القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي

” القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي “

الأحد 25 / 1 / 1439
الموافق 16 / 10 / 2017

 

الورقة الرئيسة:
د. خالد بن محمد الفهيد
وكيل وزارة الزراعة سابقاً

القطاع الزراعي هو أحد الروافد الهامة للاقتصاد الوطني في المملكة العربية السعودية وله أدوار متوقعة للمساهمة في زيادة رفاهية المواطنين وتحسين مستواهم الغذائي وتقليل تكاليف المعيشة وتوفير فرص وظيفية للعاملين فيه والأنشطة المرتبطة به كمدخلات ومخرجات ليساهم  هذا القطاع في توطين التقنية والخبرات الوطنية التي تعمل للمساهمة في رفع كفاءة الإنتاج وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه وإلى جانب دوره الاقتصادي الهام فهناك أبعاد صحية، واجتماعية، وديمغرافية، وأمنية لا تقل أهمية وتتمثل في إحداث التنمية المتوازنة بين المناطق وتوفير سبل العيش الكريم والمحافظة على نمو القرى والهجر وتوطين أبناء البادية والحد من معدلات البطالة، والفقر..
وحكومة خادم الخرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده حفظهما الله تدرك أهمية هذا القطاع ودوره الرئيس في تحقيق رؤية المملكة 2030 ليسهم في تنمية الاقتصاد السعودي حيث يسهم حاليا في توفير 25 % من جميع الأغذية المتاحة للاستهلاك في المملكة كما يوفر وظائف لنحو 450 ألف مواطن  في مختلف مناطق المملكة بالإضافة إلى إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بقيمة نحو 53 مليار ريال ما يعادل 4 % من الناتج المحلي غير النفطي كما يمثل هذا القطاع مساحة تقدر بنحو 2  %  من إجمالي مساحة الأراضي في المملكة لهذا تبنت الدولة البرامج والمبادرات الهادفة إلى تحويل القطاع الزراعي من قطاع تقليدي إلى قطاع تقني يستفيد من الميز النسبية في المناطق الزراعية بالمملكة، وبالرغم من أهمية هذا القطاع ودوره الرئيس في تحقيق التنمية الاقتصادية إلا أنه يواجه بعض التحديات سواء في الموارد الطبيعية أو البشرية منها:
–    من أهم معوقات التوسع زراعيا ندرة المياه في بلد صحراوي يمثل شبه قارة مثل المملكة حيث يستهلك القطاع الزراعي أكثر من 85 % من الموارد المائية المتاحة مما يتطلب أهمية مراعاة جانب الترشيد في استخدام المياه واستمرار التطوير في أنظمة الري المرشدة ورفع كفاءتها والتركيز على المنتجات النباتية أو الحيوانية او السمكية التي لا تستنزف هذا العنصر الحيوي.
–    رغم تميز بعض الشركات الزراعية والمشاريع الزراعية في حسن استخدام عناصر الإنتاج بتحقيق معدلات إيجابية للوحدة المنتجة إلا أن غالبية المزارعين لديهم انخفاض كفاءة استخدام عناصر الإنتاج في ظل ارتفاع التكاليف الثابتة لها ينتج عنها ارتفاع تكاليف الوحدة المنتجة مما يضع المزارع في وضع تنافسي سيئ مما يتطلب أهمية مراعاة الجوانب الاقتصادية وتفعيل العمل التعاوني لخفض التكاليف الثابتة ( آلات ومعدات زراعية ، عمالة، مخازن وغيرها).
– موسمية المنتجات الزراعية وسرعة تلفها وصعوبة التحكم في الدخول والخروج من حلبة الإنتاج وتأثر الزراعة بالظروف الجوية خصائص يتسم بها القطاع الزراعي ويختلف عن القطاع الصناعي مما ينتج عنها ازدياد الحاجة إلى عمالة في أوقات جني الثمار يصاحبها زيادة من الفاقد والهدر من المنتجات الزراعية وتبرز معها أهم التحديات معضلة “التسويق الزراعي” وتزداد التكاليف على المزارع مما يتطلب أهمية تطوير الأسواق الزراعية في المناطق والمحافظات للتعرف على مناطق العجز والفائض في تلك الأسواق وفقا لقوى العرض والطلب وإنشاء كيانات متطورة للتسويق الزراعي وتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية كروابط للمزارعين لتمثيلهم للقيام بالشراء والبيع الموحدين لمدخلات ومخرجات مزارعهم للحصول على أسعار تفضيلية.
– على الرغم من تقديم صندوق التنمية الزراعية لقروض للمزارعين إلا أن المزارع يواجه مشكلة ضعف التمويل لعدم وجود الضمانات مثل القطاع الصناعي والعقاري.
– إرتباط القطاع الزراعي بالعديد من الجهات الحكومية للحصول على التراخيص، والخدمات المختلفة أثناء مراحل الإنتاج والتسويق مما يخلق مناطق رمادية تزيد من سوء وضع المزارع وتعطل أو تقلل بعض منافعه.
ونظرا لأهمية القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد الوطني خاصة في مجالي الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة فإن الأمر يتطلب إستمرار دعم الدولة له وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في سلاسل إمدادات الغذاء وتقديم الخدمات اللوجستية، إضافة إلى تذليل الصعوبات والتحديات التي تواجه العاملين في القطاع والحلقات الأمامية والخلفية المرتبطة به.

تعقيب:
د.مشاري النعيم

تناولت الورقة أهمية القطاع الزرعي وركزت على التحديات التي تواجه هذا القطاع مثل ندرة المياه رغم أن الزراعة تستهلك 85% من المياه وارتفاع تكلفة المنتج الزراعي الذي يرفع المنافسة عند المزارع السعودي ويقلل من العائد الاقتصادي لمنتجاته، وضعف التسويق مع سرعة تلف المنتج الزراعي، وهذا ربما نشاهده بوضوح في تسويق منتجات مزارع المانجو في جازان كمثال.
هذا التعقيب يحاول أن يطرح بعض الأفكار التي ربما لم تغطيها الورقة، فمثلا ندرة المياه تم التعامل معها في واحة الأحساء، كمثال، باستخدام المياه المعالجة وقبل أسابيع قليلة تم افتتاح مشروع محطة المياه المعالجة في الخبر التي تغذي الواحة بما يعادل 100 الف متر مكعب يوميا وبلغ استخدام المياه المعالجة في الواحة نحو 400 الف متر مكعب عوض نقص المياه بشكل كبير وأدى إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية.  في تصوري أن الاعتماد على تقنيات المياه “الرمادية” سيكون الخيار المهم في المستقبل القريب بالنسبة لنا مع اهمية الاحتفاظ بالمياه الطبيعية كمخزون استراتيجي مستقبلي في حال الأزمات لا قدر الله.
موضوع “الأمن الغذائي” وأهميته الاستراتيجية يحتاج أن نركز عليه بشكل كبير، فالقطاع الزراعي ليس خيارا اقتصاديا فقط بل هو خيار أمني، وبالتالي يفترض أن يكون التوسع في هذا القطاع مرتبط باعلى التقنيات، فنحن نملك الطاقة الرخيصة لكنا لم ننجح في استثمار هذه الطاقة في تطوير القطاع الزراعي.  أحد الدراسات تؤكد على أن مدن “مابعد النفط” ستعاني بشكل كبير من توفير المنتج الزراعي بنفس الكميات الحالية نتيجة لتكلفة الطاقة وبالتالي إمكانية حدوث مجاعة انسانية في المستقبل وارد.  هذه المخاوف تستحق أن نتوقف عندها كونها تؤثر بشكل مباشر في وجودنا المستقبلي على هذه الأرض.
الأمر الثالث:
هو “التصنيع الغذائي” الذي عادة ما يكون مرتبطاً بشكل مباشر بالقطاع الزراعي، فأنا أرى أننا حتى الآن فشلنا في هذا الجانب وربما أستثني منتاجات الألبان والبيض والدجاج، وكلها منتجات حيوانية وليست زراعية بشكل مباشر، والمنتج الزراعي الوحيد الذي يمكن أن نتوقف عنده هو “التمور”، مما يؤكد أننا نفتقر للتخطيط البعيد المدى في هذا القطاع، واقترح أن يكون الدعم الحكومي لهذا القطاع موجه فقط لتنشيط التصنيع الغذائي وتطويره كخيار استراتيجي. علما بأن التصنيع سوف يضع حلولا لتلف المنتجات الموسمية وهبوط أسعارها وسيجعل الاستثمارمجدياً  في القطاع الزراعي.
فيما يخص موضوع التسويق، أرى أن هذا الموضوع لا يؤخذ بجدية كافية وحسب علمي تم تأسيس مركز لتسويق النخيل عالميا، ولا أعلم ان كان هذا المركز في وزارة التجارة أو وزارة التجارة لكن هذا المركز ليس له أي تأثير، مثل كثير من المراكز التي تؤسس على أساس “بيروقراطي” وليس على أساس تنافسي، وأرى أن التسويق يجب أن يكون اختصاص القطاع الخاص وليس القطاع الحكومي لأنه الأقدر على القيام بهذه المهمة.  ولعلي أذكر هنا أنني قبل أسابيع قليلة التقيت بفريق من أستراليا في سوق التمور بالأحساء في وجود أمين الأحساء وكان الهدف من الزيارة الأطلاع على منتجات التمور والإجراءات الصحية المتبعة لأن أستراليا تعتزم استيراد التمور من المملكة وتصنيعها في أستراليا.

تعقيب:
أ.محمد فهد العمران

هنا إسمحوا ان أتوقف قليلاً عند بعض النقاط التي تفضل بها مشكوراً دكتورنا الغالي و منها وجود وظائف لنحو 450 ألف مواطن في القطاع الزراعي اليوم، حيث أرى أن الرقم مبالغ فيه و لا يتناسب مع أرقام التوظيف الرسمية للمواطنين و التي تعلنها دورياً هيئة الإحصاءات العامة، خصوصا و أننا نعلم جميعاً أن العمالة الأجنبية تسيطر سيطرة شبه كاملة على الإنتاج و النقل و التسويق الزراعي فيما لم ألحظ شخصياً شباباً سعوديين يعملون في الفلاحة أو النقل أو التسويق كوظيفة تمثل دخلهم الرئيسي سوى بعض الحالات الإستثنائية و المحدودة العدد من بعض كبار السن في مناطق محددة (كالقصيم وجازان والأحساء والقطيف وحائل والمدينة) !!!

و من النقاط المهمة التي تفضل بها الدكتور ما يتعلق برفع الدعم عن أسعار المياه حيث سيسهم هذا حتماً في ترشيد إستهلاك الطاقة (خصوصا في القطاع الزراعي) و بنسب ترشيد ربما تفوق الأهداف الإستراتيجية في برنامج التحول الوطني و سيسهم حتماً في تخفيض التكلفة على الدولة، لكن في الجانب الآخر فإن هذا سيجعل من مسألة الحصول على المياه مسألة أكثر صعوبة و أكثر كلفة من السابق و ربما يؤثر على جاذبية الإستثمار أو جدواه الإقتصادية.

أما ما يتعلق بتطوير أنظمة الري، فلا شك أن هناك أفكاراً مبتكرة و مبادرات مميزة تبعث الأمل في هذا الجانب لكنها مع الأسف تظل ضمن إطار الإجتهادات الشخصية من بعض الشركات أو المزارعين ولا تزال تحتاج إلى تطورات جوهرية و ملموسة لنتأكد من نجاحها بالشكل المطلوب (الزراعية المائية مثلاُ أو ما يعرف بـ Hydroponics) فيما تبرز التحديات أعلاه عائقاً أمام هذه الأفكار والمبادرات خصوصاً مايتعلق بتوفر المياه المتجددة والأراضي بمساحات واسعة و تكلفة معقولة.

و في المقابل، نجد تغيراً جوهرياً في الخطط الإستراتيجية للدولة مع تشجيعها لإستيراد الأعلاف والمحاصيل الزراعية من خارج المملكة بدلاً من زراعتها محلياً، وأبرز مثال على ذلك قيام صندوق الإستثمارات العامة وشركات مساهمة مؤخراً بإستثمار مليارات الريالات لإنشاء شركات و تحالفات دولية لإستيراد المنتجات الزراعية والأعلاف من خارج المملكة،  و أيضاً توقف شركة المراعي تماماً عن زراعة الأعلاف محلياً وقيامها فعلاً بإستيراد الأعلاف من شركات تابعة لها في الولايات المتحدة !!

و بالنسبة للجمعيات التعاونية الزراعية، فقد تكون هذه محاولة جيدة لفك إحتكار العمالة الأجنبية على التسويق الزراعي في المملكة ( تجارة الجملة تحديداً) لكنها لن تكون الحل الجذري لفك الإحتكار، و أرى أن الجهود التي تقوم بها حالياً وزارة التجارة للحد من ظاهرة التستر التجاري بالتنسيق مع جهات حكومية أخرى ستكون أكثر نجاعة و فعالية من فكرة الجمعيات التعاونية التي حتماً ستكون أكثر كلفة و صعوبة في التنفيذ، وما يؤكد ذلك هو فشل مشروع سعودة أسواق الخضار في المملكة والذي صدر منذ نحو 16 عاماً دون أي نتائج ملموسة حتى الآن.

و أخيراً، يجب أن لا نعول كثيراً على صندوق التنمية الزراعي في المرحلة المقبلة لأنه أقدم مؤخراً على رفع تكلفة الإقتراض على المزارعين ووضع ضوابط أكثر تشدداً عليهم من السابق بهدف زيادة فعالية الإقتراض وتخفيض نسبة التعثر التي يعاني منها الصندوق مؤخراً، مما يدل على أن التمويل لن يكون خياراً جاذباً لغالبية المزارعين في المستقبل.

1 فكرة عن “القطاع الزراعي ودوره في تنمية الاقتصاد السعودي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *