التقرير الشهري 8

 شهر نوفمبر 2015م

ناقش أعضاء منتدى أسبار خلال شهر نوفمبر 2015م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر ، وشملت القضايا التالية:

  • متتالية التسارع في بيئة الاتصال الالكتروني
  • الوسائط الخفية للإعلام والاتصال: هيمنة الألعاب الإلكترونية
  • لماذا لا يحب أبناؤنا المدرسة ؛ وكيف نجعلها بيئة جاذبة؟
  • قراءات في أبعاد القمة العربية اللاتينية
  • بعض التحيزات والأخطاء في اتخاذ القرار
  • الفساد: الإشكالات المتضمنة وسبل المواجهة في ضوء التجارب الدولية
  • التفجيرات الإرهابية في فرنسا: تداعياتها والأبعاد المتضمنة

محتويات التقرير

المحور الأول: متتالية التسارع في بيئة الاتصال الالكتروني

  • الورقة الرئيسة : أ. سعيد الزهراني
  • افتراضات الورقة
  • جذور السرعة والتسارع في بيئة الاتصال
  • شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية.. أنموذج المتتالية
  • متوالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني.. التأثيرات العميقة
  • متتالية التسارع الإلكتروني.. المسارات؛ المنهجية التنظيرية.. والتخطيطية المستقبلية
  • النتائج والتوصيات
  • التعقيب الأول: د. خالد الرديعان
  • التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا
  • المداخلات حول القضية: (متتالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني)
  • وماذا عن إيجابيات البيئة الاتصالية؟
  • مرتكزات الإعلام الجديد
  • مراحل التطور التقني
  • التقنيات الحديثة والحرب الخفية
  • هل التقنية أصبحت خياراً لا يمكن تجاوزه؟
  • الحاجة تولد الإبداع

المحور الثاني: الوسائط الخفية للإعلام والاتصال: هيمنة الألعاب الإلكترونية

  • الورقة الرئيسة : أ. رائد عبدالله الحمود
  • التعقيب الأول: د. حسين الحكمي
  • التعقيب الثاني: د. علي الحكمي
  • المداخلات حول القضية: (الوسائط الخفية للإعلام والاتصال: هيمنة الألعاب الإلكترونية)
  • الألعاب الإلكترونية من الترفيه إلى الغرس الثقافي للقيم والمفاهيم
  • الأبعاد الأيديولوجية الخفية ومخاطر الألعاب الإلكترونية
  • معهد متخصص لتدريس التقنيات المرتبطة بالألعاب الإلكترونية

المحور الثالث: لماذا لا يحب أبناؤنا المدرسة ؛ وكيف نجعلها بيئة جاذبة؟

  • الورقة الرئيسة : د. خالد الرديعان
  • التعقيب الأول: د. مساعد المحيا
  • التعقيب الثاني: أ. عبدالله الضويحي
  • المداخلات حول القضية (لماذا لا يحب أبناؤنا المدرسة ؛ وكيف نجعلها بيئة جاذبة؟)
  • المدرسة الجاذبة والمدرسة الطاردة
  • المعلم المؤهل عنصر رئيس للجذب
  • منظومة التعليم العام: الجميع يكره الجميع

المحور الرابع: قراءات في أبعاد القمة العربية اللاتينية

  • العرب وأميركا الجنوبيّة: قمة حضاريّة لا سياسيّة: د. فايز الشهري
  • القمه العربية الجنوب أمريكية (أمال وتطلعات) : د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • القمة وأهمية التقارب السعودي – اللاتيني: د. عبد الله بن صالح الحمود
  • حول قمة العرب وأمريكا اللاتينية: أ. عبدالله الضويحي
  • تأملات من واقع قمم سابقة: د. مساعد المحيا
  • مداخلات ختامية

المحور الخامس: بعض التحيزات والأخطاء في اتخاذ القرار

  • الورقة الرئيسة : د. علي الحكمي
  • (تأثير تأطير القرار) – صياغة المشكلة
  • كيف يتم تجنب هذا الخطأ؟
  • الثقة المفرطة
  • كيف يمكن التقليل من الثقة المفرطة؟
  • خديعة التكلفة الغارقة وتحيز الالتزام المتصاعد بالقرار
  • أسباب خديعة التكلفة الغارقة وتحيز الالتزام المتصاعد
  • التعقيب الأول: د. فهد الحارثي
  • التعقيب الثاني: د. سعد الشهراني
  • المداخلات حول القضية: (بعض التحيزات والأخطاء في اتخاذ القرار)
  • مراحل اتخاذ القرار وتصنيفاته
  • تأطير القرار والإشكاليات ذات الصلة
  • الجندر وعلاقته باتخاذ القرار

المحور السادس: الفساد: الإشكالات المتضمنة وسبل المواجهة في ضوء التجارب الدولية

  • مفهوم الفساد وأهمية مواجهته
  • الفساد ومستويات التحليل الملائمة
  • الفساد وسيول جدة (مثال عملي)
  • الفساد في القطاع الأكاديمي : د. خالد الرديعان
  • الفساد: آليات التصدي ومعوقات المواجهة
  • الإعلام ومكـافحة الفســاد : د. إبراهيم البعيز
  • الصحافة الاستقصائية ودورها في صناعة القرار والقضاء على الفساد: أ. مسفر الموسى
  • الفساد من منظور نفسي: د. على الحكمي
  • تجارب دولية في مجال مكافحة الفساد:
  • رؤية البنك الدولي : أ. خالد الوابل
  • تجربة مصرفية لمكافحة الفساد: أ. مطشر المرشد
  • تجارب دولية في مجال مكافحة الفساد (مدخل إعلامي اتصالي): د. عبدالله بن ناصر الحمود

المحور السابع: التفجيرات الإرهابية في فرنسا: تداعياتها والأبعاد المتضمنة

  • الإرهاب قبيح وتبريره جريمة
  • المسلمين في فرنسا.. وماذا بعد الأحداث؟
  • تداعيات أخرى لأحداث فرنسا الإرهابية
  • آليات التعامل المناسب مع الأحداث الإرهابية بفرنسا
  • أحداث باريس وموقف أوربا والغرب من قضايا العرب والمسلمين

المحور الأول

متتالية التسارع في بيئة الاتصال الالكتروني

الورقة الرئيسة : أ. سعيد الزهراني

الجزء الأول: عرض الرؤية

تفترض هذه الورقة وجود علل ضمنية جراء محورية سمة السرعة في بيئة الاتصال الإلكتروني تسير جنباً إلى جنب إزاء الخصائص والميزات الموجبة.. وكأننا أمام حالة شبيهة بعلّة النظرية تلك التي تحمل بذور فنائها بين طياتها.. مستندة في هذا الاتجاه إلى (المقولة) الرئيسية التي تحاول أن تنتجها الورقة ـ ولو في صورة أو تصور أوليين ـ والمتمثلة في (متتالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني)..

افتراضات الورقة:

أن معامل السرعة في بيئة الاتصال الإلكتروني يتمظهر في مسارين رئيسيين:

  • المسار الأول: من حيث تسارع ولادة وظهور الأجناس أو التطبيقات أو البرمجيات أو الصيغ الاتصالية داخل بيئة الاتصال الإلكتروني ككل..  إذ تفترض الورقة أن هناك حالة تسارعية تتمظهر في شكل متتالية مطردة.. حيث تبدأ بظهور وولادة صيغة أو برمجية أو تطبيق أو جنس اتصالي اجتماعي إليكتروني.. ثم ينمو وينتشر.. ثم يأخذ في التلاشي والفناء أو الضمور.. في ظل ظهور وولادة صيغة أو برمجية أو تطبيق أو جنس اتصالي اجتماعي إلكتروني جديد.. يحضر مطوراً أداة جديدة تستجيب لحاجة لم يكن الجنس أو التطبيق السابق يوفرها.. ثم ينمو وينتشر.. ثم يأخذ هو الآخر نحو التلاشي والفناء أو الضمور.. في ظل ولادة جنس أو تطبيق أو برمجية أحدث.. يحضر موفراً أداة جديدة تلبي ميزة أو خاصية ليست في الأجناس أو التطبيقات أو البرمجيات السابقة.. وهكذا تستمر المتتالية..
  • المسار الثاني: من حيث اعتماد السرعة في الاستخدام أو التفاعل أو التعاطي داخل الجنس أو التطبيق أو البرمجية أو الصيغة الاتصالية  نفسها كل على حدة.

جذور السرعة والتسارع في بيئة الاتصال:

في اتصال شفاهي مباشر عبّر أستاذ الإعلام الجديد د. فايز الشهري عن رؤية فلسفية تتناول الحالة الاتصالية العامة من خلال العجلة (عجلات العربة أو السيارة ونحوهما) بالقول: العجلة أحد أهم الأدوات التي أدت إلى تنامي وتعاظم الاتصال والتواصل.. في إشارة بليغة إلى شكل العجلة المستدير وما يتعلق به من إمكانية النقل والانتقال ـ إنساناً ومتاعاً وثقافة وتواصلاً واتصالاً وتفاعلاً ـ بيسر وسهولة وسرعة وتسارع.. مثلما نشاهد اليوم وعلى امتداد التتبع التاريخي لسيرورة وصيرورة الفعل التواصلي الإنساني عبر منتجات الانتقال/الاتصال.

العجيب أن الدلالة المعجمية لمفردة (عجلة) تعني (السرعة) وفي قاموس الإحصاء والجبر المرتبط بحقل الفيزياء الذي يعد ميدان السرعة وأبوها الشرعي والروحي بدءاً بالضوء وانتهاءاً بالموجات والاهتزازات تفيد بأنها ـ أي العجلة ـ تعني: مُعدَّل تغيير السُّرعة لجسم متحرّك…. في مفارقة مثيرة تعيد المنتهى إلى المبتدأ لتعلن أن أصل الاتصال (الزمن)..

الأعجب من هذا حين نعود إلى أصل اللغة العربية لننقب عن جذور المعاني المرتبطة بالحقل الاتصالي الإلكتروني.. لنجد كلمة (آلي) التي تعد المنصة الرئيسية التي نشأ على أرضها ما يعرف بـ (بيئة الاتصال الإلكتروني/الآلي) إذ نجد في معاني تفكيكات (آلي) أن كلمة (الآل) تعني السراب.. وكلمة ( ألَّ ) أي: برق ولمع و(الألّ) هو السرعة والإسراع و(الآلة) تأتي بمعنى الأداة.. ما يجعلنا ننتهي إلى ذات المعاني المستخدمة إلكترونياً في العصر الحالي.. حيث يعبر السراب عن (الواقع وليس الواقع) أي الافتراضي.. والآلي الحاسوب ـ الحاسب الآلي ـ أياً كانت مقاييسه وحجمه وقدراته.. والذي بدونه لا يمكن أن يوجد الإلكترون الذي يحضر بخاصية السرعة المعبر عنها في معنى الجذر اللغوي بالالتماع وبالبرق..

شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية.. أنموذج المتتالية:

الاتجاه القائم نحو استهداف معامل السرعة في بيئة الاتصال الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر بجلاء من خلال موقعي تويتر وانستقرام الذين جسدا الاستجابة الوظيفية للاستخدام القائم على شرط البيئة الرئيس وهو السرعة وفعلها المستمر التسارع..

فحين يقرر تويتر حجم المشاركة في رسالة نصية حدودها 140 حرفاً.. فهذا يشير إلى تحقيق شرط الوصول بسرعة.. من حيث الفكرة ومن حيث الانفعال ومن حيث الإنتاج ومن حيث التفاعل ومن حيث الانتشار.. الأبعد من هذا حين يولد جنس اتصالي اجتماعي كامل معتمداً على الرمز والرمز فقط.. وهو ما اعتمده موقع انستقرام النامي والمتنامي بسرعة رهيبة.. في صورة تذهب إلى آخر حدود السرعة من حيث هي تذهب في حقيقة الأمر إلى المبتدأ الأول في عملية الاتصال والتواصل البشري القائم على الرموز والإشارات أي مرحلة ما قبل الشفاهي.. وكأننا أمام وحدة الزمن القائم على (الومض).

متوالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني.. التأثيرات العميقة:

على نحو تنبؤي يحمل صفة التحذير الذي لا يخلو من رعب.. يطلق عالم المستقبليات الفرنسي الشهير: بول فيريليو.. رؤيته حول ما عبر عنه بـ (الحادث) في مجرى حديثه عن تحولات الحالة الإنسانية العامة المرتبطة بتكنولوجيا الاتصال الحديثة.. محذراً من حادث لا يزال كامناً في الزمن الواقعي ـ وفق تعبيره ـ سينتج عن التسارع المتنامي لدى بيئة الاتصال الإلكتروني.. في حالة أشبه ما تكون بحوادث السيارات والقطارات وكل ما أفرزته خطوط الإنتاج على امتداد التاريخ..

يقول فيريليو: إن التكنولوجيات الجديدة لشبكة الاتصال سواء تعلق الأمر بإنترنت أو بأخرى غيرها.. تحمل في طياتها الحادث الخصوصي لكن لا يمكن التعرف على ذلك الحادث لعدم وجود قتلى ولأننا لا نرى سيارات محطمة أو أجسادا ممزقة.. إن الكشف عن الحادث في أية تكنولوجيا يمكن من تطوير وتمدين التقنية.. إن التقنية هي أولا الحادث..

أما عالم المستقبليات الشهير (الفين تولر) فيرى أن السرعات الضرورية بلغت درجة من الارتفاع صرنا معها نتذكر المبدأ القديم (المثل القديم) القائل: الوقت من ذهب.. ولكن هذا المثل يطرأ عليه التحديث من يوم إلى يوم، لحساب من يقول اليوم: إن كل دقيقة تمر تزيد قيمتُها عن الدقيقة التي سبقتها..

لقد كشفت إحدى الدراسات عن مخاطر تربوية وسلوكية تنتج عن استخدام الشبكة والتسارع الذي تتمتع به في انتشارها بين المستخدمين.. إذ سيؤدي إلى خطورة على المستوى الشخصي والمهني.. كذلك مشكلة ضعف التركيز على موضوع معين لفترة كافية، وهذا يعني في النهاية ضعف القدرة على الإنجاز في الحياة العملية، أو القدرة على الإنجاز الإبداعي.. حسبما يقوله أستاذ في كلية الطب في جامعة هارفارد الأمريكية ورئيس مركز دراسات يركز على “الإعلام وصحة الأطفال” فإن عقول الأطفال التي تنمو مع التكنولوجيا تتكون بشكل مختلف يجعلها غير قادرة على التركيز وذات نشاط عصبي معتاد على الانتقال بسرعة من شيء إلى آخر بلا توقف، وهو أمر تغذيه التكنولوجيا تدريجيا حتى يتحول إلى إدمان مسيطر على عقل الإنسان.

أما على المستوى المعرفي الثقافي المتصل بعملية التأليف والإنتاج الكتابي.. فتتمثل إحدى أهم التحولات العميقة التي أحدثتها الرقمية على عملية التواصل الثقافي والأدبي في تراجع القيمة الكتابية الحقيقية التي انخفض مستواها إلى درجات مؤسفة بتنا حيالها نردد سؤال الهوية ألف مرة: هل هذا الشيء كتاب حقاً؟ أم أنه مسخ مزيف على هيئة كتاب!!

إن تطبيقات الانترنت بمختلف تفريعاتها تقود عبر معامل السرعة والتسارع الذي هو السمة الأبرز لديها إلى خلق مجتمع إنساني غير منظم أو عبثي ومبعثر.. الأبعد من هذا أن غزارة تدفق المعلومات عبر منصات النشر الإلكتروني بصورة غير منضبطة من شأنها أن تخلق حالة من التبلد المعلوماتي وهي تلك الحالة التي تكون المعلومة فيها بلا قيمة.. ناهيك عن خطر تسطيح عملية التأمل في الظواهر والأحداث وقراءتها بتأن ووعي وحكمة وعمق وقبل هذا بعين ناقدة..

متتالية التسارع الإلكتروني.. المسارات؛ المنهجية التنظيرية.. والتخطيطية المستقبلية:

هناك حقيقة تستوقف المتأمل في دروب دراسة الشبكات الاجتماعية مؤداها أن الواقع يسير علي نحو سريع لم تتواكب مع سرعته النظريات والمنهجيات العلمية التي تنشغل بدراسة الشبكات الاجتماعية..

وفيما يتعلق بأدوات التطبيق المنهجي.. فالنقطة المبدئية في علم الاجتماع الرقمي هي كلية الزمن (المرتبط بالسرعة) وإذا علمنا أن أحد أهم منتجات العصر الرقمي تتمثل في إمكانية تخزين وتحليل المعلومات والبيانات التي ينتجها المستخدمون في البيئة الرقمية أو الإلكترونية فإن هذا سينعكس على إنتاج الزمن الحقيقي.. ما يعني في أحد التفسيرات أنه لن تكون هناك حاجة إلى البحث المستهلك للوقت الذي يتضمن مجتمع العينات اعتماداً على طرق تقليدية مثلاً فهي بطيئة وغير دقيقة.

ويتعدى الأمر فيما يتعلق بالتخطيط تحديداً إلى إمكانية القول بموت التخطيط الاستراتيجي في بيئة العمل المتعلقة بالاتصال الالكتروني.. إذ من المعلوم بداهة أن الرؤى الاستراتيجية تتطلب ميداناً طويل الأجل.. في الحين الذي يتقلص في المدى الزمني بفعل التسارع الذي هو سمة بيئة الاتصال الإلكتروني إلى مستوى تكتيكي قريب الأجل أو في إطار المدى المنظور..

بمعنى أن مدار التخطيط التكتيكي القصير بات مداراً تخطيطياً استراتيجياً.. أما التخطيط التكتيكي فقط تراجع إلى مستوى أقل وأضيق يمكن أن يعبر عنه بمدار الجدولة الوقتية القصيرة.. وذلك بالنظر إلى مقول الورقة المتمثلة في معامل التسارع الذي يعد سمة الاتصال الإلكتروني..

الجزء الثاني: النتائج والتوصيات

تتشكل على ضوء الطرح أعلاه جملة من النتائج على النحو الآتي:

  • (السرعة وفعلها المستمر التسارع) تتشكل من حيث الأجناس أو التطبيقات أو البرمجيات أو الصيغ الاتصالية داخل بيئة الاتصال الإلكتروني ككل.. ظهوراً وضموراً..
  • (السرعة وفعلها المستمر التسارع) تتخلق وتتمظهر في شكل متتالية ضمن بيئة الاتصال الإلكتروني يعبر عنها بمقولة: (متتالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني)..
  • (السرعة وفعلها المستمر التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني) تحمل بين طياتها انعكاسات سالبة على مستويات عميقة تأخذ صفة غير مرئية أو محسوسة ظرفياً يعبر عنها بـ (الحادث الكامن)..
  • (السرعة وفعلها المستمر التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني) تحمل بين طياتها انعكاسات سالبة على مستويات عميقة تتعلق بالنشء إبداعاً وتركيزاً وإتقاناً ونقداً ووعياً تحليلياً رصيناً وخلاّقاً..
  • واقع بيئة الاتصال الإلكتروني يسير علي نحو سريع.. لم تتواكب مع سرعته النظريات والمنهجيات العلمية..
  • في ظل تمدد بيئة الاتصال الإلكتروني تبرز تبدلات وتحولات جوهرية تمس الأدوات البحثية المنهجية مثل مجتمع العينات.. وذلك بالنظر إلى عامل الزمن المرتبط بالسرعة التي من شأنها أن تلغي ذلك المجتمع..
  • مدار التخطيط التكتيكي القصير بات مداراً تخطيطياً استراتيجياً.. أما التخطيط التكتيكي فقط تراجع إلى مستوى أقل وأضيق يمكن أن يعبر عنه بمدار الجدولة الوقتية القصيرة.. وذلك بالنظر إلى مقول الورقة المتمثلة في معامل التسارع الذي يعد سمة الاتصال الإلكتروني..
  • تتطابق التفكيكات اللغوية لجذور فعل التسارع واشتقاقاته مع مصطلحات البيئة الاتصالية الإلكترونية الحديثة.. الأهم من هذا حين تظهر التطابقات الدلالية فيما بينهما.. في صورة تبرهن على ثراء لغوي مهيب تكتنزه لغتنا العربية الخالدة..
  • أخيراً.. قراءة الانعكاسات السالبة لسمة السرعة والتسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني وتحديداً في المحورين الذين استهدفتهما الورقة.. لا تعني المناداة بالحد منها أو إلغائها.. وإنما محاولة لطرح رؤية ناقدة تستهدف إثارة الأسئلة واستنهاض الرؤى والأفكار نحو ما يمكن أن يقدم في هذا الإطار..

في ما يمكن أن يمثل توصيات ظنية:

  • ضرورة تفعيل المشاريع البحثية الناقدة في إطار ظواهر الاتصال الإلكتروني.. ومساءلة المعطيات والمسلمات وفق محددات علمية منضبطة بالشرط المنهجي..
  • الدفع نحو إنتاج المقولات المتعلقة بالحقل.. ومحاولة التجريب في هذا المسار..
  • أهمية إنتاج نماذج علمية تتناول بيئة الاتصال الإلكتروني تسهم في تحقيق أعلى درجات الإفادة الإيجابية من حيث الاستخدام..
  • أهمية العمل على إعادة قراءة المصطلحات الثابتة ومساءلتها دلالياً فيما يتعلق ببيئة الاتصال الإلكتروني..
  • العمل على إنتاج منهجيات علمية قادرة على استيعاب وتفسير الظواهر الناشئة ضمن بيئة الاتصال الإلكتروني..
  • التفكير في تأسيس مختبر علمي يعنى بدراسات بيئة الاتصال الإلكتروني منهجياً وتطبيقياً..

ويبقى التأكيد ـ من قبل ومن بعد ـ على أن ما تضمنته هذه الورقة.. ليس إلا رؤية واستفهامات بحثية.. يعتريها القصور.. وربما الانحراف إلى الهاوية.. مثلما تفعل عجلات السيارات والمركبات بقائديها كثيراً.

التعقيب الأول: د. خالد الرديعان

بداية لابد من التسليم أننا فعلا نعيش “صدمة المستقبل” التي تحدث عنها الفين توفلر قبل خمسين عاما في كتابه ذائع الصيت.. فالتقدم الذي حدث ويحدث في وسائل الاتصال والتواصل مذهل وسريع بمعنى الكلمة بل إن الاكتشافات في هذا الباب تحديدا هي الأكثر والأهم مقارنة بالاكتشافات الأخرى ، وليس الأمر كذلك بل إن التقدم في المجالات الأخرى ينعكس على بيئة الاتصال والتواصل وتقنياته. وهذا الأمر مخيف على المستوى الإنساني والاجتماعي بحكم دور التقنية وتأثيراتها التي تسلب الإنسان جزء مهما من إنسانيته وكينونته فيتم اختزال البشر ليصبحوا مجرد “كائنات رقمية ” في ظل “ثورة الديجتال”. وقد أصبحت الثورة الرقمية عنصرا مهما في حياتنا ومن دونها لا يمكن تصور الوضع. وتكمن المشكلة في السرعة التي علينا إتباعها للأخذ بكل جديد الأمر الذي جعلنا أشبه ما نكون بأدوات تخزين أو آلات.. وهذا هو مبعث خوفي..

لا أود أن يكون كلامي انعكاسا لما يعتمل في نفسي من شكوك ومخاوف لكني أزعم أن هذه المخاوف عامة وأنها تشغل بال الجميع.. لست سعيدا بالطبع بما يجري حولي وما أراه رغم الإيجابيات الكثيرة التي نشاهدها ونلمسها كل يوم على المستوى التقني. وسبب تشاؤمي هو أن هذه التقنية ليست وليدة تقدمنا بقدر ما هو تقدم الآخرين الذين ابتكروها كنتاج طبيعي لتقدمهم في الحقول الأخرى؛ في حين أننا أصبحنا مستهلكين لمنتجاتهم دون فرز مع سوء استخدام في الغالب مما كرس لدينا مشكلة الهوة الثقافية. Cultural lag التي تحدث عنها بعض علماء الاجتماع (أوجبرن ونيمكوف) والتي يشيرون بها إلى التقدم المادي والتقني الذي لا يصاحبه تقدم فكري واجتماعي وهو ما يعد من سمات الدول النامية… فخ ” الهوة الثقافية ” تحديدا هو ما يقلقني أكثر عندما أرى استخدام تقنية الاتصال والتواصل وعدم قدرتنا على مواكبة هذه التقنية واستيعابها على الصعيد الاجتماعي والفكري. مشكلة هذه الهوة أنها باتساع؛ ففي حين أن تقنية التواصل تزيد من التقارب بين البشر بفعل التطبيقات الجديدة وهو ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي بصورة جلية، إلا أننا كلما اقتربنا من بعض زاد التنافر فيما بيننا وزادت مشكلاتنا التي أصبحنا أقل قدرة في السيطرة عليها…هل يمكن مثلا القول أننا كمستهلكين سعداء أكثر من ذي قبل بفعل تقنية الاتصال والتواصل؟ هذا سؤال معلق أتركه لمن يود الاجابة عليه. نحن نعلم أن هدف التقنية في النهاية هو تسهيل إنجاز المهمات الإنسانية فهل تحقق ذلك فعلا في مجتمعاتنا التقليدية والمحافظة؟ هذا سؤال آخر أطرحه. نشاهد على سبيل المثال كثرة التطبيقات والبرامج الاتصالية وهي بالفعل متسارعة وكل يوم يفاجئنا السوق بما هو جديد لدرجة أنه أصبح لدينا تخمة تطبيقات لم نعد قادرين على ملاحقتها وهضمها. بل أننا صرنا نلهث أكثر وأكثر خلف كل ما هو جديد حتى ولو لم يكن مفيدا لنا.. أصبحنا بفعل هذا اللهاث الدائم أكثر استهلاكا وأقل انتاجا وهي مفارقة.. هناك أمر إيجابي يلزم عدم إغفاله وهو أن التقنية والمخترعات عموما تحدث تغيرات اجتماعية بنيوية مهمة فهل ما حدث في مجتمعاتنا من تغيرات هي أمور إيجابية أم أن السلبيات هي الطاغية. هذا سؤال ثالث مهم.

ومن ناحية أخرى يمكن التطرق إلى نقطة مهمة تتعلق بمنهجية البحث الاجتماعي والجدل بين الباحثين بخصوص عينات البحث الإلكترونية ومدى التعويل عليها عوضا عن العينات التقليدية التي يتم سحبها من الجمهور مباشرة،. ففي العينات الإلكترونية يتم التعامل مع الكيبورد ومن خلفه بصرف النظر عن أماكنهم وخصائصهم الديموغرافية. ويثور الجدل وهو ما طرحناه في هذا المنتدى قبل فترة حول ما إذا كانت العينة الإلكترونية ممثلة لمجتمع البحث أم لا.. هناك عدم اتفاق في المسألة.

أميل إلى أنها عينة ممثلة – على الأقل في مجتمعنا- بحكم اتساع نطاق المستخدمين للتقنية الإلكترونية وزيادة أعدادهم بصورة مذهلة وخاصة أجهزة الجوال الذكية ما يعني أن جمهورنا متجانس في توجهاته إلى حد كبير ومن ثم إمكانية التعويل على نتائج العينات الإلكترونية والمجتمع الافتراضي. قد لا يكون هذا الموضوع وثيق الصلة بموضوع الورقة الرئيسة.. لكن الورقة لفتت انتباهي إلى أن تقنيات التواصل السريع قد جعلتنا أكثر تجانسا على المستوى الفكري أي أننا نتجه لنصبح مخلوقات متشابهة دون أن ندري وبصورة تدريجية ومن ثم لن يكون لنا أي خصوصية كبشر.. سنصبح مثل البضائع التي ينتجها خط تجميع… سنكون نسخة من بعض وسنتطابق في كثير من خصائصنا بفعل التقنية ومن ثم نفقد إنسانيتنا… أليس هذا الأمر مقلق ومخيف؟؟

التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا

نعيش اليوم في بيئة اتصالية اجتماعية افتراضية تمنحنا الكثير من الوهم والقليل من الحقيقة .. وتعطينا الكثير من الإشباعات لكنها تسلب منا الكثير من أعز ما نفتقده الصحة والوقت … السرعة والآنية في بيئة الاتصال وتطبيقاتها جعلت الجمهور يفقد التركيز ولذا أخال مجتمعاتنا مقبلة على هلاميات النتائج مع ضياع الصحة وانتشار القلق والتوتر …حتى لدى النخب والمفكرين والعلماء.

مع أن أ. سعيد ركز في ورقته على تويتر والانستقرام كمثالين مهمين في عالم التسارع الاتصالي إلا أن جيل الشباب اليوم يعيش مع السناب شات على نحو أوسع وفي سرعة مذهلة .. وهي حال جعلت كل جمهور هذا التطبيق يشعر بأنه قد أضحى محطة تلفزيون يومية تقدم موادها “الفيديوية” للجمهور وتفرض عليه أن يشاهدها في اليوم نفسه وإلا فلن يتمكن من مشاهدتها لاحقا ومن لا يتاح له مشاهدة ذلك فهي مواد قد انتهت ، هذه البيئة الاتصالية فرضت الزاما غير موثق ولا مكتوب بعملية المشاهدة برغم تفاهة أو تواضع المادة المقدمة في أكثر الأحوال، الأمر الذي جعل الجمهور يمضي الكثير من الوقت في ممارسة مشاهدة قد تبدو ممتعة تماما كتلفزيون الواقع في الوقت الذي تستغرق وقته دون أن يشعر .. والتساؤل الذي يثير كثيرا في تسارع هذه البيئات الاتصالية هو إلى أين ستتجه بوصلتنا قريبا ..إلى أي تطبيق … نحن كمن ينتقل من حلوى جميلة إلى حلوى أجمل منها في ركض مستمر دون التوقف ولو للحظات أمام حجم ما نستهلكه وطبيعة آثاره وأضراره  وانعكاسات آثاره الصحية والنفسية .. أظن أننا مقبلون على تراكم آثار صحية ونفسية شديدة قد تتعقد معها صور العلاج أو الخروج من هذه الأزمات وقد نكتشف أننا فعلا منحنا كثيرا من هذه البيئة الاتصالية أوقاتا لم يكن يدر في خلد أي باحث يدرس بيئة الاتصال الاعلامي أن يتصور وصول حجم وقت الاستخدام لمثل هذا الوقت … لو قام باحث بإجراء دراسة حالة لعدد من مستخدمي هذه التطبيقات لربما اكتشف أنها تشمل كل أوقات الاستيقاظ بما فيها أوقات الطعام والترفيه والرياضة …فكثيرون لا ينفك تواصلهم عبر هذه التطبيقات خلال تلك الأوقات .. نحن كنا نتخوف من أن مجتمعاتنا التي كانت تسعد بالاجتماعات العائلية والأسرية والمجتمعية التي تقوم على لقاء البعض بمن يحب وجلوسه ومكوثه معه أوقاتا طويلة ستفقد روح هذه الاجتماعات لكننا وخلال فترة وجيزة أصبحنا نعيش في حالة من الفردانية التي خلقت بيئة اتصالية افتراضية توهمنا بجماليتها لكننا أصبحنا نفقد كثيرا من عوامل الأمن النفسي والاستقرار الاجتماعي إلى حالة من الأنانية المسيطرة والتي تتوغل كثيرا لتنتزع أجمل ما لدينا من حب للآخرين وتعاطف معهم إلى بناء حالة من النرجسية الممزوجة بإيهام النفس بفعل اجتماعي متطور … لم يعد الكثيرون يحتفون بلقاء والديهم وزوجاتهم وأبنائهم وإخوانهم وهم الأهم وأصبحنا نتوهم أننا نبني علاقة اجتماعية أوسع وأكبر والحقيقة أننا أصبحنا نحب أنفسنا أكثر وبدلا من حصولنا على حب من حولنا مع جفاف بعض عاطفته أصبحنا نبحث عن من يمنحنا التميز والشكر والاعجاب ولذا نوغل كثيرا باستخدام هذه التطبيقات وأخال أن منتجيها يدورون مع الأنا كثيرا …

إن هذه التطبيقات برغم أنها أصبحت تسمى تطبيقات الشبكات الاجتماعية أو منصات التواصل الاجتماعي إلا أننا فيما يبدو أصبحنا نبحث عن كل ما يجعلنا محل الإعجاب والتقدير بصورة أوسع وأكبر … هذا التسارع جعلنا مع هذه البيئة الاتصالية  نحتفي كثيرا بتطبيقات تأتي ثم ترحل ليحل محلها تطبيق أشد فتكا في أوقاتنا وأعمارنا وأكثر فداحة في الخسارة .. نحن نخسر أوقاتنا ونخسر صحتنا ونخسر علاقاتنا الأهم في حياتنا الاجتماعية والثمن في تقديري بخس وربما لن ندرك ذلك إلا بعد فوات الأوان .. وذلك كله لا يعني بحال أن هذه البيئة الاتصالية المتسارعة والجديدة قدمت ولا تزال تقدم لنا الكثير من الإيجابيات والمنافع المجتمعية والشخصية وهو أمر لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه.

المداخلات حول القضية: (متتالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني)

وماذا عن إيجابيات البيئة الاتصالية؟

لاحظ أ.د. عبدالرحمن العناد بشكل عام أن ورقة أ. سعيد الزهراني وتعقيب د. خالد الرديعان وكذلك د. مساعد المحيا عليها ركزت على الجوانب السلبية والمخاوف من هذا التسارع ولم يجد – برأيه – تلميحا لإيجابيات هذه البيئة الاتصالية العالمية التي ألغت المسافات وساهمت في سرعة وكثافة تبادل الأفكار والمعلومات والأخبار والآراء دون قيود (حكومية) ووفرت لنا خدمات إلكترونية متعددة نقوم بها من خلال أجهزة صغيرة نشتري ونبيع ونحجز ونتعلم ونتعامل مع الحكومة الإلكترونية بل ونطلب وجبة من مطعم أو سيارة توصيل أو تاكسي وغير ذلك كثير … هذه الفوائد الكبيرة تراكمت مع تطور سرعة الإنترنت وتطور التطبيقات وكل المخاوف من التأثيرات السلبية لأي تقنية ستزول بعد انتهاء فترة الانبهار بالوسيلة وسيعمد الأفراد إلى ترشيد استخدامهم لها أو التحول لوسائل أحدث…. كانت تخوفات مشابهة منتشرة أيام ذيوع الفيديو ومحلات تأجير أفلامه ثم ظهرت تخوفات مع بدء البث التلفزيوني الفضائي فالإنترنت وبدايتها والساحات … وهكذا … واختتم أ.د. عبدالرحمن العناد مداخلته بقوله: استفيدوا من التطورات المتلاحقة وتطبيقات الخدمات المتعددة  وأسالوا أطفالكم المساعدة في استخدامها. .. فليس عيبا أن يطلب الأب مساعدة من طفل لم يتجاوز 10 سنوات.

أما أ. ليلى الشهراني فقالت في مداخلتها: عندما أنظر اليوم لكل هذه البرامج الجديدة تعود بي الذاكرة لبداية دخول النت للسعودية ، وقتها لم يكن هناك إلا المنتديات وغرف الدردشة والبالتوك والمسينجر ، ثم دخلت المدونات الشخصية وتبعها الفيس بوك ووصلنا اليوم إلى تويتر والانستقرام وسناب شات وبرامج لا نعرف عنها شيئا لجهل بعضنا بها ، نعم سرقت من أوقاتنا الكثير ، وبالمقابل أفادتنا كثيرا ، قد يكون العالم فيها افتراضي ولكنه حقيقي ، بشر من كل البلدان ومن جميع الثقافات والمستويات الفكرية والعلمية والاجتماعية ، تتعرف عليهم عن قرب بعد أن كان الإنسان لا يعرف إلا حدود قريته أو مدينته … عجلة العولمة التكنولوجية لا تتوقف هي في حالة دوران مستمر ، والخلل ليس فيها بل في من يتعامل معها ، فكل ميسر لما خلق له ، ليس بالضرورة أن يكون لي في كل برنامج حساب ، نحن من يحدد ما يناسبنا من دون أن يغرقنا ، وهذا الحال ينطبق على حياة أطفالنا.

مرتكزات الإعلام الجديد

أوضح د. فايز الشهري في مداخلته أن الإعلام الجديد في أدواته ومحتواه ظهر وانتشر وفق مرتكزين أساسيين : الأول: اندماج الوسائل والثاني: انتقال التحكم إلى الجمهور. ومن هنا نحلل الظاهرة كما صورها أ. سعيد في المرتكز الأول كانت قضية السرعة والتسارع . والسرعة تشمل سرعة إنتاج المعلومة وسرعة توزيعها وسرعة انتشارها ومن جهة أخرى وهذا هو الأهم سرعة تطور الوسيط الناقل عبر الإنترنت والهواتف الذكية على وجه الخصوص. هذه السرعة في إنتاج ونقل وتوزيع المحتوى أدت إلى ارتباك المستخدم وهو في دور الاستقبال وكان التأثير المباشر هو سؤال المصداقية ثم سؤال الدور بعد استقبال المعلومة ولهذا أصبحت هذه الشبكات أكبر مصنع لإعادة تدوير الأفكار بين مستخدمي الأجهزة. أصبح التدوير (إعادة الارسال – التغريد) سمة للمستخدم النشط لهذه الوسائط. ونأتي إلى عامل تقني آخر وهو سرعة تغير الوسائط  ظهرت مجموعات الأخبار واختفت ثم المنتديات وتضاءلت ثم المدونات التي تراجعت ثم بعض الوسائط والشبكات الاجتماعية التي تفاوتت حظوظها بين ظهور سريع وانطفاء سريع مثل الكيك وبعض الشبكات مثل ماي سبيس وغيرها. وفي عامل التسارع والسرعة كانت الوسائل التقليدية في السابق بيد الكبار (في السن) سواء من حيث الادارة أو العمل الإعلامي وطبعوا هذه الوسائل برتابة الكبار وأصبحت هذه الرتابة سمة الإعلام التقليدي ومن جهة أخرى ظهر الإعلام الجديد على يد الشباب وطور الشباب معظم أدواته وهم اليوم سادة المشهد الإلكتروني. إذا هناك وسائط تسمح بالسرعة وثقافة تعزز للسرعة وجيل جديد من الشباب أبرز خصائصه السرعة والحيوية فزاد من تسارع المحتوى وتسارع الابتكارات ومعها تسارع الحكم واستباق النتيجة. هل الإعلام الجديد كتراث إنساني سيحسب بعد الفورة بموازين الرشد أم سيكون بعد أن يصبح هذا المحتوى الذي نتقاذفه في عصر قادم محل تندر وعجب…… الحكم للأجيال القادمة.

وأشار د. حمزة بيت المال في مداخلته حول مسار تطور تقنيات الاتصال، إلى أن التقنية قد سارت بين مجالين: الأول: الاستجابة للحاجة البشرية للتواصل مع الآخرين والثاني: تحقيق أمنيات أن حاجة الإنسان للتواصل مع الآخرين قائمة منذ الأزل، حيث جاءت الوسائل ووسعت وطورت هذه الحاجة من أبرزها البريد ثم الهاتف…..الخ … الأمنيات أن تكون سريعة بالصوت ثم الصورة….الخ، لذلك فإن العاملين في مجال الاختراعات هم في الواقع يستجيبوا للحاجة والأمنيات بالطبع بسبب السرعة وقدرة التخزين… أصبحنا نعيش حالة من التخمة المعلوماتية – والقول هنا معلومات وليس معارف – إن التحدي هو تحويل المعلومات إلى معارف وهذه هي التي يدخل الجهد البشري في إنتاجها .. و يرى علماء الاتصال أن ما تمر به البشرية ثورة ستهدأ بعد فترة المراهقة ويعاد توزيع الأدوار بين التقنيات المتعددة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي .. هذا لا يعني العودة للماضي لكن هو واقع جديد يتم التعود عليه بانتظار ثورة أخرى تغير الواقع.

مراحل التطور التقني

من جانبه أوضح د. إبراهيم البعيز أن التقنية بأشكالها المختلفة قد مرت بثلاث مراحل:

  • كانت البداية مع الثورة الصناعية، حيث كانت التقنية امتداد لعضلات الإنسان muscles ، بعد أن تجاوز مرحلة تسخير عضلات الحيوان وخاصة في مجال المواصلات وتمثل ذلك في التحول من الحيوانات إلى القطارات والسيارات والطائرات.
  • أتت الثورة المعلوماتية لتكون التقنية امتداد لعقل brain الإنسان وذلك من خلال الحاسب وقدراته المذهلة في حفظ المعلومات ومعالجتها واسترجاعها وتمثل ذلك في كل مراحل تطور الحاسب.
  • لعلنا الآن فيما يمكن اعتباره مرحلة ثالثة تتمثل في أن التقنية امتداد لعواطف الإنسان وعلاقاته الاجتماعية والاتصالية (على المستوى الشخصي – الجمعي – الجماهيري/الإعلام)، والتي بدأنا نشهدها في هذه التطبيقات المتتالية المتشابهة في وظائفها وإن اختلفت في أشكالها.

علينا أن نعيد النظر في مقولة (الحاجة أم الاختراع) … ما نلاحظه أن التقنية لا تأتي لتلبية حاجة، بل العكس أنها تأتي وبعد ذلك نبدأ بالبحث عن كيفية الاستفادة منها، ونكتشف أنها تجاوزت بمسافات بعيدة ما كنّا نتوقعه من تطبيق واستفادة محتملة لها … فهذه التقنية تسير بسرعة أكبر بكثير مما يمكن أن نتخيله من فوائد لها.

التقنيات الحديثة والحرب الخفية

ذكرت أ. فايزة الحربي في مداخلتها حول ورقة أ. سعيد الزهراني: متتالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني، أن الإنترنت وخدماته وتطبيقاته لم يعد مرحلة أو قضية، فلقد أصبحنا في حرب خفية مع هذه التطبيقات نحلق في إيجابياتها ونتهاوى في سلبياتها … السرعة التي وفرتها خدمات الاتصال الإلكتروني لم تكن خاطرة تراودنا فكيف لنا بحكومة إلكترونية وتسوق إلكتروني وإجراء المعاملات التي كانت ترهقنا في اصطفاف بالطابور ومشاوير ومضيعة أوقاتنا … الآن بضغطة زر والعالم كله بين أطراف أصابعك إضافة لخدمات تجانس الأفكار والخبرات بين المهتمين في مجال متخصص أو عام، فلا تتكلف بإيصال أفكارك أو خبراتك أو بالوصول للأخرين وأفكارهم … تقنيات اختصرت علينا دهور وعصور كنا نخوض السفر والترحال للقاء عالم أو شيخ والآن نحتار بين هؤلاء العلماء فلا تجد وقتا لسماع محاضراتهم أو قراءة نصائحهم أو كتبهم … عالم متسارع بقدر ما تحاول اللاحق به لا تستطيع… لذلك من المهم التركيز على حاجتنا منه وعدم الضياع في متاهاته وذلك أمر بالغ الأهمية، فيفترض بنا وضع منهج دراسي لذلك مع تعميق وعي الآباء والمربين بالتركيز على نشر ثقافة التعامل الجيد مع قنوات الاتصال الإلكترونية… أما التسارع الإلكتروني من جانب سلبياته فقد أثري الموضوع بدرر وأفكار تستحث وتتطلب الحماية والحد من هذا الوحش أو اللص الذي اخترق بيوتنا وعقولنا وأبنائنا وللأسف أثر في قيمنا وعاداتنا الجميلة، وهو وصل إلى العقيدة ويزاحم فيها فنشر الكثير من الفكر ضد الدين ليزعزعه وصل للإلحاد عند بعض أبناء المسلمين للأسف … نريد أن يستفاد من هذه التقنيات مع حماية قوية ضد اختراقاته وسلبياته.

هل التقنية أصبحت خياراً لا يمكن تجاوزه؟

تطرق د. سعد الشهراني في مداخلته على ورقة أ. سعيد الزهراني إلى أنه وبالرغم من سلبيات هذه التقنيات إلا أنها لم تعد خيارا يمكن تجاوزه إلى غيره بل هي قطار تستقله الإنسانية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها… نعم نحن لم نسهم فيها و لا نستطيع التحكم فيها (إلا بدرجة محدودة جدا و قد لا ننجح) إلا أنها قدر للإنسانية جمعاء و الغريب أننا من أكثر شعوب العالم استهلاكا و استخداما لها و السبب معروف و واضح: الوفرة المادية في  هذه المرحلة… إيجابيات تقنيات الاتصالات و المعلومات لا تعد و لا تحصى و سلبياتها كثيرة … و ربما أن أهم سلبياتها على الفرد انغماسه فيها إلى درجة أنه يصدق و يستخدم كل ما فيها وينشره على فرضية أنه صحيح و مفيد و ثانيا أصبح الإنسان يكرس جل وقته لها وفي أحيان كثيرة على حساب علاقاته و قيمه الاجتماعية  و مصالحه وصحته و سلامته العقلية والنفسية والمادية ( استخدامها في السيارة مثلا) … من أهم إيجابيات هذه التقنية أنها مكنت المهمشين و المواطنين عموما من الإبلاغ عن مشكلاتهم و قصور و تقصير المؤسسات و الموظفين العامين بل و عن آرائهم  في القضايا الوطنية و الاجتماعية و أصبح كل مواطن مراقبا عاما إذا أراد.

وأضاف د. سعد الشهراني أن الإعلام الاجتماعي مثل الفيضان الذي يغمر كل شيء تقريبا وسيستمر منهمرا من  سماء  العلم و لن تبلعه الأرض … السؤال هو: كيف سيكون إنسان المستقبل المنغمس و الغارق في هذا الفيضان حتى آخر عاطفة و آخر قيمة إنسانية و آخر ذرة عقل! هل سيكون إنسانا ماديا بلا روح أو عاطفة أو بلا خوف أو خجل أو بلا إحساس! هذه التقنيات و الوسائط  المتطورة بتسارع عجيب لها الخصائص الآتية:

  • كثافة المحتوى
  • سرعة التوزيع والنشر
  • اختزال الزمان و المكان
  • تمكين الأفراد
  • اختراق الخصوصيات
  • خلخلة التكوين النفسي للأفراد
  • خلخلة المنظومات القيمية للمجتمعات
  • تهديد السلطات التقليدية

و غيرها من الخصائص.

وليس هناك من  طريق عودة و لا  من خيار إلا ركوب القطار التقني الذي قد لا نعلم إلى أين يوصلنا …هناك إيجابيات لا حدود لها و سلبيات يمكن التقليل منها ولكن لا يمكن تفاديها.

الحاجة تولد الإبداع

قال أ. رائد عبدالله الحمود في مداخلته: أود أن أضم صوتي لأصحاب الرأي القائل بأن (الحاجة تولد الإبداع) ففي قراءتي المتواضعة للتاريخ, ظهر لي أن أغلب الإنجازات البشرية الكبيرة أتت من الحاجات الفردية أو الجماعية. أو أنها جاءت من رغبات شديدة لأغراض كثيرة أنزلتها منزلة الحاجة. والإنجازات الكبيرة في التاريخ يصاحبها عادة مجازفات كبيرة في تمويلها، لا تقبلها الشركات التي تبحث عن الربح القريب, فلو عدنا لرأينا أن جل هذه المشاريع الكبيرة تم تمويلها من قبل حكومات… التعليم مثلا.. من أعظم إنجازات البشر. ومؤسساته من أكبر المؤسسات الخدمية في العالم. ولعظمه وكبر مسؤوليته بقي من أهم مسؤوليات الحكومات. وإذا دخلت فيه شركات القطاع الخاص بدا نوعيا ونفعيا أيضا… وفي نظري, أن النعمة التي أنعمها الله علينا في بلادنا،  وبخاصة حجم الإنفاق على التعليم لا يتوافق مع مخرجاته. بل لا يتوافق مع واقع تشغيله… للأسف لم يبدو المنتج بالشكل المطلوب, فالأمن والمال بدون تفعيل رشيد أنشأ جيلا (لا يكترث كثير من أفراده)… في أغلب دول العالم التعليم مكلف جدا لكن الفرد يدفعها ليتعلم وليعمل وليعيش… وهو يعرف أنه من غير التعليم الجيد لن يتمكن من أن يعيش كريما… نحن أيضا نكافئ المتعلم الذي لا يتعلم. فلا نكون صارمين في تطبيق حق المجتمع على أبنائه. ومن هنا بدا لي أن الاحساس بالمسؤولية الإنسانية الذاتية والوطنية والدينية غائبة عند بعض الشباب اليوم، وهو أمر مخيف جدا على مستقبلنا إذا كان المؤثرون فيه سيكونون من بين من نراهم اليوم في مقاعد التعليم…لقد أنجزنا في البداية بإنشاء مؤسسات ضخمة للتعليم وأنجزنا بتخصيص مبالغ كبيرة لتطويره فيجب أن ننجز أيضا في تفعيل كل ذلك بفعل رشيد. أو سيذهب الجهد والمال سدى.

وعلق أ. سعيد الزهراني على مجمل المداخلات و التعقيبات السابقة حول ورقته بقوله: أنه بالعودة لعنوان الورقة: متتالية التسارع في بيئة الاتصال الإلكتروني.. بوصفه (مقولة) تحاول إنتاجها الورقة .. وفق فرضيتي الفكرة؛ سرعة خارجية تتعلق بالتطبيقات ظهوراً وضموراً.. وسرعة داخلية تتعلق باستخدام التطبيق نفسه والتعاطي معه.. وبالتالي تتبع الانعكاسات السالبة لهذا الحالة التسارعية.. مع التسليم بجل إيجابيات بيئة الاتصال الإلكتروني التي ولدها معامل السرعة والتسارع.

المحور الثاني

الوسائط الخفية للإعلام والاتصال: هيمنة الألعاب الإلكترونية

الورقة الرئيسة : أ. رائد عبدالله الحمود

تسعى هذه المداخلة لكشف الغطاء عن وسائط مهمة جدا تقوم بأدوار إعلامية واتصالية مؤثرة وفعالة في الجماهير وبشكل متخف بطبيعته لا يدركه كثيرون.

إن علاقة الإنسان بالترفيه والألعاب علاقة فطرية, أو ربما نتيجة للطبع الاجتماعي للإنسان،  المجبول على مخالطة أقرانه والتفاعل معهم. فاللعبة سلوك بشري جمعي تأتي بالمتعة وتبرز المنافسة وتولد الألفة والارتباط مع الغير.  وهي،  بذلك، إحدى الركائز الأساسية في حياة البشر. ومع بداية العصر التقني  وظهور الحواسيب, شكلت الألعاب حضورا قويا في أوساط الشباب والأطفال خاصة. ورسمت سمة مهمة من سمات الفعل الاتصالي الأساسية في هذا العصر.

وعلى الرغم من وجود الألعاب الإلكترونية في عالمنا العربي منذ بداياتها في الثمانينات الميلادية الماضية, وعلى الرغم أيضا مما فعلته وتفعله بنا شبابا وأطفالا، إلا أنها لم تأخذ نصيبها من الإدراك الحقيقي لما تفعله في تشكيل عقلية الشاب والطفل ونظرتهما للحياة من حولهما.

وحيث توجد الألعاب اليوم في أغلب بيوتنا وأجهزتنا, ما زلنا ننظر لها باعتبارها (لعبة) غير مدركين أنها بحكم تفاعليتها من جانب ومحتوياتها المتقدمة من جانب آخر قد تكون الأكثر أثراً على الفرد من أي وسيلة إعلامية أو اتصالية أخرى.

لقد بدأت الألعاب في شكلها الأولي في الخمسينات الميلادية الماضية كبحوث خاصة بأقسام علوم الحاسب في الجامعات الأكاديمية. ولكنها لم تعرف بشكل جماهيري واسع حتى الثمانينات الميلادية عند ظهور الحواسيب الشخصية ووحدات الألعاب الخاصة.

وقد أتاح انتشار الحواسيب الشخصية بشكل كبير لشركات الألعاب بوابة ضخمة للوصول إلى المستهلك. ولكن لضعف معالجات الحواسيب في بداية الحقبة ولأن نظام التشغيل الخاص بالكمبيوتر يأخذ حيزا كبيرا من المعالج, أقدمت بعض الشركات على بناء حواسيب صغيرة الحجم مخصصة للألعاب فقط سميت بـ Video Game Console  أو وحدة ألعاب الفيديو.

وإلى يومنا هذا والوحدات المخصصة للألعاب مستمرة, فكل جيل أقوى وأسرع من الجيل الذي قبله, وطرق التفاعل مع هذه الأجهزة تتشكل وتتجدد يوما بعد يوم.

وللألعاب الإلكترونية الحاسوبية سوق ضخمة اليوم, تؤثر في سوق الوسائل الأخرى, وتحتكر نسبا كبيرة من الجمهور. فمنذ التسعينات الميلادية الماضية بدأت الألعاب تنمو بشكل ملحوظ , معطية للكبار نسبة عالية من حجم السوق, حتى أصبح المتوسط العمري للاعب 31 سنة.

قد يبدو الرقم مفاجئ للبعض, ولكن ارتفاعه يعود لانتشار الهواتف الذكية مما أتاح للأغلبية الوصول إلى هذه الألعاب الإلكترونية بسهولة، وأتاح للشركات المصنعة الوصول للأفراد بشكل سريع أيضا بدعم غير محدود من تجارة التطبيقات الذكية على الهواتف المحمولة ونحوها من الأجهزة صغيرة الحجم كالآيباد والنوت بك وغيرهما.

كما أن محاربة القرصنة, وارتباط أغلب الألعاب اليوم بالإنترنت أجبر أغلب المستهلكين في الدول الناشئة على شراء الأجهزة والألعاب غير المقرصنة, مما أدى إلى ارتفاع كبير لسوق الألعاب الإلكترونية. وأصبحت الشركات تترجم ألعابها وتعلنها بمختلف اللغات لجذب الكم الأكبر من الجمهور.

وقد أتاحت هذه البيئة الاقتصادية الترفيهية أن يحتل سوق الألعاب الإلكترونية المركز الاقتصادي الأول في العالم في مجال صناعة الإعلام والاتصال والمعلومات، حتى أصبح هذا السوق اليوم منافسا شرسا تجاوز هوليود ذاتها التي تربعت على عرش اقتصاد الوسائل لعقود كثيرة مضت. لدرجة أن الربح السنوي للألعاب في عام 2013 كان ضعف الربح الخاص بالأفلام.

لعبة (سارق السيارات) هي إحدى الألعاب الشهيرة, وإصدارها الأخير حطم الأرقام القياسية في شتى المجالات الترفيهية حيث كسبت في أول 24 ساعة من صدورها 800 مليون دولار, وتكلفتها كانت 266 مليون دولار. ولعبة الحروب (نداء الواجب) أو Call Of Duty إحدى عمالقة الألعاب أيضاَ كسبت في أول 15 يوم لها في السوق, مليار دولار, وللمقارنة فإن فيلم (Avatar) الشهير وهو أنجح فيلم على مر التاريخ من ناحية الكسب المادي أخذ يومين إضافيين ليصل إلى المليار دولار.

ولا يبدو أن هيمنة الألعاب الإلكترونية ستتوقف عند هذا الحد, فالألعاب تتكيف مع التقنية التي تشغلها, والهواتف الذكية, وأجهزة الواقع الافتراضي, والتطورات التقنية الكبيرة, كلها تدل على مستقبل واعد أكثر لهذه الألعاب الإلكترونية. عنصر التفاعل(عالي الكفاءة) الذي تنفرد به الألعاب الإلكترونية يجعل منها بيئة اتصالية مهمة جدا، لا بد لصناع التنمية البشرية اليوم من أخذها مأخذ الجد.

الأبناء والبنات، الشباب والشابات، الأطفال، كلهم يلعبون إلكترونيا. وسيستمرون في اللعب.  لكن الذي قد لا تدركه بعض أسرنا، أن هؤلاء عندما يلعبون، فإنهم لا يحصلون فقط على المتعة والترفيه مقابل اللعب. بل هم يعبرون رحلتي تعليم وتربية عظيمتين.

إن لم يتم تعريف أولياء الأمور،  كيف يتصرفون في هذه البيئة الخفية للاتصال بأبنائهم وبناتهم؟ وكيف يعرفون الرسائل الموجهة للجيل من خلال الألعاب؟  وكيف يتصرفون لحماية ما يجب حمايته من مكونات النفس البشرية؟ فإن الناتج جد خطير.

كل أساليب اختراق الجيل الناشئ الممكنة اليوم تتم في بيئة الألعاب الإلكترونية،  بذات الكفاءة التفاعلية العالية التأثير والإقناع.

حتى الجماعات المتطرفة، صارت تروج لفكرها المتطرف ولسلوكها الإجرامي المشين، عبر الألعاب الإلكترونية، وبمهارة عالية جدا. فتلك الجماعات تدرك أن الألعاب الإلكترونية ذات الكفاءة الاتصالية الخفية، أمضى من كل وسائل الاتصال المكشوفة الأخرى. يروجون لألعاب القتل والدمار، بطرق شتى، ويخترقون حواجزنا الاجتماعية والثقافية…هي قضية تحتاج في ظني لمزيد من التأمل والنظر.

التعقيب الأول: د. حسين الحكمي

أتفق مع أ. رائد في قوله أنها لم تأخذ نصيبها من الإدراك الحقيقي ، كما أن ضعف الإدراك لا يخصنا نحن العرب بل إن هناك أمما أخرى تشاركنا هذه المشكلة. نعم ، لو أننا وعينا لأهميتها لعملنا على الاستفادة منها بالشكل السليم وفي تطوير عقول شبابنا.

في الوقت الذي يتحدث أحدهم هذه الأيام عن الألعاب فإن أول ما يخطر على البال هو الألعاب الإلكترونية بسبب انتشارها وهيمنتها على الألعاب الأخرى التي لا علاقة لها بالإلكترونيات. حتى أن كثير إن لم يكن كل الألعاب الأخرى أصبحت متوفرة بشكل إلكتروني ، منها ما يمكن شراؤه ويلعب الشخص في اللعبة مع نفسه أو مع أحد ممن حوله ومنها ما يمكن أن يلعبه الشخص عبر الإنترنت “أون لاين” مع أشخاص ربما في أقصى العالم .

للألعاب الإلكترونية جاذبية من خلال التصوير والألوان والأصوات والمؤثرات التي تصور لمن يمارسها أنها حقيقية فيتقمص الدور ويعيشها ويعيش تفاصيلها . تعتمد كثيرا على التركيز وسرعة البديهة والتفكير. عدد منها تثير حب المغامرة وغريزة الانتصار وتحقيق الهدف دون حصول تأثير بدني على الشخص الذي يلعبها ، وعندما يحاول الشخص فينتصر ويتقدم فإن ذلك يشبع غروره ويشعره بقوته وعظمته.

هناك عدد من الألعاب انتشرت ولاقت إقبالا كبيرا رغم ما فيها من عنف قد لا يتناسب مع كثير من الأعمار وربما أثر بشكل سلبي على كثير من السلوكيات ، هذا النوع من الألعاب حرك غريزة بشرية وزاد منها ، إثارتها أوصلت كثيرا ممن يلعبونها إلى حد إدمانها رغم أن ما فيها هو القتل والتدمير والعنف !

نتج عن ممارسة هذا النوع من الألعاب أن فقد عدد ممن يلعبونها مهارات التواصل مع الناس في الحياة الاجتماعية الحقيقية ، بعضهم أصبح يشعر بعزلة وضيق عندما يكون في مجلس به ناس ويرغب لو أن لديه وسيلة يتمكن من خلالها الوصول إلى لعبة إلكترونية وهذا ما يفعله كثير من الناس صغار وكبار عندما ينزوي في ركن ويخرج هاتفه المحمول ويبدأ في اللعب ، حتى لو كانت لعبة غير محببة له كثيرا لكنها أفضل لديه من الجو الاجتماعي الذي لم يستطع أن يتكيف معه.

من المتعارف عليه أن عملية التنشئة الاجتماعية تتم عبر الأسرة بالدرجة الأولى بالإضافة للمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية. التغير التقني والتكنولوجي جعل من الألعاب الإلكترونية وسيلة من وسائل التنشئة وتغيير الأفكار وتعديل السلوك ، سلبا أو إيجابا. لذلك فألعاب الكمبيوتر يمكن أن تؤثر في شخصية جيل كامل وتغير من هوية المستقبل لأي مجتمع  وتغير من بنائه الاجتماعي وطبيعة الاتصال بين أفراده وشكل أنساقه العامة كلها. بحسب النظرية الوظيفية فإن أي تغير في أي جزء من المجتمع ينعكس أثره على بقية الأجزاء فيحصل التغير الاجتماعي. وكل جزء من أجزاء النسق العام له وظيفة بنيوية نابعة منه وتختلف باختلاف الوظائف ويحصل أن يكون بينها تكامل. ولأن الألعاب الإلكترونية أضحت أحد مكونات النسق الاجتماعي في العصر الحالي فإن أثرها وتكاملها مع بقية الأنساق أمر واقع. ما يظهر حاليا هو الأثر السلبي الذي توظفه الألعاب الإلكترونية مع العلم أن هناك آثار إيجابية أيضا منها ما هو معلوم ومنها ما لا يحسه الكثير من الناس.

بحسب مقال لـ Gane Mcgonigal في ٢٠١٢ فإننا نمضي بليون ساعة يوميا على ألعاب الكمبيوتر ، أكثر ب ٥٠٪‏ مما كان الوضع عليه عام ٢٠٠٩. ويذكر المقال أن بعض الدراسات توصلت إلى أن من يمارسون ألعاب الكمبيوتر يتأثرون إيجابيا من الناحية الذهنية والعاطفية والاجتماعية ، وأن من يمارسون هذه الألعاب ، مهما كان عمرهم ، أفضل من غيرهم في اختبارات السرعة والتركيز والدقة والمهارات المتعددة. وأن الأطفال الذين يمارسون هذه الألعاب يحصدون درجات أعلى في اختبارات الإبداع. مما يلفت الانتباه أن إحدى الدراسات خرجت بنتيجة مفادها أن الأطفال الذين يقضون وقتا في الألعاب العنيفة والمخيفة قدراتهم تكون أعلى فيما يتعلق بتجاوز المواقف العاطفية الصعبة مثل الخوف والغضب… كما أن قضاء الوالدين لوقت من اللعب مع أطفالهم يزيد من قوة العلاقة بين الطرفين.

التعقيب الثاني: د. علي الحكمي

يتضمن تعقيبي الإشارة إلى النقاط التالية:

  • الألعاب الإلكترونية ليست شيئاً عارضاً في حياتنا المعاصرة، بل أصبحت جزءاً رئيسياً منها، فهي كما التلفاز عندما بدأ بكونه من أمور الحياة الكمالية، إلى أن أصبح من الضرورات التي يسعى الإنسان للحصول عليها والتعامل معها.
  • نحن لم نصل إلى الذروة في صناعة الألعاب الإلكترونية، بل لازلنا في منتصف الطريق، والمستقبل مليء بالتطورات والمفاجآت المذهلة.
  • صناعة الألعاب الإلكترونية صناعة مزدهرة وتنمو بشكل مضطرد، ونحن، إما أن نبقى كمستهلكين، كما هو حالنا في الكثير من التقنيات والسلع، أو نكن مساهمين فاعلين في صناعتها والإبداع فيها.
  • هناك دراسات نفسية عدة وجدت أن الألعاب الإلكترونية الحديثة لها تأثيرات إيجابية على النمو الذهني للطفل وعلى اكتسابه مجموعة من المهارات الأكاديمية والمهنية التي يحتاجها في مستقبله.
  • وفي المقابل هناك دراسات أيضاً تبين أن الألعاب الإلكترونية لها تأثيرات سلبية على النشء، سواءً تأثيرات صحية أو عقلية أو جسدية.
  • وجود تأثيرات سلبية وإيجابية شيء طبيعي، ويجب أن لا يؤثر تقديرنا للآثار السلبية على إدراكنا لمنافع الألعاب الإلكترونية، كما يجب أن لا نركز على الإيجابيات ونهون من التأثيرات السلبية، فدراسة المخاطر والمنافع بموضوعية واستقلالية لكل منهما عن الآخر يساعدنا على فهم وتعامل أفضل معها.
  • النقاش حول تأثير الألعاب الإلكترونية على النشء له جانبان، الأول يتعلق بالمحتوى، وهذا لن نستطيع أن نتحكم فيه، مثله مثل القنوات الفضائية والإنترنت، والثاني يتعلق بسلوك النشء في التعامل معها، مثل مقدار الوقت الذي يقضيه الطفل أو الشاب في اللعب أو نمط اللعب أو الاستعداد للتعامل مع الجوانب السلبية، وهذا ما يجب أن نركز عليه، أفراداً وأسر ومؤسسات تربوية ومجتمعية بشكل عام.
  • تعامل النشء في مجتمعنا السعودي مع الألعاب الإلكترونية لا يختلف عن تعامله مع التقنيات الأخرى أو كيفية إدارة الوقت أو الحياة. فمجتمعنا، صغاراً وكباراً ومؤسسات يعاني من ضعف الانضباط، بل انعدامه في الكثير من الأحوال، سواءً فيما نشاهده، أو نقرأه، أو سلوكنا صغاراً وكباراً.
  • حالة عدم الانضباط هذه هي التي أدت إلى الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية على النشء والشباب وبالتالي على الأسرة والمجتمع، فالأوقات التي يقضيها الطفل أو الشاب، وحتى الراشد أحياناً، أحسب أنها، ومن ملاحظتي الشخصية، من النسب الأعلى عالمياً، وهذا له علاقة بارتفاع نسب السمنة وأمراض السكر والأمراض الأخرى المرتبطة بنمط الحياة غير النشط.
  • كما أدت حالة عدم الانضباط إلى تعامل الصغار مع ألعاب ليست مناسبة لأعمارهم، حتى لو أخذنا بالتصنيف الدولي وهو مبني على معايير لا تناسب مجتمعنا في جوانب مهمة منها، وبالتالي تعرضهم للتأثيرات الخطيرة للمحتوى السلوكي أو الفكري (التطرف، والعنف وغيرها).
  • حالة عدم الانضباط أيضاً تجاوزت لعب الصغار الألعاب على شبكة الإنترنت، والتواصل مع لاعبين من جميع أنحاء العالم، وبعد الأسرة عن هذا كله، وعدم وعيها بتأثيراته، وبالتالي عدم قيامها بالحد الأدنى من التدخلات الوقائية أو العلاجية.
  • إذا أردنا إذا أن نحد من الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية فيجب أن نتعامل مع أساس المشكلة، وليس مع أعراضها، والأساس في نظري هي أننا مجتمع غير منضبط في الكثير من شؤونه، والتعامل يجب أن يكون في تعزيز الانضباط على عدة مستويات:
  • على المستوى المؤسساتي والمجتمعي، فسوق الألعاب الإلكترونية غير مقنن بشكل جيد، وجميع الألعاب يمكن أن يشتريها الطفل من أي محل، وحتى من البائعين المتجولين، دون أدنى ضوابط.
  • وعلى المستوى المؤسساتي أيضاً يأتي دور التعليم، الذي يجب أن يتوجه لغرس الانضباط وثقافته قبل أن يتجه لتعليم المعرفة المجردة  ويعطي ذلك الاهتمام الذي يستحقه، فالانضباط سينعكس إيجاباً على تحصيل الطالب وعلى سلوكه، وعلى انضباطية المجتمع لاحقاً.
  • وعلى المستوى الأسري، فنحتاج لبرنامج وطني، موجه للآباء والأمهات، يعزز المهارات التربوية لديهم، ويساعدهم على تحقيق انضباطية أعلى وعلى قيامهم بدورهم الفعال في غرسها في أطفالهم.
  • يجب أن لا نلوم النشء، إذا تأثر بسلبيات الألعاب الإلكترونية لأننا، ككبار ومؤسسات سبب رئيس في المشكلة.
  • أتمنى قيام المستثمرون في بلدنا بدورهم الفعال في تأسيس صناعة سعودية، بمنظور ومواصفات عالمية، للألعاب الإلكترونية، ومساحة المنافسة المتاحة كبيرة جداً، ولكننا نريد أن نستفيد من عقول النشء والشباب في ذلك الاستثمار الناجح، فلديهم الكثير من الإبداع والابتكار ليقدموه.

المداخلات حول القضية: (الوسائط الخفية للإعلام والاتصال: هيمنة الألعاب الإلكترونية)

الألعاب الإلكترونية من الترفيه إلى الغرس الثقافي للقيم والمفاهيم

من وجهة نظر د. فايز الشهري فإن الألعاب الإلكترونية تجاوزت في تطبيقاتها مفهوم الترفيه والتعليم إلى مفهوم الغرس الثقافي للقيم والمفاهيم ومنها التفكير والسلوك. ويرى د. فايز أن الألعاب الإلكترونية تؤثر في مفاهيم من هو العدو والصديق وتؤسس للأزمة ومفهوم العنف كلغة وحيدة لحل المشكلات… والتطبيقات الحديثة للألعاب أسست بالتوازي معها مجتمعات افتراضية يتحاورون ويشكلون فرقا وجماعات عبر القارات والثقافات في تكتلات تبدأ بريئة وتنتهي التزام بثقافة المجموعة يتحول من المجتمع الافتراضي إلى الواقع الطبيعي.

وأضاف د. فايز: رأيتم بعض قطعان داعش كيف تتشكل في الأساس عبر منصات إلكترونية ثم تنطلق في ظل محفزات سياسية واجتماعية ومفهوم البطل والقدوة إلى وحوش مسعورة تفترس الأقربين دون وازع من خلق أو دين وكأن قتل النفس المعصومة حلقة في مباريات الشاشة الإلكترونية… وعلى هذا الأساس تقدمت مع اثنين من زملائي بمجلس الشوري بمقترح نظام جديد قبل 7 أشهر بهدف تصنيف ومراقبة الألعاب الإلكترونية وأرجو أن يكون واحدا من الحلول.

ومن جانبها قالت أ. ليلى الشهراني: الألعاب الإلكترونية للأطفال تؤرق كل أب وأم وللأسف نجهل ما يتناسب مع أعمارهم لكثرة المعروض ولجهلنا بكيفية التعامل مع هذه الألعاب ، فنحن جيل لا يعرف إلا كمبيوتر صخر والأتاري وما كان يعرض فيها من ألعاب يعتبر مثار لسخرية الجيل الحالي بل يرون أنها ألعابا غبية… نتأمل خيرا في وعي شبابنا ونطمح أن تكون أسواقنا خالية من الألعاب المؤثرة على سلوك ونفسية الأطفال.

وأشار أ. سمير خميس إلى أنه إذا بدأنا نؤرخ لتاريخ الألعاب الإلكترونية فلا بد لنا أن نؤرخ لظهور الأفلام الكرتونية لدينا في العالم العربي، والمدبلجة بالذات فمنها كانت البداية التي لم تنته إلى الآن .. الألعاب الإلكترونية مصممة خصيصاً للمتعة، تخلو من المباشرة والتسويق الفج مثلها مثل أي فيلم كرتوني، وعادة ما تكون مبنية على قصة محبوكة يتمظهر فيها البطل بعدة صور خيرة كانت أم شريرة.. في عوالمنا العربية استقبلنا هذه الألعاب مثلها مثل غيرها من المنتجات كمستهلكين، ووقعنا فيما يقع فيه المستهلك عادة من ورطة وحيرة وارتباك أمام أي منتج لا يملك التحكم فيه.

والحل لهذه الإشكالية المتكررة خاصة مع سطوة الأجهزة اللوحية يبدأ بتعزيز القيم الثقافية الهائلة التي لدينا… قيم مكة والمدينة والصحراء والجبل والبحر بأسلوب سلس وممتع عبر الفن المحبب إلى قلوب الأطفال ألا وهو القصة، واستبدال مفردات مقررات اللغة الجامدة الخالية من القصة المشوقة إلا فيما ندر، ومن الصورة الملفتة ذات الصفة الفنية العالية والبعيدة عن المباشرة والتسويق الفج، بمفردات قريبة من قلوبهم وعقولهم، ثم بعد ذلك نتطور معهم في وسائل الإعلام المختلفة بدءاً من التلفزيون ولا ننتهي عند آخر جهاز لوحي سيصدر في الأسواق… عندما نقتحم وجدان أطفالنا بمثل هذه القصص، نستطيع وقتها وبمساعدة تقني محترف أن نؤسس لألعابنا التي نريد ونمنعهم وقتها دونما يشعرون من الالتفات لألعاب إلكترونية صادمة ومحيرة كما هو حاصل معنا الآن.

واختتم أ. سمير خميس مداخلته بالتذكير بمسلسل كرتوني عرض في شهر رمضان على شاشة “MBC” اسمه “المصاقيل” حيث قال: لنتأمل الجماهيرية العالية للمسلسل للحد الذي تتسابق فيه شركات الدعاية والإعلان للإعلان فيه ..كما أريد أن أذكر بلعبة إلكترونية تحمل اسم “فزعة” تسوق لما ننتمي إليه من الشهامة والمروءة و”الفزعة” ولا بأس ببعض غارات السلب والنهب.

الأبعاد الأيديولوجية الخفية ومخاطر الألعاب الإلكترونية

قال د. إبراهيم البعيز في مداخلته: لسبب ما ، كنت أنتظر إشارة إلى الأبعاد الأيديولوجية الخفية في بعض من هذه الألعاب، وأنا في الحقيقة لا أتصور أن ذلك سيكون بالأمر الهين. وأعتقد أن بعض (إن لم يكن كل) من استعجل في التنظير لذلك قد أخذ منحى المؤامرة وقد اضطروا إلى الاستشهاد بما لا يمكن إثباته أو التحقق منه… لدي قناعة بأن الاستثمارات الرأسمالية – والتي هي خلف كل تلك الألعاب المنتشرة على نطاق واسع – تنطلق من مبدأ واحد (لا تخلط قيمك مع أموالك) لأن تلك الخلطة ستؤدي إلى فقدان أحدهما… بعبارة أخرى هذه الشركات التي تنتج تلك الألعاب هدفها الأول والأخير والوحيد الربح التجاري، لذا هي أبعد من أن تدخل الهدف التعبوي الأيديولوجي في تلك الاستثمارات.

وأوضح د. خالد الرديعان أنه يميل جدا إلى رأي د. إبراهيم البعيز وهو أنه ليس من الضروري أن تكون الألعاب الإلكترونية محملة ببعد أيديولوجي إلا إذا اعتبرنا البحث عن الأرباح عملا أيديولوجبا. هذه الألعاب هي نتاج تنافس تجاري والهدف منها تسويق منتجات جديدة وبيعها وابتكار غيرها وبيعه وهكذا.. ويؤيد ذلك برامج الحماية الفكرية التي تلجأ لها الشركات لحماية منتجاتها من القرصنة لضمان الحصول على أكبر ربح مالي ممكن.. صحيح أن معظم هذه الألعاب أمريكية المنشأ وتعكس في جانب منها جزء من الثقافة الأمريكية لكن من قال أننا نرفض كل ما يأتي من الأمريكيين. نحن نمارس الرأسمالية سلوكا إذا كان المقصود البعد الرأسمالي.

والخطورة في هذه الألعاب تتمثل فيما يلي:

  • أولا: الادمان على هذه الألعاب من قبل الناشئة وكمية الوقت الذي يتم انفاقه على هذه الألعاب وهو وقت يمكن استثماره في أمور أكثر  فائدة.
  • ثانيا: تكرس هذه الألعاب أو بعضها على الأقل العزلة أي عزلة اللاعب عن المحيطين به كأفراد الأسرة وهي ظاهرة سلبية وهناك دراسات  أثبتت ذلك، وأثبتت الأثر السلبي للعزلة على الأفراد المدمنين على الألعاب الإلكترونية.
  • ثالثا: بعض هذه الألعاب تجذر العنف والانتقام عند الأطفال وهناك دراسات أخرى أثبتت ذلك ليس المقام هنا لاستعراضها. أشير فقط إلى حادثة مقتل أحد طلابنا العام الماضي بسبب لعبة إلكترونية كان إخوته يلعبونها مع أبناء الجيران أونلاين وأظنها لعبة call of dutyy .. هذه واقعة حية أعرفها جيدا ولعلها لا تتكرر حتى لا تصبح ظاهرة شائعة وأقصد العنف الذي يقود إلى الأذى الجسدي.

وهناك دراسات تتنبأ بأن التقنية والتوسع في استخدامها سوف يساهم في زيادة وقت الفراغ المتاح للإنسان مستقبلا وهو وقت سيقضيه حتما في الترفيه ومنه الألعاب الإلكترونية بسبب انتشارها وسهولة ممارستها سواء بصورة جماعية أو فردية علما أن التوجه واضح نحو الألعاب الفردية التي يستطيع الفرد ممارستها في الأجهزة الذكية كالجوال وفي أي مكان: في المكتب أو في غرفة النوم أو في القطار أو أي مكان آخر.. ومن المهم كذلك القول بأن اللعب كنشاط إنساني لا يرتبط بسن معينة كما يشاع وأنه فقط لمرحلة الطفولة؛ فالكل يلعب ويحب اللعب والترفيه، ومن ثم قد تأتي الألعاب الإلكترونية كمطلب إنساني ولا سيما أن لعبها لا يتطلب مضمارا ولا أماكن واسعة كالرياضات الشائعة؛ إذ يكفي الحصول على جهاز ذكي بحجم اليد وربما أكبر قليلا لكي نمارس اللعب الإلكتروني.. يبقى أمر في غاية الأهمية وهو ضرورة تطوير ألعاب عربية ومحلية حتى نحيد الجانب الايديولوجي في الألعاب عند من يرون أن هذه الألعاب محملة بالأيديولوجيا.

إن أكثر لعبة تجذر البعد الرأسمالي عند الأطفال هي لعبة غير إلكترونية وقديمة تعود إلى خمسينات القرن العشرين وهي لعبة المونوبولي monopoly الشهيرة… وهي لا تزال دارجة ومنتشرة على نطاق واسع… كما أن هناك أمر ملحوظ وهو أن معظم الألعاب الإلكترونية فيها عنف أكثر من اللازم فمعظمها حروب وقتل ومشاجرات وحرب مع مخلوقات غريبة وهكذا.

وبدوره قال د. إبراهيم البعيز: علينا أن نفرق بين التأثيرات الثقافية والنفسية المقصودة وغير المقصودة لتلك للألعاب الإلكترونية .. أنا أعتقد أن معظم المخاوف والتحذيرات هي من تلك التأثيرات غير المقصودة لكن المبالغة فيها والتهويل منها يجعلنا نعتقد أن هناك مؤامرة تعمل تلك الشركات عليها لتستهدف أطفالنا وشبابنا.

وعلق د. فايز الشهري بقوله: اتفق في أنه ليس هناك مؤامرة كونية لتدمير الأخلاق عن طريق الألعاب ولكن التأثير الثقافي التراكمي لمحتوى هذه الألعاب واضح على تصرفات وسلوك من تعاطاها مستسلما لها. أربعة من مجرمي داعش اللذين سفكوا الدماء كانت الألعاب الإلكترونية الجزء الأكبر من برنامجهم اليومي والدارسات المحلية والعالمية أثبتت التأثير الواضح لهذه الألعاب على الشباب بين 12-22 ولدينا تزيد النسبة لعدم التوازن في توجيه النشء بين مراجع المجتمع ومؤسساته وبين هذه الواردات الإلكترونية.

ومن جانبه أوضح د. إبراهيم البعيز معلقاً على ما طرحه د. فايز بقوله: أن دراسات التأثير من أصعب الدراسات وهي معقدة لكثرة المتغيرات المتداخلة فيها ، وأعتقد أن بحوثنا العلمية مقصرة في هذا الجانب لأنها دراسات تحتاج التراكمية وتأخذ من التمويل والوقت الذي لم توفره الجامعات .. تزامن الأحداث واقتران المتغيرات لا يعني بالضرورة أن العلاقة بينها سببية .. لذا ارتباط الألعاب الإلكترونية مع مجرمي داعش لا يعني أنها هي السبب أو السبب الرئيس في ذلك.

وأضاف: أعرف كثير من الطلاب المتميزين في كلية الطب تشكل الألعاب الإلكترونية جزء مهم في حياتهم .. وبالقياس – بعض من الإرهابيين كانوا في مدارس تحفيظ  القران، لكننا ننكر على كل من ربط بين تلك المدارس والفكر الإرهابي لأننا لا نرى العلاقة بينهما سببية.

واتفق د. خالد الرديعان مع هذا الرأي الأخير بقوله: يصعب في دراسات التأثير عزو الظاهرة إلى سبب واحد أو متغير… بعض الأسباب تعمل مع بعض.. وأحيانا يكون هناك ما يسمى بالمتغير الخفي الذي تم تجاهل قياسه أو تأثيره وهذا من عيوب الدراسات الكمية..

وقال د. مساعد المحيا: إن أصعب ما تنطوي عليه دراسات التأثير هو عملية القياس .. ولذا أرى من واقع تجربتي وتدريس مناهج البحث أن تطبيق دراسات التأثير عبر الأساليب الكمية أمر مستحيل … ولا يمكن الوصول لنتائج تتعلق بالتأثير إلا عبر الدراسات التجريبية وبخاصة التي تعتمد على مجموعتين أحداهما ضابطة.

أما د. زياد الدريس فأكد أنه عندما نتحدث عن التأثيرات الأيديولوجية لهذه الألعاب فليس بالضرورة أننا نعني (مؤامرة) مخطط لها، لكن الدوافع الرأسمالية التربحية اللاأخلاقية لصُنَّاع هذه الألعاب حتى مع تأثيراتها السيئة في تكريس العنف هو في حد ذاته جريمة أشد سوءاً من المؤامرة.

في حين قال د. مساعد المحيا: الشباب اليوم يحبون حتى الأطفال منهم اللعبة التي تمتلئ عنفا .. يحبون القتل والسرقة والتعدي …لا أعرف هل هذه تعزز السلوك أم تمتص سلوك العنف لديهم .. هناك رأيان في هذا الموضوع.

وعلقت أ. ليلى الشهراني على طرح د. مساعد المحيا بقولها: أميل إلى أنها (تعزز سلوك العنف) لديهم وإلا هل يعقل أن نرى طالب المتوسط يطعن معلمه أو صديقه في أتفه مشاجرة ، أصبح القتل عند بعضهم من أبسط الأمور ، ويضاف لذلك ما ينشر من مقاطع لتعذيب حيوانات وحتى بشر من قبل بعض صغار السن.

أما أ. هيا السهلي فأشارت إلى فرضية التنفيس التي صاغها فرويد أثناء معالجته لاضطراب الهستيريا ، وتشير إلى أن الشخص المضطرب نفسيا يشعر بالارتياح عند السماح له بالتعبير عن عدوانيته ، وهذا معناه أن مساعدة الفرد على تفريغ انفعالاته المكبوته عبر منافذ معينة تجعله يشعر بالراحة وإن لم يجد منفذا له سيفرغ طاقته الانفعالية ، سيظل يبحث ويبحث حتى يجد سبيلا لإفراغ طاقته حتى تهدأ وتستقر نفسه.

وأضافت أ. هيا السهلي: أعرف كبارا وصغار بمجرد أن يشتد الحوار معهم أو تزدحم بهم الأمور أو تضيق بهم يهرعون لهذه الألعاب حتى تمتص ما في نفوسهم .. ولننظر إلى الرياضة الحقيقية الملاكمة والمبارزة هل تورث عدوانا ؟

أفلام الأكشن تابعناها سنين ولم تورث عدوانا لنا..

أظن أن العدوان نوازع داخلية تنشأ في البعض فإما أن تهذب أو تترك وتتجذر،

قد تزود ألعاب العنف منها ولكن لا أظن أن تزرعها فالعنف له عوامل تتعاضد حتى يخرج في صورة اعتداء.

وعلق د. حميد المزروع على ذلك بقوله: أكشنة سيناريو هذه الألعاب جزء من أهداف التسويق الذي يقدم العنف والخيال كجزء من الإثارة.

وتوقفت د. طلحة فدعق في مداخلتها عند قضيه التفاعل الإلكتروني مع تلك الألعاب وإلي أي مدي يمكن أن يكون انعكاسها علي علاقة الأطفال أو المراهقين – تحديدا – بأسرهم . تناول علم الاجتماع الآلي هذه القضية وتطرقت العديد من النظريات لتفسير التفاعل الاجتماعي الآلي ومنها نظريه الحضور الاجتماعي social presence ..تركز النظرية علي التساؤل: كيف يمكن للوسط الإلكتروني أن يوفر معني مشتركا بين المشاركين بل وإشعارهم بحضورهم الاجتماعي الحقيقي. هذه القضية مؤرقة حقيقة خاصة فيما يتعلق بعالم الأطفال والمراهقين والشباب اليافعين سواء في علاقتهم بتلك الألعاب وبيئتها الإلكترونية أو بما تحويه من شخوص وكائنات وعوالم استطاعت أن تشبع الذات لاجتماعيه لديهم ، تلك التي يفترض أن تشبعها العلاقات الأولية .

قديما – بالمعني النسبي – كان يستغل وقت الفراغ لو وجده الشخص في مكالمه هاتفية سريعة ليطمئن علي المقربين من الأهل والخلان …الآن اختلف الوضع فأبسطها لو وجد وقتا سيتابع لعبة إلكترونية مفضله تخلق من الحبور والسعادة والاشباع ما لا تخلقه العلاقات الطبيعية بأولئك الأشخاص.. وبالتالي أصبح الحضور الاجتماعي الطبيعي يتضاءل مقابل الحضور الاجتماعي التكنولوجي .. .هذا جزء بسيط فقط يلقي الضوء علي إشكاليات راهنه حول الثقافة الرقمية والهوية الاليه وغيرها.

إن تلك الألعاب أحدثت انقلابا حقيقيا في حياة الأسر بخلقها لعوالم أخرى في حياة الأبناء .. عوالم تشبع ذواتهم يفهمونها ويعونها بطريقة تختلف عن الآباء .. لا يمكننا إيقاف ذلك لكن قد يمكن تخفيفه بمشاركة الأبناء في بعض تلك العوالم.. أيضا في تقصير المسافات بيننا وبينهم علي مستوي التفاعل الاجتماعي الحقيقي ككائنات اجتماعية .. ويبقى المجال مفتوح وربما معضد لمقولة أحدهم الذي ذكر “لم يعد بمقدورنا أن نفكر في الإنسان بمعزل عن الآلة – بروس مازليش”.

أيضاً عقبت د. طلحة فدعق على ما طرحه د. على الحكمي بقولها: تعامل النشء في مجتمعنا السعودي مع الألعاب الإلكترونية لا يختلف عن تعامله مع التقنيات الأخرى أو كيفية إدارة الوقت أو الحياة. فمجتمعنا، صغاراً وكباراً ومؤسسات يعاني من ضعف الانضباط، بل انعدامه في الكثير من الأحوال، سواءً فيما نشاهده، أو نقرأه، أو سلوكنا صغاراً وكباراً… نقطة هامة اتفق مع د. الحكمي فيها وأزيد أننا أيضا كأسر – إجمالا – لم نربي لدي أبناءنا تلك العقلية النقدية أو ثقافة الحوار ليتمكن الأبن ( صغير أو كبير ذكر أو انثي ) من مناقشه شيء معين مع والديه أيا كان …وبالتالي ينجرف لاستكشاف العوالم بمفرده أو بمعية الأصدقاء …ويشمل ذلك المضامين الفكرية والسلوكية التي سيتشربها من تلك الألعاب خاصة أو العالم الآلي ومكوناته بصفة عامة.

وقالت أ. علياء البازعي: تعقيبا على حديث د. علي الحكمي عن الانضباط.. في النقاط 8 و9 و10 و11..مستويات الانضباط تبدأ بالمسؤول و تنتهي في البيت…ففي حين أن المسؤولين يمنعون الافلام +18 من التداول بشكل رسمي في السوق…فهم يسمحون ببيع ألعاب أشد سوءا من الأفلام…لأن الفيلم غير تفاعلي…لكن اللعبة تفاعلية…هذا جانب…الجانب الآخر حتى لو منعت بشكل رسمي هناك القرصنة و الإنترنت و الجوالات!!

أما د. سعد الشهراني فقد ذكر في مداخلته أن ثقافة العنف المحملة في تقنيات الألعاب الاليكترونية هي ثقافة غربية و على الخصوص ثقافة أمريكية بامتياز فهي تحاكي و تصور الأمريكي البطل رامبو بل تحاكي السلوك الأمريكي الرسمي المدمر الذي يدوس ويصول ويجول ببسطاره في كل مكان من العالم .. و لقد صدرت لنا و للعالم هذه الثقافة و ها هو العالم يدخل نفقا مظلما من العنف ..   و شاهدوا أين أوصلت هذه الثقافة الشباب في الغرب نفسه فقد تكاثر الهجوم و القتل العشوائي على المجاميع  البشرية و خصوصا على المدارس و الأحداث الأخيرة في USA  و السويد  خير شاهد.

ليس هناك من شك ( لدي على الأقل ) أن ألعاب العنف الاليكترونية تؤثر على سلوك بعض الأطفال و تولد سلوكا عنيفا و اعتيادا على العنف وتبلدا و موتا للإحساس بحيث أن رؤية القتل و التدمير  يصبح شيئا طبيعيا و بل و جرأة على الاعتداء و القتل إذا وجدت و توفرت البيئة و المحفزات لذلك.. لا يزال أطفالنا و شبابنا في عمر التهيئة لذلك و عندما يكبرون قليلا مع بعض من الاحساس بالتهميش و النقمة قد نرى تصاعدا في وتيرة العنف و تغيرا في أنماطه .. و أدعو الله ألا يحدث شيئا من ذلك…  و من الزاوية المنهجية أوافق على أن قياس  تناول الأثر و التأثير يعد من أصعب الأمور لا في الأسباب و لا في السياسات و الخطط … و في كلا الاتجاهين نحتاج لدراسة الأسباب كلها ولا نغفل سببا إلا بعد التأكد من ضعفه في الظاهرة و في الوقاية و العلاج نحتاج إلى حزمة سياسات.

وأوضح أ. عبدالله الضويحي أنه يميل مع رأي د. إبراهيم البعيز وتأييده من د. فايز الشهري ، د. خالد الرديعان بشأن استبعاد نظرية المؤامرة في صناعتها أو حتى استهداف مجتمعنا (المحافظ) فهذه الألعاب في نظر أ. عبدالله الضويحي تجمع بين:

— عمل تجاري.

— ووسيلة إعلام.

وكلاهما يقدم منتجا والمنتج التجاري أو الإعلامي لا تهمه القيم ولا المبادئ قدر ما يهمه التسويق لذا فالنظر إلى كونها مؤامرة أو استهداف هو نوع من العبث وإضاعة الوقت .. نعم قد تستثمره جهات معينة لتوصيل رسالة ما .. أو فكر معين وهذا يعني أن الفرصة متاحة للجميع فلماذا لا نستثمرها بدلا من النواح عليها !؟

ولنا تجارب ناجحة في ذلك أيام الكارتون مثل البرنامج الشهير افتح يا سمسم من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج و “كابتن ماجد” وهذه نجحت بعد أن توفر لها الدعم والفكر وجاءت أيضا لعبة إلكترونية عن الدوري السعودي .. ولم ينس هؤلاء الكبار بلعبة البلوت حيث يلعب الشخص لوحده مشاركا آخرين.

الطفل تستهويه ألعاب الأكشن وتعزيز الذات ولهذا تستغلها مثل هذه الشركات لأغراض تسويقية وكعادتنا نجلس في المدرج أو نستهلك دون محاولة للإبداع .. ثم إن كثيرا من الأسر تدفع أطفالها لهذه الألعاب لتشغلهم بها عنهم و ” إزعاجهم ” دون إدراك لخطورتها ليس على الفكر فقط ولكن أيضا على صحتهم واندماجهم في المجتمع.

الألعاب الإلكترونية لها إيجابيات كثيرة في تنمية الذكاء لدى الطفل وتنويع ثقافته إذا ما أحسنا استغلالها والتعامل معها وعلى العكس إذا ما جلسنا نتفرج عليها ..

وإذا كانت المؤسسات التجارية ورجال الأعمال ليس لديهم هذا البعد في تصنيعها فعلى الأسرة ودور التربية مسؤولية متابعة الأولاد ومحاولة الاستفادة من جوانبها الإيجابية.

واختتم أ. عبدالله الضويحي مداخلته بقوله: لدي ملحوظة أخيرة لا أدري مدى دقتها أن هذه الألعاب تستهدف الأبناء أكثر من البنات واذا ما صحت هذه الملحوظة فهي تحتاج لتعليقات ومناقشات أخرى.

معهد متخصص لتدريس التقنيات المرتبطة بالألعاب الإلكترونية

أشار د. حميد المزروع في مداخلته إلى أنه إذا ما افترضنا بأن هذه الألعاب الإلكترونية هي نتاج لما يعرف بالاقتصاد المعرفي المرتبط بالتسلية ، أليس من المناسب أن نوجة ونشجع الجيل الحالي من الكتابة بنصوص هذه النوعية من الألعاب ، وكذلك تخريج مختصين بعلم الأنيميشن ، ومبرمجين ، حتي نبدأ بتوطين هذا النوع من وسائل الترفيه من ناحية ، ونضمن من الناحية الأخرى بأن محتواها الفكري متوافق مع سياق ثقافتنا العربية، وتكون خالية من العنف أو الفكر الإرهابي.

وأضاف: أقترح بأن يكون هناك معهد متخصص لتدريس التقنيات المرتبطة بهذه الألعاب الإلكترونية لكونها تجمع ما بين توطين تقنية البرمجيات والاستثمار.

المحور الثالث

 لماذا لا يحب أبناؤنا المدرسة ؛ وكيف نجعلها بيئة جاذبة؟

الورقة الرئيسة : د. خالد الرديعان

ولدت فكرة هذا الموضوع التربوي من مادة كنت أدرسها بعنوان “حلقة بحث” لطالبات الماجستير بعضهن أمهات ولديهن أبناء في سن الدراسة ثم استقر الرأي على بحث الموضوع… كن عشر طالبات قمن منفصلات بعمل مقابلات مطولة مع عدد من الأمهات بلغن زهاء ٧٠ أم ( عينة قصدية لا ندعي أنها ممثلة لكنها تقدم مؤشرات). كان السؤال الرئيس هو: هل يحب أبناءك المدرسة ولماذا؟ ما أسباب كراهية أبناءنا للمدارس إذا كانوا فعلا يكرهونها؟ وكيف نجعل المدرسة بيئة جاذبة لأطفالنا؟

وقد تنوعت إجابات المبحوثات إلا أنهن اتفقن على عدد من النقاط التي سيأتي عرضها لاحقا..

أشير بهذا الخصوص أن ظاهرة كراهية المدرسة تكاد تكون عامة للمدارس الحكومية على وجه الخصوص مقارنة بالوضع عند طلاب المدارس الأهلية الذين يبدون تذمرا أقل حسب إفادة أمهاتهم. والمشكلة برمتها تربوية وبحاجة إلى معالجة لارتباطها بالتعليم ركيزة العملية التنموية..

نحن ندرك أن التعليم يقوم على عدة عناصر تتمثل في المنهج أو المقررات والمعلم والمدرسة كبيئة حاضنة والعلاقة بين البيت والمدرسة وأنه لابد من تناغم هذه العناصر..

جاءت نتائج الاستقصاء عن أسباب كراهية المدرسة على النحو التالي:

  • كثرة المقررات؛ فمعظم الطلاب يدرسون مقررات يعتقدون بعدم ضرورتها وأنها مملة ولا تكسبهم مهارات كافية.. صحيح أنها تقدم لهم معلومات لكنهم ليسوا بحاجة لمعظم ما يتلقونه فالمعلومة الآن تتوفر من عدة مصادر إضافة إلى المقررات الدراسية.
  • توقيت الدخول والخروج من المدرسة. أشارت بهذا الخصوص بعض الأمهات إلى أن توقيت دخول المدرسة مبكرا (٧ صباحا) غير مناسب إطلاقا ويفترض أن تبدأ الدراسة بعد الساعة (٩ صباحا) بحيث يحصل التلاميذ على وقت كافي للنوم ولاسيما أن ظاهرة السهر متفشية حتى بين أوساط الأطفال الأصغر سنا.. وتبدو مشكلة التوقيت أكثر وضوحا في فصل الشتاء حيث البرد القارس صباحا. يضاف إلى ذلك أن تغيير التوقيت إلى التاسعة صباحا سيخفف من مشكلة الازدحام المروري بحيث يكون دخول التلاميذ بعد ذهاب الموظفين إلى أماكن عملهم…معظم التلاميذ يذهبون مع سائقين أو حافلات مدرسية وبالتالي ليس هناك عذر لمن يقول أن الآباء هم من ينقل أبناءهم للمدارس.
  • ينتشر في المدارس ظاهرة التنمر bullying وهي استقواء بعض الطلاب على بعض وأحيانا إيذائهم بدنيا أو لفظيا.
  • الفصول الحكومية غالبا مكتظة فعدد الطلاب في الفصل الواحد يتجاوز الثلاثين وتبدو المشكلة أكثر وضوحا في المباني المستأجرة ذات الغرف الضيقة وغير المهيأة كمدارس في الأساس.
  • قلة الأنشطة الترفيهية في المدرسة وعدم التوسع فيها بحكم أن ما يخصص لذلك من أموال ومرافق ربما كان غير كافيا.
  • شيوع العنف اللفظي عند بعض المعلمين ( الاستهزاء بالتلميذ وتوبيخه وتحقيره أمام زملاءه من قبل المعلم) مما ينفر التلميذ من المدرسة ويخلق له مشكلات نفسية.. وقد يعود شيوع عنف المعلمين اللفظي كبديل يستخدمونه للعقاب البدني الممنوع.
  • ضعف دور المشرف الاجتماعي في معالجة مشكلات التلاميذ وعدم قدرة المشرف على القيام بمهامه الأصلية بسبب تكليفه بأعمال إدارية وخارج نطاق تخصصه. يتم تقديم شكاوى من بعض أولياء الأمور للمشرفين حول مشكلات أبناءهم لكنهم قد لا يتعاملون معها بجدية أو يهملونها بسبب كثرتها وكثرة أعداد الطلبة مقارنة بعدد المشرفين.
  • كثرة الواجبات المدرسية وعدم قدرة التلميذ على إنجازها في المدرسة ومن ثم إشغاله بها في منزله بحيث يرى المدرسة مجرد جهة تكلفه بأعمال يكرهها.
  • بعض المدارس غير مجهزة فيزيقيا بالمرافق التي تجعلها مناسبة لكي يمكث فيها التلميذ ٦ ساعات يوميا..( دورات المياه – الملاعب – المقصف – الأطعمة التي تباع في المقصف – الماء النقي للشرب – التكييف – ضعف الصيانة …. الخ).

هذه بعض أسباب كراهية تلاميذنا للمدرسة وهي كما ذكرت خلاصة عدة مقابلات مع أمهات.

التعقيب الأول: د. مساعد المحيا

تعد النتائج المتضمنة بورقة د. خالد الرديعان بمثابة مؤشرات مهمة تكشف لنا مجموعة من الأسباب التي تحدد أين مكمن الخلل في بيئة التعليم المدرسية .. ولماذا يبغضها طلابنا وأبناؤنا .. دون شك تظل هذه الأسباب المشار إليها وفقا لرصد الطالبات متوقعة  ..

ولن أكرر ما تم الإشارة إليه بيد أني أؤكد أن مدارسنا ليست بيئة مناسبة للعملية التعليمية الجاذبة .. سواء المكان أو المنهج والمقرر أو المعلم مع استثناءات في هذا الصدد ..

مدارسنا يشعر الطالب أنها سجن يدخله صباحا فيظل ينتظر ساعة الفرج ليخرج متهللا فرحا.. كل ذلك لأنها لا تمتلك في غالبها مقومات الجذب أو التعلم المحبوب والترفيه الممتع..

ويزيد الأمر سوءا كلما ارتبط ترفيه الشاب بوسائل تقنية جديدة بحيث تصبح عملية التعليم بنمطها الحالي أشبه بدراسة الكتاتيب لديه مع البون الشاسع طبعا ..

أحد الزملاء قال لي كنت أعاقب أبنائي حين كنت في أمريكا إذا أخطأوا بأن أقول لهم لن تذهبوا غدا للمدرسة فيبكون ويطلبون مني العفو كل ذلك لأن المدرسة لديهم تعد شيئا ممتعا يحرصون عليه أما حين رجعت للمملكة فلم يعد هذا التهديد نافعا بل أصبحت المدرسة عبئا ثقيلا …

كل هذا بسبب بيئة المدرسة … لاحظ كيف يحب أطفالنا مدرستهم في المرحلة التمهيدية مثلا نظرا لأنها تمتلئ بالبرامج الممتعة والمتعددة التي تجعل اليوم يمر دون أن يشعروا به .. إذ حين تكون المدرسة مكانا محببا وجميلا سيحب الطلاب أن لا يغادروها …

ولا أريد أن استثني طلاب الجامعات فهم لدينا يشعرون بأن بيئة التعليم غير محببة أو بغيضة ..

وبرغم الفارق الكبير بين طالب الابتدائي مثلا وبين طالب الجامعة في السن والادراك والفهم والشعور بالمسؤولية إلا أن الحالة تبدو متشابهة .. إنه تراكم تولد مع أول يوم من أيام الدراسة ويزداد يوما بعد يوم ..

هذا بالنسبة لبيئة المدرسة بوصفها سببا جوهريا في طرد الطلاب .. لكن ثمة أسباب أخرى مهمة جدا منها ..

  • أولا: تربويا نحن غير جادين في حياتنا العلمية ولا يمكن أن يكون أبناؤنا جادين علميا وتربويا إن لم يرونا نحب التعلم وعملية التعليم.
  • ثانيا : نحن لا نقرأ أي قراءة جادة آباء وأمهات وشبابا وفتيات .. نكتفي فقط بالقراءات السريعة.
  • ثالثا: نحن في الجملة لا نحب الحياة الجادة ونتوق للترفيه والدعة ونبالغ في ذلك .. والتعليم عملية جادة لذا لا نحبها.
  • رابعا: الحياة المرفهة لدى كثير من البيوت جعلت بينهم وبين عملية التعليم ردما وهوة كبيرة.
  • خامسا: نحن نعيش واقعا تقنيا وافتراضيا مذهلا .. أصبح أبناؤنا محترفون فيه بما فيهم الأطفال بينما عملية التعليم لا تزال تهمش ذلك  .. لذا طلابنا يشعرون أن الذي يتعلمونه أمر كأنما يعيدهم للوراء.

التعقيب الثاني: أ. عبدالله الضويحي

اعتمد د. خالد فيما طرحه بالورقة الرئيسة إلى جانب رؤيته الشخصية على إجراء بحث لطالبات الماجستير على عينة من الأمهات وهي وإن كانت كما يقول (عينة قصدية لا ندعي أنها ممثلة لكنها تقدم مؤشرات) فقد أعطت رؤية لكنها ليست شاملة أو دقيقة.

أتفق معه في كل ما ذكر من أسباب لكنني سأتوقف عند السبب الثاني:

  • كثير من الآباء يقومون بتوصيل أبناءهم وليس العكس خاصة لمن لديه أبناء في مختلف المراحل فالسائق الواحد لم يعد يكفي للأسرة والنقل المدرسي غير أمن ولو توفر نقل أمن لأمكن حل جزء من المشكلة… كما أن الدوام من 9 ص إلى 5 مساء لذات السبب ولأن البيئة المدرسية غير مشجعة لا من حيث توفير وجبة صحية ومطعم ولا من حيث الجو خاصة في الصيف.
  • تأخر الأطفال في النوم هذه مسؤولية الأسرة يجب أن تتكيف الأسرة مع الدوام وليس العكس.
  • أتفق مع أن الوقت مبكرا في فصل الشتاء والحل في تغيير التوقيت بتقديم أو تأخير ساعة كما هو حاصل في معظم دول العالم.

السؤل المهم: ماذا نعني بالبيئة المدرسية الجاذبة !؟

في نظري أنها: “هي البيئة الآمنة التي تلبي احتياجات التلميذ التعليمية والترفيهية”.

وعليه: فإن البيئة الجاذبة هي التي تجعل التلميذ يغير مشاعره تجاه المدرسة إلى مشاعر حب ورغبة وتغير نظرته إليها على أنها مكان تعليم بالترغيب وليس بالترهيب.

وهذا يعني : أنها يجب أن تراعي قدراته العقلية وأوضاعه الصحية وتسهم في تحقيق ذاته من خلال تنمية ميوله واتجاهاته وتطوير مواهبه في كل النواحي من علمية وثقافية وفنية ورياضية .

إذا: فالبيئة المدرسية الجاذبة ليست مبنى نموذجي الخدمات ولكنها منظومة متكاملة يدخل فيها التجهيزات الفنية والبنية التحتية والمقرر والهيئة التعليمية من إدارة ومعلمين قادرين على استثمار ذلك.

وهذا يعني أنها يجب أن تراعي قدرات التلميذ العقلية وأوضاعه الصحية وتسهم في تحقيق ذاته من خلال تنمية ميوله واتجاهاته وتطوير مواهبه.

ومن هنا: فإن هذه البيئة ذات شقين:

  • ثوابت: لكل مراحل التعليم لا تتغير بتغيرها.
  • متغيرات: تتناسب مع كل مرحلة وفق معطياتها ومتطلباتها.

فما يصلح للمرحل الابتدائية لا يصلح للمرحلة المتوسطة أو الثانوية .. وهكذا وفقا لعمرها العقلي أو الزمني.

فهل استطعنا توفير هذه البيئة !؟ بل هل نستطيع !؟

أكثر من نصف المباني المدرسية مستأجرة لا تتوفر فيها أدنى المقومات والتعليم الأهلي الذي تشجع عليه الدولة ليحل جزءا من المشكلة في معظمه تجاري ويسير في ذات الاتجاه ما عدا مدرسة أو مدرستين في المدن الكبرى يمكن أن نطلق عليها “بيئة جاذبة” وكثير منها مرغوبة لأنها تراعي متطلبات ولي الأمر بمقابل ولا تريد أن تخسر ” الدخل ” الذي قامت من أجله.

قبل عشر سنوات ( العام الدراسي 1425 / 1426 ) بدأت وزارة التربية تطبيق مشروع “المدرسة الجاذبة” على المرحلة الابتدائية في ثلاث مناطق ( الحدود الشمالية و محايل عسير والباحة ) بمواصفات تحقق هذه البيئة لكن التجربة لم تنجح لعدة أسباب من أبرزها:

  • أن المعلم لم يكن لديه رؤية واضحة في كيفية تنفيذ حصص النشاط.
  • زيادة الأعباء على المعلم مما أدى إلى ضعف جديته في التنفيذ.
  • إعراض المعلمين ذوي الخبرات الطويلة عن التجربة لعدم تيقنهم من فوائدها.
  • قلة المخصصات المالية المعتمدة للمشروع لتوفير بعض وليس كل المتطلبات.

السياسة التعليمية:

اطلعت على السياسة التعليمية لدينا والمكونة من 236 مادة ليس فيها ما يشير إلى البيئة المدرسية الجاذبة بصورة مباشرة بل إن معظمها تنظيري وبعضها لا يشجع عليها.

سأختم بتجربة عايشتها بنفسي: في النصف الثاني من الستينيات وفي متوسطة ابن خلدون بجنوب الرياض حي متواضع لاحظ مدير المدرسة آنذاك الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله الشويعر ضعف البنية لدى التلاميذ فتبنى مشروعا يتلخص فيما يلي:

  • توفير ساندويتش ( جبن ومربى ) يوميا للتلميذ ( بيض يوم في الأسبوع ) مع كوب ساخن من الحليب الطازج .
  • يتم تجهيزها في مقصف المدرسة من قبل مجموعة تلاميذ يوميا بالتناوب وهم من يقدمون الخدمة في المقصف بإشراف معلمين.
  • تمديد الفسحة إلى ساعة كاملة بحسم 5 دقائق من كل حصة.

عرض الموضوع على الوزارة ولم توافق لقلة الاعتمادات وعرضه على الأهالي الذين وافقوا على المشروع.. هل تتصورون كم يدفع كل تلميذ !؟ … خمسة ريالات شهريا فقط بمعدل 4 قروش يوميا باعتبار الخميس كان يوم دراسة… وكان أمد الله في عمره متسامحا ومرنا مع أولياء الأمور الذين لديهم أكثر من ابن أو دخولهم محدودة.

الشيء الآخر: يمنع بتاتا إعطاء التلميذ أي واجبات أو اختبارات ليوم السبت ليستمتع بإجازة نهاية الأسبوع. ويمنع إعطاءه أكثر من اختبارين أو واجبين أو واجب واختبار في كل يوم.

هذه القصة تبين أن الإرادة والرغبة في العمل يمكن أن تخلق بيئة جاذبة رغم ضعف الإمكانات.

المداخلات حول القضية (لماذا لا يحب أبناؤنا المدرسة ؛ وكيف نجعلها بيئة جاذبة؟)

المدرسة الجاذبة والمدرسة الطاردة

أشار د. زياد الدريس في مداخلته حول المدرسة الجاذبة والمدرسة الطاردة إلى أن عوامل الجذب أو عكسه تبدأ من النقل المدرسي ثم المبنى المدرسي والهيئة التدريسية ( المعلم تحديداً ) والمنهج الدراسي والتقويم والتقدير .

وقبل هذا كله؛ طريقة تعامل الأسرة مع المدرسة وتبليغ الطفل، في الشعور واللاشعور، لماذا هو يذهب للمدرسة؟!

كثير من أطفالنا للأسف لا يدرك دوافع ذهابه اليومي للمدرسة لأن الأسرة والمجتمع نفسه لم يستطع الوصول إلى مصالحة بين أخلاقية وبراغماتية التعلّم ! .. هذه الإشكالية تحتاج إلى تعمق أكثر.

وأوضحت د. عائشة حجازي أنه عندما تكون المدرسة غنية بالنشاطات، تعليم وترفيه؛ فإنها تتيح فرصة للطالب لأن يفرغ طاقاته ويقضي وقته مع أصدقائه ويشاركهم العمل. وليس فقط ثمان حصص على كرسي وطاولة يتلقى معلومات صماء ..المناهج عندما يكون فيها جزء عملي تساعد الطالب على الانطلاق والإبداع .. فالمعلم عليه دور كبير ويعتبر مصدر كبير لتهيئة بيئة مدرسية جاذبة للطلاب في استخدامه للتقنيات الحديثة.

للأسف مدارسنا تفتقر للتواصل مع الطالب بمعنى تلبية حاجات الطالب مع التعليم ضعيفة فمثلا للمرحلة الابتدائية نحتاج إلى غرفة للعب في جميع المدارس بالإضافة إلى متابعه من قبل المرشد لأي طالب تظهر عليه علامات غير طبيعية.

وبالنسبة للمرحلة المتوسطة والثانوية نحتاج لساعات من الترفيه حتى لو كانت شاشات عرض يتم فيها عرض المفيد والتعليمي وتوفير متخصص لهذه المجالات علما أن رائد النشاط دوره أكبر لكن للأسف عندنا وظيفة رائد النشاط أنه يرتاح ويجلس بلا عمل فلو قام بدوره بطريقة صحيحة لوجدنا أكبر الأثر لذلك.

وللأسرة دور فعال في النظرة للمدرسة أن الطالب مهما حصل له ولي الأمر لا يبالي، قد يتعرض للضرب أو المضايقة وهو غير مهتم بالجلوس مع أبناءه لمعرفه سر رفضه أو كرهه للمدرسة.

ويضاف لذلك:

  • ضعف البيئة المدرسية من حيث التصميم والمساحة والأجهزة التقنية.
  • جمود المناهج التعليمية واحتواءها على معلومات ( حشو على غير فائدة ) وعدم مجاراتها للتطور التكنولوجي .. فما زال اسلوب توصيل المعلومة بالتلقين.
  • ضعف التأهيل المهني للمعلمين.
  • عدم وجود حوافز تشجع المعلم على التطور.
  • الضغط والمجهود الكبير على عاتق المعلم.
  • مساواة مجهود المعلم بما سواه من جهود أي وظيفة متجاهلين المجهود الذي يبذله المعلم في عمله.
  • هناك حد للطاقة الإنتاجية عند المعلم بعد ١٥ سنة تبدأ بالركود.
  • اعتماد أغلب المعلمين على استراتيجية التلقين والمحاضرة.
  • إن الأساليب الترغيبية للذهاب للمدرسة تنطوي على نوع من الإجبار، وبطبيعة النفس البشرية فإنها لا تحبذ الإجبار.

وأشار د. عبداللطيف العوين إلى مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالقضية المطروحة وتتضمن:

  • أن المقرر جزء من المنهج ، وأجزائه الأخرى أيضا لها علاقه مؤثرة.
  • التعليم العام غايته الاستراتيجية هي ( إعداد المواطن الصالح ) وليس مسؤول عن مهارات سوق العمل.
  • البيئة الخارجية للتعليم لها دور كبير في محبة الطالب للتعليم قد تتجاوز أحيانا البيئة الداخلية.
  • الأنظمة والتنظيمات.

وفيما يخص متغير المعلم يبقى التساؤل: كيف يمكن أن نعيد المربي للمدارس حتى نضمن تبادل المشاعر النبيلة بين المتعلم والمعلم.

وقال د. عبد الله بن صالح الحمود أن الورقة والتي أتت بعنوان (لماذا لا يحب أبناؤنا المدرسة وكيف نجعلها بيئة جاذبة) بحد ذاتها وما أتت به من نتائج لاشك أنها تعبر عن المكنون الذي تعيشه الأسر عامة حول قضيتين هامتين هما ( التربية والتعليم )… وهنا أود القول أن سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية منذ بداية انطلاقة التعليم النظامي أعطت اهتماما بالغ الأهمية للتعليم ولم تنل التربية الحق الكاف لأن تكون شريكا رئيس بجانب التعليم ، وهذا ما أوجد خللا في المسيرة التعليمية وما يؤكد ذلك أن المسمى للوزارة التي تشرف على مؤسسات التعليم العام كان اسمها ( وزارة المعارف ) وحتى لم تكن بمسمى (التعليم ) ولا يمكن أن تأتي المعرفة قبل التعليم.

وربما يقول قائل أن المعنى واحد وهذا غير صحيح بل ذلك المسمى القديم هو من أعطى انطباع لمسؤولي التعليم آنذاك أن مهمتهم تعليمية فقط ، وأستطيع أن أؤكد أن لهذا الأمر تداعيات تسببت في جعل التعليم طاغيا على رسالة التربية والمفترض الإتيان بها جنبا إلى جنب مع رسالة التعليم.

تلك مقدمة أحببت طرحها لتكن مدخلا لي في النقاش حول الموضوع، وسوف أسرد نقاط بطريقة مقترحات مباشرة لعلها تسهم في مسيرة التعليم والتي منها تعرية الأسباب التي حالت ليس لعدم حب المدرسة فحسب بل قد يصل الأمر لدى بعض الطلاب والطالبات إلى العزوف عن الدراسة وهنا تأتي الكارثة.

  • مع الاعتمادات المالية الضخمة لوزارة التعليم نلحظ أن غالبية المدارس مستأجرة وغير صحية ، وأن المدارس الحكومية هي الأخرى تعاني من ضعف في الصيانة والنظافة.
  • خدمات الأطعمة في المقاصف المدرسية تعاني من سوء في التخزين ما يجعلها أطعمة غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
  • عدم توافر بيئة ترفيهية داخل المدرسة ، ويلاحظ أن بعض الأفنية غير محمية من التقلبات الجوية.
  • يلاحظ أن المساحة الاستيعابية للفصول الدراسية لا يتناسب وعدد الطلاب في كل فصل.
  • هناك إشكالية في إيصال الرسالة التعليمية عند تمكين معلمين حديثي التخرج لتدريس طلاب المرحلة الابتدائية خصوصا مراحل الصفوف الأولية، لحيث أن هذه الفئة تعد أصعب مراحل التعليم وهذا يستوجب ألا يقوم بتدريس هذه الفئة إلا من أمضى في مرحلة التدريس أكثر من 10 سنوات.
  • إن كثرة المواد الدراسية مع صعوبة استيعابها لدى الطلاب خصوصا ذوو العقلية المحدودة ، فضلا عن أن بعض المعلمين يواجهون صعوبة في تدريس بعض المواد الدراسية فكيف يكون حال الطالب أو الطالبة ، وأيضا مع كثرة المواد الدراسية إلا أن الكتاب المدرسي الواحد يمثل كتابا علميا لا يمكن لمن يعدون في مرحلة الطفولة أن يتمكنوا من قراءته واستيعابه في فصل دراسي واحد غالبا ما تكثر بينه الإجازات الأسبوعية والأعياد ومواسم أخرى .
  • العديد من المدارس لا تتوافر فيها الرقابة الطلابية باستمرار خصوصا في الفسحة المدرسية ، مما يوجد بيئة خصبة للطلاب المشاغبين وذو التوجهات العدوانية في الاعتداء على زملائهم المسالمين.
  • وهنا لابد لنا أن نقر أن الرسالة التعليمية والتربوية هي ذات منظومة متكاملة تشمل المعلم المتخصص المهيأ نفسيا للتدريس ، والمبنى المدرسي النوعي ، وخفض الحصص الدراسية للمعلم ، وتوافر قيادة مدرسية نوعية قادرة على مواجهة التحديات كافة.

من هنا يمكننا الحكم على أسباب تدني الرسالة التعليمية أن وجدت.

ومن جانبها قالت أ. ليلى الشهراني في مداخلتها: في صغري كنت أدعو الله كل صباح وأنا في باص المدرسة أن يخسف الله بها الأرض ، وما أن تظهر معالمها إلا ويصيبني الهم والغم ، كنت أقارنها بما أراه في المسلسلات وأفلام الكرتون ، بيئة جميلة لكن صدمت بها من أول يوم دراسي ، فوضى تنظيمية، فصول ضيقة ، معلمة مخيفة ، لا يوجد فيها إلا مبدأ العقاب والتخويف والتسلط فقط .

دارت السنين وبعض المدارس الحكومية كما هي ، بل أصبحت عجوزا هرمة ، بعضها تصلح أن توضع في متاحف التاريخ لمضي نصف قرن على بنائها وما زالت باقية وصامدة وتستقبل الأجيال تلو الأخرى بنفس الفصول ونفس الإهمال إلا أنها أصبحت أكثر هدوء بوجود بعض المعلمات والإداريات الواعيات.

البيئات المدرسية في بعض المدارس الحكومية بيئات خانقة جدا ، فالطلاب والطالبات مثل من يذهب إلى سجن يومي ما أن يقرع جرس الحصة السابعة إلا وتراهم فرحين مبتهجين بانتهاء تلك الساعات الثقيلة.

أظن أننا بحاجة لدمج شيء من الترفيه مع العلم من باب ساعة وساعة ، وليس المعنى بالترفيه لعب فقط وإن كان هذا من الضروريات بل الاهتمام بالأنشطة اللاصفية مثل المكتبات والرسم والكمبيوتر والعلوم وممارسة بعض الهوايات.

وهذه الأنشطة لا يمكن أن تقام في بيئات مدرسية تعاني من تعطل مكيفاتها وضيق فصولها ورداءة دورات المياه فيها وسوء النظافة في بعضها.

حتى يحب الأبناء المدارس يحتاجون لمكان فسيح ، ومعاملة حسنة ورفق ، وتخفيف بعض القيود على لون قبعة الطالبة الشتوية أو شباصتها أو بلوفرها ، فبعض القرارات فيها تشدد مبالغ فيه ، أيضا الاهتمام بالمقصف المدرسي وما يعرض فيه من منتجات غير صحية.

وأكد أ. عبدالله آل حامد على أهمية موضوع الورقة والذي يشكل برأيه معضلة قد تكون حلا لكثير من التراكمات المقلقة تجاه التعلم وإشباع رغبات الشباب والأطفال في عمر المدرسة .

وأضاف: أسمحوا لي أن أبدأ من قرار وزارة التعليم الأخير بتحويل مسمى مدراء المدارس إلى قادة المدارس والذي سخر منه الكثير واعتبروه جزء من الإصلاحات الشكلية التي تتبناها الوزارة والحقيقة في وجهة نظري أنها إشارة مهمة إلى ما يجب عليه أن يكون القائد الخلاق الذي لم يعد مكبلا بأعباء التعاميم والقرارات وأفعل ولا تفعل إلى أفق جديد يستطيع من خلاله أن يلامس احتياجات فريقه التعليمي وطلابه نحو فضاء إبداعي يغير شكل الفصل التقليدي إلى تنظيم ينسجم مع احتياجات التعلم وعدد الطلاب يساهم في مسابقة ثقافية هنا ومنافسة رياضية هناك يفعل قيمة المكتبة، والرحلات العلمية والاستكشافية، محاضرات، زيارات، زيادة مساحة الترفيه، تبني التعلم بالترفيه، صناعة أندية، وتشجيع الطلاب على المشاركة والمساهمة فيها بحيث يستفيد التلميذ من مواهب وخبرات معلميه في تعزيز المسرح والإلقاء والكتابة وهكذا..

بالمحصلة إذا شعر الطالب أنه عندما تشرق شمس يوم دراسي جديد فلن يكون حبيس طاولته لخمس ساعات يتلقى كم كبير من المعلومات وعليه الصمت والانتظار مقتول الإبداع مغيب عن إشغال العقل بلا مسؤولية بلا هواية بلا إنتاج فسيحب وينتمي لمدرسته.

ودور التعليم وزارة وأنظمة الحرص على البحث وصناعة القائد المؤهل لإحداث التغيير ومنحه كل الصلاحيات مع الاحتفاظ بحق الإشراف والمحاسبة.

وقالت أ. علياء البازعي: حتى نعرف السبب…فلنتجول جولة بسيطة في عينة عشوائية من المدارس…بيئة المدارس كئيبة.. أشبه بالسجن منها بالمدرسة… لن يحب الأطفال المدرسة أبدا مادام الطفل / الطالب ليس أساس المعادلة و مركز الاهتمام.

وذكر د.م. نصر الصحاف في مداخلته أنه من حيث المبدأ فإن كل النقاط التي ذكرها د. خالد في ورقته ذات تأثير مطرد على واقع الحال بدرجة أو أخرى ؛ ولكن أضيف إلى طرحه أربعة نقاط أخرى أجدها بنفس الأهمية وأذكر كل واحده  باختصار مقصود بهدف إثارة النقاش وإثرائه في نفس الوقت:

  • مؤهلات هيئة التعليم بالمدارس من مرحلة الروضة وحتى مرحلة الثانوي؛
  • دور الأسرة في البيت مقابل دور المعلم في المدرسة؛
  • أثر معاناة المعلمات في المناطق النائية اليومية في ظروف صعبة وخطرة (ساعات العمل الطويلة بسبب التنقل والحوادث المرورية) على عطائهن وأثر ذلك في حب أو كره الطالبات لمدارسهن؛
  • الحشو في المقررات والتي تستنزف الكثير من الوقت والذي ممكن أن يكرس في أنشطة ترفيهية داخل أسوار المدرسة لدعم الروح المدرسية وبالتالي تولد حب الطالبة / الطالب للمدرسة!!

وتفصيل هذه النقاط كما يلي:

  • هل المعلمين مؤهلين في الأساس للمواد التي يدرسونها أم أن الحاجة وكثرة أعداد الطلبة في الفصل (كما ذكر د. خالد في طرحه للموضوع) أدت إلى تحمله مواد في غير تخصصه؟؟

تؤكد دراسات عديدة أن أحد الأسباب الرئيسة لحب المدرسة هو مدى شعور الطالب بالنجاح في فصله كما هو تفضيل طالب لمقرر عن أخر هو فهمه للمادة وفي هذا المقابل كم منا كره مادة أو أكثر بسبب عدم كفاءة المعلم في إيصال المعلومة؟؟

  • دور الأسرة ومدى تواصلها مع المدرسة في متابعة تحصيل أبنائها بالمدرسة وأنشطتها يكاد يكون غائباً تماماً في مجتمعنا! هنا أحد المؤثرات الأساسية في توليد حب المدرسة لدى الطالبة /الطالب !!

وقد استشعرت ذلك شخصياً من خلال الحرص على المشاركة في مناشط المدرسة المختلفة ولكل أبنائي على مختلف مراحلهم ولقاء المعلمين والتربويين ومناقشة الأبناء بعد ذلك كمتابعة وجديّة اهتمامنا بمستقبلهم.

  • المعاناة (الجسدية والنفسية) اليومية لمعلمات المناطق النائية تؤثر سلباً على تحصيل الطالبات وبالتالي على أداءهن ومن ثم حبهن أو كرههن للمدرسة!
  • الحشو غير المفيد في مقررات وزارة التعليم في ظل المرحلة الحالية من التدعشن لطلبة عاديون!

هذا دليل ليس فقط على عدم حب للمدرسة بل يتفوٌق إلى كراهية للمدرسة ومن ثم كراهية للمجتمع بأكمله!

وأضاف د.م. نصر الصحاف: بالعودة إلى النقطة الثانية من طرح د. خالد .. نجد أن الدراسات العلمية في الغرب أثبتت مؤخراً أن تأخير أوقات المدرسة صباحاً هي الأمثل وليس العكس!!

فمقدرة الطفل على الاستيعاب أكبر كلما تأخر الوقت في اليوم وحتى العاشرة صباحاً. من هذا المنطلق فقد غيّرت المدرسة الأمريكية بالرياض موعد بدء الدراسة من ٧:٤٥ ص – ٢:٤٥م  إلى ٨:٣٠ ص – ٣:٣٠م يومياً منذ بداية هذا العام الدراسي!

ومن جانبه أوضح  د. حسين الحكمي أنه وعند الحديث عن المدرسة والطالب فإن هناك أكثر من عامل مهم وضعها في الاعتبار ، فالمدرسة قد تمتد من سن ٤ سنوات إلى سن الثامنة عشرة. هذا يعني أن هناك فترات عمرية مختلفة تمر على الشخص منها الطفولة والمراهقة المبكرة والمراهقة المتوسطة وكل ذلك يجب وضع اعتبارات له ، فلكل مرحلة عمرية نمطها الخاص بها من التفكير والسلوك والاهتمامات والسلوكيات والتغيرات النفسية والبدنية.

المدرسة الابتدائية غير المراحل الأخرى ، فيمكن جذب الطالب في هذه المرحلة عبر التعليم باللعب والترفيه. ففي المراحل الدراسية الأولية مهم جدا أن نحبب الطالب في المدرسة والذهاب إليها. أي تعامل ينفر الطالب في هذه المرحلة سيجعله يكرهها في السنوات اللاحقة، ما قد يتسبب في التسرب منها في أي لحظة. وبالتأكيد فإن التسرب من المدرسة وعدم الحصول على الأقل على التعليم الثانوي له أثره على شخصية وسلوك الشخص مستقبلا ما قد ينعكس سلبا على بناء النسق العام للمجتمع ككل.

في المقابل حب الطالب للمدرسة ليس مهما بدرجة كبيرة في المراحل بعد الابتدائية ، المهم أن لا يكرهها كما أن معرفة الطالب ووعيه بقيمتها وفائدتها عليه لها أثرها الإيجابي . فتبصير الطالب بدور المدرسة في مساعدته على تحقيق أهدافه وطموحاته وبناء شخصيته يساعد في تقبل الطالب للالتزامات الحياتية التي تفرضها عليه ذهابه للمدرسة.

فهم المدرسة والمعلم لنوعية الطلبة الذين يدرسهم واهتماماتهم ونفسياتهم وطريقة تفكيرهم تساعد كثيرا في جعل الطالب يحب المدرسة أو على الأقل لا يكرهها خصوصا في الصفوف الأولية.

سجل صديق لي ابنته في الروضة وكان على أحد الأبوين أن يصاحب البنت في الأسبوع الأول حتى تتعود على المدرسة ، يقول لنا أنه في يوم من الأيام كان جالسا يراقب ويستمع ويستمتع بأسلوب المعلمة في تعليم الصغار. طرحت المعلمة سؤالا على الأطفال الصغار الجلوس على الأرض أمامها كما تجلس هي ، فرفع الأطفال أيديهم ، فتحدث طفل بعد أن أشارت إليه المعلمة بإجابة ، ردت المعلمة عليه وهي تنظر إليه بود ومحبة وابتسامة بسيطة بقولها : أحسنت ، هذه إجابة صحيحة لكنها لسؤال مختلف.

وعلق د. إبراهيم البعيز على مداخلة د. حسين بقوله: أعتقد أن عدم حب الأطفال أو الطلاب عموما للمدرسة ليست هي المشكلة بقدر ما تكون عرض لمشكلة أكبر ..

التعليم يقوم على ثلاثة محاور مترابطة ، وترابطها يعزز من قناعة الطلاب بأهمية وقيمة التعليم (معارف – مهارات – قيم )..

تعليمنا ركز كثيرا على المعارف وبالغ في التركيز إلى أن وصل إلى تخمة التلقين.. أهمل المهارات والقيم.. والقيم هنا ليست مقصورة على القيم الاخلاقية أو الدينية بل تتجاوز ذلك إلى قيم العمل والمنافسة والانجاز ..

وأصبح الطالب لديه معارف لكنه لا يستطيع الاستفادة منها في مهارات تطبيقية أو قيم سلوكية …  بمعنى آخر معارف ليست مهمة useless information

ومن جانبها قالت أ. كوثر الأربش: قرأت مرة أن الطلاب في اليابان، لا يحبون الاجازات! الوضع لدينا مختلف تماما. نهاية الأسبوع تعتبر احتفالية للطالب. هناك أسباب عدة تنفر الطلاب من المدرسة. أسباب متعلقة بالمواد الدراسية والمعلمين. ومنها أسلوب المعلم الممل في الشرح، كثرة الواجبات، الصرامة والشدة في محاسبة الطالب. غياب الحس الترفيهي والنشاطات المشتركة، نقص مهارة المعلم في ايصال المعلومة وغيرها.

وهناك أسباب عائدة لأسباب سلوكية في الطفل تمنعه من صناعة صداقة مع بقية الطلاب. وهو سبب قد يغيب عن الآباء. كون الطالب مهمش بين زملائه أو وجود طلاب متنمرين. التنمر أصنفه من أهم اسباب تنفير الطالب من المدرسة وغالبا ما يعجز المعلم والأب عن معالجة المشكلة. فيعمد الآباء للسخرية من أبنائهم لأنهم مستهدفين من المتنمرين في الصف ويطالبون الطفل أن يصبح أقوى ويدافع عن نفسه. والمدرسة لا تتعامل بجدية مع التنمر في المدارس.

البيئة الصحية في المدارس لابد أن تولي اهتماما بالتعليم وبالتربية أيضا. والمعلم يصبح مع الوقت أب أو أم أخرى ويتطلع الطالب لعلاقة أبوية معه. بعض المعلمين لا يلتفتون لهذه العلاقة التي يفترضها الطالب. ويكون سببا في تنفيره من المدرسة. ويتعامل مع التعليم كمهنة يتقاضى عليها راتبا وحسب.

ومن جانبه استشهد د. حميد المزروع بقول الشاعر حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة أذا أعددتها .. أعددت شعبا طيب الأعراق

وبناء عليه أضاف: يعتبر البيت  المدرسة التأسيسية الأولي لجميع الأطفال ، ليس فقط في اكتساب السلوكيات ومهارات التعلم الأولية ، بل أيضا في ترسيخ القيم المرتبطة بالآداب العامة والانضباط ، والذي بدونة تصبح مهمة المعلم والمعلمة صعبة للغاية.  إن عدم وجود قدوة حسنة بالمنزل وانزلاق بعض الأطفال الي ثقافة الشارع يزيد من ابتعاد الأبناء عن  احترام البيئة المدرسية ، وما يرتبط بها من متطلبات الانضباط والتعلم. ما قيمة العلم دون تربية. لا شك أن الآراء التي تم طرحها  لها دور كبير في تحديد نوعية العلاقة ما بين الطلاب والمدرسة.

في حين رأت أ. ندى القنيبط أن المنهج المدرسي المطبق لدينا أيضا له دور كبير في عدم جذب الطلاب من حيث طرح المعلومة و المادة المكتوبة و نوعية الورق والصور التي يتم  تناولها مع الطالب ، مقارنة مع كتب المدراس الأجنبية و التي هي موجوده في المملكة حيث تكون الكتب ممتازة من حيث نوعية الطباعة و طريقة عرض المعلومة و نوعيتها و أيضا يتم توفير مصادر أخرى عن المعلومة عن طريق مؤلف آخر أو مواقع إلكترونية في نفس الكتاب كمرجع للطلبة أو التفاعل مع الجيل الإلكتروني بطريقته !!!

ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي فإنه و لكي تكون المدرسة جاذبة فيجب أن لا تكون جاذبة بمعنى يجب أن تكون البيئة المدرسية مورِقة وحيوية من حيث  أسلوب المعلم في التعليم ومن حيث المنهج الدراسي المُعين على التعلٌم والمواكب للعصر ومن حيث تنوع وجودة الأنشطة اللاصفية .

وكفاءة المعلم وتمكنه من مادته وكذلك مدى حصوله على دورات في التعلم النشِط والمعتمد على التفاعل مع الطلبة طوال الدرس ، هو أساس العملية التعليمية ويزيد من نجاح مهمته منهج تعليمي قوي بمستوى عالي من التسلسل والترابط  والتصاعد المعلوماتي من بداية المراحل التعليمية في الصفوف الأولى إلى نهاية المرحلة الثانوية.

ولنجاح ذلك كله هناك مرتكزات وأسس تتعلق بالأعداد المعيارية من الطلبة في الفصل الواحد بالإضافة  للبنى التحتية من المبنى المدرسي والميزانية الكافية للأنشطة والتعاون البنًاء بين المدرسة والبيت والصحة المدرسية ومراكز الخدمة الاجتماعية وغيره من المتطلبات الهامة لنجاح العملية التعليمية.

نحن نفتقد في مجتمعنا لكثير من تلك المقومات للأسف وخاصة في المدارس  الحكومية  وأكثر تلك المقومات غياباً هو المعلم المتمكن ذا الأسلوب التفاعلي في العملية التعليمية ، لذا علينا التركيز على تأهيل المعلمين تأهيلاً عالياً من خلال تعليمهم العالي والحاقهم بالدورات  التطويرية المستمرة داخل المملكة وخارجها إلى جانب أهمية رفع مرتباتهم وبدلاتهم المختلفة.

أما فيما يتعلق بالمناهج في مدارسنا فالحديث يطول عن الحشو والمعلومات التي لا يحتاج الطالب في الغالب إلا لربعها ولكن بتركيز مختلف. ولكم أن تتخيلوا إن ابن السادسة أو السابعة يدرس عن زكاة البقر والابل  وغيرها من التفاصيل.

وأخيراً نستطيع أن نقول أن الأنشطة اللاصفية من رحلات ومخيمات ومشاركات وطنية واجتماعية وغيرها،،،، وهي من مقومات الجذب في المدارس في الدول المتقدمة تعليمياً ، تفتقد عندنا للاهتمام بالشكل والأسلوب المطلوب والمنشود.

المعلم المؤهل عنصر رئيس للجذب

من جانبه، أوجز أ. أسامة نقلي مداخلته بقوله : من تجربتي في العمل القنصلي الذي مارسته لمدة عام، خرجت بخلاصة أن كل عمل فيه مواجهة للجمهور يحتاج إلى مهارة عالية وضبط شديد للنفس.. فما بالك بالمدرس الذي يتعامل يوميا مع الطلبة بمختلف شرائحهم، وتفاوت سلوكياتهم..

المعلم غير المهيأ لمواجهة الجمهور يجلب لنفسه وللطالب الاكتئاب الشديد، وفي اعتقادي أن ممارسة التعليم تحتاج إلى مهارات أكثر من شهادات .. وعندما أتحدث عن المهارات، لا أعني بذلك التربوية، بقدر النفسية والسلوكية والتعامل مع كافة المواقف.

وفي مداخلة لاحقة قالت أ. فايزة الحربي: هناك من المعلمات من تخطف بصر وقلب طلباتها من أسلوب تدريسها تمضي الحصه سريعا ..

العطاء يختلف حقيقة فالتدريس موهبة تصقل بالخبرة والتطوير …

لا نغفل أيضا عن أهمية الإدارة والبيئة المحفزة فقد تشعل المديرة حماس موظفاتها وطلباتها للتميز وطلب العلم وقد تطفئ كل حماس وتقتل الإبداع فيهن .. فالقيادة موهبة وفن تصقل بالخبرة والتدريب …

لا نغفل كذلك عن أهمية دور الاسرة في زرع حب المدرسة والدراسة في نفوس أبنائهم  واختيار مدارس جيدة لهم.. وتعزيز نقاط القوة لدى أبنائهم كموهبتهم في بعض المواد والتواصل مع المدرسة لتحقيق التعاون في ذلك والعكس إذا أخفق الأبن في مادة أو ظلم من زميل أو معلم لابد من مساندته وعدم إهمال الأمر ليتراكم في نفسية ابنهم فيتحول الأمر إلى كراهية المدرسة فنصرته عند تعرضه للظلم ودعمه والأخذ بيده دوما …

الحديث ذو شجون ولا يمكنني استيفاء أطرافه فكل حلقه مرتبطة بالأخرى في منظومة التعليم التي قد تزرع شغف للمدرسة أو كره لها.

وأشار د. خالد بن دهيش من جديد إلى أن المعلم التربوي قبل أن يًقبل في كلية التربية أو كلية المعلمين لابد من أن يجتاز المقابلة الشخصية للقبول ، وقبل أن يتخرج لابد من أن يجتاز التطبيق بالمدرسة لمدة فصل دراسي للحصول على الدرجة العلمية ، وقبل أن يُعين مدرس لابد أن يجتاز المقابلة الشخصية واختبار قياس.

وعلقت أ. فايزة الحربي على هذا الرأي بقولها: بالفعل يحتاج المعلم بشكل أساسي أن يعرف أنماط الشخصيات ونقاط القوة و الضعف لكل شخصية وأن يستوعب الذكاءات المتعددة ليتمكن من الوصول لطلابه وفهمهم وفهم اختلاف شخصياتهم.

وقال أ. عبدالله الضويحي، إجمالا فإن ما تم الإشارة إليه كله نتاج خبرة وتجارب وبحكم خبرتي في التعليم ما يزيد عن ثلاثين سنة أضيف لتعقيبي وللمداخلات سالفة الذكر وحديثي عن الجنسين:

  • أن التعليم وإن كان في ظاهره وظيفة فهو في حقيقته مهنة لا ينجح فيها إلا من أتى إليها برغبة وهواية ” نستثني النوادر ” ولهذا ينجح بعض من المعلمين في جعل المادة محببة للتلميذ وقريبة من ذهنه.

لا أريد أن أتحدث عن نفسي لكنني مضطر للإشارة أنني كنت معلما للرياضيات في المرحلة المتوسطة ومع بداية الرياضيات الحديثة وردود الفعل ومع ذلك ولله الحمد معظم تلاميذي تفوقوا في دراستهم وكانوا يحرصون على الحضور من اليوم الأول لآخر يوم في الدراسة حيث عودتهم الانضباط.

لم أحمل عصا ولم أرسل أحدا منهم للإدارة ولم أقل لأي منهم خطأ حتى لو أخطأ في الإجابة لكنني كنت أنقله من حالة الخطأ إلى حالة الصواب وكنت أعرف أسماءهم جميعا وأنادي كلا باسمه الأول فيشعر بالقرب منه والاهتمام أمزج بين الجد والمرح حسب الظروف وأستخدم المنهج الخفي كثيرا أخرج من الدرس وأعود إليه عندما أشعر بضرورة ذلك.

لا أود أن أتحدث كثيرا فالمساحة لا تسمح ولا أريد أن أمارس الذاتية لكنها تأكيد على الرغبة وحب التخصص أو المادة.

  • وزارة المالية تفاوض وزارة التعليم على عدد الوظائف المطلوبة وهذا ديدنها مع كل القطاعات فأصبحت تخطط وتشرع وتنفذ والمفروض أن تكون جهازا تنفيذيا فقط لذلك أصبح الضغط على المعلم في عدد الحصص ونوعيته.
  • التعليم لدينا مر بتجارب عديدة وتم ظلمه من القائمين عليه فالقيمة الاجتماعية للمعلم متدنية وهو محسود على الإجازة وهي حق له فهو يعطي أضعاف ما يعطيه الموظف وهو مجبر على الدوام اليومي لا يستطيع التأخر بضع دقائق.
  • في بداية السبعينيات وكحل لمشكلة الإنجليزي جاء دبلوم بريطانيا ( سنتين ) وتخرج معلمون غير مؤهلين. وفي منتصف الثمانينيات وكحل لنقص المعلمين تم تعيين خريجي الإعلام والزراعة والعلوم الإدارية كمعلمي ابتدائي.
  • كليات التربية تقبل المعدلات الأدنى للخريج لدلك يتجه لها الطالب مضطرا وليس رغبة وفي جيلنا كنا نتجه إليها رغبة فقد كانت الفرص شبه متاحة لبقية الكليات.
  • كادر المعلمين عندما تم تطبيقه 1982 أغرى الطلاب بالتوجه إلى مهنة التعليم بحثا عن المادة.
  • في نلك الفترة تم تطبيق الثانوية الشاملة واستفاد منها بعض التلاميذ ولم يوفق آخرون وكانت خروجا على الروتين ثم ألغيت بسبب أخطاء وردود فعل لم نعالجها بحكمة. وفي بعض المدارس الابتدائية تم تطبيق نظام تخصيص فصل لكل معلم فيها جميع أدواته ويتنقل التلاميذ بين الفصول ” التلميذ يتبع المعلم وليس العكس ” ثم ألغي هذا النظام.
  • إعداد المعلم لدينا ضعيف، المقابلة الشخصية قبل الدخول للكلية روتينية، والتطبيق العملي نموذجي ينتهي بالتخرج وبعض المشرفين لا يهتم به كثيرا فينظر إليه كمقرر أو متطلب فقط وليس جزءا من إعداد المعلم الذي يتطلب تعويده على مهارات التواصل ومواجهة الجمهور والمشرفون التربويون هم معلمون سابقون لذلك يدور بعضهم في الفلك ذاته والبعض يجبر المعلم على طريقته.
  • إدارة التعليم ( تعاقب ) المدير المتميز الناجح في إدارة مدرسته بنقله لمدرسة فوضوية وغير منضبطة لإصلاحها و ( تكافئ ) اللامبالي بنقله لمدرسة منضبطة والعمل ذاته مع المعلمين.
  • أختم بالاستثناء فهناك معلمون ومديرون ومشرفون متميزون وهم الذين أحبوا التعليم كمهنة ويحرصون على تطوير ذاتهم وينظرون له على أنه أمانة ومسؤولية قبل أن يكون وظيفة.

وتعتقد أ. فايزة الحربي أن أقوى وسيلة لجذب الطلاب هو التدريس بحب .. الحب بين الأستاذ وطلابه ينشر الود والحماس والعطاء بين الطرفين .. إشكالية العمل لأجل الراتب لم تعد مجدية في كل الوظائف وخصوصا في التعليم .. الحب داخل الصف يخلق درس خفيف وعلم بحماس.

أعتقد المعلم متى ما أحب التدريس يبدأ بتطوير نفسه وأسلوب تدريسه وتعلم كل التقنيات المتاحة ما يجعله مغناطيس يجذب الطلاب حوله ويسحرهم بعطاءه… الأهم أن لا يصطدم هذا الحب بإدارة عقيمة أو محبطة.

منظومة التعليم العام: الجميع يكره الجميع

أوضح د. مسفر السلولي أن مداخلته تنطلق من تخصص وقرب للميدان ومتابعة عن كثب وهي رؤية عامة مع وجود استثناءات مميزة بالتأكيد والحديث هنا ليس عن هذه الفئة.

وأضاف: اتفق مع جميع الأطروحات السابقة التي حاولت معرفة وبيان السبب الذي يجعل الطالب يكره المدرسة. ولا شك أن هناك أسباب كثيرة تم ذكرها منها ما يتعلق بالبيئة المدرسية ومنها ما يتعلق بالمجتمع. واتفق بشدة أن البيئة الجاذبة لها دور كبير. لكن المشكلة في ظني ليست محصورة في كره الطلبة للمدارس، المشكلة أن الجميع يكره الجميع في منظومة التعليم العام. الطالب يكره المدرسة ويكره المادة الدراسية، والمعلم يكره المدرسة، والوزارة تكره المعلم، والمعلم يبغض الوزارة. هذا الكره المتبادل بدأ بتعيين المعلمين على بند ١٠٥ في فترة سابقة، ويبقى المعلم على البند سنوات ثم يعدل إلى مستوى أقل من مستواه المناسب. وهذا أحدث مشكلة لدى المعلمين وانتماءهم للمهنة والمدرسة. وهنا بدأت العلاقة بين المعلمين والوزارة بالتوتر الذي انعكس على المعلم ونظرته للوزارة وللمدرسة وللمهنة. وفي عهد الملك عبدالله رحمه الله أمر بتصحيح أوضاع المعلمين وإعطاء المعلم حقه. فكانت فرصة أمام الوزارة بالتصالح مع المعلم ورأب الصدع وردم الفجوة التي حدثت إلا أنها لم توفق أبداً ابدًا وحسبت الموضوع مالياً على حساب المصلحة العامة وطبقت على المعلم لوائح وظائف الخدمة المدنية التي لا تنطبق عليه أساسا وذلك بهدف منعه من المطالبة بحقوقه المالية وحاول المعلمون عبثاً الحصول على مستحقاتهم لكنها لم تأت. هنا أصبحت الوزارة في نظر المعلم عدواً وخصماً لدوداً يسلب الحقوق من أصحابها. أضف إلى هذا التعاميم التي تصدر من الوزارة في بعضها إهانة وتقليل من قدر وقيمة المعلم وخاصة العقوبات التي تطبق على الطلاب عند الاعتداء على المعلم ومثل هذه يزيد من الفجوة بين الوزارة والميدان. المعلمون اليوم يفرحون بالإجازة أكثر من الطلاب، بل هم من يحرضون الطلاب على الغياب قبل الاجازات وبعدها سواء تلميح أم تصريح. وهذا دليل على أن المعلم يكره المدرسة والعمل فيها. إذا تخيلنا هذا الصراع بين الوزارة والعمود الفقري للعملية التعليمية (المعلم) فسنفهم لماذا الطالب يكره المدرسة. من الذي يزرع حب المدرسة لدى الطالب؟ أليس المعلم؟ إذا حتى يحب الطالب المدرسة لابد من وجود معلم يحب المدرسة ويحب المادة التي يدرسها وعندها أعتقد أن الطالب سيرى في المدرسة ما يجذبه لها ويستمتع بها.

بدورها قالت أ. علياء البازعي: المعلم إذا حب مهنته…سيحب الطالب المدرسة…و كلنا في حياتنا معلم/ة جعلوا المدرسة مكان أفضل بالنسبة لنا…الطالب يحتاج تقبل و احتواء وتشجيع..

وعلق د. خالد الرديعان على ما ذكرته أ. علياء بقوله: إن المعلم عندنا يقبل على هذه المهنة كوظيفة لأكل العيش وليس حبا بها…إن حب المهنة هو الأساس في العطاء وليس المرتب أو الإجازات..

كراهية المعلم لمهنته له أسباب كثيرة بالطبع… لكن يظل الانتماء مهم جدا فمن يقل انتماءه أو يعتريه نقص في ذلك فإنه لن يعطي في عمله حتى لو كان مرتبه مليون ريال في الشهر.

وفي السياق ذاته، قال د. خالد بن دهيش في مداخلته: كما هو معلوم فالمدرسة من أهم عناصر العملية التعليمية و الحاضنة لها ، وهناك ٣٥ ألف مدرسة بالمملكة وخلال ال ٦٥ عاما الماضية ( منذ تأسيس وزارة المعارف ) وال ٥٥ عاما الماضية ( منذ تأسيس تعليم البنات ) لم تستطع الميزانيات المخصصة للجهات القائمة على التعليم مواكبة التوسع السريع لانتشار التعليم بتوفير المبنى المدرسي لكل مدرسة جديدة ، وبالتالي اتجهت الوزارة والرئاسة إلى استئجار مباني مخصصة للسكن العائلي لتكون مبان مدرسية حتى وصلت نسبة المباني المستأجرة إلى نسبة تزيد على ٥٥٪ تقريبا وذلك قبل حوالي ١٥ عاما . أما في السنوات الأخيرة خصصت الدولة مبالغ مالية تقدر ب حوالي ٢٠ مليار أو تزيد لبناء مبان مدرسية ، إلا أنه ظهرت إشكالية أخرى هي عدم توفر الميزانيات الكافية لنزع ملكيات الأراضي المخصصة للمدارس في المخططات السكنية، وهذا الإجراء يتم من خلال قطاع أملاك الدولة في وزارة المالية ويتم وفق إجراءات طويلة ومعقدة تمتد لعام أو أكثر.

إضافة إلى الضعف الكبير في المبالغ المخصصة لنظافة وصيانة المدارس مما يجعل المدرسة بيئة منفرة.

مما سبق يلاحظ كيف أصبحت بيئة المدرسة غير جاذبة وتفتقد لأبسط متطلبات الأنشطة الطلابية والعوامل الجاذبة . لذلك وضع ضمن عناصر مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام التالي:

  • تحسين البيئة المدرسية.
  • الاهتمام بتطوير وتوفير متطلبات الأنشطة المدرسية.

كل ذلك يهدف لجعل المدرسة جاذبة ، إضافة الي تكيف المدرسة لتتوافق مع متطلبات تطوير المناهج والمقررات وإدخال التقانة في العملية التعليمية القائمة حاليا.

كما تم إضافة مشروع إقامة صالة متعددة الأغراض للأنشطة المدرسية للمدارس القائمة ، وتضمين إقامة القاعات بمشاريع المدارس الجديدة للبنين والبنات بما يمكنها من أن تكون جذابة للطلاب والطالبات لمزاولة الأنشطة أثناء الدوام المدرسي و خارج وقت الدوام المدرسي، وأن تكون المدرسة نادي للحي يزاول فيه الشباب هواياتهم ومهاراتهم تحت إشراف تربوي.

وبفضل لله ودعم الدولة تحسنت نسبة المباني الحكومية و وصلت إلى نسبة عالية تزيد على ٨٠٪  .

ومن الخطط الموضوعة أن تكون المدرسة جاذبة بعد توفير البيئة الجاذبة بجانب توفر الإرشاد الطلابي والإدارة التربوية ومشاركة القطاع الخاص في إدارة وتشغيل البيئة المدرسية وتوفير خدمات التغذية الصحية المرغوبة ، بالطبع مع عدم إهمال العناصر الأخرى من توفر التربوي المتمكن والمقرر المدرسي المشوق.

المحور الرابع

قراءات في أبعاد القمة العربية اللاتينية

العرب وأميركا الجنوبيّة: قمة حضاريّة لا سياسيّة: د. فايز الشهري

على وقع ترتيبات قمّة الرياض التي جمعت رؤساء الدول العربيّة ورؤساء من دول أميركا الجنوبيّة ضمن ما بات يعرف بتجمّع ASPA قلت لإعلامي كبير أتمنى أن تتجاوز المعالجات الإعلاميّة العربيّة للقمّة عناوين الأحداث السياسيّة والمواقف المعلنة إلى تشخيص وإبراز البعد الثقافي والحضاري لشعوب هذه الدول والمشتركات العربيّة معها.

وهذه الأبعاد ستسهم في الفهم المشترك وتقوية وتعزيز العلاقات الحضاريّة التي ستقود السياسة إيجابيّاً خاصة مع وجود ما يزيد عن23 مليون عربي في أميركا الجنوبيّة يشكّل المسلمون منهم ما بين 4-6 ملايين، (الأرجنتين 700 ألف، والبرازيل مليون ونصف المليون على سبيل المثال).

والمعروف أن شعوب أميركا الجنوبيّة (اللاتينيّة) لديهم خصائص قريبة من الشخصيّة العربية وقد عانت شعوب أميركا الجنوبيّة من الاحتلال (مثل العرب) حتى استقلت مع بقاء جزر محتلة وأخرى شبه محتلة حتى يومنا هذا. ولا زالت دوائر المثقفين في دول أميركا الجنوبيّة تطالب بين آونة أخرى باسترداد الكنوز والتحف التراثيّة وغيرها من أيدي الإسبان “الغزاة” الذين “سرقوها” وأخذوها إلى بلادهم. ويتميّز أفراد شعوب أميركا اللاتينيّة – مثل العرب – بالصلات العائليّة القويّة ويقدرون دور الأصدقاء ويشاطرونهم همومهم وآراءهم دون تحفّظ وهم بذلك أكثر اجتماعيّة من “استقلاليّة” الفرد في أوروبا وجيرانهم في أميركا الشماليّة. ولعل دور الصلات الشخصيّة في حياة الأميركي الجنوبي هذا يفسّر المواقف الإيجابيّة لبعض هذه الدول مؤخراً مع قضايا العرب. ولا ننسى أن تأثير الدعايّة الإسرائيلية قديم في دول أميركا الجنوبيّة التي ساهمت في تقديم إسرائيل للمجتمع الدولي بتصويت 14 دولة أميركيّة لاتينيّة على تقسيم فلسطين سنة 1947. وقد ظلّت النخبة السياسيّة في هذه الدول داعمة لإسرائيل (ماعدا كوبا) حتى تغير الموقف بشيء من الإيجابيّة بعد حرب 1973م إذ باتت الأرجنتين، وتشيلي، وكوبا، والبيرو، والأكوادور، ونيكارغوا رافضة للاحتلال الإسرائيلي، وخفّ انحياز البرازيل، والمكسيك، وفنزويلا، وبارغواي، وأورغواي في حين واصلت دول مثل بوليفيا، وكوستاريكا، والدومينيكان، والسلفادور، وغواتيمالا دعمها الأعمى لإسرائيل.

وتتشابه ثقافة قسم كبير من شعوب هذه الدول مع العرب في مسألة التعامل مع عنصر الوقت وحساب الزمن على أساس فكرة “تمتع بالوقت ولا تنشغل بإدارته”. ومن هنا فإن الأميركيين الشماليين يتساءلون في زحمة التخطيط والركض عن عجيب أحوال جيرانهم في الجنوب الذين يمارسون الحياة كما هي بعفويّة ولا يضيعون وقتاً كبيراً في التفكير في المستقبل.

ويرى بعض مثقفي أميركا الجنوبيّة أن الصور الذهنيّة السلبيّة التي راجت عنهم مرجعها إلى السينما الأميركيّة التي صورتهم كسالى ورجال عصابات ضمن النظرة الفوقيّة للرجل (الأبيض) المتفوّق.

ومع أن الاحتلال الإسباني والبرتغالي لشعوب أميركا اللاتينيّة فرض ثقافة المستعمر ولغته إلا أنه حمل معه أيضا ثقافة “الموريسكيين” من العرب والمسلمين الذين شاركوا أو تسلّلوا بين الحشود الإسبانيّة وظلوا يخفون دينهم. ومن بقايا هذه الثقافة يكفي أن تعرف أن عدد الكلمات ذات الأصل العربي في اللغة الإسبانيّة يصل إلى أكثر من 5 آلاف كلمة وحوالي 3 آلاف كلمة عربيّة في اللغة البرتغاليّة، وهاتان اللغتان هما الأوسع تداولاً في هذه الدول.

ومن هنا فان المشتركات العربيّة مع شعوب أميركا الجنوبيّة ومن هنا يحتاج العرب إلى تعامل إبداعي جديد”creative approach” مع هذه الدول وشعوبها فالمثل الأميركي الجنوبي يقول “من يعيش على الخيال يموت بخيبة الأمل” He who lives on illusions, dies of disillusion.

القمه العربية الجنوب أمريكية (أمال وتطلعات) : د. عبدالله بن ناصر الحمود

في القمة العربية الجنوب أمريكية أمور لابد في ظني من وضعها علي طاولة المناقشات. أن تكون هذه هي القمة الرابعة شيء يدعو للاطمئنان بأن الأمر يسير بشكل جيد في تنسيق المواقف العامة وتجديد إعلان حالة من الوفاق العربي الجنوب أمريكي تجاه قضايا مصيرية مهمة في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

يبدو الأمر هكذا جيدا ومثيرا للاطمئنان في إدارة الصراع الجيوبوليتكي في منطقتنا بشكل خاص ومع جيراننا بشكل أعمق، لكن هذا أمر وارتفاع مستوى التطلعات لما يمكن أن يقود إليه هذا التكتل من توازنات استراتيجية جديدة أمر آخر. فإذا كان التقارب بين الشعوب العربية والجنوب أمريكية تتقدمه فقط، كما يشير الخبير د. فايز الشهري، الصلات القرابية والمجتمعية من جانب، والخمول المتمثل في عيش اللحظة وعدم الانشغال بالتخطيط المستقبلي من جانب آخر  فإن هذا الأمر نذير شؤم على واقع هذا التكتل ومستقبله.

العزيمة على خلق توازنات جديدة فاعلة في العالم اليوم، وتحريك مراكز ارتكاز القوى المؤثرة في القرارات الدولية وفي مجريات الأحداث الكبرى عسكريا وسياسيا واقتصاديا شيء يصعب تصوره من خلال تكتل يجمع بين (المتعوسين وخايبي الرجاء).

من هنا، أعتقد أن هذه القمة، وبالنظر إلى كافة معطياتها، يجدر بها أن تضع خيارات مهمة ذات امتداد استراتيجي تعمل، مع اهتمامها السياسي الأمني المهيمن حاليا على القمة، لإقرار مشروعات كبرى للتنمية الفاعلة داخل الدول المتكتلة لتغير واقع(التعاسة) و(الخيبة) الشعبية تلك إلى مستقبل داخلي قوي متين. وعندها فقط، يمكن أن يكون هذا التكتل مؤثر وفعالا استراتيجيا، عندما يقوم على دول تجمع بين الطموح السياسي والكفاءة الشعبية الجماهيرية القادرة على إمداد أنظمتها السياسية بالقوة اللازمة للمناورة الفاعلة في المسرح الدولي. ويلزم لذلك استحداث مشروعات ومبادرات عملاقة للنهوض بالشعوب العربية والجنوب أمريكية على أساس أن الأنظمة المؤثرة في العالم إنما تستمد تأثيرها من عمقها الشعبي المستنير المنتج المخطط ذي الكفاءة في إدارة الحياة.

القمة وأهمية التقارب السعودي – اللاتيني: د. عبد الله بن صالح الحمود

أود أن أتطرق فقط لوجوب نشؤ علاقات يفترض أن تكون أكثر تميزا ، بين المملكة العربية السعودية ودول أمريكا اللاتينية، إن هذه الدول تعتبر بالنسبة للسعودية بيئة خصبة من نواحي عدة ، فلا أدري عن الأسباب التي دعت إلى تباطؤنا في نمو العلاقات مع تلك البلدان التي أرى أن في تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية معها تعد علاقة ذات أبعاد استراتيجية مهمة للغاية. وخصوصا في هذا المرحلة التي تمر بها المنطقة من تقلبات سياسية واقتصادية.

وما يؤكد لنا أهمية وجوب تقارب مع هذه الدول ، أنه وبالرغم من أن السعودية تعتبر الشريك التجاري الرئيس للبرازيل في الشرق الأوسط،  حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين لعام 2011 نحو 5.58 بليون دولار أمريكي،  تمثل فيه الصادرات السعودية للبرازيل نحو 2.75 بليون دولار أمريكي، بينما الصادرات للسعودية نحو 2.83 بليون دولار أمريكي.

إلا أن ذلك لا يعد طموحا في ظل أن السعودية هي الشريك الرئيس في الشرق الأوسط، كما أن المفاوضات مع البرازيل لازالت قيد التباحث فيما يتعلق بتشجيع وحماية الاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي ، فضلا عن التعاون الثقافي والتعاون بين الجامعات وفي المجال الرياضي وكذا الأمني.

ومثال آخر إذا اتجهنا إلى دولة الأرجنتين فإننا نلحظ أن التعاون في الجانب الزراعي يعد خيارا رئيسا للاستثمار الزراعي أمام المستثمرين خصوصا أن الأرجنتين تتمتع بموارد طبيعية وأراض خصبة ، حيث يبلغ مجموع المحاصيل الزراعية فيها نحو 100 مليون طن سنويا من مختلف أنواع الحبوب، ويساهم القطاع الزراعي في الأرجنتين بنسبة 10 % من الإنتاج الخام الداخلي.

والحديث يطول حقيقة إذا ما تطرقنا إلى بقية الدول الجنوب أمريكية، وهي تتمتع بالكثير من الموارد التي لابد من إعادة التفكير حولها والسعي بل المبادرة نحو تطوير العلاقات في كافة المجالات مع هذه الدول ، فهي بحق تعد أحد القنوات الاستراتيجية التي يفترض أن توجه البوصلة تجاهها في هذه المرحلة.

أعتقد أنه بعد ختام القمة العربية الجنوب أمريكية… لابد أن يكون هناك خطط وتوجهات حثيثة بين القطاع الخاص والمتخصصين في الإعلام الاقتصادي لتنشيط العلاقة الاقتصادية بين المملكة وهذه الدول..

لأن الاقتصاد دوما وفي هذه المرحلة على وجه الخصوص هو الطريق لتطوير العلاقات بين البلدان فإن نهضنا بالاقتصاد نهضة بقية القنوات والمجالات الأخرى.

حول قمة العرب وأمريكا اللاتينية: أ. عبدالله الضويحي

لست ضليعا في السياسة ولا الاقتصاد لكنني أنظر للقمة ( العربية – الأمريكية اللاتينية أو الجنوبية) على أنها تأتِ في الوقت المناسب للمجموعتين وفي وقت أحوج ما يكونون فيه للتقارب.

ثمة تشابها في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضا بين المجموعتين فالغالبية أصولهم عربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ( إسبانيا والبرتغال )..

ولكل من المجموعتين عدو متربص لا يريد لهم الاستقرار ويعمل على إثارة القلاقل والفتن ومحاولة تعطيل التنمية والديمقراطية فيها وقد عاشت أمريكا الجنوبية فترة من هذا وتحت حكم العسكر ولعبت السياسة الأمريكية دورها في ذلك ولا زال الحديث عن تنظيم الأرجنتين لكأس العالم 1978والفوز به يدور في هذا الإطار بالنظر لوضع الأرجنتين السياسي والاقتصادي في تلك الفترة.

وفي المجموعة العربية ظلت إسرائيل ولا زالت على مدى 7 عقود تثير القلاقل وعدم الاستقرار في المنطقة لأنها السبيل لبقائها.

وإذا كانت دول أمريكا الجنوبية بدأت التكوين ونيل الاستقلال قبل قرنين من الآن فإن كثير من الدول العربية لم تكمل القرن بعد بل إن بقية الدول العربية نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية ( لم تكمل 7 عقود ) وبعضها أقل من نصف قرن.

هذا التباين أعطى الدول اللاتينية الفرصة لتكوين نفسها والنضج السياسي والديمقراطي فباتت أكثر استقرارا وخرجت من عباءة الهيمنة الأمريكية وأجبرت الأخيرة على احترام سيادتها بعد أن وجدت في هذا الاستقرار ما يدعم سياستها فيما ظلت الدول العربية على وضعها بل ازدادت سوءا بدخول الطائفية والإرهاب والتغيرات السياسية وربما الديموغرافية.

في طل هذه الظروف جاءت هذه القمة بعد أن حققت القمم الثلاث الماضية من التقارب في مجال التبادل التجاري والسياسي في دعم القضية الفلسطينية وعضويتها في الأمم المتحدة لكنه تقارب غير كاف خاصة في هذه المرحلة التي تأتي ودول أمريكا الجنوبية أكثر تقاربا والدول العربية أكثر تباعدا عما كانت عليه في القمم السابقة.

وعلى هامش القمة، شهد مجلس الغرف السعودية اجتماع رجال أعمال من المجموعتين مما يعني تنمية التبادل التجاري والاقتصادي وسياسيا تعاني الدول العربية من تباعد الحلفاء أو الأصدقاء وظهور أعداء جدد ومن هنا لا بد من التركيز على المهم ثم الأهم والتعجيل بما هو متفق عليه وتأجيل مواضيع الاختلاف إذ لا وقت للمجاملات والتصاريح ذات الاستهلاك الإعلامي.

أعتقد أن استثمار تواجد الجاليات العربية هناك سيكون له دور في هذا التقارب خاصة أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال من خلال إعادتهم لثقافتهم العربية عبر فتح معاهد لتعليم اللغة العربية والدراسات الجامعية والعليا وإقامة اللقاءات الثقافية والرياضية والاجتماعية بهدف كسب المجتمع والشعوب اللاتينية دون أن نغفل الجوانب السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.

تأملات من واقع قمم سابقة: د. مساعد المحيا

بشأن موضوع القمة …

سأبدي رأيا قد يكون مختلفا بعض الشي وقد يكون جديدا  ..

لكنها تأملات من واقع قمم سابقة …

لعلي أتحدث عن القمم العربية بوصفها ذات علاقة بهذه القمة  ..

القمم هي تكتلات سياسية أو جغرافية أو اقتصادية وهذه التكتلات أظهرت نجاحا كبيرا في بيئات ذات تأهيل أفضل في إدارة العمل السياسي والاقتصادي ..

والواقع أن ثمار بعض هذه القمم في البيئات الأقل قدرة ومهارة في إدارة العمل السياسي منعدمة أو شبه منعدمة ..بل قد تكون عبئا نتحمل في أكثر الأحيان بعض آثاره ..

فقد أصبح من الظاهر اليوم أن العلاقات الثنائية هي التي يمكن من خلالها تحقيق بعض الانجازات الاقتصادية أما القمم فغالبية ما تثمره جوانب لا يترتب عليها من إنجازاتها في دولنا العربية سوى القليل والقليل جدا..

حتى قمم مجلس التعاون برغم كل معطيات التجانس والاشتراك إلا أنها دون مستوى المأمول أو التطلعات .. ولا ترقى إلى حجم ما ينبغي أو يجب …

الخلاصة أننا ينبغي أن لا نبالغ في توقع إنجازات لا مكان لها سوى في الخيال فإننا حينئذ نسوق بعض الوهم  ..

وأن نكون واقعيين ونتذكر كل القمم السابقة وما أنجزته ..

مداخلات ختامية

أشارت د. الجازي الشبيكي في هذا الصدد إلى أن من الواضح أن العلاقات بين بلادنا وبلاد دول أمريكا الجنوبية  لها أهميتها متى ما تم توجيه هذه العلاقة الوجهة السليمة في مختلف مجالاتها. لكن الغريب أن هذي هي القمة الرابعة وأنا اعتبر نفسي متابعة جيدة للأحداث والاجتماعات السياسية والاقتصادية الاقليمية والعالمية ومع ذلك لم أسمع عن القمم السابقة لاجتماعات الدول العربية مع دول أمريكا الجنوبية !!!!!

كل عمل مشترك يقوم على تخطيط استراتيجي وفق معطيات شفافة ودقيقة وشاملة وموضوعية لابد له أن يثمر عن نتائج جيدة بل ممتازة تطمح إليها تطلعات الشعوب المتعطشة للسلم والنمو والتعاون والتعايش.

في حين أوضح د. خالد الرديعان أن الامكانات الاقتصادية والمنتجات الغذائية والثروة الحيوانية عند دول أمريكا اللاتينية مهولة وبالتالي فهذه الدول لاشك أنها تفكر ببيع منتجاتها ومنطقتنا العربية سوق كبير لهذه المنتجات.. عقد اتفاقات اقتصادية مع هذه الدول سيكون بتقديري خطوة مهمة في سبيل تعزيز التعاون الاقتصادي أولا والذي سينعكس حتما على المواقف السياسية لاحقا.. الاقتصاد هو المحرك الرئيسي.

وعلق م. خالد العثمان بقوله: في الحقيقة أنا أميل إلى تبني رؤية إيجابية مع عدم إغفال جانب الحذر .. الرخاء الاقتصادي والمصالح هما مفتاح السياسة وهما السلاح الأمضى في كسب المزيد من الأصدقاء وتفنيد مكائد الأعداء.

بينما أشار د. حميد المزروع إلى أن حجم الاستفادة من هذه التكتلات الدولية يعتمد علي رغبة وإرادة كل دولة علي تسويق تجارتها وفرص الاستثمار لكل منها إلي جانب التوافق علي بعض المواقف الدولية ذات الاهتمام المشترك ، خاصة  في المحافل الدولية.

أما  د. خالد بن دهيش فيرى أن الهدف الأساس من هذه القمة العربية اللاتينية اقتصادي في المقام الأول ، وذلك بسب البعد الجغرافي والثقافي بين المجموعتين في العقود الماضية ، وأهمية تواجد التكتلات الاقتصادية لنجاحها في الثلاث العقود الماضية في أوربا وجنوب شرق آسيا ، وقد نستفيد منها بالمملكة بنسب مختلفة للحصول على تأييد الدول اللاتينية لجهود المملكة لإعادة الشرعية لليمن ، وإبعاد إيران سياسيا واقتصادياً وثقافياً عن تلك الدول كون إيران أوجدت تقارب في السنوات الأخيرة مع تلك الدول ، ومن المهم إبعادها وذلك استكمالاً لجهودها في أبعاد إيران عن القرن الأفريقي مؤخراً. عموماً فإن الحديث عن نتائج القمة بعد إعلانها رسمياً.

المحور الخامس

بعض التحيزات والأخطاء في اتخاذ القرار

الورقة الرئيسة : د. علي الحكمي

تقوم نظريات اتخاذ القرار التقليدية على افتراض أن الإنسان كائن عقلاني، أو راشد (Rational) وبالتالي فهي تقلل أو تنكر تماماً تأثير العوامل الثقافية أو النفسية في القرارات التي يتخذها الإنسان أو المنظمات.

هذا الاعتقاد بدأ التشكيك في مصداقيته من قبل الكثير من العلماء والباحثين في علم النفس وبعض فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى. حيث قدم هربرت سايمن مفهوم العقلانية المحدودة أو الرشد المحدود (Bounded Rationality) ، والذي يؤكد فيه أن نماذج التفكير العقلاني وحده لا تفسر قرارات الإنسان، فهو عندما يتخذ أي قرار، فإن مستوى رشده يتأثر بعدة عوامل منها كفاية المعلومات المتاحة له، وقدرته الذهنية على التعامل معها بشكل صحيح، بالإضافة للوقت المتاح له لاتخاذ القرار (ضغط الوقت) وتأثير المشاعر والانفعالات.

وفي السبعينات والثمانينات الميلادي ظهرت أبحاث ونظريات ونماذج نفسية تناولت تأثير العوامل النفسية في قرارات الإنسان بشكل عام، حيث نشر كاهنيمان وتفرسكي عام 1974، مقالاً بعنوان الأحكام في حالة عدم اليقين: استراتيجيات مبسطة وتحيزات، أظهرا فيه أن الأفراد يستخدمون استراتيجيات عقلية مبسطة (Heuristics) وليس عمليات وخطوات منتظمة (Algorithms) عند استخدام المعلومات لاستنتاج أحكام وبالتالي، وكنتيجة لاستخدام الناس لتلك الاستراتيجيات المبسطة فهم ينحرفون عن المبادئ العقلانية التي تقدمها النماذج الإحصائية المعيارية.

وإن كانت قائمة التحيزات والأخطاء العقلية التي تناولتها أبحاث اتخاذ القرار طويلة، إلا أنني سأقصر الحديث في هذه الورقة على بعض منها، مع الإشارة إلى تطبيقاتها في اتخاذ القرارات في مجالات حياتية متنوعة وإلى طرق التعامل معها.

(تأثير تأطير القرار) – صياغة المشكلة

أولى الخطوات لاتخاذ أي قرار هي صياغة المشكلة، أو ما يطلق عليه تأطير القرار (Decision Framing).  فالصياغة تؤثر على البدائل التي توضع وعلى القرار المتخذ أيضاً. وما يحدث في كثير من الأحيان أن متخذي القرار ينزعون لقبول المشكلة بالصياغة التي قدمت لهم والمضي مباشرة في البحث عن الخيارات والبدائل، وبالتالي لا يبذلون الجهد الكافي لوضع المشكلة في الإطار الصحيح، ولذلك فالقرار قد يؤطر بشكل يعزز اختيارات في اتجاه محدد.

ومن الأمثلة على تأثير تأطير القرار موضوع الإجهاض الذي يعتبر من أهم القضايا السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، فالجهة المناوئة له تصور القضية على أنها “قتل أطفال أبرياء” بينما تسميها الجهات المؤيدة “حرية اختيار”.  وبالنسبة للقرارات المتعلقة بإدمان المخدرات، هل هي: “مشكلة نظام وقانون؟” أم “مشكلة صحة مجتمع”؟، ومحلياً: هل قضية قيادة المرأة للسيارة مسألة “اجتماعية؟” أم “نظامية قانونية” أم “شرعية؟”، وفي جميع هذه الأمثلة، فاتخاذ القرار سيتأثر بطريقة صياغة المشكلة أو الإطار الذي يوضع فيه القرار. ومن الأمثلة الطريفة في هذا المجال هذا السؤال الذي طرح بطريقتين مختلفتين: الأولى “ما مشاعرك نحو سياسة رئيس كوريا الشمالية” والثانية “مقارنة بقانون إبليس، ما مشاعرك نحو سياسة رئيس كوريا الشمالية؟”

ومثال آخر على تأثير صياغة المشكلة في توجيه القرار:

عام 1969م في استفتاء Gallup وبعد أن طلب الرئيس نيكسون انسحاب 25.000 جندي من فيتنام في الأشهر الثلاثة القادمة.

السؤال في الاستفتاء كان على النحو التالي:

هل ترى أن يسحب الجنود بشكل أسرع أو أبطأ ؟

  • 42% قالوا أسرع
  • 16% قالوا أبطأ
  • 29% قالوا السرعة الحالية مناسبة

عناوين الصحف بعد الاستفتاء كانت على النحو التالي:

((الأمريكان يفضلون انسحاباً أسرع للجنود))

وطرح استفتاء Harris بعد ذلك بفترة وجيزة السؤال بصياغة مختلفة:

هل تشعر أن السرعة التي يسحب بها الجنود :

  • سريعة جداً 49%
  • بطيئة جداً 29%
  • مناسبة 6%

عناوين الصحف بعد الاستفتاء كانت على النحو التالي:

((الأمريكان يفضلون الوضع الحالي، الاستفتاء السابق خاطئ))

ويعود تأثر تأطير القرار إلى  اعتماد الناس على التفكير الأتوماتيكي السريع عندما تعرض عليهم المشكلة، وبالتالي فهم يصلون لأحكام محددة، بل إلى تفضيل خيار معين قبل التعمق في دراسة المشكلة أو وضع البدائل. كما أن من أسبابه عدم وضع صياغات أخرى للمشكلة والاكتفاء بالصياغة المعروضة وإلى عدم التنوع في الأشخاص الذين يقومون بتحديد المشكلة وصياغتها أساساً.

كيف يتم تجنب هذا الخطأ؟

  • بذل المزيد من الوقت لتعريف المشكلة وتحديدها بشكل جيد، وفهم الإطار الحالي لها.
  • وضع أكثر من صياغة بديلة للمشكلة (من خلال العصف الذهني وغيره من الاستراتيجيات).
  • النظر إلى المشكلة من زاويا مختلفة.
  • البحث عن الرأي الآخر والترحيب بالاختلاف .
  • الافتراض أن المخالفين لوجهة نظرك سوف يناقشون القرار الذي اتخذته .

الثقة المفرطة:

تعتبر الثقة المفرطة من أكثر الأخطاء التي يقع فيها متخذو القرار في جميع المجالات، وهي تشير إلى اعتقاد لا مبرر له عند الفرد “أو المجموعة” في صحة أحكامه وقدرته على توقع الأحداث المستقبلية.

ويعتبر الكثير من المحللين أن الثقة المفرطة عند الأمريكان هي التي مكنت اليابانيين من تخريب مرفأ بيرل في الحرب العالمية الثانية، كما أن فرط الثقة كان وراء قرار وكالة الفضاء الأمريكية  NASA  لإطلاق مركبة الفضاء تشالنجر الذي أدى إلى كارثة، فالمسؤولون في الوكالة قدروا احتمال وقوع حادث مفجع بواقع حادث واحد لكل (100.000) عملية إطلاق (أي أنه لو أطلقت ناسا المركبة كل يوم وعلى مدى ثلاثة قرون تقريباً فإنها لا تتوقع إلا حادثاً واحداً).

أما قبطان السفينة المنكوبة تايتانيك فقد وقف أمامها قبل انطلاقها قائلاً:

“لا أستطيع أن أتخيل أي ظرف يمكن أن يؤدي بهذه السفينة للغرق، ولا أستطيع أن أتخيل أي كارثة مهلكة يمكن أن تحصل لها” وقال زميل له كذلك “الإله نفسه لا يستطيع أن يغرق هذه السفينة”.

وتعود الثقة المفرطة لأسباب عدة منها:

  • عدم تفكير متخذ القرار في العوامل التي بسببها قد يكون على خطأ، والتركيز على المعطيات التي تؤيد قراره.
  • التحليل غير المكتمل والتوقف عن البحث عن بدائل أخرى في مرحلة مبكرة من مراحل اتخاذ القرار.
  • بناء الأحكام على المعاني الظاهرة للمعلومات والمعطيات المتوفرة دون التحقق من مصداقيتها وبدون البحث عن دلائل جديدة قد تناقض الأفكار المسبقة لدى متخذ القرار.

كيف يمكن التقليل من الثقة المفرطة؟

  • تقويم القرارات التي اتخذها المرء في السابق أو التي اتخذها آخرون في ظروف مشابهة والتعلم منها والحصول على التغذية الراجعة حولها.
  • تفكير متخذ القرار في الأسباب التي قد تؤدي بأحكامه للخطأ، وهذا يتطلب في أن ينوع متخذ القرار من الخبرات التي يعتمد عليها في جمع المعلومات واتخاذ القرار وعدم الاعتماد على مجموعة متجانسة في الخلفية العلمية والمهنية والاتجاهات والرؤى والخبرات العملية والانتماءات المؤسسية.
  • وعي الشخص بتأثير الثقة المفرطة على الاعتقاد غير المبرر بصحة الأحكام، خاصة وأن كثيراً من الأحكام تتخذ في ظل محدودية المعلومات وضغط الوقت مما يفاقم من تأثيرات الثقة المفرطة السلبية.

خديعة التكلفة الغارقة وتحيز الالتزام المتصاعد بالقرار:

يشير مصطلح خديعة التكلفة الغارقة fallacy sunk cost إلى الموقف الذي يتحكم فيه استثمار سابق في نوعية القرار المستقبلي الذي يتخذه المرء، والتزام الإنسان بالاستمرار في الاستثمار في مشروع ما بالرغم  من أن المؤشرات تدل على أنه غير ناجح. وهذا يؤدي لما يسمى بالالتزام المتصاعد – أي أنه كلما زاد الاستثمار في المشروع كلما زاد الالتزام والتمسك به.

خذ هذا على المثال: ذلك المستثمر الذي تأكد له بعض مضي الوقت أنه يستثمر في مشروع خاسر، وبدلاً من أن يوقفه وينتقل لمشروع آخر، يستمر في ضخ موارد جديده فيه بدون جدوى. وهذا سلوك غير عقلاني، لأن استثماره السابق في المشروع لا يبرر الاستمرار فيه مستقبلاً إذا كان خاسراً، وهذا نشاهده في الكثير من الشركات التي تستمر في خسارة لعشرات السنين (بعض الشركات السعودية المساهمة مثال واضح على ذلك).

أسباب خديعة التكلفة الغارقة وتحيز الالتزام المتصاعد:

  • أخطاء إدراكية – فنحن نلاحظ فقط المعلومات التي تؤيد قراراتنا.
  • أخطاء في تقييم المعلومات.
  • التفاؤل المفرط.
  • إدارة الانطباعات – يجب أن نبدو أننا متخذو قرار جيدين والتراجع عن القرار قد يظهرنا غير ذلك.
  • المشاركة في المسؤولية، ووجود أكثر من شخص يمكن تحميلهم فشل القرار وليس شخصاً واحداً فقط.

ومن الأساليب التي يمكن اتخاذها لتجنب الالتزام الخاطئ بالقرار:

  • وضع حدود للالتزام بالقرار في البداية. والتمسك بتلك الحدود .
  • تجنب النظر لانطباعات الآخرين لتحديد ما يجب على الإنسان أن يعمله بالنسبة للقرارات التي اتخذها.
  • التحديد بشكل دقيق لماذا يجب الاستمرار في المشروع:
  • هل هو الخيار الصحيح؟
  • هل المحافظة على انطباع جيد عند الآخرين أهم من اتخاذ قرار صحيح؟
  • تحديد التكاليف الإضافية التي ستدخل في المشروع.
  • إعادة تقييم تكاليف ومخاطر ومنافع القرار من وقت لآخر.

التعقيب الأول: د. فهد الحارثي

الورقة التي أعدها د. علي الحكمي ورقة منهجية متخصصة تستحق الوقوف عندها طويلا . وهي عن الخطأ والصح في القرار الإداري والسياسي .

ولا أعرف لماذا تذكرت وأنا أقرأ الورقة  ما يقال دائما من أن ” سكرتير الوزير هو الوزير ” فالوزير المشغول دائماً ، والمسكون بهموم كثيرة ، يعتمد في اتخاذ قراراته في كثير من الأحيان على فحوى “العرض” الذي يقدمه له سكرتيره ، فهو تحت رحمة ما يشي به ذلك العرض من إيحاءات ، فالثابت أن العرض المقدم وما يتضمن من “تأطير” للمشكلة هو الذي يكون في قاعدة ” القرار” المتخذ ، ودرجة الصح والخطأ أو الملاءمة من عدمها إنما تعود في الأصل الى كيفية تحديد ” المشكلة ” ومن أي الزوايا ثم النظر إليها من قبل سعادة السكرتير.

ومثل هذا التناول يعيدنا الى مسألة مهمة في ثقافتنا الإدارية ، وهي راسخة في تصورنا الإسلامي لمنهج إدارة شؤون الناس ، وتلك المسألة تتصل بما يعرف ب “البطانة الصالحة” التي تشمل الخبراء والمستشارين و الجلساء و المحيطين بصانع القرار ، فهؤلاء مسؤولون بشكل أو بآخر عن ” القرار ” المتخذ ، لأنهم يسهمون بشكل مباشر في تأطير “المشكلة ” أو المشكلات التي يصدر القرار أو القرارات بشأنها ما يجعل تلك القرارات قريبة من مظنة الحق أو بعيدة عنها . ومن هنا نفهم لماذا ترسخت في المخيال السياسي والاداري الإسلامي أهمية ” البطانة ” التي ندعو لها بالصلاح في كل مساجد المسلمين ، في كل يوم جمعة (مثلا ) بنفس القدر الذي ندعو فيه للأمير أو السلطان بالفلاح والتوفيق في اختيار بطانته. لأن البطانة هي في واقع الأمر من يصنع القرار حقيقة أو مجازا ، فالبطانة تكون أحيانا مساوية ، من حيث التأثير، لصانع القرار نفسه ، بل إنها في بعض الحالات تتجاوزه .

وعلى مستوى العلاقات الدولية نلاحظ كيف نجحت إسرائيل في الاقتراب من مزاج الرأي العام في الغرب ، و ذلك لا يرجع لعدل قضيتها ولكن اللوبيات التي أنشأتها ، ولاسيما في تلك المجتمعات ، فهي التي تؤطر “المشكلة ” التي يراد لها أن تسهم في تحديد “الموقف” بما يجعل ” الرؤية ” التي تريدها إسرائيل سائغة ومقبولة ، بل ومحرضة على أن يتبناها الرأي العام ، ويتولى الدفاع عنها بنفسه. وفي مقابل هذا لم يعمل العرب كما عملت إسرائيل ، فاكتفوا بالركون إلى فكرة “عدالة ” قضيتهم ، وكأن العدل وحده يكفي لإقناع العالم بالوقوف الى جانبهم ، ومع مرور الوقت اكتشفنا أن حتى ” العدل ” الصارخ ذاته يحتاج إلى ” تأطير ” ويحتاج إلى إعداد وتسويق . ونحن نشاهد كل يوم في هذه القضية نفسها كيف يتحدث العالم عن أمن إسرائيل مع علمه التام بأن قوة إسرائيل العسكرية لا يضاهيها أي قوة عسكرية أخرى في المنطقة ( مجتمعين أو متفرقين ) وأوباما نفسه قبل أيام قليلة يتعهد أمام العالم بحماية أمن إسرائيل ، وتجاه ماذا ؟! تجاه أمة عربية مفككة مشغولة بإخفاقاتها التنموية والسياسية. وفي القضية ذاتها أيضاً رأينا بأم أعيننا أن  ” سكين ” المقاوم الفلسطيني في القدس تتحول الى تهديد للسلم في العالم كله ، بينما الآلة العسكرية التي تطحن الفلسطينيين في القدس تعد في نظر ذلك العالم تصرفا مشروعا فهي للدفاع عن النفس !!. ومازالت ذاكرتنا حية حول ما جرى قبل عامين لإخوتنا في غزة على يد الإجرام الإسرائيلي حين انهمرت عليهم قنابل البطش الإسرائيلي من كل اتجاه ، يومها كانت أمريكا ترى أن ذلك دفاع عن النفس ، مع علمها أن مبدأ الدفاع عن النفس في القانون الدولي الذي تدعي هي رعايته لا يسمح بضرب المدنيين ، ولا يسمح بالمغالاة والفحش في استخدام القوة . كل ذلك إنما يعود في بعض مآلاته إلى الأساس في “تأطير” المشكلة وطريقة تسويقها أو تقديمها إلى العالم . فالحق وحده لا يكفي لضمان عدم انحراف الموقف أو ” القرار ” إِذْ لابد من العمل على تحديد الهدف واختيار المقومات الأساسية لجعله سائغا ومقبولا وساكنا مقيما في الوجدان ، أي “التأطير” الذي أشارت إليه ورقة د. الحكمي.

التعقيب الثاني: د. سعد الشهراني

ما قدمه د علي يصدق إلى حد كبير على القرارات الفردية التي تمس الفرد و لكن إلى حد ما على  القرارات العامة و سأحصر تعليقي على القرارات العامة و الفوقية  الأبعد من ذات الإنسان بالرغم من المشترك الكبير بين هذين النوعين أو المستويين من القرارات.

اتخاذ القرار و صنعه يعتبران من أهم ما تتناوله العلوم السياسية و (ابنتها) العلوم الإدارية ) و صنوهما علم الاقتصاد و هذا الجانب المهم من حياة الإنسان يشغل حيزا مهما و جوهريا في أدبيات القيادة و القيادة الإدارية و نظرياتهما فضلا عن العلوم الأمنية و العسكرية بالذات.

و من العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار الصحيح وعدم تحيزه ما يلي:

  • أولا: دقة و شمول و صحة و حداثة المعلومات التي رسخت في ذهن متخذ القرار لحظة اتخاذ القرار.
  • ثانيا: سلامة الاستشارات و نوايا مستشاري متخذ القرار.
  • ثالثا: وضوح الهدف أو الأهداف من اتخاذ القرار.
  • رابعا: الحالة النفسية أو الصحة النفسية لمتخذ القرار.
  • خامسا: درجة المشاركة في صنع القرار من من يعنيهم القرار خصوصا منفذيه.
  • سادسا: سلامة الفرضيات التي افترضها  متخذ القرار أو التي  قدمت له وبنى عليها قراره.
  • سابعا: نوع و مستوى القرار و طبيعة القضية و نطاقه.
  • ثامنا: شجرة القرارات التي تتفرع منه أو القرار الذي تفرع منه (مفهوم شجرة القرارات).

و كل هذه العوامل و غيرها فيها من الاحتمالات التي قد تؤدي إلى التحيز و الأخطاء الصغيرة و الكبيرة.

و لا بد من القول بأن علم الاقتصاد يقوم على فرضية العقلانية لأن الإنسان العاقل هو فقط الذي يدرك قيمة المادة و أهمية قرارته كفرد عاقل سوي لبلوغ أهدافه و تحقيق مصالحه و أنه دائما وأبدا لا يرغب في تحمل تكاليف غير ضرورية و لا  يشتري سلعة تكاليفها أكثر من فوائدها.

العقلانية مفترضة في السلوك الإنساني السوي و القرارات الإنسانية الأصل فيها السلامة العقلية و النفسية و كل ما أضيف لها هو تركيز لأهميتها ففي علم الادارة هناك المدرسة السلوكية السلوك الإداري و السلوك التنظيمي و علم النفس الإداري وبعض علماء الاقتصاد حصلوا على جوائز نوبل في الجانب السلوكي و النفسي لعلم الاقتصاد.

إن حياة الإنسان سلسلة من القرارات (الصحيحة و الخاطئة و المتحيزة والمحايدة) و من الفشل في اتخاذها..

هناك نوعان من القرارات:

النوع الأول: قرارات لا يتعدى أثرها الفرد نفسه فحياة الأفراد تتطلب اتخاذ قرارات بسيطة وآنية و مهمة و متباعدة ، و الآني منها يصبح روتينيا  لأنه يخاطب الحياة اليومية المعاشة (حتى بالفيمتو ثانية) حتى أن هذه القرارات تفقد صفة القرار .

إلا أن هناك من القرارات الفردية ما يرتقي إلى أنه تغييري و أحيانا مصيري للفرد.. هذه القرارات التي لا تمس الغير مباشرة تتأثر سلبا وإيجابا بعوامل كثيرة منها ما يتعلق بشخصية الفرد نفسه و منها ما هو خارج شخصيته و بين هذين النوعين من العوامل تداخلات و تأثيرات متبادلة، تنعكس على طبيعة القرار و الهدف منه و آثاره و مدى سلامة القرار و صحته.

النوع الثاني: وهو النوع الذي يتعلق بالآخرين و يؤثر عليهم وعلى مصالحهم و قضاياهم ، خصوصا القرارات التي تتركز في أيدي النخبة ممن  يمسكون بزمام الأمور الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و هذا النوع محكوم ايضا بعوامل و مؤثرات شخصية و أخرى خارج ذات نفسه.

الأخطاء و التحيزات في هذا النوع من القرارات تعتبر أخطر كثيرا جدا منها في القرارات من النوع الأول.

التحيزات  في قرارات الوالدين و الملاك و المسؤولين و من يتولى أمرا من أمور الولايات العامة قضية خطيرة و هي من علامات الفساد الكبرى لأن التحيز عمل متعمد و غير بريء.

أما الأخطاء في القرارات العامة و خصوصا الأخطاء في تحقيق المصالح العامة ومنع المهددات و ما يتبعها من فشل تنموي و في الحرب أو السلام  فهي أخطاء استراتيجية قد توصل إلى سقوط الحكومات و انهيار الدول..

في كل هذا تلعب سمات الشخصية و بناؤها و خلفيتها الاجتماعية و الثقافية و موقع الشخص من مراكز القوة و منظومة القيم التي تحكم شخصيته فضلا عن عوامل البيئة  المحيطة به، دورا مركزيا و جوهريا في النجاح و الفشل و البعد عن التحيز.

المداخلات حول القضية: (بعض التحيزات والأخطاء في اتخاذ القرار)

مراحل اتخاذ القرار وتصنيفاته

أشار د. عبداللطيف العوين في مداخلته إلى أن القرار من المنظور الإداري له ثلاث مراحل:

١/ صناعة القرار

٢/ اتخاذ القرار

٣/ تنفيذ القرار

وفي الوقت الذي يمكن أن يكون متخذ القرار هو صانعه ، فإنه لا يقبل أن يكون صانع القرار هو متخذه لأنه غالبا يكون لا مسؤول عن أثره فيحيد عن الهدف الذي يأمل أن يحققه.

أنواع القرار:

– مثالي

– مناسب

– موجه

يساعد على سلامة صناعة القرار ومن ثم اتخاذه بشكل مناسب عامل التحليل الاستراتيجي لمتغيراته وبدائله وآثاره المستقبلية. وأصعب ما يواجه صحة تحليل القرار هو التركيز على القرارات غير السليمة سابقا كما يعيق التحليل عدم الحيادية و التركيز على المصالح الشخصية.

وأشار أ. عبدالله آل حامد إلى أن القرار الرشيد هو الصناعة التي نفتقد لها في كل أوطاننا العربية غياب أدواته ومقوماته ورجالاته أخر التنمية وأصل للمحسوبية وأجج الصراعات الطبقية.

والاستئثار بالقرار قدر أليم أدى لصناعة التماثيل التي لا تخدم إلا نفسها وأولئك الذين يتمسحون بهياكلها البائسة..

القرار المرحلي تحت ظروف وقياسات وقتية هو نقمة عظيمة لمستقبل أجيال وأمم بأسرها..

القرار جعل دول تخرج من مأزق الجهل والتخلف والرذيلة إلى محافل النور والجمال بروح تتجدد..

والقرار نقل أمم تعيش في الرخاء والسعة ليرمي بها في خنادق الألم والترقب والحسرة…

القرار الرشيد هو من أحتفى بالإصلاح وصافح الرأي وضده والقرار الشريد هو من اعتبر النقد ضد الولاء والمشاركة ضد الالتزام.. قرار يخدم المصفقين ويبارك حفلة الدوائر المقربة..

القرار الرشيد هو من يحي الأمل ويدعو إلى العمل والإنتاج ويضع المعايير العادلة للمحاسبة والمكافأة..

والقرار العبثي هو من يريح الضمير من أعباء الأمانة ويعزز ثقافة الكسب بلا تعب ويبارك المصالح الفئوية.

وقالت أ. فايزة الحربي إن القرار يحمل في طياته الكثير فهو ذو تشعب متعدد الجوانب.. فلو نظرنا لأنواعه من حيث الوقت نجد:

  • قرار مستعجل يحمل احتمالية الخطأ والصواب: ويحتاج أن يكون مرن ليسهل التراجع فيه مع إمكانية التغيير، وتطلب الحياة اليومية سواء داخل بيئة العمل أو خارجها مثل هذه القرارات خصوصا في الأمور المفاجئة مثل القرارات الشخصية اليومية أو قرارات الرؤساء المباشرين بشكل يومي وروتيني ويتميز بالعجلة والمرونة.
  • قرار متوسط يخدم فترة زمنية وهو ثابت نسبيا وقد يتغير مع تغير الظروف والأشخاص ومتطلبات الحياة مثل قرارات المدراء والإدارات وقد يمتاز بالصرامة.
  • قرار استراتيجي ينبع من آراء عدة مسئولين وخبراء ويبنى عليه قرارات أخرى متفرعة يصعب تغييره ويترتب على تغييره خسائر فادحة وميزانيات ضخمة مثل القرارات التي تصدرها الوزارات.

وتتطلب القرارات الاستراتيجية مجهود قبل اتخاذها وإعلانها وغالبا ما ترتبط بعقوبات حال عدم تنفيذها .. إلا إذا دخلنا في قضية الفساد.

فهنا قد تنفذ هذه القرارات لكن بتحريف وتضليل يجعلها  كسطور على ورق ومجرد كلمات من مسئول  فلا تنفذ ولا تجد إلا وعود واهية تستغفل أفراد المجتمع وتضحك عليه بكلمات رنانة بلا أفعال ولا مصداقية … مع تناسي وتغابي أن المكان والزمان مهما طال سيكشف الحقائق والوعود الكاذبة أمام البشر..

نحتاج لقرارات إن لم تكن حازمة فلتكن قاتلة لمن أنتج فساده قتل روح واحدة فكيف لنا بفساد يحصد الأرواح ..هنا القرار لابد أن يشرعن بوضوح للجميع (فساد يقتل لابد أن يقتل ) ويشهر أمام الجميع ليكن عظة وعبرة وعجزنا عن كثرة الكلام وكثرة النواح..

نريد كطلب أول ورئيسي  إنهاء المأساة متى ما ظهرت كمأساة أمطار جدة إنهاءها بعلاج جذورها وقطع الأسباب المؤدية لمثل هذه الكارثة حاليا و مستقبلا ، ثم كمطلب ثاني وفرعي .. ندعو لإحضار المفسدين ومعاقبتهم متى ما استطعنا لذلك سبيلاً.

تأطير القرار والإشكاليات ذات الصلة

أضاف م. خالد العثمان في مداخلته مثال آخر على مسألة تأطير القرار وهي قضية الفتاوى الشرعية وكيفية تخريجها بناء على طرح الاستفتاء .. نذكر مثلا كيف كان بعض السائلين يطرح استفتاء يقول ما حكم تركيب الأطباق اللاقطة والقنوات الفضائية التي تعرض العري والفجور والانحلال الأخلاقي.. وتأتي الفتوى بالتالي بالتحريم .. بينما السؤال في حقيقته مضلل للمفتي ويعكس موقفا مسبقا من السائل .. لذلك من الضروري الدفع بمسألة مأسسة الفتوى وتحجيم ظاهرة الإفتاء اللحظي المبني على الاستفتاء المباشر.

وقال د. خالد الرديعان في مداخلته أنه وفيما يخص القرار وتأطيره أنوه إلى ضرورة الاخذ في الاعتبار شرعية القرار وأن يكون القرار شرعيا على المستوى الاجتماعي حتى وإن لم يتم قبوله بحكم أن هناك من يتضرر منه. القرار لابد أن يستند إلى ما يعطيه شرعية أعتقد أنها ترتبط بثقافة المجتمع والبيئة التي ينطلق منها وإليها..

كما يمكن القول أن عملية اتخاذ القرار تستوجب الاحاطة بالقضايا التالية:

  • التعرف على جدوى القرار (الجوانب الإيجابية للقرار) وما سيضيفه لبيئة العمل أو الجمهور العريض أو الفئة المستهدفة بالقرار.
  • وبالإضافة إلى الجوانب الإيجابية للقرار يلزم كذلك وضع الاحتمالات للنتائج السلبية للقرار، وتحديد الفئات التي قد تتضرر منه ومن ثم التعامل مع ذلك أو وضع البدائل المناسبة.
  • قضية الترويج للقرار قبل صدوره وتبيان إيجابياته بهدف تقليل نسب مقاومته في حال تضرر البعض منه.

فمثلا قرار الأخذ بنظام ساهر فإنه ورغم أهميته القصوى في تنظيم العملية المرورية والحد من فوضى السائقين وتقليص أعداد وفيات الحوادث وهي أمور إيجابية للغاية ؛ إلا أن النظام واجه انتقادات شديدة ومن فئات مثقفة وعلى درجة عالية من الوعي ممن كان من الممكن تجنيدهم للدفاع عن القرار والترويج لفوائده العامة.

معظم الانتقادات لم تلتفت إلى الجانب التنظيمي لساهر وركزت على قضية المبالغ المتحصلة من المخالفين وأنها تذهب إلى جهات غير واضحة.

كما أنه لم يتم الترويج للقرار قبل صدوره لتبيان منافعه المتوقعة. فوق ذلك تبين للجمهور بعد تنفيذ القرار أن الجهة المنفذة هي قطاع خاص وليس  قطاعا حكوميا مما أضعف من “المشروعية الاجتماعية” للقرار رغم كل إيجابياته ؛ ولا داعي للتذكير أن القطاع الخاص ربحي؛ في حين أن الجمهور لم يعتد على شيء كهذا في دولة ذات اقتصاد ريعي…

يدرك الجمهور مثلا أن مبالغ المخالفات التي يجيبها رجال المرور تذهب إلى خزينة الدولة وأنها ستنفقها على خدمات تتعلق بقطاع المرور لكنه لا يدرك أو لا يريد أن يدرك أن الخصخصة تطال أشياء كثيرة ومنها نظام المخالفات المرورية..

وقد واجه النظام ولا يزال مقاومة اجتماعية تمثلت بعض صورها بأعمال عنف ضد سيارات ساهر وسائقيها..

أن البيئة التي صنع فيها القرار ليست بيئة “رأسمالية صرفة” كما هو الحال عليه في الدول الغربية فنحن لانزال ننظر للدولة على أنها هي المبادرة وهي التي تمارس العقوبة على الأفراد عند خرقهم للنظام وهي التي تجبي الرسوم والضرائب وعندما توكل هذه المهمة إلى القطاع الخاص فإن الأمر سيخلق تساؤلات تتعلق بمشروعية القرار وسبب وجوده مما يقلل من فرص قبوله على المستوى الاجتماعي..

يضاف إلى ما سبق زمكانية القرار ( زمان مكان ) وأين يطبق ومتى وهل يستمر أم مؤقت وماذا نفعل في حال مقاومته أو عدم القبول به من نسبة كبيرة من الجمهور.. وكيف يحفظ صاحب القرار ماء وجهه في حال أراد سحب أو الغاء القرار..

وتبرز كذلك ضرورة وجود مراكز لقياس الرأي العام لمعرفة اتجاهات الجمهور فهذا يساعد كثيرا في صياغة قرارات تلاقي القبول من الجمهور وخاصة القرارات التي تمس حياتهم مباشرة أو مصادر رزقهم.

وأوضح د. خالد بن دهيش أن قضية التحيزات والأخطاء في اتخاذ القرار تعد قضية متخصصة ، و من المناسب أن نطرحها من زاوية هل مُتَّخِذ القرار القادم من خلفية علمية أو طبية أو شرعية أو عسكرية ونحوه قادر أن يدير جهاز إداري فمثلاً هل الطبيب قادر على إدارة وزارة الصحة مثلاً واتخاذ قرارات إدارية ؟ ، مع الأخذ في الاعتبار أن الإدارة علم و فن ، وهل ينجح العسكري بإدارة العمل الدبلوماسي كأن يعين سفير مع الأخذ بالاعتبار أن الخلفية العسكرية قد لا تتناسب مع احتياجات القرار الدبلوماسي المتخذ.

ومن جانبه قال د. عبد الله بن صالح الحمود: بين القرار ومتخذ القرار .. صنع القرار هو القرار أصلا.. القرار يعني المصير ، فكل قرار يصدر يعبر عن علاج لمعالجة قضية ونحو ذلك.

ولكن من هم الأشخاص الذين غالبا هم السبب في إصدار القرارات ، لاشك أن المستشار سبب والجهاز التنفيذي يسهم إلى حدما في تكوين القرار، وكما ذكر د. فهد أن للسكرتير دور في تأطير القرار أو ربما إظهاره بصورة بهية تدغدغ مشاعر متخذ القرار فيعتمد القرار بناء على اعتقاد الآخرين.

وهنا نعود إلى رأس الهرم وهو صاحب القرار ، وبما يمتاز من خبرة بمعنى هل هو حديث عهد بنشاط الوزارة أو المنظمة ، هل بطبعة شخصية لا تقرأ ولا تسأل أم أنه شخص لا وقت له للعناية الفائقة بمركزه الوظيفي الأساس لارتباطه بأدوار أخرى جعلته هينا لينا في قراراته… لكن ماهي النتائج التي سوف تتأتى  جراء ما اتخذ من قرار أو قرارات.

ولهذا وجب أن ندرك أن معظم ما اتخذ من قرارات فاشلة هو بسبب بعدها كل البعد عن واقع التطبيق أو أن مضمونها يخدم مصالح خاصة لا عامة.

وأخيرا الملاحظ أن بعض القرارات حين تتخذ في مرحلة معينة لتخدم تلك المرحلة ، يستمر تطبيق تلك القرارات لمراحل أخرى تعود بالضرر أو السلبية لزمن تلك المراحل ، وهذا يقودنا إلى أن التخطيط في واد واتخاذ القرارات في واد آخر.

الجندر وعلاقته باتخاذ القرار

تساءلت د. طلحة فدعق: النوع له تأثيره فيما يتعلق باتخاذ القرار؟

هل كون الشخص ذكر أو أنثى له علاقة بتلك التحيزات أو الأخطاء في اتخاذ القرار خصوصا في المجال الإداري والسياسي ؟

لنأخذ بعض الشخصيات السياسية النسائية مثلا انديرا غاندي – مارجريت تاتشر – هيلاري كلنتون …إلى أي مدي يمكن تقييم بعض أداءهم وربطه من حيث نجاحه أو فشله بكونهم ” نساء” ؟

ومن الناحية الإدارية هناك مثال محلي وهو المؤسسات الأكاديمية لدينا في ظل الفصل ببن النوعين واستمراريه القيادة الحقيقية و اتخاذ القرار للرجل .. أتساءل ضمن هذا السياق وفي ظل وجود العديد من الأخطاء المتراكمة: لو منحت النساء حرية إدارة تلك المؤسسات و الاقسام الخاصة بهن واتخاذ القرارات  ..، هل سيتغير الشكل ؟ وكيف ؟

وأضافت: أميل أن للجندر تأثيره وأميل أيضا أن للسياقات الاجتماعية والثقافية المحيطة بالمؤسسات التنظيمية دورها في تأطير فكر النوعين بما يعزز ويدعم التوجه في اتخاذ القرار سواء صح أو خطأ…وتظل الفروقات بين المجتمعات في هذا الأمر هي الفرق في النسبة والتناسب بين الصح والخطأ.

أيضا موضوع ( تأطير المشكلة) هو جدا هام للحد من التحيزات والوقوع في الخطأ ..إذا تم النظر بموضوعية وعقلية علمية لكن وبالربط بموضوع الجندر ( النوع )  نجد مجتمعات تفرض إطار  لتحديد المشكلة متحيز  لكن تحيزه مشرعن ثقافيا ومقبول .. مثال علي ذلك بعض قضايا النساء لدينا وكيفيه التعامل معها من القضاة والمحكمة بصفه عامة .. فالتحيزات واضحة في كثير من الأحيان ضد المرأة والقرارات ( الأحكام ) تبدو جائرة  ومع هذا مستمرة لأنها تنطلق من تفسير معين وداخل إطار ثقافي معين له قوته وتأثيره.

واتفق د. خالد الرديعان مع ما ذهبت إليه د. طلحة فيما يتعلق بتأثير متغير الجندر في صياغة القرار وبعض المتغيرات الأخرى كمتغير “المنطقة” مثلا؛ فقد ينجح قرار ما في إحدى المناطق ويصعب تطبيقه في مناطق أخرى… ومن هنا يصبح من الضروري دراسة جميع المتغيرات أو المؤثرات الثقافية والاجتماعية والزمكانية للتحقق أن القرار يحظى بقبول فئة واسعة من السكان.

فلو أخذنا قرار قيادة المرأة للسيارة فلربما نجح الأمر في مناطق محددة من المملكة وفشل في مناطق أخرى… لكن قرار المنع عام ولم يأخذ في الاعتبار الفروق الثقافية والاجتماعية…

هذا يشير إلى قضية يلزم عدم إغفالها وهو أن المركزية وتطبيق القرار على الجميع قد لا يكون عملا مفيدا…

الولايات المتحدة حلت هذه المشكلة باتحاد فيدرالي فضفاض بين ولاياتها حيث نلحظ تنوع بين هذه الولايات في النظم وأحيانا القوانين؛ فعقوبة الإعدام على سبيل المثال تطبق في بعض الولايات ولا تطبق في ولايات أخرى..

وقالت د. الجازي الشبيكي : كما هو معلوم للجميع أن القرار الذي يتسم بأقل قدر من التحيزات والأخطاء هو القرار الصادر من صانع قرار متمكن في المجال الذي يتم فيه اتخاذ القرار بناء على معلومات دقيقة  وصحيحة ووافية وشاملة ، بعيداً عن تدخل التوجهات الفكرية والتعصبية والمصالح الشخصية أو الجماعية ، وهو القرار الذي تم اتخاذه بناء على رؤية ورأي جماعي في الغالب بعيداً عن التفرد والديكتاتورية والتسلط .

ومن واقع التجارب في العمل القيادي مع القطاعات النسائية ، سواء الحكومية أو الأهلية التطوعية في مجتمعنا. يُلاحَظ خوف النساء في المراكز القيادية في كثير من الأحيان  من تحمًل المسؤولية في اتخاذ القرار خوفاً من الوقوع في الخطأ وبالتالي اللوم من قِبل السلطات الأعلى أو المجتمع ،  لأن تجربة المرأة في العمل القيادي قصيرة جداً قياساً بتجربة الرجل ، لذا فإنه من الضروري جداً في ظل توسع عمل المرأة في مختلف القطاعات إعطائها صلاحيات إدارية ومسؤوليات أكبر في صنع القرار واتخاذه حتى وإن حصل منها في البداية بعض الأخطاء فإن ذلك تراكمياً سيضيف لها مزيد من الخبرات وبالتالي الثقة في اتخاذ القرارات بعيداً عن الخوف من الوقوع  في الخطأ.

ولكن من المؤسف أن من يستمع كل يوم اثنين لقرارات مجلس الوزراء في التعيينات يلاحظ أن التعيينات في المراتب العليا هي من حظ الرجال بنسبة 99%.

وهذا يُعيد من جديد  دائرة بُعد المرأة عن المناصب القيادية التي تُتيح لها الفرصة لاتخاذ القرارات ويقلل من ثراء تجربتها ويزيد من تخوفها أكثر وبالتالي يُضعِف قدرتها على اتخاذه بشكل صحيح .

وأيدت أ. ندى القنيبط ما ذهبت إليه د. الجازي فيما يخص إعطاء الفرصة للمرأة في المناصب القيادية و  اتخاذ القرار ،،،،، فهي دائمة الحذر من الفشل أو التأنيب من الطرف الاخر ( الرجل ) باعتباره أكثر خبره في مجالات الأعمال .

المحور السادس

الفساد: الإشكالات المتضمنة وسبل المواجهة في ضوء التجارب الدولية

مفهوم الفساد وأهمية مواجهته

أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود أن الفساد كما حددته “منظمة الشفافية الدولية” يتضمن ” كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية للفرد نفسه أو جماعته “.

وأضاف د. خالد بن دهيش أن الفساد كل ما هو ضد الصلاح ، قال تعالى (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إصلاحهَا) الأعراف ٥٦ ،،

الفساد كل سلوك يهدد المصلحة العامة بخيانتها وعدم الالتزام بها وذلك بتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة . (( نقلاً من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (٤٣ ) بتاريخ 1/2/1428).

وأشار د. فهد الحارثي إلى أن الفساد كان أمس وأضحى اليوم وربما غدا جزءً من الثقافة الإدارية لدينا ، وهو يتوسل بعدة مسميات كلها تتدثر بأقنعة فاقعة ولا أخلاقية ، فمرة عمولات ، ومرة هبات ، ومرة هدايا للأولاد ، ومرة حصة مشروعة للمستفيد بالقوة!! وكل هذه المفهومات تدخل تحت سلسلة قميئة واحدة اسمها سلسلة العار!

الفساد نسبي إذن ، وكذلك العار ، وهما شيئا فشيئا يتحولان إلى قيم تشي بالقوة والبطولة والرجولة والذكاء بينما الاستقامة لا تعني سوى الضعف والدروشة والسذاجة مع الأسف …أو بدون أسف !!!

ويرى د. حاتم المرزوقي أن الفساد متعدد الجوانب، متشعب الأوجه، ومتداخل الاختصاصات. نتحدث غالبا عن الفساد وما نتحدث عنه سلوك قد يكون غير أخلاقي ولكن أحيانا غير مجرم بنصوص نظامية، وبالتالي الحديث عنه لا يتحاوز النصيحة. هناك أنواع متباينة من أوجه الفساد، ونتفق أن الفساد سلوك.. والسلوك يكون بمباشرة الفعل المجرم أو بعدم مباشرته؛ مثل السكوت عن جريمة فساد مثلا.  وفي كلا الحالتين لابد من تحرير هذه  الظواهر ورصدها ثم تجريمها بنص نظامي. وهذا يتطلب جهدا كبيرا في مراجعة منظومتنا التشريعية وتطويرها على نحو يعالج أوجه الفساد. فبلا نصوص نظامية فإن السلوك الذي نتصور أنه فسادا ربما لا يغدو أن يكون سلوكا مخالفا لقاعدة أخلاقية ولكنه غير مجرم. وهذا هو الفرق بين القاعدة الأخلاقية والقاعدة القانونية. الأول مباشرته لا يترتب عليها عقوبة والثانية مجرم ويترتب عليه جزاء.. وهنا يكمن النجاح الحقيقي لتناول هذا الملف.

وقال د. خالد الرديعان: الفساد نوعين: مالي وإداري.. وقد يكون المالي أوسع ويتخطى المنظومة الإدارية. لذلك لا أعتقد أن التركيز على الإصلاح الإداري كافي… قصدت من ذلك أن الفساد موجود في التنظيم الإداري وغيره..

وحدد أ. محمد المطيري رؤيته حول الفساد في النقاط التالية:

  • أولاً: أن الفساد أنواع وكل نوع يختلف في درجة خطورته وآثاره وهناك تفريعات داخل كل نوع ، وأخطر أنواع الفساد فساد السياسة  والتوجهات ثم فساد التشريع ثم فساد التنفيذ ولكل نوع أسلوب مختلف في المعالجة.
  • ثانياً: إن أي معالجة للفساد تركز على الأعراض والنتائج لن تكون مؤثرة فيظل مصدر الفساد يضخ باستمرار ونحن نلتحق نتائجه.
  • ثالثاً: أن الفساد ينمو في بيئة حاضنة ومن أكبر خصائص البيئة الحاضنة للفساد ضعف التشريع وعموميات النصوص والسلطات  التقديرية الواسعة وضعف أنظمة الرقابة وسلامة العواقب وانعدام الشفافية.

الفساد ومستويات التحليل الملائمة

من وجهة نظر د. منصور المطيري فإن موضوع الفساد يرتبط بمستويين من التحليل والنظر ..

  • المستوى الأول : حول ظاهرة الفساد و الجرأة على المال العام في إطارها العام ..

يرى بعض الدارسين أن القوى المحلية في أغلب الدول ذات المصدر الطبيعي الواحد تتجه في أغلب الأحيان إلى التنافس على الحصول على ريع هذا المصدر .. مما يعني فساداً و طبقية في المجتمع .. و قد مالت بعض النظريات المفسرة للصراع إلى أن الدول ذات الثروة الطبيعية الواحدة أكثر عرضة من غيرها لوقوع الصراع فيها .. وعندما أُجريت بعض الدراسات حول الفساد في العالم وجدت أن أكثرها فسادا دول نفطية.. و أذكر أنني قرأت أن الدول الفقيرة غير النفطية أكثر قدرة و عدالة على التصرف في مواردها واستغلالها و توزيعها من الدول الغنية ذات المصدر الطبيعي الوحيد لأنها لم تتعرض للعنة المصدر الطبيعي الواحد..

طبعاً هذا منظور متشائم.. فالمصدر الطبيعي نعمة في الأساس قد يتحول إلى نقمة حينما تتغلب أخلاق الأنانية و تغيب القدرة على المحاسبة .. و الجرأة على المال العام تنشأ بشكل تدريجي و بشكل غير ملحوظ لتصل في النهاية إلى قوة قادرة على التبرير لأفعالها و ربما سنت التشريع الذي يسمح بهذا التجاوز .. فالقضية في جوهرها أخلاقية .. فهناك بنية أخلاقية ضعيفة إن لم تكن معدومة عند الناهب المتجاوز .. و هناك بنية أخلاقية جبانة عند بقية المجتمع و عجز عن إنكار المنكر وقد يكون هذا الجبن غطاءاً لطمع في الفتات.. و يتبع هذا الضعف عجز و غياب للقضاء القوي المستقل و المحايد..

ويشكل الإعلام الجديد منصة حرة و رائعة لكشف هذا التجاوز و إيقافه ..

  • المستوى الثاني حول الحس الأخلاقي العام الرافض للفساد و كيف يتم تجاوزه و تحييده ..

يتم تجاوز الحس الأخلاقي العام الرافض للفساد حينما يأتي التجاوز من من يملك أداة المحاسبة والرقابة .. أو بالأصح حينما يكون حاميها حراميها .. أي حينما يكون المسؤول شرِهاً في الحصول على المال العام .. و في اللحظة التي يتسلل فيها إلى نفس المسؤول هذا الشعور ثم تمتد يده إلى هذا المال ينفتح على الفور بابان لا يمكن أن يغلقا بسهولة :

  • باب الرغبة في الازدياد و حيازة ما يمكن حيازته من قبل هذا اللص المسؤول، حيث تتخلق في داخله نفس لا تشبع..
  • و باب توالد و تكاثر اللصوص لأن المسؤول المتجاوز يجد نفسه غير قادر على المحاسبة و الرقابة .. و يفقد حديثه عن القانون و النظام والأمانة والأخلاق أية مصداقية لدى من يعرفه .. و أول من يعرفه هم الذين يتعاملون معه فيضطر في النهاية للسكوت عن تجاوزاتهم.. و في مرحلة أخيرة يصبح الكبار قدوة للصغار .. و يزداد الفساد بزيادة ثقافة الاستهلاك و ثقافة التفاخر و المظهرية ..

وهكذا يصبح الفساد منظومة تخترق الجهاز المسؤول .. و يصعب على الكثيرين الحديث بصراحة عنه و يخافون عواقب ذلك ..

وفي هذا المستوى يميل الفاسدون إلى اختلاق الاحتياجات ثم تنفيذها بشكل صوري وخادع للأنظار و شراء الجهات الرقابية .. و في حال الاحتياج الحقيقي فإن التنفيذ يكون بأغلى الأسعار و أردأ أنواع الجودة..

وفي هذا الباب يتفنن الفاسدون و يتحايلون بطرق لا تخطر على بال سليم الفؤاد صاحب النية الناصحة بحيث يستحيل الإحاطة بأساليبهم ..

و في اللحظة التي يتوقف المسؤول عن هذا السلوك يتوقف الجميع.. فإذا شدد في الرقابة شدد من حوله في الرقابة .. و تكتمل الرقابة حينما تكون مؤسسية مدعومة بالقضاء النزيه..

باختصار القضية ليست نقصاً في المعرفة و لا نقصاً في التخطيط و لا نقصاً في الحماسة ..

القضية في تجليها الأكبر نقص في منسوب الأخلاق المتعلقة بالجرأة على المال العام من قبل المسؤول و عجز عن محاسبته من قبل أفراد المجتمع و مؤسسات العدالة.

الفساد وسيول جدة (مثال عملي)

كمثال عملي فيما يرتبط بقضية الفساد واتخاذ القرار، قال: د.م. نصر الصحاف: شيء مخيف مشكلة السيول بجدة وتكرارها المأساوي طول السنين الماضية بدون حل !!  كل مرة يثار النقاش ويدور وفي النهاية بعد هدوء العاصفة بعد شهر أو أكثر أو أقل تعود الأمور كما كانت و كأن شيئاً لم يكن !!!

الحل لهذه المشكلة المزمنة معروف ولكن تنقص الإرادة ثم الإدارة.

وقال د. خالد بن دهيش: مضت خمسة أعوام تقريباً على السيول السابقة على مدينة جدة ، بعدها شكلت لجنة عليا برئاسة أمير منطقة مكة للتحقيق ، فهل اتخذت قرارات ضد المتسببين بالكارثة ؟ وهل المشاريع العملاقة نفذت كما خطط لها ؟ وهل ظهرت أثار تلك المشاريع في مواجهة أمطار اليوم ؟

وذهب د. مساعد المحيا إلى أنه ما دمنا نعيش هذا الوضع المأساوي في عدد من المدن بسبب ما تكشفه الأمطار والسيول من كوارث فإن ما ينبغي أن ندركه أن كل ما نراه هو قرارات اتخذها أشخاص لا يمتلكون الإخلاص ولا الأمانة ولا يحملون من الوطنية إلا ما يبتاعون به مصالحهم فقط ..

وقبل ذلك وبعده هي قرارات تم فيها اختيار هؤلاء الأشخاص لإدارة جهة أو مرفق وهم لا يحملون أهلية لهذا ..

إن أسوأ أنواع الفساد وأشد خطايا القرارات أن يتم اختيار غير الكفء ليتولى مسؤوليات ينوء بحملها .. فتضيع المسؤولية وتضيع مصالح الناس ..

إذا أردت أن تنتشل شركة من الخسارة فلابد من قرارات تختار فيها كفاءات تعمل للوطن و لصالح المواطنين في ضوء شفافية واسعة ومحاسبة دقيقة ..

وتساءل د. عبد الله بن صالح الحمود عن الأسباب التي حالت دون استكمال البنى التحتية في البلاد، هل السبب الدعم المالي ، أم الأمانة في العمل ، أم تنفيذ المباني على بطون الأودية،  أسئلة مشروعة تحتاج لنقاش مستفيض.

ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي فإن المشكلة تكمُن في أن المشاريع الخدمية على وجه الخصوص لا يتم التعامل معها وتنفيذها بشكل متكامل مترابط مع بقية المشاريع  ، فكلٌ يعمل في الغالب بشكل انفرادي بالإضافة إلى أن المسؤول يستعجل إنجاز بعض المشاريع لتُحسب لفترة وزارته أو مسؤوليته على حساب الجودة والتكامل والتنسيق مع المشاريع الأخرى ويكون الضحية هو المواطن .

وبشكل عام تفتقد ثقافتنا التنموية للتقويم المستمر والمحاسبية كي نحد أو على الأقل  نقلل من التسيب والإهمال والفساد .

وقالت أ. ليلى الشهراني: نحن لا نسمي الأشياء بأسمائها ، المشاريع المنهوبة نسميها “المتعثرة” ، فمعظم المشاريع التنموية مقاول بالظاهر ومقاول بالباطن ، وليس هناك متابعة وإشراف وعقاب وثواب ، في مواسم الأمطار تخرج خبايا المشاريع ، وكأن المطر طبيب يتلمس بمبضع قطراته مكامن الألم ويشخصها لنا ، لكن للأسف ينتهي المطر وتجف الأرض وتعود الأمور لوضعها وينسى الناس ويصحون كل عام على كارثة غرق وأرق.

ويرى اللواء د. سعد الشهراني أننا نحتاج إلى (قرارات) حازمة لمكافحة الفساد وإخراج الفاسدين من الحكومة و مساءلتهم و محاسبتهم  بحزم و عدالة ناجزة و ليس إجراءات تميع القضية كما حصل في السابق… إذا وجدت الإرادة سيقضى على الفساد.

الفساد في القطاع الأكاديمي : د. خالد الرديعان

قد يستغرب البعض أن يحدث فساد في القطاع الأكاديمي اعتقادا منهم بأن القائمين على هذا القطاع هم من المثقفين والتربويين والأساتذة الذين يعدون قدوة لغيرهم وأنهم وبحكم عملهم التربوي أبعد ما يكونون عن الفساد.

لسوء الحظ فإن هذا القطاع قد طاله الفساد مثل غيره وذلك بعدة صور أعرض بعضها وما اكتبه مبني على تجربة في العمل الأكاديمي لمدة تزيد عن خمس وثلاثين سنة منها العمل في لجان القبول للدراسات العليا لمدة تقارب عشر سنوات.

  • الصورة الأولى:

الانتحال أو السرقة العلمية plagiarism هي واحدة من صور الفساد الأكاديمي الأكثر شيوعا حيث يتم الاعتداء على أفكار الآخرين وسرقة أعمالهم عن قصد أو جهلا بحيث ينسبها الباحث إلى نفسه، أو أنه لا يشير للمصدر عند الاقتباس منه أثناء إعداد البحوث أو رسائل الماجستير والدكتوراه. وقد اقترحت للحد من هذه الظاهرة أن تشتمل الصفحة الأولى لرسالة الماجستير والدكتوراه على صفحة تتضمن تعهد أو قسم oath من الباحث أو الباحثة أن هذا عمله وأنه اشار بوضوح تام إلى المصادر التي أخذ عنها.. هذا الإجراء متبع في الجامعات البريطانية. اقترحت كذلك صياغة نظام يقول بسحب الدرجة العلمية فيما لو اكتشف انتحال سواء قبل جلسة المناقشة أو بعدها.. هذا الشرط يضمن الحماية الفكرية للمؤلفات ويحد بدرجة كبيرة من السرقة العلمية وبالتالي الفساد في البيئة الأكاديمية.

  • الصورة الثانية:

من صور الفساد الأكاديمي المعروفة ظهور ما عرف بالشهادات الوهمية والمزيفة أو الصادرة من جامعات غير معتمدة أكاديميا أو أنها ضعيفة.. بعض هذه الجامعات غير موجودة أصلا فهي مجرد مكتب تجاري وختم رسمي وحساب بنكي يقوم بعملية طباعة الشهادة وإرسالها لصاحبها بعد استيفاء الرسوم المالية المطلوبة.. ولتمرير العمل وإعطاءه شرعية فإن الختم قد يكون سليما بسبب فساد في مكان آخر. وقد أثار موضوع الشهادات الوهمية بلبلة بعد أن تولاه أحد أعضاء مجلس الشورى السعودي حيث كشف عددا كبيرا من المسؤولين الذين يحملون شهادات من جامعات وهمية أو غير معتمدة.

  • الصورة الثالثة:

من صور الفساد في البيئة الجامعية “الاختبارات المزورة” حيث يزود الطالب بشهادة تفيد باجتيازه اختبار ما دون أن يكون قد درس. أشهر اختبار يقع في هذه الدائرة هو اختبار التوفل TOEFL أو اختبار الانجليزية كلغة أجنبية… وحقيقة فإن الشركة الأمريكية التي تدير وتشرف على هذا الاختبار والتي تقع في ولاية نيوجيرسي تتخذ احتياطات كثيرة للحد من تزوير هذا الاختبار وذلك بإعطاء رقم باركود للنموذج من خلال وكلائها والجهات التي تعقد الاختبار في جميع الدول التي يعقد فيها وبأوقات محددة وبشروط واحترازات كثيرة ولكن أحيانا دون جدوى. يلجأ مزورو التوفل إلى نماذج قديمة من الاختبار وإعادة طباعتها وعمل رقم (باركود وهمي) عليها ووضع صورة الممتحن والمعلومات المطلوبة وإعطاءه درجة الحد الأدنى للقبول في برامج الدراسات العليا… وهي تفعل ذلك لإيهام من يطلع على الدرجات أن الاختبار صحيح وأن الدرجة غير مبالغ فيها. وقد فطنت الجامعات السعودية إلى ذلك من خلال الربط المباشر مع شركة التوفل في نيوجيرسي بحيث تتحقق من التزوير أو عدمه من خلال رقم الباركود… هناك حالات مزورة لحاملي هذا الاختبار أفلتت قبل العمل بالإجراء السابق.

وتعقيباً واستكمالا لما تطرق إليه د خالد الرديعان عن الفساد الأكاديمي، أشارت د. طلحة فدعق إلى أن هناك أمور أخرى منها ما يتعلق بالتشريعات والأنظمة التي يستطيع من يمتلك السلطة الالتفاف عليها وإعادة تقديمها بقراءة أخرى تمكنه من الآتي :

  • الفساد في التعيينات وأيضا التعاقدات. التعيينات علي الوظائف الأكاديمية خصوصا للمعيدين والمحاضرين تتم أحيانا بطريقة بها انتقائية واستبعاد للعنصر المؤهل بطريقة تخدم أهداف معينة . أيضا التعاقد مع العنصر غير السعودي من أعضاء هيئة التدريس يتم بطريقة ملفتة حتي امتلأت كثير من الأقسام منهم في ظل توفر المخرجات السعودية .
  • الفساد في الأداء الأكاديمي من البعض حيث تتحول أقسام لها خطط دراسية ومقررات أكاديمية إلى مدارس يلقن فيها الطالب أبجديات التعليم العام من مذكرات ( ملازم بالتعبير الدارج ) يقال أنها تختزل المقرر كاملا ثم نتساءل عن تدني المخرجات وعن الذهنية التلقينية غير النقدية والتحليلية لطلابنا وطالباتنا فماذا ننتظر منهم إذا كان ما قدم إليهم هو ( بضاعة فاسده أصلا ) .
  • الفساد في الكادر الإداري والتنظيمي للمؤسسات الأكاديمية بداية من الأقسام إلى الكليات إلى الجامعات بحد ذاتها. هذه موجودة في بعض المؤسسات ومن يحاول الإصلاح يحارب ويستبعد وتعرقل أموره بشتي الطرق.

هذا غيض من فيض ويمكن تمريره ببساطه وتبريره تحت مظلة لوي عنق اللوائح والتشريعات وإعادة تأويلها بطريقه تخدم مصالح المستفيد .

الفساد: آليات التصدي ومعوقات المواجهة

يرى د. حاتم المرزوقي أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لا بد أن تتولى وفق اختصاصها هذا الجانب، وأن تكون هيئة للسياسات والتشريعات، ولا تتولى – بل لا يجب – أن تتولى مهام تنفيذية، قد تنحرف بها إلى مهام جهات انعقد لها الاختصاص في هذا الجانب.

الفساد ظاهرة موجودة في جميع دول العالم، والفساد باق لا يمكن القضاء عليه، لأنه متجدد، ولكن يمكن مكافحته لأن القوانين تتجدد، ومواجهته تكون في التطوير المستمر للتشريعات، والدول التي نجحت في تقليص أوجه الفساد أو التخفيف من آثارها إنما كان بتشريع القوانين ومتابعة تطبيقاتها وتجديدها وتطويرها بشكل مستمر.

ومكافحة الفساد تكون بالتنفيذ.. وتكون كذلك بوضع السياسات والتشريعات ومراقبة تنفيذها. وكل جهة ينعقد لها اختصاصا بما يتناسب وأهدافها التي أنشئت من أجلها. ومن المهم ألا تختلط الأدوار وتتناثر المهام.

إن تطوير المنظومة التشريعية لمكافحة الفساد وتعزيز مبادئ النزاهة هو المنطلق لمواجهة هذا الملف.

ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن المشكلة أن لدينا ثلاث جهات رقابية كبرى يفترض أن تكون الحل الجذري ليس لمكافحة الفساد وإنما للقضاء نهائيا على الفساد ، بل واعتبارها مفردة من الماضي إذا ما تم تفعيل دورها وجرى تطبيق الأنظمة المرعية تجاه المفسد وهي :

  • هيئة الرقابة والتحقيق.
  • ديوان المراقبة العامة.
  • هيئة مكافحة الفساد.

وفي تصور د. خالد الرديعان فإن الفساد بنية فكرية ومتجذر في ثقافتنا بعدة صور.. الثورة على الفساد هي ثورة على الثقافة نفسها فمن أين نبدأ؟… الفساد يقف خلف كثير من المشكلات التي تعيق تقدم مجتمعنا… الفساد أشبه بالأخطبوط الذي يتمدد فلا تستطيع الإمساك به.. وتكمن المشكلة في قضية شرعنة الفساد بمسميات غريبة  وأحيانا براقة بل إنه يتداخل أحيانا مع منظومة القيم بل ويعد أحد مكارم الأخلاق في بعض ممارساته.. الشواهد والأدلة على ذلك كثيرة..

يرتبط الفساد بصورة كبيرة بالاقتصاد الريعي وهو ما يمكن ملاحظته بكل سهولة.. الناس تسرق الدولة لمبررات كثيرة وهو ما يجب مناقشته..

ويرى  د. خالد بن دهيش أن الفساد لا يرتبط بنظام سياسي بل يظهر عندما تكون الظروف مواتية له للظهور بدرجات متباينة ، فالفساد ظاهرة دولية يظهر متى ما توفرت له أسباب الظهور مثل:

  • ضعف الرقابة والمحاسبية.
  • صعوبة توفير الاحتياجات الحياتية بسبب عدم توفر العدالة في توزيع الثروات بين أفراد المجتمع.
  • التضارب بين الأنظمة أو القوانين و عدم التناسق بينها مما يؤدي إلى إساءة تطبيقها.
  • ضعف برامج الإصلاح والتطوير.

إن الخطط التنموية الخمسية موجودة ، والتخطيط الاستراتيجي اتجهت معظم القطاعات نحوه ، أجهزة الرقابة والتحقيق والمحاسبة ومكافحة الفساد كلها موجودة منذ زمن ، المشكلة تكمن في التطبيق الصحيح و في الحاجة إلى حُسن اختيار القائمين على التنفيذ والتشغيل والمتابعة ، كما أن توفر القدوة الصالحة دور كبير في الالتزام بالعمل والأمانة ومخافة الله .

ويرى د. عبداللطيف العوين أن علاقة الثقافة التنظيمية مع انتشار الفساد علاقة عكسية فكلما ارتفع مستواها انخفض مستوى الفساد حيث تبرز الشفافية والوضوح والعدالة وعدم التفرد بالقرار وعدم القدرة على مخالفة الأنظمة وعدم تقديم المصالح الخاصة. كذلك فإن المركزية في تطبيق النظام تساعد على نشر الفساد حيث يشترى رضى صاحبها وفروعه .. على سبيل المثال إذا كانت كافة مصالح الوزارات عند جهة معينه أو كافة مصالح المسؤولين لدى إدارة معينه في نفس الوزارة ، أصبح من الممكن التحكم في هؤلاء وهؤلاء.

ويرى د. حميد المزروع أن قانون الذمة المالية يعد أحد الأدوات المهمة في تخفيض الفساد المالي خاصة إذا ما طبق بشكل عادل علي جميع موظفي الدولة ، وعلي وجه التحديد الوظائف التي تمارس إدارة أموال الدولة أو  تشرف علي مشاريعها ، حيث يمكن رصد جميع الذمم المالية قبل وخلال وبعد ترك الوظيفة ، وهذا يعزز من نظام الرقابة المالية علي أملاك الدولة والمال العام .

وذهب أ. خالد الوابل إلى أنه لابد أن نغير مفرداتنا ونكون صريحين مع أنفسنا؛ لأن الاعتراف بالمشكلة نصف الحل .. لابد أن نقول إرهابيين بدلا من فئة ضالة ، وأن نقول مشاريع منهوبة بدلا من مشاريع متعثرة وأن نقول المرأة شريك للرجل في هذا الوطن بدلا من الحديث عن “الضوابط الشرعية” في كل أمر يخصها.

وأوضح أ. يوسف الكويليت أن موضوع ملاحقة الفساد بدأت مع المرحوم الأمير مساعد بن عبد الرحمن وزير المالية زمن المغفور له الملك فيصل بمشروع من أين لك هذا وتأسيس ديوانا المراقبة والمظالم والممثلين الماليين ثم لاحقا هيئات مكافحة الفساد والغش التجاري والتستر وغيرها، هذه البدايات المثالية شكلا لا موضوعا لم تنتج عملا مؤسسا على الملاحقات القانونية لضعف التشريع وتنفيذه ..

ويعتقد د. زياد الدريس أن أكبر مشكلة تعرقل مكافحة الفساد هو ” شرعنة ” الفساد .. دينياً ونظامياً.

حين يشعر كثير من الراتعين في الفساد بأنه لا يرتكب إثماً فإن استخدام الرادع الديني في المكافحة يصبح لاغياً، وحين يشعر الفاسد بأنه لا يرتكب جرماً أو اعتداءً على المال العام (الكافي للجميع !) فإن استخدام الوازع الوطني يصبح بلا جدوى!

ما الحل إذاً ؟! لا حل سوى وازع القوانين ورادع العقوبات.

وقال د. عبد الله بن صالح الحمود: علينا أن ندرك أن الفساد ليس محصورا في الرشاوي أو استغلال المناصب للنيل من منافع اقتصادية فحسب ، إنما يشمل العديد من المنافذ التي تعد فسادا باعتبارها ضررا يعود على الآخرين ، مثال ذلك :

  • توظيف طالب عمل ، بالرغم من أن هناك من هو أحق منه للوظيفة.
  • عدم الانضباط في العمل من ناحية الأداء أو الحضور للعمل حسب الأوقات المحددة.
  • سوء أو انعدام الرقابة على المشاريع حتى وإن لم يكن هناك مردود مادي أو معنوي جراء ذلك ، باعتبار ذلك تفريط للمهام الموكلة للمسؤول .

أجزم في هذه المرحلة ، أن تطوير التقنية الحاسوبية ، ومن ثم تسخير التقنية في إنجاز كافة التعاملات الحكومية ، بمعنى أن تتحول كافة الإجراءات الحكومية إلى ما يسمى ( الحكومة الإلكترونية ) سوف يسهم في التخفيف من حدة الفساد بل أجزم أيضا وبمشيئة الله تعالى أن الفساد لن يكون له وجود بيننا ، مع وجوب ألا يكون هناك أي إجراء إلا من خلال التقنية العالية وألا تعطى صلاحية أي تعديل أو إضافة إلا من خلال مجموعة محددة في الجهاز المعني ومن المشهود لهم بالأمانة و الإخلاص.

ومن جانبه، قال د. مساعد المحيا: السؤال المهم لماذا ينمو الفساد في المجتمع بكل صوره ؟ هل ذلك بسبب غياب المحاسبة والشفافية .. أم هو سلوك اجتماعي وإداري يصل إليه كثيرون ممن لا ضمير لهم أو من لا يخافون الله ..

بمعنى هل النفوس غالبها مهيئة للمشاركة في الفساد ولكن لأنها لا تقدر لسبب أو لآخر تبدو أمينة وصادقة .. على طريقة المتنبي حين قال:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم …

نحن نختبر هذا في مدى حرصنا على أداء أعمالنا حين يغيب الرقيب ومدى قيامنا بكل ما يطلب منا ..

نحن حين نطلب الواسطة في كل عمل مخالف للنظام أو لنحصل على أمر لا نستحقه إلا بعد الانتظار الطويل فنحن نمارس شكلا من أشكال الفساد ..

المرء منا حين يمارس في العمل أعمالا تخصه وتخص بيته فهو يقتطع من ساعات العمل بضع ساعات ليهبها لنفسه .. وبالتالي فهو يمارس فسادا ..

وحين يستخدم أوراق الجهة وأقلامها ومركبتها في القيام بأعمال خاصة فهو يمارس بعض أشكال الفساد ..

وحين يتغيب عن أداء عمله أو القيام بما يطلب منه دون سبب قاهر أو حاجة قائمة فإنه يمارس فسادا نوعيا وإداريا ..

إذا الفساد نسبي ويدور مع من يقوم به قدرة وعملا … وحين يكون المجتمع يرفض ممارسة أشكال الفساد اليسيرة فلن يحتفي يوما بالفاسدين الكبار بل سيرى أن ما يقوم به بعضهم من أعمال خيرية ماهي إلا جزء من سرقة عامة يتصدق بحفنة منها.

وأضاف د. عبداللطيف العوين جانب آخر إعلامي وهو ترسيخ يقين ما ليس حق لك بأنه حق لك من خلال الأطروحات التي تتم دون التمعن في الأنظمة والحقوق مما تزيد من الإصرار على أخذها ولو عن طريق الفساد والافساد.

كذلك فإن تعقيد الأنظمة وعدم وضوحها يجعل فرصة لتنوع التفسير عند صاحب الصلاحية وتسيير تلك الأنظمة حسب مصالحه عند الآخرين بل أحيانا المفاوضات على تبادل المصالح. وقبل ذلك كله ضعف الوازع الديني ثم الوطني الذي يعزز قيم الإخلاص والإيثار والتعفف عن حقوق الآخرين وظلمهم ، وعدم ربط ذلك بمنتهى الإنسان وكيف أنه سيحاسب على كل صغيرة وكبيرة.

وقال د. حمزة بيت المال أنه ليس من المناسب التوسع كثير في الماضي.. فهذا الجيل عليه مسؤولية تاريخية في مسيرة البلد التنموية.. يجب أن يستمر الضغط العام على مساعدة البلد لاستئصال هذه الآفة .. وأول جهد في هذا الاتجاه التأكد من استكمال البيئة التنظيمية لمحاربة الفساد هو تطوير مفهوم تقارير التحري في الممارسة الإعلامية لمساعدة المجتمع في الكشف عن ممارسات الفساد في المؤسسات العامة والخاصة.. فالإعلام مؤسسات مستقلة ويمكنه مساعدة الجهات المنظمة للفساد في القيام بدورها.

وقال أ. مطشر المرشد: نحن بحاجه لاتخاذ خطوات سريعة وتفعيل إجراءات تخص القطاعات حسب خطورة وحجم الفساد …

  • قطاع البنية التحتية والمشاريع الحكومية.
  • قطاع الخدمات المقدمة للمجتمع ، صحه وتعليم إلخ.
  • قطاع عقود الدفاع والأمن.

في كل المجتمعات هناك فساد وأشخاص لديهم القابلية لتجاوز الأنظمة والقوانين .. لذلك يتم التركيز على الهياكل التنظيمية وتطوير التشريعات وآليات العمل وتوزيع المهام .. الهدف تطوير الأداء وتحقيق الأهداف + الحد من التجاوزات والهدر بما في ذلك الفساد … لماذا لا تصبح مسئولية التنفيذ والإشراف في جميع المشاريع الحكومية مرتبطة بجهة واحدة؟

وذهب د. حاتم المرزوقي إلى أن مواجهة الفساد باختصار يكمن في التشريعات ثم في مراقبة تطبيقاتها ومن يطبقها. يتحدث الناس عن الفساد في أفعال غير مجرمة،  وتتطلب تعديلات في المنظومة التشريعية. وإغلاق الثغرات التي تنفذ منها هذه السلوكيات، ثم معالجة مستويات التنفيذ في الجهاز التنفيذي.

  • تطوير المنظومة التشريعية.
  • تفعيل دور أجهزة الرقابة الداخلية.
  • تفعيل الأجهزة الضبطية (تحويل الإدارة العامة للمباحث الإدارية إلى هيئة إدارية مستقلة ويعقد لها الاختصاص في إجراءات الضبط والتحقيق).
  • تفعيل الرقابة السابقة (الممثلين الماليين).
  • تفعيل الرقابة اللاحقة (ديوان المراقبة العامة).
  • تفعيل دور الرقابة التشريعية (مجلس الشورى).
  • تفعيل دور التوعية (الثقافة والإعلام).
  • تفعيل أدوات الحوكمة في القطاع الحكومي والقطاع الخاص. والأخير مهم فقضايا الفساد في القطاع الخاص أعمق وأبعد تأثيرا.
  • تفعيل دور التشريعات والسياسات ومراقبة التطبيق (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد).

الإعلام ومكـافحة الفســاد : د. إبراهيم البعيز (*)

يتندر السعوديون في قنوات التواصل الاجتماعي بما تحرص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على نشره في وسائل الإعلام عن حالات الفساد التي كشفتها، ولعل آخرها قضية تقشر الدهان في أحد مستشفيات وزارة الصحة، وهذا يشير بشكل أو بأخر إلى حالة من الإحباط الشعبي بما أنجزته الهيئة. وأنا هنا أشفق كثيرا على الهيئة ومسئوليها الذين لا زالوا يناورون في المنطقة الرمادية بين الرغبة والقدرة. فهم بدون شك راغبون وحريصون في جهودهم لإنجاز ما أوكل إليهم من مسئوليات، ويعملون بإخلاص على تحقيق ما جاء في الخطة الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي سبق إقرارها من مجلس الوزراء قبل قيام الهيئة بأربع سنوات. لكن في الوقت ذاته أشك في قدرتهم على ذلك. فالبيئة السياسية والتشريعية في المملكة لم تتوفر فيها بعد المقومات اللازمة التي تسمح للهيئة – أو حتى غيرها من المؤسسات الحكومية أو الأهلية- على القيام بذلك الدور. لذا لا يفترض أن نستغرب إن سارعت الهيئة في النشر الإعلامي عن حالات هي أقرب إلى سوء الإدارة من أن تكون حالات فساد، ويبدو أن ذلك محاولة لتقديم أي منجز يخفف من عبء ذلك السقف العالي من التوقعات لدى الشارع السعودي.

الفساد، وما يترتب عليه من ضياع للمصالح والحقوق، ينمو ويترعرع في الملفات السرية وخلف الأبواب المغلقة، وليس هناك من مؤسسة قادرة على كشف تلك الملفات وفتح تلك الأبواب دون أن يكون لها مستندا قانونيا يمنحها الشرعية ويعطيها الآلية والإجراءات التنفيذية التي تمكنها من تلك المهمة. ويظهر لي أن ذلك ما لم تسعى إليه الهيئة، فكان بها أن عزمت على قطف ثمار لم تحرث لها أرضا ولم تزرع لها أشجار.

التجارب العالمية – قديمها وحديثها – تشير إلى أن الإعلام هو المؤسسة القادرة على كشف تلك الملفات السرية وفتح تلك الأبواب المغلقة. فالمؤسسات الإعلامية حين تتوفر لها بيئة تشريعية ناضجة كان ولا زال لها قصب السبق في هذا المضمار. فالفساد ومظاهره مادة مثيرة لشهية الإعلام، فهو متعطش للكتابة عنها من منطلقات وطنية أو مهنية أو حتى ربحيه أحيانا. الفساد مادة تتسم بالدرامية والإثارة وهو ما يحرص عليه الإعلام دائما.

الإعلام – مجازا – هو سلطة رابعة تتولى مسئولية المراقبة للسلطات الثلاث الأخرى. لكن هذا الدور مرتبط بتوفر التشريعات والتنظيمات التي تضمن له استقلاليته السياسية والاقتصادية. ويفترض في هذه البيئة أن تشتمل على قوانين ولوائح تنفيذية تضمن في الحد الأدنى:

  • حرية الصحافة وحرية التعبير، بحيث لا تشمل قوانين العقوبات أو غيرها من القوانين الأمنية ما يحد من هذه الحرية أو تتم معاقبة الصحفيين بناء عليها.
  • معاملة الإعلام للمسئولين والمؤسسات العامة والخاصة كشخصيات عامة، يمكن النشر عنها بشفافية دون خوف من المسألة القانونية بحجج وذرائع التشهير.
  • تمكين الصحفيين من الوصول إلى المعلومات العامة وفق إجراءات إدارية واضحة من حيث المدة والتكلفة.
  • محاسبة المسئولين في حالة الرفض – غير القانوني – للكشف عما يدخل في نطاق المعلومات العامة.
  • عدم تلقي المؤسسات الإعلامية أو الصحفيين منافع (مالية أو اية امتيازات) تؤثر على أدائهم المهني.
  • تفعيل الدور النقابي لهيئة الصحفيين وبما يمكنها من حماية منسوبيها من أية مسألة تتعلق بأدائهم المهني.
  • عدم إجبار المؤسسات الإعلامية والصحفيين في الكشف عن مصادرهم.

وحري بهيئة مكافحة الفساد أن تعمل على تعزيز البيئة التشريعية التي تمكن وسائل الإعلام من العمل بفاعلية لمكافحة الفساد، وهذا الدور جاء على قائمة اختصاصات الهيئة التي أشار إليها الأمر الملكي بإنشاء الهيئة، حيث يتوجب عليها المبادرة بمراجعة كافة الأنظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته، وسبق أن أكدت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة على “مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة عن طريق كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة الجمهور ووسائل الإعلام”.

الصحافة الاستقصائية ودورها في صناعة القرار والقضاء على الفساد: أ. مسفر الموسى

إن أبرز ما يميز الصحافة الاستقصائية عن الصحافة التقليدية أنها لا تهتم بالعمل اليومي السريع الذي يتم في صالة الأخبار.. بل تذهب بعيدا لتكتشف الحقائق التي يريد أصحاب المصلحة إخفاءها.. إذ لا تكتفي بنقل تصريحات المسؤولين وإنما تبحث في أدائهم وتستكشف ممارساتهم وتدرس كل الوثائق المتعلقة بمشاريعهم.. حيث يشبه دي بورغ (De Burgh) العمل الاستقصائي بعمل المحقق والمحامي والمدقق المالي والهيئات الرقابية.. حيث يتعاملون جميعا مع الوثائق ويحللونها بشكل منظم ليصلوا إلى النتائج أو الحقائق أو إلى الخطأ والصواب..

هنتر (Hunter) أحد ممارسي هذا النوع من الصحافة.. كان يربط دائما بينها وبين قضايا الفساد عندما يصفها بأنها “تشمل كشف أمور خفية على الجمهور.. إما أخفاها عمدا شخص ذو منصب في السلطة،، أو اختفت صدفة خلف ركام فوضوي من الحقائق والظروف التي بات من الصعب فهمها”..

بدأت إرهاصات ظهور الصحافة الاستقصائية تتجلى في المجتمعات الغربية الديموقراطية في منتصف القرن التاسع عشر بسبب زيادة معدل استقلالية الصحافة في ذلك الوقت.. إذ كانت الصحافة قبل هذا التاريخ وتحديدا في بدايات القرن ١٩ تصدر تحت تأثير مباشر من السلطة السياسية التي تأخذ منها الضرائب وتسيطر على معلوماتها وتقيد استقلاليتها..

في الخمسينات من القرن ذاته ظهرت مجموعة من العوامل التي ساهمت في استقلالية الصحافة.. حيث يبرز العامل السياسي باعتبار الصحافة جزء من النضال المستمر في دعم الحرية.. كما يبرز العامل الاقتصادي في ظهور القوة المتزايدة للطبقات الاقتصادية داخل المجتمع الغربي التي قاومت المحاولة المستمرة للطبقات السياسية في احتكار المعلومات من خلال دعم المؤسسات الصحافية وإنشائها..

بدأت البذرة لظهور مؤشرات الصحافة الاستقصائية في عام ١٨٥٣ من خلال صحيفة (The Time) والصحافي الحربي وليام هاورد راسيل (William Howard Russell) الذي ذهب لتغطية حرب القرم واكتشف نقص العناية بالجنود البريطانيين وضعف الرعاية الصحية التي تقدم لهم..

تقرير راسيل لم يكن اعتياديا في الصحافة آنذاك،، فوجوده في أرض المعركة ومعايشته لتفاصيلها كان أمرا مستحدثا في أسلوب جمع المعلومات التي كانت قبل ذلك ترسل للصحيفة من قبل المتحدثين الرسميين.. الأمر الأهم،، أن تقرير راسيل كان مختلفا في الاتجاه العام الذي كان يحابي السلطة السياسية في مقابل البحث عن الحقيقة.. كانت نتائج تقرير راسيل باهرة.. حيث ساهم في صناعة القرار السياسي من خلال مراجعة الحكومة لأحوال الجنود في الحرب.

مع ذلك،، فإن قصة وليام ستيد (W.T.Stead) في صحيفة بول مول جازيت (Pall Mall Gazette) تبدو هي أول من مهد لعهد الصحافة الاستقصائية في عام ١٨٨٥.. عندما أثارت إحدى منظمات حقوق الإنسان قضية بيع الفتيات القاصرات لأهداف ممارسة الدعارة.. استجاب وليام لهذه الدعوى وقام بالتقصي من خلال أسلوب الملاحظة بالمشاركة.. ثم كتب قصته في خمسة أجزاء تحت عنوان “لماذا لا تسمعون بكاء الضحايا”

بعد قصة وليام بدأت ملامح الصحافة الاستقصائية تتضح شيئا فشيئا.. وبدأ تأثيرها على الرأي العام يتصاعد.. الأمر الذي جعلها تساهم في القرار السياسي من خلال ما يعرف بأسلوب الحشد الجماهيري والضغط على أصحاب القرار..

ففي أمريكا وفي بدايات الصحافة الاستقصائية .. نشرت أول صحيفة نقابية أمريكية تدعى مكلور (McClure) تقريرا استقصائيا عن اختراق شركة ستاندرد أويل (Standard Oil) لقوانين الاحتكار الخاصة بشركات النفط .. نشر هذا التقرير في عام ١٩٠٢ بواسطة الصحافية تاربل (Tarbell) التي اكتسبت شهرة عالية من خلال جهدها الكبير في كشف تلاعب شركة ستاندرد أويل بعقود الامتيازات الممنوحة.. الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي روزفلت يطلق مصطلح مكتشفي الفضائح (Muckrakers) على الصحافيين المشتغلين في هذا النمط الصحافي.

في الستينيات الميلادية من القرن الماضي بدأت الصحافة الاستقصائية تشكل تهديدا صارخا للعاملين في الحكومة وصناع القرار.. ليس بسبب التحري عن الواجبات والمسؤوليات العامة المناطة بهم فحسب.. وإنما عن طريق الدخول إلى عوالمهم الخاصة وكشف أسرارهم التي قد يكون لها أثر لاحق على الشأن العام..

تبرز هنا قصة الصحافي بيتر إيرل (Peter Earle) الذي اكتشف العلاقة الثلاثية بين وزير الحكومة ومستشار الحرب البريطاني جون بروفومو (John Profumo) وجاسوس سوفيتي وإحدى فتيات الدعارة.. هذه القصة التي نشرتها صحيفة (News of the World) عام ١٩٦٣ استطاعت أن تكشف أن الوزير البريطاني كان على علاقة غرامية مع فتاة الدعارة وأنه كشف لها بعض معلومات العسكرية التي نقلتها بعفوية للجاسوس السري الذي استدرجها..

تتواتر هنا الاستشهادات على قوة الصحافة الاستقصائية في فترتها الذهبية في تلك الحقبة وقدرتها على اكتشاف قضايا الفساد والتلاعب .. بدأ من العمل الصحافي الذي اكتشف العلاقات المشبوهة لرئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان.. وقضية الفساد في عقود البناء الصادرة عن مجلس واندسوورث.. وخرق العقوبات من قبل شركة النفط بريتش بتروليوم في زيمبابوي.. وليس انتهاء بفضيحة ووتر جيت التي جعلت من الرئيس نيكسون يطلق على الصحافيين الاستقصائيين (كلاب الحراسة) “Watchdog”.

كانت الصدمة الكبرى للعاملين في الصحافة والمجتمع الغربي عندما نشر ستاركمان (Starkman) كتابة المعنون بالكلاب التي لم تعد تنبح.. والذي اكتشف فيه ستاركمان حقيقة خفوت الصحافة الاستقصائية في أمريكا بسبب بعض العوامل الاقتصادية والسياسية.. بنى ستاركمان فرضيته من خلال مراجعته لأشهر الصحف الاقتصادية في أمريكا ومعها اكتشف أنه لا يوجد فيها عمل استقصائي تنبأ بالأزمة الاقتصادية الأمريكية عام ٢٠٠٨ ولم يكتب أحدا عن العوامل المؤدية للأزمة ولم يحذر منها..

في مجتمعنا السعودي تماما كما في المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية.. لم تنتشر فكرة الصحافة الاستقصائية ولم تتم ممارستها كما في النماذج العالمية السابقة. إذ لو أتيحت الفرصة لهذا النمط الصحافي لما احتاجت الحكومة لإنشاء هيئة مكافحة الفساد..

تجربتي الشخصية مع فيلم (فقراء الوطن) تعد واحدة من الشواهد المحلية على صعوبة نشر هذا النوع من الأعمال في المؤسسة الإعلامية الرسمية.. بسبب نمط الملكية الذي يوجه صوت هذه المؤسسات لخدمة المصلحة الخاصة للمؤسسات التنفيذية..

بدأ صلاح الغيدان وعبدالرحمن الحسين وعبدالرحمن صندقجي يقدمون نماذج جميلة للأفلام الوثائقية الاستقصائية.. ولكنها في مجملها يمكن وصفها بالأعمال الخفيفة التي لا تستطيع أن تكشف حقائق الفساد العالقة..

كما أن صعوبة الوصول للمعلومات اللازمة لصناعة عمل استقصائي مكتمل الأدلة يعد عائقا أساسيا لانتشار هذا النمط ومحدوديته.. بالإضافة إلى أن الصحافيين أنفسهم في بعض الأحيان يقومون بدور الرقيب الذاتي ويحرمون أنفسهم من مزاولة الصحافة الاستقصائية خوفا من العقوبات أو لانجذابهم للسلطة أكثر من اهتمامهم بحقوق الجمهور والذي يأتي حق المعرفة في مقدمتها..

ضعف التدريب على هذا النمط الصحافي أيضا من الأسباب الهامة التي أدت إلى الإحجام عنه..

والخلاصة.. أن الصحافة الاستقصائية المهنية والمقدرة للأبعاد السياسية والمصلحة العامة.. كانت ستحد من عمليات الفساد وتغنينا عن بعض المؤسسات الرقابية.. افتحوا المجال للصحافة الاستقصائية فهي السبيل الوحيد لفضح الفساد.

الفساد من منظور نفسي: د. على الحكمي

في كتابه: تأثير إبليس: فهم كيفية تحول الناس الأخيار إلى أشرار، يقدم عالم النفس الأمريكي، فيل زمباردو تحليلاً متكاملاً لهذه الظاهرة، وتفسيراً قائماً على الأبحاث النفسية التي كان هو من أوائل من عمل عليها في واحدة من أشهر التجارب النفسية، وهي تجربة سجن ستانفورد، والتي تمكن فيها من تحويل طلاب جامعيين عاديين إلى سجانين يقومون بتعذيب زملائهم الذين وضعتهم التجربة كسجناء.

في محاولة لفهم المسببات النفسية لاقتراف الفساد من أشخاص يفترض أنهم يعون آثاره، وجدت أن تفسيرات زمباردو تنطبق كثيراً على ذلك.

فهو يرى أن سلوك الإنسان تؤثر فيه ثلاث عوامل تتفاعل فيما بينها:

  • العامل الأول: السمات الشخصية للفرد، فبعض الناس، ونظراً لتكوينهم النفسي قد يكونون أكثر احتمالاً للوقوع في الفساد من آخرين،  لاحظ الطفل الذي تربى في بيئة يسودها الكذب والخداع والخيانة، فإنه سوف يكتسب هذه الصفات ويمارسها.
  • العامل الثاني: السياق الذي يتواجد فيه الشخص في وقت معين، فهو قد يكون مهيأ لأن يمارس الإنسان فيه الفساد لغياب الرقابة أو  لسهولة التصرف نفسه.
  • العامل الثالث: هو البيئة التشريعية والتنظيمية التي يعمل فيها الشخص، فهي قد لا تكون قادرة على اكتشاف الفساد أو منعه أو  التعامل معه بفاعلية قبل وقوعه.

ويؤكد زمباردو على أن المؤثرات على السلوك متعددة ولفهم أسبابه لا بد أن نركز على هذه الجوانب مجتمعة لا أن نركز على أحد الأسباب ونغفل الأخرى.

ومن هنا فإن أي برنامج وقائي من الفساد يجب أن يهتم بالسمات الشخصية للمسؤول نفسه، بحيث يتسم بالنزاهة والصدق والعفة، ولكن هذا لا يكفي لضمان عدم وقوعه في الفساد، فوجوده في سياق ينتشر فيه الفساد قد يدفعه، بقصد أو غير قصد، لممارسته وللحصول على تبريرات يقنع بها نفسه، مثل أن الجميع يفعل ذلك، أو أي تبريرات أخرى توفر له الراحة النفسية وتخلصه من التناقض بين السمات التي لديه والقيم التي يعتنقها وبين سلوك الفساد الذي اقترفه.

وأحياناً أخرى قد يكون المسؤول أيضاً نزيهاً والسياق والبيئة من حوله لا تدفع في اتجاه الفساد، ولكنه يلاحظ أن الإجراءات التنظيمية ليس صارمة بشكل كاف فيعتقد أن تصرفات معينة مسموح بها أو مغضوض الطرف عنها بسبب غياب البيئة التشريعية والبنى التنظيمية الصارمة.

تجارب دولية في مجال مكافحة الفساد:

رؤية البنك الدولي : أ. خالد الوابل

تطرق أ. خالد الوابل إلى ست استراتيجيات لمكافحة الفساد من البنك الدولي بالرجوع لموقع البنك الدولي عبر الرابط(http://blogs.worldbank.org/futuredevelopment/ar/node/122) حيث تضمنت الإشارة إلى أن خيارات الإصلاح المتاحة أمام الحكومات  للحد من الفساد والتخفيف من آثاره تتضمن:

  • دفع أجور كافية لموظفي الخدمة المدنية ‏

سواء حصل موظفو الخدمة المدنية على أجر ملائم أو يقل كثيرا عما يستحقونه فإن ذلك يؤثر على الدوافع والحوافز. وإذا كانت الأجور في القطاع العام منخفضة جداً، فقد يجد الموظفون أنفسهم تحت ضغط لتكملة دخولهم بطرق “غير رسمية”. وقد قام فان ريجكيغم وويدر (2001) (e)بإجراء بعض الأبحاث التجريبية التي أوضحت في عينة من البلدان الأقل نمواً أن هناك علاقة عكسية بين مستوى الأجور في القطاع العام وتفشي الفساد.‏

  • خلق الشفافية والانفتاح في الإنفاق الحكومي‏

يمثل كل من الدعم، والإعفاءات الضريبية، والمشتريات العامة من السلع والخدمات، والتسهيلات الائتمانية الميسرة، والمخصصات خارج الموازنة التي تخضع لسيطرة السياسيين عناصر للطرق المختلفة التي تدير بها الحكومات الموارد العامة. وتجمع الحكومات الضرائب، وتلجأ إلى أسواق رأس المال لجمع الأموال، وتحصل على مساعدات خارجية، وتضع آليات لتخصيص هذه الموارد بغرض تلبية احتياجات متعددة. وتقوم بعض البلدان بذلك بطرق شفافة نسبياً وتبذل جهوداً لضمان استخدام الموارد لخدمة المصلحة العامة. وكلما كانت العملية أكثر انفتاحاً وشفافية، كلما قلت فرصة وقوع المخالفات والاستغلال. ويقدم كولييه (2007) (e) دليلاً مقنعاً على التأثير السلبي للأنظمة غير الفعالة لمراقبة الموازنة. كما أن قدرة المواطنين على فحص أنشطة الحكومة ومناقشة مزايا السياسات العامة المختلفة له أثره. وفي هذا الصدد، فإن حرية الصحافة وانخفاض مستوى الجهل، بالمثل، سيشكلان سياق الإصلاحات. وسواء كان بلد ما لديه مجتمع مدني نشط أم لا، فإن وجود ثقافة المشاركة يمكن أن يكون عنصرا مهما يدعم الاستراتيجيات المختلفة التي تهدف إلى الحد من الفساد.‏

وتعد نيوزيلندا، وهي دائما واحدة من أفضل البلدان أداءً في عنصر الشفافية على مؤشر تصور الفساد الخاص بمنظمة الشفافية الدولية، بلداً رائداً في وضع عمليات تتسم بالشفافية لإعداد الموازنة، وذلك بعد أن وافقت عام 1994 على قانون المسؤولية المالية الذي وفر إطاراً قانونياً لإدارة للموارد العامة تتسم بالشفافية.‏

  • الحد من الروتين‏

يشير الارتباط القوي بين انتشار الفساد ونطاق البيروقراطية كما حددتها، على سبيل المثال، مؤشرات ممارسة أنشطة الأعمال إلى الرغبة في  التخلص من العديد من اللوائح غير الضرورية مع الحفاظ في الوقت نفسه على المهام التنظيمية الأساسية للدولة. ولا تعد أنواع اللوائح الموجودة في العديد من البلدان – لبدء النشاط التجاري وتسجيل الملكية والمشاركة في التجارة الدولية ومجموعة كبيرة غيرها من الشهادات والتراخيص – في بعض الأحيان مرهقة للغاية فحسب، بل إنها تشير أيضا إلى أن الحكومات لم تقف مع نفسها غالباً لمراجعة ما إذا كان الغرض الذي تم تطبيقها من أجله يتفق بأي شكل من الأشكال مع احتياجات الوقت الحاضر. ويشير روز أكرمان (1998) (e) إلى أن “النهج الأكثر وضوحاً هو ببساطة التخلص من القوانين والبرامج التي تساعد على الفساد”.‏

  • استبدال الدعم التنازلي المشوه بتحويلات نقدية موجهة‏

تمثل أنواع الدعم مثالاً آخر على كيفية تشويه السياسات الحكومية الحوافز وخلقها فرصا للفساد. ووفقا لدراسة لصندوق النقد الدولي (2013)(e)، فإن دعم المستهلك في مجال منتجات الطاقة يصل إلى نحو 1.9 تريليون دولار سنوياً، أي ما يعادل نحو 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أو 8 في المائة من العائدات الحكومية. ويتم توزيع هذا الدعم بشكل تنازلي جدا، يتم فيه توزيع ما يزيد على 60 في المائة من إجمالي الفوائد على أغنى 20 في المائة من الأسر بالنسبة للبنزين. ويمكن لإلغاء هذا الدعم أن يؤدي إلى خفض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتحقيق آثار إيجابية أخرى غير مباشرة. ويؤدي الدعم غالباً إلى التهريب، ونقص المعروض، وظهور أسواق سوداء. وإذا وضعنا جانباً مسألة تكلفة الفرصة البديلة (ما هو عدد المدارس التي يمكن بناؤها بتكلفة دعم الطاقة عن مدة سنة واحدة؟)، والآثار البيئية المرتبطة بالأسعار المنخفضة بشكل مصطنع، فإن أنواع الدعم يمكن في كثير من الأحيان أن تضع الحكومة وسط نظم مولدة للفساد. والأفضل من ذلك هو استبدال أنواع الدعم التنازلية بتحويلات نقدية موجهة.‏

  • عقد اتفاقيات دولية‏

لأن الفساد في الاقتصاد المعولم له بعد عابر للحدود على نحو متزايد، فإن الإطار القانوني الدولي لمكافحة الفساد يشكل عنصراً أساسياً ضمن الخيارات المتاحة أمام الحكومات. وقد تحسن هذا الإطار بشكل كبير خلال العقد الماضي. فبالإضافة إلى اتفاقية مكافحة الرشوة التي اعتمدتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (e) حيز التنفيذ عام 2005، وفي أواخر عام 2013 كان قد تم التصديق عليها في الغالبية العظمى من البلدان الموقعة عليها والبالغ عددها 140 بلدا. وتمثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أداة واعدة لأنها تقدم إطاراً عالمياً يشمل الدول المتقدمة والنامية، وتغطي مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك الفساد الداخلي والخارجي، والابتزاز، والتدابير الوقائية، وأحكام مكافحة غسيل الأموال، وقوانين تضارب المصالح، ووسائل استرداد الأموال غير المشروعة المودعة من قبل المسؤولين في بنوك خارجية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ولأن الامم المتحدة ليست لديها صلاحيات تنفيذية، فإن فعالية الاتفاقية كأداة لردع الفساد ستعتمد إلى حد كبير على وضع آليات رصد وطنية كافية لتقييم مدى امتثال الحكومات لبنود الاتفاقية.‏

ورأى البعض الآخر (هينمان وهيمان) (2006) (e) أن اتباع نهج قابل للتنفيذ بشكل أكبر في مجال مكافحة الفساد قد يتضمن تنفيذ قوانين مكافحة الفساد بمزيد من الشدة في البلدان الأربعين التي وقعت على اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لمكافحة الرشوة. وتحتاج الحكومات إلى أن تكون أكثر استباقية في تضييق الخناق على الشركات في البلدان الأعضاء في اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي التي تستمر في رشوة المسؤولين الأجانب. وفي إطار جهودها الرامية إلى حماية المصالح التجارية للشركات الوطنية، تقوم الحكومات في بعض الأحيان بحماية الشركات من ضرورة الامتثال لقوانين مكافحة الفساد، وذلك في محاولة غير سديدة لعدم الإضرار بموقفها في مواجهة منافسيها في بلدان أخرى. ولا ينبغي تبني النهوض بالتجارة كسبب لعرقلة مكافحة الفساد. ولا تزال الحكومات تعاني من ازدواجية المعايير، حيث تُجرم الرشوة في الداخل ولكنها غالباً ما تنظر إلى الأمر بطريقة أخرى عندما يتعلق برشوة مسؤولين أجانب في بلدان غير أعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.‏

  • نشر التكنولوجيا الذكية‏

كما تتيح التشوهات التي تتسبب فيها الحكومات العديد من الفرص للفساد، فإن الاتصال المباشر المتكرر بين المسؤولين الحكوميين والمواطنين يمكن أن يفتح الباب أيضا أمام المعاملات غير المشروعة. وتتمثل إحدى طرق معالجة هذه المشكلة في استخدام التكنولوجيا المتاحة بسهولة لتشجيع وجود علاقة تتسم باستقلالية أكبر بين المسؤولين والمجتمع المدني؛ وفي هذا الصدد فقد أثبتت الإنترنت أنها أداة فعالة للحد من الفساد)أندرسون وآخرون، 2011( (e). وفي بعض البلدان، حقق استخدام برامج الإنترنت لتسهيل تعامل الحكومة مع المجتمع المدني ومجتمع الأعمال نجاحاً كبيراً في مجال تحصيل الضرائب، والمشتريات العامة، والتغلب على الروتين. ربما يرتبط أحد أهم المصادر الخصبة للفساد في العالم بأنشطة المشتريات العامة. ويمكن أن يكون حجم مشتريات الدولة من السلع والخدمات ضخما، حيث يتراوح في معظم البلدان بين 5 و10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولأن ترسية العقود يمكن أن ينطوي على قدر من السلطة التقديرية البيروقراطية، ولأن معظم البلدان لها تاريخ طويل في مجال الكسب غير المشروع والعمولات والتواطؤ في المشتريات العامة، فقد اختار عدد متزايد من البلدان تطبيق إجراءات تضمن مستويات كافية من الانفتاح، والمنافسة، وتكافؤ الفرص أمام الموردين، وإجراءات عطاءات واضحة تماماً..الخ.

وشيلي هي أحد البلدان التي استخدمت أحدث التقنيات لخلق أحد أكثر نظم المشتريات العامة شفافية في العالم. وقد تم تدشين موقع “شيلي كومبرا” عام 2003، وهو نظام إلكتروني عام للمشتريات والتوظيف مفتوح أمام الجمهور، وهو يعتمد على برنامج على الإنترنت. وقد اكتسب سمعة عالمية في مجال التميز والشفافية والكفاءة. ويخدم النظام الشركات والمؤسسات العامة وكذلك الأفراد من المواطنين، كما أنه إلى حد بعيد أكبر موقع للتعاملات بين الشركات في هذا البلد، ويضم 850 مؤسسة لها أنشطة مشتريات. وفي عام 2012، أكمل مستخدمو الموقع 2.1 مليون عملية مشتريات وأصدروا فواتير بقيمة 9.1 مليار دولار. كما أنه كان محفزاً لاستخدام شبكة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.‏

وقد تمثلت الفلسفة الكامنة وراء العديد من التدابير التي تمت مناقشتها أعلاه والرامية إلى مكافحة الفساد في القضاء على فرص الفساد عن طريق تغيير الحوافز، وذلك من خلال سد الثغرات والقضاء على القواعد التي تنطوي على مفاهيم خاطئة تشجع على السلوك الفاسد. ولكن من المرجح أن يكون النهج الذي يركز فقط على تغيير القواعد والحوافز، مصحوباً بعقوبة مشددة على نحو كاف في حالة خرق القواعد، أكثر فعالية بكثير إذا كان مدعوماً أيضا بجهود لدعم الأساس الأخلاقي للسلوك الإنساني. وسوف نوجه اهتمامنا إلى ذلك في مدونة أخرى في المستقبل.‏

تجربة مصرفية لمكافحة الفساد: أ. مطشر المرشد

أوضح أ. مطشر المرشد أن مشكلة الفساد تعامل معها العالم من خلال التطبيق الصارم للحوكمة ومعايير الإفصاح .. وهناك تطوير مستمر لآليات العمل والرقابة للحد من الثغرات التي تنتج مع التطورات وتوسع مهام المنشآت …

مثلا عام ١٩٩١ م  استطاع مصرفي بريطاني اسمه نك ليسون إخفاء عمليات بيع وشراء عقود مشتقات بطرق مبتكرة .. وحين تم اكتشافه قامت اليابان وبريطانيا وأمريكا وفرنسا بإجراء تعديلات على هيكل الإدارات المالية وفصلت بين مهام أخذ قرار البيع والشراء وبين القيام بالدفع أو الاستلام مقابل عمليات البيع والشراء .. وتم استحداث مناصب ومسئوليات تهدف للحد من التجاوزات مستقبلا ،  مدير مخاطر ومدير التزام وتطبيق الخ .. تجارب العالم ثرية بهذا الخصوص ويتم تطوير آليات المراقبة والإشراف وأيضا هيكلة الادارات في كل مرة يكتشف بها اخترق أو عملية فساد …

وفي النواحي التعاقديّة الغير مالية هناك إشراف مستمر من خلال ، إجراءات دفع الضرائب حيث يقومون بالتركيز على ملفات المسؤولين في القطاع العام وخاصة المشرفين على المشاريع الكبيرة وكذلك الخدمية.

تجارب دولية في مجال مكافحة الفساد (مدخل إعلامي اتصالي): د. عبدالله بن ناصر الحمود

  1. تجربة مكتب التحقيقات في وقائع الفساد في سنغافورة (CPIB)  Corrupt Practices Investigation Bureau

تحتل سنغافورة مركزا متقدما على سلم الشفافية الدولية يجعل من الوقوف على تجربتها في مكافحة الفساد أمراً بالغ الأهمية. وتعود تجربة سنغافورة في مكافحة الفساد إلى العام 1952 عندما أنشئ مكتب التحقيقات في وقائع الفساد كهيئة مستقلة تستمد شرعيتها القانونية من قانون مكافحة الفساد Prevention of Corruption Act (Chapter 241). ومدير المكتب يتبع رئيس وزراء سنغافورة تبعية مباشرة ويرفع إليه التقارير ويتلقى منه التعليمات بشكل مباشر. وتتلخص  المهمة الرئيسية للمكتب في محاربة الفساد عبر إجراءات سريعة وفاعلة وحازمة ولكنها عادلة في الوقت ذاته. Combat Corruption through Swift and Sure, Firm but Fair Action

وقد أتاح الاطلاع على تجربة سنغافورة في مكافحة الفساد استخلاص الملاحظات التالية

:

  • أولاً: تنبني السياسة الإعلامية للمكتب بشكل أساسي على توعية الجمهور بمظاهر الفساد المختلفة والوقوف على بعض الإجراءات الوقائية Preventive Measuressللحد من انتشار هذه الظاهرة منها مثلاً تزويد الموظف العام بقائمة من الأفعال التي ينبغي عليه تجنبها وتلك التي يجب عليه إتباعهاA list of “Dos” for public officers and a list of “Don’t’s” كي يتفادى ارتكاب أي مظهر من مظاهر الفساد.

وقد أفرد المكتب قسماً مستقلاً بهذا الخصوص يعنى بتثقيف المجتمع Education، وإلقاء الضوء على بعض الاعتبارات الاستراتيجية Strategic Considerations  التي ينبغي على الجماهير إدراكها جيداً منها مثلاً توضيح أن الحكومة في سنغافورة لديها من الإرادة السياسية الحازمة بما يكفي لتطبيق قوانين مكافحة الفساد ومعاقبة المتورطين فيه مهما ارتقت درجاتهم الوظيفية.

  • ثانياً: يقدم الموقع الإلكتروني للمكتب خدمات تثقيفية تفاعلية يتم من خلالها اختبار مستوى معارف الزائرين بمظاهر الفساد وطرق مواجهته، منها مثلاً نافذتي الأسئلة التفاعلية Interactive Quizوالألعاب التفاعلية Interactive Gamee، إضافة إلى العديد من الخدمات الإلكترونية الأخرى E Services التي يتيحها الموقع كالاشتراك في محادثات جماعية Prevention Talks حول ظاهرة الفساد بين أطراف ينتمون للقطاع العام أو الخاص، كما يتيح الموقع خدمات إلكترونية أخرى كالمنشورات Publications، والخطابات Speeches، والعروض التقديمية Presentations ذات الصلة بظاهرة الفساد.
  • ثالثاً: لعل أهم ما يميز الموقع الإلكتروني للمكتب حملات التوعية الوقائية المصورة Corruption Prevention video clipsالتي يتيحها  الموقع لزائريه، ويلاحظ الزائر أن هذه الحملات قد تمت صياغتها بطريقة غاية في الاحترافية والجاذبية من حيث الشكل والمضمون.
  • رابعاً: في إطار السعي لإشراك المواطنين العاديين في مكافحة الفساد تنبني السياسة الإعلامية للمكتب في أحد أوجهها على تقديم  خدمات إلكترونية سهلة الاستخدام تمكن المواطنين من الإبلاغ عن وقائع فساد عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة دون خشيتهم من التعرض للمساءلة القانونية، ويروج الموقع في هذا الإطار لحملة إعلامية ترفع شعار: مواطن شريف يعني أمة شريفة A Clean People .. A Clean Nation.
  1. تجربة اللجنة الماليزية لمكافحة الفساد (MACC) Malaysian Anti-Corruption Commission

بالرغم من أن ماليزيا تحتل مركزاً متأخراً نسبياً على مقياس الشفافية الدولية حيث تحتل المرتبة رقم 60 عالمياً. إلا أن تجربتها في مكافحة الفساد  تجربة تستحق الدراسة، وهو ما دفع الشبكة العربية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد إلى دعوة أعضائها للاستفادة من التجربة الماليزية في اجتماعها الثاني وهو ما أكد عليه القرار 1/2010 (بند رقم 11) من ضرورة ” أخذ العلم بالمبادرة الماليزية الخاصة بتنمية قدرات الجهات المعنية بمكافحة الفساد في بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي، والتعبير عن رغبة أعضاء الشبكة بإطلاق التعاون مع أكاديمية مكافحة الفساد الماليزية المعنية بتنفيذ هذه المبادرة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتوجيه وحدة الدعم الإقليمية إلى العمل من أجل مساندة أعضاء الشبكة العربية للاستفادة من الخدمات التدريبية الهامة التي تقدمها هذه المبادرة”.

وقد أنشئت اللجنة الماليزية لمكافحة الفساد بموافقة من البرلمان الماليزي عام 2009 لتحل محل الوكالة الماليزية لمكافحة الفسادAnti- Corruption Agency (ACA)، الذي يعود تاريخ إنشائها إلى العام 1973، وهو ما يعني أننا إزاء تجربة ثرية في مكافحة الفساد تمتد عبر ما يقرب من أربعة عقود، وفي إطار السعي للوقوف على أهم ملامح هذه التجربة وتحديداً فيما يتصل بالشأن الإعلامي، أفضى الاطلاع على المعطيات المتاحة حول التجربة الماليزية إلى الخروج بالنتائج التالية:

  • أولاً: يبدو واضحاً أن السياسة الإعلامية للجنة الماليزية لمكافحة الفساد إنما تقوم في المقام الأول على إشراك المواطنين وحثهم على  مكافحة الفساد، وهو ما يتضح ابتداء من خلال المقولة الرئيسية التي يتضمنها البانر الرئيسي للموقع الإلكتروني للجنة الذي يذكر الماليزيين بأن مشاركتهم في مكافحة الفساد هي الضامن الحقيقي الذي من شأنه أن يحدث الفرق You Can Make a Difference.. Fight Corruption. إضافة لذلك فقد تحددت وظيفتان (السادسة والسابعة) من أصل سبع وظائف أوكل للجنة تنفيذها للحديث حول:
  • تثقيف الجماهير بآليات مكافحة الفساد To educate the public against corruption
  • العمل على كسب وتعزيز الدعم الشعبي لمكافحة الفساد To enlist and foster public support against corruption

ولتحويل هذه الوظائف إلى برامج عملية أنشأت اللجنة قسماً مستقلاً يعني بالتثقيف المجتمعي Community Education Divisionمن بين ثلاثة عشر قسماً آخراً تشكل معاً الأقسام الرئيسية للجنة.

  • ثانياً: يلاحظ أن ثمة اهتماماً ملحوظاً أولته اللجنة بضرورة توظيف مختلف وسائل الإعلام المتاحة لزيادة الوعي الجماهيري لمكافحة الفساد، وهو ما انعكس بشكل مباشر في استراتيجية تعزيز مكافحة الفساد Fortification Strategyyالتي تتبناها اللجنة، إذ أكدت خلالها على ضرورة بناء تحالفات قوية مع وسائل الإعلام بهدف رفع مستوى وعي الجماهير بمخاطر الفساد وحثهم على مقاومته.
  • ثالثاً: في محاولة لاختبار مستوى مصداقيتها وعملاً بمبدأ الشفافية الذي تنادي به قامت اللجنة بتصميم استطلاع للرأي على موقعها  الإلكتروني يقيس اتجاهات الجمهور نحو ما إذا كانوا يشعرون بأن اللجنة ذاتها تتمتع بالحرية والاستقلالية في أداء مهمتها في مكافحة الفساد أم لا. وقد عمدت اللجنة إلى نشر نتائج هذا الاستطلاع بشكل فوري ومستمر على موقعها الإلكتروني، وهو ما يعد محاولة جادة لتطبيق معايير الشفافية والمصداقية وتقييم الأداء الذاتي من قبل اللجنة.
  • رابعاً: تقدم اللجنة نموذجاً رائداً في كيفية إشراك أعضاء المجتمع المدني في مهمتها للقضاء على الفساد في ماليزيا، وذلك من خلال  تصميم موقع إلكتروني تفاعلي شديد الاحترافية يتم تحديثه ـ على مدار الساعة ـ بكافة المستجدات والأخبار والمؤتمرات وقواعد البيانات والتقارير السنوية والفعاليات ذات الصلة بمكافحة الفساد. كما يتيح الموقع لمرتاديه إمكانية الإبلاغ عن وقائع فساد عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني المختلفة، إضافة للدخول في مناقشات جماعية مع ضيوف هذه المواقع حول سبل مكافحة الفساد وجعل ماليزيا مجتمعاً خالياً من كافة أشكال الفساد.
  • خامساً: إضافة لاهتمامها الملحوظ بالمكون الإعلامي وتوظيفه على النحو الأمثل لزيادة وعي الجماهير بضرورة مكافحة الفساد، أظهرت  اللجنة اهتماماً مماثلاً بالجانب العلمي الأكاديمي الممنهج من خلال حرصها على عقد مؤتمر علمي سنوي يناقش ظاهرة الفساد ويستعرض الطرق العلمية الحديثة لمقاومته. إضافة لذلك فقد خصصت اللجنة نوافذ إلكترونية مستقلة على موقعها الإلكتروني من شأنها زيادة الوعي العلمي للجماهير، منها على سبيل المثال ما يمكن الجماهير من الاطلاع على الأوراق البحثية ، والمراجع الأكاديمية ، والمقالات العلمية المتخصصة Selected Article، والإحصاءات ذات الصلة بالموقوفين على قضايا فساد Arrest Statistics، والقضايا المنظورة أمام المحاكم Court Caseوغيرها من النوافذ الإلكترونية التي تعالج ظاهرة الفساد من منظور علمي أكاديمي.
  1. تجربة الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد

تعد الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد مؤسسة عربية تأسست في عمَان عام 2008. وتتشكل الشبكة في الأساس من مؤسسات رسمية عربية تعني بمكافحة الفساد من مختلف الدول العربية إضافة لبعض الجهات الأخرى غير الحكومية كأعضاء المجتمع المدني والبرلمانيين والقطاع الخاص. والغرض العام للشبكة كما ورد في المادة الثانية من وثيقتها التأسيسية (الغرض العام) هو “المساهمة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في المنطقة العربية من خلال تأمين ملتقى إقليمي دائم للجهات الرسمية العربية المعنية، يتيح تبادل المعرفة والخبرات والتجارب فيما بينها، ويؤمن إطاراً استراتيجيا لدعم الجهود الوطنية الهادفة إلى تطبيق المواثيق والاتفاقيات العربية والدولية ذات الصلة”.

وفي إطار القراءة الموضوعية لكتاب المرجعية الخاص بالشبكة (نظام النزاهة العربي في مواجهة الفساد) ووثيقتها التأسيسية، وفي ضوء التحري عن طبيعة واتجاهات العمل الإعلامي في الشبكة أمكن الخروج بالملاحظات التالية:

  • أولاً: غلبة الجوانب التنظيرية والميل إلى الخوض في “ما ينبغي” على مخرجات العمل الإعلامي للشبكة على حساب الجوانب العملية  واستعراض الخبرات الميدانية في القضاء على الفساد ومحاصرته في أرض الواقع. ومن قبيل ذلك نجد على سبيل المثال فصولاً كاملة تدور حول: “الفساد بين التعريف والواقع وضرورة التصدي له”، ” لا صوت يعلو فوق صوت المواطن”، “استراتيجيات مكافحة الفساد ..إطار تحليلي”، “الفاعلون والآليات الدولية للنزاهة”، “أخلاقيات الوظيفة العامة في مواجهة الفساد” وغيرها من الأمثلة الدالة على ميل كتاب المرجعية للتنظير وإن لم يخل الكتاب بالطبع من استعراض بعض الخبرات الواقعية.
  • ثانياً: إيماناً بأهمية الإعلام ودوره المأمول في مكافحة مظاهر الفساد في العالم العربي أفرد كتاب المرجعية فصلاً مستقلاً بعنوان “الحق  في الوصول إلى المعلومات ودور الإعلام في تعزيز الشفافية” يدور حول قانون حرية تدفق المعلومات وحق المواطن العربي في الوصول إلى المعلومات وتبادلها بحرية كاملة. إضافة لذلك يناقش المقال دور وسائل الإعلام في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وتبدأ، وفقاً للكاتب، بتطوير مهارات القائمين بالاتصال وتدريبهم على كيفية مكافحة الفساد إعلامياً ومهنياً، إضافة لاعتماد أدوات إعلامية لقياس مؤشرات الفساد كالمراصد الإعلامية، فضلاً عن إجراء دراسات تحليلية واستطلاعات الرأي بهدف توعية المواطن العربي بأشكال ومظاهر الفساد المختلفة. إضافة لذلك فقد ورد في الميثاق التأسيسي للشبكة (المادة 3: الأهداف الاستراتيجية) ما يشير إلى أهمية دور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد من خلال “تطويرركائز متينة وفعّالة لشراكة فعليّة ومنتجة مع هيئات المجتمع المدني والإعلام  والقطاع الخاص والبرلمانيين، بما ينسجم مع الأنظمة القانونية الداخلية للدول العربية”.
  • ثالثاً: بالرغم من أهمية الإشارة إلى دور وسائل الإعلام في تعزيز الشفافية في كتاب المرجعية الخاص بالشبكة وميثاقها التأسيسي، إلا أن  ذلك لم يترجم إلى برامج عمل حقيقية في أرض الواقع فيما صدر عن الشبكة من قرارات خلال اجتماعيها اللذين عقدا حتى الآن ( الأول في الرباط عام 2009، والثاني في صنعاء عام 2010)، وهو ما يؤكد على أن ثمة فجوة بين الأطر النظرية التي تتبناها الشبكة وبين ما تتخذه من إجراءات تنفيذية لمواجهة الفساد في أرض الواقع.
  • رابعاً: ثمة فجوة أخرى أظهرتها القراءة التحليلية للميثاق التأسيسي للشبكة وكتابها المرجعي تتعلق بالإشارة المتكررة بضرورة التواصل مع  مؤسسات المجتمع المدني وإشراك الجماهير في الكشف عن مظاهر الفساد إلا أن ذلك لم يصاحبه توظيف عملي لآليات واضحة المعالم تمكن الجماهير من القيام بذلك في أرض الواقع.
  • خامساً: قد تعزو هذه الفجوة بين ما تتبناه الشبكة من أطروحات ورؤى نظرية وبين آليات تطبيقها في أرض الواقع إلى هوية المنظمة  ذاتها بوصفها أول مؤسسة رسمية عربية تتشكل بهذا الحجم لمكافحة الفساد على مستوى العالم العربي، وهي قضية بالغة الحساسية تثير إشكالات ذات صلة بالسيادة الوطنية لكل دولة وقواعد وضوابط وحدود التعاون المتاح في هذا الصدد.
  1. تجربة منظمة الشفافية الدولية في مكافحة الفساد  Transparency International (TI)

تعد منظمة الشفافية الدولية من أكبر المنظمات الدولية العاملة في مجال مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة على مستوي العالم. وتتشكل المنظمة في الأساس من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني تتوزع مواقعها الجغرافية فيما يزيد عن 100 دولة من دول العالم. وقد أنشأت المنظمة في عام 1993 برؤية طموحة تسعي لخلق عالم خال من الفساد وذلك من خلال زيادة الوعي العالمي بمخاطر الفساد، والحد من حالة اللامبالاة والتسامح السائدة نحو مظاهر الفساد في الكثير من دول العالم. تدعو المنظمة، كذلك، إلى تبني ممارسات عملية قابلة للتطبيق من شأنها القضاء على الفساد. وتتيح القراءة التحليلية المتأنية للأدبيات المتاحة حول المنظمة الخروج ببعض الملاحظات العامة ذات الصلة بطبيعة عمل المنظمة وسياساتها العامة وتوجهاتها وأدواتها الإعلامية، وهو ما نعرض له في النقاط التالية:

  • أولاً: انعكست هوية المنظمة، بصبغتها العالمية، بشكل واضح ليس فقط من خلال طبيعة المضمون والرؤية المتماسكة والخبرات  العريضة التي تطرحها للقضاء على الفساد ولكن أيضا من خلال طرائق تقديم (الشكل) هذه الرؤية والخبرات في قوالب تفاعلية (مرئية ومسموعة ومقروءة) شديدة الدقة والاحترافية. ويتضح جلياً أن مخرجات بهذا الشكل والمضمون قد توافرت لها خبرات عريضة من مختلف دول العالم بما يتفق وطبيعة المنظمة كهيئة دولية.
  • ثانياً: يمكن القول بأن أغلب المخرجات التي تطرحها المنظمة مخرجات عملية في الأساس وليست مخرجات فلسفية أو تنظيرية، ويعني  ذلك أن ثمة اهتماماً متزايداً من قبل المنظمة بطرح الحلول والبدائل واستعراض الخبرات العملية لمكافحة الفساد في أرض الواقع دون الخوض في إشكالات نظرية وفلسفية حول ماهية الفساد وأسبابه وجذوره التاريخية. ولعل مما يؤكد صحة هذا القول المقولة الرئيسية للمنظمة التي تحث الجماهير على القيام بأفعال إيجابية يقضون بها على أشكال الفساد المختلفة بوصفها تدمر الحياة “Corruption Ruins Lives. Take Action. Fight Back”
  • ثالثاً: تبنى السياسة الإعلامية للمنظمة على عقيدة راسخة تؤمن بأن المجتمع/الناس/الجماهير شريك حقيقي وفاعل في التصدي للفساد  بأشكاله المختلفة؛ شريك يعد الوسيلة والغاية في آن، فهم، من جهة، الوسيلة التي تتصدي من خلالها المنظمة لكافة أشكال ومظاهر الفساد عبر الجهود المنظمة التي تدعوهم إلى القيام بها، وهم، من جهة أخرى، الغاية إذ تسعى المنظمة لخلق عالم خال من الفساد.
  • رابعاً: فيما له اتصال بالعلاقة الوطيدة بين وسائل الإعلام والمجتمع ومكافحة ظاهرة الفساد، جاء الجمهور في مقدمة العناصر الستة التي تضمنتها استراتيجية المنظمة حتى عام 20155، فالجماهير وفقاً للمنظمة “هم فقط من باستطاعتهم القضاء على مظاهر الفساد”، ومن ثم فالتحدي الحقيقي يتمثل، وفقاً لرؤية المنظمة، في “الانخراط  بشكل واسع مع الجماهير من مختلف دول العالم لتمكينهم من القضاء على الفساد عبر اتخاذ خطوات عملية فاعلة”.
  • خامساً: في إطار تحويل الاعتقاد بأهمية الجماهير إلى واقع عملي عمدت المنظمة إلى إشراك الجماهير من مختلف دول العالم في  فعالياتها من خلال إسهامهم مباشرة في الكشف عن مظاهر الفساد وإرسالها عبر موقع المنظمة الإلكتروني ومن خلال مختلف شبكات التواصل الاجتماعي الإلكتروني ومنها Facebook، Twitter، Google+، Stay Informed، RSS Feed، Blog، Linked In، Yahoo Plus، You Tube.
  • سادساً: ترى المنظمة أن ثمة طرقاً مختلفة يمكن من خلالها حث الجماهير على التصدي لكافة مظاهر الفساد، ليس فقط من خلال مشاركتهم في الواقع الافتراضي الإلكتروني Virtual Realityyعبر مساهمات تفضي للكشف عن الفساد عبر موقع المنظمة الإلكتروني ولكن أيضا من خلال تخصيص جائزة سنوية (تسمى بجائزة النزاهة  Integrity Awards) تمنحها المنظمة للصحفيين ونشطاء المجتمع المدني ومنظماته المختلفة ممن أسهمت جهودهم وتضحياتهم وشجاعتهم النادرة في أرض الواقع Real Worldفي محاصرة الفساد والقضاء عليه، وقد بدأت المنظمة في منح هذه الجائزة في عام 2000.

 المحور السابع

التفجيرات الإرهابية في فرنسا: تداعياتها والأبعاد المتضمنة

الإرهاب قبيح وتبريره جريمة

أكد م. خالد العثمان أن هجمات باريس تستحق الإدانة بكل العبارات .. فليس هناك من جرم في كل الأديان أكبر من ترويع الأمنين .. شعار التوحيد من هؤلاء المجرمين براء .. لا يوجد أي مبرر للإرهاب .. تبرير الإرهاب مثل تبرير الخيانة .. مثل هذا التبرير يسيء للإسلام ولنا تماما كما يفعل أولئك القتلة.

أما أ. عبدالله بن كدسه فأشار إلى أن التبرير لهذا الهجوم الإرهابي جريمة .. لكننا يجب أن نكون صادقين مع ضميرنا حين نضع اسباب هذه التفجيرات الإرهابية في كل مكان في هذا العالم.

الفساد الذي يوجد القهر والفقر والظلم هو أرضية خصبة لكل إرهابي يستطيع من خلالها تجييش المشاعر وإقناع الأتباع بعدالة القضية .. لا ندس رؤوسنا.

ما تقوم به إسرائيل في فلسطين ظلم .. دخول أمريكا للعراق ظلم .. سكوت العالم عن ما يحدث في سوريا ظلم .. كل هذه الأحداث لابد أن يكون لها ردة فعل. حتى القط الذي تظلمه وتحبسه في غرفه مغلقة لن يصبر على الجوع والخوف وسيهجم عليك عند فتحك لباب هذه الغرفة .. المظلوم لا ينسى وقليلاً ما يغفر.

يجب أن تعلم الدول أن هناك مواقف تاريخية يجب أن تغلب الضمير والإنسانية على المصالح السياسية والاقتصادية .. الحياة ليست كلها مال ومكانة.

يجب أن يعمل العالم على نبذ الظلم ورفعه عن الناس وهي مسؤولية القوى العظمى على فرض العدل في هذا العالم بما يمليه الصدق والضمير والإنسانية.

في حين قالت د. عائشة حجازي: الأحداث الإرهابية تتوالى تباعا في كل مكان والمتسبب واحد داعش المسلم كما يظن هو والعالم. كان الله في عون المسلمين .. ولازال لدينا عقول صغيرة في أجساد كبيرة تتشدق بأن ما يحدث هو رد دين لأبرياء قضوا في أماكن متعددة ..تعالى الله أن تزر وازرة وزرة أخرى .. سيناريو الأحداث متقن.

وتساءل د. مساعد المحيا: لماذا برغم حجم الألم في فرنسا و أوروبا اليوم لماذا لا أحد من فرنسا أو من الاوربيين يتبنى مشروع من يقف خلف داعش ؟ ومن يمولها ؟ ولماذا تضرب في عمق أوروبا وتظل عصيّة عن أن تهزمها جيوش تملك كل الوسائل الحربية الفتاكةً… ?

أيضا مما يثير التساؤل مع بعض التعجب هو أن الدول الكبرى لديها أجهزة استخبارية ذات قدرات كبيرة .. ترى لماذا لا تبدأ في محاربة داعش من خلال الكشف عن مموليها .. فداعش مركبة لن تستطيع البقاء على الحياة بدون وقود يدفعها .. ومالم يتوقف هذا الوقود فلن تتوقف أو تتراجع .. ومادامت هذه الدول لا ترغب في البحث عن ذلك.. كيف نقنع أولئك الذين يروون أن ما جرى ويجري هو جزء من مؤامرة  ….!؟

وأضاف د. فايز الشهري: لم أعلق في فورة جيشان عاطفة ما بعد الحدث الإرهابي بكل دناءته ولم أستقبل مكالمات قنوات عربية وأجنبية؛ والسبب كان في ثلاث مرتكزات:

  • أن المطلوب كان إدانة فورية وتبرئة المسلمين وكأننا من كنا وراء العملية وخطط لها.
  • صعوبة تحليل النتائج بدون المقدمات … بمعنى أن أي حديث عن المقدمات في ظل فوران الغضب على كل ما هو مسلم لن يسمع ولن يسمح.
  • هذه الغضبة العالمية لم يمنحنا العالم منها ولا ثمن الثمن ونحن نكتوي بنار الإرهاب في بلادنا خاصة في العقد والنصف الماضي.

لذا كنت أحاول أن أوجه دعوة للفهم دون تشكيك أو جلد الذات واتهام ثقافتنا وديننا وكأننا أمة اخترعت وجودها ودينها يوم أمس.

في كل عصر يظل الإرهاب. .. الحصاد المر للبذور المسمومة .. كنت كتبت في ما مضى وقلت أن الحقيقية التاريخية تقول أن الاستقرار هو أول ثمن يدفعه من يوظّف جماعات العنف والإرهاب ضمن أدواته السياسيّة. وما حصل في مصر السبعينيات الدرس الأبرز حين أخرج السادات متطرفي الجماعات الإسلامية من السجون وصالحهم بغرض لجم “اليسار” المنفلت من الحقبة الناصرية. وكانت النتيجة أن أشعل هؤلاء المتطرفون الأحياء الشعبية بالفتن الطائفية والفوضى ثم ختموا مشروعهم بقتل “السادات ” في يوم الزينة والاحتفال بالنصر في حرب رمضان. وذات الحال في اليمن؛ فحين أفلس “علي عبدالله صالح” في تنمية بلاده شرع في استزراع الفرق والجماعات وتشجيع تكوينها وغض النظر عن تجاوزاتها. وكانت النتيجة أن احتلّت فلول القاعدة محافظات بأكملها ثم تمدّد الحوثيون مثل الورم السرطاني حتى ابتلعوا اليمن مدينة أثر مدينة.

والسؤال الآن: ما الذي دفع شبابا في مقتبل الحياة للموت؟ ما الذي جعل الحياة رخيصة إلى هذه الدرجة؟ وكيف أصبح أنصار داعش في أوروبا اجرأ على الموت من عناصر التنظيم في العراق والشام؟ لماذا فرنسا …. وليست روسيا وإيران اللتان تمدان النظام بأنبوبة الحياة؟

وأضاف د. خالد الرديعان: الذي يدفع أي شاب للقتل والتفجير والانتحار هو بؤس الحياة التي يعيش.. هل نسمي ما نراه في عالمنا العربي حياة؟ نحن مجرد مخلوقات تأكل وتشرب وتتناسل وتلقي بمشكلاتها على الآخرين… وعلق د. فايز الشهري بأن دواعش أوروبا يعيشون الحياة طولا وعرضا خاصة أبناء الجيل الثالث … فلماذا انخرطوا في التنظيم وتحول أغلبهم إلى قنابل بشرية؟

نحن لن نعالج الوضع إذا كنا نستمتع بلطم المريض. .. كان أجدادنا أكثر فقرا وأقل تعليما ولكن الحياة وعمارها كان قيمة عليا.

وقالت أ. كوثر الأربش: الطريف أن مصطلح الحرب ضد الإرهاب من اختراع الولايات المتحدة، بعد أحداث 11 سبتمبر. أمريكا الحاضن الرئيسي لإرهاب إسرائيل. وهي التي أسست لهذه المغالطة المتعمدة. أعني وصف الإرهاب الملازم فقط للمسلمين، وما ترتكبه إسرائيل بحق العرب لا يمكن وصفه بذلك..

الإرهاب بالإنجليزية مشتقة من كلمة لاتينية تعني استهداف المدنيين. كما أن البعض اشترط وجود سلاح + ترويع وتخويف.. المنصف بإمكانه أن يحدد مفهوما واضحا للإرهاب. المشكلة في السياسة والأيديولوجيا التي تعتبر الأولى قتلها وترويعها للناس دفاعاً عن النفس، وتعتبر الأخيرة الإرهاب والعمليات الانتحارية استشهاداً. وكلاهما – السياسي والمتشدد الديني – انمسخت إنسانيتهم ولا يعول عليها مطلقاً.

وأشار د. إبراهيم البعيز إلى أنه لا يوجد تعريف متفق عليه دوليا للإرهاب .. لذا ستظل عبارة “الحرب على الإرهاب” غامضة وعصية على الفهم.

وذهبت أ. هيا السهلي إلى أنه يتعين على دول العالم المتحضر المتعلم أن يسمي الإرهاب ويعرفه ويتفق عليه الجموع حتى نستطيع استئصاله ونكافحه لا تسترزق من خلفه وتصفي حسابات وتحابي دول عن دول ! الذين يقولون هذا لا يمثلون سياسة دول ولا نسبة  كبيرة من شعوبها فلا تعمم فكرا غير سائد…

على فرنسا أن تحاسب تحالف أمريكا الذي جيشت عسكرها وطائراتها لمحاربة داعش في العراق وروسيا في سوريا ، وداعش لازالت تتمدد وتملك قوة لاختراق الدول ، وهذه المرة داعش تضرب فرنسا التي في العلن تظهر أنها ضد بقاء بشار ! لمصلحة من هذا الإرهاب؟!!

هناك تصنيع متعمد للإرهاب وتغذيه لبذوره وتوحيش لنزعاته .. أنظر للإرهاب يتطور في وحشيته وإجرامه وآلاته بلغة لم نعهدها وإنما لتنظر من فعلها الأول ! أمريكا هي المصدر الأول للإرهاب في العالم ،، ولكن تصدره بمنتجات مصنعة في دول أخرى برعاية منها ! صدرته لأفغانستان من أبناءنا ثم لما أفاقت السعودية على ويلاته وبدأت تصلح وتجفف منابعه قامت تصدره بخلطة من أكثر من دولة وهذه داعش لا يشكل فيها السعوديون النسبة الكبيرة.

وعلق د. عبد الله بن صالح الحمود: عموما لا يمكن لأحد أن يبرأ نفسه أو وطنه من الخطأ أو التجاوز أو حتى الاعتداء على الآخر سواء فكريا أو حسيا.

لكن يظل القياس هنا هو ما ينتج من أثر سواء في تغيير الهوية أو الثقافة أو الحرمان تجاه الآخرين ، ذلك هو الفيصل للاحتكام عليه.

وفي السياق ذاته فإن هناك مفارقة لا يعلم سبب حدوثها :

  • القاعدة كانت عملياتها الإجرامية تحدث بطريقة واحدة وهي تفجيرات بالخفاء وتستهدف أماكن حكومية في الغالب، ولا أتذكر أنها كانت تغتال بأعداد كبيرة وفي وقت واحد ، والمجتمع الدولي جميعه ضدها.
  • داعش لا تقوم بأعمال تفجيرات بالخفاء بل في العلن ، كما أن أنشطتها شبه معلنة أيضا فهي تعلن مسؤوليتها ولا تبالي ، فضلا عن أن أفرادها ينفذون العمليات علنيا أيضا، حتى أنها تنقل أحداثها بالصوت والصورة كسابقة لم تحدث في الأعمال الإجرامية.

هنا لابد لنا أن نتوقف ونسأل ما هذه الجرأة ، وهل وراءها حكومات أم منظمات دولية ولها فروع منتشرة، أم ماهي تلك القوة التي تقف وراءها.

ربما يقول قائل أن كاتب هذه السطور شخص للتو سمع عن داعش أو لا يعرف شيئا عنها، لكنني أعتقد أن الأمر يستحق التأمل والتفسير وهو الربط بين حقبة القاعدة والمرحلة الحالية التي نعيشها مع داعش أو فاحش .

وقال أ. مسفر الموسى: القضية أبسط مما نتخيل.. بدأت قضية الحرب على الإرهاب عام ٢٠٠٣ في العراق البلد التي ولدت فيها داعش… قارنوا بين حجم الإرهاب قبل وبعد هذا التاريخ.. ولكم الحكم. وبالمناسبة.. لا يوجد عاقل يقول بأن سبب نشأة الفكر الداعشي أمريكا.. ولكن استغلال هذا الفكر وتحويله إلى سلوك إرهابي بسبب فكرة الحرب على الإرهاب.. فكرة قابلة للنقاش.

وتساءل أ. يحيي الأمير: هل نتخيل أن الإرهابيين الذين نشاهدهم في مقاطع الفيديو بهيئاتهم القديمة وأشكالهم الشعثة أن يديروا كل هذا الأذى الموجه للعالم  .. من إسقاط الطائرات إلى ضرب التجمعات .. داعش أكثر من نسخة .. ولكل بلد معركته الخاصة مع داعش.

وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود: أعتقد أن ما جرى منذ ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، وحتى يومنا هذا. ليس سوى الحرب… الحرب مشتعلة بين الشمال والجنوب منذ قرون. وهي قائمة شمال شمال وجنوب جنوب منذ عقود أيضا.

وفي الحرب يقتل الناس بعضهم بعضا. ويمكن أن يكون القتل أخلاقيا!! ويمكن أن يكون من غير أخلاق الحرب.

الفروق التي بدت عبر التاريخ هي بحسب ما يملكه كل طرف من الأطراف المتحاربة من أمور أربعة:

  • أولا: فلسفته ورؤيته للكون والحياة.
  • ثانيا: مستوى الشعور الحقيقي أو المتخيل بالأمان أو بالمظلومية.
  • ثالثا: مستوى النفوذ والحظوة الدولية والإقليمية والوطنية رسميا وجماهيريا.
  • رابعا: امتلاك أدوات الحرب والقتل.

وبالتالي تضرب الدول الكبرى بأعتى أدوات القتل في كل مناطق خصامها،  ويموت الناس، ويسكت الإعلام أو كثير منه. وتتقاتل دول دون ذلك بما تملكه من الخصائص الأربع السابقة، ويخلط الإعلام بين الجاني والضحية. وتتشكل الجماعات المتطرفة بحسب منظومة من الولاءات والبراءات المتعددة ليس الدين إلا أحدها، وتضرب خصومها وخصوم أولياء نعمتها بأدواتها المعبرة عنها، التقليدية عادة، والانتحارية غالبا. ويمكن أن يكون من بين المتحاربين فرد واحد يعلن الحرب على العالم ولا يملك إلا جسده وحزام ناسف، فيحصل ما يحصل.

هي الحرب دون شك. فلعلنا نعيها هكذا، ونوقف كل أدبيات البحث عن الأسباب. أما إن أردنا أن يعيش العالم في سلام، فيجب على عقلائه القادرين كلهم، أن يعرفوا لماذا قامت هذه الحروب، ويوقفوا أسبابها. وهي أسباب لا تخفى على ذي لب،  لكن من يشعلها لا لب لهم،  فقد أعمتهم الأنا، وأخذ منهم البطش ما أخذ، حتى قدموا مصالحهم الضيقة على كل شيء، فكان بذلك دم الإنسان أرخص ما يهدر، في عالم عج بتقنية الحروب والتواصل، وضاقت فيه المسافات بين الرسمي والشعبي.. بين النظام والفوضى.. بين الحق والباطل.

ومن جانبه قال د. حسين الحكمي: “ربما” نشترك مع من ينفذون بعض العمليات الإرهابية في بعض الأمور كالجنسية ، الدين ، اللغة لكن هذا لا يعني أنهم ونحن واحد.. لا ننكر أن لدينا ومن جلدتنا من يؤيد الفكر المتطرف والإرهاب. أما أن نقول أننا أصله وأصل كل شر وتخلف في العالم فهذا غير صحيح.

لماذا عندما نتحدث عن الإرهاب تختلف المقاييس باختلاف الفاعل ومن وقع عليه الفعل؟

عندما يكون الإرهاب ضد المسلمين سواء من دول أو أفراد فإنه لا يسمى إرهاب بل دفاع عن النفس أو دفع ظلم أو تحرير بلد وأقصى وصف سيكون عمل إجرامي قام به معتل عقلي! ويكون عمل فردي لا يتحمله أحد سواه.

أما إن كان الفاعل مسلما فإن الإرهاب أول وصف ثم تليه بقية التهم والأوصاف ، ولا يقتصر الأمر على الفاعل بل يتحمل مسؤولية الفعل البلد التي يحمل جنسيتها والدين الذي يؤمن به والعرق الذي ينتمي له.

وأضاف د. علي الحكمي: يبدو من كثرة ما يتهم الآخرون مجتمعنا بشكل عام بالتطرف وأنه مسؤول عن الإرهاب أصبحنا نصدق ذلك بل ونتبناه، بل ونعزو أي حدث إرهابي له.

ويرى د. حمزة بيت المال أن العنف والعنف المضاد بمثابة حلقة مفرغة خصوصا وأننا نمارس العنف بأجسادنا ومنتجات الغرب العسكرية .. يجب تغيير الفكر نحن في مأزق حضاري .. المنافسة الحضارية هي في الانكفاء في المعامل وثني الركب في المصانع…وتقديم وجه حضاري جديد للبشرية .. ولننظر لتجربتي اليابان والمانيا.

ومن جهته قال أ. سمير خميس: حل واحد سيقضي على كل هذا القتل المنفلت عقاله في كل مكان ..

أن تدعم فرنسا ودول العالم “الحر” كما تسمي نفسها حق الشعوب في تقرير مصيرها ..

لا يمكن أن ينتخب الجزائريون من يمثلهم ثم تأتي فرنسا بالعسكر الذي ربتهم في حاضناتها ذي الأجندة الاستعمارية ليئدوا حرية ولدت للتو..

لا يمكن أن تحتل أمريكا العراق وتقدمه على طبق من قهر لإيران ثم بعد ذلك نبدأ التصنيف: أنت إرهابي، ومن أمامك داعشي ومن خلفك زرقاوي الهوى ..

لا يمكن أن تتطلع ليبيا لمستقبلها ثم يأتي “ليون” بمستقبل يمثل العالم كله ما عدا ليبيا نفسها ..

لا يمكن للسوري أن يرى صواريخ بشار ومرتزقة إيران تعيث بماضيه وحاضره ومستقبله ونطلب منه بكل بساطة : لو سمحت كن هندياً أو برازيلياً لتنضم إلى ركب الحضارة..

ليعلم العالم الحر ..أن حربه على الإرهاب هي حرب على أنفسهم قبل أن تكون على غيرهم.

ليعلم أن عباراته الخجولة بتنحي بشار ستدوي في ملاعبه ومسارحه قنابل حارقة ..

ليعلم أن تبريره وسكوته على حكم العسكر سينقلب ضده على شكل سيول متتابعة من  مهاجرين ولاجئين يطمعون فقط في حياة كريمة ..

حل سهل يا أيها العالم الحر:

كن معي في رسالتي الحضارية التي قد لا تكون نفس رسالتك ..

لكنها حتماً تتفق في مبادئك وأهدافك النبيلة .. يا أيها العالم الحر ..

وقالت أ. ليلى الشهراني: غالبا الإنسان الذي يشعر بالظلم والقهر يكون أكثر إنسانية مع الإنسان مثله ، والتفجيرات عندما نقول عمل انتقامي كأننا ننفي عنها الصفة الإجرامية ، بالانتقام يثبت المرء أنه لا يختلف عن عدوه ، فالجريمة في حق بريء لا تكون بالقصاص من بريء آخر.

في ظني أن هجمات باريس وقبلها هجمات الضاحية الجنوبية لا علاقة لها بالغبن أو حتى بما مر بالبلدان الإسلامية ، توقيتها بعد مؤتمر فيينا قد يكون للضغط على أي موقف سياسي مستقبلا ، هذه الهجمات المنظمة والمؤقتة بتوقيت محدد والمتزامنة مع بعضها تقول أنه عمل تم التخطيط له باحترافية.

المسلمين في فرنسا.. وماذا بعد الأحداث؟

أشار د. خالد الرديعان إلى أن المسلمون يشكلون في فرنسا نسبة كبيرة مقارنة ببقية دول أوروبا والخشية الآن من حدوث مضايقات لهم… نتمنى أن لا يتم محاسبتهم على أفعال غيرهم..

وأضاف د. زياد الدريس: في فرنسا ..أكبر جالية مسلمة في أوروبا وأكبر جالية يهودية في أوروبا !!!

وبدوره قال د. مساعد المحيا: الأجواء مشحونة ومتقبلة لكثير مما تتبناه هذه المنظمات إما بسن قوانين ضد المهاجرين المسلمين أو طردهم .

وترى أ. مها عقيل أن الحكومة الفرنسية تجاهلت لأعوام مشكلة الجالية المسلمة التي تعاني من العنصرية والتمييز والتهميش وفيها نسبة عالية من البطالة ويعيشون في جيتوس.

وتساءل د. خالد الرديعان: هل فعلا يعيشون في جيتوس؟ ومن ثم أجاب: أعتقد أنهم يستفيدون كثيرا من نظام الرعاية الاجتماعية..!!

في حين علقت أ. مها عقيل بقولها: الاستفادة شيء وأن يعيشون عيشة كريمة ويشعرون بآدميتهم شيء آخر.. هناك عدة دراسات أظهرت أنه يتم التمييز ضد المسلمين عندما يتقدمون إلى الوظائف.

وأضاف د. خالد: يعيشون في باريس أفضل مما هو عليه الحال في بلدانهم الأصلية.

وعلقت من جديد أ. مها بأنه لا يجب أن نقارن بين حياتهم في بلدهم الأصلي الذي تركوه منذ عقود وبين حياتهم في بلدهم الحالي فالنظام يختلف تماما…أنظر إلى المسلمين في بريطانيا .. تجدهم في الحكومة وناجحون في القطاع الخاص ولا يعانون مثل معاناة المسلمين في فرنسا لأن الحكومة البريطانية تعمل مع المسلمين في مواجهة الإرهاب.

وقال م. حسام بحيري: مهاجمة المسلمين بعد هذه الأحداث المؤسفة أمر وارد وسيكونون كالعادة في موقف الدفاع وستزداد الهجمات ضدهم في الإعلام وسيتم توجيه أصبع الاتهام إلى كل مسلم وعربي..

أعتقد أن المسلمين الفرنسيين في هذا الوقت لابد أن يظهروا أنهم فرنسيين أكثر من أنهم مسلمين وبذلك أي ضرر يصيب فرنسا يصيبهم أيضا. توقعاتي أن السواد الأعظم من المهاجمين من أصول جزائرية. مشكلة فرنسا التاريخية مع أقليتها الجزائرية دائما ما تظهر في أحداث الإرهاب التي تقع في فرنسا غالبا نجد المهاجمين جزائريين أو فرنسيين من أصول جزائرية مما يبين لنا أن هناك بعد آخر غير التطرف الديني. التاريخ الاستعماري وحرب الاستقلال وأحداثه الدامية مازالت تلقي بظلالها على علاقة الفرنسيين من أصول جزائرية بالمجتمع الفرنسي مقارنة ببقية الأقليات الفرنسية المسلمة. على الرغم من فداحة الحدث وإذا صدقت التوقعات أعتقد أن الإرهاب الذي أصاب فرنسا محلي أو home born أكثر من أنه هجوم خارجي من منظمة إرهابية استهدفت فرنسا مقارنة بأحداث سبتمبر ٢٠٠١.

نتائج عدم انسجام و تأقلم واندماج أقلية معينة في مجتمعهم يعتبر مشكلة فرنسية محلية أكثر من أنها مشكله دولية فأصابع الاتهام سيعيد توجيهها نحوهم لفشلهم في قبول واحتواء أقلياتهم.

وعلق م. حسام على مقطع يوتيوب يصور دفع سيدة مسلمة إلى عجلات القطار بعد الأحداث بقوله: هذا المقطع على فظاعته لم يتم نشره في وسائل الإعلام الغربية بدرجه كافية إلا في القليل منها وهذه الوسائل الإعلامية نشرت المقطع على أنه عمل إسلاموفوبيا وهي الكلمة الجديدة المستخدمة في وصف الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الغربيين ضد المسلمين حيث يتغاضون عن وصف جرائمهم المماثلة بالإرهاب. العنصرية والنفاق في الوصف واضحة وضوح الشمس ولابد أن نقف بقوه ضد وسائل الإعلام الغربية التي تستخدم كلمة الإسلاموفوبيا لتوضيح مدي نفاقها وعدم حيادها في وصف الأعمال الإرهابية التي يقوم بها مواطنيهم.. كلمة فوبيا والتي تعني الخوف تصنف أعمالهم الإرهابية ضد المسلمين بسبب مرضي يمكن العلاج منه وليس كوصف فعلي لعمل إرهابي .. واضح أن الإعلام الغربي يضع المسلمين في خانة مختلفة تماما في وصف أي عمل أو رد فعل يقومون به.

بدوره علق د. خالد الرديعان على ما ذكره م حسام بقوله: الإرهاب يحمل مضامين التنظيم الجماعي والأحداث التي أشرت لها أو الإسلاموفوبيا تعتبر أعمال فردية بمعنى عدم صدورها من تنظيم… هل يوجد تنظيم معروف في بريطانيا مهمته الهجوم على المسلمين فقط؟

لكن م. حسام عارض ذلك بقوله: لا أتفق مع ما ذكره د. خالد في هذه النقطة بسبب أن الإسلاموفوبيا أو أي نوع من الفوبيا تعتبر واحدة من الأمراض السيكولوجية والتي يمكن العلاج منها بالإضافة إلى أن الجاني لا يتحمل عواقب أعماله أمام قضائهم الفضفاض لأنه مريض ولابد من معالجته وليس عقابه.

استخدام هذه الكلمة misleading تخفيف وتبرير وتمويه ولنتذكر دائما أن الد أعدائنا بالغرب هي أجهزة إعلامهم العنصرية والتي نصبت المسلمين والعرب أعداء لحضارتهم وخطر عليها. إصرارهم على استخدامها هو نوع من ال Deflection أو تحريف عن السبب الحقيقي لترويجهم للكره والعنصرية والاجرام .. حيلهم في وصف الأحداث لن تنطلي علينا.

تداعيات أخرى لأحداث فرنسا الإرهابية

توقع د. خالد بن دهيش أن تتخذ أوروبا ( دول الشنغن ) نفس الإجراءات الأمنية التي اتخذتها أمريكا بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١ مثل صعوبة الحصول على التأشيرة وإجراءات المطارات ونحوه.

من جهتها قالت أ. فاطمة الشريف: ‎كما سبق من أحداث مرت على فرنسا كشارلي ايبدو أعتقد أن أحد أهم تداعيات هذه الأحداث ستكون محاولة حركات ‎اليمين المتطرف في مختلف البلاد الأوروبية استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية، مما سوف تكون له تداعيات وخيمة على العرب والمسلمين المقيمين في فرنسا والدول الأوروبية .

وأعتقد أن حزب ماري لوبين سيحقق تقدما ملحوظا في الانتخابات المقبلة .. وهو أحد أكبر المرشحين للفوز بها وخليف قوي لنظام بشار الأسد كما هو معروف..

واعتاد حزب اليمين المتطرف اللعب على وتر المخاوف الأوروبية من تنامي المدّ الجهادي الذي تشهده أوروبا وتواتر العمليات الإرهابية التي نفذها متشددون على الأراضي الأوروبية، وهو ما يعتبر بمثابة صعود على “فزاعة” الإرهاب.

ولحزب الجبهة الوطنية في فرنسا تاريخ من معاداة المهاجرين ومعظمهم من المسلمين، كما عرف استغلاله لقضايا الهجرة والجاليات المقيمة في فرنسا لتحقيق مكاسب سياسية.

وأكدت أ. مها عقيل على هذا الطرح بقولها: سيزيد العداء للإسلام والمسلمين في أوروبا. ولا يكفي أن نتبرأ فقط من هذه الأعمال يجب أن يكون لدينا مشروع مضاد.

وقال أ. خالد الوابل: يبدو أن كل العالم بدأ يراجع حساباته بعد تفجيرات باريس .. في أمريكا: الديمقراطيون يتهمون بوش بأنه السبب خلف داعش؛ والجمهوريون يتهمون أوباما لتقاعسه في محاربة داعش.

آليات التعامل المناسب مع الأحداث الإرهابية بفرنسا

أوضحت د. الجازي الشبيكي أن من المهم أن يتصدى من يتقنون اللغة الفرنسية بالكتابة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في فرنسا عن إدانتهم للحدث ، وحبًذا لو تم التواصل مع بعض المنظمات الإسلامية أو رجال الأعمال المسلمين مع أسر الضحايا لمواساتهم والوقوف معهم في هذه الأزمة ، هذا بنظري سيكون له ردود فعل إيجابية تجاه المسلمين حتى لو لم يثبت أن المتسببين هم من المسلمين .

وقال د. إبراهيم البعيز: فقط تخيلوا لو أن مجموعة من المثقفين السعوديين أرسلوا أو تواصلوا مع السفارة الفرنسية بعبارات التعازي والمواساة .. كيف تتوقعون ستكون ردة الفعل لدى الشارع السعودي؟

وأجاب د. خالد الرديعان: ستكون سلبية بتقديري.. وعلق د. إبراهيم البعيز بقوله: لو عكسنا الفرضية .. أرسل مجموعة من الفرنسيين مع السفارة السعودية للتهنئة باليوم الوطني أو التعزية إثر حادث تفجير .. كيف ستكون ردة فعل الشارع الفرنسي؟ وأجاب أيضا د. خالد الرديعان: لن يكترث الشارع الفرنسي كثيرا.. وبدوره قال د. إبراهيم البعيز: نحتفي بالغربي حين يتفهم وجهة نظرنا .. ونخون ابن الوطن حين يتفهم وجهة نظر الغرب.

أحداث باريس وموقف أوربا والغرب من قضايا العرب والمسلمين

أشار د. فهد الحارثي في هذا الإطار إلى أن مواصلة هذا الغرب للتهجم على الاسلام ومعتنقيه ( سواء على مستوى مواطنيه من المسلمين أو المسلمين الآخرين ) لن يزيد الشباب في الغرب نفسه إلا تطرفاً ونقمة على المجتمع الذي لا يتوقف عن رفضه وتقريعه … قيل الكثير عن الخطاب الديني الاسلامي وعن المجتمعات المسلمة… يجب أن يلتفت الغرب إلى نفسه ، فيحسن سلوكه بعيدا عن دعاوى قيمه التي لا تحترم في كل حين.

الغرب لا يسمع سوى صوته ، و هو لا يريد إلا أن يكون مستقبل العالم على صورته هو ! وبالتالي فإن أخطاء الكون كله ليست أبدا أخطاءه بل هي أخطاء غيره .. وليكونوا دائما المسلمين مع الأسف .

على المثقفين العرب وعلى الديبلوماسية العربية أن لا تخجل أو تتردد في تشييد خطاب سياسي وإعلامي جديد يواجه الغرب بجرأة وشجاعة فيضعه أمام مسؤولياته .. بل يضعه أمام غروره وغطرسته التي تستفز المظلومين والمكلومين .. بل يضعه أمام جرائمه ألتي يرتكبها تحت سحابة وارفة من قيمه المزعومة .

باختصار الذي حول شباب العرب إلى إرهابيين هي سياسات الغرب وتصرفاته ومواقفه منهم ومن حضارتهم ، ومن قضاياهم . وهم لابد لهم من راية لمعركتهم معه ، فلا يجدون أمامهم سوى راية الدين ! فيحاربونه باسم الاسلام ، ولو وجدوا راية أخرى أكثر مضاء لرفعوها في وجه هذا المستبد الملعون / الغرب.

وأيدت د. فوزية أبو خالد ما طرحه د. فهد الحارثي بقولها: علينا بلورة خطابا نقديا سياسي وإعلامي ومبدئي تجاه سياسة الغرب في جانب هيمنتها على المجتمعات ”  المستضعفة ” أو المستقوى عليها. إلا أن الأهم أن نطور خطابا نقديا معرفيا للذات (ليس الجلد) بل النقد العقلاني على مستوى الفكر والسياسة والسلوك في مستوى البنى السلطوية وفي مستوى اجتماعي وشعبي ومنها نقد مواقفنا تجاه الغرب المشتت بين عقد النقص وعقد الفوقية. وبدون نقد الذات سيظل موقفنا تجاه الغرب نهب الأهواء الموالية بعماء أو المعادية بما لا يقل عماء.

ومن وجهة نظر م. حسام بحيري فإن الموقف الغربي عموما من قضايا العرب منقسم إلى قسمين. مواقف الدول البروتستانتية تختلف موقفها عن الدول الكاثوليكية وذلك للارتباط الديني القوي بين البروتستانت واليهود وموقفهم منا ليس سياسي بقدر ما هو ديني عقائدي ونستطيع أن نرى ذلك دائما في خطابات ومواقف أحزابهم اليمينية مثل الحزب الجمهوري الأمريكي أو المحافظين أو الحزب الديموقراطي المسيحي الألماني معقل ظهور الديانة البروتستانتية والتي دائما ما تحتوي على خطابات دينية ملبسة بمعاني مموهة مثل استخدام كلمات قيمنا المسيحية أو طريقة حياتنا وثقافتنا وإلى ذلك بل تطور الخطاب اليوم وأصبحوا يعرفون أنفسهم كثقافة Judo Christian أو يهودية مسيحية أي هم ضد بقية المعتقدات والأديان عامة ولذلك الدول البروتستانتية تجد مواقفهم من قضايا العرب في محافلهم الرسمية والإعلامية سلبية ووسائل إعلامهم بالكاد تغطي الانتهاكات الصهيونية المستديمة ضد الفلسطينيين و دائما ترسخ الصورة السلبية الذهنية عن العربي القبيح الثري المتعطش للمجون. هناك بعض الاستثناءات تجدها في الدول الإسكندنافية وذلك لأن مستوى انتشار التدين في هذه الدول ضعيف نسبيا كدول أخرى غربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.

في الدول الكاثوليكية موقفهم من العرب والمسلمين له جانب إضافي للجانب الديني يتصل بالحضارة الغربية مقابل الحضارة الشرقية والتي لهم صراعات وحروب طويله على مدى أكثر من ألفي سنة سواء كان أيام الدولة الرومانية وصراعها مع الفرس أو الحروب الصليبية مع المسلمين والتي ولازالت حاضرة بقوة في أذهانهم وأعمالهم الفنية دائما تمجد ال Crusader أو الصليبيين في أذهان أجيالهم والكاثوليك عامة لا يعنيهم اليهود بل يكنون لهم بالعداء وهم من وجهة نظرهم يحملون اليهود مسؤولية اهدار دم المسيح عليه السلام من قبل الرومان. ودائما يرددون مقولة أن دم المسيح على أيديهم. لذلك نجد أن مواقفهم عامة تجاهنا أقل سلبية من الدول البروتستانتية ومواقفهم من بعض الشعوب العربية كالفلسطينيين بالذات إيجابي لأنهم مذكورون في إنجيلهم كشعوب ويعترفون بهم. أقرب دولة وشعب غربي أوروبي مناصر لقضايا العرب والفلسطينيين ومعادي للصهاينة هو الشعب الأيرلندي وهو شعب كاثوليكي.

في الوقت الحالي هناك صراع وانقسام حضاري واضح بيننا وبين الغرب في نظرهم اليوم نحن أكبر خطر يمس حياتهم والتهديد الوحيد ضد ثقافتهم الأوروبية وهم يدركون جيدا أن نظامهم الديموقراطي سيتيح للأقليات أن تغير مجرى حياتهم ويخشون من ذلك كثيرا ولذلك نجد صعود قوي في عدد كبير من الأحزاب اليمينية المتطرفة والموجودة في معظم الدول الأوروبية اليوم. هناك صعود قوي في العداء ضد الإسلام وسيتصاعد أكثر بنظري في المستقبل بسبب الوضع الاقتصادي السيئ الذي يخيم على أوروبا بالذات والذي يزداد سوءا بسبب الصراعات في منطقتنا والتي أصبحت تسكب مشاكلها في دلوهم أكثر واكثر.

برأي الغرب لا بد أن يتحمل نتائج الصراعات الحالية في منطقتنا كاملة الغرب هو الذي غزى العراق ودمر نظامه القائم المسيطر على البلاد ثم رحل عندما اشتد القتال عليه وطبيعي أن تقع العراق بأيدي اعداء العرب الصفويين والذين بأفعالهم الإجرامية ومباركة ومساندة غربية سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة ساهمت بنشر بذور التطرف والفوضى والاجرام والانتقام بين المدنيين وأل الحال لما هو عليه فماذا يتوقعون اليوم من نتائج أعمالهم؟

مسؤولية هذه الفوضى تقع على أيديهم هم الذين صنعوها والمسلمين والعرب ما زالوا يدفعون ثمن أخطائهم نحن الضحايا وليس هم فليكفوا عن توجيه اللوم للمسلمين.

إن داعش وجبهة النصرة والتغلغل الايراني في منطقتنا ومعظم الأحداث المؤسفة الحالية نتيجة مباشرة لحرب جورج بوش بالعراق في ٢٠٠٣ وهي المسبب الرئيسي في كل هذه الأحداث التي نعيشها اليوم. الراحل سعود الفيصل قال كلمة مشهورة في ذلك الوقت للأمريكان وهو أن غزو العراق سيحل مشكله واحدة ويخلق خمسة أخرى وهذا بالضبط الذي حصل. عندما اشتد استنزاف القوات الأمريكية والبريطانية وتكرار ارتكابهم أعمال ترقى إلى جرائم حرب حسب القانون الذي كتبوه وفرضوه على العالم بأنفسهم بعد الحرب العالمية الثانية قرروا الانسحاب وترك الساحة لنا لنتعامل مع تبعات هذه الأحداث الكارثية من المنظور الاستراتيجي خصوصا بعد سقوط بغداد عاصمة البوابة الشرقية للعالم العربي. وبدأت سياسة جديدة بعد الانسحاب تركز على الاستفادة من القلاقل الاقليمية التي سببوها عن طريق إصدار تقارير عسكرية من حين لآخر لزرع الخوف في قلب صانعي القرار الخليجي عن مدى انكشاف حقول النفط ضد أي اعتداءات خارجية وعدم قدرتنا على صد أي هجوم ضدها لأنه تنقصنا القدرات والتسليح المناسب وبدأت سلسلة الصفقات العسكرية والتي أصبحت مصدر دخل رئيسي للاقتصاد البريطاني والأمريكي.

اليوم أكبر زبون لشركة بريتيش ايروسبايس هي السعودية وليس بريطانيا ومن أكثر من عشرون عاما أما بالنسبة للولايات المتحدة فتم بيع أكثر من نصف ترليون دولار من التسليح الأمريكي للسعودية فقط ناهيك عن دول الخليج الأخرى خلال العشرون عاما الماضية. نحن اليوم ندفع ونتحمل نتائج سياساتهم الكارثية والتي أصابت العالم العربي بالدمار بينما المفروض أنهم يتحملون المسؤولية كاملة عن تبعات أعمالهم التي دمرت عالمنا العربي. السعودية وبقية الدول العربية لازم تستخدم هذه الحقيقة لصالحها عن طريق تحميل أمريكا وبريطانيا تبعات أعمالهم كامله لحرب ٢٠٠٣ وتبعاتها والمطالبة بتحويل جورج بوش وتوني بلير إلى محكمة الجنايات الدولية ليتحملوا نتيجة سياساتهم ومغامراتهم في منطقتنا وتسببهم في خلق فوضى عصفت بأنحاء العالم الشرقي والغربي. لهؤلاء توجه أصابع الاتهام عن جميع ما يحصل اليوم وليس لأي احد غيرهم برأي المتواضع.

ومن ناحية أخرى فإن خطابنا الاعلامي تجاه الغرب لابد أن يتغير منطقتنا كانت ومازالت دميه بيد الدول الكبرى التي تتحمل المسؤولية كاملة عن جميع الأحداث الحالية. الولايات المتحدة وبريطانيا بالذات يتحملون المسؤولية الكبرى بسبب غزوهم للعراق في ٢٠٠٣ وادعائهم أن نظام صدام يهدد دولهم بأسلحة دمار شامل وتزوير وثائق تربط نظام صدام العلماني بالقاعدة المتطرفة واتضح أن كل ادعاءاتهم الساذجة كانت كاذبة. الولايات المتحدة تمارس سياسة دينية بحتة في منطقتنا وهي سياسة مغلفة بغطاء ديموقراطي كاذب ( ادعاء أن النظام الصهيوني العنصري المحتل هو النظام الديموقراطي الوحيد في الشرق الاوسط ) إذا كان هذا وجه الديموقراطية التي تريد أمريكا نشرها في الشرق الأوسط فهي ديموقراطية لابد من محاربتها لأنها تقتل وتستبيح دماء العرب والمسلمين. السؤال الآخر وهو بأي حق تفرض أمريكا أو أوروبا أنظمتها السياسية على دول وشعوب أخرى؟ ولماذا نسمح لهم أن يفرضوا طريقة حياتهم علينا ؟ هم يديرون جهاد ديني مسيحي غير معلن علينا من أكثر من أربعين سنة. لا توجد أي مصلحة سياسية أو اقتصادية من تحالفهم مع النظام الصهيوني ضد الدول العربية وجميع السياسيين الغربيين يدركون ذلك ولابد من وضع هذه الحقيقة في مواجهة الأمريكان ويدركوا أنهم على مفترق طرق أما التعامل مع المنطقة بمنظور سياسي واقتصادي بحت وتغلبة المصالح أو التعامل مع واقعهم الحالي في صراع ديني حضاري مغلف بمسميات كاذبه كالديموقراطية وهو ما يمارس من قبلهم اليوم ومواجهته بالمثل. ماذا لدي الكيان الصهيوني ليقدم لأمريكا؟ ميزانيات دول الخليج مجتمعه لوحدها فقط تعادل ١١ ضعف ميزانية الكيان الصهيوني!! من كان الحليف العسكري الذي وقف مع أمريكا في جميع صراعاتها في المنطقة طوال ال٣٠ سنة الماضية؟ ما هي فائدة الصهاينة لهم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بالمقارنة بنا؟ أسئلة كثيرة توجد لدينا لا يستطيعون أن يجيبوا عنها، وعليه لابد من وضع سياسيهم أمام الأمر الواقع وادراكهم أن الأمور لن تستمر على ماهي عليه وأن شيئا ما سيتغير حتما. عندهم بالغرب مقوله شائعه لابد أن نرددها لهم وهي             We demand to be treated accordingly

لابد من أن نعامل وفقا لأفعالنا معهم

خطابنا الجديد نحوهم لابد أن يكون خطاب مواجهة يحملهم المسؤولية كاملة عن جميع هذه الأحداث ولابد من رفع سقف المطالبات لتشمل محاكمات دولية للأشخاص المسؤولين وتعويضات مادية عن جميع الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بمنطقتنا. لابد من استخدام كلمات معينة في وصف حروبهم السابقة في منطقتنا بكلمات مثل الإبادة مثل ما فعلو بالجزائر في الستينات والمحرقة مثل ما فعلو بالعراق وأفغانستان والإرهاب في وصف مساندتهم للكيان الصهيوني وهذا بالضبط الخطاب الإعلامي الذي يمارسوه ضد العرب والمسلمين اليوم فلماذا لا نمارسه بالمثل؟

وبدوره قال د. فهد الحارثي: دخل الغرب إلى أفغانستان فجعلها مفرخة للإرهاب . ثم غزا العرق بدعوى التخلص من الديكتاتور فتركه نهبا للخراب والدمار ، قسمه وقطع أشلاءه ، ثم بدعوى الديموقراطية زرع فيه الطائفية التي أكلت الأخضر واليابس والتي انتشرت في المنطقة كالوباء الفتاك .

أمطر الغرب ليبيا بقنابله بدعوى مساندة الثورة على القذافي ، وبعد أن استوى على الجودي ، وثارت الفتنة في الأرجاء ، وتحولت ليبيا إلى ساحة فسيحة لتجارة أسلحته ، أدار ظهره للشمال الأفريقي ، فسرى الإرهاب إلى مالي والغرب الأفريقي . غرر الغرب بالثوار السوريين ، ووعدهم وكذب في وعوده ، فسوريا بالنسبة إليه ليست ليبيا ، أعطاها لإيران وروسيا ، وسمح ( على الأقل سمح ) بنشوء داعش ، وزعم أنه يحاربه فظهر للناس كذبه ومراوغاته ، حتى إذا أحس اليوم بتهديد داعش لأمنه في داخل دوله أظهر وجها مختلفا  لمواجهة داعش لم نكن نراه عندما كان داعش يقتل العراقيين والسوريين .

سمح الغرب للإسرائيليين بإبادة الفلسطينيين في غزة والقدس بدعوى الدفاع عن النفس. وهو حوّل مشروع السلام كله إلى أضحوكة تاريخية تذكر للسخرية والتندر.

هذا هو الغرب الذي يرمي دائما بشروره وأوزاره على الآخرين. ثم يتساءل ونتساءل لماذا الإرهاب ؟ يا لبراءة التساؤل.

أعتقد أن صراعنا مع المتربصين هو صراع ثقافي قبل كل شيء ، وهو صراع سيطول ، ولابد أن تضطلع به بالدرجة الأولى مؤسسات المجتمع المدني ، والمؤسسات والمنظمات الثقافية ، والجامعات ومراكز الأبحاث . ويكون التركيز على تفكيك مشروعات التخريب التي تعمل عليها في منطقتنا السياسات الملتبسة التي تقودها أجهزة استخبارات وشركات وصفقات ومصالح تتجاهل تماما طموحات ورغبات أهل الأرض وأهل الحضارة الأصليين ، ما جعل الغرب دائما غير آبه بنتائج ما يفعل ، فالمهم أن يحقق الأهداف التي من أجلها قدم إلينا .

يكون التركيز أيضا في الصراع المقبل على إظهار أن الفوضى المنتشرة في المنطقة والتي على إثرها جاء الاٍرهاب وغزا بقاع العالم إنما هي نتيجة مشروعات الغرب الفاشلة في المنطقة وهي بالتالي مسؤولية هذا الغرب .

يدفع هذا التحرك باتجاه إدارة الصراع المقبل دعم سياسي وإعلامي مركّز ومسؤول. كفانا أن نكون نحن دائما مصدر شرور هذا العالم ، فإن مثل هذه الضغوط تزيد في إنهاكنا لتقديم مزيد من التنازلات حول مستقبلنا في هذا العالم.

أما د. مساعد المحيا فيرى أننا نحن نحتاج فعلا أن لا نكون غربيين في تألمنا لما يعيشه الغرب من ألم بسبب يد الإرهاب لا سيما وأنه يسهم ولا يزال في صناعته وتغذيته … والأهم أن لا نتعامل بدم بارد جدا مع كل مظاهر القتل البشعة التي يمارسها الغرب على أراضينا.

وأضاف كذلك أن الغموض الذي يلف أحداث فرنسا .. والترتيب المسبق لما ستفعله فرنسا والحشد الدولي والاصطفاف معها خاصة وأن الأمر لا يتعلق بدولة ضعيفة أو غير قادرة على الانتقام .. يثير تساؤلات مهمة تتعلق بالمصالح التي تريدها أوروبا وبخاصة في الحد من الهجرة وتخويف الأوربيين من الإسلام وتشويهه .. وتعديل بعض أنظمتها في غطاء قناعة جماهيرية ..

بعض ما يجري يوحي بأن فرنسا وبعض الدول الأوربية التي أصدرت قرارات تتعلق بإقصاء جهات وأفراد ومنع دخولهم كأنما هي تنتظر حادثا كهذا أو تعمل على صناعته ..

نحن اليوم لم نشاهد جثة واحدة ولا حجم الدمار الذي خلفته التفجيرات .. بل إن من حق الجمهور وعامة الناس أن يعرفوا تفاصيل مهمة تتعلق بحق التعبير وحقوق الجمهور في المعرفة والاطلاع على سير التحقيقات والوثائق والمعلومات التي تساعد الجمهور على اتخاذ المواقف السليمة …ترى هل سيعرف الجمهور ذلك أم سيتم توظيف ذلك تماما كما وظفت أمريكا سقوط البرجين …

الرئيس الفرنسي تحدث عقب الأحداث عن التراث في مالي وهدمه .. وكأنه المسؤول عن التراث العالمي في سوريا وتشاد وإفريقيا .. يبدو أن الأحداث تمنح هؤلاء فرصة العبث بالمنطقة وفق أولويات واهتمامات غربية.. والخاسر هو المواطن العربي المسلم الذي يسلب كل يوم حقه وأرضه وعرضه ….

أما د. زياد الدريس فقال: الإرهاب قبيح وجريمة .. هل يجوز أن نحزن على باريس ؟! هذا سؤالٌ لا يقلّ ألماً عن الهجمات الدامية على باريس، والتي فتحت الشهية من جديد لنقاش عام وشامل وصارم لداء الإرهاب المقيت.

ينبغي التنبيه أن سرطان الإرهاب لم يتوقف أبداً عن نخر جسم العالم من «وسطه» الموبوء دوماً، لكننا لا نفطن لأهمية العلاج الكيماوي لهذا السرطان إلا حين تهاجِم خلاياه أطرافَ الجسد… اليسرى أو اليمنى خصوصاً!

باريس، مدينة الفن والجمال، تستحق هذا القلق العالمي وهذا الحزن الكوني. ولا مبرر للإحجام عن الحزن عليها وعلى ضحايا الإرهاب فيها بحجة أن هناك من يستحق الحزن أكثر، فنفوسنا لسوء الحظ مليئة بحزن يكفي لتغطية كل الأماكن الموبوءة بالوحشية.

نعم من العيب أن يحزن البعض على ضحايا باريس فقط من دون سواهم، لكن من العيب أيضا أن نمتنع عن الحزن الباريسي تحت أي ذريعة، فالوقوف ضد موت الأبرياء هو (خُلُقٌ بلا حدود).

تنفتح الأفواه كلها مجدداً، ولفترة محدودة بالطبع وكالعادة، لمناقشة ملف الإرهاب. في الحقيقة، قلّة فقط هي التي تناقش، أما البقية فهي فئة تشتم وفئة تشمت، ولأن مفعول الشتائم والشماتة لا يطول فإن الملف يُغلق مجدداً من دون الوصول إلى نتيجة حتى تُفتح الجروح من جديد.

(هل الإرهاب فعل أم رد فعل؟) سؤالٌ قد يقرّبنا كثيراً من التشخيص، وليس من العلاج الذي أراه بعيداً!

هل الإرهاب نوعٌ واحد فقط، هو إرهاب الجماعات المتطرفة، أم أنه نوعان: إرهاب الجماعات وإرهاب الحكومات؟ وأيهما (الفعل) وأيهما (رد الفعل)؟!

اختلافنا حول هوية صُنّاع الإرهاب لا يجب أن يقودنا أبداً إلى الاختلاف حول هوية ضحايا الإرهاب، فالفتاة السورية التي ماتت تحت أنقاض بيتها بفعل القنابل الروسية أو الأميركية أو الفرنسية، هي والشاب الفرنسي الذي مات تحت أنقاض ملعب أو مسرح بفعل انتحاري عربي أو أعجمي، كلاهما سواء في البراءة واستحقاق الحزن.

انشغالنا بتصنيف ضحايا الإرهاب سيشتت جهودنا الذهنية والوجدانية عن تحديد هوية ممارسي الإرهاب.

وسؤالنا عن الفعل ورد الفعل في حلقة الإرهاب لا يستهدف التخفيف من جرم أحدهما، ولكن يستهدف تحديد مسار التشخيص ومن ثم المعالجة.

معركة الإرهاب حربٌ بين المتاجرين بالدين والمتاجرين بالسلاح، والطريقة الوحيدة لإيقاف هذه المعركة القذرة هي بإيقاف المتاجرة من الجهتين، أما الظن بأن إيقاف المتاجرة من طرف واحد فقط سيكفي لوقف المعركة فهو وهمٌ مضلّل.

لنتخيل أننا نجحنا حقاً في وقف المتاجرة بالدين، من سيموّل (جيوش القطاع الخاص) ومصانع السلاح التي أصبحت تحقق إيرادات وطنية تتسابق عليها الدول (المتقدمة) وتصنع فارقاً ملموساً في ميزانياتها، ما جعل وزارات الدفاع لديها تتحول إلى وزارات هجوم؟!

هل نحن قادرون حقاً على لجم وحشية التكسّب، المنظّم وغير المنظّم، من وراء دماء الأبرياء المسلمين وغير المسلمين؟

هل «الضمير العالمي» الذي استطاع القضاء على صدام حسين وسحْق جيشه وتغيير وجه العراق كاملاً عاجز (حقاً) عن إزاحة بشار الأسد الذي يقتل شعبه منذ سنين، أم أن المصالح هناك غير التي هنا؟!

هذه المعايير الانتهازية لإدارة الصراعات في منطقتنا هي الوقود المغذي للإرهاب في منطقتنا وفي مناطق الآخرين.

نحن لا نصنع الإرهاب، نحن في الحقيقة نعيد تصنيعه، وهذا التفصيل لا يُخلي مسؤوليتنا لكنه يجعلها مشتركة.

وفي سبيل إزالة اللبس عن قناعاتنا غير المنجرفة مع هؤلاء أو ضد أولئك، يجب أن نقف سوياً وبإيمانٍ تام ضد مسوغات الإرهاب كافة، سواءً إرهاب الجماعات أو الدول، إرهاب الدين أو الرأسمالية، وأن نتعاطف مع ضحاياه الأبرياء، سواء كانوا عرباً أو غير عرب… مسلمين أو غير مسلمين. بهذه المنظومة الأخلاقية غير القابلة للتجزيء، يمكننا إغلاق كافة ذرائع العنف.

وقال د. عبدالله بن ناصر الحمود: إني أمقت العنف وأكرهه ، لكن في أحداث باريس مواطن رؤية كثيرة، أخال معظمنا لم يأخذ غير واحدة منها، الإرهاب… فعن أي إرهاب نتحدث؟

بالكم؟  حسنا..  كم قتلت فرنسا من العرب ومن المسلمين؟ وكم تقتل حاليا؟ وكم تتوعد بالقتل والتدمير في آخر تصريحاتها؟ مقابل ذلك.. كم قتل المسلمون من الفرنسيين، وكم يقتلون حاليا؟ وكم يتوعدون بالقتل؟ بالكيف؟ .. حسنا.. كيف دمرت فرنسا البنى التحتية في العالم العربي والإسلامي، وكيف تدمر حاليا؟ وبأي تدمير تتوعد؟ ماذا فعل المسلمون من تدمير للبنى التحتية الفرنسية؟ وماذا يفعلون حاليا؟  وبماذا يتوعدون؟

بالعتاد؟  حسنا.. ما الذي تملكه فرنسا من عتاد الحرب والتدمير؟ وبالمقابل.. ما الذي يملكه المسلمون وأخص الجماعات والأفراد من عتاد الحرب؟

بالمنطق؟   حسنا.. ما المنطق في أن يسكت العالم لقتل وتشريد الآلاف من الأسر في مناطق كثيرة في العالم العربي والإسلامي، ولا يزالون يتساقطون بآلة الحرب الغربية والفرنسية، وأن يهيج العالم عندما يفجر منتحر نفسه في جمع من الناس؟ قاتل الله العنف، والبغي كله.

لكن تحليل الموقف لا يمكن من ذي موقف… حتى نحلل بموضوعية.. يجب أن نمنع الاصطفاف مع أي من الطرفين. وهذا في ظني شأن المثقف.

إني أحب فرنسا، وأتحدث الفرنسية، وأعشق ثقافتها وفضاءاتها الرحبة. لكنني أيضا أعجب من عجبها ممن جاءها يثأر لنفسه وأهله وعرضه وبلاده وغير ذلك كثير..  مما فعلته فرنسا والغرب، ورأى هذا المنتحر أن دوله قصرت عنه ففدى بنفسه، وبعتاد لا يملك سواه.

أنا أمقت العنف، والانتحار. وقتل الأرواح، أي روح. لكنني أمقت الإثخان في القتل بالطائرات، والجنود، تماما مثل ما أمقت قتل النفس بالانتحار أو بالتفجير في جمع من الناس.

أحداث فرنسا،  يجب أن تقرأ هكذا، لا أن نعلق إعلامها فوق بيوتنا اصطفافا، وتبقى إعلام شعوبنا العربية والإسلامية المكلومة، محرمة على التعليق.

القتل بدون حق مشروع، جريمة كله.. والبادئ فيه أعظم جرما. والاصطفاف مع ذي الحظوة والنفوذ فيه رغم إثخانه فينا، جريمة أدهى وأمر.

إن من تبسيط الأمور، أن نصم ما حدث بالعمل الإرهابي. حتى وإن ادعته أعتى جماعة إرهابية، داعش.

فالحال يتجاوز داعش، ويتجاوز كل أدبيات الإرهاب. إنه صراع البقاء .. وتدافع الناس من أجله.. إنه الظلم.. والتظالم.. ظلمات بعضها فوق بعض.. ولا ترفع تبعات الظلم والجور، إلا بالعدل.. وإذا حدثت حادثة قتل واحدة.. فانتظر .. ذي ثأر .. وليصمه خصمه بعد ذلك بما شاء من صفات.. فقد قتل ذي الثأر نفسه بثأره…

أما إذا قتلت قوى دولية عظمى.. كثيرا من الناس.. وشردت كثيرا من الشعوب.. فلا عجب من الثأر.. حتى وإن أدمى قلوبنا ما فعله الثائر.

وذكرت أ. ليلى الشهراني أنه وفيما يخص علاقتنا مع الغرب فإننا دائما ما نتجادل في السبب ونترك المسبب ، لم أجد دول تتقبل الاتهامات وتساهم في ترسيخها مثل الدول الإسلامية ، أصبحت الشماعة لكل لعبة سياسية ، لا يمكن أن يكون الإرهاب نتيجة (دين وتدين) ، الإرهاب ورقة تستخدم في الضغط الإعلامي ، وفي التأثير على نتيجة التصويت الانتخابي وهي حبل النجاة في بعض الأزمات الاقتصادية كما أنها وسيلة إلهاء لصرف الأنظار عن بعض القضايا الإسلامية العالقة (كقضية فلسطين) ، هناك من له مصلحة باستمرار هذا الإرهاب لكن من يحرك هذا الإرهاب ويوجهه ويموله أشبه بأخوة يوسف يأتون بقميص ملطخ بالجريمة ويبحثون عن متهم يتحمل كل الجرم والإجرام بمفرده.

من جانبه أضاف د. عبدالسلام الوايل: تعرضت أمم في القرنين 19 و 20 لمظالم شنيعة من أمم غربية مستعمرة أو إمبريالية و لم تؤذ نفسها في إغراق نفسها و أعداءها في العنف و الدمار الذي يتعاظم جيلا بعد آخر. بل بنت نفسها و استلهمت نموذج النجاح الذي جعل من المعتدي قوة فتحولت مجتمعات قوية منتجة كما في حالات الصين و الهند و البرازيل و عشرات من دول كانت مظلومة مستعمرة مغبونة.

ومن وجهة نظر د. سعد الشهراني فإنه يجب أن ندين و نرفض و نقف كسعوديين وعرب و مسلمين و بشر ضد هذا الإرهاب و كل أنواع الإرهاب .. ولكن الآن و قبل هذا وبعده يجب أن يبقى الصوت العربي و الإسلامي على ضعفه قويا مدويا مصرا على حقيقة أن هناك من الإرهاب ما هو أعظم و أكبر و أفظع و هو الإرهاب الغربي الرسمي الممنهج المنظم ضد شعوب العالم و ضد العرب و المسلمين.

هل الغرب بريء مما حصل و يحصل في جميع بلدان العالم في ال 300 عام الأخيرة !

هل نسينا على الأقل الجزائر و فلسطين و أفغانستان و العراق و الجحيم العربي و الفوضى اللاخلاقة!

هؤلاء الكفرة الفجرة المدعون الانتساب للإسلام لا يمثلوننا و لا ينتمون الينا و نحن بحق نحاربهم و نكتوي بنارهم أكثر من الغرب .. و هم يهاجمون الغرب ليؤزمونا معهم و الغرب يسكت عن الظلم والجور و الاستبداد ليبتز الأنظمة و الشعوب معا..

الإرهاب المنسوب لنا لا يقارن تاريخيا و نوعيا و حجما بالإرهاب الغربي .. إرهابنا (و لا باس أن أقول إرهابنا فقد استغل الغرب فشلنا السياسي و الاستراتيجي والتنموي ليوهموا بعض من ينتسبون إلينا بأنهم الأبطال و الشجعان و الأكثر جرأة في مواجهة الهيمنة والاذلال الغربي) .. إرهابنا إرهاب أفراد و تنظيمات خارجة علينا و إرهابهم رسمي حكومي استراتيجي يأكل الأخضر و اليابس.. حروبهم المزعومة على الإرهاب ولدت أخطر أنواع إرهاب الأفراد و المنظمات.

الإرهاب المنسوب للإسلام و المسلمين نحن منه براء و نتبرأ منه و نحاربه ليلا و نهارا ونقول للعالم أن هذه التنظيمات و هؤلاء الأفراد ليسوا منا و لا يمكن أن يمثلوا الإسلام الحقيقي الوسطي المعتدل غير المتطرف و هذا الإرهاب نبتة شيطانية أوجدته و أخرجته وغذته سياسات الغرب في العالمين العربي و الإسلامي بسبب هيمنته و إذلاله للشعوب والأمم الأخرى.

أما إرهاب الغرب فهو إرهاب رسمي حكومي مستمر على مدى القرون الماضية و إن تغيرت الأدوات..

كان إرهاب الدولة إلى ما قبل عقدين من الزمان و في ظروف الحرب الباردة يسوق على أنه إرهاب الأفراد و المنظمات المدعوم من دولة معينة على أرض دولة أخرى أو ضد مصالحها أو إرهابها لشعبها و في هذا بعض الحقيقة في زمنه و ظروفه.

أما مفهوم دولة الإرهاب (الذي لم يلق العناية الكافية) فهو ينسحب حقيقة على الدولة التي ترتكب المجازر و تدبر المؤامرات و تشن الحروب بأعتى الأسلحة و أكثرها دمارا (و نحن ندخل الآن زمن دولة الإرهاب عن بعد بالأسلحة الموجهة و الذكية و الطائرات بدون طيار) و ذلك على أرض دولة أخرى.

مفهوم الحرب على الإرهاب  هو الإرهاب بعينه و بشحمه ولحمه لأن هذه الحرب المزعومة على الإرهاب هي أصلا إرهاب فظيع و هي المولد و المسبب الحقيقي لإرهاب الأفراد والمنظمات.. كفانا نفاقا و خوفا و استسلاما وتزلفا للغرب ..

الاستعمار التقليدي و الاستعمار الحديث و قضية فلسطين و الحرب على كل من أفغانستان والعراق و عشرات الملايين من البشر الذين ذهبوا ضحايا للهيمنة و التخبط لقوى الشمال الغربي من هذا الكوكب ، كل ذلك و أكثر و أفظع منه شواهد يدركها أصحاب الضمائر  الحية في الغرب نفسه قبل غيرهم ..

الإشكال الحقيقي يكمن في اختلال موازين القوى حتى في الإعلام .. نعم نقبل أن الغرب لديه منظومات متقدمة في الحقوق و الحريات الداخلية و نريد الأخذ بما يناسبنا منها .. لكن لا يجب أن نقبل الأستاذية في الحريات و الحقوق بين الأمم و الدول والشعوب ممن هم أكثر الأمم و الحضارات انتهاكا لها .. قضايانا مع الغرب عادلة و لكن صوتنا ضعيف.

واتفق أ. أسامة نقلي مع الطرح السابق لكنه أشار إلى أنه مع هذا لا يجب علينا أن نركن لنظرية المؤامرة، دون النظر إلى عدد من مشاكلنا الحقيقية والتي تساهم في ترسيخ الصورة النمطية عنا.

وأضاف د. إبراهيم البعيز: ليس هناك من ينكر أن الدول تدبر المؤامرات ضد بعضها البعض .. لكن الإنكار للمؤامرة حين تكون هي الحجة لتفسير أحداث جارية لا تزال كثير من أسبابها غير معلومة أو لم تنكشف بعد، وهنا تتم الإشارة أو الاستشهاد بأدلة لا يمكن التحقق من صحتها – في نظري هذه “نظرية المؤامرة” الغير منطقية.

وبدوره علق د. سعد الشهراني بقوله: نظرية المؤامرة مشكلة إن صدقت و مشكلة إن كذبت.  إن صدقها العقل المتآمر عليه و هي لا وجود لها و غير صحيحة فهذا هو الخلل العقلي والحضاري بعينه لأن هذا العقل يعزو الأزمات و التخلف وأسبابه للخارج و يخدع نفسه بأنه ضحية و الحقيقة أنه ضحية نفسه و هذا هو المفهوم التقليدي لنظرية المؤامرة ..

أما إن صدقت فهذا دليل ضعف و قد ينفيها العقل المتآمر عليه و هي موجودة و تدل على الاختراق و الحكم من وراء الستار و لكن يكذب هذا العقل على نفسه بأنه لولا المؤامرة لما كان هناك تخلف أو هزيمة عسكرية أو حضارية و السبب مرة أخرى الضعف.. نحن في علاقتنا مع الغرب ضعفاء و نلجأ لنظرية المؤامرة لتبرير فشلنا و تخلفنا الاقتصادي و التنموي و الحضاري.

و الحقيقة أن هناك عقلان عقل المتآمر عليه و هناك العقل المتآمر و هذا الأخير عقل جبار متكبر و هذا حديث يطول..

لكن النظرية مسألة و الواقع مسألة أخرى .. نحن نتحدث عن الواقع و الشواهد التاريخية : الغرب منذ هزيمته في الحروب الصليبية و حتى هذه المرحلة التاريخية الحرجة يتخبط ويلعب كما يريد و لا يكاد  يصنع أزمة إلا صنع أزمات أخرى في هذا العالم العربي الاسلامي المأزوم .. قضايانا عادلة و ديننا عظيم و نحن ضعفاء حتى في قول كلمة لا عندما يجب أن نقولها.

ومن جهته قال د. منصور المطيري: في القرن الثامن عشر الميلادي عصر الموسوعات والقواميس يوصف الأوروبيون في محاولة لتحديد خصائصهم بأنهم ” شعوب الأرض الأكثر تهذيبا، الأكثر تمدناً و الأحسن صنعاً، يبزون جميع شعوب العالم في العلوم و الفنون .. في التجارة و الملاحة و الحرب و الفضائل العسكرية و المدنية ، إنهم أكثر بسالة ، و أكثر فطنة و أكثر كرماً و أكثر نعومة و أكثر اجتماعية و أكثر إنسانية ” هذا بالضبط ما ذكره قاموس “تريفو” الصادر عام ١٧٧١م كما ذكر ذلك د. عبدالله ابراهيم . هذه النرجسية التي بدأت بالتشكل عقب سيطرة الإسبان على الأندلس و غرناطة بالذات.. ودفعتها بعض التطورات التالية المهمة كالكشوفات الجغرافية و الثورة الفكرية و العلمية في القرون التالية التي قادت إلى فكرة ” السمو الأوروبي ” و رسخت فكرة عظمة الرجل الأبيض الذي يعلم الآخرين : الدين و العقل و الأخلاق .. ومالت الذهنية و النفسية الأوروبية إلى تصديق نظرية الطبائع التي تعني أن الأجناس البشرية متفاوتة و أن أرقاها الجنس الأوروبي و أن أرقى الأوربيين الإنجليز ثم الألمان ، غير أن هتلر قدم و أخر .. قدم الألمان و أخر الإنجليز ..

لا يمكن أن ننظر إلى الأوروبيين في لحظتهم الراهنة ونتناسى أثر التاريخ و السياق الاجتماعي في تشكيل النفسية و الهوية الأوروبية .. الأوروبي عبر التاريخ سفاك للدماء يميل إلى الإبادة و القسوة في سبيل شيئين: نشر المسيحية الكاثوليكية بالذات قديماً ، ونهب الثروات و سرقتها و الاستغلال الاقتصادي قديماً و حديثاً .. إن قراءة تاريخ  دخول الأوربيين الأرض المسماة ” أمريكا ” أمر مروع و بشع و لم ترتكب فظائعه أمة من الأمم حتى التتار لم يصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء .. ثم الاستعمار و احتلال العالم بفضل السفن و السلاح الناري ..

و لا تزال النفسية الأوروبية هي نفس النفسية التي تتعطش إلى الثروات و تستولي عليها بالقوة إن لم ينفع الرضا ..

نعم خفت التدخلات العسكرية نوعاً ما و تعاظمت التدخلات السياسية و الاقتصادية .. مما أحدث غبناً و قهراً عند باقي الشعوب .. و تتميز الشعوب الإسلامية بميزة الرفض والممانعة لهذا السلوك .. و هناك إصرار على عدم الذوبان يظهر في شكل حركات ناقمة وعنيفة أحياناً..

مشكلة الأوروبيين و الأمريكان منهم بالطبع أنهم يعتدون و لا يريدون أن يرد عليهم أحد .. حتى لو كان الرد حركة يائسة و متهورة .. خطاب بوش و خطاب أولاند واحد ” أن الإرهابيين المتوحشين عديمي الإنسانية يكرهون أسلوب حياتنا .. يكرهون الحرية ” و تستخدم هذه الكليشة لمواصلة التدمير و القتل ضد شعوب بأكملها .. بوش استخدم كلمة الإرهاب أكثر من غيرها بينما استخدم أولاند مصطلح الجهاديين الإسلاميين أكثر من غيرها مما يوحي بالاقتراب أكثر من المفهوم الذي أعياهم عبر التاريخ ..

فعلت أمريكا ما فعلت في العراق أمام سمع العالم و بصره بل و مشاركته و لما هزمتهم جماعات متفرقة خرجوا دون أن يحاسبهم أحد ثم ألقوا باللائمة على الشعب العراقي الذي قاموا بزرع الفتنة داخله بأنفسهم .. الأوربيون لا يسمحون لأحد بالنهوض الطبيعي الذي تختار الشعوب طريقته و اتجاهه .. حدث هذا في الجزائر و في مصر و في فلسطين .. ويحدث هذا الآن في سوريا من خلال إطالة أمد الحرب و من خلال الإصرار على علمانية الدولة القادمة و اختيار قياداتها ..

هذه النفسية الأوروبية جعلت مفكراً مثل جارودي يعتبر أن مفهوم الغرب عارض و طارئ و أن ثقافته شوهاء و أنه أخطر عارض طرأ في تاريخ الكرة الأرضية ، و الذي قد يقود اليوم إلى فنائها.. و جارودي يعتبر الغرب كذاب حتى في ادعائه العراقة و أن له أصولا ممتدة في التاريخ .. بل يعتبره سارقا و عالة على الأمم .. و يضرب مثالاً على ذلك بادعاء وراثته للعقلانية من اليونانيين  حيث يذكر أن اليونانيين من شعوب المتوسط و هم عالة على المصريين كما أن من اشتهر بالتفكير و الفلسفة مجموعة بسيطة من الأشخاص كانوا يحسون بالاغتراب داخل مجتمعهم وكان بعضهم  أحيانا يُقتل كما  حصل مع سقراط على ما أظن بسبب فلسفته..

في العصر الحديث لم يتغير الأوروبيون ، و أكثر ما يخشون المسلمين ، و سنعاني منهم نحن المسلمين حتى ننهض بشروط النهضة و هو موضوع طويل ..

يذكرني وضع الأوروبيين معنا بمشاجرة بين تلميذين شهدتها و أنا أدرس الابتدائية في الطائف.. حيث تشاجر طالب كبير قوي البنية مع طالب أصغر منه بكثير و على الفور قام الطالب الكبير بإسقاط الصغير على الأرض و من ثم قام بتثبيته بركبتيه و كيل الصفعات المتتالية له .. و لكن الصغير أبدى إصراراً على المقاومة و الأخذ بثأره، و كان إصراره واضحاً في كلامه و في نظراته .. طالت المشاجرة و الطالب الضخم الكبير جاثم فوق صدر الصغير الذي لم يتغير إصراره بل يزيد و بعد مدة طويلة و الوضع كما هو لم يتغير فوجئنا بما لم يكن بالحسبان بدأ الطالب الكبير الجاثم فوق صدر الصغير و الذي لم يكف عن صفعه بالبكاء و العويل خوفاً من الصغير لو تركه.. و قد كانت ورطة كبيرة لهذا الكبير تكشفت له أولاً ثم للمتجمهرين..

الغرب مع عالمنا الإسلامي و العربي هم ذات الكبير والصغير و هو على وشك البكاء.. ولعلنا في حياتنا نرى نهضة الصغير.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

( حسب الحروف الأبجدية)

  • ‪د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
  • د. إبراهيم البعيز
  • السفير أ. أسامة نقلي
  • د. الجازي الشبيكي
  • م. حسام بحيري
  • د. حسين الحكمي
  • د. حميد المزروع
  • د. حمزة بيت المال
  • د. خالد الرديعان
  • م. خالد العثمان
  • أ. خالد الوابل
  • د. خالد بن دهيش
  • أ. خالد الحارثي
  • أ. رائد عبدالله الحمود
  • د. زياد الدريس
  • اللواء د. سعد الشهراني
  • أ. سعيد الزهراني
  • أ. سمير خميس
  • د. طلحة فدعق
  • د. عائشة حجازي
  • أ.د. عبدالرحمن العناد
  • د. عبدالسلام الوايل
  • أ. عبدالله آل حامد
  • د. عبداللطيف العوين
  • د. عبدالله بن ناصر الحمود
  • د. عبد الله بن صالح الحمود
  • أ. عبدالله الضويحي
  • أ. عبدالله بن كدسه
  • د. علي الحكمي (رئيس اللجنة الإشرافية على منتدى أسبار)
  • أ. علياء البازعي
  • أ. فاطمة الشريف
  • د. فايز الشهري
  • أ. فايزة الحربي
  • د. فهد الحارثي
  • أ. كوثر الأربش
  • أ. ليلى الشهراني
  • أ. محمد المطيري
  • د. مساعد المحيا
  • د. مسفر السلولي
  • أ. مسفر الموسى
  • أ. مطشر المرشد
  • أ. مها عقيل
  • د. منصور المطيري
  • أ. ندى القنيبط
  • د.م. نصر الصحاف
  • أ. هادي العلياني
  • أ. هيا السهلي
  • أ. يحيي الأمير
  • أ. يوسف الكويليت
  • أساس ومصدر المداخلة هي مقالة سبق وأن نشرها د. إبراهيم البعيز في الهتلان بوست، http://www.hattpost.com/?p=26943

تحميل المرفقات : التقرير الشهري 8

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa