التوازن المالي الحكومي: بناء لمستقبل وطن

“التوازن المالي الحكومي: بناء لمستقبل وطن ”

 

الأحد 4 / 5 / 1439
الموافق 21 / 1 / 2017

 

الورقة الرئيسة:
د.مشاري عبدالله النعيم

هذه القضية تأتي في وقتها المناسب تماما مع اتخاذ الحكومة إجراءات مالية قد يراها البعض “قاسية” وغير معتادة في تاريخ بلادنا، ولكن هذه الإجراءات أساسية ومهمة لضمان المستقبل. جميع حكومات العالم تعمل وتخطط من أجل الأجيال القادمة والحقيقة أننا بشكل عام نعمل ونجتهد من أجل الاستمرار، أستمرارنا نحن من خلال الإبقاء على مستوى من الحياة الكريمة لمن سيأتي بعدنا. السؤال المهم الذي يمكن طرحه هنا هو هل الاجراءات التي أخذتها الحكومة ستكون كافية لتحقيق المستقبل الآمن للاجيال القادمة؟ وماذا يجب أن يتم على المستوى الإجرائي والمستوى الاستثماري للوصول إلى مستقبل اقتصادي “خارج الأزمات”؟ هل ستكفي الضريبة المضافة ورفع أسعار الطاقة والخدمات، أم أن المواطن ينتظر إجراءات تقشفية ضاغطة في المستقبل المنظور؟ جميع هذه الأسئلة تمثل مخاوف حقيقية تقلق المواطن وتجعله يشعر بعدم الاطمئنان على مستقبله ومستقبل ابنائه. قضيتنا اليوم تصب في اتجاهين: الأول يعنى بجدوى التوازن المالي الحكومي وماهية الأليات التي يمكن أن تتبعها الحكومة لتحقيق هذا التوازن. والثاني هو الاجراءات الضامنة لانفاق المال العام ودرجة الشفافية المالية التي تتبعها الحكومة حتى يطمئن المواطن عندما يطلب منه المشاركة في تحقيق هذا التوازن كما فعلت الحكومة مؤخرا عندما أقرت الضريبة على القيمة المضافة. أذا هناك حاجة ملحة لتحقيق التوازن المالي لفتح الفرص للاجيال القادمة تقابلها حتمية الشفافية والمشاركة في ادارة المال العام من قبل المجتمع المدني.
سياسة التوازن المالي هي سياسة تنموية متكاملة ولا تعنى فقط بتحقيق احتياط نقدي، إذا يفترض أن آليات تحقيق التوازن المالي تنبع من استراتيجية تنموية وطنية شاملة. ولكن لو تحدثنا عن بعض الآليات التي تتبعها الحكومات عادة لتحقيق التوازن المالي سوف نجد أنها تنطلق من مبدأ “المشاركة” أي أن الحكومة والمجتمع شركاء في بناء الدولة وأن هناك عقد إجتماعي بين السلطة “كجهاز إداري وتنفيذي” وبين افراد المجتمع (كمستفيد مباشر من الادارة التنفيذية الحكومية) وبنود هذا العقد تتركز في أهمية الإدارة الحكيمة وإقرار النظام والتوازن الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للخدمات وبالتالي تكون مشاركة المجتمع للحكومة بالمساهمة في تمويل الادارة والتنمية من خلال الضرائب ورفع الانتاج والمشاركة في التنمية بشكل عام. فكرة “العقد الاجتماعي” في أساسها لا تحمل الحكومة المسؤلية كاملة، كما كان متبع في السابق لدينا حيث تقوم الحكومة بالانفاق على كل الخدمات وعلى المواطنين دون أي مشاكة من المجتمع في تمويل الحكومة. التعاقد الاجتماعي يحمل المواطن مسؤلياته في تحقيق التوازن المالي الحكومي فهو مسؤول وعليه تحمل مسؤولياته وكما أنه يريد أن يعيش في وطن آمن ويتمتع بخيرات هذا الوطن عليه أن يقوم بأداء واجباته ومنها المشاركة في تمويل التوازن المالي الحكومي.
والحقيقة أن فكرة المشاركة في تمويل التوازن الحكومي من قبل المواطنين هي فكرة تربوية في عمقها الفلسفي، فالحصول على كل شيء بدون مقابل يعلم الناس على عدم احترام ما بأيديهم من نعم، وفي دراسة قام بها أحد الباحثين بمقارنة سلوك الأسر الخليجية (في بعض دول الخليج) التي تدفع فواتير الكهرباء والماء والتي لا تدفع وتبين له أن الأسر التي تتحمل تكاليف الخدمات أكثر انضباطا وأكثر شعورا بالمسؤولية لأنها تشارك في الانفاق والإسراف يمس حياتها مباشرة. هذا ينطبق على فكرة المشاركة في تمويل خزينة الدولة من أجل تحقيق التوازن المالي الذي يفترض أصلا أنه يعمل من أجل تحقيق التنمية والترفيه لهذا المواطن الذي يشارك في عملية التمويل.
أحد الأمثلة التي يمكن أن تحول مشاركة المجتمع في تمويل التوازن المالي هي تحول الضريبة إلى محفز تنموي في مجالات متعددة ومنها مجال التنمية الحضرية، وأقصد هنا أن تطبيق الضرائب يجب أن يشجع على تنمية المدن والمناطق الأقل تنمية في المملكة بحيث تتفاوت الضريبة من مدينة لأخرى حسب نموها والفرص المتاحة فيها فكلما كانت المدينة جاذبة ويوجد فيها فرص عمل واستثمار كلما زادت الضريبة، ولأضرب مثل مهم هنا تتفاوت الضريبة في الولايات المتحدة من ولاية لأخرى فمثلا في ولاية كولورادو لا تتجاوز الضريبة المضافة 8,5 % بينما تزيد في نيويورك إلى 17% هذا التفاوت مبنى على أسس تنموية واضحة، لذلك أرى أن الخطوة القادمة هي ربط الضريبة بالإستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية والعمل على تشجيع تنمية مناطق الإطراف والأقل نموا في المملكة من خلال تخفيض قيمة الضريبة فيها والتخفيف من الضغوط على المدن الكبرى من خلا رفع قيمة الضرائب.
يضاف إلى ذلك أن أحد أهم آليات التوازن المالي الحكومي هي تقليل الانفاق وتحويل المؤسسات التي تنفق عليها الحكومة إلى مؤسسات مستقلة ومنتجة تتحمل مسؤولياتها. ولعلنا جميعا سمعنا عن توجهات وزارة التعليم والصحة لتحويل الجامعات والمستشفيات إلى مؤسسات مستقلة تنفق على نفسها وتستقل عن الحكومة بنسبة كبيرة. هذا التوجه مهم جدا لأنها يرفع من درجة التنافس والمسؤولية ولكن للإستقلالية ثمن يجب على الجميع أن يعيه ويتحمله خصوصا في مؤسسات التعاليم العالي. في اعتقادي أن إعادة رسم السياسة المالية التي تحدد مصادر التمويل ومصارف الانفاق وربطها بالهدف التنموي العام للدولة وتحديد مسؤلية جميع الاطراف الحكومة والقطاع الخاص والمواطن العادي) سيجعل هذه السياسة فعالة ومؤثرة.
على أن هناك من يثير موضوع المخزون المالي للدولة وصندوقها السيادي وأن إدارة هذا الصندوق يجب أن تكون شفافة لأنه ملك لجميع المواطنين وإدارته تؤثر على مستقبل الجميع. هذه الرؤية مبنية على أنه قبل أن نطالب المواطن بالمشاركة في تحقيق التوازن المالي الحكومي علينا أن نعلم ماذا نملك وكيف يمكن أن نستثمر ما نملك بالشكل الصحيح. ورغم أن هذه الرؤية مبنية على كون صورة الصندوق السيادي ضبابية وغير واضحة بالنسبة لقطاع كبير من المواطنين وهذا يجعلهم غير واثقين بأن مشاركتهم في تمويل الحكومة كي تقوم بواجباتها الوطنية ستكون في مكانها الصحيح الأمر الذي يقودنا لإشكالية الشفافية المالية وأهمية مشاركة المجتمع المدني في إدارة المال العام. إذا نحن أمام معضلة كبيرة وهي أن هناك تحول كبير في إدارة التنمية يجب أن يحدث وأن النظام الاداري والسياسي يجب أن يتطور كي يستوعب هذه الاشكاليات التي ستنمو وتتطور في المستقبل ويجب أن نكون على استعداد لمواجهتها.
تحقيق التوازن المالي الحكومي مطلب مهم ولكنه لا يمكن أن يتحقق بمجرد فرض الضرائب ورفع اسعار الخدمات، لأن هذا التحول الجديد في مجتمعنا سيتبعه بشكل حتمي تحول على المستوى الاجتماعي والاداري والسياسي، لذلك يجب أن نكون على استعداد تام لهذه التحولات الكبيرة التي سيعيشها مجتمعنا في السنوات القادمة ويجب أن نعي أن هذه التحولات ستدفع بالمزيد من المشاركة في إدارة المال العام والتنمية بشكل عام وأن شكل النظام الاداري الحالي سوف يتغير. وفي الختام أعتذر للزملاء فقد كتبت هذه المشاركة على عجالة وأنا على سفر وأتمنى أنها غطت الجوانب الاساسية للموضوع فقد ركزت على التبعات التي ستنتج عن عملية التوازن الحكومي الذي بدأت في تنفيذه الحكومة والتي أشركت في مسؤولياته المواطنين وماذا يمكن أن ينتج عن هذه السياسية الجديدة من تغيرات على مستوى “شكل الدولة” الجديدة التي بدأنا نتجه لها.

تعقيب:
د.نوف عبدالعزيزالغامد​ي

ورقة ضافيةً طرحها الدكتور مشاري النعيم وطرح من خلالها عدة تساؤلات مهمة ..

يعتمد برنامج تحقيق التوازن المالي على 3 نقاط أساسية، هي رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي، وذلك لتفادي مشكلة سابقة تتعلق بإنفاق إيرادات النفط المرتفعة على التشغيل، وليس إنفاقاً رأسمالياً، وتحسين الإيرادات غير النفطية من خلال فرض رسوم على الوافدين، وضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية على المنتجات الضارة، ورسوم الأراضي البيضاء، ورسوم التأشيرات، إلى جانب رفع كفاءة الدعم الحكومي.

ان الإنفاق الحكومي المتصاعد من عام لـ عام بنسب تصل إلى 4٪؜ لا يعني نمو مشاريع التنمية فقط، بل نمو في نوعية هذه المشاريع. ومع قراءة مؤشرات النمو السكاني ونمو الناتج المحلي الحالية بل حتى النمو في الاقتصاد العالمي فإننا نتوقع أن وضع المملكة عند نهاية مدة خطة التوازن المالي سيكون أفضل بكل المقاييس وأكثر استقرارا وقدرة على إنتاج ما يحقق أهداف “رؤية 2030″، بكل ما فيها من طموح وغايات كبرى.

خطة التوازن المالي وفقاً لهذه المعطيات ليست خطة تقشف كما كان البعض يحاول أن يروج لها أو يشوه مفهومها، فمن الواضح تماما أننا أمام خطة موازنات توسعية، وصناعة موازنة إنفاق قياسية، وهذا ليس إدعاء بقدر ما هو جوهر هذه الخطة وفقاً لكل ما أعلنت عنه وزارة المالية، وما ثبت فعليا خلال ميزانية عام 2017 وموازنة عام 2018.

لكن معنى التوازن المالي يعني ألا يكون هذا الإنفاق المتصاعد دون خطة واضحة وصريحة لإيجاد الإيرادات الكفيلة بتغطية هذا الإنفاق، لقد كان من السهل على الحكومة أن تعلن عن طموحاتها من المشاريع والنمو في الإنفاق، لكن الالتزام الذي أعلنته المملكة نحو الشفافية والحوكمة الاقتصادية يتطلبان أن توضح بكل جلاء من أين سيتم تحقيق الإيرادات الكافية، وهناكً نقاط لابد من قراءتها:

– عدم تحصيل كامل الإيرادات المتوقعه، “وهذا بنظري ربما يكون بسبب ضعف دقة بيانات الأساس، وصعوبات تقنية فنية ناتجه عن تنفيذ آليات تحصيل، ومتغيرات قد تحدث”

– بلوغ الأثر السلبي على الأسر أعلى من المتوقع، وعدم تغطية قيمة التعويض للأسر ذات الدخل المنخفض للزيادة في تكلفة المعيشة، وهذا بنظري ربما يكون بسبب ضعف دقة بيانات حصر شرائح دخول أفراد المجتمع وحجم الطبقة المتوسطة بين مسح ميداني وسجلات، إضافة إلى غياب قدرات تقنية الشرائح المستحقة للتسجيل أو عقبات منظومته الفنية، وأخيرآ أثر برامج أخرى مرتبطة مثل مستوى توظيف السعوديين والأجور والإسكان وأسعار فواتير مكونات التضخم.

– بلوغ الأثر السلبي على الشركات أعلى من المتوقع، والذي قد يعود أيضآ لـ “دقة بياناتها وحجم وسلاسة توزيع منظومة إجراءاتها بين الأجهزة الحكومية” بالتالي توازن كلفة رفع الدعم والرسوم عليها مع قيمة برامج دعمها، وأضيف الأهم هنا وهو “منهج” تحسين كفاءة سوق العمل الذي ولازال ومع أعلان برامجه خصوصآ المتعلق بمنشآت صغيرة ومتوسطة يسير وفق قالب نموذج إداري مالي وقانوني لا إقتصادي، بل معاكس اقتصاديآ وإجتماعيآ.

– عدم كفاية سياسات الدعم الصناعي للقطاعات المستهدفة خلال الفترة الإنتقالية، من الآن يمكنني القول بأنها ليست كافية بحكم ارتباطي بأبحاثها وأعمالها وكمثال 49 مليار ريال فقط حجم صندوق التنمية الصناعية، وغياب بنك متخصص للصادرات ومنصة لها، وضعف خدمات وتكاليف مدن صناعية لحجم مشاريع صغيرة ومتوسطة وبلا أعلان للآن لمنطقة تجارة بحرية.

– زيادة تكاليف التحفيز ومزاحمتها لإستثمارات عادية، ونسبة قروض متعثرة أعلى، هذه اسميها رؤية إدارية مالية لا إقتصادية، لأننا نفترض عند التخطيط أو منح القروض، دقة عالية لدراسات الجدوى والأبحاث الإقتصادية، وتواجد برامج عيادات إستشارية موازية خاصة لتقويم التعثر بكل جهة مع تحمل الدولة لعنصر المخاطرة في مثل هذا النوع من الإستثمار التنموي.

– الأثر الإقتصادي الإيجابي: يعد أقل من المتوقع للتحفيز، وعدم بلوغ النمو الأقتصادي المتوقع.

وَ من المخاطر أيضاً دقة وتوافر بيانات الأساس الموضحة بعضها بـ “جاري إحتسابه” ببرنامج التحول، والأخرى هي:

– مخاطر بناء برنامج تحقيق التوازن المالي بشكل سريع، حيث نجد بشكل غير مباشر أن الأولوية في البرنامج هي تقوية مركز مالي الحكومة ومتطلباتها لأهدافمرتبطة بها كمكون أول، وأخذت منهج سرعة تعبئة الأيرادات وخفض نفقات بأدوات لا تتطلب أستثمار أولآ، وتنفيذها قبل تنفيذ منظومة الأصلاح والدعم لمكونالمجتمع ومكون القطاع الخاص، ونتيجة، قد تتأخر هذه المكونات من اللحاق بالمكون الأول، وبذلك نكرر المشكلة التي عانت منه المملكة بجميع خططها التنموية.
– مخاطر هيكيلة في دمج أجهزة تنظيم حكومية مفترض لها التخصص وأدوار محددة لا متعددة لتحقق أهداف التحول والتوازن المالي، أهمها الصناعة والعمل.

– مخاطر ضعف قدرة القطاع المالي الحالي خصوصآ البنوك والتأمين لمواكبة متطلبات منتجات الأستثمار والتمويل والخدمات الدولية لهذا الحجم من مكونات التحول.

– مخاطر ضعف عدالة فرص التخصيص القادمة وفرص الأستثمار فيه لجميع مكونات القطاع الخاص واثرها على أهداف أخرى، كما طرحته سابقآ هنا

– مخاطر خاصة بمقاومة التغيير والتدريب، وحشد القدرات البشرية لقادة صف أول وثاني للبرنامج، إدراك قادة التحول صف أول وثاني بعلاقات وأدوار وأثر برامج كل قطاع كوحدات جزئية في عمل الإقتصاد الكلي، وكيف يعمل قانون تكفلة الفرصة البديلة، كفيلة بإذن الله بتجنب هذه المخاطر بدرجة عاليه.

تعقيب:
أ.جمال ملائكة

برنامج التوازن المالي هو برنامج ضروري جدا للتأكد أن مصروفات الدولة يقابلها دخلٌ يفي بهذه المصروفات والا تعرضت البلاد الي افلاس في القريب العاجل نظرآ للتطورات العالمية الخاصة بالطاقة و تنوع مصادرها و بدائلها الواضحة للعيان. إن تنويع مصادر دخل الدولة من خلال رفع أسعار بعض المنتجات و الخدمات و فرض بعض الضرائب هو أمرٌ حتمي في بلد يعتمد أساسآ علي مصدر واحد للدخل و هو النفط. إنَّ أي بلدٍ في مثل حالتنا سيكون معرضآ لكوارث إقتصادية عاجلآ أم أجلآ لأن الاعتماد علي مصدر واحد للدخل و تعرض هذا المصدر للخطر بسبب التغيرات العالمية في ايجاد البدائل هو أمرٌ خطير جدآ و من هنا أهمية الإجراءات التي إتخذتها و “سوف” تتخذها الدولة.
و قد إتخذت الدولة قرارآ ممتازآ بالتوازي مع رفع الأسعار و فرض بعض الضرائب و هو برنامج “حساب المواطن” مما يخفف العبء علي ذوي الدخل المحدود (يجب مراجعة حجم الدعم و تحديد المستحقين بصفة دورية) و من نافلة القول أن التأثير علي الفئات الأخري سيكون محدودا او معدومآ.
و أتوقع أن تقوم الدولة في لحظة ما بفرض ضريبة دخل علي الشركات و المؤسسات كمرحلة أولى ثم علي المواطنين كمرحلة ثانية و طبعآ ستكون الضرائب تصاعدية لضمان العدل الإجتماعي.
و كل هذه الإجراءات المؤلمة ضرورية جدا لضمان “إستمرارية” الدولة و دخلها وبالتالي رفاه و نمو و تقدم هذه البلاد، إلا هناك شروطآ لا بد من الوفاء بها لينجح العقد الإجتماعي الذي أشار إليه د مشاري و هذه الشروط هي:
١- أن تقوم الدولة بدورها كاملا في ضرب الفساد بلا هوادة و في كل الأوقات.
٢- و هذا مهم جدا جدا و هو ان تقوم الدولة بخلق القوانين و الظروف و البيئة و الاجراءات و التحفيز ليقوم القطاع الخاص بدوره في الإستثمار و التوظيف و التوسع. و اذا لم يحدث ذلك فسوف نتعرض الي مخاطر كبيرة في المستقبل.
٣- ضمان الشفافية الكاملة في كل ما تقوم به الدولة حيث أن المواطن أصبح “مشاركآ” في تمويل الميزانية و من حق المواطن أو ممثليه مراقبة الميزانية و حق المسائلة.
٤- أن تكون الجهات المقدمة للخدمات مثل الماء و الكهرباء و البلديات و الوقود الخ تكون هذه الجهات علي مستويً عالٍ من النزاهة و الكفاءة و ان تكون تكاليف تقديم هذه الخدمات معقولة و خالية “تماما” من الفساد و الهدر و سوء الإدارة لضمان أن سعر هذه الخدمات حقيقيآ و لا يتحمل المواطن ثمن غياب هذه المتطلبات الطبيعية.
٥- أن تبدأ الدولة جديآ في التفكير بخلخلة الإدارة المركزية للوزارات و خلق نظام مشابه للنظام الذي تتبعه دول مثل الولايات المتحدة في أن تقوم كل منطقة بإدارة شؤونها بشبه إستقلالية و أن يكون لها مجلس محلي له صلاحيات واسعة لإدارة الشأن المحلي بما يتوائم مع البيئة المحلية و مميزاتها الخ.
ولا شك إن إستمرارية شرح ضرورة الإجراءات التي تتخذها الدولة و القيام بالدور الإعلامي النشط و المستمر و المقنع هو ضروري لضمان قبول المواطنين لهذه الإجراءات بل و للمشاركة في البناء و التنمية حيث ان هذا المواطن أصبح شريكآ مباشرآ للدولة نظير ما يدفعه من ضرائب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *