الجامعات السعودية بين المطرقة والسندان

الجامعات السعودية بين المطرقة والسندان

 

كثر الحديث عن علاقة الجامعة بالمجتمع فالجامعة مؤسسة أكاديمية يتوقع منها دور إيجابي وشراكة مجتمعية ذات مردود فعال على جميع المستويات. القضية الراهنة تتمحور حول مأزق الجامعات السعودية المتأرجح بين ما يتوقع منها من جهة وبين حيثيات الواقع الاجتماعي من جهة جامعة وكيفية الخروج من هذا المأزق. الجامعة يفترض أن تلعب دورا هاما في التنمية البشرية من خلال مخرجاتها المتوائمة مع احتياجات المجتمع ومتطلبات سوق العمل. الجامعة يفترض أن تلعب دورا أساسيا أيضا في مجال البحث العلمي وأن تترك بصماتها في مجال التراكم المعرفي والمنجز الحضاري للمجتمع. الجامعة يفترض أن تكون الوجه الممثل لنسق التعليم العالي في ارتباطه بأهداف الرؤية 2030 ومتطلبات برنامج التحول الوطني خصوصا في تأسيس انطلاقة صحيحة نحو المجتمع المعرفي واقتصاد المعرفة.

من هذا المنطلق جاءت أهداف هذه الورقة لتناقش ثلاث محاور رئيسة:

  • أولاً: الجامعات السعودية في ظل التوقعات لدورها التنموي والبحثي والفكري.
  • ثانياً: الجامعات السعودية في ظل الواقع المعاش.
  • ثالثا: الجامعات السعودية ورؤية 2030.

أولا : الجامعات السعودية في ظل التوقعات :

  • فيما يتعلق بالدور التنموي:

يتوقع أن تلعب الجامعات دورا هاما في التنمية البشرية من خلال مخرجاتها المتوافقة مع أهداف التنمية من جهة ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى. لابد أن تتنوع البرامج العلمية للجامعات وتغطي كافة المجالات النظرية والتطبيقية. التنمية البشرية هي المحك الأساسي وتتطلب تأسيسا مبنيا على برامج أكاديمية ذات جودة عالية. أيضا لابد من تحقيق العدالة النوعية – الجندرية – في تلك البرامج بما يسد الاحتياج التنموي ويحقق العدالة الاجتماعية. أيضا لابد أن تكون البرامج الدراسية مواكبة للعصر ومتطلبات مجتمع المعرفة.

  • فيما يتعلق بالبحث العلمي:

يتوقع من الجامعات أن تلعب دورا أساسيا في تنمية قطاع البحوث وأن يكون ذلك الدور منوطاً باستراتيجيات ممنهجة تتبناها الجامعات عبر عمادات البحث العلمي والدراسات العليا والكراسي العلمية. الدور الأساسي للجامعة وللأستاذ الأكاديمي هو البحث العلمي يليه باقي المهام المجدولة في أجندة الجامعات. يتوقع من الجامعات عبر مراكز البحوث فيها أن تكون همزة وصل بين المجتمع وقضاياه من ناحية وبين صناع القرار من ناحية أخرى، سواء على مستوى السياسات العامة أو السياسات الاجتماعية والاقتصادية. يتوقع من الجامعة أن تتيح للأستاذ الجامعي فسحة أكبر للبحث وتسهل انضمامه للمشاريع المدعمة وبرامج التفرع والتواصل العلمي، وأن تخفف نصاب الساعات التدريسية والمهام الإدارية. يتوقع من الجامعات أيضا تقدير باحثيها الأكاديميين والتسويق لهم عبر ربطهم بـالمؤسسات ذات العلاقة إضافة إلى حفظ حقوق المتميزين خصوصا من نشر أبحاثه في دوريات عالمية مرموقة. يتوقع من الجامعات ضمن هذا المضمار ربط مراكزها البحثية بمراكز بحوث عالمية وجامعات متميزة. يتوقع من الجامعات أيضا خلق فرص تنافس شريفة للبحث العلمي بين الأكاديميين وربط توجهاتهم البحثية بمشكلات وقضايا المجتمع وأحد آليات ذلك عقد المؤتمرات الدورية والندوات ذات العلاقة.

  • الدور المعرفي والثقافي:

تعتبر الجامعات صرحا هاما للتراكم العلمي والمعرفي وبناء منجزات حضارية محسوبة للمجتمع. كثير من الجامعات أصبحت رموزا لمنجزات حضارية فكرية وثقافية ساهم بها علماء وباحثون ومفكرون انطلقوا من تلك الجامعات. المجموعات العلمية والبحثية داخل الجامعات تشكل بحد ذاتها مجتمعا معرفيا ينتج ما يمكن تسميته بالثورات العلمية ( اقتباسا من كون )، فتلك الثورات لها بني مؤسسية تفسر تاريخ تطور تلك العلوم وأخال الجامعة – من وجهة نظري – أحد تلك البني المؤسسية الحاضنة للثورات المعرفية. الجامعة منبرا هاما للتغيير الفكري والحراك الثقافي والمعرفي إضافة إلى الحراك السياسي أيضا وذلك من خلال مفكريها ورموزها ممن لهم تأثير على طلبتهم وممن لصوتهم صدى في المحافل الاجتماعية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

وهكذا فالطرح السابق استعرض الدور المتوقع للجامعات لكن الواقع الفعلي مختلف ويوضحه المحور التالي.

ثانيا : الجامعات السعودية والواقع المعاش :

  • فيما يتعلق بالدور التنموي للجامعات:

تدل كثير من المؤشرات – المنشورة إعلاميا وبحثيا – إلى تدني مستوى أداء الجامعات وفشل معظمها كمؤسسات في أداء دورها المتوقع. أيضا عكست بعض الإحصاءات الرسمية أن نسبة كبيرة من مخرجات الجامعات لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل سواء من ناحية التخصصات المطلوبة أو التدريب والتأهيل. مازالت الجامعات تدور في فلك التقليدية في برامجها التي يحتاج معظمها إلى إعادة هيكلة. مازالت المخصصات المالية للجامعات يكتنفها الكثير من الغموض واللاشفافية في مقابل ازدياد الشكاوي من رداءة تجهيزات البنى التحتية. المكانة الاجتماعية للأستاذ الجامعي أصبحت إشكالية مؤرقة في ظل تدني الرواتب الأساسية وقطع البدلات وانعدام بدل السكن والتامين الصحي. ازدياد نسبة المتعاقدين مقابل تسرب السعوديين إشكالية ثانية يرافقها الصعوبات المتعلقة بإحلال المبتعثين واستقطابهم . زيادة الإقبال على الجامعات من خريجي الثانوية وتقليص القبول في ظل شح الإمكانات المتاحة أمراً أصبح واقعا ملحوظاً. أيضا تدني جودة التعليم الجامعي على مستوى البرامج والمقررات والمخرجات إضافة إلى ضعف أداء الأستاذ الجامعي.

  • فيما يتعلق بالبحوث والشراكة المجتمعية:

الواقع الحالي للجامعات السعودية يعكس شح البحوث العلمية في المؤسسات الأكاديمية لعدة أسباب منها تدني أدوار مراكز البحوث في الجامعات أيضا ضعف أداء عمادات البحث العلمي والدراسات العليا والكراسي العلمية. الإنتاج البحثي – إجمالا – قليل وتقليدي ويعاني من اختلالات منهجية مقارنة بالمستويات العالمية للبحوث. البحوث المدعمة عبر الجامعات يكتنفها الكثير من الصعوبات وهناك علامات استفهام حول آلية الإعلان والترشيح لها وتحقيق متطلباتها . تدني المخصصات المالية للبحوث العلمية قضية أخرى. برامج التواصل والتفرغ العلمي والشراكات مع الجامعات الأجنبية تكتنفها الكثير من المعوقات البيروقراطية، وأيضا ضعف المخصصات المالية المخصصة لها تحبط الكثير من الأساتذة الأكاديميين . البيئة الأكاديمية المكبلة للأستاذ الجامعي بكثير من أعباء التدريس والأعمال الإدارية وأعمال اللجان إضافة إلى الصراعات الداخلية كلها تخلق بيئة غير مناسبة لخلق الفكر والإبداع وتطوير الذات. عدم تفعيل الشراكات المجتمعية وبعد الجامعة عن بحث القضايا الاجتماعية يوسع الهوه بين الجامعة والمجتمع.

  • فيما يتعلق بالدور المعرفي والثقافي:

للأسف أصبحت الجامعات مدارس تلقينية بعيده في برامجها ومقرراتها وأداء مدرسيها عن المنهجيات الحديثة في التعليم الأكاديمي الذي يركز على تنمية البعد الفكري والمنهج التحليلي والنقدي للطالب الجامعي. وأصبحت المقررات تعتمد كثيرا على الامتحانات عوضا عن البحوث والمشاريع التي ينبغي للطالب الجامعي أن يتعلم أبجدياتها. المنتج المعرفي للجامعات السعودية ليس بقدر الطموح والتوقعات. كثيرا من التخصصات لاسيما الإنسانيات والعلوم الاجتماعية والشرعية أصبحت تسيطر عليها فئة معينة تشكل مدرسة وتوجهه تقليدي معين يحارب من يخالفه ويصمه بأنه خارج عن النص. أداء الجامعات ضعيف في الابتكار والتراكم المعرفي والحراك الفكري والثقافي. تسرب الكثير من المفكرين والمثقفين الأكاديميين خارج أسوار المؤسسة الأكاديمية وخفتت أصواتهم نتيجة العراقيل التي تواجههم.

ثالثا : الجامعات السعودية في ظل الروية 2030:

عندما نتحدث عن الجامعات فنحن نتحدث عن مؤسسات وتنظيمات لها أكثر اجتماعية منوطة بها تدور ضمن سياقات معينة . تحدثنا عن الدور المتوقع وعن الواقع المعاش وضمنه تفهم العراقيل والممكنات. لا نريد أن نخرج عن موضوعية الطرح لكن هل الجامعات كمؤسسات هي على قدر من المسئولية لتحمل أعباء 2030 ؟ الكلام النظري كثير والمبادرات المطروحة اكثر وعدة تساؤلات تطرح نفسها منها :

  • هل ستخرج جامعاتنا من نفق الفشل الذي لازم أكثرها عبر كل خطط التنمية السابقة ؟
  • هل ستتحول جامعاتنا إلى منبر علمي وبحثي ومنطلق فكري تنويري حضاري؟
  • هل سيرافق 2030 إعادة هيكلة للمؤسسة الأكاديمية وسياسات التعليم العالي بما يحقق توقعات المجتمع؟

هذا غيض من فيض في علاقة الجامعة بالرؤية فالجامعة تبدو الحاضر الغائب في ثنائية هذه العلاقة وأتمني أن لا تصبح الرؤية في علاقتها بالجامعة هي الغائب الذي لن يأتي!!.

التعقيب الأول: د.م. نصر الصحاف

كما أن أهداف هذه الورقة كما ذكرت د. طلحة فدعق تناقش ثلاث محاور رئيسة :

  • أولاً: الجامعات السعودية في ظل التوقعات: خصوصا ما يتعلق بثلاث قضايا هي سد احتياج المجتمع وسوق العمل، البحوث العلمية،  والتراكم المعرفي والثقافي. ويعكس ذلك الدور التنموي الاقتصادي، والبحثي، والثقافي المعرفي للجامعة.
  • ثانياً: الجامعات السعودية في ظل الواقع المعاش.
  • ثالثا: الجامعات السعودية ورؤية 2030.

فسأتناول المحورين الأول والثاني لأهميتهما الواضحة ولن أتناول المحور الأخير لصعوبة الخوض فيه بناء على المعلومات المتوافرة حالياً!

سأكتفي بعرض بعض البنود ذات الأثر المباشر في تفاقم المشكلة:

  • افتقار المناخ المحلي لمقومات وأسس ونظم البحث التطويري (نظراً لبعد البيئة الوظيفية عن الصناعة بأنواعها سوى صناعة البترول).
  • الضعف المزمن في الموارد المالية المطلوبة للبحث العلمي الرصين والجاد.
  • افتقار مزمن في الأرقام الإحصائية مما يعرقل عملية البحث: هل توجد أرقام عن مخرجات جامعة البترول مثلاً بمختلف التخصصات الهندسية وأثرها على صناعة النفط ومقوماتها؟
  • إشكالية فصل مختبرات ومراكز البحوث بين الجنسين مما يترتب عليه مضاعفة الموارد المطلوبة والهدر على حساب المخرجات.
  • غياب المرونة المطلوبة في الجامعات عن واقع الحال ومتطلبات سوق العمل.
  • نظرة المجتمع السعودي الحديث الدونية للمهن الحرفية (لم تكن كذلك في الأجيال السابقة) وعدم قابليته – الظاهرة- لتغيير أو تصحيح هذه النظرة في ظل النزعات القبلية المسيطرة على ثقافة “الخصوصية” في مجتمع هكذا.
  • سوء الإدارة والفساد المستشري في مراكز البحوث الوطنية والشللية واعتمادها المصالح الشخصية على المضمون العلمي.
  • تضارب المصالح بين الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وضياع المبادرة البحثية لموائمة متطلبات المجتمع.
  • هذه البنود مجتمعة تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الموائمة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل.

صناعة البترول تكاد تكون الصناعة الوحيدة نسبياً للمملكة ولكن الأرقام لا تعكس هذه الحقيقة ! هل ما تخرجه الجامعات من تخصصات هندسية بمختلف أنواعها تعكس ٩٠ ٪‏ من مجموع الخرجين ؟؟   لا.

في مقارنة سريعة بين الدول الصناعية والدول النامية نجد أن مخرجات الجامعات في الأولى تصب في صميم احتياجات مصانعها بينما في الأخيرة ليست كذلك لعدم وجود المصانع أصلاً ! وهذا من شأنه تكريس المشكلة أكثر.  فعلى سبيل المثال أفرزت الجامعات السعودية في العقود الماضية الكثير من الخريجين في شتى التخصصات بدون أدنى فكرة عن متطلبات سوق العمل ! وشاركت كذلك وزارات التخطيط المتتالية ولا تزال بسوء إدارة منقطع النظير في عدم إدراكها لمسؤولياتها تجاه المجتمع في تصحيح المسار بما يخدم المجتمع في رسم و تعزيز المستقبل العملي المشرق!

كذلك المرونة مطلوبة في تغيير المسار آنياً بعيداً عن التعقيدات البيروقراطية المكبلة والتي تشتكي منها الجامعات دائماً !

في نهاية الأمر مشكلة عدم موائمة مخرجات الجامعات لمتطلبات السوق هي ذات أبعاد كثيرة ولا يمكن حصرها في الجامعات فقط وإنما تشترك معها في الإخفاق وزارة التخطيط والمعاهد المهنية والمراكز البحثية مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووزارة الخدمة المدنية وغيرها كمنظومة واحدة لإعادة السفينة إلى مسارها الصحيح.

التعقيب الثاني: أ. خالد الحارثي

أعتقد أن تعقيبي سيبحث في العلاقات في سياق التحول نحو مجتمع المعرفة ، والذي تأتي الرؤية والتحول ضمن مساراته ، وعلى ذلك أسلط الضوء للتحقق من مدى الكفاية ومدى الملائمة في الشكل والمضمون للجامعات السعودية مع الدور الفاعل والحقيقي الذي يقدم الغايات من وجوده واعتبارها ووظائفها في المستوى القصير والمتوسط والطويل ، وهنا اعتبرت أن النظر للشكل والنظر للمضمون يعطي إضاءة على مكونات أساسية في أهمية البعد الزمني في التراكم المعرفي :

  • في الشكل وأتحدث عن شكل الجامعة الحديث المستمر في حاضر العالم اليوم ، والذي بدأ في أوروبا كما نعرفها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي ، وهو التجمع من أهل الاهتمام والعمل في تعلم العلوم والبحث فيها والتوسع بها دون سلطة على العمل البحثي أو مناهج طلب المعرفة أو موضوعات البحث والعلوم ، وعرفت بأنها “نقابات العلماء” ويتناهى الشرف في المجتمع في التسابق في تمويلها ودعمها بالأوقاف والمنح والهبات . واستمرت ثماني قرون أخذت مؤخرا بها البشرية نحو منجزات حضارية وتوظيف غزير للعلوم في إنتاج المنظومة المادية والنظرية لخدمة الإنسان ، أيضا أنتجت تلك القرون الثمان مستويات من المعرفة ابتكرت فيها العلوم من اختصاصات دقيقة في ذات العلم خرجت عن أطُره ومقوماته وضوابطه الأولى ، مثل الفيزياء التي تفرعت موضوعاتها من ميكانيكا نيوتن إلى ذرة آينشتاين إلى فيزياء الكم. الأثر الكبير أيضا على الوعي الجمعي في المجتمع ونشر حقائق العلوم واعتمادها في اليوميات المُعاشة ، حتى أصبح منطق التشريعات هو الضرورة المتحتمة من البحث العلمي في شأن ما ، حتى خرجت علوم مدرسة الحكومة والسياسات العامة بين العلوم السياسية وبين القانون.
  1. i. الشكل الحاضر للجامعات السعودية يفتقر إلى هذا المستوى من الرواج والمكانة في الوجدان الاجتماعي الذي تمثله الجامعات في العالم المتقدم ومجتمعات المعرفة بالنسبة للفرد في المجتمع وللمؤسسة الاجتماعية ككل من أعلى سلطة إلى أصغر وحدة عمل في المجتمع ، والمحملة بالمصداقية والثقة الراسخة بمحورية الإنسان في البحث العلمي.
  2. ii. وهنا أعتقد أن استقلال الجامعات السعودية ماليا وإداريا في مستوى الميزانية ومجلس الإدارة عن سلطة الحكومية يلبي الكثير من الاحتياجات لدعم الجامعات في إعادة التموضع في المجتمع بمفهوم اندماجي يعوض عن غياب الجامعات عن مجتمعاتنا سبعة قرون بالمقارنة عن المجتمع الأوروبي.
  • أما بشأن المضمون والإثراء المتوخى من المضمون لذلك الشكل الموصوف بنقابة العلماء والحكماء فقد كانت ثروة معرفية كبرى لصالح المجتمعات الأوربية ولدت الكشوف الجغرافية والاستكشاف العلمي والابتكار :

أ. خلال الثمان قرون أنتجت الجامعات والأكاديميات ذات العلاقة بها ، مضامين علمية كبرى أسوق أبرزها من وجهة نظري لمراقبة الظاهرة وآثارها على حياة الإنسان والمجتمع مثل إنتاج فكر “الحالة الطبيعية” ، والعقد الاجتماعي ، وعلوم الاقتصاد ، ونظريات الاقتصاد السياسي ، والهندسة المدنية والتخطيط الحضري ، والطاقة والهندسة الميكانيكية والكهربائية . وهذا يحقق الدلالة في تصوري على المدى الكبير من الاقتراب والاهتمام بالمجتمع والاندماج معه في همومه وشئونه العامة والخاصة والشخصية الفردية.

‌ب. في حين أن الجامعات السعودية تمارس أقل بكثير من دورها ووظيفتها ومكانها في عجلة التنوير والتنمية ، إذ يقتصر دورها على التدريس وتخريج كادر التدريس ، والبحث العلمي متوقف تماما سوى العمل الشكلي منه لاستحقاق تخريج كوادر التدريس ، وأما المشاركة المجتمعية فهي طبعا محصورة في قبول الطلبة وتخريجهم للوظائف المعتمدة على الاستهلاك وليس الإنتاج.

أعتقد أن النواة التي يبني عليها تعقيبي في الإصلاح الضروري لدور ووظائف الجامعات هو قنوات المشاركة المجتمعية، وأقصد هنا مجالس الأحياء التي عبرها يمكن للجامعات أن تقترب من المجتمعات المحلية وتندمج في شئونها وتوظف طاقاتها في هذا الاتجاه الفقير إلى الآن.

المداخلات حول القضية:

  • الجامعات السعودية والإشكالات الراهنة

أوضح د. خالد بن دهيش أنه وبلا شك هناك عدداً من الإشكاليات أو التحديات التي تواجه الجامعات منها:

  • عدم الاعتراف بالإدارة الجامعية كتخصص أو كمهنة؛ فمن غير المناسب تعيين عضو هيئة التدريس في المواقع القيادية إلا إذا كان متخصصا في الإدارة الجامعية أو لديه دبلوم عالي في الإدارة الجامعية.
  • النمطية : حيث يلاحظ أن أغلب الجامعات تكرر نفسها في الأنظمة والهياكل التنظيمية بل أصبحت في مباني متشابهة ( جامعات الأطراف ) فلا مجال للتنافس والإبداع للخروج من هذا الصندوق ، لذا لابد من التركيز على الجامعات المتخصصة والصناعية والافتراضية مثل الجامعة السعودية الإلكترونية وغيرها ، مع منحهم فرص للتنافس والإبداع حتى لا ندع مجال للبيروقراطية الإدارية وبطء الإجراءات وتعدد المستويات الإدارية والمركزية أن تعشعش مما ينعكس على صناعة القرار وتأثيره.
  • عدم منح الجامعات الاستقلال المطلوب فتتدخل الوزارة في معظم القرارات كنسب القبول وأعداد الطلاب المطلوب قبولهم دون مراعاة لإمكانات الجامعة ، وكذلك في استقدام الكفاءات العلمية بالالتزام بسلم وبند الرواتب وغير ذلك.
  • محدودية الميزانيات للجامعات من خلال تركيزها على ضمان توفير بند الرواتب والبدلات في المقام الأول و اعتماد القليل من المال للأبحاث والمشروعات العلمية والتطوير.
  • الجامعات في الغالب هي جامعات للتدريس فقط مما أدى إلى إهمال الوظائف الأخرى للجامعات كالبحث العلمي وخدمة القطاعات الإنتاجية والصناعية والاختراع والتميز والإبداع .
  • هناك نسبة كبيرة من مخرجات الجامعة تفتقد لعدم مواءمتها مع متطلبات سوق العمل ( ماعدا بعض التخصصات كالطبية والتعليمية والهندسية ).
  • الضعف الأكاديمي في معظم التعليم العالي الأهلي الذي يهدف إلى تحقيق الربح فقط.
  • للأسف – في الغالب – هناك تركيز على الجوانب الكمية وإهمال الجوانب المتعلقة بالنوعية أو الجودة أو التميز.
  • زيادة الطلب المجتمعي على التعليم الجامعي لعدم توفر البديل المناسب من حيث النوع و احتياج سوق العمل بالقطاع الخاص فخريجي التعليم والتدريب المهني والتقني يجدون صعوبة في استقطابهم من قبل سوق العمل بالقطاع الخاص لنقص في التأهيل كما يردد القطاع الخاص فبالتالي هناك بطالة من هؤلاء الخرجين .

وأوضح د. عبدالسلام الوايل أن للجامعات ثلاث رسائل رئيسة هي التعليم و البحث العلمي و خدمة المجتمع. والإسهام المجتمعي الأبرز للجامعة في السعودية يتمحور بشكل رئيسي حول رسالة التعليم. فجامعاتنا ظلت مؤسسات تعليمية على الدوام. وكان من الطبيعي أن يكون التركيز في البداية على هذه الرسالة، لحاجة الجهاز الحكومي بالذات لموظفين متعلمين و مؤهلين. و كان على الجامعة السعودية أن تنتظر حتى عقد مضى لتتوسع في رسالة البحث العلمي، حيث بدأت تشهد نموا واسعا في هذه الرسالة، أساسا بسبب توسع القدرة المالية للجامعات و توجيه جزء من هذه القدرات لتشجيع حركة النشر العلمي.

أما فيما يخص الرسالة الثالثة، أي رسالة “خدمة المجتمع”، فالجامعات تشهد تفاوتا واضحا في أداء هذه الرسالة. إذ نشهد جامعات منفتحة بشكل كبير على المجتمع و عرفت حيوية كبيرة في أداء هذه الرسالة. في المقابل فإن بعض الجامعات تبدو إما خجولة أو مترددة في التواصل مع المجتمع المحيط.

وذكر د. خالد الدخيل أن مهام الجامعة الرئيسة هي المحاضرات، والبحث العلمي، والمؤتمرات العلمية، والنشر العلمي. والجامعات السعودية لا تلتزم في الغالب إلا بالجوانب الشكلية لهذه المهام. أسباب ذلك متعددة طبعا. منها البيروقراطية التي جعلت من الجامعات ليس أكثر من دوائر حكومية تخضع للبيئة البيروقراطية وبالتالي فقدت استقلاليتها المالية والإدارية. ومن هذا الأسباب أيضا نقص التمويل، والبحث العلمي الجاد مكلف ماليا. إلى جانب ذلك هناك العبء التدريسي الثقيل من دون مراعاة للفروق بين الأستاذ المنتج علميا وآخر لا يعنيه إلا إلقاء محاضراته كيفما اتفق. ونتيجة لذلك أصبح الأستاذ موظف ليس مطلوبا منه إلا أداء دور وظيفي روتيني مثل أي موظف حكومي آخر. مثلا الأستاذ يحتفظ بوظيفته بغير أن كان منتج علميا أم لا. مستواه العلمي واللغوي متدن بشكل ملحوظ. وهي سمحت بتعيين معيدين مستواهم يعكس مستوى أساتذتهم. ومع الوقت أصبح هذا النمط يعيد إنتاج نفسه بشكل مستمر. مثلا يلاحظ تفشي تقليد مدمر، وهو أن طلاب الدراسات العليا في التخصصات النظرية لا يجوز رسوبهم ولا منحهم تقديرا متدنيا لأن هذا كما يقال يحرمهم من فرصة الوظيفة. مرة أخرى هيمنة فكرة الوظيفة.

العلة الرئيسية التي تعرقل انعتاق الجامعات هو غياب حرية الفكر، والبحث العلمي، وتداخل المنهج العلمي الرصين والفكر الديني الذي يفاقم مشكلة غياب حرية الفكر والبحث. ومن المعروف أنه من دون هذه الحرية لا يمكن للجامعات أن تصبح كذلك، وأن تنهض بالدور المتوقع منها. وعندما تفقد الجامعة استقلالها وتصبح مجرد مؤسسة بيروقراطية، يضاف إلى ذلك غياب حرية الفكر والبحث، وحرية الحصول على المعلومة، لا تنتظر من الجامعة أكثر مما هي عليه، حتى ولو تحسن وضعها المالي.

كما أنه وفي مجتمعنا تحقيق النجاح هو في الحصول على منصب إداري، وليس الحصول على مكانة علمية مستمدة من انهماك في البحث والتنظير وإنتاج المعرفة العلمية. الحصول على هذه غير معترف به بشكل عام. المدهش أن جامعاتنا تبنت هذا الموقف في أنظمتها ومسيرتها التعليمية البيروقراطية. علامة نجاحك في الجامعة ليس إنتاج بحث أو كتاب علمي، وإنما الحصول على منصب، وأعلاها طبعا منصب مدير الجامعة.

إذا كان نظام الجامعة بيروقراطي، ودور أستاذ الجامعة الحقيقي ليس موجودا، وحرية البحث محدودة هل يمكن أن تكون بيئة الجامعة مناسبة للطالب؟

و حول ما إذا كان الطالب يجد في البيئة الجامعية ما يشبع نهمه للعلم والتعلم؛ أفاد د. خالد الرديعان من واقع خبرته الجامعية أن الطالب الجامعي عموما محبط ويبدو وكأنه مدفوعا للدراسة الجامعية دفعاً بسبب رؤية أقرانه في الجامعة من جهة ومن جهة أخرى ضغوط أسرته التي تتوقع منه الحصول على الدرجة الجامعية بأي طريقة وكيفما اتفق. وهذا الوضع ينعكس على الأستاذ كذلك؛ فعندما يرى عدم جدية الطالب يصاب بإحباط آخر يدفعه إلى عدم الجدية في التحضير للمادة وإعطاءها ما تستحق من جهد علمي. الطالب ينظر للجامعة فقط كبوابة للحصول على عمل لاحقا، ومع تنامي فكرة أن الشهادة الجامعية لا تكفي للحصول على عمل أصبحت العملية التعليمية في الجامعة مجرد أداء روتيني فالطالب يتظاهر أنه يتعلم في الجامعة والدكتور يتظاهر بأنه يعلمه مع الاحترام للجميع ومع التأكيد أن هناك نماذج ممتازة من الطلاب والأساتذة تشذ عن ذلك.

وقال د. عبد الله بن صالح الحمود: إن دور الجامعات المفترض الإتيان به عامة، لا يمكن أن يقتصر على تخريج دفعات متتالية من الطلبة ودفعهم إلى سوق العمل دون التركيز إلى ما تتطلبه هذه السوق من احتياجات فعلية، فالجامعات بتنظيماتها الأساسية الأكاديمية ليست فحسب عمادات وأساتذة ومحاضرات وقاعات ومعامل، وطلبة يحضرون لتلقي محاضرات علمية أو نظرية فحسب. ولكنها في حقيقة الأمر هي منظومة اجتماعية متكاملة، يتحدد من خلالها التطور الذي يشهده المجتمع في كل شؤونه وشجونه، أيضا في الوقت الذي نتطلع فيه أن تكون الجامعات منارات علم وثقافة يزدان بها الفكر، تأملنا لبناء إنسان الغد، الإنسان المفكر، والإنسان المبدع، وصولنا إلى الإنسان المنتج.

تلك مقدمة من المهم الإشارة إليها للتأكيد على أن الجامعات هي بيئات وحاضنات تعد ركيزة أساسية لنمو يعد مسلكا حقيقيا للوصول إلى تنمية مبتغاه.

إن الجامعات السعودية لم تصل بعد إلى طموح المجتمع ، والسبب أن غالبية مناشطها التعليمية تعد سياسة تعليمية لم ترق إلى المفهوم المتكامل للمنهجية الأكاديمية التي يفترض أن يكون هناك فرق كبير بينها وبين مؤسسات التعليم العام.

التعليم العالي بطبيعة نهجه هو تعليم يمتاز بعدة عناصر، أهمها وفي الصدارة أن يكون للبحث العلمي مكانة خاصة في الهيكل التنظيمي الجامعي، وأن يكتسب دعما ماليا يتفق والأهداف المرجوة من خروج البحوث العلمية بما يخدم المجتمع، ومسألة أن هناك وكالة في كل جامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، لا يعني بالضرورة أن الجامعة أعطت مكانة خاصة  للبحث العلمي.

والإشكالية الواضحة في الجامعات السعودية ، أنه بعد ظهور جامعات جديدة وبالذات تلك الجامعات التي نشأت في مناطق مشهودة بالإنتاج الزراعي أو الصناعي، أتت بنموذج شكلا ومضمونا مثل من سبقها في التأسيس بعقود مضت وطويلة، والمفترض أن تمتاز بمخرجاتها المغايرة والنوعية .

ومن ناحية أخرى أوضح د. الرديعان أنه لا يجوز تحميل الجامعات السعودية ما لا تحتمل؛ فهي في النهاية قطاع عام مترهل مثل بقية الأجهزة الحكومية التي ينخر فيها الفساد والمحسوبيات والبيروقراطية. وقد كانت قاصمة الظهر إلغاء وزارة التعليم العالي التي كانت تقوم بدور الحامي النسبي للجامعات رغم أنها كانت جهازا حكومياً يُدار بالعقلية الإدارية العتيدة التي نعرفها جميعا. وللدلالة على ضرر البيروقراطية الإدارية وما تحدثه من شلل في الجامعات فإن إلغاء أو استحداث قسم ما في إحدى الكليات يستغرق عدة سنوات قبل البت فيه بسبب تعدد جهات القرار وبسبب عقلية القطاع العام الذي يفكر بالوظائف ومصالح الأفراد قبل التفكير بالجانب العلمي و الأكاديمي وهذا مجرد مثال.

أيضاً فقد برز في السنوات الأخيرة ظاهرة حملة الدكتوراه؛ بعضهم لم يبتعث من جامعة سعودية وإنما كان دارساً على برنامج الابتعاث أو درس على حسابه الخاص وعندما يصل للمملكة يصطدم بعقبة عدم قبوله للتدريس بإحدى الجامعات بحكم شروط الجامعات؛ ومن هنا يبدأ بإثارة المشكلات وأن الجامعات ضد السعودة وأن من حقه الحصول على وظيفة أكاديمية فقط لأنه يحمل دكتوراه.

إن من يُعين في وظيفة أكاديمية يفترض أن يكون قد تدرج في هذا القطاع معيدا فمحاضرا ثم أستاذا لأن اختياره في الأصل كمعيد تم لاعتبارات أكاديمية ولما يحمله من صفات تؤهله لأن يكون باحثا جيدا وأستاذا جامعيا. أما القول بوجوب تعيين كل سعودي يحمل دكتوراه كأستاذ جامعي فإن هذا سيكون مضرا للجامعات التي يفترض أن تستقطب الكفاءات الممتازة بصرف النظر عن جنسيتهم. بنفس الوقت فإنه يفترض استقطاب المؤهلين من غير حملة الدكتوراه إذا كانوا متميزين للعمل في التدريس الجامعي؛ فبعضهم باحث وله مؤلفات، وكمثال في هذا المقام علامة الجزيرة المرحوم حمد الجاسر الذي لم يكن من الممكن استقطابه للتدريس في جامعة الملك سعود في قسم الجغرافيا أو التاريخ في حينه بسبب تواضع مؤهله العلمي رغم مكانته العلمية وكثرة مؤلفاته.

ومن جانبها طرحت أ. ولاء نحاس بعض التساؤلات الهامة التي تحتاج إلى مناقشتها في هذا السياق، وهي كما يلي:

  • هل نظام التعليم ومنهجيته والمناهج التعليمية المقدمة تواكب التسارع الذي نعيشه في مجال العلم والتقنية والابتكار وغيره من مجالات العلوم؟ وهل بداية اعترفت بها هذه الجامعات قبل أن تدخلها ضمن التخصصات؟
  • كيف يتم اختيار الكوادر التي تقدم المادة التعليمية؟ هل ما زالت الشهادات هي الأساس؟ كيف يمكن لدكتور لم يمارس العمل الحر أن يقدم مادة عن إدارة الأعمال في صميم إنشاء المشاريع مثلا؟ كيف يمكن أن يتحدث عن سوق لم يعرفه ومعوقات لم يختبرها؟ بمعنى آخر هل ما زالت الطرق النظرية في تقديم المالية العلمية هي الاحتياج؟
  • هل تتم دراسة دورية لحاجة السوق وتقييم لمخرجات الجامعات بل وتحديد معايير قياس أداء كل قسم من أقسام الجامعة بناء على عدد المتوظفين من الطلاب بعد التخرج مثلا ؟ كيف يتم الربط بين حاجة السوق ومخرجات الجامعة والتي لطالما ذكرنا أنها أحد الاحتياجات الملحة لكن من وجهة نظري لم نصل لحل بعد.
  • هل يتم الاعتراف بالمعاهد المهنية أو الحرفية كبديل للدراية الجامعية لمن لديه الميول والرغبة ؟ أم أننا ما زلنا نعول النجاح على التخرج الجامعي والذي يدفع بالكثير من الطلاب للتخبط والتعثر لإرضاء المجتمع.
  • كيف يتم مساعدة الطالب على اختيار التخصص الصحيح له وبالتالي تجنب هدر مالي وحجز معقد ربما كان هناك من هو أولى منه به ؟ ما هي الأدوات التي تساعد الطالب في تحديد ميوله وتخصصه بعيدا عن قرارات الأهل أو الخيارات التي تتيحها الجامعة بناء على معدله؟
  • هل دور الجامعات مقتصر على المرحلة الجامعية ؟ أم أن دورها قبل وبعد هذه المرحلة في ذهن ومستقبل الطالب ؟ أين جامعاتنا من هذه المراحل؟
  • هل ساهمت جامعاتنا بشكل مباشر أو غير مباشر في نسبة السعودة؟ الجواب أكيد نعم لكن هل ثمة جامعة أخذت على عاتقها قطاعات معينة للمساهمة في رفع نسبة السعودة فيها بما يتناسب مع متطلبات الوظيفة؟
  • كيف هي خطة الاستفادة من مبتعثينا حول المملكة بعد عودتهم ؟ سواء كانوا مبتعثين من القطاع التعليمي في الجامعة أو خارجها؟

وفي رأي أ. ولاء نحاس فإن إجابات بعض الأسئلة حتى وان كانت مبادرات قامت بها إحدى أو بعض الجامعات تظل مبادرات فردية تفتقر لقيادة وتوجه واستراتيجية. وهذا لا يعني إنكار دور الجامعات لكنه تطلع إلى أكثر مما تقدمه اليوم. وكمثال للفجوة الحاصلة بين سوق العمل ومخرجات الجامعة، ذكرت مثال يتعلق بشركة بروكتل اند جامبل شركة أجنبية لها مكاتب في السعودية، فقد كان نظام الشركة يقبل الطالب حديث التخرج لكنه يمر بمراحل صعبة قبل اجتياز المقابلة النهائية تشمل اختبارات تقييم ومقابلات شخصية وغيرها لأن الترقية في هذه الشركة تكون داخلية بمعنى لا يمكن أن يتم توظيف مدير من خارج الشركة بل عليه أن يمر بكل المناصب تباعا.

كان المعيار الأساسي للاختيار ليس تخصصه أو شهادته الجامعية، دوما يكون السؤال الأهم خلال المقابلة هو إنجازاته خلال الفترة الجامعية من تطوع ونشاطات خارج المنهج التعليمي وكيف أثرى خبرته في القيادة والعرض والإقناع وغيرها. ومع الأسف لم يكن لخريجينا من الجامعات المحلية حصة كبيرة من هذه الوظائف إلى أن قررت الشركة تغيير المعيار لتضع شرط قبول طالب درس في الجامعات السعودية أن يكون إما عمل لمدة سنة أو اثنين قبل التقدم للوظيفة أو مارس فترة ما قبل التخرج في الشركة نفسها لضمان قدرته على مواكبة قدرات أقرانه.

وطرح د. حميد المزروع تساؤلاً حول نظام الجامعات السعودية والمعمول به حاليا وهل قيد الجامعات في مجالات البحث العلمي وأصبح جزء من مشكلة تطور الجامعات السعودية ؟

وفي هذا الشأن أوضحت د. طلحة فدعق أن القضية متشعبة ومتداخلة. قد تتفق الجامعات في استراتيجية موحدة، لكن لكل منها استراتيجيتها الخاصة وبالذات فيما يتعلق بقضايا البحث العلمي وغالبا عمادات البحث العلمي مسئولة عنها . الإطار العام والأهداف التي توجه استراتيجيات البحث العلمي تحث علي ذلك لكن هناك عراقيل ومحبطات عدة وتعرقل أداء الجامعة وتطورها فعلا في هذا المضمار !

وتساءل د. حميد المزروع: هل تخصيص الجامعات سيحدث نقلة نوعية في تطور الجامعات من حيث مخرجات التعليم ونوعية البحوث العلمية ذات الطبيعة التطبيقية ؟

وفي هذا الإطار أوضح د.م. نصر الصحاف أنه و في الدول النامية لا يحبذ تخصيص الجامعات ولكن التركيز على مخرجاتها بما يتلاءم واحتياجات المجتمع ككل! بحيث تلبي متطلبات التوظيف والاستغناء الكامل عن الأيدي العاملة المستوردة هو الأصل في توطين الوظائف للمجتمعات قبل استفحال المشكلة كما هو واضح في دول الخليج! خصخصة التعليم العالي قد تكون ذات مردود عالي في المجتمعات المتقدمة ولكن في الدول الناشئة هي بحاجة إلى توجيه يخدم المجتمع في المقام الأول وليس الإتجار والربحية كما نراه سائداً الآن ! هذا التوجيه لن يتأتى سوى من الأعلى حيث تتحكم لتوجيه الدفة للمصلحة العامة وليس فقط الشخصية.

ورداً على تساؤل د. حميد المزروع: هل للخطط الدراسية بالأقسام دور مباشر بضعف مخرجات التعليم لكونها تركز أكثر علي الجانب النظري وتهمل الجانب المهاري والمهني، وكيف يتم معالجة الخطط الدراسية لتلائم حاجة القطاع الخاص وخدمة المجتمع ؟

أوضح أ.د. صدقة فاضل أن الخطط الدراسية للأقسام العلمية توضع من قبل القسم العلمي المعنى . ولكن المجلس العلمي غالبا ما يراجع هذه الخطط ويعدلها… متدخلا في شؤن القسم . القضية هنا أيضا لها أبعاد جامعة يجب أخذها في الاعتبار عند التحليل والتقييم.

بينما ترى د. طلحة فدعق – من واقع تخصص في العلوم الاجتماعية – أن كثير من الخطط الدراسية هي قديمة وعندما تطرح في مجالس اقتراحات التطوير تدور أيضا في فلك التقليدية وتأخذ مسارات طويلة يتدخل فيها من يتدخل. النقلات النوعية تتطلب حراكا نوعيا أيضا وهو حراك ينبغي أن يكون من قمة الهرم ذاته حيث لن تستطيع الأقسام مهما عملت أن تغير ساكنا.

ومن جهة أخرى فإن موضوع تسرب الأكاديميين موضوع خطير جدا وسيلقي بظلاله الثقيلة قريبا علينا لاسيما مع تردي الأوضاع المالية للكثير؛ سنقع في مأزق الاحتياج فمن سيغطي العجز لاسيما في التخصصات التطبيقية والتقنية !! أيضا فإن الكوادر التدريسية أو أعضاء هيئة التدريس في الأقسام يفترض أن يكونوا من حاملي درجة الدكتوراه – أستاذ مساعد فما فوق . يدخل معهم ضمنيا طلبة الدراسات العليا ممن تخرج بدرجة ماجستير وتعين علي وظيفة محاضر ، ثم المعيد وهو من يحمل فقط بكالوريوس ويتوقع منه الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا.

الشهادة والمؤهل الأكاديمي هو الأساس في اختيار وتعيين الأستاذ الجامعي. وعندما نقول أستاذ فمعناه حامل شهادة الدكتوراه. الخبرة ليس لها علاقه بالتدريس الجامعي لكن خبرة الأستاذ الجامعي مستقاة من بحوثه ودراساته وعلاقته الخارجية بالمؤسسات ذات العلاقة بالنواحي التطبيقية لتخصصه . الأستاذ الجامعي يفترض أن يعمل علي ترقية ذاته وأن يتم اختياره وتعيينه وفقا للنظام وبحسب تميزه في الدرجة والخبرة البحثية والمهنية . هؤلاء هم الثقة لتدريس المقررات المتخصصة والتأسيسية في أقسامهم .

واقع جامعاتنا يشير إلى أن المحاضر والمعيد يعطي في أحيان كثيرة أهمية تفوق حجمه العلمي وتأهيله ، لذلك تلقي عليه أعباء تدريسية لمقررات هامة والنتيجة تنعكس سلبا علي تأسيس الطلبة ذاتهم . مثل هؤلاء في الجامعات الغربية يعملون تحت إشراف الأساتذة للتمرس في العمل الأكاديمي واكتساب خبرة وتخفيف عبء التدريس ليتفرغ الأستاذ للبحث. في جامعاتنا للأسف تضخمت تلك الشريحة وأصبحت تطالب بحقوقها كأساتذة في ظل ضعف أداءاها و تقاعسها – أحيانا كثيرة – عن الابتعاث وفشلها في الحصول علي قبولات للدراسات العليا . فماذا تفعل الأقسام  بهم ؟ لقد أصبحوا عبء عليها وبالتالي أوكلت لهم مهام التدريس في حين أن قله منهم فقط مؤهلة له . وزاد الطين بله بعض القرارات التي لا تخدم الأقسام والبرامج العلمية مثل عدم إجبار تلك الفئة للابتعاث الخارجي. إذا مهام التدريس والكادر التدريسي واختياره هي مهام ليست بالسهولة المتصورة !

أيضا تساءل د. حميد المزروع إلى أي مدى يجب أن تغرس بذور التحول للمجتمع المعرفي بالمراحل الدراسية المبكرة ! لتأتي ثمارها خلال التعليم العالي ! أو تري بأنها مراحل متتابعة تنطلق من الابتدائي وتستمر للجامعة ؟

وحول هذه النقطة يرى أ. خالد الحارثي أن من المهم غرس بذور التحول للمجتمع المعرفي في المراحل الدراسية المبكرة وأيضا من الضروري تدخل الجامعات في العلمية التعليمية ككل ، الجامعات بالأدوات الضرورية والشكل المستقل هي القائد الفكري للمجتمع والحكومة والرساميل والنخب الثقافية. كذلك فإن النقد لا يخص الجامعات بشكلها الحالي وحدها بل يطال القطاع الخاص أيضا الذي أخل برسالة المعرفة ودور العلم ، لكن يمكن القول بأن الجشع الذي يمارسه القطاع الخاص عموما هو نتيجة أكيدة لغياب الدور الرئيس للجامعات في التنوير وتحقيق المعايير في الأحكام وإثراء التشريعات بالعدالة والتكافؤ والتنمية ، القطاع الخاص أيضا وعيا وعمرا هو ناشئ ويحركه الاستغلال والغرائز أكثر من رؤية الاستثمار والعقل والحكمة.

ومن ناحية أخرى، أكد أ. خالد الحارثي على نقطة مرجعية النظريات العلمية في الحوافز والدفع نحو الهدف المباشر وتكريس بيئات تحقيق الفرص والطموحات وليس العكس. فضلا عن ذلك فالمجتمع عانى كثيرا من تقلبات قيمة التعليم العالي وأهميته وما يحققه من فرص ويفتحه من آفاق بسبب تقلص الفرص أمام الخريجين وإلغاء حوافز التخرج مكافأة الخمسين الف ، ومكافأة أرض للأكاديمي ، وهذه بحد ذاتها كافية للابتعاد عن معاقبة الاستثناء التي تكدر صفو المجموع.

ومن جانبه قال د. عبيد سعد العبدلي: هل بالفعل واقع جامعاتنا يعكس تطلعاتنا من مراكز إشعاع وتوجيه؟ الجامعات تقود مجتمعاتها ولكن مع الأسف واقع جامعاتنا تُقاد من مجتمعاتها. ومعظم حديث مدراء ومسؤولي جامعاتنا ينصب حول مواءمة مخرجات جامعاتهم لمتطلبات سوق العمل. هل هذا صحيح؟

قبل مدة سمعنا من وزير العمل التدخل في تحديد نسبة المقبولين في جامعاتنا وحدد معاليه النسبة ب ٥٠٪‏ من خريجين الثانوية. ولم نسمع لوزارة التعليم تعليقا. دمج جامعاتنا في منظومة التعليم العام كان قرار بدون خارطة طريق، اليوم نكمل العامين على هذا القرار ومازالت الجامعات مهمشة وبعضها بقي أشهر عديدة بدون مدير رسمي.

عن أي جامعات نتحدث وهي مُكبلة بقرارات مركزية من الرياض. دعوة محاضر لإلقاء محاضرة تحتاج موافقات من خارج أسوار الجامعة؟ وكذلك اختيار كتاب وغيرها! جامعاتنا محاطة بأسوار وبقوانين تمنع تفاعلها مع مجتمعاتها! جامعاتنا غير محددة أهدافها! هل لدينا جامعات بحثيه؟ وجامعات تدريسية؟ وجامعات مناطق؟ وجامعات محافظات؟ جامعاتنا ثانويات كبيرة يقودها موظفين يطبقون ما يعتقدونه صحيح، الجامعات الجيدة تُديرها أقسامها الأكاديمية. عندما يكون قرار القسم الأكاديمي أقوى من قرار مدير الجامعة، هنا نقول هذه الجامعات الصحيحة؟

أيضا هناك موضوع مهم في التعليم العالي وهو التعليم العالي الأهلي، فلدينا ١٠ جامعات أهلية و ١٨ كلية أهلية. معظمها ضعيفة والمشكلة عدم وجود رقابة وضبط جودة من وزارة التعليم و دور الوزارة ضعيف جدا، و بعض الجامعات والكليات الأهلية لديها كليات طب حدث ولا حرج. ضعف مدخلات وضعف مخرجات.

وعقبت أ.د. سامية العمودي بقولها: ثقافة البحث العلمي ناشئة نسبياً لكن تنبهنا لها والآن نقوم بعقد الدورات وورش العمل من السنوات الدراسية الأولى في الطب وأصبحت البحوث معياراً في المفاضلة عند التعيين كمعيد. ومن الأمور المهمة التي ذكرتها د. طلحة العدالة الجندرية وهذه معضلة كما أن التشدد في عملية الفصل بين الجنسين في هذه المراحل المتقدمة أدت إلى هدر مالي وعبء اقتصادي. كذلك هو التضييق والبيروقراطية وسلسلة الإجراءات وكمية الموافقات التي تعرقل إقامة ملتقيات ودورات مع أنها في صميم عمل المجتمعات. وأخيراً ضعف رواتب أعضاء هيئة التدريس أدى إلى إضعاف مخرجاتها إما بتسرب شريحة وهجرة الأدمغة أو بالعمل في القطاع الخاص لتحسين الدخل والله أعلم ماذا سيحدث بعد إلغاء البدلات وغيره.

وبدوره قال أ. عبدالرزاق الفيفي: قد اختصر كثيرا مما أريد قوله في مقولة قرأتها وهي: يُذكر أن أستاذا جامعيًا كتب لطلابِهِ في مرحلة الدراساتِ العليا رسالةً معبرةً علقها على مدخل كليته كتبَ فيها: «تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى، ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم، والسماح للطلبةِ بالغشّ.. يموت المريض على يد طبيب نجح بالغش. وتنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش. ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش. ويموت الدين على يد شيخ نجح بالغش. ويضيع العدل على يد قاضٍ نجح بالغش. ويتفشَّى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش. انهيارُ التعليم يعني انهيار الأمة». عندما نجعل التعليم ( بمعلمه – وتلميذه – ومناهجه – وقوانينه ) الأولوية الأولى حينها سنكون رقم (1) في كل شيء، وبقدر رقم أولوية التعليم لدينا نكون ذلك الرقم صعودا وهبوطا.

وبدوره قال م. خالد العثمان: هل التحفيز المادي الذي برز في الجامعات في الأعوام الماضية أنتج معرفة ونتاجا أكاديميا حقيقيا ذو قيمة ؟ شخصيا أعرف كثيرا من الكراسي العلمية التي أنفقت مواردها على أبحاث لترقيات شخصية ورحلات ترفيهية وما إلى ذلك دون نتاج معرفي حقيقي .. لماذا يكون الحافز المادي فقط هو المحرك للعمل الأكاديمي والبحث العلمي في الجامعات؟

ويرى د.م. نصر الصحاف أن “العلة الرئيسيّة التي تعرقل انعتاق الجامعات هو غياب حرية الفكر، والبحث العلمي وتداخل المنهج العلمي الرصين .الخ”. ويمكن الإشارة هنا لغياب مواد الفلسفة في مناهج الجامعات بدعوى انحرافها عن العقيدة بالرغم من حاجتها الماسة في تحرير الفكر !!  لماذا كل هذه القيود؟؟

وقال د. عبدالرحمن الهدلق: لدينا مأزق في البحث العلمي خاصة على مستوى الدراسات العليا وكتابة الرسائل. رأيت بعض الطلبة يختارون الدكتور الذي لا يتابع معهم أثناء مراحل الكتابة حتى يتمكنون من تكليف أحد بكتابة الرسالة نيابة عنهم… وهناك مصطلحات متعارف عليها في سوق كتابة الرسائل لمن يستعينون بالآخرين لكتابة رسائلهم مثل تسليم عظم أو تسليم مفتاح والأخيرة تعني تسلم لك الرسالة كاملة كما تسلم لك (الفيلا) بالمفتاح جاهزة. ولهذا عندما أشرف على رسالة أطلب من الطالب الجلوس معي بصفة مستمرة لمناقشته وعندئذ أفرق بين الجاد والمتلاعب. بل بعض الطلبة عندما يكتشف جدية المشرف يطالب الجامعة بتغيير المشرف وللأسف تتم الموافقة على طلبه. لذا لا غرابة أن تعاني مخرجات تعليمنا الجامعي من الضعف في مجال البحث العلمي.

وعقب د. حميد الشايجي بأن هذا هو جوهر المشكلة؛ فبعد أن يتخرج هذا الطالب الذي اشترى رسالته يبدأ يطالب بأحقيته في التوظيف كعضو هيئة تدريس و يؤلب المجتمع على الجامعات أن رفضت تعيينه.

وأضاف د. عبدالرحمن الهدلق قضية جامعة تلفت الانتباه في التعليم الجامعي وهي متعلقة بنظام الانتساب، حيث يرى أن أعدادهم بالآلاف في عدد من الجامعات. نظامه أن يسجل الطالب وفي نهاية الفصل يأتي الطالب أو الطالبة لاختبارات خاصة بهم في فترة ما بعد العصر وفي مدارس التعليم العام. الكتب طبعاً لكل مادة عبارة عن مذكرات يتم الحصول عليها من مكتبات خدمات الطالب وهي عبارة عن ملخصات لا تتجاوز الأربعين صفحة ومرفق معها أسئلة وحلول اختبارات الأعوام الماضية وهي عبارة عن أسئلة موضوعية أي اختر الإجابة الصحيحة أو صح وخطأ. والطالب عادة يذاكر كل مادة صباح ذلك اليوم. ونسبة النجاح لهؤلاء المناسبين مرتفعة. وللعلم أغلب المنتسبين هم من موظفي الدولة ليترقوا بها وكذلك ممن لم يستطيعوا السير في التعليم الجامعي المنتظم. والسؤال الذي يطرح نفسه ما نوع المخرجات التي نتوقعها من هذا النظام التعليمي المبني على الانتساب؟

ومن وجهة نظر د. علي الحارثي فإنه يجد أن القضية أخذت منحى النقد المجحف لجامعاتنا وبصيغ العموم في مخرجاتها ومراكز أبحاثها وخدمة المجتمع وغيرها من الأهداف المعرفية ، ومعظم المشاركين في هذا المنتدى – منتدى أسبار – وفى هذه القضية هم من خرًيجي هذه الجامعات ، ومن خرًيجي التعليم العام والبعض أعضاء هيئة تدريس في هذه الجامعات وبمرتبة أستاذ وأستاذ مشارك …الخ ، وكأننا نقول ها نحن مخرجات هذه الجامعات نقداً للذات أو نحن استثناء وهبنا الله استثناء خارج إطار هذا العالم المريض . لم نجد من تحدث عن إيجابيات التعليم الجامعي لجامعاتنا ، وهو ما ينطبق على اكثر القضايا التي طُرحت في هذا المنتدى ، إلى درجة أن من يقرأ آراءنا ومداخلاتنا وطروحاتنا يجزم بأن الوطن ومؤسساته ومواطنيه في جرفٍ هارٍ من الدمار لا يضاهيه دمار الزلازل والبراكين وحروب داحس والغبراء . هل الطرح بهذا الأسلوب النقدي هو الذى سينقذ الوطن ومؤسساته ومواطنيه من هذه الصيرورة المحزنة ؟ هل أهداف ومهمة المنتدى وأعضائه فقط إبراز فشل الإدارة والإداريين والنعت بالفساد والجهل ونحن جزء منهم ؟ بَعضُنَا كان جزءاً من الإدارة وتقاعد وبعضنا لا زال وزيراً ومدير جامعة ووكيل ومدير عام وعضو مجلس شوري وعضو مجالس جامعات وشركات ..إلخ .ماذا فعلنا لتصحيح المسار السلبي الذي أسلفناه ؟ إننا أمام إشكالية تحتاج النظر إليها بموضوعية.

وعلق د. خالد الرديعان بأن ما تم الإشارة إليه هو نقد بهدف الإصلاح أما الإيجابيات فنحن لا ننكر وجودها.. وفي حال ترديدها أو التركيز عليها وترك ما سواها فإننا قد ندخل في خانة الردح. الجامعة مثل بقية الأجهزة الحكومية فيها فساد ومحسوبيات وهناك تقصير في أداء المهام المناطة بها رغم ضخامة ميزانياتها.. هناك هدر في بعض الموارد ولا تستغل بكفاءة عالية.

وأشار د.م. نصر الصحاف إلى أن ما نفعله ليس جلد للذات وإنما يقع تحت إطار النقد البناء والهادف. ومن غير اللائق أو المطلوب أن نكيل المدح وسرد الإيجابيات القليلة لمنظومة الجامعات مع تواضع منتجاتها !! فليس هكذا ترتقي الأمم !

وقالت د. منيرة الغدير: لفت انتباهي عنوان الورقة الرئيسة “الجامعات السعودية بين المطرقة والسندان” والذي انعكس على مسار النقاش كما لو كان بوصلة له إلى حد ما. أنا لا أتوقع غناء مديح الجامعات وأقدر كل المداخلات التي تم نقاشها بحماس وحرص  ولكن لفت انتباهي عدم تناول العناصر التي تشكل البنية التعليمية والإدارية والبحثية والتي على أساسها اتفق البعض (وأنا منهم) على استقلال الجامعات؛ قبول استقلالية الجامعات بحد ذاته يثير أسئلة عن البنية التعليمية والإدارية والتي تم الإشارة إلى أن فيها الكثير من التعثر والإخفاق في إعداد الطالب/ة والباحث والخدمة المهنية والمجتمعية بالإضافة إلى التعثر الإداري والمالي. فكيف للجامعة أن تستقل بناء على هذه الإشكاليات والتحديات؟ يبدو أن الحلم الطوباوي يسوق(نا) لتخيل جامعة لا تعكس إخفاق منظومة التعليم بدءا من رياض الأطفال وحتى بوابة الحرم الجامعي، وألا تكون، موسومة بثقافة وسياسة المجتمع التي هي نتاجه أو أحد مخرجاته، إن صح التعبير.

هل بالإمكان التركيز على ما يجعل الجامعة أن تكون مستقلة مالياً وإدارياً؟ وماهي التوصيات الواقعية ذات البعد الاستراتيجي لجعل ذلك ممكناً؟ الإشادة  بنجاح جامعة الملك سعود في الوقف تجربة مهمة بالإمكان الاستفادة منها والبناء عليها و وتطويرها. فلو كانت استقلالية الجامعات هي الإطار للتحول المستقبلي سيسهل إيضاح وتنسيق التوصيات  انطلاقا من الطرح العميق في الورقة الرئيسة والمداخلات المحللة له.

النقطة الثانية هي البحث العلمي والنشر في الدوريات العالمية المحكمة. ولقد تناولت المداخلات التحديات التي تواجه الجامعات والباحثين. ولاحظت عدم وجود الإطار العملي أو بالتحديد (Activity Theory) والذي ناقشته كتب متعددة وهذا الإطار يربط الإدارة/المختبر/المكتبة والأستاذ والطالب والمجتمع مع بعضها لتصب كل الجهود في مسار البحث ودعم دورته، إن صح التعبير، بدلاً من العمل في جزر منفصلة لا تدري عما يدور حولها. وهناك نماذج ناجحة في ربط كل هذه الأنشطة مع بعضها في الجامعات البحثية المعروفة.

النقطة الأخيرة التي أود أن أشير إليها والتي تميز نجاح الجامعات في أمريكا وأوروبا هي بسيطة للغاية وصعبة التنفيذ لدينا: الثقة بالأستاذ. عندما لا يمنح الأستاذ الجامعي /الباحث الأكاديمي الثقة فإن كل شيء سيهتز في المنظومة التعليمية والبحثية. لقد كشف النقاش بشكل غير مباشر عن معاناة الأستاذ الجامعي وعدم منحه الثقة والدعم لكي يبدع وينتج.

  • مقترحات تطوير الجامعات من أجل نقلة نوعية

يرى أ. عبدالرزاق الفيفي أننا نحتاج لمشروع وطني لإعادة صياغة منظومة التعليم والتربية بكل مراحلها ل٣٠ سنة القادمة بما يحقق للجيل شخصية ذات اعتزاز وانتماء لهويتها وتمتلك أدوات التنافسية العالمية في المسارات الأربعة:

١- المناهج.

٢- المعلم.

٣- الطالب.

٤- النظم والقوانين التعليمية.

ولابد أن يشارك في هذا المشروع الوطني خبراء التعليم والتربية – وخبراء الموارد البشرية والتوظيف في القطاع الحكومي والخاص – وخبراء التنمية – وخبراء الموهبة والإبداع والابتكار – وأولياء الأمور – و الطلاب – والمعلمون ، ويعمل المشروع باستراتيجية الإحلال التدريجي على مدار ٥ سنوات.

ومن التوصيات المهمة أن يتبنى ولي الأمر تشكيل لجنة عليا للتعليم والتربية دائمة لرسم سياسات واستراتيجيات وخطط التعليم وتقييم الأداء للثلاثين سنة القادمة (جيل قادم  وفق الآتي:

  • رؤيتها: إعادة صياغة منظومة التعليم و التربية.
  • محاورها:
  • الرؤية الجديدة.
  • الإطارات والهوية والسياسات.
  • المخرجات المأمولة .
  • العمليات المطلوبة.
  • المدخلات المفترضة.
  • القوانين والنظم.
  • مراحل الانتقال والتدرج.
  • خطط تأهيل الكادر التعليمي والتربوي والإداري.
  • الرقابة والتقييم والجودة.
  • خطط الاستدامة البشرية و المالية.

أعضائها :

  • الوزراء .
  • خبراء التعليم والتربية.
  • خبراء الموارد البشرية في الشركات المتنوعة .
  • خبراء شؤون التوظيف في القطاع الحكومي والخاص.
  • خبراء الموهبة والإبداع والابتكار .
  • خبراء القانون والتنظيم والتشريع.

وأشارت د. نوف الغامدي إلى أن رؤية 2030 تحمل مشروعا نهضوياً جباراً يشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية وصناعية وتعليمية وترتكز على العنصر البشري الذي هو سرُ تميزها ونجاحها ولا يتأتى ذلك النجاح إلا من خلال الجامعات التي يعول عليها أن تصنع جيلاً يستشرف المستقبل.

والواقع أن أكثر من نصف السعوديين تقل أعمارهم عن (25) عاماً وهذه ميزة يجب استثمارها من خلال التعليم العالي. ويضم هيكل التعليم العالي في بلادنا (38) جامعة حكومية وأهلية منها (28) جامعة حكومية و(10) جامعات أهلية.. إلى جانب عشرات الكليات الأهلية.. ويستوعب التعليم العالي نحو 90 في المائة من خريجي وخريجات المدارس الثانوية.

ولعل من المعروف أن هناك فجوة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل أشير لها بوضوح في رؤية المملكة 2030. ولذلك جاء من ضمن أهداف رؤية المملكة 2030 الخاصة بالتعليم التالي: «سد الفجوة بين التعليم ومتطلبات سوق العمل». وجاء من أهدافها أيضا: «توجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة».. وهذا توجه يؤكد ضرورة ربط برامج التعليم الجامعية بالوظائف المتاحة في سوق العمل وفق الاحتياجات المتغيرة. بل ذهبت الرؤية الوطنية إلى أبعد من هذا حين استهدفت تطوير المعايير الوظيفية الخاصة بكل مسار تعليمي. وهو ما يقود إلى ربط وثيق بين البرنامج التعليمي للطالب وبين وظيفته المستقبلية عقب تخرجه.

وحيث أن الرؤية الوطنية وضعت هدف خفض معدل البطالة من 11.6 في المائة إلى 7 في المائة، إضافة إلى إنشاء (هيئة توليد الوظائف) بهدف العمل على تحقيق هذا الهدف.. فإن للجامعات دوراً كبيراً منتظراً في هذا الصدد، وذلك من خلال تخريج كفاءات وطنية مؤهلة ومتخصصة في تخصصات يحتاج إليها سوق العمل.. وليس تخريج خريجين في تخصصات لا يحتاج إليها سوق العمل وبالتالي ينضمون إلى قوائم العاطلين ويرفعون نسب البطالة.

ويتطلب ذلك تحولاً هيكلياً في التخصصات الجامعية.. حيث أن هناك تخصصات جامعية لها حاجة ماسة في سوق العمل في وقت لا تلقى قدراً كافياً من الاهتمام الجامعي.. وما زالت التخصصات النظرية تحتل مساحة واسعة في ميدان التعليم الجامعي.. في وقت تظل هذه التخصصات في معظمها بعيدة عن احتياجات سوق العمل.

ريادة الأعمال والجامعات أيضا محور مهم؛ فهناك دور مهم منتظر للجامعات في مجال ريادة الأعمال والابتكار.. ولهذا الجانب أهمية مستقبلية أكبر.. ولهذا ركزت عليه الرؤية الوطنية حيث جاء فيها ما نصه: «سنركز على الابتكار في التقنيات المتطورة وريادة الأعمال».

وحددت الرؤية هدف رفع مساهمة المنشآت المتوسطة والصغيرة من إجمالي الناتج الوطني من 20 إلى 35 في المائة. ولريادة الأعمال دور مهم في توليد وظائف وأعمال وخفض معدلات البطالة، ومن المعروف أنه مهما توافرت وظائف في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص فإنها لا تكفي الأعداد المتزايدة من الخريجين الجامعيين.

ولهذا يتوجب على الجامعات السعي لتبني مبادرات علمية متطورة في مجالات ريادة الأعمال وصقل مواهب الابتكار لدى الطلاب والطالبات وتطوير منتجاتهم وأفكارهم الإبداعية وترسيخ ثقافة العمل الحر في المجتمع، ومن المؤسف والمستغرب أنه لا يوجد في جامعاتنا حالياً أي برنامج دراسات عليا في مجال ريادة الأعمال ولا على مستوى البكالوريوس.

من الموضوعات المهمة أيضا (إيجاد مصادر دخل متجددة) للجامعات (رفع كفاءة الإنفاق). على جامعاتنا أن تكون نموذجاً في هذا المنحى.. وذلك ليس من خلال «التقتير» في الإنفاق..! وإنما من خلال التحول إلى (جامعات منتجة).. وهذا توجه عالمي.. بمعنى أن تقوم الجامعات بتوفير مصادر للتمويل الذاتي.. عبر تقديم منتجات تعليمية.. مثل البرامج التعليمية والتدريبية المختلفة وعلى مختلف المستويات.. سواء كانت برامج دراسات عليا أو برامج الدبلومات المختلفة.. وذلك في تخصصات يحتاجها سوق العمل.. ولكن بعيداً عن برامج الانتساب.. التي لا تقدم تعليماً جامعياً.. وهي معوق كبير أمام جهود الحصول على الاعتمادات الدولية، حيث ترفض هيئات الاعتماد الاعتراف بمثل هذه البرامج، التي ينبغي إيقافها.

وأيضا من موارد التمويل تفعيل مراكز البحث العلمي للجامعات وبناء شراكات مع القطاع الخاص.. وتقديم الاستشارات المختلفة للقطاعات العامة الحكومية والخاصة الأهلية. وقد تكون جامعة حائل نموذج مهم لهذا التنوع فهي تملك معهد تدريب خاص بها وفندق والآن تعمل على إنشاء صروح داخل الحرم الجامعي لتجد مصادر دخل متنوعة، وكذلك الأوقاف لها دور مهم … تنفيذ مشروعات الأوقاف التي تدر دخلاً مالياً جيداً يساهم في تمكينها من تمويل ميزانيتها وتمويل برامجها التعليمية وأبحاثها العلمية، وذلك من خلال استثمار توافر المساحات الواسعة التي حظيت بها جميع جامعاتنا من الدولة، وتشمل مشروعات الأوقاف تشييد فنادق وأبراج سكنية ومراكز تجارية وغيرها.. ويمكن تنفيذ هذه المشروعات بالتعاون مع القطاع الخاص من خلال  الـBOT بحيث يقوم القطاع الخاص ببناء هذه المشروعات واستثمارها سنوات معينة ثم تعود ملكيتها للجامعات.

وأخيراً : الاهتمام بمد جسور التعاون مع الجامعات السعودية فيما بينها ومع الجامعات العالمية كـ Benchmark، وكذلك الاهتمام بالترجمة وتفعيل دورها خصوصاً الكتب والأبحاث، والتركيز على عقد المؤتمرات العلمية في كافة التخصصات.

وذكر د. خالد الرديعان أن استقلال الجامعات مطلب مهم وضروري لانتشالها من الترهل والفساد على أن يكون لها مجلس أعلى مستقل في قراراته يديره نخبة من الأكاديميين الضليعين من مختلف التخصصات بحيث يكون لكل تخصص ممثل في هذا المجلس يغني عن وزارة التعليم  ويضطلع بمهمة تحديد الميزانية المناسبة لكل جامعة شريطة أن تربط مخصصات الميزانية بمعايير الإنجاز والنشر وبراءات الاختراع وخدمة المجتمع المحلي.

ولأن ما سيقدم من مبالغ للجامعات قد لا تكون كافية فإنه يلزم الاعتناء بالوقف الجامعي ومصادر التمويل الذاتي بحيث تقوم كل جامعة بإنشاء ريع خاص بها يُدار بعقلية القطاع الخاص وربما بالشراكة مع رجال أعمال للحد من أي فساد أو سوء تصرف.

كما يترتب على استقلال الجامعات عدم التشبث بالسعودة في الوظائف الأكاديمية بشرط أن من يتم استقطابهم من الوافدين يجب أن يأتوا من جامعات مرموقة ومشهود لها بدلا من جامعات مغمورة. أما السعوديين فيتم ابتعاث المعيدين لجامعات قوية مع تنويع دول الابتعاث شرقا وغربا وعدم الاقتصار على جامعات الغرب وذلك في بعض التخصصات. دول مثل الهند والصين واليابان وكوريا وتركيا وماليزيا وجنوب إفريقيا تعد جامعاتها متقدمة في بعض التخصصات العلمية والإنسانية وبالتالي يلزم أن لا نتجاهل تجاربهم في هذا الميدان والإفادة منها من خلال ابتعاث المعيدين لها مع وضع شروط صارمة في اختيار المعيدين بعيدة عن الحسابات الشخصية والمحسوبيات.

استقلال الجامعات سيترتب عليه كذلك التفكير مليا بمكافأة الطلاب بحيث يتم ربطها بإنجاز الطالب أو الطالبة ويتم إيقافها عندما يتبين عدم جدية الطالب.

استقلال الجامعات هو مفتاح نجاحها.. وذلك للخروج من رتابة الروتين الحكومي على أن يكون تدخل الحكومة بها محدودا للغاية وبغرض الرقابة لتعزيز الشفافية. صحيح أن الحكومة تدفع للجامعات لكن خلق مصادر تمويل ذاتية لكل جامعة سوف يجعلها تستغني عن التمويل الحكومي شيئا فشيئا.

إن استقلال الجامعات سيمكنها من عقد شراكات مباشرة مع القطاع الخاص وبذلك تتخلص من البيروقراطية الحكومية التي تكبلها.. هذا الأمر سوف ينعكس إيجابا على تقدم البحوث التطبيقية وتمويلها من قبل القطاع الخاص ومن ثم ربط البحوث بالسوق لكي لا تكون دراسات نظرية توضع على الرفوف.

ولأننا في مرحلة تحول اقتصادي فإنه يلزم فتح القبول الجامعي أمام غير السعوديين من أبناء وبنات الوافدين واستقطابهم على أن يدفعوا رسوم مناسبة، كما يمكن استقطاب طلاب وطالبات من الخارج للدراسة عندنا وبرسوم أعلى قليلا على أن يوفر لهم سكن كما تفعل الجامعات الجامعة.

الجامعات السعودية هي وللإنصاف جيدة فيما يخص البنية التحتية والتجهيزات والمرافق، لكن ينقصها الاستقلالية وحرية البحث وربط مخرجاتها البحثية بحاجة المجتمع. الصورة ليست كلها سوداء. وكمثال فإن جامعة الملك سعود طبقت فكرة الوقف وهناك الكثير من المباني التجارية التي تم إنشاءها لهذا الغرض قرب الجامعة وعلى أراضيها بعضها لم يكتمل بعد. مع ذلك لا يمكن الحكم على هذه التجربة قبل إنجاز كل شيء للحكم على نجاعة الوقف كمصدر دخل ثابت للجامعة. وتم بهذا الخصوص إنشاء فندق وبرج تم تأجيره على ديوان المظالم وهناك مجمع تجاري ضخم شارف على الانتهاء يشمل مركز تسوق ومكاتب. وهناك صندوق في الجامعة يسمى صندوق الطالب بحيث يتم اقتطاع مبلغ عشرة ريالات من مكافأة الطالب كل شهر توجه للصندوق لتنفيذ مشاريع تجارية.

القصد من ذلك أن الجامعات تستطيع تدبير موارد خاصة بها عندما تفلت من بيروقراطية العمل الحكومي، بشرط الشفافية ورقابة الأموال للحد من تسلل الفساد الذي غالبا ما يجد طريقه في الأجهزة الحكومية. تستطيع الجامعات كذلك عمل أموال من خلال ما ذكرت د. نوف بعمل منتجات تعليمية ومن ذلك الدورات التدريبية، وقطاع النشر (دار نشر كبرى) والاستشارات. أيضا مدارس خاصة لجميع المستويات دون الجامعة، و رياض أطفال، و ملاعب رياضية، وصالات عرض، ومسارح الخ.

وأخيرا من المهم للغاية فتح جميع التخصصات أمام الطالبات وعدم تقييدهن بتخصصات نظرية أو القول أن بعض التخصصات لا تناسب المرأة.. هذه المقولة يجب أن نتخلص منها تماما.

ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه ولتطوير العملية التعليمية الأكاديمية ولبلوغ أفق المعلومة لدى الطلبة لابد أن يكون التعليم الجامعي وتقييم الطالب مستندين على محاضرات مواكبة لتطورات العصر، تركز على الأسس النظرية الأساسية، وتفعيل تدريس الجزء العملي بشكل عملي يقوم به الطالب عمليا بنفسه ، ويعتمد كذلك على كتابة التقارير المعملية التي تساعد الطالب على التفكير والتحليل والاستنتاج ، كما أن الدور المنوط بالأستاذ الجامعي يفترض أن يتحول من دور الملقّن ، إلى دور الشريك مع الطالب في إنجاح العملية الأكاديمية. ولاشك كذلك أن استقلالية الجامعات ، ومنحها صلاحيات أكبر، هو منهج يعطي للجامعات مكانتها الأساسية، ويمنحها ثقة مجتمعية حتى تسهم في خدمة المجتمع .

ويرى أ. جمال ملائكة أن فرض نسبة للسعودة في الجامعات خاصة كارثة كبري. المفروض حسب المؤهل و الخبرة و “القدرات” الخ. وأيد م. حسام بحيري ذلك حيث يرى أن المؤهلات والخبرات أهم من السعودة.

وذكر د. خالد بن دهيش أنه في عام ١٤٢٤ هـ كان عضواً في لجنة إعادة هيكلة التعليم في المملكة ترتبط باللجنة الوزارية لإعادة هيكلة قطاعات الدولة برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله ، خرجنا بالعديد من التوصيات نفذت غالبيتها وكان منها منح الجامعات الثمان في ذلك الوقت استقلالية شبه كاملة لتلك الجامعات ، بعد دراسة مقارنة عن واقع الجامعات في مجموعة من دول العالم وقد أعترض على تلك التوصية ممثل وزارة التعليم العالي. و بعد ١٤ عام  ، وبعد أن أصبح عددها ٢٨ جامعة في عامنا هذا لا يزال الوضع كما هو بالرغم من أن هناك تصريحات من الوزير السابق والحالي للتعليم بوجود دراسة لاستقلالية الجامعات. الاستقلالية ستحصل للجامعات لا محال. وقد كان من ضمن توصيات اللجنة ( المذكورة أعلاه ) إنشاء المجلس الأعلى للتعليم بديل عن اللجنة العليا لسياسة التعليم و مجلس الجامعات والتعليم العالي ، ولم يباشر المجلس أعماله وألغي العام الماضي.

وقال د. مساعد المحيا: الأهم هو أن لا يتحول دور الجامعة إلى أن تصبح بيئة تخريج لموظفين وفقا لاحتياجات القطاع الخاص؛ فأهداف التعليم الجامعي لا ينبغي أن تكون مصنعا لتخريج الموظفين فقط  للقطاع الخاص؛ إذ وظيفتها الأساسية أهم وأسمى فهي تعمل لتقديم المعرفة المتخصصة والقيام بالبحوث وخدمة المجتمع…وهي الوظائف الثلاث الرئيسة للجامعات.

صحيح أن الجامعات جزء من المجتمع وهي ينبغي أن تشاركه حاضره ومستقبله لكن ذلك لا يعني أن تكون أداة للقطاع الخاص ليختزل دورها. وأخال أن أي مجتمع سيسلم الجامعات للقطاع الخاص ليغير تخصصاتها ومناهجها سيقضي على هذه الجامعات لأنها ينبغي أن لا تكون أداة في يد شركات تتغير طبيعتها وخدماتها ومنتجاتها وبالتالي لا ينبغي ربط مخرجاتها بسوق العمل. فالجامعات يمكن أن تسهم في محاولة معرفة الحلول للقضاء على البطالة وفقا لدراسات علمية تحاول النظر للمشكلة من كل أطرافها وجوانبها وليس فقط النظر لنتيجة محددة سلفا في ذهن التاجر أو مالك المصنع غايتها إعادة صياغة برامج وخطط وأقسام الجامعات لتلبي رغبات سوق العمل؛ لأنها بهذا العمل ستقلل من مستوى جودتها إذ ستصبح وكأنها معاهد تدريب لشركات في السوق؛ فمشكلة البطالة يمكن أن تتفاعل معها عدد من أقسام الجامعات وتقدم رؤيتها للمشكلة على نحو عام لكن لا ينبغي أن تلغي تخصصاتها أو أن تتوقف عن تقديم المعرفة المتخصصة لمن يريد بعيدا عن هموم التوظيف وشجونها.

جانب آخر يتعلق بأهمية مستوى الكفاءة العلمية في إدارة الجامعات وكلياتها وأقسامها، إذ هذا من أهم أدوات الحصول على جودة حقيقية ومميزة، فحين تنخفض جودة معايير اختيار المسؤول فإن الجامعات ستقع في بؤرة الشللية أو البحث عن شخصيات تقوم بالعمل بأي كفاءة كانت. والذي أراه أن جامعاتنا تحتاج لمعايير يتم اختيار المسؤولين في ضوئها وأن يكون هناك لجان ومجالس علمية هي التي تقرر اختيار الكفاءة المناسبة، وأن يعود النظام الانتخابي لتقرر الأقسام رئيسها والكليات عميدها والجامعات مديرها.

وقال د. سعد الشهراني: إذا انطلقنا من حقيقة أن العمل جزء من الوجود و الكرامة الإنسانية و من أن كل إنسان سوي سليم الصحة لا بد أن يكون عاملا في عمر العمل مهما كانت خلفيته سواء تخرج من جامعة أو لم يتخرج ؛ فلابد أن نقبل بحقيقة التلازم بين الجامعة و سوق العمل و أن ذلك هو الأصل و ما عداه استثناء و قد لا يكون لهذا الاستثناء وجود أصلا، عندما يلتحق الشاب بالجامعة فهو لا يدرس للعلم فقط بل ليعمل و يجني دخلا بعد ذلك.

أتفهم ألا نطوع البرامج العلمية الأكاديمية للمتطلبات المهارية للشركات و القطاع الخاص مع أن كثيرا من هذه المهارات و خصوصا المهارات الفكرية و العقلية هي منتج أصيل و مهم من منتجات التعليم الجامعي، و فوق ذلك فإن الوظيفية الأخرى: خدمة المجتمع و البحث العلمي مرتبطتان بسوق العمل أو يجب أن تكون أفضل كذلك بدرجة أو بأخرى.

آن لجدلية التعليم العالي و سوق العمل البيانية أن تنتهي، لا ننسى أيضا أن هناك تعليما عاليا مهنيا و تعليما عاليا متخصصا ( كليات المجتمع و الكليات المهنية و العسكرية ). نحن الأكاديميون و فوقيتنا ( الزائفة أحيانا ) ينبغي ألا تمنعنا من ترسيخ مبدأ أن مؤسسات التعليم العالي ستكون أقوى و ليس أضعف عندما يكون خريجوها أكثر و أسرع اندماجا و قبولا  في سوق العمل و أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب جودة التعليم العالي و مخرجاته إطلاقا.

وفي نظر د. عبدالرحمن الهدلق فإن نظام الانتساب نظام غير مجدي وجودته ضعيفة جداً ؛ ولهذا فإن من الضروري دراسة مدى جدوى نظام الانتساب وإعادة النظر فيه إما بتثبيته أو تطويره أو إلغائه.

وأوضحت د. طلحة فدعق أن الجامعات السعودية لديها نوعين من التداخلات فيما يتعلق بإشكالية هويتها؛ هويتها كمؤسسة علمية بغض النظر عن التخصص حيث أصبحت محل جدل أثار تساؤلات عدة منها: هل الجامعة الآن مدرسة تلقينية أم منارة بحث علمي وإعداد جيل يتواكب مع متطلبات العصر؟ أزمتها في علاقتها بالمجتمع حيث حدثت قطيعة في تلك العلاقة فأصبحت بعيدة عن بحث وتداول وطرح ما يمس حياه المجتمع . ناهيك عن البعد الثقافي لها كمؤسسة تنويرية فكرية. من يدير هذا الصرح يفترض أن يكون كادر متمكن وليس إداري بحت يتعامل معها كمؤسسة عادية. الجامعة هي دولة بحد ذاتها بكل ما تحمله الكلمة من رمزيات.

وتوقفت د. طلحة فدعق عند النقطة المتعلقة بطلبة الدراسات العليا . باعتبار أن الإشكالية الآن التي تعاني منها أقسام الطالبات فيما يتعلق بمعيداتنا ومحاضراتنا أننا لن نستطيع إلزامهم بالابتعاث بعد صدور ذلك القرار الذي يمنع الأقسام من إجبارهم علي الابتعاث الخارجي ويترك حرية الاختيار للمعيدة والمحاضرة . فضلت الكثيرات منهن الدراسة في القسم ذاته إن كان لديه برنامج دراسات عليا أو في جامعة داخلية وقس علي ذلك مستوى الاستفادة التي ستعود بها لاحقا. طبعا كثير من الأقسام سهلت التحاقهم ببرامجها مع التساهل في إعطاء الدرجات لضمان نجاحهم. ذلك المعيد أو المحاضر سينهل من نفس الإناء الذي تشرب منه كطالب بكالوريوس. وأخيرا يعود بمستوي ضحل ليعيد إنتاج ما تعلمه. هل هذا ما تريده الجامعات ؟ هذه قضية ضمن قضايا تتعلق فقط بالمعيدين والمحاضرين خصوصا أقسام الطالبات.

وأوضح د. حميد الشايجي أن هذا الكلام صحيح؛ ولكن لابد من مراعاة ظروف بعض المعيدات والمحاضرات اللاتي ليس لديهن محرم لظرف ما، والنظام يصر على وجود المحرم، ولكن المفروض الاتي:

  • يجب أن تدرس الطالبة في جامعة أخرى غير جامعتها للتنويع والابتعاد عن المحسوبيات.
  • على الأقسام أن ترتقي بمستوى برامجها للدراسات العليا وتكون أكثر جديه وأن تكون خططها الدراسية حديثه وتواكب التغيرات على المستوى العالمي والمحلي.

ويعتقد أ. خالد الحارثي أن انفتاح المملكة على تحديات التحول نحو مجتمع المعرفة يسمح للجامعات خصوصا بعد إعلان الرؤية بتفعيل الوظيفة الأساسية للجامعات كي تملأ المساحة  الفارغة بين المجتمعات المحلية وبين الرؤية وبرامج التحول. إنها فرصة لدمج البحث العلمي بالشراكة المجتمعية حتى يمكن للأكاديمي تعويض فروق الدخل من وظيفة التدريس من خلال مخصصات أنشطة البحث العلمي والشراكة المجتمعية ، وتوجيه كلفة البحث العلمي لصالح قيمته بالنسبة للمجتمع.

وأضافت أ.د. سامية العمودي أنه وفي كل قضية نناقشها في منتدى أسبار أو خارجه نصل إلى عامل مشترك وهو الفكر الديني بشكل مباشر أو غير مباشرة؛ لذا فإنه ما لم نعالج هذا الفكر الذي انحرف مساره فنحن نعالج العرض لا المرض.

وعلق د. حميد الشايجي بأنه يلاحظ أن الفكر الديني أصبح الشماعة التي نعلق عليها كل أخطاءنا وتقصيرنا؛ من السهل جدا الهروب من المسئولية وتعليقها على شماعة معينة.

وبدورها عقبت أ.د. سامية العمودي بأن السبب يرجع لأن الفكر الديني يعني كمال الأخلاق وعندما تكتمل منظومة الأخلاق تتغير الحياة.

وفي تصور د. خالد الدخيل فإن العلاج الوحيد ليس معالجة الفكر الديني، فهذا غير ممكن وغير مجد. العلاج الوحيد هو فصله تماما عن العلم والبحث العلمي. المشكلة ليست في الفكر الديني بحد ذاته، وإنما في الخلط بينه وبين العلم ومنهج البحث العلمي.

وذكرت أ. ولاء نحاس أن الطالب يفخر بجامعته حينما:

  • توفر له علم متميز يصل بِه لمرتبه متميزة في العمل.
  • تكون جامعته إحدى أفضل الجامعات في العالم في مجالها.
  • يكون الالتحاق بها صعب لتميز العاملين عليها وانتقائية اختيار المنتسبين فيها من الطلاب وبالتالي يشعر بتميزه.
  • تقدم تخصصات متفردة .
  • لا تعتمد على الوساطات أو الغش أو زيادة الدرجات الغير مدروس أو النجاح على الحافة.

وترى د. الجازي الشبيكي أنه وإذا كانت التوقعات  المجتمعية من الجامعات كبيرة فيما مضى ، فهي في ظل التحولات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وما صاحبها من مشكلات وقضايا ومستجدات ، أكبر وأعظم في الوقت الحاضر ولم يعد مقبولاً من الجامعات تجاهل كل ذلك أو البطء في التعامل معه.

هناك حاجة  ماسة إلى السعي الجاد المُخطط المتكامل من قبل جميع جامعاتنا إلى التوظيف التطبيقي للأبحاث والدراسات العلمية للوفاء باحتياجات المجتمع الإنتاجية والخدمية ومعالجة قضاياه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الفكرية. لكن التساؤل هنا، على من تقع مسؤولية تلك المبادرات التكاملية التنسيقية بين جامعاتنا  في ظل ضعف دور وزارة التعليم  في هذا الجانب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *