تقرير رقم (100) فبراير: ثقافة الادخار في الأسرة السعودية وتأثيرها على الاقتصاد السعودي

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا

فبراير – 2023


ثقافة الادخار في الأسرة السعودية وتأثيرها على الاقتصاد السعودي

(20/2/ 2023 م)

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر فبراير 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: ثقافة الادخار في الأسرة السعودية وتأثيرها على الاقتصاد السعودي، وأعد ورقتها الرئيسة د. بسمة مزيد التويجري، وعقب عليها كلاً من د. خالد الرديعان، د. مها العيدان، وأدار الحوار حولها د. نوال الضبيبان.

 

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية ثقافة الادخار في الأسرة السعودية وتأثيرها على الاقتصاد السعودي. وأشارت د. بسمة مزيد التويجري في الورقة الرئيسة إلى أن قضية الادخار تعتبر من أهم القضايا التي تشغل بال الاقتصاديين حول العالم، حيث أنها تشكل أحد أسس النمو الاقتصادي، ويتفق العديد من الاقتصاديين على أن الادخار ضروري لزيادة رأس المال المطلوب لتنفيذ أي برنامج استثماري يعزز النمو الاقتصادي. كما أن انخفاض معدلات الادخار في أي دولة من دول العالم يعد عاملاً مؤثراً في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي يجبر الدولة على اللجوء إلى مصادر خارجية لتمويل الاستثمارات، وما يمثله ذلك من أعباء اضافية تتحملها الدولة. وفي ضوء ذلك فقد ركزت الورقة على تناول موضوع الادخار من ثلاث زوايا: (أولاً: الادخار في المملكة: محدداته وواقعه وبعض الجهود لتعزيز ثقافة الادخار. ثانياً: ترشيد الاستهلاك كأحد صور الادخار وأفضل الممارسات لتعزيزه. ثالثاً: أثر ثقافة الادخار على الاقتصاد السعودي).

بينما أكَّد د. خالد الرديعان في التعقيب الأول على أن الادخار يرتبط عادة بمستوى دخل الفرد؛ اذ كلما ارتفع دخل الفرد كان ذلك ادعى لممارسة الادخار والعكس صحيح؛ فأصحاب الدخول الصغيرة لا ينظرون للادخار كهدف لضآلة ما يمكنهم ادخاره واعتقادهم بعدم جدوى الادخار. وتطرق كذلك إلى أن للمجتمع السعودية خصوصية ايجابية من جهة وقد تكون سلبية من جهة أخرى توضع في الاعتبار وهي التكافل الاجتماعي بين الافراد والاقرباء؛ الا انها قد تتعارض مع الادخار وضبط الانفاق؛ ومن ذلك عادة الكرم ونمطه ومعاييره على سبيل المثال الامر الذي يشكل ضغطا على الأسر محدودة أو منخفضة الدخل التي تقيم في المدن. هذه العادة قد تلتهم جزءاً كبيراً من الدخل الشهري للأسر محدودة الدخل ممن وقعوا بين كماشتي التقاليد من جهة ومتطلبات العيش في مناطق حضرية لها شروطها في العيش من جهة أخرى.

في حين ذكرت د. مها العيدان في التعقيب الثاني أن الادخار لا يعد مفهوماً حديثاً؛ حيث ظهر ونشأ مع وجود الإنسان، واختلفت أنواعه تبعا لاختلاف الزمن والمجتمعات والأفراد. بالإضافة إلى ذلك، اختلف شكل وطريقة الادخار، حيث كان سابقا يعد نوعا من أنواع الأمان الاقتصادي سواء على نطاق الفرد أو المجتمع. وحيث أن المملكة تمر بخطة إصلاحات اقتصادية قوية من خلال رؤية المملكة 2030، فإن على المواطن السعودي إعادة النظر في العديد من عاداته الاستهلاكية، وهنا يأتي دور نشر الوعي بين الأفراد لتحقيق مستوى اقتصادي يساعد الأسرة في تجنب أي أزمة اقتصادية مع التوسع في إقامة صناديق استثمارية في مؤسسات العمل.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • مفهوم ثقافة الادخار وأهميتها.
  • معوقات ثقافة الادخار في المجتمع السعودي.
  • الأسرة السعودية وتحديات إدارة الدخل وممارسة الادخار.
  • آليات تعزيز ثقافة الادخار في المملكة.
  • الصناديق العائلية وتعزيز ثقافة الادخار.
  • التنشئة الاجتماعية وتفعيل دور المؤسسات ودورهما في بناء ثقافة الادخار.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • إعداد دراسات وطنية شاملة لرصد اتجاهات أفراد المجتمع السعودي نحو الادخار والعوامل المؤثرة فيها وآليات تعزيز ثقافة الادخار لديهم.
  • تحفيز المؤسسات الحكومية والشركات المساهمة على تأسيس صناديق ادخارية للعاملين لديهم.
  • توفير منتجات ادخارية واستثمارية ذات عوائد مجدية تناسب إمكانيات واحتياجات كافة شرائح المجتمع.
  • انشاء كيان خاص بالتوعية المالية وفقاً لما ورد في برنامج تطوير القطاع المالي يساعد الحكومة في متابعة المبادرات المختلفة في مجال الادخار والاستثمار ويوفر الحوكمة لمسيرة التوعية المالية الشاملة وكذلك الخلفية المناسبة للقرارات المتعلقة بخطط الادخار الخاصة بالمواطنين على المستوى الوطني.
  • صياغة برامج ادخارية مستدامة تساهم في تملك السكن للمواطنين عن طريق الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.

 

  • الورقة الرئيسة: د. بسمة مزيد التويجري

مقدمة

تعتبر قضية الادخار من أهم القضايا التي تشغل بال الاقتصاديين حول العالم، حيث أنها تشكل أحد أسس النمو الاقتصادي، ويتفق العديد من الاقتصاديين على أن الادخار ضروري لزيادة رأس المال المطلوب لتنفيذ أي برنامج استثماري يعزز النمو الاقتصادي. إن انخفاض معدلات الادخار في أي دولة من دول العالم يعد عاملاً مؤثراً في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي يجبر الدولة على اللجوء إلى مصادر خارجية لتمويل الاستثمارات، وما يمثله ذلك من أعباء اضافية تتحملها الدولة. وفي هذه الورقة سأتناول موضوع الادخار من ثلاث زوايا:

  1. الادخار في المملكة: محدداته وواقعه وبعض الجهود لتعزيز ثقافة الادخار.
  2. ترشيد الاستهلاك كأحد صور الادخار وأفضل الممارسات لتعزيزه.
  3. أثر ثقافة الادخار على الاقتصاد السعودي.

 

أولاً الادخار في المملكة

محددات الادخار في المملكة:

هناك العديد من المتغيرات والعوامل التي تؤثر إيجاباً أو سلباً في معدلات الادخار في أي اقتصاد، سأتناول فيما يلي بعض تلك العوامل أو المحددات.

1- المحددات الديموغرافية

مثل الهيكل العمري للسكان الذي يؤثر في مستويات الادخار، ولهذه العوامل الديموغرافية آثار متفاوتة في معدل الادخار، فتأثير السكان الشباب (15-64 سنة) ايجابي في الادخار وفقاً لتوقعات نظرية دورة الحياة، حيث أنه كلما ارتفع معدل السكان في سن العمل في المجتمع، كلما زاد احتمال ميلهم للادخار من أجل استخدام هذه المدخرات بعد مرحلة التقاعد أو للحالات الطارئة.

2- أسعار الفائدة

يمكن النظر إلى تأثير أسعار الفائدة على مستويات الادخار من زاويتين:

  1. تأثير البدائل ويقصد به أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي إلى ارتفاع أسعار الاستهلاك الحالية مقارنة بالأسعار المستقبلية وبالتالي تؤثر ايجاباً على مستويات الادخار.
  2. تأثير الدخل ويعني أنه إذا كان الفرد يستثمر أمواله مستفيداً من أسعار الفائدة المرتفعة فسيؤدي ذلك إلى زيادة الدخل وبالتالي زيادة الاستهلاك وانخفاض الادخار.

لذلك من المتوقع أن يكون لسعر الفائدة المرتفعة تأثير ايجابي على مستويات الادخار فقط عندما يهيمن تأثير البدائل على تأثير الدخل.

3- التضخم

يعتقد الاقتصاديون أن التضخم بحد ذاته ليس له تأثير حقيقي على سلوك الادخار ولكن عدم اليقين متمثلا في مستويات عالية من التضخم من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات الادخار وخاصة لدى الأفراد الذين يحاولون تقليل المخاطر عن طريق ادخار جزء من دخلهم تحسباً لأي تغيرات مستقبلية أي أنهم يقلصون من استهلاكهم الحالي ويدخرون من أجل الاستهلاك في المستقبل عندما تكون معدلات التضخم أفضل.

4- تطور القطاع المالي

إن درجة تطور القطاع المالي وتوفر الأصول المالية التي تناسب المدخرين تعتبر أحد العوامل الهامة في زيادة معدلات الادخار. إن زيادة عدد الفروع في البنوك وتسهيل الاجراءات البنكية الرقمية سيؤدي إلى انخفاض تكلفة المعاملات البنكية وتحفيز الأفراد على الادخار.

5- معدل الادخار الحكومي

يؤثر معدل الادخار الحكومي بشكل عكسي على معدل الادخار الخاص، فإن خفض معدل الادخار الحكومي له أثر إيجابي على معدل الادخار الخاص ولذلك فإنه من الضروري المحافظة على توازن الموازنة العامة للدولة وفي حالة وجود أي عجز في هذه الموازنة بسبب انخفاض الايرادات فيفضل أن تكون معالجة هذا العجز عن طريق خفض الانفاق غير الاستثماري لتجنب الأثر السلبي على معدل الادخار الخاص.

 

بعض جهود المملكة في تعزيز ثقافة الادخار:

  • أصدر مركز التواصل والمعرفة المالية بالتعاون مع المركز الوطني لإدارة الدين العام في العام 2021 وثيقة أدوات الإدارة المالية الشخصية ضمن مبادرات المركز لتعزيز الثقافة المالية والوعي المالي وزيادة التوعية بأهمية الادخار والتخطيط المالي.

وتستعرض الوثيقة مفهوم الميزانية وتعريفها وأهميتها مع توضيح خطوات إنشائها، وتتناول فوائد الادخار وتبين الفرق بينه وبين الاستثمار وكيفية ترتيب الأولويات عند الادخار مع ضرب أمثلة على المنتجات الادخارية.

ويركز الإصدار على أهمية ترسيخ ثقافة الادخار في ظل التغيرات الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي. ويشكل تغيير السلوك الاجتماعي نحو الادخار أهمية كبيرة لتحقيق أهداف برنامج تطوير القطاع المالي بوصفه أحد برامج رؤية المملكة 2030.

ويستهدف المركز الوطني لإدارة الدين تطبيق عدد من البرامج الادخارية على مستوى المملكة بهدف التشجيع على زيادة الادخار، وغرس ثقافة ادخار تحصل على مرتبة رائدة إقليمياً وعالمياً في مجال التثقيف والوعي المالي”، وتجدر الإشارة إلى أن برنامج تطوير القطاع المالي يهدف إلى رفع نسبة الادخار لدى الأسر السعودية إلى أربعة أضعاف النسبة المسجلة حالياً (1.6% من الدخل السنوي للأسرة)، وهي نسبة ضعيفة جداً مقارنة بمعدلات عالمية تبلغ 11% في ألمانيا، و36% في الصين.

  • أطلقت ساما عام 2020 حملة توعوية واسعة تحت شعار “القليل.. كثير بعدين” لتثقيف الجمهور بأهمية الادخار والتخطيط المالي وجاءت هذه الحملة انطلاقاً من مسؤولية البنك المركزي في تعزيز الوعي المالي لدى كافة فئات المجتمع وسعيه إلى رفع مستوى الثقافة المالية بما يسهم في تحقيق مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي – أحد برامج رؤية المملكة 2030 – المتمثلة في تعزيز ثقافة التخطيط المالي ورفع نسبة الادخار، مما ينعكس إيجابًا على جودة حياة الأفراد والأسر وعلى متانة الاقتصاد بشكل عام. وتضمنت حملة “القليل.. كثير بعدين” رسائل توعوية بثت عبر عدة قنوات منها: لوحات الطرق الإعلانية والوسائل المرئية والمسموعة، إضافة إلى فعاليات أخرى وبرامج تفاعلية تمحورت حول تقديم حلول عملية لأفراد المجتمع لإعادة إدارة مصروفاتهم والتخطيط لمستقبلهم بفعالية. واستمرت فعاليات هذه الحملة لمدة ثلاثة أشهر، حيث كان لها دور فاعل في توعية وتوجيه السلوك المجتمعي لتبني فكرة الادخار والتخطيط المالي، وذلك من خلال تضافر الجهود مع القطاعين المصرفي والتأميني، التي قامت بدورها في تعزيز وتوفير الأساليب والمنتجات الادخارية المناسبة.

 

صورة عن واقع الادخار في المملكة اليوم

أوضح المدير التنفيذي للادخار في بنك التنمية الاجتماعي عن ارتفاع قيمة مدخرات المواطنين حتى نهاية الربع الثالث من 2022 إلى 343 مليون ريال لنحو 166 ألف مواطن ومواطنة، اشتركوا في برامج الادخار الذي يعد أحد برامج الحماية الاجتماعية ضمن رؤية المملكة 2030 لتطوير القطاع المالي وتحفيز الادخار، ويستهدف البنك القيام بالتالي:

  1. أن يكون اليوم العالمي للادخار والذي يوافق 31 أكتوبر من كل عام فرصة للتشجيع على تعزيز ثقافة الادخار.
  2. رفع الوعي المالي لدى فئات المجتمع عبر التخطيط للاستثمار في تأمين المستقبل من خلال التوعية المستمرة عبر البرامج الادخارية والحملات الإعلانية.
  3. وقع البنك عدداً من اتفاقيات الشراكة مع العديد من البنوك السعودية لتوفير المحافظ الادخارية الخاصة ببرنامج «زود ادخاري» و«زود الأجيال» الذي أطلق خصيصاً للأطفال من عمر السادسة حتى 18 عاماً.

وفي تصريح لمستشار محافظ النك المركزي أوضح فيه أن معدل الادخار لدى الأسر السعودية لا يتجاوز 2.4% من الدخل السنوي المتاح وهو معدل منخفض جداً إذا ما قارناه بالمعدل العالمي البالغ 10% والمتعارف عليه كحد أدنى لضمان الاستقلال المادي في المدى الطويل.

 

ثانيا: ترشيد الاستهلاك كأحد صور الادخار وأفضل الممارسات لتعزيزه

يعتبر ترشيد الاستهلاك من أهم الركائز التي تقوم عليها المجتمعات السليمة وقد ذكر في القرآن الكريم حيث يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) – (الفرقان: آية 67) – وترشيد الاستهلاك يعني الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة ويتم باستخدام عدد من الإجراءات والتقنيات التي تسهم في توفير الموارد وهو بحسب هذا التعريف شكل من أشكال ادخار الأموال التي كانت ستصرف على مزيد من الاستهلاك غير الضروري. ويسهم ترشيد الاستهلاك في تقديم فوائد جمة للفرد والمجتمع من حيث توفير الأموال والمحافظة على الموارد، ويرتبط ترشيد الاستهلاك بمجموعة من الممارسات التي يجب على الأفراد تعلمها وممارستها باستمرار مثل حماية موارد البيئة ومعرفة أفضل الطرق لاستخدامها، والمقدرة على التخطيط المالي السليم.

ترشيد الاستهلاك يأخذ صوراً متعددة وهناك مجموعة من الممارسات المثلى التي تفيد في تعزيز ثقافة الاستهلاك الرشيد منها:

  • في المجال الزراعي:

ويكون ترشيد الاستهلاك عن طريق الاستفادة القصوى من مياه الأمطار ورفع كفاءة أساليب الري بالإضافة إلى تشجيع زراعة المحاصيل التي لتحتاج إلى كميات كبيرة من الماء وإعادة تدوير المياه العادمة.

  • في الأنشطة اليومية:

ويكون ترشيد الاستهلاك في استخدام المياه وفي استخدام الطاقة المنزلية لتشغيل الآلات والأدوات وذلك من خلال تغيير السلوك اليومي الذي لا يهتم بالاستخدام الأمثل لمصادر المياه والطاقة وكذلك استخدام الأجهزة ذات التقنيات الموفرة للطاقة.

  • في المجال الغذائي:

ويكون الترشيد بالاستهلاك الأمثل للمواد الغذائية دون هدر أو إسراف والمحافظة عليها من التلف وشرائها بكميات مناسبة لحجم الاسرة ومستوى دخلها ومتابعة أسعارها والاستفادة من أي انخفاض فيها وعدم التأثر بالإعلانات التجارية التي تروج لمزيد من الاستهلاك بما يتعدى الاحتياج الحقيقي، ويكون الترشيد أيضاً بتقدير النعمة وأن هناك الكثير من الناس في أنحاء متفرقة من العالم لا تتوفر لهم مثلها.

  • في مجالات أخرى مثل:

ترشيد الاستهلاك في الصحة وذلك بالتوقف عن ممارسة العادات التي تضر بها كالتدخين وتناول الأطعمة غير الصحية والابتعاد عن ممارسة الرياضة. كذلك الأمر بالنسبة لترشيد الاستهلاك في الوقت عن طريق تنظيمه والالتزام بالمواعيد وتقدير قيمته الحقيقية وعدم هدره فيما لا يفيد.

 

ثالثاً: أثر الادخار على الاقتصاد السعودي

تهدف رؤية المملكة 2030 إلى زيادة معدل الادخار من 6% إلى 10% عام 2030 وذلك من خلال زيادة فرص ومنتجات الادخار والتغيير الإيجابي في سلوك الأفراد تجاه عملية الادخار، وقد أشارت العديد من الدراسات إلى وجود علاقة ايجابية بين الادخار والنمو الاقتصادي ويمكن تفسير هذه العلاقة الايجابية بطريقتين:

  1. زيادة معدلات الادخار تحفز على مزيد من الاستثمار والذي بدوره يؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية وزيادة قدرة الاقتصاد الذاتية على التطور وتحقيق مستويات أعلى من النمو الاقتصادي.
  2. أن معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة تحفز مستويات أعلى من الادخار.

وكذلك تسهم السياسات التي تقيد التمويل الاستهلاكي (البيع بالأقساط وبطاقات الائتمان) في زيادة معدلات الادخار ودعم للنمو الاقتصادي، كما أن زيادة عرض النقود وانخفاض أسعار الفائدة تسهم في زيادة الاستهلاك وتقليل مستويات الادخار.

وشددت دراسة اقتصادية صادرة عن شركة «كي بي إم جي» الاستشارية في السعودية حول «تحليل ادّخار الأسر في المملكة العربية السعودية»، على علاقة ادّخار الأسرة بالنمو الاقتصادي للدولة، مشيرة إلى ضرورة تحسين معدلاته ورفعه إلى المستوى العالمي 10%، المتعارف عليه كأدنى مستوى لضمان الاستقرار المالي على المدى الطويل. وأشارت الدراسة إلى أن ادّخار الأسر واستثماراتها عنصران حيويان في الأداء السليم للاقتصاد السعودي، وأنه من الضرورة تحقيق معدل مقبول من النمو الاقتصادي لبلوغ معدل ملائم من الاستثمار، وبالتالي وجود التوريد الكافي للمدخرات. وأوضحت الدراسة أنه نظراً للدور الرئيس الذي يمارسه ادّخار الأسر في التنمية الاقتصادية للدولة، أطلقت المملكة، كجزءٍ من برامج (رؤية 2030) برنامج تطوير القطاع المالي، الذي يتمثل أحد الأهداف الرئيسية له في تطوير قطاع مالي متنوع لدعم تنمية الاقتصاد الوطني وتحفيز الادخار الهادف لزيادة معدل ادّخار الأسرة في البلاد من 2.4% عام 2013 إلى 7.5% في عام  2020 و10% بحلول العام 2030. وأن عدم توفر عدد كافٍ من منتجات الادخار في السوق وانخفاض مستوى الوعي المالي مقارنةً بالدول الأخرى، كأستراليا وألمانيا، أدى إلى إفراز بعض العوامل المسببة لانخفاض معدل ادّخار الأسر، وأن مستوى ادّخار الأسر في السعودية وفقاً لإحصائية عام 2018 منخفض بشكل ملحوظ، مقارنةً بالمعدلات الموجودة في دول مجموعة العشرين الأخرى

ونظراً لأهمية رفع معدلات الادخار وارتباط ذلك بزيادة الاستثمار ورفع مستويات النمو الاقتصادي في المملكة، نورد بعض المقترحات التي تسهم في زيادة تلك المعدلات.

مقترحات لزيادة معدلات الادخار في المملكة:

  1. الترويج لثقافة الادخار بين الأفراد والعمل على نشر هذه الثقافة لجميع فئات المجتمع.
  2. تحفيز المؤسسات الحكومية والشركات المساهمة على تأسيس صناديق ادخارية للعاملين لديهم.
  3. توفير القنوات الاستثمارية ذات العوائد المجدية لتحفيز الأفراد على الادخار والاستثمار.
  4. تجنب الاستهلاك الترفي ومحاكاة المجتمع في النمط الاستهلاكي غير الضروري.
  5. ترشيد الانفاق في كافة مناحي الحياة.
  6. أوردت الدراسة الاقتصادية المقدمة من شركة (كي بي ام جي) عدداً من المقترحات لتعزيز الادخار في المملكة منها:
  • الاستفادة من الاقتصاد السلوكي لفهم الخصائص السلوكية للسكان للمساعدة في تصميم سياسات عامة مناسبة لاحتياجات المواطنين تنعكس بشكل ايجابي على حجم مدخراتهم.
  • إجراء تجارب عشوائية مضبوطة على نطاق صغير لفهم سلوك الادخار لدى المواطنين مما ينتج عنه ظهور منتجات تجارية مجدية في المراحل المقبلة.
  • إنشاء هيئة رقابية تشرف على تنفيذ التجارب السلوكية وترصد التقدم المحرز فيها وتجري الاجراءات التصحيحية عند الحاجة.
  • إنشاء كيان خاص بالتوعية المالية وفقاً لما ورد في برنامج تطوير القطاع المالي يساعد الحكومة في متابعة المبادرات المختلفة في هذا المجال كما أنه سيوفر الحوكمة لمسيرة التوعية المالية الشاملة ويوفر الخلفية المناسبة للقرارات المتعلقة بخطط الادخار الخاصة بالمواطنين والتي من المؤمل أن تحقق ادخار أفضل على المستوى الوطني ومستوى التنمية الاقتصادية الشاملة.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. خالد الرديعان

١- نمط الانفاق الأسري:

يشيع في مجتمعنا نمط إنفاق غير رشيد وذلك في الغالب الأعم ومن واقع دراسة حول الموضوع (الرديعان، ٢٠٠٥). يعود هذا النمط إلى عدة أسباب؛ ومنها زيادة دخول الافراد إلى مستويات تمكنهم من توفير الكثير من السلع الضرورية والكمالية، وهيمنة النزعة الاستهلاكية consumerism التي تعود إلى قوة الاعلان التجاري في جميع وسائل الاعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، وسلوك المحاكاة imitation الذي يمارسه الكثيرون عند شراء السلع دون الاخذ في الاعتبار مسألة الحاجة للسلعة وسعرها وبدائلها. يمكن التدليل على ذلك بموضوع “هيمنة الماركة” والاعتقاد السائد انها ترتبط بالمكانة الاجتماعية في مجتمع يقيم اعتباراً كبيراً للمظاهر وكيف تتشكل صورة الفرد أمام الآخرين بسبب ما يمتلكه من سلع؛ كالسيارة والملابس وكل ما يظهر للناس. سأعطي مثال صغير لتأثير المظهر ومن واقع تجربة: عندما يقود أحدهم سيارة فارهة او فخمة فإنه عادة لا تتم مضايقته في الشوارع من قبل الساقة الاخرين، في حين ان احتمال تعرضه للمضايقة سيكون قائماً إذا كانت سيارته متواضعة. هذا السلوك يدفع بالبعض حتى لو كان دخله منخفضاً لشراء سيارة فخمة بغرض “شراء مكانة اجتماعية” قبل شراء وسيلة مواصلات للتنقل عليها. هل هذا سلوك إنفاق رشيد؟ بالطبع فهو ليس سلوكاً رشيداً البتة، والمعاناة ستقع على اصحاب الدخول المنخفضة لمجاراة غيرهم وتعزيز مكانتهم الاجتماعية.

٢- الادخار:

يرتبط الادخار عادة بمستوى دخل الفرد؛ اذ كلما ارتفع دخل الفرد كان ذلك ادعى لممارسة الادخار والعكس صحيح؛ فأصحاب الدخول الصغيرة لا ينظرون للادخار كهدف لضآلة ما يمكنهم ادخاره واعتقادهم بعدم جدوى الادخار. شيوع “فوضى الانفاق” سبب آخر لعدم اللجوء للادخار، وعدم التخطيط الجيد للدخل وسبل انفاقه، وسهولة الحصول على القروض البنكية عند الحاجة، وعدم وجود اوعية ادخار كافية عدا الاسهم التي لا تبدو انها مقنعة للبعض بسبب تقلب اسعارها وهزالة ارباحها خاصة إذا كانت بكميات صغيرة في حين انه يصعب الادخار لشراء عقار لأنه سيتطلب مبالغ كبيرة مقارنة بالأسهم التي يمكن شراءها بأي مبلغ. ومن اسباب عدم الادخار كذلك صعوبة ممارسة الموظف للعمل التجاري في انشطة تجارية تتطلب الكثير من التصاريح وذلك باستثناء ممارسة اقتصاد الظل غير الرسمي الذي يتم عادة بالتستر عن طريق العمالة الوافدة. نشاهد الكثير من المحلات التجارية على سبيل المثال بأسماء سيدات وعادة ربات بيوت، الا ان المستفيد الحقيقي هو الوافد الذي يقوم بالعمل الحقيقي ويقدم مردود شهري صغير لصاحبة أو صاحب المنشأة وهو الموظف الحكومي الذي استخدم أسم زوجته أو ابنته للتستر على الوافد. سبب اضافي لعدم الادخار هو ان البعض قد يرى ان ادخار مبلغ شهري صغير يقتطعه من مرتبه غير مجدِ في ظل ارتفاع الاسعار وعدم استقرار السوق، وضعف العائد من المبلغ المدّخر.

 

٣- بدائل السلع:

جميع السلع التي تستهلكها الأسرة بشكل عام كالأغذية والملابس والاثاث المنزلي ومواد التنظيف والأدوية والعقاقير التي تصنعها عدة شركات محلية ودولية متفاوتة في السعر والجودة. ورغم ذلك فهناك سلع تتوفر فيها الجودة والسعر المناسب دون ان تكون “ماركات مشهورة” وهو ما يفترض اقتناءه خاصة من قبل اصحاب الدخول المنخفضة. سأعطي مثال: هناك محل شهير في الرياض له فرعان بدأ في التوسع اخيراً بفتح فروع جديدة يبيع انواع من الشامبو بجودة عالية بسعر يتراوح بين ٧-١٠ ريالات للعبوة الكبيرة (٧٠٠ مل)، في حين ان الانواع التي تعد “ماركات” ونفس الكمية تباع في الصيدليات و(السوبرماركتات) بسعر قد يتجاوز ٣٠ ريالاً للعبوة. هناك بالطبع اقبال شديد على المحلات المذكورة ومن مختلف الشرائح الاجتماعية. المسألة الأساسية في الموضوع هي ان جميع السلع تقريباً لها بدائل بأسعار مناسبة بما في ذلك الادوية والعقاقير بدلاً من الوقوع تحت تأثير “الماركة”. وهناك بالطبع الشراء عن طريق “الاونلاين” وهو سلوك شاع مؤخراً يلجأ اليه البعض بسبب السعر المنخفض للكثير من السلع وخاصة التي تأتي من الصين.

٤- الموازنة الأسرية:

نشرت دراسة عام ٢٠٠٥ تبين لي من نتائجها ان فقط ٤-٥٪؜ من الأسر السعودية في الرياض تضع موازنة شهرية بصورة بنود إنفاق لمصروفاتها الشهرية وهي نسبة ضئيلة تشير إلى عدم قدرة الكثيرين على ضبط الانفاق الشهري؛ مما يعرضهم لضغوط مالية في بعض الايام وخاصة في الثلث الاخير من الشهر، في حين اننا نلاحظ اكتظاظ الاسواق والمجمعات الشهرية في الايام التي تلي صرف المرتبات وحمى الشراء البذخي. هناك بالطبع مصروفات أساسية لابد من دفعها بانتظام؛ كفواتير الخدمات من كهرباء وتلفون وماء، واقساط مدارس، ورسوم تأمين السيارات وتجديد رخص سيرها، ومرتبات العمالة المنزلية وايجار المسكن، لكن تفاوت فترات دفع بعضها قد يخلق ضغوط مالية لبعض الأسر بسبب غياب التخطيط السليم لطرق إنفاق الدخل وعدم وضع موازنة شهرية او ربع سنوية لبنود الانفاق.

٥- المصروفات الطارئة:

لمجتمعنا السعودية خصوصية ايجابية من جهة وقد تكون سلبية من جهة أخرى توضع في الاعتبار وهي التكافل الاجتماعي بين الافراد والاقرباء؛ الا انها قد تتعارض مع الادخار وضبط الانفاق؛ ومن ذلك عادة الكرم ونمطه ومعاييره على سبيل المثال الامر الذي يشكل ضغطا على الأسر محدودة أو منخفضة الدخل التي تقيم في المدن. هذه العادة قد تلتهم جزءاً كبيراً من الدخل الشهري للأسر محدودة الدخل ممن وقعوا بين كماشتي التقاليد من جهة ومتطلبات العيش في مناطق حضرية لها شروطها في العيش من جهة أخرى. يدخل ذلك ضمن المصروفات الطارئة التي يصعب توقعها وضبطها. كما ان هناك عادة اجتماعية شبيهة وهي “الرفد” واقصد بذلك العناية ببعض الاقارب والفروع وتقديم العون لهم في مناسبات كثيرة كالزواج والعوز وولادة طفل ورعاية المطلقات، وصناديق الأسر والقبائل، واخيراً دفع الديات وان كان الاخير غير دائم.

 

  • التعقيب الثاني: د. مها العيدان

الادخار ليس مفهوم حديث، لقد ظهر ونشأ مع وجود الإنسان، وتختلف أنواعه تبعا لاختلاف الزمن والمجتمعات والأفراد. بالإضافة إلى ذلك، اختلف شكل وطريقة الادخار، حيث كان سابقا يعد نوعا من أنواع الأمان الاقتصادي سواء على نطاق الفرد أو المجتمع. كما كان لبس الذهب للمرأة أحد أوجه الادخار للأسرة على مختلف العصور والحضارات وخاصة العربية.

قال الله تعالى (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ) (سورة يوسف الآية:47). الادخار هو قدرة الفرد على تخصيص جزء من دخله من أجل المستقبل. ومبلغ الادخار هو الفارق بين حجم الدخل وحجم الإنفاق، ويتوقف هذا الأخير على نظام معيشة الفرد وسلوكه وتصرفاته، وبالرغم من ذلك ثم فإن القدرة الادخارية ليست متوقفة على حجم الدخل المطلق، بل هي مسألة نسبية تختلف من فرد إلى آخر وتتغير بتغير الظروف.

أما الرغبة الادخارية فهي مسألة نفسية تربوية تقوى وتضعف تبعا للدوافع التي تدعوا للادخار ومقدار تأثر الفرد والطبقات الاجتماعية بهذه الدوافع.

في الدول الصناعية الكبرى يعتبر الادخار من ثقافة شعوبها، في اليابان على سبيل المثال تصل نسبة ادخار الفرد إلى 25% من دخله. كما ترتفع نسبة الادخار في بعض الدول العربية التي عانت من الأزمات الاقتصادية أو السياسية، حيث تقدر نسبة الادخار في المصارف العربية 23% من إجمالي الناتج المحلي.

وتكاد تكون ثقافة الادخار معدومة في بقية الدول العربية الغنية وعلى رأسها دول الخليج، بالرغم من وجودها لدى بعض فئات مجتمعها الذين يعرفون بشدة حرصهم على ثقافة الادخار مما قد يسميها البعض بالبخل وحب المال، وينطلقون من مبدأ «أحفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود». حيث تشير بعض الدراسات إلى أن 75% من الأسر العربية في منطقة الخليج العربي لا تدخر من دخلها الشهري أو السنوي.

في المجتمع السعودي قد يرجع انعدام ثقافة الادخار للأسباب التالية:

  • أولاً: ترسيخ النزعة الاستهلاكية والإنفاق غير المنضبط لدى شرائح واسعة من المجتمع السعودي وذلك يرجع إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية ومن أبرز مؤشرات ذلك ما يلي:
    • المبالغة في استهلاك المواد الغذائية.
    • الانتشار الكبير للمطاعم والمقاهي.
    • استحواذ المستلزمات الكمالية لا الأساسية على الجزء الأكبر من مداخل الأفراد والأسرة.
    • ازدياد الإقبال على القروض الفردية.
    • اتساع نطاق المديونية لتلبية تلك النزعة الاستهلاكية.
    • الإغراءات الشرائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  • ثانيا: العادات والتقاليد. حيث أن عملية الاستهلاك تتأثر بالعادات والتقاليد الاجتماعية والمناسبات الدينية، وأساليب المعيشة، والقيم الاجتماعية، وميل بعض الناس إلى حب المظاهر. أيضا، تأثير دور بعض الجماعات الاجتماعية كالجيرة، والأصدقاء، والقرابة وغيرها في عملية الاستهلاك حيث يلعب دورا رئيسيا في حياة معظم الناس من خلال تحديده لبعض رموز المكانة التي تظهر في حيازة بعض السلع والمنتجات كامتلاك السيارة أو المنزل والأثاث الفاخر.
  • ثالثا: التنشئة الاجتماعية. فثقافة الادخار مفقودة عند الوالدين وبالتالي ستكون مفقودة عند أطفالهم ويربى الطفل من صغره على ثقافة التبذير. ومن هنا تبرز المشكلة التي يواجهها الشباب عند نضجهم وفي شبابهم، حيث يحذر الخبير الاقتصادي الدكتور محمد بن دليم القحطاني من غياب ثقافة الادخار في المجتمع السعودي مبيناً أن أكثر من 90 % من الأسرة السعودية لا تدخر لها أي مبلغ مالي بسبب الإنفاق الزائد في المصروفات.
  • رابعا: التغيرات الثقافية والاقتصادية في المجتمع حيث ظهرت مفاهيم ثقافية جديدة على الأسرة السعودية أسهمت في زيادة الانفاق خاصة مع الانفتاح على العالم الخارجي وزيادة القوة الشرائية مع اتساع الأسواق. والتسهيلات البنكية من خلال بطاقات الاتمان.

لذا لابد أن ندرك أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها العالم تلزمنا إلى سرعة نشر ثقافة التوفير من خلال ترشيد الإنفاق وخفض المصاريف الكمالية والتركيز على الإنفاق الأساسي فقط.

حيث أن المملكة تمر بخطة إصلاحات اقتصادية قوية من خلال رؤية المملكة 2030، يرى الخبراء أن على المواطن السعودي إعادة النظر في العديد من عاداته الاستهلاكية، وهنا يأتي دور نشر الوعي بين الأفراد لتحقيق مستوى اقتصادي يساعد الأسرة في تجنب أي أزمة اقتصادية مع التوسع في إقامة صناديق استثمارية في مؤسسات العمل.

 

  • المداخلات حول القضية
  • مفهوم ثقافة الادخار وأهميتها.

يتمثل الادخار في “اقتطاع نسبة أو جزء محدد من الدخل الشهري أو اليومي دون إنفاقه لفترة زمنية معينة قد تصل إلى سنوات، عادة ما يتم اقتطاع مبلغ الادخار قبل البدء بعملية الانفاق والعكس ليس صحيحاً”.

وعلاقة الإنسان مع المال تنحصر في ثلاثة وجوه:

– الكسب

– الإنفاق (استهلاكي وخيري)

– الادخار.

في المرحلة العمرية المبكرة يكون (الإنفاق) “الاستهلاكي” هو السلوك المهيمن. بينما في المرحلة العمرية المتوسطة يبدأ (الكسب) ويستمر (الإنفاق) “الاستهلاكي”. أما في المرحلة العمرية المتقدمة يزداد الحرص على (الكسب) ويقل (الإنفاق) “الاستهلاكي” ويبدأ فعل (الادخار). في حين في المرحلة العمرية المتأخرة ينبغي أن يقل الحرص على (الكسب) ويثبت فعل (الادخار) ويزداد (الإنفاق) “الخيري”.

وتعد ثقافة الادخار من الأمور الجوهرية في حياة الأفراد والمجتمعات، فالواقع يؤكد ان الفرد قد يمر في حياته بمراحل وتقلبات لا يتوقعها أو لا يستطيع تحاشيها، كما أن بعض التقلبات تتطلب وجود وفرة مالية ليتمكن الفرد من مواجهتها ومعالجة أثرها، وبالنسبة لمجتمعنا السعودي يمكن القول إن التنمية الشاملة تتطلب العديد من العوامل لتحقيقها ووصول الاقتصاد الوطني لمرحلة النمو الذاتي وهو ما تعمل عليه رؤية ٢٠٣٠.

ونجد ان نسبة ادخار الأفراد تعتمد بشكل أساسي على احتياجاته التي تتنوع بين الضروريات والكماليات، فالضروريات هي الأمور الحياتية الأساسية والأمور التي يمكن التخطيط لها أو يصعب توقعها بالإضافة إلى أن الإنسان بطبيعته تزيد احتياجاته مع تكوين أسرته وزيادة عددها، ولعل من الاحتياجات الأساسية للإنسان التي ينبغي أن يخطط لها على سبيل المثال شراء مسكن، فالمسكن قد لا يتمكن الإنسان من تحقيقه في عام أو عامين بل يحتاج عدد من السنوات وخاصة في ظل عدد السكان المتنامي لدينا بشكل كبير.

والادخار أصبح منذ زمن ثقافة الشعوب في الدول الصناعية الكبرى، كما يعتبر كذلك في بعض الدول العربية التي عانت من أزمات اقتصادية أو سياسية، وتكاد تكون ثقافة الادخار معدومة في بقية الدول العربية الغنية وعلى رأسها دول الخليج، رغم وجودها لدى بعض فئات مجتمعها الذين يعرفون بشدة حرصهم على ثقافة الادخار إلى حدودها القصوى ويسميها البعض البخل وحب المال، وينطلقون من مبدأ “احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود”.

والادخار الإيجابي أصبح ضرورة تفرضها الظروف الاقتصادية في التوفير وترشيد استخدام الطاقة الكهربائية والمياه وترشيد استخدام السلع مثل السيارات والأجهزة الكهربائية وغيرها عن طريق حسن استعمالها؛ كل ذلك سوف يساهم في ادخار نسبة من الدخل الأساسي الذي حان الوقت لزيادته مع موجة التضخم العظيم الذي يشهده العالم والمملكة العربية السعودية من تلك البلدان شديدة التضخم المالي.

ولن نصل إلى بث ثقافة الادخار في المجتمع بالكلام والدراسات النظرية الباهتة بل لا من نشر ثقافة الترشيد في الإنفاق من البيت إلى المدرسة إلى الجامعة إلى العمل، ونحن كمجتمع لن نستطيع تجاوز الأزمات الاقتصادية بدون ثقافتي الترشيد والادخار، وتختلف نسبة الادخار للأسر وفقاً لعدة عوامل منها حجم الدخل، الاستهلاك الذي تحدده العوامل الموضوعية كالأسعار وعدد الأفراد والمستوى الاجتماعي والعوامل الذاتية كحب الظهور والتمتع بالقوة والجاه.

والمعضلة الكبرى في الحد من ذلك هو النزعة الاستهلاكية لدى المجتمع السعودي التي تتمثل في عوامل ذاتية لدى الأفراد وهي شعورهم بالقوة والسيطرة كلما زاد استهلاكهم، وكذلك سيطرة الفكر الرأسمالي المقيت لدى الشركات هذه الأيام.

ومن الضروري ان تركز الدراسات على فهم واقع ان الادخار يتنوع بين ادخار اختياري وفيه يمتنع الفرد عن استهلاك جزء من الدخل دون إجبار فيجد في هذا الامتناع مصلحة له، أما الادخار الجبري فيتولد نتيجة ضغط قوى خارجية اقتصادية أم غير اقتصادية، مثل اقتطاع من رواتب الموظفين ليكون لديه راتب عند تقاعده عن العمل، وهنا من الواجب ان تساهم فعاليات الحكومة على هذه العوامل وذلك بتشريع قوانين تشجع الافراد على ذلك الجانب الادخاري.

ومن شأن ثقافة الادخار تحقيق فوائد وأهداف عديدة على المستوى الشخصي للأفراد والمستوى المجتمعي منها تحقيق أرباح وعائدات تنمي الاقتصاد الوطني، لأن الأموال المدخرة موجهة إلى الاستثمار، وخلق تنمية اجتماعية كامتصاص البطالة وتحسين مستوى الخدمات لأن الأساس في الادخار أنه سلوك موجه للاستثمار وعلى المستوى الفردي يتمثل في الحد من الاستهلاك والبزخ.

  • معوقات ثقافة الادخار في المجتمع السعودي.

من المعروف أن قضية الادخار تشكل جزاء لا يستهان به من الناتج المحلي في كثير من دول العالم ففي الصين يتراوح الادخار ما بين ٤٠-٣٥ من دخل الفرد، على عكس ما تشير إليه الاحصاءات في المملكة أنها من أدنى المستويات في العالم، وأن مستوى الانفاق على الكماليات والسفر يأخذ من ٦٠-٨٠ في المئة وهو ما يعد مرتفعا للغاية لاسيما أن بند نفقات الضروريات كالتعليم والصحة منخفض نتيجة لتقديمها بالمجان، ومن وجهة نظر البعض فإن هذا عائد لاعتماد سياسات الرفاه أولاً في بدايات الخطط التنموية، وما نتج عنها من شيوع ثقافة استهلاكية عالية، واضمحلال ثقافة الادخار لدى الاسر ، ولربما يكون للإعلام دور كبير في شيوع الثقافة الاستهلاكية، وعدم تعزيز الثقافة الادخاري باستثناء ما تم مؤخرا من توعية وإن كانت بسيطة عن مخاطر الاقتراض، والدعوة إلى تعزيز ثقافة الادخار لصالح الضروريات مثل شراء المساكن.

كما أن التعليم يتحمل جزء من شيوع ثقافة الاستهلاك، وعدم الحرص على تنمية الثقافة الادخاري، ومن المؤكد أن اصابع الاتهام تتوجه ايضا لضعف الدور الذي تقوم به دور العبادة في تعزيز الثقافة الادخارية لدى الابناء وارباب الاسر.

وثمة إشكالية أخرى تشجع على الصرف وعدم الادخار، وتدفع الشخص لشراء أشياء لا يحتاجها، وهي التنزيلات. وبعضها أحيانا يكون خدعه للمستهلك، حيث يقوم المحل برفع سعر البضاعة الى سعر بيع التجزئة المقترح (RSP) والذي عادة ما يكون مبالغ فيه، ثم يقوم بتخفيضها للسعر الاصلي القديم، فالسعر بعد التنزيلات لم ينخفض بل رجع لقيمته الحقيقية. كما أن بعض المنتجات يتم تقليل الكمية التي بداخل العلبة وإبقاء شكل وحجم العلبة الخارجي على نفس ما كان عليه ( مثلا تخفيض الكميه من ٢ لتر إلى ١,٨ لتر ، أو من ٢٠٠ملم إلى ١٨٠ملم، أو علبة مناديل كان فيها ٢٠٠ منديل مزدوج تخفض الى ١٦٠ منديل مزدوج مع نفس حجم المغلف الخارجي، أو يكتب على الغلاف ٢٥٠ منديل مفرد ويظن المستهلك أنها أكثر بينما في الحقيقة هي أقل لأنها تصبح ١٢٥ منديل مزدوج وعادة لا يستخدم المنديل مفردا بل مزدوجاً)  ويبدو هذا الأمر للمستهلك أن السعر قد انخفض، بينما في الحقيقة هو لم ينخفض بل هو قيمة الكمية الموجودة في هذه العبوة، بينما يتم خداع بصر المستهلك. وفي بعض الأحيان قد يكون التخفيض حقيقي ومغري ولكن المستهلك لا يحتاج لهذه البضاعة.

فإذا رأى المستهلك الاعلان عن تخفيضات في وسائل الإعلام أو داخل المحل، وكان الإعلان مغرياً، فقد يدفع ذلك بالمستهلك إلى شراء أشياء هو لم يكن في حاجة لها في الأصل، هو فقط يريد أن يستفيد من هذا التخفيض. مما يؤدي إلى زيادة إنفاقه من المال الذي كان من المفترض أن يكون في رصيد الادخار.

ولذلك يجب أن يكون المستهلك ذكي. وعادة ما تقوم جمعيات حماية المستهلك بتوعية المستهلكين من هذه المصيدة. كما يُنصح المستهلك بكتابة قائمة بالمشتريات اللازمة قبل الذهاب لأسواق التجزئة (السوبرماركت) ليقيد نفسه في الشراء. ويُنصح أيضا بعدم اصطحاب الأطفال، لأنهم شرهين في شراء ما يُحبون، وإذا كان ولابد من اصطحابهم فيتم تقنين ما يشترون من خلال تحديد مبلغ للشراء لهم وإعطائهم إياه، كخمس أو عشر ريالات مثلا، وهنا الطفل سيقيد نفسه في مشترياته بل وممكن أن يوفر ريالين أو ثلاثة، وبذلك يتم زرع خاصية المستهلك الذكي في الأطفال من نعومة أظافرهم، مما يساعدهم على تعلم الادخار.

ولا شك أن دوافع الادخار تختلف من بلد لآخر حيث ينتشر في الغرب الادخار التقاعدي الذي يهدف الأفراد من خلاله إلى تأمين حياة كريمة ومستقرة مادياً بعد بلوغ سن التقاعد. في عالمنا العربي تسود النزعة الاستهلاكية وثقافة “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب “وهي ثقافة لا تتسق مع تعليمات ديننا الحنيف الذي يحض على الاعتدال في الانفاق وعدم الاسراف.

وتعد العادات والتقاليد أحد الأسباب الهامّة المعيقة للادخار في المجتمع السعودي، وربما كان المتوقع بعد جائحة كورونا والنمط الاقتصادي الذي صاحبها، أن يستمر الناس على هذا النحو ويقللوا من مصروفاتهم غير الضرورية ويتجهوا نحو الادخار، لكن للأسف عاد الأمر في الإنفاق على غير الضروريات أكثر من فترة الجائحة. والملاحظ أن حفلات الأعراس التي كانت مختصرة، ومحدودية الطلب على الأغذية من خارج المنزل والتقليل من الصرف على الكماليات، التي كانت وقت الجائحة، لم تعطنا الدروس الكافية للاستمرار بها.

والواقع ان الهدر في الطعام يكلف الدولة رعاها الله ارقاما فلكية بكل ما تعنية الكلمة ويتعارض مع ديننا الحنيف السمح، ومع ذلك الموضوع في تزايد، فحسب ما أعلنه معالي وزير البيئة والمياه والزراعة فإن “هدر الغذاء يكلف المملكة 40 مليار ريال سنوياً، فيما تبلغ نسبة الغذاء المهدر أكثر من 33%”. (واس، الخميس 2/4/2020).

ومن ناحية أخرى تتعدد انواع القروض الفردية من البنوك لشراء بعض الكماليات خاصة مع بطاقات الأتمان التي ساعدت في الحصول على المال بطريقة سريعة في الإنفاق غير المخطط ويتم بعد ذلك عملية الدفع عن طريق التقسيط.

كذلك فإنه ثمة فئة من المشاهير لاسيما – مشاهير التواصل الاجتماعي- لهم تأثير سلبي واضح في ثقافة الاستهلاك. ويبقى من المهم دراسة كيفية التعامل مع هذه الفئة وحجب تأثيرها السلبي.

وبالتأكيد فثمة تساؤل يطرح نفسه بقوة، هل بقي مجال للادخار ونسبه القروض وصلت إلى ارقام كبيرة على الأقل لشريحه كبيرة من المقترضين؟ فالواقع أنه قد وصلت قيمة القروض الشخصية (التسهيلات التي تقدمها المصارف التجارية لأشخاص طبيعيين بهدف تمويل احتياجات شخصية واستهلاكية ولأغراض غير تجارية) التراكمية بالمملكة إلى 474.62 مليار ريال بنهاية عام 2022، مقابل 447.89 مليار ريال في نهاية الربع المماثل من عام 2021؛ وفقاً لبيانات البنك المركزي السعودي “ساما”.

وتوزعت القروض الشخصية إلى قروض استهلاكية، وتمثل النسبة الأكبر من القروض الشخصية بواقع 95.14%، بالإضافة لقروض بطاقات الائتمان وتمثل 4.86%، علماً بأن تلك القروض يستثنى منها التمويل العقاري والتأجير التمويلي والتمويل الممنوح بغرض المتاجرة بالأسهم.

وارتفعت قيمة القروض الاستهلاكية التراكمية في السعودية بنسبة 5.4% بنهاية الربع الرابع من عام 2022 على أساس سنوي، مسجلة زيادة قيمتها 23.16 مليار ريال مقارنة مع قيمتها بنهاية الربع المماثل من عام 2021.

ووصلت القيمة الإجمالية للقروض الاستهلاكية بالمملكة إلى 451.55 مليار ريال بنهاية الربع الرابع من عام 2022، مقارنة مع 428.4 مليار ريال بنهاية الربع ذاته من العام السابق.

وتشمل القروض الاستهلاكية عدة قطاعات؛ أبرزها قروض ترميم وتحسين العقارات، وقروض سيارات ووسائل النقل الشخصية، وقروض أثاث وسلع معمرة، وتعليم، والرعاية الصحية، والسياحة والسفر، أخرى.

وبلغت قيمة القروض الخاصة بترميم وتحسين العقارات 13.44 مليار ريال؛ لتنخفض بنسبة 29.5% عن قيمتها في نهاية الربع الرابع من عام 2021 والبالغة 19.06 مليار ريال.

وتراجعت قيمة قروض السيارات ووسائل النقل الشخصية بنحو 21.5% بنهاية الربع الرابع من العام 2022 إلى 11.03 مليار ريال مقارنة مع 14.05 مليار ريال في الربع المماثل من العام السابق.

وبلغت قروض الأثاث والسلع المعمرة 8.68 مليار ريال، والتعليم 6.35 مليار ريال، والرعاية الصحية 564 مليون ريال، والسياحة والسفر 814 مليون ريال بنهاية الربع الرابع من عام 2022.

واستحوذت القروض الأخرى على 90.95% من القروض الاستهلاكية بنهاية الربع الرابع من العام 2022؛ بواقع 410.69 مليار ريال، مسجلة زيادة سنوية نسبتها 9.04%، علماً بأنها بلغت 376.63 مليار ريال في الربع الرابع من عام 2021.

وعلى أساس ربعي، زادت قيمة القروض الاستهلاكية خلال الربع الرابع من العام 2022 مقارنة مع قيمتها في الربع الثالث من العام ذاته والبالغة 448.14 مليار ريال، بزيادة نسبتها 0.76% وبما يعادل 3.42 مليار ريال.

وبالمثل، ارتفع إجمالي قروض بطاقات الائتمان بنسبة 18.3% بنهاية الربع الرابع من عام 2022 على أساس سنوي، إلى 23.07 مليار ريال، مقابل 19.49 مليار ريال في الربع المماثل من العام 2021؛ لتزيد بقيمة 3.57 مليار ريال.

وزادت قروض بطاقات الائتمان بنحو 4.3% وبما يعادل 944 مليون ريال؛ عن قيمتها البالغة 22.12 مليار ريال في نهاية الربع الثالث من عام 2022.

ولعل أحد أبرز أسباب النزعة الاستهلاكية والسلوك التفاخري لدى المجتمع السعودي هو غياب ثقافة الادخار، وهذا ما أشار إليه اقتصاديون أوضحوا أن السعوديين احتلوا أدنى المعدلات خليجياً في الادخار وفقاً لصكوك وطنية للادخار خاصة بدول الخليج. كما أشارت دراسة اقتصادية عام 2015 أن عدد المقترضين السعوديين من البنوك بلغ 62%، وذلك لا يشمل شركات ومؤسسات التقسيط، وهذا يعني إن ثقافة الادخار في المجتمع السعودي ضعيفة، وهذا مؤشر سلبي خطير جدًا.

 

  • الأسرة السعودية وتحديات إدارة الدخل وممارسة الادخار.

ان الاسرة السعودية تواجه تحديات كبيرة في ادارة الدخل وممارسة الادخار كسلوك مستدام، بين ارث ثقافي ارتبط باقتصاد الكفاف وندرة السلع وبساطتها، مما جعل للكرم لاسيما اكرام الضيف قيمة عالية، وفي ذات الوقت كانت قيمة العمل ترتبط بالجهد المبذول فيه، وتتحدد المكانة الاجتماعية والاقتصادية وفقًا لذلك.

على النقيض من ذلك في الوقت الحاضر، ظهرت قيم وسلوكيات تعزز الانفاق الذي يصل إلى حد البذخ عند فئات مختلفة من المجتمع، اذ اصبحت مكانة الفرد ترتبط بقدرته الشرائية، وما يملكه من ماديات كمالية وتجميلية بالدرجة الاولى. وبالترفيه الاستهلاكي وقدرته على التفنن في المبالغة في الاقتناء لكثير من الكماليات التي لا يحتاج لها ولا ترتبط بثقافته وفكره.

وتجدر الإشارة هنا إلى طرح مالك بن نبي حول مخاطر التبعية الثقافية، وما وصفه بقوله: ان الاخطر من الاستعمار هو القابلية له. وأجد ان سيطرة الاستهلاك على عقول وسلوك الناس، لاسيما الشباب، هي نوع من الاستعمار الفكري والوجداني ناهيك عن الاقتصادي، كونه يسلب الارادة الحرة في القرار وتحكيم العقل، ووقف الانجراف نحو المتعة المؤقتة والقشور، او ما يطلق عليه البعض بثقافة “الخواء”. ومما يعمق خطر هذا النوع من التبعية، كون غالبية المستهلك مستورد من دول اجنبية، تعكس ثقافاتها التي نمت في مراحل طويلة، لا يمكن اختزالها واقتناصها لتصبح جزءا من الثقافة المحلية.

ان ثقافة الاستهلاك تخترق المجتمع بكافة اطيافه وفئاته، بفعل عوامل متعددة تم الإشارة إلى معظمها، لاسيما تأثير المشاهير وما يطلق عليه ب “الفاشنيستا” الذين يصورون حياة مزيفة بعيدة عن واقع المجتمع السعودي، ويجملونها لعامة الناس لتصبح طموح الكثيرين، لاسيما الشباب.

في ظل هذه الظروف، تصبح فكرة الادخار مستبعدة، ليس فقط لأسباب مادية، بل أيضا لان جودة الحياة ومعناها أصبح مرتبطًا بفكرة الاقتناء والظهور ونيل اعجاب الاخرين، بالمظهر المادي الخارجي، وبقدرتك على الكسب المادي بغض النظر عن الاسلوب…فالغاية تبرر الوسيلة.

وإجمالاً فإن مشكلة عدم الادخار في المجتمع والاسرة السعودية، ترتبط بنمط التغير الحادث في المجتمع، وهي بالدرجة الاولى مسألة ثقافية واخلاقية واجتماعية. والتعامل معها، لابد ان يأخذ في الاعتبار شمولية الحلول، فهي ليست مجرد مسألة اقتصادية.

 

  • آليات تعزيز ثقافة الادخار في المملكة.

يبقى الادخار هاجس وثقافة مجتمعية ولابد من تغيير وتطوير هذه الثقافة عبر الدراسات الاجتماعية والاقتصادية ورفع ثقافة الادخار عبر الاساليب البديلة ومن ذلك تشجيع ورفع ثقافة اعادة الاستخدام واعادة التدوير، وكذلك الحد من انتشار ثقافة الاستهلاك في الولائم والمناسبات وتعديل مفهوم الكرم والمباهاة في البذخ والمصروفات.

ومن الضروري ايجاد حلول ابتكارية تساعد على تشجيع الأفراد على الادخار من خلال ايجاد منتجات ادخارية تلامس بعض الاحتياجات الرئيسية مثل الادخار بهدف تأمين مسكن لائق، أو من أجل توفير تعليم جيد للأبناء، أو من أجل الاستثمار في مشاريع مدرة لعوائد جيدة، وهنا يأتي دور الاقتصاد السلوكي في تصميم هذه المنتجات الادخارية وبالاستفادة من الطريقة التي يفكر بها الأفراد في تحقيق أهدافهم المستقبلية.

كما يرتبط موضوع الادخار ارتباطاً وثيقاً من الناحية الاقتصادية بتوفر قنوات استثمارية تستوعب مدخرات الأفراد وتمنح عوائد جيدة عليها، اقناع الناس بضرورة الادخار يرتبط بمبدأ تعظيم الثروة!

ويبدو ان هناك اجماعاً على اهمية تحسين معدلات الادخار لدى الاسر السعودية بشكل عام ومن المفيد حقاً تظافر الجهود التنظيمية والتوعوية والمجتمعية للعمل على رفع معدل الادخار من الدخل إلى المستوى العالمي 10% وهو المعدل اللازم لتحقيق مستوى مقبول من الاستدامة المالية حال توظيف المدخرات بحكمة والعمل على تعزيز وحوكمة كفاءة الانفاق الشخصية والاسرية لضمان الاستقرار المالي على المدى الطويل. من الضرورة تحقيق معدل مقبول من النمو الاقتصادي لبلوغ معدل ملائم من الاستثمار، و توليد العدد اللازم من الوظائف ذات الدخل الجيد الذي يحقق الكفاية و الحماية الاجتماعية مع وجود البيئة المحفزة للادخار لدى الاسر و الافراد في الطبقة الوسطى.

ونظراً للدور الرئيس الذي يمارسه ادّخار الأسر في التنمية الاقتصادية للدولة، أطلقت المملكة، كجزءٍ من برامج (رؤية 2030) برنامج تطوير القطاع المالي، الذي يتمثل أحد الأهداف الرئيسية له في تطوير قطاع مالي متنوع لدعم تنمية الاقتصاد الوطني وتحفيز الادخار الهادف لزيادة معدل ادّخار الأسرة في المملكة.

ويتطلب ذلك تضافر جهود اصحاب المصلحة المعنيين وتوفر عدد كافٍ من منتجات الادخار في السوق و رفع مستوى الوعي المالي للأسر و الافراد، وقد نجحت ألمانيا في رفع مستوى الادخار إلى 11%، والولايات المتحدة 8%، والمكسيك 8.1%، موضحةً و حققت سويسرا نحو 14%.

أظهر التحليل الشامل الذي تم القيام به عن طريق مسح إنفاق ودخل الأسرة الذي أجرته الهيئة العامة للإحصاء في السعودية خلال أعوام 2007 و2013 و2018 أظهر توجه معدل ادّخار الأسر في المملكة نحو الانخفاض، كما كشف أنه في حين ارتفع متوسط الدخل الشهري للأسرة السعودية خلال الفترة 2007 حتى 2018 بنحو 5.3%، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي الشهري للأسرة بنحو 38.6% ، نظراً لأن سكان المملكة لا يزالون في مرحلة مبكرة من فرضية دورة الحياة، كما أن الدولة تتمتع بإمكانيات عالية لتحقيق معدل ادّخار مُرضٍ في المستقبل في ظل وجود نحو 44% من السكان دون سن الأربعين ممن هم في سن العمل، بشرط العمل على تثقيف السكان بشكل منتظم حول أهمية الادخار.

والادخار لا يعزز وجود مستوى أفضل من الوعي المالي من الادخار الشخصي فحسب، بل يخفف أيضاً من وطأة المخاوف حول ضعف الأمان المالي عند التقاعد.

أجرت الشبكة العالمية للثقافة المالية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أحد المسوحات المهمة في عام 2016 وذلك لتقييم مستوى المهارات المالية في السعودية، حيث أظهرت النتائج تسجيلها لدرجة مرجحة بلغت 9.6 لقياس المعرفة والاتجاهات والسلوكيات المالية، لتأتي من بين أقل أربع دول في مجموعة العشرين. ويبلغ متوسط إجمالي الدرجات لدول مجموعة العشرين نحو 12.7 نقطة، في حين أشار المسح إلى وجود فرصة كبيرة لتحسين المستوى العام للوعي المالي في المملكة ما يمكّن لراسمي السياسات اعتماد إجراءات معينة وإطلاق مبادرات هادفة لقيادة مسيرة التوعية المالية. وتحقيق معدلات أفضل للادخار

ويمكن الاستفادة من الاقتصاد السلوكي لفهم الخصائص السلوكية للسكان، مما سيساعد المملكة على تصميم سياسات عامة مناسبة الاحتياجات لمواطنيها، ما سينعكس بشكل إيجابي على حجم الادخار.

ونظراً للدور الجوهري لادّخار الأسر في التنمية الاقتصادية على مستوى الأفراد والدولة من المرجح أن تؤدي زيادة وتيرة نشر البيانات حول مدى نجاح الدولة في تطبيق المعايير، كمعدل الادخار وتخفيض متوسط استهلاك الأسرة من الكماليات غير الضرورية وغيرها لزيادة البحوث الاقتصادية، ليؤدي ذلك إلى الخروج بتوصيات جديدة بشأن السياسات ذات العلاقة.

أيضاً وبالإشارة إلى أن الهيئة العامة للإحصاء في المملكة، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن نشر واستخراج البيانات الإحصائية وفقاً للمعايير الدولية تعمل على استخلاص ونشر نتائج مسح الإنفاق ودخل الأسرة، إلا أنها تصدر في فترات غير منتظمة.

وقد يكون من المفيد بحث فكرة إنشاء هيئة رقابية لدعم كفاءة الانفاق والادخار لدى الأسر من خلال تنفيذ برامج ومبادرات توعوية والمطالبة باتخاذ إجراءات تصحيحية عند الحاجة.

كما قد يساعد إنشاء كيان خاص بالتوعية المالية، حسبما هو موضح في برنامج تطوير القطاع المالي المواطنين على تعزيز قيم وتطبيقات الادخار ويساعد الحكومة على مراقبة التقدم المحرَز في العديد من المبادرات، كما سيوفر الحوكمة لمسيرة التوعية المالية الشاملة إلى جانب ما سيؤهل لاتخاذ قرارات محسوبة حيال خطط الادخار الخاصة بالمواطنين، وعليه يمكن أن تفضي خطط الادخار التي أُعدّت بشكل أفضل على مستوى المواطن إلى تحقيق ادّخار أفضل على المستوى الوطني ومستوى التنمية الاقتصادية الشاملة للمملكة.

ولعل أبرز حلول معالجة عوائق الادخار في المجتمع السعودي والتي تأتي بها رؤية المملكة العربية السعودية 2030، تتمثل في رفع نسبة ادخار الأسر السعودية من إجمالي الدخل من 6% إلى 10%، وذلك يأتي بغرس ثقافة الادخار على المستوى الفردي أولاً، فبداية الادخار لابد أن تكون من المنزل بحيث يتم تعليم الطفل على كيفية توفير جزء من مصروفه لأمر آخر يريد تحقيقه، وكذلك زيادة الدخل للأفراد ليكون لهم القدرة على الادخار، فمن المستحيل ان نطلب من أصحاب الدخول المنخفضة الادخار وهي بالكاد تكفي احتياجاتهم الأساسية وفي حالات كثيرة لا تكفي، وبدون ذلك تعد دراسات التنظير حول الادخار مجرد ترف يتسلى بها المترفون من الاكاديميين ومراكز الدراسات النفعية.

ومن الواضح أنه تتزايد الحاجة لمحاربة البذخ والإسراف في المجتمع؛ فبالفعل نجد كل فترة ظواهر جديدة تطفو على السطح تحث على الإسراف والتبذير بشكل مبالغ به، محطمة لكل الجهود التي وُضعت للحد من هذه الظاهرة المقلقة.

وكأن مجتمعنا، بعد ما تعافى من ظاهرة البذخ والإسراف خلال جائحة كورونا، عاد الحال كما كان بل أشد وطأة. وأصبح الحال لا يكاد ينتهي حفل في أسرة إلا ويظهر حفل آخر في أسرة أخرى، وكأنّ هناك مباراة حقيقية بين بعض الشابات والسيدات للمباهاة والظهور تزداد فيها حدة المنافسة بين منزل لآخر وخاصة هذه الأيام في المناسبات الوطنية.

لذا من المهم هنا، التأكيد على الأهمية الكبيرة للاحتفال بهذه المناسبات، ولكن مع عدم الاسراف الزائد والمظاهر المبالغ فيها في الحفلات المنزلية، والتي قد لا تتوافق بعضها مع ضرورة التركيز على إظهار الأمثلة الصحيحة التي تزرع في الأجيال القادمة أن حب الوطن يكون في خدمته والتفاني في العطاء لأجله، والمحافظة على استقراره وأمنه، والاطلاع بعمق على تفاصيل تاريخه وما حوته من جهود جبارة لنشأة وتوحيد أراضي هذا الكيان الشامخ.

كذلك من المهم التصدي للحفلات الأخرى التي يطغى عليها الإسراف بشكل لا داعي له من الأصل، كحفلات توثيق حساب بعض المشاهير والمؤثرة بشكل كبير على المراهقين. وكذلك التصدي لاستمرارية الاحتفالات الخاصة بما قبل الولادة، وحفلات توديع العزوبية المبالغ فيها. وللحفلات التي ظهرت بمسميات غريبة كالطلاق أو الخلع، وغيرها من الحفلات التي لا تمت لمجتمعنا أو عاداتنا بصلة من قريب أو بعيد..!

ومن المناسب أن نذكر هنا أن للمرأة دور لا يستهان به في العوائل الميسورة الحال؛ للحد من الإسراف وضبط ميزانية الأسرة بالتوقف عن المبالغة في الصرف على الحفلات وادخار أموالها بدلًا من تبذيرها في ليلة واحدة. وكذلك على رب الأسرة الحد من التبذير والإسراف المبالغ فيه على الحفلات المنزلية، ووضع خطة مالية تتضمن توفير بعض الأموال له ولأبنائه.

وبالإشارة إلى المبادرات المهمة فقد أطلقت “مجموعة سدكو” على سبيل المثال برنامج شراكة مع وزارة التعليم (ريالي) بهدف تعزيز الوعي المالي لدى أفراد المجتمع وتطوير مهاراتهم وتزويدهم بالمعرفة التي تمكنهم من مواجهة مسؤولياتهم المالية، كما هدف البرنامج إلى توعية المجتمع بمبادئ التخطيط المالي وإعداد الميزانيات وغرس ثقافة الادخار. وقد أثمرت هذه الشراكة الاستراتيجية بين وزارة التعليم وبرنامج ريالي عن تدريب أكثر من 1,200,000 طالب وطالبة في مراحل الدراسة المختلفة. وإيجاد مبادرات تعرف المجتمع بمبادئ التخطيط المالي وتزودهم بالمهارات اللازمة لمواجهة مسؤولياتهم المالية لها نتائج إيجابية خصوصًا إذا كانت هذه البرامج تستهدف جميع فئات المجتمع وخصوصًا الأطفال.

ومن المقترحات الأخرى التي أكدت عليها بعض المداخلات فيما يخص تعزيز ثقافة الادخار:

  1. تغيير النمط الاستهلاكي بفهم معادلة السعر مقابل القيمة أو العائد.
  2. ممارسة العادات الايجابية مثل المشي من أجل خفض الاكتئاب ونقص الوزن وصحة الجسد وحرق الوقود وخفض استهلاك اللحوم مقابل الخضار.
  3. تعزيز مفهوم الادخار من أجل الاستثمار قصير وبعيد المدى حسب ما يملي سلم الأولويات.
  4. مشاركة جميع أفراد الأسرة في الادخار.
  5. وجود منافذ استثمارية آمنة إلى حد ما تناسب جميع الفئات.
  • الصناديق العائلية وتعزيز ثقافة الادخار.

يعتبر موضوع الادخار العائلي من أهم الموضوعات الاقتصادية نظراً لما يمثله من تغيير على المستوى الفردي والقومي، حيث يساهم الادخار العائلي بزيادة معدلات الاستثمار وبالتالي يدفع عجله النمو الاقتصادي الذي يتطلب الكثير من الالتزام والصبر ووضوح الرؤية والهدف.

ومن الحلول ممكنة التنفيذ، قيام الأسر بتأسيس صناديق عائلية برسوم اشتراك سنوية ميسرة حتى يشعر الجميع انهم مساهمين فيه. ويتقبل الصندوق هبات من الموسرين في الأسرة أو الأقارب أو المحبين وممكن يكون لهذا الصندوق ذراع استثماري وقفي، وبحيث يهدف إلى دعم المحتاجين من الأسرة في شتى المواقف مثل المساعدة في الزواج السكن سداد الديون الخ. ولعل هذا الأسلوب يساعد على:

  1. تعظيم دور الأسرة وترابطها في ظل الهجمة والعولمة.
  2. الحد من الكثير من المشاكل الاجتماعية في الاسر وضمان عدم ضياع الأبناء والبنات بسبب الحاجة والفقر.

وفي هذا الإطار فإن تجربة صناديق الأسرة من المتوقع لها أن تثبت نجاحها في مواجهة احتياجات بعض أفراد الأسر ومعالجة حالاتهم الطارئة.

  • التنشئة الاجتماعية وتفعيل دور المؤسسات ودورهما في بناء ثقافة الادخار.

بناء ثقافة الادخار تنشأ مع الفرد منذ الصغر كسائر احتياجاته الدنيوية، وبلا شك الادخار يعتبر جزءًا من مسؤولية الأسرة الواعية، وتقصيرها في هذا الجانب يكون له أثر سلبي. وقد أكدت الدراسات على أن الثقافة الادخارية يمكن تنميتها لدى الأبناء من خلال “عملية التنشئة الاجتماعية القائمة على عملية تعلم وتعليم وتربية الوالدين داخل الأسرة، لإدماج الثقافة الادخارية في نسق شخصية الأبناء منذ مرحلة الطفولة”.

لكن هذه العلاقة ترتبط بالمستوى الاقتصادي للأسرة ومن ثم طريقة معيشتهم، وهي تنقسم لثلاث حالات:

  • الحالة الأولى: طبقة الأثرياء من الأسر التجارية العصامية، وهي: طريقة تورث فيهم حب الادخار تمهيدًا للاستثمار لضمان عدم ضياع الأموال التي تعبوا في تجميعها، وكذلك لاستمرار اسم شركاتهم العائلية التجارية في السوق.
  • الحالة الثانية: طبقة الأثرياء من الأسر التي ورثت الأموال، وطريقتهم هي: صرف الأموال عن بعضهم ببذخ دون ترشيد كونها جاءت دون تعب أو بعد حرمان؛ لذا لا تتوفر لديهم أي رغبة في الترشيد أو الادخار.
  • الحالة الثالثة: الأسر ذات الدخل المتوسط وهم، يشكلون الغالبية من المجتمع، ولكن تنقسم طريقتهم لنوعين، أحدهما تعلمهم الترشيد في كل أمور الحياة؛ خوفًا من المفاجآت والاحتياج لقروض وغيرها قبل انتهاء الشهر. والنوع الآخر الذين لا يتبعون أي ميزانية ولا خطة مالية في معيشتهم اليومية ودائمًا ما تتراكم عليهم الديون والقروض. ومن ثم يعجزون عن تعليم أفراد أسرتهم الادخار لعجزهم هم أنفسهم عن تعديل الوضع المالي لهم.

لكن رغم كل ما ذكر أعلاه من أنواع معيشية تؤثر على شخصية الفرد منذ نعومة أظافره، إلا أن ذلك يرتبط ارتباطاً شديداً بشخصية الفرد نفسه هل هو محب بطبعه للترشيد في مصروفاته والادخار منها تمهيدًا لاستثمارها لاحقًا، أو هو على النقيض تمامًا ومن قوم “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”.

لذا تأتي هنا أهمية المؤسسات التي لها علاقة بمسألة الادخار والاستثمار والمؤسسات التعليمية والإعلامية في بناء مهارة وثقافة الفرد تجاه الادخار منذ الصغر، ومساعدته على ذلك وتوجيهه التوجيه الصحيح.

لكن رغم وجود درجة من الوعي لدى البعض بأهمية الادخار، إلا أننا على الجانب الآخر نرى انخفاض نسبة الادخار بشكل كبير في المجتمع السعودي مقارنة بالمعدلات العالمية. وهذه نقطة تسترعي التحليل. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على حلقة مفقودة بين المؤسسات المالية وخدماتها، وبين الأفراد. وبين ثقافة الأفراد ومدى قدرتهم الفعلية على تحقيق ذلك.

فعند البحث عن الأسباب، نرى كثيرًا من فئة الشباب الذين يستلمون مرتبات جيدة بالفعل يدخرون، لكن هناك أسباب تمنعهم من الادخار تمهيدًا للاستثمار وإنما يدخرون لتحقيق هدف معين، منها: توفير مصاريف الزواج الباهظة – وهذا سبب هام من أسباب عزوف الشباب عن الزواج لحين توفيرها -، أو امتلاك المسكن أو استكمال دراسات عليا أو شراء سيارة. أما الفئة الأخرى من الشباب الذين يعانون من معدلات مرتبات بالكاد تكون كافية لتغطية متطلبات المعيشة الأساسية. الأمر الذي يعني أن إمكانية الادخار تكون معدومة بناء على هذا النوع من الدخل. لذا فمن المهم في هذا الإطار التأكيد على ما يلي:

  1. أن للشركات العاملة في هذا المجال دور كبير في توفير برامج ادخار محفزة لمنتسبيها ومناسبة لكافة الشرائح الاقتصادية.
  2. أهمية التكامل في العمل والتنسيق بين كل من المؤسسات التي لها علاقة بالادخار والتمويل السكني، وكذلك المؤسسات التي لها علاقة باستثمار المدخرات بالعناية بمسألة إتاحة مجال التنوع في فرص الاستثمار الآمن أو متوسط المخاطر للمجتمع، الذي يمكن أن يتكامل مع الادخار في الوصول إلى حالة الوفرة المالية بعد أن لوحظ حالات فشل لكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة وخروجها من السوق.
  3. قبل كل ذلك على الحكومة مراعاة عوامل عديدة تدخل في صلب المعالجات المطلوبة لتحقيق الهدف بزيادة الادخار إلى 10%. معالجات تحتاج لجهود مضاعفة وعمل جبار من قِبل الجهات التنفيذية الأخرى كوزارة التجارة والصناعة والتعليم والإعلام وغيرها لمعالجته؛ لحماية دخل الأسرة من التآكل قياسًا بغلاء المعيشة والتضخم المتوقع والذي بلاشك سيؤثر سلبًا بالنمو الاقتصادي.
  4. لا يزال من المهم أيضاً تفعيل مساهمة مجلس شؤون الأسرة في تعزيز ثقافة الادخار في المملكة.
  • التوصيات
  • إعداد دراسات وطنية شاملة لرصد اتجاهات أفراد المجتمع السعودي نحو الادخار والعوامل المؤثرة فيها وآليات تعزيز ثقافة الادخار لديهم.
  • تحفيز المؤسسات الحكومية والشركات المساهمة على تأسيس صناديق ادخارية للعاملين لديهم.
  • توفير منتجات ادخارية واستثمارية ذات عوائد مجدية تناسب إمكانيات واحتياجات كافة شرائح المجتمع.
  • انشاء كيان خاص بالتوعية المالية وفقاً لما ورد في برنامج تطوير القطاع المالي يساعد الحكومة في متابعة المبادرات المختلفة في مجال الادخار والاستثمار ويوفر الحوكمة لمسيرة التوعية المالية الشاملة وكذلك الخلفية المناسبة للقرارات المتعلقة بخطط الادخار الخاصة بالمواطنين على المستوى الوطني.
  • صياغة برامج ادخارية مستدامة تساهم في تملك السكن للمواطنين عن طريق الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.
  • التأكيد على البرامج والمبادرات الوطنية المتميزة المقدمة من بنك التنمية الاجتماعية في مجال الادخار، ونشرها بين العامة ليتم الاستفادة منها.
  • تشجيع المبادرات التوعوية والتثقيفية لإعادة استخدام وتدوير المواد الاستهلاكية دعما للادخار وحماية للبيئة.
  • اضطلاع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بتوضيح الموقف الشرعي من حسابات الادخار والتوفير بما يتناسب والمقاصد الشرعية.
  • النظر في إمكانية صرف البدلات الوظيفية في القطاعات الحكومية وغيرها على هيئة مسيرات ربع سنوية وتوعية المنسوبين للاستفادة منها في صناديق ادخارية ملائمة.
  • التوعية بأهمية ثقافة الادخار والعمل على ترسيخ مفاهيم وبرامج جودة الحياة التي تعزز القيم الانسانية والاخلاقية، عوضًا عن الترفيه الاستهلاكي وما يترتب عليه من ارهاق لميزانية الفرد والأسرة.
  • العمل على غرس قيمة الادّخار في سلوك الأبناء والبنات منذ الصغر والعمل على تجديد أساليب تحفيزهم بما يواكب اهتماماتهم في العصر الحالي.
  • اعداد خطط توعوية وتطبيقية لمساعدة الأسرة في تخفيف الإنفاق غير المقنن في الأسرة والسلوكيات السلبية المهدرة للأموال.
  • إيجاد آليات فاعلة للحد من دور وسائل الاعلام الجديد والمشاهير في الترويج لثقافة الاستهلاك والبذخ.
  • تشجيع عمل صندوق العائلة بإيداع مبالغ مالية محددة يتم إقراض من له حاجة ملحة كشراء سيارة أو زواج على أن يردها بأقساط ميسرة ومجدولة بدون فائدة بدلا من اللجوء للقروض البنكية.
  • تفعيل الفعاليات المتزامنة واليوم العالمي للادخار من كل عام، مع انخراط جميع الجهات ذات العلاقة فيها (وزارة التجارة، وزارة المالية، وزارة التعليم، وزارة الموارد البشرية، وزارة الصحة …. الخ) ومشاركتها بخطط توعوية وبرامج ادخارية تحفيزية مناسبة لموظفيها.

 

  • المصادر والمراجع
  • التقرير السنوي العام – البنك الدولي، 2022م.
  • زينة مزيان: توعية فئة الشباب بأهمية الادخار، صندوق النقد العربي، أبو ظبي، 2021م.
  • صلاح فهد الشلهوب: بناء ثقافة الادخار في المجتمع، جريدة الاقتصادية، السبت 4 نوفمبر 2017م.
  • شركة “كي بي إم جي” (KPMG): تحليل ادخار الأسر في المملكة العربية السعودية، شركة “كي بي إم جي” (KPMG)، السعودية، مايو 2020م.
  • لؤي عبدالصمد مليباري: تحديد العوامل المؤثرة على سلوك الادخار العائلي في المملكة العربية السعودية، المجلة الالكترونية الشاملة متعددة التخصصات، العدد الثامن والثلاثون، 2021م.
  • الموقع الرسمي للهيئة العامة للإحصاء، stats.gov.sa
  • هند العتيبي: دور الأم العاملة في تعزيز ثقافة الادخار لدى الأبناء، مجلة الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، مصر، 268-308.
  • وكالة الأنباء السعودية (واس): هدر الغذاء يكلف المملكة 40 مليار ريال سنوياً، الخميس 9/8/1441هـ الموافق 2/4/2020م، https://www.spa.gov.sa/2054334
  • Analysis of household saving in Saudi Arabia, KPMG, May 2020
  • Jamel Jouini (2016). Economic Growth and saving in Saudi Arabia, Asian -pacific journal of Accounting https://doi.org/10.1080/16081625.2015.1129282 & Economics
  • Piotr Misztal (2011). The relationship between savings and economic growth in countries with different level of economic development, financial internet quarterly.
  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. بسمة مزيد التويجري
  • التعقيب الأول: د. خالد الرديعان
  • التعقيب الثاني: د. مها العيدان
  • إدارة الحوار: د. نوال الضبيبان
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. الجازي الشبيكي
  • ا. عبدالرحمن باسلم
  • د. فوزية البكر
  • د. فهد الاحمري
  • د. زياد الدريس
  • د. وفاء طيبه
  • أ. فايزه العجروش
  • د. حسين ابو ساق
  • د. فايزه الحربي
  • د. بسمة التويجري
  • د. مها العيدان
  • د. خالد الدريعان
  • د. نوال الضبيبان
  • اللواء. فاضل القرني
  • د. عائشة الاحمدي
  • أ. مها عقيل
  • د. صالحة آل شويل
  • د. جمال ملايكة
  • أ. د. محمد المقصودي
  • أ. عبدالله الرخيص
  • د. عبدالرحمن سليمان العريني
  • د. عبير برهمين
  • أ. منى ابو سليمان
  • د. أبو الوليد
  • د. مساعد المحيا
  • د. خالد المنصور
  • د. محمد الثقفي
  • د. حميد الشايجي
  • د. هند الخليفه
  • د. نبيل المبارك
  • د. علاء الدين براده
  • د. ابراهيم الصحن
  • المستشار. ابراهيم محمد ناظر
  • معالي د. عبدالاله بن عثمان الصالح
  • أ. احمد المحيميد

 

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa