العنصرية .. وتأثيراتها على الوحدة الوطنية

(العنصرية .. وتأثيراتها على الوحدة الوطنية)

 

الأحد 9 / 6 / 1439
الموافق 25 / 2 / 2018

 

الورقة الرئيسة:

أ.سمير خميس

تظل “العنصرية” من الآفات الاجتماعية التي يصعب الحديث والنقاش حولها في المجتمع السعودي لكونها مصطلح وافد تبلور معناه مع تبلور الدولة القومية الحديثة مع ما بشرت به من مدنية قائمة على أساس المواطنة التي تضمن العدل والمساواة والشراكة في بناء الوطن.

كما أن العوامل الاقتصادية والطفرات المتتالية التي مر بها المجتمع السعودي وسارعت بتطوره من مجتمع “زراعي- رعوي” يستلهم قيمه وأحكامه من سلطة القبائل التي يخضع لها إلى مجتمع حديث “مدني” دون المرور بالخطوات اللازمة التي لا بد أن يمر بها أي مجتمع ينشد الحداثة والتمدن والعصرنة ساهمت بخلق مزاج عام كرّس “المدنية” في خدمة القبيلة يدعم ذلك كله نظام سياسي “ريعي-أبوي” الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان القضاء على تمظهرات العنصرية التي ما تلبث أن تتفشى عند أقرب هزة اقتصادية أو تهديد لقيم المجتمع وتصوراته فضلاً عن القضاء على تجذراتها العالقة في النفوس..

ورغم أن مكافحة العنصرية من أهم البرامج التي تقوم بها الأمم المتحدة وبقية المؤسسات الأممية سيما تلك التي عانت من نير الاستعمار والاستبداد طويلاً، يدعمها في ذلك إعلان الأمم المتحدة للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري الصادر في نوفمبر ١٩٦٣م وفي حين أننا نرى كثيراً من الدول سارعت بسن قوانين تجرّم العنصرية، إلا أننا نجد أن القضاء السعودي في مكافحته للعنصرية اكتفى بنصوص الشريعة الإسلامية معتمداً في ذلك على عقوبات قضاته التعزيرية الذين يخضعون في النهاية لقيم المجتمع الذين يعيشون فيه..

وكان أقصى ما تم في هذا الشأن هو “مناقشة مجلس الشورى مشروع إصدار قانون (التمييز العنصري) لمن يثبت أنه مارَسَه، أو النعرات القبلية، أو سَخِر من الأديان في السعودية.

ويهدف مشروع نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية، الذي تَقَدّم به أعضاء مجلس الشورى (د.عبدالله الفيفي، ود.لطيفة الشعلان، ود.هيا المنيع، وآخرون)، إلى منع الاعتداء على أماكن أداء الشعائر الدينية، أو الإساءة إلى المقدسات المرعية، أو النيْل من الرموز التاريخية المشكّلة للهوية الحضارية، وحماية النسيج الاجتماعي من مخاطر التمييز بين أفراد المجتمع وفئاته في الحقوق والواجبات، لأسباب عرقية، أو قبلية، أو مناطقية، أو مذهبية، أو طائفية، أو لتصنيفات فكرية أو سياسية”.

ولعلنا هنا نلقي الضوء على تجربة “ماليزيا” البلد الإسلامي الذي حقق تقدماً ملموساً في مجالات عدة على الرغم من تعدد أعراقه التي عادة ما تنشأ بينها توترات توصف بـ”العرقية” على خلفية طرح عنصري أو حوادث عنصرية..
ففي عام ٢٠١٣م أنشأت الحكومة الماليزية مجلساً استشارياً للوحدة الوطنية “nucc” إدراكاً منها لخطورة التمييز العنصري وآثاره على المواطنين بعد عقود من التنمية استسلمت فيها ماليزيا للمزاج “العرقي” المسيطر وأعني به المزاج الملايوي الذي اعتبره رئيس الوزراء السابق “محاضير محمد” أحد العوائق التنموية بما يكرسه في الأذهان من أفضلية العرق الملايوي على بقية الأعراق الهندية والصينية الممسكة حقيقة بزمام الاقتصاد الماليزي وتعتبر الشريان الحقيقي المغذي للاقتصاد الماليزي على حد وصفه لتجربته الثرية في الحكم التي استعرضها في كتابه الشهير “طبيب في رئاسة الوزراء”.

ورغم الجهود الماليزية المتأخرة حيناً، والمتعثرة أحياناً أخر
“أصدرت منظمة بوسات كوماس غير الحكومية المعنية بالشؤون الاجتماعية في ماليزيا ، تقريراً خاصاً أوضحت فيه حجم العنصرية بين الماليزيين، وذكر التقرير الذي أن التمييز العنصري في ماليزيا مازال مرتفعاً على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق الوئام العرقي بين المواطنين الماليزيين.

وخلص التقرير إلى أن حالات التمييز العنصري في ماليزيا شهدت ارتفاعاً خلال العام 2016، وأكد على أن التمييز العنصري على أساس العرق مازال قائماً في المرافق التعليمية والرعاية الصحية والمالية والقوى العاملة باتجاه تصاعدي، كما شهد العام الماضي عدة حوادث عنصرية برزت خلال فترة الانتخابات.

وأضاف التقرير أن أعمال الشرطة الدينية والأخلاقية الماليزية ازدادت مما أدى لحدوث حساسية وانشقاق بين المسلمين وغير المسلمين، كما أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وفر منصةً للتعبير عن المشاعر العرقية وبث الكراهية بشكل أكبر.

وحث التقرير في توصيات عدة الحكومة الماليزية على التوقيع على اتفاقية القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، وأوصى التقرير باستخدام العقوبات كرادع للأفراد والسياسيين الذين يصدرون أية بيانات عنصرية.

يشار إلى أن وزير القانون الماليزي السابق إبراهيم زيد، ونائبة رئيس الحزب الوطني السابق غان بينغ سيو ممن أشرفوا على هذا التقرير، إلى جانب عدة خبراء آخرين، من جانبها قالت سيو أن الخطوة الأولى لتعزيز الإنسجام العرقي هو التعليم لذلك ينبغي عدم فصلها، ودعم المدارس الوطنية، ودعت إلى عدم تشجيع وجود المدارس التابعة للعرقيات والتي لن تفيد الطبة في التناغم والتعاون”.

مثال آخر في كندا إذ لم يمنع دستورها البالغ من العمر 133 عاماً والذي يقر بالمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن اللون والجنس والعرق الأمر الذي انعكس على نهضة هذا البلد سيما في مجالي الصحة والتعليم، لم يمنع “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من إعداد تقرير يتناول مشكلات الكنديين الأفارقة يرفع على أثره توصيات في هذا الشأن إلى الحكومة الفدرالية.

وقد تتضمن هذه التوصيات تقديم الحكومة لاعتذارها عن فترة الاستعباد والبحث في تقديم تعويضات عن المظالم التاريخية التي لحقت بالشعوب المتضررة.

وتقدم اليوم مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة تقريرها النهائي عن أحوال حقوق الإنسان بين المواطنين الكنديين المنحدرين من أصل أفريقي.

وتستند الوثيقة إلى مشاورات جرت مع المسؤولين الحكوميين وجماعات معنية على هامش بعثات إلى أوتاوا، تورنتو، هاليفاكس ومونتريال في تشرين الأول 2016.

ويشير التقرير إلى أن العنصرية ضد العرق الأسود “موجودة في صميم العديد من المؤسسات الكندية، مما يساهم في عدم المساواة على صعيد الصحة، الإسكان، التعليم والعمالة، ويؤجج التمثيل المفرط للكنديين الأفارقة في نظام العدالة الجنائية”.

هذا ويشجع التقرير المشار اليه، الحكومة في اوتاوا على أخذ اجراءات خاصة لصالح الكنديين السود من أجل تصحيح الفوارق على غرار التدابير التي تُنفذ لصالح الشعوب الأصلية.

ويوصي بأن تنشئ كندا إدارة للشؤون الأفريقية الكندية وأن تضع استراتيجيا لمكافحة العنصرية ضد السود في نظام العدالة الجنائية.

يُذكر أنه كان تم إلغاء تجارة الرق رسمياً في المستعمرات البريطانية داخل كندا في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وكانت هذه التجارة نشطت في كندا منذ القرن السابع عشر”.

الهدف من إيراد هذين المثالين هو أن كل دولة تخضع لثقافة مختلفة عن الأخرى، تعترفان بأنهما ليستا بمعزل عن أي مظاهر عنصرية رغم ما يعلق في الأذهان من صورة وردية في كل مرة يستشهد فيها بهذين البلدين..

واليوم، نجد أننا أحوج ما يكون إلى الاعتراف بـ”العنصرية السعودية” التي كانت في فترة كمون طويل، حتى ما لبثت أن وجدت في مواقع التواصل الاجتماعي رئة صالحة تشهق بها كل تراث وهوية وتاريخ هذه البلاد الممتد إلى ما قبل قبل أيام الجاهلية الأولى، وتزفره على شكل خطاب شوفيني استعلائي أحادي الرأي يبشر بسيادة السعودي بالتحريض والسبّ والشتم والتجريح في كثير من مكونات الشعب ممن استوطن هذه الأرض وممن وفد إليها راغباً أو محتاجاً فنفع واستنفع؛ مشيعة بذلك ثقافة العنف اللفظي الذي قد يتطور إلى ما هو أسوأ كأننا لم نردد يوماً قوله تعالى: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”.

المصادر:

*إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
*صحيفة سبق
*صحيفة المواطن
* إذاعة الشرق الأوسط في كندا عن وكالة الصحافة الكندية
*”طبيب في رئاسة الوزراء. مذكرات رئيس الوزراء الماليزي الأسبق محاضير محمد.
*مؤشرات الأداء الوظيفي والمؤسسي: ما بين التأثير والتأثر.. ورقة للدكتور عبدالرحمن الشقير شارك بها في ملتقى أسبار.

 

تعقيب:
د.عائشة الأحمدي

بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على إعلان الأمم المتحدة اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1963م إلا أن الحديث يتجدد باستمرار حول داء (العنصرية)، وهو الداء الذي عانت منه المجتمعات كافة، على اختلاف اجيالها، ولا يوجد حتى اليوم مجتمع معاف تماما من هذا الداء ؛ فواقع الممارسات يكشف لنا تغلغل العنصرية في واقع البناء الثقافي ، لاكثر المجتمعات تحضراً، لكنها تبدوا أكثر وضوحاَ وفجاجة في البلدان النامية. وهذا لا ينفي ما ثمرت عنه تلك الجهود من تقليص تفشي هذا الداء، لاسيما في المجتمعات التي كان لها السبق في سن القوانين والتشريعات التي تجرم العنصرية ضد اي دين، أو مذهب، أو ايدلوجيا ، أو حتى لون بشرة ، أو جنس، أو مناطقية وخلافها، وإثارة النعرات الطائفية أو المذهبية؛ للمحافظة على وحدة المجتمع، وتحاكم ضد مَنْ يرتكب هذه الجريمة، وتصدر بحق من يثب عليه مثل هذا الفعل المشين أحكام قاسية.
وللأسف فإن الحياة الاجتماعية العربية متشبعة بقضايا التمييز العنصري واستبداد الأقوياء، واضطهاد الأقليات العرقية، وخرق المبادئ الإنسانية في المجتمع، والمملكة جزء من هذا النسيج الذي ابتلي بهذا الداء، فتارة تجده في النظرات، وأخرى في العبارات، ومرة في القرارات، بل حتى في العقوبات التي تعتمد في بعض الأحيان على صفات معينة، وهو ما يحتم ضرورة التعجيل والإسراع في وضع قانون يجرم مثل هذه الممارسات العنصرية؛ املاً في أن تحل محلها قيم التنمية الإنسانية، التي ترقي القدرات الانسانية بديلا عن القيم المهبطة لتنمية المجتمعات وتقدمها، وتقليص الأثار السلبية لبعض العادات والأعراف الاجتماعية المعيقة للازدهار الإنساني، فالتعصب القبلي، والمفاخرة بالانتماءات القبلية، والنظرة الدونية لبعض شرائح المجتمع وفئاته كلها تشكل عاهات في جسد التنمية الحقيقية للإنسان .
إن الاعتماد على التوعية كحل لمكافحة العنصرية لا يمكن الركون إليه كحل نهائي في مواجهة العنصرية، التي تجذرت ، واصبحت جزء أصيل لدى البعض بفعل الثقافة التي تربى عليها، ولن تنجح الاجراءات الناعمة في تخليص المجتمع منها، مالم تكن هناك اجراءات واضحة وبينة للجميع، يرافقها توعية بالأخطار التي يحدثها هذا الداء على الفرد، والاسرة والمجتمع.
لقد كان لمشروع سن قانون تجريم العنصرية في المجتمع السعودي، ارهاصات سابقة في مجلس الشورى السعودي، بداياتها عام2009 ، عندما قدم الدكتور زهير الحارثي، قبل تسع سنوات، مع تنامي ظاهرة الإرهاب والتعصب المذهبي والمناطقي والرياضي على أرض الواقع، وخوفاً على التجربة الوحدوية التي أوجدها المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز، بتقديم مقترح يقضي بتجريم العنصرية والشعبوية، والحد من اللعب على وتر المناطقية والمذهبية والقبيلة ومحاربة الآراء والاطروحات الشاذة، اعقبه محاولة أخرى قام بها عضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله وخمسة من رفاقه بتقديم مقترح عام 2015، على آثر حادثة «الدالوة» بالأحساء التي راح ضحيتها 8 أشخاص وأصيب 9 آخرون، تكون المقترح من13 مادة، يقضي باعتبار التمييز العنصري، خنجر في خاصر الوحدة الوطنية، يعاقب من يثبت عليه بثها بغرامة تراوحت بين 500 الف ومليون ريال، أتبع ذ لك بتشكيل لجنة داخل وزارة الداخلية تدرس تنامي ظاهرة التمييز العنصري بين أفراد المجتمع السعودي، إضافة إلى تشكيل لجنة مبدئية في المجلس مكونة من ستة أعضاء، بينهم رجل دين وقانوني لوضع تصور شامل لقانون يماثل ما يعمل به في دول الجوار أو الدول المتقدمة.
لكن هذا الحراك يظل دون مستوى التطلعات لاسيما اذا ما عرفنا أن تركيبة المجتمع السعودي تقوم على عاملين اساسيين : الدين، والانتماء الاجتماعي القبلي، وفي ضوء ما تشير إليه نتائج بعض الدراسات التي عنيت بتحليل محتوى مضامين وسائل التواصل الاجتماعي من تنامي هذه الظاهرة ، وتلوث المحيط الثقافي والاجتماعي بمعطياتها، ويزداد الامر سواء في ضوء ضعف القنوات الداعمة للتوعية من خطر العنصرية في مؤسسات التربية والتعليم، وتشريب المناهج الدراسية وتجريم كل من يمارسها أو يحث على الكراهية لذا يصبح الأمر أشبه بالمباح في بلد يقتدي بشخصية عظيمة وبرسالة صاحبها يرفض العنصرية وكانت أحد مبادئه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وفي جانب آخر كون تضم عددا كبيراً من القبائل والمذاهب الإسلامية، وهذا التنوع الكبير لابد له من لمّ الشمل بتعزيز اللحمة لا توتيرها وتجيشها بأثارة الفتن بين الحين والآخر.

تعقيب:
أ.جمال ملائكة

العنصرية في الدولة الواحدة لا تأتي بخير، العنصرية تؤدي إلي البغضاء و الحقد والكراهية و قد تؤدي في نهاية المطاف إلى حروب أهلية و دعوات لتقطيع اوصال الدول، لذلك وجب محاربة العنصرية بلا هوادة و بقوة. و أهم الوسائل لمحاربة العنصرية هي:
١- تضمين المناهج منذ نعومة الأظفار، تضمينها ما يحث علي الأخوة و التكاتف و أنَّ البشر كلهم أبناء أدم و ذلك بأساليب تربوية مدروسة.
٢- التوعية المستمرة في المساجد و الخُطَب و المحاضرات الخ .
٣- التوعية الإعلامية من خلال التمثيليات و المسرحيات و حلقات النقاش الخ.
٤- وضع التشريعات “الصارمة” و العقوبات “الرادعة” لمثيري الفتن العنصرية .
أمَّا بالنسبة للعنصرية ضد الأجنبي/الوافد و بالرغم من أنها لا تؤدي إلي حروب أهلية الخ إلا أنها مقيتة و بغيضة و تؤدي الي كراهية للبلد الذي تُمارس فيه العنصرية و تستدعي انتقادات عالمية و طرد العقول الوافدة التي تسهم في تقدم الدول.

 

تعقيب:
د. عبدالرحمن الشقير

أشكر الأستاذ سمير خميس على هذه الورقة الجريئة الموثقة لموضوع حساس. وسوف يقتصر تعقيبي على منظور علم الاجتماع للعنصرية. وذلك كما يلي:
يرتبط مفهوم العنصرية بمنظومة مفاهيم اجتماعية تتقاطع معه مثل: التعصب، وعدم قبول الآخر، والنفي الاجتماعي. وتعرف “موسوعة علم الاجتماع” (ج2 ص478) العنصرية بأنها تعني التعصب للسلالة ويقصد بها: المعاملة غير العادلة لجماعة سكانية معينة لمجرد اتصافها ببعض الملامح الفيزيقية أو الخصائص الأخرى التي يعدها المجتمع مؤشرا على الانتماء إلى عنصر أو سلالة معينة. أما التوجه العنصري فهو نظام من المعتقدات يدعم الممارسات العنصرية بشكل حتمي.
والعنصرية قد تأخذ شكلا فرديا أو جماعيا وقد أوضحت نتائج دراسة مؤسسة أسبار أيضاً عن وجود تعصب لدى الشباب السعودي وتمركزهم حول الذات، فعند سؤال عينة البحث عن أنفسهم مقارنة بغيرهم، أجاب 47,2% بأن “السعوديين أفضل من غيرهم”، وأجاب 38,3% بأن “السعوديين مثل غيرهم”، وأجاب 13,2% بأن “السعوديين أقل من غيرهم”، وهذا يؤدي إلى عدم تقبل الشباب السعودي للآخرين، ومن ثم سوف يعيق التعامل معهم بسهولة (أسبار، 1426هـ:ص 1439). وفي رأيي أن هذا الاتجاه غير مقبول في ظل زيادة تعرض الشباب للتقنية ووسائل الاتصال، وسهولة التعليم الجامعي والعالي، في المقابل نجد ما يغذي الأسباب التي قد تنتج العنصرية والتعصب وخاصة في مجالات التشجيع الرياضي وبعض الأطروحات في مزاين الإبل والشيلات، إضافة إلى البعد التاريخي للتعصب. كما أن أكثر عوامل تغذية العنصرية في المجتمع تكمن في صراع الثنائيات القبلية والدينية والمناطقية. وهي تزدهر مع تطور التقنية ووسائل الاتصال ولم ينجح الخطاب الديني في القضاء عليها، لانشغال جزء منه بالثنائيات المذهبية، كما أن عدم وجود نظام للحد من الكراهية والعنصرية ولا ثقافة مجتمعية تدعم تقبل الآخر بسلاسة أتاح المجال لتوارث قيم عدم تقبل الآخر وصارت كل جماعة تنظر بدونية لغيرها.
يرى عالم الاجتماع البريطاني أنتوني غدنز أن المجتمعات العصرية ترحب بالتعدد الثقافي، في حين يجده الأصوليون خطراً على هويتهم الدينية، أو العرقية، أو القومية، أو أنه يهدد عاداتهم وتقاليدهم، ويرى غدنز، أيضاً، أن عدم التسامح أو التعصب يعد نتاجاً للتحولات العلمية والتقنية، وما أدت إليه هذه التحولات من تكريس للفروق والتمايزات بين البشر في أساليب الحياة، وشيوع قيم جديدة لم يستطع الأفراد التكيف معها (عبد الوهاب،2006م:106،105).
أهم التأثيرات السلبية على المجتمع من استمرار العنصرية والتعصب يكمن في رأيي في عدم تكافؤ الفرص واضطرار الفرد للانحياز إلى جماعات متعصبة أو عنصرية لتضمن له تحقيق مصالحه مقابل أن يؤمن بمادئها، ووبث روح الإحباط الجمعي وإفساد المزاج العام بأفكار تحقيرية وتمايزية وإشغال الإنسان بتاريخه أو بعرقه أو بمذهبه وهي أشياء ليس هو سببها ولا في يده تغييرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *