التقرير الشهري 6

شهر سبتمبر 2015م

ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر سبتمبر 2015م العديد من الموضوعات المهمة، وشملت القضايا الرئيسة التي تم طرحها للحوار الجاد على مدار الشهر: البدائل الاستراتيجية غير النفطية لتعزيز الدخل الوطني في المملكة خلال العشرين عاماً القادمة، وأدوات تحقيقها، إضافة للقضية المتعلقة بأوضاع سوق الأسهم ومقترحات معالجتها في ضوء نقاط الضعف الهيكلية والتنظيمية، وكذلك قضية إعلام السلطة وسلطة الإعلام بين التوافق والخصام، بجانب قضية البدون بما تنطوي عليه من أبعاد متعددة، فضلاً عن قضية الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة وما تنطوي عليه من إشكالات وما يمكن تقديمه من حلول مقترحة.

أيضا فقد حظيت الزيارة الملكية إلى أمريكا “عاصفة الحزم السياسية” باهتمام أعضاء المنتدى، خاصة وأن منتدى أسبار حظي  بوجود بعض أعضاء المنتدى ضمن الوفد السعودي المتزامن وزيارة خادم الحرمين الشريفين للولايات المتحدة الأمريكية وهم على سبيل الحصر: سعادة السفير أ. أسامة نقلي، و أ. مطشر المرشد، و د. علي الحكمي، و د. ناهد طاهر، و د. منى أبو سليمان، و أ. كوثر الأربش، و أ. يوسف الكويليت. وقد كانت هذه فرصة مواتية لإثارة حوار بناء شارك فيه أعضاء المنتدى بمداخلات معمقة أمكن بلورتها في محاور محددة شملت الأبعاد: (السياسية والاقتصادية والاتصالية والتنظيمية) للزيارة الملكية جنباً إلى جنب مع أبعاد أخرى ذات صلة.

محتويات التقرير

المحور الأول: البدائل الإستراتيجية غير النفطية لتعزيز الدخل الوطني في المملكة خلال العشرين عاماً القادمة، وأدوات تحقيقها

  • المدخل العام
  • البدائل الاستراتيجية غير النفطية: تشخيص الواقع الحالي ورصد المخاطر/التحديات
  • البدائل الاستراتيجية غير النفطية: الآليات المقترحة
  • الصندوق السيادي: هل يكون الحل العاجل والبديل للنفط؟

المحور الثاني: مقترحات لمعالجة أوضاع سوق الأسهم

  • المدخل العام
  • سوق الأسهم: نقاط الضعف الهيكلية والتنظيمية
  • التأثيرات النفسية على سلوك المستثمرين في سوق الأسهم
  • الوصايا العشر لحماية المتعاملين في سوق الأسهم

المحور الثالث: إعلام السلطة وسلطة الإعلام بين التوافق والخصام

  • المدخل العام
  • إعلام السلطة وسلطة الإعلام: تعقيبات ومناقشات تحليلية

المحور الرابع: الزيارة الملكية إلى أمريكا “عاصفة الحزم السياسية”

  • مسار العلاقات السعودية الأمريكية في ضوء البيان المشترك
  • الأبعاد السياسية للزيارة الملكية لواشنطن: انعكاسها على العلاقات السعودية / الأمريكية وعلى الأوضاع في المنطقة
  • الأبعاد الاقتصادية للزيارة الملكية لواشنطن: تنشيط الاستثمار وفتح نشاط تجارة التجزئة للشركات الأجنبية بالسوق السعودي وقضايا ذات صلة
  • الأبعاد الاتصالية للزيارة الملكية لواشنطن: بروز “الخطاب الإقناعي” وإدماج “المكوّن الشعبي” في معادلة المصالح الاستراتيجية للمملكة
  • موقف اللوبي الإيراني في أمريكا من زيارة الملك سلمان لواشنطن
  • على هامش الزيارة: الأمر الملكي بإلحاق الدارسين على حسابهم الخاص في أمريكا بالابتعاث الخارجي
  • الزيارة الملكية: توصيات مستقبلية
  • تعليق ختامي

المحور الخامس: قضية البدون

  • المدخل العام
  • البدون: تعقيبات ومناقشات تحليلية حول الأسباب والأبعاد المتضمنة
  • مقترحات لمعالجة قضية البدون

المحور السادس: الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة الإشكالات والحلول

  • المدخل العام
  • الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة: الواقع والإشكالات الراهنة
  • الحلول المقترحة لتحسين منظومة الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة

المحور الأول

البدائل الاستراتيجية غير النفطية لتعزيز الدخل الوطني في المملكة خلال العشرين عاماً القادمة، وأدوات تحقيقها

الرجوع للأعلي

المدخل العام:

عرض أ. مطشر المرشد ورقة عمل حول البدائل الاستراتيجية غير النفطية لتعزيز الدخل الوطني في المملكة خلال العشرين عاماً القادمة، وأدوات تحقيقها. وتضمنت الإشارة إلى أنه وخلال العشرة سنوات الأخيرة حققت المملكة إيرادات سريعة بسبب ارتفاع أسعار النفط ، حيث تراكمت الفوائض ما بين عام 2004م  ومنتصف 2014 م وحسب التقارير الرسمية بلغ إجمالي الاحتياطيات بما فيها الذهب 2.77 تريليون ريال. وبهذا أصبح الاقتصاد السعودي في المركز الثالث بعد الصين واليابان كأكبر اقتصاد عالمي في إجمالي الأصول الاحتياطية بنهاية يوليه 2014. ولقد تخطت أصول المملكة الاحتياطية 9 أضعاف إجمالي الأصول الاحتياطية لمنطقة اليورو حتى نهاية 2014م ، علماً أنها كانت تشكل نحو 63% من إجمالي الأصول الاحتياطية لدول الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2011. أيضا تم تخفيض الدين العام لتصبح المملكة أقل دول العالم في نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي ، حيث انخفض من ما يقارب 97% إلى 2% بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي بنهاية 2014.

وفي شهر مارس 2014م أعلنت وكالة فيتش (Fitch) عن رفعها للتصنيف السيادي للمملكة من (-AA) إلى (AA) مع نظرة مستقبلية مستقرة… إذا لماذا القلق؟

  • أولاً: استمرار اعتماد الاقتصاد الوطني بشكل كبير على الدخل من مبيعات النفط مستمر طوال الخمس وثلاثون سنة الماضية (90% من  وارد الصادرات).
  • ثانياً: النفط يعتبر من موارد الطاقة غير المتجددة أو الناضبة ، وهذا بحد ذاته أمر مقلق رغم ضخامة احتياطيات المملكة من النفط الخام.
  • ثالثاً: زيادة عدد السكان بشكل كبير ونسبة من هم دون سن 25 سنة يشكلون 62% من إجمالي السكان 29 مليون.
  • رابعاً: مصروفات والتزامات البرامج الاجتماعية تتزايد سنوياً.
  • خامساً: الصرف على مشاريع البنية التحتية وتكاليف تشغيلها وصيانتها.
  • سادساً: رغم الانفاق الحكومي السخي ، إلا أن معدل خلق الوظائف منخفض.
  • سابعاً: استمرار تزايد مصروفات الأمن القومي كمشتريات الدفاع ، وأخرى لها علاقة بالأوضاع الجيوسياسية.

ومن الواضح أن الالتزامات في بند المصروفات ستتزايد بشكل كبير خلال العشرين عاما القادمة ، وفي المقابل من الصعب التكهن بمستقبل أسعار النفط ومدى استمرار الطلب العالمي. وبهذا يصبح مطلب تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني هدفا استراتيجيا يجب تحقيقه بأسرع وقت ممكن… فما هي البدائل؟

وأضاف أ. مطشر المرشد: بما أننا نتحدث عن العشرين سنه القادمة ، سأكون واقعيا في الطرح ولن أتعمق بالحديث حول الاستغناء عن دخل النفط بالكامل مستبعدين نضوبه أو إيجاد بدائل كافية بهذه السرعة. بل سيتم التركيز على طرح نقاط محددة ومختصرة حول رفع كفاءة الأداء في الاقتصاد وكيفية الترشيد وتحفيز مصادر الدخل الأخرى.

نقطة البداية قد تكون إنشاء وتنشيط سوق ثانوية لطرح وتداول الصكوك والسندات، وتشجيع المشاريع الحكومية والخاصة على تمويل احتياجاتها ذاتيا من خلال طروحات صكوك وسندات بمدد مختلفة. بهذا نخفف أعباء الموازنة العامة ونعطي مساحة كافية للمشاريع الناجحة بالتوسع وتمويل عملياتها، ومن أهم الخطوات الأخرى المطلوب اتخاذها ما يلي:-

  • التعامل السريع مع آفة الفساد وتقليصها ورفع مستويات الشفافية والإفصاح.
  • الاستثمار في رأس المال البشري من خلال تطوير التعليم والتنمية البشرية.
  • ترشيد الانفاق الحكومي وتركيزه في اتجاه مشاريع تخلق فرص وظيفية بالتعاون مع القطاع الخاص.
  • رفع قيمة سعر ارتباط الريال بالدولار من 3.75 ريال لكل دولار لتصبح 3 ريال مقابل دولار.
  • إعادة النظر بطرق تقديم الدعم في قطاعات مثل المواد الغذائية الأساسية و الطاقة.
  • بناء قاعدة صناعية متنوعة لا ترتبط بقطاع النفط والغاز.
  • إعادة تصويب سياسة جذب الاستثمار الأجنبي وجعلها تركز على الشراكات الاستراتيجية خصوصًا في القطاعات الخدمية.
  • تشجيع الاستثمارات والتمويل في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
  • تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي فعال ، يستثمر وفق أهداف استراتيجية مثل تنويع مصادر الدخل والأمن الغذائي.

البدائل الاستراتيجية غير النفطية: تشخيص الواقع الحالي ورصد المخاطر/التحديات

استهل أ. خالد الحارثي تعقيبه على ورقة أ. مطشر المرشد بالإشارة إلى بعض المفاهيم الرئيسة المتعلقة بمستوى التناول والطرح في الموضوع وتشمل تحديداً:

1- “الاستراتيجية” / “التخطيط الاستراتيجي”.

والفرق بينها وبين

2- “إدارة العمليات في الاستراتيجية” / “الإدارة الاستراتيجية”

حيث إن المكون الأول يتعامل مع دراسة الوضع الراهن الذي يفرض أو يقترح الخيارات/البدائل الاستراتيجية بناء على الموارد المتاحة ، والمكون الثاني يتعامل مع (منتج المكون الأول) تحقيق هذه الطموحات /الخيارات/ البدائل الاستراتيجية التي ننوي المضي فيها وتطبيقها واعتمادها.

وأوضح أ. خالد الحارثي أننا بصدد المكون الأول والذي لا يستغرق إنتاجه الأولي فترة طويلة نسبة إلى طول الفترة التي يستغرقها المكون الثاني ، إضافة إلى الارتباط بين المكونين لصيانة المسارات التي تحقق الهدف المقصود ابتداء. التغيير المنشود من اقتصاد يعتمد بشكل كامل على بيع النفط إلى اقتصاد متنوع الإيرادات هو تحول حاد وضخم ويطال كامل الهيكل المؤسسي للحكومة ، المحاسبة على سبيل المثال والرقابة ليست بالغة التعقيد في نموذجنا الحالي وتعتمد على مركزية القرارات ، وعموم النموذج الحالي هو نموذج مركزي يمكن إدارته بمركزية رغم مساحة المملكة وعدد السكان لأن المورد الأهم هو مورد واحد وحوله ومنه وله ترتكز بقية النظم والإجراءات والقرارات والسياسات ، وهو أسهل بكثير من إدارة النموذج المنشود المتنوع ، إذ المخاطر المصاحبة له مخاطر أكثر حدة وشدة إذا لم تكن أنظمة الرقابة والمحاسبة معقدة ودقيقة ، وهذا سبب إضافي يجعل تبني المبادرات نحوه مكتنف بالصعوبة فالخيارات والبدائل الاستراتيجية ليست في مجرد تبني التوجه نحو اقتصاد متنوع بل هناك بدائل أخرى يتحتم اتخاذ قرارات بشأنها في الإدارة والمحاسبة والتقنية. مما يحمل النخب الثقافية جانب كبير من المسئولية في تنمية وتعبئة الرأي العام بالوعي والنقاشات حول مختلف الموضوعات والقضايا في ثنايا هذا التحول الكبير المنشود والحتمي للاستقرار والمنافسة. عموماً ، تحقيق هذه الطموحات في حالة تبنيها يتطلب دعم جاد مستمر في التنفيذ ودعم جاد في صيانة وتصحيح المسارات لتوليد بيئة ناضجة (الهدف المنشود ابتداء) ، ورقابة صارمة (Check & Balance)

وأضاف أ. خالد الحارثي عدد من (المخاطر / التحديات) القائمة إلى (المخاطر / التحديات) التي ذكرها أ. مطشر المرشد تحت عنوان لماذا نقلق؟ جاءت على النحو التالي:

  • أولاً: ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب الذين يمثلون كما ذكر أ. مطشر ٦٢٪ من عدد السكان ، وتتراوح ما بين ١٢٪ إلى ٢٧٪ وهي  معدلات عالية قياسا بالنظام الاقتصادي ، وتركيبة السوق البدائية ، والموارد الهائلة ، وحجم العمالة الأجنبية المتضخم جدا في سوق العمل والتي تتجاوز ١١ مليون وافدا مقابل ٢ مليون سعودي نسبتهم من حجم سوق العمل بين ١٨٪ إلى ٢٤٪ دون احتساب وظائف القطاع العام.
  • ثانياً: أزمة الإسكان وغلاء أسعار العقار وقيمة الإيجار ، الأمر الذي يساهم في تقاطع مشكلات تدني الأجور في سوق العمل مع تباعد  أسعار العقار عن المتناول ، وهي أزمة مركبة يُستبعد أن يتم حلها بالطرق التقليدية.
  • ثالثاً: شُح الفرص الاستثمارية أمام الشباب نظرا لسيطرة مجموعات احتكارية كبرى على السلع الاستراتيجية ومكونات النظام الاقتصادي كالبنوك ومؤسسات التمويل ، وكبار المستخدمين (Employerss) ، وسيطرة العمالة الأجنبية على الفرص التجارية خارج نطاق نظام الاستقدام/الإقامة ونظام الاستثمار الأجنبي ، مما يضر بفعالية آليات توزيع الثروة ويحد من إنتاجيتها وصلاحيتها ، ويزيد من الاحتقان في أوساط الشباب لشح مصدر الرزق الكريم.
  • رابعاً: ضعف القدرات الفنية والمهنية والتجربة ، وضحالة مستويات العمق والتراكم المعرفي والخبراتي في كافة القطاعات بداية من  مراكز البحث العلمي والمعامل وحتى المستوى المهاري لليد العاملة المباشرة.

أما د.م. نصر الصحاف فقد بدأ تعقيبه بالتأكيد على أن الخروج من هذه المحنة لن يكون بالشيء السهل ويحتم على المجتمع ككل شد الحزام في الفترة القادمة لتجاوز أزمة لم تعالج على النحو المطلوب منذ عقود طويلة ، ولا شك أن السياسة الاقتصادية المتبعة حالياً تعتمد على تصدير النفط الخام بما يشكل نسبة ٩٢ ٪ من الدخل العام ويجب تعديل ذلك على المدى الطويل بأرقام قابلة للتحقيق مثل تخفيض الاعتماد من هذه النسبة المرتفعة إلى ٥٠٪ كمرحلة أولية (يمكن تحقيقها في العشر سنوات القادمة). أيضا فإن من المهم التوسع في الصناعات المعتمدة على النفط بدلاً من تصديره كخام فقط (لاسيما أن الطلب يتزايد على النفط عالمياً بمعدل ٣ – ٤ بالمئة سنوياً) فبرميل النفط الخام المباع بسعر اليوم يعود علينا بعشرات الأضعاف لسعره كمادة مصنعة من الغرب (وهذا يحتم إنشاء مصانع في البلاد وتأهيل العاملين من المواطنين مما يسهم في خفض نسبة البطالة في المجتمع وزيادة القيمة المضافة للسلع المصنعة ناهيك عن الفخر بإنتاج مستهلك محلي منافس في الأسواق العالمية). أما عن الحلول لتعزيز الدخل الوطني فقد أشار د.م. نصر الصحاف لبعض منها وسوف يتم إيرادها في المحور التالي.

ويرى د. خالد الرديعان أن الفرق بيننا وبين إيران -على سبيل المثال- أنها بنت قاعدة صناعية ولديها موارد اقتصادية أخرى غير النفط.. في حين أن اقتصادنا يعتمد على النفط بالدرجة الأولى..وأن إيران ستتأثر حتما بانخفاض أسعار النفط ولكن ببطء مقارنة بدول الخليج العربي النفطية.

وتطرق د. مساعد المحيا إلى أن الضغوط الاقتصادية العالمية تتزايد على اقتصادنا، ويبدو أن واقعنا الاقتصادي برغم ما نتحدث عنه من قوة ومتانة إلا أنه يتهاوى أمام تلك الضغوط … وثمة جوانب قد نرى عدم تناولها هنا لاعتبارات أخرى برغم كونها هي المشكلة الحقيقية في مستقبل المملكة. وقال د. المحيا: أتساءل كثيرا عن مدى قدرة الكفاءات التي تدير العديد من المؤسسات وبخاصة الاقتصادية والإدارية … وبدون إصلاح هذا الخلل سيكون كل حديث عن الإصلاح هو حديث أمنيات يردده الاقتصادي والمفكر ولن يكون لذلك أي انعكاس على الواقع الاقتصادي ولا على مستقبل أي مؤسسة اقتصادية .. نحن نحتاج الكفاءات الإدارية الحقيقية ثم نحتاج إرادة قوية تقتحم كل المياه الراكدة لتقف بنا على ساحل مليء بالخيرات ومستقبل جميل لنا ولأجيالنا ولنحافظ على كل مقدرات هذا الوطن العظيم.

وعلق د. فهد الحارثي بقوله أن قضية البدائل الاستراتيجية غير النفطية لتعزيز الدخل الوطني في المملكة، هي قضية في غاية الأهمية لمستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة. وقد أحدثت التطورات الأخيرة حول أسعار النفط وما يتعرض له الاقتصاد الوطني من هزات .. أحدثت صدمة حقيقية لكل الفعاليات الرسمية وغير الرسمية ما يدفع ، إن شاء الله ، إلى المضي جدياً في وضع التشريعات وإقامة البنى التي تكفل لمستقبل الاقتصاد السعودي الثبات والقوة ، فالمكان هنا والزمان الآن.

وفي السياق ذاته اهتم أ. مطشر المرشد بتناول بعد آخر للأزمة ويتعلق برؤية صندوق النقد الدولي للوضع الاقتصادي بالمملكة؛ حيث أشار إلى مقال جميل فارسي بعنوان: ” يا صندوق النقد الدولي تعوذ من الشيطان وتعلم خصوصية التجربة” والمنشور بصحيفة أنحاء الالكترونية بتاريخ 19 أغسطس 2015. ومما يستحق الاهتمام بالمقال تأكيد جميل فارسي بأن الوضع الاقتصادي في المملكة ليس بالسوء الذي صورة بعض الكتاب غير الاقتصاديين وبعض العامة عند صدور تقرير صندوق النقد الدولي ، فالواقع أن التقرير لم يذكر أن الوضع في المملكة بالسوء الذي تخيله بعض ممن كتب. وهو على حق فأزمات أكبر من هذه مررنا منها بسلام ولدينا في المملكة كل عناصر القوة .

وأورد جميل فارسي مختصر تقرير صندوق النقد الدولي، والذي بين أننا سنواجه عجزا في تمويل الميزانية واقترح السندات كحل وقد بين العيوب والمميزات المتضمنة في اقتصادنا وتشمل العيوب المتعلقة بالاقتصاد السعودي وفقاً لرؤية صندوق النقد الدولي ما يلي:

  • الاعتماد على النفط بشكل أساسي.
  • الانفاق العام المبالغ فيه.
  • الاعتماد على القطاع العام أكثر.
  • البطالة المرتفعة.
  • النمو السكاني الكبير.
  • التوترات الإقليمية التي لا يمكن التنبؤ بها.

وفي المقابل فقد تضمن تقرير صندوق النقد الدولي مجموعة من المميزات المتضمنة بالاقتصاد السعودي وتشمل:

  • قلة الدين العام أساساً.
  • قوة النظام المصرفي والرقابة المالية.

وتضمنت توصيات صندوق النقد الدولي لتحسين وضعية الاقتصاد السعودي ما يلي:

  • الاستدانة بالسندات.
  • استمرار ربط الريال بالدولار.
  • تعديل أسعار الطاقة.
  • رفع كفاءة القطاع العام.
  • السيطرة على ارتفاع بند المرتبات الحكومية.
  • استحداث ضريبة استهلاك وضريبة الأراضي.

أما عن الملاحظات على تقرير صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد السعودي، وفقاً لتحليل جميل فارسي فتتضمن ما يلي:

  • أصاب الصندوق في الإشادة بمتانة الجهاز المصرفي فالحقيقة أن مؤسسة النقد في غاية الصرامة في هذا الأمر.
  • عند تعرض الصندوق للسحب من احتياطاتنا كان يجب توضيح مقدار متوسط العائد عليها خلال عشر سنوات ومقدار متوسط نمو الصناديق السيادية للدول .
  • التقرير ربط بين عجز الموازنة وأسعار النفط ولكن عجبا كيف لصندوق النقد ألا يذكر أننا منذ ٤٥ عاما خططنا لتنويع مصادر الدخل إلا أننا لم نعمل أو لم ننجح وبقيت النسبة ٩٢٪.
  • الانفاق العام أحيانا يدعونا للتعجب فما فائدة ١٧ إستاد رياضي جديد لنا اقتصاديا؟
  • الأهم من ذلك: هل لدينا عموما مناخ لنناقش الانفاق الحكومي فنقول مثلا أن هذا قرار غير صائب؟
  • اقترح الصندوق تعديل تكلفة الطاقة و هذا أمر مهم حيث أننا يجب أن نوقف الدعم السلعي ونحوله لدعم الدخل أي ندعم الفرد وليس السلعة .
  • من المهم إعادة ترتيب أولويات الانفاق من المال العام كخطوة ضرورية لحل كل مشاكلنا الاقتصادية.

وأشار أ. يحيي الأمير إلى مقال مهم لعبد الرحمن الراشد منشور بجريدة الشرق الأوسط بعنوان: الخوف من انخفاض أسعار النفط؛ كونه متصل مباشرة بالقضية الراهنة، ومما تضمنه المقال “أن الأخبار الصحيحة مع الإشاعات والمبالغات تكاد تتفق على أننا على باب مرحلة مالية صعبة، فأسعار النفط هوت إلى أكثر من النصف، وقد تستمر في الانحدار. وهذه ليست المرة الأولى فقد سبق للمملكة العربية السعودية أن مرت بصدمة الاثني عشر دولارا للبرميل في عام 1986وما تلاها من سنوات عجاف. ورغم أننا نعرف منذ قرن أن مدخول النفط زائل، فإننا على مدى عقود نردد دعوى السعي لتنمية «موارد بديلة عن مداخيل النفط». صارت تلك المقولة مجرد شعار بلا معنى. فالاعتماد على أموال النفط ظل يزداد مع كل ميزانية جديدة، حتى توقفنا عن التفكير في معالجة إدماننا البترول في أي زمن مقبل. بوجود سعر البترول الغالي كانت إدارة موارد النفط مهمة سهلة جدا للبيروقراطيين. ففي الميزانية بابان، الإيرادات والنفقات. لا تحتاج إلى ذكاء ولا جهد، مجرد توزيع للمتوقع من ريع مبيعات النفط ومشتقاته، هذه للمستشفيات، وتلك للتعليم، وأخرى لدعم الصناعة، وشراء الشعير والأعلاف للمواشي المستوردة، وهذه للقمح للاستهلاك الآدمي. وتدفع الحكومة معونات للإسمنت، والحديد، والبنزين، والمشروبات الغازية، والكتب المدرسية، والأندية الرياضية، ومكافآت للدارسين في الجامعات! وطالما أن هناك مشترين للنفط فلا يحتاج البيروقراطيون إلى إرهاق أنفسهم بالتفكير، المسألة محاسبية فقط. وكحال المدمنين، سيأتي اليوم الصعب، عندما لا تكفيه الجرعات القليلة ويجد المتعاطي نفسه مريضا. النفط أسهل وسيلة للحصول على المال، والمال السهل يفترض أنه وسيلة استثمار وليس للإنفاق. فالإنفاق على التعليم الجيد ينجب شبابا وفتيات قادرين على الإنتاج، وتحقيق موارد للبلاد، أما الخريجون غير المنتجين فيستهلكون من موارد الدولة ولا يعينونها. هل شاهدتم منتجين كثيرين يمشون على أقدامهم في شوارعنا؟ يفترض أن يستثمر المال الوفير في بناء صناعات قابلة للحياة بعد انقطاع موارد النفط، لكن معظم الصناعات الحالية تحصل على كهرباء وماء ووقود وكلها معانة، وتدار بعمالة مستوردة رخيصة، وهذه المصانع سيغلقها ملاكها فور وقف المعونات عنهم. وفي ظل انخفاض البترول لن يبقى البلد مكتظا بالخدم والسائقين، وهي نتيجة إيجابية، لأن معظم الدول الأغنى منا والأكثر تقدما لا تعرف عادات الكسالى”.

ومما ذكره عبد الرحمن الراشد كذلك “أن التحدي الحقيقي على الحكومة أكبر، حيث يتوجب عليها أن تجد موارد مالية إضافية. مهمتها عسيرة، مما يعني أن عليها أن تعين عقولا مبدعة، وستحتاج إلى إدارة جيدة قادرة على خلق المعجزات، تخفض النفقات وتستكشف موارد إضافية. والحقيقة أن البلد واعد، فالبنوك مكتنزة بأموال الأفراد والشركات التي لا يجد أهلها مجالات لاستثمارها. ولا يزال في جيب الدولة ما يكفي من المليارات من الدولارات لتغيير الخطة والعادات القديمة. فاحتياطات الحكومة المالية والثروات الخاصة تدعو للتفاؤل وليس للتشاؤم مهما تناقصت مداخيل البترول لكن المهمة كبيرة. ومن دون تعديل أهداف التعليم، وتوجيهه لنشاطات منتجة محددة فإن الخمسة ملايين طالب سيصبحون عالة إنما بلا عائل. ومن دون تغيير أسلوب إدارة مؤسسات الدولة، وخدماتها وتجويدها، فإن هذا الفيل الكبير، أي الحكومة البيروقراطية، سيتعب كثيرا، وسيجوع طويلا”. وبرأي الراشد: “ليس سيئا أبدا أن تنخفض مداخيل البترول، لأننا في حاجة إلى صدمة حتى نستفيق على الحقيقة، نستبق الصدمة الأكبر ونصحح المسارات، والوقت مناسب الآن”.

وأشار د. عبدالله الحمود إلى أن الطفرة كانت نعمة لكن بعض إدارتها كان فيه نظر، ومن المهم أن يجتمع الناس على مصلحة الوطن، ويتنازلوا تماما عن تبايناتهم  من أجل اجتماعهم. فالقادم من الأيام يستدعي الوحدة والاجتماع في مواجهة التحديات.

وفيما يخص تحدى هبوط أسعار البترول وعجز الموازنة، أشار د. مساعد المحيا إلى مقال لعبدالعزيز قاسم منشور بجريدة الوطن عدد الجمعة 28 أغسطس 2015 بعنوان: هل نحن على وشك الإفلاس؟، والذي يطالب في مجمله وزارة المالية بالإيضاح حيال عدم استطاعة الدولة دفع رواتب موظفيها بسبب العجز وهبوط سعر البترول. ومن أبرز ما جاء بالمقال “أن سكوت الجهات المسؤولة، إن كانت وزارة المالية أو غيرها، حيال الشائعات التي تعصف بنا؛ سكوت غير مبرر، والمعلومة الآن تتلقى من جهات عديدة، وكثير منها مغرض للأسف الشديد. تدبج اليوم في الصحف الغربية والعربية تقارير تتوالى عن الأوضاع المالية التي تمر بها السعودية، ونفاجأ بتحليلات تذهب بنا يمنة ويسرة، يحار المرء غير المتخصص فيها، فالشائعات وصلت إلى الرواتب التي هي عماد الطبقة الوسطى، وأساس معيشتها،  و أن السعودية لن تستطيع دفع رواتب موظفيها في حالة هبوط النفط إلى 30 دولارا. لتضاء الأنوار الحمراء أمام كثير من المواطنين الذين ضربتهم الحيرة. الحقيقة أن سكوت الجهات المسؤولة، إن كانت وزارة المالية أو غيرها، حيال هذه الشائعات التي تعصف بنا هو سكوت غير مبرر. لا يدحض كل هذه التقارير والشائعات اليوم سوى وزارتي المالية أو البترول، عندما ينبري متحدثها – بشكل دوري ودائم – في الفضائيات والصحف ويتكلم بحقائق وأرقام، ويطمئن المجتمع بأننا بخير إن شاء الله، أو حتى لو كان ثمة هبوط أو تراجع في الأداء الاقتصادي، وهو متوقع بسبب الحرب العادلة في اليمن، أو عودة إيران للتصدير، وبقية تلك الأسباب. يجب أن يوضح ذلك للمجتمع بطريقة بسيطة وسهلة الفهم، بحيث تتبخر الشائعات لتحل الحقيقة ناصعة، ونقطع الطريق على كل مغرض يريد الوقيعة بين المواطن وقيادته. ولنفرض أن ما قيل في تلك التقارير صحيح، وأن أمامنا أياما صعبة، وعهد الطفرة انتهى، وسنأتي لمرحلة شد الحزام، فمن حق الدولة أن يتفهم المواطن طبيعة المرحلة المقبلة، كي يلتحم معها في برامجها التقشفية، وكذلك كي يتهيأ هذا المواطن للآتي، ويتحوّط من الآن، عبر الادخار وعدم الإسراف والكماليات والسفريات السياحية التي أتت على مدخراتنا”.

وذكرت د. منى أبو سليمان فيما يتعلق بقضية النفط أنها عندما كانت في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في عام 2004 ، سألت أحدهم من شركة أرامكو و سابك الذين يحضرون هذا المنتدى الاقتصادي كل عام: ماذا يتعين على المملكة العربية السعودية أن تفعل لاسيما مع التوقع بانخفاض أسعار النفط الصخري، وكانت الإجابة التي تلقتها أنه لا داعي للقلق حيال هذا الموضوع.

من جانبه أكد اللواء د. سعد الشهراني في طرحه لرؤيته على عدة منطلقات أساسية:

  • النفط يلعب في المملكة دورا مزدوجا فهو المصدر الأول و الرئيس للإيرادات العامة و المحرك ربما الوحيد لعجلة الاقتصاد و من جهة أخرى هو المصدر الوحيد للطاقة ( الرخيصة!! ) لدينا ولا يتشابه معنا في هذا أي اقتصاد آخر في العالم و ربما في التاريخ على الأقل في نسب الاعتمادية dependency
  • عمر التخطيط الرسمي لدينا يقترب من الخمسين عاما و لا زلنا نزداد اعتمادية وإدمانا على هذا المصدر الناضب.
  • خلال هذه السنوات مررنا بثلاث مراحل:
  • مرحلة الطفرة الأولى التي أسموها في الغرب الصدمة النفطية oil shock وبدأت في أواسط السبعينات و انتهت في أواسط الثمانينات من القرن الميلادي الماضي وانخفضت نفقات الدولة من أعلى رقم لها في تلك الفترة التي بلغت ما يزيد عن 300 مليار ريال إلى أقل من نصف هذا الرقم ثم بالميزانية الاثني عشرية في عام 1406/1407 تقريباً.
  • المرحلة الثانية بدأت ربما قبل هذا التاريخ بسنوات عندما بدأ الطلب العالمي على النفط ينخفض دافعا أسعار النفط إلى أسفل و معها بدأ الاقتراض الحكومي يتزايد لهذا السبب و لدعمنا للعراق في حربه مع إيران ثم حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وتزايد الدين العام على مدى يزيد عن عقدين حتى وصل إلى ما يقرب من الناتج الوطني و كان في معظمه دين داخلي و هذا خفف إلى حد كبير من الارتهان للمؤسسات المالية الدولية و على رأسها صندوق النقد الدولي و المصارف العالمية.
  • المرحلة الثالثة بدأت مع ما أسميناه الطفرة الثانية في النصف الأول من العقد الماضي و هي فترة انتهت أو تشارف على النهاية وتمثل فرصة أخيرة لعلنا نستدرك فيها وننقذ ما يمكن انقاذه.
  • كان الهدف المستهلك المتكرر حد الملل و الفشل في خططنا التنموية العشر هو تنويع مصادر الدخل ، وبالرغم من النجاحات التنموية الكبيرة في مجالات البنية الأساسية و مستويات المعيشة و الخدمات العامة وغيرها إلا أن فك الارتباط مع النفط و تحقيق تقدم ملحوظ في اتجاه اقتصاد حديث متنوع و ديناميكي لم يكن كما ينبغي ولا قريبا منه بل زادت الاعتمادية كما سبق الاشارة إليه و لم ننوع مصادر دخلنا بعيدا عن النفط ، ليس هذا فقط بل أننا تعايشنا خلال العقود الماضية مع ضيفين غير كريمين: البطالة و الفقر، و هما توأمان متلازمان كانت السياسة الاقتصادية بفروعها المالية والنقدية و التوزيعية و التنموية  كانت كلها بلا استثناء حواضن لهما ومسؤولة عن إنتاجهما إن جاز التعبير.

كذلك وفيما يتعلق باعتمادنا على النفط، أوضح د. مساعد المحيا أننا نستورد كميات كبيرة من البنزين بسعر السوق ثم يتم بيعه بسعر أقل من التكلفة … وطبعا هذا في عدد من أوقات الذروة …وسبب هذا هو نقص معامل التكرير ..نحن فعلا نحتاج أن نبيع منتجات النفط مكررة ليكون العائد علينا أكبر ..في المقابل وبرغم شح المياه لدينا لا نزال نصدر الماء ونبيعه في عدد من الأسواق خارج المملكة .. وهذه تعد من المفارقات العجيبة.

أيضا يرى أ. مطشر المرشد أنه وفيما يخص الأوضاع الاقتصادية والمخاطر المرتبطة بها …في الحقيقة لا جديد ، ردة فعلنا لم تتغير وبقيت لسنوات مرتبطة بمؤشر أسعار النفط ، حين ترتفع الأسعار نصمت ونبذخ وننسى ، وحين تهبط الأسعار نشد الأحزمة وترتفع الأصوات تحذر من غرق السفينة …. !! في كل خطة خمسية على مدى ال ٣٥ سنة الماضية هناك هدف استراتيجي يتكرر ذكره وهو تنويع مصادر الدخل ، وبمجرد تعافي أسعار النفط يتم تجاهل كل الخطوات المطلوبة لتحقيق أهداف تنويع الدخل . وبرأي أ. مطشر فإنه لا يمكن لنا أو لأي جهة أخرى تشخيص المشكلة كاملة بسبب الضبابية وتشابك الصلاحيات .. وبذلك لن نتمكن من تقديم مقترحات فعالة ويمكن تطبيقها ، خاصة في ظل عدم وجود خطة وطنية شاملة بأهداف واضحة ، واستمرار تشابك الصلاحيات وغياب التنسيق بين سبع جهات تدير اقتصادنا الوطني ( دون تنسيق). فبالإضافة لمجلس الاقتصاد والتنمية ..هناك ٧ جهات وكل جهة تعمل منفردة ولا تشارك أو تنسق مع باقي الجهات ، وبنفس الوقت كل تلك الجهات ليس لديهم اتجاه واضح KPIs تتجه نحو أهداف إستراتيجية محددة .. السبب غياب الخطة الوطنية الشاملة، وعدم وجود مايسترو لقيادة جميع تلك الجهات وربطها بمسارات الاختصاص نحو الأهداف الوطنية. ونشير أن الجهات السبع هي:

  • وزارة المالية.
  • وزارة الاقتصاد والتخطيط.
  • مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما).
  • هيئة سوق المال.
  • هيئة الاستثمار.
  • وزارة التجارة.
  • أرامكو السعودية.

وعلق أ.د. عبدالرحمن العناد على ما طرحه أ. مطشر بالقول بأن: انعدام الرؤية يعني انعدام التخطيط ، لكن لدينا وزارة للتخطيط وخطط تنموية مثالية على الورق، فشلت الخطط لانعدام شيء واحد: المحاسبة، وهي الصلاحية التي تنقص مجلس الشورى و تحتاجها الإدارة السليمة للدولة.

ومن ناحية أخرى أضاف أ.د. عبدالرحمن العناد أنه أحيانا لا يرى ما يدعو للهلع، فقد تعودنا خلال السنوات الماضية على فوائض مالية كبيرة ولم يلمسها المواطن ولم تؤثر عليه بشكل مباشر إلا فيما يتعلق بارتفاعات مهولة بالأسعار التي بدأت بالأرز وانتهت برواتب ورسوم استقدام الشغالات حتى المشاريع الكبيرة تعثرت أو تأخرت ، لعل في انخفاض العائدات البترولية فائدة أكبر للمواطنين ولوطن لم يحسن التعامل مع فوائضه. ولعل العبء الآخر والذي ربما سيستمر لزمن هو تكاليف المجهود الحربي في اليمن فتكتمل حلقات المؤامرة … إن كان هناك واحدة  لتركيع المملكة .. من الاتفاق الإيراني وانخفاض سعر النفط  واستئناف إيران بيع نفطها وحرب اليمن.

وعزز السفير أ. أسامة نقلي من وجهة نظر أ.د. عبدالرحمن العناد بإشارته إلى ما كشف عنه تقرير حديث بوكالة (بلومبيرج) من أن أوبك ستجني مكاسب العام المقبل من معركتها الحالية في سوق النفط، كما أوضح التقرير أنه في الوقت الذي تبدو فيه أوبك أنها فشلت في حربها لانتزاع حصة لها في السوق في ظل تراجع سعر النفط الحالي إلى أقل من 50 دولارا  للبرميل، فقد تبدو الصورة مختلفة جليا العام المقبل، ولفت التقرير إلى أنه من المتوقع تراجع إمدادات الدول المنتجة للنفط غير الأعضاء في أوبك بمعدل 200 الف برميل يوميا، بحسب وكالة الطاقة الدولية، في الوقت الذي سينمو فيه الاستهلاك إلى 1.4 مليون برميل يوميا. وتوقع التقرير أن تستفيد المملكة العربية السعودية من هذه التطورات، وتقوم بتوسيع أسواقها على حساب منافسيها الذين تضرروا من تراجع سعر النفط.

واتفق د. علي الحكمي مع رأي أ.د. عبدالرحمن العناد فيما يخص أننا سنخرج من هذه الأزمة أقوى وأفضل، وقال: رب ضارة نافعة. كما يعتقد د. عبدالسلام الوايل أن المملكة قادرة في السنة بعد القادمة على تقليص الميزانية إلى حدود 400 مليار ريال. و بهذا فإن سعر 40 دولار للبرميل سيكون كافيا مع 50 مليار عجز يمكن تمويله عن طريق ال2700 مليار فوائض متراكمة. ما يعني انه من الممكن تحمل سعر 40 دولار لسنوات طويلة.

لكن د. مساعد المحيا تساءل: كيف يمكن أن تكون الميزانية  400 مليار ..فحجم الانفاق يتزايد والمصرفات إن تم تقليصها فذلك يعني ضعف النمو أو توقفه. وأوضح د. مساعد أن ميزانية المملكة في العام الماضي ضخمة جدا بناء على وجود مشروعات تنموية وكان  مؤشرا على ثقتها بأن أسعار النفط ستعود إلى مستويات تدعم أي نفقات مستقبلية. المشكلة أنها كانت مبنية على أسعار تفوق سعر النفط الحالي.

وأضاف د. علي الحكمي: حتى على المستوى الشخصي والأسري أصبحنا مجتمعا استهلاكيا بدرجة كبيرة ونحتاج أن نتعود على الاقتصاد والادخار. نحن نشتري ما نحتاج وما لا نحتاج.. لا بد من كبح جماح هوس الشراء الذي تأسس لدينا بسبب الوفرة المادية وعندها ستنخفض الأسعار… المجتمع الأمريكي في ٢٠٠٨ انخفضت حتى سفرياته في الإجازات داخل أمريكا، وانخفضت مداخيل قطاعات عدة، نحتاج هزة قوية لنتعلم منها.

واستفسرت د. طلحة فدعق عن ميزانية الدولة للسنوات الماضية مقارنة بميزانية السنة الحالية. وفي هذا الشأن أوضح د. مساعد المحيا أن موازنة 2015 حددت بـ 860 مليار ريال والعجز كان يتوقع أن يكون نحو 145 مليار ريال والواقع أن العجز يزداد .. بينما مصروفات العام الماضي كانت 1.1 تريليون ريال وبزيادة 245 مليار ريال. وأضاف أ. مطشر المرشد أنه ما بين ٢٠٠٨- ٢٠١٣ كانت الميزانية العامة السنوية من ٩٠٠ مليار إلى تريليون .. ( دون احتساب مصروفات خارج الميزانية ). إن الانفاق الحكومي الغير مدروس وبالطريقة التي اتبعتها وزارة المالية ، تسببت بأضرار جسيمة بدأنا الآن نرى تأثيرها .. هم تسببوا بحالة يطلق عليها خبراء الاقتصاد crowding out the economy. كما أن حجم الانفاق الحكومي وبالسرعة التي اتبعتها وزارة المالية أدى إلى :-

  • خروج رؤوس أموال القطاع الخاص والمستثمرين + جزء من مدخرات أفراد المجتمع إلى أسواق مجاوره وأخرى بعيدة (شراء أبراج بدبي وفنادق في أوروبا الخ).
  • رفع التكاليف (التضخم) أيدي عاملة ارتفعت تكاليفها و إسمنت وحديد وآليات + مواد بناء وتشييد ، ومواد غذائية.

وبدوره يرى السفير أ. أسامة نقلي أن اقتصاد الدول لا يقاس بحجم النقد المتوفر أو حجم الدين أو السندات .. الخ، بل يقاس بما تملكه الدول من أصول ، فحجم الدين الأمريكي تجاوز مبلغ ٥٠٠ مليار دولار ولم ينهار الاقتصاد الأمريكي، والأصول تشمل ما فوق الأرض وتحت الأرض. كذلك فإنه وعلى مر العقود، شهد سعر البترول انخفاضات حادة، بل وحروب استنزفت الأخضر واليابس من الاحتياطات مثل حرب تحرير الكويت  .. مع ذلك لم ينهار اقتصاد الدولة كما يزعمون… ربما الفرق الوحيد أن الانخفاضات السابقة لم يكن هناك تويتر وواتس اب وفيسبوك التي يزدان بها عام 2015. وعلق أ. مطشر المرشد بأن مجمل التوقعات تشير لتماسك أسعار النفط وباتجاه الارتفاع خلال النصف الأخير من ٢٠١٦.

وأكد د. عبدالرحمن الهدلق وجهة النظر تلك من خلال إشارته لجانب من تحليل المحلل الاقتصادي أ. راشد الفوزان، حيث أوضح أن الاقتصاد السعودي ” قوي ومتماسك” والدولة ليست مدينة واحتياطي النفط ٢،٨ ترليون.. وعلى حد تعبير أ. راشد الفوزان: لو بعنا البترول بـ ٤٠ دولاراً لمدة 4 سنوات قادمة لن نحتاج شيئاً. ومع أنه ليس لدينا مصدر دخل متنوع، وهذه مشكلة الكل يعرفها لكن يظل اقتصادنا قوياً والدليل يومياً نتداول ٤ مليارات، وفي ظل هذه الظروف الراهنة.

وأوضح أ. خالد الحارثي أن هناك فرقا بين استنزاف الفوائض لسد العجز والاصلاحات المالية الشاملة  .. النتائج في اتجاهين متعاكسين تماما ..النتائج محكومة بالكثير من العوامل التي لا يمكن التحكم فيها ، بل في أفضل الحالات الحد من أثرها risk mitigation وفي حالة الاستمرار دون إصلاحات جذرية فالتوقعات ليست مشجعة .. أيضا نحن لا نرى حراك ينبئ عن هذه الإصلاحات.

وفي معرض تعليقه على ورقة أ. مطشر، أشار أ. عبدالله آل حامد إلى أن جميع الخيارات المتاحة لتنويع مصادر الدخل لن تنجح إلا بانتعاش السيولة النقدية الحكومية القائمة على أسعار وعائدات البترول كذلك القطاع الخاص مشلول وعاجز بدون الدعم الحكومي. وبعيدا عن الجانب الاقتصادي دعنا ننظر إلى الجانب الاجتماعي وإن كان أ. عبدالله حامد لا يرى انفصام بينهما فغياب ثقافة كسب اليد واليد العاملة الوطنية يفاقم المشكلة وقد خلق النظام التعليمي القائم مجتمعا متعلما مثقفا مدركا ولكنه عاجز حتى أمام إصلاح إحدى مصابيح المنزل التي من أجلها انطلق السائق المنزلي ليحضر الكهربائي المتخصص في السباكة والسلم حتما ستحضره الخادمة المنزلية لبلاط صاحبة الجلالة ، ومن ضرب المثل أصل إلى حقيقة تقول “الاقتصاد المشلول نتيجة مجتمع معاق” ولو اعترفت الحكومة أن ثلث وربما أكثر من موظفيها يعيشون بطالة مقنعة ورواتبهم أشبه بالضمان الاجتماعي الذي يمنح بالمجان فكيف ستوفر الوظائف باقتصاد مشوه وكيف ستواجه أزمة البطالة ولازال ٦٩٪ من أبنائها في سن الوظيفة والبحث عنها أو قريبا جدا هم كذلك.

وعلق أ. خالد الحارثي على ما طرحه أ. عبدالله آل حامد بأن ما يبدو أنه ترف كاستخدام السباك والكهربائي الأجنبي والشغالة المنزلية ليس إلا ناتج طبيعي لضعف نظم الجودة ونظم رأس المال البشري ، وبينهما ارتباط واعتمادية تولدان بعضهما البعض:

  • ضعف سلسلة ضبط جودة المقاييس والمواصفات في مواصفات المباني والتصاميم ومواد البناء وقطع الغيار واليد العاملة. يدخل في ذلك التصاميم الهندسية للبناء وملائمتها للبيئة ، والمرافق والإنارة والمواصفات القياسية للمواد والأدوات المستخدمة.
  • انهيار المنافسة في سوق العمل في وظائف الإنشاءات والصيانة بأنواعها الانشائية والبلدية والسيارات والالكترونيات. عندما تضعف الجودة وتتكرر الأعطال وتتوفر مواد بمواصفات ضعيفة تكون اليد العاملة رخيصة تبعا لذلك. الجودة تحدد سعر المنتج والخدمة.

أما أ. عبدالله الضويحي فلخص وجهة نظره حول قضية البدائل الاستراتيجية غير النفطية في النقاط التالية:

  • أولاً: أن العمل لدينا في كثير من القطاعات خاصة الحكومية ليس عملا مؤسساتياً فالمسؤول يرى أنه مؤقت لذلك يعمل ليقال عندما يغادر الكرسي (عمل فلان) وليس (عملت الوزارة أو الجهة الفلانية) ومن هنا فهو يعتمد كثيرا على رؤيته الشخصية أكثر من رؤى الآخرين خاصة من خارج القطاع حتى لا ينسب النجاح لغيره…منذ نصف قرن بدأت خططنا الخمسية وفي كل خطة التأكيد على بدائل البترول وطوال نصف قرن لم تتغير نسبة اعتمادنا عليه كمصدر دخل رئيس إذا ماهي البدائل التي تتحدث عنها الخطة !؟ وكيف ينظر واضعها للمتلقي وهو المواطن هنا وهو يكرر القول ذاته دون تغيير !؟
  • ثانياً: بالإشارة لسوق العمالة والتحويلات المالية كيف يمكن لعامل أن يحول شهريا عشرة أضعاف مرتبه دون مساءلة من أين لك هذا !؟ ومن المستفيد !؟ وماذا عن هذه التحويلات المالية لو بقيت داخل الوطن !؟ أيضا فإن قرار تحديد ساعات العمل في الأسواق والمراكز التجارية والمحلات الصغيرة والذي يخلق فرصا عديدة للشباب السعودي من المستفيد من عدم إقراره !؟
  • ثالثاً: المعروف أن مصادر الطاقة ثلاثة:
  • الطاقة الهيدروكربونية كالبترول والغاز الطبيعي والفحم وهذا النوع من المصادر قابل للنفاد.
  • الطاقة البديلة وهي متعددة ومنها المائية والشمسية وهي ما يهمنا هنا وهذا النوع مصدر دائم مادامت السموات والأرض (غير نافد).
  • الطاقة النووية.

وكل هذا الأنواع نستطيع توظيفها لكن لنترك النووية ونتساءل:

ماذا عن الأولى ولماذا نصدر البترول ونعود نستهلكه بسعر أغلى !؟

ماذا عن هذا النوع من الصناعات ولماذا لا نتوسع فيه !؟

أما الثانية فلدينا آلاف الأميال من الشواطئ المهملة ولدينا شمس مشرقة، لماذا لا نستفيد من هذين المصدرين دون تفصيل في طرق الاستفادة.

  • رابعاً: يبدو أننا متأثرين بتراثنا العربي (لنا الصدر دون العالمين أو القبر) فإما غنى فاحش من البترول أو ربط الأحزمة وشح في المصروفات رغم أننا أمة وسطية إلا في هذا الجانب. ونطبق سياسة ( أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) ليس هناك تفكير أو تخطيط للمستقبل وأصبح حالنا معه كما قال نزار:

هجم النفط مثل ذئب علينا

فارتمينا قتلى على نعليه ..

واختتم أ. عبدالله الضويحي طرحه بالتساؤل: هل تعتقدون أننا ندفع ثمن قرار إيقاف النفط عن الغرب في حرب أكتوبر 73 !؟ بمعنى: هل استفاد الغرب منها وكانت درس له ليخطط للمستقبل ويبحث عن بدائل لفقده الثقة في النفط العربي كمصدر طاقة هذا من ناحية ..ومن ناحية أخرى فرض سياسات ندفع ثمنها أيضا فزاد الطلب عليه لتدخل الطفرة الأولى ليعيدنا للمربع الأول بعدها بعشر سنوات ثم يدخلنا في صراعات وحروب ليستنزف ما تبقى ليعود مرة أخرى قبل عشر سنوات في طفرة ثانية وها هو يحاول إعادتنا للمربع الأول من جديد ممارساً معنا سياسة الأرنب والجزرة ونحن في المدرج نتفرج.

وأشار د. فايز الشهري إلى رأيه المنشور ضمن أحد مقالته وجاء به: أنه لم يعد مجديا أن نكتب الآن عن نجاحات وإخفاقات خطط التنمية التسع الماضية في إزاحة هموم وهواجس الاعتماد الكلّي على النفط وتنويع مصادر الدخل. ولم يعد مهما أن نعدّد كم كتبنا ورجونا مؤسسات الدولة والأجهزة الحكوميّة التنفيذيّة عبر الصحف ووسائل الإعلام وفي الندوات الخاصة والعامّة ونحن نحذّر من أن الطفرة البتروليّة مؤقتة ولا بد من استثمار عوائدها في مشروعات إنتاج حقيقية ترفد الموازنة العامة وتهيئ فرصا أكثر لمئات الآلاف من الشبان والفتيات القادمين إلى سوق العمل…لا بأس ولن نكون – إن شاء الله- ممن يتلاومون. وكون بعض المخططين يرون أننا لا نفهم كما يفهمون لهذا سأتوجه للأسرة السعوديّة برسالة تذكير للمبادرة في ترشيد الاستهلاك والنفقات لعبور المرحلة القادمة من تقلّبات الاقتصاد العالمي التي هوت بأسعار النفط بشكل مباشر. لقد خدعنا أنفسنا حين خدعونا فقالوا اصرفوا ما في الجيب، في حين أن في كتاب الله آيات للمتدبرين وسورة يوسف تزخر بالعبر الاقتصاديّة الادخاريّة. ويكفي للمتأمل في مؤشرات الإنفاق العام والخاص أن يعرف أن أسعار النفط – مصدر الدخل الرئيس – تهاوت بشكل مطرد منذ شهر يونيو 2014 حين كان سعر خام برنت قريبا من 110 دولارات للبرميل لينحدر بشكل كبير إلى حافة 40 دولارا للبرميل، وقت كتابة هذا المقال أي بنسبة هبوط بلغت حوالي 63٪. وبهذا السعر يسجّل النفط أدنى مستوى له منذ الأزمة الماليّة العالميّة في 2008م.

وأضاف د. فايز الشهري: لنقل إن المؤسسات الرسميّة ستبدأ في وضع استراتيجياتها وخططها وفق المعطيات الجديدة؛ ولكن ماذا عن الأسرة السعوديّة؟ تقول بعض التحليلات إن معدّل الإنفاق الحالي للطبقة الوسطى يفوق المعدلات العالميّة قياسا بإنتاجيّة الفرد ومساهمته في سوق العمل. وفي تقرير لمصلحة الإحصاءات العامة يتبيّن أن متوسط إنفاق الأسرة السعوديّة الشهري على السلع والخدمات الاستهلاكيّة وغير الاستهلاكيّة عام 2013م بلغ 15367 ريالاً، أي بزيادة نسبتها 16٪ مقارنة مع عام 2007م. وبحسب دراسة منسوبة لبنك التسليف والادخار في المملكة فقد أظهرت النتائج أن “الطفرات الاقتصاديّة التي مرت على السعوديّة في الثلاثين عاماً الماضية أدت إلى اختفاء ظاهرة الادخار، وتسببت في سيادة الطابع الاستهلاكي”. وفي حوار أسري حول الأوضاع الاقتصاديّة ودور الأسرة ما زلت أتذكر عبارات قالها أحد المجرّبين في الحياة حول ثقافة العمل والاستهلاك حين قال مختصرا حوارنا: يا ولدي منذ أن نستيقظ فجرا وحتى نعود إلى منازلنا آخر الليل لا نُخرج من جيوبنا ريالا واحد لنقدمه إلى مواطن سعودي.. كل التجارة والخدمات بيد غير المواطنين فكيف نعزّز ثقافة العمل ونتّقي الاستهلاك؟ وحتى ننجو من وعثاء الاقتصاد واضطراباته ربما علينا على المستوى الأسري وضع تدابير ترشيد لثقافة هدر المياه والكهرباء والاعتماد المتزايد على المطاعم والإنفاق غير الضروري على فواتير “الجوالات” والاستعراض بالسفر واستسهال أخذ القروض الاستهلاكيّة. ومن باب الترشيد أيضا يُفضّل أن نفكّر في مؤازرة كل من يقرّر ترشيد مظاهر “الهياط” الاجتماعي في الولائم والمناسبات.

البدائل الاستراتيجية غير النفطية: الآليات المقترحة

يعتقد أ. خالد الحارثي أننا في حاجة ماسة، أن ننظر إلى بدائل / خيارات استراتيجية تغير البيئة الطاردة للتنوع وتلغي موارد تكريسها وإعادة إنتاجها ، وتبني أرضية وقاعدة صلبة لبيئة جديدة جاذبة وداعمة للتنوع والإنتاجية والابتكار والاستدامة. وهذه هي بعض المقترحات في هذا الإطار:

  • إصدار حزمة تشريعات تشكل منظومة توطين المهنة والكوادر والوظائف التي تكون جسرا لمشروعات الخصخصة والتنوع الصناعي. هذه المنظومة تشمل محاكم الاختصاص وآليات فعالة للمحاسبة والرقابة وإيقاع العقوبات الرادعة لحفظ الطموحات الوطنية .
  • حسب الدراسات الأخيرة فإن عوائد الإنفاق في البحث والتطوير تضيف بمعدل يبلغ ٢٠٪-٣٠ ٪ سنويا ، وتنمي سقف الأجور بمعدل ٤٠٪ ، ولتمكين البحث العلمي من أن يكون محركا في الاقتصاد السعودي والتحول لاقتصاد معرفي يلزم إصدار حزمة من التشريعات التي تبني منظومة البحث العلمي وتنمية الكوادر من مستويات مختلفة في كادر البحث العلمي التي تضمن الاتصال المباشر مع المجتمعات المحلية ، وتحفيز الكوادر الأكاديمية على البحث العلمي والإشراف عليها وإلغاء العوائق أمام الأكاديميين في الإشراف على المشاريع والأبحاث والتجارب في تطوير بيئات ابتكار الحلول وتنمية المبادرات المحلية.
  • تقنين وحوكمة أنظمة جباية الإيرادات وأنظمة الصرف والنفقات ، وتمكين ديوان المراقبة العامة من دوره الرقابي ومحاكم اختصاصه ولجان التفتيش والضبط القضائية التي تمكن من الشفافية واستمرار آلية التطوير الذاتي في أنظمة الرقابة والمحاسبة نظاما وتقنية.
  • تأسيس الأنظمة الضريبية التي تمكن الدورة الاقتصادية من التمييز الإيجابي للقيمة المضافة والإنتاجية والتوظيف الأمثل للممتلكات والمعرفة .
  • التوسع في الاستثمارات وبناء الحاضنات والبنى التحتية الداعمة لمشاريع الشراكة مع القطاع الخاص في نقل التقنية مع رقابة سنوية تظهر خارطة التوطين للخبرات والتراكم المولد للابتكار في السوق والمنتجات.

أيضا أوضح أ. خالد الحارثي أن النظريات الاقتصادية في الانعاش الاقتصادي تتفاوت بين تدخل حكومي لضخ المزيد من الاستثمار في البنى التحتية للاقتصاد وبين تقليص الإنفاق والتدخل الحكومي (الكينزية x الملتونية) .. اقتصادنا لم يبلغ التعقيد/النضج الذي تتعامل معه هذه النظريات ، والابتكار متطلب رئيسي لإحداث القيمة .. ومن ثم فإننا نحتاج في الاقتصاد السعودي أن نتوجه للخصخصة دون أن نكسر الاعتبارات الاستراتيجية الخاصة بمراعاة ضعف البنى التحتية لتركيبة السوق الاقتصادية والعمالية ، والمعرفة الفنية ، مما يدعو إلى إنشاء شركات مساهمة كبرى شبه حكومية على غرار شركة سابك والإبقاء على حصة مسيطرة للدولة حتى ينضج عطائها العمالي والمعرفي وتكون هذه الشركات مع شركاء دوليين من فئة قيادات التقنية في مجالها بحوافز كبيرة ، إضافة إلى إنشاء التعاونيات العملاقة الممولة من صكوك المشاريع وصناديق الاقراض (خفض نفقات الدولة المباشرة وتوظيف السيولة المتوفرة) لمعادلة التوزان في السوق وضمان الجودة لصالح البيئات المحلية ، وضخ عدد كبير من الحوافز من الفئة الممتازة للشباب.

وتناول د.م. نصر الصحاف بعض الحلول لتعزيز الدخل الوطني للمملكة وتشمل ما يلي:

  • الرفع الفوري للدعم الحكومي عن المواد الأساسية والطاقة مما يساهم في الترشيد المطلوب والذي عجزنا عنه كمجتمع وهنا يمكن الإشارة إلى تقرير د. ناصر بن غيث (المركز الدبلوماسي للدراسات و فض المنازعات ٢٠١٥ ) حيث أورد أن دعم الطاقة يشوه الاقتصاد بما يؤثر على الكفاءة الإنتاجية للشركات المحلية وزيادة عبء الموازنة العامة دون فائدة للمواطنين خاصة وأن معظم المستفيدين من الدعم هم الأجانب.
  • رفع قيمة سعر ارتباط الريال بالدولار كما ذكر أ. مطشر في طرحه للقضية.
  • تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشريعياً فيمكن تمويلها من البنوك والقطاع الخاص حيث أنها تواجه الكثير من التحديات والمعوقات ومن أهمها عدم وجود التشريعات القانونية الواضحة التي تحمي المؤسسات الصغيرة لبناء قاعدة اقتصادية وطنية متينة لا تعتمد على الصناعات البترولية وإنما ترتكز على الاقتصاد الخدمي والسياحة مثل ما هو معمول به في كثير من الدول الفقيرة بالموارد الطبيعية والغنية بالمواهب الوطنية مما يساهم في تشجيع عامل الابداع الوطني لدينا (ونذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر نجاح أحد المواطنين في استثماره الصغير منذ عشرين سنة في إنتاج الكافيار بأعلى المواصفات وتصدير أكثر من ثلث إنتاجه إلى روسيا  – بلد الكافيار).
  • عكس الأدوار: بتفعيل عمل القطاع الخاص الاقتصادي على حساب الدور الحكومي بتقليص الدور الحكومي ومنح القطاع الخاص فرصة أشمل في إدارة المشاريع العملاقة وتسريع وتيرة التخصيص البطيئة جداً والتي لا ترقى إلى حساسية المرحلة المقبلة كما في نظر المحللين الاقتصاديين (ويمكن هذا في ضوء التغييرات الوزارية الأخيرة).
  • تعزيز المواطنة: بتأهيل الكوادر المطلوبة لتنمية القطاعات الاقتصادية الغير نفطية أمام كل فئات وشرائح المجتمع وتغيير النظرة المجتمعية الدونية للحرفيين (وذلك عبر برامج تثقيفية مكثفة للمجتمع متزامنة مع برامج تعليمية في المدارس في مختلف المراحل التعليمية فكل عضو في المجتمع مهم وليس فقط الطبيب والمهندس).
  • توطين الوظائف لرفع مستوى القيمة المضافة وعدم الركون إلى العمالة الأجنبية الرخيصة.
  • التركيز في الانفاق الحكومي على قطاع تقنية المعلومات والبحوث العلمية والتطوير وهذه اللبنة الأساسية للاقتصاد الرقمي (العبدلي ٢٠١٢).
  • أن يكون التقويم المستمر للخطط السابقة هو الشرط الأساس لأي خطط استراتيجية مستقبلية وتكون الاصلاحات وفق جدول زمني محدد لها (يحقق الأهداف المرسومة).
  • التوسع في الصناعات الغير نفطية مثل المعادن المتوافرة بالبلاد. فهناك أبحاث كثيرة منها بحث د. عبدالله العطاس عام ٢٠٠٢ حيث أثبت بها أن صناعة النفط تعتبر مبتورة! كيف؟ هي صناعة فقدت مركزها كعنصر أساس لصناعة مستدامة عند الأخذ في الاعتبار معاملات التغيير لروابطها coefficients of variation حيث لا تساهم اجتماعياً في النمو المستدام وفي التحلل التدريجي منها يصحح المجتمع مساره لأن الصناعات المبنية على استخراج المعادن مثلاً تمكن صناعات أخرى رديفة قد تكون صغيرة وإنما تحقق تكافل مجتمعي أكبر وقاعدة اقتصادية أكثر تنوعاً لا يهددها عدم استقرار سلعة فريدة بكل معنى للكلمة.

ومن جانبه اقترح د. خالد الرديعان فيما يتعلق بتنويع الدخل ولا سيما أن المملكة تعتمد على النفط كمصدر وحيد ما يلي:

  • اولا: أن تتجه المملكة نحو التصنيع الثقيل كالمعدات والسيارات والآلات فهي مجالات مهمة وتخلق فرص وظيفية بالآلاف ويتم تركيز  تلك الصناعات على الساحل الغربي كمدينة جيزان وينبع والليث وضبا وحقل لخلق فرص في تلك المناطق لسكانها. يمكن أن تبدأ المسألة بتجميع الآلات وتتطور المسألة إلى صناعة محلية خالصة.
  • ثانيا: التوسع في الصناعات البتروكيميائية طالما أننا ننتج النفط والافادة من البتروكيميائيات كمواد صناعية وتحويلها إلى مواد استهلاكية  يمكن تصديرها.
  • ثالثا: ضرورة التوسع في الصناعات الالكترونية والرقائق باعتبار أن لها سوق كبير في المملكة والدول المجاورة. أيضا هذه الصناعة تخلق  فرص وظيفية بالآلاف ومصانعها صغيرة وتستقطب أعداد كبيرة من خريجي وخريجات الجامعات.
  • رابعا: يتم دراسة الامكانات الخاصة بكل منطقة على حدة لمعرفة ما يمكن أن تنتجه؛ ففي القصيم مثلا يمكن التركيز على المنتجات  والصناعات الغذائية وفي مدن السواحل إنتاج الأسماك وتعليبها وهي سوق كبيرة وفي المدن المقدسة صناعة الهدايا الخاصة بالحجاج والخدمات الخاصة بالمعتمرين والحجاج، وفي الاحساء صناعات غذائية كذلك وفي مدن الجنوب صناعة السياحة وما يتبعها وهكذا.
  • خامسا: ضرورة تقليص أعداد العمالة الوافدة تدريجيا وإحلال عمالة سعودية بدلا منها ومن الجنسين؛ فكثير من المصانع يمكن أن تدار  بطواقم سعودية بعد حصولها على تدريب بسيط. لا يعقل أن نشتكي من البطالة وتردي مدخولات الدولة في حين أن ثلث السكان من العمالة الوافدة التي تحول مليارات الريالات خارج المملكة كل سنة.
  • سادسا: يلزم الاهتمام بصناعة تحلية المياه المالحة ومتطلباتها من قطع الغيار والتوسع في التحلية لأغراض زراعية كذلك على أن تكون  قضية الزراعة مدروسة ومحددة طبقا لوفرة الماء بمعنى تحديد ما نزرع وما لا نزرع.
  • سابعا: التركيز على زراعة الأعلاف لدعم الثروة الحيوانية بدلا من بعض المنتجات التي يمكن استيرادها من دول مجاورة.
  • ثامنا: التوقف عن تصدير بعض السلع السعودية التي لها سوق محلي حتى لا يحدث شح ينعكس على ارتفاع أسعارها بالنسبة للمستهلك  المحلي.
  • تاسعا: خصخصة بعض أجهزة القطاع العام وهيكلتها فهذا أدعى لكي تنجح وللحد من الفساد الإداري فعندما يصبح القطاع ربحيا تزيد  إنتاجيته وتقل فرص الفساد فيه.
  • عاشرا: يلزم عمل حملة لترسيخ ثقافة العمل مع التذكير أن تدني الدخول والأزمات الاقتصادية كفيلة بإحداث تغيرات جوهرية في النظرة  للعمل ومن ثم الاقبال عليه.

ويعتقد أ. خالد الحارثي فيما يخص البدائل الاقتصادية المتاحة غير النفط تشمل:

  • اقتصاد مبني على التجارة والخدمات: دبي كبيرة بحجم المملكة.
  • اقتصاد مبني على الصناعة والإنتاج: الشركة العربية الأمريكية للسيارات في مصر (كمثال) + مصافي تكرير النفط.
  • اقتصاد معرفي : الجمع بين (١) و (٢) بأساليب أكثر تطورا وابتكارا وانتقائية تعتمد على القيمة الأكثر مردودا على المجتمع بشكل متكامل.

بعد إقرار أحد هذه البدائل ننتقل ، لدراسة خطة الانتقال والتحول لها.

بينما أشار د. حميد المزروع إلى أن البدائل الاقتصادية المتاحة غير النفط تتضمن:

  • الصناعات الغذائية ، خاصة الثروة السمكية ( البحر الأحمر)، وهي من المصادر المستدامة.
  • الصناعات المعدنية والفوسفات.
  • صناعة السفن والخدمات المرتبطة بالموانئ.
  • النقل الجوي وخدمات الشحن والترانزيت.
  • داون ستريم بتروكيميكل..
  • السياحة ، وتوسيع برنامج الحج والعمرة ، ويمكن أن نزيد عدد المعتمرين إلي ثلاثين مليون سنويا بعد انتهاء التوسعة.

ويرى اللواء د. سعد الشهراني أن المفتاح لاقتصاد حديث متنوع يكمن في خطط اقتصادية نوعية جديدة تستهدف استنهاض القطاع الخاص و إنشاء قطاعات ونشاطات صناعية  وخدمية حديثة بأيد عاملة سعودية و شراكات استثمارية مع مستثمرين خارجيين و يكون من أهم أهدافها :

  • ايجاد فرص وظيفية جاذبة للسعوديين لتسهم في تنويع مصادر الدخول الخاصة و في خفض البطالة و توسيع حجم الطبقة الوسطى وتخفيف حدة الفقر.
  • تنويع مصادر الايرادات العامة لفترة ما بعد النفط.

ويتطلب هذا برأي د. سعد الشهراني عدة أمور منها:

  • تصحيح التشوهات في سوق العمل و هيكل الأجور الذي لا يزال و منذ السنوات الأولى في خططنا التنموية في صالح الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة أجرا، وهذا يتطلب برامج تصحيحية لقفل الفجوات في الأجور و قيم وأخلاقيات العمل و غيرها.
  • كما تتطلب هذه الخطط النوعية و القطاعية الجديدة إدارة حديثة و ميزانيات في كل قطاع بل في كل مصنع للبحث والتطوير حتى نقدم منتجات تنافسية باستمرار ليس فقط لتلبية الطلب المحلي (ما عرف في نظريات التنمية ببدائل الاستيراد و هو ما ثبت فشله في أمريكا الجنوبية)، بل للمنافسة في الأسواق العالمية بحصص سوقية نأخذها عن جدارة تولد لنا وظائف و دخول عامة وخاصة.. لنتذكر أن الاقتصادات الناجحة هي التي تصدر و تأخذ حصصها في أسواق الدول الأخرى.
  • نحتاج أيضا إلى نظام ضريبي حديث يطبق تدريجيا.. الدولة المعاصرة دولة ضرائب ولا يعقل و من غير الممكن أن تصب الأموال العامة في مصب خاص لا يعود منه شيء، منذ عقود و نحن نسمن (من السمنة) القطاع الخاص بالدعم الذي لا مثيل ولا يعيد أحيانا حتى أصول هذه القروض، و القطاع الخاص في العالم كله يدفع ضرائب حتى و هو غير مدعوم من المالية العامة فإلى متى ضرائبنا بدائية و منخفضة جدا وكثير من النشاطات لا ضرائب عليها! و الأهم أن القطاع الخاص لا يشغل إلا القليل من المواطنين.
  • لا بد من أن تكون الضرائب جزءا من الاصلاح الاقتصادي و بطبيعة الحال لا بد من الشفافية والمساءلة و المحاسبة و هذه إشكالية نراها سياسية أكثر منها إدارية أو قانونية.
  • أيضاً فإن: ترشيد الانفاق الحكومي و تطوير الإدارة الحكومية و إعادة الهيكلة و تحرير بعض النشاطات الاقتصادية من قيود الإدارة الحكومية، جميعها متطلبات أخرى مهمة للنهوض الاقتصادي و الالتحاق بالاقتصادات الحديثة.

بينما قال م. حسام بحيري: تنويع مصادر الدخل معناها إتقان صناعات تصديرية غير نفطية ولعمل ذلك لابد من تطوير وتدريب الأيدي العاملة المحلية المؤهلة ونحن بأمس الحاجة لإنشاء طبقة ذوي الياقة الزرقاء كما يطلق عليهم أو العمال والحرفيين والفنيين وهي أهم طبقة في أي دولة تسعى لتقوية اقتصادها عن طريق تصدير منتجات ذو مقاييس وجودة عالية وبسعر منافس عالميا نستطيع أن نركز على البدء بالتوسع في تصدير صناعات تمكنا من إتقانها كشركات الألبان السعودية مثل الصافي والمراعي الذين أتقنوا هذه الصناعة ويستطيعون منافسة أكبر شركات الألبان العالمية وشركات تصنيع مواد البناء والزجاج كأمثلة أخرى. هناك صناعات سعودية كثيرة ناجحة ولكن للأسف لا نرى مساندة من القطاعات الحكومية لشرائها، دائما كراسات المواصفات في العقود تنص على مواصفات ومقاييس وموديلات أمريكية وأوروبية ويندر فيما ندر أن ترى اشتراط توريد صناعات سعودية. هذه الشركات الناجحة تستطيع أن تنتقل من حصص سوقهم المحلي إلى حصص السوق الإقليمية أو العالمية ولابد من مساندة الدولة بقوه أسوة بما تفعله الدول الصناعية لمساعدة انتشار وحماية منتجاتهم لأن الشركات حتى وإن أنتجت منتج تنافسي ممتاز تحتاج إلى مساندة دولها في الدخول في حصص السوق العالمية وأولها اشتراط الدولة في جميع عقود توريد متطلباتها على توريد احتياجاتها من الصناعات المحلية أولا.

أيضا وفيما يتصل بتنويع مصادر الدخل، تساءل أ. يوسف الكويليت: ماذا ستضيف مدينة رأس الخير التعدينية للاقتصاد الوطني ؟ وأوضح أ. مطشر المرشد رداً على هذا التساؤل بأنه ولاشك فإن قطاع التعدين له ثقل وسيضيف مزيد من الوظائف ومزيد من النمو في الناتج المحلي .. فالفوسفات والألومنيوم والذهب وغيرها من المعادن ستساعد على تنويع اقتصادنا، كذلك فإن تنويع القاعدة الصناعية وتحفيز قطاعات اقتصادية أخرى كالخدمات .. يساعد على خلق وظائف ويساهم في تنويع اقتصادنا بعيدا عن النفط.

وأضاف د.م. نصر الصحاف أنه يتفق بشدة مع الدراسات الأكاديمية المتخصصة والتي أثبتت أن صناعة التعدين بالنسبة للمملكة هي في مهدها بسبب الاعتماد الكلي على صناعة النفط وأنها بعكس صناعة النفط فهي تمثل العنصر المركزي كاقتصاد محلي مستدام. إذن الكلمة المحورية هنا الاستدامة وليست المؤقتة حتى لو كان عنصر الزمن يقاس بعشرات السنين أو ربما مئات. وصناعة التعدين تحقق المنشود بتنويع مصادر الدخل لأنها تعتمد على صناعات أخرى مكملة لها بعيداً عن صناعة النفط وتقلبات الأسعار وبذلك تضرب أكثر من عصفور بنفس الحجر إذا ما أخذنا في الاعتبار العدد الكبير من الوظائف الموفرة للمواطنين.

ومن ناحية أخرى تساءل د. سعد الشهراني: ماذا عن بدائل النفط كمصدر للطاقة ؟ نحن نستهلك ما يقرب من ثلث إنتاجنا من النفط  داخليا ولا نصدره (و يأتي منه دخل قليل لأننا نبيعه داخليا بسعر رخيص ) و هنا يأتي الجدل حول دعم الطاقة . هذا موضوع مهم جدا ويرتبط بالموضوع الرئيس الذي نتناوله بل يزيد القضية تعقيدا و يعمق و يكرس الاشكالية التي يواجهها اقتصادنا في المستقبل. كذلك يبرز تساؤل آخر مهم : هل استفدنا من تجاربنا في المراحل السابقة ؟ ولعل الإجابة تكمن في أننا لا نزال ندير أمورنا بنفس العقلية و نفس الانكار كأن المشكلة التي نتحدث عنها غير موجودة.. قطاعنا الخاص هو حصاننا الرابح.. وعليه لا بد من حوار مجتمعي مستمر حول دور القطاع الخاص يقوده المتنورون من القطاع الخاص نفسه و في مقدمتهم ابن جميل و ابن الزامل و ابن فقيه و مثلهم كثر والمايسترو الربيعة و من هم في قامته من المسؤولين الحكوميين.

وأوضح  أ. مطشر المرشد أن إنشاء وتشغيل مصافي التكرير مكلف جدا.. في ظل الجهود العالمية لتنويع مصادر الطاقة ، واستخدام تقنيات حديثة تم تطويرها لتخفيض استهلاك البنزين والديزل .. في ظل كل هذا ، قد يكون من الأجدى الدخول في شراكات لتمويل بناء المصافي الخارجية مع مستثمرين من الدول المستهلكة ..لتوزيع المخاطر ، محليا يمكن إنشاء مصافي لسد احتياجات الطلب المحلي. ولفت أ. مطشر الانتباه إلى استغلال الأزمات لدفع الجهاز الحكومي نحو قرارات لصالح كبرى المجموعات العائلية ورجال الأعمال  … يستهدفون شراء أصول حكومية صرف عليها مليارات بأرخص الاثمان ..بينما التوجه يجب أن يكون PPP شراكة ما بين القطاعين العام والخاص .. ويتم التركيز على المشاريع الجديدة Green field.

واتفق م. سالم المري مع وجهة نظر أ. مطشر المرشد، حيث يعتقد أن الكثيرون سيستغلون الوضع لامتلاك القطاع العام بأثمان بخسه. والطريقة الأفضل المشاركة بين الدولة والمواطن في شركات كبيرة مساهمة يطرح نصف رأسمالها للاكتتاب العام ويناط بها مشاريع محددة تضمن الدولة نجاحها عن طريق شراء منتجها بدل المستورد أو بأي طريقة أخرى. ويمكن أن توفر هذه الطريقة السيولة لمشاريع كبرى مثل سكة الحديد والصناعات البترولية والكيميائية والألمنيوم والكهرباء والتحلية والصناعات الثقيلة وغيرها.

ويرى م. سالم المري أن المجال مازال واسعا لتعزيز دخل الدولة بالرغم من الظروف التي تتعرض لها البلاد نتيجة لاستنزاف الثروة على مدى العقود الماضية أثناء ارتفاع العائدات النفطية ثم انخفاض سعر برميل النفط في الوقت الحاضر ومن طرق تنويع الدخل:

  • توسيع قدرات مكة والمدينة على استيعاب المزيد من المعتمرين والحجاج والتعامل مع الموضوع بطريقه اقتصادية تؤمن بعض الدخل للدولة مع الحفاظ على القيمة الروحية لهذه الشعائر من خلال خطة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المسلمين في الحج والعمرة بحيث تصبح المملكة أكبر بلد سياحي في العالم مع رفع نوعية الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين.
  • خفض الاستيراد تدريجيا عن طريق التصنيع المحلي للسلع والمعدات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة عن طريق شركات مختلطه بين الدولة والمواطنين وشركات أجنبية إذا لزم الأمر خاصة في المتوسطة والثقيلة وتوضع الأولويات حسب حجم وقيمة هذه السلع.
  • تعظيم القيمة المضافة لبرميل النفط عن طريق تكرير البترول وتصنيع مكررات البترول بحيث تستطيع الدولة كسب الفرق بين سعر الخام في السوق والسعر المطلوب للميزانية وخفض تصدير الخام إلى أدنى مستوى ممكن.
  • التصنيع من أجل التصدير عن طريق شركات مختلطة بين الدولة والمواطن وخبرات أجنبية:
  • للسلع المعتمدة على الطاقة مثل الألمنيوم.
  • التوسع في الصناعات المعتمدة على السلكون (الرمل) مثل أشباه الموصلات والإلكترونيات.
  • خفض الاستهلاك المحلي للوقود في المواصلات والكهرباء وتحلية المياه عن طريق:
  • التوسع في الطاقة الشمسية والطاقة النووية.
  • التوسع في المواصلات العامة مثل القطارات التي تعتمد على الكهرباء وتحويل الشحن إلى القطارات وتأسيس نظام حافلات على مستوى عال من النوعية والموثوقية ومن ثم رفع سعر الوقود تدريجيا على المركبات الخاصة.
  • تنشيط مينائي جدة والدمام وربطهما بقطار شحن سريع لاختصار المسافة بين السويس والمحيط الهندي.
  • تصدير الطاقة الكهربائية إلى الهند وباكستان وأفريقيا ومصر والأردن وأوروبا.
  • توظيف العمالة السعودية للقطاع الخاص وفي الخارج عن طريق شركات حكومية في القطاع الخدمي مثلاً تكون مسؤولة عن قطاع النقل للقطاع الخاص والخارج وغيرها من النشاطات في القطاع الخاص.
  • التركيز على التخصصات الفنية المرغوبة في الجامعات مثل الطب والهندسة وتوظيف المخرجات في الداخل والخارج عن طريق شركات حكومية.
  • التوسع في استخراج وتصنيع وتصدير الخامات والمعادن الأخرى المتوفرة في المملكة.

ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي فإن الطرح الذي تم في موضوع تأثير النفط والحلول والبدائل المتاحة في هذا الشأن والمشار إليها ، كان من المُفترض أن تكون من أسس ومرتكزات خطط التنمية الاقتصادية في بلادنا منذ عشرات السنوات الماضية ولكنًا ظللنا نسمع عنها ونقرأها في بداية كل خطة تنموية خاصة فيما يتعلق ببدائل النفط والتوسع في التصنيع وغيرها ، ثم يكون التنفيذ بطيئا لا يتناسب البتة مع الاحتياجات الاقتصادية المُلِحة وبالتالي تنعكس الآثار على الجوانب الأخرى غير الاقتصادية للأسف .

الصندوق السيادي: هل يكون الحل العاجل في اتجاه خلق البدائل الاستراتيجية للنفط ؟

أشار د. فهد الحارثي في هذا الإطار إلى أنه التقى رجل أعمال سعودي كبير في باريس وكان الحديث عن “مستقبل الأجيال” مع التقلبات الاقتصادية الحالية والمنتظرة  وذكر بأنه يرى حتمية خلق بدائل صلبة لتنمية موارد أخرى غير البترول ، وذكر من الحلول العاجلة الآن أنه سبق أن كتب أكثر من مرة إلى وزير المالية عن ضرورة الإسراع في إنشاء “صندوق سيادي” للأجيال كما حادث في النرويج وغيرها ويتم استثمار هذا الصندوق بطريقة مهنية عالية ، وتكون عوائد الصندوق هي المكمل لعجز الميزانية بشكل أو بآخر، مع ترشيد الإنفاق الحكومي ، وتحجيم الفساد ، وهو يرى أن الوضع بغير هذه الطريقة سيسير بِنَا إلى الأسوأ لأن السحب سيستمر من الاحتياطي الضخم حتى يصبح بعد أربع أو خمس أو عشر سنوات ” غير ضخم ” أبداً وبالتالي يكون الانهيار الحقيقي !! هو يرى أن الصندوق السيادي هو أحد الحلول العاجلة في الطريق إلى خلق البدائل الاستراتيجية للنفط ، لأن الوقت لن يمهلنا كثيرا إلى أن تؤتي البدائل المقترحة أُكلها . يقول د. فهد نقلا عن رجل الأعمال بأن وزير المالية لم يعبأ بالمقترح !

وعلق أ. مطشر المرشد بأن الصندوق السيادي مطلب استراتيجي، كما أننا لن نتمكن من تنويع مصادر الدخل إلا من خلال توزيع استثمارات الصندوق السيادي بشكل مدروس وبعيدا عن قطاع النفط والغاز.

وتساءل د. خالد الرديعان: وماهي القنوات الاستثمارية أو المجالات الاستثمارية التي ستوظف فيها أموال الصندوق السيادي؟ أسهم عالمية مثلا؟ صناعة، تجارة … الخ؟؟

أما د. عبدالله الحمود فقد أوضح أن الصندوق السيادي لن يتحقق بهذه الرومانسية وإن تحقق بغيرها فلن يدار بطريقة مهنية أبداً وأما ضرورة الحد من الفساد فالفكرة أصلا تتنافى مع إنشاء صندوق سيادي. وأضاف د. الحمود: إذا استطاعت نساؤنا أن ينتجن بدائل لوجود الخادمات وأدرن هذه البدائل بمهنية عالية، واستطاع رجالنا الموظفون في القطاع العام أن ينتجوا بدائل لدخل أسرهم ويديروا هذه البدائل بمهنية عالية، فارتقب البدائل الوطنية للدخل التي تدار بمهنية عالية.. ليس قبل ذلك. وفسر د. عبدالله رأيه بأنه يصعب قبول فكرة صندوق استثماري سيادي في بيئة (رعوية) ومركزية مطلقة.

وأوضح د. فهد الحارثي أن أموال الصندوق في الخارج سيديرها أشخاص أو جهات محترفة .. مثل البنوك الاستثمارية الكبرى المعروفة بحرفيتها ونتائجها المحققة على الأرض.

وعقب أ. مطشر المرشد على وجهة نظر د. عبدالله الحمود بأن الصناديق السيادية أغلب استثماراتها مباشرة ومشاركات بإنشاء كيانات صناعية وزراعية وصناعة الأدوية في العالم …الخ. كما أن المضاربة والتعامل في الأسهم ليس من اختصاص الصناديق السيادية. وضرب أ. مطشر مثالاً محدداً بقوله: قبل ١٦عاما كان دخل النفط في أبو ظبي يشكل ٩٣٪  وفي نهاية ٢٠١٤ أصبح ٣٨٪ والسبب هو الصندوق السيادي التابع لأبوظبي. وخلال الربع الأول من هذا العام تخطت أرباح الصندوق السيادي النرويجي ٥٣ مليار دولار. وعزز أ. مطشر المرشد رؤيته بأننا نجحنا في صندوق أرامكو و ابيكورب وبالتالي يمكن أن ننجح في الصندوق السيادي. وأيضا نجحنا في البنوك من خلال إدارات خزينة تقوم بإدارة أصول البنوك عالمياً. كما أن تأسيس صندوق سيادي لا يختلف كثيرا عن تأسيس قطاع الخزينة في أي بنك ..مع الوضع في الاعتبار ما يلي:

  • اختيار الاستراتيجية.
  • وضع أطر الرقابة والإشراف.
  • تحديد المهام والمسئوليات.
  • وضع آليات مراقبة المخاطر.
  • لجنة المحاسبة والتدقيق الداخلي.
  • فصل الأدوار ، Front office & Back office

ومن ثم اختيار فريق إدارة الأصول ، وتوزيع المهام حسب الأهداف والمسارات التي حددتها استراتيجية الصندوق (الأهداف بعيدة المدى + إدارة التدفقات النقدية قصيرة المدى). كما أن أهم إجراء في هذا الإطار برأي أ. مطشر، هو تحديد الهدف من إنشاء الصندوق السيادي ، ومن ثم اختيار الأهداف الاستراتيجية لسياسة الصندوق في توزيع الأصول … وعلى الجانب الآخر ، يجب أن يكون هناك جهاز مساند للعمليات والإشراف والتدقيق والمتابعة.

ومن المهم برأي أ. مطشر أن تبقى سياسة توزيع الأصول واتخاذ القرارات الاستراتيجية سيادية وبأيدي فريق وطني مؤهل … والتنفيذ سيكون عبر وسطاء وصناديق تحوط عالمية. فالهدف الرئيس من إنشاء صناديق سيادية هو لجعلها تدار باستقلالية تامة بعيدة عن بيروقراطية الجهاز الحكومي ، وأيضا لإعطائها المرونة في تكوين الشراكات وإنشاء الكيانات.

واتفق د. عبدالله الحمود مع القول بأن الصناديق السيادية لن تنجح في حال استمرينا كما ارادت وزارة المالية خلال الأربعين سنة الماضية ، حيث أحكمت سيطرتها على كافة الصناديق الحكومية … وتحكمت بسياسة توزيع الأصول.

بينما ذكر أ. مسفر الموسى أن الصبان سبق وأن استضافته سكاي نيوز و cnbc و bbc أكثر من مره خلال هذا العام وقبل توالي الأزمات.. وكان يؤكد على الصناديق السيادية.. لكن لم يستمع له أحد.

أما  د.م. نصر الصحاف فيرى أن من الضروري عند تأسيس الصندوق السيادي – الذي أشار إليه د. فهد الحارثي – أن يكون كبيراً جداً حتى يكون له اعتبار بمعنى أن يكون في حجم التريليونات أما البدائل الأخرى والأكثر واقعية تكمن في تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط كأساس شبه وحيد للدخل الوطني تدريجياً. وتكريس الجهد في صناعة البتروكيماويات على مكررات البترول بدلاً من تصدير النفط الخام فقط وصناعات التعدين والصناعات الصغيرة والمتوسطة المرادفة والمكملة لها بالإضافة إلى البدائل الأخرى المشار إليها.

من جانبه يعتقد السفير أ. أسامة نقلي أنه تم فصل جميع الصناديق عن وزارة المالية، وتحولت وزارة المالية إلى وزارة خزانة، خصوصاً بعد أن تم مسبقا فصل الاقتصاد عنها وضمه لوزارة التخطيط، ومن الواضح أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أصبح الآن هو المشرف على الصناديق وعلى شؤون الاقتصاد والاستثمار بشكل مباشر.

ويرى م. حسام بحيري أن الصناديق السيادية مطلب أساسي لكل دوله لها فوائض مالية ولكن تكوينها و إدارتها ليس بالأمر السهل. تحتاج إلى عدة متطلبات أساسية أولها الاحترافية والتخصص في الإدارة والتعامل. الشفافية المطلقة في الإفصاح واستقلالية كاملة في اتخاذ القرار والتصرف بعيد عن سيطرة السياسيين، أيضا وضع هدف واضح للسياسة الاستثمارية المتبعة وأهدافه كمثال: هل سيكون الاستثمار في الأسواق العالمية عامة أم في الدول النامية أو هل سيكون في مجال معين كالتكنولوجيا أو الصناعة أو العقارات أو الاستثمار في دول معينه كالإسلامية مثلاً. لا يخفى أن رؤساء بعض الصناديق السيادية الناجحة بحكم عملهم يمتلكون نفوذ قوي جدا ويصعب فصلهم عن السياسة حتى وإن تمكنا من إنشاء صندوق سيادي هل سنتعامل معه بشفافية مطلقة؟؟ هل ستكون قراراته مستقلة ومفصول تماما عن القرارات السياسية؟؟ وهنا تكمن المشكلة في إنشاء الصناديق السيادية.

وتساءل د. خالد بن دهيش: أليست مؤسسة النقد هي من يدير الاستثمارات الحكومية من خلال بنوك استثمارية أمريكية وغيرها وهي ( مؤسسة النقد ) التي تدير الصناديق السيادية السعودية ؟ وأجاب أ. مطشر المرشد بأن هذا صحيح وأضاف أنها مسؤولة أيضا عن السياسة النقدية للبلاد و الإشراف على قطاع البنوك والتأمين و الخ، وهنا يجب ذكر أن الصندوق السيادي لن يحل محل ساما في إدارة أصول الدولة المرتبطة بالموازنة العامة أو يحل محل وزارة التخطيط في التخطيط لتكوين قاعدة صناعية لبلادنا.. فالصناديق السيادية  يتم تأسيسها وإيداع مبلغ مالي معين يقسم كرأس مال تشغيلي وجزء آخر يتم توزيعه  كاستثمارات. وعلق د. خالد بن دهيش: ولكن ساما هي الآن تقوم على الأقل جزئياً بعمل الصندوق السيادي أليس كذلك ؟ وبدوره أوضح أ. مطشر المرشد أن جميع الأصول المستثمرة خارجياً تشرف عليها ساما. وبصفة عامة يرى أ. مطشر أن الصندوق السيادي ، وجوده مهم ونجاحه سيؤدي لسرعة تخفيض الاعتماد على الدخل نفط . ويمكن النظر له كمصدر دخل إضافي.

ومن وجهة نظر أ. خالد الحارثي فإن هناك فرق بين صندوق الأجيال والصندوق الحالي ، الفرق طبعا ليس اسم الصندوق ولكن نوع وعدد السياسات والأدوات المالية المطبقة وحجم أصول وتعاملات كل سياسة ، وتبعا لتلك السياسات تسمي الاستثمارات صندوقاً. وعليه يؤيد أ. خالد الحارثي أن يكون هناك (صندوق للأجيال) بعيدا عن المخاطر العالية وفي الاستثمارات الآمنة وذات التوجه المستقبلي مثل الطاقة المتجددة والتقنية المتقدمة ، وصندوق آخر يدر دخول سيكون بالطبع متوسط المخاطر أكثر منه منخفض المخاطر ، وصندوق آخر أشار له د. سعد عدة مرات (صندوق النفط  النرويجي) يحقق إيرادات وعوائد ويحفظ الثروات من التعرض للمخاطر ، ويستطيع أن يستخدم نطاق واسع من الأدوات المالية والتحوط ويقرأ مستقبل الاستثمارات لبقية الصناديق .

وأضاف اللواء د. سعد الشهراني أنه في دولة ريعية مثل المملكة يكتسب مفهوما الصندوق السيادي و صندوق الأجيال أهمية قصوى في ظل قصور الخطط التنموية في تحقيق هدفها المعلن: تنويع مصادر الدخل. لو أننا نجحنا في أن نصبح اقتصادا متقدما لهان الأمر كثيرا غير أن الأمر أكثر ايلاماً أنه حتى الدول الناجحة و المتقدمة اقتصاديا لديها صناديق سيادية مستقلة عن السلطة التنفيذية و عن  ذراعها المالي: وزارة المالية أو الخزانة علما أن  أصول هذه الصناديق في هذه الدول لم تأت من مصدر ناضب مثل النفط  بل من فوائض مالية تأتت من نجاحها الاقتصادي: الصين أفضل مثال. النرويج ليست في حاجة لصندوق سيادي و لا لصندوق أجيال فيكفيها أن تورث أجيالها الحاضرة والمستقبلية اقتصادا متقدما ناجحا و مع ذلك لديها صندوق أجيال. نحن للأسف الشديد لم نبق مورد لأجيال المستقبل و لم نترك لهم نجاحات حتى و لو كانت نسبية تطمئننا . أيضا قال د. سعد الشهراني: لا أعلم كم بقي من فوائضنا المالية و لا كيف أديرت أو كيف تدار و لكنني افترض أنها لا تزال قريبا من 2 تريليون. يمكن للقائمين على الأمر استدراك ما فات من خلال:

  • المحافظة على حد أدنى من هذا الفائض المالي و تحويله إلى صندوق سيادي (و هو بطبعه سيكون صندوق أجيال) محمي بقانون معلن يمنع تغول وزارة المالية بالرغم من ظروفنا المالية الحالية.
  • يتم تعزيز أصول هذا الصندوق بنسبة من الايرادات النفطية حتى في أحلك الظروف المالية و تكون هذه النسبة محددة بالقانون المشار إليه الذي له طبيعة الزامية.
  • تعزز أصول الصندوق بعائدات استثمار أصوله نفسها و إذا كان و لابد من اللجوء لهذه العائدات لدعم الموازنة العامة فيحدد الحد الأعلى للنسبة التي يمكن تحويلها كإيرادات عامة في أي سنة مالية معينة مع وضع شروط مشددة لذلك .

إذا وجدت مثل هذه السياسة و مثل هذا القانون – برأي د. سعد – فسيكون مردودهما السياسي آنيا لدى النخب و المهتمين بالشأن العام فضلا عن كونهما رافد مهم لأي سياسات وخطط جديدة و نوعية لتنويع مصادر الدخل بديلا للنفط كمصدر رئيس  للدخل و محرك أول ووحيد لعجلة الاقتصاد.

ومن جهته اتفق د.م. نصر الصحاف مع الطرح القائل بضرورة وجود صندوق سيادي ولكن بالإضافة إلى المسارعة في طريق خلق بقية الحلول الجذرية عن قناعة تامة بأهميتها وضروراتها العصرية.

المحور الثاني

مقترحات لمعالجة أوضاع سوق الأسهم

الرجوع للأعلي

المدخل العام:

نستهل طرح قضية سوق الأسهم بمقال مهم نوه إليه د. مساعد المحيا، بعنوان: هذا هو سوق الأسهم السعودي؟ لمازن السديري ونشر بصحيفة الوطن بتاريخ الأربعاء 11 ذي القعدة 1436 هـ – 26 اغسطس 2015م . حيث أشار السديري إلى أن أسواق العالم دخلت في رعب الإفلاس وعودة الأزمة الاقتصادية بسبب تباطؤ النمو الصيني والخوف من أن يخبئ الأسوأ، حتى ألقى أوباما كوباً من الماء على رؤوس المستثمرين لينقذهم من كوابيس الخوف واللامنطق، ويؤكد أن الاقتصاد الأميركي أقوى مما كان عام 2008، قلص السوق الأميركي نسبياً خسائره وبدأت أسواق آسيا تنحرف في مسار إيجابي بخلاف السوق الصيني.. للمعلومية من استثمر في السوق الصيني منذ عام لا يزال رابحاً بنسبة 40% برغم جميع الخسائر التي نالها السوق الصيني حتى الآن، والسبب هو تسارع نمو السوق الصيني بنسبة 150%، هذا يكفي لأن نقول إن السوق كان فقاعة، ولكن لا يكفي لأن نقول إن الاقتصاد الصيني ينهار. السوق السعودي خسر أيضا 25% من منتصف شهر يوليو حتى إغلاق 24 أغسطس هذا العام، والسبب بدأ بتراجع أسعار البترول، وبدأ السوق تدريجياً يأخذ خصومات منطقية حتى الأسبوع الماضي دخل نوبة خسائر متسارعة غير منطقية، ومع الخسائر تكثر المخاوف والإشاعات وتتأكد نظرية القطيع ويستسلم العقل لمشاعر الخوف. السؤال: لماذا هذه القابلية السريعة للخوف في السوق السعودي؟ الجواب هو تاريخ المستثمرين الحديث مع السوق، بدأ عام 2003 مع ارتفاع أسعار البترول حتى تضخّم وتجاوزت مكررات الأرباح 50 مرة عام 2006، ثم انهار على مرحلتين، وعاد لينهار عام 2008 بسبب الأزمة المالية، ثم عاد ينمو بالتدريج ولم يكن سريع التجاوب مع أسعار البترول بدليل أسعار عام 2011 و2012 القياسية للبترول، إلى أن جاء عام 2013، وبدأ السوق في الارتفاع الملحوظ بعد ارتفاع درجة وعي المتداولين وانخفاض المخاوف التي نشأوا عليها.. بعد هذه السنوات نضجت بيوت الخبرة والكثير من الوعي الاستثماري، وازدادت قوة هيئة سوق المال، لكن ظل شيء من الشفافية مفقوداً وهو وضوح السياسة المالية وكيفية تعاملها مع العجز.. طالب صندوق النقد المملكة بتحديد أهداف الميزانية لعدة سنوات والأولوية بين المشروعات، وأعطى نماذج من الدول مثل روسيا لتوضيح سياسة الإنفاق والادخار بشكل يكون واضحاً للجميع ولا يترك الناس للمبالغة في تقدير تآكل الإنفاق الحكومي.

وأشار د. فايز الشهري إلى ما سبق وطرحه إبان أزمة 2006 فيما يخص الأسئلة حول منتديات الأسهم الموثوق بها وبرامج التحليل التي يمكن اعتمادها، إلى أنه لم يعد مجديا اعتماد برامج التحليل وغيرها في قرارات التداول والاستثمار في سوق عبثي لا تنتهي عجائبه، كما لم يعد من السهل التوصية ببرامج أو منتديات بعينها إذ يبدو واضحا أن تلاعب كبار المضاربين بكميات وأسعار الأسهم كفيل بتضليل أفضل برامج التحليل والتوصيات، إضافة إلى استمرار أساليب إثارة الموضوعات والشائعات عبر المنتديات الالكترونية.

وبرأي د. فايز الشهري فإن فريق من المتشائمين يرون أن ما (حصل) ويحصل في سوق الأسهم يتجاوز البرامج والتحليل إلى ما يشبه السرقة المحكمة لأموال (الصغار) الذين لا تمكنهم ظروفهم المالية والنفسية، ولا تسعفهم خبراتهم في مجاراة (الكبار) والصمود أوقات انهيارات السوق الحقيقية أو المفتعلة. وبهذا فإن البرامج والإنترنت ليستا السبب في هذه الفوضى، خاصة إذا تأملنا فيما يتردد عن التسريبات وجشع المضاربين مع ضعف بنية السوق، والخلل في أداء بعض الشركات، علاوة على غموض البيانات المالية، وعدم وضوح اتجاهات النمو، زد عليها المنافسة المستقبلية المتوقعة في كل قطاعات السوق. ولو مضينا مع سيناريو السرقة هذا… فهل يمكن وضعه في سياق المقارنات ونتخيل وضع “متشرد فقير” وجد نفسه وهو يمد يده إلى جيب عابر سبيل ثم نشل محفظته طمعا ؟ ربما – في ثمن وجبة دافئة؟ تخيّلوا سيناريو ما جرى له بعد أن صاح الرجل المسروق فيمن حوله “الحقوني.. لقد سرقوا محفظتي”… أتدرون.. لا داعي.. لأن تتخيّلوا المنظر… فقد شمّر السامعون عن أذرعهم (وسيقانهم) وتمكنوا من الإمساك بهذا البائس واستعادة المحفظة ومبلغ الخمسمائة ريال! التي تحتويها. أمّا ما حدث لهذا “السارق المارق” أثناء وبعد غارته المشؤومة فأنتم تعرفونه… ابتداء من تزاحم الظافرين به على “ركل” و”لكم” جسده النحيل حتى نقله تحت وابل الشتائم وسط حراسة مشددة إلى سيارة الإسعاف، ولا داعي للتفصيل في ظروف التحقيق ، أو أحواله في السجن، ومدة الحكم الذي (ناله) سيناله هذا التعيس، خاصة إذا علمنا أن مسألة بقاء كفه متصلة بمعصمه ربما تكون محل نظر قضائي إن كان له سجل في السرقة كما يقتضي العدل.

ويستكمل د. فايز الشهري طرحه بقوله: تأسيساً على ما تقدم ترى هل تنطبق أحكام السارق والمسروق في سوق الأسهم باعتبار ما يدعيه بعض من خسروا في السوق من وجود عمليات سرقة منظمة لمحافظهم من قبل “هوامير السوق” تحت سمع وبصر الأجهزة الرسمية وغير الرسمية؟ ولو صورنا المسألة في قصة مواطن اسمه “سعود” كان قرر قبل أكثر من عام أن يشتري محفظة أسهم الكترونية مدفوعا بنصيحة موظفي البنك وأحاديث المحللين في وسائل الإعلام عن متانة الاقتصاد وأرباح الشركات. اليوم بعد أن انخفضت قيمة محفظة “سعود” إلى أقل من الثلث هل يمكن القول أنه تعرض إلى “سرقة”؟ ومن السارق؟ “سعود” – المثقف الواعي – لا يتهم أحدا ولكن إحساسه يقول له أنه قد سُرِق ومع هذا فما زال يلوم نفسه كل يوم بعد أن دفع كل “تحويشة العمر” البالغة 300 ألف ريال إلى محفظته الالكترونية، فكل ما يتذكره أن الجميع أكدوا له آنذاك أن الاستثمار في أسهم “العوائد” كفيل بتقصير مدة امتلاكه لمنزل الأسرة الحلم من 12سنة وهو الزمن التقريبي للحصول على قرض صندوق التنمية، إلى سنتين وربما أقل. ترى هل تمت سرقة محفظة سعود؟

وأوضح اللواء د. سعد الشهراني أنه قد يكون من المفيد التذكير بأن القرارات الاستثمارية للوحدات الاقتصادية (و المتعامل في سوق الأسهم أحد هذه الوحدات) تختلف باختلاف هذه الوحدات نحو المخاطرة فهناك :

  • من لا يحب المخاطرة

Risk  avers

  • المحايد فقد يقدم أو يحجم على المخاطرة

Risk neutral

  • من يحب المخاطرة

Risk lover

وتجدر الإشارة إلى أن سوق الاسهم هي بمثابة سوق عالي المخاطر قياسا بالأسواق الأخرى، و لذلك فالعائدات و الخسائر كبيرة أيضا. كذلك فإن المعلومات بدورها تلعب دوراً محورياً في هذا الإطار؛ فهناك المعلومات المتاحة إلكترونيا و هذه تخفي وراءها معلومات كثيرة. وهناك المعلومات المعلنة أو التي يجب أن تعلن مثل الميزانيات و المراكز المالية ونسب التملك للشركات وغيرها وهذه أيضا تخفي وراءها معلومات كثيرة، ومعظم هذين النوعين من المعلومات غير متاح للمتعاملين في السوق بالطريقة المناسبة و في الوقت المناسب. و هناك معلومات يعرفها البعض بحكم مراكزهم الوظيفية في الشركات والبنوك والمحافظ و لا يجب أن يعلنها أو يستفيد منها أو يسربها فإن فعل فهو يقع في المحذور والمحظور و تعد مخالفة كبيرة تعاقب عليها كل قوانين الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم، و هناك من لا يملك إلا التخمينات والشائعات و هؤلاء دهماء المتعاملين.

سوق الأسهم: نقاط الضعف الهيكلية والتنظيمية

أشار د. فايز الشهري إلى أن سوق الأسهم يتأثر بالعديد من الأطراف أهمها:

  • البنوك الوسيطة للتداول والتمويل.
  • المستثمر (المضارب).
  • ظروف أداء الشركات في سوق المال.
  • الأوضاع السياسية والاقتصادية وما يتبعها.

وهناك أيضا عوامل متعلقة بطبيعة كل دولة مثل مستوى الشفافية والفساد وقوة المتابعة (الرقابة) ومدى تأثير القوى الاقتصادية ومستوى تدخل الدولة / وطبيعة النشاط الاقتصادي والنظام المالي وحرية التعاطي الإعلامي وغيرها.

أما أهم تحديات سوق الأسهم السعودي – من وجهة نظر د. فايز الشهري – فتتمثل في الآتي:

  • أن معظم الشركات تتأثر سلبا وإيجابا بمعدل إنفاق الدولة وإنفاق الدولة يتأثر بسعر النفط كمصدر رئيس للدخل.
  • ضعف وعدم تفعيل الآليات الرقابية في الحسم السريع.
  • التحكم في ملكية معظم الشركات وكذلك حركة السوق مضاربيا من قبل فئات محدودة جدا.
  • غياب الشفافية واحتكار وتغييب المعلومات المهمة من قبل قلة تستطيع توظيف هذه المعلومات لمصلحتها.
  • وجود تكتلات مالية وإدارية تستطيع أن توجه حركة السوق مضاربيا وما ينجم عن ذاك من صراعات استحواذ يتأثر بها الأفراد.
  • عدم وجود سوق موازي يستوعب الشركات الخاسرة أو التي على وشك الخسارة والأغرب أن تجد شركات خاسرة (في فورة المضاربات) تتجاوز قيمتها السوقية 6 إلى 10 أضعاف قيمتها الدفترية.
  • السماح للأفراد بالتداول (المباشر) بأي مبلغ دون قيود وهو ما خلق تأثيرا مضاعفا للأحداث والتقلبات على السوق وكذلك جعلهم ضحايا لمحترفي توجيه السوق من المضاربين ما أدى إلى نشوء ظاهرة التوصيات والتسريبات.
  • عدم وجود محاضن وأوعية استثمارية آمنة تستوعب مدخرات الأفراد ما دفعهم لسوق الأسهم دون وعي كامل.

وأشارت د. ناهد طاهر إلى أن سوق المال في المملكة ضعيف وقائم على المضاربات وعدم الشفافية عوضا عن أن معظم الشركات المدرجة تبيع ديونها للمستثمر وليس أصولها ومن ثم فإننا نحتاج أدوات تمويل طويلة الأجل مثل الصكوك الإسلامية ذات الأمد الطويل.

وبين أ. مطشر المرشد أن ما يحدث اليوم في السوق المالي هو سوء إدارة من قبل الفريق الاقتصادي ، وأيضا نتيجة مباشرة للمبالغة في الهلع جراء التشخيص غير الدقيق؛ وحسب اعتقاده فإن حال الهلع هذه لن تستمر وستستعيد الأسهم عافيتها قريبا ، خاصة في حال استقرت أسواق النفط  … كما أشار أ. مطشر المرشد إلى أن المشكلة ليس قيام البعض في توزيع استثماراتهم وإيداعها في الخارج .. الخطر الأكبر هو قيام كبار المستثمرين بالاقتراض من السوق المحلي (بنوك / وصناديق حكومية) لتمويل مشاريع بنية تحتية وعقود حكومية أخرى من ثم القيام بتحويل الأرباح إلى الخارج.

أما أ.د. عبدالرحمن العناد فأوضح أن انهيارات أو انخفاضات أسواق الأسهم حدثت في دول عدة في الأيام الماضية، لكن المزعج في الأمر أن بعض الدول ومنها المملكة اقتصادها كله ينهار أو على وشك!!! ومن أعراض ذلك: العجز الكبير، انخفاض الدخل العام، بدء الاقتراض، والسندات.

واتفق د. منصور المطيري مع وجهة نظر أ.د العناد؛ حيث أشار إلى أن أسواق الأسهم في العالم كلها منهارة و يتواصل انهيارها، بل إن بعض الأسواق الأوربية تعرضت لأكبر خسارة في يوم واحد منذ ٢٠١١ .. و اليوم – ويقصد يوم 25/8/2015- أيضا تتواصل الخسائر ما عدا سوقنا يرتفع .. ومن ناحية أخرى فإنه وإذا كان احتياطي المملكة من النقد يعادل تسعة أضعاف الاحتياطي الأوربي – كما ذكر أ. مطشر –  فالوضع ليس بهذا السوء فربما تنتهي الحرب سريعاً و تعود أسعار النفط للارتفاع ، و ربما نصحو من غفلتنا فننوع  مصادر دخلنا.

واستكمل د. منصور المطيري طرحه بقوله: بالنسبة لأسواق الأسهم عندي قناعة شخصية – برغم كوني لست متخصصاً على الإطلاق – أن الحوسبة و الاعتماد على الكمبيوتر في تنفيذ الصفقات بضغطة زر من أي مكان أحد الأسباب الرئيسة في تحويل الفزع الناتج عن خبر سيء إلى مأساة و كارثة ، لأن الجميع يتصرف في نفس اللحظة بشكل سيء و لا يكلفه الأمر أكثر من ضغطة زر.. مثل تدافع عشرات الأشخاص على المخرج الوحيد حينما يصرخ أحدهم حريق فبدل النجاة يموت الهاربون من الزحام.

وأشار أ. مطشر المرشد إلى تحذيره السابق في عام 1434هـ من تداعيات سقوط الاقتصاد الأمريكي في فخ “الهاوية المالية” على الاقتصاد السعودي واقتصادات منطقة الخليج العربي، مؤكدا أن السعودية تعد أكثر دول العالم انكشافاً على السوق الأمريكية لما تملكه من استثمارات واحتياطيات في السندات والعملة الأمريكية تزيد على تريليوني دولار. وأن دول الخليج هي أكثر دول العالم تضرراً من وقوع أمريكا في الهاوية المالية، حيث تتركز معظم فوائضها واستثماراتها الدولية في السوق الأمريكية، ليس فقط لامتلاكها حصة ضخمة من سندات الخزانة الأمريكية، بل لأن صادراتها وعملاتها مقومة بالدولار، كما أن ذهاب الأمريكيين إلى تلك “الهاوية” يعني ذهاب الاستثمارات السعودية والخليجية معها إلى “الهاوية”.

كما أوضح أ. مطشر المرشد أن مسألة معالجة العجز الأمريكي ستحدث عاجلا أم أجلا، وكل المستثمرين الدوليين شرعوا في التحوط من هذا “المخاض الصعب”، حيث عملت الصين أخيرا على خفض محفظتها من السندات الأمريكية بواقع 29 في المائة، وطرحت الليوان كعملة تداول في مناطق خارج الصين. كذلك فإن السعودية في حاجة إلى البدء فورا في توظيف جزء كبير من فوائضها المالية، في استثمارات خارج نطاق الدولار، في مجال الطاقة البديلة والمتجددة، والأمن الغذائي، والطب والتكنولوجيا إذ رغبت في التخفيف من ضربة موجعة لاستثماراتها في الخارج قد تحدث في أي وقت.. هناك فرص كبرى في العالم إذا استطعنا فقط إزالة المفهوم الخاطئ بمحدودية الفرص بعيدا عن الدولار. وذكر أ. مطشر أن السعودية وكمستثمر ضخم في سوق السندات الأمريكية، بل إن نحو 90 من استثماراتها واحتياطاتها في الخارج هي “أمريكية”، تعد أمام خطر أن تقوم واشنطن بإعادة هيكلة ديونها الخارجية، أو أن تصبح أكثر تعقيدا في إصدار وتسييل السندات الحكومية. أيضا فإن محدودية الفرص الاستثمارية للسيولة السعودية لا تنحصر في الأموال الحكومية، بل حتى أموال القطاع الخاص التي هي الأخرى تتركز وإن بصورة أقل في السوق الأمريكية، وعليه يتعين في هذا الإطار تحريك السوق الثانوية للصكوك والسندات في الداخل، عبر وضع جدول زمني لتنشيط هذه السوق، والإبقاء على أموال المستثمرين المحليين في الداخل حماية لها من التقلبات الحادة في الاقتصادات الدولية في الوقت الراهن. وأضاف أ. مطشر أن هناك سيولة كبيرة تخرج إلى خارج البلاد، ومن هنا يجب وبصورة عاجلة، أن تبدأ الوزارات الخدمية في البلاد باعتماد أسلوب إصدار السندات والصكوك للمشاريع الضخمة كالمستشفيات والجامعات، والمطارات، والملاعب، والسماح لسيولة القطاع الخاص بإيجاد متنفس آخر غير سوق الأسهم والعقارات.

وإجمالاً يرى أ. مطشر المرشد أن هبوط أسعار سوق الأسهم متوقع .. لذلك يجب الابتعاد عن التحليل العاطفي، كما يجب اتخاذ إجراءات فعلية تقودها الجهات الرسمية وتتزامن مع تصريحات توضح الوضع الاقتصادي بشفافية.

وذكر أ. خالد الحارثي أن ما تصدره هيئة سوق المال من تشريعات تراعى فيها مساحات كبيرة من حرية الإرادة وخصوصية المعلومات للمتعاملين في سوق الأسهم بحجة أننا سوق مفتوح واقتصاد مفتوح. تلك المساحات تتعدى حدود المساحات في أسواق أسهم يزيد عمرها عن ١٢٠عاما اكتسبت فيها المؤسسات المالية والمؤسسة الناظمة للسوق خبرة متراكمة محلية تفوق الخبرة الدولية في المؤسسات المالية والبنوك في السعودية بمراحل ، فضلا عن الخبرات الدولية التي تصل لعدد من القرون بدأت ببيع أسهم شركات الاستعمار المتنوعة النشاط من الإنشاءات وحتى الاستيراد والتصدير ومختلف الأنشطة الصناعية والتجارية عبر البحار والمحيطات. بالتالي هيئة سوق المال عندما تتحدث عن سوق واقتصاد مفتوح فإن هذه العبارة غير دقيقة ، لأن تصديقها سيحدد مسار وصرامة التشريعات والضوابط الناظمة لحركة السوق والدخول والخروج منه ، ويمكن للكثير من التلاعب أن يحدث في ظل هذه المساحات المترتبة على العبارة غير الدقيقة.

وأوضح أ. خالد الحارثي أن صدقية وشفافية المعطيات التي يتحدث عنها هي على سبيل المثال: إذا كانت مصادر الثروة هي الإنفاق الحكومي وليست ناتجة عن دورة اقتصادية متكاملة فإن السلوك المتوقع لرأس المال في هذه الحالة سيختلف عن سلوك رأس مال ناتج عن دورة أو عدد من الدورات الاقتصادية المتكاملة. ثم أن هذا السلوك أيضا سيتأثر بتركيبة الاقتصاد والصناعة في الدولة ، ويتأثر أيضا بهيكل الملكيات خارج سوق الأسهم لقادة قطاعات الاقتصاد (عامة أو خاصة). نحن لسنا سوق مفتوح لأن الدولة تملك الثروات. ولسنا اقتصاد مفتوح لأن اقتصادنا استخراج النفط. وكذلك الحال عندما يتم التعامل مع المؤشرات القياسية الدولية للاقتصاد والسكان والمجتمع والقوى العاملة مثل : قوة العمل والبطالة وملكية السكن ، وتكلفة المعيشة الخ. سَعوَدَة هذه المؤشرات تصبح ضرورة لأن هناك فوارق اجتماعية واقتصادية لم تراعى في تصميم المؤشر المستورد من صندوق النقد الدولي أو هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها. لذا يتلقى المسئول الحكومي التهمة بالتعالي وهو يستحقها نوعا ما لأنه يتعامل مع تصميم الحلول بهذه السطحية وكأن العلوم الإدارية والاقتصاد قوالب إلهية أو حلول واختراعات سحرية.

ومن ناحية أخرى أوضح أ. مطشر المرشد أن عدم خروج جهاتنا الرسمية بمؤتمرات صحفية لتسليط الضوء على الوضع الحقيقي لاقتصادنا الوطني.. يفتح المجال على مصراعيه للتحليلات غير الدقيقة والتي أسماها تحليلات “التيك أوي”. واتفق د. على الحكمي مع ذلك بقوله: نحتاج شفافية أكثر، ليس معقولا أن ينهار سوق الأسهم ولا تقدم أي جهة مسؤولة بتوضيح أو شرح لحقيقة ما يحدث.

التأثيرات النفسية على سلوك المستثمرين في سوق الأسهم:

من ناحية أخرى، تناول د. علي الحكمي بعض التأثيرات النفسية على سلوك المستثمرين في سوق الأسهم، وهي – كما أشار د. على –  ملخص لبعض الأبحاث في مجال الاقتصاد السلوكي Behavioral Economics وعلم نفس الأحكام واتخاذ القرار The Psychology of Judgment and Decision Making.

  • حماس المضاربين وسوء التوقيت:

تعليقاً على التقلبات الحادة التي حدثت في أسواق الأسهم العالمية مؤخراً، وعزو كثير من المحللين والمستثمرين ذلك إلى التباطؤ في الاقتصاد الصيني، يؤكد عالم الاقتصاد روبرت شيلر Robert Shiller الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ومؤلف كتابIrrational Exuberance، أن طبيعة الإنسان والعوامل النفسية هي ما يفسر ما يحدث في سوق الأسهم وليس الصين. فهو يرى أن فقاعة المضاربة Speculative Bubble ترتفع بناءً على “حماس المضاربين” وتفاؤلهم المفرط، وعندما تساورهم الشكوك حول المستقبل، يبدأون بالتفكير في البيع، ولكنهم يفتقدون للوضوح حول التوقيت المناسب للقيام بذلك. وعندما يشاهدون انخفاض في السوق، يتخوفون من أن الآخرين قد تكون لديهم نفس الشكوك كذلك، فيدخلون في سباق معهم: من الذي يبيع أولاً. ولذلك فالهبوط الحاد لأسواق الأسهم قد يحدث بصورة سريعة جداً. كما يشير شيلر إلى أنه حتى المستثمرين الأذكياء كانوا يشترون أثناء الفقاعة المضاربية بأسعار عالية دون إعطاء الاهتمام الكافي للأخطار الممكنة.

  • تأثير العاطفة:

تؤثر العوامل العاطفية (حبنا أو كراهيتنا أو تخوفنا من شيء معين) على القرارات التي نتخذها في مختلف المجالات وعلى إدراكنا للمخاطر والمنافع من الخيارات المختلفة. ففي دراسة للحكمي (1991) والحكمي وسلوفيك (1994) وجد أن العوامل العاطفية تؤثر بشكل مباشر على تقديرنا للأخطار والمنافع، حيث توجد علاقة عكسية بين إدراك المخاطر وإدراك المنافع، فعندما ننظر إلى خيار معين على أنه مرتفع المنافع، فإننا ننزع للتقليل من أخطاره، والعكس صحيح. ولا يعود هذا لأسباب عقلانية تعتمد على البيانات والمعطيات، بل تلعب العاطفة دوراً كبيراً في ذلك. فعندما نحب أو نفضل أحد الخيارات، نميل إلى التقليل من أخطاره ومضارة وهكذا. بل أن تقديم معلومات إيجابية عن خيار ما (مثل ما يعمله المضاربون أثنا تحليلاتهم لأسهم معينة، أو أسلوب معين للتداول)  يؤثر على تفضيلات الناس وتقديرهم للمخاطر. وقد قام بعض الباحثين بتطبيق النظريات التي تربط بين العاطفة وإدراك المخاطر والمنافع إلى التعاملات في سوق الأسهم، ووجد بالفعل أن التفضيلات العاطفية تؤثر على قرارات الشراء والبيع بعيداً عن الأساسيات. ومن هنا، فإنه وبالرغم من اعتقاد الكثيرين أن نشاط سوق الأسهم هو عقلاني ومنطقي وقائم على التحليل، إلا أن الأبحاث الحديثة في مجال الاقتصاد السلوكي تشير إلى عدم صحة ذلك وإلى التأثير الكبير للعواطف والانفعالات على ذلك.

  • الثقة المفرطة:

في العالم المثالي، ووفقاً للنماذج المعيارية في اتخاذ القرار، فإن مستوى ثقتنا في صواب أحكامنا وقراراتنا يجب أن تتطابق تماماً مع صواب تلك القرارات والأحكام في الواقع. فإذا كنا، على سبيل المثال، قد أجبنا على 40 سؤال بشكل صحيح من أصل 50 سؤالاً عرضت علينا، فإن معنى ذلك مستوى ثقتنا في صحة أحكامنا يجب أن يكون 80%.  ولكن إذا كان مستوى ثقتناً أعلى من نسبة إجاباتنا الصحيحة، فإن ذلك يدل على أن لدينا ثقة مفرطة في صحة أحكامنا، والعكس صحيح. وقد وجدت الأبحاث أن ظاهرة الثقة المفرطة في الأحكام الاحتمالية موجودة بالفعل في مختلف الثقافات حول العالم وإن كانت تتفاوت في درجتها عبر الثقافات.

وجدير بالذكر أيضا، أن الثقة المفرطة وجدت حتى لدى الخبراء في مجالات شتى (اقتصادية وهندسية، وطبية، وعلمية وإدارية وسياسية وغيرها)، ففي بعض الدراسات وجد أن المهندسين يقعون ضحية للثقة المفرطة في تقديراتهم لمتطلبات مشروع إنشائي أو المدة الزمنية التي يمكن أن ينجز فيها.

وفي أسواق الأسهم، تؤثر الثقة المفرطة على تقديرات المستثمرين والمحللين (أفراداً ومؤسسات) وعلى قراراتهم أو توصياتهم للبيع والشراء نتيجة لذلك. فهم يبالغون في اعتقادهم أن لديهم القدرة على قراءة المعطيات والبيانات الاقتصادية وغيرها وتوظيفها بشكل فعال في أحكامهم، بينما في الواقع ونظراً لأنهم يتعاملون مع درجات عالية من حالة عدم اليقين (Uncertainty) فإن ذلك يحد من دقة تنبؤاتهم المستقبلية. وعلى الرغم من أن حالة عدم التأكد تؤثر في أحكامنا الاحتمالية (ومنها تنبؤاتنا بأسعار الأسهم) بدرجة أو أخرى، إلا أن مستوى ثقتنا في تلك الأحكام لا يأخذ ذلك في الحسبان.

  • الذاكرة والعمليات العقلية:

تشير الأبحاث في مجال علم النفس المعرفي إلى تأثر العمليات العقلية لدى الإنسان (كالإدراك، والانتباه والذاكرة، والاستدلال والاستنتاج وغيرها من عمليات التفكير بمستوياتها المختلفة) بنطاق واسع من الأخطاء والتحيزات، Errors and Biases، لخصها نيزبت وروس  Nisbett and Ross 1980 في كتابهما الكلاسيكي عن أوجه القصور والتحيزات في الاستدلال والتفكير. ومن أهم العمليات التي تؤدي لأخطاء في التفكير الانتباه الاختياري Selective attention والذي يحدث عندما نواجه كماً متعدداً من المعلومات وننتبه لجزء منها ونتجاهل أجزاء أخرى قد تكون أكثر أهمية. وهذا يعود، بشكل رئيس، إلى محدودية قدرة الإنسان على التعامل مع تلك المعلومات، والاستفادة منها للوصول لاستنتاجات صحيحة. وهذا ما يحصل في أسواق المال، فالمعلومات ذات مصادر متعددة، وأصبحت مع وسائل الاتصال الحديثة تصل بسرعة لا يمكن التعامل معها بشكل كامل، فيتم الانتباه لبعضها، وقد يكون أقل أهمية، وتجاهل المعلومات الأخرى، مما يؤدي لأحكام خاطئة ومتحيزة.

ويعتبر تحيز الإثبات Confirmation bias من أهم التحيزات التي تقود أحكامنا وقراراتنا للخطأ، حيث ينزع الإنسان للبحث عن المعلومات التي تؤكد وتثبت أفكاره المسبقة، وفي نفس الوقت يتجاهل المعلومات التي تناقضها. ويلاحظ هذا التحيز في سلوك المتعاملين في الأسواق المالية بما فيهم المحللين والخبراء، فهم ينزعون في الغالب للبحث عن المعلومات التي تؤكد أفكارهم المسبقة وتؤيد توجهاتهم سواء في منتديات الأسهم، أو شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، بينما يتجنبون المصادر التي قد تتعارض معها. وينطبق هذا أيضا على متابعة قنوات تلفزيونية أو محللين معينين.

ومن العوامل النفسية ذات العلاقة بالعمليات العقلية المؤثرة على القرارات وإدراك الأخطار (ومنها بالطبع تلك المتعلقة بسوق الأسهم)، ما أطلق عليه كانيمان وتفرسكي اسم استراتيجية الإتاحة، The Availability Heuristic، وهي تعني أن الأحداث البارزة في حياتنا يسهل استدعاءها من الذاكرة وخاصة في السياقات ذات العلاقة، وبالتالي فهي تؤثر على أحكامنا وقراراتنا حتى لو كانت احتمالات حدوثها ضعيفة جداً. فأثناء متابعتنا لانخفاضات أسواق الأسهم، يتبادر للذهن مباشرة الانهيارات التي حصلت عامي 2003 و2008، وذلك لأنها كانت انهيارات دراماتيكية وقاسية، وبالتالي فإن تذكرنا لتلك الأحداث بسهولة يعزز من توقعاتنا أن انهيارات مشابهة ستحدث لا محالة، بالرغم من اختلاف العوامل الاقتصادية والأساسيات الآن عنها في الفترتين المشار إليهما. وبالتالي يحدث الهروب الجماعي من السوق بناءً على توقعات مستقبلية غير دقيقة اعتمدت على أحداث سابقة (الانهيارين) وتجاهلت المعلومات الحالية.

وعلق د. حميد المزروع على ما طرحه د. على الحكمي بقوله: ٩٥٪ من المتعاملين بسوق الأسهم لا يدركون معني الاستثمار ، ولا معايير تقييم الأوراق المالية ، وبالتالي استسلموا لما يعرف بالتحليل الفني وتوصيات المنتديات ، وهي غالبا ما تقاد بتوجهاتها لخدمة “الهوامير” ، لذلك تجدهم يتأثرون بطريقة جنونية لأداء السهم اليومي ويتركون قيمته الحقيقية التي تحددها ما يعرف بمكرر السهم وأفاق نموه المستقبلي ، ولهذا السبب يلعب الجهل والعامل النفسي في اتجاه السوق وتتجلي سمة السلوك الجماعي في اتخاذ القرارات المشتركة ، التي كما نلاحظ تؤدي إلي التذبذب العالي بالأسعار ، سواء بالارتفاعات أو الانخفاضات الغيرة مبررة ، لا شك أن تفعيل الحوكمة الداخلية للشركات ، وتطور أداء شركة تداول ، سيعزز مع الوقت توازن السّوق ، ويُقصد هنا القرارات العقلانية بالبيع والشراء، عموما ما زلنا نصنف ضمن الأسواق الناشئة.

كذلك فقد أشار د. مساعد المحيا إلى أن العامل النفسي هو ما يدعو للتدافع للبيع في أكثر الأحوال ..لكن من المهم التأكيد على أن صناع الأسواق كثيرا ما يستثمرون تلك الحالات النفسية من خلال تلاعبهم بكل المؤثرات التي تقود لسلوك المستثمرين والمضاربين وتقودهم نحو اتجاه معين … وفي أكثر الأحوال يستثمر في هذا ضخ عدد من الأخبار والمعلومات السلبية عبر مختلف وسائل الإعلام مع دعم للعديد من آراء المحللين الذين يقودون هذا الاتجاه أو يشاركون فيه .. وعلقت د. عائشة حجازي بقولها: انهيارات سوق الأسهم تليها انهيارات نفسية حادة لازال بعض ضحايا الأزمة السابقة مودعين في المصحات وخسروا ما تبقى لديهم في العلاج.

واتفق د. علي الحكمي مع د. حميد المزروع في أن التحليل الفني وتوصيات المنتديات تخدم توجهات معينة في السوق وبالتالي المتضرر هم صغار المستثمرين، وهنا يأتي دور تداول في تقديم معلومات صحيحة وتتجاوب مباشرة مع أوضاع السوق وتقلباته. كما أكد أيضا على ما ذهب إليه د. مساعد من أن هناك من يستفيد من بث حالة الرعب لدى المستثمرين باستخدام معلومات لا تأثير حقيقي لها على قيمة السهم العادلة.

الوصايا العشر لحماية المتعاملين في سوق الأسهم:

اقترح د. فهد الحارثي تحاور أعضاء منتدى أسبار حول ما أسماه “الوصايا العشر” لتحجيم أمراض السوق وبالتالي حماية المستثمرين ، مع الوضع في الاعتبار أن هنالك ما هو خارج عن إرادة السوق مثل التأثر بالأسواق العالمية على سبيل المثال وليس الحصر. وفي هذا الإطار فقد حدد د.م. نصر الصحاف الوصايا العشر لحماية المتعاملين في سوق الأسهم فيما يلي:

  • غياب التصريح العلني للمسؤولين إما عن جهل وعدم اختصاص (مع أنهم في مراكز تحتم الاختصاص في المواضيع المالية/ الاقتصاد/ السوق) أو اللامبالاة (باعتبار المسألة برمتها غيمة وتزول) سبب أساس في موجة الذعر والهلع التي أصابت المساهمين ولكن أن تستمر الحالة كذلك ولفترة تعتبر طويلة بمقياس السوق فهذا مما يعزز فكرة تواطؤ المسؤولين بانتهازية الظرف لغرض ما.
  • الشفافية المعدومة في السوق لا تفيد سوى فئة محددة على حساب الجميع.
  • نظام الكيل بمكيالين لا يفيد السوق أو الاقتصاد الوطني إنما يساهم في تقليص الطبقة الوسطى بوتيرة أسرع .
  • هروب رؤوس الأموال إلى أسواق أخرى ربما ذات عوائد أقل إلا أنها أرحم وتمكن المستثمر بأخذ القرار عن معادلات رياضية أثبتت قوتها عبر سنين من النجاحات وليست وليدة الصدفة أو تابعة لنزوات غير مدروسة.
  • استقلال الأجهزة الرقابية.
  • تيه البنوك المحلية في التعاطي مع فئة معينة وتمكينهم من تسهيلات هم أصلاً لا يفقهونها وإنما عميت بصائرهم بسبب الجشع فقط وإذا نزل السوق سارعوا في تصفية محافظ عملاءهم غير المحظوظين فقط!!!
  • تناقض الأدوار في المؤسسات المعنية لدرجة الوصول إلى acting conflict of interest
  • غموض وعتمة دور المحافظ السيادية في هذه الأزمات والتي قد تكون (ليس الآن) في بعض الأحيان مفتعلة !!
  • إحجام أصحاب الرأي السديد والنأي عن إبداء الرأي لسبب ما !!
  • الجهل المطلق بقواعد اللعبة من قبل شريحة كبيرة من المساهمين الصغار مما يشكل فريسة سهلة لما يسمى بالهوامير في غياب الرقابة المهنية المسؤولة في متابعة الحركات التي قد لا تكون مشبوهة في حد ذاتها ولكنها بالمجمل وعلى المدى ليس بالطويل تؤتي أكلها في رفع سهم معين بدون أي مؤهل فيسارع (عامة المساهمون) بالشراء كتثبيت لظاهرة القطيع المنطبقة حتى الآن في السوق بالرغم من الانتكاسات المتتالية في أقل من عقد زمني واحد مما يعني شيء واحد وهو تأكيد جهل المستثمر الصغير/ المتضرر الأكبر. هنا تكون المسؤولية أكبر على المسؤولين!!!

أما الوصايا العشر لتحجيم مخاطر سوق الأسهم وحماية المستثمرين برأي أ. خالد الحارثي فتتضمن ما يلي:

  • إنشاء هيئة الرقابة المالية والتي تكون مهمتها التفتيش والتحري والتدقيق في النشاطات المريبة في سوق المال أو خارج النظام البنكي.
  • توسيع الدور الرقابي والعقوبات على حركة التداول النشطة في الأسهم التي لا تملك مؤهلات النشاط غير العادي.
  • متابعة مصادر السيولة في المحافظ المتوسطة والكبيرة والتأكد من صحة بيانات الإفصاح.
  • متابعة عمليات غسيل الأموال التي تحدث خارج النظام البنكي. وإيقاع أقسى العقوبات على جميع الأطراف.
  • تقسيم سوق الأسهم إلى عدة أقسام من حيث عدد الأسهم والكفاءة التشغيلية والملاءة المالية.
  • سرعة إنشاء سوق الصكوك والسندات وأنظمة الرقابة الخاصة به التي تدقق وتراقب مصادر السيولة.
  • سن حزمة أنظمة للحد من المضاربات عالية المخاطر والتلاعب.
  • تحويل مؤسسات الوساطة ومدراء الصناديق إلى شركات مساهمة عامة يصعب تملك حصص مسيطرة فيها وخاضعة لأعلى معايير الحوكمة الإدارية والمالية والرقابة.
  • مراجعة أنظمة القروض الشخصية والقروض المقدمة للأفراد لتأكيد مستوى الملاءة المالية دون مخاطر عالية.
  • تأسيس شركات تعاونية عملاقة مالية وصناعية وتجارية تعادل الضغط في السوق السعودي وتهذب حدة التنافس الشرس وشراهة الاحتكارات.

وأضاف د. حميد المزروع لما أشار به أ. خالد الحارثي الوصية الحادية عشرة وتتمثل في:

  • إيقاف التسهيلات البنكية للأفراد ، وقصرها علي مدراء المحافظ المرخصة علي أن لا تزيد قيمة التسهيلات عن ٢٥٪ من قيمة المحفظة.

وطرح اللواء د. سعد الشهراني الوصايا العشر لحماية المتعاملين في سوق الأسهم وتضمنت ما يلي:

  • ابتعاد من لا يحب المخاطرة عن الدخول بسوق الأسهم.
  • أن يدرك من يدخل سوق الأسهم أنه سوق عالي المخاطر و أنه يشهد تقلبات سريعة و مفاجئة و أن العدوى من سوق إلى سوق عبر العالم وعبر القطاعات حقيقة من حقائق هذا السوق؛ و لذلك فإن على المتعامل فيه أن يعرف أنه في لحظة من لحظات التقلب قد يتعرض لخسائر كبيرة وأنه قد لا يستطيع الخروج في الوقت الذي يريد.
  • قيام المتعاملين بجني الأرباح يومياً و إخراج هذه الأرباح أو جزءاً منها من السوق لأن هذا يخفف من الإحساس بالألم من أي خسائر لاحقة.
  • العامل النفسي مهم في سوق الأسهم فسراب الربح السريع و الخوف من الخسائر تدفع المتعامل لاتخاذ أو عدم اتخاذ قرارات مهمة قد يندم عليها مستقبلاً.
  • عدم الخروج من السوق إذا كانت الخسائر كبيرة ؛ لأن السوق سيعاود الصعود مرة أخرى و لو بعد فترة طويلة… وبمعنى آخر أن يعمل المتعاملون في سوق الأسهم وفقاً لمقولة: أخرج لاحقاً و حذار ألا تخرج في الوقت المناسب عند الصعود طمعا في ربح أكثر أو خسائر أقل.
  • المتعامل بسوق الأسهم هو المسؤول مسؤولية خاصة عن قراراته و الحديث عن المسؤولية العامة لهيئة سوق المال أو غيرها لن يفيده على المستوى الشخصي كونه من يتخذ القرار بالدخول للسوق والبيع والشراء و الخروج.
  • يجب ألا ينخدع المتعامل بسوق الأسهم وينساق وراء الشائعات.
  • من الضروري أن يحتفظ المتعامل بسوق الأسهم بنسبة جيدة في الأسهم القيادية وتلك التي توزع أرباحا.
  • مراعاة ألا يأخذ المتعامل بسوق الأسهم أية قروض أو تسهيلات للاستثمار في سوق الأسهم ما لم يكن محبا للمخاطرة و يعلم أنه سيتحمل نتائجها نفسيا، مع عدم العمل من خلال المحافظ المرهونة للبنوك والتي يمكن أن تقوم بتسييلها مع تحميل المتعامل نفسه الخسائر.
  • يجب عدم الاحتفاظ بكامل الأموال – قليلة أو كثيرة – في سلة سوق الأسهم، ومن المهم الاحتفاظ بالجزء الأكبر في استثمارات و أصول أخرى.

المحور الثالث

إعلام السلطة وسلطة الإعلام بين التوافق والخصام

الرجوع للأعلي

المدخل العام:

عرض د. عبد الله الحمود ورقة عمل حول سلطة الإعلام وإعلام السلطة بين التوافق والخصام، وأدوات تحقيقها. واستهلها بالإشارة إلى أن هذه القضية لا تناقش حدثا جديدا. بل جدلية عميقة في التاريخ تجاوز عمرها خمسة قرون، حيث بدأت جذوتها الأولى مع اختراع المطبعة منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. فمنذ ذلك التاريخ، بدأت العلاقة بين “السلطة” و “الناس” تأخذ مآخذ متعددة، تعقدت شيئا فشيئا مع كل تطور يطال صناعة الاتصال بـ “الناس” أو بين “الناس”.

  • أصل الجدلية

تتلخص الجدلية في ما يمكن أن أسميه “امتلاك المعلومة أو الرأي، وامتلاك القدرة على النشر والتعقب”. وكان الميل التقليدي لـ “السلطة” نحو احتكار المعلومات والآراء التي ترى ملاءمتها للخاضعين لنفوذها، من جانب، والميل الفطري لـ “الناس” للاتصال بدون قيود من جانب آخر، جانبان يمثلان قطبا الجدلية ومناط تعقدها على مر التاريخ. ويقوم أصل الجدل بين السلطة والناس في موضوع الإعلام والاتصال على “شك” و”ارتياب” كل طرف من الآخر. ففي الوقت الذي تسعى فيه السلطة للتحكم في جهد الإعلاميين والاتصاليين، يسعى الإعلاميون للتحرر من قيود السلطة.

  • بروز النظريات المعيارية المفسرة

أدت جدلية “السلطة – الإعلام” لبروز المفاهيم أو النظريات الأربع الرئيسة في التاريخ التي فسرت العلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام، وخصوصا بعد ظهور الصحافة في أوربا في القرون الوسطى، وتطور المجتمعات وأنظمة الحكم، وأيضا وسائل الإعلام، تدريجيا. وهي نظريات” السلطة، فالحرية، فالمسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى النظرية الشيوعية. ولكل من هذه النظريات الأربع تفصيل لا يتسع المقام لذكره، غير أن مسمياتها تعكس بجلاء محتواها وطبيعة العلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام.

ومن الجدير ذكره هنا، أن الدول النامية كانت، لضعفها، في معزل عن كل تلك التطورات، فلم تبرز تجارب ناضجة تخصها في مجال العلاقة بين السلطة والإعلام. ونظرا لطبيعة “السلطة المطلقة” في الدول النامية إجمالا، فقد تجسدت فيها أدبيات وممارسات النظرية السلطوية التي تمتلك خلالها السلطة السياسية كافة القرارات المتعلقة بالعمل الإعلامي والاتصالي. ولم يخل الأمر من مظاهر حسبت في بعض الحالات مسؤولية اجتماعية، أو ربما، بنسب محدودة جدا، نوعا من الممارسة الحرة للإعلام. ومن هنا، أطلق الباحثون مسمى “النظرية التنموية”، أو “النظرية المختلطة”، في محاولة لتفسير ما يجري في الدول النامية.

  • الحالة الراهنة

الحالة الراهنة اليوم في طبيعة العلاقة بين “السلطة” و “الإعلام” في مفترق طرق حاسم جدا. فقد تطورت وسائل الإعلام والاتصال وتنوعت بقدر كبير. وفقدت “السلطة” التقليدية قدرتها على التحكم بأي قدر في التدفق الإعلامي والاتصالي، الذي تجاوز المؤسسات التي كانت تكبلها التصاريح الرسمية، إلى فضاء الإنترنت، وانعتاق “الأفراد” من أي التزام “سلطوي” تقليدي، وعجزت الدول النامية، لضعفها المستمر، عن أن تفعل شيئا، وشهد الواقع الإعلامي الاتصالي فيها انفلات “المؤسسات” الإعلامية هي الأخرى، فاختلط كل شيء. وهذا ما يفسر الجدل القائم حاليا حول منظومة من الفضائيات المؤدلجة سياسيا أو فكريا، والفضائيات النفعية التجارية، إضافة للفئوية والمناطقية والحزبية وغيرها. وربما من جانب آخر، يمكن النظر لذلك كأحد مؤشرات قوة نظرية “المشاركة الديموقراطية” التي سعى بعض الباحثين لتدوينها لتصف الحراك الشعبي في المشاركة إعلاميا واتصاليا.

  • موقف السلطة

استطاعت “السلطة” في الدول المتقدمة التعايش بشكل لا بأس به مع طفرة الاتصال الراهنة، نظرا لترسخ قيم العمل الإعلامي، ووضوح العلاقة بين السلطات في المجتمعات المتقدمة، ووجود وارتفاع أهمية وتطبيق القوانين. وبقيت “السلطة” في الدول النامية متحفظة جدا. لكنها عجزت، في حالات كثيرة، عن التحكم الذي تريده. ومع الانفلات النسبي للمؤسسات الإعلامية غير الرسمية من هيمنة “السلطة” في الدول النامية، يكاد يكون “الأفراد” متحررين جدا من أي هيمنة. وهو الأمر الذي يبرر سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، والقلق الكبير لدى المؤسسات الرسمية من مستوى النقد الذي تمارسه تلك المواقع، أو هو “سلطة الإعلام” باعتبارها أمرا واقعا.

  • الدور الجديد لإعلام السلطة

شهدت السنوات القليلة الماضية توجها محموما من قبل المؤسسات الرسمية في الدول النامية، وبرز ذلك التوجه بشكل ملحوظ في الدول العربية، لإعداد “الاستراتيجيات الإعلامية والاتصالية”. وهو اعتراف ضمني مهم بأن المؤسسات الرسمية “مؤسسات السلطة” قد باتت تواجه تحديات كبيرة من “الإعلام والاتصال” الذي لم تعد تملك الهيمنة عليه، فراحت تسعى للتعامل “اللين” معه ومع “الناس” عبر بناء استراتيجياتها الإعلامية والاتصالية. غير أن هذا “اللين” ليس على إطلاقه، إذ شهدت عدد من الدول النامية حجب وتعطيل العديد من المواقع والخدمات الإعلامية الاتصالية في بيئة الإعلام الجديد، إضافة إلى محاسبة أفراد ومؤسسات تعتقد “السلطة” أنهم تجاوزوا خطوطها الحمراء.

  • مستقبل العلاقة

كانت “السلطة” في ما مضى تمنح أو لا تمنح الإعلام “سلطته الرابعة”. وكانت الدول النامية قاطبة تشهد المنع والتجريم أيضا. لكن ما مضى أمر، والراهن أمر غيره. لم تعد السلطة قادرة على الهيمنة، على الرغم من حالات “التدخل العنيف” التي تمارسه أحيانا، وهي في الوقت نفسه، لن تقبل بقاء الحال على ما هو عليه بالنسبة لسلطة الإعلام الجديد. لأن “سلطة الإعلام” تتنافى واقعا وممارسة ومفهوما مع “هيمنة السلطة”. وبالتالي، لا أعتقد أن يكون ثمة توافق أبدا، بين قطبي التحكم في “المعلومة والرأي”: “السلطة” و “الإعلام والاتصال”. وسيبقى “إعلام السلطة” عاجزا عن امتلاك أو مجاراة “سلطة الإعلام”. وبالتالي فإن العلاقة مرشحة في نظري لمزيد من الخصام.

  • آفاق نحو التقارب

على الرغم من صعوبة التوافق بل واستحالته بين الجانبين، إلا أنه يمكن تحقيق قدر جيد من التقارب، لتقليص حجم الفجوة بين “السلطة وإعلام السلطة” من جانب، و “سلطة الإعلام” من جانب آخر:

  • بناء مشروع وطني وقومي تتفق عليه كل مراكز القوى على مستوى الوطن والمنطقة، وتلتزم بالتعبير عنه والدفاع عنه.
  • الإيمان العميق من قبل “السلطة” بأن احتكار المعلومة والرأي لم يعد مجديا.
  • الإيمان العميق من قبل المؤسسات الإعلامية، والأفراد خلال تفاعلاتهم مع وسائط الإعلام الجديد بأن المصلحة الكلية العليا للبلاد وللمنطقة مقدمة على كل النزعات الفئوية والأيديولوجية ونحوهما.
  • وضع التنظيمات والقوانين الصارمة المنبثقة من طبيعة البيئة الجديدة للإعلام والاتصال، والمراعية للمصالح الكلية، في فضاء حر يكفل تنازل السلطات عن عدد من تقاليدها في الهيمنة، وتنازل الإعلاميين ونشطاء الاتصال عن سقف الحرية اللامحدود الذي ينشدونه.

إعلام السلطة وسلطة الإعلام: تعقيبات ومناقشات تحليلية

عقب أ.د. عبدالرحمن العناد على ورقة  د. عبد الله الحمود بإشارته إلى أن د. عبدالله يتناول تعريف أشمل للإعلام يتضمن وسائل الإعلام والتواصل الجديدة، ولو كان الأمر له لأستبعد الحديث عن وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة لأن علاقتها بالسلطة لازالت قيد التشكل، وهي لم تدخل بشكل قوي – حتى الآن على الأقل – ضمن الأدوات الرسمية لإعلام السلطة، ولكنها تملك، في المقابل، سلطة إعلامية قوية وخطيرة ويبدو أنها ستكون الأكثر تأثيرا على السلطة من خلال تأثيراتها على توجهات الرأي العام المتوقع زيادتها في قادم الأيام.

وفي تقدير أ.د. عبدالرحمن العناد فإن العلاقة الحديثة بين الإعلام بوسائله التقليدية والسلطة أعادت تشكيل النظريات المعيارية للإعلام، فالعلاقة تطورت إلى حد الاندماج والتكامل والتآمر على الجمهور، وأصبح الإعلام التقليدي والسلطة متكاملين، حتى وأن بدى للبعض أنهما متضادان، والسبب في ذلك هو أن الإعلام التقليدي تحول إلى تجارة أو صناعة تبحث عن المال والأرباح …. والسلطة تحتاج الإعلام وتملك المال، وكان الإعلام التقليدي ولا يزال بحاجة للتسهيلات والتراخيص التي تمنحها السلطات بالإضافة إلى الدعم المادي الذي يبحث عنه ويحصل عليه في الغالب، والسلطة من الجانب الآخر تحتاج الإعلام وبخاصة ذلك الذي ينجح في إيهام متابعيه بالموثوقية والمصداقية والموضوعية، فتعمل السلطة على كسبه إلى جانبها أو تحييده في أقل الأحوال.

وواقع الحال أنه لا يوجد الآن إعلام مستقل …. حيث أنه حتى في حالة الإعلام الخاص تحول إلى إعلام نفعي تجاري يتقرب للسلطة ويمارس القائمون عليه تجارة إعلامية مكشوفة، وأحيانا فسادا حيث يعملون لمصالحهم الشخصية ولمن يدفع أكثر، ورغم حديث الإعلام عن الفساد في المؤسسات الرسمية فإن الإعلاميين بالعموم من أكبر مستهلكي الفساد وممارسيه حيث يبيعون ضمائرهم ويتقاضون الرشاوى والعمولات والهدايا والمنح … وغيرها، ولهذا فإن الإعلام الناقد لنظام سياسي ما لا يمكن الا أن يكون تابعا لنظام سياسي آخر.

خلاصة القول من وجهة نظر أ.د. عبدالرحمن العناد إن الاستقلال عن السلطة شيء مثالي لم يعد له وجود في وسائل الإعلام التقليدية، فلم يعد للإعلام التقليدي سلطة نزيهة كما لم يعد لدى السلطات إعلام نزيه، وهذا هو ما يعزز الأدوار التي يمكن أن يلعبها الإعلام ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة.

من جهته عقب د. مساعد المحيا على ورقة د. عبد الله الحمود بأن العلاقة بين السلطة والإعلام علاقة شائكة .. ولا يمكن أن تحسم لصالح طرف من الأطراف .. فالسلطة تسعى وراء الإعلام إما لاستقطابه أو قمعه .. والإعلام دائما لديه السلطة الأقوى والكامنة في قدرته بالتأثير على الجمهور.

ومن هنا فإن علاقة الإعلام بالسلطة من أهم العوامل التي أعاقت تطور الصناعة الإعلامية إذ إن طبيعة العلاقة التي تحرص عليها السلطة مع وسائل الإعلام هي أن تكون صوتا للجهاز الحكومي وبالتالي فهي علاقة تبعية وتوظيف واستخدام وترويج لقراراتها وتبريرها وهذا ما يقلل ثقة الجمهور بها .. ولذا نشطت مكانة الشبكات الاجتماعية أو الإعلام الاجتماعي مؤخرا وبخاصة في البيئات التي لا تتمتع فيها الوسائل بحرية كافية .. لقد استمرأت وسائل الإعلام لدينا أن تكون وظيفتها هي التعبير عن وجهة نظر المؤسسات الحكومية والدفاع عن مواقف المسؤولين والمبالغة في الثناء عليهم على نحو يتناقض مع الواقع الذي يعيشه الناس في بيئتهم الاجتماعية الأمر الذي جعل الجمهور الذي يفترض أن يكون حفيا بوسائل إعلامه الوطنية يرى أنها لا تنتمي إليه ولا تعبر عن همومه بل أضحى يتعامل معها على أنها وسائل لترويج الكذب الحكومي.

ويرى د. مساعد المحيا أن السلطة حين تجعل وسائل الإعلام والإعلاميين في مسار التبعية لها تفقد إمكانية صناعة صحافيين مهنيين فهؤلاء لا يولدون إلا في بيئة تشجعهم على الحرية والابداع لا التصفيق والتطبيل ، وهنا يصبح الإعلاميون غير مهنيين وإنما موظفين يمارسون عملا روتينيا لا يخلو من كثير من الكذب والدجل .. أما حين يتاح لأي إعلامي العمل في بيئة إعلامية تمنحه المناخ الواسع من الحرية والقليل من السلطة الحكومية فمن المتوقع أن يكون في مستوى الإعلاميين المتميزين العرب والدوليين والشواهد في هذا عديدة من الكفاءات السعودية … وعلى هذا فلن تتطور صناعة الإعلام لدينا دون أن يتم إنهاء هذا الارتباط السلبي بين الصحافة ومحطات الإذاعة والتليفزيون وبين مسؤولي السلطة .. وهذا الأمر من الجانبين من الصحفي ومن المسؤول.. لهذا مثلا – وعلى حد قول د. مساعد المحيا – لم استسغ أن يكون الصحفيون السعوديون الذي يحضرون مؤتمرا صحفيا لشخصية بارزة أن يقوموا بالتصفيق حين يقول كلمات تمثل جزءا من واجبه ووظيفته ..إنهم يتحولون لموظفين فقط … لقد عنيت العديد من السلطات بالاستحواذ على كل ألوان وأساليب ووسائل الإعلام التي تمكنها من فرض سيطرتها على الجمهور وعلى الأدوات الإعلامية عبر مختلف وسائل الإعلام بل أصبحت السلطة تصنع الإعلامي وقد تشتري مواقفه ولذا يموت بعض الإعلاميين حبا في كثير من شخصيات السلطة ويدافع بقناعة وبلا قناعة وبمناسبة وبغير مناسبة عن مواقفهم والأسوأ حين تعمل السلطة على شراء الوسيلة وتبتاع مواقفها .. ومن هنا فلم يعد أحد يتوقع أن تقوم الوسيلة الإعلامية أو الصحفي بوظيفة المراقبة مثلا لأداء جهاز حكومي أو أداء مسؤول حين يكون تعيين رئيس تحرير الصحيفة أو القناة يقرره المسؤول في السلطة وهنا تكون طبيعة العلاقة هي بين مدير وموظف ويستحيل أن تتحول إلى ممارسة مهنية بعيدة عن أي تأثيرات.

ويضيف د. مساعد المحيا أن القضية وإن كانت قديما تصل للمنع والحجب والايقاف والتهديد حتى ممن لا سلطة لهم على الوسيلة إلا أنها ستبقى جدلية كل طرف يحاول أن يشدها إليه وتبقى سلطة المال هي مهمة أيضا في تغيير المواقف ومدى إمكانية استقلال الآراء فمن يملك المال في كثير ممن الأحيان يستطيع أن يتحرك في وسائله الإعلامية غير منتظر الدعم من أي سلطة ..ثمة إعلاميون وكتاب يقدمون أنفسهم للجمهور على أنهم هم من يحمل هموم المجتمع وقضاياه ويدافع عنها لكنه حين يطعم بعض الحلوى يتغول الناس ويسخر بحاجاتهم وينكص على عقبيه الأمر الذي يجعل الإعلامي النزيه والشريف هو أحد الذين ينبغي أن تقدم لهم جوائز مستقلة وخاصة ..وتغيير مواقف الإعلاميين تبعا لما تراه السلطة هو نفسه كتغيير مواقف البعض حين يتولون المسؤوليات ومن هنا جاءت مقولة أحد المسؤولين حين تم تعيينه وتغيرت مواقفه إذ قال “اللاعب غير المتفرج”.

من جانب آخر يعتقد د. مساعد المحيا أنه ثمة من يرى أن الخصومة أو الصراع بين السلطة ووسائل الإعلام هي في الحقيقة وهم إذ الوسائل لا تقوم بدور كاف في نشر الحقيقة ففي أمريكا الذين يمتلكون أو يحتكرون وسائل الإعلام هم بضع شركات متعددة الجنسيات لها أجندتها السياسية وبينهم وبين الجهاز الحكومي الكثير من المصالح التي من خلالها يحددون أجندة وسائل الإعلام لذا يرى أحد رموز الإعلام الأمريكيين أن أمريكا تتحول إلى دولة ديكتاتورية شمولية تسيطر فيها هذه الشركات على الجمهور الأمريكي وتعمل هذه الشركات كوزارة إعلام لأمريكا وللرأسمالية العالمية، وأن عملها لا يختلف عن عمل وزارات الإعلام في الدول الديكتاتورية الشمولية. لقد أظهرت حرب تحرير الكويت ثم حرب احتلال العراق بجلاء أن وسائل الإعلام الغربية والأمريكية خاصة لم تكن مستقلة عن القرار العسكري والسياسي وأن العلاقة بين السلطة في الغرب ووسائل الإعلام كانت قوية وظاهرة وهو دور يختلف عن دورها إبان حرب فيتنام المشكلة أن هذا الأنموذج التي تحتذيه اليوم وسائل إعلام إخبارية أخرى أصبح هو المهيمن وبالتالي فالشكل المثالي للعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام لم يعد موجودا إلا في رؤوس التجريديين والمثاليين الذي تعد لديهم هذه أمنيات فقط.

وبرأي د. مساعد المحيا فإن الواقع الجديد في الإعلام أقصى النخب وأذن بعهد جديد أصبح الناس فيه يشتركون في إنتاج المعرفة والمعلومة والخبر، ومع أن عام 2014 كان هو الأسوأ على الصحفيين إلا أن الصحفيين لا يزالون يحتفلون باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق الثالث من مايو من كل عام، لاسيما مع استمرار الاعتداءات والتضييق والقمع ضد الإعلاميين ، ففي القريب صدرت أحكام بالسجن على صحفيي قناة الجزيرة الانجليزية ومن هنا جاءت العديد من الجوائز تحفز لحرية الإعلامي مثل جائزة اليونسكو لحرية الصحافة .. أن أهم التحديات التي يجب أن نواجهها بشجاعة هي البحث كما أشار د عبد الله عن شكل جديد للعلاقة بين الإعلام والسلطة، فالعلاقة السلبية القائمة على التبعية أعاقت تطور الصناعة الإعلامية في مجتمعنا حتى أصبحنا بيئة طاردة لبيئات إعلامية أخرى جاذبة .إننا نحتاج لعلاقة لا تتخذ شكل الخصومة والخلاف وإنما التكامل والبناء في بيئة إعلامية رشيدة وسديدة ينعم بآثارها الوطن والمواطن والمسؤول … يقول المفكر الفرنسي فولتير “ما رأيت شيئا يسوق الناس إلى الحرية بعنف .. مثل الطغيان”. و  كان غاندي يقول إن الدور الرئيسي للإعلام, هو أن يفهم ويعبر عن الرأي العام السائد .. وأن يخلق فكرا أو رأيا معينا لدى الجماهير .. ثم يفضح – وبلا خوف- كل الأخطاء !!”.

واتفقت أ. فايزة الحربي مع ما ذهب إليه أ.د. عبدالرحمن العناد بقولها: بالفعل إن الإعلام التقليدي مقيد بالمعلن والحكومات السياسية لكن الإعلام الجديد تمرد على هذه السلطوية ورغم المحاولات لعرقلة حريته ومصادرتها إلا أن الوضع خارج عن السيطرة لذلك لابد أن تتصالح السلطة السياسية مع سلطة الإعلام وتتعايش معه كما فعلت الدول المتقدمة.

وفي ذات السياق أشارت د. سامية العمودي كذلك إلى أن أحدى إشكالياتنا هي دور الإعلام فالمعلومات يجب أن تبرز والمنجزات يجب أن يتم وضعها تحت المجهر بهكذا يتحقق الهدف وتتضح الرؤية.

ومن جهته ذكر السفير أ. أسامة نقلي بعض الأمثلة العملية في هذا الإطار، حيث قال ما نصه: أنه في العام ٩٠ خلال عملي في السفارة في واشنطن، اجتمعت مع بيت ويليامز المتحدث الرسمي بوزارة الدفاع الأمريكية في مكتبه، وعند خروجنا أصر على توديعي إلى الباب. وفي الطريق صادفنا وولف بليتزر مراسل CNN ينتظر بيت ، حيث أوقفه قائلا له ؛ سيد بيت هذا تقريري الذي سأطلع فيه على الهواء بعد ١٠ دقائق ، أرجو ( إجازته ) أخذ بيت التقرير واطلع عليه ، وشطب بقلمه بعض فقرات التقرير ، وسلمه إليه ومضينا في طريقنا. استوقفني الحدث وسألت بيت؛ لم أكن أتصور أن تقارير CNN تخضع لرقابة وزارة الدفاع، أجابني ؛ جميع وسائل الإعلام وليس سي ان ان فقط. قلت له؛ ولكن بإمكانه نشر تقريره طبقا لقانون حرية الصحافة أجاب؛ بإمكانه ذلك فعلا، وبإمكاننا أيضا denying him the access ، وصحفي من دون مصدر يفقد قيمته، وكم من الصحفيين ذهبوا أدراج الرياح gone with the wind هذه القصة كان لها دروس مستفادة بالنسبة لي، وخصوصا حرية الإعلام وكيفية الالتفاف عليها”.

ومن وجهة نظر د. فايز الشهري فإنه وبشكل عام يمكن القول إن أكثر من أسرف في توظيف مفهوم “إعلام السلطة ” حديثا هي المدرسة الليبرالية الغربية ضمن المناكفة مع الإعلام الماركسي والشيوعي بشكل عام. وبذات المفاهيم وظف الأمريكيون والأوروبيين هذا التنميط في استهداف مؤسسات الحكم العربية ضمن مفاهيم الحرية واستقلالية الإعلام. في الغرب ومع الإيمان بحرية الإعلام فإن الحكومتين البريطانية والفرنسية تحديدا تشرفان وتديران أهم المؤسسات الإعلامية خاصة في مجالي الإذاعة والتلفزيون. كما أن شبكة CNN لا تبتعد عن مفهوم إعلام السلطة كثيرا مثلها مثل صحيفة USA  Today ناهيك عن صوت أمريكا وقناة الحرة وإذاعة سوا التي تنشر فكر السلطة الأمريكية بالتناقضات كلها رغم أن القانون الأمريكي يحد من ذلك. وإعلام السلطة لم يمت بل عاد بصورة جديدة من خلال تبني محطات وشخصيات إعلامية وبرامج بعينها. وفي مجال الإعلام الجديد حدث بحرج وبلا حرج فأنف السلطات في كل مؤسسات الإعلام الجديد تحت وهم الإعلام البديل.

من جهة أخرى أوضح د. فايز الشهري طالما أن الإعلام له قوة وتأثير كان ضروريا أن يكون للسلطة أدواتها الإعلامية لتحقيق التوازن الفكري والاستقرار الاجتماعي. لا يوجد إعلام في كل العالم لا يرتبط بسلطة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية وقضية استقلالية الإعلام خرافة لا يصدقها حتى من يروجها من الغربيين. كذلك فقد تبدلت الأدوار مع الإعلام الجديد ولكن هل التغير إيجابي أم في خامة السلبية. هل يمكن القول إن إعلام (سلطة الجماهير) أكثر رحمة وعدالة من إعلام السلطة التقليدية. وهل الدور التنويري للإعلام الجديد يسير في الاتجاه الصحيح. ومن وجهة نظر د. فايز فإن الإعلام المؤثر (وليس المثالي) هو ذاك المرتبط بالسلطة أيا كانت (سياسية اقتصادية اجتماعية عسكرية) لأنه يستمد منها الحماية والأهم الدعم. وإذا قالوا لك عن إعلام مستقل فقد حدثوك عن رابع المستحيلات.

ويرى أ. سعيد الزهراني تعليقاً على ورقة د. عبدالله الحمود حول: سلطة الإعلام وإعلام السلطة، أن التقديم والتأخير في العنوان أعلاه مقصود وفق ثنائية الإزاحة والإحلال إذ يتقدم مصطلح (سلطة الإعلام) على (إعلام السلطة) بحسب حالة الراهن والقائم اليوم التي تنحى باتجاه الأول فيما يتأخر الثاني الذي كان في السابق أولاً ووحيداً أيضا.. وذلك بفعل البيئة الاتصالية الالكترونية السائدة اليوم.. إنه عصر الموجة الحضارية الثالثة وفق أولفين تولر.

وأشار أ. سعيد الزهراني إلى أن د. الحمود قد انتهى في ورقته إلى توصيات تهدف إلى خلق مشروع تقارب فيما بين السلطتين.. وهو أمر إيجابي لكنه في حقيقة الأمر طوباوي وغير ممكن التحقق بالاستناد إلى أمثلة د. الشهري ود. المحيا.. فحتى النماذج الديموقراطية في العالم لا تعدو دعوات الحرية الإعلامية فيها عن كونها شعارات نيونية براقة معدة لملء الفراغات القابلة للاستهلاك السريع.. ناهيك عن دلالة المقولة الشهيرة (لا إعلام بلا أيديولوجيا) سياسية اقتصادية دينية إلخ.. وهنا سيُصبِح الحديث عن حرية وحياد وموضوعية رقم بلا خانة تحتويه.

واختلف أ. سعيد الزهراني مع ما ذكره أ.د. عبدالرحمن العناد بأن الإعلام التقليدي لا يحتاج إلى بحث أصلاً .. قضيته محسومة سلفاً ولا تحتاج إلى مزيد من التشخيص لأن هناك اتفاق عام على كآبة الحال وسوء المنقلب في أدائه وطنياً ومهنياً وأخلاقياً.. ويرى أ. سعيد الزهراني على العكس من هذا تماماً أن مصطلح سلطة الإعلام لولا بيئة الاتصال الإلكتروني والإعلام الرقمي لكان في عداد من لم يولد بعد.. ولكنا في إطار مصطلح إعلام السلطة فقط.

وبالعودة إلى بيئة الاتصال والإعلام الإلكترونية، يرى أ. سعيد الزهراني أن تلك التي شكلت رحم الخصوبة لولادة مصطلح (سلطة الإعلام) بمفاهيمه الدالّة.. والسؤال : هل هي الأخرى قادرة على خلق أرضية آمنة لحماية الحرية المقدسة؟.. نشك في هذا.. ولنبدأ من لبنة السيطرة على الإعلام التقليدي بجميع أشكاله وسنجد أن نظام (المؤسسة) هو من سهل الطريق للسلطة لكي تسيطر وتهيمن على مضامين وسياسات المؤسسة الإعلامية.. وبالتالي تتحكم في جل مخرجاتها وإنتاجها.. بطبيعة الحال نحن نتحدث عن إعلام تقليدي/جماهيري لا ينهض إلا وفق نظام مؤسسي.. وهو الأمر غير المتحقق في البيئة الاتصالية الإلكترونية التي ذابت فيها الحدود وتهاوت ضمنها الهويات.. وكأننا أمام معادلة جديدة طرفها الثابت الإعلام فيما تحول طرفها الآخر من (جمهور) إلى (مستخدمين).. وهنا مكمن الوهم لمن يَرَوْن عدم قدرة السلطة (أي سلطة) على السيطرة والهيمنة على البيئة الإلكترونية.

وفي تقدير أ. سعيد الزهراني فإن نظام المؤسسة الذي مكن السلطة من السيطرة على مؤسسات الإعلام التقليدي.. موجود حتى في البيئة الإلكترونية التي نتوهم استحالة سيطرة السلطة عليها.. ففي الواقع نحن أمام أشكال جديدة من الأنظمة/الأبنية المؤسسية .. التي تتيح للسلطة السيطرة على البيئة الإلكترونية.. سمها مثلاً (المؤسسة الافتراضية أو البديلة أو الالكترونية) مثالها منتديات الواتس و المجاميع البريدية ومجموعات الفيس والهاشتاق.. خذ مثال فعلي أكثر دقة وهو استخدام أجهزة المخابرات والأمن والتيارات الفكرية والسياسية لتطبيقات البيئة الاتصالية الالكترونية.. هذه في مجملها تكشف عن أبنية مؤسسية من الممكن اختراقها وبالتالي الهيمنة على شكل ولون وطعم ورائحة ما يتم تداوله وتحقيق الغاية المستهدفة.. بطبيعة الحال وحتى وفق النموذج المقترح أعلاه للمؤسسة البديلة أو الافتراضية.. سيكون حجم الهيمنة السلطوية أخف وطأة وأقل دقة من حيث التوجيه.. لكن هذا لا يلغي أن غاية السيطرة والهيمنة لدى قوى التأثير والمصالح لن تموت بل ستتحول من شكل إلى آخر ومن صيغة إلى أخرى.. وهنا يبرز عامل الزمن (السرعة) الذي هو شرط البيئة الإلكترونية  الأهم على الإطلاق.. من سيحضر في الوقت المناسب سيحسم لصالح من تكون الهيمنة.

وأضافت أ. فاطمة الشريف أن المنظور التاريخي لهذا الصراع قد ظهر منذ القدم حيث ظهر التوجس و الريبة و الشعور بالخوف الذي أبدته السلطة تجاه النشر العام مع ظهور الكتابة نفسها فبالعودة إلى التاريخ نجد أن خشية السلطة – الدينية / السياسية – لم تكن في اعتقادي مع ولادة المطبعة بل كانت مع ولادة الكتابة نفسها ، حيث تم اعتماد تسمية مقدسة على الكتابة أي كتابة .. فبإطلاق مسمى ( الهيروغليفية ) على الكتابة و التي تعنى النقش المقدس كان محاولة لإضفاء شكل من أشكال القداسة و الذي بدوره يؤدي إلى  تحريمه على العامة .. هو ما حدث بالفعل .. حيث تم تحريم تعلم الكتابة إلا للكهنة و القائمين على المعبد .. إذن هذا فيه فهم مبكر للقوة التي تتيحها الكتابة لمن يمتلكها ، و هذا ما جعل الكتابة على مر العصور إما محرمة كما حدث في البداية أو مراقبة بشكل كامل ، و هذا ما يمكن فهم حالات المصادرة و الحرق و المنع للكثير من الكتب ، و حالات القتل و الإعدام التي تعرض لها مفكرين و كتاب على مر التاريخ … تطور الأمر بالطبع بظهور المطبعة ، و أصبح أمر مراقبته أكثر صعوبة بالنسبة للسلطة السياسية ، و حدثت ثورة هائلة في الإنتاج و التلقي وتبادل الأفكار على مستوى العالم ، ويلخص يوهان رودولف غوتليب مرد هذا الخوف الذي تشعر به السلطة تجاه النشر و الكتب و القراءة عموما بقوله: ” إذا لم ينتج دائما عن قراءة الكتب و بصورة جلية ثورة ، فإنها تصنع ساخطين و متمردين ينظرون بعيون حاقدة وغاضبة إلى مؤسسات السلطة التشريعية و التنفيذية. و هم غالبا ما يكونون غير راضين على دستور البلاد التي ينتسبون إليها ” .. و هو الأمر الذي يمكن فهم مقولة وزير الدعاية السياسية لأدولف هتلر جوزيف غوبلز ” كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي ” على أساسه .. إذا كان الأمر في عمقه هو صراع بقاء و سيطرة تواجه به السلطة السياسية أمر الكتابة و النشر بين العامة والإعلام أحد تلك الوسائل الهامة بكل ما يعنيه و يؤدي إليه من وعي و فهم و تبصر حول الحقائق التي دائما ما تحاول السلطة إخفائها أو السيطرة عليها .. بالطبع لم يستمر هذا الصراع على نفس الدرجة من الحدة و المواجهة ، بل أخذ في التواري قليلا مع ظهور نُظم ديمقراطية يتاح فيها للشعب قول كلمته ، و إن لم يختفي نهائيا إذ لا وجود لسلطة ديمقراطية و متسامحة بالمطلق . و استمر من جهة أخرى هذا الصراع والمواجهة بين السلطة و أمر النشر في تلك النظم التي لم تتبع النهج الديمقراطي ، و كان ذلك أوضح ما يكون بشاعة و قمعا في النظم الشمولية ( الشيوعية ) و الديكتاتورية (العسكرية) و هناك عشرات القصص حول أشكال مريعة من هذا القمع و الذي لا يزال قائما إلى وقتنا الحالي ( النظام الكوري الشمالي ) .. لكن و مع التطور المتسارع وبظهور الشبكة العنكبوتية و إمكانية النشر العام و غير المحكوم برقابة مؤسساتية والتي تغلبت في نظري على وسائل الإعلام التقليدية والتي لازالت في معظمها تحت سيطرة ورقابة الدول والأنظمة أن كانت بشكل مباشر وعلني أو غير مباشر ، وتراخت قبضة السلطة إلى حد بعيد مع ظهور الإعلام الحديث و إن لم يكن بالمطلق أيضا ، إذ كثيرا ما نرى ملاحقات و أحكام بالسجن على خلفية أراء منشورة بشكل شخصي غير مؤسسي .. إلا أن الأمر أخذ بالتطور إلى الأفضل ، و لن يمر وقت طويل حتى تعلن الكتابة من خلال وسائل الإعلام الحديثة انتصارها النهائي ولو بشكل جزئي على السلطة في هذا الصراع التاريخي المرير. إن جوهر الصراع الحقيقي هو الانتقال من التاريخ الشفوي الذي يمكن التعديل عليه .. إلا النقش و الكتابة التي تصبح أمرا تاريخيا من المحفوظ في الذاكرة .. إلى المحفوظ عن طريق الكتابة.

ولخص أ. عبدالله آل حامد وجهة نظره بقوله: يتفاعل المجتمع الآن مع ثلاثة أنواع من الإعلام؛ الرسمي وهو مهم لعكس خطاب الدولة وتوجهاتها داخليا وخارجيا وحتى وإن تم إقصائه أو تحجيمه اجتماعيا، وإعلام المؤسسات المعلنة بكل أشكاله وتصنيفاته، وإعلام الظل الذي يدار بعقول وأيد خفية وهو دائما يمثل صداما مع الممنوع من قانون السلطة أو مسلمات الدين والمجتمع. وهنا أعتقد أن الأول والثاني يدار بأموال وإرادة وتسهيلات السلطة وأصحاب النفوذ بشكل مباشر أو غير مباشر ولا يمكن أن يكون محايدا وإلا وجد الإيقاف وربما الإفلاس والتعطيل وكلما اقتربت من دوائر صناعة القرار حصلت على امتيازات الأخبار والتقارير الحصرية وتقرب منك المعلن ومنحت جزء من كعكة السلطة. أما إعلام الظل أو النشاط الإعلامي السري فهو إما أن يكون صوتا حقيقيا وضميرا حي ناطقا يشكل ضغط على المسؤول ويدفع باتجاه الإصلاح والتنوير أو أن يكون مجرد تصفية للحسابات وترويج الأفكار الضالة والشاذة عن سياقات الوطن ورغم ذلك استطاعت السلطة زيادة فاعلية السيطرة عليها وتوجيهها. بناء على ما سبق، يمكن القطع بأنه ليس للإعلام سلطة الا على السلطة المنقسمة!!!

ويعتقد أ. عبدالله آل حامد من جهة أخرى أنه  في الوطن العربي يوجه علينا اليوم سلطة إعلام الدول الكبرى وبكثافة، مما ينال من وطنيتنا وديننا وتربية أبنائنا، ويسوق لصورة مشوهة عنا يقنعنا بها قبل أن ينقلها للعالم، وللأسف غيبتنا حربنا الإعلامية بيننا وتجاذباتها مع السلطة والآخر دون تقوية جبهة إعلامية داخلية قادرة على الوقوف في وجه الآلة الإعلامية الغربية غير المنصفة لقضايانا وهذه تبقى السلطة الإعلامية الحقيقية الباقية على الأقل ولا يضعفها إلا مصالح دولها معنا.

وأكد د. عبدالرحمن الهدلق على أن دور الإعلام مهم جدا في نشر الوعي والثقافة الانتخابية وقيما يبدو له من خلال المتابعة والرصد فإن الصحافة الغربية أكثر اهتماماً و نشاطاً من غيرها إلى جانب بعض الصحف الالكترونية ذات الاتجاه الليبرالي مقارنة بالصحف المحافظة.

وعلق اللواء د. سعد الشهراني على مداخلة سعادة السفير أ. أسامة نقلي و ما سمعه و رآه حول واقع العلاقة بين السلطة والإعلام في الولايات المتحدة التي تسوق على أنها قلعة الحرية و الإعلام الحر و هذا يؤيد ما نعرفه جميعا بأن حرية الإعلام و الادعاء بأن السلطات الرسمية الغربية لا تتدخل هو أمر غير صحيح على الاطلاق . و هذا لا يعني أنه لا توجد حرية إعلام في الغرب ، هي موجودة و لكنها حرية متفق عليها بين السلطتين بالمواد الدستورية و بالقوانين التي تحكم حدود السلطتين و حقوق كل منهما على الآخر وحقوق عامة الناس عليهما فضلا عن ارتقاء الوعي و منظومة الحقوق و الواجبات. و هذا برأيه ينسحب على الإعلام بنوعيه التقليدي و الجديد في الغرب.

وبرأي اللواء د. سعد الشهراني فإنه لا يوجد إعلام رسمي في الغرب كما هو في بقية دول العالم و إن وجد فإنه قد يتفوق على الإعلام الخاص و المثال  bbcفي بريطانيا وpps في أمريكا، ما يميز الإعلام في الغرب هو أولا سقف الحرية المرتفع و حرية النقد المتاحة للجميع و الممارسة من الجميع و ليس للإعلام  و الإعلاميين فقط و الأهم أن الإعلام هناك  يمارس دورا رقابيا مهما على الأداء العام و على الموظفين العموميين و السياسيين و من يحتل مركزا عاما في المؤسسات العامة والخاصة و هذان الأمران هما ما يميز الإعلام الغربي. أما عندما يواجه الغرب العالم فهو يسيطر على الإعلام ويوجهه أي أن حرية الإعلام و النقد والكشف والتحليل الحيادي و المستقل تذهب down the  drain و نتذكر ما أسموه في حروبهم الأخيرة  embededأي المراسل الذي يصبح جزءا من الكتيبة فهو يرافقهم و لا يرسل إلا ما يقره الرقيب و للأمانة فإن هناك ضمائر حية موجودة في الإعلام الغربي و الدليل أبو غريب و ما يماثلها… الإعلام خارج المنظومة الغربية و في الجانب السلبي من الأمور تسعى السلطة الرسمية من خلال (إعلام السلطة) أولا ثم من خلال التحكم و القمع و الرقابة الشديدة و باستخدام أدوات أخرى إلى توجيه الرأي العام و التحكم في ما يصل إليه من معلومات حتى تحمي نفسها و تخفي قصورها و فشلها و فسادها و في أحسن الأحوال عندما تخاف السلطة من الآثار العكسية للقمع و كبت الحريات أو عندما تتبنى  السلطة الرسمية منظورا إصلاحيا فقد تخفف من قيودها و تسمح بمتنفس هي مجبرة عليه في ظل انفلات الحبل بعد أن أصبح  كل من يملك جهازا مراسلا معظمهم غير معروف الهوية.

وتعتقد أ. ليلى الشهراني أن العلاقة بين السلطة والإعلام في العالم العربي علاقة تكاملية ، فما تفسده السلطة يرقعه الإعلام حتى في أكثر الدول العربية حرية. فالإعلام فيها يبتعد عن التصريح أو حتى مجرد التلميح لأخطاء السلطة ، يقول الكاتب يوسف ادريس رحمه الله “الحرية الموجودة في الوطن العربي كله لا تكفي لكاتب عربي واحد” وبالنظر لحال سقف الحريات في البلاد العربية هناك تضييق ومصادرة لبعض الآراء المعتدلة فتتم ملاحقتهم قانونيا ومضايقتهم بالمنع أحيانا ، وسياسة حجب بعض المقالات أو كثرة القصقصة لأجنحتها في بعض الصحف خير مثال ، لكن مع دخول الإعلام الجديد بدأت تتغير بعض الأمور وبدأنا نرى وميض مساحة للتنفس ، وهذا انعكس إيجابا على بعض الآراء التي كان من المحال مناقشتها لسخونتها فأصبح من الممكن التطرق لها في بعض المقالات أو الحوارات وإن كانت تظهر على استحياء وبأطروحات حذرة خشية المسائلة.

ومن وجهة نظر أ. ليلى الشهراني يستطيع الإعلام أن يكون عين السلطة وليس يدها ، فبناء الإنسان يبدأ من الإعلام الناجح ، فهو حلقة الوصل بين السلطة والشعب. الدول التي تعتمد على الإعلام الموجه ، تعاني كثيرا ، لأنها مثل من يربي تنينا جائعا ، يستطيع توجيهه كل من يطعمه أكثر ، ويظهر ذلك في إعلام بعض الدول بعد الربيع العربي  ، وكيف تتقلب المواقف والآراء لديهم بشكل لا يخطر على البال بل للدرجة التي تجعلك مدهوشا من تناقضات هذا الإعلام البائس. نحن بحاجة إلى إعلام جاد ونظيف يعلي من شأن الكلمة الصادقة والحرية المسؤولة ، ويكون عونا للسلطة ونورا تستضيء به في طريقها للإصلاح والتنمية والرقي بشعوبها.

من ناحية أخرى، أوضح م. سالم المري في تعليقه على ورقة د. عبد الله الحمود فيما يخص إعلام السلطة وسلطة الإعلام أنه لا يرى على أرض الواقع تحقق أي من الشروط الاربعة التي افترضها د. الحمود لفك الاشتباك بين السلطة وإعلامها من جهة وسلطة الإعلام من جهة أخرى (على الأقل في دولنا العربية والخليجية).

واتفق م. سالم المري مع أ.د عبد الرحمن العناد بأن هناك تداخل وثيق في المصالح بين الإعلام التقليدي والسلطة في الدول النامية ومنها دولنا العربية والخليجية أما سلطة الإعلام و نفوذه على الجماهير فلا يمكن أن تكون أكثر وضوحا مما هي علية في ثورات الربيع العربي حيث استطاعت الجزيرة إسقاط ثلاثة أنظمة عربية وحاولت في الآخرين لولا بعض التدخلات الإقليمية والدولية المضادة، كما اتفق أيضا مع د. مساعد المحيا على أنه ثبت لنا في أحداث الأمس القريب أن الإعلام الأمريكي خاصة والغربي بشكل عام غير مستقل عن السلطة بالرغم من ديموقراطية الدول الغربية وهذا يثبت كلام أ.د العناد عن الارتباط الوثيق بين السلطة والإعلام التقليدي. ولذلك فإنه من مصلحة السلطة أن يكون هناك مسافة معينة بين المسؤول الحكومي والإعلام حتى لا يفقد الناس الثقة في الإعلام ويربطون بينه وبين أخطاء السلطة التنفيذية.

وفي الإطار ذاته، أوضح د. خالد الرديعان أن هناك طرف ثالث لم تتناوله ورقة د. عبدالله الحمود وهو المتلقي أو الجمهور. هذا المتلقي يشكل سلطة أخرى اسماها مجازا “سلطة المتلقي” وهي سلطة في غاية الأهمية.. صحيح أنها لا تمارس القهر على رجل الإعلام أو حتى السياسي ولكنها تمارس الفرز والتدقيق وحرق الإعلامي مهنيا عندما يحاول تضليلها أو ممالئة السلطة السياسية على حساب الحقيقة التي يفترض أن يكرسها الإعلام ويدافع عنها. متلقي اليوم ليس كمتلقي الأمس؛ فالمعلومة تصله من عدة مصادر ويستطيع الفرز والتحقق بنفسه من صدق ما يصل إليه من معلومات.. ولذلك يميل د. خالد الرديعان إلى القول أنه بجانب سلطة السياسة القهرية هناك سلطة المتلقي التي يفترض أن يضعها الإعلامي في مقدمة اهتماماته. هذا الوضع يصعب من مهمة الإعلامي ويجعله بين فكي كماشة: السلطة السياسية من جهة والجمهور من جهة أخرى. وكلما زاد الاستبداد السياسي والفكري أصبحت مهمة الإعلامي في غاية الصعوبة بل مستحيلة في حين أن الجمهور لا يريد منه سوى الجهر بالحقيقة.. والخلاصة أن مهمة الإعلام والإعلاميين ليست بالسهولة التي نتصورها.

وعلق د. مساعد المحيا على توضيح د. خالد الرديعان بأن هذه المسألة لها ميدان آخر جدير بأن يتم تناوله .. وهي لدينا نعبر عنها مثلا بنظرية لولبية الصمت ولها تفسيرات متعددة منها أن وسائل الإعلام قد تختار الحديث في موضوعات معينة ولا تجرؤ على موضوعات أخرى إذا كانت تعتقد أن هذا الرأي لا تؤيده الأكثرية في حين أنها سترحب بالموضوعات التي تؤيدها الغالبية… فالخوف من رفض المجتمع قد يسيطر على الإعلامي ويجعله غير قادر على البوح برأيه في بيئة مجتمعية ترفض هذا التناول.

وبدوره أشار د. خالد الرديعان إلى أن ما يقصده هو توسيع المفهوم ليشمل ثلاثة أطراف: (السلطة ، الإعلام ، الجمهور). حيث يرى أن سلطة الجمهور المتلقي أشد من سلطة السياسي في ظل ما نراه من انفتاح إعلامي… يستطيع الإعلامي أن يداهن السياسي لكنه لا يستطيع مداهنة الجمهور.

ومن جديد عقب د. مساعد المحيا بقوله: اليوم عدد من العلماء والمسؤولين والإعلاميين لهم آراء ومواقف لا يجرؤ بعضهم أن يطرحها خوفا من أن يتم تهميشه واقصاؤه من الجمهور .. ولذا يعبر عن المواقف الأكثر قبولا.

أما د. فهد الحارثي فتناول سلطة الإعلام وإعلام السلطة من زاوية محددة وهي التسليم سلفاً بأن لا مجال للبحث في طرق أو كيفية تحرير إعلام السلطة من مخالب السلطة الخشنة أو الحريرية فهذا ضد وجوده من الأصل وتسميته تدل عليه ” إعلام السلطة ” يقابل هذا الإعلام دائما إعلام “محايد” وقد وضعت الكلمة بين قوسين لأن رولان بارت يرى أن ليس هناك خطاب أو نص محايد مطلقا.. وهذا الإعلام المحايد اتسع فضاؤه اليوم وتعددت وسائله وتفاقم جمهوره وهو ما شكل له ” سلطة ” قوية جداً كان من أبرز نتائجها مضاعفة الوهن الذي يعاني منه إعلام السلطة فلا وهج إلا وهجه على الرغم من كل ما يقال عنه من فوضى واضطراب وتلبيخ !

وأضاف د. فهد الحارثي: أجل اليوم بالذات يمكن أن نتكلم عن “سلطة الإعلام” وهي مرحلة انتقلت اليها المجتمعات بعد هذا الانفجار الهائل في أدوات صناعة المعرفة وفي وسائل تداولها : إنتاجا وتصديرا .. سرعة و تفاعلاً. السلطة نفسها أخذت تحسب له ألف حساب فهو يصل قبل أن يصل إعلامها ، وهو يستهلك أكثر ويؤثر أكثر و يوجع أكثر. لا بل إن السلطة نفسها صارت تتوسّله في اتصالها بالناس ، فتهمل وسائلها الأخرى أو لا تعوّل عليها. وهكذا فإن “سلطة الإعلام ” أضحت سيفاً مسلطا على رقبة السلطة و كذلك على رقبة إعلامها ، أما السلطة فقد قابلت ذلك بالامتثال والاستجابة ، وأما الإعلام التقليدي فقد واجه مصيره الجديد بالشروع في محاولة استلاف الطاقة ، عن طريق تطوير نفسه والبحث عن مغذيات جديدة لمنتجاته بل لم يعد يتردد في الاتكاء على وسائل الإعلام الجديد نفسها ، وهو لا يستطيع أن ينكر أن من فضائل هذا الإعلام عليه أنه وسّع كثيرا من ضائقاته ، فجعله يقول ما لم يكن يجرؤ على قوله من قبل ، بل لا يقترب منه، مجرد اقتراب !! كما أنه ساهم في تنظيف بعض الممرات من الكذابين و فاقدي الضمير وعديمي المهنية. فصرنا نقول لهؤلاء : الظرف الإعلامي الجديد لم يعد يسمح ، فإذا لم يكن لديك شيء ” مهم ” تريد أن تقوله فننصحك بالصمت. هكذا امتدادات ” سلطة الإعلام ” فقد وصلت إلى كل هذه التخوم بكل اقتدار.

ومن وجهة نظر د. فهد الحارثي فإن “سلطة الإعلام” هي ناتج مبهج لتبادلية المنافع بين الإعلام نفسه والجمهور، فالوسائل الجديدة أفسحت للجمهور مكاناً رحبا في ساحة الإعلام وجعلته شريكاً فعليا في صناعة المستقبل بشكل أو بآخر. والجمهور أمدّ سلطة الإعلام الجديدة بصوته العالي وبقبضته الصلبة ، فهو منتج هذا الإعلام في صيغته الجديدة وهو مستهلكه. سلطة الإعلام مكّنت الجمهور من أن يتكلم ويناقش ويصرخ فازداد نفوذه ، والجمهور احتضن هذا الإعلام ووضعه في حزامه و في جيبه وتحت وسادته فقد حقق معجزة ” الخل الوفي” مما دفع بسلطة الإعلام إلى الأمام أيضا. الجمهور استمد سلطته من سلطة الإعلام والعكس هو عين الصحيح.

ومن زاوية مختلفة، تطرق أ. خالد الحارثي إلى وجهة نظر العلوم الإدارية في واقع الإعلام العربي ، والفكرة العمالية للصحفي المحترف ، حيث أشار إلى أن مهنة الصحافة لاشك وأنها تحمل رسالة كبرى إذا ما استوعبتها دور الإعلام والصحافة ، وهذا ما يجعله يشك skeptic about في صلاحيتها على مستوى المؤسسة في العالم العربي إذا لم تتحرر من الملكية الخاصة وملكية القلة ، إذ أن القرار الإداري بيد البرجوازي في أحسن الأحوال. في العالم الغربي تختلف المعادلة ولذلك تختلف الشروط ، كما ذكر الأساتذة مسبقا فتاريخ الصحافة ترافق مع تطور النظرية الليبرالية الكلاسيكية ونظريات التعليم الليبرالي والتعليم العلماني والتعليم الاجتماعي وهي حاضرة منذ ذلك الحين بأساتذتها ومريديها في تلك المجتمعات. فلا حاجة للمؤسسات الإعلامية للحوكمة الإدارية لضمان حيادها النسبي المعقول لأن البديهيات التي تقود السلوك الاجتماعي كفيلة بتحميل المؤسسة الإعلامية خسائر فادحة وإفلاس حاد إذا تلاعبت بتلك البديهيات من فردية وسلطة القانون والشك في السلطة ومؤسسات المجتمع المدني .. الخ. الصحافة كـ مهنة أفراد تتجلى فيها القيمة الإنسانية العليا التي يحملها الفرد من جد واجتهاد وتعب ونكران الذات وتضحية .. الخ، وتظهر بوضوح في مواقف الصحفي المحترف وتفاعله مع قضايا مجتمعه وتوثيقه لما تقترفه المؤسسات السياسية والبرجوازية والدينية في حق الأفراد والمجتمع من تغول ضد الإنسان والمهمشين بكافة فئاتهم. وتخبو فعالية وقوة هذه القيم العليا عند التحاقه بالمؤسسات الإعلامية في الشرق العربي نظرا لتدخل المصالح الضيقة للمؤسسات الإعلامية على خط الإعلامي الوطني حتى لا يُعرف له فيما بعد هوية إذا ما انساق وراءها. وقد شهد العالم العربي في فترة الربيع تردد الكثير من المؤسسات الإعلامية في نقل الأخبار ودراسة الوقائع والتعامل مع الحدث التاريخي بما يليق به ، والاحتفاء بصانع الربيع الإنسان العربي ، وظلت الكثير من مؤسسات الإعلام تأخذ طرفا ضد آخر من أطراف الصراع السياسي وتركت قضية الإنسان العربي المنكوب وبعيدا عن التركيز على الفكرة الرئيسة وزيادة الوعي حولها وفتح الحوارات مع العلماء والخبراء وتسليط الضوء على الواقع المرير بكل أشكاله في مجتمعات العالم العربي. قد لا ينطبق هذا الرأي تماما على شبكة الجزيرة التي تميزت قبل الربيع بالعمل الثقافي والإعلامي الملامس لاهتمام الإنسان العربي ، وهو ليس إلا دلالة على الإدارة الاحترافية من الإعلاميين المخضرمين المخولين باتخاذ القرار ، مما سمح لها عبر عقدين من الزمن ببناء القاعدة لنبتة الربيع التي تكاملت مع وصول قواعد البيانات والمعلومات العالمية (الانترنت) إلى يد المستخدم العربي الذي استفاد فيما بعد أيضا من شبكات التواصل الاجتماعية. ثم أخذت مكانها بين بقية الشبكات الإعلامية في أن تكون طرفا في الصراع السياسي وتكاد تطغى تلك الحماسة الآنية على رسالتها للإنسان العربي. وهذا دلالة ضعف إداري انتابها من شكل ما ليس من الحكمة القطع به دون دراسة لكن ربما يكون أحد الأسباب عائدا إلى ضعف أداء ووظيفة وحدة الدراسات والأبحاث التابعة للإدارة الاستراتيجية للشبكة.

وأوضح أ. خالد الحارثي أنه لم تفلح في نظره كثير من المؤسسات في توظيف الربيع لصالح الإنسان العربي حتى لا يعود الاستبداد إليه مرة أخرى. لا يزال الإعلامي الفرد أو المستقل العربي غير مرغوب به في كثير من مؤسسات الإعلام ، مما يجعله محاصرا نظرا لعدم توفر وسائل الكسب المادي من العمل المحترف المستقل عن رأي المؤسسات المذكورة ، مما يدفعه إلى الاشتغال بالموضوعات البعيدة عن الحساسية أو تلميع السلطة والبرجوازية في بعض الأحيان. ويعتقد أ. خالد الحارثي أيضا من وجهة نظر إدارية أن (سلطة الإعلام) في العالم العربي صعبة التحقيق على يد الإعلاميين الأحرار والمستقلين المحترفين دون التحالف مع المستقلين من قطاعات علمية أخرى بأكاديمييها وخبراءها مثل العلوم الإنسانية من علوم اجتماع حديثة وقانون وسياسة واقتصاد وإدارة لتفكيك خرافات وأساطير وحصانة البرجوازيات العربية التي تتغذى على عرق وكرامة الإنسان العربي وحقوقه ، وتتكسب به على موائد السلطة والمؤسسة السياسية.

أما د. الجازي الشبيكي فترى أنه مما لاشك فيه بل ومن المفترض أن لا يكون للسلطة سُلطة على الإعلام ولا للسياسة تسييس له إلا في حدود المصلحة العليا للمجتمع ، وما نراه من تحول العمل الإعلامي في بعض القنوات الفضائية إلى ساحات برلمانية وحزبية وفق أيدولوجيات ومصالح معينة يعد بعيدا جداً عن الدور الحقيقي للإعلام الموضوعي المحايد .  الإعلام ينبغي أن يوعي الناس ويوضح لهم الحقائق والصور المجتمعية والسياسية كما هي والناس بدورهم يختارون القرارات والأشخاص الأصلح.

وأضاف السفير أ. أسامة نقلي أن هنالك فرق بين إعلام الخبر، وإعلام الرأي، كما أن هنالك تساؤلات عن ماهية (الإعلام التقليدي) وما هو الإعلام المقابل له. ويقول السفير أ. أسامة نقلي: استوقني مليا المصطلح الشائع ( الإعلام التقليدي في مواجهة الإعلام الجديد ) ، بالتأكيد الإعلام الجديد خال من القيود والرقابة على عكس الإعلام التقليدي، غير أن الإعلام التقليدي يظل متمتعا بالمهنية المطلوبة سواء في نقل الخبر بعد التأكد منه وفق أصول الإعلام المعتمدة، أو كتابة الرأي وفق أخلاقيات المهنة التي تراعي دائما الذوق العام الذي تحدده العادات والتقاليد المجتمعية. وهذا الأمر للأسف لا نجده في الإعلام الجديد الذي تجاوز حدود المصداقية والمهنية في ظل سعيه الدائم نحو الإثارة. ومن هذا المنطلق أفضل تسميته بالإعلام الحقيقي عن تسميته بالإعلام التقليدي، وستظل سطوته قائمة، من واقع مصداقيته أولا، ومن واقع تطور أدواته باستخدام نفس مواقع التواصل الاجتماعي في نشر رسالته ثانيا، وقد لا أبالغ بالقول أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر مصداقية بانضمام الإعلام (الحقيقي) إلى ركابها. أما عن حرية الرأي فسوف تظل نسبية وليست مطلقة في جميع دول العالم، وقد أوردت قصة المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية والسي ان ان بكل تجرد للتدليل على هذا الأمر. فإذا ما كانت بعض الأنظمة الشمولية تمارس القمع ضد الإعلاميين لغرض خدمة الإعلام لسلطتها، فأيضا الأنظمة المتحررة تسعى لنفس الهدف ولكن بأسلوب آخر.

وأشار د. عبدالله الحمود إلى أن الإعلام يعد بمثابة السلطة الرابعة؛ فعندما يشارك الإعلام المؤسسي السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية في أي مجتمع، باعتباره السلطة الرقابية، فأقل ما في الأمر أن يقوم المجتمع على أربعة أركان، بدلا من ثلاثة. وأن يكون من بين السلطات ما شأنه الرقابة على السلطات الثلاث الأخرى. وحينها يمكن الحديث عن دور حيوي للإعلام. وضرب د. الحمود مثالاً مهماً في هذا السياق بقوله: خذو هذا المثال الذي يدركه جيدا كل من عاش في مقاطعة كبك في كندا منتصف التسعينات الميلادية الماضية:

الثالثة عصر الأحد:  قناة RDF تبث خبرا وتتبعه بتقرير إخباري عن فساد كبير في إحدى شركات خدمات الاتصالات واتهامات قوية مباشرة لمجلس الإدارة وكبار الإداريين.

الرابعة عصرا: اتصالات متبادلة بين الناس لمتابعة الخبر المهم.

السادسة مساء: رئيس مجلس الإدارة  يخرج في عدة قنوات أخرى يكذب الخبر ويهدد RDF بمحاكمتها صباح يوم غد الاثنين.

الثانية عشرة من ظهر الغد: RDF تعد مشاهديها بتقرير مفصل عند الثالثة.

الثالثة عصرا: ينشر التقرير لتفاصيل قضايا الفساد، مع تصوير ليلي كامل لليلة البارحة فيه أربع عربات تصوير ليلي: واحدة عند مقر الشركة واثنتان تتتبعان الشاحنات التي تهرب بالوثائق لتخفيها والرابعة خارج المدينة في مكان إخفاء الأدلة والوثائق ولم تكن الشركة طبعا تعرف شيئا عن التصوير.

الثالثة والنصف: المذيعة تقول مخاطبة السلطات هذا هو الحال بالتفصيل وهذا هو العنوان الذي جمعت لكم فيه الشركة وثائق إدانتها.

الرابعة عصرا: تم تطويق مكان تهريب الوثائق.

السادسة عصرا: يعلن خبر استقالة مجلس الإدارة وإحالته للمحاكمة.

وعلق د. مساعد المحيا بأن تلك قصة خبرية معبرة ….تعبر فعلا عن سلطة الإعلام حين يراقب أداء المؤسسات والشركات. وبدوره قال د. مساعد المحيا سأنقل قصة أخرى تعبر عن سلطة أخرى … ذات يوم كان هناك برنامج تلفزيوني حواري في القناة الأولى قرابة الحادية عشر مساء وبعد أن بدأ المذيع مع ضيفيه الحوار الذي سيستغرق مدة ٥٠ دقيقة وجد المذيع أن المخرج بعد ثلث ساعة يطلب منه أن يختم البرنامج .. وأن هناك اتصالا جاء بهذا الصدد ..المذيع استغرب ثم قلق ..المذيع توقع أن هناك كلاما قيل تسبب في طلب إيقاف البرنامج ..وبعد أن اختتم المذيع الحلقة توجه لغرفة التحكم ليكتشف أن شخصية ما اتصلت على المحطة وطلب أن يتم إيقاف البرنامج وإنزال أغنية معينة على الهواء .. وقد تم ذلك … كل ذلك فقط ليستمتع هذا الشاب.

ومن جانبه أشار د. فهد الحارثي إلى أنهم في المغرب العربي تنبهوا مبكرا للعلاقة المريبة المرتابة بين إعلام السلطة وسلطة الإعلام فانطلقوا لا يلوون على شيء مهيئين بالمحاضن التي تستقبل الضيف القادم ، وأول تلك المحاضن كانت التشريعات المنظمة للواقع تحديدا بما يكفل النمو الطبيعي المتوازن . وقد عقد وزير الاتصال المغربي عددا من الاجتماعات والتي ضمت كل الفعاليات المؤثرة للمشاركة في إعداد القواعد الأخلاقية والمهنية والسياسية التي تضبط الأداء .. فأصحاب المهنة أنفسهم يكتبون التزاماتهم الأخلاقية والسياسية بما يضمن سلامة المجتمع المغربي فتكون هي التشريع الذي ينظم عمل الجميع وبما يكفل الحرية المسؤولة للجميع وبما يدفع إلى تنمية النشاط وتنمية منسوبيه من خلال التكوين (التدريب). أما من الذي سيراقب تطبيق مصفوفة القواعد والضوابط فمجلس أعلى مستقل سينتخب من بين الصحفيين والإعلاميين . وهذا المجلس ينظر في المخالفات وهو من يقرر تطبيقها. تجربة جديدة في عالمنا والمغاربة حفيون بها. المغاربة لم يقاوموا المقتحم العنيف ، ولم يتربصوا له ، ولم يتهموه بما لم يقل مالك في الخمر ، بل رحبوا به وأجلسوه في مكانه ليشرع في البوح.

وذكر أ. سمير الزهراني واقعة حدثت معه شخصياً عندما توجه إلى وكالة وزارة التعليم للمباني المدرسية لاستكمال تحقيق صحفي عن مباني الوزارة المدرسية، ويقول أ. سمير الزهراني: حاولت حجز موعد لمقابلة مسؤول ما، وعجباً كنت كمن يحاول حرث البحر، مع علمي المسبق باستحالة إنجاز المهمة.. هنا يمكنني وصف ما أقوم به ..أتوسل ذراعاً من أذرع السلطة، لأحصل على خبر يخص السلطة، لأنشره في صحيفة تستشرف خطوط السلطة الحمراء قبل أن تُرسم أصلاً ..من خلال هذه الدائرة المحكمة ندرك العلاقة السحرية بين السلطة والإعلام، فلا وجود للإعلام بدون سلطة تحميه و “تنفق” عليه، عكس السلطة التي لم تكتفِ بوزارات إعلامها العتيدة، فأنشأت قنواتها الإعلامية المحترفة كالعربية والجزيرة وسكاي نيوز وغيرها .. لكن “القيد” لا بد أن ينكسر، فكانت “ثورة” التواصل الاجتماعي، وعبثاً حاول إعلام السلطة الوقوف أمام تياره، ليدرك سريعاً خطأ موقفه فأصبحت مطيته المفضلة مواقع التواصل الاجتماعي بخيله ورجله وحتى سهامه.

واهتم أ. عبدالله بن كدسه بالتنويه إلى أن السلطة على الإعلام يمارسها أصحاب السلطة في حدود المكان الذين يسيطرون عليه .. ويقول أ. عبدالله بن كدسه  في هذا الإطار: لعلي هنا أتدرج من السلطة الكلية للصحافة على سبيل المثال حيث أن المطبعة تقع داخل حدود الأرض التي تحكمها السلطة فبالتالي تصبح السلطة مهيمنه على كل ما يتم طباعته ونشره .. تطور الموضوع إلى وجود قنوات تلفزيونية تبث بث أرضي ويقع مركز البث داخل حدود السلطة كذلك .. ومع التطور التقني ” وشكراً للعلم الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور ” أتت الفضائيات وأسمعتنا ما كنا نتحدث به في مجالسنا على استحياء .. أو ما كنا نريد أن نسمعه .. اليوم لا تستطيع السلطة مهما كانت أن تتجاوز حدود مكانها في السيطرة على الإعلام أو بالأصح في السيطرة على المحتوى الموجود في هذا الإعلام .. قناة الجزيرة رغم كل ما بثته ضد المملكة لم تستطع المملكة إيقافها .. وكذلك كل إعلام مخالف يبث أو يصدر من الخارج .. وإذا ما أصبح إعلام السلطة إعلام مغري ومنافس يجذب المشاهدين “وهذا لا يكون إلا برفع الخطوط الحمراء .. أو حتى مسحها” وإلا فإن الجمهور سيتجه للإعلام الآخر الذي يقع خارج سيطرة السلطة ويتأثر به وهنا تكمن خطورة سيطرة الدولة على تشكيل الوعي والقيم والمبادئ والوطنية لدى الناس .. أرى بأن الناس تنجذب للأماكن الأكثر حرية .. للمجالس الأكثر نقد وحرية .. هذه الفطرة الإنسانية لا تستطيع قمعها بأنظمة وقوانين تسنها السلطة ، سيجد الإنسان البديل حتى يمارس هذا الحق في سماع ما يشاء وقول ما يشاء .. ولعل التطور العلمي في مجال الإعلام والاتصال يسحب البساط شيء فشيء من إعلام السلطة .. ولعل الاقبال على وسائل التواصل الاجتماعي وقوة التأثير بها على القرار السياسي خير مثال على ذلك.

ويرى أ. عبدالله الضويحي أن العلاقة بين السلطة والإعلام لها وجهان:

  • الخصومة.
  • التبعية.

وفي ظنه فإن الأصل فيها هو الخصومة وأن السلطة ( أيا كانت ) استطاعت تحويلها إلى تبعية في جانب آخر منها.

  • الخصومة: وتعني أن الإعلام يعمل دائما على كشف أية أخطاء أو انحرافات في ممارسة السلطات لدورها أو أية قرارات تتخذها قد لا تكون  في صالح المتلقي (المجتمع) فردا كان أو جماعة. وباعتقاد أ. عبدالله الضويحي أن العلاقة بينهما نشأت مع بدء تكوين الخليقة في قصة خلق سيدنا آدم واستحلافه في الأرض وموقف الملائكة ( إعلام ) ثم وسوسة الشيطان (تواصل إعلام ) وإخراجه لآدم وزوجه من الجنة .. كان بإمكانه سبحانه أن يقول ( كن فيكون ) لكنه أراد بهذا توجيه رسالة لنا بني البشر عن أهمية الحوار وأن العلاقة بين السلطة والإعلام علاقة أزلية وأن الأصل فيها الخصومة. وعندما ألقت أمريكا القنبلة الذرية على نجازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية واجه الرئيس الأمريكي آنذاك ( هاري ترومان ) عاصفة من النقد و ( الخصومة ) من الإعلام فقرر أن يتخذ موقفا سلبيا من الصحافة وبعض الصحفيين فنصحه مستشاروه قائلين (كيف تعادي من يشتري الورق والحبر بالجملة).
  • التبعية: وهي الأخطر وفي تراثنا العربي كان الشاعر وزير إعلام السلطة ( القبيلة ) وأداة بيدها وفي قصة الحطيئة مع ( بنو أنف الناقة ) وكيف اعتزت القبيلة ببيت شعر بعد أن كانت ذليلة قبله. ويعتبر الاتحاد السوفيتي أول دولة تستخدم الإعلام في استخدام برامج إعلامية في التأثير على الجماهير وتسويق الثورة البلشفية ومقولة لينين ( إن الراديو ما هو إلا صحيفة بدون ورق ولا مطبعة ولا حدود ) ومقولة جلوبز وزير إعلام هتلر في الحرب العالمية الثانية (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس) و(الحرب تحسم إعلاميا قبل بدء المعركة). وفي ذات السياق كانت الصحافة الأوروبية تخفي الكثير من الأخبار عن المذابح التي ارتكبها الاستعمار الأوروبي في الدول المستعمرة بل وتبريرها في بعض الأحيان والترويج للأفكار الاستعمارية. لكن الأخطر ما يحدث في العصر الحديث وتحول الإعلام إلى صناعة تتحكم فيه شركات محدودة مرتبطة بمصالح مع أصحاب القرار بل وترسم أجندته كما حصل في غزو الكويت وتحريره حيث أخفت الكثير من الحقائق ولم تمارس دورها الحقيقي ومهنيتها الإعلامية في الكشف عنها. أو ما يحصل في ظل الانفتاح الإعلامي وإمكانية كل فرد مهما كانت قدراته أن ينشئ قناة أو صحيفة ويصبح رئيس تحرير وينقد ويمرر سياسات معينة وقد تتغير توجهاته بين يوم وليلة وفق مصالحه الشخصية.

السؤال المهم برأي أ. عبدالله الضويحي: في ظل هذا الانفتاح ومواقع التواصل وعدم قدرة السلطة السيطرة على الإعلام وتغير سلطة الإعلام وفق مصالحة إلى أين نحن سائرون !؟ الإعلام في صراع دائم مع كل السلطات وأطياف المجتمع (التربية والصحة والأمن وغيرها) لذا فهو في نظره ( ميكيافيلي ) الغاية لديه تبرر الوسيلة ، وبالتالي يعتقد أ. عبدالله أن من الصعب وضع معايير محددة لإصلاحه أو توافقه مع السلطات.

المحور الرابع

الزيارة الملكية إلى أمريكا “عاصفة الحزم السياسية”

الرجوع للأعلي

مسار العلاقات السعودية الأمريكية في ضوء البيان المشترك:

صدر بيان مشترك تضمن الإشارة إلى أنه بدعوة من الرئيس باراك أوباما قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في 20/ 11/ 1436هـ الموافق 4 سبتمبر 2015م، اجتمع خلالها بالرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، وعَقَد الزعيمان جلسة مباحثات إيجابية ومثمرة استعرضَا خلالها العلاقات المتينة بين البلدين؛ حيث تمَت هذه العلاقة وتعمّقت خلال السبعة عقود الماضية في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والثقافية، وغيرها من المجالات ذات المصالح المشتركة. واستناداً لما تم الإعلان عنه فقد رسَم البيان المشترك خارطة طريق جديدة لمسار العلاقات السعودية الأمريكية، يحدد من خلاله ملامح شراكة استراتيجية جديدة للقرن الحادي والعشرين بين السعودية وأمريكا، ويعدد فيه القضايا التي تناولتها القمة السعودية الأمريكية ونقاط الاتفاق بين الدولتين، وركز البيان المشترك على علاقات الشراكة والتحالف التي تجمع الطرفين السعودي والأميركي، وأبرز بوضوح التزام أميركا القاطع بحماية أمن المملكة من أي تهديدات والإرهاب؛ مشدداً على وحدة وسلامة أراضيها. وفي رسالة قوية إلى إيران، تم مناقشة التسريع في الإمدادات العسكرية إلى المملكة، وتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والأمن البحري، والأمن السيبراني، والدفاع ضد الصواريخ البالستية.

الأبعاد السياسية للزيارة الملكية لواشنطن: انعكاسها على العلاقات السعودية / الأمريكية وعلى الأوضاع في المنطقة:

أوضح السفير أ. أسامة نقلي أن أفضل وصف للزيارة الملكية لواشنطن (تحالف قديم بمنهج جديد) ، وقال سعادة السفير: في الزيارات السابقة للملك عبدالله لأمريكا والتي تشرفت بوجودي فيها، كانت العلاقات السعودية الأمريكية تمر بأزمة حرجة بعد أحداث ١١ سبتمبر، وكانت الزيارات المتبادلة على مستوى القيادة تهدف إلى تجاوز الأزمة وتعزيز التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب. في هذه الزيارة العلاقات بين البلدين تعيش مرحلة توازن طبيعية، الأمر الذي أتاح للبلدين التفكير الهادئ في إعادة صياغة العلاقة بشكل متطور يخدم المصالح المتبادلة، ويعزز الشراكة في العديد من المجالات الاقتصادية والتنموية لقضايا ملحة مثل الصحة والإنشاءات، ولعل وجود وزير الصحة ضمن الوفد الرسمي دليل اصرار المملكة لتطوير هذا القطاع وعلى أعلى المعايير مع كبريات الشركات الأمريكية، وقس على ذلك بقية القطاعات. وتجدر الإشارة إلى أنه حسب البروتوكول الأمريكي، فإن الاستقبال الرسمي للضيف يتم في البيت الأبيض الأمريكي وليس المطار. كما يقتضي البروتوكول أن من يقوم باستقبال القيادات في المطار هو رئيس البروتوكول في وزارة الخارجية الأمريكية، إلا أنه لوحظ قيام وزير الخارجية باستقبال الملك عوضا عن مدير بروتوكوله، وهذا يدل على اهتمام الجانب الأمريكي بالزيارة الملكية.

ومن جهته اتفق د. فهد الحارثي مع ما تفضل به السفير أسامة فيما يتعلق بالواقع القديم / الجديد للعلاقة السعودية / الأمريكية ، باعتبار أن هذا هو ما يجب أن تكون عليه تلك العلاقة مهما بلغ مستوى الخلاف في بعض وجهات النظر حول مستقبل أمن المنطقة والمهددات التي تتربص به. ويقول د. فهد في هذا الشأن : نحن لدينا تحفظات شديدة على سياسات أوباما فيما يتعلق بأمن الخليج والمنطقة من وجهة نظرنا ، ولكن لا ينبغي أبدا أن نجعل إيران وإسرائيل ( مثلا ) ينفردان بالحوار معها . أمريكا موجودة في منطقتنا برغبتنا وبدون رغبتنا والتقاليد السياسية العاقلة تفرض التواصل المستمر معها لإعادة عجلات العربة إلى نطاقها الصحيح الذي يقود إلى السلامة والنمو . وهذا هو الهدف الأكبر لزيارة الملك سلمان للدولة العظمى . والأمريكان أو غيرهم يحترمون المحاور القوي ولا يأبهون للمنسحبين الذين يتوارون بحجة الاختلاف أو حتى الخلاف.

ومن ناحية أخرى أشار د. فهد الحارثي إلى أن الفعاليات التي تخللت الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية تضعنا أمام نتيجة بيّنة وهي أنه قد أعدّ لهذه الزيارة إعداداً جيدا ما جعلنا نعود إلى تذكّر وصف وزير الخارجية السعودي لها بأنها ليست زيارة بروتوكولية ، ونحسب أن الإعداد لهذه الزيارة قد بدأ من لقاء كامب ديفيد على أقل تقدير . ولم نكن نفهم في بداية الأمر لماذا هذا العدد الكبير في الوفد المرافق ولاسيما بين رجال الأعمال ومنسوبي القطاع الخاص ولكن من تتبعنا للقاءات وللعدد الكبير من الاتفاقيات الموقعة مع الشركات والقطاعات المختلفة أدركنا أن ضخامة عدد الوفد مبررة ولم يكن المقصود بها الاستعراض بل الإنجاز .. كلٌ فيما يخصه .

وأوضح د. فائز الشهري أنه وعلى الصعيد السياسي توجد ثلاثة مفاصل أساسية في البيان الختامي للزيارة : أهمية تسوية الوضع السوري بدون الأسد . وأهمية إيجاد حل سلمي لما جرى ويجري في اليمن ، وضرورة التيقظ للتحركات الإيرانية في المنطقة والتي غالبا ما يكون هدفها زعزعة الأمن . وأضاف د. فهد الحارثي من جهته : تأكيد الدولتين على دور كل منهما في محاربة الإرهاب في المنطقة والعالم. ويرى د. فهد أن مثل هذه الأفكار والمواقف التي عكسها البيان الختامي تلتئم كلها حول فكرة واضحة وهي أن وجهات النظر كانت متطابقة حول مسائل أو مشكلات أساسية تهمنا في هذا الجزء من العالم ، وهي كلها تلتقي مع مواقف المملكة المعلنة : سوريا ، اليمن ، إيران ، الإرهاب. وبصفة عامة فإن الزيارة أعادت إلى العلاقات بين البلدين منطقها التاريخي ومنطقها البراغماتي ، فنحن نلتقي مع الدولة العظمى حول عدد من المواقف التاريخية  ومنظومة من المنافع الآنية والمستقبلية ، والخلاف في وجهات النظر أحياناً يقود إلى ما هو ضروري ولازم من التقويم وإعادة ترتيب الأفكار وتنظيم السلوك. وعلى حد قول د. فهد: اللقاء السعودي الأمريكي الجديد سيسكب حوله كثير من الحبر ! وهو في مجمله إيجابي للمنطقة والعالم .

وعلق د. مساعد المحيا على ما ذكره د. فهد، بأنه يتمنى أن يكون ما تم الإشارة إليه هو ما كان وما سيكون …حيث يميل د. المحيا إلى أن الأمريكيين منذ احتلالهم للعراق وأفغانستان قد حزموا أمرهم وباعوا دول الخليج بوصفها حليفا وحيدا وجعلوهم حليفا ثانويا يبتاعون إليهم بعض المواقف بثمن كبير وابتزازات مستمرة. ويقول د. المحيا : أظن أن النخبويين ينبغي أن تكون نظراتهم أشمل ومواقفهم تقوم على التحليل العميق الذي يستحضر كل المواقف ويضعها في سياقاتها …شخصيا أرجو أن نرى من الأمريكيين ما يجعلنا نتفاءل ..لكني أرى أن التفاؤل المفرط خطأ تماما كالتشاؤم المفرط .

وبدوره عقب د. منصور المطيري على وجهة نظر د. مساعد المحيا حيث أوضح أنه يتفق معه تماماً فيما يقول، لكنه يعتقد أنه لم يكن أمام المملكة في مواجهة احتمال العزلة إلا أن تبادر و تقترح شكلاً من أشكال التعاون الاستراتيجي بين البلدين .. و في ظن د. منصور فإن المملكة تحاول تقديم اغراءات اقتصادية للأمريكان في محاولة لربط الاقتصاد السعودي بشكل أعمق للأمريكان لعلهم يدعون الشأن السياسي في المنطقة لأهله بمعنى وقف الدعم الحاصل و المتوقع لإيران أو تخفيفه .. و كل ما يتمناه أن تكون هذه الهرولة لأمريكا مدروسة و أن تتجه جهة تطوير البنية التحتية و التسليح و الخبرة الإدارية و التغاضي عن زيادة حجم الجيش السعودي. وفي ظن د. منصور المطيري أن هناك اندفاعة سعودية تجاه أمريكا و لذلك أسماها هرولة و السبب يعود إلى خوفها من العزلة بعد الاتفاق النووي مع إيران .. وأوضح د. منصور أنه ليس متشائما لكنه يتمنى تعزيز العلاقات السعودية الأمريكية  و يدعو له بشدة لكن على أسس واضحة و سليمة فقط.

وبدوره علق د. حميد المزروع بأن السياسة الخارجية للمملكة حاليا نشطة في جميع الاتجاهات ، مع فرنسا ، روسيا وأمريكا وغيرها، ولا يعرف لماذا نسمي تعزيز العلاقات بالهرولة ! وأشارت د. سامية العمودي إلى أن الملك حفظه الله بهذه الرحلة التاريخية قلب الدفة ووضع البوصلة وأرى العالم من نحن.

ومن جهته طرح أ. يوسف الكويليت تحليله للزيارة الملكية تحت عنوان الإطار والمعنى في زيارة الملك سلمان لأمريكا؛ وتضمنت الإشارة إلى أنه لا يجوز المبالغة في التفاؤل والتشاؤم في العلاقات الدولية، إذ كل طرف يبني استراتيجيته وعقيدته على العائد من المكاسب والخسائر، ومن هذا المنطق يمكن قياس زيارة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان لأمريكا وفق هذه الرؤى والمصالح بين البلدين، ومع أن الخيارات مع الدول العظمى تضيق إلا أن هامش المناورة يحضر وخاصة في منطقتنا المضطربة. ولذلك فأمريكا تدرك أنه خارج الدول الإقليمية الثلاث، تركيا، وإسرائيل، وإيران، لا يوجد من ينافس المملكة في مركز الثقل السياسي والاقتصادي ولاحقًا العسكري.

ويرى أ. يوسف الكويليت أن المسألة السياسية تبقى ذات جدلية ساخنة ومَدعاة للتأويلات بسبب التباينات في مواقف البلدين، وعلى سبيل المثال فقد تتقارب الآراء بين روسيا وأمريكا حول سوريا أكثر من تقارب المملكة مع أمريكا وحتى بوجود تطابق في مكافحة الإرهاب، فإن الحل السياسي من قبل أمريكا تؤيده أكثر من دعم عسكري لبعض الفصائل بينما وجهة نظر المملكة بأنه لا يتم أي حوار مع النظام إلا بتعادل القوة بين الطرفين السوريين، أما الغموض حول الاتفاق مع إيران فهو مثار للشك حتى من بين أعضاء الكونجرس وإسرائيل أو الداخل الإيراني ومع ذلك هناك محاولات طمأنة من أمريكا بشأن حماية أمن الخليج العربي، وقد ظلت الخطوط في الحوار السعودي – الأمريكي شبه متوقفة لدرجة أن الزيارات المتبادلة بين المملكة وكل من فرنسا وروسيا، ربما تركت عند الطرف الأمريكي بعض التساؤل في فقدان حلفاء سياسيين في منطقة الخليج لكن يبدو أن التحضير الجيد لزيارة خادم الحرمين الشريفين لأمريكا، وخاصة أن معظم من يديرون أجهزة الدولة ومستشاريها ورجال أعمالها، معظمهم من درس في أمريكا وتبادل معها مصالح اقتصادية وحتى مع القول إن التوقيت جاء غير متطابق مع الأحداث لأن الرئيس أوباما في شهوره الأخيرة في تركه للبيت الأبيض لا يغير من السياسات و إلا لقلنا إن الاتفاق النووي مع إيران عرضة للتغير أيضا فهي دولة مؤسسات دور الرئيس فيها ليس كما نتصور أنه صاحب السلطة العليا في القرار، وإسرائيل نموذجًا لتوافق الرؤساء حولها… وبلا شك، أن الملك سلمان تجاوز بزيارته ونتائجها تلك الروتينية التي يخرج بها البيان المشترك، بل إن الرسائل التي أوصلتها المملكة برفضها عضوية مجلس الأمن ثم عدم حضور الملك سلمان قمة (كامب ديفيد) أطَّرت عملًا جديدًا لمرحلة أخرى لا تحتمل المجاملات. وحتى عاصفة الحزم التي أيدتها أمريكا، جاءت كرد على أن المملكة ليست لاعبًا اقتصاديًا ومعزولة عن محيطها و أمنها. وبالتالي أعطت هذه المواقف دورًا آخر لعمل مشترك دافعه أن المملكة لم تذهب لأمريكا لاستجداء مواقف أو معونات مادية، أو بيع ذاتها لترضية الحليف الأكبر، وإنما فتح العيون على رؤية واضحة عن الخاسر والكاسب من أي توتر في علاقاتهما. وهنا جاءت الاتفاقات موضوعية سواء على الصعيد الداخلي أو العربي، وخاصة بند مكافحة الإرهاب الذي أصبح هاجسًا عالميًا. وعمومًا فمثلما توجد تباينات وجدت تجاهها مواقف شجاعة لاتفاقات أكثر جدوى ومنفعة للبلدين.

وبدوره أوضح د. علي الحكمي في تحليله للزيارة الملكية لواشنطن أن هذه الزيارة تأتي في توقيت مهم جداً نظراً للظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم، وكما أشار خادم الحرمين الشريفين فإن العلاقات السعودية الأمريكية ليست مهمة للبلدين فقط، وإنما هي مهمة للعالم أجمع. فأمريكا وإن كانت هي البلد الأقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فإن قوة المملكة هي في مكانتها العالمية والإسلامية والإقليمية، بالإضافة إلى سياستها المعتدلة والمضطردة وكون اقتصادها من أكبر عشرين اقتصاد في العالم.

ولخص د. علي الحكمي أهم الملاحظات التي تكتنف هذه الزيارة برأيه فيما يلي:

  • بالرغم من الأصوات التي نسمعها من وقت لآخر في الإعلام الأمريكي (وخاصة من القنوات اليمينية المتطرفة مثل قناة فوكس وغيرها)، إلا أن المملكة تحظى بالاحترام والتقدير من الكثير من فئات المجتمع الأمريكي ومؤسساته الفاعلة. ولذلك من المهم أن نعزز تواصلنا مع الشعب الأمريكي ومؤسساته والشخصيات المؤثرة فيه، ويكون ذلك بجهود واستراتيجيات منتظمة ومستدامة وبالاعتماد على كفاءات سعودية متميزة، يتم إعدادها وتأهيلها ودعمها لتعمل في المنظمات العالمية، ومراكز الأبحاث والجامعات والشركات الكبرى والمؤسسات الإعلامية. هذا بالإضافة إلى ضرورة تأسيس مراكز أبحاث ومؤسسات ثقافية تهدف إلى تقديم المملكة بصورة إيجابية تعكس الواقع الفعلي لوطننا وتقدمه.
  • أن من أهم نقاط الضعف في علاقاتنا الثقافية مع أمريكا، هو ندرة الشخصيات السعودية ذات الحضور الفاعل على المستوى الإعلامي والثقافي والعلمي في الداخل الأمريكي ، بينما نجد أن إيران، على سبيل المثال، تعتمد على شبكة كبيرة من المحللين السياسيين والباحثين وأساتذة الجامعة الإيرانيين الذين استطاعوا الحصول على مراكز مهمة في القطاعات الأكاديمية والإعلامية والسياسية الأمريكية، بالإضافة لوجود كتاب متميزين منهم يكتبون ويعلقون في الصحف والمجلات والوسائل الإعلامية المختلفة. يقابل هذا قلة بل ندرة السعوديين الذين يقومون بهذا الدور. واستحضر د. على الحكمي في هذا الإطار شاب سعودي متميز، قابله في هذه الرحلة ، حصل على الدكتوراه من جامعة أمريكية وعين مباشرة أستاذا مساعدا فيها، ولكن جامعته التي ابتعثته تطالب برجوعه فوراً للمملكة، ولن تتضرر الجامعة في تقديره لو أتاحت فرصة العمل له لبضع سنوات هناك كونه سيستفيد خبرة كبيرة كما سيصب تواجده هناك أيضا في تعزيز الحضور الثقافي للمملكة هناك.
  • أهمية العلاقات الاقتصادية ومحوريتها في وجود علاقات قوية واستمرارها: فرجال الأعمال الأمريكان الذين التقيتهم – إشارة لد. على الحكمي – في هذه الرحلة وفي جميع المشاركات الثلاثة السابقة التي شاركت فيها في المنتدى الاقتصادي السعودي الأمريكي يعتبرون الاستثمار في المملكة من أهم أولوياتهم، ويحرصون على أن يكون لشركاتهم تواجداً فاعلاً في السوق السعودي، وكما نعلم أن رجال الأعمال لهم تأثير كبير على توجهات السياسة الأمريكية ، ويملكون “لوبيات” ضخمة في واشنطن، ولذلك فإن استمرار العلاقات معهم وتنمية الشراكة الاقتصادية لا يخدم التنمية في المملكة فقط بجميع قطاعاتها، وإنما يسهم في تعزيز مكانة المملكة السياسية الإقليمية والعالمية.

أما م. حسام بحيري فيعتقد أن من الواضح أن هناك اختلاف بالمواقف بيننا والأمريكان في عدة أمور ولكن بعكس الأمريكان يوجد لدينا القدرة والثبات في استمرار سياستنا الحالية في مختلف الملفات الإقليمية بينما هم لا يستطيعون إتباع أي سياسة مستمرة مستقبلية بسبب نفاذ وقود سلطتهم التنفيذية من جهة و فشل سياستهم في المنطقة من جهة أخرى كان لابد من أن نتصرف بطريقتنا شاءوا أو رفضوا، والحقيقة ليس لديهم أي اختيارات غير أن يساندونا. وبخصوص التعليقات في نهاية مقال الايكونومست هي كالعادة في الإعلام الأمريكي مليئة بالكره والحقد والسباب وعلى الرغم من اختلاف الكلام ولكن هناك تعليقات أو فكر مشترك بينها كتركيز المعلقين على ادعاء أن المملكة أكبر مساند للإرهاب بسبب معتقدها الديني وأنها دولة متخلفة ودولة غناء فاحش الخ من السلبيات. أصبح واضح جدا ماذا يغذي الإعلام الأمريكي مشاهديه عن السعودية والإسلام والوهابية بشكل مستمر يكاد يكون يومي وواضح سياسة الكره والعداء التي يتبعها إعلامهم ضدنا كسعوديين ومسلمين. ويقول م. حسام بحيري أنهم يمارسون ضدنا نفس اتهاماتهم لنا بأننا ننشر الكره ضد الغربيين أو أن ديننا يحض على الإرهاب وهذا أصبح شيء يمارس يوميا وعلانية من قبل الإعلام الأمريكي والغربي عامة ضدنا وبدون استحياء وهذا لا يألمني لأنهم نصبو أنفسهم أعداء لنا ولأمتنا لكن الذي يؤلمني كثيرا هو مدى ضحالة وتخلف وجهل السواد الأعظم من الإعلاميين السعوديين والذين ليس لهم أي قدرة على فهم واستيعاب ومجاراة والرد على كذب ونفاق الإعلام الغربي لمجابهته ووقفه عند حده وفضح معايير الازدواجية والعنصرية الإعلامية التي يمارسونها ضدنا متناسيين تاريخهم الأسود في الحروب وفن قتل واستعباد البشر و ممارسة النفاق السياسي والذي أصبح سمة من سماتهم سواء كان في الماضي أو الحاضر. مثال بسيط حقيقة الدعم العسكري والمادي اللامحدود الذي يقدم للكيان الصهيوني المجرم على الرغم من مساندة الصهاينة الأقلية ضد العرب والمسلمين الأغلبية الضخمة بالمقارنة يعتبر ضد كل مصالح دولهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية وهذا بديهي ولكن الدول الغربية المساندة للصهاينة كأمريكا وبريطانيا وهولندا هي دول مسيحية بروتستانتية مساندتها للكيان الصهيوني ليس له في السياسة والاقتصاد شيء هو واجب ديني حضاري بحت. المسيحيين البروتستانت يأمنون أن لإدراك نهاية العالم لابد أن يجمع  اليهود ” شعب الله المختار” في أرض إسرائيل ويخيروا أن يأمنون بالمسيحية وإذا رفضوا ستقوم المعركة النهائية والتي تسمى ارمجدون. واضح وضوح الشمس أنهم يمارسون صراع ديني حضاري ضدنا له أكثر من ٦٠ سنة  والسؤال هو أليس هذا جهادهم ؟؟ أليست هي حرب دينية قذرة غير معلنة علينا من قبلهم ويتهموننا بأننا ننشر الجهاد والعنف والتطرف ثم يتعذرون بمساندة ديمقراطية الصهاينة النازية ؟؟ لماذا نسكت عليهم ونخشى المواجهة؟؟ هل يدرك إعلامنا هذه الحقيقة ويتوخاها أم سيواجهها؟؟ أسئلة كثيرة لا يمكن أن نجد إجابات لها لأن الإعلام السعودي مغيب تماما ويمارس سياسة النعامة في الرد على الغرب للأسف سنتلقى الصفعات الإعلامية بشكل مستمر بدون أن يكون لنا أي قدرة على الرد أو الدفاع أو قلب الموازيين عليهم على الرغم من انكشافهم.

واعتبر اللواء د. سعد الشهراني في تعليقه على الزيارة الملكية لواشنطن أنه و بالرغم من كل شيء فإن الزيارة كانت ناجحة جدا لأسباب متعددة أقلها أن عدم الزيارة هو خيار غير مقبول في هذه اللحظة التاريخية التي شهدت و تشهد أحداثا و تحولات على المستويات الوطنية والإقليمية و الدولية . هي زيارة كان يجب أن تتم بالرغم مما أشار له البعض حول نهاية ولاية أوباما فحتى منتصف السنة القادمة ستكون السياسة الخارجية غير واضحة و في سبات بين رئيس مغادر و رئيس جديد. غير أن هذا ما كان يجب أن ينظر له قياسا لأهمية اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ المنطقة والعالم و في العلاقة التاريخية بين القوة العظمى الأولى في العالم و الدولة العربية الأكثر استقرارا بل و استقلالية لاعتبارات وعوامل وأحداث متعددة من أهمها ما يلي:

  • الربيع العربي وخلفياته بفوضاه الأمريكية اللاخلاقة و تداعيات كل ذلك.
  • الوضع في سوريا و عدم وضوح الموقف الأمريكي.
  • الحرب في اليمن و مستقبله.
  • الأوضاع في العراق و ما يعانيه العرب السنة جراء التواطؤ الأمريكي الإيراني.
  • الإرهاب و داعش في الشمال و القاعدة و داعش في اليمن.
  • الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني وأثره على التوازنات الإقليمية.
  • التمدد الإيراني و التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

لا بد أن هذه الموضوعات و غيرها (بجانب المسألة الفلسطينية ) كانت على جدول الأعمال في الشأن السياسي و العلاقة و التنسيق الاستراتيجي بين الدولتين.

ويتفق اللواء د. سعد الشهراني مع قراءة د. فهد الحارثي لأبعاد الزيارة، وأضاف من جهته أن علاقات المملكة التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية (و مع غيرها من الدول) على أهميتها  يجب أن تكون مبنية على أساس من المصالح المشتركة و البراغماتية و الواقعية والاستقلالية (في آن واحد) و القوة والوضوح في المواقف و لا يجب أن يأخذنا لا الأشقاء ولا الأصدقاء و لا أي طرف آخر على أننا نعمل برد الفعل والمجاملات و الدفع و شراء مواقف الدول بالمال و بالمواقف المائعة من قضايانا ولا يجب أن تؤخذ مواقفنا كمسلمات for granted..مواقف المملكة الاخيرة تنم عن استقلالية و قوة محسوبة و مبادرة  و حزم وعزم ..  نحتاج برأي اللواء د. سعد الشهراني إلى تواصل أكثر بين مكونات المجتمع واقتراب المسؤول من الناس و مخاطبة الداخل بشفافية بهدف تقوية الجبهة الداخلية و زيادة تماسكها خلف القيادة السياسية، على سبيل المثال و من غير مدح  نحتاج من الوزراء ورجال الأعمال و الإعلاميين بل والديبلوماسيين إن أمكن شرح و توضيح ما ليس سريا وما هو مفيد و ما هو المتوقع من نتائج  لهذه الزيارة التي تمثل نقطة تحول في علاقة شابها الفتور و التساؤلات في أعقاب 11 /9 و الربيع العربي و خصوصا الحالتين اليمنية والسورية و متغيرات أسواق الطاقة و الاتفاق مع إيران و غيرها من العوامل.

أيضا يرى اللواء د. سعد الشهراني أن من المهم الاستمرار في تنويع وتعميق العلاقات مع القوى العالمية الأخرى و العمل على أن نكسب مصداقية و موثوقية و احترام الشعوب قبل الحكومات و لا بد أن نعزز مصادر القوة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها جنبا إلى جنب مع القوة العسكرية و لا بد من استخدام ما نملكه من هذه القوى الناعمة و هو كثير و يمكن أن يحقق الكثير من أهدافنا على المستويات الداخلية والخارجية .. الولايات المتحدة ستستمر في المدى المنظور القوة الأولى والمهيمنة في النظام الدولي المعاصر. ويقول د. سعد: كنت و لا أزال أقول بأن تحالفنا مع الطرف الأقوى الذي انتصر في الحرب الباردة هو تحالف ناجح و إن كان الخيار الوحيد في حينه و لكن هناك قوى عالمية تشكلت و تتشكل ومنها مجموعة البريكس ولا بد من فتح آفاق لعلاقات قوية ومتينة معها.. ستستمر العلاقة بين الدولتين المملكة وأمريكا و لكن على أساس من الاحترام المتبادل و المصالح المشتركة كما أكد عليها بوضوح خادم الحرمين الشريفين في حديثة لأوباما وللإعلام من البيت الأبيض.. الثقة في النفس و توحيد الصف و الإصلاح و والمصداقية و الموثوقية والاستقلالية و الوضوح في المواقف كلمات مفتاحية في مستقبلنا وعلاقاتنا مع الآخر.

وبصفة عامة فإن هذه زيارة مهمة ليس فقط للمملكة ولكن للمنطقة والعرب و المسلمين والعالم . ويرى اللواء د. سعد الشهراني أنه متأكد من أن كثير من دول و زعماء العالم بل والأمريكيون أنفسهم  يدركون أهمية المملكة ويحترمون قيادتها السياسية التي أظهرت استقلالية و ثقة في النفس أمام التحديات فهي عندما تهددت مصالحها ومصالح الدول الخليجية والعربية اتخذت قرارات غاية في الشجاعة والجرأة. كما كان يجب أن توضع الأوراق على الطاولة مع الأمريكان في هذه اللحظة التاريخية لتأكيد العلاقة الاستراتيجية والاحترام المتبادل بين الدولتين وهو ما تم و لو بدرجة نسبية. هي زيارة ملكية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى والملك سلمان هو سر نجاحها. لكن النجاح في العلاقة مع العالم يبنى على النجاح في الداخل و نحن المعنيون بشأننا الداخلي و نحن المسؤولون عن نجاحنا و فشلنا في الاقتصاد و في غيره. ولن تستطيع قوة اختراقنا ما لم نترك لها الثغرة التي تنفذ منها وسنكون أول ضحاياها إذا كنا ضعفاء و القوة ليست القوة الصلبة فحسب بل القوة في تلاحم القيادة والشعب والأداء الجيد في كل مجال و في استخدام مواردنا برشاد.

وأضاف م. سالم المري أن زيارة الملك (الله يحفظه) للولايات المتحدة كانت موفقة وأضافت العديد من النقاط للمملكة على صعيد السياسة الخارجية والاقتصاد ولكن ومع ذلك ستبقى العلاقات السعودية الأمريكية المعاصرة تعاني من معضلة أزلية لم تكن موجوده عند بدأ العلاقات الاستراتيجية في زمن الملك عبد العزيز رحمه الله. ولا يستطيع حلحلة هذه المعضلة أي من ملوك السعودية ولا أي من رؤساء أمريكا على المدى المنظور. فهذه العلاقة تحمل تناقضا عميقا يعرقل فاعليتها بسبب الارتباط الاستراتيجي للولايات المتحدة بأمن إسرائيل على حساب الحق العربي الفلسطيني الذي جعلها ترى في أي قوة أو تقدم لأي دولة عربية أو إسلامية (حليفة أو غير حليفة) خطرا استراتيجيا يتوجب عليها مواجهته ومن جانب آخر تحمل المملكة ارتباطا عميقا بالبعدين العربي والإسلامي يجعل من الصعب عليها التوافق الحقيقي مع الاستراتيجيات التي تتبعها الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي لما تسببه لها من حرج وخسارة في شعبيتها على الصعيد الداخلي والعربي والإسلامي وهذا يتناقض مع قيام علاقات استراتيجية حقيقية بين البلدين والشواهد واضحة على أرض الواقع في القضايا المعاصرة. فالتحول الاستراتيجي في علاقات المملكة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة كان بسبب وعد بلفور وموقف بريطانيا من قيام إسرائيل وسياساتها الاستعمارية في العالم العربي ولم يكن فقط بسبب اكتشاف الشركات الأمريكية للبترول ولذلك فإنه لا خيار لدى المملكة من الاعتماد على القوة الذاتية وتنويع التحالفات مع الدول الكبرى لحماية مصالحها بالطبع مع الاستمرار في محاولة كسب ود الولايات المتحدة. ويمكن التمثيل على حالة المملكة مع أمريكا بحالة تركيا مع الاتحاد الأوروبي مع بعض الفارق لصالح الأخيرة بسبب حلف الناتو؟؟

وأوضح د. خالد الرديعان أنه ورغم أهمية الزيارة وتوقيتها إلا أنه ليس متفائلا كثيرا بحدوث تحول جذري في المواقف الأمريكية… الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها ونخشى أنها هي المستفيد الأكبر من الزيارة والعقود التجارية التي وقعت وأنهم يتعاملون معنا كزبون وليس كشريك سياسي. وأضاف د. خالد الرديعان: بلا مواربة نحن نخشى تخلي الأمريكان عنا فيما لو حدث بيننا وبين إيران سوء تفاهم قاد إلى نوع من الصراع… وأمريكا لا يمكن الركون إليها فمصالحها الآن تراها مع إيران أكثر منا.. وهي تعرف أننا سنبيع نفطنا بأي طريقة وأنها تستطيع الحصول عليه دون عناء يذكر من السوق العالمية.

الأبعاد الاقتصادية للزيارة الملكية لواشنطن: تنشيط الاستثمار وفتح نشاط تجارة التجزئة للشركات الأجنبية بالسوق السعودي وقضايا ذات صلة:

أشار السفير أ. أسامة نقلي إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين بمنتدى الاستثمار بحضور عدد من رؤساء كبرى الشركات الأمريكية ومن أبرز ما قاله خادم الحرمين الشريفين : أن العلاقات السعودية الأمريكية هي علاقات تاريخية واستراتيجية منذ أن أرسى أسسها جلالة المغفور له ـ بإذن الله ـ الملك عبدالعزيز وفخامة الرئيس فرانكلين روزفلت. وقد عملنا معاً جنباً إلى جنب خلال السبعين عاماً الماضية لمواجهة كافة التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة ، ولتعزيز مسيرة التعاون الثنائي لما فيه مصلحة البلدين الصديقين ودفع النمو الاقتصادي العالمي . وتأتي زيارتنا اليوم لبحث وتطوير العلاقات بين البلدين في كافة المجالات ومناقشة قضايانا ، ولقد سرنا ما لمسناه من توافق في الآراء نحو العمل على نقل علاقتنا الاستراتيجية إلى مستويات أرحب . وقد عزمنا على وضع الإطار الشامل لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتوطيدها في مختلف المجالات للعقود القادمة ـ بإذن الله ـ ، آخذين في الاعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر شريك تجاري للمملكة ، والمستثمرون الأمريكيون من أوائل وأكبر المستثمرين في بلادنا . إن حكومة المملكة تسعى إلى تعزيز مسيرة التنمية المستدامة والمتوازنة ، وستواصل تقوية اقتصادها وتعزيز استقراره وتنافسيته وجاذبيته للاستثمار المحلي والأجنبي ، ويدعم ذلك ما يتمتع به اقتصادنا من مقومات يستطيع بها مواجهة الظروف الاقتصادية والأزمات الإقليمية والدولية ، ومن أهمها التغلب على التحديات التي يفرضها انخفاض أسعار النفط على اقتصادنا . إن المزايا والثروات الطبيعية التي حباها الله عز وجل للمملكة توفر فرصاً اقتصادية واستثمارية كبرى. ونتطلع لمشاركة الشركات الأمريكية العالمية بفاعلية في الدخول في هذه الفرص في مختلف المجالات بما في ذلك الاقتصادية والمالية والمصرفية والتجارية والصناعية والطاقة والتعدين والبنية التحتية التي ستعزز شراكتنا الاستراتيجية وتنقلها إلى آفاق أشمل وأوسع . ولمحورية البترول في مصادر الطاقة الدولية وأهميته لنمو الاقتصاد العالمي واستقراره ، وإدراكاً لدور المملكة في ذلك باعتبارها منتجاً رئيساً للبترول ، فإن سياستنا كانت ولا تزال الحرص على استقرار الاقتصاد العالمي ونموه بما يوازن بين مصالح المستهلكين والمنتجين ويعزز الاستثمار في قطاعات الطاقة المختلفة .

وأضاف خادم الحرمين الشريفين أن المملكة تولى الاهتمام والرعاية الكاملة للقطاع الخاص باعتباره شريكاً كاملاً في مسيرة التنمية تنظيماً وتنفيذاً ، وما وصل إليه هذا القطاع من نمو وتطور وإسهام متزايد في الناتج المحلي مبعث فخر واعتزاز لنا ، ونؤكد حرصنا وسعينا المستمر لتحسين بيئة الاستثمار في المملكة . وفي هذا الإطار فقد أصدرنا توجيهاتنا لوزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار بدراسة كافة الأنظمة التجارية والاستثمارية بغرض تسهيل عمل الشركات العالمية وتقديم الحوافز بما فيها العمل المباشر في الأسواق السعودية لمن يرغب منها الاستثمار في المملكة وتتضمن عروضها خطط تصنيع أو استثمار ببرامج زمنية محددة ونقل للتقنية والتوظيف والتدريب للمواطنين ، وبما يحقق المصالح المشتركة للجانبين .

وتناول أ. مطشر المرشد أبعاد الزيارة الملكية إلى واشنطن من وجهة نظره لاسيما فيما يخص المردود الاقتصادي، حيث قال: بحكم الاختصاص وأيضا كوني أعمل لدى بنك اوف أمريكا ميريلنش أهم منشأة مالية/اقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية بأصول تتخطى ٢٥ تريليون دولار وقوى بشرية تزيد عن٥٠٠ ألف موظف ومختص ، أيضا كوني ذهبت واحتككت بالأمريكان منذ أن كنت بسن الخامسة عشرة لدراسة الإعدادية والثانوية وأكملت الدراسة الجامعية هناك ، مما يجعلني أعتقد أنني أستطيع فهم الذهنية الأمريكية .. وسأحاول التركيز في تناول الزيارة  الملكية من منطلق مصالح مشتركة على المدى البعيد وتعاون اقتصادي استراتيجي .

في البداية يجب التذكير بأنه ومنذ انهيار الستار الحديدي تحولت الحرب الباردة من سباق تسلح وتجسس استخباراتي أمني / عسكري إلى حرب اقتصادية وسباق تنموي وتجسس استخباراتي اقتصادي / مالي … ولذلك برزت أهمية التكتلات الاقتصادية النافتا واليورو والبريكس والآسيان.. وبما أن النافتا أمريكا وكندا والمكسيك بينها وبين منطقة اليورو وبريطانيا تحالف وتفاهم وثقه ، بإمكاننا تصنيفهم الجانب الغربي .. وفي المقابل هناك تكتل دول البريكس وهي البرازيل وروسيا الهند والصين وجنوب أفريقيا ، ويمكن اعتبار كثير من دول التكتل الآسيوي تميل باتجاه التحالف مع دول البريكس ويمكن تصنيفهم بالجانب الشرقي ..ولا يخفى ما حدث خلال منتصف التسعينيات الميلادية في أسواق مال وعملات النمور الآسيوية وروسيا ، عندما تم استهداف النمور الآسيوية اقتصاديا وانهارت عملاتهم وأسعار أصول مصانعهم وشركاتهم ونفس الشي تكرر في روسيا وتفككت كبرى شركاتهم وكياناتهم الاقتصادية ، ولقد تمكنت الكتلة الغربية بقيادة صناديق استثمار أمريكية وبريطانية من شراء أصول في كوريا وتايلند وإندونيسيا وسنغافورة بأرخص الاثمان ، وقام بعض المؤثرين من يهود روسيا ورجال المافيا الروسية وبدعم من الغرب بالسيطرة على كيانات صناعية وتجارية ضخمه من خلال برنامج الخصخصة.

وفي ظل أزمة النمور الآسيوية تنبهت الصين وروسيا لما يحدث ، واتخذت الصين إجراءات لتحد من أي تأثير سلبي أثناء التحول من النظام الاشتراكي إلى الرأسمالية واتبعت اُسلوب التحول التدريجي ، وقام بوتن باتخاذ إجراءات شرسة بحق رموز برنامج التخصيص وسجن أبرزهم ، ثم عكفت الصين وبالتعاون مع الروس لزرع نواة تكتل البريكس .. في تلك الأثناء راقبنا التجاذبات المستمرة في اجتماعات الدول الصناعية ، في البداية كانت الدول السبع ثم تحولت ٧+ ١ إلى أن وصلت اليوم مجموعة دول ال ٢٠، وهذا التجمع يذكرني بمجلس الأمن ونظام الفيتو .. وبما أننا تطرقنا لدول العشرين ، دعونا ندخل بصلب الموضوع ونعود لاجتماع دول العشرين في سانت بيطرسبيرق – روسيا، عام ٢٠١٢ إبان الغاء خطوط أوباما الحمراء التي توعد بها بشار سوريا ، أيضا في تلك الفترة كان العالم يتوقع قرب ضربة مزدوجة تستهدف بشار وبنفس الوقت تقوم إسرائيل وأمريكا باستهداف لضرب مواقع النووي الإيراني .. إذا كيف انقلب حال الأمريكان وتم إلغاء فكرة توجيه ضربات وتحولت اجتماعات العشرين في سانت بيطرسبيرق إلى حفل تقارب أمريكي إيراني !!

ومن وجهة نظر أ. مطشر المرشد فقد كان الحدث الأهم والذي أربك الأمريكان ودفعهم نحو الإسراع في التقارب مع إيران هو إعلان دول البريكس قبل ساعات من بدء اجتماع العشرين نيتها إنشاء صندوق نقد وبنك خاص بهم والانفصال عن البنك وصندوق النقد الدوليان وبذلك اعتماد عمله تجارة خاصة بهم ( البريكس يشكلون نصف سكان العالم وأكثر من ٤٥٪ من إجمالي الناتج المحلي لدول العالم مجتمعة) .. كذلك أثناء اجتماع ال ٢٠ بسانت بيطرسبيرق أعلنت البريكس رغبتها مد خط أنابيب غاز ونفط عبر بحر قزوين لربط روسيا والصين مرورا بقزوين ( بنفس الوقت كان هناك احتكاك بين الصين واليابان حول مجموعة جزر متنازع عليها وبها مخزونات غاز ومعادن )  ، ومعروف أن إيران لديها تأثير بالغ الأهمية على دول منطقة قزوين ولديها أطول حدود مطلة على بحر قزوين .. وكل تلك التطورات والإعلانات من قبل البريكس باعتقاد أ. مطشر بعثرت أوراق الأمريكان وأجبرتهم على كشف الخطة ب لمنطقتنا قبل موعدها المخطط له ، لذا نجد أن الموقف العربي وحتى هذه اللحظة غير مقتنع ولم يتقبل أو يصدق أن هناك تحالف أمريكي إيراني.

ولهذا يرى أ. مطشر المرشد أننا لازلنا نفكر في داخل الصندوق ولم نخرج بتفكيرنا وتخطيطنا الاستراتيجي خارج الصندوق ، نحن نرى كل شيء ونخطط لكل شيء بناء على اعتبارات سياسية إقليمية وتناحر دبلوماسي إقليمي ، ولم نأخذ أي خطوات مبتكره وتتماشى مع التحول العالمي في سياق الحرب الاقتصادية والسباق التنموي … نحن نستنزف قدراتنا الاقتصادية ونتأخر تنمويا وبكل سهولة نقدم مدخراتنا لتصبح سيف مسلط علينا بأيدي الآخرون !!!

ويضيف أ. مطشر المرشد أن الأبرز في الزيارة الملكية ، كان ظهور مليكنا وقائدنا بأحسن حال ، وبدون مجاملة كان لحضور وكلمات خادم الحرمين الشرفين الأثر الاقوى الذي أنقذ الموقف وساعد على عدم انهيار ثقة العالم باقتصادنا والأهم بمستقبلنا كحليف له ثقل.. ورغم ذلك أعتقد أننا لم نوفق في توقيت هذه الزيارة من حيث تواجد رئيس يعتبر الآن بمرحلة البطة العرجاء ( الأشهر الأخيرة من فترة الرئاسة الثانية لرؤساء الولايات المتحدة يطلق عليها فترة البطة العرجاء lame duck )  وفي هذه الفترة كل ما يقوله أو يفعله الرئيس غير مجد ، لذلك تعمد الأمريكان إرضائنا ببروتوكولات جميله ورنانة .. وهذا لن يفيدنا على المدى البعيد ، بل أدى إلى قيامنا بإعطائهم المزيد من خلال وعود بتوقيع شراكات متعددة الاختصاصات .. وهنا أوضح أ. مطشر لماذا يرى أن كلمات وحضور خادم الحرمين أنقذت الموقف، حيث قال: بكل صدق لقد ذهلت ومعي بعض الحضور من الأمريكان والسعوديين بسبب ارتباك وضعف حجة الفريق التنفيذي المرافق وبالتحديد وزارة المالية ووزارة التجارة ومؤسسة النقد وأرامكو وسابك ، فباستثناء هيئة الاستثمار وبالتحديد محافظها النشط والمؤهل عبداللطيف العثمان الذي كان أدائه مقنع بسبب وضوح رؤيته والتحضير الجيد.. أستطيع القول أن باقي الوزراء وأعضاء الفريق التنفيذي في الجانب الاقتصادي لم يقدموا أي جديد  بل إن الحضور من الأمريكان استشعروا إننا بخطر وأننا لم نأتي بجديد يرجح كفتنا كشريك استراتيجي منافس لإيران وإسرائيل.

وأيد أ. خالد الحارثي وجهة نظر أ. مطشر وقال: إن حضور سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أيده الله بنصره الذي تجاوز بشجاعته وإقدامه الأداء الضعيف لكل من كاكست وشركات التوازن الاقتصادي وأرامكو وسابك ووزارة العمل ووزارة التخطيط ووزارة المالية وفرض واقع جديد يضعهم جميعا أمام تحديات من نوع ومستوى جديد حول نفس القضايا التي فشلوا في حلها أو مقاربتها وهي نقل التقنية وتوطين ومراكمة الخبرات وحلول البطالة والإسكان والفقر. هذه الخطوة الاستباقية ، ألغت الظهور الخجول والمتواضع والنتائج الضعيفة لتلك الأجهزة أمام الأهداف الطموحة المعلنة من قيادة البلاد. والتي تثبت مجددا تأخر قادة تلك الأجهزة في الوفاء بالطموحات الموكلة لهم  بسبب انصياعهم إلى المصالح الضيقة والانقياد وراء البيروقراطية البطيئة  بدلا عن البسالة والجرأة التي رأينا جانبا منها لدى د. توفيق الربيعة والتي لا تزال مجرد نكهة مما نحتاجه ونتحدث عنه. مع النبل المتناهي الذي اعتدناه من ملوك البلاد في محاسبة تقصير الوزراء تحت ظلال  للمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر إلا أن مثل هذا التحرك الذي ألفناه من الملك عبدالله والآن من الملك سلمان يتجاوز الأداء الحكومي الضعيف ، وهو دلالة على وضوح الهدف ومعرفة الإجراءات التصحيحية عند تقصير الفريق العامل أو إخفاقه ، وعسى أن تكون هذه الخطوة درسا للجميع .

وعلق د. حسين الحكمي في ذات الإطار بقوله: من الغريب أن تحصل مثل تلك السلبيات من الوزراء ومن في مقامهم ومن رجال الأعمال وأعضاء الوفد المرافق ممن له صوت مع وجود أجندة معدة مسبقاً ! ألا يحصل أن يقوم المستشارون والخبراء في كل مجال بدراسة الوضع الراهن ونقاط القوة والضعف وما المراد في المستقبل وما هي خطط ومشروعات من ستتم مقابلتهم؟ في ظني نعم. لكن ، وبحسب طرح أ. مطشر ، يظهر أننا ما زلنا لا نفهم كيف تدار الأمور بالشكل الذي يجعلنا نخرج بأكبر قدر من المكاسب. يفترض أن لأي زيارة شبيهة أو لقاء هدف أساسي كبير وأهداف فرعية تحقق الهدف الأساسي ، والكل يعمل لتحقيق ذلك الهدف. للخطاب قوة وللكلمة أثر ، على كل مسؤول أن يعرف أن لكل كلمة يقولها مغزى وهدف ويعرف كيف ومتى يقولها ويضع في الاعتبار كيف سيفهمها المتلقي. حتى الأحاديث الجانبية في أوقات الاستراحات تؤخذ في الاعتبار من خلال إرسال رسائل للمتلقي. بالتأكيد كانت هناك خطة متعلقة بالزيارة ، وكان من المفترض أن تقوم كل جهة بلعب دورها بالشكل الصحيح. الوفد يشبه الفريق، كل شخص يقوم بمهام محددة بحيث يتحقق في النهاية أكبر قدر من الأهداف. العبء ليس على المهاجم فقط ليسجل الأهداف بل يتعداه لبقية الخطوط.. ما الفائدة إن سجل المهاجم عشرة أهداف لكن مرمى الفريق تلقى ستون هدفاً.

وذكر السفير أ. أسامة نقلي أن سكاي نيوز لخصت فرص الاستثمار التي أوجدت خلال زيارة الملك:

  • ‏التعدين :

الفوسفات والبوكسايت والسليكا وعرضتها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية على الشركات الأمريكية الكبرى.

  • ‏البترول والغاز:

تستهدف المملكة استثمار 300 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة في قطاعات الزيت الخام والغاز.

  • ‏القطاع الصحي:

استثمارات سعودية جديدة بمشاركة القطاع الخاص والشركات العالمية ، والاستفادة من خبرات شركات التأمين الصحي الأمريكية.

  • ‏التجزئة:

سيبلغ حجم قطاع التجزئة حوالي 750مليون دولار في السنوات10 القادمة وستصمم السعودية برامج محفزة لشركات التجزئة العالمية والأمريكية.

  • ‏الترفيه:

ستخصص السعودية مبالغ كبيرة للاستثمار في مجال الترفيه بمشاركة فاعلة من شركات أمريكية متخصصة مثل ديزني ويونفيرسال ستوديوز.

  • ‏البنية التحتية:

استثمارات جديدة في الطرق والمواصلات والمناطق الحرة الجديدة وسيتم استخدام شركات الإنشاءات الأمريكية وإدارة المشاريع لذلك.

  • ‏التمويل السكني:

هناك 700 ألف طلب قرض للمنازل بالسعودية وهو سوق جذاب لشركات التمويل الأمريكية يتوقع أن يصل شراكته لـ 100 مليار دولار.

  • ‏القطاع المصرفي:

من المتوقع أن يصرح للبنوك الأمريكية للدخول بمجالات نوعية لخدمة قطاعات تجارية كالمنشئات الصغيرة والمتوسطة.

  • ‏خدمات التقنية:

تعتزم السعودية إطلاق مراكز تقنية وتطوير قرى تقنية على غرار (سليكون فالي) تتطلب المعرفة والاستثمار من شركات أمريكية عريقة.

ويرى د. عبداللطيف العوين أنه ومن المنظور الاستراتيجي فإن هذه الاتفاقيات قد تجعل للمملكة أثر ما في قرارات مستقبلية بين البلدين من خلال الشركات التي يهمها أن تحافظ على مصالحها في كل مكان.

ويرى اللواء د. سعد الشهراني بخصوص العلاقات الاقتصادية أنه ولا شك أنها مهمة بل ومهمة جدا لأنها هي الأخرى تعزز المصالح المشتركة و تعمق العلاقة على مستويات أخرى مهمة غير المستوى السياسي والاستراتيجي و قد بين أ. مطشر كثير من أبعادها . ويعتقد د. سعد أن المهم أن يكون تركيزنا مع أمريكا و مع غيرها من الدول المتقدمة على كيفية نقل الاقتصاد من حالته الاستهلاكية الريعية غير الإنتاجية الراهنة إلى اقتصاد منتج برجال أعمال جدد من رواد الأعمال الشباب من الجيل الثالث و الرابع من أبناء من ننظر لهم في المجتمع على أنهم رجال أعمال ( و هؤلاء يحتاجون خطة لوحدهم من أجل أن يخرجوا من عقلية من سبقوهم و عقلية الربح السريع و عقلية الاعتماد على إعانات الدولة ومشاريعها !) و بطبقة عمالية و أيد عاملة وطنية منتجة و بمنتجات تنافس على حصص متزايدة في الأسواق العالمية و بقطاع أعمال ينفق بسخاء على البحث والتطوير. أما ما لوحظ على بعض المسؤولين و رجال الأعمال من عدم ارتقاء أدائهم إلى مستوى الزيارة الملكية فربما أن ذلك يعود إلى ما أشير إليه من أنهم لم يعدوا جيدا للزيارة فضلا عن أن وزير المالية و محافظ المؤسسة ليسا مضطرين للإفصاح عن سياسة المملكة الاقتصادية فهما معنيان بالسياستين المالية و النقدية التي هي شأن داخلي أولا و فيها ما لا يقال و ربما أن الغموض مقصود و مطلوب و إن كان دورهما يستلزم تطمين العالم أولا و قطاع الأعمال الأمريكي ثانيا عن حالة الاقتصاد السعودي في ظروف انخفاض إيرادات النفط و الحرب في اليمن. أما محافظ هيئة الاستثمار فهو المعني الأول بطبيعة عمله و كان يجب أن يسهب ويشرح سياسة المملكة في استقطاب رؤوس الأموال و الاستثمارات الأمريكية.

وأوضح أ. مطشر المرشد أنه يتفق مع القول بأن العلاقات الاقتصادية مهمة جدا.. وفي حال تم استخدامها بالشكل الصحيح ، سيكون لها تأثير بالغ الأهمية وتصبح وقود عالي الجودة لدبلوماسيتنا… وحسب قراءته لذهنية الرأي العام  الأمريكي ومن خلال حديثه لعدد من الأمريكان الذين حضروا وشاركوا بلقاءات جانبيه خلال زيارة واشنطن ، طرح النقاط التالية:-

  • رغم التريليونات من الريالات المستثمرة هناك ، الشارع الأمريكي لا يرى ولا يسمع بها وبفائدتها وأنها سبب في بقاء كثير من المواطنين الأمريكان بوظائفهم… (مسؤولية وزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد).
  • بسبب أوضاع سوق النفط والتصريحات المتتالية من أوبك وبالذات وزيرنا النعيمي ، الشارع الأمريكي يرانا كأعداء نحارب مصالحه وننافس صناعة الصخري (مسؤولية وزارة البترول وأيضا الخارجية).
  • شراكاتنا التجارية والاقتصادية مع الجانب الأمريكي حوالي ٧٠ سنة- بداية من أرامكو إلى أن نصل اليوم شركة ابل… وهل أمنا جانب الأمريكان يوما واحد ؟  وقوفهم إلى جانبنا في الحروب وغيرها مدفوع الثمن ومرتبط بفواتير جديدة وإضافية ولا تعطي تخفيض مقابل العلاقات الاقتصادية والتجارية القائمة منذ عقود …إذا هناك خلل وتقصير من طرفنا لعدم ربط ثقلنا الاقتصادي والتجاري بمسار دبلوماسيتنا ومصالحنا الاستراتيجية، والكل يعلم بأن ربط المسارين الاقتصادي والدبلوماسي بالشكل المطلوب له فوائد عديدة.

وبدوره علق اللواء د. سعد الشهراني على ما أوضحه أ. مطشر بأن هذه نقاط مهمة التي تم الإشارة إليها، و مع ذلك فهذه الأمور المهمة مطلوبة قبل الزيارة و بعد الزيارة و إذا كان هناك ما يجب و يمكن عمله فلا يزال في الأمر متسع لتطوير رؤانا و أداءنا في المرحلة القادمة. ربما إذا كان هناك نوع من أنواع القصور في أداء  بعض المسؤولين خلال الزيارة فهو يعود إلى عدم التحضير و التنسيق المسبق لتحديد الأدوار و المواقف و الخيارات في هذه الجوانب. أما الفوائض المودعة – وليس المستثمرة – هناك فالأصل أن يكون لدينا خطة اقتصادية من نوع مختلف حتى نفكر في استثمارها هنا في قطاعات منتجة أو خطة تنويع استثماري على مستوى العالم حتى نستخدمها كورقة في مفاوضاتنا و إلا فمثل ما أشار إليه د. خالد هم يعرفون أن هذا قرارنا و في مصلحتنا و أن هذا آمن جميع أنواع ( الاستثمار )! علما أن هذا سلوك مالي قديم انتهجته المملكة منذ الطفرة الأولى من خلال مطالبة الأمريكان بإعادة تدوير البترو دولار و المفاوضات خلف الأبواب المغلقة قد تكون جرت بغير ما نعلم و بغير ما يقال في اللقاءات الجانبية و الإعلامية. و من زاوية أخرى نحن نريد في هذه المرحلة ترميم العلاقات و الارتباط أكثر خصوصا في المصالح الاقتصادية فرغم أن هناك خيارات أكثر فقد لا يكون وقت الزيارة القصير هو الوقت المناسب للتفاوض المصالحي  فأنت تؤسس و لكن لا تتخذ قرارات محددة و قابلة للتنفيذ بل يترك ذلك للمنفذين لاحقا. و مع ذلك فالزيارة ناجحة في أبعادها الاستراتيجية و السياسية و لا شك أن الاقتصاد أحد أهم الأدوات و يمكن استخدامه كورقة في المفاوضات التنفيذية من غير تهديد مباشر أو غير مباشر حول الفوائض أو النفط أو غيرهما ما لم تستجد مواقف و تطورات سلبية في العلاقات.

ويعتقد د.م. نصر الصحاف أن الأمريكيين بالبراجماتية التي يحملونها وجدانيا تبعا لأنظمة الحريات والمحاسبة يصعب إقناعهم بشكل سطحي أن نصيبنا في سندات الخزينة المقدر بما يزيد عن تريليون دولار هو في صالحهم دون اضطرارنا لذلك فهم يفهمون هذا النوع من الاضطرار والطمع والذي يحاربونه شعبيا أحيانا كما يحاربون ذلك من الصين مثلا.

وتعليقاً على التوجيهات المتزامنة مع الزيارة الملكية لأمريكا بفتح المجال أمام الشركات الأجنبية العاملة في تجارة التجزئة والجملة بالعمل في المملكة بملكية 100%، بما من شأنه استقطاب تلك الشركات وتشجيعها على تصنيع منتجاتها في السعودية وبيعها بطريقة مباشرة للمستهلك واستفادته من خدمة ما بعد البيع. يرى د. عبدالسلام الوايل أن فتح نشاط تجارة التجزئة للشركات الأجنبية خطوة مهمة جداً في سبيل القضاء على الاحتكار. ويعتقد أ. مطشر المرشد أن هذا صحيح كما أنهم سيستمرون بنفس أسلوبهم شراكات عديده مع شركاء سعوديين … وهذا أفضل من الاحتكار لوكيل واحد وقد تأتي الشركات العالمية وتفتح مقر في جده أو الرياض … لكن أ. مطشر يتوقع أنهم سيبحثون عن شركاء موزعين للانتشار (نظام الفرينشايز).

أما د. حميد المزروع فيرى أن أهم إيجابيات هذا القرار تتضمن ما يلي:

  • القضاء علي التستر.
  • زيادة دخل مصلحة الزكاة.
  • تخفيض الأسعار للمستهلك وخدمة ما بعد البيع.
  • زيادة التوظيف للسعوديين.
  • زيادة المنافسة التجارية.

في حين يعتقد أ. خالد الوابل أنه وعلى المدى الطويل ربما قضى هذا القرار على الصناعة المحلية؛ ليست القضية فقط وكيل محتكر. وربما ساهم في ارتفاع أسعار السلع كما يرى د. خالد الرديعان.

وأضاف أ. مطشر المرشد أن الواقع يكشف للأسف أن كثير من المصانع الصغيرة في بلادنا يمتلكها ويديرها أجانب بالتستر… وعليه و في حال دخلت الشركات العالمية وتوغلت في السوق يجب أن يتم اتخاذ خطوات تحفز على تصنيع بعض المنتجات محليا. كما أنه وفي حال لم تتخذ الجهات الرسمية ( وزارة التجارة وهيئة الاستثمار ) إجراءات لتحفيز الشركات والمصانع العالمية على نقل التقنية والمعرفة.. سيكون هذا القرار مجرد فرصه لمنتفعين جدد.

ويرى د. عبدالسلام الوايل أن الانتقال لنظام الفرنشايز خيار سياسي فيما يبدوا لجعل المصالح الاقتصادية أكبر و أكثر تعقيدا. إن كان تمتين العلاقة مع أمريكا خيارا استراتيجيا فالخطوة تخدم هذا. و لا يوجد صناعة محلية حقيقية باستثناء النفط و البتركميكال حتى يؤثر عليها القرار. الصناعة الموجودة عمالتها وافدة. إنها محلية برأس المال فقط. و نظام الفرنشايز سيوسع من قاعدة رجال الأعمال و يفتح فرص جديدة. وأضاف د. عبدالسلام أن ما يتمناه أن تكون هذه الخطوة جزء من منظومة لكبح مبدأ أوباما في نقل تحالف أمريكا للضفة الشرقية من الخليج.

ويعتقد د. منصور المطيري بالنسبة لتجارة التجزئة أن نظام الفرانشايز ( الامتياز التجاري ) هو النظام الذي سيسود و وهو نظام بطبيعته لا يكلف الشركات الأمريكية أي تكاليف حيث سيتحمل الفرانشايزي كل التكاليف مقابل الاسم التجاري و أسلوب العمل أي المعرفة الفنية .. و من هنا يتوقع انتشار للنمط الثقافي الأمريكي في قادم السنوات .. و انحسار للخصوصية السعودية و هو ما أسماه عبدالوهاب المسيري ( الكوكلة ..) نسبة إلى الكوكاكولا .. طبعاً هناك سلبيات و إيجابيات في هذا الأسلوب .. من الإيجابيات الأمل في انتقال ثقافة الجد والنظام إلينا ..و من السلبيات أن نتحول إلى دولة تابعة و مرتبطة تماما بالمركز الأمريكي وأن نفتقد الاستقلالية المطلوبة في كل بلد .. و أن نفتقد المبادرات الصناعية و الإنتاجية عموماً لعدم قدرتها على المنافسة ..سيستفيد رجال الأعمال فقط و سيزداد نفوذهم، و ستزداد النزعة الاستهلاكية في المجتمع السعودي .. ليس لدينا نظام للفرانشايز على حد علمي و إنما يطبق عليه نظام الوكالات .. و فرق كلير بينهما فهو ليس وكالة و لا فرع تجاري.

وأضاف د. منصور المطيري: نظام الفرانشايز نظام يقوم على التوسع دون أي تكاليف … والضرائب سيدفعها المستثمر المحلي فقط .. و هذا يعني أنه لا بد في هذا النظام من مالك سعودي للمحل ..لن يفتح الأمريكان فروعاً مملوكة لهم مئة بالمئة .. بل سيلجأون لهذا النظام ( الفرانشايز ) و هو نظام مفيد مئة بالمئة لصاحب العلامة التجارية أي للأمريكان.. و قد يستفيد منه السعودي و قد لا يستفيد مثله في هذا مثل أي مشروع جديد يدخل فيه.

وعلق د. مساعد المحيا بأن فتح مجال تجارة التجزئة بنسبة ١٠٠٪ أمام الأجانب من شأنه أن يربك المستثمر المحلي، كما أنه يعتقد أن من الصعب تصور أن المواطن سيكون الكاسب والمستفيد .. للوهلة الأولى فإن هذا سيحقق مصالح لميزانية الدولة من خلال ضرائب قد تصل ٢٠٪ على الأجنبي وبالتالي المستثمر سيأخذ هذا الهامش من المشتري المحلي …للعلم المستثمر المحلي لا يدفع ضرائب ويحصل على دعم وجمارك قليلة جدا.

ومن جهتها قالت أ. كوثر الأربش بأن هذا سيحد من جشع التاجر. أليس كذلك؟ وأجاب د. مساعد المحيا بأن التاجر الأجنبي سيكون أكثر جشعا وبلا رحمة …نحن لا زلنا دولة ريعية وأي تغير سيربك المواطن وبخاصة ذوي الدخول المتوسطة والفقيرة.

وتساءل أ. مطشر المرشد: لماذا لا نفكر خارج الصندوق … وبما أننا اعرف باحتياجات المستهلك المحلي ولدينا رؤوس الأموال  ، لماذا لا نبدأ بشراء مصانع معينة غذاء ودواء ومنتجات أخرى .. استحواذ كامل أو جزئي … مثلا شراء ٥٠٪ من شركة ومزرعة رز بسمتي بالهند .. الخ.. وبهذا يصبح الصندوق السيادي هام جدا … نكتفي ذاتيا ونخلق فرص وظيفيه للسعوديين في الخارج وننقل الخبرة والمعرفة بشكل أفضل.

ومن جانبه ذكر أ. مسفر الموسى أن أغلب الكتابات التي تناولت اتجاه المملكة نحو الاستثمار الأجنبي كانت ترفع القبعة الخضراء.. ركزت على الإيجابيات وهو أمر مبشر لنا جميعا.. ويجعلنا أكثر تفاؤلا.. مع ذلك.. فإن الاستقرار في الرأي لابد أن يتجاذبه طرفي صراع.. أحدهما مؤيد والآخر مختلف.. ولأن الجميع مؤيد،، فلا بد من تناول بعض النقاط منها:

  • الآثار السلبية التي قد يحدثها هذا الاتجاه.
  • كيف نستطيع الحد من هذه الآثار.
  • في المقابل، كيف نستطيع تعظيم الفائدة للاستثمار الأجنبي.
  • ما هي القوانين المنظمة للسوق المتوقع تبنيها قبل أن يسري تنفيذ هذا القرار.

واتفق أ. مطشر المرشد مع ما طرحه أ. مسفر ، وأضاف أنه وفي الحقيقة رغم الايجابيات – العائدة بالأساس لوجود الملك على رأس الوفد السعودي – فإن الجهاز التنفيذي لم يظهر بالمظهر المطلوب .. لذلك حتى في الجانب الأمريكي يتم التركيز فقط على الاتفاقيات والصفقات المحتملة …. للأسف وزرائنا باستثناء محافظ هيئة الاستثمار أدائهم كان أقل بكثير من المتوقع ولسبب أو آخر يبدو أنهم حضروا دون أي أجندة أو أهداف لطرحها على ساحة أهم اقتصاد عالمي ، وظهروا بمظهر مهزوز  وفاقد الثقة.

الأبعاد الاتصالية للزيارة الملكية لواشنطن: بروز “الخطاب الإقناعي” وإدماج “المكوّن الشعبي” في معادلة المصالح الاستراتيجية للمملكة

طرح د. عبدالله الحمود رؤية محددة في هذا الإطار وتحت نفس العنوان وتضمنت الإشارة إلى أنه لا يمكن الحديث عن المكاسب السياسية والاقتصادية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية جراء الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رعاه الله لواشنطن إجابة لدعوة الرئيس الأمريكي بارك أوباما، في يوم الجمعة الرابع من شهر سبتمبر 2015م، من خلال النظر إلى العوائد السياسية أو الاقتصادية المحضة. فالعلاقة السياسية والاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة، علاقة ممتدة في التاريخ المعاصر. فمنذ تأسيس المملكة على يد الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله، وحتى اليوم نشأت وترسخت علاقة استراتيجية متينة، أبرز دلائلها التعاون العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، وتقريب وجهات النظر حيال التنمية والسلام في الشرق الأوسط وفي العالم. وقد عبَرت تلك العلاقة ما يربو على سبعة عقود من الزمان، وشهدت في محطات مهمة شيئا من الترقب، برزت مظاهره في ستينات وسبعينات القرن الميلادي المنتهي، وبخاصة عندما يكون الاحتلال الإسرائيلي موضوع العلاقة، أو التشكلات العربية، الجديدة حينها، المتحررة من الاحتلال أو الوصاية الغربية. وشهدت العلاقة في محطات أخرى تحالفا وتعاونا عميقين جدا، كما حدث أثناء الحرب السوفييتية على أفغانستان خلال الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، وكذلك في العام 1991م، أثناء حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت. وتعد الولايات المتحدة أكبر شريك سياسي واقتصادي للمملكة على مستوى العالم، كما تعد المملكة أكبر سوق للصادرات الأمريكية في الشرق الأوسط، بقيمة تعاملات تجارية زادت عن (230) مليار ريال خلال العام 2014م. كما تشير إحصاءات الهيئة العامة للاستثمار.

وأضاف د. عبدالله الحمود: يقودني هذا المدخل لقراءة مختلفة لهذه الزيارة الملكية لواشنطن. فعلى الرغم من أهمية التوافق السياسي المتحقق بشأن الأوضاع في سوريا واليمن وإيران، وعدد من مناطق الصراع الأخرى في المنطقة، وعلى الرغم أيضا من المشروعات الاقتصادية والتنموية المهمة والكبيرة التي تم الإعلان عنها، والتي توقعت دوائر اقتصادية أن تصل إلى ترليوني دولار في السنوات الخمس القادمة، إلا أنني أعتقد أن محور الارتكاز لهذه الزيارة التاريخية ليس هنا على الإطلاق. فهذه الزيارة سلوك اتصالي إقناعي من الدرجة الأولى. وبالتالي، فذهاب المملكة لواشنطن ليس لتوقيع مزيد من عقود التبادلات التجارية، ولا لتوحيد رؤية، موحدة سلفا، تجاه قضايا مصيرية في المنطقة، ولكن لإقناع كثيرين في منطقتنا وفي العالم، أننا لا زلنا فاعلين، ومؤثرين، ومتحكمين في مفاصل السيادة في منطقتنا. وأننا ماضون في فعلنا هذا، بإذن الله تعالى، دون مواربة أو هوادة، ودون تنازلات يظنها البعض أو يتمناها. وحتى يمكن تصور ما أعنيه، هنا، لا بد من الاتفاق على أن “الخطاب السياسي الإقناعي”، في علم الاتصال الإنساني، يعني استخدام اللغة وأي رموز أخرى داعمة للسياق اللغوي للتعبير عن قيمة سياسية، مع التركيز على التنظيم المعرفي الإقناعي للأحداث ووصفها. ولفهم المحتوى الإقناعي لخطاب القادة السياسيين يلزم تحليل الخطاب القائم على استخدامات اللغة، وما يرافقها من رموز، وهو الأمر الذي تؤكده معظم دراسات تحليل الخطاب السياسي. كما أن الخطاب السياسي يعتمد عادة على “الاقتناع الطوعي” من طرف الجمهور المستهدف، لأن القادة السياسيين عندما يتحدثون بغرض إقناع الناس، يدركون أيضا وجود رسائل إقناعية أخرى مضادة سوف تتكئ على كثير من عناصر ومفردات الخطاب ذاته أو على غيره مما يقحمه الخصوم عنوة طمعا في تحقيق مكاسب إقناعية مضادة للرسالة السياسية الأصل، ولموضوعها، ولمستقبل تأثيرها على الجماهير.

من هنا، يمكنني التأكيد على أن في تفاصيل الخطاب السياسي لخادم الحرمين الشريفين أثناء الزيارة كثيرا مما يمكن تحليله. فمنذ اللحظات الأولى للزيارة برزت السمات الاتصالية النوعية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، وكشفت مداخلتُه أثناء لقائه بالرئيس الأمريكي أوباما، عن رؤية واضحة لأغراض الزيارة، وهي أغراض عبر عنها الملك بكلمات ذات دلالات اتصالية قوية وواضحة. فقد استهل خادم الحرمين الشريفين حديثه بأنه “خص الولايات المتحدة بأول زيارة له” نظرا للعلاقات التاريخية العريقة بين البلدين. وهذه في نظري أول رسالة منطوقة تم تمريرها بجودة عالية في اللحظات الأولى للزيارة، في سبيل الإقناع بأهلية المملكة للشراكة الفعلية مع الدولة العظمى لتحقيق مصالح المنطقة والعالم، وأن هذه العلاقة ليست طارئة، وإنما ممتدة في التاريخ المعاصر. من هناء جاء النص صريحا ومباشرا في ذات الوقت بأن علاقة المملكة مع الولايات المتحدة “علاقة مفيدة للعالم، ومفيدة لمنطقتنا كذلك” وهي علاقة دائمة يراد لها، كما أكد الملك، أن تكون “في المجالات كافة”.

وبعد أن وصلت الرسالتان الأوليان بشكل واضح للعالم، وبخاصة للطامعين في اقتناص المرحلة في منطقتنا، برز المحتوى الاتصالي بشكل كبير عندما وظّف الملك طبيعة الاقتصاد المفتوح في البلدين، ليقدم دعوته الرسمية بأن “يكون هناك تعاون بين أبناء البلدين في كل الأعمال حتى يكون هناك مصالح مشتركة وتعاون مشترك”. وكان يمكن أن تمر هذه الدعوة بشكل تلقائي، لكنه، رعاه الله، استدرك وأكد أن هذا التعاون (الشعبي) الذي ينادي به، يأتي “إضافة للتعاون السياسي مع الدولة”. وهنا يظهر، بجلاء، أن المرحلة المقبلة من التعاون بين البلدين تضيف (الشعبي) بوضوح كامل، جنبا إلى جنب مع (الرسمي الحكومي)، وبقدر واسع جدا هذه المرة. وهذا موطنٌ مهم جدا، في تعظيم العلاقة بين البلدين، وتعميقها، أمام كل الطامعين. وهو كذلك، إدماجٌ حقيقي للثقل الشعبي في الولايات المتحدة الأمريكية ليكون شريكا استراتيجيا، هو الآخر، في العلاقة بين الدولتين الصديقتين. ومن هنا، لا يمكن تصور هذا المكسب التاريخي للعلاقة المتجددة بين المملكة والولايات المتحدة، من خلال عقود الشراكة الاقتصادية المحضة، أو عبر التبادلات التجارية وحسب، وإنما في ما يعنيه ذلك من شراكة شعبية حقيقية، ومصالح مصيرية تتشكل بين مواطني الدولتين. وفي ذلك تدعيم حائط حماية وصد مهم جدا للبلدين كليهما، ولمصالحهما الاستراتيجية في المنطقة وفي العالم.

وفي معرض الرسائل الاتصالية تلك التي سيطرت على جل وقت المداخلتين الرئيستين للقائدين في مستهل الزيارة، تثبت المملكة أنها تجيد السيطرة على الأفكار التكتيكية والسلوك التكتيكي بالقدر الذي أجادت وتجيد فيه بناء العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. فبتوظيف “التكرار” كأسلوب اتصالي قدير ومهم في مواضعه، أكد خادم الحرمين الشريفين مرة أخرى في نهاية كلامه على أواصر الصداقة التي تجمع بين البلدين. لكنه لم يتوقف عند ذلك، بل ربط تلك الصداقة بأن يترتب عليها ما “يفيد السلم العالمي”. كما برزت الريادة في قيادة الأحداث في منطقتنا عندما خصها الملك بقوله إن في المنطقة أحداثا تحدث وأن الذي نسعى إليه هو تحقيق الاستقرار لكافة شعوب المنطقة، بعد أن أكد أن لدى المملكة تعاونا مستمرا، من أجل ذلك. وتأتي هذه التأكيدات على الرغم من أننا في المملكة كما قال الملك حفظه الله “في بلدنا بحمد الله لسنا في حاجة”. إذاً، الأمر الذي كان يشغل ذهن الملك في هذه اللحظات التي يتحدث خلالها مع الرئيس الأمريكي هو أمن المنطقة، عبر تحييد جميل للذات، وإعلان سياسي سيادي مهم للعناية بشؤون الأشقاء والجيران في المنطقة. وفي هذا المسار الذي ذهب إليه الملك في خطابه معان عميقة وسلوك اتصالي معبر جدا عن حجم ووزن المملكة كدولة محورية.

لقد نجحت الزيارة بحمد الله، ونجح الملك في إيصال رسالة الأمة للعالم، وأعتقد أننا في ظل هذا النجاح (الاتصالي) الكبير للزيارة، وللمملكة، على مشارف مكاسب كثيرة أبرزها:

  • سكوت كثير من الأقلام التي كانت تسعى دائما للنيل من المملكة قيادة وشعبا، وتهوّن من جهود المملكة، ومن علاقاتها، ومن أهليتها لاستمرار قيادتها لقضايا الأمن والسلام في المنطقة، وفي كثير من مناطق العالم.
  • وضوح حقيقة مهمة، وهي أن محاولات الطامعين فينا والطامحين في اختراق صفنا خلال السنوات الماضية، وسعيهم للترويج بأن المواقف الأمريكية غير منسجمة مع المملكة، محاولات غير ذات جدوى، وسعي غير محمود، وأن المواقف والإجراءات الأمريكية الاحترازية ليست أبدا مناوئة للدولة ولا للشعب في المملكة، ولكن ضد جماعات منحرفة مارقة اتفق العالم كله على جرمها.
  • كسب مزيد من الوقت. فبالتأكيد ستكسب المملكة، بعد هذه الزيارة الناجحة (اتصاليا)، مزيدا من الوقت لتعيد حساباتها في مراجعة ملفات كثيرة مستجدة في المنطقة، وترى كيف تواصل قيادتها لهذه الملفات بنجاح في ظل مصالحها المشتركة، ومسؤوليتها في تحقيق الأمن والسلم في المنطقة؛ أهمها الملف اليمني، والإيراني والسوري، واللبناني، والتركي، والليبي، انتهاء بمصر.
  • تسريع حسم الأحداث في اليمن، لصالح الشرعية، بعد أن تجلت المواقف وتحددت المساقات ووضح بجلاء أن لا خيار أمام المعتدين الحوثيين وأنصارهم في إيران غير الإقرار بالأمر الواقع والتراجع لصالح خيارات الشعب اليمني، وهي الخيارات التي باتت مدعومة اليوم، بشكل أكثر تحديدا ووضوحا، بالموقف المشترك المحدّث للدولتين المحوريتين في دعم الشرعية في اليمن، المملكة والولايات المتحدة.
  • تحقيق مزيد من التقارب بين دول مجلس التعاون. فحيث شهدت الأشهر الماضية تذبذبات في مواقف دول الخليج العربي تجاه عدد من الملفات والقضايا، تبدو الأيام القادمة حبلى بانفراجات مهمة تقودها الدبلوماسية السعودية الجديدة.
  • بناء شركاء جدد من الداخل الأمريكي، عبر مد جسور التبادلات التجارية وغيرها في كافة المجالات الممكنة، وفي هذا، غير العوائد الاقتصادية، مد شعبي داعم لنا في الداخل الأمريكي، ومؤثر جدا في السياسات التي تتخذها الحكومة الأمريكية، والمؤثرة على منطقتنا.
  • زيادة الوعي الشعبي داخل الولايات المتحدة بقضايانا ومواقفنا من الأحداث والأشياء. فلا يمكن تصور التعاملات التجارية الشعبية المتوقعة مستقبلا دون عوائدها الأهم في مجال التفاهم المشترك والاحترام المتبادل، والمعرفة الصحيحة بحقائق الأشياء عوضا عن الاتكاء على الصور التي تروج لها وسائل إعلام غير موثوقة، أو تلك الصور التي تتشكل في فضاءات غير طبيعية تعوزها المعلومة وتنقصها المرجعية.
  • مراجعة كافة العناصر المنشغلة بنا في الداخل الأمريكي لمواقفها وإعلاناتها تجاهنا، سواء داخل مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة أو في الهيئات والمنظمات التي جعلت من المملكة مادة منتظمة لتقاريرها ورؤاها. فمن المتوقع أن تصبح تلك المؤسسات والمنظمات والهيئات أكثر حرصا على توخي الدقة والمصداقية، لأسباب كثيرة من أبرزها وجود شركاء لنا جدد، كثيرون هذه المرة، في النسيج الاجتماعي الأمريكي.

واختتم د. عبدالله الحمود طرحه في هذا الإطار بقوله: إن بلادنا، وقد عبرت اليوم بنجاح ملحوظ محطة تاريخية مهمة جدا، في عمرها المديد بإذن الله، وأثبتت نجاحا جميلا في خطابها الأممي، مدعوة لتسريع تفعيل التعاملات التي تضمنها الخطاب، وتيسيرها، وتكثيرها قدر الإمكان، مع دعم البنية القانونية لها بالقدر الذي يحميها ويقويها بحول الله تعالى.

ومن جانبه أضاف السفير أ. أسامة نقلي إلى ما طرحه د. عبدالله الحمود من تحليل معمق، أن الشراكة الاقتصادية تعد أكثر عمقا في توثيق عرى العلاقات بين الدول. أما بالنسبة للقضايا السياسية فتعتبر العنصر المتغير دائما، سواء من ناحية مستجدات هذه القضايا، أو المتغيرات السياسية داخل الدول التي تنعكس على تغير مواقفها، وهو أمر بديهي في علم السياسة، يتطلب دائما التنسيق والتشاور المستمر.

وعلق د. مساعد المحيا بأنه يتفق مع كثير من الجوانب التي تضمنتها قراءة د. عبدالله الحمود حول البعد الاتصالي في الزيارة الملكية لأمريكا بقوله: ما أود الاشارة إليه هو أن الزيارة تعد حراكا سياسيا مهما وفي توقيت مهم استخدمت كل أدوات نجاحها الاقتصادية والتجارية. وأضاف د. مساعد: لست ممن يرى أن العلاقات الدولية وبخاصة في لعبة المصالح يصلح معها أساليب الصد والهجران ..نحن قبل وفاة الملك عبد الله كانت علاقتنا مع الأمريكيين يشوبها فتور ملحوظ لا أظن سببه ما يحري فلسطين أو نحوه وإنما يبدو أن المملكة وجدت الأمريكيين أنفسهم مع التغيرات في المنطقة العربية وهذا مقلق طبعا …لذا وحين تم الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي أبدى الملك عدم رغبته في حضور اللقاء الذي دعا له أوباما ….من هنا تأتي أهمية الزيارة من حيث أنها اتصالا فعالا يستثمر كل الأوراق المتاحة وينهي أو يقلل من فترة الفتور في العلاقة بين البلدين ويعيد الحراك لها .. لكن التساؤلات التي يجدر طرحها هنا:

  • هل ستسهم زيارة الملك في جعل الأمريكيين يعيدون كثيرا من حساباتهم التي نراها نحن خاطئة ويرونها صوابا بشأن إيران؟
  • هل سيتغير شيء على الأرض مقابل هذه الاتفاقات التجارية والاقتصادية ومذكرات التفاهم؟
  • هل سيكون الأمريكيون وهم أصحاب قدرة هائلة على التلون والتغير البراجماتي هل سيعملون على تحويل اتفاقهم مع إيران إلى حالة سكون مثلا.. أم أن كل المكاسب التي سنجنيها هي أننا نجحنا في تهدئة هرولتهم تجاه إيران ليكونوا في إطار المراوحة تارة معنا وتارة مع غيرنا؟

وأضاف د. مساعد المحيا أنه شخصيا يميل إلى أن الأمريكيين ذوي نفس طويل جدا ويخططون بفعالية وما تراه اليوم يتضح فيما بعد أنه جزءا من خطة استراتيجية  يريدون أن تتحول إليها المنطقة .. ومن ثم فإننا نحتاج لمثل هذه الخطط الاستراتيجية السياسية التي تستوعب في داخلها بعض التغير لكنها تسير في تحقيق هدفها …ويكفي أن نلاحظ أن تحليلات كثير من النخب والكتاب حين اتجهت المملكة قبل أشهر لفرنسا ثم لروسيا كانت تنحو باتجاه توظيف ذلك كاستراتيجية جديدة للمملكة وأن يكون اتصالها بهذه القوى فعالا وأكثر من ذي قبل ..اليوم تحولت اللغة إلى الحليف الاستراتيجي ..في ضوء هذا كل محلل يملك رؤية ذات عمق سيدرك أننا نحتاج صناعة هذه الاستراتيجية ..كما أننا نحتاج فعلا أن ندرك أن العمل على بناء الفرد في الداخل وإعادة بناء مؤسسات الدولة والعمل على إشراك المواطن في أي قرار مصيري هو ما يجعل كل الملفات الساخنة والأقل سخونة تتجه نحو الحل كما أن العالم سيتعاطى مع الدولة على أنها ذات مؤسسات دستورية ومدنية تقرر مستقبلها واستراتيجياتها.

وبدوره أشار د. عبدالله الحمود إلى أن التركيز على إشكالية البطة العرجاء. وأيضا، ما يتبع ذلك من قلق بشأن ملاءمة توقيت الزيارة. كأننا لا نريد أن نفرح أبدا، وكأننا لا نقتات إلا من التشكيك في كثير من الأمور. وأضاف د. عبدالله الحمود: نحن نجحنا.. المملكة نجحت…والزيارة نجحت.. الخطاب الملكي كان جميلا جدا، حمل معه كاريزما القيادة الواثقة،  واستهل الزيارة بكلام جميل موزون وواضح الدلالة. حضرت المملكة هذه المرة بشكل متميز. ورافق الخطاب منظومة من المشروعات والأفكار التنموية الرائدة. أعيد بناء الثقة. وأعيد الأمل لنفوس كثيرين منا. وظهر للخصوم أننا جيدون، واثقون، فاعلون،  مؤثرون، وقادرون على المناورة. لم القلق إذا؟ ما قيل حول التخطيط غير دقيق في ظني بشان الزيارة تحديدا.. فالزيارة ظهرت بشكل مخطط له جيدا. وما قيل بشأن البطة العرجاء فبه نظر. أقله أن بطتهم العرجاء هذه،  تكفينا لمدى زمني مهم، ولكل حادث حديث. كانت المبادرة بهذه الزيارة في هذا الوقت مهمة جدا، حتى لو من دون بط ولا حمائم. لكن البطة هناك،  وقد وصلتها الرسالة، واستوعبتها على ما فيها من عرج. والحمائم أيضا، كانوا هناك. أمريكا ستبقى أمريكا من روزفلت حتى آخر بطة تعرج عندهم. لن تحبنا أمريكا أبدا.  ونحن كذاك لا نحبهم.  لكن خير لنا أن نحترم بعضنا ونحسب لبعضنا حسابا دقيقا، وهذا ما فعلته أو هي سعت إليه الزيارة. دعونا الآن فقط ننظر في قابل الأيام، ونخطط لها.

موقف اللوبي الإيراني في أمريكا من زيارة الملك سلمان لواشنطن:

تناول د. محمد السلمي بالتحليل موقف اللوبي الإيراني في أمريكا من زيارة الملك سلمان لواشنطن، حيث أشار إلى أنه يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية قوة ضغط (لوبي) إيراني تأسست قبل بضع سنوات بشكل مؤسسي وعمل منظم. كلنا سمعنا عن كتاب “التحالف الغادر” الذي يتحدث عن العلاقات بين أمريكا وإيران وإسرائيل، وقد تم ترجمته للعربية وطارت به الركبان وتم استضافة المؤلف في عدة دول خليجية. المؤلف هو الإيراني الأصل الذي يحمل الجنسية السويدية وكذلك يحمل القرين كارد الأمريكي الزرادشتي (المجوسي) تريتا بارسي. تريتا رجل أعمال أيضا وقبل فترة تم تعيينه رئيسا للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي على الرغم من اعتراضات واسعة من قبل الأمريكيين من أصول إيرانية.

بعد نشر الكتاب المشار إليه أعلاه وصلت تومانات الملالي إلى بارسي وبدأت المراسلات بينه وبين بعض المسئولين من بينهم وزير الخارجية الحالي جواد ظريف وتم فضح بعض تلك المراسلات وهناك قضايا مرفوعة ضد بارسي وبعضها حُكم فيها ضده وبعضها لا تزال، وجميعا مرتبطة بنشاطه هذا.

بشكل عام، لدى بارسي عقدة من كل شيء عربي وقد كان يكتب في المنتديات على الانترنت عندما كان طالبا موضوعات ضد العرب وتاريخ العرب وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم. ولأنه رجل أعمال وفتح قناة اتصال مع النظام الإيراني ، عمل بارسي بشكل كبير على إيجاد قنوات اتصال بين الإدارة الأمريكية الحالية والساسة في إيران وأصبح يروج علنا لضرورة بناء علاقة وتجاوز الخلافات. إلا أنه أدرك أن هذه العلاقة تحتاج إلى عمل مقابل يشيطن خصوم إيران وحلفاء أمريكا في المنطقة حتى يقتنع صانع القرار الأمريكي بالفكرة الجديدة وبالتالي أوجد بارسي فريقا من الأمريكيين من أصول إيرانية الذين يتفقون مع توجهاته هذه وأصبح همهم الأول تضخيم أي نقاط سلبية ضد السعودية باعتبارها المنافس التقليدي لإيران في المنطقة والتركيز كثيرا على الجوانب الحقوقية وما ينشر حول بعض الفتاوى الشاذة التي تخرج من بعض “المشايخ” في السعودية وتقديمها كنموذج يمثل واقع الداخل السعودي بشكل عام وفي المقابل بدأ تجنب الحديث عن قضايا حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في إيران ودعم طهران للإرهاب وفي الوقت ذاته يقلل من أهمية التصريحات العدوانية الصادرة من الداخل الإيراني.

على صعيد آخر، كون بارسي علاقة مع شريحة متنفذة في الإدارة الأمريكية وطيدة مع البيت الأبيض وأوصل موظفين من أصول إيرانية إلى وظائف مرموقة في مكتب الرئيس أوباما، وراهن كثيرا على حل الاختلاف بين طهران وواشنطن عبر ضرورة معالجة الملف النووي ومن تابع مدى اهتمام بارسي بهذا الملف وتواجده في معظم أماكن الاجتماعات بين مجموعة ٥+١ وإيران والفرحة التي أطلقها عند التوصل للاتفاق المبدئي في نوفمبر ٢٠١٣. ومنذ ذلك التاريخ ضاعف تريتا انتقاداته للسعودية وإدخال السعودية في أي نقاش أو تغريدة تطلقها أي شخصية غربية وبخاصة كتاب الرأي تنتقد فيها الأوضاع في إيران أو سياسة الملالي.

عندما اعتذر الملك سلمان عن حضور قمة كامب ديفيد جند بارسي فريقه لشيطنة السعودية والقول بأن السعودية التي تعتبرها واشنطن حليفها الأهم في المنطقة رفض دعوة الإدارة الأمريكية بعد أن كان قد أعلن عن قبولها (طبعا غير صحيح) كما حاول ربط الإرهاب بالسعودية وأن إيران تمثل الحليف الأمثل للغرب للقضاء على داعش.

وقبيل ذهاب الملك سلمان لواشنطن أطلق بارسي العديد من التغريدات والردود هاجم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر السعودية وكان همه المزيد من التوتر في العلاقات بين الرياض وواشنطن لأنه يرى ذلك يَصْب في صالح تقدم العلاقة بين واشنطن وطهران. طبعا تناغم هذا الجهد مع رغبة لدى الرئيس الأمريكي في الخروج بانتصار واحد يسجل في تاريخه قبل مغادرة مقعد الرئاسة وبخاصة أنه فشل في تحقيق أي نجاح يذكر في القضايا المحورية في المنطقة.

وفي المجمل فإن د. محمد السلمي يعتقد أن نتائج زيارة الملك سلمان لواشنطن لم ترق للوبي الإيراني ولذلك لا يزالون ملتزمون الصمت ولم يعلقوا على الزيارة ونتائجها واكتفى بتغريدة يتيمة انتقد فيها قيام السعودية بحجز جميع غرف فندق الفورسيزون للملك والوفد السعودي.

وعلق د. فهد الحارثي على ما أوضحه د. محمد السلمي بقوله: كما أنك لا تستطيع اختيار والديك فأنت أيضا لا تستطيع أن تختار جيرانك ، وقد شاء الله أن تكون إيران من بين جيراننا في هذه المنطقة ، كما شاء سبحانه وتعالى أن نكون على خلاف عميق معها في كثير من أمور الدنيا والآخرة ، وخلافنا مع إيران هو من العمق بحيث يصعب تقدير المدى الزمني الذي سيستغرقه كما لا يمكن أبدا قياس حجم الأضرار التي قد تنجم عن ذلك الخلاف. وعليه فإن السياسة التي لا مفر من إتباعها مع هكذا جار هي سياسة الحذر واليقظة والمواجهة كلما احتاج الأمر . والمواجهة ليست دائما مادية أو حسية فقد تكون معنوية وفكرية وثقافية .إيران نشطة جداً على كل الجبهات وفي كل مستويات المواجهة معنا ، ولا أظن إننا استطعنا إلى اليوم أن نقابل نشاطها بنشاطات مماثلة .

وأضاف د. فهد الحارثي أن د. محمد السلمي عرض في مداخلته وجها فاعلا من أوجه النشاط الإيراني في واحدة من ساحات الصراع مع إيران ، ما يجعلنا ندرك أن “حربنا” مع هذا الجار العنيد الشرس ليست حرباً قصيرة أو مرحلية بل مستمرة ودائمة ، فهذا قدره وقدرنا ، والمطلوب هو مواجهة الحقائق كما هي وليس كما نتوهمها أو نتمناها، ولابد أن نغادر الحالة الرومانسية في تصرفاتنا في هذه المنطقة الملتهبة .. ومن ثم نستعد للمستقبل .. المتعب ! الزيارة الملكية الأخيرة إلى أمريكا كانت عاصفة حزم سياسية ودبلوماسية مهمة في هذا الاتجاه .. فلنواصل .. ولنبني عليها !

وتأكيدا لما ذكره د. فهد فقد أشار تقرير بثته قناة العربية الحدث إلى أن ما يقارب الثلاثين مليار دولار سنويا تصرفها إيران على أذرعها في المنطقة، هذه الأرقام جاءت في تقرير أمريكي جديد أعده معهد دراسات أمريكي وفق مقال نشرته صحيفة واشنطن تايمز بعنوان: إيران تصرف مليارات الدولارات سنويا على رواتب إرهابيين بحسب التقرير. الأرقام التي أشار إليها التقرير الأمريكي الخاص ونتحدث عن مبلغ يتراوح بين أربعة عشر مليار وثلاثين مليار دولار أمريكي إنما هو الحد الأدنى من دعم إيران ماليا لجماعات مصنفة إرهابية، فواشنطن تايمز تنقل عن خبراء أمريكيين تأكيدهم النظام الإيراني المالي يتخطى بكثير هذه الأرقام وذلك لسببين: الأول هو أن إيران متكتمة جدا بشأن المصاريف المتعلقة بالدفاع العسكري والثاني هو أنها لا تصرح بالمبالغ التي تدفعها مقابل المعلومات الاستخباراتية ودعم الجماعات غير النظامية. وبالعودة إلى الأرقام بحسب ما نشرت صحيفة واشنطن تايمز فإن: ما بين مائة ومائتي مليون دولار سنويا تذهب إلى حزب الله، وبين ثلاثة وخمسة عشر مليار دولار أمريكي إلى نظام الأسد، وما بين اثني عشر مليون وخمسة عشر مليون دولار إلى الميلشيات الشيعية المقاتلة في سوريا والعراق، ما بين عشرة وعشرين مليون دولار تذهب إلى ميلشيات الحوثي، فيما عشرات الملايين إلى حماس. ويشير التقرير بهذا الصدد إلى أمثلة تتعلق بمرتبات شهرية، ففي سوريا مثلاً فإن الميلشيات المدعومة من إيران يقبض عناصرها بين خمسمائة وألف دولار أمريكي شهريا. وتبقى هذه الأرقام غير مبالغ بها بحسب التقرير، باعتبار أن تقارير سابقة تشير إلى أن دعم إيران للحرس الثوري وفيلق القدس يتخطى بكثير المبالغ المشار إليها في ميزانية إيران العامة السنوية.

وفي السياق ذاته فقد أشار د. محمد السلمي في تقريره لهذا الشهر بمجلة آراء بعنوان: القومية والمذهبية في السياسة الإيرانية (داخليا وخارجيا) إلى أنه وعلى المستوى الخارجي فإن إيران تعمل “على شيطنة” دول الجوار العربي وتقدمها بصورة سلبية مقابل رسم صورة مضيئة للنظام الحاكم في طهران. وقبل انتصار الثورة كانت إيران دولة شيعية أيضا، إلا أن البعد المذهبي لم يكن حاضرا في السياسة الخارجية للنظام البهلوي الشاهنشاهي، بل اعتمد على الجانب القومي فقط. بعد ثورة 1979، ووصول الملالي إلى رأس الهرم السياسي والديني في البلاد، استحوذ البعد المذهبي على الصبغة العامة لإيران الحديثة، وتم إطلاق مسمى “الجمهورية الإسلامية” بديلا للملكية البهلوية.  الشيء الوحيد الذي لم يطرأ عليه أي تغيير يتمثل في استمرار المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، إلا أن المظلة العامة تحولت من الجانب القومي إلى المذهبي فقط. فمنذ انتصار الثورة عام 1979، أخذت إيران تروج وتعمل على مشروع تصدير ما يسمى بـ”الثورة الإسلامية” إلى دول الجوار العربي، ليس خدمة للمذهب الشيعي بقدر ما هو إخفاء للمشروع السياسي التوسعي تحت عباءة المذهبية، وما يعرف في أدبيات النظام الإيراني بـ”حماية المستضعفين” في العالم، وتعني بذلك الأقليات الشيعية على وجه الخصوص، ودونت ذلك في الدستور الإيراني تحت المادة رقم “154.” من هنا، سمحت إيران لنفسها، وفي إطارِ دستوري، بالتدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة، إلا أن الهدف الرئيس ليس الدفاع عن المكون الشيعي أو خدمة المذهب بقدر ما هو استثمار هذه الورقة لتقدم طموحاتها التوسعية في المنطقة. إلى جانب ذلك، هناك فكرة “الدولة المهدوية” التي تشكل نواة الجانب الأيديولوجي للنظام الإيراني.  وتعتمد هذه الفكرة على التخلص مما تطلق عليه بعض أدبيات المذهب “التخلص من الطغاة وإحلال العدل والمساواة” في الدولة المهدوية تحت راية الإمام الغائب.  قام النظام الإيراني بتوظيف هذا الجانب المذهبي توظيفيا يخدم مشروعه التوسعي، من خلال الحديث عن أهمية بعض دول المنطقة، خاصة اليمن والعراق، في تشكل الدولة المهدوية. من هنا، يركن النظام الإيراني إلى هذا البعد المذهبي للوصول إلى أهدافه السياسية، ولكن تحت عباءة الطائفية الضيقة. ولأنه لا يوجد في الوقت الراهن امتداد قومي لإيران في الداخل العربي، وكي لا تهمل البعد القومي لأهداف داخلية بحتة، تروج الماكينة الإعلامية الإيرانية لمزاعم أن اليمن وأجزاء من المنطقة العربية كانت تحت مظلة الإمبراطورية الفارسية، وتنبش في المواقع الأثرية عما تقنع به الرأي العام المحلي لتشكل مزاجاً قومياً داعماً لمشاريع إيران في المنطقة، خاصة أن هذا النظام يدرك جيدا قوة النزعة القومية في الهوية الإيرانية في العصر الحديث. من هنا، يكثف الساسة والقادة العسكريون هناك حملاتهم الإعلامية التي تسعى إلى إقناع الشارع الإيراني بأن التدخل في العراق وسورية واليمن ليس تدخلاً في الشأن الداخلي لتلك الدول، بقدر ما هو لحماية الأمن القومي الإيراني في المقام الأول.

وتساءل أ. عبدالله الضويحي:  لماذا لا يكون لنا لوبي !؟ ينافح عن قضايانا ويتبناها !؟ وأجاب د. محمد السلمي بأن اللوبي السعودي أو الخليجي لا يمكن تكوينه بين عشية وضحاها. المثقفون الإيرانيون متوغلون في المراكز البحثية والاستراتيجية وبيوت الخبرة  ووسائل الإعلام المختلفة في الغرب منذ أربعة عقود وهجرة الادمغة (العقول) من إيران لا تزال مستمرة والغرب يحتضنها وبعد ذلك تستفيد إيران منهم بطريقة أو بأخرى من خلال العزف على الوتر القومي وليس الديني وكذلك حقيقة النظرة العدائية تجاه كل ما هو عربي.

ويعتقد د. محمد السلمي أننا نحتاج إلى عمل مؤسسي بالدرجة الأولى، من خلال تقوية علاقاتنا مع المراكز البحثية في الغرب ونبدأ بتقديم بعض الباحثين المتميزين من الخليجيين وبخاصة المبتعثين ليجدوا مكانا لهم بشكل مؤقت (زائر) أو دائم في تلك المؤسسات البحثية وكذلك تشجيع أبناءنا المبتعثين والمقيمين في الغرب على الكتابة في الصحف الغربية عن قضايا المنطقة حتى وإن بدأوا بوسائل إعلامية أقل شهرة ومن ثم يتدرجون مع تنمية مهاراتهم وتراكم الخبرة لديهم. إن بدأنا اليوم فعلينا انتظار النتائج بعد عشرة سنوات على أقل تقدير وهذا ليس وقتا طويلا إطلاقا وبخاصة أن القضية ليست آنية أو مرحلية بل مستمرة لعقود مستقبلية.

ومن جهته يرى أ. عبدالله آل حامد أن اللوبي السعودي موجود ومؤثر في الكونغرس وهناك أشخاص وأصوات كانت ولازالت تمثل الرؤية السعودية داخلها ولكنه يعتقد أن غياب الشخصيات السعودية المؤثرة والتي استطاعت خلال العقود الماضية بناء صداقات وعلاقات ومصالح داخل الولايات المتحدة قد يضعف هذا اللوبي وقد يخنق الصوت السعودي هناك ومن يعرف المطعم الذي يضم كوفي الذي تعرض فيه الجبير لمحاولة الاغتيال في واشنطن كان يجلس هناك دائما ويلتقي به الكثير من المهتمين بالشأن السعودي كذلك شقيقه نايل كان  له دور في كثير من اللقاءات.

ويرى د. منصور المطيري أن هناك مسألة تتعلق بالقوى المنافسة أو المعادية في هذه البلدان و كيفية تحييدها فنحن نستطيع كسب الكثير من هذه القوى و لكننا لا نفعل .. لغياب التخطيط و لعدم معرفة ما نملك من أوراق مؤثرة بعكس إيران التي استطاعت خلق لوبي إيراني مناصر لقضاياها في مراكز القوى الأمريكية. ويرى أ. مطشر المرشد أنه يجب ان نعمل على كسب الرأي العام بعيدا عن البيت الأبيض ومن فيه.

لكن د. عبدالسلام الوايل يرى أن بناء علاقات ما وراء حكومية مع الأمريكان له مقتضيات صعبة تتمحور حول إطلاق العمل المدني. فالذي سيحصل هو علاقة شعب بشعب و ليس حكومة بحكومة. و علاقة مثل هذه تتم عادة من خلال مؤسسات مدنية، في ظل غياب علاقات اللغة و التاريخ المشترك.

أما د. خالد الرديعان فيرى أننا نعتقد أن مشكلاتنا مع أمريكا يمكن حلها جميعا في البيت الأبيض وننسى أعضاء الكونجرس ومراكز صنع القرار والجامعات والتجمعات المدنية.. هي عقلية عربية… نحن لا نصادق اللوبيات التي تستطيع تغيير الرأي العام ونعتقد أن الرؤساء هم من يقوم بذلك…ننسى أن هناك أطراف مؤثرة ونتجه للرأس مباشرة.. عقلية عربية مرة أخرى.

وأوضح د. زياد الدريس أننا لا نعاني من شُح في كروت القوة، لكننا نعاني من عدم استخدامها كما ينبغي ..بل إن كروت قوتنا تُستخدم أحياناً ضدنا.

وذكر د. عبدالرحمن الهدلق أنه ومن خلال متابعته  للوبي الإيراني والذي يعتبر من اللوبيات القوية في دي سي ، يرى أنه لا يمكن التعويل عليه فالفكر الفارسي المعادي للعرب والأطماع  التاريخية للفرس لا زالت تسيطر وتؤثر على توجهات اللوبي الإيراني.

ويرى د. حميد المزروع أن الإعلام الموجه من الخارج للداخل الإيراني سيكون أفضل وأسرع الوسائل لتأسيس جيل يؤمن بحياة بعيدة عن الوصاية داخل إيران ، الفضائيات الحديثة وما يمكن أن تنقله من محتوي يمكن أن تساعد بشكل مباشر ، حقوق الشباب بالتعليم والعمل ستبقي أسباب كامنة لتغير النظام. وأوضح د. حميد أن ما يقصده هو الفضائيات الموجهة للشباب ١٢- ١٨سنة ، باعتبارهم الأهم لتأسيس جيل عصري يؤمن بحب الحياة والتنمية والعدالة الاجتماعية.

وأضاف د. عبدالرحمن الهدلق أن أهم القنوات الفضائية المؤثرة هما ام بي سي فارسي والحرة فارسي ولكن الأكثر تأثيراً وصال حق ووصال فارسي (التوحيد) لدرجة أن كبار المراجع الإيرانية والعراقية تتحدث عن وصال وتحذر منها دوماً.

بينما قال أ. خالد الوابل: ليتنا نلتفت لأنفسنا في الداخل ولا نتورط بالشؤون الداخلية للدول؛ نحتاج إلى تعزيز اللحمة الوطنية في الداخل والاهتمام برفاهية المواطن ووعيه ومشاركته السياسية في تحديد مستقبل بلده وهذا بحد ذاته قادر على هزيمة كل عدو.

وذكرت د. الجازي الشبيكي أنها تشعر بأن اليهود والإيرانيين لديهم نفس طويل ورؤية بعيدة المدى لتخطيطاتهم يُكملها جيل بعد جيل ، نحن ليس لدينا هذا التوجه لا على مستوى الاصلاحيين ولا على مستوى المسؤولين ، كل همٍ معظمنا تحقيق نتائج آنية سريعة تُحسٓب لفترة نشاطه الإصلاحي أو منصبه الحكومي .

وأشارت أ. ليلى الشهراني إلى أن من يتأمل سياسة إيران في التعامل مع الخليج يجد أنها تعتمد على أساليب المكر ولديها نفس طويل في رسم الخطط وتجنيد الأتباع والجواسيس داخل الدول ، سفاراتها في الدول الخليجية تقوم بأدوار خفية لم تظهر بشكل واضح إلا بعد أحداث دوار اللؤلؤة ، وخلية العبدلي ، في الإمارات العربية وهي من ذاقت مر الاحتلال يعيش ما يقارب نصف مليون إيراني ، يعمل أغلبهم في التجارة والعقار ، وهو عدد كبير جدا قد يقلب أي معادلة في التركيبة الأمنية لأي دولة ، في الكويت وصل المتجنسون الإيرانيون لمناصب حكومية ولعل تلك الأسماء التي ضمتها قائمة العار في خلية حزب الله تفتح في الأذهان نافذة من الحذر والبصيرة بما يخطط له هؤلاء.

وأضافت أ. ليلى الشهراني أن اليهود سيطروا على العالم بسلاحين (الإعلام والتجارة) وما نخشاه أن إيران تفعل ذات الشيء بنا اليوم، فبالرغم من معاناتها الاقتصادية إلا أنها تدعم أتباعها ، فتجدهم يحرصون على شراء العقارات العادية بأغلى الأسعار ويسيطر بعضهم على تجارة الذهب والمجوهرات ، وقنواتها الإعلامية تجاوزت ٥٠ قناة تبشيرية هجومية والمضحك أنها تبث على أقمار عربية ، مسألة التعايش والسلام مع إيران هي حلول وقتية تعطيهم فرصة أكبر للتغلغل في البلدان ، ووقف هذا المد يكون بسلاح مثله ، القنوات الإعلامية يجب أن يقابلها إعلاما قويا يفند أكاذيبها ويحجمها ، التقرب من البلدان التي تواجه خطر التشيع حتى لا تمتد لها أيدي الأخطبوط الفارسي وتصبح بيده يوجهها متى ما أراد ، كما فعل مع حوثية اليمن وقبلهم مع جنوب لبنان وجنوب سوريا بعد أن تلاعب في التركيبة السكانية فيها ، وأهم من هذا كله وحدة خليجية عسكرية واقتصادية ، درع الجزيرة وعاصفة الحزم أظهرت كيف يكون في وحدة المواقف قوة.

وأشار د. حمد الماجد إلى مقاله في هذا الشأن بجريدة الشرق الأوسط العدد 12627 بعنوان: الحديد الإيراني يفله حديد مثله، ومن أبرز ما تضمنه المقال القول بأن: حديد الأيديولوجية الإيرانية حين اندلعت ثورة إيران، قابلته كتلة من القطن العربي الأيديولوجي الناعم، فكانت المعركة غير متكافئة، في الصراع الذي احتدم مع إيران بعيد اندلاع الثورة الإيرانية كان صدام حسين ببعثيته المتهالكة خصما أيديولوجيا غير كفؤ في معركته مع إيران، فعلى الجبهة الإيرانية كانت روح دينية متوقدة، وفي الجبهة العراقية ومع أن جيش صدام قد ساندته أميركا عسكريا واستخباراتيا، وفتح له عدد من الدول العربية خزائنها المالية وبلا سقف، فإن إيران تماسكت وتعافت، ثم انطلقت تواصل تنفيذ مخططاتها واستراتيجياتها في العالم السني. وفي لبنان تمدد الأخطبوط الأيديولوجي الإيراني ونهض بالجنوب الشيعي، وراحت إيران تحت سمع وبصر العالم السني تبني لبنة لبنة كيانا أيديولوجيا قويا ومتماسكا من الناحية الاقتصادية والعسكرية، فأسست مع حزب الله لا نقول ميليشيات عسكرية قوية، بل أعدت جيشا احترافيا مدربا، أصبح بعدده الذي يتجاوز السبعين ألفا، وبكل المقاييس، أقوى من الجيش اللبناني، بل يفوق عددا من جيوش الدول في المنطقة، وفي المقابل لم يكن للسنة في لبنان (بسبب هشاشة الباعث الأيديولوجي) في العالم السني من يهتم لميزان القوى في هذا البلد الذي اخترقه كل الدول والتوجهات، ورأينا شاهدا صارخا لهذا الإهمال للسنة في إيران حين اجتاحت ميليشيات حزب الله بسهولة بيروت الغربية ذات الكثافة السكانية السنية العالية، سهولة ذكرتنا باجتياح القوات النازية للنمسا بقيادة هتلر، فلا مقاومة تذكر ولا حتى ميليشيات تحميهم وهم الأكثر عددا.

وأضاف د. حمد الماجد: لنتكلم بكل شفافية وصراحة، إيران قادت وتقود العالم الشيعي بكل مهنية واحترافية، ورسمت لأيديولوجيتها استراتيجية ذات مسارين، أحدهما تسويقي والثاني عسكري، والمؤسف أن العالم العربي السني في المقابل كان ولا يزال يعيش صراعا متشنجا بين تياريه الإسلامي والليبرالي، مما جعل عددا من الحكومات العربية تتحسس من كل شيء له علاقة بالدين؛ خوفا من تقوية موقع الإسلاميين، مما أصاب الجبهة الأيديولوجية مع إيران بالهزال، ولو أن الحكومات العربية تصالحت مع مبادئ الشريعة في أنظمتها وقوانينها وتعليمها وإعلامها لحققت انتصارين، الأول على جبهة منافستها مع التيارات الإسلامية، والثاني على جبهة صراعها الخطير مع إيران الذي بلغ ذروته في سوريا.

على هامش الزيارة: الأمر الملكي بإلحاق الدارسين على حسابهم الخاص في أمريكا بالابتعاث الخارجي:

أشار د. زياد الدريس إلى جانب آخر للزيارة الملكية لأمريكا والمتمثل في أمر خادم الحرمين الملك سلمان بإلحاق الدارسين على حسابهم الخاص في أمريكا ببرنامج الابتعاث الخارجي، وتحمل الدولة نفقات العلاج للمواطنين الذين يعالجون حاليا بالولايات المتحدة. فوفقاً لما ذكرته صحيفة الرياض بتاريخ 21 ذي القعدة 1436هـ فإنه وحرصاً من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ على تلمس احتياجات أبنائه المواطنين والمواطنات , والاهتمام بقضاياهم أثناء زيارته الحالية للولايات المتحدة الأمريكية , فقد أمر ـ حفظه الله ـ بما يلي :-

  • إلحاق الطلبة والطالبات الدارسين حالياً على حسابهم الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية بالبعثة التعليمية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي , ممن استوفى شروط وضوابط إلحاق الطلاب الدارسين على حسابهم في الخارج.
  • تحمل الدولة اعتباراً من تاريخه نفقات علاج المواطنين والمواطنات الذين يعالجون حالياً من أمراض مستعصية ـ شفاهم الله ـ على نفقتهم الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

واتفق أعضاء منتدى أسبار على وجاهة القرار، وأشار  د. مساعد المحيا إلى أهمية أن تشمل كل الدارسين والمحتاجين من المرضى ..وعلى حد قوله: المشكلة حين يتم وضع تنظيمات القصد منها أن لا يشمل تطبيق ذلك إلا فئة قليلة.

ويرى أ. عبدالله الضويحي أن القرار أنقذ كثيرين وحفظ مستقبلهم بعد أن كانوا على جرف هار ودخلوا مرحلة اللاعودة لضيق الحيلة وصعوبة مواصلة المشوار.

وأوضح د. حسين الحكمي أن عبارة “ممن استوفوا شروط وضوابط الإلحاق ” تعني أنه لن يستفيد إلا من أنهوا دراسة اللغة + فصل دراسي. وذكر أ. عبدالله الضويحي أن المفروض أن يشمل السابقين والنظام الجديد يطبق على الجدد. وأيد أ. عبدالله آل حامد ذلك وتساءل: ما الفائدة من القرار، الاستثناء يجب أن يخضع النظام لا العكس. وتساءل د. زياد الدريس: من الذي يضع هذه الشروحات غير النبيلة في القرارات الملكية النبيلة ؟!

وأشار د. مساعد المحيا إلى أن الأمر السامي ٦٥٠١ كفل لكل دارس على حسابه الخاص أن يتم إلحاقه بالبعثة إذا استوفي الشروط وهذه الشروط هي: أن ينهي ٣٠ ساعة دراسية أكاديمية ، وألا يقل معدله التراكمي عن ٢:٥٠ من ٤ ، وأن تكون دراسته في أحد التخصصات التي حددتها وزارة التعليم ، ومن جامعة موصى بها للدراسة وبهذا ليس هنالك داعٍ لإطلاق مكرمة ملكية. وأضاف د. مساعد حين زار الأمير محمد بن نايف ومحمد بن سلمان صدر قرار بهذا الشكل ولم يتم ضم أحد غير مستوفي للشروط إلا باستثناء قرابة  ٥٠٠ طالب.. ويؤيد د. مساعد بعض الشروط العلمية التي تبرز مدى جدية الطالب مثل عدة ساعات في اللغة ولتكن فصل دراسي غير ذلك هو لا يحقق لطلابنا شيئا برأيه.

الزيارة الملكية:  توصيات مستقبلية

ذكر أ. مطشر المرشد مجموعة من التوصيات أو الأمنيات المستقبلية وتتضمن ما يلي:

  • التحضير المسبق: بمعني ضرورة أن يسبق كل زيارة للملك أو ولي العهد ، عملية تحضير للوفد المرافق واطلاعه على أهداف الزيارة وإعطاؤه briefing حول أبرز النقاط التي يجب التركيز عليها وتخص بلادنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وإبرازها للرأي العام العالمي.
  • إلزام كل وزير على تأهيل شخص أو اثنان من وزارته للمشاركة بحلقات نقاش panel discussion لطرح ما تم ذكره بالنقطة السابقة.
  • رغم أهمية وجود رحال الأعمال والشركات ، يجب عدم ربطها بشكل مباشر بأي زياره سيادية ( الملك وولي العهد ) ويمكن إجراء زيارات الوفود التجارية ورجال الأعمال تحت مظلة وزير التجارة / وزير المالية / هيئة الاستثمار دون ربطها بالحدث السيادي ، خاصة وأن ورجال الأعمال – مع الاحترام والتقدير لهم – في كثير من الأحيان أساءوا للعلاقات وأيضا تصدر من بعظهم تصرفات غير منضبطة تشوه الصورة ، وأيضا ليس لديهم أهداف وطنية تجمعهم باتجاه عام منسق ، كما هو حال رجال الأعمال الغربيين .

واتفق د. مساعد المحيا مع ما طرحه أ. مطشر المرشد، حيث يرى أنه من الواضح أننا لا نملك استراتيجية جديدة بشأن ما سيتم فعله مستقبلا بحيث يتم نقلها لكل المشاركين بوضوح ليكون الجميع مسهما في أدائها …ولعل ذلك يعد أحد أسباب ضعف أو سلبية مشاركة رجال الأعمال .. مع أن رجال الأعمال هم من تقوم عليهم زيارات رؤساء الدول اليوم ..مثلا حين زارنا الرئيس الفرنسي كان أغلب وفده من رجال الأعمال وهكذا ..ما يهم هو النتائج على الأرض والمؤسف أن نكون كما أشار أ مطشر نستنزف قدراتنا الاقتصادية ونتأخر تنمويا ونقدم مدخراتنا لتصبح سيفا مسلطا علينا بأيدي الآخرين.

  • الابتعاد عن مظاهر الإفراط في البذخ مثل عدد ونوع سيارات الموكب وأيضا أنواع الورود والمأكولات الخ .. وقد تكون نقطة البداية تقليص عدد المرافقين.

أيضا أضاف د. على الحكمي أننا نحتاج بصفة عامة لما يلي:

  • المزيد من العمل والأبحاث لمعرفة كيف يفكر العقل الأمريكي سياسياً واقتصادياً وعلمياً، حتى يكون خطابنا وحوارنا معه أكثر تأثيراً وإقناعاً، حيث في نظره أن الأمريكان شعب براغماتي، ويقدم المصلحة في جميع تعاملاته، ونحتاج أن نتعرف على الجوانب التي تؤثر فيه أكثر.
  • أن نطور مهارات الحوار والإلقاء لدى السعوديين المشاركين في مثل هذه الوفود من رجال ونساء أعمال وإعلام وغيرهم، وكذلك تدريب على “الإتيكيت” المناسب في الاجتماعات والحفلات، مشابه لما يحصل عليه الدبلوماسيين من برامج تدريبية في البرتوكول، حيث إن أي تصرفات لا تتسق مع الإتيكيت المناسب لكل مناسبة يؤثر على نظرة الآخرين لنا.

تعليق ختامي:

في مداخلة ختامية أوضح د. فهد الحارثي أن ما كتبه الزملاء بمنتدى أسبار لاسيما المشاركين ضمن الوفد حول الزيارة الملكية كشف عن زوايا مهمة في التحرك السعودي الجديد نحو الولايات المتحدة الأمريكية ، وما قد يظهر من بعض الخلاف في النظر إلى شؤون الزيارة وتجلياتها أمر طبيعي ومحفز على التأمل والتفكير. وإذا كان البعض يقول بأن لا تفاؤل أو تشاؤم في العلاقات الدولية فيمكنه القول من جهته بأن ليس هناك صواب أو خطأ في فهم بعض السلوكيات أو التصرفات السياسية بل هناك تحليل يقوم على معطى واحد ولكن مناهج التحليل المختلفة تظهره بوجوهه المتعددة. وبصفة إجمالية يرى د. فهد الحارثي أن هذه الزيارة تبدو بمذاق يختلف عن كل الزيارات الأخرى ولاسيما من حيث تركيزها ومن حيث الإعداد الجيد لها . كما أن توالي التعليقات على فعاليات الزيارة تجعله يؤكد ما سبق أن قال أيضا من أن التجهيز لهذه الزيارة بدأ من اجتماع كامب ديفيد وربما قبل ذلك قياسا على حجم النشاط وحجم النتائج . كما أن الزيارة تشكل منعطفا إيجابيا مهما في علاقة البلدين ، وأتفق د. فهد كذلك مع ما ذكره د. الحكمي من أن توطيد العلاقات مع الشركات ورجال الأعمال من شأنه أن يلعب دورا مهما في تطوير المواقف الأمريكية ذاتها.

المحور الخامس

قضية البدون

الرجوع للأعلي

المدخل العام:

قدم د. خالد الرديعان ورقة عمل حول البدون، واستهلها بأنه يلزم في البداية تعريف من هم “البدون” التي تعد قضيتهم إنسانية في المقام الأول وقانونية وأخلاقية وسكانية في المقام الثاني. فالبدون هم أفراد نزحوا إلى بلد ما كالسعودية والكويت بسبب ظروف سياسية أو أيكولوجية وأقاموا فيه وبعضهم ربما ولدوا فيه ولهم فيه امتدادات قرابية؛ لكنهم لا يحملون جنسيته وبالتالي تم حرمانهم من حقوق المواطنة وحقوق أخرى رغم أن بعضهم خدم البلد المضيف وربما عمل في قطاعات مهمة فيه وحساسة كالجيش والحرس الوطني وحماية منشآته كشركات النفط.

وأهم سبب لوجود البدون في المملكة تحديدا هو الامتدادات القبلية والعشائرية للقبائل العربية التي أسهم رسم حدود الدولة الوطنية أو القطرية في انقسامهم، إضافة إلى حراكهم المعتاد كقبائل رعوية تجري خلف الماء والكلأ حسب متطلبات حيواناتهم التي يعدونها رأس مالهم الحقيقي.. ومع تناقص أهمية الحيوان وتحديدا الجمل فقد وجدوا أنفسهم بعد مرور عدة عقود فئة هامشية ومحرومة من كثير من الحقوق. ويقطن البدون أحياء معينة في المدن التي يقيمون بها كحي النسيم في مدينة الرياض الذي يقطنه بعض أبناء القبائل، وحي البلوش قرب مستشفى العلي في الرياض.

  • لماذا لا يحملون الجنسية السعودية؟

كان هناك مرونة في منحهم الجنسية في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي لكن جزء كبير منهم لم يكن متحمسا للجنسية في حينه بسبب حراكهم المكاني وتنقلاتهم المستمرة حسب إفادة أحد شيوخ السبعة من قبيلة عنزة.

ومن الأسباب الأخرى هو وجود شكوك أنهم يحملون جنسيات دول أخرى وأنهم يحملون وثائق في ذلك لكنهم يخفونها طمعا في الحصول على الجنسية السعودية. ونشير بهذا الخصوص أن دولة الكويت التي تضم عدد كبير من فئة البدون قد عدلت أوضاع نحو ٤٦٠٠ شخص بعد أن كشفوا عن جوازاتهم السعودية ما يؤكد ما ذهبنا إليه أن بعضهم يخفي جنسيته ( وكالة كونا).

  • كم عدد البدون في المملكة؟

لسوء الحظ لا يتوفر إحصاءات رسمية وإن كانت الأمم المتحدة قدرتهم في العالم العربي بنحو ٧٠ الف نسمة لكن بعض الناشطين يؤكد أن الرقم أكبر من ذاك بكثير.

  • أين يتركز البدون؟

يتركز معظمهم في شمال المملكة في حفر الباطن وعرعر والجوف والقريات وتبوك، ونشير بهذا الخصوص أن معظم هؤلاء من قبائل عنزة وشمر وبنو خالد والأساعدة والظفير القبائل التي لها امتدادات في الكويت والعراق وسوريا. أما في الجنوب فيتركز البدون في جيزان ونجران والمناطق المحاذية لليمن.. كما تتركز الجالية البرماوية في مكة المكرمة وجده إضافة إلى الجاليات الأخرى التي سنشير لها بعد قليل.

  • ما الوثائق التي يحملها البدون للتعريف بهم؟

يحملون بطاقة تشبه بطاقة الإقامة ويتم تجديدها كل خمس سنوات.

  • تصنيف البدون:

– حسب بعض التصنيفات الشائعة فإن البدون ينقسمون إلى أربع فئات هي:

١- القبائل النازحة: وتشمل عنزه وشمر وبنو خالد والظفير والأساعدة (فرع من عتيبة).

٢- حلفاء القبائل النازحة المذكورة أعلاه.

٣- البدون الخلص وتشمل: البلوش، والبرماوية ، والأفارقة، والبخاريين، والأندونيسيين. وهؤلاء عادة ممن وفدوا للحج ومن ثم مكثوا ولم يغادروا إلى بلدانهم الأصلية وولد منهم أكثر من جيل بعضهم لا يعرف إلا السعودية ولم يغادرها مطلقا بل أن بعضهم لا يعرف إلا اللغة العربية.

٤- قبائل الجنوب المحاذية للحدود السعودية اليمنية: وهم بدو رحل منهم المصعبيين (مفردها مصعبي) وبعض العوالق وخليفة والكرب وهمام وبلحارث والبعض من قبائل قحطان وهمدان.

ويحمل البدون بطاقة تنقل وعمل تجدد كل خمس سنوات كما ذكرنا تخولهم بعض المميزات ومنها الحصول على بعض وليس كل الحقوق كحق العلاج في الحالات الطارئة في المستشفيات الحكومية حسب الأمر الملكي الصادر عام ١٤٣٤ وحق تشغيلهم في القطاع الخاص كجزء من سعودة المنشأة في نظام نطاقات، ( يعاملون هنا كوافد خاص) وتعليم أبنائهم في المدارس الحكومية العامة (إلى المرحلة الثانوية فقط).

عدا ذلك فإن البدون يتم حرمانهم من حقوق كثيرة كالتوظيف في الحكومة والعلاج عدا الحالات الطارئة كما ذكرنا، وحرمانهم من التنقل بالطائرات والتعليم العالي إلا في نطاق ضيق وعدم قدرتهم على شراء وامتلاك المساكن واستخراج السجلات التجارية. ويرد أدناه عرض شامل بما يتم حرمانهم منه:

١- عدم القدرة على تزويج أبناءهم وبناتهم بطرق قانونية ( يلجأ بعضهم لما يسمى “ملكة العرب” ) وهو زواج صحيح مكتمل الأركان لكنه غير موثق بصورة رسمية.

٢- تعاملهم المحاكم السعودية كأجانب.

٣- تخضع المساعدات المقدمة لهم من وزارة الشؤون إلى صلاحية الوزارة إذ لا يوجد نظام واضح فيما يخص استحقاق الضمان الاجتماعي مع استثناءات قليلة تتعلق بالمقعدين ومن تزوجن من سعوديين ولديهن أبناء منهم.

٤- عدم منحهم سجلات تجارية ومن ثم عدم قدرتهم على ممارسة التجارة بطرق مشروعة.

٥- لا تقبل الجامعات أبناءهم وبناتهم للدراسة.

٦- لا يمكنهم ركوب الطائرات والتنقل داخل المملكة أو خارجها لعدم حملهم جوازات سفر أو وثائق كافية. هناك حالة لطبيب بدون يقيم في حفر الباطن لم يستطع رؤية أمه المقيمة في الكويت منذ أربع سنوات حسب تحقيق صحيفة سبق الذي قامت به العام الماضي.

٧- لا يمكنهم فتح حسابات بنكية ومن ثم يتعاملون بالكاش فقط.

٨- لا يمكنهم امتلاك أو شراء مساكن أو عقارات ومن ثم يضطرون لتسجيل ممتلكاتهم بأسماء أقارب سعوديين أو أصدقاء مما يخلق لهم مشكلات وتعقيدات قانونية في حالة الوفاة والميراث الأمر الذي يعطل قضاياهم في المحاكم.

٩- يواجهون مشكلات في حالة الوفاة والدفن في المقابر.

١٠- وقد تكون أهم مشكلة تواجههم هي تكاثرهم بفعل الولادة وزيادة عددهم وتعقد مشكلات أبناءهم بمرور الوقت دون أن يكون هناك أفق لحل مشكلة البدون جذريا.

  • ماذا يفعل البدون:

– يمارس البدون اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير الرسمي ففي شمال المملكة يمارسون البيع بالتجول وبيع الأغنام والبسطات وبيع الحطب والخضار ويعملون سائقي شاحنات وكدادة مع صعوبات في المهنتين الأخيرتين بسبب عدم توفر رخص القيادة في الغالب.

  • بعض المشكلات:

يلجأ قلة منهم لأعمال غير مشروعة لتوفير لقمة العيش؛ كالسرقة وتجارة المخدرات والبغاء كما أشار إلى ذلك الأخصائي الاجتماعي عبدالعزيز الفايز في التحقيق الذي قامت به صحيفة سبق.

  • ما موقف منظمات حقوق الإنسان من قضية البدون؟

قامت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بجهود مكثفة لتسليط الضوء على قضية البدون ورفعت عدة تقارير عن أوضاعهم الإنسانية وضرورة اتخاذ قرار يعالج وضعهم الإنساني… وبهذا الخصوص صرح الدكتور مفلح القحطاني بتاريخ ١٤ فبراير ٢٠١٥ أن هناك بطء في الإجراءات وأن الاشكالات سوف تزداد مستقبلا مع زيادة أعداد البدون نتيجة المصاهرة والزيجات علما أن وزارة الداخلية وجهت بمعالجة حالات البدون دون إبطاء.

– وقد طرح الدكتور مفلح القحطاني مقترح يقضي بعدم معالجة حالات البدون بصورة فردية كما هو معمول به بل يتم بشكل جماعي بحيث يقوم مشايخ القبائل بالتعريف بمن ينتمون لهم ومن ثم معالجة أوضاعهم لمنحهم الجنسية السعودية.

– وأشار القحطاني إلى أن أهم العقبات التي تواجه البدون هي تقدم بعضهم في السن دون حل مشكلاتهم ومنعهم من التعليم والزواج والدفن في المقابر وحرمانهم من توثيق عقود زواجهم ووجود أولاد من دون أوراق ثبوتية.. ويخشى القحطاني من استغلالهم في أنشطة إجرامية بسبب تراكم هذه المشكلات الأمر الذي يحتم حسم ملف البدون سريعا..

وذكر د. خالد الرديعان في الختام أن مشكلة البدون تظل مشكلة ملحة لأنها إنسانية، ولأن استمرارها يسيء إلى سجل المملكة في حقوق الإنسان عالميا في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى تقديم صورة إيجابية في التعامل مع الأقليات وحقوق الإنسان والمواطنة ولا سيما أنها مستهدفة من عدة أطراف، علما أن عدد البدون ليس بالملايين التي تخل بتركيبتها السكانية فيما لو منحتهم الجنسية السعودية.

البدون: تعقيبات ومناقشات تحليلية حول الأسباب والأبعاد المتضمنة

عقب د.م. نصر الصحاف على ورقة د. خالد الرديعان حول البدون، بأن قضية البدون لا تزال دون تغيير منذ السبعينات من القرن المنصرم ولن تنتهي ما دام الموضوع ينظر إليه من زاوية واحدة تتم معالجتها على أساس فردي!! الحسم في حل مشكلة البدون جذرية ومطلب إنساني ولكنه في ظل الظروف التي تمر بها المملكة فإنها تأخذ طابعاً أمنياً مهماً أيضا لاحتواء من قد يغرر به للمشاريع الإرهابية ضد المجتمع من منطلق نبذ المجتمع له في الأساس!

الحل ليس بالبسيط وخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار كل المسارات التي عرضها د. الرديعان في طرحه ، ولكن ما من مشكلة تستعصي أو بدون حل إلا إذا لم يكن هنالك نية لحلها في الأصل! ولكن كيف يمكن ذلك وهي قضية تمس المجتمع من جميع نواحيه؟؟ في مقابلة شخصية مع مسؤول كبير سابق وفي سياق دفاعه عن عدم تجنيس البدون ما عدا من يحصل على ميزة التعريف من قبل مشايخ القبائل أفاد أنه لم تكن المشكلة بهذا الحجم ولا يمكن سعودة من هم في عداد المتخلفين بعد أدائهم للعمرة أو لفريضة الحج حتى لو مضت فترة طويلة أو كونوا أسر لأكثر من جيل!!  كذلك لنأخذ معطيات الوضع كما في طرح الدكتور الرديعان كفرضيات حقيقية سواء سلبية (تجارة الظل والممنوعات والسرقات) أو إيجابية (الموظف في قطاع الخدمية أو الحرفيين). الكل (بما فيهم كبار المسؤولين في وزارة الداخلية ) يعترف بأهمية إيجاد الحلول الجذرية لهذه المشكلة الاجتماعية ولكن ما هي هذه الحلول الجذرية؟ هل هي التصريحات المعتادة بين كل فينة وأخرى بأن الحل قريباً ؟؟ وتمضي الأيام والسنين وتتفاقم المشكلة ليعود مسؤول آخر بترديد نفس الوعود وبطريقة تخديرية مماثلة وهكذا.

ويعتقد د.م. نصر الصحاف أن مشكلة البدون تزداد يوماً بعد يوم أيضا بسبب الطريقة غير العملية في التعامل مع طبيعة القضية. وذلك بمعالجة القضية بصورة فردية كما هو معمول به بل أن يتم بشكل جماعي كما اقترح المختصون (د. القحطاني)! عندما يستعصي الحل في قضية من هذا النوع يستوجب النظر في طرق أخرى أكثر مرونة لإيجاد حل مرضي من خلال Blanket Solution كيف؟؟ بأن (يقوم مشايخ القبائل بالتعريف بمن ينتمون لهم ومن ثم معالجة أوضاعهم لمنحهم الجنسية السعودية) وكذلك بتحديد متطلبات دنيا لمنح الجنسية لمن لا ينطبق عليهم التعريف: منها على سبيل المثال وليس الحصر: سعوديو المولد، السن، المدة الزمنية التي قضاها في المملكة وبشكل متواصل، تزكية العمدة أو أي شخصية معتبرة بالاستقامة، استفادة المجتمع منه لمهنة ما أو حرفية معينة، مع مراعاة من يكوّنوا الجيل الثاني من البدون. كما أنه لا توجد إحصائيات أو أرقام حقيقية لحجم المشكلة في المملكة لأنه وببساطة نفتقر في المملكة والمنطقة بشكل عام إلي الإحصائيات بأنواعها والأرقام المتداولة لهذه القضية لا تعدو التخمين كأربعين إلى سبعين ألف وبعض التقديرات تشير إلى أكثر من ذلك بكثير! ولكن في عتمة الوضع الراهن وللرغبة الجادة في إيجاد الحل الجذري أقترح أن أرفع الرقم إلى الأعلى والأعلى بكثير وبذلك تكون المحاولة جدية وليس بها أي مخاطر بعد أن يتضح أن الرقم “أعلى بكثير” فتجفل الجهة المسؤولة عن تطبيقه. فلنفترض أن الرقم هو خمسمائة ألف بدون! لا يمكن أن يكون أكثر؟ أما فوائد التسريع بحل المشكلة جذرياً فهي كثيرة ومنها إيجاد فرص عمل للبدون باستبدال عدد كبير من العمالة الوافدة وإحلال المجنسون الجدد لشغل الوظائف الدونية وبذلك يكون لهذا الإجراء بعداً اقتصاديا في تقليص تحويلات العملة الصعبة إلى الخارج. كذلك فإن أحد أهم مسببات المشكلة وتفاقمها هو موسم العمرة المفتوح مما يوجب مراجعة معمقة لسياسة الباب المفتوح للعمرة طوال العام لأي جنسية بعينها على حساب غيرها.

وأشار م. سالم المري في تعقيبه على ورقة د. خالد الرديعان حول البدون بأنه يرى بداية أن كلمة البدون غير مناسبة لوصف حالة هؤلاء الإخوة ومن الأفضل استبدالها بكلمة أخرى تحفظ كرامتهم مثل “الأشخاص الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية” وكما ذكر الدكتور خالد يمكن تقسيمهم في المملكة إلى فئتين الفئة الأولى عرب نازحون من أبناء قبائل الجزيرة العربية ذات الامتدادات داخل وخارج حدود المملكة والفئة الثانية من أبناء الجاليات الإسلامية المختلفة وصلوا للمملكة للحج أو العمرة ولم يعودوا لبلدانهم الأصلية ويمكن تقسيم العرب إلى مجموعتين مجموعة في شمال المملكة وأغلبيتهم أبناء قبائل عربية لها جذور في شمال ووسط الجزيرة العربية مثل عنزة وشمر وبني خالد والظفير و عتيبة وغيرهم ومجموعة ثانية تنتمي في غالبها إلى بعض قبائل جنوب الجزيرة العربية من البدو الرحل النازحين من اليمن أما الفئة الثانية من الأشخاص الذين لا يحملون أوراق ثبوتية في المملكة فهم من أبناء الجاليات الإسلامية المختلفة مثل البلوش و البرماوية و الأفارقة والبخاريون والإندونيسيون وغالبيتهم في المنطقة الغربية. ومع الوقت تزداد أعداد الأشخاص الذين لا يحملون أوراق ثبوتية مع استمرار حرمانهم من الخدمات والحقوق مما يجعلهم فريسة للجريمة، والسرقات، وبيع المخدرات والدعارة والإرهاب”.

ويعتقد د. عبدالله الحمود فيما يخص قضية البدون أن الوطن، أي وطن، يفتح في نسقه (البدونات الأربعة):

بدون وطن = بدون انتماء

بدون هوية = بدون مسؤولية

بدون حقوق = بدون واجبات

بدون عقد اجتماعي = بدون التزام أخلاقي

وطرح أ. علي بن علي وجهة نظره حول قضية البدون بشكل محدد تضمن الإشارة إلى ما يلي:

أولا: ابتداءً ملاحظات منهجية:

هناك بعض الملاحظات المنهجية فيما تضمنته الورقة حول البدون من أبرزها ما يلي:

  • طرح قضية البدون في الكويت والسعودية على أنها قضية واحدة، وفي الحقيقة هناك تباين تام بين قضية البدون في الكويت، وقضية المقيمين من القبائل النازحة أو الجاليات في السعودية، ودمج القضيتين مع بعضهما فيه خلط غريب، لعدة أسباب: لعل من أهمها أن نشأة قضية البدون في الكويت كان مرتبطا في الأساس بالإحصاءات السكانية، أما في السعودية فهو مرتبط بعوامل متعددة تعود بشكل شبه تام إلى الأشخاص أنفسهم في ظل مرحلة سادها العزوف عن الحصول على الجنسية التي كانت الدولة السعودية تشجع عليها فيما عرف (بالتابعية) أو (حفائظ النفوس).
  • تعميم كلمة البدون على وضع بعض غير الحاصلين على الجنسية في السعودية فيه خلط للأوراق، لأن القضية في السعودية لا يوجد لها خصوصية خاصة بل هي ترتبط في معظمها بعدم توافر شروط الحصول على الجنسية وهناك أمثلة كثيرة لها في عديد من دول العالم مثل (مصر ، الجزائر، موريتانيا، المغرب) وبأعداد أكبر بكثير من الأعداد الموجودة في المملكة العربية السعودية.
  • تم تقديم القضية في المملكة العربية السعودية على أنها بلا حل، وهذا إسقاط في غير محله حيث إن هناك العديد من اللجان المشكلة خصيصا خلال العقود الثلاثة الماضية وتم من خلالها منح الجنسية لعشرات الآلاف من الأشخاص والعائلات.

ثانيا: في مبدأ أعمال السيادة:

المفهوم من الورقة المطروحة أنها تهدف إلى جذب الانتباه إلى هذا الموضوع بأن يتم منح الجنسية السعودية لفئات من السكان بشكل جماعي، وهذا الأمر من الناحية القانونية يعد من أعمال السيادة، والمقصود بها الأعمال أو الأنشطة التي تمارسها الدولة بصفتها السياسية، مثل (إنشاء العلاقات الدبلوماسية، إعلان الحرب، تشكيل الحكومات وحلها) والمعيار في تحديد أعمال السيادة هو كونه ممارسة تصدر عن الدولة بوصفها سلطة سياسية، وحيث أن منح الجنسية بشكل جماعي هو إجراء يؤثر على هوية المجتمع وتركيبته السكانية ومكوناته الاجتماعية، فإنه يعد ممارسة سياسية أصيلة، وبالتالي فإنه في الأساس يخرج عن دائرة التقييم القانوني وعن رقابة القضاء.

ثالثا: الخلط بشأن المصدر القانوني للمشكلة:

هناك خلط بين مشكلة البدون في الكويت وبين مشكلة بعض المقيمين في المملكة العربية السعودية، ذلك أن نشأة المشكلة في الكويت جاءت نتيجة لقرار سياسي اتخذ شكلا قانونيا، وهو قصر الجنسية الكويتية على كل من تم حصره كمواطن كويتي في إحصاء 1965م وفروعهم، وبالتالي فإن كل من لا يعلو بالنسب إلى هذا الإحصاء لا يحصل على الجنسية ولو توافرت فيه جميع المعايير المتعارف عليها عالميا للحصول على الجنسية، وعلى العكس من ذلك، فإن نظام الجنسية السعودي الصادر عام 1975م كان يشجع على الحصول على الجنسية السعودية، ومن خلاله جرى تجنيس مئات الآلاف من الأشخاص والذين أصبح للكثير منهم شأن هام داخل المملكة، وينتمون إلى مختلف بلاد العالم الإسلامي، وبالتالي فدمج المشكلتين في مشكلة واحدة فيها خلط تام للأوراق.

 رابعا: خلط المصادر الداخلية للمشكلة:

بخصوص وجود حالات لبعض المقيمين الذين يقيمون في المملكة بشكل نظامي، ولكن لا يحصلون على جواز سفر سعودي، ذلك أن مشكلة القبائل النازحة تختلف تماما عن الجاليات البرماوية وعن بعض تابعي القبائل اليمنية، فموضوع القبائل النازحة يعود في الأساس إلى الارتباطات العشائرية والقبلية والامتدادات الخاصة ببعض القبائل والمتعدية للحدود مثل شمر وعنزة ومطير والظفير، وهذه الحالات يتم حل الكثير منها تلقائيا عبر القواعد الخاصة باسترداد الجنسية لمن يثبت أنه سعودي الأصل وعاش أهله أو آباؤه أو أجداده في الخارج (العراق – سوريا – الأردن)، كما أنه يجري حلها بشكل متدرج عبر اللجنة المركزية لحفظ النفوس والتي حصل من خلالها عشرات الآلاف على الجنسية السعودية، وبالتالي لا علاقة له ولا شبه ولا تقاطع مع مشكلة البدون في الكويت. أما موضوع الجالية البرماوية فهو في الأساس مرتبط بقيام المملكة باستضافة اللاجئين من بورما (ميانمار حاليا) منذ أكثر من سبعة عقود عندما تعرضوا لعمليات اضطهاد شبيهة بما يتعرضون له حاليا، وبالتأكيد فإنه فيما يتعلق بمن وفدوا للحج وبقوا في المملكة، فلن يكون من الممكن منحهم الجنسية، وإلا تم تأسيس مبدأ قد يؤدي لبقاء جميع الحجاج في المملكة دون مغادرة.

وعلق د. فهد الحارثي من ناحية أنه وإذا ما أخذ بالمنهجية التي يقترحها أ. علي في الفصل بين الفئات التي وردت في المداخلة الرئيسة لد. الرديعان فإن مما لا ولن يفهمه هو أن هناك زملاء و أصدقاء لنا وأناس ما عرفناهم إلا ” سعوديين ” لنكتشف فجأة أنهم ليسوا كذلك ولاسيما بعد التشديد في موضوع سَعوَدَة الوظائف !!  لقد ولد آباؤهم وولدوا هم على هذه الأرض ، وهم تربوا بيننا ، وتعلموا في مؤسساتنا التربوية ، وحصلت معهم مصاهرات ، وبنيت معهم أسر بكاملها ، وهم لا يعرفون وطنا آخر لهم ، ثم لا يمنحون الجنسية !! هذا أمر لا نستطيع أن نفهمه ، ولا يظن د. فهد أنه موجود في أي بلد في الدنيا.

وذكرت د. عائشة حجازي أن ملف أو قضية البدون من الملفات الشائكة عند عدة دول خليجية ومنها المملكة وباعتقادها أن الانتماء لوطن ضرورة وحاجة ملحة من كافة الجوانب وخاصة النفسية فمن منا يستطيع أن يكون فوق أرض ويشعر بالاستقرار النفسي دون أن يكون لدية وثيقة تسهل عليه الحياة .جمعية حقوق الإنسان فتحت هذا الملف منذ فترة مع الداخلية وذكرت بإحصاءاتها فئات مختلفة ممن يطلق عليهم بدون.

وعلق أ. مطشر المرشد على ما تناوله أ. علي بن علي بالإشارة إلى الملاحظات التالية:

  • تم في المملكة إصدار أوامر ملكيه عدة لحل هذه القضية ، ٦٠٨/٣  عام ١٤٢٠  يقضي بمنح القبائل المذكورة الجنسية (أجريت تعديلات على توجيهات ملكيه وأبطل مفعوله).
  • للأسف من تم منحهم الجنسية بناء على الأمر السامي لا يزالون يعانون ونتوقع قريبا انفجار الوضع ليس من قبل البدون أو جملة البطاقات بل من قبل الذين تم تجنيسهم بسبب الاهانات والتعقيدات التي تُمارس بحقهم ( الوشم ) أثناء فصل أو إضافة أحد الأبناء بدفتر العائلة ، أيضا حرموا من الخدمة العسكرية رغم أن الكثير منهم آبائهم خدموا في الجيش والحرس الوطني والحرس الملكي منذ أيام الملك سعود.
  • بشكل عام فـقضية البدون بالكويت (أفراد وأسر من العراق وسوريا وباكستان وإيران) تختلف عن قضية القبائل النازحة ، لكن يجب أن لا نغفل أن طول مدة الإجراءات في المملكة أدى إلى ذهاب بعض أفراد أسر القبائل النازحة إلى الكويت للعمل ودخول العسكرية كبدون .. والآن بعد أربعين سنة نجد أن عشرات الأسر الأب والأم وعدد من الأشقاء في المملكة وأحد الأشقاء بدون في الكويت ، أيضا هناك آباء في الكويت بدون وأبنائهم وبناتهم في المملكة تم تجنيسهم … وأسر أخرى نصف أفرادها بدون في السعودية والنصف الآخر بدون في الكويت .. كيف سيتم لم شمل تلك الأسر ، وضع محزن ومخزي والسبب الرئيس هو بيروقراطية وطول مدة معالجة هذا الملف ٤٥ سنة.
  • ونقطه أخيره بالغة الأهمية …رغم اتفاقنا على عدم الخلط بين ملف البدون في الكويت وملف القبائل النازحة في المملكة ، إلا أن اللجنة المركزية التي أنيط بها حل هذا الملف أصبحت ومنذ خمس سنوات تقتفي أثر اللجنة المركزية بالكويت وتتخذ نفس الإجراءات … وقبل ٨ أشهر تم تقديم تقرير لسمو ولي العهد من أحد أفراد اللجنة المركزية السعودية بعد أن أمضى مدة انتداب بالكويت لمدة شهرين ، للأسف تضمن ذلك التقرير على معلومات مغلوطة وتهم مقتبسه من الملف والإجراءات في الكويت ، ولا تنطبق على الحالة في بلادنا .. كيف عرفنا محتوى التقرير المقدم ( هذا الشخص يتباهى في مجالس قبيلته بأنه وضع عراقيل وذكر بعضها ).

واتفق أ.د. عبدالرحمن العناد مع النقاط التي أثارها أ. علي بن علي، كونها مهمة للغاية وفيها تصحيح لبعض مفاهيمنا ومن ذلك مثلا أنه شخصياً كان من المطالبين بتجنيس الجالية البرماوية لكنه لفت انتباهه أن مثل هذا الإجراء قد يشرعن أسهل الطرق للحصول على الجنسية السعودية وقد يفتح بابا لمزيد من الحجاج المتخلفين بأمل الحصول على الجنسية.

ومن جانبه قال أ. عبدالله الضويحي تعليقا على ورقة ( البدون ): كنت أسمع عن (البدون) كغيري ولم أكن أتصور حجم المشكلة لا من الناحية السياسية أو الجغرافية لكن من الجانب الإنساني البحت. لا مكان يعالج فيه ..ولا منزل يأوي إليه ..ولا وظيفة حكومية تقبله ..ولا موضع يودع فيه ماله ..حتى بعد الوفاة لا يموت حرا كريما ولا يجد قبرا يدفن فيه .. باختصار .. يعيش على هامش المجتمع ونريده أن يكون عضوا فاعلا في المجتمع .. معادلة صعبة.

وأضاف أ. عبدالله الضويحي أن البدون كما تم الإشارة مشكلة عالمية .. وإن اختلف المسمى (تعددت الأسماء والبدون واحد) وقد استطاعت بعض الدول حل المشكلة والتعامل معها كأمر واقع لكننا في الخليج وتحديدا في الكويت والمملكة لا زلنا لا نعترف أو بالأحرى نرفض هذا الواقع الذي يزداد يوما بعد يوم دون حل يلوح في الأفق. وإذا كانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قدرت عددهم حول العالم بـ 10 ملايين فهذا يوحي بأن عددهم في منطقتنا يتجاوز 70 ألفا وهو الرقم الذي تشير إليه بعض التقديرات غير الموثقة. هذه النظرة لهم والوضع الذي هم عليه يؤدي إلى العديد من المشكلات لعل من أبرزها ثلاث:

  • الشعور بالنبذ من المجتمع مما يولد رد فعل عكسي قد يؤدي إلى النقمة على المجتمع كما أشار د. خالد في ورقته.
  • عدم وجود الأوراق الثبوتية يؤدي إلى اختلاط الأنساب والمواريث والأملاك وهذا يؤدي لمشاكل ثنائية أو فردية أو عائلية فيما بينهم.
  • زيادة التناسل فيما بينهم لزيادة أعدادهم بهدف مضاعفة المشكلة وصعوبة حلها وتتحول إلى قنبلة موقوته قابلة للانفجار في أي لحظة.

وذكرت أ. فايزة الحربي أنها تناقشت سابقا مع مسئول حول قضية البدون وأبدت رغبتها بطرحها إعلاميا لكنه أوضح أن أغلب البدون غير متعلمين ولهم مشاكل كثيرة قد تصل إلى جرائم عند البعض وضمهم كمواطنين يضر البلد ولا ينفعها وكثير منهم من اليمن وأفريقيا لا يعترفون ببلادهم ولا يرغبون بالعودة لها من شدة الفقر فتجدهم يلقون بأوراقهم الثبوتية بالبحر قبل وصولهم للشواطئ، ما جعلها تصرف النظر عن مناقشتها وطرحها رغم المآسي التي يعيشونها من حرمان من التعليم والزواج الرسمي وغيره من ضرورات الحياة.

أما أ. ليلى الشهراني فتعتقد أن هناك فرق بين مجهول الهوية ممن يكون بهوية وأوراق في بلده ثم يتخلى عنها ليحصل على الجنسية وبين قضية البدون وبعضهم من قبائل معروفة ولدوا وعاشوا على هذه الأرض ولا يعرفون غيرها ، وكيف يتعلم البدون وهو لا يحمل أوراقا ثبوتية ولا يستطيع أن يدخل المدارس ويمارس حياته بشكل طبيعي ، وكيف نحكم أنهم بيئة إجرام فقط ! وبخصوص كلام المسئول – الذي أشارت له أ. فايزة – هو كلام غير مسئول حقيقة ولا يقنع ، خلط قضية بأخرى أو أنه ليس لديه تصور عن قضية البدون.

وعلق م. حسام بحيري بقوله: بخصوص قضية البدون السؤال الذي أودّ طرحه هو ما هو موقف الدولة لكل شخص يحمل الجنسية السعودية هل التجنيس عبئ على الدولة لأن المواطن والمواطنة يكلفون الدولة مصاريف أم العكس المواطنين يشكلون مصدر دخل للدولة؟؟ هذا منظور مهم للتجنيس. أمريكا عندها مشكلة كبيرة في عدد المهاجرين الغير شرعيين وهناك آراء تقول أن تجنيسهم أو منحهم إقامة نظامية سيعود بدخل ضخم لخزينة الدولة لأنهم سيدفعون الضرائب ومتوسط قيمة الضرائب المتحصلة تعادل ١٠٪ من الدخل السنوي لكل مواطن أمريكي أو مقيم نظامي. ولمعرفة فائدة أو ضرر تجنيس أعداد كبيرة من البدون لابد أن نعرف الفوائد أو الأضرار الاقتصادية التي ستعود على البلاد وهذا سيحدد موقفنا بصورة أوضح. نحن نعيش اليوم في مجتمعات مدنية استهلاكية رأس مالية الاقتصاد هو العامل الأهم في اتخاذ القرارات ولامجال للعواطف. اعتقادي أنه طالما الشخص المطالب بالتجنيس إنسان متعلم منتج فلابد من تجنيسه لأنه في الأخير إنتاجه سيعود على خزينة الدولة بالخير. في الدول الحديثة المواطن الأفضل هو الذي يدر دخل لخزينتها وليس العكس.

وعقب د. خالد الرديعان على ما طرحه م. حسام بحيري بأن نظام المملكة كسائر دول الخليج العربية نظام الدولة الريعية التي تنفق على مواطنيها وبالتالي فإن المقارنة مع النظام الأمريكي لا تخدم قضية البدون في الجانب الذي تم الإشارة  له… البدون سيكونون عبء مالي مثل بقية المواطنين إن جاز قول ذلك.

وبدوره اتفق م. حسام بحيري مع د. خالد الرديعان في وجهة نظره حيث قال: فعلا المواطن الخليجي عامة يعتبر عالة على الدولة وأصبح مصدر هدر أكثر من أن يكون مصدر دخل وتجنيس البدون سيزيد العبء المالي عليهم. الدول الخليجية عندها الاستطاعة أن تستفيد اقتصاديا من مواطنيها ولكن لا تستطيع فعل ذلك لأن اليوم الذي سيفرض على المواطن الخليجي دفع ضرائب سيكون له حق المسائلة عن كيفية إنفاق وصرف هذه الأموال والدول الخليجية لن تسمح بذلك فالمشكلة ستكون سياسية أكثر من اقتصادية. وبرأي م. حسام فإن الزمن الذي تستطيع فيه الدول الخليجية الإنفاق من دخل البترول فقط بدون الاعتماد على دخل المواطن يتلاشى تدريجيا إذا كانت الميزانيات اليوم تأن تحت ضغط أسعار البترول فماذا سيفعلون بعد عشرين سنة عندما تكون المصاريف المطلوبة لتقديم نفس الخدمات الأساسية للمواطنين ستكون أكثر من الضعف؟؟ الوقت ليس بصالحنا طالما لم نحسن اقتصادنا ونمارس الشفافية المطلقة في صرف الأموال وهذا بدوره سيحل لنا مشاكل اجتماعية ومدنية كثيرة نعاني منها اليوم مرتبطة ارتباط وثيق بالوضع الاقتصادي للبلد. لو كانت لدينا هذه الشفافية لكنا نظرنا نظره مختلفة عن تجنيس البدون لأنهم يكونوا مصدر دخل مرتقب ومن مصلحة الدولة أن تمنحهم الجنسية لأن هناك فائدة اقتصادية في تجنيسهم أما في الوضع الحالي فالجواب سيكون We cant afford them للأسف.

وذكر أ. مطشر المرشد سرداً تاريخياً محدداً لبعض النقاط المهمة في هذا الإطار تضمنت ما يلي:

  • قبائل نجدية وتم إدخالها على هذا الأساس كقبائل عائدة وفق أمر الملك فيصل في عام 1394هـ إلى أمر سلاح الحدود.
  • تم إدخالهم كمجموعات عبر منافذ سلاح الحدود.
  • ما بين عام 1397هـ إلى عام 1402هـ تم عمل إحصاء لهم والبصمة الأمنية لكل أفراد القبائل من قبل لجان وزارة الداخلية.
  • أثناء عملية الإحصاء وبسبب تحديد مسافة التحرك 60 كيلو حول محافظة حفر الباطن عانى البعض ضيق في العيش مما أدى إلى اضطرار بعض الأسر لإرسال بعض أفرادها للكويت والبحرين طلباً للرزق.
  • في عام 1405هـ تم صرف أول بطاقة قبائل تنقل وعمل لمدة 5 سنوات وذلك بعد إحصائهم وأخذ بصماتهم واستكمال كافة الإجراءات الأمنية الخاصة بذلك.
  • وفي عام 1410هـ تم تشكيل لجنة أمنية مشتركة من وزارة الداخلية والإمارة والمباحث وتم تجديد بطاقة القبائل وإضافة كلمة (نازحة) وأخذ البصمات وتطبيق جميع الإجراءات الأمنية الخاصة بذلك بالإضافة إلى اتخاذ إجراء مستغرب وهو توقيع تعهد بأنهم دخلوا عبر منافذ الجوازات وليس منافذ الحدود على الرغم من أنهم لا يحملون جوازات بلدان أخرى.
  • وفي عام 1416هـ خلال التجديد الثاني لبطاقات القبائل تم تقديم كشوفات من قبل مشايخ القبائل ومعرفيها بأسماء الحلفاء الذين دخلوا مع تلك القبائل وتم ذكر كل حليف باسمه الكامل وتم التجديد للكل.
  • وفي تاريخ 1/12/1420هـ صدر الأمر السامي رقم 603/8 بمنح الجنسية السعودية لحاملي البطاقات كافة. ولكن استمر التجديد لخمس سنوات أخرى للمرة الثالثة. إلا أن اللجان خلال هذا التجديد أضافوا وحرموا فئات كثيرة من التجديد.
  • وفي عام 1425هـ استمر تجديد البطاقات للمرة الرابعة لخمس سنوات أخرى بخلاف الأمر السامي 1420هـ.
  • وفي عام 1429هـ تم إيقاف عمل لجان التجنيس حتى إشعار آخر.
  • وفي عام 1431هـ تم تجديد البطاقات للمرة الخامسة.
  • وفي عام 1435هـ تم نقل أعمال اللجنة المركزية الخاصة بالتجنيس إلى وكالة الأحوال المدنية.
  • وفي عام 1436هـ تم صدور أمر تجديد البطاقات المنتهية في عام 1435هـ فقط مع وضع شروط تعجيزية أهمها الطلب من المتقدمين للتجديد بتوقيع تعهد بإحضار جنسيات بلاد أخرى رغم أن أغلب حاملي البطاقات لم يتمكنوا من الخروج إلى خارج المملكة خلال الأربعون سنة الماضية.

وفيما يخص وصف الوضع الحالي أوضح أ. مطشر أن العوائل والأسر انقسمت إلى عدة شرائح وفئات فتجد في الأسرة الواحدة:

  • من حصل على الجنسية السعودية حسب الأمر السامي.
  • من يحمل بطاقات قبائل منتهية على فترات (1410 –1415 – 1420 – 1425 – 1430 – 1435 ).
  • لا يحملون أي إثبات لعدم إضافتهم مع آبائهم لانتهاء بطاقات الآباء. وكل من انتهت بطاقاتهم وممن لا يحملون أي إثبات لا يتمكنون من العيش الكريم فهم لا يحصلون على العلاج ولا التعليم ولا يستطيعون العمل وكذلك لا يستطيعون فتح حسابات بنكية، فهم يعانون في جميع أمورهم الحياتية.
  • للأسف حتى من تم تجنيسهم عام ١٤٢٥-١٤٣٦ مازالوا يعانون الأمرين بسبب الإجراءات التعسفية والغير منطقية في إضافة مولود أو فصل أحد الأبناء من دفتر الأسرة .. كذلك يتم حرمانهم من بعض التخصصات في الجامعات كالطب وأيضا لا تقبلهم العسكرية.. كل هذه الإجراءات لها واقع سلبي وتشق صف اللحمة الوطنية وتجعل أبناء تلك القبائل يشعرون وكأنهم مواطنين درجه ثالثة.

وعلق أ. مطشر المرشد بأنه يبدو أن هناك خلط حيث يجب تقسيم ملف البدون إلى الفئات التالية:

  • مجهولي الهوية.
  • يحملون جنسيات دول أخرى وتخلفوا أو تم استضافتهم كحال البرماويين.
  • بدو رحل وقبائل مرتبطة عرقيا وعقائديا بهذه البلاد وخدمت في العسكرية وفي عدة مجالات أخرى.

وفيما يخص الفئتين الأولى والثانية فقد تم تصحيح أوضاعها أما الفئة الثالثة فلا يزالون يعانون.

وتساءل أ.د. عبدالرحمن العناد بالنسبة للفئة الثالثة: متى جاءوا للمملكة وكيف؟ هل بالتهريب؟ … وأين كانوا وهل لم يكن لديهم جنسيات سابقة؟

وبدوره أوضح أ. مطشر المرشد أن أغلبهم قبائل رحل ( شمر وعنزه ) تنقلوا ما بين منطقة الحماد في المملكة وغرب العراق وشرق الأردن إلى سوريا ، وتجد بينهم أسر في تلك الأيام لها أبناء استوطنوا بسبب الوظائف في عرعر ، حائل والقصيم ، الدمام ، الخفجي … أما تاريخ عودته فيرجع إلى الستينيات الميلادية خلال بدايات حزب البعث واجهت تلك القبائل ضغوط ومضايقات في سوريا والعراق بسبب انتمائهم وجذورهم النجدية .. وأيضا بسبب الزيارات الدورية بينهم وبين الحكومة السعودية بإشراف الملك عبدالعزيز ( لهم عادات سنوية يتسلمونها من سفارات المملكة بغداد ودمشق وعمان )  وأيضا يأتيهم رجال الملك عبدالعزيز لجباية زكاة الأنعام … لذا حين تم استهداف تلك القبائل من قبل حزب البعث ، قام الملك فيصل بإرسال خطابات لسفراء المملكة في العراق وسوريا بتسهيل عودتهم ووجه سلاح الحدود منطقة الشمال بإدخالهم إلى داخل الأراضي السعودية … وبالفعل تم ذلك عام ١٣٩٤وطلب منهم البقاء في منطقه معينه وبحدود ٦٠x٦٠ كيلو متر مربع يسميها بعظهم  (كارنتينا الشمال)  السبب – إلى حين يتم إحصائهم وأخذ بصماتهم … وبالفعل تم ذلك ومنحوا تصريح ٦٠x٦٠ واستمر الحال لأكثر من ٧سنين ، خلالها تردت حالتهم المعيشية وانتشر الجوع والفقر مما اضطر الأسر لحث أحد الأبناء الذين تزيد أعمارهم عن ١٤ سنة بالتسلل إلى الكويت والبحرين لدخول العسكرية والحصول على دخل يرسله لأسرته في شمال المملكة.

وأشار أ. مطشر المرشد إلى اتفاقه حول عدم خلط ملف بدون الكويت وقضية القبائل النازحة في المملكة .. لكن للأسف اللجان المركزية في بلادنا تطبق إجراءات تعتمدها اللجان الأمنية في الكويت. وعليه ركز  أ. مطشر المرشد على طرح ملف القبائل النازحة. وعلى نحو محدد فإن أسباب تفاقم مأساة القبائل ( النازحة ) برأيه تكمن في:

  • طول الإجراءات ٤٥ سنه ولايزال.
  • طول مدة انتداب نفس الموظفين دون إجراء تنقلات مما خلق بيروقراطية.. ولتغطية التقصير تم دس معلومات غير دقيقه في الملف.
  • العنصرية القبلية لبعض موظفي وزارة الداخلية الذين تم اختيارهم كأعضاء لجان تجنيس القبائل في بدايات الأزمة ، تسببت بتعقيد هذا الملف وتم دس كثير من المعلومات الغير صحيحة … وبالنظر للمعاناة والمهانة طوال ال ٤٥ سنه الماضية ، لا نعتقد أن خيار بقائهم بيننا بمحض إرادتهم ، أو سببه حبهم في البقاء بيننا ، لكنهم لا يعرفون سوى هذه البلاد وليس لديهم جوازات أو أوراق ثبوتية دولة أخرى .. ومؤخراً وكالة الاحوال تضغط كما فعلت الكويت سابقا باتجاه إجبارهم على شراء جوازات دول أخرى ( بنجلاديش والسودان وفنزويلا وسوريا والأردن الخ )، لجنة الكويت تربطهم بوسطاء بيع وشراء جوازات دول أخرى وتدفع ٥ الاف دينار كويتي لمن يقبل شراء جواز دولة أخرى.

وأوضح أ. مطشر المرشد أنه تم تصحيح أوضاع ٤٠٠ الف برماوي وهم الآن يمارسون حياتهم اليومية كمقيمين بإقامات سارية المفعول ، يتوظفون وتصدر لهم شهادة ميلاد وشاهدة وفاة وإذن بالدفن ، عقد زواج موثق ، زيارة الطبيب الخ. وكذلك تم تصحيح أوضاع الإخوة اليمنيين من مجهولي الهوية والمتسللين وأصحاب السوابق ، وتم منحهم بطاقة إقامة زائر ، بنفس الحقوق والواجبات التي تم تطبيقها على البرماويين ..أما القبائل النازحة فقد انتهت بطاقاتهم منذ ١١ شهر ويعانون الأمرين .. لا تقبلهم الوظائف ولا المستوصفات ، لا شهادة ميلاد أو شهادة وفاة ولا إذن بالدفن ..وعليه يبقى السؤال : إذا كانت بلادنا لا ترغب بهم ولا تنوي تصحيح وضعهم ، لماذا تبقيهم على أراضيها وتجعلهم يتذوقون الأمرين ويعانون من الغبن ، رغم تواجدهم بمناطق حدودية ..الأشقاء في الأسرة الواحدة ، أصبحوا ، أحدهم متجنس والآخر بدون … بل هناك فئة أعمارهم ما بين ١٣ سنه – ٣٥ سنة لا يحملون أي أوراق ثبوتية ولم يتم أخذ بصمات لهم .. ممكن استغلالهم بسهولة.

وأضاف أ. مطشر المرشد إن معاناة البدون لا توصف وللأسف وضعهم بيننا أسوأ من بدون الكويت … معاملة الكويت للبدون رغم أنها سيئة إلا أنه تم توظيفهم لعشرات السنين في العسكرية والأمن ( الأمن القومي ) وطوال فترة خدمتهم يستطيعون الذهاب للجامعات والمدارس وزيارة الطبيب وشراء سيارة وتسجيلها باسمه ، وإصدار جواز سفر مؤقت…. لذلك وجدنا أن من بين أفراد القبائل النازحة الذين أحصيناهم ..٣١٦ ما بين طيب ومهندس وخريج بكالوريوس صيدلة وهندسة إلكترونيات ( ذكور فقط ) يقال أن هناك عدد مقارب من الإناث.

وأشار د. خالد الرديعان إلى أن قضية رسم الحدود السياسية بين الدول ربما تكون أحد أهم الأسباب التي خلقت مشكلة البدون.. ورغم أن هذا الاجراء ضروري لتعزيز سيادة كل دولة إلا أن أهم تداعياته السلبية أنه أسهم في تشطير القبائل العربية في شمال الجزيرة مثل شمر وعنزه والرولة وحتى بعض القبائل الصغيرة تعرضت لهذا التشظي.. فمشيخة شمر على سبيل المثال تقيم في الموصل مع نحو ٧٠٪ من شمر في عموم العراق و٣٠٪ من شمر يقيمون في السعودية حسب بعض التقديرات. أيضا الرولة جزء كبير منهم في دمشق وما حولها وفي منطقة الريشة تحديدا وفي الأردن وبعضهم في السعودية… يقيمون في المناطق من طريف إلى الجوف . والتشطير يطال أحيانا أبناء الاسرة الواحدة فتجد أحدهم يحمل الجنسية العراقية وأخوه يحمل الجنسية السعودية وهكذا… وأضاف د. خالد الرديعان: لا ننسى كذلك قضية التسلل من الحدود فقد كانت شبه مفتوحة في سنوات سابقة بسبب طولها وصعوبة السيطرة عليها.. وتعود سياسة توطين البدو في المملكة في جزء منها إلى أهداف سياسية كالرغبة في تثبيت الحدود.

وذكر د. فايز الشهري أن ما يزيد المشكلة تعقيداً أن قسما مهما من البدون لا يوجد لهم سجلات أو هوية في مؤسسات الدولة. وحين يموت أحد هؤلاء لا يعرفه أحد. وفي حالة ما بات يعرف بقضيّة “البدون” فلا يمكن أن يعرف المجتمع الخليجي الهدوء، ولا يمكن أن نتوقع استدامة السلام الاجتماعي وهذه الملفات تتطاير إثارة واستغلالًا بين الدول والمنظمات خاصة وأن بعض المصادر تقدر عدد “البدون” في دول الخليج بأرقام قد تزيد أو تنقص عن ثلاثمائة الف إنسان. لا يعقل أن يظل عشرات الآلاف من هؤلاء يمارسون حياتهم على هامش الأنظمة والمجتمعات، وفي ظلال الاستثناءات واللجان، وربما يقنع هذا الوضع نسبة معينة من شيوخ الجيل الأول من فئة “البدون” الذين عاشوا حياتهم في شظف العيش والترحال ويريدون قضاء بقيّة العمر في هدوء وسكينة، ولكن الأجيال الجديدة بينهم لا تملك صبر الشيوخ وأمامها شاشات الإنترنت والفضائيات وأيدٍ خفيّة تتراقص طربا مع كل صاحب قضيّة رفع صوته بحق أو بباطل.

أما اللواء د. سعد الشهراني فأشار إلى أن هناك دلالة غير جيدة لاسم (بدون) و هو أنهم بدون حقوق كاملة و من ما سمعه أن بعض- وليس كل – المعرفين و شيوخ القبائل يتحملون على الأقل جزءا من مسؤولية وضع القبائل النازحة شمالا و ربما جنوبا فقد أولتهم الدولة ومنحتهم الثقة في التعريف و بعضهم أخذها تجارة بالبشر وتجاوزوا التعريف ممن لم يدفع وممن تنطبق عليه الشروط وأعطاها لمن دفع وهو لا تنطبق عليه الشروط .. إن هذا أصبح مثل الفضيحة بل وخيانة الأمانة. وإلا فنحن نعرف أن كل قبيلة من القبائل العربية كلها بلا استثناء تعتبر وحدة سكانية بل عرقية واحدة و ما يصدق على فرد يصدق على الآخر ونعرف أيضا أن أفرادا كثيرين ربما لمكانتهم عند الدولة يتحركون بين مجموعة دول محيطة بالمملكة بل إن بعضهم مزدوج الجنسية و أكثر و بمعرفة الدولة في الوقت الذي لا يحصل عليها من يستحقها من هؤلاء البدون. هؤلاء ليسوا بدون بل معدومي الجنسية و هذا مخالف و غير جائز في نظر القانون الدولي. حتى الموقف الشعبي في بعض تجلياته موقف مناهض لهؤلاء بل عنصري أحيانا .

بينما يعتقد أ. خالد الحارثي أن قصر استخدام مصطلح البدون على القبائل النازحة شمالا وجنوبا أولى من ضم المتخلفين والمخالفين لأنظمة الإقامة والعمل للمصطلح ..  نظرا للفارق في الانتماء والأرض والأهلية وتقصير السلطات في القيام بالواجب الأساسي نحوهم كما لو رفضت أمريكا إعطاء جواز سفر لهندي أحمر .. كما رفضت إعطاء مكسيكي نازح أو كوبي. وذكر أ. خالد الحارثي أنه وأثناء عمله في القطاع الخاص كانت تواجهه مشكلات علاقات الموظفين التي أساسها تعدي المدراء والمشرفين الأجانب وبعض السعوديين على حقوق البدون ويعتبرون من المباحة أعراضهم وأموالهم وحقوقهم .. ونادرا ما يفهم المدراء معنى حقوقهم بالشكل الودي وبالتالي يتم اتخاذ قرارات ادارية تورث بعض الأحيان أحقادا ضد البدون وقد يستمر الوضع أشهرا قبل عودة الهدوء والسلام.

وأوضح د. زياد الدريس أنه في كل أو معظم بلدان العالم توجد فئة من السكان تقيم بدون جنسية ( بصورة غير نظامية ) ، يكثر هذا بالطبع في البلدان الجاذبة ويقل أو ينعدم في البلدان الطاردة. هذا الحال ينعكس على الوضع الاجتماعي والوظيفي والأمني . في فرنسا كمثال يتكاثر يوما بعد آخر المقيمون بصورة دائمة وغير نظامية من خلال نزوح الهاربين من بلدانهم الأفريقية، والآن من أوروبا الشرقية. لكن الفارق يكمن في أن الحكومة الفرنسية تجري تعديلات في قوانينها من حين لآخر لمواجهة هذه المشكلة أو تقليل أعراضها وأضرارها بسبب تعذر حلها بالكامل. المشكلة عندنا أن ديناميكية تعديل وتكييف القوانين لمواجهة مستجدات مشاكل الدولة الحديثة بطيئة . هذا بشأن العموم، أما بشأن أبناء القبائل المعروفة بسلالاتها في الجزيرة العربية فلا نستطيع فهم التأخر في منحهم الجنسية وهم من نبْت هذه الأرض المباركة !؟

ومن جانبه أوضح د. خالد بن دهيش أنه تمت معالجة وضع البرماويين بصفتهم لاجئين وافقت المملكة على استقبالهم في عهد الملك فيصل، وحل وضعهم وفق الاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة بالأمم المتحدة ، وهي تضمن تقديم كافة الخدمات التي تقدم لأبناء الوطن، وقد تم  فتح مدارس لأبنائهم بالأحياء التي يقيمون بها في مكة.

وذهب د. خالد الرديعان إلى أنه وبما أن عدد البدون كما أشار أ.مطشر بحدود ٦٥ الف فإن هذا الرقم ليس بالكبير ولا يخل بالتركيبة السكانية… هذا العدد لا شيء مقارنة ب ٩ مليون وافد يعملون في البلد… مفارقة غريبة !!!!

وتساءل د. منصور المطيري: لماذا تتلاعب اللجان في هذا الملف ؟ وهل هو تلاعب أم مجرد رأي أعوج و أهوج ؟ خصوصا تجاه البعض من البدون ..وجاء هذا التساؤل رداً على ما ذكره أ. مطشر أن التلاعب من قبل اللجان أدى إلى أنه و بدل ان يحصلوا على حق استرداد الجنسية ، تم منحهم التجنس بمادة حرمتهم من الخدمة العسكرية ووضعت الكثير من العراقية والشروط وهم حتى الآن يعانون منها.

وأضاف اللواء د. سعد الشهراني: إذا أخرجت اللجان و البيروقراطية من الصورة و وضعت القضية أمام القيادة في أطرها السياسية والأمنية والحقوقية الصحيحة فلا أعتقد أن القيادة ستتأخر في اتخاذ قرارات جريئة تعطي أصحاب الحقوق حقوقها و تحفظ للوطن أمنه واستقراره.

وبدوره اعتبر د. منصور المطيري أن من أغرب الأمور أن يعرض على البدون أن يحصلوا على جنسية أخرى كجنسية جزر القمر تمهيدا لحصولهم على جنسية البلد الذي ولدوا فيه … حصل هذا في الإمارات .. وأضاف د. منصور ما نصه: لا أستطيع فهم حرمان القبائل العائدة من الجنسية .. و لا أدري ما هي المخاوف وراء هذا التردد .. ربما كانت المخاوف الأمنية السياسية في السابق تدور حول خشية ولائهم لأحزاب البعث العربي في العراق و سوريا .. و مع أنها خشية لا مبرر لها ..لكن الآن ما هي المخاوف فكل البعث اختفى؟!!!..سمعت أن تنظيم الدولة يرحب بانضمامهم إلى دولة الخلافة .. و لا أدري عن صحة ذلك .

وعلق أ. مطشر المرشد على مجمل ما تقدم بقوله: في البدايات :- أخطاء أمنية ، توقع المسئولين الأمنيين أن إعطاء المسئولية لموظفين ينتمون للقبائل سواء من بقي من عنزه وشمر أو من القبائل الأخرى المجاورة لها ، لكي يتعرفون عليهم وعلى لهجاتهم ومنع تسلل أي شخص لا يستحق بينهم … الكارثة التي لم يتوقعها أحد هي أن العنصرية القبلية التي مارسها ولا يزال يمارسها أعضاء اللجان الأمنية أدت إلى تعقيد الملف … ومنذ ثلاثين سنة وهم يتلاعبون بتلك القبائل بحيث يستخدمون سياسة فرق تسد ، ويجعلون المتسلقين شيوخ ومعرفين وبعد سنتين يثيرونهم ضد بعض.. إلخ.

ويرى د. خالد بن دهيش أن أبناء القبائل العربية الذين عاشوا في المنطقة الحدودية بين السعودية والعراق والأردن والكويت أحق بالجنسية من غيرهم ، ولكن البيروقراطية والتخوف الأمني حرمهم منه طيلة السنوات الماضية ، ويذكر د. خالد بن دهيش أن الأساعدة الذين عاشوا بالمنطقة من قبيلة عتيبة بعد منح بعضهم الجنسية سحبت منهم لأسباب غير معروفة ، لعل الأحداث الحالية والعهد الجديد تعجل بحل وضعهم ، ومن عليه ملاحظات لا يمنحها حتى يضمن حسن سلوكه.

أما د. الجازي الشبيكي فتميل إلى تفسير مشكلة البدون بعيداً عن المخاوف الأمنية حيث ترى أن ملف البدون يدخل ضمن غيره من الملفات التي يلعب البطء البيروقراطي الإداري فيها دوراً كبيراً إلى جانب أنه لا يشكل قضية كبيرة أو احتياج ضروري لدى رؤساء اللجان أو المُكلفين بحل مشاكل البدون لأنهم بكل تأكيد ليسوا ( بدون ). وتعتقد د. الجازي أن قضية البدون أشبه بقضية قيادة المرأة للسيارة مع فرق أن الأخيرة لم تُشكًل لها لجان لدراستها (على حد علمها) ، عشرون عاما والملف لم يتحرك ولم يتقدم مع أن الحاجة تستدعيه والتناقض الذي نعيشه نحن وأبنائنا مع السائقين لا يمكن تحمله ولكن لا أحد من كبار المسؤولين يتحمس ! ولا يوجد أي مبرر إنساني وأخلاقي ووطني لعدم أخذ ملف البدون بالجدية المطلوبة ودراسته من جميع أبعاده واتخاذ الإجراءات اللازمة للانتهاء منه إيجاباً.

ولخص د. مساعد المحيا وجهة نظره في قضية البدون بقوله: لا أجد هنا سوى جانبين يثار حولهما بعض التساؤلات:

  • الجانب الأول: هو أن كثيرا من الآراء تناولت الجانب الإنساني في الموضوع لكن هذا البعد يبدو أنه يصطدم بالهاجس الأمني الذي يتعاظم  ويصعب التقليل من شأنه .. لست ممن يرى تهميش البعد الإنساني لكن الدولة يبدو تحتاج أن تطمئن أن هؤلاء لن يكونوا يوما خنجرا في خاصرتها … ما أشار إليه أ. مطشر بشأن فساد اللجان ومحاولتهم أن تسير الأمور كما يحبون وما أضيف من طروحات اطلعت عليه لكن نحن لا نملك الرأي الحقيقي الذي يدفع الدولة للتوقف في التجنيس …ما أخشاه أن هناك حقائق ومعلومات تشير إلى أن بعض هؤلاء ينتمون لجهات أخرى وبالتالي يمارسون أدوارا استخباراتية … هذا الأمر نحتاج أن نعرفه فعلا حتى لا تكون آراؤنا عاطفية من جهة وحتى نتمكن من طرح الحلول الأنجع والأنسب كي نتجنب أن تكبر كرة الثلج وحتى لا تتدحرج على بلادنا.
  • الجانب الثاني: هو البعد الأخلاقي وما يرتبط به من مخدرات وجرائم ، فالمعلومات تتحدث عن بيئة حاضنة لكل ذلك لاسيما مع ضعف  التعليم أو الأمية والجهل .. وهذا الأمر يجعلنا نتخوف أكثر أن هؤلاء وأبناؤهم سيصعب استصلاحهم مالم نسارع في وضع الحل .. لكن الحل ينبغي أن تقوده الحقيقة لا العاطفة.

مقترحات لمعالجة قضية البدون:

اقترح أ. مطشر المرشد الإجراءات التالية لحل مشكلة البدون:

  • اختيار دماء جديدة للعمل على هذا الملف ، سواء من جانب الجهات الرسمية وخاصة الجوازات والاحوال ، وأيضا من جانب القبائل نفسها … وذلك للتخلص من الفساد ومن بهم عنصرية من الموظفين ضد فئة معينة.
  • لمن تم تجنيسهم التوجيه بمعاملتهم معاملة السعوديين وقبول من يرغب منهم بالعسكرية ، أيضا يجب إيجاد حل لمسألة إجراءات فصل وإضافة الأبناء في دفتر العائلة ( الآن تستغرق عدة سنوات مما يضيع الكثير من الفرص عليهم ).
  • تمهيدا لبدء إجراءات لتجنيسهم يتم إصدار بطاقات مؤقتة لهم لتمكنهم من التنقل وزيارة الطبيب والعيش الكريم.
  • تجنيس من يستحق من حملة بطاقة القبائل النازحة / البطاقات المؤقتة بعد أخذ جميع الإجراءات الأمنية الخاصة بذلك من بصمة وغيرها.
  • أيضا فقد نبه أ. مطشر المرشد إلى أن نسبة كبيرة من المعلومات والتقارير التي اجتهد ووضعها كبار موظفي الأحوال ولجان تجنيس القبائل في ملف القبائل النازحة غير دقيقة ، وهناك تعمد بالمبالغة حول المخاطر الأمنية ( لتبرير التأخير ) وأيضا لكي يستمر الوضع معلق ويتسنى للفاسدين من الطرفين استغلال الضعفاء.. إذا كيف نبني قرارات على معلومات غير صحيحة ويتم تداولها منذ عقود ؟ ومن ثم فهناك ضرورة لأن يتولى جهاز المباحث كجزء من المنظومة مهمة التأكد من ذلك.

وعلق د. مساعد المحيا على النقطة الأخيرة تحديداً بقوله: في موضوع كهذا لا أظن المباحث غائبة بل أيقن أنها من أهم الإدارات التي تبنى على تقاريرها مواقف وقرارات تتعلق بالبدون. وبدوره أوضح أ. مطشر المرشد أنه لم يتم إدخال جهاز المباحث إلا مؤخراً ( قبل ٦ شهور ، بعد الشكاوي المتكررة بسبب فساد بعض الموظفين ).

ويكمن الحل برأي د.م. نصر الصحاف في تقسيم البدون على فئتين: الأولى الفئة ذات الامتداد القبلي من البدو الرحل أو من لهم معرفين والذين بدأت مشكلتهم عند ترسيم الحدود الشمالية للمملكة في السبعينيات الميلادية وكذلك المتزوجون من سعوديين والمولودون في المملكة، والثانية تضم كل ما عدا ذلك. كذلك فإن من أبعاد الحل الوعي بخطورة الوضع إذا ترك كما هو عليه والرغبة الصادقة بالعمل الجاد والتوجه الصحيح وتبدأ باتخاذ قرار جريء وغير مسبوق:

  • بتحديد مدة زمنية مناسبة لمنح الجنسية.
  • بحصر أعداد البدون من كل الفئات المذكورة.
  • منح الجنسية للفئة الأولى بعد التحقق من وضعهم فورا وبدون قيد أو شرط.
  • منح الجنسية للفئة الثانية لمن تتوافر لديهم المبررات المعقولة على ضوء ما يمكن أن يقدمه كفائدة مضافة للمجتمع.
  • مراجعة قوانين الجنسية السعودية بما يتناسب مع الظرف الوطني بحيث لا يكون النظام المعمول به محفزاً للمشكلة مستقبلاً.

أما م. سالم المري فيرى أن من الضروري احتواء البدون في المجتمع، والاستفادة منهم خاصة إن المملكة تستقدم الملايين من العمال الأجانب سنويا ولأن المشكلة تزداد تعقيدا كلما تأخر الحل وتزداد مع الوقت المعاناة الإنسانية ويصعب إثبات أنساب أبنائهم ولذلك أقترح التالي:

  • تعلن الدولة تكفلها كلفة السفر لمن يوافق على العودة إلى بلاده الأصلية مع مساعدة مالية عن الفترة التي قضاها في المملكة تساعده على بدأ حياة جديدة في بلده.
  • منح الجنسية السعودية لكل من خدم في العسكرية السعودية (الجيش أو الحرس أو الداخلية) خمس سنوات مباشرة أو عشر سنوات بطريقة غير مباشرة.
  • منح الجنسية لكل من تزوجت بسعودي وأنجبت منه.
  • منح جميع من ولد منهم في السعودية الجنسية.
  • قرار إنساني عاجل بمنح من ليس لديه بطاقة (تعريف) وتجديد البطاقات الموجودة لمدة خمس سنوات على أن يتم حل المشكلة في هذه الفترة.
  • تطوير صلاحيات بطاقات التعريف بحيث تمكنهم من ممارسة حياتهم بطرق عادية ويتلقون بها الخدمات الأساسية التي يتلقاها المواطنون في تعليم أبنائهم والعلاج والعمل والتنقل الداخلي والتملك وفتح حساب بنكي والدفن في المقابر وإلغاء تقييدهم بمسمى “أجنبي” مع بقائهم بصفة ((شخص لا يملك أوراق ثبوتية)).
  • إعادة موضوع من يدعي انتمائه لأي من قبائل المملكة إلى شيوخ القبائل التي يدعون أنهم ينتمون إليها في المملكة وإنهاء معاملاتهم بشكل جماعي وليس بشكل فردي للتعجيل بالموضوع.
  • يحصل كل من لديه أبناء ينطبق عليهم البند (4) على إقامة دائمة في المملكة.
  • يتم تجديد البطاقات لخمس سنوات أخرى لمن يتبقى وإعطاء إقامة دائمة لمن يحصل على وظيفة دائمة أو عمل حر يكفل إعاشته.
  • يتم تجديد بطاقات من يتبقى لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد ويضاف من لم يستطع العمل إلى نظام الضمان الاجتماعي.
  • المراجعة المستمرة لإجراءات ضبط المتخلفين من الحج والعمرة وتطويرها.

واتفق م. سالم المري مع الآراء المطالبة بضرورة إنهاء ملف الاشخاص الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية وغلقه بأسرع وقت ممكن، ففي رأيه أن فئة العرب من القبائل النازحة ممكن البت في معظم حالاتهم بسهولة من أي لجنة مكونة من رتب عليا يرأسها مسؤول عنده صلاحيات البت في الموضوع. وبالنسبة للبرماويين هم فئتين فئه صدر لهم قرارات رسمية باستضافتهم وهؤلاء أمرهم سهل إلى حد ما. أما فيما يخص المتخلفين عن الحج والعمرة من الجنسيات الإسلامية فهو تقصير من وزارة الداخلية ومن المفترض أن تسرع في حل المشكلة القائمة وتمنع تكرارها.

وعلق د.م. نصر الصحاف على هذه النقطة الأخيرة التي أشار إليها م. سالم المري بقوله: لهذا السبب اقترحت تجنيس كل الفئات وإغلاق الملف وبشرط أن تقفل كل الأبواب المسببة للمشكلة في الأساس وبهذا يكون العبء الأكبر على وزارة الداخلية لعدم تكرار المشكلة مستقبلاً فالضريبة كبيرة وعادة لا تولد الحلول الناجعة إلا من رحم الكلفة الباهظة الثمن وهي تجنيس البدون كافة بعد حصرهم ودمجهم في المجتمع.

ومن جانبه يرى د. فهد الحارثي أننا بالفعل أمام مشكلة إنسانية ووطنية وأمنية تحتاج إلى تصرف سريع وفعال ، والتلكؤ أو التباطؤ في معالجتها سيفاقم تحدياتها وتهديداتها كما أن الحوار حولها سيكون نشطاً وحيويا . وفي تصور د. فهد فإنه توجد لدينا ثلاثة أنواع من مشكلة البدون :

  • الأول : من ينتسبون إلى قبائل السعودية أو الجزيرة العربية.
  • الثاني : بعض أبناء الجاليات العربية الذين وفدوا إلى بلادنا بموافقتنا فاحتضناهم ، وعاشوا معنا أباً عن جد وساهموا معنا في البناء  وأصبحوا جزءً منا.
  • الثالث : متخلّفو الحج والعمرة أو الذين دخلوا إلى البلاد وبقوا فيها بطريقة غير مشروعة.

وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة ينبغي التعامل معه بما يستحق. وبالنسبة له لا يرى مانعا أبدا من منح الجنسية للنوعين الأولين وبلا تردد. أما النوع الثالث فإن د. فهد يميل إلى رأي أ. على ، أو على الأقل مع إظهار بعض التشدد فيه ليردع من يفكر في البقاء بعد أداء مهمته. وربما يكون مناسباً كذلك برأي د. فهد إعادة النظر في شروط منح الجنسية بالكامل.

في حين تعتقد د. عائشة حجازي أن ما تمر به المنطقة من تحولات وتغيرات سياسية واقتصادية مهددة أصبحت الحاجة ملحة لإغلاق ملفات عديدة من ضمنها البدون وتصحيح جميع أوضاعهم ففعلا هي قنبلة موقوتة لابد أن تحل ويتدارك المسؤولين الوضع قبل انفجاره.. شيوخ القبائل وكل من بيده أن يكون عون لابد من توعيتهم وتعديل ثقافة البدون  بداية بتغيير هذا المصطلح الغير مناسب وانتهاء بتعديل جميع أوضاعهم …إن الحياة بدون شعور بالأمن النفسي والانتماء للأرض كارثة إنسانية .

ومن وجهة نظر أ. عبدالله الضويحي فإننا تأخرنا كثيرا في حل المشكلة وكلما تأخرنا أكثر كلما ازدادت تعقيدا. وإذا كنا أخطأنا في عدم حلها جذريا بقرارات ملزمة في السبعينيات فإننا نخطئ الآن أكثر في تأخير الحل وإذا كان المسؤول (يراه قريبا ) فإننا وهم ( نراه بعيدا ) على ضوء ما يجري. ويجب أن يأخذ الحل مسارين متوازيين:

  • الأول: آني وعاجل: بإعطائهم بعض الحقوق التي تضمن كرامتهم وإنسانيتهم كالعلاج والدراسة الجامعية وفتح الحسابات والوظيفة  والزواج الموثق والدفن .. إلخ.
  • الثاني: إحالة ملفهم إلى فريق عمل من الجهات ذات الاختصاص ويضاف لهم اختصاصيين اجتماعيين ومن يمكن الاستفادة منهم على أن  يرفع رؤيته للحل في موعد لا يزيد عن سنه إلى وزير الداخلية ومن ثم إلى المقام السامي للبت فيه. وبالنسبة إلى المشايخ والمعرفون والعمد؛ فمع الاحترام والتقدير لبعضهم إلا أن العلاقات والمصالح الشخصية تؤثر في البعض الآخر فتعطى حقوق لمن لا يستحقها ويحرم منها مستحقوها .. وقد لاحظنا بعض شيوخ القبائل يمنح صك القبيلة لآخرين بناء على مصالح خاصة أو مصالح القبيلة.

وأضاف د.م. نصر الصحاف أن الحل لا يكون بعدم تجنيس هؤلاء الذين أمضوا طوال حياتهم بمعاناة لوضعهم المأساوي ولكن بمنحهم الجنسية من منطلق إنساني ومعالجة الأمر مستقبلاً للحؤول دون تكراره .

وبدوره أوضح أ.د. عبدالرحمن العناد أنه مع تجنيس القدماء منهم، والذين لجأوا للمملكة منذ سبعة عقود، لكنه ليس مع تجنيس كل من تخلف من الحجاج … من أفارقة وآسيويين وغيرهم.

واتفق د.م. نصر الصحاف مع ما ذكره أ.د. عبدالرحمن العناد مع التوضيح بأن هناك جيل كامل من المتخلفين ولا تُعرف أعدادهم ويشكلون عبء على المجتمع ككل من كل النواحي بما فيها الأمنية و تصحح أوضاعهم بمقياس مدروس كالاستفادة الكامنة منه كعضو بناء في المجتمع بمنحهم الجنسية …هذا بالنسبة للمتخلفين من عشرين سنة وأكثر على سبيل المثال أما الفئات الأولى والثانية حسب تقسيم د فهد فيجب الإسراع في تجنيسهم في مدة محددة لا تزيد عن سنة واحدة …وإعادة النظر في مسببات المشكلة ودراستها بعمق من قبل فريق عمل مسؤول ومثقف بكل أبعاد القضية للخروج بنتائج قابلة للتطبيق وليست خاضعة للأهواء أو العنصرية المقيتة.

أما وجهة نظر د. فايز الشهري بخصوص قضية البدون فتنطوي على أبعاد ثلاثة محددة:

  • الأول: البعد الإنساني:

وهذا يحتاج إلى أن نتجاوز معه تصنيف الناس إلى سد حاجتهم واستيعابهم وفق تنظيم يكفل الحد المعقول من عدم التأثير الديموغرافي أو العرقي تحديدا.

  • الثاني: البعد الأمني:

وهو وضوح الخشية من إضافة عناصر قد لا تكون مؤهلة للمواطنة من حيث التعليم والسجل الجنائي أو حتى تزوير الهوية الأصلية. وهذا يحتاج إلى وضع معايير محددة تخفف من هذا الهاجس ولا تحرم المستحقين أو المحتاجين للتوطين.

  • الثالث: البعد القانوني الحقوقي:

وهنا لابد من بحث وحسم مسألة  تحديد الوضع القانوني (الوطني والدولي) لمن يسكن على أرض الوطن وإعطاءه الصفة التي تكفل حقوقه وأيضا تضمن وضعه القانوني لما يمكن أن يترتب على نشاطاته من حقوق وواجبات. ولا ننسى أن مشكلة البدون في دول الخليج عموما من المشكلات الكامنة التي قد تثور في أي وقت وتكون لها استحقاقاتها السياسية والأمنية التي قد تتجاوز حدود السيطرة.

وأكد اللواء د. سعد الشهراني على أن الجانب  الحقوقي (حقوق الإنسان عبر السياسية ) مهم جدا و لا يجب أن ينتقص  مهما كان القرار السيادي و مهما تأخر من حيث منح الجنسية من عدمه. وأضاف كذلك تعليقاً على ما طرحه أ. مطشر أننا نريد بقاء من يستحق منهم ونريدهم أن يحبوا البقاء بيننا و أن يكون هذا البقاء سببه حبهم لهذه البلاد لكن السؤال هو: هل الحقوق تأتي أولا أم الحب يجب أن يسبق منح الحقوق، وبدوره أجاب بأنه يميل إلى أن منح الحقوق هو ما يجلب و يغرس حب الوطن و الانتقاص من الحقوق يجلب العكس. كما علق اللواء د. سعد الشهراني على القول (إذا بلادنا لا ترغب بهم و لا تنوي تصحيح أوضاعهم لماذا تبقيهم على أراضيها) حيث يرى أن مثل هذا المنطق يساعد في الحل ثم إذا كانوا لا يعرفون غير هذه البلاد إلى أين يمكن للمملكة أن ترحلهم!

المحور السادس

الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة الإشكالات والحلول

الرجوع للأعلي

المدخل العام:

عرضت د. سامية العمودي ورقة عمل حول قضية: الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة الإشكالات والحلول. وفي البداية، أشارت د. سامية العمودي إلى أن مقدمة تشريع منظمة الصحة العالمية للعام 1946 تعرّف الصحة بصورة عامة على أنها “حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والرفاه الاجتماعي وليس مجرد غياب المرض أو العجز”. كما يعّرف التشريع الحق الصحي على أنه “الاستمتاع بأعلى مستوى من الصحة يمكن تحقيقه”. كما أن مبادئ الشريعة وقيم القانون الإسلامي تؤكد على حق التمتع بالصحة بالإضافة إلى أن المعاهدات والاعلانات العالمية قد أولت اهتماما خاصاً بحق الناس في الحصول على الرعاية الصحية. وكجزء من النظام الأساسي للمملكة العربية السعودية، – الصادر بالأمر الملكي رقم أ /90 وتاريخ 27/8/1413هـ  أشارت المادة 31 منه إلى حق الحصول على الرعاية الصحية وأعلنت “أن الدولة ترعى شؤون الصحة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن”. ويتضح هذا الاهتمام الكبير بالرعاية الصحية كأولوية كبرى في زيادة مخصصات وزارة الصحة من ميزانية الدولة، والتي بلغت حوالي (55) مليار ريال وهو ما يعادل (7%) من ميزانية الدولة لعام 1434هـ.

وفيما يلي مضمون ورقة د. سامية العمودي والتي تناولت فيها الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة من عدة زوايا جديرة بالاهتمام.

نظام الرعاية الصحية في المملكة:

هو نظام وطني لتقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية للمواطنين من خلال عدد من الوكالات الحكومية مع تنامي دور ومشاركة القطاع الخاص حالياً. وهناك عدة قطاعات معنية بتقديم الرعاية الصحية في المملكة، مثل:

  • وزارة الصحة
  • القطاعات الأمنية (وزارة الحرس الوطني، وزارة الدفاع، والأمن الداخلي)
  • الجامعات
  • القطاع الخاص

بلغ عدد المستشفيات في عام 1433هـ (435) مستشفى، ويساهم قطاع وزارة الصحة بنسبة (61%) من إجمالي عدد المستشفيات، والقطاع الخاص بنسبة (31%)، والقطاعات الحكومية الأخرى بنسبة حوالي (8%).

 التحديات:

التحديات التي تواجهها الرعاية الصحية في المملكة كبيرة وهي نتاج تراكمي لعقود ومن ثم أصبحت بحاجة إلى حلول على قدر هذه التحديات، وقد استطاع القطاع الصحي التغلب على بعض التحديات مما نتج عنه السيطرة على معدل انتشار الأمراض المعدية، وشغلت المملكة دوراً متقدماً بين الدول في إدراج التحصينات، وتحتل الآن المملكة المركز التاسع عالمياً من حيث نسبة التغطية بالتطعيم، من أهم هذه التحديات والتي هي تحديات يواجهها العالم العربي ككل وخاصة في ضوء المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الراهنة:

  • الزيادة المطردة في تكلفة الرعاية الصحية، وتحديات ضمان الجودة.
  • الزيادة في عدد السكان.
  • ارتفاع نسبة المواطنين المسنين.
  • التغيير المستمر في نمط الأمراض.
  • انتشار الأمراض المزمنة والغير وبائية مثل السكري وأمراض القلب والأورام.
  • مركزية القرار.
  • عامل القوى البشرية المؤهلة وهذا عامل رئيس إذ أن هناك ندرة في الموارد الصحية البشرية من أطباء، وصيادلة، وتمريض رغم مرور ما يزيد على أربعة عقود من إنشاء الكليات الطبية.
  • الخلل في التوازن بين ما يصرف على الوقاية وما يصرف على العلاج لضعف مفهوم الوقاية، وهذا مصحوب بارتفاع وعي المجتمع وثقافته الصحية.
  • هناك تحدي آخر يمثل عبئاً وتحدياً للمملكة دوناً عن بقية الدول وهو التزام المملكة بتقديم خدمات صحية لعدد ضخم من الحجاج والمعتمرين.

الحلول:

تتركز الجهود على إيجاد حلول ثلاثة رئيسة لتحسين الوضع وذلك بالعمل على إيجاد حل لطول فترة الانتظار والنقص في عدد الأسرة والتفاوت في مستوى الخدمة.

ولخص أ.د زهير السباعي الحلول في كتابه “الرعاية الصحية  .. نظرة مستقبلية” وتشمل ما يلي:

1- التخطيط الصحي المبني على الإحصاء الحيوي.

2- التخلص من المركزية.

3- تأهيل القوى البشرية الصحية.

ويرى أ.د زهير السباعي في كتابه المذكور وهو الخبير المتخصص، أن التخطيط الصحي ينبغي أن تصاغ أهدافه بناء على الإحصاء الحيوي وبخاصة معدلات الأمراض والوفيات، ومثال على ذلك الانخفاض بمعدل وفيات الأطفال الرضع أو وفيات الأمهات الحوامل أو معدل الإصابة بالأمراض مثل السل والبلهارسيا أو السرطان أو السكري أو ضغط الدم وحوادث الطرق، وعدم الاعتماد فقط على الموارد الصحية مثل عدد المستشفيات، والأسرة، والأطباء، وميزانية الصحة، فجميعها مؤشرات للمستوى الصحي أو قاعدة للتخطيط السليم.

وأشارت د. سامية العمودي إلى أنها سبق وأن اقترحت في تغريدة لها أن يتم تقسيم عبء وزارة الصحة على عدة مجالس ويكون الارتباط بالوزير في السياسات العامة ويعطى كل مجلس صلاحيات كاملة وميزانيات حسب احتياج كل منطقة. وقالت د. سامية: ولربما يحضرني هنا اقتراح د. الجازي بتوزيع بعض المسؤوليات على حسب المناطق الإدارية الثلاثة عشر في المملكة ، هذا التفكيك يقلل المركزية ويزيد التركيز ويرفع الجودة والمنافسة والناتج سيكون أكثر قدرة في مخرجاته الصحية على استيعاب تحديات كل منطقة وتناولها بشكل منفرد مما يسهل العملية الإصلاحية لما سبق وتراكم من مشكلات على مدى عقود.

 التأمين الصحي في المملكة:

التأمين الصحي هو وسيلة وأداة لتحويل الإنفاق المادي الذي يأتي من ممولي الخدمة الصحية (الدولة، الشركات وأرباب العمل في القطاع الخاص، والأفراد) إلى خدمة صحية للمرضى (سواء كان ذلك في شكل عملية جراحية، أو زيارة للعيادة الخارجية أو الطوارئ، أو عمل فحوصات أو أشعات أو تحاليل إلخ) .

بدأ التأمين الصحي في المملكة من سنوات قليلة لتخفيف الضغط على المستشفيات الحكومية، وصدر الأمر الكريم رقم (م/10) بتاريخ 1/5/1420هـ بالموافقة على “نظام الضمان الصحي التعاوني”، وموافقة مجلس الوزراء الموقر رقم (71) وتاريخ 27/4/1420هـ الموافق 11/8/1999م.

يتوقع أن يصل حجم سوق التأمين الصحي في السعودية إلى أكثر من 21 مليار ريال سعودي بنهاية العام الميلادي الحالي، ومن الثلاثين مليون نسمة الذين يعيشون في المملكة، هناك أكثر من 8 ملايين نسمة هم (ثلث مواطنون وثلثان مقيمون) مشتركون في الضمان الصحي.

وكما يصفه الكاتب د. عبد الإله الهوساوي خبير الجودة الصحية ومهتم بالأنظمة الصحية والتمويل الصحي فإن التأمين يكون أداة إيجابية إذا استعمل كوسيلة لتحسين الجودة وذلك عن طريق ربط تعويض مقدمي الخدمات الصحية (مستشفيات وغيرها) بالمخرجات الصحية للحالات التي يعالجونها، وإذا استخدم التأمين كوسيلة لزيادة الفعالية والتقليل من الهدر ويكون التأمين (أداة سلبية) إذا ترتب عليه زيادة الإنفاق السنوي على الخدمات الصحية.

واجه نظام الضمان الصحي التعاوني في بداية تطبيقه عدة معوقات وتحديات مثل عدم كفاية البنية التحتية لدى مقدمي الخدمات الصحية، بجانب تدني مستوى الوعي التأميني وهذا ما كنا نواجهه كأطباء ممارسين على رأس العمل. إلا أن مجلس الضمان الصحي التعاوني قام بالعمل على التغلب على هذه المعوقات ووضع خطط العمل اللازمة للبدء بالتطبيق والذي بدأ فعلياً في 15/7/2006م.

ويبلغ عدد المؤمن عليهم تقريباً 60% من المقيمين في البلاد المقدر عددهم بأكثر من 8 ملايين، وكذلك عدد المؤمن عليهم من السعوديين تقريباً 45% من السعوديين في القطاع الخاص وممن يعولونهم.

يتضح من تجربة التأمين عندنا بعض الأمور الهامة منها: عدم شمولية التأمين فكثير من الحالات لا يتم تغطيتها مما لا يفي باحتياجات المواطن، كما أن سقف التغطية محدد وبالتالي إذا بلغ المواطن هذا السقف عاد إلى استخدام مرافق الدولة الحكومية، وهذا يضاعف كلفة الخدمة ويمتد هذا أكثر ما يكون إلى علاج الأمراض المستعصية، والتي هي أصلاً ذات تكاليف عالية، أيضاً هناك شكوى مقدمي الرعاية الصحية من تأخر شركات التأمين في تسوية المطالبات التأمينية، مما يؤثر على أداء المستشفيات ويمثل عبئاً عليها، كما أننا من تجاربنا في العمل بالمستشفيات نلاحظ أن بعض مقدمي الرعاية الصحية يميزون في تقديم الخدمة، وتعطى أفضلية لدافعي النقد من الأفراد على حاملي وثائق التأمين.

يرى البعض أن الحل هو في التأمين الشامل لجميع الأفراد، خاصة ممن لم يشملهم التأمين من قبل مثل فئات موظفو الخدمة المدنية، والمتقاعدين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي، بينما يرى بعض الخبراء مثل د. الهوساوي أن الحل في التمويل الصحي، وليس التأمين الصحي، وهي عملية ذات محاور ثلاثة ، تشمل استدرار الإيرادات اللازمة للصحة، تجميع الموارد من مصادرها المختلفة ، وأخيراً شراء الخدمات الصحية.

ختاماً تظل الرعاية الصحية في المملكة بحاجة إلى معالجة جذرية، ويتضح أن مستوى الصحة في المجتمع لا يعتمد على عدد الأطباء والأسرة وميزانية الصحة، بقدر ما يعتمد على أسلوب إدارة الرعاية الصحية، والإفادة المثلى من الموارد الصحية، وكيفية تحديد سلم الأولويات، ومدى تحقيق التوازن بين ما يصرف على الرعاية العلاجية والرعاية الوقائية.

الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة: الواقع والإشكالات الراهنة

ناقشت التعقيبات والمداخلات حول ما تضمنته ورقة د. سامية العمودي العديد من الإشكالات المرتبطة بواقع الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة. وفي هذا الإطار عقبت د. عائشة حجازي بقولها: شكلت التنمية الصحية محور كبير من محاور اهتمام الدولة في جميع خططها التنموية ولم يكن ذلك من عهد قريب فمنذ تأسيس المملكة لم يكن هناك مرافق صحية بالمفهوم الصحيح وعندما دخل الملك عبدالعزيز رحمه الله  إلى الحجاز أمر بإنشاء دائرة الصحة في مكة المكرمة عام ١٩٢٦م ، وتم تغيير المسمى بعد ذلك إلى مديرية الصحة العامة والإسعاف وصدر عنها عدة أنظمة مثل: (ترخيص الأدوية – علاج المرضى – الوفيات – الاحصائيات العامة التي تشمل شؤون المرضى بكل ما فيها).

ومنذ ذلك الحين حرصت المملكة على الخدمات الصحية وتنميتها مع ظهور عدة متغيرات مؤثره مثل: (زيادة عدد السكان – ارتفاع مستوى الوعي الصحي – زيادة ظهور الأمراض الوبائية – زياده تكاليف الرعاية الصحية والكثير من المتغيرات الأخرى) .

وقد تناولت العديد من الدراسات والأبحاث الخدمات الصحية في المملكة وأثرها على الاقتصاد السعودي وتناولتها العديد من النقاشات في مركز الحوار وفي أغلب الملتقيات العلمية والفكرية خاصة أن ميزانية الصحة تعتبر من أكبر الميزانيات على مستوى جميع الوزارات في المملكة. وبالرغم من ذلك نجد أنها تعاني من عدم الاستقرار وتواجهها تحديات كبيرة.

وأشارت د. عائشة حجازي إلى أن القطاع الطبي الخاص أصبح تجارة رابحة كونها تعتمد على كادر طبي غير مؤهل ويديرها أسماء لامعة بدون أي خلفية إدارية أو إنسانية. كما أن ما نراه في المستشفيات والمراكز والعيادات الطبية غيض من فيض ..مما يوجد في العيادات والمستشفيات النفسية ممن لا يستطيعوا أن يدافعوا عن أبسط حقوقهم.

وتعتقد أ. فاطمة الشريف أن هناك اشكالية في القطاع الصحي تتضح للجميع وهي: ارتفاع تكلفة العلاج في معظم مستشفيات القطاع الخاص والتي قد تعزى في بعض الأحيان إلى ارتفاع سعر العمالة المتخصصة ، و التطور التكنولوجي السريع ورغبة تلك الجهات في الحصول على الأجهزة الطبية الحديثة بتكاليف باهظة تعود على ارتفاع أسعار العلاج والخدمة المقدمة للمريض والربح المادي السريع ، وقد تساهم شركات التامين في الحد ولو قليلا من تلك التكلفة ، ويلاحظ عدم وجود الكثير من المراكز المتخصصة كما في الولايات المتحدة وكندا والعالم المتقدم كبديل للمستشفيات الخاصة. فالمركز المتخصص تنشئه في العادة مجموعة من الكفاءات الطبية في تخصص واحد بحيث يكون المركز تشخيصيًا وعلاجيًا مما قد يعزز الكفاءة والخدمة المقدمة للمريض ويقلل من الأخطاء الطبية ، وتبقى نقطة أخرى مهمة وهي أن غالبية الأمراض المزمنة أو المستعصية الحديثة لا توجد لها أقسام في المستشفيات أو مراكز متخصصة باستثناء الجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم والمساندة للمرضى على سبيل المثال لا الحصر ( الزهايمر ، إعاقة الأطفال ، التوحد ) وغيرها كثير من الجمعيات التي تأسست وتنحصر خدمات البعض منها على حملات التوعية فقط .

وترى أ. فاطمة الشريف كذلك أن أغلب المستشفيات الحكومية أو الخاصة تدار عادة من  قبل الأطباء، وهم غير مؤهلين اداريا ، وهذا ينعكس سلبا على أداء المستشفى ومستوى الخدمات المقدمة فيه وعلى الخطط المستقبلية التي تضعها تلك الإدارة كما تنعكس على الأطباء العاملين في تلك البيئة مما يجعلها بيئة عمل طاردة لهم. وقالت د. سامية العمودي الإشكالية أنهم إما أطباء بلا خبرات أو ملكات إدارية وإما إداريين بدون خلفية طبية ..  نغفل دور التخصص هناك خريجوا إدارة مستشفيات وخبراء تخطيط واستراتيجيات طبية لماذا لا يستفاد منهم ولماذا لا نشجع هذه التخصصات التي نحن بأمس الحاجة لها. وبدورها عقبت أ. فاطمة الشريف بقولها: فعلا تخصص إدارة المستشفيات يغفل عنه تماما في اختيار مدراء الجهات الصحية.

وأشار د. عبدالسلام الوايل إلى أنه وفيما يخص تأهيل الموارد البشرية في القطاع الصحي، من الغريب أنه و حتى 2004 لم يكن في المملكة إلا كلية صيدلة واحدة. من الواضح أن القطاع الصحي معقد جدا و محاولات إصلاحه تتعثر باستمرار.

وعلق د. مسفر السلولي على ورقة د. سامية العمودي بقوله: تمنيت لو تطرقت الورقة لنماذج من الأنظمة الصحية المتطورة سواء إقليميا أو عالميا وكيف تغلبت هذه الأنظمة على المشكلات الصحية. وهل التأمين الصحي للمواطن موجود في جميع أو معظم البلدان المتقدمة؟

وتطرقت أ. ليلى الشهراني إلى أن وزارة الصحة من الوزارات المثقلة بالأمراض الإدارية والتنظيمية وتعاني من متلازمة الأخطاء الطبية المتكررة بشكل لافت في السنوات الأخيرة . عندما ننظر لتوزيع المستشفيات الكبيرة نجد أن مناطق الأطراف تعاني من بعض الإهمال بينما هم أكثر من يقطع الأميال بالسفر للذهاب لمواعيد أسبوعية أو حتى شهرية. ومن ناحية أخرى فإن متوسط أعمار أغلب مستشفياتنا ما بين الأربعين إلى الخمسين عاما ، ومع تزايد المد السكاني لم تعد تحتمل زيادة عدد المراجعين والمراجعات مما أدى إلى تكدسهم في صالات الانتظار لنصف يوم وتأخر مواعيدهم العلاجية مما أثر على صحة بعضهم ، وقد يتجاوزها من يملك المال للذهاب للمستشفيات الخاصة والتي أصبحت لا تختلف عن الحكومية بكثرة الزحام وطول الانتظار. العلاج والتعليم حق من حقوق المواطن ، لكن سوء الخدمة وسوء الأمانة جعلت هذا المواطن البسيط يستجدي العلاج في بلده ، هذا يطلب سرير ، وذاك يطلب نقلا لمستشفى متخصص ، وتلك أرهقتها أدوية الضغط والسكر والقلب والتي تشتري بعضها بسبب تباعد مواعيدها . في عهد الملك عبدالله رحمه الله ، كان الحديث عن مدن طبية في الشمال والجنوب ، كانت بشرى رائعة وقتها لكن أين هي ؟ المستشفيات الحكومية لم تعد بيئة جاذبة للكفاءات الطبية بل أصبح معظم الأطباء لهم عياداتهم الخاصة ، فتجد أن موعدك الذي يستغرق سنة مع هذا الطبيب أو ذاك قد يكون بعد يوم أو يومين في عيادته ! بعض المستشفيات تعاني إهمال في النظافة و في التعامل مع المرضى ، ورأينا بأعيننا الفئران والحشرات الضارة وسوء النظافة أين ذهبت بنا (كورونا مثال) .

وأوضح م. حسام بحيري في مداخلته أنه ومن واقع نظرة القطاع الخاص للقطاع الطبي ككل في السعودية فإن القطاعات الطبية تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة:

  • القسم الأول: هو القطاع الطبي الحكومي ويرمز إليه دائما بال MOH وهو يعتبر متوسط القدرة من ناحية نوعية الكادر الطبي والتجهيزات  الطبية الموجودة وعامة يوجد لديه نقص مالي مستديم.
  • القسم الثاني: هو القطاع الطبي العسكري وهي التي تتبع المؤسسات العسكرية وهي أفضل القطاعات الصحية من ناحية التجهيز وتأهيل  الكادر الطبي وتدريبه، عادة لديهم “شح” مالي ولكن دائما يوجد لديهم ميزانية للإنفاق على شراء أجهزة طبية متقدمة وتقديم خدمات طبية عالية المستوى وكوادره الصحية تحتوي على أفضل أطباء وفنيين ومختصين في القطاع الطبي السعودي.
  • القسم الثالث: هو القطاع الطبي الخاص وهي تتكون من جميع القطاعات الطبية الأهلية من مستشفيات ومستوصفات PRIVET وهو الأسوأ عامة من ناحية أهلية الكوادر الطبية والتجهيزات الطبية وهو عامة فقير، معظم أجهزتهم الطبية تم شرائها مستخدمة وتعاني من افتقار التكنولوجيا الحديثة وكوادرهم الطبية سيئة، وبالكاد تكون مؤهلة، ولكن هناك مؤسسات صحية خاصة مرموقة ولكنهم دائما الاستثناء.

ومن وجهة نظر م. حسام بحيري فإن المشكلة الرئيسة تكمن في القطاع الطبي الحكومي ال MOH وهو الأهم بسبب مسؤولياته وواجبه نحو المواطنين السعوديين لتقديم خدمات طبية مجانية مناسبة وهو كجهاز حكومي عامة أصبح كالديناصور بسبب كبره وتشعبه في كل مدينة وقرية وكثرة مسؤولياته وحاجته الدائمة لتوظيف كوادر طبية دائما تكون أجنبية لافتقار القدرات الوطنية بأعداد مناسبة تفي بالحاجة خصوصا في الأقاليم الصغيرة وهذا أمر صعب جدا لوجود شح عالمي في بعض التخصصات الطبية كأطباء الأعصاب أو الأورام أو التخدير كأمثلة، وللأسف عدم فتح المجال للنساء للدخول في مجال التمريض لسنيين طويلة في الماضي ساهم في تفاقم مشكلة النقص المستمر في توفير الكوادر الطبية المطلوبة. لا يخفى أن قطاع ال MOH يعاني معاناة مستمرة من محدودية ميزانيته ونقصانها والتي لا تكاد تكفي اليوم لتقديم الخدمات الطبية الضرورية لربع سكان المملكة وليس بأكملها.

وأضاف م. حسام بحيري في هذا الإطار أنه يوجد لدينا نسبة نمو سكاني كبيرة في العشرين سنه الماضية ولا يمكن الاستمرار في تقديم خدمات طبية أساسية مجانية للمواطنين والمحافظة على نفس المعايير الطبية الضرورية التي لابد أن تقدم لأي مريض في نفس الوقت لأنها أصبحت مسألة حسابات رياضية بدائية وليس مسألة إدارة، فلذلك من المهم جدا أن تبدأ الدولة في عملية التأمين الطبي للمواطنين لأنها أصبحت ضرورة حتمية. وزارة الصحة ليس عندها القدرة على تقديم الخدمات الطبية لجميع المواطنين فلذلك لابد من الدولة أن تلزم جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص بالتأمين الطبي لموظفيها لتخفيف العبء عن وزارة الصحة والمساهمة في أن تستمر في تقديم خدمات طبية مناسبة للفئات السكانية التي لا يشملها التأمين الحكومي أو الخاص وهي نسبة لا يستهان بها من المواطنين, إذا تحقق هذا الأمر فسيكون له فوائد اقتصادية كبيرة في ضخ أموال للقطاع الصحي سواء كان الحكومي أو الخاص لأن القسم الثالث من القطاع الصحي سيستفيد اقتصاديا حيث أن حجم موظفي القطاع الخاص المؤمن فقط يقدر بأكثر من ٧ مليون شخص وبمتوسط ٣٠٠٠ ريال سنويا = ٢١ مليار ريال، على الأقل في خزينة مستشفيات القطاع الخاص فقط. وهذا يعتبر حجم سوق ضخم بالمقارنة مع دول كثيرة بالعالم إذا حسبنا أن مؤسسات الدولة الملزمة بتأمين موظفيها المقدر عددهم ب نصف مليون موظف على الأقل وبمتوسط ٣٠٠٠ ريال سنويا على الأقل فهذا سيدر مبلغ قدره ١.٥ مليار ريال إضافي لخزينة وزارة الصحة ويمكنها من تقديم خدمات طبية مناسبة ولا مانع من أن تقدم وزارة الصحة خدمة التأمين الطبي للعلاج في مستشفياتها خصوصا في المدن الطبية المتقدمة مثل مدينة الملك فهد الطبية بالرياض كمثال. إن المشكلة الرئيسة هي أنه ليس هناك أموال كافية لتقديم خدمات طبية مجانية لجميع المواطنين، ولابد أن جزء كبير من المسؤولية يلقى على عاتق أجهزة أخرى في القطاعين الخاص والحكومي، فلا اختيار لوزارة الصحة إلا أن تكون Creative في تحقيق دخول مالية إضافية أو outsource خدماتها للقطاعات الأخرى.

وعلقت د. سامية العمودي على مجمل ما تقدم من مداخلات بقولها: كما تلاحظون قطاع الصحة يحمل هموم وشجون، وبالنسبة لما أشار إليه د. خالد الرديعان، فإن زيادة تعداد السكان بالفعل تعد قضية جوهرية كونها تنعكس على استهلاك موارد الصحة وتشكل عبئاً اقتصاديا واجتماعياً وعندما عرضت الوثيقة السكانية ونوقش بعض أوجه تنظيم عدد السكان ومنع الحمل وليس التعقيم وهذا مختلف طبيا وشرعيا فالأول مباح ومارسه الصحابة والثاني هو المحرم، ومع هذا ثارت ثائرة المنافحين وهاجموا حتى الدولة عن جهل وأقحموا رؤياهم الخاصة فتم تعطيلها، كما تشكل الحوادث أيضا عبء صحي واقتصادي يحتاج إلى مواجهة فعالة.

كما تتفق د. سامية العمودي مع ما ذكره م. حسام بحيري لكنها ترى أن تعليق الأمر جله على الميزانية غير منطقي حيث قالت: هي ميزانية لم نرى مخرجاتها للآن والمملكة كبيرة مترامية الأطراف ولم يتم الاهتمام بالقرى والأطراف بنفس القدر فليس هناك عدالة في توزيع الخدمات الصحية على المناطق حسب احتياجاتها بل تركزت في المدن الرئيسة. وبالنسبة للموارد البشرية فإنها تمثل لغز؛ فرغم الميزانيات الهائلة لازال الأطباء السعوديون يشكلون نسبة ضئيلة وكذا التمريض مما يعني ضعفا في التخطيط وليس في المالية. وأيدت هذا الطرح د. عائشة حجازي بقولها: نعم الوزارة تحتاج تخطيط واسع يشمل جميع الجوانب.. فأزمتها ليست مالية ولكن هناك غزارة في التمويل وسوء في التوزيع والتخطيط.

ومن جانبه عقب اللواء د. سعد الشهراني على ورقة د. سامية العمودي مؤكداً أنها عرضت الموضوع و التحديات التي يواجهها القطاع الصحي و القضايا المتعلقة بالتأمين الصحي ونسب التغطية عرضا موضوعيا وتاريخيا جيدا و لم تغفل الانجازات و نصف الكأس الممتلئ، حيث أشارت إلى أن المملكة حققت مراكز متقدمة في بعض جوانب التنمية الصحية كما بينت الاشكالات التي يعاني منها هذا القطاع المهم و الذي لا عذر لنا في أن نكون في مصاف الدول المتقدمة فيه بالنظر إلى الموارد المالية المتاحة.

ويعتقد اللواء د. سعد الشهراني بداية أن توزيع النسب لأعداد المستشفيات بين ما يتبع وزارة الصحة و القطاع الخاص و المستشفيات العسكرية لا تعطي صورة دقيقة للمقارنة ولو أخذ مثلا عدد الأسرة و الانفاق لكل سرير لخرجنا بنسب مختلفة. الانفاق الصحي العام لكل مواطن أو حتى لكل فرد من مجموع السكان (أي لكل فرد من عدد المواطنين والمقيمين) و هو الأصح يعتبر من أعلى معدلات الانفاق في العالم. هذا الانفاق الكبير بكل المقاييس يمكن أن يدار بطريقة أفضل لنحقق مستويات أرقى وأفضل وأشمل من الخدمات الصحية. ولعل هناك ما يشبه الاجماع بين المختصين و المهتمين على أن تطوير التأمين الصحي هو السبيل إلى ذلك.

وأشار د. خالد بن دهيش في تعليقه على ورقة د. سامية العمودي إلى أنه وبالرجوع لأحد المصادر عن الخدمات الصحية بالمملكة من إعداد الدكتور عثمان الربيعة وكيل وزارة الصحة سابقاً، وجد أن هناك بالفعل استراتيجية للرعاية الصحية معتمدة من مجلس الوزراء بتاريخ ١٩/٩/١٤٣٠ تضمنت اثنى عشر أساساً حدد في كل منها الهدف وسياسات وآليات التنفيذ ، السؤال: هل تم تفعيل هذه الاستراتيجية ؟ لأن العمل المؤسسي لو نفذ وفق ما خطط له – كما يرى د. خالد بن دهيش – فنظامنا الصحي بخير ، وهذا ما نأمله.

ورداً على هذا التساؤل، أوضحت د. سامية العمودي أنها ليس لديها علم تام بهذا الأمر، وربما لأن عملها أكاديمي بعيدا عن وزارة الصحة والشؤون الإدارية ، وبالتالي لا تمتلك معلومات محددة.. ولكن من خلال العمل والممارسة فإنها تجد أن بعض ما كتب لم يتم تفعيله وكمثال ما يتعلق بالرعاية العلاجية والتأهيلية وتوفيرها في كافة المناطق، هذا البند غير مفعل على أرض الواقع، وكذلك البند المتعلق بعدالة التوزيع غير موجودة؛ فالخدمات مركزة في المناطق الرئيسة: (الرياض، الشرقية، جدة، مكة، والمدينة)، أيضاً فإن توفير القوى العاملة وسعودة الوظائف غير حاصل، وترى د. سامية أن هذه الاستراتيجية من عام ١٤٣٠ بمعنى ستة أعوام وهي ليست بالقليلة لنرى فرقاً وتطبيقاً، وأضافت: وجود استراتيجية مهم جداً لكن في ضوء عدم وجود ما يلمسه متلقي الرعاية كخدمة حقيقية على أرض الواقع فهذا يشير إلى بطء أو خلل ما، مع الوضع في الاعتبار أن هناك نقاط قوة حققتها الوزارة مثل برنامج التحصين والتطعيمات  والقضاء على الوبائيات وتحسين خدمات الصحة الإنجابية وغيرها.

وتطرق أ. خالد الحارثي لوجهة نظر العلوم الإدارية والجانب الاستشاري الإداري لتطوير المنظومة الصحية، وخصوصا الاختصاصات الفنية غير الطبية التي تتكامل مع الطب والعلوم الطبية لإنتاج منظومة الرعاية الصحية. وبداية فهو يعتقد أن التخطيط لقطاع الرعاية الصحية يفتقد لاستيعاب البيئة التي يتعامل معها بصفتنا دولة نامية ونملك فوائض مالية وعدد سكان متنامي، وعلى الرغم من هذه التحديات فلا تزال لدينا فرص يتم إهدارها ، وفي ظل غياب هذه الحسابات يكون التخطيط محمل بأثقال الفرضيات النظرية والبعيدة عن واقع الناس. على سبيل المثال : مساواة طلبة الطب بغيرهم من طلبة الجامعة في المكافآت والحوافز والامتيازات وهذا لا يعكس الحاجة الماسة التي نحن بصددها ، وهذا ينطبق على التمريض والمسعفين والعلوم الطبية والمختبرات والصيدلة. مثال آخر: لا يزال التصور في مخطط الرعاية الصحية الحالي هو مخطط سد الحاجة بالحد الأدنى وليس تخطيط المنظومة الأكثر تقدما وتميزا وهذا بحد ذاته باب للفشل ندخل فيه ابتداء. هناك أيضا مهن في قطاع الرعاية الصحية كالتخصصات الهندسية الخاصة بأنظمة بناء المستشفيات وأنظمة العزل في البنى التحتية ، وكوادر الإدارة والمحاسبة والسكرتارية الطبية وإدارة المستشفيات والأنظمة الإلكترونية وكادر التعقيم والتنظيف والأمن وكادر الصيانة ، وهي مستبعدة تماما عن الاحتساب في التخطيط التكاملي ، وليست أزمة خريجي المعاهد الصحية عنا ببعيد وحيرة الوزراء في استيعابهم ووضع برامج وبدائل لهم. هذا بشكل عام ، أما عندما نتعرض للتأمين الصحي ووظائف وكوادر التأمين المختلفة فهي تعاني بشكل أكثر سوء من الرعاية الصحية ككل ، وحالها ليس بأحسن حالا من القطاع الصحي في القطاع الخاص الذي تغيب عنه الرقابة من كل المستويات لدرجة الأمن من العقوبة بشكل لا يصدق.

الحلول المقترحة لتحسين منظومة الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة

تنوعت المقترحات والحلول المقدمة بغرض تحسين منظومة الخدمات الطبية والتأمين الطبي في المملكة، فبالإضافة للحلول والمقترحات المتضمنة في الورقة الرئيسة لد. سامية العمودي، أشارت د. عائشة حجازي إلى المقترحات والحلول التالية:

  • إعادة النظر في أهداف وأسلوب إدارة المستشفيات الحكومية وبرامجها.
  • إعادة تنظيم معايير جودة الخدمات الصحية والاهتمام بالمرافق والأجهزة.
  • تأهيل الكادر الطبي وفق أعلى المستويات.
  • الاهتمام بالخدمات الصحية وتطويرها على مستوى المدارس والمراكز.
  • الاهتمام بالخدمات الصحية المساندة لتأهيل المرضى النفسين والعقليين لإعادة تكيفهم مع المجتمع وذلك من خلال إنشاء المراكز المتخصصة في هذا المجال ودعمها بالكوادر المناسبة.
  • الاهتمام بالخدمات الصحية المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة والتي لا تزال قاصرة في مختلف جوانبها.
  • تطوير مراكز الرعاية الصحية لكبار السن والرعاية المنزلية لمن يحتاجها.
  • الاهتمام بالأجهزة الطبية وتوفيرها فلاتزال الكثير من المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأجهزة الضرورية.
  • تهيئة مناخ ملائم لعمل شركات التأمين الصحي.

أما بنسبه للتأمين الطبي فنجد أنه يشكل أحد أهم البدائل المتاحة لاحتواء التكاليف المتصاعدة للخدمات الطبية وتمويل هذه الخدمات. والكثير من خطط التنمية أشارت إلى ضرورة تطبيق أسلوب مناسب للتأمين الطبي والحرص على تطوير أهدافه لدعم الخدمات الطبية ومساندتها ومن هذه الأهداف :

  • الإسهام في تطوير الخدمات الصحية وتنظيمها في المملكة .
  • تخفيف العبء عن المرافق الحكومية .
  • حل مشكله سوء استخدام الخدمات المجانية المتاحة.
  • تفعيل دور الرعاية الصحية الأولية.
  • تطوير القطاع الصحي الخاص وخلق فرص استثمارية واسعة.
  • خلق فرص وظيفية.
  • تحسين المستوى الصحي لسكان المملكة.

التحديات المستقبلية لنظام التأمين الطبي: وتتضمن:

  • مدى التزام شركات التأمين بمبدأ التأمين التعاوني.
  • مدى تجاوب الأفراد والمؤسسات للتأمين الطبي.
  • الالتزام بمعايير ضمان الجودة في تقديم خدمات التأمين الطبي.
  • توفر الكفاءات والخبرات في علوم التأمين الطبي.

عوامل مساعده لإنجاح نظام التأمين الطبي: وتتضمن:

  • تحديد نوع الشريحة السكانية التي سوف يطبق عليها النظام.
  • وجود وثيقه موحدة للتأمين الطبي.
  • الاشراف والبرامج الرقابية المالية والفنية على شركات التأمين ومقدمي الخدمات الطبية.
  • توسيع الاستثمار في القطاع الصحي الخاص.
  • ضرورة وفاء شركات التأمين بواجباتها تجاه المؤمن عليهم .

وجاء تعقيب أ.د. عبدالرحمن العناد على ورقة د. سامية العمودي متضمناً الإشارة إلى مجموعة من الحلول والمقترحات العملية وتشمل ما يلي:

  • التركيز على زيادة الطاقة الاستيعابية للكليات الطبية والعلوم الطبية في ظل طلب كبير على الدخول لها من قبل الطلاب والطالبات وتقاعس مؤسسات التعليم العالي عن العمل الجاد لتحقيق ذلك.
  • التأكيد على أهمية الملف الطبي، مع إمكانية استخدام رقم السجل المدني ليكون هو نفسه رقم السجل الطبي دون الحاجة لرقم جديد.
  • تكامل عمل المؤسسات الطبية والتنسيق بينها بطريقة أو بأخرى، وعلى سبيل المثال فإن عددا كبيرا من مراجعي المستشفى التخصصي يأتون من مناطق بعيدة في زيارات روتينية دورية عادية على حساب الدولة، ولا يحدث خلال هذه المراجعات الطبية سوى تجديد صرف الدواء نفسه، وبعض المراجعين يذكر أن الطبيب يسأله عن الدواء الذي يأخذه ليعيد صرفه له، وهذه الزيارات يمكن أن تتم لمستشفيات أو مراكز رعاية أولية حكومية أخرى في المناطق لو تم الربط باستخدام الملف الطبي والتقنية الحديثة وقليل من التنسيق.
  • الاهتمام بالخدمات الطبية في مناطق الأطراف التي يلجأ سكانها لطلب العلاج في الدول المجاورة وعلى حسابهم الخاص.
  • أهمية مراجعة شروط ومتطلبات فتح مراكز الخدمات الصحية الأهلية ودعمها بالقروض والأراضي وتسهيل منح التراخيص مع زيادة التشديد في إجراءات المتابعة والرقابة.
  • ربما يكون من المناسب التدرج في تطبيق التأمين الطبي على موظفي الدولة ويكون ذلك من خلال تطبيقه على منسوبي أحد القطاعات كالتعليم مثلا، فالمدرسون والمدرسات يمثلون نسبة كبرى من موظفي الدولة وسيؤدي تغطيتهم بالتأمين لتخفيف الضغط على المؤسسات الطبية الحكومية.
  • أهمية التخصيص التدريجي لمراكز الرعاية الأولية … حيث أن عملها بطريقة احترافية سيخفف من الضغط على المستشفيات، كما يمكن أن تتم من خلالها المراجعات الدورية في حال استخدام الملف الطبي الموحد، ويلاحظ أن طريقة عملها حكومية بيروقراطية لا تتناسب مع طبيعة العمل الطبي، كما أن العاملين والعاملات بها يعملون كموظفين بلا حماس ولا روح، وهذا من أسباب لجوء كثير من المواطنين والمواطنات للمستوصفات والمراكز والعيادات الطبية الخاصة وطلب العلاج بمقابل مادي لحالات بسيطة كالأنفلونزا وارتفاع الحرارة وغيرها.
  • الاعتراف والإشادة بالخدمات الطبية التي تقدمها القطاعات الأمنية والعسكرية والجامعات والتي خففت على وزارة الصحة الكثير، كما قدمت خدمة طبية راقية تفوقت من حيث مستوى الجودة على خدمات وزارة الصحة، والتأكيد على ضرورة التحسين المستمر لمستوى الخدمة المقدمة في هذا الإطار.

ومن جانبه أشار د. خالد الرديعان إلى مجموعة من الحلول العملية من خلال رصده لبعض المعوقات التي تحد من تقديم الرعاية الصحية في المملكة و أسباب ارتفاع تكلفة هذا القطاع الذي يستحوذ على ٧٪ من ميزانية الدولة، وهي على النحو التالي:

  • زيادة عدد السكان المتصاعدة بما لا يتوازى مع الخدمات الصحية المقدمة الأمر الذي يؤثر على جودة الخدمات وأحيانا صعوبة الوصول إليها… وكحل وقائي اجتماعي يمكن للدولة أن تشجع فكرة “التخطيط العائلي” family planning ولا نقول الحد من النسل لوجود جانب شرعي لا نود الخوض فيه… وعليه من الضروري أن يكون رفع الوعي بالتخطيط العائلي هدفا استراتيجيا لوزارة الصحة السعودية ووضع خطة عشرية لذلك بحيث يمكن للوزارة التنبؤ بعدد السكان وتقديم خدماتها بناء على عدد السكان بشرط أن تكون الخدمات موافقة للمعايير العالمية في عدد الأطباء للمرضى وكذلك عدد الأسرة والفنيين والفنيات العاملين في القطاع الصحي.. ومن ثم فإن السيطرة العلمية على عدد السكان للوصول إلى عدد معين من السكان سوف يسهل مهمة الدولة في الرقي بالخدمات الطبية والتخطيط لها جيدا.
  • بما أن عدد المصابين في حوادث السير كبير جدا وأنهم يحتلون أسرة المستشفيات مما يحد من تقديم الخدمة للمرضى الآخرين فأن من الضروري وضع خطة وطنية شاملة للتخفيف من حوادث السير وأعداد المعاقين بسببها؛ بحيث نقلص نفقات الحوادث على القطاع الصحي… نحن بذلك سنوفر أرواح الكثيرين ونحميهم من الإصابات المكلفة كما أننا سنوفر ملايين الريالات التي تصرف على مصابي الحوادث والتي يمكن توجيهها للتوسع في الخدمات الطبية.
  • الهدر في الأدوية.. فالسلوك الاجتماعي الذي نراه ونلمسه هو أن هناك هدر كبير في استخدام الأدوية التي توفرها الدولة بملايين الريالات، وبالتالي يلزم أن يكون هناك ترشيد قوي وصارم في صرف أدوية المرضى بحيث نصرف للمريض حاجته فقط … ولا مانع من عد الحبوب والعقاقير الأخرى وتقنين صرفها كما تفعل مستشفيات الغرب وأن تكون الأدوية معبأة محليا بنفس صيدلية المستشفى لتوفير الأدوية التي يتم أحيانا التخلص منها بعد أن يشفى المريض.. هذا الإجراء سيوفر ملايين الريالات التي توجه لخدمات طبية أخرى.
  • بما أن عدد مرضى السكر في المملكة كبير (٣٥٪ من السكان) فربما يكون ملائماً تخصيص عيادات خاصة لمرضى السكري تفصل عن المستشفيات.. ويخصص أقسام منها لكبار السن لتقديم الرعاية اللازمة لهم في مثل هذه السن التي تزداد فيها الحاجة للرعاية الطبية.
  • التأكيد على فكرة الحد من مركزية وزارة الصحة فيما يخص الانفاق على المناطق وأن يخصص لكل منطقة ميزانية مستقلة تستفيد منها صحيا حسب حاجتها مع مراقبة الوزارة لذلك؛ فاللامركزية تعد مطلبا أساسيا للقضاء على بيروقراطية الوزارة ولتسريع تقديم الخدمات.

وتساءل أ. عبدالله بن كدسه: ماذا لو تم تسليم القطاع الصحي بالكامل للقطاع الخاص وأصبح هناك تأمين لكل السعوديين والمقيمين .. وتسلم كل مستشفيات الحكومة لشركات تشغيل صحية ويتم تشجيع رجال الأعمال بإنشاء مستشفيات بإعطائهم قروض أو ما شابه ويُفتح الباب لمزيد من شركات التأمين وكل مؤسسة حكومية سواء وزارة أو هيئة أو جامعة تتحمل تكاليف التأمين للموظفين وذويهم .. القطاع الخاص هو من سيطور القطاع الصحي .. ويصبح دور الوزارة دور رقابي على أداء المستشفيات وجودة عمله.

وعلق أ. عبدالله آل حامد على تساؤل أ. عبدالله بن كدسه بقوله: سبق وسمعت رد د. الربيعة عندما كان وزيرا للصحة على ذات السؤال لأحد الإعلاميين بالقول إن هذا الأجراء سيرفع من أسعار وتكاليف التجهيزات والمواد الصحية.. رغم أننا أستبشرنا خيرا بتعيين المهندس الفالح كونها رسالة لتوجه الدولة نحو الخصخصة.

وترى أ. ليلى الشهراني أيضاً أن الخصخصة قد تكون حلا إذا كانت تحت إشراف الوزارة ومتابعتها ، فكما نعلم أن البعض ينظر للطب كتجارة وليس كمهنة إنسانية فيجلب لمشروعه الطبي ما رخص ثمنه وزاد ربحه ، ولعل أكثر الشهادات الطبية المزورة هي في مستشفياتنا الخاصة ، أيضا الأسعار المبالغ فيها بداية من علاج الأسنان انتهاء بالعمليات الكبرى، من أين يدفع فقير الحال ؟

واقترح أ. خالد الوابل قيام وزارة الصحة بإقرار السجل الطبي الموحد؛ باعتبار أن هذا سيقضي على تلاعب الأطباء وتنقل المريض من طبيب لآخر، وهذا بحد ذاته يرفع مستوى الخدمات الصحية؛ فضلاً عن ضرورة الاهتمام بالطب الوقائي والحوادث المرورية وتحسين أداء المرور.

وأيدت د. سامية العمودي مقترح أ. خالد الوابل فيما يخص الحوادث المروية والحاجة إلى تعزيز مفهوم الطب الوقائي، وأشارت في هذا الصدد إلى أنها مؤخراً كانت في زيارة إلى القاهرة بدعوة من منظمة الصحة العالمية وكان الاتجاه في التحول من الاكتشاف المبكر إلى مفهوم الوقاية الشاملة.

ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي فإن الصحة في المملكة بحاجة إلى ما يلي:

  • تخطيط سليم يتولاه نخبة من المتخصصين الصحيين بجانب متخصصين في الإدارة الصحية يستندون فيه إلى معلومات ديموغرافية دقيقة وشاملة كما تفضلتِ د. سامية وكما أشارت بعض المداخلات السالفة، عن كل ما يتعلق بحجم وتركيبة السكان وتوزيعهم وطبيعة الأمراض التي يتعرض لها الناس في المناطق المختلفة مُستفيدين من الأبحاث والدراسات الصحية التي تم تطبيقها في كليات الطب والمراكز العلمية ومُستنيرين بالتجارب المُماثلة عربياً وإقليمياً وعالمياً.
  • معالجة مشكلة نقص الكوادر الطبية والصحية بإعطاء الفرصة للجامعات العالمية المتخصصة بفتح فروع لها في المملكة وتشجيع الشركات الكبرى في القطاع الخاص والقطاع شبه الحكومي مثل سابك والاتصالات والبنوك على تمويل المنح التعليمية لشبابنا وشاباتنا وتحفيزهم ( أي القطاع الخاص ) من قبل الدولة بتسهيلات ودعم لوجستي وجوائز تنافسية سنوية على مستوى الدولة ، على سبيل المثال : منح وسام أو قلادة وطنية لأكثر البنوك التي قدمت منحاً تعليمية طبية لأبناءنا وبناتنا .
  • تطبيق البرامج الوقائية بشكل صحيح ومدروس وواقعي ومستمر (مناسب لطبيعة اهتمامات وتوجهات المواطنين) وبما يُفترض أن يوفر على ميزانية الدولة الكثير من الانفاق على الجوانب الصحية.
  • تخفيف المركزية والعمل على استقلالية المناطق الإدارية في المملكة من حيث الخدمات التي تمس أولويات الناس ومن أهمها بالطبع الخدمات الصحية.

واتفقت د. سامية العمودي مع د. الجازي فيما يتعلق بتخفيف المركزية وتوزيع المسؤوليات كوننا بحاجة إلى تفكيك الإرث الإداري المتراكم على مدى عقود.

أيضاً فإن من القضايا المهمة في رأي اللواء د. سعد الشهراني ضرورة توحيد الملفات الطبية فهناك من له ملفات متعددة في مستشفيات متعددة بل هناك من يتلقى الخدمة الطبية و يأخذ أولوية حتى بدون وجود رقم طبي له بسبب النفوذ و الواسطة ، و بالمقابل هناك من يتسول الخدمة و جموع من الفقراء و البسطاء الذين تضيق بهم ردهات المستشفيات تعاني من سوء الإدارة و البنى الأساسية و سوء توزيع الموارد و الأسرة و الأدوية و التجهيزات والإنفاق. ربما لو تم تطوير وتنظيم وتقنين التأمين الصحي ثم أعطي كل مواطن نصيبه من الإنفاق الصحي العام و ترك يتدبر أمره لحصلنا على خدمة صحية أفضل. الحل للتعليم و الصحة وما يماثلهما – برأي د. سعد – يكمن في قطاع خاص متطور و قوانين و نظم تحكم العلاقات و الحقوق و خصخصة ما تملكه الدولة من بنى أساسية أنفق عليها التريليونات خلال العقود الماضية، حيث تقدم في أحيان كثيرة خدمات رديئة دون المستوى المطلوب.

وأوضح د. منصور المطيري أن هناك قضيتان لابد من ذكرهما في هذا الخصوص:

  • القضية الأولى: تتعلق بالنظام الصحي في المملكة ككل .. حيث يرى د. منصور أن تتبنى نظاماً مختلطاً بين التأمين و مجانية الصحة..  بمعنى أن تبقى الرعاية الصحية المجانية ولكن يقلص حجمها بما يكفي العاجزين عن الدفع و الساكنين في القرى البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى، مع التأكيد على عدم التفريط في جودة هذه الرعاية .. و ما عدا ذلك يمكن التوسع في التأمين الطبي التعاوني مع سن التشريعات التي تحمي المؤمن و تجعله في مركز قانوني أقوى من شركة التأمين عند الحاجة للعلاج .. كما يرى د. المطيري ضرورة توحيد معايير بناء المنشأة الصحية الصغيرة خصوصاً في الأرياف و المناطق النائية بحيث تكون جودتها و شكلها واحد.
  • القضية الثانية: مسألة التعليم الصحي ..اهتم التعليم الصحي في الجامعات العريقة كجامعة الملك سعود والملك عبدالعزيز بالجودة و  الكيف في مخرجاتها و لو أنها قصرت في الكم .. لكن الكارثة الحقيقية تتمثل في غالبية مؤسسات التعليم الأهلي ثم بعض الجامعات الناشئة ..فقد اهتمت كثيراً جداً بالكم على حساب الجودة و الكيف.. ويضيف د. منصور قوله: أتوقع مأساة حقيقية قادمة في كفاءة مخرجاته من الممارسين الطبيبين بجميع تخصصاتهم .. تصوروا أن جامعة الملك سعود مع عراقتها و إمكاناتها تقبل في كلية طب الأسنان مثلا ١٢٠ طالب و طالبة بينما كلية أهلية في مبنى مستأجر تقبل قريباً من ٣٠٠ طالب و طالبة .. و العدد هنا هام جدا لضرورة توفير الاحتياجات التعليمية و الدراسية لكل طالب من معامل و أدوات ومكاتب إضافة إلى الحالات السريرية التي يحتاجها كل طالب للتخرج والتي من المستحيل توفيرها لمثل هذا العدد… .. انتظروا المأساة !!

وترى د. سامية العمودي أن هذه الأرقام مخيفة خاصة مع الوضع في الاعتبار أن كليات الأسنان تحديداً تختلف عن البشري حيث يمكن تدريب عشرين طالب على مريض واحد لأنه فحص إكلينيكي ، أما طالب طب الأسنان فيحتاج كل طالب مقعد فحص الأسنان له وحده لأنها معدات وتداخلات؛ ولأنها مكلفة تكتفي الجامعات الحكومية بعدد طلبة أسنان وفقاً لعدد الكراسي المتاحة. وعليه تساءلت د. سامية: كيف نأمل في غد أفضل والحال يتردى وأين الهيئة السعودية والوزارات عن هذه الكليات؟

وقال د. عبداللطيف العوين: من المنظور الاستراتيجي اقتراح التطوير يمكن أن يبحث على سبيل المثال عدد المتقاعدين من المواطنين ونسبة زيادتهم ونوع وكم الرعاية الصحية التي يحتاجونها.

واهتم اللواء د. سعد الشهراني بالقضاء على الفساد الإداري في تقديم الخدمة والمحسوبية ، مع ضرورة أن يكون هناك ملف طبي واحد فقط لكل مواطن بحيث لا يتم تلقى العلاج أو صرف الأدوية بملفات و أرقام طبية متعددة كما لا يتم التحويل من مستشفى إلى آخر إلا من خلال نظام إليكتروني دقيق و بمبررات طبية واضحة.

واتفق د. خالد الرديعان مع د. سعد فيما يخص ضرورة القضاء على الفساد الإداري والمحسوبية في تقديم الخدمة الصحية وكذلك ما يتعلق بضرورة وجود الملف الطبي الموحد مع تطبيق التقنية في تقديم الخدمة لمنع العنصر البشري من إفساد الوضع. وأضاف أ.د. عبدالرحمن العناد ضرورة التغلب على مسألة انتشار “الواسطة” للعلاج بالخارج.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

( حسب الحروف الأبجدية )

  • ‪د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
  • السفير أ. أسامة نقلي
  • د. الجازي الشبيكي
  • م. حسام بحيري
  • د. حسين الحكمي
  • د. حمد الماجد
  • د. حميد المزروع
  • د. خالد الرديعان
  • أ. خالد الوابل
  • د. خالد بن دهيش
  • أ. خالد الحارثي
  • د. زياد الدريس
  • م. سالم المري
  • د. سامية العمودي
  • اللواء د. سعد الشهراني
  • أ. سعيد الزهراني
  • أ. سمير الزهراني
  • د. طلحة فدعق
  • د. عائشة حجازي
  • أ.د. عبدالرحمن العناد
  • د. عبدالرحمن الهدلق
  • د. عبدالسلام الوايل
  • أ. عبدالله آل حامد
  • د. عبداللطيف العوين
  • د. عبدالله الحمود (رئيس اللجنة الإشرافية على منتدى أسبار)
  • أ. عبدالله الضويحي
  • أ. عبدالله بن كدسه
  • د. علي الحكمي
  • أ. علي عبدالله بن علي
  • أ. فاطمة الشريف
  • د. فايز الشهري
  • أ. فايزة الحربي
  • د. فاطمة القرني
  • د. فهد الحارثي
  • أ. كوثر الأربش
  • أ. ليلى الشهراني
  • د. محمد السلمي
  • د. مساعد المحيا
  • د. مسفر السلولي
  • أ. مسفر الموسى
  • أ. مطشر المرشد
  • د. منصور المطيري
  • د. منى أبو سليمان
  • د. ناهد طاهر
  • د.م. نصر الصحاف
  • أ. هادي العلياني
  • أ. يحيي الأمير
  • أ. يوسف الكويليت

تحميل المرفقات : التقرير الشهري السادس

تحميل المرفقات