أكتوبر 2017م
ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر أكتوبر 2017م العديد من الموضوعات المهمة والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:
- التقارب السعودي العراقي
- إدارة الفهم وهندسة التجهيل
- قراءة في نظام الجامعات الجديد
- الدولة العربية المعاصرة ومشكلات الجماعات والطوائف
- دور المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي
محتويات التقرير
المحور الأول: التقارب السعودي العراقي
- الورقة الرئيسة: أ. إيمان الحمود
- التعقيب الأول: أ. أسامة نقلي
- التعقيب الثاني: أ. عبدالرحمن الطريري
- إدارة الحوار: د. عبد الله بن صالح الحمود
- المداخلات حول القضية:
- واقع وإشكالات التقارب السعودي العراقي
- التوصيات المقترحة
المحور الثاني: إدارة الفهم وهندسة التجهيل
- الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
- التعقيب الأول: د. مشاري النعيم
- التعقيب الثاني: د. عبدالله بن ناصر الحمود
- إدارة الحوار: أ. عبدالرزاق الفيفي
- المداخلات حول القضية:
- نحو فهم أعمق لمضمون هندسة التجهيل
- الدولة وجهود صناعة الوعي و المعرفة
المحور الثالث: قراءة في نظام الجامعات الجديد
- الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الشقير
- التعقيب الأول: د. إبراهيم البعيز
- التعقيب الثاني: أ.د. فوزية البكر
- التعقيب الثالث: د. حميد المزروع
- إدارة الحوار: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- نظام الجامعات الجديد: رؤية نقدية
- التوصيات المقترحة
المحور الرابع: الدولة العربية المعاصرة ومشكلات الجماعات والطوائف
- الورقة الرئيسة: أ. جمال ملائكة
- التعقيب الأول: د. إحسان بو حليقة
- التعقيب الثاني: أ. خالد الوابل
- إدارة الحوار: د. نوف الغامدي
- المداخلات حول القضية:
- الطائفية والإشكالات المتضمنة
- التوصيات المقترحة
المحور الخامس: دور المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي
- الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي
- التعقيب الأول: د. حميد الشايجي
- التعقيب الثاني: د. عبدالرحمن الشقير
- إدارة الحوار: د. عبدالله بن صالح الحمود
- المداخلات حول القضية:
- واقع ومعوقات مساهمة المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المجتمعية
- التوصيات المقترحة
المحور الأول
التقارب السعودي العراقي
الورقة الرئيسة: أ. إيمان الحمود
في مطلع العام ٢٠٠٥ أجريت حوارا صحفيا مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في الكويت لصالح صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ، كان سؤالي الأول له حول التصريحات السعودية التي تحدثت آنذاك عن استئناف قريب للعلاقات بين بغداد والرياض ، وبعد إجابة لا تنقصها الدبلوماسية همس في أذني قائلا بأن الأمر ليس بهذه السهولة !
بدأت بسرد هذه الحادثة للتأكيد على أن كلام الوزير لم يكن سوى الحقيقة ، فالعلاقات السعودية العراقية مرت بمخاض عسير منذ غزو الكويت في العام ١٩٩٠ مرورا بفترة الحصار المفروض على العراق والقطيعة الكاملة مع نظام صدام حسين ، حتى سقوط هذا النظام والذي استبشر به البعض خيرا على صعيد عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين ، إلا أن الأمر دخل في معترك تعقيدات من نوع آخر.
أعرف بأن هذه الورقة لن تتسع للتفصيل لكنني سأحاول تلخيص أبرز ما عرقل نمو العلاقات بشكل طبيعي بين البلدين عقب سقوط النظام السابق :
- المقاربة الطائفية : يأخذ العراقيون على الرياض استخدامها لمقاربة طائفية في التعامل مع الملف العراقي منذ شعورها بتوغل إيران في مفاصل الدولة العراقية ، وأن الرياض لم تتقبل رفض العراقيين لشيخ عشائر شمر غازي الياور والذي كانت تعول الرياض عليه كشخصية قد تحكم العراق الجديد ، كما أن السعوديين لم يستسيغوا أيضا اللغة الطائفية التي كان الساسة العراقيون يجهرون بها ضد الرياض في أكثر من مناسبة.
- غياب الثقة: ثمة غياب متبادل للثقة بين قيادتي الدولتين، وتبادل لاتهامات سلبية، واختلاف في الأجندة والمواقف السياسية في العلاقة مع إيران وساحات الصراع في سوريا واليمن ولبنان، حيث تميل مواقف الحكومة العراقية إلى جانب إيران وحلفائها، وتعد الأرضية المشتركة للتعاون ضعيفة بين الدولتين، والتطور في العلاقة ما زال في بداياته، وهو ما يشكل تحدياً لتطور العلاقة بين الدولتين.
- التوغل الإيراني : تمتلك إيران العديد من أدوات النفوذ الناعمة والصلبة في الساحة العراقية، تمكنها من التأثير في توجهات الحكومة العراقية وعلاقتها مع جيرانها العرب، ولا ينكر قادة العراق تأثير إيران، بل يثنون على دورها في دعم حكومتهم وأجهزتها الأمنية وفصائل الحشد الشعبي وهو ما كان يساهم في ابتعاد السعودية عن الساحة العراقية والتي باتت تنظر إليها كحديقة خلفية لإيران .
إذا ما حاولنا التركيز على الخطوات المتسارعة التي أعقبت سلسلة الزيارات التي قام بها مسؤولون عراقيون إلى السعودية مؤخرا يمكننا أيضا أن نلاحظ مجموعة من النقاط الهامة التي قد تساعدنا في فهم الواقع الجديد لهذه العلاقة :
- رغبة سعودية في تصحيح أخطاء الماضي والتي أسفرت عن ترك العراق تحت الهيمنة الإيرانية ، ورغم أن السعودية تعرف جيدا أنها لن تحل محل إيران في العراق ، لكن البدء في ربط قنوات الاتصال خاصة مع شخصيات لها وزنها على الساحة السياسية العراقية يبقى خطوة على الطريق الصحيح .
- تغيير المقاربة الطائفية التي كانت مستخدمة سابقا ، إلى مقاربة قومية عبر التركيز على عروبة العراق عوضا عن طائفته ، وهذا يتضح بشكل كبير في زيارة مقتدى الصدر الرجل الذي يصطدم بإيران دائما لأسباب قومية عروبية ، والمعلومات تفيد أيضا بأن رئيس الحكومة حيدر العبادي اختار الاصطفاف إلى جانب السعودية وحلفائها في أزمة قطر مخالفا للتوجه الإيراني للتأكيد على استقلال قرار العراق .
- محاولة حل القضايا الخلافية العالقة ما قد يساهم في إعادة تشكيل هذه العلاقة ، أبرزها قضية الحدود وفتح المعابر ، فضلا عن السماح بتسيير رحلات مباشرة إلى النجف ، والسماح للحجاج الشيعة بزيارة مقبرة البقيع ، كلها بوادر حسن نية تصب في اتجاه تطبيع العلاقة ، لكن السعودية تنتظر أيضا بوادر من الجانب العراقي لعل أبرزها يتعلق بملف المعتقلين السعوديين في العراق .
لا يمكن الحكم الآن فيما لو كانت تلك العلاقات تسير ضمن منهجية واضحة أم أنها مجرد سحابة عابرة فرضتها تطورات المرحلة الراهنة.
التعقيب الأول: أ. أسامة نقلي
أشكر أ. إيمان الحمود على ورقتها حول التقارب السعودي العراقي، وأعتقد أنها لامست بعض الحقائق في ورقتها، غير أنه من المهم استعراض تاريخ هذه العلاقة المضطربة منذ الغزو العراقي للكويت، وما أعقبها من تغييرات جيوسياسية قفزت عليها بعض الأطراف الإقليمية لتغيير المعادلة في المنطقة لصالحها وبما لا يخدم استقرار العراق أولا ولا استقرار المنطقة ثانيا ، أو الأمن والسلم الدوليين اللذان باتا يرتبطان ارتباطا مباشرا بأمن المنطقة، ولعل نمو بذرة تنظيم داعش في تراب العراق وتفشي جذوره في المنطقة والعالم خير مثال على ذلك.
وإذا ما كان استقرار وأمن العراق يشكل أهمية للمنطقة والعالم، فإن حقائق التاريخ والجغرافية تفرض نفسها وبقوة في العلاقات السعودية العراقية، وأعتقد أنه من الخطأ النظر إلى التقارب الأخير بين البلدين أنه يعتبر وليد اللحظة أو نتاج ظروف آنية، بل يعتبر سياسة مستمرة انتهجتها المملكة على مر العقود، وكانت هذه الجهود تصطدم عادة: إما بظروف عراقية داخلية، أو ظروف إقليمية وقفت عائقا أمام عودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي. أما وقد تهيأت الظروف بمصافحة رئيس وزراء العراق السيد حيدر العبادي لليد الممدودة له فإنه من الطبيعي أن تشهد العلاقات تناميا على كافة المستويات بين البلدين الشقيقين.
التعقيب الثاني: أ. عبدالرحمن الطريري
العلاقات السعودية العراقية ظلت في قطيعة مستمرة منذ غزو الكويت (٩٠)، إلى غزو العراق في العام ٢٠٠٣، يستثنى من ذلك التنسيق بين الخارجية السعودية والعراقية وبجهد شخصي من الأمير سعود الفيصل رحمه الله، لمحاولة ثني الولايات المتحدة وبريطانيا عن غزو العراق، لكن الموجة كان أقوى من البحار.
ومنذ بداية غزو العراق، تحركت سوريا وإيران معا لتصدير الإرهاب للعراق، والسيارات المفخخة واستهداف الجنود الأمريكيين، هذا الأمر كان يهدف لتجنيب سوريا ضربة لاحقة بعد العراق، ويسعى لمد النفوذ الإيراني على العراق، وبالتالي دخلت إيران العراق من باب الطائفية على مستوى الشعار، أما على مستوى التطبيق فقد كانت تحاسب الناس حسب الولاء، وكانت في سجلها الإجرامي تعاقب المخالف بإنهاء مستقبله السياسي في أحسن الأحوال، وبتصفيته جسدياً في أسوأ الأحوال.
وهذا الجو الطائفي المحتقن والمدعوم من كونداليزا رايس، أسهم في جعل التحرك في العراق بطريقة غير طائفية إجرامية أمر مثالي، وبالتالي ارتأت السعودية أن لا تدخل العراق إلا بعد أن يهدأ الوضع، مع محاولات دعم سياسي واقتصادي لعدة شخصيات ليست سنية بالضرورة، وعلى رأسها إياد علاوي، حيث كانت السعودية ترغب في دعم العروبيين الوطنيين العراقيين ، وليس المحسوبين على إيران والمنضوين تحت أجندتها مثل حزب الدعوة والإخوان المسلمين.
الْيَوْمَ يأتي التقارب السعودي العراقي كأمر استراتيجي للعلاقة مع العراق، ودعمه للتخفيف من النفوذ الإيراني، وبدأ ذلك بتعيين الوزير السبهان سفيرا بالعراق، والذي ضاقت بوجوده إيران، هذا التقارب عمره عامان، ومرشح ليكون بوصلة تقارب مع المحيط العربي، كما شاهدنا في زيارة مقتدى الصدر لأبوظبي بعد السعودية، وكذلك فتح المعبر الحدودي بين الأردن والعراق.
التقارب الْيَوْمَ هدفه سياسي عروبي، لكن وسيلته الحقيقية هي الاقتصاد، فاللقاء المفصلي في نظري بين لقاءات المسؤولين العراقيين والسعوديين، هو زيارة وزير التجارة والاستثمار القصبي إلى العراق، حيث من المتوقع أن تزيد صادرات المنتجات السعودية الموثوقة كثيرا في بلاد الهلال الخصيب عموما، والتي كانت بالمناسبة جل الصادرات إلى العراق عبر منفذها مع الأردن، فالمنتجات السعودية هي أحد أبرز الأمور التي لم تستطع إيران المنافسة عليها، وللسعودية أيضا ميزة عبر وجود تجار كبار من الزبير ذوي علاقات مع كبار التجار في العراق.
جانب آخر مهم وهو علاقات السعودية الطيبة مع الأكراد، وهذا جانب مهم في حاضر ومستقبل كردستان، سواء انفصلت عن العراق – وهو ما لا أراه قريبا-، أو بقيت ضمن العراق الموحد.
ختاما، يجب الإشارة إلى أن إدارة أوباما خلال فترتين سلمت الخيط والمخيط في العراق لإيران، وليس أدل من ذلك اختيار المالكي لرئاسة الوزراء رغم حصد إياد علاوي لأصوات أكبر.
بالتالي ، يجب إدراك أن السعودية دائما ما سعت لعلاقات أفضل مع العراق، وصحيح أنها تأخرت، لكن أيضا كان لدى المسؤول مؤشرات سياسية ربما دفعته للتروي، الْيَوْمَ هناك تقارب استراتيجي، مع كامل الإدراك بأن العراق أرض مليئة بالشوك الإيراني.
المداخلات حول القضية:
- oواقع وإشكالات التقارب السعودي العراقي
استهل أ. عبدالرزاق الفيفي المداخلات حول قضية التقارب السعودي العراقي مستشهداً بالآية الكريمة: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذكر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ أن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))
هناك تأسيس في القران الكريم لمبدأ التقارب ، جعل من القبيلة شكلا ، ومن الشعوبية شكلا ؛ وكأن تحقيق التقارب والتعارف داخل كل شكل متحد سهل بل طبيعي ؛ ولكن التحدي الذي أتى به القران أنه أوجد جسرا لتعارف وتقارب شكلين مختلفين مع أنهما متداخلين هما ( شعوبا – وقبائل ) ؛ وكأن القران الزم الشكل الأكبر شعوبا أن يكون متقاربا مع الشكل الأصغر القبائل الذي هو نواة للشكل الأكبر ؛ لذلك أتى في الآية بوصفين أكرمكم = اتقاكم ؛ وعليه لكي تتوافر الحالة التقاربية الكريمة لابد من إنشاء حالة من ( التقوى ) التي تتلخص في ( العدل ) في التعامل ما بين الشعوب والقبائل ، والذي قد يكون من نتائج التطبيق الصحيح للتقوى ( العدل المجتمعي ) هو شكل مدني أكثر إنتاجا وتفاعلا مع الحياة والعكس بالعكس.
ومن وجهة نظر د. عبد الله بن صالح الحمود فإن مسألة التقارب بين مجتمع وآخر لا يمكن له أن يتحقق دون إيجاد جهود مضنية ، ودون توافر تنازلات عديدة ، ودون قبول ديانة الآخر أو مذهبه ، حتى فهم ثقافة ما تود أن تتقارب معه هي الأخرى تعد إحدى المحددات أو الأدوات التي تسهم في تقارب بناء.
العراق حالة خاصة ، فهي خليط من ثقافات ومذاهب عدة ، ليس بالأمر الهين أن تحقق معه وفاق أو علاقات وطيدة على مدار زمن قصير ، العراق وأهل العراق لهم خصوصية تختلف عن الخصوصية الخليجية أو المغاربية ، لهذا فإن مسألة الدعوة مع العراق إلى تقارب مها تكن درجة المؤمل منه أو الرجاء إليه لن يتم ذلك بصورة سهلة أو ممكنة خلال مدة زمنية قصيرة ؛ إنما ذلك لا يعني عدم القدرة أو الاستسلام عند نقطة محددة تمنع من الوصول إلى تقارب ولو نسبي أو على الأقل مرضي.
إن الصعوبات التي تواجه أي تقارب عراقي ، هو وجوب الموائمة ببن المذهب الشيعي والذي يعد الأعلى نسبة في العراق والمذهب السني ، فلابد من قبول كلا المذهبين ، وهذا يشير وبجلاء إلى أن التقارب لن يتحقق إلا من خلال تضحيات إذا ما أردنا كسب هذا التقارب ، ودون أدنى شك فإن ذلك يحتاج بناء قوي وصبر طويل.
اليوم أصبح التقارب السعودي العراقي مطلب ملح للغاية ، خصوصا أمام التجاذبات المستمرة بين السعودية وإيران ، أيضا المقاطعة مع قطر ، كل هذه المواقف تسوق بنا إلى وجوب بناء تقارب لابد من الإتيان به مع دولة العراق ، بالرغم من الصعوبات والثمن المكلف الذي سوف يكون باهظا أمام بناء علاقات ولو شبه قوية معه ، فليس أمام السعودية من حل آخر غير بناء علاقات مميزة مع العراق.
الخطوات الأخيرة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية ، منذ زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، وأعقبها زيارة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر ، والتي أتت بدعوة رسمية من السعودية هي الأولى منذ آخر زيارة قام بها للرياض قبل 11 عاما ، هذا يدل أن الحكومة السعودية قد عزمت النية على البدء في تطوير علاقات متعددة المجالات مع دولة العراق ؛ ولأن من أسباب درء المخاطر الإيرانية تجاه السعودية والمنطقة ككل هو السعي إلى بناء علاقات أكثر قوة مع العراق.
وأوضح د. خالد الرديعان أنه حدث شرخ كبير في العلاقات السعودية العراقية بعد سقوط العراق بيد الأمريكان (٢٠٠٣) أولاً ثم إيران في العام الذي انسحب فيه الأمريكان (نهاية عام ٢٠١١).
اعتقد العراقيون دائماً أن المملكة كانت تصدر مقاتلين جهاديين إلى العراق وقد روجت حكومة نوري المالكي لهذه الأكذوبة كثيراً. و استغلت إيران هذه الكذبة بالقول أن هؤلاء المجاهدين السعوديين يحملون فكراً وهابياً متطرفاً يعادي الشيعة عموماً، في حين أن المملكة كانت حازمة جداً في مسألة تسلل البعض إلى العراق ومحاربة الإرهاب بلا هوادة؛ فمن كانت تقبض عليه من المتسللين كانت تعيده وتحتجزه وتعاقبه.
والذي كرّس هذه الكذبة عند العراقيين هو أن بعض مقاتلي الزرقاوي أولا وداعش لاحقاً كانوا للأسف من السعوديين المنتمين لداعش والمتعاطفين مع فكرهم حيث يبدوا ويأتون بعد التونسيين من حيث العدد وخاصة في داعش، وبالتالي أوهمت حكومة نوري المالكي الشعب العراقي أن السعودية تصدر دواعش إلى العراق وأنها تمول ذلك.
إيران بهذا الوضع قدمت نفسها كمنقذ للعراق في حين أنها كانت تخطط لما هو أبعد (ابتلاع العراق وضمه للإمبراطورية الفارسية) أو على الأقل فصله عن محيطه العربي وجعله تحت النفوذ الإيراني وهو ما تبين لهم أهميته بسبب حربهم الطويلة مع صدام والخوف من قدوم حاكم سني يشبه صدام.
إيران كانت دائماً قلقة من العرب السنة وهم الذين كانوا يحكمون العراق طوال تاريخه الذي تلى ثورة ١٩٥٨ ضد الملكيين السنة كذلك (حكم قاسم، والعارفان عبدالسلام وعبدالرحمن، والبكر، وصدام). وبالتالي كانت خطة الإيرانيين تهميش سنة العراق العرب للتخفيف من نبرة العروبية ولضمان عدم عودة العرب السنة إلى حكم العراق حتى لو كانوا من العلمانيين؛ كالتكريتيين.
وقد لعب الإعلام الإيراني والمعادي للمملكة دوراً واضحاً في ترويج الكراهية للسعودية ولاسيما أن من أمسكوا بالسلطة في العراق بعد أياد علاوي هم من حزب الدعوة المدعوم من إيران والذي كان دائماً على عداوة مع المملكة؛ بسبب دعمها لصدام حسين أثناء حرب الثمان سنوات مع إيران.
كان من مصلحة إيران والوضع كذلك بقاء السعودية خارج التأثير في العراق وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير. ويبدو أن المملكة لم تتوقع أبداً أن يكون هناك تعاون وثيق بين أمريكا وإيران في العراق، وربما مقروناً برغبة المملكة في الابتعاد عن العراق بمبرر أن الأمريكان سيقومون بما يلزم لضمان عدم اعتداءه على الكويت أو المملكة وأن وجود المملكة في العراق ربما لن يكن مقبولاً وهي التي سهلت للأمريكيين هزيمته في حرب الخليج الأولى ٩٠-٩١م.
هذه المسألة متجذرة في وجدان العراقيين أي كراهية السعوديين وتسهيل هزيمة صدام، رغم كراهيتهم له و للفترة الصدامية. سيكولوجية العراقيين – وهو رأي شخصي كما يقول د. الرديعان – أنه لا يمكن أن تأمن جانبهم؛ فهم يغيرون مواقفهم تجاه المملكة بسرعة، ولديهم عقدة الخليجي الغني وخاصة عندما ينظرون إلى فقرهم (نسبياً) وثرواتهم التي بددها نظام صدام حسين على الحروب ولصوص الحرب الذين جاءوا بعد صدام، ولذلك هم كشعب لا يكنون مودة للشعوب الخليجية ويرونها أقل من العراقيين فكرياً وثقافياً عدا أن الخليجيين أغنى منهم مادياً.. هذه الصورة تم تعميقها من خلال بعض الكتّاب العرب ومنهم محمد حسنين هيكل ومقولة توزيع الثروات وقضية العرب الأغنياء والعرب الفقراء. لا يمكن بالطبع التخلص من هذه الأفكار أو محوها بين يوم وليلة.
و ذكرت أ. إيمان الحمود أننا قد نتفق أن السعودية تأخرت في تطبيع العلاقات مع العراق على حساب تمدد النفوذ الإيراني؛ لكن يجب أن لا ننسى أن الأحزاب التي تأسس معظمها على أساس طائفي واستوردت من إيران، وهذه معلومة فكل الأحزاب العراقية مستوردة ولا يوجد في تاريخ العراق أي حزب عراقي بما في ذلك حزب البعث، كل تلك الأحزاب تآمرت بشكل ما أو بآخر على ملف عودة العلاقات بل وتم العمل على الرأي العام من أجل رفض أي عودة للعلاقات مع السعودية طوال تلك الفترة.
بينما يرى أ. عبدالرحمن الطريري أن بإمكان العراق التوجه سياسيا للانسجام مع محيطه المتنوع بشكل متوازن ، المحيط العربي والخليجي بما يشمل الأردن وسوريا إضافة إلى الخليج وكذلك إيران وتركيا كأطراف غير عربية. الموضوع ليس قلب صفحة والانتقال لصفحة أخرى ، فيما يخص الخليج من المهم للعراق أن يكون له علاقات جيدة مع الكويت والسعودية أولاً.
وفي هذا الإطار ترى أ. إيمان الحمود أن السعودية حتى الآن هي الدولة الخليجية الأخيرة المتأخرة في موضوع العلاقات مع بغداد. بينما في تصور أ. عبدالرزاق الفيفي فإن العراق الآن أقرب إلى تركة متنازعة، لذلك لا نستطيع الجزم أن له رأس وقيادة واحدة حقيقية؛ ومن ثم كيف ينبغي للسعودية التيقظ لهذه النقطة حتى تكون خطوتها التقاربية متوجهة لصالحها وصالح العراق والمنطقة تقاربيا لا استنزافيا لها؟
وباعتقاد أ. إيمان الحمود أنه يمكنها ذلك عندما تختار الأشخاص المناسبين لقيادة هذا التقارب. في حين يرى أ. عبدالرحمن الطريري أنه ممكن بمثل ما تفعل الآن بالتقارب مع عدة أطراف لديها رغبة جادة في الابتعاد عن إيران ولو قليلا والاقتراب من مصلحة العراق أولاً.
لكن باعتقاد أ. عبدالرزاق الفيفي فإن السعودية دولة ملكية ومن أدبياتها أنها تحب التعامل مع رأس واحد وليس عدة رؤوس متشاكسين؛ لذلك قد يكون تأخرها هو أنها لم ترى حينها ما يدفعها إلى الثقة التي وردت بالورقة الرئيسة.
الفكرة أن السعودية في تاريخها تتفاعل مع المتوافق أكثر من المتشاكس ، وتحجم كثيرا عندما ترى التشاكس وقد يضيع عليها ذلك الإحجام فرص مهمة بل قد يبعث مهددات كانت نائمة ، تغير سياستها من عهد الملك سلمان – وفقه الله- تغيرت؛ صارت أكثر جرأة على الدخول في المعترك كلاعب مهم بل محوري ، ولننظر إلى اليمن – سوريا – والعراق الآن. قبل خطوة التقارب السعودي العراقي هناك خطوة التهيئة لأن الخطوات السياسية ينبغي أن تبنى بشكل متسلسل لكي تثمر.
وأضاف د. حميد المزروع أن التعاون الثقافي والفني المشترك يساهم أيضا من تخفيف التوتر بين الشعوب والتي شحنت مِن قبل الإعلام المسيس.
ومن جانبه قال د. عبدالله العساف: كنت من المتابعين لما كتب في الصحف العراقية ووسائل التواصل الاجتماعي، حول زيارة العبادي والصدر للسعودية، وبطبيعة الحال كان هناك فريقان مؤيد ومعارض، فالمعارض يحتج بموقف المملكة من العراق خلال السنوات السابقة ، والمؤيد لعودة العراق إلى حاضنته العربية التي لن تسرق نفطه ولن تفرق في التعامل بين شعبه، وهنا يأتي دور السعودية في بث التطمينات وبناء الثقة وسحب البساط تدريجياً من إيران، أو على الأقل مزاحمتها تدريجيا وعدم نفض يدها نهائيا من العراق.
وأكد د. حمزة بيت المال أنه لا خلاف حول أهمية عودة العراق للمحيط العربي، وذلك كما وضح من مقدمة الورقة والتعقيب وما نتفق عليه جميعا. ويبدو أن موضوع عودة العلاقات لن يكون بالأمر السهل فنحن نتكلم عن ثلاثين عاما من القطيعة والصراع جيل كامل؛ وهذا خلق نوع من العداء المجتمعي العام للمملكة وبالأخص عند معرفة أن الخطاب الإعلامي طول هذه المدة كان يوجه اللوم للسعودية.
وتساءل أ. عبدالرزاق الفيفي: هل يمكن استثمار الترابط بين القبائل السعودية العراقية وتفعيل دور رموزها والمؤثرين؟ وباعتقاد أ. إيمان الحمود فإنه أمر ممكن؛ ولكن بشرط اختيار أشخاص على الأقل لديهم دراية بالمكون الداخلي العراقي وكيفية التعامل معه.
أما د. حميد المزروع فلا يعول كثيرا علي البعد القبلي بالعراق ، فلقد حاولت المملكة سابقا و بعد سقوط صدام حسين ودعمت ترشيح رئيس الجمهورية غازي الياور ، إلا أنه لم يتمكن من خلق التوازن السياسي المطلوب بين العراق والسعودية ، وربما قزم المالكي المدعوم من إيران من صلاحياته. المرتكزات الحديثة للتعاون بين الدول تعتمد علي المصالح المشتركة وليس علي الولاءات القبيلة وإن كانت الأخيرة مهمة بالبعد الاجتماعي .
بينما أوضح أ. مطشر المرشد أنه تم تفتيت منطقة القبائل السنية وتم تهجيرهم واستبدالهم بأسر المليشيات لكي تصبح عمليه التقارب مدروسة. ومن جهة أخرى فأن تحمل اسم أو لقب قبيلة معينة لا يعني الانتماء بالأصل خاصة في دول ( الأحزاب و الجمهوريات القمعية ). الجبور و كثير من القبائل العراقية الأصل بحكم تواجدها ومواطنتها في العراق تختلف عن شمر والقبائل الرحل الأخرى أي الذين قدموا للعراق وسوريا من الخارج. عنزة وشمر ومن ينتمي بالأصل لتلك القبائل بالأساس بدو رحل وتنقلوا من إلى وسط المملكة وشمالها ، وهم بالكامل من أهل السنة والجماعة. بل اكتشفت إيران أيام تكوين قوات ومليشيات القبائل ( بريمر ) أن تلك القبائل قد تشكل عمق استراتيجي للمملكة العربية السعودية ولذلك تمت المحاصرة و التطهير العرقي وهجرت الكثير من القرى بمحاذاة الشريط الحدودي منها قرية النخيب التابعة لعنزه وتبعد ٦٠ كلم من جديدة عرعر.
وأضافت أ. إيمان الحمود أنه مع الأسف هذا الأمر طال حتى المناطق المحسوبة على السنة في الأنبار تم ترحيل الشيعة منها إلى بغداد والجنوب ؛ فأهل الزبير والكويت باعوا بيوتهم ومزارعهم بأسعار خيالية في البصرة لتجار يرغبون في تغيير ديموغرافية المنطقة لحساب المكون الشيعي. ويرجع السبب برأي أ. مطشر المرشد إلى أننا أدرنا ظهورنا لتلك القبائل ، واختياراتنا كانت تجامل الطرف الأمريكي ويقودها أشخاص داخل المملكة ليس لديهم دراية كافيه بطبيعة التركيبة القبلية ومكامن الثقل والقوى في الساحة العراقية.
وأوضح أ. محمد بن فهد العمران أنه في الدولة السعودية الأولى، كان جنوب العراق بأكمله (و يشمل ذلك الزبير و الناصرية و النجف) يخضع للدولة السعودية؛ و هذا هو سبب اغتيال ثاني حكامها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، والذي قتله أحد سكان النجف للانتقام منه حيث أتى للدرعية متظاهراً بالولاء ثم قتل الإمام عبدالعزيز و هو يصلي في مسجد الطريف بالدرعية القديمة.
و يجب أن نلاحظ أن الأمام محمد بن عبدالوهاب في شبابه عاش فترة من حياته في البصرة و التقى فيها علماء الشيعة و دارت بينهم حوارات و مناظرات. و توسع الدولة السعودية الأولى لاحتلال جنوب العراق لم يأتِ عبثاً و لعل له علاقة بما شاهده الأمام محمد بن عبدالوهاب في العراق.
وأكد أ. عبدالرزاق الفيفي على أن عدم إدراك طبيعة التركيبة القبلية ومكامن الثقل والقوى سيحدث تصدع وإضعاف لأي حالة تفعيل واستثمار لهم. لماذا لا نعتبرها مثلما تعتبر أمريكا وبريطانيا بعض الجماعات ذات الانتمائية الواحدة الشبيهة بالقبلية بل ترعاها وتحافظ على خصوصيتها وتستثمرها في تحقيق المواطنة الشاملة.
واستكمل أ. مطشر المرشد بأن نفس الخطأ يتكرر على الساحة اليمنية؛ بل إن بعض الدوائر الحساسة ليس لديها دراية كافية حول التركيبة القبلية وتحالفاتها في الداخل. إن عدم وجود عقدة القبيلة vs الآخر أدى إلى أن نجاح البريطانيين والأمريكان في تحييدنا وتحييد القبائل وفتح الساحة على مصراعيها لإيران وأتباعها. القبيلة واضحة ومن الداخل شفافة لدرجة أنه من المستحيل أن ينصهر في داخلها أي مكون خارجي بهذه السهولة .. مثلا نحن جميع نعلم بأم القبايل تتكون من أحلاف وأسر تداخلت بها من قبائل أخرى قبل مئات السنين ( ورغم أن تلك الأحلاف والأسر تنتمي لنفس المذهب والعرق الخ إلا أننا اليوم وبسهولة نستطيع معرفة من هو بالأساس من تلك القبيلة أو دخيل عليها ) لذا من الصعب انصهار حتى من تحول مذهبه في قبيلة ذات أصل ومنبع سني.
أما د. عبدالله العساف فيرى أن هناك تداخل عشري وقبلي، وبعض الأسر الذين فضلوا البقاء في هذه الدول أثناء رحلة البحث عن لقمة العيش، ولا يعني الانتماء لقبيلة ما أنها سنية 100% أو شيعية ؛ فالتصاهر والتجاور بين الأسر والقبائل وكان من العيب أن يسأل المرء جاره ومن يتعامل معه عن مذهبه، فكان البيت الواحد يضم الأب السني والأم الشيعية والعكس، حتى عام 2003 وجاءت إيران ومعها الطائفية التي اخترقت النسيج الاجتماعي للعراق وجعلت الإنسان يقتل على هويته واسمه ولباسه.
ويعتقد أ. عبدالرزاق الفيفي أن السعودية حريصة على تفعيل الدور السياسي في التقارب ليأسها من المكونات العشائرية والقبلية العراقية لهشاشتها وافتقادها لكثير من أخلاق القبيلة المهمة والتي انسلخت منها بعض القبائل بسبب عوامل التعرية التي سببتها الحرب و الفوضى. وذكر أ. مطشر المرشد أن السبب تولي أشخاص ليسوا من ذوي الاختصاص أو أشخاص بخلفية قبلية ولكن سيطرت عليهم العنصرية القبلية.
ومن ناحيته أشار د. خالد بن دهيش إلى أنه بعد حرب العراق وإيران التي امتدت لثمان سنوات زار الملك فهد رحمه الله العراق إبأن حكم صدام للعراق وعقد عدة اتفاقيات منها اتفاقية رسم الحدود.
وبعد ذلك حصل ما حصل من غزو العراق للكويت١٩٩٠و غزو أمريكا وبريطانيا للعراق ٢٠٠٣ التي خلفت التوتر و الانهيار الأمني وظهور داعش فوجدت إيران فرصتها للتدخل القوي فزرعت بذور الطائفية البغيضة من خلال تقوية الأحزاب الشيعية التي حاولت أن تتهم المملكة بالتدخل في شؤون العراق بدعم فئة على فئة – وهذا الأسلوب ليس من سياسة المملكة إطلاقاً.. فكان من الطبيعي أن تبتعد المملكة عن العراق سياسياً، وحتى بعد إعادة العلاقات وتعيين السفير السبهان لم تتقبله تلك الأحزاب و طالبت بإبعاده حتى وصل الأمر إلى التهديد والتخطيط العلني بقتله.
وتطرق د. إبراهيم البعيز إلى البعد الثقافي في العلاقات السعودية العراقية. وبدأ بخلفية تاريخية عن هذه العلاقات، فتاريخياً كانت المدن العراقية – وبخاصة البصرة والزبير – مقصدا للكثير من طلبة العلم من نجد والأحساء والحجاز لدراسة العلوم الدينية، وبذلك بدأت المعالم الأولية للتواصل الثقافي السعودي العراقي، وقد تجسد ذلك بشكل واضح في “مدرسة الدويحس” (نسبة إلى مؤسسها دويحس بن عبدالله بن شماس) التي تأسست في أوائل القرن الثاني عشر هجري واستمرت إلى عام 1378هـ، وقد تخرج من هذه المدرسة علماء درسوا المذاهب الفقهية بعد أن حفظوا القرآن وتدارسوا علومه من التفسير والحديث وأصوله والفرائض وعلوم اللغة والنحو والصرف والآداب، وليعودوا إلى الأحساء أو نجد أو الحرمين الشريفين ليعلموا العلوم الشرعية واللغوية. وقد شجعت هذه السمعة المميزة والمكانة العلمية والثقافية المرموقة للمدن العراقية الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – أن يذهب إلى البصرة لتلقي العلم فيها حيث درس علوم الشريعة وعلوم اللغة العربية.
تمثل الهجرات النجدية وإقامتهم في مدينة الزبير أيضا معلما بارزا في تاريخ التواصل الثقافي / الاجتماعي مع العراق. فقد كانت الظروف الاقتصادية سببا لهجرة الكثيرين من سكان وسط المملكة إلى العراق طلبا للرزق، حيث استقروا في مدينة الزبير. وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من أبناء نجد في الزبير ممن تعلموا في الجامعات العراقية، عادوا إلى المملكة وتقلدوا مناصب ووظائف إدارية قيادية في القطاعين العام والخاص.
التواصل الثقافي والعلمي مع العراق لم يكن مقتصرا على السنة فقط، حيث أن الأكثرية من أبناء الطائفة الشيعية في الأحساء يرتبطون في مرجعيتهم الدينية بمرجعيات عراقية متمثلة في أية الله علي السيستاني، وآية الله محمد تقي المدرسي، كما يتجسد ذلك في الزيارات الدينية المستمرة للنجف وكربلاء.
أثّرت الاضطرابات السياسية التي شهدها العراق على علاقاته بجيرانه، والمملكة العربية السعودية لم تكن مستثناة من ذلك. فعلى الرغم من تلك القواسم والروابط المشتركة بين المملكة والعراق بأبعادها التاريخية والجغرافية، إلا أن العلاقات الثقافية بين البلدين لم تصل إلى مستوى يتسم بالاستدامة كتلك العلاقات الثقافية التي تربط المملكة بدول عربية أخرى – مثل مصر وسوريا ولبنان – تتشابه أو تتقاسم مع العراق في الثقل والحضور الثقافي في المنطقة.
كانت ولا تزال العلاقات الثقافية السعودية العراقية محدودة في كل أبعادها ومحاورها التعليمية والإعلامية، فالمملكة لم تستقدم من العراق – كما كانت الحالة مع الدول العربية الأخرى – معلمين وأساتذة جامعات إلا فيما ندر، كما لم يكن للجامعات السعودية من تعاون يذكر مع نظرياتها العراقية. أما على المستوى الإعلامي، فقد كانت المملكة هدفا لحملات إعلامية عراقية في عقدي الستينيات والسبعينيات، وذلك من خلال إذاعات سرية موجهة، ومن خلال مطبوعات ومنشورات إعلامية استمر توزيعها حتى أوائل الثمانينيات.
وذكرت د. الجازي الشبيكي أن التساؤل الذي يدور في ذهنها حول قضية التقارب السعودي العراقي هو: هل كانت ديكتاتورية وقوة وهيمنة الرئيس الأسبق صدام حسين عاملاً إيجابيا فيما يخص وحدة الرؤى العراقية في علاقاتها الخارجية وهذا ما تنادي به السياسة الديموقراطية الحديثة بشكل عام؟
و هذا التساؤل محير ، ونكاد ننفرد بهذا الوضع في بلداننا العربية !! رئيس دكتاتوري قوي صارم يوحد جميع الطوائف والتكتلات العشائرية والمذهبية، وأي نظام ديموقراطي في بلداننا العربية ذات النظام الجمهوري سيكون معرضاً للفشل بسبب الأهواء والمصالح الطائفية والعشائرية والمذهبية.
وعقب أ. عبدالرحمن الطريري بأن دكتاتورية صدام أورثت من لا يستطيعون ممارسة الديموقراطية ، لأنهم تعاطوا مع الخوف ومع الرأي الأوحد ، بالإضافة لنخبة حاكمة رعتها إيران لسنوات، وهذا ما أورث شخصا أكثر ديكتاتورية وهو المالكي، استخدم الفساد كأداة لتحقيق المصالح السياسية … الوضع بدأ يتغير خصوصا مع ظهور تيار جماهيري شيعي كالتيار الصدري، لكن ما زال العراق يحتاج الكثير من الوقت ليصل للنضج الديموقراطي ، ومشكلة استقلال الأكراد ستكون مربط الفرس في مستقبل العراق الموحد وبالتالي خياراته السياسية ، ومستقبل علاقاته مع محيطه.
بينما أشار د. إبراهيم البعيز إلى أن هناك دراسة عن تجارب الديمقراطية في العالم ومدى وصولها إلى مرحلة النضج ، وتقوم هذه الدراسة على نظرية أن الديمقراطية ليست سلعة تستورد بل تجربة تحتاج إلى فترة لتصل إلى مرحلة النضج ، وتتفاوت الدول في المدة التي تستغرقها حتى تقترب من مرحلة النضج والقبول ، ففي المتوسط من تجارب العالم تحتاج إلى ٣٠ سنة فالدولة التي بدأت التجربة حتما ستصل قبل الدولة التي لم تبدأ بعد (ناهيك عن الدول التي لم تفكر أساسا بخوض التجربة) أمريكا وصلت مدتها لتصل إلى مرحلة ما هي عليه الآن ١٠٠ سنة. وبالعودة إلى تجربة العراق فإن حكم ديكتاتوري مثل صدام ليس هو الحل الأفضل – هو فقط يخفي العيوب التي ستظهر بزواله – تجربة الديمقراطية تحتاج إلى تضحيات والنجاح مرهون بالقدرة على تحمل تلك التضحيات، هل هناك دولة نجحت في تجربتها الديمقراطية دون تضحيات؟
وبدوره أوضح أ. عبدالرحمن الطريري أنه لا يقول أن الحكم الديكتاتوري هو الحل ، ورغم ما تحتاجه الديموقراطيات من عقود للنضج، في الحالة الألمانية ستة عقود ، لكن ليس بالضرورة أن يكتسب هذا النهج الديمومة ، فمع ظهور داعش رأينا زحف اليمين في أوروبا ، لكن إجراءات صيانة الدستور ورعايته للممارسات السياسية يبقى الأهم وربما الضامن.
وفي مداخلته حول قضية التقارب السعودي العراقي قال د. مساعد المحيا: المشهد اليوم بشأن علاقاتنا مع العراق يظهر تطورا ملحوظا لاسيما بعد قطيعة طويلة ويبدو أن هذا جاء برغبة وقناعة لدى قادة البلدين في إنهاء هذه القطيعة وتجاوز الخلافات، أو تحييدها ولو مؤقتا.
السؤال المهم ..هل لدى العراق القدرة على الاستقلال بالقرار .. بعيدا عن الهيمنة الإيرانية … أظن المملكة تتوجس خيفة من كل خطوة تخطوها العراق وتخشى أن تكون هذه الخطوات غير جادة.
المملكة مؤخرا اتفقت مع العراق بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للمملكة على تأسيس (مجلس تنسيقي) بينهما شمل الاهتمام بالمجالات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية والارتقاء بعلاقاتهما إلى المستوى الاستراتيجي واتخذت إجراءات ميدانية واتفق على فتح خطوط طيران.
إن العلاقات السعودية العراقية لا تزال في مرحلة قريبة من الصفر برغم كل ما تم حيث تواجهها الكثير من التحديات التي تحول دون عودتها لمرحلة ما قبل 90؛ فالحديث عن تعزيز التعاون يحتاج لبناء الثقة والثقة لا تكون إلا مع طيف عراقي يمتلك قراره ويقدر مصالح العراق أكثر من المصالح الإيرانية لأن اللغة الإنشائية المتفائلة بتطوير العلاقات وتعزيز التعاون لتحقيق مكاسب مشتركة تتحطم أمام حجم التباين في المواقف تجاه مختلف القضايا الإقليمية إضافة لطبيعة الحكومة العراقية الطائفية التي أصبحت جزءا من القرار الإيراني.
هناك من يؤمل أن تنجح المملكة في تقاربها مع العراق في تحييد إيران والانكفاء عليها؛ لكن ذلك يتطلب أن نستصحب أن العراق تعمل فيه إيران منذ سنوات لتغيير ديموغرافيته وبالتالي قراراته .. ومن الصعب تصور أن نحقق ما نؤمل دون أن يكون هناك مخاطر على أمن المملكة لاسيما بعد أن اختلت موازين الديموغرافيا في العراق لتصبح الكتلة الشيعية هي المتحكمة بالقرار سياسيا وأمنيا وعسكريا .. ما جرى في لبنان وما جرى في سوريا ينبغي أن يكون حاضرا أثناء أي تصور للمستقبل في العراق … أيقن أن المملكة ليست بالخب ولا الخب يخدعها.
وتعقيباً على هذا الطرح الأخير يعتقد أ. عبدالرزاق الفيفي أن أي مؤسس لدولة أو أي شيء آخر هو الأقدر على فهم الاحتياجات والمتطلبات والواجبات والمحذورات أكثر ممن يأتي بعده ؛ لذلك لزم أن تحول رؤى المؤسس وخطواته لاستراتيجيات تمكين وحماية وبناء لجناب الدولة ، والبعد عن ذلك بعد عن قوة التمكين.
وحصر أ. عبدالرزاق الفيفي المهددات التي تهدد التقارب السعودي العراقي في كل من:
1- عدم إدراك طبيعة المكونات القبلية والعشائرية ، وعدم فهم ميزان القوى داخلها وخارجها على مستوى الساحة العراقية. وهذا أدى لأمرين :
- عدم القدرة على استثمارها بالشكل الأمثل.
- التعامل غير الواعي معها بطبيعتها أفرزت إشكالات عمقت الحالة.
2- عدم كفاءات فريق العمل من الجانب السعودي أو العراقي ستسهم في إفشال حالة التقارب، وعدم كفاءتهم تتمثل في عدم الوعي بطبيعة مكونات العراق السياسية والقبلية.
3- افتقاد البنية العراقية السياسية والعشائرية للمقومات الأخلاقية الضابطة بسبب حالة الحرب و الفوضى والتهديد و الفساد المالي لشراء الذمم والمواقف.
- oالتوصيات المقترحة
أشار د. حمزة بيت المال إلى حتمية عودة العلاقات السعودية العراقية كضرورة ثقافية وجيوسياسية، لذا فمن المناسب أن يتم تشكيل فريق عمل مستقل لدراسة ووضع الخطط المناسبة للتطبيع؛ قد يكون في شكل مركز دراسات للشأن العراقي؛ بحيث يشمل التخطيط جميع الجوانب ولا يقتصر على الشأن السياسي والاقتصادي.
وفي تصور م. سالم المري فإن التقارب مع العراق خطوة إيجابية وفي الطريق الصحيح. لكن يجب أن تكون الأهداف محددة وواضحة في هذه الفترة العصيبة من تاريخنا حيث عاد الفرس للسيطرة على المشرق العربي بعباءة الولي الفقيه وبحجة نصرة المظلومية الشيعية التي قد يكون لها ما يبررها في بعض الدول ولكنها ليست مبررا لحروب طاحنة تفتت الدول العربية لصالح إيران وإسرائيل.
ولذلك فمن المهم – كما ورد بالورقة الرئيسة – تحويل المشهد السياسي من المقاربة الطائفية إلى المقاربة القومية فغالبية أهل العراق عرب سنة وشيعة و لن يكون لدى السعودية مدخلا أكثر مناسبة في العراق مما قالت أ. إيمان عن طريق القومية العربية. فالسعودية هي قلب الجزيرة العربية والوريث الحقيقي للعروبة الحقة يؤيدها في ذلك الموروث الشعبي ذو التوجه القومي العربي القوي وماراثون وحدتها الذي حققته إرادة سياسية مدعومة بحاضرة وقبائل العرب. وهذا يمكن أن يكون له دور في التأثير على التوجه السياسي في العراق من خلال الدعم والشراكة الحقيقية مع الأحزاب والتنظيمات الشيعية ذات الانتماءات العربية كالصدر وغيره من العلماء العرب الشيعة المناهضين للنفوذ الإيراني أو على الأقل غير الراضين عنه. وهذا ينطبق على المرجعيات الشيعية العربية المناهضة للهيمنة الفارسية، كذلك أيضا يمكن دعم الأحزاب والمنظمات القومية وتغليبها بشكل ناعم. حتى بقايا حزب البعث في العراق كعلاوي وغيره سيمثلون عوامل مهمة في نجاح التوجه السعودي في العراق إذا تم دعمهم وتنشيط دعايتهم وفلسفتهم المناهضة بشكل طبيعي لوجود النفوذ الإيراني في العراق، أضف إلى ذلك كل قوة أخرى مناهضة للكهنوت الإيراني المبني على فكر ثيوقراطي ديني طائفي كالقوى اليسارية العربية في العراق فالمسألة في النهاية معادلة قوى وقناعات.
ويرى د. خالد بن دهيش أن العراق بقيادة العبادي أصبح أكثر نضوجاً للعودة لحضن المملكة التي تمثل العمق الاستراتيجي للأمتين العربية والإسلامية. وهذا ما أقدم عليه أيضا مقتدى الصدر للبعد عن الدولة الفارسية بأطماعها التوسعية على حساب الأمة العربية والابتعاد عن الطائفية، لذلك من المهم أن تدعم حكومتنا هذه التوجه وترعاه وتتمسك به وتسعى لاحتواء بقية الأحزاب العراقية الشيعية والسنية بنفس المستوى وتتعامل معهم على أساس ينبع من عروبة المنطقة التي أوشك الفرس على اختطافها عندما تبجح رئيس البرلمان الإيراني وبعض قادة إيران فقالوا أن أربع عواصم عربية أصبحت فارسية.
واتفق أ. عبدالرزاق الفيفي مع كون الدفع نحو تعزيز عروبة العراق هو صمام أمان المرحلة الذي سيساهم في نجاح مشروع التقارب السعودي العراقي.
لكن في تصور أ. إيمان الحمود فإن العراق لم يكن يوما إلا عروبيا ؛ هو من دعم ركائز العروبة في الوطن العربي، وأضافت قولها: من تشاهدونهم كلهم عندما تجلسون معهم تعرفون بأنهم عروبيين للنخاع ، المسألة لا تتعدى تصفية حسابات ولعبة سياسية إذا أجدنا الإمساك بخيوطها سيكون للسعودية ثقل لا يستهان به في العراق. مثلاً من أبرز الأخطاء التي ارتكبها السفير السعودي في العراق كانت التعامل معه كما يتم التعامل في لبنان والتي كان فيها السفير ملحقا عسكريا ، توازنات الطوائف في العراق تختلف عن لبنان وليس من الضروري أن تنجح السعودية بنفس الطريقة التي نجحت فيها في لبنان.
في البداية يجب أن نعمل على تعزيز الدبلوماسية الشعبية لتجاوز معضلة الرأي العام في البلدين ، وهذا لن يتم إلا بتعيين سفير مدني. كما يجب أن يكون هذا السفير ذو مواصفات معينة لعل أبرزها أن يكون قريبا من العراقيين ويعرف كيفية التعامل معهم .
وتطرق أ. مطشر المرشد إلى أن التحديات ستدوم طويلا خاصة وأن العراق يحكم بالمحاصصة، فمثلا التحديات في لبنان المحاصصة قائمة منذ اتفاق الطائف، ويجب أن نتعلم من التجربة اللبنانية ، مع الوضع في الاعتبار الفارق في التركيبة بين العراق ولبنان. كذلك فإن استمرار تناسي واقع التركيبة السكانية للبلدين خطر جداً.
ومن وجهة نظر د. عبدالله العساف فإن الثقة تبنى مع السياسي والديني بالدرجة الأولى في السعودية والعراق.
ويعتقد أ. عبدالرزاق الفيفي أن البعد الاقتصادي سيكون أكثر تأثيرا في المنطقة لقيادة السياسي والديني، بالنظر إلى أن استراتيجيات التحكم والسيطرة قد تطورت، لماذا لا يكون لأرامكو دور في العملية الاقتصادية السياسية، ولماذا لا يكون من ضمن وسائل تعزيز الثقة التبادل العلمي بين البلدين ( المنح العلمية ) وبالذات للعراقيين فالاهتمام بتحسين الصورة لدى جيل ما قبل 30 مهمة.
أيضا من ضمن وسائل مواجهة تحدي أزمة الثقة هي أن يتوجه جزء من اقتصاديات السعودية لما يمكن أن نسميه التجارة الحدودية مع إلغاء الجمارك والضرائب ؛ حينها ستزرع لك ولاءات حدودية مهمة دافعها الحفاظ على لقمة عيشها التي ترد منك اليهم. وكملاحظة فإن مما عزز ضبط بعض النقاط الحدودية السعودية اليمنية أن هناك قبائل يمنية تعتمد على الداخل السعودي في توفير الغذاء والدواء ، مما جعل تلك القبائل اليمنية سدا منيعا ( يحتاج لتعهد دائم ) ضد محاولات الاختراق الحوثية ؛ لذلك إنشاء مناطق حرة على امتداد الشريط الحدودي بتغذية سعودية سيكون لها أثر في ضبط الشريط الحدودي وتسهيل ما يلزم في عمق الآخر.
وعقب د. عبدالله العساف بأن الاقتصاد يحرك السياسي، والسياسي يحرك الديني. لكن برأي أ. مطشر المرشد فإنه للأسف لا عالميا ولا إقليميا أجدنا استخدام الثقل الاقتصادي. نتحدث كثيرا حول الثقل الاقتصادي و رغم وجود النفط دولنا لم تُجد اللعبة الاقتصادية. ومن الوسائل المتاحة الاستثمار المشترك داخل الحدود المقابلة؛ مثلا تحفيز رجال الأعمال من الطرفين إنشاء مشاريع تنموية داخل اليمن ومحاذاة الشريط الحدودي؛ ففرص العمل و التنمية تجعل الطرف الآخر أكثر حرصا على استمرار الحدود هادئة و أكثر أخوية.
وذهبت د. نوف الغامدي إلى أنه عندما نتحدث عن التفاهم والتقارب السعودي والعراقي اقتصاديا فنحن بداية نتحدث عن عدة عوامل مشتركة فالدولتان من أكبر المنتجين للنفط على مستوى العالم واحتياطاته ويطلان على الخليج العربي، وحدودهما تمتد لمساحات شاسعة مما يساعد في السيطرة على المنافذ الحدودية.
وسيعمل التقارب على تفعيل اقتصاد السلام ، كما أنّه يمثل نقطة جذب لكبرى الشركات العالمية في الدولتين و تحقيق نمو اقتصادي كبير، كذلك فالمساحات الزراعية الشاسعة في العراق ستعزز التعاون في هذا الجانب خصوصاً أن وزارة الزراعة من المستهدفين في برامج التحول وبالتالي الاستفادة من الطاقات السعودية في هذا الجانب.
السوق السعودي سوق متنامي خصوصاً مع دعم هيئة المنشآت المتوسطة والصغيرة وبالتالي مع فتح المنافذ الحدودية سيتم تنشيط السوق السعودي العراقي بتفعيل الاستثمار والتصدير فالسوق العراقي كان منغلقاً لفترة طويلة وبالتالي تشجيع القطاع المصرفي العام والخاص وإعادة فتح طريق الحرير أو ما يسمى بطريق النصر التجاري. ويمكن كذلك فتح مجال الطيران بشكل أكبر بين البلدين وتعزيز قطاع الطيران وبالتالي سهولة وصول العراقيين للحج والعمرة.
أيضا فإن تركيز استثمار السعودية سيكون في صناعة الغاز وصناعة البتروكيمياويات والزراعة والصناعة والتجارة، وبالتالي ستعود الفائدة على العراق فسيرتفع التصنيف الائتماني السيادي للعراق وبالتالي تنخفض تكلفة الإقراض من السوق العالمية وصندوق النقد الدولي وبالتالي ستستفيد السعودية بإيجاد بديل السوق القطرية ومواجهة إيران بشكل كبير فحجم التبادل التجاري بين السعودية والعراق يبلغ 2.24 مليار ريال حالياً نحو 600 ألف دولار.
الود السعودي العراقي سيساعد في إحلال السلام ونبذ الطائفية وبالتالي إعادة العراق للحاضنة العربية .. نحن أمام خطة إصلاحية سياسية، اقتصادية وثقافية كبيرة بين البلدين.
أما م. حسام بحيري فيرى أن التقارب السعودي العراقي تقارب مؤقت ليس إلا وله أهمية أكبر للسعودية في مرحلة ما بعد غزو العراق في ٢٠٠٣ لأنه بسقوط آخر نظام سني في العراق أصبح تحت سيطرة إيران ومن المهم أن يكون لنا موطن قدم رسمي داخل أراضي العراق لأسباب جدا كثيرة يصعب ذكرها ولكن من المهم جدا أن تكون لنا عيون وآذان وقدرة بشرية وتقنية موجودة داخل العراق لمعرفة كل شيء يدور في داخلها في المرحلة الحالية وعلى جميع المستويات سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو عسكرية واستخباراتية لأن اشتباكنا العسكري الاستراتيجي القادم سيكون مع إيران والدول التي تدور في فلكها وأولها وأهمها العراق التي تتحكم إيران في جميع أوجه الحياة السياسية والدينية والعسكرية داخلها. العراقيين في هذه المرحلة مهما فعلو أو صرحوا هم ليسوا سادة قراراتهم هدف الدولتين الاستراتيجي هو الاساءة للمملكة والاستيلاء على منابع النفط وبدخولهم في هذه المناطق لن تكون هناك دعوات لتحرير منابع النفط من الغزاة لأنه بمجرد استيلائهم على منابع النفط سيصبح وجودهم أمر واقع ولابد من التعامل معهم وستتعامل معهم دول كثيرة خصوصا دول النفاق الغربية وأولهم الذين يطلقون على أنفسهم حلفائنا وهم يدركون ذلك ويعدون العدة.
بعد سقوط العراق في ٢٠٠٣ أصبحت آبار النفط قريبة منهم جيوغرافيا بالطرق البرية التي يحتاجوها لغزو آبار النفط بعكس مياه الخليج المكشوفة والتي لا يستطيعون استخدام إلا قوات محدودة وغير كافية لغزو الشواطئ الغربية من ضفة الخليج العربي.
تاريخيا استراتيجية بقاء العراق تحت حكم أنظمة سنية فشلت وسقط الجدار الشرقي للعالم العربي وأصبح الغزو الصفوي القادم للجزيرة العربية مسألة وقت. طالما العراق تسبح في فلك إيران فطبيعي أن يكون عدونا الاستراتيجي الذي لابد أن يحيد بأي شكل كان لأنه يشكل خطر واقعي على دولتنا.
واتفق د. خالد الرديعان مع ما ذهب إليه م. حسام بحيري وأضاف أنه يلزم الحذر في أي خطوة قادمة.. سندنا في العراق هم العرب السنة وهؤلاء انتهى دورهم تقريباً.. علينا تقوية جبهتنا الداخلية وتحصين الحدود الشمالية جيداً؛ فالمنطقة مقبلة على تغيرات وخاصة بعد الاستفتاء الكردي القادم الذي قد يزيد من ضعف العرب السنة في العراق في حال انفصال كردستان (عرب السنة أقلية والأكراد أقلية أخرى) وتفرغ الأكراد لقضيتهم سيزيد من ضعف الأقلية العربية السنية. وبالتالي يجب أن لا نعول كثيراً على الحكومات العراقية القادمة؛ فنوري المالكي قد يعود مرة أخرى والجميع يعرفون توجهاته. المطلوب هو تقوية مجلس التعاون وحل المشكل القطري، وإنهاء الحرب في اليمن، وتحصين حدودنا الشمالية وقراءة المشهد العراقي الداخلي جيداً من خلال سفارة واعية تقف من جميع الأحزاب العراقية على مسافة واحدة، على أن تضم السفارة طاقم عمل على مستوى عالي يمكنه تقديم تقارير فنية لوزارة الخارجية بحيث تستطيع اتخاذ قرارات صحيحة وفي الوقت المناسب. وأفضل ما يمكن أن يوثق العلاقة مع العراق هو خلق مصالح اقتصادية مشتركة؛ فهذه قد تمهد لتحسين ما أفسدته السياسة.
وفي ذات السياق يرى د. خالد بن دهيش أن تجربة المملكة مع القبائل اليمنية غير موفقة فالولاءات تتحول عندما يبرز من يدفع أكثر فلذلك فإنه لا يميل إلى تطبيقها مع رؤساء القبائل المتاخمة على الحدود الشمالية للمملكة. كما أن سياسة تعامل المملكة مع رؤساء القبائل جديرة أن تكون قدوة في تعاملها مع النعرات القبلية ، حيث عملت على إدماج القبيلة مع المكون المجتمعي ككل . فلماذا ندعوا إلى دعم القبائل المتاخمة على حدودنا خاصة وأن لهذه القبائل انتشار داخل حدود المملكة.
واتفق أ. مطشر المرشد مع هذا الرأي وأضاف أن السبب الرئيس خلف بروز السماسرة والمتسلقين في أوساط القبائل اليمنية هو محاولات الأجهزة تطبيق نظرية فرق تسد وقلب الهرم وشق الصف ، لذلك فقدنا ثقة الجميع وأصبح أغلبية من نتعامل معهم سماسرة ويبحثون عن المكاسب المادية. كذلك فإن المنافع المشتركة قد تنجح .. لكن تجاربنا السابقة في سوريا ولبنان و اليمن وغيرها لا توحي بأن هذا النهج أثر في الشعوب لتصبح بلداننا أكثر تقاربا وأكثر مرونة لتجاوز أي تجاذبات سياسية وخلافه. وقد نحتاج لإعادة النظر بأسلوبنا في التقارب الاقتصادي ، وكيفية توزيع الأدوار ما بين القطاع الخاص والعام .. قطاعنا الخاص لم ينضج داخليا أو يقدم ما هو متوقع منه على المستوى القومي ولا يزال يعتمد على الإنفاق الحكومي.
ويرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن هناك فرق بين الدعم المالي ( المذموم ) وبين الدعم التنموي المرتبط بضروريات الحياة التغذية والصحة ( المحمود ) ؛ فالأول فعلا لا يصلح كاستراتيجية ولاء ، وأما الثاني فيتناسب مع حالة اليمن و العراق. كما أن من إشكاليات خطاب التقارب السياسي والإعلامي أصوات النشاز والتطرف لدى الطرفين وبالذات الطرف العراقي السياسي ضد السعودية وسياساتها و فكرها وشعبها ، والذي سيجعل مشروع التقارب أقرب لتكتيك عسكري من استراتيجية جوار، ومن ثم من الضروري العمل على أن تتجاوز السعودية هذا الأمر بلا أضرار، وأن تجعل هذا الخطوة ذات عمق واستدامة.
وعقب أ. مطشر المرشد بقوله: لم ولن تفلح أي مساعي للتقارب مع فكر المليشيات .. لذلك يجب أن نستهدف كسب القاعدة الشعبية.
ومن جهته أكد د. حامد الشراري على ضرورة العمل على استنهاض عروبة العراق واستحضار حضارته التاريخية وبعده الثقافي هي أحد الأدوات الرئيسة التي ستحد من النفوذ الإيراني على المدى البعيد. كما أكد على أهمية كسب الشعب وإحداث التقارب عبر عدة آليات تشمل :
1- دعمهم في إعادة آثارهم المسروقة وتأهيل المتاحف ورفع الصوت الداعم لهم في المحافل الدولية والعمل على استصدار قرارات دولية للحفاظ على حضارة العراق وإعادة تراثه المسروق.
2- دعوتهم للمشاركة بالمهرجانات ( الجنادرية مثلا) والمعارض الوطنية (معرض الكتاب) وبما يليق بحضارته العراق وتاريخه وثقافته ( إقامة ندوات وأمسيات ثقافية للشعراء العراقيين ومسرحيات مشتركة بين ممثلين سعوديين وعراقيين…..).
3- إيجاد التعاون والاتصال العلمي بين الجامعات السعودية والعراقية (مثلا أسبوع الجامعات السعودية العراقية، ودعوة أعضاء هيئة التدريس لقضاء التفرغ العلمي والمشاركة في التدريس ، وكذلك استحداث برنامج زائر للطالب العراق).
ومن الضروري إضافة لما تقدم إيجاد استراتيجية طويلة المدى تشمل جميع الأبعاد (الاقتصادي ، الإعلامي ، الثقافي ، الحضاري ..) ليُساند البعد السياسي.
وفي تصور د. إبراهيم البعيز فإنه غني عن القول بأهمية العلاقات مع العراق خاصة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية، لكن من الأهمية بمكان النظر إلى العلاقة الثقافية. وتستوجب النظرة إلى مستقبل العلاقات الثقافية مع العراق التطرق إلى موضوعيين أساسيين يرتبطان بشكل محوري بالثقافة السياسية في العراق: الأول يتعلق بالطائفية، والثاني بارتباط المرجعية الدينية بإيران.
- •المحور الأول: الطائفية
ارتبطت صورة العراق لدينا بثقافة العنف السياسي المشبع بالنزعة الطائفية، وهذه الصورة القاتمة للعراق قد تؤثر سلبا بشكل أو بآخر في نظرتنا لمستقبل العلاقة مع العرق، لكن الموضوعية تحتم علينا وضع المسألة الطائفية في سياقها التاريخي سياسيا وثقافيا.
النزعة الطائفية والعنف السياسي ليست متأصلة ومتجذرة في ثقافة المجتمع العراقي، فالعراق لم يعرف في تاريخه المعاصر النزعة الطائفية، حيث حرصت النظم السياسية المتعاقبة منذ تأسيس العراق الحديث بعد الحرب العالمية الأولى على تجنب الطائفية في العملية السياسية، ففي العهد الملكي 1921 – 1958م بدأت عملية ما كان يسمى في ذلك الوقت “الاندماج الاجتماعي”، والهادف إلى دمج الريف بالمدينة ودمج السنّة والشيعة واليهود والمسيحيين، وقد أثمرت هذه المبادرة في إبعاد الطائفية من الخطاب السياسي للعسكر الذين حكموا العراق منذ ثورة 1958م إلى عام 2003م، ولم يتصرف أحد منهم تصرفاً طائفياً.
بدأ الانفجار والصراع الطائفي مع الحرب العراقية الإيرانية، حين سعت إيران إلى تعزيز وتغذية النزعة الطائفية من خلال إنشاء أحزاب موالية لها خلال فترة الحرب، وعلى الرغم من فشلها في ذلك إلا أنها تمكنت من خلق ودعم كيانات تحولت لاحقا إلى أحزاب وجدت الفرصة في النظام السياسي الذي أقامه الاحتلال الأمريكي على أساس طائفي ليكون لها دور في المحيط السياسي العراقي، مما مكنها من تمزيق اللحمة الوطنية العراقية وتعزيز الانقسام الطائفي من خلال سياسة قائمة على الإقصاء والتهميش.
ومن هنا ندرك أن ثقافة العنف الطائفي في المشهد السياسي العراقي تعتبر طارئة، وليست متجذرة في القيم والثقافة السياسية في العراق، ويمكن أن تزول مع بوادر الحل السياسي القائم على قيم المواطنة والدولة المدنية، التي يبدو أن القوى السياسية في العراق ستدرك أنها المخرج الوحيد من ذلك المستنقع.
- •المحور الثاني: المرجعية المذهبية
قد نتخوف ونتردد في التواصل مع الطائفة الشيعة في العراق، وذلك من منطلق القناعة بأن هذه الطائفة ترتبط في مرجعيتها الدينية بإيران ومنهجها السياسي القائم على ولاية الفقيه، وحري بنا في هذه المرحلة الحرجة من رسم المعالم لمستقبل العلاقات مع العراق أن نعيد النظر في بعض القناعات التي قد لا تكون بالضرورة صحيحة.
وفقا لنظام المرجعية لدى الشيعة، يجب على الشيعي أن يتبع أحد كبار علماء الدين ممن بلغ مرحلة الاجتهاد، وهي مرحلة لا يتم بلوغها إلا بالتعمق في علوم الشريعة (القرآن والحديث). وينطلق هذا التوجيه من مبدأ أن باب الاجتهاد مفتوح، وليس باستطاعة أحد أن يحتكر المرجعية لنفسه.
ابتدع الخميني مفهوما جديدا للمرجعية بحيث يتولى المرجع الديني قيادة أتباعه سياسيا، ولا تقتصر فتاوى المرجع في القضايا الدينية والفقيه، بل تتجاوز ذلك لتشمل الموقف السياسية وقضايا الحرب والسلم والضرائب وغير ذلك من شؤون الدولة العصرية. وقد حدث انقسام في تقييم ونظرة الشيعة لمراجعهم.
صحيح أن بعض أحزاب المعارضة الشيعية في العراق ولدت من رحم مبدأ “ولاية الفقيه”، ولها موقف سلبي من المرجعية المحافظة التي لا تحبذ اشتغال علماء الشيعة ومراجعهم بالسياسة، لكن التيار القومي والوطني في المعارضة العراقية يعارض توجه علماء الدين نحو السياسة، فهم يدعون إلى فصل الدين عن السياسة.
ومن هنا تأتي ضرورة أن لا تؤخذ قضية الارتباط المذهبي لشيعة العراق بإيران على أنها تعني ارتباط سياسي، ويبنى عليها استراتيجية التعامل مع المجتمع العراقي بكل مكوناته.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن تحقيق هذا التقارب السعودي العراقي المنشود لن يتأتى بشكل نوعي إلا إذا جرى إشراك العراق في عضوية مجلس التعاون الخليجي ، فهي الدولة التي تعد الأقرب خليجيا ، فضلا عن أنها دولة هي في غنى عن دعم اقتصادي مباشر ، وهذا يعد مكسب آخر أيضا.
ومن وجهة النظر الإعلامية قالت أ. عبير خالد: أشعر أن التقارب السعودي – العراقي Under-explored و Under-represented في إعلامنا، ولديهم. وربما كان من الأفضل استخدام هذا الحدث إعلاميا في تنفيذ حملات تواصلية بين الشعبين لا تخلوا من مواد مرئية ومسموعة تستخدم بشكل جاذب وهادف وتعكس المودة والتآخي المتبادلين. وبالطبع، في حال نجاح أي حملة من هذا النوع، تتم ترجمتها بلغات عدة.
وأكد أ. مطشر المرشد على أنه من المهم بالنسبة للمملكة ، إعادة ما تم تأسيسه من روابط وجسور على زمن المؤسس الملك عبدالعزيز .. حينها كان للمملكة عمق استراتيجي وروابط متينة مع أغلب الفئات في المجتمعات العراقي والسوري وكافة دول الجوار. إيران دون أي تردد وبالعلن تلتقي وتتشاور وتمول وتدعم أتباعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، فلماذا تتردد المملكة في إحياء الأواصر وإعادة ترميم الجسور للتشاور والتقارب مع فئات معينه في العراق وسوريا ولبنان ؟
وحول دور الإعلام السعودي بالذات والعراقي في مشروع التقارب، وهل مازال يمتلك إعلامنا التأثير في مؤسساته أم في أفراده ؟ وأشكال الفرص الإعلامية في ذات النسق. أوضح د. حمزة بيت المال أنه بالنسبة للإعلام يجب أن تكون الخطة شاملة… وتوضع من جهة مركزية تشرف على تنفيذها وتوزع الأدوار بين الوسائل بحسب طبيعة وجمهور كل وسيلة، والشمولية تعني أنها لا تقتصر فقط على الوسائل الإعلامية، وإنما تشمل أيضا وسائل التواصل الاجتماعي…والاتصال العام، والزيارات والتجمعات والمشاركات الثقافية.. الإعلام بوسائله المتعددة الآن هو رأس الحربة، وهو من سيكون له الدور الحاسم في طبيعة العلاقات المستقبلية وفهمها.. والمهم أن يعي كل من يتصدى للعمل الاتصالي والإعلامي الأمر.
أيضا فإن إعادة العلاقات مع العراق سيكون اختبار حقيقي لرصيدنا المعرفي في إدارة الملفات بجميع أبعادها السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، فرصة تاريخية لن تتكرر، لسبب بسيط هو أن العراق دولة ليست فقيرة، والمردود لنا سيكون جيد.. وهو اختبار لتسويق الشركات السعودية كيف سيكون دعم السياسي للاقتصادي، كيف سيدعم الاقتصادي البعد الثقافي؟
ويرى د. حميد المزروع أن تشجيع المجتمع العراقي إعلاميا و لجميع أطيافه بالمطالبة بحقوقه الوطنية والأساسية مثل التعليم والصحة والوظائف. ستساهم علي استعادة العراق لقرارته الوطنية والسيادية وأن تصبح علاقاته مع جيرانه متوازنة و وفق القانون الدولي.
وأكدت أ. إيمان الحمود على أن الإعلام هو من أهم الأدوات التي يمكن استخدامها في التقريب بين الشعبين ، كما أن التبادل الإعلامي بين البلدين على مستوى تبادل الخبرات والتأهيل فضلا عن فتح المجال أمام تنظيم مؤتمرات وندوات مشتركة قد تساهم في مسالة تغيير الرأي العام المشحون منذ فترة طويلة ، ولعل مشاركة فنانين عراقيين في أعمال غنائية ودرامية مؤخرا ساهم كثيرا في كسر الحاجز، مثل هذه المبادرات الإعلامية قد تعيد الدفء للعلاقات الشعبية والرسمية أيضا.
المحور الثاني
إدارة الفهم وهندسة التجهيل
الورقة الرئيسة: د نوف الغامدي
Learning from Mistakes
التعلم من خلال الخطأ
هندسة الجهل وعكسها (إدارة الفهم) أو ما يُعرف باسم علم الوجود، Agnotology اجنوتولوجي، وهذه الكلمة الجديدة أصبحت تشير إلى دراسة الأفعال المقصودة والمتعمدة ، جميع الدول أو المؤسسات اليوم، تريد أن تمتلك المعرفة ومصادر المعلومة، فالمعرفة قوّةٌ ومكانةٌ وجدارةٌ، وهي سلاح فعال يضاهي أفتك الأسلحة وأقواها، لهذا، قامت بعض الجهات العالمية بتأسيس مفاهيم جديدة تتعلق بالمعرفة مثل: (إدارة الفهم)، والتي تُعّرف بأنها نشر لمعلومات أو حذف لمعلومات لأجل التأثير في تفكير الجمهور، والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح. الأمر الذي يجعلها تضاد وتُعاكس فكر معرفي آخر، يُسمى (علم الجهل)، وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق عِلْميَّة رصينة.
الجهل Agnotology يدرس غرس ثقافة الجهل أو الشك أو الوهم، ويجري من خلاله نشر بيانات خاطئة أو مخَطَئة أو غير كاملة. وأول من اهتم بهذا العلم هو Robert N Poctor الأستاذ في جامعة Stanford. وتمتد جذور مصطلح Agnotology إلى الإغريق الكلاسيكيين المحدثين انطلاقا من كلمة Agnosis “لا يعرف” أو “غير معروف”. وقد أنتشر وتوضح ذلك المصطلح ليعبر عن عدم التأكد بشكل أو بآخر. كما دُرس موضوع الجهل وصناعته من قبل شخص أكاديمي آخر يدعى David Dunning.
ومن محركات الجهل:
1- وسائل التواصل المختلفة (سواء كان ذلك بالتجاهل، أو العرض المنقوص، أو العرض المتعمد، أو التلاعب بالنصوص).
2- المؤسسات ومنظمات الأعمال، التي ساهمت عبر أساليب (الكتمان، والتكتيم، والطمس، وإتلاف المستندات، وإخفاء المعلومات).
3- الحضارة السياسية وما تنشره من أمور قد يتمخض عنها شكل من أشكال التجاهل أو التمويه، أو النسيان.
ثم برز نظام علمي له علاقة بالجهل، يدعى بـ Cognitronics والذي يهدف إلى:
1- تشتيت الأدراك، بسبب مجتمع المعلوماتية في العالم، ومستفيداً من التوجه نحو العالمية.
2- دفع ذلك التشتيت في الإدراك، الدخول إلى حقول المعرفة المختلفة.
وهو ربط الإدراك بالمعلومة؛ Cognitive + Information هو نظام يدرس طرقاً جديدة لتحسين آلية الإدراك الفكري في معالجة المعلومات، هذا التضليل الاستراتيجي والمُمنهج حسب أساسيات علم الجهل يستند إلى قنوات ثلاث:
1- بث الخوف لدى الآخرين.
2- إثارة الشكوك.
3- صناعة الحيرة.
ومن أهم أعمدة إدارة الجهل “السخرية” التي عبر عنها المهاتما غاندي خير تعبير عندما قال مقولته المشهورة: (يتجاهلونك، ثم يسخرون منك،، ثم يحاربونك،،، فتنتصر) السخرية تكون مرافقة لعملية التجهيل الممنهج لـ تحسم أي خيار فكري .
تعاقبت الكثير من النظريات العلميّة ومنها نظرية الفوضى (Chaos Theory)، اكتشفت هذه النظرية على يد Edward Lorenz في عام 1960 م … وهي من النظريات المثيرة جداً، التي انتشرت حديثاً، ولاقت اهتماماً واسعاً: لتفسيرها الكثير من الأمور التي توّقفت النظريات العلمية السابقة عند تفسيرها، ولم تجد مُقنعاً يبرر حدوثها، ولتزيل الكثير من الغموض حولها، وأصبح من الممكن إيجاد الصّلة بين الأمور المتباينة، أو توقع الرابط بينها.
تقّرر هذه النظرية أن بعض الأمور التي نراها مُختلطة وغير مترابطة قد تكون مُنظّمة، وتسير حسب نسق محّدد بعكس ما تبدو عليه. فالحركات التي تبدو عشوائية هي في الواقع تتبع مسارات غير خطيّة تتكرر وتتداخل بنسق معين غير متماثل تماماً، ولكنه منظّم جداً و كأنها تعود إلى نقطة جذب محدّدة بعد أن تنطلق عنها. وتحاول نظرية الفوضى هذه الوصول إلى النظام الخفيّ غير الظاهر فيما يبدو عشوائياً من الظواهر، أو الأحداث، أو السلوكيات، أو الحركات، ووضع قواعد لدراسته والاستفادة من تطبيقاته. وهي وإن كان بها جانب فلسفي، إلا أن الجانب الآخر من علم الفوضى هذا يهتمّ بإيجاد أنماط محددة من الترتيب داخل الفوضى الظاهرة.
الفوضى المنظمة، من أهم خصائصها : بيروقراطية المنهج، موغلة في التنظير، بعيدة عن المراجعة والنظر في احتمالات بعدها عن الواقع. وهي للأسف متغلغلة في الأجهزة العامة لعدد كبير من البلدان النامية، وربما تكون هي أحد الأسباب الرئيسة لعجزها عن اللحاق بالبلدان المتقدمة؛ لأنها تظن من خلال تلك التنظيمات الوهمية أن الأمور على خير ما يرام. ولا يعدم المسوقون لنماذجها إمكانات إيهام أصحاب القرار بأنها كذلك.
أما الفوضى الخلاقة، يمكن وصفها بأنها نموذجا تنظيمياً تقوم على خلط الأوراق جميعها، للنظر إليها في بوتقة واحدة؛ ثم الخروج بوصفة من تلك الفوضى إلى خلق طريق واضح، يرضى الناس باتباعه بعد شعورهم بالضياع في تلك الفوضى السابقة.
الكاتب / ابراهيم البليهي دعا لتأسيس علم الجهل لهدم بنية التخلف حيث قال: “إن الناس في كل مكان وخصوصاً الذين يعيشون ضمن ثقافات مغلقة هم بأمس الحاجة إلى معرفة الجهل المركب الذي يتحكم بأذهانهم ليدركوا أن معظم محتويات عقولهم قد ترسبت فيها بفعل المعايشة اليومية التلقائية ولم تمر بأية مراجعة علمية أو تحليل مقصود .. إذ الذي يُعَرَّي الجهل المركب ويفضحه إخضاعه للدراسة والتحليل …..
التعقيب الأول: د. مشاري النعيم
الورقة التي قدمتها د. نوف الغامدي تحتوي على العديد من المصطلحات التي قد تثير اللبس، فمفهوم هذه المصطلحات متداخل ومتشابك إلى حد كبير، فمن جهة تتناول علم الجهل Agnotology وما يقابله من مفاهيم حول إدارة الفهم ومن جهة أخرى تقدم نظرية الفوضى التي تطورت منذ العام 1960 وحتى اليوم وأثرت على مفاهيم التطوير العلمي، فالفوضى المنظمة والفوضى الخلاقة كلها جاءت لتواجه النظرية الخطية المنتظمة فما كان يعتقد أنه فوضى لو تعمقنا داخله سوف نجد فيه نوع من الانتظام. تحدثت د. نوف عن “تشتيت الإدراك ودفع هذا التشتيت إلى الدخول إلى عالم المعرفة المختلفة. والمعروف علميا أن الإنسان يمتلك ثلاث آليات عقلية مترابطة ويمكن اعتبارها “موصل المعرفة” تبدأ بالإدراك Perception وغالبا ما تكون عبر الحواس المعروفة التي يترجمها الاستيعاب cognition إلى “معرفة خام” ثم يبدأ العقل بالتحليل والتصنيف حسب المخزون المعرفي السابق المتراكم داخل العقل، فتتحول المعارف الخام إلى معارف ذات دلالة. الآلية الأخيرة التي تترجم المعرفة الخام إلى معرفة ذات دلالة هي التي يصاحبها الوعي ويكون من خلالها الحكم على الأشياء، أي أنها مسؤولة عن “الوعي”. ويمكن كذلك القول بأن المخزون المعرفي السابق الذي عادة يعرف ويعطي دلالة للمعرفة الخام هو الذي يصنع بنية التخلف ويبدو لي أن فكرة “تشتت الإدراك” هي لمحاولة تفكيك هذا المخزون المتراكم الذي ليس بالضرورة تشكل بصورة صحيحة.
تصوري لموضوع عميق كهذا، لا يعدو كونه محاولة لفهم الورقة التي أتت عميقة وطرحت تصورات وتساؤلات مهمة حول علم الجهل وتأثيره المستقبلي خصوصا مع التطور الغير مسبوق في وسائل الاتصال وهيمنة التواصل الاجتماعي على نمط حياتنا المعاصرة وما تحمله هذه الوسائل من سيل مخيف من المعلومات التي تتحول عبر النظام المعرفي البيولوجي إلى معرفة تساهم في الحكم على المعارف المستقبلية وحتى السابقة و”تقولبها”. هذا “التحذير” المبطن من المعارف التي تثير الشك والخوف والحيرة، هي الحراك الأهم الذي صار يصنعه علم الجهل في حياتنا المعاصرة.
الاشكالية من وجهة نظري هي علاقة كل هذه المفاهيم مع بعضها البعض وعلاقتها جميعا بالوعي المجتمعي. فإذا كان علم الجهل يساهم في الشك وإخفاء الحقائق، فكيف يمكن تبنيه، حسب ما ذكر إبراهيم البليهي، وتوظيفه كأداة لتفكيك بنية التخلف. يذكرني كلام البليهي بمفهوم محمد عابد الجابري “الانفصال عن التراث” كأداة لتفكيك البنية المتخلفة في التراث نفسه ومن ثم الاتصال بهذا التراث مرة أخرى. صناعة الوعي بشكل عام تشكل أحد التحديات التعليمية الكبرى، وعلاقة العقل المجتمعي بترسبات وتراكمات “التخلف” يتطلب التفريق فعلا، كما ذكرت ورقة الدكتورة نوف، بين “المعرفة” وبين “الوعي”، فلا يعني امتلاك المعرفة وجود الوعي، وهذه أحد الإشكالات الرئيسة التي نواجهها، إذا أن مجتمعنا قد يملك المعرفة لكن يعوزه الوعي لأن هذا يتطلب تصحيح المخزون المعرفي “التاريخي” المتراكم والترسب والذي تحكم في كل المعارف الخام الجديدة ويوجهها. كيف سيساهم علم الجهل أو إدارة الفهم، في صناعة الوعي، هذا أمر يصعب تخمينه.
التعقيب الثاني: د. عبدالله بن ناصر الحمود
مدخل
لقد راق لي كثيرا أن أقرأ هذا النص الجيد الذي قدمته د. نوف. وكانت فكرة قد تواردت إلى ذهني فور قراءتي لعنوان القضية، وقبل أن أدلف للنص. فكنت قلت في نفسي (و كأن هذه القضية تعنينا مباشرة .. معشر الإعلاميين..) .. فالإعلاميون هم .. عادة.. من يديرون (الفهم) ويهندسون (التجهيل).. وعلى مر التاريخ .. شهد المجتمع الإنساني نماذج كبرى من (أسلافنا الإعلاميين) وهم يفعلون ذلك دون وجل أو خوف.. بل ويتربحون منه معنويا وماديا. وما أن قرأت سطورا قليلة من موضوع القضية .. إلا وأجد د. نوف تقول بملء فيها .. أن من محركات الجهل (وسائل التواصل المختلفة، سواء كان ذلك بالتجاهل، أو العرض المنقوص، أو العرض المتعمد، أو التلاعب بالنصوص).
هكذا .. اتفقت كثيرا مع الكاتبة.. فلي رأي في وسائل الاتصال تداولناه في ملتقى أسبار كثيرا.. وعارضني فيه الزميل القدير د. مساعد المحيا كثيرا أيضا. وخلاصة رأيي (أن ما تملكه الدول النامية بشكل عام مما .. تسميه.. وسائل إعلام واتصال .. لا يعدو أن يكون منظومة من وسائل .. دعاية.. وليس إعلاما ولا اتصالا.. أبدا). فنحن في الدول النامية لم نعش بعد عصرا يتربع فيه (الإعلام والاتصال) على عرش سلطته الرابعة. على الإطلاق.
الإعلام .. وفرضيات إدارة الفهم
في هذا الأفق من التوافق.. مع الكاتبة.. أود الإشارة إلى أن لـ (إدارة الفهم وهندسة التجهيل) ثلاث حوامل رئيسة وهي:
– مؤسسات الإعلام والاتصال .. كما بينت د. نوف.
– مؤسسات التعليم .. كما أشارت د. نوف.
– مؤسسات الثقافة والفنون.
وما عدا ذلك، يمكن أن يكون بمثابة (المصادر .. أو المرجعيات .. أو مضخات المحتوى) التي تقوم بوظيفة (التغذية الأولية.. والراجعة.. على حد سواء) ومن ذلك الأطر الحاكمة للمجتمعات دينيا وسياسيا واجتماعيا، وثقافيا واقتصاديا .. ونحو ذلك.
ففي الدول النامية .. تستمد (مؤسسات الإعلام والاتصال) و (مؤسسات التعليم) و (مؤسسات الثقافة) محتواها من تلك الأطر.. ولكن أيضا (من منظور محدد.. فقط.. تستله القوى المهيمنة في المجتمع من هذه الأطر) ليكون هو (الإطار) العام.. والأوحد .. الذي يتحكم في (مستوى الفهم) المقبول جماهيريا (و) (ضرورات التجهيل) المطلوبة جماهيريا .. أيضا. وذلك لتتمكن (القوى المهيمنة) من الاستمرار في حصد مكاسبها.. وتحقيق أرباحها المعنوية والمادية. وهذا .. هو ما أشارت إليه د. نوف عندما قالت (… لأنها تظن من خلال تلك التنظيمات الوهمية أن الأمور على خير ما يرام .. ولا يعدم المسوقون لنماذجها إمكانات إيهام أصحاب القرار بأنها كذلك).
هذا يدفعني للإشارة هنا إلى أن الأمر في غاية الأهمية والتخصصية (والنفعية أيضا) فموضوع القضية الحالية موضوع حيوي مهم لأنه (عماد العلاقة بين .. الناس: الجماهير، الدهماء، العامة، من جانب، والمؤسسات: السيادية والخدمية على حد سواء، من جانب آخر. وبينهما يقف المتنفذون والمنتفعون لتعميق الجهل.. وتقنين إدارة الفهم).
ومن هذا الباب.. يكثر الجدل حول الصفات النبيلة للعمل الإعلامي والاتصالي (مثل الموضوعية، والحيادية، والمصداقية).. فأنا .. مثلا.. أحمل رأيا شديدا حول انتفاء تلك الصفات كلها من الإعلام والاتصال في الدول النامية بشكل خاص. ومن كثير من إعلامات واتصالات الدنيا بشكل عام.
إنني أؤمن .. فقط .. بأن (الحقيقة) مثلا، في الإعلام والاتصال، لا تعني (أن تقول الحقيقة) .. أبدا. لكنها تعني (أن يكون ما تقوله (حقا). فهم بذلك، لا يقولون كل الحقيقة أبداً. وهذا الأمر يستدعي كل مهارات الإعلاميين في (الانتقاء) و (الحجب) و (الإجازة) .. فهم عندما يكونون (في قمة النبل والإخلاص و) ينتقون ويحجبون ويجيزون. وهنا تتجاوز مهمات إدارة الفهم وهندسة الجهل الحدث الإعلامي إلى (ما ورائياته)، مما يحقق رضا القوى المهيمنة في المجتمعات، ويسير في ركب فلسفتها (هي) للكون والحياة.
فلسفات إدارة الفهم.. وتطور الظاهرة الاتصالية
من المؤكد .. أن فلسفات إدارة الفهم (تقف اليوم) في صراع عنيف مع الظاهرة الاتصالية الجديدة التي مكنت الجماهير و (الدهماء والعامة) ..في وعي القوى المهيمنة..، من مفاصل مهمة في صناعة الحدث الإعلامي والاتصالي، الذي هو مناط (الفهم) ـو (الجهل).
ومن الملاحظ أنه في دولنا النامية، تقل الإصدارات العلمية الرصينة التي درست العلاقة بين استخدام الجماهير لوسائل الإعلام والاتصال، وقضايا الرأي العام. فقد أتاح ظهور شبكات التواصل الاجتماعي “فرصة” حقيقية وجديدة من نوعها أمام (الناس) للخروج من الدائرة الرسمية أو شبه الرسمية، ومن ثم تمكينهم من كشف ومناقشة ما يرونه هم (هذه المرة) وليس القائم بالاتصال التقليدي في مؤسسات الإعلام، وما هو “مسكوت” عنه من قضايا طال إغفالها عبر وسائل الإعلام التقليدية، وإعادة طرحها عبر منصات التواصل الإلكتروني.
هذا الأمر ربما دعا إلى القول أن وسائل التواصل التفاعلي قد مكنت مختلف الفئات المهمشة اجتماعياً وثقافيا وسياسياً من أن تعبر عن رأيها فيما يطرح من قضايا ومشكلات مهما كانت تصنف في الأزمنة المنتهية ضمن اختصاصات الرسميين أو النخب فقط. وبالتالي تتحقق فرضية (أن المجتمعات اليوم (الدهماء والعامة) تعيد غربلة مفهومي (إدارة الفهم، وهندسة التجهيل) لصالحها. ولو بقدر.
وهناك مظهران يعبران إجمالاً عن جوهر “الفرص” المتاحة اليوم أمام الجماهير أو (الدهماء): الأول، يتعلق بما أتاحته منصات التواصل الاجتماعي من “فرصة” حقيقية لتعظيم رأس المال الاجتماعي social capital بين الأفراد في المجتمع (علاقات اجتماعية أفقية)، ويعني “رأس المال الاجتماعي: مجموعة العلاقات والروابط الاجتماعية التي تنمو في إطار شبكة اجتماعية معينة تحكمها عدد من القيم والمعايير كالثقة والاحترام المتبادل والالتزام والتعاون.
أما المظهر الثاني، فيتعلق بما أفضى إليه تنامي استخدام تلك الشبكات من انفتاح اجتماعي سيقود، إلى انفتاح الجماهير في الدول النامية على العالم الخارجي، بشكل أعمق وأمضى، وسيطال جملة من السياقات الاجتماعية والثقافية والدينية ومن ثم تبديد هاجس الاعتقاد في مقولات “الخصوصية” المستقرة في العقل النامي الكلي.
من هنا يمكن أن نتوقع إعادة طرح مفهومي (إدارة الفهم، وهندسة التجهيل) بطرق مختلفة إلى حد كبير، بحيث تبدو معاناة المؤسسات التقليدية وعجزها النسبي في المحافظة على (هيمنتها) على مستوى (الحقيقة) التي يسمح للناس الاطلاع عليها، وتلك التي تبدو محرمة عليهم.
نحن في (الخليج) .. وجدلية إدارة الفهم
تفضي قراءة أولية للثراء المعرفي النظري المتاح حول العوامل المؤثرة على تشكيل الوعي الجمعي لمواطني دول الخليج العربي، إلى الخروج بأن ثمة “خصوصية” ما تميز دول الخليج العربي عن غيرها من الدول النامية. وتتمحور هذه “الخصوصية” في أن مجتمع الخليج ينظر إليه، إجمالا، بوصفه مجتمعاً محافظاً ثقافياً واجتماعياً.
وفي ضوء ذلك الشعور التاريخي الضمني العام “بالخصوصية”، فرضت وسائل الإعلام والاتصال الخليجية (التقليدية) عبر عقود طويلة من الزمن على نفسها (طوعاً أو كرهاً) أجندة خاصة للقضايا والموضوعات “المسموح” بمناقشتها إعلامياً، (مما يعني طرحها أمام الناس .. للفهم..) في الوقت الذي غضت فيه الطرف (طوعاً أو كرهاً) أيضا، عن طرح عدد من القضايا والموضوعات الأخرى بدعوى أن مجرد طرحها على الساحة الإعلامية والاتصالية قد يشكل خرقاً لتلك “الخصوصية”.. (مما يعني .. ضرورة التجهيل بشأنها).
الخلاصة
خلاصة الأمر، في جدلية (إدارة الفهم وهندسة التجهيل) أنهما جزء من خصائص (الكينونة البشرية) القائمة على الصراع و (الكبد). وعلى سنة ابتلاء الناس بعضهم ببعض.
المداخلات حول القضية:
- oنحو فهم أعمق لمضمون هندسة التجهيل
استهل د. حمزة بيت المال المداخلات حول القضية بقوله: يبدو أن الخطوط تقاطعت بشكل كبير.. لعلى انطلق من المصطلح ؛ استخدام مفردة جهل تعني إضعاف قوة المفهوم.. نقطة مهمة جدا أن خلف صناعة الجهل مؤسسات لها مصالح وهم ما اسميهم المصدر قد يكون حكومات أو مؤسسات ربحية لها غرض في الاتصال لتحويل الانتباه من موضوع لموضوع أو موضوعات أخرى.
هذا المفهوم يرد على نظرية د. الحمود باتهامه للمؤسسات الإعلامية بأنها صانعة الجهل أو نشر التجهيل.. المؤسسة الإعلامية ما هي إلا وسيط بين المصدر والجمهور لذلك فتش عن المصدر.. إذا كان المصدر مستقل عن الإعلام كيف لمصدر ليست له علاقة بالإعلام صناعة الجهل هنا يأتي دور المؤسسات الوسيطة وهي بالاسم شركات العلاقات العامة والإعلان.
هذه المؤسسات هي التي تقدم لمصادر المعلومات خطط التأثير الاستراتيجية قصيرة وطويلة الأجل ، والمؤسسات الإعلامية بعلم أو دون علم تقع هي أيضا ضحية ما تقوم به هذه المؤسسات.. باختصار أن من يدير العالم الآن ولست مبلغا هي هذه الشركات بما في ذلك صناعة المشاهير وكذلك العمل حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن جهته قال أ. عبدالرزاق الفيفي: من سنتين بدأت البحث والكتابة حول موضوع اسميته : (استراتيجيات وأدوات البناء والتفكيك والحماية) في علم القيادة ، ويقوم على علم هندسة العقل و التأثير وحاولت أن أوجد له رابط يمزجه مع علم القانون و الاجتماع والنفس والإعلام. وهو يقوم على ثلاثة علوم هي :
• علم الفهم
• علم الجهل
• علم التمكين ( وهو بوصلة التوجيه )
فممارسة علم الفهم وعلم الجهل دون وعي بعيدا عن علم التمكين يوصل إلى نتيجة السيطرة وليس إلى التمكين ؛ فالسيطرة هي شكل مؤقت وغالبا ما يقوم على أدوات كمية لا كيفية وهي بالمقارنة مع أدوات التمكين ( الصلبة ) تعتبر هشة جداً.
تكمن الخطورة في الآتي : عندما نستخدم إدارة الفهم و هندسة التجهيل للوصول لنتيجة السيطرة لا لنتيجة التمكين ؛ فدائما ما تكون النتيجة على المدى الاستراتيجي هو تفريغها من محتواها القيمي و الأخلاقي و من الاستقرار و تخلق حالة من التأهب السلبي لمقاومة حالات السيطرة المضادة التي تكون غالبا على حساب البناء.
لذلك موضوعنا بشقيه يتعاطى ثلاث مستويات هي :
1- النتائج.
2- الأدوات.
3- المحتوى.
ولدينا تاءات ثلاث لهندسة التجهيل هي : تخويف – تشكيك – تحيير، ولدينا تاءات ثلاث لإدارة الفهم هي : تطمين – تمتين – توحيد ، فإذا أردنا أن نعمل معادلة وقائية مما سبق فستكون في كل مستوى تاءين الأولى للتجهيل ويقابلها للتفهيم كالآتي :
- مستوى النتائج = تخويف/تطمين
- مستوى الأدوات = تشكيك/تمتين
- مستوى المحتوى = تحيير/توحيد
أما د. خالد الرديعان فذهب إلى أن موضوع التجهيل في الحقيقة ليس بالجديد؛ فقد ورد عند ميكافيللي في كتابه الأمير في خداع الحاكم للمحكومين، وورد عند غوبلز وزير دعاية هتلر ومقولته الشهيرة: اكذب اكذب حتى يصدقونك. لكن القضية وردت بصورة أوضح عند كارل ماركس الذي صك مصطلح “الوعي الزائف” مقابل الوعي الطبقي؛ فالوعي الزائف هو ما تمارسه الطبقة البورجوازية والملاك بحيث يوهمون الطبقة العاملة وهي الأغلبية الساحقة بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان وأن ظروف طبقة العمال ممتازة مقارنة بغيرهم. وفي سبيل ذلك يلجأ الملاك والرأسماليون البورجوازيون إلى السيطرة على وسائل الإعلام وشراء ذمم الكتاب والمثقفين لتبيان مضار الثورة وتغيير الوضع. وهم بذلك أي الكتّاب يزيفون وعي الجمهور لخلق وعي زائف لا يعكس الحقيقة المرة والذل والهوان الذي تعيشه الطبقة العاملة (البروليتاريا). هذا التزييف يتكرر في عدة مجتمعات وبصور مختلفة ما يشير إلى خطورة الإعلام ودوره في خلق الوعي أو تزييفه.
ورداً على التساؤل المطروح: ما الآثار السلبية من ممارسة هندسة التجهيل على الفرد و المجتمع ؟ وهل أفرز ذلك حالات مرضية توجب التنبه؟ ذكر د. الرديعان أن هندسة التجهيل تعد معوقاً كبيراً للتنمية؛ فبدون مباركة الجمهور لخطوات التغيير فإن الحكومات لا تستطيع المضي قدماً في عمليات الإصلاح. وهناك دائماً مراكز قوى وأصحاب مصالح يقاومون التغيير ومن ثم يلجأون إلى عدة طرق لإبقاء الوضع كما هو من خلال التجهيل وبث الرعب. كمثال فإن أكبر معوق في حل مشكلة الإسكان يكمن في أصحاب المصالح ممن سيتضررون كثيراً من أي خطوات اصلاحية في هذا الجانب.. وعلى ذلك قس كبار ملاك الأسهم الذين يبثون معلومات تثير الرعب في السوق بهدف حماية مصالحهم. ولكل أولئك أدوات يوظفونها ناهيك عن قدراتهم في الضغط على صاحب القرار.
وأشارت أ. عبير خالد إلى أن هناك الكثير من الأبحاث الإعلامية التي تهتم بالمقارنة بين التغطية الإعلامية حول نفس الموضوع ولكن الآتية من مصدرين مختلفين ، Comparative media analysis ، وهذا النوع من الأبحاث مازال ناشئ لدينا في العالم العربي لكنه مرتبط بقضية هندسة التجهيل حيث أن بعض تلك الابحاث (على سبيل المثال لا الحصر) تخلص إلى أن الصحف المحافظة غالبا تتعمد عدم إعلام الآخرين ببعض الاجتهادات الايجابية لدى اليساريين أو الليبراليين و أحيانا الصحف اليسارية/الليبرالية تركز على بعض الجوانب السلبية لدى المحافظين دوناً عن جوانب أخرى مما يؤدي لنوع من التجهيل.
وسواء كان ذلك انحياز..أدلجة.. تلاعب سمّه ما شئت؛ إلا أنه أحد أبرز صور التجهيل… ويمكن إثباته علميا وعمليا عن طريق أبحاث مقارنة بين وسيلة وأخرى كما تم الإشارة أعلاه. والحديث يطول لو تطرقنا لنتائج وعواقب مثل هذه الممارسات على الناس ومدى تقبلهم للآخر وانفتاحهم.
وعقب أ. عبدالرزاق الفيفي بأنه بالفعل فإن التعامل المقنن مع المعلومات لصالح أيدولوجية محافظة أو غير محافظة هو أحد ممارسات التجهيل ، ويذكر هذا بتهميش الإعلام لبعض المبتعثات السعوديات المميزات إما بسبب حجابها أو أسباب يعززون بها حالة اصطفاف تدخل في إدارة الفهم وهندسة التجهيل.
وفي تصور د. علي الحارثي فإنه في الوقت الحاضر تتدافع المفاهيم والأيديولوجيات والهندسات النظرية من كل حدبٍ وصوب حتى وصلنا إلى درجة الخوف من وصم الخيانة والخروج عن مفهوم المواطنة والوطنية. وكما تم الإشارة في الورقة الرئيسة والتعقيبين فإن الإعلام التقليدي قد يمارس عملية التجهيل لفترةٍ طويلة حتى تمكن من السيطرة على الإدراك والفهم والمعرفة .. فهل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ستحقق الانفراج من سيطرة أصحاب المصالح والإعلام التجهيلي ؟ هناك شك في ذلك لأن أصحاب المصالح دخلوا بقوة في ساحة وسائل التواصل.
وأوضح م. خالد العثمان أن الموضوع فعلا يتسع لكثير من الأطروحات والإسقاطات على مختلف المستويات.. مثلا.. يرى الكثيرون أن هناك ممارسات تتعمد التجهيل عن عمد أو بحسن نية.. كأن تعمل على تجهيل الجمهور نحو القطاع المهني المحلي لترسيخ فكرة الاعتماد على الأجنبي.. هذه مثال وربما غيره الكثير.. لكن السؤال إذن.. كيف نضمن أن لا يصبح التجهيل تهمة تتبادلها الأطراف المختلفة لتبرير مواقف معينة أو لتحقيق مصالح مضادة ؟ .. موضوع شائك ويعتمد في رأيي على فكرة الثقة المتبادلة بين شرائح المجتمع.. فكلما انحسرت الثقة وشاع الشك أصبح التجهيل وسيلة وأداة لتحقيق المصالح بشكل متعارض ومتناقض .. وهي بالمناسبة ليست دائما مصالح غير مشروعة بالضرورة.. بل إنها ربما تكون مصالح مهمة وواجبة التحقيق لصالح المجتمع.
وقالت د. نوف الغامدي إن القضية ليست أكاديمية ولا نخبوية بل نعيشها في أروقة الحياة كل يوم مع التغير الرقمي والتكنولوجي والعولمة ! القضية بالفعل ليست بجديدة و إدارة الجهل وهندسته مفهوم قديم وَلكن وجود الإنترنت زادها توهجاً وَ انتشرت تطبيقاتها سياسياً واجتماعياً وثقافياً بشكل كبير وَ مخيف!
الكثير من المواقع على النت التي تنشر المعلومة الطبية أو الاقتصادية مثلاً ليست على يد مختصين وأثبتت الكثير من التجارب والدراسات أنها تحتوي على نسبة كبيرة من المعلومات الخاطئة وغير الدقيقة ، وأغلبها تعود لحسابات التغذية العامة ، أما المواقع الرسمية الحكومية أو المتخصصة فتعد قليلة جداً وقد تكون غير متابعة وهذا نشر كبير لثقافة الجهل واستغلالها وهندستها لمصالح شخصية …!
الإنترنت يساعد في هذا الانتشار، فهو المكان الذي يجد فيه كل شخص فرصته ليصبح خبير نفسه، وبالفعل الكل أصبح إعلامي وطبيب وخبير واقتصادي والكثير منهم محللين سياسيين !!!! مما يجعل المواطن البسيط ضحية لأصحاب السلطة والنفوذ الراغبين في نشر الجهل عن قصد وتخطيط…!
جرب أن ترى من يسمون نفسهم بإعلاميي السناب شات؟!!! موضوعات لا يتقنون فيها غير مهارة الحديث والذي بعضه مبتذل مع ظهور بشكل جاذب وتجاري ليحكون تجربتهم الشخصية الضحلة.
فما هي تكتيكات صناعة الجهل؟ يمكن حصر أهمها في ثلاثة:
- الأول: إثارة الشك بلا سند من حقائق.
- الثاني: تعمد الكذب أو التجهيل عن قصد أو غير قصد.
- الثالث تحوير جوهر الموضوع وجعله ثانوياً والفروع أساسية.
وكلها تهدف لمصالح شخصية !!!
ماذا عن تجار الأسهم والربح السريع وضحاياهم من الذين وقعوا تحت سيطرة إدارة الجهل؟! فهو يتعدى المعلومة ليأخذ بالضحية لما بعد المعلومة وتحققها وبالتالي هو يرسم له المعلومة ويوصله لها كما يريد وليس كما يجب؟! خلق البلبلة والتشكيك ونشر المعلومة مثل أن السعودية تحاول تخفيض النفط، أو التشكيك في نواياها كما يحدث الآن أليس إدارة الفهم وهندسة التجّهيل؟!
عندما تنشر معلومة مزيفة حول شخصية سياسية أو اقتصادية وتضطر لإفشاء مالا يريد ليثبت عكس الشائعات والحقيقة أن هناك من وراء هذه البلبلة ؟!
عندما تتهم شخصية بشراء شهادتها أو شراء المتابعين أو التشكيك في سلوكك المجتمعي بغرض تحويرها وإشغال الرأي العام بموضوع آخر أليس إدارة للجهل ؟!
ماذا عن الشركات التي تنشر اشاعات كاذبة لتسويق منتجاتها التي تصب في مصلحتها وترفع مبيعاتها ؟! مع الأسف الإنترنت حول المعرفة إلى معلومات للبيع والشراء وجُيرت تجارياً ؟!
الجانب المحمود في إدارة الجهل هو التفكير بأسلوب تحليلي ويقرأ ما بين السطور ليواجه الجهل المركب الذي يضلل الحقائق ،،، فعلم الجهل يقرأ المعلومة بشكل مختلف ويحللها و لنواجه الجهل علينا هندسته وإدارة الفهم خارج الصندوق …
الجهل مع الدين إرهاب
الجهل مع الحرية فوضى
الجهل مع الثروة فساد
الجهل مع السلطة استبداد
الجهل مع الفقر إجرام
دعونا ننظر للموضوع من زاوية أخرى: كيف نوطن المعلومة الصحيحة من العقول الصحيحة ونبتعد عن البروبغندا الإعلامية التي خلقت لنا خبراء ومستشارين وأطباء ومهندسين الشنطة ؟!!!
أليست من آثارها ضعف مخرجات التعليم التي لا تواكب سوق العمل وسبب الفجوة بين المخرجات الأكاديمية وسوق العمل ،،، أليست من آثارها هندسة المدن التي تشبه بعضها والبنية التحتية السيئة والتصريحات التي لا تمت للحقيقة بصلة ،،، أليست من مخرجاتها أننا لا نملك حتى الآن ملف طبي موحد لكل مريض وبالتالي فالمرضى دائماً يجعلون تاريخهم وقد يخفون بعضاً منه حتى لا تكبر المشكلة من وجهة نظرهم وتقاريرهم مشتتة بين المستشفيات وبالتالي علاجات وتشخيص خاطئ !
ويضيف د مساعد المحيا أمثلة تتعلق بممارسي التجهيل أو ادارة الفهم إذ يتحدث عن ممارسات التجهيل التي يمتطيها اليوم كثيرون حين يقدمون للناس وصفات طبية من واقع ممارسات لهم او لغيرهم فينشروا الدجل والكذب والأذى وربما الموت للناس .. كما يمارس ذلك اصحاب شركات بتبنيهم نشر معلومات عن منتجات منافسة والناس في غالبهم ينقصهم معرفة الحقيقة … كما يمارس ذلك اقوام بتقديم معلومات مضللة عن منجزات او مشروعات يريدون ان ينتقصوا منها بالتركيز على صورة مكذوبة او مختلقة او غير دقيقة …لذا فنحن بحاجة للحزم في تطبيق ما يتعلق بجريمة نشر المعلومات المضللة وكذلك اهمية حضور كل المؤسسات الحكومية والخاصة عبر شبكات التواصل واهمية عملها على تغذية مواقعها بالمحتوى الجيد والتفاعل الفوري مع كل ما يكتب بشانها لكي يمكن الحد من كثير من الشائعات أو المعلومات غير الصحيحة ….
وأضافت د. الجازي الشبيكي إلى قائمة مستهلي سلعة الجهل ؛ فئة المرضى وخاصة مرضى السرطان والسكر وغيرهم ممن يريدون أن يتعلقوا بآمال الشفاء وممًا مورس عليهم تكثيفاً معلوماتياً متناقضاً في أحيان كثيرة بحسب مصالح الجهة المعلوماتية. على سبيل المثال ، العلاج الكيماوي الذي نسمع عنه في اليوم الواحد آراء ومعلومات لا ندري من نصدق فيها الأطباء وشركات الأدوية أم مناصرو العلاج الطبيعي أم من؟ وكلٌ يدًعي أن الطرف الآخر يستغفل المرضى. وهذا يدخل ضمن قضية ” إدارة الفهم وسياسة التجهيل”.
وفي تصور م. حسام بحيري فإنه في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من الصعب جدا الابتعاد عن البروبجندا الإعلامية. قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي المعلومة كانت تصدر من قبل النخب الإعلامية التي تتحكم في ماذا ينشر ويقال وبعد ظهور وسائل التواصل بدأت النخب الإعلامية تفقد هيمنتها ومصداقيتها. اليوم يوجد أفراد لهم متابعين أكثر من متابعي أعرق وسائل النشر ويستطيعون نشر أفكارهم في ذهن قاعدة عريضة من الناس وأصبح الراي العام مفتوح تماما أمام هندسة التجهيل القائمة حاليا ونرى ذلك بوضوح في انتشار ظاهرة الأخبار الوهمية بشكل كبير للتأثير على عقلية المتابع.
وعقبت د. نوف الغامدي بأن بالفعل هذا ما يحدث، والسؤال الذي يتبادر للذهن هو: كيف يمكننا تنقيح البيانات وفلترتها ؟! المعلومة أصبحت متداولة بشكل تجاري بعيداً عن المصداقية لحد ما، ومع الأسف أفرزت لنا كم من تجار الإعلام.
في حين يرى م. أسامة كردي أن تطور وسائل الاتصال و تعددها أفقد إمكانية التحكم في محتوى المعلومة و تطبيق القواعد المعروفة المتعلقة بصحة المعلومة أو تجهيل المتلقي و التوجه بدرجة عالية إلى تحقيق أهداف كاتب المحتوى التي أصبحت – و للأسف – القاسم الأهم ، و هنا يجب العمل لتثقيف المتلقي ( لفلترة ) المعلومة.
وبدوره أوضح م. حسام بحيري أن هذه ظاهرة جديدة وجدت الآن وأصبحت اليوم وسيلة يمكن تطويعها لصالح هدف معين واستفاد منها مؤخرا دونالد ترامب في الفوز برئاسة الولايات المتحدة؛ فأثناء حملته الانتخابية دأب على نشر أخبار مضللة وكاذبة عن منافسيه على الرغم من محاولة وسائل الإعلام التقليدية توضيح عدم مصداقية معلوماته وكذبها ولكنه تمكن في الأخير الانتصار. من الصعب جدا محاولة تنقيح أو فلترة المعلومات مع وجود هذه الظاهرة. المصداقية في النشر أصبحت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى لأن الحقيقة أصبحت غير مهمة. ما يهم اليوم هو ماذا يريد الناس أن يصدقوا وكيفية إدارة فن وضع هذا التصور في عقولهم.
وذهب د. عبدالله بن ناصر الحمود إلى أن هناك حقيقة مهمة في بيئة الإعلام والاتصال المعاصرة مقارنة بالبيئة القديمة من حيث (إدارة الفهم .. وهندسة التجهيل)، هذه الحقيقة يمكن تلخيصها في أنه ليس ثمة فرق جوهري في نسبة احتمالية تأثير مخاطر السلوك السالب على الجماهير في البيئتين التقليدية والمعاصرة للاتصال.
صحيح.. أن البيئة الجديدة تتفوق بشكل عظيم على البيئة التقليدية من حيث كم المحتوى المتداول وأيضا نوعيته ولكن .. نسبة .. التجهيل .. لم تتغير كثيرا في العصرين لأنه في الوقت الذي تعددت فيه وسائط الإعلام والاتصال لم يعد الجمهور هو ال Mass ذاته الذي كان جمهورا لوسائط المرحلة التقليدية لكنه تجزأ اليوم. وهذه الجماهير النوعية المتجزئة باتت تدير مع وسائط تلقيها المعاصرة كل عمليات الفهم والتجهيل التي يمكن تصورها ومناط ذلك.. أن (المرسل) في المرحلتين كلتيهما إنسان وكذلك (المستقبل)؛ بمعنى أن المرحلة المعاصرة لم تستبدل عنصري الاتصال هذين وإنما أبقت عليهما بكل خصائصهما النفسية والاجتماعية والثقافية ؛ فالإنسان (المرسل) الذي ينتقي ويدلس ويجتزئ ويهول ويبالغ ونحو ذلك.. أو يخلص ويصدق ويجتهد هو نفسه في المرحلتين كان عميلا لمؤسسة في المرحلة التقليدية ثم أصبح عميلا لذاته في المرحلة الراهنة.. والشيء نفسه ينطبق على (المستقبل).. فالمستقبلون النابهون هم نفسهم في المرحلتين وكذلك المستقبلون البلهاء. أحداث كثيرة في المرحلة التقليدية تدل على هذه الخصال ، مثلا.. بروز ظاهرة تكسير التلفزيونات عندنا من قبل المستقبلين المتشددين سنوات الثمانينات الميلادية ونحوها تؤكد أن النسب لم تتغير كثيرا ، لكن الذي تغير مظاهر القبول و الرفض لما يتلقاه الناس عبر تلك الوسائط ؛ فاليوم.. المتشددون.. يتخذون من بناء الهاشتاقات أداة للتعبير عن ذات الشعور يعني يبقى المجتمع البشري تحت وطأة خصائصه الرئيسة أكثر شيء جدلا.
ويؤكد د. خالد الرديعان على أهمية الشفافية؛ فتوفرها سيقلص وإلى حد كبير من تلقي المعلومة الخاطئة التي تصبح مضللة. تعزيز الشفافية في الجهاز الحكومي يلغي جميع التكهنات التي يتم غالباً تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص. كما أن صمت بعض الأجهزة وعدم الافصاح عن خططها وما تقوم به يخلق بيئة مناسبة للتكهنات ومن ثم المعلومات المغلوطة. كذلك فإن صمت المثقف عن تناول بعض القضايا قد يكون حيادياً.. وحتى الحياد يُفسر أحياناً بطريقة خاطئة.. لكن صمت بعض الجهات الخدمية تحديداً كالوزارات ليس حياداً فهي تقدم خدمات للجمهور وعليه أن يعرف ماله وما عليه. والإجراء المتخذ بأن يكون لكل جهة حكومية متحدث رسمي هو إجراء ممتاز للغاية شريطة أن يتحدث ويقدم المعلومة الصحيحة.
وكمثال على أن الصمت غير مفيد. في أحداث العوامية تناقلت وكالات الأنباء أن سكان المنطقة تم تهجيرهم من منازلهم ودكها وحدث تأليب على المملكة من بعض القنوات المغرضة. الذي لم تركز عليه وسائل الإعلام الرسمية عندنا هو أن جميع البيوت التي أزيلت تم تثمينها بمبالغ مجزية ودفعت الحكومة لأصحابها مقابل مالي. هذه النقطة لم يتم التركيز عليها لتبيان الحقيقة. كما أنه لم يتم التركيز على قضية تطوير المنطقة وكان التركيز فقط على الإرهاب. كان المفترض عمل مقابلات حية مع السكان الذين تم نقلهم وسؤالهم لمزيد من الإيضاح وحول ما تم تقديمه لهم كبديل لمنازلهم. اللبناني والايراني وصلته صورة خاطئة ومضللة عما جرى في العوامية وترسخ لديه أن هناك أقلية شيعية مضطهدة.
وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود قوله: إدارة الفهم وهندسة التجهيل مهارات بشرية بامتياز.. هي في حق الأفراد مثلها في حق الجماعات والدول، الفرد.. (الإنسان) و (الجان) على حد سواء.. نعم.. الجان هما موطن ذلك الصراع.. {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أو تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}
الشيطان.. قام منذ الأزل بهندسة تجهيل عجيبة.. لنقم بتحليل تلك الرسالة الاتصالية الشيطانية لنعرف أن موضوع القضية الحالية يتجاوز كوكبنا البشري ليصل إلى منظومة من القوى الخارقة الأخرى، ألا يبدو هذا الكلام مهما؟ وظيفة إبليس في الحياة الدنيا تتلخص في تجهيلنا لنهلك جميعا في منظوره {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}
لكن من المهم التنبه إلى أن ثمة بوابة للخلاص من عمليات التجهيل كلها ، فإبليس .. لم يستطع أن يتجاهل ذلك واعترف صاغرا بأنه إلا عبادك منهم المخلصين.
وفي الوقت الراهن عندما تنهار علينا وسائط التواصل بالكم الهائل من عمليات التجهيل فإن كثيرا من الناس يعتقدون الجهل علما لكن المخلصين (بفتح اللام) وهم من يعرفون كيف يميزون بين الغث والسمين .. لا يمكن أن ينطلي علبهم المحتوى التجهيلي. اليوم مع وفرة مصادر المعلومات والمعرفة لم يعد للمرء عذر في أن يتم تجهيله. على المرء أن يتعلم ويقرأ ويطلع ليكون مخلصا (بفتح اللام).
وفي الإطار ذاته بإمكان الإنسان عن طريق العلوم المختلفة أن يدرك الحقائق اليقينية وأن يطمئن إلى صدق إدراكه وصحة معلوماته وبالتالي يستحيل تجهيله؛ لأنه يبحث بانتظام في مصادر المعرفة ويتعرض للنظر في منابعها وأدواتها ومناهج البحث فيها، ويستطيع بذلك التمييز بين الحقيقة والجهل، بين الصحيح والخطأ، بين المفيد والضار، أما مدعي العلم ادعاء فلا خير فيهم ولا خير منهم.
وعقب أ. عبدالرزاق الفيفي بأنه بالفعل فإن الجاهل له وصفان : كبر بما لديه أو غمط لما لدى الآخر، وينشط الجهل عبر طريقين: إقرار الجاهل لمثله فيتكاثر الجهل أو صمت العالِم عن جهل غيره فيندثر العلم وحينها نجد بيئات حاضنة للجهل والتجهيل.
وأضافت د. نوف الغامدي أن العلم هو عكس الجهل وهو عبارة عن قواعد مرتبطة ببعضها منطقياً لإثبات الفرضيات وبالتالي هو يعتمد على التجربة ، قال تعالي : ” إنما يخشي الله من عباده العلماء ” أفكل من اختص بشيء من العلوم التجريبية كان ممن يخشون الله حقا ! ، وكان ممن يرفعهم الله درجات؟!
أما أ. عبدالله الضويحي فقال في مداخلته حول إدارة الفهم و هندسة الجهل: الجهل لا يعني عدم المعرفة فقط كما درسونا: ( العلم نور والجهل ظلام ) و ( تعلم فليس المرء يولد عالماً / وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل )؛ لكنه صناعة ويكاد أن يكون علماً قائماً بذاته بل ربما هو كذلك ولكن بلغة أخرى .. حيث أصبح ( منتجاً ) تتم صناعته وتعليبه وتسويقه لأهداف معينة ليس شرطاً أن تكون سياسية أو اجتماعية وإنما تجارية أيضا .. من خلال العلاقات العامة التي تم توظيفها جيداً لخدمته وأصبحت أحد أذرعه الرئيسة.
وتقول الدراسات والأبحاث أن هذا العلم ( الجهل ) هو علم حديث ظهر في تسعينيات القرن الماضي ( قبل عقدين ونصف ) عندما بدأت شركات التبغ في أمريكا تبث الدعايات التي تهدف للتقليل من مخاطر التدخين و( تجهيل ) الناس بها من خلال إثارة الشكوك في البحوث العلمية التي تربط التدخين بالسرطان.
إن علم الجهل ربما ولد مع الخليقة لكن هندسته هي الحديثة كغيره من العلوم. في قصص الأنبياء والأمم السابقة ما يؤكد ذلك وفي القرآن الكريم: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) توجيه رباني بعدم الخوض والقول بلا علم .. ما يعني أن ذلك موجود ويمارس بأساليب ولأهداف مختلفة. وفي تراثنا العربي: ( ألا لا يجهلن أحد علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا ) وفي عصرنا الحديث كان جوبلز وزير هتلر ( الحرب العالمية الثانية ) و أحمد سعيد ( حرب 67 ) و محمد سعيد الصحاف ( حرب الخليج ).
إن هندسة الجهل أو مهندسيه على أنواع ثلاثة:
1- نوع يتعمد ذلك وفق أجندة محددة لتحقيق أهداف معينة وقد يكون هذا النوع أفراداً أو كيانات ، ويندرج تحتهم بث الشائعات لتحقيق أهداف معينة.
2- الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً عبر اجتهادات خاطئة نتيجة تعصبهم لمذهب أو طائفة أو نادٍ ، فنجد الفتاوى والتشدد في بعض الأحكام و ( تحجير واسع ) و ( سد باب الذرائع ) و ( تفسير القوانين والأنظمة ) في المجالات الرياضية والثقافية وغيرها.
3- من يطلق عليهم في الإعلام ( ثقافة الجمهرة أو القطيع ) أو من ينطبق عليهم المثل (مع الخيل يا شقراء) وبلغة العصر (المدرعمون) وهؤلاء الأخطر فهم وسيلة تسويق جيدة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي وهي أحد الأدوات والأذرع الرئيسة لنشر هندسة الجهل كما أشارت لذلك د. نوف في ورقتها وثنى عليها د. عبدالله ناصر الحمود في تعقيبه.
أختم بمقولة لوزير فرنسي مشهورة ربما جسدت هندسة الجهل في أبسط معانيها: (الماركات هي أكبر كذبة تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء فصدقها الفقراء ).
ومن جانبه مرة أخرى د. مساعد المحيا: قال لن أغرق في الجانب الفلسفي .. لكني سأتحدث عن الموضوع من زاوية التأثير حيث لدي بعض إنتاج علمي يتعلق بالتأثير. سأشير لجانب من ذلك، إذ من أهم ما تهتم به وسائل الإعلام والحملات الإعلامية ووكالات الإعلان والتسويق الدولية هو الوصول للتأثير على المستهلك والجمهور ..من خلال هندسة التلاعب بالعقول ..وهذا يذكرني بالكتاب الذي الفه هربرت شيللر ونشر عام 1973 أي قبل 44 عاما و ترجمه عبد السلام رضوان ونشر باسم “المتلاعبون بالعقول” عبر سلسلة عالم المعرفة الكويتية وهو كتاب قرأته قبل سنوات يتحدث فيه كاتبه عن أنماط التضليل الإعلامي وأساليب الوعي المعلب وكيفية صناعة المعرفة في الولايات المتحدة الأميركية وكيف يتم التحكم بالرأي العام. إذ يرى شيللر أن صناعة التلاعب بالعقول تتم من خلال خمس جوانب يسميها أساطير و يجرى ترويجها بعناية وذكاء، على أنها حقائق وهي :
- أسطورة الفردية والاختيار الشخصي.
- أسطورة الحياد.
- أسطورة الطبيعة الإنسانية الثابتة.
- أسطورة غياب الصراع الاجتماعي.
- أسطورة التعددية الإعلامية.
وهذه الأساطير يتم توظيفها عبر محتويات ومواد كثيرة تشكل الإطار التضليلي الذي يوهم عقولنا بادعاء الحقيقة، عبر كثير من المواد الإعلامية ..وهو كتاب برغم قدمه جدير بالقراءة.
كما أن هناك كتب أخرى تناولت غسيل الدماغ وكيف تصنع مريضا وكتب في الحرب النفسية والتلاعب النفسي ونظام المكافأة في الدماغ وصناعة الجوع (خرافة الندرة) وكتب أساليب التأثير … الخ من الكتب التي تتحدث عن عمق استغلال العقول من خلال إعلانات أو مواد إعلامية يتم صناعتها لتوصل ما نسميه بصناعة الصورة وصناعة الكذب أحيانا ..ومثل هذا عدد من الأفلام الوثائقية والدرامية والمواد التلفزيونية والمواد الإذاعية.
الإعلام اليوم وبخاصة الشبكات الاجتماعية أضحت تمارس دورا أشد وضوحا في هندسة الفهم أو في فرض الواقع ومن ثم الايهام بقبوله من خلال الحشد في التوظيف والاستخدام ومن خلال الكم الهائل من الحسابات الوهمية التي تخلق قناعة لدى الجمهور بصحة الموقف والرأي؛ وهذا مما ينبغي أن ندرك خطورته على نحو كبير جدا، وبخاصة ما تتعرض له المملكة من حملات متواصلة للنيل من قيادتها ومنهجها وشعبها ومنجزاتها …
ايضا لا أحب أن أسقط الحديث على المشهد السياسي ولكن لو تم النظر للعديد من القضايا التي تم فيها صناعة هاشتاقات وأوصلوها للترند العالمي في موضوعات ثقافية واجتماعية وفكرية واقتصادية وفنية وإعلامية سنجد أن كثيرا منها ربما كان وراءها أجندات ومؤسسات وأفراد أرادوا لهذا الأمر أن يتم فوظفوا كل طاقاتهم للإيهام بجدوى ما يقولونه ومن آراء ومواقف أو في تلميع شخصيات أو كتب أو مؤسسات.
لا اختلف مع ما أشار إليه د. عبد الله حول ضعف أداء إعلامنا لكنني أعتقد أن إعلامنا يستطيع أن يحقق مستوى من المهنية أفضل حينما يريد ذلك وسينجح فنحن نمتلك قدرات جيدة وجدير بأن نعلمهم المهنية لا أن يصطفوا ليكونوا كمبارس خلف الأقل مهنية. نماذجنا المهنية تريد أن يتم منحها مناخا أوسع وبيئة أفضل وحقوقا تامة وأن يسعدوا بإدارة تقدر جهدهم وتمنحهم كل الفرص وتشجعهم وتفيد من قدراتهم نحو الأمام.
ونوه د. علي الحارثي إلى مقال مهم للغاية بعنوان علم الجهل وكاتبه د. عبدالرزاق بني هاني * وجاء فيه: عندما كنت طالباً في مرحلة البكالوريوس سمعت من أستاذي في مساق التاريخ، وكان اسمه جون سويني، رأياً لم استوعبه ولم أصدقه آنذاك عن علم الجهل، وعن تخصص فرعي في التاريخ اطلق عليه psycho-history، أي التاريخ النفسي، وكان ذلك في العام ١٩٧٦ !!! فكنت كثيراً ما أردد في نفسي مقولة ” هل هناك علم اسمه علم الجهل والتجهيل، مثلما يوجد علم اسمه الفيزياء أو ما شابه ؟ وكيف للعلم أن يكون مُجهلاً؟
وبقيت على رأيي هذا إلى أن أخبرني صديق لي أمريكي يعمل في مؤسسة راند البحثية Rand Corporation، بأن هناك مؤسساتٍ، تابعة لحكومات دولٍ عُظْمَى، ومنها حكومة الولايات المتحدة، متخصصة في هندسة الجهل وصناعته وتغليفه بأرقى الأشكال، ثم تسويقه على نطاقٍ واسع ………..وللأمانة بأن حديث صديقي الأمريكي قد أذهلني من شدة الحيرة …. وكنت أترنح بين الحقيقة والخيال من سطوة أفكاره ومعلوماته التي أضافها إلى مخزوني المتواضع … أقرأ كثيراً في السياسات المحلية للدول المختلفة … وعندما أدقق في عمق الأوضاع السائدة في الدول المعنية لا أستطيع أن ادحض مصداقية هذا العلم وهندسته وصناعته … وآثاره المدمرة …
- oالدولة وجهود صناعة الوعي و المعرفة
تطرق أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أن للدولة جهود عظيمة في صناعة الوعي و المعرفة ويظهر ذلك جليا في العهد الجديد الذي يعتبر عرابه ولي العهد – وفقه الله – ومن ثم تساءل: ما أشكال تعزيز العلم والمعرفة في وطننا وهي جديرة بالشكر والتعزيز من تواجدها ؟
وفي هذا الصدد ذكرت د. نوف الغامدي أن بداية التحول إلى مجتمع معرفي في السعودية يتميز باقتصاد قائم على المعرفة كانت فعلياً في عام 2009، عندما أطلقت خطة «معرفة 1»، التي تزامنت مع خطة التنمية الخمسية التاسعة 2010 – 2014. خطة «معرفة 2» أو الهدف الثالث في خطة التنمية الخمسية العاشرة 2015 – 2019 التي أعلن عنها نهاية العام 2014 . وتم الإفصاح وقتها أيضا عن الاستراتيجية الوطنية للتحول إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة لعام 2030، التي تتماشى مع الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي 2004 – 2024، واعتمدت على عدد من الخطط والاستراتيجيات المسبقة، مثل: السياسة الوطنية للعلوم والتقنية والخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات والاستراتيجية الوطنية للصناعات والخطة المستقبلية للتعليم الجامعي والاستراتيجية الوطنية للنقل واستراتيجية الموهبة والإبداع ودعم الابتكار. الاستراتيجية الوطنية للتحول إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة أعدت بالتعاون مع المعهد الكوري للتنمية، وحسب ما توافر من معلومات فإن اللجنة المشرفة كانت مكونة من 166 خبيراً سعودياً من وزارة الاقتصاد والتخطيط ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعات ووزارة التعليم وزارة التجارة والصناعة وجهات إضافة إلى مجموعة الأغر، الاستراتيجية كانت تهدف لتحقيق هذه الرؤية بحلول العام 2030، لتصبح المملكة مجتمعاً معرفياً في ظل اقتصاد قائم على المعرفة مزدهر متنوع المصادر والإمكانات، تقوده القدرات البشرية المنتجة والقطاع الخاص.
المحور الثالث
قراءة في نظام الجامعات الجديد
الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الشقير
نشرت وزارة التعليم على موقعها الإلكتروني مسودة نظام الجامعات الجديد (يتكون من تسعة وستين مادة موزعة على ستة عشر فصلاً)، طالبة من المختصين والمعنيين الاطلاع على النظام وإبداء الملاحظات بشأنه في مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من نشره، كما غرد وزير التعليم برابط المشروع بحسابه في تويتر (بتاريخ 13 سبتمبر 2017). وقد لقي هذا المشروع تفاعلاً سريعاً ولكنه دون المؤمل، ويبدو أن ذلك بسبب ضعف الثقافة الأكاديمية وتزامنه مع بدء الدراسة، ولكن من أبرز التفاعلات كان وسم (هاشتاق) بتويتر #مشروع_نظام_الجامعات_الجديد، وحلقة بعنوان “خصخصة قطاع التعليم” في برنامج الثامنة الذي تبثه قناة إم بي سي بتاريخ 18 سبتمبر 2017، ومقالات قليلة. وتقدم هذه الورقة قراءة نقدية لبعض مواد المشروع استجابة لطلب وزارة التعليم بمراجعته، وأعتذر مسبقاً عن بعض عبارات الصراحة، ولكنها نابعة من جدية القضية وخطورتها على مستقبل المجتمع.
ما الجديد في النظام؟
- نصت المادة الثامنة والستين على أن هذا النظام الجديد يحل محل “نظام مجلس التعليم العالي والجامعات” الصادر عام 1414هـ، وبمراجعة النظام الجديد لوحظ أن كثيراً من مواده نسخة مكررة من النظام القديم، فيما عدا بعض المواد غير مسبوقة، ويبدو أنها مستقاة من مسودة النظام الذي قدمته جامعة الملك سعود لمجلس الشورى، مثل التالي:
- في المادة الثالثة قُسمت الجامعات إلى ثلاثة أصناف هي: جامعات تعليمية، وجامعات تطبيقية، وجامعات بحثية. ومن الصعوبة انفصال الجامعات الحالية إلى هذه التقسيمات، بحيث تعرف كل جامعة أنها تنضوي تحت أي قسم إلا بتعديلات جذرية ومراعاة ما قد يترتب عليها من مخاطر جديدة.
- نصت المادة الرابعة على أن تتمتع كل جامعة بشخصية معنوية مستقلة ذات ذمة مالية تعطيها حق التملك، وهذا يعني الاتجاه نحو خصخصة التعليم الجامعي والعالي؛ ويقصد باستقلال الجامعات هنا انفصالها عن تبعيتها الحكومية، وتولي مجلس الأمناء إقرار ميزانيتها السنوية، وليس وزارة المالية أو الحكومة كما كان سابقاً، وأن لها حرية في العملية التعليمية والبحثية والخدمات المقدمة منها دون اشتراط موافقة مجلس أعلى. إلا أن ما يثير التساؤل عبارة “ويكفل لها هذا النظام الاستقلال التام”. في حين أنه بتتبع مواد النظام لا يتضح كيف كفل لها ذلك، بل قيدها في كثير من سياساتها!
- في المادة الثانية والستين: نص على جواز افتتاح فروع لجامعات عالمية في المملكة.
- ينطوي استقلال الجامعات بمجلس أمناء على مخاطر أمنية وفكرية، من خلال إتاحة الفرصة لنشر الأفكار الإيديولوجية أو الطائفية المناهضة لاتجاه الدولة.
- في المادة السابعة نص على إنشاء مجلس شؤون الجامعات مرتبط برئيس مجلس الوزراء، من مهامه كما في المادة التاسعة: رسم سياسات التعليم الجامعي واستراتيجياته واتجاهاته العامة، وتشكيل مجالس الأمناء، والموافقة على تعيين وكلاء الجامعات، ووضع الأنظمة الجامعية، ومراقبة أداء الجامعات… وهذا قد يلغي فعالية الاستقلال الجامعي الوارد في المادة الرابعة. كما يلاحظ أنه في كثير من مواد تعيين أعضاء المجلس تم ربط التعيين بقرار من رئيس مجلس الوزراء. وهذا يضيف أعباء إدارية، كان حريًّا بالنظام الجديد تلافيها؛ لئلا تنشغل الحكومة بأعمال يمكن أن يتولاها وزير التعليم. وبنظرة فاحصة نجد أن بعض مواد النظام لا تتوافق مع بعض، ففي المادة السابعة مثلا لم ينص على من يرشح ممثل هيئة تقويم التعليم في مجلس شؤون الجامعات، في حين أنه في المادة الثالثة عشرة نص على من يرشح ممثل أمانة مجلس شؤون الجامعات. وهذا التفاوت يدل على عدم صياغته بكفاءة قانونية.
- نصت المادتين الخامسة عشر والسادسة عشر على عضوية ثلاثة من القطاع الخاص من ذوي الاهتمام بالتعليم في مجالس أمناء الجامعات، والجامعات التطبيقية. ولا يوجد مسوغ لدمج القطاع الخاص في مجالس الأمناء إلا إذا كان من الجامعات الأهلية لتقاربها مع الجامعات الجديدة.
- المادة السادسة عشر، الفقرة التاسعة: نص على أن عمداء الكليات والمعاهد ورؤساء الأقسام بالتعيين، والمادة الثلاثون تنص على تعيين مدير الجامعة. وهذا يعني أن نظام الانتخاب لن يدخل الجامعات، في حين أنه هو النظام المعمول به في بعض الجامعات عند تأسيسها.
- ظل المجلس العلمي على ارتباطه بوكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، وتم التعبير عنه في النظام بوكيل الجامعة المختص. ومنحه حق ترشيح أمين المجلس العلمي. في حين يفترض في النظام الجديد أن يكون المجلس العلمي مستقلاً تماماً عن أي تبعية إدارية، بل يكون رئيسه وأعضاؤه وأمينه بالانتخاب المطلق للجميع؛ لأن الترقيات والتعيينات تحتاج للحياد، وبخاصة بعد أن صار التعامل مع عضو هيئة التدريس تعييناً وتجديداً للتعاقد السنوي من صلاحيات كل جامعة. وسيترتب على قرار المجلس العلمي استبعاد عدد من أعضاء هيئة التدريس، فلا يصح أن يكون القرار متأثراً برأي مدير الجامعة أو وكلائه.
- كرر النظام مبادئ الرقابة البيروقراطية القديمة، ولم يتضمن النظام الجديد مواد تضمن الرقابة الفعالة، على الرغم من تأكيد برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 على الحوكمة والشفافية بشكلها الفعال، وجميع المواد المتعلقة بالرقابة على الجامعات منقولة من النظام القديم؛ مع أن الاعتماد على الجهات الرقابية التي تراقب الجهات الحكومية حاليا لا يتناسب مع اتجاه الدولة إلى تغيير نظام الجامعات، وجعلها مؤسسات غير ربحية؛ فهذه الخطوة تقتضي وجود مبادئ حوكمة وشفافية، دون أن يكون لجهات الرقابة الحكومية دور فيها.
- نص النظام على أن مدد بعض أعضاء مجلسي: شؤون الجامعات، وأمناء الجامعات ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ومدد بعض أعضاء مجلس الجامعة سنتين قابلة للتجديد. ومن المهم تقييد التجديد بدورتين أو ثلاث دورات كحد أقصى.
- منحت المادة السادسة والستين الجامعات فترة انتقالية لمدة سنة مالية للعمل باللوائح الجامعية الحالية، لحين تعديلها وفق النظام الجديد. ويلاحظ أن اللوائح الحالية عددها ثمانية، وأضاف إليها النظام لوائح جديدة، مثل: لائحة للمجلس الطلابي، ولائحة للجامعات الأهلية وفروع الجامعات العالمية، ولائحة الإشراف على الرسائل العلمية من قبل غير المتفرغين، ولائحة تفريغ بعض أعضاء هيئة التدريس للبحث العلمي بشكل دائم أو مؤقت.
- لم يتعرض مشروع النظام الجديد للطالب الذي يعد محور العملية التعليمية، وأساس نشأة الجامعات، وخاصة ما يضمن تحصيله العلمي المتجدد، ودعم الابتكار والإبداع، وعدم وقوع الظلم عليه. وهذه تعد من أهم أزمات التعليم الجامعي التي لم تحل بجدية.
- لم يتعرض مشروع النظام إلى إيجاد لائحة تحد من ظاهرة السرقات العلمية التي يقع فيها بعض أساتذة الجامعات، ولا يوجد حتى الآن أي نظام ولا مادة من نظام تنص صراحة على تجريم السرقات العلمية، على الرغم من ازدياد هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، ووصول بعضها إلى الإعلام.
- مما يؤسف له في النظام الجديد أنه يؤكد على حقيقة أنه: ليس في البيئة الجامعية ما يدعو للتفاؤل بنجاح تطبيق هذا النظام، ذلك أن انتشار الضعف الإداري والمالي وقلة الكفاءات المؤهلة أثبتت عدم قدرة معظم الجامعات على تحمل مسؤوليات جادة، وقد اتضح ذلك من نتائج أهم ثلاثة مشروعات نفذتها وزارة التعليم العالي مع الجامعات خلال عشر سنوات (2005-2015)، وهي: الجامعات الناشئة، والجامعات والكليات الأهلية، والماجستير الموازي.
- النظام الجديد يمنح الجامعات الحق في التعيين والتوظيف بنظام التعاقد، وهذا يهدد بتسريح آلاف الأكاديميين وموظفي الجامعات، ومن المرجح أن يساء استخدامه كما حصل مع سوء استغلال المادة (77) في نظام العمل والعمال الذي أسهم في زيادة الفصل التعسفي للسعوديين.
التعقيب الأول: د. إبراهيم البعيز
هناك ثلاث إشكاليات هيكلية تعاني منها الجامعات السعودية وتتعلق بالرسالة – الاستقلالية الإدارية والمالية – وفقدان المنافسة، وأرى أن النظام الجديد سيعالجها من حيث المبدأ.
- oالرسالة
كثير من الدول المتقدمة تحرص على وضوح رسالة الجامعة، حيث يتم تصنيفها في فئات إما جامعات بحثية أو جامعات تعليمية، أو تقنية تأهيلية. وتم اتباع هذا التصنيف بشكل واضح في أمريكا، ومن الأمثلة على ذلك أن ولاية كاليفورنيا وزعت كلياتها وجامعاتها الحكومية (عددها ١٤٧) إلى ثلاث فئات :
– جامعات بحثية (١٠ جامعات) ومعظم جهودها موجهة للدراسات العليا والبحث العلمي.
– وجامعات تعليمية (٢٣ جامعة) وهذه جهودها تركز على المرحلة الجامعية وليس بها برامج دراسات عليا إلا الماجستير وعلى نطاق ضيق جدا ويكون بمقررات واختبار شامل، ولا يدخل في ميزانيتها مخصصات تذكر لتمويل البحث العلمي.
– كليات مجتمع (١١٤ كلية) وهذه جهودها تتركز في برامج دبلوم وبكالوريوس فقط وبالطبع ليس فيها برامج للدراسات العليا.
هناك سلسلة من الاتفاقيات بين هذه المنظومات الثلاث التي تتيح للطلاب الانتقال بينها دون أن يضيع جهودهم.
هذا التصنيف سوف يساعد على تحديد الرسالة، وليس من المنطقي أن نتوقع من جامعة ناشئة (جامعة حفر الباطن أو جامعة نجران) أن تكون بحثية وتفتح برامج في الدراسات العليا، وليس من المقبول أن تضيع جهود جامعة عريقة مثل الملك سعود أو الملك عبدالعزيز أو الملك فهد في جوانب تدريسية وبرامج البكالوريوس.
- oالاستقلالية الإدارية والمالية
الصلاحيات التي منحها النظام لمجلس الأمناء خاصة في الجوانب الإدارية والمالية ستمنح الجامعات استقلالية وصلاحيات إدارية ومالية تبعدهم في حالة التقصير عن شماعة التعذر بالنظام. في التسعينيات اضطرت بعض الجامعات إلى إيقاف الاشتراكات في كثير من الدوريات العلمية ولم تكن لديها صلاحية المناقلة لتعزيز ذلك البند من بنود أخرى.
وميزانيات الجامعات الآن بيد مجالس الأمناء ولم يعودوا بحاجة إلى التسلّح بمهارات الاستجداء من مسؤول في وزارة المالية لا يفرق بين ميزانية الجامعة وميزانية البلدية.
- oالمنافسة
الصلاحيات التي مٌنِحَتْ لمجالس الأمناء سوف تتيح الفرصة للانعتاق من فلسفة نظام واحد يصلح للجميع والتحول إلى نظام يعزز التباين والمنافسة بين الجامعات.
الجامعات وفقا للنظام الحالي لا ترى نفسها إلا دوائر حكومية لا يفترض أن يكون بينها تنافس لاستقطاب المتميزين من الطلاب ومن أعضاء هيئة التدريس والموظفين.
التعقيب الثاني: أ.د. فوزية البكر
قضية نظام الجامعات الجديد قضية ساخنة ولم يلتفت إلى النظام إلا مجموعة ضئيلة من المشتغلين فيه أصلا على الرغم من أن أهميته كبيرة جدا حيث تخص أبناء الوطن وأهاليهم ممن يمثلون قوي الضغط الاجتماعي المطالبة بفرص التعليم الجامعي لأبنائها من خريجي الثانويات العامة والذين تجاوزوا هذا العام ثلاثة مائة الف في حين أن المقاعد المتاحة في الجامعات السعودية لم تتجاوز المائة والتسعون الف ويضاف لها بالطبع مقاعد كافة المؤسسات التدريبية والمهنية والعسكرية ما دون الجامعة.
أود في هذا التعقيب أن أطرح عدد من النقاط للتفكير فيها:
- مجلس شؤون الجامعات يتكون من أعضاء من وزارة التعليم ووزارة المالية والخدمة المدنية والاقتصاد والتخطيط وهيئة التقويم العام الخ وبدل أن تناضل الجامعات مع وزارة واحدة سابقا ستبدأ في النضال لإقناع كافة قطاعات الدولة. (الذين يتوقف انضمامهم لهذا المجلس علي ترشيح وموافقة وزير التعليم !)
- مجالس الأمناء تعين بقرار من مجلس الوزراء ! (المادة الثالثة عشر).
- لم يتضح في فقرات النظام الجديد ولا مفردات مواده أي ملمح إلى تمكين المرأة في أي مجلس خاصة وحضور المرأة الأكاديمية ضعيف جدا في الوقت الحاضر في كافة المجالس بكل مستوياتها وفي كافة الجامعات السعودية بما لا يتفق مع رؤية المملكة 2030. ولذا لابد من وضع نسب تمكين مئوية تضمن مشاركة المرأة في كل مجلس حتى تصبح تدرجيا جزء من آلية العمل.
- ماذا سنفعل ب 76289 عضو هيئة تدريس وهم موظفون حكوميون عدا عن مئات الآلاف من الإداريين والتشغيلين إذا تحولنا إلى العقود السنوية؟
- المادة السابعة والخمسون تشجع علي إيجاد برنامجا للأوقاف للصرف منه كما يقره مجلس الأمناء وهذا تطور إيجابي كبير سيضمن للجامعات تنمية مواردها الذاتية بعيدا عن الاعتماد على المعونات الحكومية ويساعد علي تنمية تغير ثقافي في فكرة الأوقاف لتتجه للمشاريع التنموية بدل المؤقتة أو الدينية.
- خصخصة القطاع غير واضحة فهل يعني بأن الطلاب الجامعيين عليهم دفع بعض أو كل نفقاتهم أم المقصود فقط برامج الدراسات العليا ؟ وهل ما سيدفعه المواطن جزء أم كل بالنسبة لما سيدفعه الطلاب الأجانب؟
- المادة الثامنة والخمسون تشجع علي إنشاء شركات استثمارية تدعم بقاء الجامعة وتساهم في الصرف عليها وهذا تطور إيجابي يمكن من استثمار أموال الجامعة للتنمية المستدامة لمواردها لكن لابد من ضبط ذلك بمواد قانونية منعا لتفشي الفساد.
- لم يشر النظام إلى أي شيء بخصوص مكافآت الطلبة. هل لازلنا نحتاجها ؟ وجدت المكافآت في فترة التأسيس للجامعات الحكومية ولتشجيع الشباب على إكمال تعليمهم. اليوم لا نحتاج إلى هذه المنافسة فهناك ( قتال ) علي كل مقعد متوفر فما الجدوى من استمرارها إلا أن تكون لأسباب أخرى ؟
- المادة الثانية والستون تنص على جواز إنشاء جامعات أو كليات أهلية أو فروع لجامعات عالمية مما يعني مزيدا من المقاعد المتاحة داخليا وتنافسا اقوي وربما جودة أعلى.
التعقيب الثالث: د. حميد المزروع
كشفت وزارة التعليم مؤخرا عن مسودة نظام الجامعات الجديد والذي يتكون من التمهيد و (٦٩ مادة) ، تعكس رؤية الوزارة لمستقبل التعليم العالي بالمملكة للعقود القادمة. وقد ركزت أهم مضامين النظام مثل (المادة رقم : ٧) ، علي استقلالية إدارة الجامعات إداريا وماليا وعلميا والتمهيد لتخصيص التعليم العالي من خلال إنشاء ما يعرف بمجلس الأمناء لكل جامعة ، والذي سيكلف بالإشراف علي إدارة الجامعات و يعد الاستراتيجيات والخطط العلمية لكل جامعة بناء علي تخصصها ( تعلمية ، بحثية ، تطبيقية ).
الحقيقة وبالرغم من كون مسودة النظام مازالت تحت الدراسة ومعروضة علي موقع الوزارة لأخذ أراء الجمهور ، فإن ما ورد فيها من صلاحيات لمجالس الأمناء يكشف عن تحول جذري في سياسات التعليم العالي وصياغة أهدافة ، وكذلك من ناحية تنويع مصادر التمويل المالي للجامعات مثل تأسيس الشركات ، تقديم الاستشارات العلمية للقطاع الخاص ، تأسيس الأوقاف ، تحصيل رسوم من الطلاب ، وكذلك ربط التخصصات باحتياجات سوق العمل من خلال تعيين أعضاء مستقلين من القطاع الخاص في إدارة الجامعات.
ومن أهم ما ورد بالنظام الجديد هو استخدام نظام عقود العمل السنوية لأعضاء هيئة التدريس والإداريين. وهذا في تقديري وبقدر ما سيكون مقلق لموظفي الجامعات من حيث الاستقرار الوظيفي، فإنه سيخلق روح التنافس والعطاء لمنسوبي الجامعات حسب تخصصاتها. كما وأن تحصيل الرسوم سيساهم علي جدية الطلاب في التحصيل المعرفي والمهاري للفوز بفرص عمل مناسبة في سوق العمل.
لعل من إيجابيات تطبيق نظام الجامعات الجديد هو إمكانية دمج أو إقفال الأقسام العلمية والإنسانية المكررة والضعيفة ؟ خاصة الموجودة حاليا بالجامعات الناشئة ، والتي يعاني خريجوها من عدم وجود وظائف لهم بالقطاع الخاص إما بسبب ضعف التأهيل أو لكثرة أعداد الخريجين ، وبالتالي الاستفادة من إعادة توجيه الموارد المالية لأقسام علمية أو تقنية يساهم خريجوها (الجامعات التقنية) بسد الحاجة للوظائف وتقليص نسبة الانكشاف المهني الذي يعاني منة سوق العمل منذ عقود.
وطالما بأن نظام الجامعات الجديد سيعتمد علي نظام العقود السنوية ، فإنه من المنصف أن يعدل سلم الرواتب ، وأن يسمح النظام الجديد بعمل أعضاء هيئة التدريس في أكثر من مؤسسة تعليمية.
نظام الجامعات الجديد وأخلاقيات المهنة:
تعتبر أخلاقيات المهنة لكل تخصص أو قسم علمي من أهم مرتكزات تجويد العملية التدريسية والتدريبية ، لذلك يحب أن يعالج نظام الجامعات الجديد هذا الجانب بشكل واضح ضمن مواده النظامية .
لا شك أن وزارة التعليم تحاول جاهدة وفق إمكاناتها النهوض بقطاع التعليم بجميع مراحله ، إلا أنني مع ذلك أفضل بأن تنشأ هيئة مستقلة تشرف علي تطوير ومتابعة شئون التعليم العالي ، وهذا مما يمكن وزارة التعليم من التركيز أكثر علي شئون التعليم العام ، وهو قطاع ضخم يحتاج أيضا للتطوير والمتابعة بشكل دائم .
جاهزية الجامعات للنظام الجديد :
بناء علي ما ورد بالمادة (رقم ٦٦) ، فإنه سيبدأ العمل بالنظام ابتداء من العام المالي القادم (١٤٣٩-١٤٤٠هـ). في تقديري سيواجه النظام إذا ما تم تطبيقه بالتاريخ المقترح عدة عقبات ؛ أولها أن الجامعات غير جاهزة و تحتاج لتهيئة أوضاعها وأنظمتها الداخلية لتتوائم مع مواد النظام الجديد ، ومنها علي سبيل المثال التوقف عن قبول الطلاب الجدد. ثانيا ؛ أن تبدأ الجامعات بوضع الخطط المناسبة لتحديد هويتها العلمية وإعادة هيكلة خططها الدراسية إما لتتوسع أو تلغي الكليات والأقسام الضعيفة أو المكررة بين الجامعات. ثالثا؛ أن تحدد الرسوم الدراسية حسب نوعية التخصصات والدرجات العلمية المتوفرة بكل جامعة.
إن تخصيص الجامعات السعودية وفق متطلبات المعايير الأكاديمية العالمية يتطلب الاستعانة بخبرات أكاديمية أجنبية تتواجد ضمن أعضاء مجلس الأمناء المزمع تكوينه لكل جامعة خاصة ، خلال فترة التأسيس والتحول من النظام القديم إلى الجديد ، لتلافي الأخطاء الجوهرية ولضمان حصول الجامعات السعودية علي التصنيفات العلمية المناسبة.
المداخلات حول القضية:
- oنظام الجامعات الجديد: رؤية نقدية
أشارت د. نوف الغامدي إلى أن هذه القضية حيوية حيث تتعلق بأهم قطاع لتطوير وتنمية الدولة و القيام بها نحو المستقبل؛ فمنذ أقل من ربع قرن صدر نظام الجامعات والتعليم العالي عندما كنا نملك فقط 7 جامعات ! والآن تقريباً 39 جامعه بين حكومية وأهلية، قد يكون النظام الآن أكثر مرونة وَ استقلالية وَ يستطيع مواكبة رؤية 2030 و تغير الرؤية المالية و الاقتصادية وقد تكون هناك بعض السلبيات.
وفي تصور د. حميد المزروع فإن الجانب الإيجابي في تنويع مصادر الدخل للجامعات ينطلق أولا من السماح للجامعات بإعادة تقييم أصولها الثابتة والعلمية وإمكانية تسعيرها وتقديمها والارتقاء بها وفق المعايير العالمية مما يمكنها من الصرف الذاتي علي متطلبات النهوض بميزانيات البحث العلمي ( استقطاب باحثين بنظام العقود ) ، واستغلال براءات الاختراع . هذا إلى جانب الاستفادة من دخل الرسوم علي الطلاب ومن الأوقاف التي تملكها.
كما وأن هناك جامعات تشرف علي مستشفيات تعليمية مثل جامعة الملك ، يمكن أن تستثمر عياداتها الخارجية بأسعار منافسة لتغطية جزء من مصاريف المستشفيات ودعم ميزانية الجامعة ، خاصة البحوث الطبية.
عموما الهدف الأساسي من تفعيل الاستثمار للجامعات السعودية هو لضمان استمرارية وجودها وتطوير مخرجاتها وفقا لمتطلبات التصنيف العالمي . علي سبيل المثال تبلغ قيمة أوقاف جامعة هارفرد ٣٧ مليار، وعائد الأوقاف السنوي حوالي ٦٪.
في حين ترى أ.د. سامية العمودي أن نظام الجامعات لازال يعالج مشاكله بنفس الفكر القديم من فصل المرأة عن مجالس صنع القرار متجاهلاً أهداف رؤية ٢٠٣٠ ونعيش هذا الواقع في جامعاتنا وفي مجالسها وفي عزل المرأة وإن شاركت كان ذلك عبر الشاشة التلفزيونية المغلقة وهذه حدث عنها وكيف تضعف دور المشاركة.
وتمكين المرأة هو المطلوب لتحديث المشروع وتفعيل دور المرأة ومنحها المساحة والأدوات والصلاحيات لتشارك في وضع البرامج ابتداء من هذا المشروع الذي وضع من قبل خبراء ليتم تطبيقه على الرجال والسيدات وكان حري أن تكون هناك أكاديميات يعرفن ما يدور في أقسام الطالبات وفي معوقات وآليات الإصلاح ومدى إمكانية تطبيق النظام الجديد .
كما أن النظام الجديد قد يعطي فرصة لبروز فساد جديد في المحسوبيات والتعيينات والترقيات ما لم يكن هناك حوكمة ومتابعة ومراقبة ولا يخفى علينا كيف تجري التعيينات في المناصب الإدارية وفي المعيدات وغيرها والرأي أن يتم تشكيل لجنة من الخبيرات في هذا المجال لمراجعته والمشاركة في وضع النظام ليكون منصفاً للجميع.
ومن وجهة نظر د. الجازي الشبيكي يتضح من النظام الجديد للجامعات أنه لا يمكن أن يكفل الاستقلالية التامة للجامعات ، بل على العكس يزيد من الضبابية والازدواجية ، فحين يشير إلى استمرار التعيينات على مستوى المدراء والوكلاء من قبل السلطات العليا في الدولة ، فكيف يمكن أن يكفل الاستقلالية؟
هل من المنطق أن ما عانينا منه سابقاً من التدخل في تعيين العمداء والوكلاء وحتى رؤساء الأقسام من قِبل المجلس الأعلى للجامعات ، يستمر في النظام الجديد بصيغ مختلفة لكنها هي نفسها؟
من المفترض أن يحدد النظام الجديد بوضوح وشفافية الاستقلالية التامة للجامعات في ضوء سياسة الدولة العليا وأهداف واستراتيجيات خططها التنموية. وحبذا الاستفادة من التجارب المتقدمة التي سبقتنا في هذا المجال التي ذهبت إلى مدى أبعد وأقرًت استقلالية الكليات داخل الجامعات استقلالاً إدارياً وأكاديمياً في إطار أهداف وسياسات الجامعة الأم .
وكما أشارت د .فوزيه البكر لابد من تحديد وضع القطاعات النسائية في الجامعات التي يدرس بها الجنسين ، لأن الوضع من خلال التجربة والمعايشة صعب جداً وكأن الهياكل التنظيمية في تلك الجامعات لا تعرف بالضبط أين تضع هؤلاء النسوة ، فجامعة الملك سعود سابقاً غيرت مرجعتينا الإدارية أكثر من ثلاث مرات ، فأصبحت ازدواجيتنا مضاعفة إدارياً تبع وكالات الجامعة وأكاديميا تبع الكليات المعنية كلٌ فيما يخصه ، ولا يخفى صعوبة الفصل بين الجانب الأكاديمي والإداري في الكليات مما سبب ازدواجية كبيرة في كثير من الأحيان .
ومن ناحيته يرى د. حامد الشراري أنه قد يكون أحد أسباب الإسراع – كما ذكر في المادة ٦٦، يصدر عام ٣٩- ١٤٤٠- في استصدار النظام الذي فحواه استقلالية الجامعات، هو تخفيف العبء الإداري والمالي للجامعات الذي أثقل كاهل الوزارة بعد الدمج.، وأن يكون هناك إسهام حقيقي للجامعات في الناتج المحلي. و السؤال هنا: هل النظام المقترح سيساعد في تحقيق هذه الغاية؟
وبخصوص هذا التساؤل قال د. حميد المزروع: كما ذكرت في تعليقي تحتاج الجامعات لفترة انتقالية للتحول ، ستواجه الجامعات معوقات متباينة حسب تخصصاتها وأحجامها ، لذلك تحتاج الجامعات لعقد ورش عمل لمناقشة هذه المعوقات وتقديم حلول قبل اعتماد النظام بشكل نهائي. الاستقلالية الإدارية والمالية مضمنة بالمادة رقم ٧ ، حيث ستفوض مجالس الأمناء بكل جامعة بوضع الاستراتيجيات المناسبة لهوية الجامعة.
وبدورها تساءلت د. نوف الغامدي: هل المرحلة الانتقالية للجامعات من خلال المجلس المقترح يستطيع العمل على الأنظمة الداخلية والخطط والرسوم وغيرها؟
وأضافت أ.د فوزية البكر: ولماذا لا نتبنى نظام التوأمة ( mentoring ) مع جامعات خارجية مستقلة تقف بجانبنا وتقدم المشورة حتي تتدرج الجامعات المحلية و تتعود علي التغيير. ليس من ضرر في الاستفادة من تجارب الآخرين بدل اختراع العجلة من جديد.
وفي اعتقاد د. مشاري النعيم فإن إهمال النظام للانتخابات انتخاب العمداء ورؤساء الأقسام يظل نقطة ضعف…على الأقل يكون هناك استفتاء ويتم الرفع بأكثر من اسم وهذا ينطبق على مدراء الجامعات.
في الوقت الراهن الجامعات تتجه للتمويل الذاتي وهذا يجعل من دور مدير الجامعة رجل علاقات عامة ومطور أعمال بدلا من هدر الوقت في التفاصيل. والنظام نفسه يشير إلى تعزيز مصادر التمويل الذاتية للجامعة؛ ومن الواضح أن هذا التوجه سيتسع في المستقبل وسيكون دور الدعم الحكومي أقل من اليوم وهذا أصلا في صالح التعليم لأنه سيؤدي إلى مزيد من الاستقلال للجامعات وسيصنع نوع من الحرية الأكاديمية التنافسية.
وحول التساؤل هل سيكون الاعتماد على استثمار الأصول أم رعايات من توجه العلاقات العامة ، برامج CSR أم شراكة مع القطاع الخاص، ذكر د. مشاري النعيم أن هذا هو التحدي الكبير وهذا هو المطلوب من الجيل القادم من مدراء الجامعات أي التحول من الاعتماد على الدعم الحكومي إلى بناء جامعات مستدامة Sustainable.
من جهته أكد د. حامد الشراري على أن هناك بعض النقاط الذي يفترض أن يشملها النظام المقترح وروحه بشكل عام:
- وضوح رؤية وزارة التعليم وتوجهها حول الجامعات على المدى البعيد.
- السياسات العامة لماهية الاستقلال بالمفهوم الوطني – إن كان هذا المُبتغى – وتحديد دور وزارة التعليم الإشرافي، وكيفية إدارة الجامعات وعلاقتها بالوزارة بشكل واضح.
- هناك بعض الجامعات الحكومية المهيئة للاستقلال، وهناك جامعات ناشئة ما زالت تحتاج وقت لإكمال بنيتها الأكاديمية والإدارية والتنظيمية والإنشائية لتصبح مستقلة، ولعل من المناسب الاستفادة من التجارب العالمية في هذا الموضوع، مثل شبكة جامعات المناطق في أستراليا Regional universities network ( RUN)، ربما يتم شيء مشابه لهذه التجربة مناسب لسياق التعليم العالي فيما يخص الجامعات الناشئة.
- التأكيد والحرص على الضوابط التي تحفظ جودة الجامعات وخاصة مجالس الأقسام والكليات.
- وضع السنة التحضيرية بالجامعات ووضوح العلاقة مع هيئة التقويم.
- سياسة الابتعاث الخارجي والمنح الداخلية من حيث جودة برامجها وارتباطها باحتياجات التنمية الشاملة والموازنة وسوق العمل، وضبط آلياته وإجراءاته من حيث مدخلاته وعملياته ومخرجاته.
- إثقال واستهلاك قدرات عضو هيئة التدريس بمهام خارج مهامه الرئيسة، ككثرة اللجان.
- أن يكون هناك شيء له علاقة باختيار القيادات الأكاديمية والإدارية المتميزة والمؤهلة.
- فكرة إيجاد اتحاد طلاب وضمان تمثيلهم في مجالس الجامعة المختلفة.
وطرحت د. نوف الغامدي تساؤل بخصوص نظام العقود السنوية لأعضاء هيئة التدريس وهل يهدد الاستقرار الوظيفي والأمان المهني وبالتالي قد يقلل من الإنتاجية ويكون حافز سلبي؟
وفي هذا الإطار يرى د. خالد الرديعان أن نظام العقود السنوية لأعضاء هيئة التدريس أفضل بكثير من النظام السابق لأنه سيكون دافعاً للأساتذة لتطوير مهاراتهم ونشر البحوث العلمية وحضور المؤتمرات العلمية والإفادة مما هو متاح من مصادر معرفة.
بعض الأساتذة لم ينشروا بحوث من عدة سنوات، والنظام القديم يحميهم من الفصل والتسريح.. لذلك فإن نظام العقود السنوية أفضل من الناحية العلمية حتى وإن كان يتعارض مع فكرة الاستقرار الوظيفي للعضو.
أما بشأن كيفية وضع نظام جيد للملكية الفكرية بين الجامعات خصوصاً في ظل المنافسة الحالية و المنافسة المحتملة وما يتم من سرقة أفكار بين الجامعات ؛ أشار أ. عبدالرزاق الفيفي إلى أنه مبدئيا أزمة الملكية الفكرية في جامعتنا السعودية تستلزم العناية لأمور:
1- ارتباطها بأهم منتجات الجامعة وهي المعرفة.
2- وجود تجاوزات في التعدي على الملكية الفكرية تقدح في سمعة الجامعة ومستواها الأكاديمي مما سيؤثر تبعا على مسألة الخصخصة و تحقيق الأهداف المرجوة من النظام الجديد للجامعات.
3- عمق الأثر الفكري والأخلاقي السلبي من انتشار ظاهرة السرقات الفكرية في محضن يفترض فيه التربية والتعلم على قيم وممارسات الأخلاق.
واتفقت أ. عبير خالد مع هذا الرأي الأخير وأضافت بدورها أنه ربما يمكن تصميم برنامج رقمي جامع لكل الجامعات السعودية حيث يتم تحميل أي محتوى فيه وهو يخبر عن معدل تشابهه أو تطابقه مع أفكار ومشاريع بجامعات أخرى..!
وأشار د مساعد المحيا نحن هنا نتحدث عن النظام الجديد وما ينبغي ان يشتمل عليه وما نقدمه من رؤى ازاء ذلك ولا نغوص في نقد اداء الجامعات او اعضاء هيئة التدريس او العملية التعليمية …أميل الى ان يهتم النظام بوجود مواد تؤسس لمعايير الجودة في الجامعات بحيث تخضع لهذا كل الجامعات المملكة الخاضعة لهذا النظام ..على ان يكون تطبيق ذلك بحزم على الجميع وفق آليات يحددها النظام .. إذ سيقود ذلك في تقديري إلى انكشاف عدد من برامج الجامعات وبخاصة الناشئة والتي تتم فيها العملية التعليمية بكفاءة أقل وبأساليب أضعف ، كما أن وجود مثل هذا المعايير في النظام سيضبط المسار التعليمي .. ويوحد المخرجات إلى حد كبير ….
وذكرت د. نوف الغامدي أن ورد في دراسة أعدها مركز إحصاء التعليم الجامعي، أن الجامعات السعودية تستقبل طلابًا أكثر من طاقتها الاستيعابية، للعام الدراسي 1437-1438هـ، ففي حين بلغت الطاقة الاستيعابية للقبول في الجامعات السعودية في شتى المراحل نحو 269.533 مقعدًا، وبلغ عدد الطلاب المقبولين 219.899 طالبًا وطالبة، وأظهرت الدراسة أن الطاقة الاستيعابية لجامعة الملك فيصل 7.265 مقعدًا، وتم قبول 7.965 طالبًا، وجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية 2.275 طالبًا، وتم قبول 2.704 طالبًا وطالبة، وجامعة بيشة 4.595 مقعدًا، وبلغت في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن 2.300 مقعد خصصت كلها للطلاب، وتم قبول 3.100 طالب بزيادة على طاقتها الاستيعابية. أما جامعة تبوك فبلغت طاقتها 7.265 مقعدًا، وتم قبول 7.505 طلاب وطالبات، فيما بلغت طاقة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن 5 آلاف مقعد، وتم قبول 6.500 بزيادة 1500 طالبة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 12.831، وتم قبول 13.531 طالبًا وطالبة.
أما الجامعات التي لا تزال مستمرة في إجراءات القبول وعمليات الفرز، فهي: جامعة طيبة، إذ بلغت طاقتها الاستيعابية 12.680 طالبًا وطالبة، وتم قبول 12.706، وما زال 559 في مرحلة الفرز، وجامعة الملك سعود 11.055، وتم قبول 10.535، وهناك 520 تحت الفرز، وفي جامعة شقراء 7.65 مقعدًا، وقبلت 7.255 طالبًا وطالبة، وهناك 46 طالبة في مرحلة الفرز، وكانت الجامعة الإسلامية 1.595، وتم قبول 1.500، ويوجد 95 في الفرز. وسجلت الطاقة الاستيعابية لجامعة الطائف 13.800، وتم قبول 13.205، وما زال هناك 595 تحت عمليات الفرز، وجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز 7.865، وتم قبول 6.664، ويوجد 1.201 طالب وطالبة في مرحلة الفرز، وجامعة القصيم 17.880، وقبل فيها 15.822، وما زال 2.058 تحت عمليات الفرز، وجامعة الجوف 6.670، تم قبول 5.737، وما زال 933 تحت الفرز، وجامعة أم القرى 21.355، تم قبول 18.269، وما زال 3.086 طالب وطالبة في مرحلة الفرز لقبولهم في برنامج الانتظام.
وبلغت الطاقة الاستيعابية لجامعة حفر الباطن 4.669، وتم قبول 1.537 طالب وطالبة، و3.271 تحت الفرز، وجامعة الملك عبدالعزيز 15.590، وتم قبول 17.299، وما زال 182 طالبًا في مرحلة الفرز، وجامعة الباحة 6.835، تم قبول 5.681، و1.154 تحت الفرز، وجامعة الحدود الشمالية 4.910، تم قبول 3.364، و1.546 تحت الفرز. كما بلغت طاقة جامعة نجران 6.745 مقعدا، وتم قبول 6.370، وجامعة الدمام 7.050، وتم قبول 7.663، وهناك 20 طالبة تحت الفرز، وجامعة حائل 8.855، وتم قبول 7.413، وما زال 1.442 تحت الفرز، وفي جامعة جازان تبلغ الطاقة الاستيعابية 15.645، وتم قبول 10.905، وما زال 4.740 طالبًا وطالبة تحت الفرز، وبلغت الطاقة الاستيعابية في جامعة الملك خالد 15.170 طالب وطالبة، ما زال جميعهم تحت إجراءات القبول وعمليات الفرز لبرنامج الانتظام.
ومن ثم يكون التساؤل كيف تقبل الجامعات طلاباً أكثر من طاقتها الاستيعابية ؟
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن السبب يرجع لعدم وجود فرص للتعليم الموازي أو معاهد فنية تخصصية. وأضاف في مداخلته حول القضية: لعل من نافلة القول أن ظهور نظام أكاديمي جديد ومغاير عن ما هو قائم يعد توجها محمودا ، لسبب بسيط وهو أننا كنا نعيش سنوات أكاديمية طويلة في نظام أكاديمي مرت عليه مراحل متعددة دون أن يطرأ عليه أي تعديل أو حتى تحديث يذكر مواكبة لمتغيرات اجتماعية واقتصادية .
المشروع المقترح لنظام الجامعات الجديد ، يبدو أنه أتى بأفكار وتوجهات مهما يكن يعد أفضل مما نحن عليه حاليا ، وعلى أية حال فنظام جديد وبهذا التنظيم المختلف تماما ، لاشك أنه يعد نقلة نوعية مهما يعتري التطبيق من سلبيات ، لأننا نعيش مرحلة تتطلب التغيير والمواكبة الدولية .
وتفاديا لمعوقات قد تعيق من كفاءة التطبيق فإنه لابد أن تسير عملية التطبيق وفق مراحل انتقالية هادئة ، وهنا أرى أن نشرع فيما هو آت :
- لابد من التفريق بين كفاءة وقدرات الجامعات أزلية العمر ، وبخبراتها وعلاقاتها الدولية من اعتمادات وقوة مراكز بحوث فيها ، أمام جامعات لا تزال تعد ناشئة لحداثة عمرها ، ولهذا قد يأتي التطبيق لهذا النظام على الجميع بصفة عامة دون تحديد للإمكانات كل على حدة مثقل على كاهل الجامعات الناشئة على وجه الخصوص ، إلا أن هذا لا يمنع أن تنال الجامعة الناشئة نحو تطبيق لبعض ما جاء في النظام الجديد للجامعات وليس بالكلية .
- مسألة الانتخابات لعمداء الكليات ومجالسها ، لابد أن يكون أمر مسلم به ، فهو توجه عالمي في الأصل ، فضلا عن وصول كفاءة ربما تكون أفضل ممن يأتون بصفة التعيين .
- يقترح أن يؤكد في نظام الجامعات الجديد بحكم أنه لايزال مسودة مشروع نظام ، أن يكون بين الجامعات الحالية كافة والمزمع إنشاؤها ، خصوصا التي تقع في بعض المناطق أو المحافظات أن تكون مخرجاتها نوعية ومغايرة عن ما هو قائم الآن ، مع السعي نحو توجيه وتحفيز القائم منها حاليا خصوصا الناشئة منها أيضا أن تجري عليها تعديلات في مخرجاتها بما يتفق والاحتياجات التنموية في المنطقة أو المحافظة التي تقع الجامعة في دائرتها.
- لابد من استشعار مسألة مهمة للغاية وهو أن الجامعات الناشئة والتي تقع في المحافظات ، قد يصعب الأمر معها مرحليا في البدء في مشاريع استثمارية حسب ما ورد من أطروحات في مسودة النظام الجديد عن الشروع في استثمارات تحقق عوائد مجزية للجامعات ، نظرا لمحدودية المناشط الاقتصادية في بعض المحافظات ، ولهذا لابد من النظر في أحوال تلك الجامعات ومساندتها في موازناتها المالية قبل صدور الاعتمادات المالية لجميع الجامعات .
- الجامعات والكليات الأهلية ، يفترض أن تنال من الدعم والمؤازرة مثل ما يقدم للجامعات الحكومية ، على الأقل ما يخص الاستقلالية والصلاحيات.
وعقبت د. نوف الغامدي بأن من الملاحظ أن مشروع نظام الجامعات الجديد بهتم باللجان والمجالس، فهناك لجانًا “مجالس” ترفع توصياتها لكي تُدْرَس في لجانٍ أخرى ومجالس،، أليس في ذلك مضيعة للوقت وبطء في اتخاذ القرار مما يؤدي لتعطل الكثير من القرارات ! كما أن النظام لم يهتم بما يقدمه القطاع الخاص ومن المعروف أن كثير من الجامعات الأهلية في الخارج تفوق سمعتها الجامعات الحكومية، أليس ذلك تناقض مع رؤية المملكة في إشراك القطاع الخاص وتفعيل دوره ؟!
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه لاشك أن تعدد المجالس أو اللجان ، هي مضيعة للوقت ، واستمرار في علل أشواك البيروقراطية. ولهذا إذا ما استمرت آليات أعمال الجامعات كما هو عليه ، فلن نكسب شيء جديد. ومن ناحية أخرى هناك إشارة إلى الجامعات والكليات الأهلية في النظام الجديد ، ولكن يبدو أنه غير مكتمل المعان أو حتى مفهوم المقاصد منه.
وأوضح د. خالد بن دهيش أنه بعد الاطلاع على مشروع النظام والمداخلات السابقة فإنه يرى ما يلي:
- أن مشروع النظام في مجمله يًعد بداية جيدة لمنح الجامعات استقلالية وإن لم تكن الاستقلالية الكاملة لآن مجلس شؤون الجامعات أستفرد ببعض المهام التي كان من المناسب أن تمنح لمجلس الأمناء.
- مشروع النظام تضمن بأن هناك العديد من اللوائح والتنظيمات والتعليمات سوف تصدر لاحقاً، التي قد تضع الكثير من العوائق أمام مواد النظام وهذه قد تسلب من الجامعات بعض الاستقلالية، وليس من المتوقع أن تصدر بعد صدور النظام بشكل رسمي مما قد يؤخر تنفيذه.
- لم يتطرق النظام للخصخصة بشكل واضح وربما ذلك سيترك للجنة خصخصة التعليم التي تتبع مركز الخصخصة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
- على إثر صدور هذا النظام فإنني أرى أهمية مراجعة نظام الجامعات ونظام الكليات الأهلية لبيان دور مجلس شؤون الجامعات نحو التعليم العالي الأهلي.
- من الأفضل أن يكون أحد مدراء الجامعات الأهلية (بالتبادل) عضواً في مجلس شؤون الجامعات.
- من الأفكار الجيدة المطروحة إمكانية قبول الطلاب غير السعوديين برسوم مالية.
أما د. منصور المطيري فقد لفت انتباهه في نظام الجامعات الجديد النقاط التالية:
– اختصاصات مجلس شؤون الجامعات و اختصاصات أمانته العامة كبيرة و ضخمة و من المناسب أن تعاد وزارة التعليم العالي. فيبدو أن وزيراً واحداً للتعليم بفرعيه لن يتمكن من أداء الدور المطلوب لضخامة العملين.
– يبدو أن هناك ضعفاً في قوة أعضاء مجلس شؤون الجامعات و هو السلطة الأعلى في النظام الجديد ، حيث يتكون من وزير التعليم و نواب وزارات أخرى حيث كان في تشكيل النظام السابق وزراء بدلاً منهم .. الوزير صاحب قرار بينما الوكيل يحتاج إلى موافقة وزيره.
– وجود لجنة تشكل من قبل مجلس الجامعة هي من يختار عمداء الكليات و رؤساء الأقسام .. والرأي أن الترشيح لأكثر من عضو من قبل مجالس الكليات أو الأقسام ليختار مجلس الجامعة العميد و رئيس القسم من بينها أولى من هذه اللجنة ، و الأفضل عندي الانتخاب.
– أشارت بعض المداخلات إلى التعاقد مع عضو هيئة التدريس ولا يوجد إشارة إلى ذلك في المسودة إلا في حالة الأجنبي ، الواضح أن عضو هيئة التدريس يعين تعييناً ، أي وظيفة رسمية و ليس تعاقداً .
– واضح من النظام أن تمويل الجامعات يقوم على تمويل الحكومة و لكنه أجاز لها الاستثمار و البحث عن أوقاف ، كما أجاز لها أخذ رسوم من الطلاب و لم يفرضه .. وهذا يعني أن الجامعات الأكبر ستظل حكومية .
– لو كان تعيين المراقبين من اختصاص مجلس شؤون الجامعات بدلاً من مجلس الأمناء في كل جامعة لكان أفضل في محاصرة الفساد و الحد منه .
– بالنسبة للكليات العسكرية فيطبق عليها نظام الجامعات فيما يخص الشأن الأكاديمي من الترقيات و غيرها و المزايا المالية لعضو هيئة التدريس .. و لكن فيما يتعلق بالمناهج و أدوات التقييم فهناك اختلاف كبير يطبق عليه نظام خاص بالكليات العسكرية .
وعقب د. حامد الشراري على توضيح د. منصور بخصوص الكليات العسكرية؛ بأن ما قصده أن تكون دراسة الطالب العسكري الأكاديمية في الجامعات “وينص في نظامها المقترح”، وتتفرغ الكليات العسكرية للجانب التدريبي والمهاري. هذا المقترح يخفف العبء المالي والإداري و الأكاديمي عن الكليات وتتفرغ للجانب التدريبي.، وقد تدفع القطاعات العسكرية والأمنية مقابل مالي للجامعات نظير تعليم طلاب تلك القطاعات.
وبدوره أوضح د. منصور المطيري أن هذا مقترح مطروح ، و هو يميل إليه لتقوية الجانب المعرفي عند الطالب العسكري و توسيع أفقه ، فالناحية الأكاديمية في العلوم الإنسانية و الطبيعية عنده ضعيفة لانشغاله بالجانب المهاري الذي يأخذ في حدود ٧٠٪ من وقته ، و للإجهاد الذي يتعرض له .. لكن هناك فلسفة عند العسكريين تقول أن معايشة الطالب للحياة العسكرية و وجوده في أجواء عسكرية أكثر وقت ممكن أفضل له كقائد عسكري مستقبلي ، ثم اختصار السنين أيضا مهم من ناحية الاستفادة من شبابه ، فإذا تخرج الضابط شاباً صغيراً أمكن تعيينه في أي منطقة بعيدة أو قريبة ، و الدراسة الجامعية تأخذ وقت أطول .. هذه على الأقل فلسفة بعض الكليات العسكرية ، و قد خالفتها كليات أخرى كالأمنية وقد عادوا الآن إلى القبول بالثانوي.
ومن جديد قال د. حامد الشراري: أذكر أن معالي د. محمد أبو ساق تقدم بمقترح مشروع نظام لتقويم واعتماد الكليات العسكرية وقد صوت عليه بمجلس الشورى ورفع إلى الجهات العليا، وكنت من المعارضين له بحجة أنه لا يمكن إعلان مستوى كلية عسكرية أو أمنية لكونها تعتبر من الأمور السرية للدولة التي لا يمكن للعدو أن يعرف مستواها الأكاديمي والتدريبي . فمثلا، لو أخفقت إحدى الكليات العسكرية أو الأمنية في الحصول على الاعتماد الأكاديمي هل يعلن اسم الكلية ؟! لذا، قد يكون من المناسب حتى تضمن جودة تعليم ، أن يلتحق الطالب العسكري بالجامعة التي تخضع للتقويم والاعتماد البرامجي والمؤسسي وبما يتناسب مع متطلبات القطاعات العسكرية والأمنية ويحقق أهدافها .
أيضا، حصول الطالب على درجة علمية وبمشاركة جامعة حاصلة على الاعتماد ويوضح في سجله الأكاديمي، قد يفتح له فرصة إكمال الدراسات العليا في جامعات محلية أو عالمية أو الالتحاق في القطاع الخاص أو الجامعي عند تقاعده المبكر أو رغبته في الانتقال للقطاع المدني.
لذا، اقترح أن تضاف مادة أو فقرة لمشروع النظام بهذا الخصوص .. مثلا: يجوز للجامعة تقديم برامج أكاديمية أو فتح مسارات أكاديمية لطلاب الكليات العسكرية والأمنية وبما يتوافق مع متطلباتهم، ويجوز لها أخذ مقابل مالي نظير تقديم تلك البرامج .
في حين يرى د. خالد الرديعان أنه لا يفترض أن نقلق بخصوص الكليات العسكرية والأمنية فعددها قليل وطاقتها الاستيعابية محدودة وتتبع لجهات حكومية بصورة مباشرة كوزارة الدفاع والداخلية والحرس. ما يفترض أن نهتم به هو الجامعات والكليات التي تحت مظلة وزارة التعليم.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن تطبيق النظام الجديد يتيح للجامعات الاستقلالية في القرار ، فضلا عن وجود مجلس جامعة ومجلس أمناء ، كل ذلك كفيل بأن تتمتع الجامعة القادمة بصلاحيات واسعة منها كما ذكر د. حامد ، تقديم برامج أكاديمية أو فتح مسارات أكاديمية لطلاب الكليات العسكرية والأمنية.
وأضاف د. حامد الشراري أنه قد يكون من المناسب لو ينص عليها في ثنايا النظام مثل فتح لفروع لجامعات عالمية.
وفي تصور د. حميد المزروع كان من الأفضل أن تكتفي وزارة التعليم بوضع أُطر العمل والمواد الأساسية لضمان جودة التعليم للجامعات ، وأن يترك لمجلس الأمناء في كل جامعة وضع النظام التعليمي الذي يناسب التخصص وجودة المخرجات.
- oالتوصيات المقترحة
1- حذف شرط الاهتمام بالتعليم في عضوية مجلس الأمناء من القطاع الخاص. حيث أن هذا شرط لا مبرر له لأن القطاع الخاص بكافة مجالاته لهم اهتمام بالتعليم ومخرجاته التعليمية والبحثية، فهو القطاع المستهدف (client) بمخرجات الجامعة التعليمية.
2- أن يكون أحد مدراء الجامعات الأهلية (بالتبادل) عضواً في مجلس شؤون الجامعات، مع التأكيد على دور مجلس شؤون الجامعات نحو التعليم العالي الأهلي.
3- انتخاب أعضاء هيئة التدريس الثلاثة الممثلين لهن في مجلس الأمناء.
4- جاء في عضوية مجلس الجامعة جواز تعيين أربعة من ذوي الخبرة والكفاية، يفترض أن يكون ذلك ملزما ولا يترك لمدير الجامعة.
5- جاء في عضوية مجلس الكلية جواز تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس واثنين من ذوي الخبرة والعلاقة، يفترض أن يكون ذلك ملزما ولا يترك لمجلس الكلية لضمان تنفيذه في كل كليات الجامعة.
6- الاستفادة من التجارب المتقدمة التي سبقتنا في هذا المجال وذهبت إلى مدى أبعد وأقرًت استقلالية الكليات داخل الجامعات استقلالاً إدارياً وأكاديمياً في إطار أهداف وسياسات الجامعة الأم.
7- على إثر صدور هذا النظام فإن من المهم مراجعة نظام الجامعات ونظام الكليات الأهلية لبيان دور مجلس شؤون الجامعات نحو التعليم العالي الأهلي ، وأن يكون أحد مدراء الجامعات الأهلية (بالتبادل) عضواً في مجلس شؤون الجامعات.
8- فيما عدا وزير التعليم فإن أعضاء مجلس شؤون الجامعات و هو السلطة الأعلى في النظام الجديد ليسوا من أصحاب القرار في جهاتهم مما يعيق اتخاذ بعض القرارات.
9- الاستعانة بخبرات أكاديمية أجنبية ضمن أعضاء مجلس الأمناء المزمع تكوينه لكل جامعة خاصة خلال فترة التأسيس والتحول من النظام القديم إلى الجديد ، لتلافي الأخطاء الجوهرية ولضمان حصول الجامعات السعودية على التصنيفات العلمية المناسبة.
10- تبني نظام التوأمة ( mentoring ) مع جامعات خارجية مستقلة للوقوف بجانبنا وتقديم المشورة لجامعاتنا المحلية حتى تتدرج وتتعود على التغيير.
11- التأكيد على الضوابط التي تحفظ جودة الجامعات خاصة مجالس الأقسام والكليات.
12- إيجاد معايير تصنيف للجامعات حسب النظام لتحديد كل جامعة لرؤيتها وقدراتها ومرتكزات التطوير.
13- أن يكون اختيار العمداء ورؤساء الأقسام بالكليات بالانتخاب ؛ ويمكن أن يتم ترشيح أكثر من عضو من قبل مجالس الكليات أو الأقسام ليختار مجلس الجامعة العميد و رئيس القسم من بينهم.
14- أن يكون تعيين المراقبين من اختصاص مجلس شؤون الجامعات بدلاً من مجلس الأمناء في كل جامعة وهذا يساعد في محاصرة الفساد و الحد منه.
15- الاهتمام بالتعليم في عضوية مجلس الأمناء من القطاع الخاص لا مبرر له لأن هذا القطاع بكافة مجالاته لهم اهتمام بالتعليم ومخرجاته التعليمية والبحثية، فهو القطاع المستهدف (client) بمخرجات الجامعة التعليمية.
16- التفريق بين كفاءة وقدرات الجامعات أزلية العمر بخبراتها وعلاقاتها الدولية من اعتمادات وقوة مراكز بحوث وجامعات لاتزال تعد ناشئة لحداثة عمرها قد يأتِ النظام ثقيلاً على كاهلها مع الأخذ في الاعتبار أن تنال الجامعة الناشئة ما يناسبها في النظام الجديد.
17- أن تكون مخرجات الجامعات الحالية كافة والمزمع إنشاؤها ، خصوصا في بعض المناطق أو المحافظات نوعية ومغايرة عن ما هو قائم الآن ، مع توجيه القائم منها حاليا بإجراء تعديلات في مخرجاتها بما يتفق والاحتياجات التنموية في المنطقة أو المحافظة التي تقع الجامعة في دائرتها.
18- تصميم برنامج رقمي جامع لكل الجامعات السعودية حيث يتم تحميل أي محتوى فيه وهو يخبر عن معدل تشابهه أو تطابقه مع أفكار ومشاريع بجامعات أخرى، كما هو نظام Turnitin المعمول به في الجامعات الأوروبية.
19- إعادة هيكلة الجامعات والقضاء على الترهل الوظيفي بحيث تتزامن مع مشروع نظام الجامعات الجديد لتتمكن من تعزيز خطط وبرامج التحول الوطني.
20- على الجامعات القيام بعمليات التهيئة التنظيمية والإدارية والمهنية للتحول نحو تطبيقات الإدارة الاستراتيجية كممارسة دائمة.
21- النظر للتخطيط الاستراتيجي في إطاره الطبيعي في كونه جزءاً من كل على مستوى الإدارة الاستراتيجية وأنه لا يعدو أن يكون وظيفة من وظائفها بالإضافة إلى معرفة جوانب القصور في منهجية التخطيط الاستراتيجي.
22- اختصار إجراءات العمل في ظل توفر التقنية الحديثة وإعداد أدلة الإجراءات الإدارية إلكترونياً بما يسهم في الانتقال من الممارسات البيروقراطية السلبية إلى الممارسات الإدارية الحديثة وتطبيقات الحكومة الإلكترونية.
23- إعادة هيكلة التخصصات سواء بالدمج أو الإلغاء أو استحداث تخصصات جديدة تخدم سوق العمل وتتناسب مع طبيعة المجتمعات المحلية للجامعات ومقوماتها الطبيعية. على أن يصاحب ذلك تغيير جذري في مناهج التعليم الجامعي واستراتيجيات التدريس وتطوير أداء أعضاء هيئة التدريس والطلاب والموظفين ببرامج حقيقية وواقعية مبنية على معايير ومقاييس لتحسن مستوى الأداء.
24- الاهتمام بالبحث العلمي ورفع مخصصاته وتوجيهه نحو احتياجات التنمية مع التركيز على البحوث التطبيقية.
25- تفعيل وظيفة خدمة المجتمع بأساليب وطرق حديثة لجعل المجتمع شريكا فاعلا وقويا في ممارسات الجامعات التنموية.
26- تدريب وتأهيل وصناعة قيادات جامعية قوية تلغي عبارة (حسب النظام) من ممارساتها اليومية بحيث تكون مؤهلة إدارياً وملمة بأدق تفاصيل الأنظمة واللوائح الإدارية والمالية وقادرة على تحقيق الكفاءة المنشودة.
27- دمج بعض الجامعات بما يقويها ويعزز فرص تطورها وبقائها على أن يراعي ذلك الكثير من الاعتبارات كعدد السكان وطبيعة المدن أو المحافظات.
28- تمكين أعضاء هيئة التدريس من التواصل مع المحافل العلمية في الداخل والخارج دون قيود مسبقة، ومحاسب المخالفين لاحقا وليس سابقا.
29- أن يكون تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس واثنين من ذوي الخبرة والعلاقة في مجلس الكلية ملزما ولا يترك لمجلس الكلية لضمان تنفيذه في كل كليات الجامعة. والحال كذلك في أن يكون تعيين أربعة من ذوي الخبرة والكفاية في عضوية مجلس الجامعة إلزامياً ولا يترك لمدير الجامعة.
30- لا بد من وضع نسب تمكين مئوية تضمن مشاركة المرأة في كل مجلس حتى تصبح بالتدريج جزءاً من آلية العمل.
31- أن يستبدل اسم ” مدير الجامعة ” برئيس الجامعة ويكون على المرتبة ( الممتازة ) ويعين ويعفى من منصبه بأمر ملكي ويكون له أكثر من نائب ( بدلاً من وكيل ) .
32- تأسيس مجلس لأعضاء هيئة التدريس يرتبط بأحد نواب الجامعة ويكون لهم ممثل في مجلس الجامعة.
33- تأسيس مجلس للطلاب يرتبط بأحد نواب الجامعة ويكون لهم ممثل في مجلس الجامعة.
34- أن تنال الجامعات والكليات الأهلية من الدعم والمؤازرة مثل ما يقدم للجامعات الحكومية ، على الأقل ما يخص الاستقلالية والصلاحيات.
35- من المهم فصل التعليم عن بعد عن التعليم الأهلي التقليدي والنظر في إلغاء الجامعة الإلكترونية الحكومية أو خصخصتها بالكامل.
36- إتاحة الفرصة للجامعة لتقديم برامج أكاديمية أو فتح مسارات أكاديمية لطلاب الكليات العسكرية والأمنية بما يتوافق مع متطلباتهم، ويجوز لها أخذ مقابل مالي نظير تقديم تلك البرامج ، حتى تسير هذه الكليات وفق نهج أكاديمي أفضل مما يخفف العبء المالي عليها وتتفرغ للجانب التدريبي والمهاري.
37- العناية بالوقف الجامعي وتشجيع رجال الأعمال على المساهمة بذلك وإطلاق أسمائهم على بعض القاعات والمباني الجامعية كنوع من المكافأة الأدبية والمعنوية.
38- عمل حملات علاقات عامة لجلب الوقف من المتبرعين وإقناعهم بجدوى ذلك مع تأكيد وتطبيق الشفافية في هذا الجانب.
39- أن يتضمن النظام الجديد مادة واضحة ومفصلة عن الحوكمة الداخلية للجامعة.
المحور الرابع
الدولة العربية المعاصرة ومشكلات الجماعات والطوائف
الورقة الرئيسة: أ. جمال ملائكة
أولا أود أن أشير إلي أمرٍ هامٍ و مَفصَلي في موضوعنا هذا، ألا و هو كيفية تعامل دول أخري نجحت في تفكيك أو تجنب مشكلة الجماعات و الطوائف. بكل وضوح استطاعت الدول “الغربية” تحديدا حل هذه المشكلة و ذلك بتَضَمُنِ دساتيرها و بالتالي قوانينها الحاكمة ما يضمنُ أن يكون الجميع مواطنين و وافدين سواسيةٌ أمام القانون دون تفريقٍ لدينٍ أو لونٍ أو عرقٍ أو جنس .
و بالمقارنة توجد دول أخري لا تزال ترزحُ تحت وطأة هذه المشكلة الفتاكة و ذلك أمر واضحٌ و جلي في العديد من دول العالم الإسلامي و العربي.
و إذا تفحصنا “جذور” المشكلة سنجد أن أساسها هو “الخطاب و التفسير الديني” في الأغلب الأعم و “ليس” الدين . ذلك أنني أري أن هناك لبسا شديدا لدي معظم فقهاء العالم الإسلامي و دُعَاتِه في “نظرته” إلي “الآخر” فكلنا يسمعُ ليل نهار هذه التوصيفات و الأحكام مثل : سني بكري/شيعي رافضي/صوفي شركي/علماني الخ و طبعا من نافلة القول أن المسيحي و اليهودي و غيرهم في النار ليس في ذلك أدني شك كما يعتقدون . هذا عدا عن تكرار أقوال الفقهاء الأقدمين بأن أتباع المذهب الفلاني كفار و يُشكُ في عقيدة من لم يكفرهم (هكذا)، أضف الي ذلك التفسير الخاطئ ل “الفرقة الناجية” فكل مذهب يكفر الأخر بل و يحكم بأن مآله النار و طبعاً كل فرقة و مذهب تفعل ذلك و تعتقد أنها هي الفرقة الناجية !!!!!
كما أضيفُ أن إطلاق التوصيفات يأتي “مُحَمَّلاً” بفهمٍ بأن الطرف الأخر إمَّا كافراً أو مشركاً أو زنديقاً أو فاسقاً أو مبتدعاً !!!
و لذلك فإنه حال حدوثِ شروخٍ في مجتمعٍ ما أو ثورةٍ أو تدخل خارجي يهمه تفتيت و تدمير هذه الدول فتكون النتيجة الانفجار الطائفي المُحَمَّل بتاريخٍ ملتبسٍ لا ناقة للناس في حاضِرِهم ولا جمل فهو تاريخ مضي و مضي أشخاصُهُ و لكن الفهم المُتَأصِل في النفوس أن الآخر كافر أو زنديق أو لا يحتاج إلا إلي شرارة تستدعي هذا التاريخ و هذا الفهم.
الحلُ كما نري هو إعادة فهم النص و فهم أن بعض النصوص نزلت في أُناسٍ بعينهم و في تاريخٍ مضي لا شأن لأحفادهم به و أن يُعاد صياغة الخطاب الديني في المدارس و المعاهد و الجامعات و المناهج و الإعلام و سن القوانين التي تُجَرِّم الخطاب التكفيري المُزْندِق المُفَسِق الخ و لدي اقتراح بأن يستبدل المسلمون و فقهائهم توصيفات التكفير و التفسيق الخ بجملةٍ تؤلفُ القلوب و تترك الناس و ما يعتقدون بنصوص القرآن الواضحة التي تنص بحرية المعتقد و هذه الجملة هي :
“أنت (الآخر) علي فهمٍ للدين غير الذي أفهمه” و نترك الحساب علي المُعتَقَد لخالق الناس و ليس لبشرٍ أن يتدخل في هذا الأمر لا من قريبٍ أو من بعيد.
“إن عقيدة الآخر لا تخُصُ إلا صاحبها و هي لا تُمَثِلُ في هذه الدنيا ربحا أو خسارةً للطرف المُخالِف “. و من المفتَرض إفهامُ هذا للجميع و خاصةً النشأ و تعليمه أن الأساس في هذه الدنيا هو “المُعَامَلة” فقط لا غير و أنه يُمكن النقاش في المعتقدات و الأفكار دون إطلاقٍ لأحكامٍ أو توصيفات.
و باختصار علي الدول الإسلامية غربلة دساتيرها و قوانينها و مناهجها و خطابها الديني و توعية و تثقيف طلبة العلم و تضمين المناهج الدراسية منذ نعومة الأظفار احترام الآخر و معتقداته أيا كانت .
سيأخذُ هذا وقتا و جهدا و لكنني أعتقد أنه ليس أمامنا بديلٌ أخر و أمام أعيننا دول نجحت نجاحاً باهراً و تقدمت الي الامام في تجانسٍ و سلامٍ و أُلفةٍ.
التعقيب الأول: د. إحسان بو حليقة
إما أن تكون الدولة دينية أو مدنية، فأي محاولة للخلط بين الحالتين تحدث إرباكاً، يكون بمثابة آلة لتوليد الأزمات عند كل نقطة قرار. والحالة الأقرب لهذا الارتباك الناتج عن الخلط هي لبنان؛ دولة الطوائف.
وليس من شك أن للدول العربية إرث ديني وحضاري خصب، لكن السكان يضيقون ببعضهم البعض، فكل طائفة أو عشيرة أو أقلية تريد أن تنفرد أو على الأقل أن تتصدر وتنحي الأخريات! خذ مثلاً في بلاد الشام حيث فسيفساء حضارات الدنيا والأديان السماوية الطوائف المتفرعة عن تلك الأديان توجد هناك، وحالياً تتعارك! من يقول أن المسيحيون طرأوا على الأرض السورية والروايات تقول أن المسيح عليه السلام ولد في بيت لحم؟ وأن السريانية – لغته- لاتزال تحكى هناك؟
يبدو أن هناك حاجة، بعد انقضاء قرن على عبث سايس-بيكو بمنطقتنا العربية أن تتولد صيغة للدولة المدنية الجامعة لكل أبنائها، ليس بسبب حبسهم ونسبهم وعقيدتهم، بل لمواطنتهم. وبالتأكيد ما يجمع المواطنين للانتماء لوطنٍ بعينه هو انتمائهم -التليد أو المُحدث- لأرضه وحضارته وإرثه، وفق صيغة تستوعب الجميع ولا تفرقهم، باعتبار أن التنوع قوة وليس ضعفاً.
ومن ناحية أخرى فإن التوجهات ذات الصلة بالحراك المجتمعي تحتمل التفاوت والتوجهات المتعددة، ضمن إطار الأسس الجامعة للوطن ودون الخروج عنها أو التعدي عليها. وذلك يتجسد في دول عديدة متقدمة اقتصادياً ومستقرة اجتماعياُ، من خلال جمعيات النفع العام والأحزاب السياسية. بل إن تلك التجربة نجد لها ممارسة في بعض البلدان العربية المغاربية، في تونس والمغرب على سبيل الحصر.
إذاً، يمكن الجدل أن إبطال مفعول “المشكلة” لن يحدث بالتعارك حول ميراث الوطن وكأنه تركة لجثمان مُسجى، بل بالتوافق حول إطار جمعي يستوعب جميع مواطنيه وبالتالي يتحصن من إفتئاتهم عليه بدعاوي جوهرها الاستئثار به دون الآخرين. هذه خطوة تتطلب مبادرة وجراءة ؛ فالوقت العربي الراهن يتطلب مبادرة وجراءة، حتى لا يمكث العرب في وحل تضييع الوقت والثروات والأجيال، وإزاء الإرث الديني والحضاري والثقافي، وإنقاذاً لقرن بعد أن عانى من التيه قروناً.
التعقيب الثاني: أ. خالد الوابل
أشكر أ. جمال طرحه لهذه القضية؛ وأود أن أعقب عليها أو بالأحرى أضيف لها هو غياب مفهوم المواطنة لدى الدولة العربية الحديثة والسبب غياب العدالة ومطاطية القوانين.
ويبقى الولاء السياسي هو المرتكز سواءً كان النظام طائفي أو عسكري أو حزبي، ولهذا يلجأ المواطن إلى القبيلة أو الطائفة بحثاً عن الحماية ومع الزمن تتحول إلى هوية أكثر منها انتماء.
والطائفة والقبيلة موجودة في كل بلد عربي وهي في حالة كمون تترقب الساعة لانفجارها ورأينا ذلك في العراق وسوريا وليبيا والسودان.
لذا نحن العرب لدينا قوة تدمير ذاتية “طائفية، قبلية… الخ” لا نحتاج إلى عدو !
المداخلات حول القضية:
- oالطائفية والإشكالات المتضمنة
يرى د. خالد الرديعان أن مشكلة الطوائف والجماعات الإثنية في العالم العربي تكمن في حقيقة أن هذه الجماعات غالبا ما تكون عددياً أقليات سواء كانت إثنية أو دينية أو مذهبية، ومن ثم تبرز مشكلة الأقلية minority مقابل الأغلبية majority في دول هي غير ديموقراطية، وما ينتج عن ذلك من تهميش خاصة عندما تكون المواطنة غير متجذرة في الوجدان السياسي والممارسة الشعبية بدرجة كافية.
وتزداد وطأة المشكلة في ظل اقتصادات منهكة وموارد شحيحة تجعل التنافس بين الجماعات على أشده؛ كما حدث مع قبائل التوتسي والهوتو في راوندا ( ١٩٩٤) التي انتهت بمذبحة لم يشهد لها التاريخ مثيلا؛ فنحو ٨٠٠ ألف شخص من قبيلة التوتسي تعرضوا لإبادة جماعية تم تصفيتهم بدم بارد بالفؤوس والسواطير والسكاكين دون ذنب اقترفوه سوى أنهم من التوتسي.
بعض الأزواج الهوتو قتلوا وبأمر من قادتهم المتطرفين زوجاتهم التوتسيات؛ فالانتماء القبلي في راوندا كان يدون في البطاقة الوطنية للأفراد.
أشير بهذا الخصوص أن الهوتو كانوا يشكلون ٨٥٪ من سكان راوندا في حين شكل التوتسي النسبة المتبقية (١٥٪) لكنهم هيمنوا على السلطة سنوات طويلة قبل تعرضهم لتلك المذبحة الشنيعة.
الدرس الذي خرج به العالم من مأساة راوندا هو أن الاقصاء والتهميش وعدم تعميق المواطنة كحقوق وواجبات تخلق ظروف مواتية للنزاع بين الجماعات الاثنية والطوائف حتى و إن كانت تنتمي إلى نفس البلد.
إن قضية مسلمي الروهينجا ماثلة أمامنا؛ فهم يتعرضون لإبادة ممنهجة منذ العام ١٩٤٨م على يد المتطرفين البوذيين في ميانمار، في حين أن موارد ميانمار وأراضيها وثرواتها تكفي الجميع وتزيد عن حاجتهم.
وليس العالم العربي ببعيد عن بعض هذه الممارسات؛ فالأكراد في شمال العراق وسوريا يعانون وإن بدرجة أقل، وكذلك الأمازيغ في دول شمال إفريقيا، مما يفتح الباب على مصراعيه للقلاقل الداخلية وللتدخلات الدولية في شؤون الدول العربية.
وطرح د. الرديعان تساؤل مفاده: هل الدولة العربية مهددة بالتفتت والتشظي؟ وكيف يمكن تجنب هذا الاحتمال؟ ومن ثم أجاب: السودان عموماً انشطر إلى سودانيين لأسباب تتعلق بطبيعة جنوبه القبلي والمسيحي، وتدخل مجلس الكنائس العالمي في مؤامرة التقسيم.
المفارقة أن نائب الرئيس السوداني وقبل التشطير كان من الجنوب (جون قرنق) لكن ذلك لم يمنع من تشطيره لكون ذلك المنصب غير كافِ لخلق الاطمئنان عند الجنوبيين في ظل غياب ديموقراطية شعبية تشمل جميع المواطنين وليس رأس الهرم فقط. ولم يقف الأمر عند التشطير بل حدث مناوشات ولعدة مرات بين الشمال والجنوب بتأجيج من القوى العالمية التي تبحث لها عن موطأ قدم في جنوب السودان الغني بالثروات والنفط. نفس المشكلة موجودة في المغرب وقضية الصحراء المغربية والتي يتم تأجيجها من آن لآخر، بل إن هذه القضية خلقت علاقة متوجسة ومضطربة بين المغرب والجزائر؛ فالأخيرة كانت ولعدة سنوات داعمة لجبهة بوليساريو، وهي الجبهة التي تطالب بانفصال الصحراء وتأسيس دولة مستقلة. وفيما يخص العراق فإنه من المستبعد استقلال الأكراد وقيام دولة خاصة بهم بسبب إرادة دولية تحول دون قيام كردستان التي سيهدد وجودها كل من تركيا وإيران وسوريا الدول التي تضم أقليات كردية كبيرة.
خطر التشطير ربما نجده ماثلاً في ثلاث دول: سوريا وليبيا واليمن؛ فسوريا من المحتمل جداً تشظيها إلى أكثر من دولة وهذا يصب في مصلحة إسرائيل التي تسعى إلى ذلك بسبب قضية الجولان، ولضمان وجود جيران ضعفاء يحلون محل دولة قوية قد تهددهم يرونها في سوريا الموحدة. ولا يستبعد أن لإسرائيل اليد الطولى في استمرار الفوضى في سوريا لإنهاكها ومن ثم تشظيها في نهاية المطاف.
أما ليبيا بتعقيداتها القبلية والجهوية، وتدخل الغرب في شؤونها، ووجود الجماعات المتطرفة على أراضيها فهي مثال آخر يؤكد أنها معرضة للتقسيم إلى دولتين على الأقل في ظل عدم توافق أطراف النزاع على حكومة موحدة.
النموذج الأخير والقابل للتقسيم هو اليمن إذ كلما طال أمد الحرب فيه واستحوذ الحوثيون على السلطة زاد احتمال تشطيره إلى يمنين: شمالي وجنوبي.
وتساءلت د. نوف الغامدي: هل الطائفية ومشتقاتها هي كل نزعة سلطوية وعصبية وفئوية تستغل الدين من أجل التعبئة والنفوذ وبالتالي هي بعيدة من القيم الروحانية والمثل الدينية وتعاليمها لأنها نوع من التحزب السياسي لأغراض دنيوية وهي تسخر الدين وتستغله من أجل تحقيق أهدافها وبرامجها الخاصة؟
وفي هذا الصدد أوضح أ. جمال ملائكة أنه بدون أدني شك فإن هذا حاصل و للأسف منتشر في دول إسلامية كثيرة إلا أنهم لم يكن لينجحوا لولا “الخطاب الديني” الذي يفسر الدين بتطرف.
وفي تصور د. خالد الرديعان فإن تعدد الأديان والقبائل والمذاهب والأجناس هو الذي أوجد هذا الموزاييك الطائفي والاثني. منطقتنا هي مهد الأديان السماوية وبالتالي من الطبيعي وجود هذا التنوع. كما أن منطقتنا هي أصل القبائل العربية والقبيلة مكون تاريخي موغل في قدمه بل إن فكرة الدولة الجامعة كانت فكرة طارئة وجاءت لاحقاً.
الدكتور مساعد المحيا اشار إلى أن الهويات الصغرى ينبغي ان لا تتحول إلى بيئات يأرز إليها المرء فيجعلها فوق الوطن وخياراته ومصالحه …
كما أن من المهم تفعيل قيم الحوار بين اطياف المجتمع لتخفيف بعض مظاهر الاحتقان وليكون الانتماء لكل الهويات الصغيرة جزءا من الانتماء للوطن وفعالياته ..وإلا فستصبح هذه الهويات مهيمنة على افراد المجتمع ومسيطرة على المشهد الاجتماعي .
ومن جهتها قالت أ. عبير خالد: ذكر أ. جمال ملائكة في مطلع ورقته كيف قاومت الدول الغربية إشكالية التفرقة عبر المساواة في القانون حيث لا فرق بين دين أو جنس أو لون أو توجه فكري أو خلفية عرقية الخ. ومن هنا أود الإشارة إلى أنه إلى جانب القانون ينبغي تطبيع المساواة عبر القوى الناعمة كالإعلام. واتفق مع ما ذهب اليه د. خالد من ناحية التركيز على الأقليات.
هناك الكثير من التجارب المؤسساتية الغربية حول ذلك، والتي يمكن الاستفادة منها. وما يحضرني الآن هو ما تقوم به IPSO في بريطانيا، أوIndependent Press Standards Organization وهي مؤسسة رقابية تم تأسيسها حديثا في 2014 لكن لها إسهامات كبرى في تعزيز التنوع في الإعلام البريطاني، وانعكاس ذلك بطبيعة الحال يكون مجتمعي ككل. تراقب “إبسو” أكثر من ١٥٠٠ صحيفة و١١٠٠ منصة رقمية، وتخرج كل شهر بتقارير ورصد حول مثلا معدّل التمثيل الايجابي مقابل التمثيل السلبي لشخصية سياسية محددة أو عرق معين كالسود أو دين كالإسلام. وتستخدم معطياته كمصادر أكاديمية حتى لدارسين الإعلام، والمهتمين.
ومما قامت به “إبسو” في إنصاف المسلمين ببريطانيا كان معاقبة جريدة (ذا صن) قبل فترة بسبب عنوان مانشيتي تلاعبي يقول بأن : “واحد من كل أربعة بريطانيين مسلمين يتعاطف مع داعش”!
بمثل هذه الإسهامات، لا عجب بأن تكون بريطانيا من أكثر الدول الغربية تقبلا وتعايشا مع المسلمين.
يمكننا الاستفادة من هذه التجربة وتوصيتي فيما يتعلق بإسهام الإعلام في تقريب الطوائف والجماعات إيجاد مؤسسات رقابية بحثية ترصد من ناحية كمّية وكيفية تمثيل الإعلام لمختلف أطياف المجتمع، ومن ثم الشروع في تعديل ذلك بشكل يضمن التنوع والمساواة والجودة.
وذهبت د. نوف الغامدي إلى أن المملكة Heterogeneous State في حقيقتها، وهذا أمرٌ لا يعيبها، فهي متعددة الثقافات والمذاهب والأعراق والمناخات والأقاليم واللهجات والجغرافيا والتاريخ السياسي. وعدم تجانسها لا يعني بالضرورة عدم قدرة مكوّناتها على الانسجام.
ومن ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى أن مجلس الشورى ناقش مشروع إصدار قانون التمييز العنصري لمن يثبت أنه مارَسَه، أو النعرات القبلية، أو سَخِر من الأديان في السعودية. ويهدف مشروع نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية، الذي تَقَدّم به أعضاء مجلس الشورى (د. عبدالله الفيفي، ود. لطيفة الشعلان، ود. هيا المنيع، وآخرون)، ولا يزال في أروقة المجلس، إلى منع الاعتداء على أماكن أداء الشعائر الدينية، أو الإساءة إلى المقدسات المرعية، أو النيْل من الرموز التاريخية المشكّلة للهوية الحضارية، وحماية النسيج الاجتماعي من مخاطر التمييز بين أفراد المجتمع وفئاته في الحقوق والواجبات، لأسباب عرقية، أو قبلية، أو مناطقية، أو مذهبية، أو طائفية، أو لتصنيفات فكرية أو سياسية. والسؤال المطروح: لماذا لم يُفعَل بعد ؟!!!!
وعقب د. خالد الرديعان بأنه لاشك أن هذا التنوع قوة ومصدر ثراء للثقافة العامة.. نستطيع رؤية ذلك في مهرجان الجنادرية على وجه الخصوص عندما تقدم كل منطقة موروثها الشعبي والثقافي بصورة موزاييك سعودي بامتياز.. ويبقى قضية تعميق المواطنة وتحويلها من مفهوم فضفاض إلى ممارسة شعبية تتمثل بالحقوق والواجبات والعدل والمساواة بين الأفراد.
وأشار م. حسام بحيري إلى أن القضية مهمة وحساسة ، ومشكلة الطوائف والأقليات والإثنيات وحقوقها تقع تحت طائلة الممارسات العنصرية التي لها وجوه متعددة. من الصعب جدا محاربة العنصرية بجميع أشكالها ؛ لأنه على الرغم من اتفاق الناس على الوقوف ضد مبادئ عنصرية واضحة مثل التميز ضد أديان أو أعراق أو أجناس ولكن دائما يوجد نوع من أنواع العنصرية مسبب ويمارس لأنه يجد قبولا في فئات الشعب لشعوره بخطر ما منه مثل الخوف من المهاجرين والمسلمين في الدول الغربية أو استهداف طوائف معينة مثل ما يمارس في بعض دول الشرق الأوسط أو آسيا. أي دولة لا يكون لديها قوانين صارمة وفعالة في مجتمعها لمحاربة جميع أشكال العنصرية ستجد نفسها في مشكله كبيرة في التعامل مع أطياف مجتمعها وسيكون هناك مشاكل مستمرة وقد تخرج عن السيطرة أو تتسبب في انفصال كيان الدولة وهذا حصل في الماضي في سنغافورة وجنوب السودان ونراه يحصل الآن في كردستان وإسبانيا. إننا في مشكلة كبيرة جدا مع هذا الموضوع ومؤخراً أثيرت قضية الغاء عقد زواج بسبب عدم تكافؤ النسب ما يشير إلى أن لدينا مشكلة حقيقية حيث يوجد خلل في انسجام أطياف مجتمعنا .. نحن لدينا مشكلة كبيرة ولا يمكن معالجتها إلا إذا سنت قوانين فعالة وصارمة ضد أي ممارسات تقع تحت طائلة العنصرية وذلك لإبطال مفعول أي مشكلة ممكن أن تتفجر في وجه مجتمعنا بجميع أطيافه.
وبدوره قال د. عبدالله بن ناصر الحمود .1: قالَ رسولُ اللهِ “صـلى اللهُ عليهِ و سلـم ” : ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى(، وإن المهاجرين صاروا إخوان الأنصار وقاسموهم كل شيء ، وإن النظرة التي تزدري الآخر لعلة كونية فيه أو الكلمة من هذا الشأن تفسد ماء البحر لو مزجت به ، وغير ذلك كثير.
داء الطائفية عند المتسمين بالمسلمين، وجلهم لا نصيب له من كثير من سمات الإسلام وخصائصه ؛ هو ذلك الداء الذي أبعدهم عن كثير مما نطقت به المدينة المنورة في صدر الإسلام على لسان وحال حبيبها محمد صلى الله عليه وسلم.
الداء .. الذي استشرى في جسد الأمة فصار يقسر صاحبه على تمثل ما لبس من هدي النبوة في شيء.. فاتخذ الناس عقائد وتبنوا مناهج خارج سلطان الوحي واستبدلوها بسلطان الهوى.. وفرضوها على الآخرين من مماليكهم ورعاياهم فرضا.. وقسروها على أتباعهم قسرا.. فصار كل حزب بما لديهم فرحين، ثم تهاوى الأتباع المنتفعون يحشدهم الطمع في الغنائم ويسوقهم النفاق سوقا حتى جعلوا هوى بعضهم من أسيادهم وحيا منزلا.. ثم أوجعوا الوحي المنزل بما يدعم حججهم من خزعبلات .. عبر تاريخ مديد جدا.. من تجهيل العقل العربي والعقل المسلم باستراتيجيات التجهيل طيبة الذكر.. فعاشت الأمة بين ناسخ ومنسوخ ، وسد ذريعة وأخف ضررين ، وأهل للحل والعقد ودهماء جهال ، وعلماء بلحوم مسمومة ، ودعاة بجماهير يأجوج ومأجوج.. والجعبة حبلى.. بمزيد من الأمثلة والبراهين على أننا (نحن) من صنع كل أزماتنا الطائفية ؛ سبب يسير جدا .. وهو أن منا من أنزل هواه منزلة تعاليم المدينة النبوية ، ثم أطر الناس عليها أطرا.
الحل .. بيسر المأساة نفسها ؛ أن نجعل مبادئ الاسلام وقيم المواطنة هي التي تضبط السلوك والممارسة ..
ولكن المشكلة كانت في من الذي سوف يعلق الجرس.. أما الاتكاء إلى تحليل ظواهر التحزب والتمترس خلف الطائفة والقبيلة ونحوهما تحليلا فينومينولوجيا فذلك ترف وسفسطة.
وأشار د. زياد الدريس إلى أن معوقات اكتمال الدولة الوطنية العربية متراكمة ومتراكبة، ولا يمكن تبسيطها في عامل واحد: ديني أو قبلي أو إقليمي. هي في الحقيقة فسيفساء من العوائق تتداخل في بعضها، وتدخل عليها وتزيد من تعقيداتها عوامل أخرى قد لا نفطن لها مثل العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي تجعل المنطقة قابلة دوماً للاشتعال!
لو كان العامل الديني وحده السبب في الصراع لما خاض الغرب (المتعلمن) حربين عالميتين في منتصف القرن الماضي، بعد أن مضى عليه أكثر من ١٥٠ عاماً من تسوية العلاقة بين الدين والدولة!
لو كان العامل القبلي (عربياً) الإثني (غربياً) هو السبب وحده لاشتعلت كثير من الصراعات الإثنية القابعة تحت الرماد الأوروبي. وقد رأينا مؤشرات ذلك في المساعي الإثنية للانفصال في بلجيكا وإسبانيا واسكتلندا وغيرها.
أي أنك حتى لو استطعت تحييد الاشتعال الديني والقبلي فسيبقى السعي الفطري للإنسان في التوسع والنفوذ والسيطرة عاملاً دائماً لاشتعال الصراعات بالإنابة .. باسم الدين أو القبيلة أو غير ذلك.
ما الذي يجعل أمريكا تخوض حروبها بالوكالة في جهات العالم؟ هل هو لمسعى ديني أم إثني، أم أنه حب السيطرة والتوسع الرأسمالي؟!
إذاً ما الحل؟! لا يمكن القضاء على العامل الديني ولا العامل القبلي، خصوصاً في منطقة تعطي كثيراً من الاهتمام للدين والقبيلة. الحل يكمن فقط في وضع قوانين مدنية تضبط الانفعالات والتهيجات في هذه النطاقات المجتمعية، وكبح التهييج الإعلامي الذي يأتي عبر الفتاوى التصنيفية أو الشيلات العنصرية.
في حين أشارت د. نوف الغامدي إلى أن الصراعات العرقية والطائفية والدينية ليست بسبب العرق أو الدين. فما يسميه البعض بالصراع المذهبي الطائفي (العربي/الفارسي) والديني (سني/شيعي) لا ديني ولا طائفي في حد ذاته ؛ فهو في الأساس نزاع من أجل مقاليد السلطة والثروة في المجتمع، ولكن حيث العرق والدين يوفران الموارد الثقافية والتاريخية لحشد الدعم الشعبي لصالح ولمساندة الأنظمة القائمة ولبناء التحالفات وتقويتها. كما أن المزاعم عن ارتفاع وتيرة الصراعات الطائفية لا أساس لها من الصحة، ولكن هذا المفهوم في حد ذاته يمثل إشكالية، فهو مفهوم يميل إلى جعل ظواهر سياسية مختلفة متجانسة، ومع ذلك، لا التلاعب بالولاءات البدائية ولا تراكم الصور النمطية، ولا المعتقدات السلبية حول “الآخر” من شأنه أن يسبب الكثير من التوتر أو الصراع بين المجموعات .
ومن منظور مختلف تحدث د. عبدالرحمن الشقير عن النفي الاجتماعي* بوصفه مرادفًا للوصم وتعريفه: وصف شخص أو جماعة أو عرق أو حتى علة خلقية أو مهنة بلقب يختزل فيه مجموعة سمات وخصائص سلبية تنبذه وتنفيه اجتماعيًا، أو تربطه بأذهان الناس مقرونًا بالانحراف، حتى ولو لم توجد إلا بنسبة ضئيلة فيه؛ وبناء على هذا التعريف فإن الإنسان قد يدفع ثمن انتسابه لأي فئة اجتماعية حتى ولو لم يكن السبب في ارتفاع مكانتها أو انخفاضها، فقد يتميز أحد من هذه الفئات الموصومة في مجال معين، ولكن المجتمع سيذكره دومًا بما اختزل في الذاكرة من وصم، لتحطيمه اجتماعياً ونفيه.
مر النفي الاجتماعي والوصم في المجتمع العربي، ثلاث موجات بدأت الموجة الأولى بالتصنيف القبلي في الجاهلية، فقد كان مجتمع ما قبل الإسلام يتكون من شعوب وقبائل تتمايز فيما بينها بالتفوق الطبقي المكتسب من انتصارات الحروب والجرأة على شن الغارات القبلية، ولذلك يغلب عليها روح الحذر والاستعداد الدائم للقتال والحروب للمحافظة على مكانتها أو لاستردادها إن سلبت، يقول شاعرهم:
وأحيانًا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا
وكان الإنسان العربي في مرحلة ما قبل الإسلام يعيش على أساس السمعة الاجتماعية بوصفها مصدرًا من مصادر المكانة الاجتماعية، بل ومن أهم معايير القوة والنفوذ، ويمثل التصنيف الاجتماعي القبلي عمودها الأساسي، لذلك كان مقياس علو شأن الفرد أو هبوطه في السلم الاجتماعي مكتسبًا من شأن قبيلته أو من شأن بطن من قبيلته، ولذلك يكون الوصم القبلي أحد أبرز أدوات الحروب الإعلامية لتحطيم نفسيات القبائل الأخرى وهو ما عرف في الأدب العربي بالنقائض والهجاء والمثالب.
ويبدو أن الحروب كانت تقوم لأسباب تبدأ تافهة ثم تتفاقم بسبب التحديات والتطرف في الرأي وتنتهي بكوارث عرف بعضها تاريخيًا باسم أيام العرب، وأن هذا الفكر السلبي بنى حاجزًا حجب عن الإنسان العادي في العصر الجاهلي رؤية جماليات الحياة وفكرة التسامح، لأنه لما ظهر الإسلام وجاء بفكرة تقبل الآخر وطبقها على أرض الواقع ونزلت آيات قرآنية تدعمها مثل: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا}، أنهت الموجة الأولى وشكلت صدمة في الذهنية الاجتماعية، فيما يبدو، لأنها تحمل معها فكرة إيجابية جديدة ورؤية مختلفة للحياة لطبيعة العلاقات الاجتماعية، مما جعل الإنسان العربي يعيد رؤيته للعالم من حوله ولنفسه وللوظيفة الاجتماعية للقبيلة، ولذلك تضاءلت فكرة أن الصراع هو أساس الحياة، وحل محلها أن السلم الاجتماعي والتعاون هو أساس الحياة.
ومن هنا ندرك أن الإسلام جاء بمفهوم جديد لم تألفه العرب من قبل، وهو التعارف والتعايش السلمي، بدلًا من التناحر والتوجس، وإنما التفاضل والمكانة الاجتماعية تكون على أساس التقوى وليس على أساس الصراع ومكانة القبيلة.
ولكن بعض المسلمين، وللأسف، أعادوا إنتاج التصنيف القبلي الجاهلي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وهذه هي الموجة الثانية من موجات النفي الاجتماعي ولكنها حملت معها أيضا بذور الوصم المبني على أسس مذهبية وملل فكرية، إذ اختلفت وجهات نظرهم ثم تطرفت آراؤهم ثم تحولت إلى عقيدة وانتهت إلى عداوات، وانتهى ببعضها إلى حروب دامية، كما حصل في صفين والجمل، أفرزت مذاهب وعقائد لم تكن معروفة من قبل، وانشغلت كل فرقة بإشهار سلبيات الفرق والملل الأخرى حتى تحولت إلى إيديولوجيات جديدة حملت معها عواقب وخيمة على الأمة. وقد أسهمت بعض مؤلفات الملل والنحل والمذاهب والرد على المخالفين التي أنتجت فيما بعد في إنتاج معارف جديدة وتشكيل وعي ديني لا يتسامح ولا يتقبل الخلاف بسهولة، هذا فضلًا عن إسداء هذه المؤلفات خدمة توثيق عقائد ومقولات كثير من الملل والنحل المغمورة التي اندثر كثير منها والتعريف برموزها، ومع اليقين بأن مبدأ مؤلفات الملل والنحل والانتصار للمذاهب مفيد علميًا وتاريخيًا، وأنها جاءت في سياقات مختلفة وظروف سياسية متفككة تعرضت الأمة الإسلامية بسببها لتشويه عقيدتها الصافية وتعاليمها النقية مما تطلب نشأة علم الملل والنحل، ومع اليقين بأن هذه المؤلفات أيضا تختلف جذريًا عن محاكم التفتيش التي تصنف الأشخاص والجماعات الدينية وتنفيها اجتماعيًا، ثم تعذبها بسبب أفكارها، إلا أن بعض كتب الملل والنحل المتأخرة شكلت مصدرًا تاريخيًا لمن يريد إثارة النعرات المذهبية والطائفية وإذكاء روح العداء بين الجماعات الإسلامية.
وشهد العصر الحديث إعادة إنتاج للتصنيف والوصم مثلت موجة ثالثة من خلال شخصنة التصنيف ودخول المصالح الشخصية فيه وتوسيع دائرته عن طريق اللعب على الثنائيات المدمرة، مثل: ذكر- أنثى، وسني- شيعي، ومسلم- كافر، وأسود- أبيض، وقبيلي- وغير قبيلي وهكذا من الثنائيات المناطقية والعرقية وحتى الرياضية، وهي وإن كانت تتفاوت في درجة حساسيتها إلا أنها متجذرة في المجتمعات وحاضرة بصمت في الحياة اليومية، ولكن تكمن خطورتها هذه المرة في فكرة النفي الاجتماعي أو الوصم على مستوى الأعراق والدول والجماعات والأفراد واتسمت بسرعة الانتشار وسهولة تدخل أطراف خارجية معادية عبر التقنية ووسائل الاتصال. وتكمن الخطورة الأخرى أيضا في تصاعد النفي الديني الموجه للمسلمين بخاصة، ثم بدخول السياسات العالمية والإعلام العالمي كلاعب خفي في التضخيم من الخلافات وجعل المسلمين في حالة توتر وقلق.
ومعروف أن أقوى وسيلة لتحطيم إنسان أو مجتمع نفسيًا قبل القضاء عليه، أن تشوه سمعته وتحاك حوله الأكاذيب وتضخم السلبيات البسيطة بوصفها حقائق، حتى تنتشر في المجتمع ثم يصل إليه نظرة المجتمع عنه ورأيهم فيه، فيتأثر رغمًا عنه، ويضطر لأن يغير سلوكه دون وعي منه ويتصرف بحسب نظرة المجتمع له لا بحسب حقيقته.
وإذا انتشر في المجتمع الانطباع عن الفرد الذي تم تقييمه، وعرف نظرة الناس له، فإنه يتأثر بها دون أن يشعر، ويبدأ يقيم نفسه ويتصرف من خلال نظرة الآخرين له وليس من خلال ما يعرفه عن نفسه.
وقد اكتوى بنار «الوصم» أشخاص وجماعات فضلاء هم منها براء، وتكمن خطورة الوصم في اختزال جماعة أو فرقة أو حتى شخص في لقب يوحي بنبذه اجتماعيًا، ويختزل سلبياته، وهذا الوصم بهذا الشكل فيه إجحاف وتكلف وظلم لأنه بأي حال من الأحوال لا يمكن أن يعطي الحقيقة المطلقة ولا الحقيقة النسبية.
ولو أعدنا قراءة التراث قراءة عقلانية متأنية، على أساس نظرية الوصم، للاحظنا وجود اختلاف بين المسلمين، بسبب التصنيف والوصم، يصل إلى حد التعصب والتكفير بل والقتال أحيانًا، ومن يراجع تاريخ ابن الأثير وابن كثير وغيرهما لوجد حالات قتال بين الحنابلة والشيعة، والأشاعرة وغيرهم بسبب التعصب المذهبي وتجريم المخالف.
إن الوصم يقود للتعصب ضد الآخرين وعدم قبول الآخر إلا بحدود ضيقة، وجميع أنواع التعصب المذهبي والفكري والقبلي لم تحصد منه أمتنا إلا مزيدًا من التخلف والانحطاط الفكري والعلمي، وفي تاريخ أوروبا حالات تعصبية مذهبية مرعبة لم تتخلص من أكثرها إلا بعد رد فعل عنيف على الدين قادها للعلمانية والإلحاد، ولا شك أن ديننا الصحيح يدين جميع عمليات النفي الاجتماعي، إذ جعل التقوى هي معيار.
ويشهد تاريخنا نموًا متزايدًا للجماعات الدينية التي يتوالد بعضها من بعض باستمرار، وهذا يتطلب تدخلًا لفهم الظاهرة والحد منها قبل أن يصاب المجتمع المسلم برد فعل لا يحمد عقباه.
إن سبب ظاهرة الحقد المذهبي وكثرة تصنيف المخالفين، ليس التعصب، كما تؤكد عليه الدراسات الكثيرة، فالتعصب نتيجة وليس سبب، وإنما السبب الأقرب للواقع يكمن في انتشار ظاهرة تصنيف الجماعات التي نختلف معها ثم وصمها بمفاهيم تقلل من شأنها وجلب مصطلحات سلبية وإلصاقها بها، ثم يتحول التعامل بين الجماعة الواحدة المختلفة إلى جماعات متصارعة، ويلاحظ في تويتر وفيسبوك أن بعض المتشددين يعرفون بأنفسهم في النبذة (البايو) بأنهم غيورون على الدين ومهتمون بقضايا الأمة ثم يذكرون أنهم سيركزون نشاطهم على فضح الليبراليين والعلمانيين وأصحاب الملل المنحرفة مثلًا.
فتاريخنا زاخر بقائمة الملل والنحل والمذاهب، وتراثنا الأدبي مشحون بوصم بعض القبائل والمناطق، واليوم يعاد إنتاج الوصم باسم «التصنيف»، فأي فكرة تخالف المتعصب فإنه يصنف الشخص أو الجماعة الدينية ويصمها بلقب يحمل معه مضامين التحقير والانحراف عن المنهج الصحيح، ويلصقه بها وينفيها اجتماعيًا.
لذلك يجب على المجتمع الحذر من فكرة «القائمة السوداء» و«القائمة البيضاء» وعدم الاستسلام المطلق لأحكام من قبلنا ولا أحكام غيرنا، لأن لها سياق وظروف وحيثيات لسنا ملزمين بها، ومن حقنا أن نختلف مع المذاهب والجماعات، بل ونرفضها ونحذر من أخطائها، ولكن لا ننفيها اجتماعيًا ودينيًا فتضطر لأن تدافع عن نفسها فتنفينا اجتماعيًا ودينيًا والقرآن يقول: { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، ويمكن قبول التصنيف في سياق علمي محايد مثل فرز المناهج العلمية والمذاهب في حدود أنها مختلفة، ولكن بدون وصمها ونبذها وتحقيرها.
أما د. خالد بن دهيش فقال في مداخلته حول قضية الدولة العربية المعاصرة ومشكلات الجماعات والطوائف: سبق وأن وقعت المملكة على اتفاقية مناهضة التمييز العنصري بالأمم المتحدة، و ترتب علي ذلك إعداد تقارير سنوية توضح ما تم إنجازه بالمملكة من إنجازات سنوية لتطبيق الاتفاقية.
كنت أحد أعضاء اللجنة التي ذهبت لجنيف لمناقشة تقارير المملكة ممثلاً لقطاع التعليم،،، المهم هو أنه تم استعراض الكثير من الملاحظات على المملكة نحو تعاملها مع قضايا التميز العنصري الطائفي والمذهبي والجندري ( المرأة ) ،، أمام مجموعة كبيرة من ممثلي بعض الدول والمنظمات الحقوقية ، واللجنة كانت معده تقريراً عن الحالات المتوقع مناقشتها على ضوء تقارير من وزارتي الخارجية والداخلية وهـيئتي حقوق الإنسان بالمملكة ، وعل مدى ثلاثة أيام استعرضت اللجنة تقاريرها عن كل سنة ( منتصف العقد الماضي) وما تقوم به المملكة نحو ما تعتقد تلك الدول والمنظمات أن هناك تمييز نحوه،، وبعد عدة جلسات وخلال ٣ سنوات أوضحت اللجنة من خلالها موقف المملكة ، ولقد حصلت على مباركة جيدة لجهودها نحو مناهضة التمييز العنصري كما حصلت على ملاحظات جيدة قامت اللجنة باستعراض ما تم نحوها في التقرير في السنة الثانية والثالثة.
ما أردت إيصاله هو بأن المملكة تولي قضايا التمييز العنصري الاهتمام اللازم وهناك منظمات تتابع ذلك سنوياً وتستدعي المملكة سنوياً لمناقشتها حول أي تمييز نحو أي فئة كانت ، و من تلك القضايا موضوع البورماويين والمهاجرين من الدول الإسلامية المقيمين في مكة والمدينة وحقوقهم وحقوق المرأة مثل قيادة المرأة للسيارة و تقلدها للمناصب القيادية وحقوق بعض الفئات الطائفية والمذهبية من أبناء المملكة.
الحمد لله أن جل تلك القضايا التي كانت في أجندة المناقشات تم معالجتها وآخرها قيادة المرأة للسيارة ومشاركتها في القرار (عضوية مجلسي الشورى والبلدي) و وصلت المرأة إلى منصب اتخاذ القرار نائب وزير ومديرة جامعة وفِي مناصب قيادية في القطاع الخاص إضافة إلى ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل مقارنة مع الوضع قبل أكثر من عشر سنوات. ولكن للأسف برز خلال السنوات الأخيرة النعرات القبلية بشكل مُلفت للنظر والاعتقاد أن المنظمات الدولية غير معنية بذلك وهذا شأن داخلي يجب أن يعالج بتنظيمات وأنظمة قوية توقف هذه النعرات التي بدأت تتفشى بالرغم مما اتخذته الحكومة من وقف حفلات المزايين والتجمعات القبلية وما يدار فيها من تفاخر مع التعرض بحق بعض القبائل والفئات الأخرى بالتنقيص من مكانتها.
ويرى أ. عبدالرزاق الفيفي أن القبيلة شكل مؤسسي تنظيمي متى ما تحول إلى شكل اجتماعي فئوي هنا تكمن المشكلة ؛ الواجب هو تعزيز مأسسة القبيلة لا فئويتها. الواقع للأسف يدفع للفئوية أكثر حتى بأشكاله الرسمية التي يفترض فيها التنزه عن هذا والدفع بالقبيلة إلى شكل مؤسسي مجتمعي تنظيمي ؛ ولكي يكون ذلك لابد من حراك معرفي داخل منظومة القبيلة حتى ترتقي بوعي لاستيعاب معنى شكل المأسسة.
وأضاف د. خالد بن دهيش في مداخلة لاحقة حول موضوع القضية: إذا حاولنا إيجاد مدخل من عنوان القضية يتناسب مع واقعنا السعودي واحتياجه فيمكن الانطلاق من بنية القبيلة و بنية الجماعات والطوائف التي نخشى أننا قد ندمر البنية المؤسسية للقبيلة ( والتي يمكن استصلاحها بسهولة ) وسينشأ على أنقاضها بنية الجماعات والطوائف ( وهذه أكثر خطورة ).
- oالتوصيات المقترحة
1- الدول العربية بحاجة لغربلة دساتيرها وخطابها الديني وتضمين مناهجها الدراسية ما يدعو لاحترام الآخر ومعتقداته أيا كانت.
2- تنظيم دور القبيلة كمكون اجتماعي لا يهدد الوحدة الوطنية وتجنب تهميش أي مكون آخر ودمجه اجتماعياً.
3- غرس مفهوم المواطنة كحقوق وواجبات في أذهان الناشئة منذ مراحل مبكرة.
4- إصدار قانون منع التمييز العنصري ونظام المواطنة بما يتضمنه من نصوص وتشريعات تجرم الممارسات التي تؤدي إلى الفرقة.
5- نبذ الطائفية والمذهبية والتعصب من خلال المناهج والأنشطة والتأكيد على المواطنة وتكثيف البرامج التوعوية للمعلمين والمعلمات في هذا المجال ومتابعة ذلك من الإدارة التعليمية المشرفة.
6- تفعيل دور الإعلام في مكافحة العنصرية بكافة أشكالها بما في ذلك العرقية/القبلية والطائفية والجندرية، عن طريق:
أ) الحملات التي تتضمن أشخاص من كافة مشارب المجتمع دون أي اقصاء.
ب) تحليل وجرد المحتوى الإعلامي الشعبي المتاح ومعالجة إشكالياته التي قد تؤدي إلى العنصرية.
7- توظيف الخطاب الديني من خلال علماء الشريعة بتبيان حقيقة وأصل العلاقة المجتمعية في المجتمع الواحد انطلاقا من قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ أن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ أن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) .
8- التأكيد على هوية الدولة بثوابتها ومتغيراتها ونهجها الوسطي.
المحور الخامس
دور المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المصاحبة للتغيير
في المجتمع السعودي
الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي
مما لا شك فيه أنه كلما تقدمت المجتمعات وتعقدت جوانب الحياة ومُقتضيات المعيشة فيها ، كلما ازدادت احتياجات أفرادها وجماعاتها وتعددت مشكلاتهم وقضاياهم الاجتماعية.
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت الجذور الأولى لظهور المتخصصين الاجتماعيين لمواجهة المشكلات التي ترتبت على الثورة الصناعية وما تلاها من الحروب العالمية والكساد والهجرات والفقر والبطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وكانت لهم أدوار واضحة ومميزة تطورت مع مرور العقود الزمنية في العديد من المجتمعات البشرية .
إلا أن تلك الأدوار للمتخصصين الاجتماعيين اعتراها بعض الضعف في العصور الحديثة ولم تعد بتلك القوة والفاعلية التي بدأت بها لعدة أسباب ، منها ما يعود لتفاقم المشكلات الاجتماعية والاحتياجات البشرية بشكل كبير ومتعقد ومتداخل ، ومنها ما يعود إلى ضعف تطوير المتخصصين الاجتماعيين لأنفسهم بمستوى يواكب تلك القضايا والاحتياجات .
يقول المفكر الاجتماعي ديفيد ليستر David Lester في مقالة له في مجلة العلوم الاجتماعية بعنوان ” تطبيق العلوم الاجتماعية في حل مشكلات الأمم المعاصرة “: يتعيًن على المختصين في العلوم الاجتماعية من بين جميع الاختصاصيين في العالم أن يكونوا الأكثر عدة عند تحليل النتائج واقتراح الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمعات والأمم في عالمنا الحاضر ، وعليهم أن يكونوا قادرين على صياغة السياسات العامة وتقديم الاقتراحات اللازمة لتحسين حياة ورفاهية البشر”.
لقد تركزت أبحاث المتخصصين الاجتماعيين (علماء الاجتماع والخدمة الاجتماعية) ، في الغالب سواءً ما كان منها لطلبة الدراسات العليا لنيل الدرجة العلمية أو أبحاث الأساتذة للترقية ، تركزت في الغالب على مجالات اجتماعية يتم فيها معالجة قضايا محددة على مستوى الوحدات الصغرى كالأفراد أو مستوى الوحدات المتوسطة كالأسرة والجماعات والمنظمات وغيرها ، وقل التركيز على تناول القضايا المجتمعية العامة (الوحدات الكبرى) تناولاً شمولياً تكاملياً من خلال دراسات بينية مشتركة مع تخصصات أخرى ذات علاقة في المجتمع بحيث يتم أخذ مسلمات القضايا الاجتماعية وأبعادها المختلفة بصفتها وحدة متكاملة الجوانب في المجتمع ، تكمًل كل دراسة الدراسة الأخرى وتغطي كل دراسة الجوانب التي لم تغطها الأخرى .
إن المرحلة التغييرية الشاملة والواسعة والسريعة التي يمر بها المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة في شتى المجالات المعيشية وما يصاحبها من ظواهر وقضايا ومشكلات ، تستدعي توجهاً نوعياً مختلفاً من أولئك المتخصصين تتساند فيه الأبحاث المتعمقة المتكاملة على مستوى السياسات والتخطيط والتنفيذ بنظرة شمولية غير متجزأة تغطي كافة الأنظمة والمؤسسات ذات العلاقة على مستوى مناطق المملكة ككل وذلك كله سيصب في إنجاح عملية التغيير وضمان فاعلية وتفاعل المواطنين معها .
على سبيل المثال ، أشارت دراسة أ. د عبدالعزيز الغريب إلى أن من ضمن أهم التغيرات بالنسبة للمجتمع السعودي ، هي التغيرات التي لحقت بالأسرة السعودية ، من حيث اختلاف أشكال العلاقات الاجتماعية بين الأجيال واتساع المساحة النفسية والاجتماعية بينهم ، إلى جانب انتشار النمط النووي للأسرة وتنامي ظاهرة عمل المرأة وتغير العديد من العادات والتقاليد والقيم الأسرية .
وأُضيف هنا التأثيرات المتزايدة لإدمان الاستخدام الخاطئ للتقنية والأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي على ضعف العلاقات والتواصل الأسري إلى جانب ما نتح عن ذلك الاستخدام الخاطئ من خطورة فكرية وأمنية على القيم والثوابت الدينية والوطنية .
ذلك كان أحد أمثلة التغيير التي يجب التركيز عليها واستيعاب أبعادها وتأثيراتها والعوامل المسببة لها حتى لا تكون عائقاً عن تحقيق الهدف المنشود من التغيير بالفاعلية والسرعة والكفاءة المطلوبة .
من المهم جداً في هذا الإطار ، أن يهتم المتخصصون الاجتماعيون بمراجعة أساليب وأدوات ومناهج تخصصهم وأن يسعوا بجد إلى إيجاد مداخل منهجية نظرية وتطبيقية ملائمة ومواكبة للتغيرات التي لحقت بالمجتمع تمكنهم من فهم ومواجهة المستجدات بتحدياتها المختلفة والتعامل معها بآلية تخطيطية شمولية سليمة مرتكزة على بيانات ودراسات علمية دقيقة وشفافة بالتنسيق التام مع كافة التخصصات والأجهزة ذات العلاقة بعيداً عن التجزيئي والانفرادية والازدواجية والتناقضية في القوانين والنظم والعمليات التنفيذية .
إن متطلبات التغيير وتحدياته الاجتماعية في بلادنا تستدعي اهتماماً من صنًاع القرار يوازي الاهتمام بحلم الوصول إليه وإقراره ، وإن إيكال هذه المهمة للمتخصصين الاجتماعيين مع مساندتهم بتوفير المقومات المعلوماتية والتنسيقية والقرارات المُلزِمة الداعمة ، سيكون له بلا شك أثره الفاعل في دفع عجلة التغيير قُدماً مع أقل قدر من الرفض والمقاومة والبطء في التنفيذ .
وأختم أخيراً بأهمية إنشاء فريق عمل اجتماعي وطني مشترك، يضم ممثلين لأقسام الدراسات الاجتماعية في كل الجامعات السعودية يقوم برصد كافة الدراسات والأبحاث التي سبق القيام بها من قِبل تلك الجامعات وغيرها من المراكز البحثية والاجتماعية والمتعلقة بالقضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي على وجه الخصوص وتحليلها واستخلاص نتائجها بهدف المعرفة التامة والشمولية لكل ما يمكن أن يكون عائقاً لسرعة وفاعلية التغيير في المجتمع السعودي ، إلى جانب تقديم المقترحات والتوصيات بالأبحاث والدراسات التي تغطي الجوانب التي يرى فريق العمل أهمية التركيز عليها في الوقت الحاضر من قِبل تلك الجامعات والمراكز بهدف العمل المستقبلي المشترك والمستمر وصولاً للغاية المنشودة من التغيير الاجتماعي لتحقيق الرؤية الوطنية المستقبلية للمملكة العربية السعودية.
التعقيب الأول: د. حميد الشايجي
الشكر للدكتورة الجازي الشبيكي على طرحها لموضوع هام جدا نحتاجه كثيراً اليوم لمواجهة الآثار السلبية لعملية التغير الاجتماعي السريع في المجتمع السعودي، تحت عنوان: “دور المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي”. وهذا ما نتوقعه من المختصين الاجتماعيين حيث أن علم الاجتماع هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة سلوكنا ككائنات اجتماعية؛ وهكذا يشكل حقلا جامعا لعدة اهتمامات من تحليل عملية الاتصالات القصيرة بين الأفراد المجهولين في الشارع إلى دراسة العمليات الاجتماعية العالمية. بشكل أعم، علم الاجتماع هو الدراسة العلمية للمجموعات الاجتماعية والكيانات خلال تحرّك البشر في كافة أنحاء حياتهم. ودراسة التفاعلات والعمليات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع، ومن هذه العمليات الاجتماعية التغير الاجتماعي. فمن المتعارف عليه أن للتغير الاجتماعي، وخصوصاً السريع منه، نتائج وتبعات إيجابيه وسلبية، والنتائج السلبية تؤدي إلى ظهور مشاكل اجتماعية تحتاج إلى علاج ومواجهه و برامج وقائية للحد منها، كما أن هناك ما يعرف بالدراسات التنبؤية التي تحاول أن تتنبأ بالواقع الاجتماعي المستقبلي، وهذا النوع من الدراسات يحتاج إلى متخصصين اجتماعيين في هذا المجال وإلى توفر قواعد بيانات دقيقه يستعان بها في إجراء مثل هذه الدراسات التنبؤية.
وأشارت الدكتورة الشبيكي إلى أن في أواخر القرن التاسع عشر بدأت الجذور الأولى لظهور المتخصصين الاجتماعيين لمواجهة المشكلات الاجتماعية، إلا أن محاولات الإصلاح كانت من قبل ذلك التاريخ وفي أواخر القرن الثامن عشر كانت هناك محاولات لعلاج المشاكل الاجتماعية إلا أنها كانت تنفذ من غير المختصين الاجتماعيين كالفقهاء القانونيين من أنصار المدرسة التقليدية في علم الإجرام أمثال سيزار بيكاريا وجيرمي بنتام و الأطباء من أنصار المدرسة الوضعية مثل لمبروزو و جارفالو، وغيرها من المحاولات من غير المختصين، وبعدها برز التيار الاجتماعي والمحاولات الاجتماعية لمواجهة المشكلات الاجتماعية وكانت متميزة وجادة، لأنها كانت تطبيقية وبعيدة عن التنظير. إلا أنه مع النمو والتطور والتغير المجتمعي ضعفت هذه الأدوار في مواجهة ومعالجة المشكلات الاجتماعية، وذكرت د. الشبيكي عددا من الأسباب، وأضيف هنا عامل آخر هام أدى إلى ضعف الدور التطبيقي والريادي لعلم الاجتماع في معالجة المشكلات الاجتماعية، وهو التطور التنظيري في مجال علم الاجتماع، حيث انكب العلماء والباحثين الاجتماعيين على دراسة واختبار وتطوير النظريات الاجتماعية على المستويين المايكرو و الماكرو، محاولةً منهم لتثبيت وإظهار علم الاجتماع كعلم مستقل له كيانه واستقلاليته وحضوره العلمي، والعمل على إدخاله كقسم علمي مستقل في الجامعات. إن هذا الانصراف نحو الاهتمام بالتنظير أدى إلى ضعف وانحسار دور المختصين الاجتماعيين في معالجة المشكلات الاجتماعية. وأصبح علماء الاجتماع قابعين في أبراجهم الأكاديمية العاجية مشغولين بالتنظير (معن عمر، ٢٠١٤)، مما أدى إلى ظهور مناداة من بعض المختصين إلى تطوير علم الاجتماع لجَعله ذي توجه تطبيقي أكثر للناس الذين يُريدونَ العَمَل في مكانِ تطبيقي. والعمل على أن تساعد نتائج البحث الاجتماعي قادة المجتمع من خبراء، ومشرّعين، ومدراء، وسياسيين وغيرهم ممن يهتمون بحَلّ وفهم المشاكل الاجتماعية.
هذا الأمر أدى إلى ميل بعض الباحثين الاجتماعيين إلى استحداث تخصص جديد مرتبط بالتخصص الأم (علم الاجتماع العام) يسمى بعلم الاجتماع التطبيقي، الذي لا يركز كثيراً على نظريات علم الاجتماع ومناهج البحث وطرقه أو كيفية استخدامه بل يركز على مواضيع ومشاكل وحالات معاصرة مترجمة إلى بحوث سهله الفهم بعيدة عن التطبيقات الأكاديمية في معاييرها ومصطلحاتها، وهو ما يعرف بالبحوث التنفيذية أو العملية (operational research) وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية التي لا تتعدى الربع قرن لظهور هذا الفرع من فروع علم الاجتماع، إلا أن رواده وباحثيه استطاعوا أن يجمعوا ما يستطيعون جمعه لجعله مادة متخصصة، واستجلاء كينونته التي تبلورت بعسر وليس بيسر، حيث واجه عقبات وصعوبات كحقل جديد يشق طريقه بين فكي رحى، الأول علم الاجتماع النظري والثاني أصحاب القرار، وتميزت منهجيته بإبراز استخدام ما هو مهمل في منهجية علم الاجتماع العام مثل المؤشرات الاجتماعية والتوصيات.
وحتى مع هذا التوجه التطبيقي الحديث لعلم الاجتماع إلا أن هناك بعض الإشكالية التي لازالت تحد من دور المختص الاجتماعي من أداءه لدوره المتوقع منه في معالجة المشكلات الاجتماعية، فبالإضافة إلى ما بيّنته د. الشبيكي، فهناك:
1- عدم الاعتراف الرسمي الكامل بدور المختص الاجتماعي من قبل بعض الجهات الرسمية، ومثال ذلك إلغاء وظيفة “الأخصائي الاجتماعي” في مدارس وزارة التعليم وتحويلها إلى “المرشد الطلابي”، وأصبح أي مدرس مهما كان تخصصه يستطيع أن يزاول مهمة الإرشاد وحل مشاكل الطلاب في المدرسة، وعليكم أن تتوقعوا كيف ستكون النتائج إذا عالج المشكلة غير المختص.
كما تم إلغاء مادة علم الاجتماع من المنهج الدراسي مما يعني عدم تعيين خريجي علم الاجتماع في الجامعات بوظيفة معلّم. مما يعني تفريغ ممنهج لوزارة التعليم من المختصين الاجتماعيين في مجتمع يمر بمرحلة تغير اجتماعي كبيرة!!!
2- جهل بعض الجهات التي تستعين بالمختصين الاجتماعيين بتنوع التخصصات الاجتماعية: فهناك عدة فروع لعلم الاجتماع كالصناعي والتربوي وعلم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع التنظيمي وعلم الاجتماع السكاني وعلم الاجتماع الأسري وعلم الاجتماع الجنائي وغيرها من التخصصات، وكل تخصص وله مجاله الاجتماعي على غرار التخصصات الطبية، فالجهل بالتخصص الدقيق يؤدي إلى الاستعانة بالشخص غير المناسب مما ينتج عنه أداء غير مرضي فيتم تعميم هذه التجربة غير الموفقة على جميع المختصين الاجتماعيين.
3- ويغذي النقطة السابقة الشللية ودور العلاقات الشخصية في اختيار المختصين الاجتماعيين للمشاركة في البرامج التنموية والعلاجية في المجتمع.
4- جهل البعض بأهمية البحوث الاجتماعية و ضعف تمويلها ودعمها.
5- عدم وعي بعض الجهات بأهمية وجود مختص اجتماعي ضمن فريق العمل، سواء العمل التنموي أو التخطيط الحضري، أو الفريق الطبي أو الفريق البحثي وغيرها من الفرق .
6- ضعف الحضور المجتمعي للجمعيات الاجتماعية المتخصصة، وضعف تمثيلها لمنسوبيها والدفاع عن حقوقهم. كما لا يوجد تواصل فعال بين الأقسام المتخصصة، فهل يعقل أنه إلى الآن لم يعقد أي اجتماع لرؤساء أقسام الاجتماع والخدمة الاجتماعية في الجامعات السعودية!!، مع أن هناك موافقه منذ أكثر من ثلاث سنوات بجامعة الملك سعود لعقد مثل هذا الاجتماع.
فهذه العوامل وغيرها تحد من أداء المختص الاجتماعي لدوره الفاعل في معالجة المشاكل الاجتماعية. فلابد من اتخاذ خطوات إجرائية عمليه لمعالجة هذا الوضع والنهوض به، فالمجتمع السعودي مقدم على تغيرات اجتماعية متسارعة تحتاج إلى تدخل اجتماعي على أعلى المستويات لمعالجة الآثار الجانبية السلبية المتوقعة، والحد منها ليتحول التغير الاجتماعي الطبيعي (التلقائي ويسمى بالتطور الاجتماعي) إلى التغير الاجتماعي المقصود وهو ما يعرف بالإصلاح الاجتماعي. فالتطور الاجتماعي يسير عشوائياً وبطريقة عمياء، أي قد يؤدي إلى التقدم وقد يؤدي إلى نكسه وتخلف. أما الإصلاح الاجتماعي فهو تغير اجتماعي هادف يؤدي إلى التقدم الاجتماعي ويخضع للإرادة والمنطق الاجتماعي.
التعقيب الثاني: د. عبدالرحمن الشقير
سوف يتركز تعقيبي على ثلاث نقاط هي ما يلي: تلخيص جوهر الورقة، ثم تعزيز التوصية، ثم إضافة يسيرة أرى أنها قد تخدم القضية موضع النقاش.
أشارت د. الجازي إلى أن الحاجة للعلوم الاجتماعية تتأكد كلما تقدمت المجتمعات وتعقدت أساليب الحياة فيها. وضربت أمثلة من مراحل تاريخية منذ الثورة الصناعية وما بعد وما نتج عنها من مشكلات اجتماعية وما صاحبها من نظريات ودراسات عن المجتمع. ثم الضعف الذي اعتراها. ثم أشارت إلى واقع الدراسات العليا الذي يهتم بالوحدات الصغرى كالأفراد والوحدات الوسطى كالأسرة والجماعات، ولا يهتم بالوحدات الكبرى. ثم أكدت على أهمية حضور الدراسات الاجتماعية لمعالجة التغيرات السريعة والشاملة في المجتمع السعودي، وضربت مثالين على هذا التغير وهما الأسرة وتأثير التقنية. وأخيرا لفتت الانتباه إلى أهمية تطوير أساليب وأدوات البحث ومناهجه في العلوم الاجتماعية وإيجاد مداخل منهجية نظرية وتطبيقية ملائمة لمواكبة التغيرات الاجتماعية الحالية وفهمها. وأوصت بأهمية إنشاء فريق عمل اجتماعي وطني مشترك يقوم بمراجعة كافة الدراسات والأبحاث التي تتعلق بالقضايا المصاحبة للتغيرات وتحليلها للاستفادة من نتائجها.
تمثل ورقة د. الجازي هما مشتركا يعيشه كل المخلصين للعلم في العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى، وأرى أنها لامست كثير من جوانب المشكلة، وتوصلت إلى مقترحات جيدة يمكن تبنيها.
يمكن أن أضيف الإشارة إلى دور الباحثين الاجتماعيين في رصد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال السنتين الأخيرتين بوصفهما يقعان ضمن مشروع التحول الوطني 2020 وبرامج رؤية المملكة 2030، حيث أرى أن هذه التغيرات أسهمت بشكل كبير، وسوف تسهم أيضا، بإعادة ترتيب القيم من خلال مراجعة تفسير رؤية الناس للحياة وللعالم من حولهم، وكذلك سوف تتغير الأطر المرجعية للمجتمع، وأقصد بها سيادة القرار السياسي والقوانين والأنظمة على الفتاوى والعادات والتقاليد التي كانت من أهم أطر توجيه المجتمع. ومن ثم فإن دور الباحث الاجتماعي اليوم سيكون أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، لتفسير هذه التغيرات الفجائية والسريعة والجريئة، وتقديم معلومات مبسطة وموثوقة تساعد الإنسان العادي على تخفيف حدة التناقضات التي قد يواجهها، وتزوده بضمير مرتاح يضمن عدم اغترابه الاجتماعي.
المداخلات حول القضية:
- oواقع ومعوقات مساهمة المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المجتمعية
أكد د. إبراهيم البعيز على أهمية القضية المطروحة؛ كونها تتناول الظواهر والقضايا الاجتماعية، وأهم سمات هذه الظواهر أنها تتغير بتغير المكان والزمان. بمعنى أننا لو استفدنا من إنجازات الدول المتقدمة في العلوم والظواهر الطبيعية، فإننا لن نستفيد من تشخصيهم ومعالجتهم للظواهر الاجتماعية.
الإشكالية أن تناول الظواهر الاجتماعية غالبا ما يكون مرتبط بالتوجهات الفكرية، مما يجعل الموضوعية تحت المحك، ويأتي ذلك بشكل خاص عند مناقشة الأسباب. لذا ليس من المستبعد أن كثير من النقاشات والتناول تقفز من وصف الظواهر إلى اقتراح الحلول، دون المرور بالمرحلة الأهم وهي الفهم لتلك الظواهر، والذي يتطلب البحث في الأسباب والنتائج المحتملة لها.
مناقشة أسباب الظواهر الاجتماعية (بخلاف الظواهر الطبيعية) يتطلب أحيانا تخطي الحدود الحمراء، أو الاتهام بالدخول في منزلق التبرير لتلك الظواهر. وهذا يتطلب شجاعة قد لا يقدر عليها الكثيرون.
ومن جانبها قالت د. زينب إبراهيم: جاء طرح القضية المعنونة ب : “دور المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي” في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التعرف على مجتمعنا السعودي بكل ما فيه من قضايا ومستجدات .. وكنت أتساءل أين رأي علم الاجتماع فيما يجري من تسارع وتغيير .. البعض يقول أن هناك تخوف من طرح قضايا قد تمس عادات أو غيره ولكن سأقول مثل ما قال أفلاطون «ما من شرير بإرادته». لأن الرهان الجوهري على حياتنا, هو ذلك البرهان الذي نقدمه من أجل إثبات رغبتنا وقدرتنا على التغيير والتطور والنمو بشكل صحي كباقي المجتمعات. فالباحثون ينظرون إلى قوانين الفيزياء باعتبارها برامج حاسوبية, وإلى الكون باعتباره حاسوبا, لم يكن للخوف من الفشل مكان لديهم, ولم يكن رأي الآخر حاجزا يقف أمام منجزاتهم, وقد لا نشاطرهم تفوقهم ونجاحاتهم، لكننا نسجل لهم أنهم يمارسون حريتهم في قول ما يريدون (بل وفعْل ما يشاءون) دون أدنى خوف وبمستويات عالية من الثقة والاطمئنان، هنا يتجلى عمق قيمة الحياة وأهميتها لديهم تكمن فيما قدموه لها من علم وإنجازات. من التفكير, والفرح الطويل, السعادة, والتغيير, التجربة, والنهوض من واقع لا نرغبه إلى واقع ننشده, فحياتنا ليست ملكا لنا وحدنا, إنها لماضينا ومستقبلنا الذي لم نحاول قشع ضبابيته, ولم نستطيع أن نتصالح معه .. ودور الدراسات الاجتماعية قد يجسر هذه الفجوة التي تدلنا على مكامن الجرح فينا … لا أذكر أنه مر علي ورقة استفتاء أو تقييم حول ظاهرة أو قضية معينة في المجتمع بخلاف بعض الأوراق البحثية التي تهم مشروع تخرج لطالب أو ترقية لأستاذ ..فلا يمكن أن تنهض المجتمعات إلا بالبحوث والتطوير … أيضاً التغيرات السريعة في المجتمع وتأثير وسائل الإعلام المختلفة ومنها الإعلام الجديد الذي فتح نافذة على التغيير في المعتقدات والمفاهيم وكشف لنا عقول وسلوكيات قد لا نصدق أنها تعيش بيننا… أيضا ملف تمكين المرأة على المستوى الاجتماعي سيكون له بعد فكري وسلوكي ، فالجهود التي يجب أن تبذل في مجال العلوم الاجتماعية من بحوث ودراسات وملاحظة ورصد لهذا التسارع والتغيير من قبل متخصصين من مؤسسات مختلفة كفيل بأن يكون كالبوصلة التي تحدد اتجاهنا لننطلق نحو تغيير صحي بفهم ودون معلومات مضللة.
أما أ. لمياء العنزي فترى أن المجتمع السعودي الآن يعاصر تغيرات اجتماعية ثقافية سريعة و نظراُ لأهمية دور الأخصائي الاجتماعي من خلال بث رسالته السامية في رقي المجتمع والحد من المشكلات وتحقيق العدالة لجميع الفئات المجتمعية تظهر هنا براعته في معالجة قضايا التغيير لمجتمعنا ؛ فجوهر الممارسة يرتبط بمدى فهم الأدوار ومتى تمارس لتحقيق التأثير الأمثل على المجتمع لأن هناك واجبات نوعية و تخصصية يعمل بها الأخصائي الاجتماعي فهو لا يقتصر دوره على دور واحد فقط في معالجة أي قضية كانت وإنما يشمل أدوار المسارات المتعددة لتخصص الخدمة الاجتماعية .
وعقب د. عبد الله بن صالح الحمود بقوله: حول المحور المهم الذي طرحته د. زينب، هل ندرة أو عدم توافر مراكز بحثية تخصصية في الشأن الاجتماعي في السعودية ، يعود إلى عدم إيمان المجتمع أو أصحاب القرار بربط اتخاذ قراراتهم بدراسات علمية اجتماعية ، ما أدى إلى تعثر العديد من مناشطنا الاجتماعية ، والذي بلاشك أن ذلك مؤداها ضعف في العجلة الاقتصادية للبلاد كمسبب غير مباشر ، أم أن المجتمع برمته لم يصل إلى درجة توحي إليه بأهمية هذا الأمر ، خصوصا وأننا على مقربة من الوصول إلى بداية تطبيق مشروع التحول الوطني 2020.
وبدورها أوضحت د. زينب إبراهيم أن الإيمان بفكرة أن البحوث والدراسات خطوة للتغيير وحل المشاكل الاجتماعية وغيرها ، و هناك فجوة بين صنع القرار ونتائج الدراسات إضافة لما يرتبط بها من دراسات المستقبل التي نفتقر إلى مركز لها .
وذكر د. حميد المزروع تحت عنوان “عولمة القيم ومشاكل المجتمع السعودي” أنه بالإضافة إلى القضايا الاجتماعية التقليدية التي يواجهها المجتمع السعودي بكونه يمر بمرحلة انتقالية ما بين ممارسة السلوكيات المتوارثة من القيم المحلية والموروث الاجتماعي ، فإن الجيل الجديد (١٠- ١٨ سنة ) ، يواجه قضايا اجتماعية جديدة وافدة من الثقافات الأجنبية ، وهذه أكثر خطورة ، وسينتج عنها ممارسات وقضايا اجتماعية جديدة ، ظاهرها التغيير والحرية وباطنها تحول وانحدار شريحة من شباب المجتمع نحو السطحية في التفكير و التقييم، مما يساهم في ظهور أسر مفككة بسبب اختلاف نوعية المعايير الاجتماعية لنفس أفراد الأسرة والتي يفترض أن تحقق لهم الأمان والعدالة الاجتماعية مثل : الحقوق والواجبات ، توزيع المسئوليات ، إدمان الإنترنت والتواصل الافتراضي وقضايا أخري .
دور المختصين الاجتماعيين سيكون أكثر فاعلية لو ركز دراساته الميدانية أو التطبيقية علي تشخيص مشاكل الفئات العمرية الصغيرة السن ( جيل الآيباد ) ، إن جاز التعبير ، هذا الجيل نشأ وهو مهجن ثقافيا، وذلك لمعرفة مشاكلهم الحالية بوقت مبكّر و وضع الحلول المناسبة لها ، ومعالجة الأسباب لتزول الأعراض الاجتماعية قبل أن تتجذر بالمجتمع .
وأشارت د. نوف الغامدي إلى أنه عندما نتحدث عن التغيير المجتمعي فنحن نتحدث عن عدة مفاهيم مرتبطة ومتعلقة، وقد تكون مشتقة منه مثل: التقدم الاجتماعي، التطور الاجتماعي، التخلف، التحديث، التنمية الاجتماعية، التغير الثقافي وَ العمليات الاجتماعية وغيرها.
“التقدم الاجتماعي”، مثل وسائل النقل، البريد، الفاكس وغيرها، أي أننا نتحدث عن التدرج الجزئي يذهب إلى حالات أفضل كالتقدم الفكري والعلمي والفكري والاختراعات وجميعها ذات منفعة بشرية. وهنا لابد أن نذكر أن التقدم المفاهيمي قد يؤدي إلى انفجار كبير يؤدي إلى تغيير المجتمع بأكمله مثل الثورة العلمية.
ولو تحدثنا عن ” التطور الاجتماعي” فالنمو بطيء، متدرج يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة كالتحول من الإنسان البسيط الذي يبحث عن قوته فقط إلى مرحلة العلوم والفلسفة والحضارة ومرحلة الاختراع والتحرر الفكري والإصلاح وهنا قد يفقد المجتمع بعض من قيمه الروحية والإنسانية وهذا تحول خطير!
أما “التنمية الاجتماعية” فنحن نتحدث عن تحريك علمي مخطط للعمليات الاجتماعية والاقتصادية من خلال أيدولوجية معينة وذلك للانتقال بالمجتمع من مرحلة غير مرغوب فيها إلى مرحلة أخرى مستهدفة لتحقيق أعلى مستوى من الرفاهية الاجتماعية. أما “النمو” فهو ما بين التأخر والتقدم ومحاولة الهروب إلى الأمام!
المجتمع السعودي مر وما يزال بتغيرات كبيرة، على جميع المراحل ما قبل النفط وبعده، ومراحل التقدم والنمو والتنمية وصولاً للتغير المعرفي وإعادة هندسة المجتمع وتغيير عادات الإرث الاقتصادي الرعوي والتحول لمجتمع منتج من خلال تعدد مصادر الدخل وتمكين المجتمع ونبذ العادات والمعتقدات والسلبية المجتمعية، وبالتأكيد هناك انعكاسات على المجتمع ككل والأسرة لمواجهة هذه التغيرات على كل المستويات حتى على مستوى المنشآت فعلم الاجتماع وعلم النفس لهم دور كبير في رفع الكفاءة الإنتاجية وتحويل بيئة العمل لبيئة صحية تنعكس على البيئة الاقتصادية والاجتماعية . فالاقتصاد والمجتمع متلازمان في الأثر لذا فالتغيرات الاقتصادية ستنعكس بشكل كبير على المجتمع والعكس صحيح تماماً، لذا فإن تفعيل أدوار المتخصصين الاجتماعين أصبح ضرورة حتمية لمعالجة الآثار العكسية للتغير، وليس فقط معالجتها بل وضع سيناريوهات مستقبلية وتخطيط لأمور قد لا تحدث مع دراسة الحالي وقياس الأثر على المجتمع فتفعيل دور القياس للتغيرات المجتمعية له أثر كبير في تقويمها والتوعية بالآثار السلبية ومعالجتها مبكراً حتى نستطيع تقييم التجارب وإيجابية التغيير من سلبيتها .
وركز م. محمد الشهري على أنه فيما يتعلق بالدراسات الاجتماعية عند إعداد المخططات الحضرية للمدن والأحياء السكنية، فقد عانى تخطيط المدن والمخططات السكنية ولازال من تخبط كبير خلال السنوات الماضية ؛ مما أدى إلى وجود مخططات لأحياء سكنية تفتقر “للعوامل الاجتماعية” وتأثرها على ساكني تلك الأحياء بشكل كبير وساهم ذلك في تفكك مجتمع الحي .
واتفق د. عبد الله بن صالح الحمود مع ما طرحه م. محمد الشهري ، وأضاف أن الأحياء السكنية سواء المفتوح منها أو المغلق ، لم يعدان بيئات آمنة من الناحية الاجتماعية ، والسبب أن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية فضلا عن الثقافية ، أدت إلى تحول مجتمعي غير محمود ، ربما يربط البعض أن الماضي كان كذلك في التخطيط الحضري ، لكن الرد هو أن أحوال المجتمع اليوم ليست كمثل ماضيه ولهذا نلحظ للأسف ما يسيء للمجتمع.
ومن ناحيتها قالت أ. عبير خالد النظر: كثيرا ما أتساءل هل نشجع لدينا الدراسات الإعلامية-الاجتماعية مثل الاثنوغرافيا؟ ومراقبة المشاركين participant observation؟ من الضروري أن نهتم بالمدرسة الإعلامية-الاجتماعية، و “مدرسة فرانكفورت” و”مركز برمنجهام للدراسات الثقافية المعاصرة” يعدون نماذج ممتازة جدا على ذلك. و هل لدينا مثلا دراسات عن التأثيرات الاجتماعية للشيلات كنوع من الثقافة الشعبية Popular culture ؟ أو هل هناك دراسة عن ألعاب الفيديو المتداولة في السعودية، بمنظور اجتماعي؟ أشعر أن ثمة حلقة مفقودة هنا وأننا متأخرين بحثيا في مواكبة ذائقة المجتمع وتحليلها ورصد متغيراتها، وذلك أمر يبرع فيه الأخصائيين الاجتماعين والباحثين في الإعلام الاجتماعي والثقافي .
أما د. حامد الشراري فأشار إلى أن مداخلته تنطلق مما ذكرته د. الجازي بالورقة الرئيسة حيث ورد فيها :
– ” ….إن المرحلة التغييرية الشاملة والواسعة والسريعة التي يمر بها المجتمع السعودي …تستدعي توجها نوعيا مختلفا من أولئك المتخصصين تتساند فيه الأبحاث المتعمقة المتكاملة على مستوى السياسات والتخطيط والتنفيذ بنظرة شمولية…”
– ” …إن متطلبات التغيير وتحدياته الاجتماعية في بلادنا تستدعي اهتماما من صناع القرار…”
– وأيضا ما أشارت له ” …أهمية إنشاء فريق عمل اجتماعي وطني مشترك…”
مجلس الشورى ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني – بشكل رئيسي- مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، يسهم في عمل توصيات تساعد القيادة على إصدار القرارات المتزنة التي تعالج المشكلات الوطنية الفردية بشكل خاص وتطوير وتحسين أداء الأجهزة الحكومية لما يحقق رفاهية المواطن. هذه التوصيات يركز جلها على المعالجات الفردية الداخلية بالغالب، إلا أن المجتمع السعودي، كأمة، بجميع أطيافه وتوجهاته بشكل شمولي ومدى تعاطيه واستيعابه للمتغيرات أو القضايا الداخلية والخارجية في جميع المجالات المؤثرة في المجتمع السعودي، لم الحظ أن هناك فريق خبير متنوع المشارب يدرس ويمحص تأثير هذه المتغيرات الداخلية والخارجية مجملة، ويقدم بها توصيات ناضجة تعطي الرؤية للقيادة الرشيدة في إصدار قرارات شاملة ورشيدة تخدم المجتمع السعودي. لاشك أن ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات وعولمة الاقتصاد والمتغيرات السياسة التي شهدها العالم مؤخرا وبوجه خاص الوطن العربي، أدى إلى تغييرات فكرية وثقافية واجتماعية تزداد كل يوم وتيرتها وتأثيرها على كل المجتمعات وبخصوص المجتمع السعودي، فثورة الاتصالات وتقنية المعلومات- مثل شبكات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك، تويتر، السناب شات، والقنوات التلفزيونية الفضائية والإعلام الإلكتروني وغيرها – وتسارع تطورها وتأثيرها المباشر على المجتمعات التي كثيرا من قيادات دول العالم لم تستوعب تأثيرها ومخاطرها بعد وتأخذ احتياطاتها الصحيحة لحماية نظامها ومجتمعاتها منها. إضافة لذلك، التحولات الاجتماعية التي تحدث حاليا على أرض الواقع تنبئ بتغيير كبير وجذري في منظومة القيم التي تحكم المجتمعات المحافظة مثل المجتمع السعودي وغيره من المجتمعات المحافظة.
ولتوسيع الدائرة كون عوامل التغيير للمجتمعات تدخل فيها عوامل عدة منها اجتماعية واقتصادية وسياسية وخارجية….الخ، يمكن تشكيل فريق من الخبراء السعوديين (منظرين) من جميع الأطياف السعودية من علماء الاجتماع و علماء الدين وخبراء الإعلام والثقافة والتقنية والطب وعلم النفس والتربية والتعليم والسياسة والأمن وكل تخصص له تأثير مباشر على المجتمع بالإضافة لأصحاب الاتجاهات الفكرية الأخرى. و هذا الفريق يكون مرتبط بالقيادة العليا، يعمل مع مراكز الأبحاث ذات العلاقة بقضايا المجتمع السعودي، ويقدم أفكار أو توصيات ناضجة شاملة للقيادة ترسم رؤية – خريطة طريق للمستقبل – من خلال الواقع وما يشوبه من تأثر اجتماعي واقتصادي وسياسي ناتج عن المتغيرات والتجاذبات الدولية والتطور العلمي والتقني الذي جعل العالم قرية صغيرة.
وفي تصور د. هند الخليفة فإن العلوم الاجتماعية في المجتمع العربي تعيش أزمة فكر منذ نشأتها، لها أسباب تتجذر في بنية الفكر العربي، وتعثر مشاريع التطوير والبناء، وإخفاقات التحرر من التبعية الفكرية والسياسية، والتعصب الديني….الخ. وهناك حاجة إلى إعادة النظر وغربلة وتجديد وتحرير الفكر العربي، لكي يكون عنصرا في بناء مجتمع عصر التحول.
واتفقت د. عبير برهمين مع د. حامد الشراري في فكرة تكوين الفريق البحثي المتعدد المشارب والأطياف بقيادة علماء الاجتماع والمتخصصين في هذا المجال. لأن لكل تخصص إضافته ومنظوره وقد يرى جانب غاب عن أحد المختصين. والمرجو أن تتمكن هذه الفرق من وضع حلول مقترحة قابلة للتطبيق على أرض الواقع لتوجيه النمو والنضج الاجتماعي والسلوكي بشكل لا يتضارب مع التسارع التقني والعمراني وحبذا لو يكون أحد مبادئه Quality of time فيما يتعلق بتصحيح المفاهيم الاجتماعية لدى النشء الجديد. التسارع التقني والعمراني يسبق بمراحل عده التطور الاجتماعي وهو أمر طبيعي لأننا نتعامل مع البشر ككيان روح وجسد وعقل والجيل الإنساني يستغرق بالمتوسط ثلاثون عاما. في حين أن متوسط الجيل الرقمي لا يتجاوز الثلاث سنوات. إلا أن نواة أي مجتمع هو الأسرة. والأسر اليوم ليست كالسابق. لذا أي تغيير يجب أن يكون مبدأه من الأسرة. فنحن جميعا نعاني بشكل أو بآخر من أن التقنية الرقمية والنت أصبحوا يشغلون أفراد الأسرة الواحدة حتى أثناء اجتماعاتهم الأسرية. لم يعد هناك حوار جاذب يستقطب أفراد الأسرة ككل للمشاركة. ولم يعد هناك لغة مشتركة. ما يعرفه الآباء عن النت يختلف تماما عما يعرفه الأبناء والأدهى حين يزود الآباء أطفالهم في سن مبكرة بهواتف جوالة وألعاب إليكترونية ليشتروا راحة بالهم من أي نقاش أو تساؤل يمكن أن يطرح من قبل الطفل. والنتيجة عدم وجود مصدر للأمان الأسري أو المعلومة إلا فضاءات العالم الافتراضي بكل عواهنه. ولعل فواصل الشتم والردح واستخدام الألفاظ النابية والعنصرية في منصات التواصل الاجتماعي تحت أسماء مستعارة هي تعبير عن الغضب المكبوت في نفوس هذا الجيل وعدم وجود الموجه في البيئة الطبيعية من حولهم.
ومن وجهة نظر أ. مها عقيل فإننا كما يبدو نعاني من مشكلة مزمنة من عدم الاهتمام بالإحصائيات والدراسات وعندما يتم عمل دراسات لا يؤخذ بتوصياتها أو لا تكون هناك متابعة لتنفيذها.
أين وزارة التخطيط من عمل الدراسات الاجتماعية اللازمة؟ و أين المحافظات والإمارات من الاستعانة بالدراسات الأكاديمية والتطبيقية لحل المشاكل الاجتماعية؟
ما ذكره د. حميد بإلغاء مادة علم الاجتماع والأخصائي الاجتماعي في المدارس شيء مؤسف يدل على عدم الوعي أو الاهتمام بهذا العلم.
من الضروري في هذه الحالة إبراز أهمية الدراسات الاجتماعية ويكون ذلك عبر نشر الأبحاث التي تخاطب أفراد المجتمع بالقضايا والأمور التي تهمهم ولفت انتباههم لما يحدث من تغيرات واستقراء لما قد يحدث من تغيرات وكيف التعامل معها. وهذا سيساعد على سد الفجوة بين التنظير والبرج العاجي الذي يتحاور فيه الأخصائيين فيما بينهم وبين المجتمع الذي يفترض أنهم على دراية وثيقة به. ربما يتم عمل برامج تلفزيونية حوارية تتناول بعض القضايا الاجتماعية بمستوى عال من المهنية والمتابعة بدل السطحية وتأجيج المشاعر. المهم أن تكون هناك شفافية وموضوعية.
عندما نذهب إلى مكتبة في الخارج نجد مجموعة من الكتب حديثة الإصدار أو على قائمة الكتب أكثر مبيعا تتناول دراسات وأبحاث اجتماعية وغيرها ويتم مناقشاتها في البرامج الحوارية والمحاضرات التي يلقيها المؤلف الخ. أين هذا عندنا؟
وفي السياق ذاته قالت د. نوال الضبيبان: سوف أتحدث بصراحة واختصار.. من أساسيات دور النخبة في العلم والدين والثقافة في القضايا والتحولات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع السعودي هو الحوار الصريح والصادق والأمين وبشفافية تلامس هموم ومخاوف المجتمع وفق الثوابت الشرعية.. لإيصالها لأصحاب القرار.. ثم اقتراح حلول لمعالجاتها وفق سيناريوهات عديدة واقعية أو متوقع حدوثها ؛ فما يصدر من القلب يصل للقلب ولا يصل إلا الحديث الصادق … لتحديد مكامن الخلل مع حلول وخطوات إجرائية للتعامل معها سواء للتخفيف من حدتها أو معالجتها.. أما معظم المقالات التي تكون عبارة عن زخارف كلامية في الغالب لا يتم قراتها أو تحقق أهدافها… فالمجتمع في الوقت الحالي يمر بحالة عصيبة، مشاكل تنازع الأسرة من كل جانب وتحديات من الداخل والخارج تهدد تواجدها… فأرباب الأسر وأعضائها في الوقت الحالي بحاجة إلى الاحتواء وإلى التحاور معهم بصدق وشفافية وإتاحة المجال لهم لتفريغ الهموم والمخاوف .. ومساعدتهم على التعامل مع هذه المشاكل والانحرافات في أحوال عديدة ؛ حيث أنه لا يخفى على الجميع أن المجتمع السعودي تحول بشكل كبير في الخمس السنوات الأخيرة!؟؟
هناك تحول ثقافي اجتماعي لكل الأعمار وآسفة عن قول ( تردي) وهذا ليس مقتصر على فئة المراهقين أو الشباب فقط بل أيضا كبار السن ( ٤٠ و٥٠) وبالفعل نحتاج إلى تخصيص جهات مسؤولة تحت مظلة الدولة للحفاظ على الانسجام والاحترام المجتمعي والعقائدي والسياسي حيث يعد المجتمع السعودي تحديدا محط أنظار العالم بين معجب وحاسد وحاقد. وأيضا يجب أن لا ننسى أن هذه المداخلات الثرية من النخبة والقامات الوطنية تبقي بدون معنى إذا لم تقترن بتسمية المشاكل والصراعات بمسمياتها الحقيقية مع تحديد مستوى الخطورة وتقديم خطوات إجرائية للتعامل معها كمرض يحتاج للمعالجة قبل التفشي أو الانتشار أكثر من ذلك.
وأشار أ.د. صدقة فاضل إلى أن الأمم المتقدمة تذخر بمراكز الأبحاث في كل المجالات التي تهمها . فكم ونوع مراكز البحث هو أحد أكبر مؤشرات التقدم / التخلف . ولاشك أننا لو أخذنا بهذا المقياس وحده فسنجد أن كل البلاد العربية متخلفة ؛ لأن عدد مراكز الأبحاث في كل منها قد لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة . كيف ندعى ، إذا، نحن هنا بالمملكة أننا من البلاد المتقدمة ونحن نمنع قيام مراكز الأبحاث أو لا نسمح لها بالقيام إلا تحت شروط تعجيزية ؟
ويرى د. إحسان بو حليقة أن القضية مهمة. ودون جلد للذات، علينا الإقرار أننا لا ندرس مجتمعنا وظواهره، فهو يخضع لمؤثرات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر انفتاحه على الوافدين من كل مكان وسفر مواطنيه لكل بلدان الدنيا والتعامل مع ثقافاتها، يضاف لذلك الانفتاح على فضاءات الإنترنت المتعددة. ومع كل ذلك لا نجد دراسات ميدانية بما يكفي لفهم ما يحدث من تحولات هائلة في مكونات مجتمعنا المحافظ، أو الذي نحسبه كذلك. هذا القصور جعلنا نقتات على انطباعات ومرويات، ليست بالضرورة تنطبق على الواقع المعاش، مما يضيف لصعوبة التشخيص والفهم.
فوق ذلك لابد من الإقرار أننا مجتمعات ولسنا مجتمعاً واحداً؛ فالخطوط الفاصلة ليست فقط ما تم تناوله في المداخلات السابقة، بل كذلك ثمة تقسيمات تتماهى مع خطوط الزمن، فمجتمعنا أجيال وليس جيل واحد. ولابد من الإقرار أن التفاوت كبير بين الأجيال في أكثر من ناحية.
ولعل من الضرورة اقتراح التالي:
1- أن تهبط مراكز وكراسي وأقسام العلوم الاجتماعية من أبراجها العاجية وتباشر دراسة التحولات المجتمعية، بقصد فهمها كما هي وليس بقصد تأطيرها باعتبارها امتداد لما مضى من الأجيال.
2- أن تؤسس الحكومة مركزاً وطنياً للعلوم الاجتماعية هدفه وضع أجندة وطنية للقضايا والاهتمامات الوطنية وتمويل بحوثها التي تعد من قبل متخصصين من الداخل والخارج.
وعقب م. خالد العثمان بأنه يخشى فقط أن العقلية البيروقراطية ستظل مسيطرة سواء على الكراسي العلمية أو على المركز الذي تم اقتراح تأسيسه ؛ لذلك فإنه يعيد الكرة مرات ومرات للحديث عن دور المجتمع المدني في مجمل منظومة التنمية. إن أحد أهم أسباب تعثر التنمية وانتقاص جودتها هو غياب دور المجتمع المدني في ظل شرخ الثقة وفقد التواصل الفعال بين الحكومة والمجتمع أولا.. وبين القطاع العام والقطاع الخاص ثانيا. إن تحقيق أهداف الرؤية وتطلعات التنمية سيتأخر ويكون أكثر كلفة ماديا ومعنويا إن لم نسارع بتفعيل دور المجتمع المدني.
وبدوره أوضح د. إحسان بو حليقة أنه لابد أن تستسلم العقلية الحكومية، فالسبيل لتحقيق الرؤية الطموحة والتحول المطلوب هو فهم الواقع كما هو وليس كما نحب أن نفهمه.
وأضاف م. خالد العثمان أن المشكلة أن استسلام العقلية الحكومية لن يتحقق إلا بدفع من المجتمع المدني.
ومن جانبه قال أ. عبدالرزاق الفيفي: ستكون مداخلتي بعنوان 🙁 الخطاب المجتمعي…الواقع والمأمول ) وسألخصها في ثلاثة محاور :
1- لماذا كل هذا الاهتمام بقضايا المتغيرات المجتمعية وآثارها؟
2- تاريخ أزمة الخطاب المجتمعي…البدايات..المراحل..العوارض..المآلات.
3- إصلاح الخطاب المجتمعي…صمام الأمان.
المكون الطبيعي لأي مجتمع إنساني ينطلق من نواة علاقة الفرد بالفرد ثم بجماعة أفراده الصغيرة ( الأسرة ) ثم بمجموع من الجماعات الصغيرة ( مجموعة الأسر ) التي تنطلق منها مكونات متسلسلة وفق توسعها. تأتي من هنا أهمية الرعاية والعناية بقضايا المجتمع وذلك لأن ( تسلسل تكوين المجتمع ) يسهل ثلاثة أمور متتابعة هي :
1- يسهل تحقيق استراتيجيات البناء أو التهديم .
2- يسهل تجذر آثار تلك الاستراتيجيات الإيجابية أو السلبية .
3- يسهل اندفاع تلك الآثار سواء الإيجابية أو السلبية في مستقبل مركب وسفينة التنمية وعليه يَسْهُل قيادة الوجهة .
واقعنا الآن يعيش حالة من ( الحركة المجتمعية ) ذات الزخم المؤثر في تشكيل الوعي والسلوك والعقيدة المجتمعية على ثلاثة أشكال هي :
1- سرعة الحركة المجتمعية .
2- شكل الحركة المجتمعية .
3- اتجاه الحركة المجتمعية .
الخطير في الأمر هنا عندما تكون ( الحركة المجتمعية ) بكل أشكالها الثلاثة السابقة غير متناسقة ومتناسبة في اتجاهها الصحيح .
من هنا انطلق إلى تحديد الأزمة المجتمعية أنها ( أزمة خطاب مجتمعي ) ( فقد أهلية الوعي ) في مراحل ما..(وفقد أهلية النطق مع وجود الوعي) في مراحل ما.. والآن هو في طريقه نحو حالة من (فقد المسؤولية) . وهنا يتداعى العقلاء مستشعرين بوادر الأزمة و خطورة المآلات .
حالة المتغيرات المجتمعية حالة طبيعية وتدل على نمو وحياة وحيوية المجتمع إذا كانت وفق سياقات غير مهملة التوجيه و التصحيح والعلاج والعكس بالعكس . ومبدأ الوعي الصحيح في قضايا المجتمع ينطلق عبر الخطاب المجتمعي السليم والصحي الذي يعبر عن مكنون ذلك الوعي .
والمشاهد الآن يجد أن ( أزمة الخطاب المجتمعي ) لها ثلاث منطلقات هي :
1- الجهل بدافع الخلط .
2- الكبر بدافع العادات .
3- الحسد بدافع الفقد .
ولها ثلاث عوارض :
1- في الفرد.. بفقده الانضباطية .
2- في الأسرة…بفقدها المسؤولية .
3- في المؤسسات…بفقدها الاهتمام والأهمية .
ولها ثلاث مآلات :
1- في الفرد.. قابليته للفوضى .
2- في الأسرة…قابليتها للتفكك .
3- في المؤسسات…قابليتها للفساد .
لذلك نجد أن صمام الأمان هو الخطاب المجتمعي السليم ، وسأناقشه عبر تساؤلات :
- كيف يتشكل الخطاب المجتمعي ؟
يتشكل منطلقا من هوية المجتمع والدولة ( بثوابتها ومتغيراتها ومنهجها الوسطي و قيمها الحاكمة في سياساتها وعلاقاتها الإنسانية مع الكون بأشيائه وأشخاصه و أفكاره ) . وبقدر نضج وسمو ووضوح ولازمية الهوية تتحقق النهضة التنموية واليقظة الوطنية و الحراسة والتنافسية الأممية .
- إذن كيف تتشكل هُوية المجتمع لينطلق منها الخطاب المجتمعي السليم ؟
تتشكل الهوية ( بثوابتها ومتغيراتها ومنهجها الوسطي و قيمها الحاكمة في سياساتها وعلاقاتها الإنسانية مع الكون بأشيائه وأشخاصه و أفكاره ) عبر الإجابة بوعي تام ، والتزام مسؤول ، عن تساؤلين هما :
1- من نحن ؟
2- وماذا نريد أن نكون ؟
- ومن المسؤول عن الإجابة عن تساؤلَيْ الهُوية ؟
1- مؤسسة الفرد في الأسرة…بحماية فطرته التي ولد عليها ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أو يُنَصِّرَانِهِ أو يُمَجِّسَانِهِ)…وتمكينه من أدوات التفكير الآمن والحر ( والحديث عنها يطول ) حتى تتشكل لديه في سن التكليف إرادته الحرة و الواعية دون استنساخ أو استهجان أو استعباد .
( النتيجة.. انسجام كل أفراد الأسرة تحت مظلة هوية الأسرة ).
2- مؤسسة الأسرة في الدولة…بحماية نظام الأسرة التي هي نواة مجتمع الدولة.. من مهددات هويتها من محيطها الداخلي أو محيطها الخارجي…وإعلان هويتها و سن دستور منطلق منها وتمكينها من أداء دورها وفق بيئة داعمة و آمنة .
( النتيجة.. انسجام كل مكونات المجتمع تحت مظلة هوية الدولة ).
- من يفترض أن يعلق الجرس في هذه المرحلة ؟ ( توصيات )
1- دعم حالة الإنضاج لبيوت الخبرة الوطنية المختصة بالتشجيع و التركيز و التطوير والثقة .
2- تعزير قيم وأخلاق المجتمع عبر القوانين و مبادرات نشر الوعي والممارسات السليمة .
3- توحيد الخطاب المجتمعي للدولة عبر قنواتها ( التعليم – الإعلام – العمل – القضاء – الأمن ).
4- إتاحة الفرصة للمختصين من ممارسة أدوارهم بأدوات منهجية عبر دائرة الواقع والاحتياج لا التنظير و الافتراض .
5- نحتاج لتأسيس مرصد عام للمتغيرات المجتمعية ( القيمية والسلوكية ) لتقييم المدخلات والعمليات والمخرجات وإعادة رسم ما يلزم .
وذهبت د. هند آل الشيخ إلى أنها تثني على الطرح والإجماع على أهمية طرح بحوث تطبيقية حول القضايا الاجتماعية الملحة التي تمس مجتمعنا وتضيف بدورها أهمية طرح دراسات استطلاعية للقضايا والتحديات التي قد تنتج عن سياسة ما (policy). وأخرى الحاقية تحدد مدى تفاعلنا وتأثرنا كأفراد ومجموعات بالمتغيرات حولنا وتيسر التغيير الاجتماعي وتقومه وتكون نواة لدعم وتقويم السياسات العامة. التجارب الدولية طرحت نماذج عدة لمراكز أبحاث هي في الواقع وحدة /وحدات بحثية لدعم القرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي تركز على دراسات الأثر والتقييم والتقويم للسياسيات العامة بناء على تأثيرها المجتمعي. وحاليا نعيش فترة تحول كبير في النظام الاجتماعي المحلي ويحتاج إلى تغيير مواكب في كافة المؤسسات. تغيير ثقافي وتغيير تنظيمي وليحدث الأثر المطلوب لابد من توفير معرفة عملية وخبرات من شأنها تسهيل هذا التغيير التحويلي الذي نعيشه وتزيد الوعي والتفاهم بين أفراد المجتمع وتخلق قنوات رسمية مع متخذي القرار المجتمعي والتنموي. وهو ما تطلق علية بعض الدراسات “التبصر التطبيقي” للفرص والتهديدات التي تواجه استدامة التغيير المجتمعي وتتيح للمجتمع الاستفادة من الفرص الحالية وبالتالي تحقيق الخطط والأهداف المرسومة. في مجالنا الاقتصادي يطرح هذا الجانب كثيرا إذا ما تحدثنا عن استدامة السياسات الاقتصادية وأهمية توظيف (الاقتصاد الاجتماعي) لمعرفة كيف يؤثر النشاط الاقتصادي ويتفاعل مع العوامل الاجتماعية ويقيس كيف تتقدم المجتمعات أو تتراجع بسبب اقتصادها المحلي أو بسبب بناء السياسات الاقتصادية مع/ أو بمعزل عن المعطيات الاجتماعية والثقافية.
كتوصيات عملية من المهم تغذية الأجندة البحثية للمركز الوطني للدراسات الاستراتيجية التنموية الذي أنشئ حديثا واقتراح آلية لربط المراكز البحثية في الجامعات بمركز دعم اتخاذ القرار بالديوان الملكي.
في حين قال أ. عبدالله الضويحي في مداخلته: ” العلم عندي والامارة لفراج وإن بغى فراج شيء عصيته ” .. تذكرت هذا المثل الشعبي بعد أن انتهيت من قراءة ورقة د. الجازي الشبيكي الثرية حول ” دور المتخصصين الاجتماعيين في معالجة القضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي ” ثم تعقيب ومداخلات الزملاء التي زادتها بعداً وثراءً آخر .
سأترك المثل جانباً الآن لأقول: إن تغير المجتمعات ليس حدثاً معاصراً بقدر ما كان مصاحباً لنشء الخليقة ووجودها في الأرض بل إنه سنة كونية ، والقارئ لتاريخ الأمم والحضارات السابقة يدرك هذه الحقيقة والقرآن الكريم مليء بالآيات الدالة على ذلك ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) و ( الصالحون ) هنا لا تعني الصالحين دينياً بقدر ماتعني الصالحين اجتماعياً وثقافيا بغض النظر عن دياناتهم وهم القادرون بهذا الصلاح على عمارتها وبنائها.
والمجتمعات عادة هي من يقود التغيير ولا تقاد إليه (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) فقد ربط سبحانه وتعالى تغييره للمجتمعات بتغيير ذاتها وليس العكس.
ومن هنا فإن التغيير المجتمعي عادة ما يأتي من خلال طريقين:
1- إما بقوة القرار المستمد من قوة صاحبه من خلال القوانين والأنظمة كما حصل في قرار قيادة المرأة للسيارة وإجازة نهاية الأسبوع ونشاطات الترفيه وغيرها.
2- أو عبر ثقافة المجتمع التي تمثل سلوكيات ومعتقدات مرتبطة بالعادات والتقاليد وذلك من خلال تأثرها بثقافات أخرى فالمجتمع متغير بطبيعته إذ يستمد ثقافته من الجيل السابق ويضيف عليها ما يتناسب وواقعه الاجتماعي المعاصر.
وقد بدأ التغيير المجتمعي يأخذ الطابع الممنهج عقب الحربين العالميتين بعد أن كان يسير تلقائياً بمعنى أنه أصبح مقصوداً لتحقيق تنمية مستدامة. و بعد ما يقارب قرن من هذا الانقلاب في مفهوم التغير الاجتماعي يبرز السؤال المهم: أين نحن من ذلك !؟
رغم الأعداد الكبيرة لدينا المتخصصة في هذا المجال من الجنسين وأقسام الجامعات، إلا أنني أشعر أن كثيراً من هذه الكفاءات هي طاقات مهدرة .
معظم إن لم تكن جميع التحولات المجتمعية لدينا لم تْبن على دراسات إنما جاءت بقرار ولا أعني هنا التحولات الكبرى فقط بقدر ما يمتد ذلك إلى التحولات التي لا ترتقي إلى السلطة العليا.
هذا لا يعني أنه لا توجد دراسات اجتماعية أو إمكانية لعملها لكن المشكلة تكمن في مدى القناعة بهذه الدراسات من صاحب القرار.
لا أريد هنا أن أتطرق للأسباب والمسببات والحلول ، لكنني أشير هنا إلى أن عدم القناعة بهذه الدراسات وجدواها يعود في نظري لسببين:
1- إما لأسباب تتعلق بالمجتمع ذاته كالعادات والتقاليد وغيرها مما تطرقت له د. زينب إبراهيم في مداخلتها.
2- أو من باب ( عملنا ) وهذا ما تقوم به بعض الجهات أو بعض الأفراد في هذه الجهات لأهداف شخصية أكثر منها مصلحة عامة.
وفي النهاية تحفظ هذه الدراسات ويتخذ المسئول القرار الذي يراه وربما كان هذا المسئول أقل كفاءة وتأهيلا ممن قام بالدراسة وتعب عليها وهذا ما عنيته بالمثل الذي افتتحت به هذه المداخلة.
وأوضحت أ. آمال المعلمي فيما يخص مركز الحوار الوطني وبالنسبة لتجربة الحوار الوطني تحديداً في المساهمة في تغيير المجتمع أو على الأقل قبول هذا التغيير وقبول التعددية الفكرية أنها تجربة لم تكن سهلة أبدا. ففي بداية تأسيس المركز حظي باهتمام كبير وعلقت عليه الكثير من الآمال والتوقعات. وسعى المركز بدوره ليكون على مستوى الطموحات. ومن أهم النقاط في مسيرة الحوار الوطني من وجهة نظرها :
1- المركز قام في البداية لنشر ثقافة الحوار ومفاهيم الاختلاف والتنوع في ظل أحادية فكرية سادت لفترة من الزمن.
2- نجح المركز في استقطاب أطياف متنوعة من المجتمع حول طاولة الحوار ونجح في إدارة جلسات حوارية وفق آلية محددة قننت المداخلات ومنعت التجاوزات.
3- تناول المركز في الخمس لقاءات الأولى قضايا فكرية بحتة مثل الوطنية والغلو والمرأة والشباب والعلاقة مع الآخر سواء في الداخل أو الخارج.
4- شارك في هذه اللقاءات كتاب وقيادات فكرية واجتماعية من كل المناطق ومن مختلف التوجهات وحملت في طياتها اعتراف بالتعددية في المجتمع السعودي والتنوع الفكري ولعل المركز من أول الجهات التي أتاحت للمرأة المشاركة المتساوية مع الرجل في قضايا وطنية عامة.
5- في اللقاءات الأربع التالية تم التوجه نحو قضايا خدمية تهم المواطن مثل العمل والتعليم والصحة والإعلام وشارك فيها فئات أخرى في المجتمع من كل فئات المجتمع ولم يعد نخبويا.
6- في اللقاء العاشر تم العمل على بناء استراتيجية وطنية لمواجهة التطرف وتعزيز اللحمة الوطنية.
تناول الحوار الوطني من خلال لقاءات الخطاب الثقافي قضايا فكرية بالتوازي مع اللقاءات الوطنية تناولت قضايا مثل القبلية والمناطقية وأثر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. كل هذا الحراك الفكري رافقه برامج تدريبية على مهارات الحوار وآدابه في تسعة عشر مسار تدريبي على المستوى المحلي والدولي.
إن الحوار الوطني كان إجراءا استباقيا ساهم كثيرا في حماية النسيج المجتمعي خصوصا من ناحية التنقل في المناطق وإشراك أطياف وفئات مختلفة من المجتمع وتفعيل دور الشباب .
واستكمالاً لما ذكرته أ. آمال، أضافت د. الجازي الشبيكي أن لمركز الحوار الوطني دور لا يمكن إغفاله في الاهتمام بإحدى قضايا التغيير الاجتماعي وإفرازاته في المجتمع السعودي ، ألا وهي قضية التطرف والتشدد التي أعاقت الإسراع في العديد من المشاريع التنموية وأفرزت مشكلات أمنية . فالمركز أبلى بلاءً حسناً بهذا الخصوص وكان له تأثيراً مجتمعياً ملاحظاً .
وباعتقاد أ. عبدالرزاق الفيفي فإن مركز الحوار الوطني هو البوابة القادمة والمناسبة والوحيدة الآن في تهيئة ثقافة المشاركة المجتمعية مع صانع القرار أفضل من مجلس الشورى ، ويستطيع أن يحقق انسجاما كبيرا بين متطلبات وهموم و قضايا وتصورات المجتمع وبين طموح ورؤية صاحب القرار في القيادة العليا ، مما سيضمن نتائج أكثر فاعلية واستدامة إيجابية على المدى البعيد.
واقترحت د. الجازي الشبيكي أن يتم التركيز من جانب أعضاء ملتقى أسبار على اختيار إشكالية واحدة أو ظاهرة سلبية محددة يمكن أن تُدرَج ضمن القضايا التي تعيق العملية التغييرية التنموية التطويرية في المجتمع السعودي ومن ثم وضع توصية تخصها . وعلى سبيل المثال من وجهة نظرها فإن ظاهرة السهر في المجتمع إشكالية كبيرة تحد من القدرة والكفاءة على العمل والإنتاج . والتوصية هنا أن يُوجه اهتمام المتخصصين الاجتماعيين إلى إجراء دراسة علمية موسَعة ودقيقة لأسباب السهر والعوامل المشجعة عليه على مستوى المملكة ثم طرح خطط عملية للتقليل أو الحد منه تتساند في تنفيذها كل الجهات والأجهزة ذات العلاقة ( التربية والتعليم ، الإعلام ، التجارة والأسواق والمطاعم ، الترفيه وغيرها ) .
وركز أ. عبدالرزاق الفيفي على ( ظاهرة تنمر الفكر المجتمعي ) حيث نجدها بارزة في الخطاب الإعلامي والفكري وهي في طريقها إلى المؤسسات . وعلاجها :
1- سن قوانين واضحة ومقننة الجزاءات لمحاربة ( العنصرية – الطائفية – الحزبية – الكيدية ) وتطبيقها بشكل يحقق العدل والردع المجتمعي .
2- نشر الوعي بالمفهوم الصحيح لحرية التعبير الرأي والممارسات الحياتية .
3- إيجاد بيئات آمنة للتعبير عن الرأي وفق منظومة تحقق الأمن و الإنضاج للفكر في بيئة نقية .
4- إدراج أدبيات الحوار الإنساني وأدوات النقد المنهجي في مناهج التعليم من مراحل مبكرة والموائمة بينها وبين الممارسة .
5- إعادة تأهيل الخطاب المجتمعي وتنقيته من شوائب الاصطفاف و التمترس و التوتر التي يخلقها في المجتمع ، على مستوى ( مؤسسات الدولة والمجتمع و الأسرة ) وتصحيح دور الإعلام السلبي في ذلك .
وأكدت د. نوال الضبيبان على أهمية قياس الأثر بوصفه من أهم الأساليب المستخدمة في القياس النفسي ومن الضروري القيام به لمعرفة دور وتأثير مركز الحوار الوطني في التقريب بين وجهات النظر بين الأطياف العديدة والمتنوعة وقبول أو احترام وجود الطرف الآخر ، وبالتالي التخفيف من حدة بعض المشاكل الاجتماعية الموجودة . والقيام بدراسة لقياس الأثر ليست عملية صعبة جدا ، ولكن من المهم إجرائها على عينات تدربت على أيدي المختصين في المركز مع ضرورة ضبط للمتغيرات الدخيلة ، والمؤثرة في الارتقاء بقدرات وإمكانيات الأفراد واتساع وعيهم وثقفتهم وتطور مهارات التواصل والحوار لديهم .
وركزت د. نوال الضبيبان على أهمية التطبيق والاستفادة من نتائج الأبحاث.. فهذا هو الغرض الأساسي من عمل الأبحاث.. وكمثال على ذلك: هناك أبحاث لا حصر لها أوصت بضرورة تأهيل المقبلين على الزواج بدورات مكثفة وجادة، من حيث حقوق وواجبات الحياة الزوجية وأخلاقياتها لجميع الأطراف ، وتدريبهم على التعامل مع صعوبات الحياة وكيفية تخطيها، وأيضا التدريب على تربية ورعاية الأطفال وفق المفاهيم الصحيحة وليس وفق ما تربينا عليه في المجتمع . ورغم أهمية وجدية هذه التوصيات ؛ إلا أنه حتى الآن لم تصدر قوانين تلزم المقبلين على الزواج بضرورة حضور مثل هذه الدورات ، ونشاهد أن الآثار المترتبة على عدم تنفيذ هذه التوصيات ازدياد حالات الطلاق والتفكك الأسري ، واستمرار العنف مع الأطفال حيث أنه لا توجد تشريعات وقوانين كافية لحماية الأطفال رغم أن الوضع أفضل من السابق من حيث حماية الطفل ولكنه مازال دون المستوى .
وتطرقت د. مها المنيف إلى تجربة برنامج الأمان الأسري الوطني وهو برنامج تأسس بمرسوم ملكي عام ٢٠٠٥، ومختص بقضية مجتمعية وهي العنف الأسري:
1- منذ تأسيس البرنامج كان لابد لنا أن نطرح هذه القضية المجتمعية من منظور مختلف وهو منظور الصحة العامة public health approach لذلك تأسس البرنامج تحت مظلة جهة صحية وهي الشؤون الصحية بالحرس الوطني بمعنى أن هذه القضية ليست أسرية فحسب بل تؤثر في صحة المجتمع ككل وفي اقتصاد الدولة شأنها شأن الأمراض المزمنة لذلك وجب الاستمرار في طرح هذه القضية من هذا المنظور .
2- كان واجب علينا أولاً أن نقنع المجتمع أن هناك مشكلة وأن نعطيهم أرقام على نسبة الانتشار والحدوث وقمنا بعمل دراسات مسحية أثبتت النسب العالية في انتشار العنف الأسري لكن زالت الدراسات في هذا الموضوع شحيحة.
3- كان يجب أن نقنعهم بعواقب المشكلة قصيرة المدى وطويلة المدى ليس بالكلام فحسب بل من خلال الدراسات وتم عمل دراسة عن تجارب الطفولة السيئة والعنف بالصغر وتأثيره طويل المدى على صحة البالغين سواء صحتهم الجسدية أو النفسية والنتائج مخيفة .
وأخيرا وجب علينا طرح فكرة فريق متعدد التخصصات لحل هذه القضية لأن هذه المشكلة ليست من اختصاص المختصين الاجتماعيين فقط ولكنها قضيه تخص الأطباء والمختصين النفسيين والإعلاميين والمحاميين الخ .
ولذلك من خبرة البرنامج في قضية مجتمعية مثل العنف الأسري اتفق مع ما ورد في بعض المداخلات السابقة حول مسألة البحوث متعددة التخصصات وكذلك إشراك المهنيين من كافة التخصصات في دراسة تأثير المتغيرات الاجتماعية على المجتمع السعودي . التركيز على الوقاية ( قبل حدوث العنف ) وليس فقط الحماية ( بعد حدوث العنف ) للأسف مؤسساتنا الاجتماعية تركيزها على الحماية فقط .
الحلول:
-البرامج الوالدية وهناك برنامج رائع بالتعاون مع جمعية رعاية الطفولة اسمه تثقيف الأم والطفل والآن أدخلنا الأب فيه مدته خمس وعشرون أسبوعا .
-برنامج آخر عن تمكين المرأة معرفيا مدته ثمانية أسابيع تجتمع المدربة بالنساء المعنفات كل سبت من الصباح إلى الثالثة .
هذه أمثله على التركيز على مبدأ السلام بالأسرة والتربية الإيجابية والوقاية وبناء الإنسان .
أما أ. وليد الحارثي فقد ركز في مداخلته على النقاط التالية:
- أن تغيير طريقة التفكير السائدة لدى المجتمع، هي أكثر ما يلقى على عاتق الاختصاصين الاجتماعيين. فما كان صالحا بالأمس، لم يعد يجدي اليوم، وطريقة التفكير التي نعمل بها اليوم، ليست الطريقة الصحيحة المناسبة لمرحلة التغيرات الكبيرة التي نمر بها. إن طرق التفكير تلك كانت سبباً في إعاقة تقدمنا الثقافي والعلمي والاجتماعي، أو على الأقل في إحداث التقدم. وكمثال بسيط في هذا السياق، يبرز نمط التفكير السائد بأّن “الوظيفة هي الأساس، حتى ارتهن الشباب لها، وتركوا العمل الحرّ الذي كان ليسهم بشكل أكبر في تحقيق التنمية الاجتماعية بمختلف المجالات.
- في الحديث عن آليات التغيير الاجتماعي، وصلتها بهذا الموضوع. يدرك الاجتماعيون أن التغيير يتصف بالبطء والتمهل، وأنّنا نتعرض لضغط التغيير السريع، وهذا يحتاج منهم أن يُخلّقوا لنا آليات تناسب هذه السرعة، وتسير على نفس المنهج الاجتماعي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ردود فعل سريعة في ضمان اتجاه التغيير الاجتماعي في الاتجاه الصحيح. لكن رغم سهولة اكتشاف التغيير، فإن الصعوبة تكمن في اكتشاف آلياته ، واكتشاف الأكيد منها، والأكثر نجاعة. وهنا الموضوع يطول.
- هناك قضية يمكن الإشارة إليها سريعا تتعلق بمفاهيم الترفيه، والترويح عن النفس أو عن المجتمع والأنشطة المتصلة بذلك. وهذه وليدة تغيرات اليوم، حيث تسير في الاتجاه الإيجابي السليم، وتتطور بشكل كبير. والتغيير يحصل في أن أنماط الترفيه والترويح لم تكن لدى جيل الآباء ومن سبقهم، أو أنها كانت بطرق تقليدية لم يدركها جيل اليوم. علاوة على ما تشكو منه بيئتنا ومدننا من غياب التخطيط الحضري الذي يتناسب مع حاجات الترفيه والترويح، وحجم التغيير الذي يحصل وسيحصل، ومستوى التغييرات الاجتماعية التي تفرض شروطها علينا.
وتعتقد أ. أسمهان الغامدي بداية أن مفهوم الاختصاصي الاجتماعي كمفهوم واسع وبمعنى حقيقي .. شبه منعدم .. والموجود منه ينتهج نهج سير السلحفاة .. دون أن ينتبه إلى أن الدولة السعودية الجديدة انتهجت نهج القفزات في كافة ظروف الحياه ومفاصلها .
هذا التحريك المفاجئ خلق لدى المجتمع البعيد عن دفة صنع القرار نوع من الصدمة .. والمقاومة حتى أصبح المؤيد .. يعمل على تحصين نفسه لتبرير تأييده .
هنا يجب أن يكون للاختصاصيين الاجتماعيين دور فعال .. أولا في تطمين المجتمع .. ثانيا في تحليل التغيرات بطريقة تناسب الفكر العربي .. والسعودي خاصة .. وأن هذه التغيرات تصب في مصلحة الجميع . وحقيقه الدور يجب أن يكون تكاملي .. سواء من الاجتماعيين و العلماء .. و النفسيين والاقتصاديين والسياسيين .. الخ .
هنا نجد فجوة كبيرة بين الاختصاصين في كافة المجالات عدا ما بين المجالين السياسي والاقتصادي .. ويجب أن ترمم تلك الفجوات من خلال مواكبة الحركة الحالية ومن خلال استغلال الطاقات البشرية حسب رؤية المملكة وتوجه ولاة الأمر.
وفي الختام قال د. مساعد المحيا: في القضية الحالية نتحدث كيف نستطيع أن نعرف بطريقة علمية ما يجري في المجتمع، وورقة د. الجازي عميقة في تناولها ، ودون شك هذا الموضوع يجعلك تشعر أنك في هم اجتماعي يؤرق الكثيرين.
ومعلقا على كلام د. عبد الرحمن الذي تحدث عن رغبته في تغير الأطر المرجعية للمجتمع بحيث يكون هناك سيادة للقرار السياسي والأنظمة على الفتوى والعادات.حيث قال د المحيا في الحقيقة لا يبدو لي أن المجتمع يتقاطع مع القرار السياسي حين يأخذ بفتوى رسمية هذا هو الأصل لاسيما وأن القرار الرسمي لا يتقاطع هو أيضا مع الفتوى الرسمية ، كما أن طبيعة التدين في المجتمع السعودي منسجمة في الأصل مع القرار الرسمي ومتماهية معه والقرار الرسمي وفقا لنظام الحكم جعل كتاب الله حاكما على مواده فالمادة السابعة تقول يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة.
لكن يبدو لي أننا نحتاج فعلا لمعرفة طبيعة المشكلات لدينا برؤى علمية واقعية وأن ندرك أن البحوث إضافة لما أشار إليه د. حميد بشأن التنظير في عدد من البيئات العلمية فإن أكثرها اليوم يمارس أساليب منهجية قاصرة في توصيف المشكلات ومعالجتها، خاصة وأن أغراض البحوث أصبحت تنصب على الحصول على الدرجة العلمية في أسرع طريق.
نحن نحتاج أن تبنى قراراتنا على نتائج دراسات علمية منهجية بحيث نفيد من هذه الجهود بدلا من أن تبقى نتائجها حبيسة الأدراج.
ثمة رأي أعزز فيه جانب مما تمت الإشارة إليه حول ضعف تواصل أقسام الاجتماع إذ أن أحد الأسئلة المهمة هنا هل لدينا رؤية علمية مجتمعية تنبثق من رؤية المملكة بحيث تقوم أقسام الاجتماع بوضع استراتيجية متكاملة تسهم بإنتاج دراسات علمية جيدة يفيد منها صانع القرار بدلا من التراكم المعرفي الذي لم يعد يفاد منه سوى إضافة دراسات علمية للمكتبة الاجتماعية مما قد يكون شكلا من أشكال الهدر العلمي والمادي. لكني من جهة أخرى أجد أن قصر علاج المشكلات وطرح حلولها على المتخصصين في الاجتماع ربما يسهم في توصيف أقل شمولا وعرضا وأقل في تقبل الجمهور لها.
اليوم هناك امتزاج بين الاجتماعي والديني إذ عدد من المهتمين بالشأن الاجتماعي عملا وممارسة هم متخصصين في علوم أخرى نفسية أو طبية أو ثقافية أو شرعية والناس يتقبلون منهم الكثير من معالجاتهم بوصفهم يعيشون الهم المجتمعي ؛ لذا أجد أن قصر البحث عن الحلول على المتخصصين فقط دون غيرهم سينتج قصورا في فهم عدد من المشكلات وفي الحلول المناسبة لها ؛ وبالتالي فإن من احتكار المعرفة القول بقصر ذلك على المتخصصين دون غيرهم ممن يشاركونهم الهم المجتمعي .
صحيح أن هناك من لا يحسن الخوض في ذلك وبالتالي فهو متطفل على ميدان لا يحسنه إلا أن كثيرا من المهتمين بالشأن الاجتماعي يمارسون دورا مهما في الإصلاح الاجتماعي وفي معالجة كثير من المشكلات وفي تقديم دورات وفي إعداد برامج متخصصة وفي المشاركة في وضع استراتيجيات اجتماعية مهمة .
- oالتوصيات المقترحة
1- إنشاء فريق عمل اجتماعي وطني مشترك ، يضم ممثلين لأقسام الدراسات الاجتماعية في الجامعات السعودية ، يقوم برصد الدراسات والأبحاث التي سبق القيام بها من قِبل تلك الجامعات وغيرها من المراكز البحثية والاجتماعية المتعلقة بالقضايا المصاحبة للتغيير في المجتمع السعودي.
2- شروع المتخصصين الاجتماعيين في دراسات ميدانية وتطبيقية لتشخيص مشكلات الفئات العمرية التي تتراوح أعمارهم ما بين ١٠ إلى ١٨ سنة ، والذين أضحى انشغالهم على الأجهزة التقنية العالية أكثر من تركيزهم على تعليمهم الرسمي ، وصولا إلى معالجة تحد من تلك الظاهرة.
3- تفعيل دور المتخصصين الاجتماعيين نحو إيجاد قياس نوعي عن الأثر الاجتماعي الذي تسبب في تغير ثقافي للمجتمع وأدى إلى نشؤ سلبيات في سلوكيات المجتمع يحتاج الأمر معه إلى معالجة تحد على الأقل من تفاقم تلك السلبيات .
4- الاهتمام بالتخطيط الحضري الغير متوائم مع ثقافة المجتمع السعودي ، مما ينعكس الأمر معه إلى اكتساب ثقافات غير حميدة في العلاقات الاجتماعية ، وهنا يكمن الأمر في دور البلديات نحو إعادة تقييم ومعالجة سلبيات التخطيط الحضري بما يضمن ظهور أحياء سكنية تعطي بعدا اجتماعيا مأمول .
5- تشكيل فريق من الخبراء من ذوي تخصصات متعددة كمنظرين في (علم اجتماع – علم نفس – شريعة – إعلام- تقنية معلومات – طب – تربية وتعليم – الأمن – السياسة ) ، ليسهم هذا الفريق في تقديم أفكار ترسم خريطة طريق للمستقبل الاجتماعي للمجتمع ، لحماية المجتمع من ما يواجهه من متغيرات اجتماعية متسارعة ومتعددة الأوجه بسبب ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات بوجه خاص .
6- السماح لمؤسسات المجتمع المدني بإنشاء مراكز أبحاث خاصة متقدمة ، دورها يتمثل في القيام بدراسات استطلاعية واستقصائية عن أحوال المجتمع الاجتماعية ، لمعرفة القضايا التي تحل بالمجتمع بين وقت وآخر ، وتقديم المقترحات الداعمة في علاج كل ما هو سلبي.
7- تأسيس مركز وطني للعلوم الاجتماعية ، يقوم على وضع أجندة أو برامج وطنية للقضايا والاهتمامات الوطنية ، على أن تقوم الحكومة بتمويل هذا المركز المقترح من تمويل للبحوث التي يقوم بها ، والحملات الاستطلاعية والاستقصائية التي تعد أحد مهامه.
8- تعزيز قيم وأخلاق المجتمع على فرض قوانين ومبادرات لنشر الوعي والممارسات السليمة .
9- تأسيس مرصد عام لرصد المتغيرات الاجتماعية ( القيمية والسلوكية ) ، لإظهار ذلك إحصائيا ، وإبراز المقترحات التي تسهم في الحد من الظواهر السلوكية الغير منضبطة.
10- تغذية الأجندة البحثية للمركز الوطني للدراسات الاستراتيجية التنموية ، واقتراح آلية لربط المراكز البحثية في الجامعات بمركز دعم اتخاذ القرار بالديوان الملكي.
11- إدراج أدبيات الحوار الإنساني وأدوات النقد المنهجي في مناهج التعليم من مراحل مبكرة ، والموائمة بينها وبين الممارسة.
12- تفعيل دور مراكز البحوث والاستشارات الاجتماعية القائمة ، سواء الحكومية منها أو الأهلية ، والحث على زيادة عددها خصوصاً الخاصة والخيرية ، وأن يكون أعضائها من المتخصصين الاجتماعيين.
13- إعادة مهنة الأخصائي الاجتماعي في المدارس ، وتفصيلا في ذلك أن يكون الممارس حاليا على حاصل على رخصة أخصائي اجتماعي من جهة رسمية ، وتفعيل دوره لمواجهة المشكلات الطلابية وليكون همزة وصل بين المدرسة والمنزل.
14- إنشاء أوقاف للمراكز البحثية ، لضمانة أن تكون مراكز صامدة أمام متغيرات اقتصادية قد تؤثر على مسيرتها.
15- إنشاء مجلس تنسيقي تتكون عضويته من المراكز البحثية والاستطلاعية والاستقصائية الحكومية منها والخاصة.
16- إعادة تأهيل الخطاب المجتمعي ، سواء الحكومي منه أو ما هو على مستوى الفرد أو الجماعة ، وتنقيته من ما يعتريه من أي شائبة أو توتر.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
) حسب الحروف الأبجدية (
- د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
- د. إبراهيم البعيز
- د. إحسان بو حليقة
- م. أسامة كردي
- السفير أ. أسامة نقلي
- أ. أسمهان الغامدي
- د. الجازي الشبيكي
- أ. آمال المعلمي
- أ. إيمان الحمود
- أ. جمال ملائكة
- د. حامد الشراري
- م. حسام بحيري
- د. حمزة بيت المال
- د. حميد الشايجي
- د. حميد المزروع
- د. خالد الرديعان
- م. خالد العثمان (رئيس اللجنة الإشرافية على ملتقى أسبار)
- أ. خالد الوابل
- د. خالد بن دهيش
- د. زياد الدريس
- د. زينب إبراهيم
- م. سالم المري
- أ.د. سامية العمودي
- أ.د صدقة فاضل
- د. عبدالرحمن الشقير
- أ. عبدالرحمن الطريري
- أ. عبدالرزاق الفيفي
- أ. عبدالله الضويحي
- د. عبدالله العساف
- د. عبد الله بن صالح الحمود
- د. عبدالله بن ناصر الحمود
- د. عبير برهمين
- أ. عبير خالد
- اللواء د. علي الحارثي
- د. فهد الحارثي
- أ.د. فوزية البكر
- أ. لمياء العنزي
- أ. محمد بن فهد العمران
- م. محمد الشهري
- د. مساعد المحيا (رئيس لجنة التقارير)
- د. مشاري النعيم
- أ. مطشر المرشد
- د. مها المنيف
- أ. مها عقيل
- د. منصور المطيري
- د. نوال الضبيبان
- د. نوف الغامدي
- أ. هادي العلياني
- د. هند آل الشيخ
- د. هند الخليفة
- أ. وليد الحارثي
* – المقال على الرابط:
* مقال منشور بمجلة المعرفة بتاريخ 17/6/1436هـ على الرابط:http://www.almarefh.net/show_content_sub.php?CUV=434&Model=M&SubModel=137&ID=2447&ShowAll=On
تحميل المرفقات: التقرير الشهري 31