركس كان المصطلح و صمياً خالصاً. متأدلج = يزيف الوعي أو وعيه هو زائف. مع الزمن تطور. لينين حول الماركسية إلى أيديولوجيا. فكما أن للرأسماليين الليبرالية كأيديولوجيا، نحن لنا الماركسية كأيديولوجيا. على يد منهايم صارت الأيديولوجيا مرادفة للتبرير.
الأدلجة والمؤدلجون: مغالطات التوظيف السلبي للمفهومين:
أوضح أ. خالد الحارثي أن المؤدلج ذلك الذي يبالغ في تفسيرات الإنسان والكون والحياة من منظور أيدولوجيته ويسقط ذلك المفهوم على الآخرين ، وهذا عكس أن ينظر للإنسان والكون والحياة من منظور أيدولوجيته دون إسقاطات ، والأيديولوجيا دون خلاف هي الفكر الذي يتبعه أحد ما ، لكنها تتحول إلى آلة حرب إذا تمثلت الإسقاط على البشر ، فتبدأ المجازر والقتل على الهوية الفكرية/ الأيدولوجية. ويعتقد أ. خالد أن التأدلج أصبح مفهوم قديم من القرن التاسع عشر أمام الحداثة ، فالكاتب المؤدلج أو المتأدلج هو شخص عنصري في نظره ، أصبحت المعرفة متاحة للجميع وبقاء أحد تحت خيمة أيديولوجيا مثير للريبة.
ويرى د. خالد الرديعان أن المؤدلج هو المتحيز كذلك ومن يحاول فرض وجهة نظره واستبعاد وجهات نظر الآخرين مهما كانت وجيهة ومفيدة.. الإسلامي مؤدلج واليساري والليبرالي كذلك والمشكلة تكمن عندما يرى كل منهم أنه هو الصحيح وغيره لا يفهم… وتصبح المشكلة أكثر وضوحاً عند التطبيق وذلك عندما يفرض الإسلامي مثلاً توجهه دون أخذ أفكار الآخرين بالاعتبار.
أما د. فهد العرابي الحارثي فطرح فكرة أن العقيدة هي البصيرة أما الأيديولوجيا فهي العمى…و المؤدلج هو الأعمى الذي لا يرى على الحق سواه ….والمؤدلج هو الذي لا يسمع سوى صوته ، ولا يريد أن يرى الناس إلا ما يرى هو.. أما صاحب العقيدة المبصر فهو المؤمن الحق .. فلا يشوبه أي هوى أو حسابات من أي نوع. وبقول آخر: هناك مؤمن مبصر يبتغي الحق ومرضاة الله و هناك مؤدلج أعمى لا يبتغي إلا تحقيق أهدافه هو ، وهو يسقطها على مقولات الحق كلما أراد…هذا هو الفرق بين صاحب العقيدة الدينية المؤمن ، وذاك المؤدلج المناضل الذي يريد إعادة الخلق على صورته. فالأيديولوجيا هي العقيدة ( أيا كانت هذه العقيدة ) زائد العمى والتعصب والهيمنة وتوسّل النقاء والطهر و ادعاء حيازة كل الحلول. ولفت د. فهد الحارثي النظر إلى أنه ثمة خلط بين الأدلجة والانتماء المنهجي إلى ثقافة أو دين.. فإذا كان كل من ينتمي إلى ثقافة أو فكر أو دين مؤدلج فإن البشرية على مرّ التاريخ كلها مؤدلجة ، وبالتالي لا يصبح للأدلجة أي معنى. وهناك خلط كذلك بين الإصدار عن مكونات وموحيات والهامات ثقافية معينة وبين ادعاءات الموضوعية وعدمها فلا مكان للحديث عن الحياد أو الموضوعية هنا أو في مكان.
وأوضح د. فايز الشهري أن الملتزم = من الزم نفسه، والمتعصب = من الزم نفسه ومحيطه، بينما المؤدلج = من حول منهجه إلى برنامج عمل. في حين ذكر أ. مسفر الموسى أن الأحكام المسبقة هي صفة المؤدلجين.. وهذه الصفة تتعارض مع قواعد المنهج العلمي. وعلى سبيل المثال فإن كل كتاباتنا عن تأنيث المحلات النسائية لم يكتبها اقتصاديون أو مهتمون بقضايا البطالة.. كتبها المؤدلجون فقط.
ويرى د. منصور المطيري أنه لا يخلو إنسان من عقيدة أو نظام مترابط من الأفكار يوجهه و يشكل رؤاه .. و العيب حينما يكون هذا النظام المترابط خطأ لا يطابق الواقع و لا يستطيع المؤدلج رؤية الخطأ فيه و يستمر في النظر من خلال هذا المنظار المغشوش .. ومن ناحية أخرى قد تكون الأيديولوجية خاصة و ليست عامة .. بمعنى أن فكرة معينة تحكم النظرة إلى أمر معين .. مثل : الاعتقاد أن قيادة المرأة للسيارة تؤدي إلى العلاقات المحرمة ثم الحكم على هذه المسألة من خلال هذا المنظار … أو الاعتقاد أن ناصر القصبي يقوم بدور إصلاحي فأحكم على ما يعمل من هذا المنظار .. دون اعتبار لجوانب الواقع المتشعبة و المختلفة في الموضوعين.
ويعتقد د. مساعد المحيا أن توظيفنا إعلامياً وثقافياً لمصطلح الأدلجة في الاتجاه السلبي هو الذي جعلها تهمة يرغب هذا أو ذاك أن لا تلصق به. لكن من حيث الواقع الرجل المؤدلج هو الذي ينتمي لعقيدته وتتشكل رؤاه وفقا لتراكماته الثقافية ومعاييره التي ارتضاها له منهجا للحياة سواء صرح بذلك أم لم يصرح وسواء علم بكل ذلك أم لم يعلم وسواء قبل بذلك أم لم يقبل .. وعليه فالأدلجة سمة كل مثقف ومفكر لكن التوظيفات السلبية لها جعلت البعض يخالها سلبية فعلاً … وعموماً لا مشاحة في الإصلاح إذا كان القصد هو أن لا نكون متطرفين في النسق الذي نعبر فيه عن رؤانا الفكرية. لكن كثيراً ما يستخدم مصطلح الأدلجة في وصف الآخرين بغرض التشويه والاقصاء .. واستخدام هذا الوصف برأيه هو هروب من استخدام أوصاف أكثر واقعية؛ فبدلاً من أن اقول لك أنك ملتزم أو محافظ استخدم لفظ الأدلجة لبعده الاقصائي ولكي أوهم نفسي بأني أنعتك بما أحب لا بما تحب. ويعتقد د. المحيا أعتقد أن كل الليبراليين واليساريين مؤدلجون حتى النخاع.
وذهب د. عبدالرحمن الهدلق إلى أن المؤدلج هو جزء من جماعة تحمل مجموعة من المعتقدات تحدد فهمه لواقع الحياة. وأشار د. علي الحكمي إلى أنه وبحكم تخصصه في علم نفس التفكير واتخاذ القرار، يستطيع القول بأن الإنسان لا يمكن أن يصدر قراراً ما لا يتأثر فيه بمشاعره وأفكاره المسبقة، ولكن يختلف الناس في درجة تأثرهم ووفقاً للوضع الذي يكونون فيه. الوحيد الذي “يفكر” دون مشاعر هو الحاسب الآلي.
وأوضح د. عبدالسلام الوايل أن أصحاب السلطة هم المتأدلجون لأنهم يبررون الواقع، أياً كانوا رأسماليين أو اشتراكيين. تحول المصطلح لرؤية للعالم. لذا من الطريف رؤية كاتب يصف إسلامي بأنه متأدلج. لا أحد غير متأدلج. و عليه، من حق القراء على الكاتب أن يعلن تحيزاته وأيديولوجيته كي يدرك القارئ منطلقات أحكامه و كنه مقاييسه التي يستخدمها لمقاربة الواقع.
وعلقت د. فاطمة القرني على ما ذكره أ.مسفر بقولها أن المعضلة تتمثل في تلازمية .. مؤدلج = متدين…والعكس.. هذا ما يقرره الليبراليون والعلمانيون ضد أي طرح أو فكرة يرفضونها من الجهة المقابلة لا يفرقون في ذلك بين داعشي غوي وبين وسطي معتدل.. ويصرون وهم يكرسون لهذه الممارسة أن لا أدلجة مسبقة تسير أفكارهم وتبنى في ضوئها أحكامهم !!
وأشار أ. عبدالله الضويحي إلى أن كل البرامج الحوارية لا تستقطب إلا التيارين المتقابلين أيديولوجيا ..ذلك لأنهم يبحثون عن الإثارة ولا يبحثون عن الحلول.
الأدلجة وإشكالية التحيز / الموضوعية
أكد د. عبدالسلام الوايل أن إعلان ليس فقط الكاتب بل و حتى الباحث منطلقاته و تحيزاته حق للقارئ من ناحية و أداة لمراقبة الباحث والكاتب لنفسه و لما يكتب مما يساعد في تقليل تحيزاته… فالموضوعية خرافة. لكن إعلان التحيز و نوعيته يساعد على تقليل أثره. أما كتمه والتحدث باسم الموضوعية يفاقم المشكلة.
في حين يرى أ. خالد الحارثي أن الحياد والموضوعية في المناهج هو الفرق بين الصح والخطأ ، أما التأثر بالمعتقد أو بالاختيارات والتفضيلات في الحياة فهذا طبيعي في الرأي وليس في العلم والصح والخطأ ، المؤدلج هو الذي يتبع المغالطات ويحترفها بقصد أو بغير قصد حتى تذهب فائدة الطرح والتحديث وكل ما يعارض رؤيته للكون والحياة التي لا يرى غيرها ولا يريد لغيره أن يرى غيرها. هناك مستويان للمفاهيم ، المستوى المطلق كأن نقول الأيديولوجيا هي كل ما يحمله الانسان من أفكار وتجارب وقراءات وميول واتجاهات في وعي وذاكرة الانسان. وهذا استخدام محصور على المناهج وعلى المستوى الفلسفي. والمستوى النسبي مثل النقاش الحالي كأن نقول تأثير الأيديولوجيا على الموضوع الفلاني والعلاني ، وأيدولوجيته تملي عليه كذا وكذا ، أما الخلط بين المفاهيم المطلقة وبين التحليل للوقائع والأحداث والسلوك والشخصيات فهو لبس يعتري الحوارات وهنا لابد من الانتباه حتى لا تختلط الأوراق.
وأوضح د. فهد العرابي الحارثي أن الباحث عندما يكون مؤدلجاً يفقد منهجيته ؛ فليس من الصحيح أن يقال يجب على الباحث أن يعلن عن أيديولوجيته لتفهم أدواته ، لأن الصحيح منهجياً هو أنه عندما يضع قبعة الباحث ينبغي أن يتخلى تماماً عن أيديولوجيته فهي ستضلله ، وبالتالي سيضللنا. مع الوضع في الاعتبار أن التخلي عن الأيديولوجيا ليس التخلي عن الدين. ذلكم مفهوم خاطئ تماماً. فالدين ليس الأيديولوجيا. وأشار د. الحارثي إلى أنه يتردد كثيراً في تسمية الليبرالية الفكرية بالأيديولوجيا .. لأن مبادئ الليبرالية غير منسجمة مع شروط وظروف الأيديولوجيا بل تكاد تناقضها. الأيديولوجيا تنطبق على الشيوعية والاشتراكية والديمقراطية المسيحية ..الليبرالية حركة أكثر منها إيديولوجيا.
وذهب د. منصور المطيري إلى أن الأيديولوجيا ترجمها بعضهم بالمذهبية ..و هي واسعة .. منها ما يعاب و ينتقد صاحبها و هي تلك الفكرة الخاطئة المسيطرة على رؤية الفرد أو الباحث .. فإذا نوقش أو تولى تحليل أمر ما ردك إلى هذه الفكرة الخاطئة .. هذا الخطأ يكون في العادة عويص و صعب الاكتشاف و إلا لما تحول إلى فكرة مسيطرة .. والتطرف عين الأيديولوجيا لاعتماده على فكرة خطأ سواء كانت دينية أو سياسية .. كفكرة التكفير أو فكرة التخوين .. و هي عادة تُبنى على موقف معين من حدث أو اتجاه أو سياسة موجودة على أرض الواقع .. هذه الفكرة تحكم موقف الفرد تجاه الواقع ..و الإسلامي السياسي موقفه طبيعي جداً إلا إذا تبنى أيديولوجيا خاطئة تحكمت في مواقفه مثل القاعدة.
وأكدت أ. فاطمة الشريف أن الأنظمة المتطرفة كداعش وغيرها فيما يخص بنيتها الأيديولوجية الفكرية والفقهية، وما انبثق عنها من سلوك دموي؛ جاء في السياق الراهن، وليس خارجا عنه. فأفكار هذا التنظيم منبثقة من ميراث فقهي، تاريخي، وخطاب ثقافي، مدعوم، ومتداول، يقوم على منطق عدم الاعتراف بالتعددية السياسية والحزبية والطائفية والدينية، وتكفير أو تخوين وتضليل المخالف في الرأي. أي: ثقافة أحادية الجانب، سلطوية.
ولخص د. خالد الرديعان ما تقدم بقوله أن المؤدلج هو شخص ينتمي إلى مدرسة واحدة لا يحيد عنها سواء كانت دين أو غيره ومن ثم يحاول أن يسقط مفاهيمها على كل شيء في الحياة بصرف النظر عن صحتها أو خطأها دون النظر إلى الخيارات والمدارس الأخرى التي قد يستفيد منها.
بينما أوضح اللواء د. سعد الشهراني أن المشكلة تكمن في المتطرف عندما يكون صوته عالياً و هو في الأقلية الاجتماعية يميناً أو يساراً. مثل هذا المؤدلج يريد أن يدخلنا جميعاً في جحر ضبه و بفوقية زائفة وكأنه الأكثر وعياً و (مفهومية) و نحن مريدون تابعون.. ففي مجتمعنا المسلم يجب أن تسود الوسطية بكل معانيها.. أما أصحاب الاستقطاب الفكري والأيديولوجي و الأصوات العالية في الطرفين يعدون على الأصابع وأحياناً يتراشقون بأقذع التهم و الأوصاف وعن بعد وليس على المنابر الاجتماعية معاً. الأخطر أنهم يستعدون المجتمع والدولة على بعضهم بتلك الأوصاف والتهم. والخشية من أن المجتمع و الدولة ( يتفرجون ) عليهم ولسان الحال يقول بلهجة أهل الشام فرج الله كربهم: فخار يكسر بعضه. إذا كانت اللغة موضوعية غير اتهامية جاذبة لا منفرة فإن هؤلاء المؤدلجين يمكن أن يكونوا أدوات إصلاح فاعلة فلديهم أفكار ورؤى متقدمة تنشد التغيير لها مكانها و يجب أن يحظوا بالاحترام والتشجيع من المجتمع والدولة و النخب وقادة الرأي. ولكن عليهم أن يدركوا أن هناك وعياً اجتماعياً قد يكون ضعيفاً ومستعصياً في حالات كثيرة إلا أنه يتنامى وهذا يمثل حصانة قوية ضد الأدلجة المتطرفة. والغريب أن هؤلاء المتطرفين المؤدلجين سياسياً يستعدوننا على أنفسنا ويستقطبون ويصنفون ويوزعون التهم ويثيرون قضايا حساسة كأنهم الأجرأ و الأشجع والأفهم و الأقدر والحقيقة أن بعضاً منهم ومن أفكارهم تتسبب في فتن لا قبل للمجتمع والدولة بها. وإذا قبلنا مصطلح الأدلجة بمعناه السياسي أي التطرف الفكري المسيس فإننا نقول بأنه يمثل الخطوة المتقدمة والحجر الأساس المسوغ للعنف والإرهاب وزعزعة المجتمع. ولا يعني هذا بالضرورة مصادرة حق هؤلاء او المناداة بأي إقصاء. المطلوب أن يتواضع هؤلاء قليلاً ويقدموا آراءهم للمجتمع بلغة راقية مهما كانت هذه الآراء إلا أن تكون خارجة عن ثوابت الدين أو أن تكون مهددة لأمننا الوطني أو كياننا السياسي فدون ذلك خرط القتال. و لذلك فإن عليهم أن يكونوا معنا وفي وسطنا لا فوقنا بزيف فكري أو سياسي فالأغلبية الصامتة لم تعد صامتة. هناك عودة وعي إذا استعرنا عنوان توفيق الحكيم.
واتفق د. مساعد المحيا مع ما ذكره د سعد وأضاف أن التطرف هو المنبوذ وهو المصطلح الأنسب في التعامل مع كثير من القضايا …لكن استخدام مصطلح الأدلجة والصاقه بطيف معين هو أحد مشكلاتنا الفكرية …إذ ينزع البعض إلى الاعتقاد بأن رؤيته المتحررة من القيم والأخلاق – والحديث هنا عام – هي المنهج الذي يجب أن يسير عليه الناس وحتى يقنع الآخرين يستخدم استراتيجية الاتهام بالأدلجة إذ هو توظيف سلبي يبتغي إقناع الآخر بأنه هو من يملك المشروع الأصلح والأصح. وفي هذا السياق يشير د. المحيا إلى مقولة كلينتون “أن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري وأننا نستشعر أن علينا التزاماً مقدساً لتحويل العالم لصورتنا ” ولذا يستخدم الأمريكيون مصطلح الإرهاب كثيرا لإقصاء مشروعات سياسية وثقافية تتباين مع مشروعهم الثقافي والسياسي.
المبحث الخامس
التحرش الجنسي بالمرأة
مدخل ورؤية عامة:
طرح د. خالد الرديعان ورقة عمل حول التحرش الجنسي بالمرأة. واستهلها بتعريف التحرش باعتباره شكل من أشكال العنف الموجه للمرأة وأنه يزداد في البيئات الاجتماعية التي يغلب عليها النزعة الذكورية والمجتمعات التي تهمش المرأة… واجرائياً يمكن القول أن التحرش هو: “سلوك ذو طبيعة جنسية يجعل المرأة تشعر بعدم الأمان ويشمل اللفظي والبدني ولغة جسد ( ايماءات) تحمل مضامين جنسية.. وقد ظهر لاحقاً ما يسمى الابتزاز حيث تكون تقنيات التواصل أداة مهمة في ممارسته”.
وأشار د. الرديعان إلى أن الظاهرة عموماً عالمية ولسنا استثناء ففي الولايات المتحدة ٤٢٪ من النساء تم التحرش بهن.. وفي مسح آخر ٣٧٪ حسب دراسة أعدتها لجنة نظام الجدارة والاستحقاق (عبادة، ٢٠٠٨). وفي دراسة إسرائيلية أجرتها سلطة رفع مكانة المرأة على ٦٠٠ سيدة عاملة تبين أن نحو ٣٥٪ تعرضن للتحرش على يد المسؤول المباشر في العمل و٢١٪ على أيدي مسؤولين كبار. وفي دراسة مصرية (فرج؛ ٢٠٠٤) أوضحت النتائج أن زهاء ٦٨٪ من النساء العاملات تعرضن للتحرش في محيط العمل. وفي دراسة أردنية (إسلام اون لاين) بينت النتائج أن نحو ٣٣٪ تعرضن لتحرش لفظي و٢٤٪ لتحرش جسدي أو لمس أجزاء من الجسد. وتبلغ النسبة عموماً في اليابان ٣٥٪ ما يؤكد أن الظاهرة عالمية. وفي دراسة محلية (رسالة ماجستير) أعدتها نورة سعيد الزهراني (١٤٣5) على ٢٠٠ سيدة في مدينة الرياض ممن يترددن على الأماكن العامة فقد تبين أن التحرش بالمرأة مستشري.. ولغرض تعريف التحرش اجرائياً فقد قسمته الباحثة إلى خمسة أنماط شائعة على النحو التالي:
- ألفاظ غزل وإطراء.
- محاولة ترقيم (أخذ رقم التلفون).
- النظر والتحديق بشدة.
- تعبيرات جنسية عدوانية.
- لمس أجزاء من الجسد.
وقد بينت نتائج الباحثة ما يلي:
- ٩٢٪ من العينة قلن أن التحرش بازدياد في مجتمعنا مقارنة بما كان الحال عليه قبل عدة سنوات.
- ٧٨٪ تعرضن للتحرش الجنسي.
وبخصوص أنواع التحرش تبين أن ٨٨٪ من النسبة السابقة تعرضن لتحرش لفظي و ١٢٪ تعرضن لتحرش جسدي. وبسؤالهن عن عدد مرات التحرش خلال سنة فإنهن قلن:
- من ١-٤ مرات ٤٧٪
- من ٥-٨ مرات ٢٠٪
- اكثر من ٩ مرات ٣٢٪
وقد أشار٦٠٪ من العينة أن ما تعرضن له سبب لهن أضرار نفسية. وعند السؤال من هي التي يتم التحرش بها فإن المبحوثات قلن أن: ٣٨٪ المتبرجة هي فقط من تتعرض للتحرش مقابل ٥٧٪ قلن أن المتبرجة وغير المتبرجة تتعرض للتحرش. وبسؤالهن من تحرش بكن فقد جاءت إجابتهن على النحو التالي:
- ٥٢٪ تحرش بهن ذكور
- ٥٪ تحرش بهن اناث
- ٤٣٪ تعرضن للتحرش من كلا الجنسين
أما أماكن التحرش فقد جاءت وفق الترتيب التالي:
- الأسواق
- المستشفيات والعيادات
- وسائل المواصلات (السائق والمارة)
- الحدائق العامة
- أمام المدارس والجامعات
- المصاعد
- أماكن العمل المختلطةً
- أماكن ممارسة الرياضة كالممشى العام
ولمعرفة الأسباب التي تدفع بالمتحرش لممارسة التحرش:
- خروج المرأة بمفردها
- طريقة الكلام ونبرة الصوت
- وجودها في مكان منعزل
- التبرج وعدم احتشام الملبس
ولمعرفة أسباب زيادة وتيرة التحرش فقد أفادت المبحوثات أن هناك عدة أسباب وهي على الترتيب التالي:
- غياب القانون الرادع.
- الملابس التي تظهر مفاتن الجسد.
- الماكياج الصارخ.
- الاختلاط بين الجنسين.
- جرأة الفتاة في الحديث.
- تأثير وسائل الاعلام.
وقد انتهت الدراسة إلى عدد من التوصيات كان أهمها: ضرورة إصدار نظام يمنع التحرش أو يحد منه، وتمكين المرأة من تقديم الشكوى للجهات المختصة.
وعقب د. عبدالرحمن الهدلق بأن مركز الحوار الوطني عمل دراسة شبيهة بهذه الدراسة لكنها اشمل حيث كانت العينة أكبر وكذلك المجال المكاني أوسع شاملة جميع مناطق المملكة. ووجدت تقارب بين الدراستين بشأن أهم الأسباب ولعلي أطرح ملخص للدراسة لتعم الفائدة ونتوصل لفهم أشمل لهذه الظاهرة المزعجة. وأظهرت هذه الدراسة الحديثة التي قام بها مركز الحوار الوطني أن 91 % من المشاركين فيها يرون أن ضعف الوازع الديني هو أحد الأسباب الرئيسة للتحرش الجنسي في المجتمع، وأن 76% من المشاركين يرون أن عدم وجود الأنظمة التي تحد من التحرش يؤدي إلى ازدياد الحالات في المجتمع، وأنه ليس هناك عقوبة تعزيرية منصوص عليها وواضحة تحدد مقدار عقاب أو جزاء كل تصرف أو سلوك خاطئ قد يلحق الضرر بالآخرين. كما تم تحديد مفهوم التحرش الجنسي في هذه الدراسة: على أنه أي عمل أو سلوك أو نشاط أو قول أو فعل واعٍ ومقصود يتم بأساليب سماعية، بصرية، رمزية، أو جسدية بهدف الإثارة الجنسية. وشملت الدراسة (992) شخصاً من الذكور والإناث يمثلون عينة عشوائية ممثلة للعمر والجنس والموقع الجغرافي من المواطنين من جميع مناطق المملكة وعددها 13 منطقة، وكانت نسبة هامش الخطأ في هذا الاستطلاع (±2.3) وعند مستوى ثقة (95%)، وبلغت نسبة الذكور المشاركين في الدراسة (47.7 %)، في حين بلغت نسبة الإناث (52.3 %)، وتم إجراء الدراسة للفئات العمرية من سن 18 فما فوق.
وفيما يخص نتائج هذه الدراسة ذكر د. الهدلق أنها أوضحت أن المجتمع السعودي يرى أن ضعف آلية تطبيق العقوبة تزيد من حالات التحرش، لا سيما عند عدم وجود نص شرعي صريح يحدد حجم ومقدار الجزاء لكل حالة، إضافةً إلى التداخلات أو الصلح قبل وصول القضية إلى محيط المحكمة، وحول رأي العينة المشاركة بأن “عدم تطبيق الأنظمة أدى إلى التحرش الجنسي”، كانت نسبة المؤيدين لهذه العبارة (80.8 %)، في حين أن نسبة (12.8 %) لا تؤيدها، كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن نسبة (85.5 %) من أفراد العينة ترى أن تعمد بعض الفتيات الإثارة وإبداء الزينة يساهم مساهمة رئيسة في ازدياد حالات التحرش الجنسي، وكذلك تعتقد نسبة (80.6 %) من المشاركين والمشاركات في الدراسة أن ضعف المسؤولية الاجتماعية تجاه أفراد المجتمع بعضهم نحو بعض ساهم مساهمة كبيرة في ظهور حالات التحرش. وأفادت نتائج الدراسة أن نسبة (75.2 %) من السعوديين يرون أن ضعف التوعية في الأماكن العامة له دور كبير في ظهور حالات التحرش، ويتجلى ذلك واضحاً في ندرة وجود لافتات في الأماكن العامة، كالأسواق، والحدائق، والمتنزهات، وأماكن الاحتفالات، تثقف المجتمع حول السلوكيات الخاطئة، والأنظمة المتعلقة بحقوق الآخرين، أو السلوك العام، والعقوبات التعزيرية في حق المخالفين، وتحمل المجتمع مسؤوليته للإبلاغ عن أي سلوكيات خاطئة لا مسؤولة من قبل بعض الشبان أو الفتيات.
التحرش الجنسي: إشكالية المفهوم:
عقب د. عبدالسلام الوايل على ما طرحة د. الرديعان بقوله: فيما يخص دراسة نورة الزهراني، يتبين اختلاف ثقافي في تعريف التحرش إجرائياً. فقد أدخل فيه الغزل. فيما لا يعد الغزل تحرشاً في بيئات أخرى مادام أنه لم يصل لكلمات نابية أو مضايقة و تكرار الكلام. أيضاً يتضح أن المبحوثات ينطوين على ذات المنظور المحافظ: المرأة المتبرجة سبب للتحرش. و عموماً ربما يعد ضعف تجسد الدولة الحديثة كمحتكر للعنف و فارض للقانون هو الفارق بين المجتمعات التي تأمن المرأة على نفسها في الفضاءات العامة أياً كان مظهرها و بين تلك التي لا توفر هذا الأمن.
وعلق د. مساعد المحيا على تعقيب د عبد السلام الوايل حيث يرى أن الاختلاف الثقافي طبيعته ومفهومه ومحدداته جوانب لابد من الاهتمام بها في أي دراسة تتناول العلاقة بين الرجل والمرأة بما في ذلك التحرش … حيث يلاحظ مثلاً في الغرب أن الزنا ليس جريمة حين يتراضى الطرفان لكن أن يحاول شاب أن يقبل فتاة عنوة يعد تحرشاً يعاقب عليه القانون ..بينما في بيئتنا المسلمة تترتب أحكام شديدة من أهمها حد الزنا وهو مائة جلدة ولا تأخذكم بالزاني والزانية رأفة في دين الله في حين أن من يتحرش بفتاة ستلقى عقوبة تعزيرية في كل الأحوال ستكون أقل من عقوبة الزنى.
وعقب د. علي الحكمي على ما طرحه د. خالد الرديعان في ورقته حول التحرش الجنسي بالمرأة، وانطلق في ذلك من أن د. خالد وضع تعريفاً محدداً للتحرش وهو أنه سلوك ذو طبيعة جنسية يجعل المرأة تشعر بعدم الأمان.. ولكن بعض التعليقات خلطت بين التحرش الجنسي وترجمته Sexual Harassment و Sexual Abuseو Bullying أو التنمر، وهذا الخلط غير صحيح لا من الناحية العلمية ولا القانونية، فتحرير المصطلح مهم.
وعلق د. عبدالرحمن الهدلق على رأى د. على بتعريف التحرش الجنسي على أنه أي عمل أو سلوك أو نشاط أو قول أو فعل واعٍ ومقصود يتم بأساليب سماعية، بصرية، رمزية، أو جسدية بهدف الإثارة الجنسية. واعتبر د. علي، أن هذا التعريف جيد لكن مع الوقوف عند جسدية؛ فلا داعي لذكر الهدف لأنه حدد التحرش في الإثارة الجنسية… يجب أن يكون السلوك ذو طبيعة جنسية، وحتى يكون هناك تحديد أفضل عن الموضوع نقول “التحرش الجنسي” وليس فقط التحرش لأن التحرش الجنسي هو أحد أنواع التحرش.
وأضاف د. منصور المطيري أن التحرش الجنسي مفردة حديثة و هي ترجمة لما ذكره د. علي (sexual harassment ). الفقهاء المسلمون يُدخلون كل ما يتعلق بعناصر هذا الموضوع تحت (الحفاظ على العرض) .. و هذه المحافظة يجب أن تصدر من الشخص نفسه و من أهله .. و يشمل هذا الموضوع المراودة الذي يكون بأسلوب فيه تلطف و لا يصاحبه تخويف و لا تعدي ولا تهديد .. و معرفة نظرة الشرع لهذا الموضوع ضرورية لتحديده وسن العقوبات المناسبة له.. لأن عقوبة التحرش الجنسي تعزيرية أي غير مقدرة و غير محددة .. و يميل د. منصور إلى ضرورة وجود عنصر القصد و العمد الذي أشار إليه الدكتور عبدالرحمن الهدلق .. و في نفس الوقت لا يتفق مع العنصر الذي جاء في التعريف الذي أورده د. علي ( unwelcome sexual advances ) بل أي تحرش جنسي و لو كان مرحباً به من الطرفين أو أحدهما، و يمكن للشهود أن يثبتوه يدخل في التحرش.. وأضاف د. منصور تعريفاً للتحرش الجنسي مضمونه ما يلي: (أقوال أو أفعال أو إيماءات تحمل دلالات جنسية تصدر من أشخاص راشدين على وجه الإغواء أو الإغراء أو التهديد بقصد استمالة الآخرين لممارسة الزنا معهم أو مقدماته).. و في هذا الجانب يجب أن لا تترك هذه الأقوال و الأفعال و الإيماءات مجالاً لحملها على غير التحرش .. كأن يسئ المزاح مع زميلته كما حصل في بعض المستشفيات..
من جانبه علق د. خالد الرديعان على ما طرحه د علي بقوله: لنخرج التنمر من الموضوع لأنه يرتبط بالمدارس أو تسلط التلاميذ الأقوياء على الأضعف بنية وهو معروف وسبق الكتابة عنه…أما sexual abuse فهو أبعد من التحرش ويتجاوزه إلى ممارسة الجنس بعدة طرق.. في حين أن التحرش الجنسي أقل من ذلك وإن كان يشمل لمس أجزاء من جسد الضحية.. ومن ثم يرى د. الرديعان أن ما طرحه الدكتور عبدالرحمن الهدلق مناسب جداً كتعريف.. وأضاف Bullying التنمر وهي بالإنجليزية مستمدة من كلمة Bull أو ثور وتعني الاستقواء على الأضعف.
كذلك علق د. الرديعان على ما أشار إليه د. عبدالسلام من أن الغزل والإطراء لا يدخل ضمن التحرش الجنسي… باعتبار أن هذا الرأي وجيه بالطبع لكن لمجتمعنا خصوصية تجعل هذا السلوك إذا ورد من غريب نوعاً من التحرش.
إحصائيات التحرش: تهويل أم تهوين؟
ذهب د. منصور المطيري إلى أن هناك نقطة لم يستطع استيعابها أبداً و هي القول بأن ٧٨٪ من النساء يتعرضن للتحرش .. حيث يرى أن الدراسة التي تقول هذا فيها عيب منهجي لا شك و لا ريب لأننا نحن ممن يغشى الأسواق و الحدائق و الأماكن العامة عموماً و نلاحظ مثل ما يلاحظ الآخرون .. حالات التحرش قليلة و مستنكرة من الناس لا يمكن أن تصل إلى هذه النسبة و لا نصفها و لا ربعها .. التحرش موجود لا أحد ينكره لكن القضية التي استنكرها هي النسبة المذكورة إذا كان القصد تعميمها .. فربما نفكر في قبولها نوعاً ما إذا قيل إن هذه العينة لفتيات يغشين شارع التحلية ليلة الجمعة بعد الساعة الحادية عشر مساءً .. أو لفتيات يترددن على أسواق الراشد في الظهران مساء الخميس في المساء أيضاً .. ربما تكفى في هاتين الحالتين ٤٠٪ مثلاً .. لكن في الأسواق العامة و المستشفيات تصل قرابة ثمانين بالمائة هذا أمر مستغرب.
وفي تعليقه ذكر أ. عبدالله الضويحي أن ما تضمنته ورقة د. خالد من إحصائيات تؤكد أن الوضع قد تجاوز المقبول ومن ثم لا بد من إيجاد حل ناجع له. ولاحظ أ. عبدالله أن الدراسة تشير إلى أن التحرش يزداد في الأماكن العامة وتراجع الاختلاط إلى المركز السابع وهو ما يتناقض مع ما يروجه البعض عن الاختلاط كسبب رئيس. كما أشارت الدراسة إلى أن المرأة تدفع نفسها للتحرش بتبرجها ويعتقد أن بعضهن بقصد والبعض الآخر لا تدرك أن ذلك يعرضها له وهذه ليست مشكلتها وإنما مشكلة المجتمع والرجل فالله سبحانه وتعالى يقول ( وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) فبدأ بالرجل قبل المرأة. أيضاً فإن 93% ممن يتعرضن للتحرش لا يبلغن أوليائهن خوفاً من الفضيحة (حلقة سيلفي) وهذه مشكلة نتيجة مجتمع ذكوري لا يثق بالفتاة ولأن ( أخاها ) وهم الأكثر من الآباء في تهمتها يدخلون الأسواق وربما يتحرشون فيعتقدون أن البنات كلهن كذلك.
وعلق أ. عبدالله أيضاً على دراسة مركز الحوار التي أشار لها د. الهدلق 91% بسبب الوازع الديني؛ حيث يرى أن مشكلتنا تعليق كل شيء على الدين فنحن لسنا مجتمعاً ملائكياً وهل نريد المجتمع كله ملتزماً دينياً وحتى هؤلاء هناك من يتحرش وإن كانوا قلة التحرش يرتبط بأمور أخرى غير الدين. أما إشارة أ. مسفر إلى ارتكاب بعض المتزوجين للتحرش فربما يكمن التفسير في طريقة زواجهم التقليدي أو علاقتهم الزوجية … إلخ. ونقطة أخرى حول التبرج ففي فترة سابقة كان البعض يعتبر النقاب وعباءة الكتف تبرجاً ولا بد من تغطية الوجه وعباء الرأس ..الآن هل يعنبر هذا تبرجا !؟
وعقب د. منصور المطيري بقوله صدق الله سبحانه و تعالى .. و كذب من يقول غير هذا (و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ).. عندما تنتكس الفطرة يفقد الإنسان القدرة على الحكم على الأمور بشكل سليم و تختلط عليه بحيث لا يستطيع أن يفرق بين الصالح و الفاسد ..ففي مناظرة تلفزيونية بين مجموعة من الشاذين و بين من يعارض الشذوذ .. لم يستطع المعارضون إقناع و لا هزيمة الشاذين بخطأ تصرفهم.. بل استطاع الشاذون إقناع الحضور بصواب رأيهم و ظهر ذلك من خلال تصويت الحاضرين … ما كان حاضراً ليس العقل و لا المصلحة .. الحاضر كان الشهوة و كان الذهن الذي يأبى الاعتراف بالضار و النافع.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أن هناك جانب ثقافي- اجتماعي لمفهوم العورة وما يمكن إبرازه من جسم المرأة وما يلزم إخفاءه ونجد ذلك واضحاً في المجتمع الهندي على سبيل المثال فظهور ساق المرأة أو الفخذ عندهم عورة لكن إظهار جزء من البطن وأسفل الظهر يعد أمر عادي جداً…ما يعني أن هناك محددات ثقافية إضافة إلى المحددات الدينية.
ونوهت د. سامية العمودي إلى أن هناك ملاحظة على الإحصائيات حيث إن هناك ثقافة العيب السائدة وهناك ثقافة التعتيم لذلك تؤخذ أرقامنا بحذر نتيجة لعدم توثيق جميع الحالات رغم كثرتها.
وعقب د. خالد الرديعان على ما ذكرته د سامية حيث أوضح أنه تبين في دراسة أجريت في تونس على بعض المعنفات أسرياً أن ٤٪ فقط منهن تقدمن بشكوى رسمية في حين أحجمت الباقيات عن التقدم بشكوى.. هذا يعني عدم الركون إلى الاحصاءات الخاصة بالتحرش والعنف فهناك ما يسمى بالأرقام السوداء.. وكل ما يمكن الحصول عليه هو تقديرات.
وأورد د. عبدالرحمن الهدلق نقلاً عن أحد المصادر أن إحصائيات حديثة كشفت عن تسجيل السعودية 2797 قضية تحرش جنسي في مناطقها كافة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي دعا ملتقى الشباب بمنطقة مكة المكرمة بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى تنظيم حملة “أهلي أهلك”، والتي تهدف إلى التوعية بخطورة التحرش الجنسي. ووفقاً لما أوضحه المشرف العام على الإعلام الجديد لملتقى الشباب، أنس الغامدي، فإن حملة “أهلي أهلك” لاقت صدى وتفاعلاً كبيراً في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، إذ استقبل هاشتاق الحملة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” مشاركات عدة من قبل المغردين. بدوره، أوضح مدير الشؤون الميدانية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة جدة، سليمان علو، أنه سعيد جداً لمشاركتهم مع شباب الملتقى في إطلاق هذه الحملة، لا سيما أنها تصب في خدمة الوطن وصالح المواطنين والمقيمين، مؤكداً أن جهاز الهيئة على استعداد تام للمشاركة في الفعاليات المقبلة. وأضاف أن التحرش الجنسي همٌّ اجتماعي يتطلب من جميع أفراد المجتمع العمل بكل الوسائل التي تخلصنا منها. وأشار علو إلى أن أعضاء الهيئة يهدفون أثناء جولاتهم إلى مخالطة الشباب، ومعرفة همومهم، وتوجيههم بالأسلوب والتعامل الذي يتواكب مع فئاتهم العمرية وطرق تفكيرهم. من ناحية أخرى، أكد المشرف العام على أصدقاء ملتقى الشباب بمنطقة مكة المكرمة يوسف الزايدي، أن الحملة تستقبل حلولاً من المشاركين لمعالجة المشكلات على موقعها الإلكتروني، إذ سينال أصحاب أفضل أربعة حلول جوائز قيمة، مع تطبيق أفضل حل لكل محور بالتعاون مع الجهات المعنية.
وعلق د. خالد بن دهيش بأنه كان يتمني لو أن دراسة الباحثة الأستاذة نوره الزهراني ، اشتملت على عمل مقارنة بين الدراسات التي استعرضتها الدراسة عن ظاهرة التحرش في تلك الدول ودراستها عن مدينة الرياض ، لمعرفة أين نحن من تلك الدول ؟ وماهي الحلول التي اتخذوها لمعالجة هذه الظاهرة ؟ وهل لديهم قانون لمكافحة التحرش؟
في حين وجدت د. الجازي الشبيكي أن الملفت للنظر في موضوع الدراسة التي استند اليها د. خالد الرديعان أن هناك نسب غير قليلة من التحرش الجنسي في الدول الغربية المتحررة غير المنغلقة مع أن د. خالد بدأ طرحه بقوله أن التحرش يزداد عادة في المجتمعات التي يغلب عليها النزعة الذكورية والمجتمعات التي تهمش المرأة. والذي تميل إليه د. الجازي في موضوع ظاهرة التحرش الجنسي ، أن غريزة الميل نحو الطرف الآخر غريزة طبيعية هذبتها ونظمتها الأديان السماوية بعلاقة الزواج لكن حدوث الانحرافات عن الطريق السوي في العلاقة بين الرجل والمرأة ومنها التحرش الجنسي تعود لعوامل اجتماعية متعددة ، منها التنشئة الاجتماعية المُتسمة بالازدواجية لدى بعض الأسر التي لا تُعير اهتماماً لقيام أبنائها الذكور بالتحرش بالفتيات والنساء الأخريات بينما لا تقبله على الإطلاق على بناتهن ونسائهن. العامل الثاني ويتمثل في الفصل الحاد المُبالغ فيه بين النساء والرجال في المجتمع. أما العامل الثالث فيدور حول غياب القوانين الرادعة بالإضافة إلى عامل التحدي وإثبات الرجولة لدى بعض المراهقين من خلال القيام بالتحرش.
وعلق د. خالد الرديعان على ما ذكرته د الجازي بقوله: في المجتمعات الشرقية عموماً والعربية على وجه الخصوص يتم تشيئ المرأة واختزالها كوعاء جنسي.. وقد تكون هذه الصورة السلبية للمرأة هي ما تدفع الشاب لمعاكسة المرأة ومحاولة الايقاع بها… هو يراها هكذا.. وفي أفضل الأحوال تختزل وظيفة المرأة في الانجاب وهي بالتأكيد نظرة غير صحيحة وتتنافى مع نظرة الاسلام للمرأة التي كرمها… البعض لا يزال يقول “حرمة” ويتبعها بعبارة “أعزك الله”. فهل لذلك دلالة سوى القول بأن الثقافة تشيئ المرأة وتجعلها في مرتبة متدنية للغاية. وأضاف أن وقائع التحرش الجنسي في مانهاتن على سبيل المثال والموجودة عبر اليوتيوب توضح أن المشكلة عالمية كذلك. هذا لا يعني أنه لا يوجد قوانين رادعة في تلك الدول فهناك دائماً من يكسرون القوانين… وأي سيدة في تلك المجتمعات تتقدم بشكوى فسيتم التعامل معها وإنصافها حتى لو كان رئيس الدولة كما في حادثة مونيكا لوينسكي والرئيس كلينتون، وكذلك الرئيس الإسرائيلي كاتساف الذي تمت إدانته بالتحرش الجنسي بموظفة عملت في مكتبه… ما يبقى مطلباً أساسياً هو تحديد مفهوم التحرش الجنسي إجرائياً وعمل عقوبات مناسبة لمرتكبيه تحمي المرأة في الفضاء العام وفي أماكن العمل حتى نساعدها على أداء دورها بشكل يحفظ كرامتها ويحد من تسلط الرجل عليها ومعاملتها بصورة غير إنسانية.
وعلق د. عبدالله الحمود على وقائع التحرش في مانهاتن بقول: “القانون في أمريكا شيء.. والقانون في منهاتن شيء آخر.. منهاتن تعاني إشكالات هي أقرب للعالم الثالث منها لأمريكا”.
وذكرت أ. مها عقيل أن التحرش الجنسي يحصل في كل بلد سواء في الغرب أو الهند أو مصر وغيرهم من الدول لعدة أسباب تم ذكرها هنا وهناك أسباب تخص مجتمعنا. المهم كيف يتم التعامل مع القضايا والحالات التي يتم التبليغ عنها ومؤكد أن ما خفي كان أعظم. علينا أن نناقش الموضوع بجدية وشفافية على أعلى مستوى والتعلم من تجارب الدول الأخرى والأخذ بما نجح ويتماشى مع ديننا ونظامنا ومجتمعنا.
الأسباب والعوامل المؤثرة: رؤية تحليلية:
اعتبرت د. فاطمة القرني أن في الدراسة التي تضمنت ورقة د. الرديعان ملخصاً لها الكثير مما يستحق التوقف؛ إلا أن هناك مسألة لافتة تتعلق بانقطاع الصلة إلى حد كبير بين أسباب وعوامل نشوء هذه الظاهرة والتوصيات التي انتهت إليها الدراسة ولعل اختصار العرض وراء سقوط تلك التوصيات دون قصد… فقد طرح في مجلس الشورى موضوع إصدار قانون العقوبات الخاص بالتحرش وكنت ولم أزل ممن أيدوا إجراء كهذا.
وترى أ. فاطمة الشريف أن أسباب التحرش الجنسي تنقسم الى:
- أسباب تتعلق بالمتحرش نفسه ( سنه، صفاته، تعليمه ).
- أسباب تتعلق بالأهل ( كالوضع الأسري والعلاقات فيها ونمط التربية ).
أما أ. خالد الوابل فقد ذهب إلى أن الملفت في موضوع التحرش الجنسي أن غالبية الدراسات تعزو التحرش الجنسي إلى:
- ضعف الوازع الديني
- تعمد بعض الفتيات الإثارة و إبداء الزينة
- ضعف آلية تطبيق العقوبة
وهذه الأسباب تتناقض تماماً مع الوضع السائد والمعروف عن مجتمعنا بأنه مجتمع متدين ومحافظ والمرأة محتشمة وما عرف عن قضاءنا في قسوة العقوبات؛ وقال أ. خالد أنه لا يفهم كيف تأتي السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً في نسبة التحرش وهي أعلى بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والسويد وألمانيا “دراسة رويتر”، رغم تحررها وضعف وربما غياب الوازع الديني. كما أننا نتحدث عن الوازع الديني رغم كثافة الخطاب الديني ،وإبداء الزينة للفتاة رغم العباءات…فهل فعلاً المجتمع المنغلق مجتمع منافق؟ وقد يكون من المنطق ما أشار إليه خبراء علم النفس أن تكون مشاعر الغطرسة والفوقية التي تربى عليها الذكور في عالمنا العربي والنظرة الدونية للمرأة واحد من هذه الأسباب؛ كما أشاروا إلى أن كلفة عدم الاختلاط بدورها جاءت بنتيجة عكسية باعتبارها تغرس في نفوس الذكور الفضول وتجعل تصرفاتهم في كثير من الأحيان مطبوعة بالخشونة والغلظة في التعامل مع الجنس الناعم وهو ما يدفعهم إلى الإقدام على التحرش.
وذكرت د. سامية العمودي أنه وبحكم عملها في المجال الطبي تلاحظ تردد بعض الحالات التي تحرش بها شخص من الأقارب أو المحارم لكن ثقافة العيب عندنا تطغى بشكل غريب.. بل إن إحدى الحالات كان الأخ يعتدي فيها ويتحرش بأخته واتضح أن الأم تعرف بالأمر وعند سؤالها كان ردها أفضل من أن يفضحنا مع الأخرين جواب تقشعر له الأبدان. ويضاف لذلك من المشاهدات العملية التحرش بالمعاقات وهذه حالات كثيرة؛ فإحدى الأمهات كانت تعاني وقالت أن حياتها انتهت مسجونة معها لا تستطيع الخروج إلا بها كونها تخاف عليها من جميع من في البيت. وانتهت د. سامية إلى أن الجرعة الدينية عندنا هشة تعتمد كم جزءاً حفظت من القرآن لا كم فهمت وكم تدبرت. أيضاً يلعب الكبت والحرمان دوراً مهما في بروز السلوكيات المنحرفة. كما تلعب النظرة الدونية للمرأة وكذلك عندما يأمن المتحرش أن لا نظام ولا عقوبة في زيادة وتيرة التحرش والانحرافات الأخلاقية. من المهم جداً الوقاية بتثقيف الصغار وبناء شجاعة المواجهة وإعطاؤهم الأمان حتى يتحدثوا معنا بدون خوف من العقاب.
ومن جانبه أوضح أ. خالد الحارثي أن لديه تساؤلات أكثر من إجابات ويود طرحها ؛ فمع هذه النسب العالية ما علاقة الوازع الديني في مجتمع متدين أعداد المآذن تقارب أعداد المنازل ، ودلالة القيمة الكبرى للدين في المجتمع ، هل هذا يبحث ويناقش مستوى تدين المجتمع في السلوك المدني (الاختلاط)، أو مقدار الاعتبار للقيم الدينية في السلوك الفردي والاجتماعي الذي تمثل في الظاهرة؟ بمعنى هل هناك علاقة بين تعريف السلوك ومقابلة ضده؟ وهل توجد أهمية لبحث سيكولوجية السلوك وفهمها ودراستها جيداً ، وهل يمكن تصنيفه نمطياً لترصده إجراءات الضبط قبل حدوث الأذى؟
ولفت نظر د. مساعد المحيا استغراب البعض من أن يكون أحد أسباب التحرش هو ضعف الوازع الديني، ففي رأيه أن الشخص الذي يتحرش بامرأة وهو في لحظة التحرش لا يخاف الله أو يتقيه، وأشار هنا إلى قول المصطفى لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن بمعنى أن من يرتكب مثل هذا الفعل تهبط درجة الايمان عنده لحظة الزنا إلى درجة الصفر .. فهو في لحظة ارتكابه ذلك تنتفي منه صفة الايمان ثم بعد ذلك قد يؤوب ويتوب ويستغفر ..كما أن البعض يستغرب من وجود ضعف الوازع مع كثرة المواعظ في مجتمعنا ولا نعرف لم الاستغراب فمن المؤكد أن الضعف موجود لدى من يقوم بمثل تلك الأخطاء وواضح أنه لا يمكن أن يصنف من الذين يستفيدون من تلك المواعظ.
واتفق د. علي الحكمي مع د. مساعد في أن الوازع الديني يعد من أهم العوامل التي تمنع الشخص من الإقدام على أي سلوك محرم مثل التحرش الجنسي وغيره. ويكفي أن من أهم آثار الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. إن هناك انفصام بين العبادات والأخلاق لدى الكثيرين. وهذا بسبب تركيز التربية على العبادات والعقائد وإهمال الجانب السلوكي والأخلاقي. فأصبح تأثيرهما على حياتنا ضعيف جداً.. وحتى في تربيتنا لأبنائنا وبناتنا نركز على الشكل ونهمل المضمون. نهمل قيم مثل الأمانة والصدق والإخلاص التي هي أساس العبادات والمعاملات. فأصبح بعض الأبناء يتظاهرون شكلاً أمام آبائهم وأمهاتهم اتقاءً لانتقادهم، وعندما لا يكونوا موجودين يتحولون لشخصيات أخرى. نحن أحياناً نعزز بهذه الممارسة الازدواجية في الشخصية لديهم.
كذلك فقد أيد أ. عبدالله آل حامد ما يتعلق بدور الوازع الديني وتعميق مخافة الله من الوقوع في مثل هذا الجرم ولكنه اهتم بالتأكيد على أن المصاهرة بين القيم الدينية والعادات الاجتماعية والأعراف القبلية قد تقود لإنسان مثالي ليس له وجود ومن ثم توسيع رقعة العوالم السفلية في مجتمعاتنا.
وأكد أ.د. عبدالرحمن العناد على ضرورة التفريق بين الغزل والتحرش وكذلك التفريق بين التحرش خارج المنزل وداخل المنزل فالأخير يدخل في باب الإيذاء الاسري ومنه الاعتداء أو الاستغلال (وليس التحرش) الجنسي وهو ما يشمله نظام الحماية من الايذاء ولائحته التنفيذية. ومن المهم البحث في أسباب عدم التزامنا سلوكيا بالدين …. والنظر في التنشئة الفوقية للذكور والدونية للإناث كأحد أهم العوامل المشجعة على الافتراس (مفهوم الذئب والطريدة). كما لا يخفى أن العنف الأسري أيضاً لا يعد تحرشاً … ولا زنا المحارم فذلك جريمة واعتداء وليس تحرشاً.
وأشار د. مسفر السلولي أنه لعل من المناسب عند مناقشة موضوع التحرش ومقارنة سلوك هذا المجتمع (المتدين ظاهرياً) بالمجتمعات الأخرى أن نبتعد عن المجتمعات الغربية التي تشرعن الصداقات وغيرها. الدافع للتحرش في كل الأحوال هو الغريزة الجنسية، وبالتالي الشاب الغربي الذي لديه صديقة منذ المرحلة الثانوية وغريزته الجنسية مشبعة من غير المرجح أن يتحرش بأي فتاة. في مجتمعنا – وهذا لم يتضح من الدراسات التي تم التطرق لها- ويرى د. مسفر أن أكثر المتحرشين هم فئة الشباب غير المتزوج (غير المحصن) ولا يستبعد أن يكون عدد من المتحرشين متزوجين أيضاً. كما أن الأسباب المؤدية للتحرش والتي ذكرت في الدراسة ركزت على المظاهر مثل التبرج، المكياج، أن تكون المرأة لوحدها وغيرها ولم تتطرق لدور الأسرة والتربية وزرع قيم الانضباط في الأبناء.
وافتتح د. زياد الدريس تعقيبه بقوله: مصادفة ظريفة حقاً أن أنتهي الآن فقط من مشاهدة الفيلم المصري الذائع (٦٧٨) المخصص لظاهرة التحرش الجنسي في مصر ثم أفتح المنتدى بعد انقطاع فأجد أول رسالة تواجهني فيه ورقة د. خالد الشاملة عن التحرش الجنسي. أما تعليقي فهو أني أخشى أن نستهلك وقتنا وجهدنا في تقاذف كرة الاتهام بين توجهاتنا المختلفة كما فعلنا عند مناقشة ظاهرة التطرّف : سيجعل البعض الوازع الديني هو المشكلة وهو الحل ولا حل سواه، آخرون سيضعون اللوم على أسباب اجتماعية بحتة لا علاقة لها بالمكون الديني، فئة ثالثة سترجع المشكلة إلى غياب القوانين والتشريعات الصارمة والرادعة. والواقع أنه ومن خلال ما أشارت إليه ورقة د. الرديعان والبحوث والدراسات الأخرى التي أشير إليها في ثنايا التعليقات يتضح لنا أن التحرش الجنسي ظاهرة عالمية موجودة في مختلف أنواع الدول والمجتمعات ؛ المحافظة والليبرالية .. الدينية والمدنية .. المنضبطة والفوضوية (في السعودية وإيران ومصر وأمريكا وفرنسا واليابان). ما يمكّننا من استنباط التالي:
- ليس التدين ( الحشمة ) أو نقص التدين ( التبرج ) هو السبب الوحيد أو الحل الوحيد، قد تكون العزلة المبالغ فيها بين الجنسين فوق ما شرعه الدين سبباً في زيادة النسبة وقد يكون التبرج أيضا سبباً في الزيادة.
- ليست الذكورية العربية هي العلة وحدها ، قد تكون سبباً في زيادة النسبة فقط ، لكنها بذاتها أيضاً قد تكون سبباً في نقص النسبة.
وأشارت د. عائشة حجازي إلى أن موضوع التحرش من المواضيع المعاصرة والشائكة والتي تم تناولها من عدة جهات. ولعل أهم ما يثار عند الحديث عن هذا الموضوع المبررات الشائعة لحوادث الاعتداء والتحرش الجنسي هو تحميل المرأة المسؤولية بسبب ارتداء ملابس كاشفة ومثيرة، وهو تبرير يمثل إهانة للرجل الذي يردده. ويصوره وكأنه عاجز عن كبح جماح رغباته. وكذلك مبرر ضعف الوازع الديني. وهذان المبرران على الرغم من ذكرها المتواصل في كل حديث عن التحرش إلا أنهما ينتفيان في بعض المجتمعات المحافظة وبالرغم من ذلك تبين الاحصائيات انتشاره بشكل كبير فيها. وهنا تؤكد د. عائشة على ما طرحه أ. خالد الوابل في بداية الطرح من تساؤلات. كذلك هناك نوع من التحرش ظهر في الآونة الأخيرة أسماه البعض بالتحرش السياسي والذي ظهر مع الثورات في عدة دول والمقصد منه التعرض للمرأة كمحاولة ردعها عن الدخول في المعترك السياسي وكذلك استثارة الرأي العام وإقحام الشرف والعرض والكرامة في غير مواطنها. كذلك فإن سيكولوجية المتحرش تحتاج إلى وقفة ودراسة فهو يظن أنه ضحية وهو المجرم.
ويرى م. سالم المري أن التحرش في الأماكن العامة مبالغ فيه فمازال الاحتشام والالتزام بالآداب العامة هو الطاغي في المملكة. ولكنه يتوقع أن المشكلة الكبرى التي تواجه المرأة ما قد تتعرض له من تحرش في العمل وخاصة من مسؤولين أعلى منها في بعض القطاعات الحكومية و في القطاع الخاص بشكل عام. وهذا أحد معوقات انخراط المرأة في الاعمال. والمشكلة الأخرى التي تواجه المرأة المتحرش بها الخوف من الفضيحة أمام الأهل والأصدقاء وزملاء العمل وربما فقدان الوظيفة ولذلك من المفترض أن تعالج هذه القضايا بسرية تامة وبدون تشهير بالمرأة. ومن الضروري سن نظام يجرم ويعاقب المتحرشين ويتضمن عدم الإعلان عن اسم المرأة المتقدمة بشكوى تحرش ويعالج الأمر بسرية.
وعبرت د. منى أبو سليمان عن أن التحرش في تزايد لدرجة أنها شخصياً تواجه التحرش و المضايقة عند ممارسة رياضة المشي في الرياض.
وتضمن تعقيب د. مساعد المحيا على ما أثير من نقاشات بشأن التحرش الجنسي الملاحظات التالية:
- أولاً: أن التحرش هو سلوك يرتبط بكل بيئة.. لكن نحن فعلاً نستكثر وجوده لأننا مجتمع مسلم ومحافظ ولذا نبالغ في تصور النقاء .. أما الأرقام التي أشار لها د خالد تقول أن قرابة نصف النساء العاملات في أمريكا تعرضن للتحرش ..أليست هذه النسبة كبيرة جداً في مجتمع يتاح فيه للرجل والمرأة أن يمارسا ما يريدان .. لماذا إذا يبحث الرجل عن هذه المرأة ويتحرش بها برغم الأنظمة والقوانين الصارمة.
- ثانياً: لأن الرجل يميل للمرأة والعكس فإن على كل منهما أن يكون في هيئة لا تتيح للآخر أن يعتدي عليه في الوقت الذي ينبغي أن يغض الرجل والمرأة بصرهما.. قل للمؤمنين يغضو وقل للمؤمنات يغضضن.. وفي الوقت نفسه أمر الله عز وجل المرأة أن لا تتبرج ..ولا نعرف لماذا البعض يصور نفسه ملائكياً خالصاً لا ينجذب للمرأة ولا تدعوه نفسه أن يطلق نظراته.. والحقيقة أن هذه هي حال كل البشر إلا الذين لديهم خوف من الله يمنعهم من ذلك ..أو مروءة وشهامة ..أو اعتاد على تلك المناظر حتى ألفها وشبع منها.
- ثالثاً: هناك صور لعدد من الشباب الغربيين وهم يمارسون كل أشكال التحرش ..في حين أن العديد من السعوديين مثلاً سواء أكانوا آباء أو شباب من طلابنا المبتعثين يهتمون بغض البصر كثيراً … وتلك من صورنا الجميلة والمشرقة التي ينبغي أن نشيد بها.
- رابعاً: دراسة نورة الزهراني التي أشار لها د خالد وتحدثت عن بعض النتائج منها أن نسبة اللواتي تعرضن للتحرش قرابة ٨٠٪، هي تحمل نتائج مضللة سببها مفهوم التحرش في الدراسة فضلاً عن أن هناك شك بمنهجية أي دراسة تعطي نتائج مبالغ فيها. ويكفي أن ندرك أن “البحلقة” هي من مؤشرات التحرش ولو استخدم هذا المؤشر في أي بيئة غربية لكانت النتائج تزيد عن ٩٥٪، كما أن اختيار عينتها فيما يبدو ربما تم بطريقة غير منهجية بحيث يستحيل أن تكون هذه العينة ممثلة للمجتمع.
- خامساً: لست مع من يصور دبي أو البحرين مثلاً على أنها بيئة خالية من التحرش ..ففي المولات الكبيرة كل ما يمكن إدراجه تحت التحرش بالمفهوم الذي نتحدث عنه.. مع أن البيئة هناك لا تضع حدا يفي بحدود الاحتشام تلزم به السياح …وإذا سمحت في محيطك أن يتم كل شيء بكل سهولة ويسر فلن يحتاج كثيرون للتحرش مع أن النفس البشرية تتوق للممنوع ولذا زادت النسبة في المجتمعات الغربية وفقا لأرقام ورقة د خالد.
وفند د. خالد الرديعان ملاحظات د. مساعد من خلال النقاط التالية:
- لو كل امرأة امريكية أو غير أمريكية تقدمت بشكوى بدعوى أن شخص ما تحرش بها لتم سجن ومعاقبة معظم إن لم يكن جميع الرجال الذين يعملون معها.
- “البحلقة” تعد تحرش بصري فلو أن شخص ما نظر إليك من فوق لتحت لفترة طويلة (تحديق طويل ومتفحص) لتضايقت وربما اضطررت لترك المكان.
- عينة الباحثة نورة الزهراني كانت عشوائية واختارتها من عدة جهات في مدينة الرياض شملت عاملات وغير عاملات وطالبات. والبحث عبارة عن رسالة ماجستير أشرفت عليها، ومن ثم أجازتها لجنة مناقشة كان من ضمنها د. عزيزة النعيم وهي دقيقة جداً وضليعة في مسألة العينة والأساليب الكمية والاختبارات الاحصائية.
- السيدة السعودية تتحرج فعلاً من تقديم شكوى بسبب “تحديق” من شخص أو كلمة اطراء أو غزل طالما لم يصل الأمر إلى أبعد من ذلك… الاعتبارات الاجتماعية تحتم أحياناً السكوت حتى مع وجود الضرر خوفا من وقع ضرر أشد من الأول.
- تم الإشارة في مداخلة سابقة أن ٤٪ من المعنفات أسرياً عموماً يتقدمن بشكاوى رسمية طبقاً لدراسة تونسية ما يؤكد أن هناك الكثيرات يفضلن الصمت.
- الرجل أو الشاب السعودي كبقية الرجال يتحرش إذا وجد الفرصة فهو ليس ملاك.
- سبب إحجام كثير من السعوديات عن العمل في بيئة مختلطة هو خوفهن من التحرش في ظل غياب قانون رادع لأرباب العمل والموظفين يحد من تحرشهم.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أن الدراسة التي عرض لها د الهدلق والخاصة بمركز الحوار الوطني شاملة لجميع مناطق المملكة بعينة بلغت زهاء ألف مفردة ونتائجها مقاربة جداً لدراسة نورة الزهراني فلماذا التشكيك في منهجية البحث.. العينات تمثل مجتمع واسع وتسحب بطرق علمية لحصول التمثيل المجتمعي…وبالتالي فدراسة الزهراني تقدم مؤشرات مفيدة لوجود المشكلة مما يستلزم البحث عن حلول لها.. والحل ليس فقط بقانون ولكن هناك جهود أخرى يلزم الالتفات لها على رأسها التنشئة الاسرية ومتابعة الأبناء ومع من يخرجون وإلى أين إضافة إلى التخفيف من غلواء الصورة النمطية للمرأة التي يحملها الشاب في رأسه عن المرأة؛ فهي في النهاية أخته وأمه وقريبته.. لدينا مشكلة تحرش وأول طريق في حلها هو الاعتراف بوجودها.
وبخصوص العينات تبنى د. خالد وجهة نظر أ.د العناد فهو يقول أنك لكي تفحص مستوى السكر في الدم فأنك لا تسحب لتر دم ولكن عدة نقاط…بشرط أن تسحبها من المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح… ومثل ذلك عينة البحث إذ ليس من الضروري أن تكون كبيرة (لتر دم) ولكن يكتفى بعدد صغير شريطة أن يتم سحبها بطريقة صحيحة… وكمثال فإن معهد غالوب لاستطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة يسحب عينها قوامها ١٢٠٠ فرد لتمثيل المجتمع الأمريكي الذي يبلغ نحو ٣٢٠ مليون نسمة.. وقد سبق القول أن ٣٨٤ مفردة تعد عينة مناسبة احصائياً إذا كان عدد السكان يزيد عن ١٠٠ ألف نسمة ولزيادة المصداقية ترفع الى ٦٠٠ مفردة.
وعقب د. مساعد المحيا على ما ذكره د. خالد بأن الفروق الفردية بين أفراد المجتمع هي أساس مشكلة الأخطاء في اختيار العينة.. أما ما يقوم به معهد غالوب فلا يمكن أن تكون ممثلة للمجتمع الأمريكي فأكثر الانتخابات تأتي نتائجها بعكس استطلاعاتهم ..هي فقط استطلاعات تعطي مؤشرات لكن يجب عدم القيام بأي سياسات مبنية عليها… كما أن من الأخطاء المهمة في هذا الصدد الوقوع في تعميم نتائج الدراسة على المجتمع إذ ينبغي دائما العمل على أن هذه النتائج تمثل العينة فقط لا سيما وأنها لم تستكمل شروط تمثيل المجتمع .. فالقضايا المجتمعية الكبيرة تحتاج فعلاً لدراسات علمية موسعة وشاملة لكل مناطق المملكة لاختلاف الظروف الاجتماعية الحضارية والبيئية.
وعلق د. خالد الرديعان: إذن يتم سحب عينة طبقية لوجود الاختلافات المذكورة وهي عينة شائعة ومعروفة ولها طرق سحب خاصة بها.. وبالنسبة لمعهد غالوب فإنه يقوم باستطلاعات كثيرة غير الانتخابات علماً أن السلوك الانتخابي صعب توقعه بسبب سرعة تغيير الناس لأرائهم عن المرشح وأحياناً في اللحظات الأخيرة.
واتفق أ.د. عبدالرحمن العناد مع ما ذهب إليه د. الرديعان من أنه لا علاقة إطلاقاً بين حجم العينة وحجم مجتمع البحث في المجتمعات المفتوحة، حيث إن 384 تحقق 5% درجة ثقة ب 95% معنوية، وعينات غالوب 1200 تحقق نحو 3% بنفس مستوى المعنوية 95%.. وطبعاً هذه الأحجام محددة على افتراض أقصى درجات عدم التجانس وكلما زاد التجانس قل الحجم المطلوب، والمعادلات المشار لواحدة منها تأخذ بالاعتبار هذا ويضع الباحث نسبة التجانس المحتملة وفي حالة عدم معرفته يضع أقصى درجة 50 و 50%. وقال د. خالد الرديعان: حتى لا ندخل في تفاصيل مناهج البحث فإن هناك عينات لا تمثل إلا نفسها وهي العينات غير الاحتمالية التي نطبقها في البحث الكيفي (النوعي) ومنها عينة كرة الثلج وهي عينة قصدية أو عمدية وعينة الخبراء.. والكلام في ذلك يطول.
أما د. علي الحكمي فأشار إلى أن العينة حجمها ليس الأساس؛ فالمهم أولاً تحديد مجتمع الدراسة، وسحب العينة بالمنهجية المناسبة، وفي النهاية المهم هو التعميم الذي يصدر من الباحث، والتعميم يخص مجتمع العينة فقط.. مثال: إذا سحبت عينة ممثلة من طلاب الطب في جامعة الملك سعود فالتعميم يقتصر على ذلك المجتمع فقط ولا يمنع أن يستفيد الباحثون من نتائج الدراسة كمؤشر فقط.
ومن زاوية أخرى ذهب أ.د. عبدالرحمن العناد إلى أن من المناسب عدم إغفال ما اعتبره أسوأ أنواع التحرش وهو التحرش المثلي بأطفال المدارس من بعض المدرسين ومن الطلاب الأكبر سناً ويحدث هذا داخل المدرسة وفي الأتوبيسات وخلال الأنشطة اللاصفية.. والملاحظ أن بعض الضحايا يخشون إبلاغ أهاليهم أو مدرسيهم إما بسبب التهديد أو الخوف فقط.
وأكد د. خالد الرديعان على ما طرحه أ.د. عبدالرحمن العناد بالإشارة إلى دراسة للطالب عبدالمجيد الهلالي عن الايذاء في مدارس النماص المتوسطة بينت نتائجها أن نحو ١٣٪ من عينته تعرضوا للتحرش المثلي من المعلمين والرسالة مودعة في مكتبة جامعة الملك سعود.. علماً بأن طلاب المرحلة المتوسطة في النماص عددهم ١٧٠٠ طالب وسحب الباحث منهم ١٠٪ أي نحو ١٧٠ طالب أخذها من عدة مدارس ومن مختلف الصفوف ليكون التمثيل المجتمعي صادق ودقيق.. أما ما طرحه أ.د عبدالرحمن فيمكن إدراجه تحت مسمى الايذاء abuse. وعلق أ.د. عبدالرحمن على ذلك بأنه لا يدخل ضمن نظام الحماية من الايذاء لأن ذلك يقتصر على إيذاء للشخص ممن له ولاية أسرية عليه. وبدوره قال د. خالد الرديعان أن ما يتم داخل الأسرة يسمى Domestic violence. ولعل أكثر مشكلة نجدها في المدارس هي التنمر Bullying بمعني تسلط تلميذ قوي على ضعيف.
لكن أ. عبدالله آل حامد قال: أشعر بالألم على ما تناولته بعض المداخلات عن موضوع التحرش الجنسي ومحاولة الإسقاط على المعلمين والإساءة لهم وإقحامهم في الموضوع كتجار بشر ولصوص ليل والنيل منهم هو إساءة للوطن والشرفاء الأمناء الأنقياء والحالات الفردية لا تبرر تشويه هؤلاء الجنود الحقيقيين المدافعين عن مستقبل الوطن وإني والله أعلم من هؤلاء النبلاء من أزال الأذى بيديه الطاهرة عن طلابه في الصفوف الأولى لأن أمه مشغولة عن تعليمه في زيارتها والأب ينظر في تويتر والخادمة المنزلية على هذا عودته. وختاما قال أ. عبدالله: إن من كاد أن يكون نبياً فوق النقد العلني والجرح يمضي عظيماً وشرف التعليم تاج على رأسه منزّها عن كل سهام المرجفين وحرياً بمنتدى بحجم هذا المنتدى وأعلامه أن يوقروا للمعلم فضله وقدره.
ورداً على ما ذكره أ. عبدالله آل حامد، أوضح د. خالد الرديعان أنه لا يوجد تعميم فيما يخص المعلمين لوجود نسبة منهم غير مؤهلين للعمل التربوي وإنما أخذوا العمل كمصدر للقمة العيش… فرق بين المربي وطالب الوظيفة…أيضا فالمعلم ليس ملاكاً ولن يكون نبياً فبعضهم مفرط وربما منحرف سلوكياً وهذا موجود في كل الفئات… وسبب انحدار مستوى الطلاب تربوياً وقيامهم بالتحرش هو بسبب فشل العملية التربوية التي يعد المعلم جزء منها.
وأكد د. علي الحكمي في تعليقه على ما ذكره أ. عبدالله آل حامد بقوله: عندما تناول التحرش الجنسي في المدارس فهذا للتنبيه عن وجود المشكلة وليس فيه إساءة للمعلمين أو المعلمات حاشاهم ولا تزر وازرة وزر أخرى… التحرش موجود في كل البيئات، بدون استثناء، دراستنا له تعيننا على التعامل معه ووقاية الجميع من شره ..يجب أن نناقش جميع مشكلاتنا بعقلانية وبدون تهويل لها أو تهوين منها… فرغم هذا نلاحظ أن التحرش الجنسي هو الاعتداء “الأبسط” شكلاً كيف لو تحدثنا عن الاغتصاب أو زنا المحارم أو الإيذاء الجنسي للأطفال.
واتفق أ. عبدالله الضويحي مع ما قاله أ. عبدالله الحامد وتقديره لدور المعلم لكنه ومن خلال تجربته الشخصية أوضح أن معلم الأمس وفي جيلنا يختلف تماماً عن معلم اليوم… فحسب أ. عبدالله الضويحي فإن معلم الأمس جاء للتعليم كمهنة وبعض معلمي اليوم جاء إليها كوظيفة طمعاً في المادة أو لأنها خياره الوحيد .. بعض معلمي اليوم مراهقين وهذه حقيقة وكما أشارت أ. فايزة عن بعض المعلمات والطالبات. كما أوضح أننا حقيقة لا نهتم بمعلم المرحلة الابتدائية ومعلم الصفوف الابتدائية على وجه الخصوص وهي المرحلة الأخطر والأهم في تكوين الشخصية.
وعلى ضوء ذلك رأي د. علي الحكمي أن المنظومة كلها تحتاج مراجعة من توثيق الحالات في المستشفيات وتصنيفها بشكل صحيح وعدم اعتبارها سقوط أو نحوه، إلى التحقيق مع المعنيين في الأسرة بالحادث الذي وقع للطفل، إلى التناول الأمني والعدلي إلخ. وقبل هذا الأنظمة والتشريعات. كما يجب ملاحظة أن معظم حالات الاعتداء على الأطفال هي من أشخاص تثق فيهم الأسرة وأحياناً من أفراد الأسرة نفسها.
وأكد د. خالد الرديعان على ملاحظة د. على بقوله: هناك حالة لشابة تم الاعتداء عليها من قبل أخيها من الأب وحملت منه سفاحاً وأنجبت… الفتاة أودعت في دار رعاية الفتيات وأخوها تم سجنه ٣ شهور وأطلق سراحه… والفتاة الآن مرفوضة من أسرتها وترفض استقبالها.. الحالة مثبتة وتم لإحدى الباحثات الجامعيات في قسمنا مقابلتها وتدوين تفاصيلها.
ويرى د. مساعد المحيا أننا نحن فعلاً نحتاج أن نقود بحوثنا نحو الظواهر الاجتماعية أما الحالات الشاذة والقليلة في مجتمع كبير فمن الخطأ أن تكون بيئة بحثية عامة .. نعم يمكن لجهة ما كالشؤون الاجتماعية أو الداخلية أن تدرس هذه الحالات أما الدراسات العامة والأكاديمية فيميل د. المحيا إلى أن تكون بيئتها البحثية في الظواهر الاجتماعية عامة…وأشار إلى أننا نخطئ إعلامياً ودرامياً مثلاً حين نتبنى مشكلة وننشر عنها كأن يقتل رجل والدته ويصب على رأسها الأسيد هذه حالة شاذة وأي تناول لها يجعل المجتمع يألفها.
وأورد د. علي الحكمي مقالاً له تم نشره قبل سنوات في مجلة بريد المعلم، وهو ذو علاقة بموضوع النقاش بعنوان: “شخصيات مزدوجة” وقال فيه: في حياتنا اليومية يرتدي البعض أقنعة مزيفة تخفي وراءها شخصياتهم الحقيقية. ويكون هذا بسلوكيات أو أقوال أو مظاهر تتشكل بالبيئة المحيطة بها دون توفر قناعات وقيم تعتمد عليها، وعند التحول لمحيط آخر تجد شخصيات أخرى مختلفة تماماً. قد تكون التربية التي تعرض لها هؤلاء في مراحل مبكرة من حياتهم سواءً في البيت أو المدرسة مسؤولة عن ذلك!! فالكثير من ممارساتنا التربوية تشجع أبناءنا أو طلابنا أن تكون لهم شخصيات مزدوجة، فنحن قد نركز على جوانب ظاهرية من الشخصية يتعلق معظمها بالشكل والتصرفات العامة ونغفل أساسيات مثل الصدق والأمانة والرقابة الذاتية هي لب شخصية الإنسان وقيمته الحقيقية. كما نرسم صورة مثالية مبالغ فيها لما يجب أن يكون عليه أبناءنا أو طلابنا ولا تأخذ هذه الصورة في الحسبان طبيعة مرحلة الطفولة والمراهقة وحاجاتها ونزواتها ثم نعمل جاهدين على أن يكونوا وفق تلك الصورة، برقابة مباشرة أو غير مباشرة. ونتعامل مع الطفل أو المراهق بصرامة لكي يتوافق مع ما رسمناه له بل ولا نتسامح مع الأخطاء الصغيرة التي قد تصدر منه. بهذا الأسلوب يتربى الطفل على نفاق هو الأساس لشخصيات مضطربة تفكر دائماً كيف ينظر الآخرون لها وتحاول أن تظهر بالمظهر المقبول اجتماعياً بينما حقيقتها مختلفة عن ذلك. مهم جداً أن نربي أنفسنا وأبناءنا وطلابنا تربية تؤدي إلى شخصيات أصلية تتمتع بقيم راسخة واتجاهات سليمة وأخلاق فاضلة حتى لو كانت فيها بعض العيوب لأن من الممكن تلافيها يوماً ما، وليست شخصيات يصبح النفاق فيها أسلوب حياة لا يمكن التخلص منه أبداً.
وفي السياق ذاته علق د. عبدالله الحمود على أحد مقاطع اليوتيوب والتي تضمنت تحرش جماعي بفتاتين في أحد متنزهات جدة بقوله: “مثل هذا المقطع.. عار علينا إذا لم نقطع دابره”. وذكر د. عبدالسلام الوايل أن التعليقات على المقطع تبين دور المنظورات في تهيئة القابلية للتحرش. وفسر أ. مسفر الموسى المقصود بقول د. عبدالسلام بأنه ربما يقصد أن التعليقات حمّلت البنات سبب التحرش الجماعي.
لكن د. عبدالله الحمود عقب بأنه لا شيء يسمح بالتحرش حتى لو سارت الفتاة عارية. التحرش اعتداء وجريمة يجب أن ينظمها القانون ويشرع عقوبتها، ويجب تطبيقها بصرامة لحماية المجتمع. أما وضع المرأة المتحرش بها، فيجب أن يكون في سياقه القانوني أيضا فينظم القانون ما هو مشروع وما هو غير ذلك بعبارات تقنينية واضحة، وليس وصفاً يفسره (من هب ودب). فإذا وقعت امرأة ما في جنحة أو جريمة من هذا النوع تعاقب بصرامة أيضا لحماية المجتمع. أرأيت لو أن امرأة سارت في شاطئ غربي لا ترتدي غير القطعتين المعروفتين، وتحرش بها (كائنا من كان) لعوقب بالقانون. ولو أن ذات المرأة خلعت القطعتين أو إحداهما وتحرش أو لم يتحرش بها أحد، لعوقبت بالقانون أيضا، وبصرامة.
ورأى د. خالد الرديعان أن مثل هذه الصور للتحرش تعد معيبة ومخجلة ولا تنم عن إنسانية… لكن هناك من يريد التصوير (التقاط صور) كذلك وهي مشكلة أخرى بحاجة إلى علاج… أماكن مثل كورنيش جدة تستلزم وجود شرطة راجلة لمراقبة المكان وليس شرطة سيارات جيوب ممن يقضون وقت العمل في محادثات هاتفية. وهناك قضية أخرى وهي سلوك الحشد في الأماكن العامة وسيكولوجيته.. وهي بحاجة إلى فتوى من المتخصصين في علم النفس الاجتماعي.
أما د. فاطمة القرني فعلقت على فيديو التحرش بفتاتي جدة حيث قالت: عذراً .. سأعلق بالعامية … البنتين تاركات ما رحّب الله لهم من مساحة التنزه مستمتعات بأصوات الهتّيفة والمصفقين على الخمسات اللي كرروا رسمها بالدباب بمهارة في الموقع نفسه روحة وجية مع تقاذف العقال والصرخات بينهم وبين جمهورهم المستَدرَج .. ثم يظهر في فيديو التحرش أنهم نزلوا في نفس الموقع بمشية متراخية ونفس اللف والدوران .. هل يدل هذا على ضيق وتبرم بالتجمهر حولهم؟!..كان بإمكانهم بعد ما أنهوا جولتهم الاستعراضية الفرار بالدباب إلى موقع آخر أقرب لمن معهم من أسرهم إن كان معهم أحد.. ولكن هذا لم يحدث!! صدعنا العالم بالمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة .. بل العدل بينهما ولكن حين نصل للعقوبات تبدأ خصوصيتنا السعودية في البروز والتضخم والسيطرة!! لأي منكم أن يتخيل إحدى هاتين قريبة له…هل سيتقبل تصرفها؟! الخطأ مشترك بين الطرفين فتيات وشباب .. وكلاهما بحاجة (لقرصة أذن)…لكن كلنا نعلم أن من قبض عليه من الشباب سيلقى ما هو أكبر من ذلك بكثير خاصة بعد هذا التهويل الإعلامي والاجتماعي للموقف…! وبالمناسبة الشكل الخارجي لا صلة له بموضوع دفع الشباب للتحرش أو العكس … بل إن مسألة تغطية الوجه منحت فرصة لمن تريد العبث في التجاوز بلا خوف…للأسف..!
وعلق أ. خالد الحارثي بأنه ليس من الصعوبة بمكان أن يلاحظ أحدنا، أن ضحايا التحرش في مجتمعنا يلامون ويحاكمون ويدانون على أفعال تحت خط المقبول بقليل ، في حين يبقى المعتدون أحراراً طلقاء دون عقاب ويتفاخرون بأفعالهم بين أقرانهم ويتنافسون في اقتراف الجرائم ، هل هناك علاقة بين هذه الحادثة للفتاتين في جدة وبين الاعتراض على نظام مكافحة التحرش؟ وأوضحت د. فاطمة القرني تعليقاً على ما ذكره أ. خالد الحارثي أن لكل حادثة ظروفها في تحديد من الجاني ومن الضحية… وإن كان الطرفان يتجاذبان النسبة من حيث التعدي والتضرر في كثير من الحالات.
وبدوره علق أ. خالد الحارثي على ذلك بتأكيده على اتفاقه مع ما ذهبت إليه د. فاطمة في أننا لسنا بصدد تبرئة المتجاوزات من الفتيات لا على المستوى العرف والتقاليد ولا على مستوى الحذر والمرؤة ، فالتحرش يعتبر جنائي ، وضرره ملموس مادياً ومعنوياً ويتعدى أثره الزمن والشخص إلى آخرين ، أما أفعال الفتيات من الجرأة أو الإثارة أو التمرد فليس كذلك ، وقبول البعض من مجتمعنا التهمة للضحية واحتساب أنهن ساهمن بطريقة غير مباشرة في سعار المعتدين ، هو في اعتقاده قبول بتنصيب المعتدين قضاة وجلادين وحراساً على الفضيلة والأخلاق ، دون عودة للسلطات ، وتجاهلاً لكل حقوق المتهم ، وقبول التحرش كنوع من أنواع العقوبات.
في حين ذكر د. خالد الرديعان أن ما يثير التساؤل في موضوع فتاتي جدة هو ملاحظة غياب المروءة عند بعض الشباب وهو خلل واضح في التنشئة الاجتماعية بصرف النظر إن كان هناك قانون لمنع التحرش أو لم يكن…أين الفضيلة في موضوع التعامل مع المرأة التي حض عليها الدين وعززتها الأخلاق العربية؟ هناك خلل كبير في النسق التربوي برمته سواء دور البيت أو المدرسة أو الجهاز الاعلامي… والأخير يتحمل مسؤولية كبيرة فهو يخلق صور نمطية سلبية للمرأة. إن غياب المروءة يعود في جزء منه لطبيعة المدن المكتظة بالسكان وتحلل الأفراد من القيم التقليدية التي نجدها في الريف والتجمعات الصغيرة حيث الضبط الاجتماعي غير الرسمي اقوى بكثير من قوانين المدينة الرخوة.
واتفق د. مساعد المحيا مع رأي د. الرديعان وقال: في ثقافتنا العربية قبل الاسلامية أغض طرفي إن بدت لي جارتي.. أما في الإسلام فقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.. هذا الهدي يغيب عن البعض.
وأكدت د. فاطمة القرني أنها ليست مع تبرير التحرش واعتباره “ردة فعل مغفورة الذنب” تحت أية ذريعة .. لكنها في المقابل تجد من الظلم البين أن يغض الطرف عن تجاوزات الفتيات (البلهاء) التي تستدرج بعض الشباب للتطاول عليهن .. ثم ينتهي الأمر بضياع مستقبل المتحرش منهم تحت أحكام تعزيرية لا ضابط لها ولا قياس .. وأشارت د. فاطمة أنها عملت في مجال التعليم الجامعي في أكثر من منطقة بالمملكة وقدر لها أن تكون عضواً في بعض لجان التحقيق في عدد من القضايا الأخلاقية التي تقع فيها بعض الفتيات وكان القاسم المشترك بين كثير منها “تطنيش” الأهل والمجتمع عن الزلات الأولى بحيث استمرأت أولئك المراهقات ذلك حتى وقعن فيما لا يمكن جبره !!.
وذهبت أ. ليلى الشهراني إلى أنه وللأسف الجيل الحالي أكثر تمرداً من الأجيال السابقة، وهناك تهاون كبير من الأسر في متابعة الأبناء والبنات على حد سواء ، ومع الانفتاح والتطور والعلم تركنا تعليمهم أبسط المبادئ والأخلاق ، قد نجد بعض التصرفات مقبولة في بيئة معينة وفي مكان آخر لا. ومن ثم ترى أ. ليلى أنها ممن يرى خطأ البنات والشباب على حد سواء وخط أكبر على أهل البنات بتركهن وسط هذا الحشد الكبير يسمعون منهم أبشع الكلمات واللمسات ، لو علمنا بناتنا الحياء ومراعاة الذوق العام والحشمة لما خفنا من هكذا حادثة ، ولو علمت كل أم ابنها أن الفتيات في كل مكان ليسوا صيدا سهلا سواء كان لحمهن مكشوف أو مستتر ، محترمة أو غير محترمة ، له غض بصره وكف أذاه والتعامل بمروءة فليست من أخلاق الرجال ، المهم أن لا نتساهل مع المتحرشين أو نبرر لهم لأن البعض منهم يعيش دور الضحية حتى يألفه وكل ما نفعله أننا نزيد عددهم بدلاً من إيقافهم ، ونوهت أ. ليلي إلى مقطع تم تداوله في الثمامة قبل أعوام لسيدة من جنسية عربية وكيف تمت مطاردتها من قبل الكثير من الشباب لكن كان للبعض منهم مواقف مشرفة وهم يبعدون عنها المتجمهرين حولها وهي تصرخ.
وتساءل أ. خالد الوابل: من يحل المعادلة؟ ((بعض)) شبابنا من تطرف ديني يقابله من الطرف الآخر تفسخ اخلاقي !!! ماهي نوعية البيئة ؟.
وأجاب العميد. راشد بن عيضة الحارثي بأنه ثمة أمور كثيرة منها الخلل في التربية والتوجيه من الأسر والمدرسة، إضافة لعدم فهم الدين الفهم الصحيح والوسطية فيه وإتباع وتطبيق مبادئه السمحة في العبادة والمعاملات وهذه الأهم، فضلاً عن غياب القدوة وأثره الفاعل في كل مجال، بجانب الفراغ والبطالة والفقر وتأثيرها الخطير، وكذلك المادة والترف عند البعض مع الجهل، وأيضاً الانغلاق والفصل الكبير بين الجنسين وما يتبعه من مشاكل أخلاقية ونفسيه والتقليل من فرص الزواج في سن مبكر.
ومن وجهة نظره يعتقد م. حسام بحيري أن انتشار التحرش في المجتمعات يعتمد على مستوى الأخلاقيات العامة ومدى تطبيق القوانين التي تمارس في كل مجتمع. ففي المجتمعات الغربية حتى وإن كان عندهم انحلال وغياب الوازع الديني حسب آراء البعض ولكن لا ترى شباب يلاحقون النساء ويضايقونهم مثل ما يحصل في دولنا العربية ودول آسيوية أخرى الهند مثلاً. في الغرب هناك قوانين صارمه ضد التحرش بجميع أنواعه وخصوصاً بأماكن العمل والآن تطور القانون ليفرق بين متحرش بالكلام أو الفعل والذي يعتبر الفعل اعتداء جنسي وليس تحرش. أي شخص يرتكب اعتداء جنسي يسجل المعتدي ك Sex offender يشهر به ويطلب منه تسجيل نفسه في أقسام الشرطة في أي منطقه يسكن بها حتى لوكان مسافر لفترة بسيطة للعمل مثلاً.
وأضاف أ. عبدالله الضويحي مشكلتنا أنتا ننظر لأنفسنا أننا مجتمعا مثالياً خالياً من العيوب نعتقد أن الاعتراف بالحقيقة ومواجهتها يعيب هذا المجتمع.. نرى أنه لا يوجد تحرش ..لا يوجد رشوة ..لا يوجد تسيب .. لا يوجد نفاق وتمظهر بالدين .. لا نريد أن نعترف بأن الزمن تغير وأننا جزء من هذا العالم.
وعقب أ. سعيد الدحيه الزهراني بأن الغريزة الجنسية مكون حتمي والتحرش وسيلة مرفوضة لإشباعها.. الاختلاف في نظره يظل محصور في الحالة الذوقية عند ممارسة هذا السلوك. ودعا أ. سعيد إلى العودة إلى التكوين الثقافي لدينا – وهو البعد الذي لم تشر إليه ورقة د خالد – ويظنه أ. سعيد ورد في كتب التراث بمسميات أخرى مثل (المراودة) {فراودته التي هو في بيتها}.. أيضاً الموروث الأدبي.. ألا يعد شعر الغزل تحرشاً مقبولاً ؟ بالتأكيد نعم والسبب لأنه تحلى بنوع من (الذوقية) وبالتالي استحال إلى قيمة جمالية ينال صاحبها هالة شرفية مع أنه في حقيقة الأمر (تحرش) معلن وصارخ. وعلى الجانب الديني.. ألا يعد سلوك الصحابي الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج (تحرشاً) عندما كانت المرأة تسأل الرسول وذلك الصحابي ينظر إليها والرسول يصرف وجهه عن النظر إليها بيده دون أن يتخذ بحقه إجراء عقابي.. لاحظ حضور التحرش البصري وهو الذي قد يعد أخف أنواع التحرش إن جاز ضمه ضمن مراحل أو مراتب التحرش.. وفي تقدير أ. سعيد فإن التحرش عملية اتصال بهدف جنسي بين طرفين أحد الأطراف يرفضها.. وما لم ترفض من طرف فهي ليست تحرش لعلة القبول المشترك.. وفي هذه الحال ننتقل إلى قضية أخرى تعاقب عليها المجتمعات الدينية ولا تنكرها النظم الأخرى.. وهي قضية لا تدخل في صلب نقاشنا.. خلاصة الأمر أننا ندور في إطار ما يمكن تسميته ب (تذويق – إن جاز التعبير – العملية الاتصالية بهدف جنسي بين طرفين) فمتى ما رفضها أحد الأطراف أصبحت تحرشا.. مع التأكيد على رفض جل أشكال التحرش والمطالبة بسن قوانين رادعه من شأنها حفظ كرامة الناس وأعراضهم وإيقاع العقوبة بكل من يستهدف إيذاء مقدراتهم النفسية والقيمية والشرفية.
وعلق أ. خالد الحارثي على مداخلة أ. سعيد الدحيه الزهراني بأن التعميم بمفردة التحرش أو مصطلح “التحرش الجنسي” ليصل أن يكون جميع البشر اقترفوه فهذا تعميم واسع غير منطقي ولا معقول ولا يصح الأخذ به أو اعتباره. النظر للآخرين ليس تحرشاً والتواصل المختلف الأشكال مع الآخرين من الجنسين ليس تحرشاً ، الجنس ليس محور السلوك عند الإنسان. كما أن نظرية فرويد في التفسير الجنسي بشكلها المطلق لا يصح أن تسحب لتفسير سلوك الصحابة في العصر النبوي ، سيدنا العباس رضي الله نظر الى السيدة ، والنظر إلى النساء الأجنبيات موضع نهي في الإسلام ليس هنا موضع تفصيل فلسفته وإطاره وحدوده، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى سيدنا العباس عن النظر وليس التحرش. ويرى أ. خالد أنه لا يمكن أن يكون هناك “حالة ذوقية” عند اقتراف جريمة التحرش ، وأخذها في هذا السياق يتعارض مع مبادئ أساسية في قيم المجتمع السعودي أولها الاسلام الذي يحرم النظر بشهوة لمن لا يحل النظر لهن/ لهم ذلك. وثانيها أن العرب مادة وأصل المكون السعودي الذي شكل ثقافة المجتمعات السعودية ويحتفظون بقدر كبير من الغيرة التي سبقت الاسلام وأقرها الاسلام وثبتها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولربه ولسعد ولأمته ، ثالثا: كيف يمكن تقديم حلول تربوية للمجتمع السعودي في حضور الفكرة القائلة بـ “تذويق التحرش الجنسي” ،،، الحلول تشريعياً وتربوياً وثقافياً وعمالياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً تنبع من قيم المجتمعات المستهدفة بالحل .. المجتمع السعودي “مجتمع عفة” بإسلامه وقيم مجتمعاته المختلفة وثقافته الشائعة في الملبس والمظهر العام في أنشطة المجتمع كافة ، واستشهدُ بالفرق الذي ذكره د. خالد في عدم توافق مثال فيديو تحرش منهاتن مع ما نقوله هنا ، وهذا يقودنا أيضاً أن نحسن اختيار المستوى الملائم لمكافحة التحرش حتى لا يعارض من لا يفهم مقصد المطالبين. الاختلاف بيننا وبين “مجتمعات المواعدة” يتمظهر في الملبس بشكل عام ، لكن الحقيقة أن الاختلاف في المبادئ الفردية وطبيعة ومدى العلاقات ، وطبيعة ومدى الأمن الاجتماعي المنشود عند مجتمعي (عفة ، مواعدة) وهذا يقود للاعتبار الوجداني عند إنسان كلا من المجتمعين ، والقيم المتصلة التي تشكل المقبول وغير المقبول في المجتمع.
ومن زاوية أخرى، وفيما يخص مسببات التحرش؛ أشارت أ. ليلى الشهراني أنه في أشعار الغزل الجاهلي والحديث ربما نجد مبالغة في وصف مكامن الجمال في المرأة بشكل عام ، وليس فقط الحبيبة ، وهذا يفسر كثرة القصائد الغزلية في تراثنا العربي ، نعم هناك تشويه متعمد للمرأة من بعض الشعراء عندما يحصرها في (القد ، والطول ، وعيون المها) فنرى في قصيدته جسد المرأة وليس روحها وعقلها مما يقلل من احترامها، ولكن لا ننسى أن الشعر قد يوظف للخير والشر ، فكما أن في بعض نصوصنا الشعرية ما يتم توظيفه للتحرش اللفظي ، فهناك نصوص تستحق أن تكون حاضرة في ندواتنا ومقالاتنا وتحكى لأبنائنا.
عنترة القائل :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
هو نفسه القائل :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد
لا أتبع النفس اللجوج هواها
ومن وجهة نظر أ. ليلى الشهراني فإننا نتعامل بمثالية شديدة مع ما هو طبيعة فطرية في الإنسان وبين ما ينظمه الدين وتهذبه الأخلاق ، والتحرش له مسببات كثيرة ، ولا يمكن أن نقول أن الفصل بين الجنسين والكبت هو السبب ، لأنه لو كان كذلك لما لجأت بعض الدول لسن عقوبات شديدة على المتحرشين ولخلت مجتمعاتهم من جرائم الاغتصاب وما يتبعها. الاعتراف بالمشكلة جزء من الحل ، ونحن جزء من هذا العالم المفتوح ، يتم غزو عقول هذا الجيل بمواد إعلامية تخاطب غرائزه الحيوانية ، (الأفلام الإباحية ، الفيديو كليب العاري ، الإعلانات التجارية التي تصور المرأة صيداً سهلاً لمن يضع العطر الفلاني أو حتى مزيل العرق !) المخدرات والأدوية الجنسية كلها عوامل تزيد من نسب المتحرشين ، نعم نحن بحاجة لقانون رادع وبحاجة لتعزيز القيم الأخلاقية في الإعلام العربي المنفلت وغير المنضبط ، وبحاجة للقرب من حياة الأبناء والبنات.
وقال د. فايز الشهري: هل تصدقون إذا قلت لكم أن التحرش بالمرأة لدينا هو نتاج ثقافة شعبية ونخبوية راسخة. نعم الشعر الشعبي في معظم قصائده الغزلية يشرح ويفصل قضية مطاردة الذكر للأنثى في كل (سكة وشارع) وأظن معظمكم يحفظ قصائد وأغاني في هذا الاتجاه. والشعر العربي الفصيح يحفل بالقصائد والمغامرات منذ الشعر الجاهلي مروراً بعمر بن أبي ربيعة وانتهاء بنزار قباني. الثقافة الذكورية العربية سمحت للذكر أن يتغزل حسياً للأنثى في حين وصمت ذلك على الأنثى وخلدت قصص وأشعار المتحرش الذكر. لاحظوا الآن أغاني الفيديو كليب المصورة أليست ملخصاً واضحاً لثقافة التحرش وملاحقة الأنثى المتمنعة حتى تستسلم آخر المقطع.
أما د. فاطمة القرني فقد لفت نظرها في كثير مما طرح التركيز على تحرش الرجل بالمرأة وإغفال الجانب المعاكس أي تحرش المرأة أو الفتاة بالشاب ومشكلة اعتبار الفتاة ضحية دائماً أنها تؤدي إلى التجني على الشباب الذكور في الاتهام ابتداء ثم التجريم ثم العقوبة المغلظة المدمرة كما حدث في قضية نفق النهضة التي لا نبرئ من شاركوا فيها لكن تقدير القاضي للعقوبات فيها تجاوز كل منطق !…
وقالت أ. كوثر الأربش: في بداية كتابتي الصحفية ونشاطي الثقافي في تويتر والفيس بوك. اقترح علي كثير من الأصدقاء أن اتبنى حقوق المرأة. وما أزال حتى اليوم تحت انتقاد البعض بحجة أنني مقصرة مع المرأة. ما أنا متأكدة منه أننا في زمن بخس الإنسان حقه في المجمل، والمرأة جزء من هذه الإنسانية المستلبة. الإنسان في هذا الزمن مستلب كقيمة، عقله في صراع مع المختطفين تماما ككيانه المهدد بالقمع والتصفية والفقر وغيرها. اصطلاح حقوق المرأة هو إمعان في عزلها أكثر. ولكن هذا لا يعني تهميش مشكلاتها النسوية لكن لا يعني هذا أن نلون الحقوق بالجنسوية الموغلة. الحق لا جنس له ولا تصنيف ولا عرق ولا لون. الدول التي فرضت حقوق الانسان لم تستثن المرأة.
آليات الوقاية / العلاج: الحلول المجتمعية والنصوص التشريعية
وفيما يخص العلاج أو الوقاية أشارت أ. فاطمة الشريف إلى أنها تعتقد أن التحرش الجنسي هو خلل نفسي بالدرجة الأولى وصاحبه يجب أن يعالج لأن العقاب وحده قد يفيد لكن بدرجات متفاوتة إضافة الى تشريع وجود عقاب وقانون رادع أما العلاج الاجتماعي والتوعوي لظاهرة التحرش الجنسي أو على الأقل التقليل من حدوثها فيبدأ بالأسرة أولاً ودورها في توعية أبنائهم منذ الصغر بالتربية الدينية السليمة وبطريقة تكون مبسطة جداً ومراقبتهم فيما يقومون به من أعمال ، وعدم النظر بدونية للمرأة ابتداء بالمحيط الأسري وانتهاء بالمجتمع.
وأشار اللواء د. سعد الشهراني إلى أن قضية التحرش قدمت حولها دراسات جادة و خصصت لها ندوات لها طابع علمي و نوقشت إعلامياً من حيث طبيعتها وأسبابها وسبل علاجها، ومع هذا تبقى القضية بنظره أعمق وأكثر مما نصفها به و لا يظهر منها إلا رأس جبل الثلج كما يقال. الخوف من الفضيحة و العيب و الاتجاه العام والخاص نحو فضيلة الستر و المحافظة على سمعة بناتنا وأسرنا أمور تفرض نفسها. ومع ذلك فمن زاوية اجتماعية و توعوية و تربوية وللقناعة بأن سلوك الأبناء الذكور مهم في هذه القضية بحكم الحرية غير المسؤولة التي يتمتعون بها قياساً لبناتنا فإن تربيتنا في المنزل والمدرسة وفي الفضاء الاجتماعي العام (وهذا أهم عامل في رأيي )يجب أن تنصب وتركز على الآتي:
- بالنسبة للأولاد الذكور: يجب أن يعلم المراهق الشاب أن ذكوريته لا تعني رجولته ولا تعطيه أي حق في انتهاك القوانين المكتوبة و الاعراف والعادات و لا مكارم الا خلاق ولا تمنحه الحق في انتهاك حقوق الآخرين وخصوصاً المرأة إلا إذا أكملها و كملها بالقيم العليا ومنها صيانة عفاف المرأة و احترامها ومعرفة قدرها ومنزلتها الانسانية الرفيعة التي منحها الله في الدين الاسلامي وفي الشرائع وأسماها رسول الله صلى الله عله و سلم (مكارم الاخلاق). للأسف الشديد و مع أن في كثير منهم الخير إلا أن بعض أبنائنا الذكور تركبهم الشياطين عندما يرى المرأة أو حتى شبح السواد والغريب أنه يتلبس لباس المتحضر الواعي عندما يرى امرأة غير مسلمة أو عندما يكون خارج المملكة. وهذا له تفسيراته التي لكل منا رأيه فيه. هذا السلوك العام له علاقة بالعنف والتعنيف في الفضاء الاجتماعي (الأوسع من دائرة العنف الاسري) كيف نعدله؟
كل الآباء و الأمهات والإخوة والأخوات الكبار معنيون بتربية أبنائنا الذكور منذ نعومة أظفارهم و كل المعلمين و المعلمات و كل أعضاء هيئات التدريس وكل أئمة المساجد وكل المعلمين و كل الإعلاميين والكتاب و المفكرين و قادة الرأي معنيون بالحد من تجاوزات الابناء الذكور على الحقوق العامة وفي مقدمتها حقوق المرأة في الفضاء العام و في الفضاء الخاص داخل المنزل لأنه إذا كان سلوكه داخل أسوار المنزل محترماً ففي أغلب الأحيان سينعكس ذلك على سلوكه العام. ويكمل هذا القانون. أيضاً فإن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم بدور هام جداً في هذا والشواهد كثيرة . نعم هناك ملاحظات على كيفية أدائهم لواجباتهم وعلى سلوك بعض منسوبيها و لكن الوضع تحسن ويتحسن أخيراً.
- أما بالنسبة للبنات: فيرى د. سعد أنه يصدق عليهن كثير مما ذكر سابقاً من حيث أهمية التربية و لكنهن الضحايا إلى حد كبير لسلوك الشباب المنفلت (دونما تجاهل لأن هناك جزء من المسؤولية يقع على الفتيات و أن هناك ضحايا من الأولاد صغار السن). الأهم للبنات أن نربيهن على الثقة بالنفس و إدراك أن كمال شخصيتها و حقوقها لا تقل عن الرجل إطلاقاً إلا في ما شرعه الله من اختلاف عضوي وأدوار اجتماعية متكاملة وأنها بقدر ما تحترم الرجل و المجتمع يتم احترامها و أن الدين والأسوياء في المجتمع معها وليس ضدها وأنها إذا تعرضت لما يهين كرامتها في الفضاء العام فإن أهلها و المجتمع و الدولة معها و لن تخذل وأن عليها أن تكون ( لبؤة ) لها أنياب وأظافر و مخالب عندما يتعدى عليها كائناً من كان في الفضاء العام وأن لها الحق كل الحق في المطالبة بحقها في أن تمارس حقوقها في الفضاء العام من غير مضايقة و لا خوف و لا ضغوط بشرط أن تكون هي محترمة.
- بصفة عامة فإن قضية التحرش مثل معظم قضايانا التي لها أبعاد سلوكية في الفضاء العام ، تحتاج:
- تربية جديدة على كل الأصعدة.
- قانون واضح و تطبيق حازم.
- موقف اجتماعي متكامل لرفضها.
- موقف حازم من الدولة وأدواتها التنفيذية.
وتساءل د. عبدالرحمن الهدلق: ألا يوجد هاتف مجاني يمكن للضحية الاتصال به والاستفادة من أي دعم نفسي واجتماعي وقانوني لمساعدة ضحايا التحرش الجنسي. في حالة عدم وجود رقم خاص يكون من المهم إيجاده وإيجاد المتخصصين للرد على مكالمات المُتحرش بهن أو بهم.
وذهب م. حسام بحيري إلى أن هناك حاجة ماسة لتطبيق وتفعيل قوانين خاصة ضد التحرش الجنسي وبالذات في أماكن العمل. ويجب أن تكون قوانين التحرش الجنسي في الأماكن العامة مختلفة عن قوانين مقار العمل وذلك لأن الأماكن العامة لها أنظمة شرعية وقانونية كثيرة موجودة تتعامل مع أعمال التحرش أو أي عمل يخدش الحياء العام ولكن أمكنة العمل مختلفة, وهي برأي م. حسام أسوأ كثيراً لأن الإساءة قد تكون مستترة و مستمرة لفترة طويلة ولا يوجد خيارات للضحية للتعامل معها في ظل عدم وجود أنظمة وقوانين واضحة تحمي الأشخاص. المرأة السعودية بدأت تدخل بقوة في القطاعين الخاص والعام ولابد من قوانين للحماية من تسلط زملائهم في مكان العمل. ثقافة التعامل مع المرأة في بلدنا لابد أن تعلم وتدرب, مثال ماهي الطريقة الصحيحة للتعامل مع المرأة عامة أو في مكان العمل في بلدنا؟ ما هو المقبول وغير المقبول في التعامل معها؟ ماذا تستطيع أن تقول أو لا تقول في حضورها ماهي ال boundaries للتعامل. الحل لن يكون في تطبيق عامل واحد كسن قوانين تحد من التحرش ولكن لابد من تدريب الأجيال عن ثقافة التعامل مع المرأة سواء كان في العمل أو في الاماكن العامة ونشر ثقافة الاحترام في التعامل مع الجنس الآخر عامة وتدريب الأجيال عليها. يجب أن تدرس هذه الثقافة في المدارس وبالذات لطلبة المرحلة الثانوية والمتوسطة. استحداث قوانين تعزيرية واضحة ومحددة للتعامل مع التحرش في مجتمعنا أصبح أمر مطلوب. نحن أيضاً لا نريد اجتهادات بعض القضاة الذين تأخذهم الحماسة والغيرة ويصدرون عقوبات مغلظه كسجن المتحرش ٣٠ سنة أو قتله وصلبه لابد من أطر واضحة مستمدة من تشريعاتنا الإسلامية مقبولة من المجتمع وتتمتع بشفافية في التطبيق.
ويتفق د. علي الحكمي مع الرأي القائل بأن التحرش الجنسي لا يمكن الحد منه إلا بقانون صارم يوضح أنماط السلوك الذي يعتبر تحرشاً والعقوبات المترتبة على ذلك. ومع القانون تعريف المجتمع بما يعتبر تحرشاً والعقوبات. أما التوعية لوحدها فقد لا تؤثر التأثير المطلوب. كذلك يؤيد السفير. أسامة نقلي وجهة النظر تلك ؛ حيث يرى أن غياب قانون صارم للتحرش يؤدي إلى مثل هذه الاعمال وبصورة فجة في مكان عام دون وازع من ضمير أو أخلاق. وأبدى د. عبدالرحمن الهدلق اندهاشه من عدم صدور قانون صارم منفرد يجرم التحرش الجنسي بوضوح حتى تاريخه.
ومن جانبه يرى د. فايز الشهري أن أهمية القانون تكمن في الدول التي تحكم بالدستور وقانون عقوبات مكتوب لأن المحامين هناك يمكنهم إخراج المتهم بريئاً وأحياناً إدانة الضحية مالم يكن القانون واضحاً ومفصلاً. وفي المملكة لا يمكن الدفع بالفراغ التشريعي لأن اجتهاد القاضي المستنير حق أصيل وهو أكبر من القانون المكتوب. ولدينا سوابق قضائية مثل قضية نفق شارع النهضة قبل سنوات وكانت العقوبة مغلظة جداً كون الحالة وثقت (بجوال الباندا) وأصبحت قضية رأي عام.
وعلق اللواء د. سعد الشهراني بأنه لديه قناعة أن لدينا فراغاً تشريعياً في مناحي كثيرة و ليس أدل على ذلك من أن هناك ضرورة لتقنين كثير مما تجمله الشريعة الاسلامية تحت باب التعازير وهناك مناداة بذلك من سنين طويلة وهناك جهود في اتجاه المدونات القضائية. وإضافة لذلك فإن الحياة الحديثة ومستجداتها والتدافع الانساني و وظائف الدولة المعاصرة تقتضي إيجاد منظومة تشريعية حديثة خصوصاً في الجانب الحقوقي. و لنتذكر أنه كان هناك من يرفض كثيراً من الأنظمة و التشريعات الأخيرة مثل المرافعات والإجراءات الجزائية والمحاماة وغيرها ( و ربما لا يزال ) حتى أصرت دول العالم على تحديث و استكمال منظومتنا التشريعية لكي تتمكن المملكة من دخول منظمة التجارة الدولية. فلا يكفي قاض مستنير و لا حاكم عادل فكلاهما لا يقومان مقام النصوص النظامية لتحكم سلوكهما دعك من ندرة وجودهما في التاريخ الانساني و إذا وجدا ماذا عن من يشوب سلوكه شيئاً من الانغلاق والظلم واللامبالاة والتقصير. وإذا وجد هذان النوعان من القضاة والحكام فهما يحتاجان نصوصا تشريعية واضحة تساعدهما على أداء وظائفهما و تفصل في الحقوق و تمنع الانتهاكات و تعدي السلطة و الفئات الاجتماعية و الأفراد على بعضها فضلاً عن ضرورة هذه النصوص لمعالجة التقصير في أداء الحقوق و الوجبات. لن نتقدم في تحديث و استكمال منظومتنا التشريعية الحديثة و هناك من يبرر الواقع أو يضغط لمصالحه الضيقة أو يتهرب من الوضوح والشفافية و المساءلة. لا ينادي أي منا بتقنين كل شيء ففي هذا بلا شك تضييق على المجتمع و الدولة و لكن يجب تقنين ما يجب أن يقنن وهذا وقته فقد تأخرنا في أمور كثيرة. ربما أصبح من الضروري على الأقل إدخال نصوص جديدة في نظام العمل تجرم سلوكيات معينة تندرج تحت التحرش في بيئة العمل و تحدد عقوباتها و الاختصاص القضائي .أما التحرش في الفضاء العام والأماكن العامة فهو يحتاج الى نظام واسع يشمل التحرش.
وأشار د. الهدلق إلى التقرير الذي عرضته تهاني الناصر وجاء فيه أنه وبعد خمسة أشهر من عرضه ومناقشته، قرّر مجلس الشورى السعودي سحب قانون مكافحة التحرش، وذلك بناء على رفض بعض الأشخاص له مُعللين بأن المشروع سيعزز ويهيئ «مفهوم الاختلاط» بين الجنسين في المجتمع. وكان المشروع المعروض يقضي بعقوبة المتحرش جنسيًّا بالسجن عام وبغرامة تصل إلى مئة ألف ريال حسب نص الفقرة الأولى من المشروع. ويعتبر السلوك تحرّشًا جنسيًّا معاقبًا عليه – بموجب هذا النظام- كل قول أو عمل أو إشارة أو من اتخذ موقفًا لا تدع ظروف الحال شكًّا في دلالته على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر، أو إهانته أو استفزازه أو تحقيره بسبب جنسه أو مجرد خدش حياء الأذن أو خدش حياء العين. ويستوي – حسب الفقرة الثانية من المادة ذاتها- في دلالة القول المعتبر تحرشًا جنسيًّا أن تكون صريحة أو ضمنية، وسواء كان القول بذيئاً متى قصد به شيء مما ذكر في الفقرة الأولى. وفي مجال العمل، فسرت المادة الثانية التحرش الجنسي بأنه السلوك الذي ينطبق عليه الوصف الإجرامي. وحددت المادة السادسة في أربع فقرات العقوبات المترتبة على التحرش والواقعة على المتحرش وصاحب العمل حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة مالية لا تقل عن عشرين ألف ريال ولا تتجاوز خمسين ألف ريال أو بإحدى العقوبتين كل من ارتكب فعلًا من الأفعال المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا النظام وفي حال العودة تضاعف العقوبة. كما يعاقب رئيس المؤسسة أو مديرها أو صاحب العمل حسب الأحوال بغرامة لا تقل عن خمسين ألف ريال ولا تتجاوز مئة ألف ريال إذا أخل بالتزاماته الخاصة بمكافحة التحرش الجنسي المنصوص. وكان لسحب مجلس الشورى قانون مكافحة التحرش صدى بين أوساط المغردين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، والتي غلبت عليهم خيبة أمل من قرارات المجلس وتعمد تجاهل القضايا الحقيقة التي تواجه المجتمع، وبين من يرى أن هذا السحب انتصاراً وثمرة الاحتساب.
وفي ضوء ذلك تساءل د. عبدالرحمن الهدلق: لماذا يعتبر اصدار نظام لمكافحة التحرش الجنسي معززاً للاختلاط؟ امر غير مفهوم!!! أما أ. يحيي الأمير فقال أنه وكلما جاء نقاش حول التحرش الجنسي تذكرت ذلك الرأي الخطير الفلتة العظيم.. إن وجود قانون لمكافحة التحرش من شأنه أن يشرعن الاختلاط.
وما لبثت د. سامية العمودي أن نبهت إلى أن عقدة الاختلاط والاختلاط فوبيا تظل سبباً رئيسياً لكثير من مشكلاتنا المجتمعية والتنشئة الخاصة لموضوع الاختلاط ومفهومه أوجدت شريحة تظن أن وقوف الرجل بجانب المرأة وحديثه معها كافي للوقوع في المحرم فكانت النتيجة عقليات لأناس يفترض أنهم الصفوة ومنهم من في مجلس الشورى ممن وقفوا ضد نظام التحرش وتغليبهم لعقدة الاختلاط فوبيا وشرعنة الاختلاط كما يقولون. السؤال وماذا لو حدث اختلاط ألا نتحدث ونتحاور في منتدى أسبار أليس هذا اختلاطاً بالآخر ألا أقف مع الزملاء في قاعات المؤتمرات وأطبب في غرف العمليات وقس على ذلك مئات الأمثلة. الدول المتحضرة تحولت من حياة الغاب حيث الغلبة للأقوى إلى الحياة المدنية والمتحضرة التي تحكمها أنظمة وقوانين. في وطننا التحرش يطال المنقبة والمحجبة والكاشفة هذا عصر الغاب حيث هناك الذئب وهناك الحمل. إلى متى هذا هو السؤال. وقالت د. سامية أخشى من ثورة النساء.. بناتنا أصبحن أكثر وعياً وأكثر نضجاً وانفتاحاً ويعرفن أن هناك حقوق إنسانية وكرامة نحن مطالبين بضمانها لهن كمجتمع وأعتقد أن بعض أفراد مجلس الشورى بحاجة إلى حوار ليتحملوا مسؤوليتهم التاريخية أو أن يصدر القرار من صانع القرار للحفاظ على الأمن المجتمعي وفي عهد الحسم والحزم الآمال تعانق السماء.
وتعجب اللواء د. سعد الشهراني من الرأي والموقف القائل بأن نظاماً للحماية من التحرش يشرعن الاختلاط على أنه موقف ورأي حاكم ومتفوق على الآراء الأخرى وأن الأمر محسوم لصالح من قال به و أنهم أغلبية في المجتمع أو بين العلماء. وذهب د. سعد أنه ينظر إلى الاختلاط بأنه اختلاط من نوع واحد و هو الاختلاط الموازي أو المؤدي للاختلاء غير الشرعي فالأصل في الحياة الانسانية الاختلاط.. من قال به في المجلس وعطل مشروع هذا القانون لا يمكن أن يكونون أغلبية.. أين وزن بقية الأعضاء المحترمين!
أيضاً أبدى د. عبدالسلام الوايل هو الآخر استغرابه من موقف المجلس من قانون التحرش. في حين تساءل د. خالد بن دهيش: هل نقف مكتوفي الأيدي إزاء رفض إيجاد نظام؟ البديل حملة منظمة تتبناها الجهات الرسمية المعنية كالتعليم والشؤون الاسلامية والإعلام ، بجانب منظمات المجتمع المدني ، شريطة الإعداد الجيد لوسائط التوعية والتوجيه لمواجهة التحرش الجنسي ونستفيد من تجارب الدول بما يناسب تطبيقه في مجتمعنا.
بينما أشار د. مساعد المحيا إلى أن مجلس الشورى أوضح أن نظام مكافحة التحرش لا يزال يخضع للدراسة والمناقشة في المجلس, ولم يتم سحبه أو رفضه وفق ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام. والملاحظ أن هذا المشروع لا يدعمه الآن أحد من مؤسسة هيئة كبار العلماء لدينا .. وكل الذين دعموه خارج المجلس هم كتاب يتحفظ كثيرون على طروحاتهم .. ويبدو أن مشروعاً كهذا كان يفترض أن يسوق إعلامياً ومجتمعياً بطريقة أفضل.
أيضاً فقد أوضح م. سالم المري أنه وحسب معلوماته فإن النظام لم يرفض من المجلس ولكن أتى طلب بضم موضوع الابتزاز ولذلك تأخر لأسباب اجرائية وقد ينال الأغلبية إذا حاز على تقديم جيد من قبل الأعضاء المؤيدين. وقد سبق ورفض مشروع نظام حول موضوع التحرش طبعاً في الدورة الماضية (الدورة الخامسة) ولكن أعيد تقديمه من جديد وبشكل أفضل هذه المرة وقبل تقديمه للتصويت على الملائمة جاء المجلس طلب من الحكومة بإرفاق موضوع آخر به فتأخر طرحه.
وبصفة عامة فإن المهم في رأي م. سالم المري كيفية إقناع من يعتقد أن سن نظام في هذا الشأن تشريع للاختلاط؟ ومن المهم أن يكون النظام شامل لجميع أنواع التحرش الجنسي في المجتمع ويركز على أهمه مثل ما يحصل في المدارس وما يحصل في أماكن العمل للمرأة وأن تكون العقوبات شديدة للتحرش الذي يصدر من مسؤولين أعلى مرتبة من الضحية.
وعلق د. خالد الرديعان بأن الذين أساءوا للنظام وأثروا على مجلس الشورى في عدم مناقشته مرة أخرى هم بعض المتخوفين وقد تناولوا ذلك في برامج تلفزيونية في بعض القنوات ومن ثم كرسوا لدى الناس أن القانون سيكون ضاراً وأنه حيلة لشرعنة الاختلاط… هكذا تم فهمه للأسف…نحن نقول يلزم وضع عقوبة تعزيرية لمن يتحرش… أين الاختلاط هنا؟ إن مشكلة القضايا الاجتماعية التي تكون المرأة طرفاً فيها أنها تخلق انقسام اجتماعي واصطفاف فيتم تصنيف الناس إلى محافظ وليبرالي… يتم تسييس كل قضية تمس المرأة وهنا الاشكالية دون الدخول في لب المشكلة ومعالجتها.
لكن ومن وجهة نظر أ. ليلى الشهراني فإن تفعيل القوانين وتطبيقها بحزم ، أفضل من التوجس منها وربطها ببعض الاتفاقيات الدولية ، وبعض من رفض هذا القانون كانت حجته أنه يشرعن الاختلاط ، وأننا لا نحتاجه بسبب احتكامنا للشريعة ووجود الاحتساب متمثلاً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لكن ما الذي يمنع أن يكون هذا القانون مسانداً لها ، التحرش اليوم لم يقتصر على تلك المتبرجة بزعمهم ، بل حتى المحجبة والقاصر والأطفال أيضاً لم يسلموا من ذلك ، ولا تجد أ. ليلى مبرراً لخوف البعض من قانون التحرش فجميع القوانين التي فيها حماية تكون ضرورة خصوصاً في وقتنا الحالي ، مشكلة البعض أنه يقيس زمن السلف والصالحين على زمننا هذا ، يجب أن ندعم مثل هذه القوانين ولا ننظر لكل ما يستجد على الحياة بأنه مؤامرة ، فالمؤامرة أن أعطل كل ما فيه النفع للبلد وللبشر بسبب خوف لا مبرر له. أما الرفض لكل قرار فيه مصلحة بحجة أنه قد يشرعن الاختلاط و أن فيه اضراراً كبيرة ، نعم الشريعة الإسلامية نظمت حياة الفرد والمجتمع ولكن هل طبقت كما ينبغي؟ ، أصبحنا في زمن يخاف فيه الناس من سوط السلطان أكثر من خوفهم من مما جاء به القرآن ، التحرش لا يقتصر على المرأة دون الرجل ، فهناك تحرش ناعم وكيدي أيضاً من بعض النساء للرجال ، وهناك التحرش بالأطفال وتخويفهم فيكبر الطفل بشخصية مهزوزة وربما حتى منحرفة وقد يفسره بروز نوعيات قلبت الفطرة من الإناث والذكور، وهناك التحرش بالخادمات وهو النوع المسكوت عنه وكأنهن بلا حقوق ، وكم من قضايا تكون فيها الخادمة ضحية نزوة كفيلها أو أحد الأبناء ، والسبب أنها لم تستطع إيقاف التحرشات في البداية بقانون يحمي إنسانيتها ويحفظ حقوقها ، وجود قانون ضد التحرش لا نقول أنه سيوقفه لكن سيحد منه ، والذي نخشاه فقط منه هو أن تتحول بعض الخلافات أو المواقف إلى شكوى كيدية.
وفي تقدير د. حميد المزروع فإن حلول الأمس والمتصلة بأنواع التحرش ليست بالضرورة نافعة أو مفيدة لأسباب وعلاج التحرش بأنواعه السائد حالياً ، نحن نعيش في زمن تتبدل فيه القيم ، ونتعايش مع جنسيات مختلفة لها قيم متباينة تجاه مفهوم التحرش وأثارة النفسية ، وعليه يميل د. حميد إلي وجود أنظمة واضحة وحملات توعوية مستمرة تتبناها جمعيات متخصصة ، لعلها تقلل وتعالج هذه الظاهرة.
ويرى د. زياد الدريس أن القوانين والتشريعات التأديبية الصارمة ستجدي بلا شك في تقليص النسبة لكن هذا لا يمنع من إقرارنا بأن حلول تقليص نسبة التحرش الجنسي تكمن في ثلاثة دوافع تردع المتحرش قبل الإقدام على ذلك:
- الوازع الديني بالخوف من الله.
- الوازع الإنساني بالحياء من الذات والمجتمع.
- الوازع التشريعي بالخوف من القوانين العقابية.
ولحسن الحظ أن طبائع مجتمعنا يمكن أن تستوعب وتستجيب للروادع الثلاثة، حتى وإن ضعفت استجابة بعضها دون الآخر.
وذهبت أ. مها عقيل إلى أنه من الواضح أن الكثير يرى أهمية وضرورة وضع قوانين صارمة في الأماكن العامة وفي العمل.. واستناداً إلى تجربتها الشخصية قالت: أنا أعمل في مكان مختلط ولاحظت أن ما تعتبره بعض الفتيات تحرش، مثلا كأن يقال لها عبايتك جميلة، واُخرى تراه عادي.. فمتى يطبق القانون والعقاب. هل حسب ما فسرته أو شعرت به الفتاة أم حسب ما اعتقده الرجل بأنه قول عادي أم يعرض الموضوع على لجنة أو عدد من الزملاء لاتخاذ الموقف المناسب.. اتفق أنه قد يساء استخدام القانون في قضايا كيدية أو مجرد سوء فهم وعدم حسن التصرف أو القول.. ولكننا بحاجة إلى قانون ونظام صارم في الأماكن العامة. وفي العمل أيضاً وتوضع آلية مناسبة للتعامل مع كل شكوى أو حالة. بالإضافة إلى زيادة الوعي وتثقيف الشباب والفتيات عن التصرف والحديث والملبس اللائق خارج المنزل سواء في السوق أو العمل.. أما غياب الوازع الديني فيبدو أمراً مستغرباً حقاً ونحن أكثر بلد يدرس فيها الدين. ولكن يبدو أن طريقة تدريسه وتطبيقه وما الذي يدرس منه هو المشكلة.. كذلك فإن الفصل التام بين الجنسين يعيق النمو الطبيعي للعلاقة الودية المحترمة بينهم وينحصر أي “اختلاط” بينهم في كونه حرام وسيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وقالت د. فاطمة القرني: كنت ولم أزل مع إقرار قوانين عقوبات لمعالجة مشكلة التحرش وكذلك الابتزاز ولكن مع التأكيد على أن يشارك في صياغتها مختصون ومختصات في علم النفس والاجتماع وغير ذلك مما له تعالق بشكل أو بآخر في فهم هذه الظاهرة وتفسيرها والوقوف على أسبابها مؤكدة أيضا على ضرورة أن يكون للعقوبات البديلة ذات الصلة بخدمة المجتمع مكانا بينا هنا وذلك درءاً لما يقع فيه كثير من القضاة من سوء التقدير للعقوبة التعزيرية التي يقررونها ..أخيراً .. أجد أن وجود المرأة في مختلف القنوات التي تمر عبرها إجراءات قضايا التحرش ضبطاً.. وتحقيقاً ..وتقدير و إقرار عقوبة.. ومتابعة ضرورة ملحة لتحقيق العدالة وكذلك لتحقيق الغاية من العقوبة معالجة وتقويماً للسلوك.
وفي الإطار ذاته أشار د. فهد العرابي الحارثي إلى أنه كان ممن ألحوا كثيراً على تجريم التحرش وفرض عقوبات تعزيرية رادعة له ، وهذا معمول به في كثير من بلدان العالم ، من أمريكا إلى دبي القريبة منا. وكون المرأة جميلة أو كان وجهها مكشوفاً فهذا لا يبرر أن يتحرش بها سفيه أو رقيع. و دائماً سيكون هناك مبرر لفعل نزق يقوم رجل بلا مروءة. وأضاف د. فهد في بعض البلدان ليست المرأة مضطرة لتقديم شكوى فالأماكن العامة والأسواق مراقبة ويتم القبض على المتحرش حتى بدون علم الفتاة أحياناً. نحن في حاجة إلى قانون أو تنظيم يردع المستهترين والسفهاء وعديمي المسؤولية. و بدلاً من منع الشباب من دخول الأسواق ، وهو الفعل الذي يجعل العالم كله يضحك منا وعلينا ، فلنضع القوانين التي تجرم مثل هذا الأفعال و لن نرى شاباً واحداً يقوم بمثل هذه الأفعال المشينة.
ويعتقد أ. خالد الحارثي فيما يخص المعارضة من بعض الفئات النافذة الذين يعارضون نظام مكافحة وعقوبات التحرش الجنسي ، أننا انشغلنا كثيراً بتوضيح أهمية وجود النظام وتركنا جهة المعارضة تعارض بشعارات كبرى دون تفنيد ولا نظر إلى حججهم وبرهانهم ، وهذا جعل وصولهم للمؤثرين في صناعة القرار وصولاً فردياً استأثر بالحجة منفرداً دون مقابلة ذلك بالنقد المقابل. ويرى أ. خالد ذلك لأن الحجج لدى ذلك الطرف ليست حججاً يمكن البناء عليها ، فهي تذهب إلى معالجات الظاهرة بالتوعية الدينية ، وغرس الأخلاق ، وما إلى ذلك ، أو ترك الأمر برمته إلى القضاء، وهذه لا تصل إلى مرحلة الضبط الجنائي الذي يتناسب مع الحالة الموصوفة (التحرش الجنسي) وإثبات التلبس وغيره ، وأيضاً أنها تفترض وجود جهاز وجهة وحيدة تتعامل مع الملف وهي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي بدورها جهاز غير ملتزم بدوره حسب الأنظمة ، كما أن أنظمته مطاطة جداً ويمكن التلاعب بها في جميع الاتجاهات. ومن وجهة نظر أ. خالد الحارثي فإن تسليط د. الرديعان الضوء على الظاهرة أظهر أيضاً أهمية تدارك انفلات هذا السلوك المرضي وتأثيره على بقية أنشطة المجتمع وعلاقاته ببعضه البعض ، وضرورة دخوله في مرحلة التشريعات سريعاً عن طريق بحث الحلول التي تحيد المعارضين من التدخل لمنعه أيضاً.
أما د. الجازي الشبيكي فتضيف إلى أهمية القوانين الرادعة أمراً أخر؛ حيث ترى أن أفضل علاج لمثل هذه الظاهرة هو الموقف التربوي الذي علًمنا إياه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام لمن طلب منه الإذن بالزنا حينما قال له : أترضاه لأمك ، أترضاه لأختك …إلخ. بالإضافة إلى التربية السليمة المُتمثلة في أهمية احترام الإناث منذ الصغر وعدم التعدي عليهن بأي شكل من أشكال التعدي.
وأكدت د. سامية العمودي على ضرورة بناء الثقة مع بناتنا من صغرهن وتعزيز بناء الشخصية ليرفضن التحرش وليشعرن بالأمان ويبلغن الأهل دون خوف من إلقاء اللوم عليهن ففي التحرش ليس هناك أي مبرر للمتحرش مهما كان مظهر المرأة وهذا يختلف عن من تسئ السلوك فهذا تراضي بين الطرفين وليس باعتداء ونتمنى لو يتم التشهير بمن يفعله ليكون عبرة لغيره.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
(حسب الحروف الأبجدية )
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- أ. أسامة النقلي
- د. الجازي الشبيكي
- م. حسام بحيري
- د. حمد الماجد
- د. حميد المزروع
- د. خالد الرديعان
- أ. خالد الوابل
- د. خالد بن دهيش
- أ. خالد بن عبدالعزيز الحارثي
- العميد. راشد بن عيضة الحارثي
- د. زياد الدريس
- م. سالم المري
- د. سامية العمودي
- أ. سعد البلال
- اللواء د. سعد الشهراني
- أ. سعيد الدحيه الزهراني
- د. عائشة حجازي
- أ.د. عبدالرحمن العناد
- د. عبدالرحمن الهدلق
- د. عبدالسلام الوايل
- أ. عبدالله آل حامد
- د. عبدالله الحمود (رئيس منتدى أسبار)
- أ. عبدالله الضويحي
- أ. عبدالله بن كدسه
- د. علي صديق الحكمي
- أ. علي عبدالله بن علي
- أ. فاطمة الشريف
- د. فاطمة القرني
- د. فايز الشهري
- أ. فايزة محسن الحربي
- د. فهد العرابي الحارثي
- د. فوزية أبو خالد
- أ. كوثر الأربش
- أ. ليلى الشهراني
- د. محمد السلمي
- د. مساعد المحيا
- د. مسفر السلولي
- أ. مسفر الموسى
- أ. مطشر المرشد
- د. منصور المطيري
- د. منى أبو سليمان
- أ. مها عقيل
- د. نجيب غلاب
- د.م. نصر الصحاف
- أ. هداية درويش
- أ. يحيي الأمير
- أ. يوسف الكويليت
تحميل المرفقات : التقرير الشهري الرابع