تقرير رقم (102) – إبريل- التشوه البصري.. كارثة بيئية من نوع مختلف

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا

إبريل – 2023

 


التشوه البصري.. كارثة بيئية من نوع مختلف

(3/4/ 2023 م)

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر إبريل 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: التشوه البصري ككارثة بيئية من نوع مختلف، وأعد ورقتها الرئيسة أ. فائزة العجروش، وعقب عليها كلاً من أ. د. فيصل المبارك، أ. علاء الدين براده وأدار الحوار حولها د. مشاري النعيم.

 

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية التشوه البصري ككارثة بيئية من نوع مختلف. وأشارت أ. فائزة العجروش في الورقة الرئيسة إلى أنه وعلى الرغم من القفزات النوعية التي قامت بها المملكة من خلال المنظومات الحكومية المعنية لتسريع تطوير المناطق والمدن والمحافظات وتعزيز الدور الاقتصادي والاجتماعي للمدن لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث عملت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان ضمن برامجها الخلاقة مع منظمة الأمم المتحدة للمدن والتجمعات السكانية (موئل) على تطوير مؤشر ازدهار المدن السعودية لسبع عشرة مدينة سعودية، إلا أنه لازالت هناك تحديات تنموية واقتصادية مرتبطة بالتطوير الحضري في مناطقنا ومدننا تتطلب مزيد من الجهد والتركيز؛ يحتم علينا البحث وتشخيص مواقع الخلل والبحث عن معايير أو مؤشرات حضرية تمكننا من الرفع من مستوى التنمية وجودة الحياة، والقضاء على أي مظهر من مظاهر التشوه البصري داخل المدن السعودية وبالأخص العاصمة الرياض.

بينما أكَّد أ. د. فيصل المبارك في التعقيب الأول على أنه يظل السؤال: كيف نوفق بين حرص القيادة الرشيدة على تنظيم وتنسيق البيئة حتى وضعت (التشوه البصري) على رأس أولويات منظومة العمل البلدي.. واستمرار العمل بنفس المنظومة (الحوكمة العمرانية المركزية التكنوقراطية) التي أنتجت البيئة المؤدية لهذا التشوه؟ هذا هو مفتاح الحل أو الاتجاه الصحي للحل!!

في حين ذكر أ. علاء الدين براده في التعقيب الثاني أنه عندما نفكر بمسألة التشوه البصري باعتبارها اعتلال يصيب المكان حتى يتحول إلى داء عضال يستعصي معه العلاج، فعندها لا يمكن أبداً أن نتعجب من أن تكون أبسط أعراض هذا الداء هي فقدان هوية المكان التي أكتسبها عبر سنوات طويلة. الإشكالية التي لا يلتفت لها البعض هي أن كثير من الآثار غير المباشرة تتشكل كنتائج لهذا التشوه، ومنها -على سبيل المثال- الإرهاق البصري وتشتت الانتباه الذي يدفع إلى عواقب وخيمة.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • مفهوم التشوه البصري.
  • لماذا يحدث التشوه البصري في المدن السعودية؟
  • العلاقة بين التشوه البصري والتخطيط العمراني.
  • وسائل معالجة مظاهر التشوه البصري.
  • نماذج للشراكات المجتمعية والأعمال التطوعية لتحسين التشوه البصري.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • تبني اللامركزية لتمكين الجهات المحلية من بناء قدراتها مع مرور الزمن وليس الاعتماد على المركز (الوزارة في كل قرار محلي) لأن جزء كبير من عدم تنفيذ عشرات الأدلة واللوائح يكمن في المركزية.
  • إجراء دراسات وبحوث متخصصة وتطبيقية في مجال التشوه البصري وصحة البيئة والتوازن البيئي وما ينجم عنها من مشكلات بيئية، تأخذ في الاعتبار دراسة وقائع المدن دراسة ديموغرافية عند وضع خطط وبرامج التنمية العمرانية؛ لأهمية الربط بين قضايا السكان وظاهرة التشوه البصري التي تعتمد في مكافحتها على تنمية الأساس البشري وتثقيفهم للوصول للمعالجة المنشودة.
  • الشفافية في إعداد التقارير الوطنية الرصينة لظاهرة التشوه البصري دون تهويل أو تبسيط لتوفير المعلومات والبيانات الدقيقة بشكل مستمر.
  • تفعيل مشاركة العنصر البشري، سواء المواطنين أو المقيمين أو الزائرين، في خطط ومسار عمليات مكافحة التشوه البصري.
  • ضرورة العمل على تنظيم مبادرات اجتماعية وبيئية بين مؤسسات البيئة والصحة والمجتمع المدني بما يرفع الوعي المجتمعي بخطورة التشوه البصري، وتفعيل الأعمال التطوعية والتحسيسية لأفراد المجتمع وتدريب وتأهيل قاطني المدن والقرى تدريبا حديثًا في مجال صحة البيئة وحمايتها من التشوه البصري.
  • إيجاد هيئات متخصصة تعنى بقضايا التشوه البصري ومساندة الجهود مع البلديات والهيئات المحلية لتحسين المشهد الحضري للمدينة.
  • اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية للحد من التشوه البصري من خلال التخطيط العمراني الفعال للحاضر والمستقبل.

 

  • الورقة الرئيسة: أ. فائزة العجروش (1)

مقدمة

في ظل رؤية السعودية 2030 وما تتبناه من خطط ومعايير عالية وتطلعات مستقبلية لإعادة تشكيل المدن السعودية والعمل على تحسين جودة الحياة لسكانها، جاءت مبادرة معالجة التشوه البصري (هي إحدى مبادرات وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وأحد مبادرات برنامج جودة الحياة)، الهادفة إلى إزالة عناصر التشوه الأكثر شيوعاً في المدن والفوضى البصرية التي تظهر في كثير من تفاصيلها؛ لتحسين المشهد الحضري بالمدن السعودية، وجعلها مدن عالمية خالية من التشوه البصري. الأمر الذي يتوافق مع رؤية القيادة الرشيدة ويخدم مسيرة التنمية الحديثة ويساهم في خلق بيئة جاذبة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياحيًا.

ونظرًا لارتباط التشوه البصري ارتباط كبير بالبيئة العمرانية للإنسان؛ لأن حياته تعتمد بشكل أساسي على البيئة المحيطة به (شكل 1). والبيئة العمرانية أحد عناصرها المهمة التي تشكل تجربته اليومية وخبراته ومعايشته للمكان الموجود به. وتعتبر عامل من أهم العوامل المؤثرة على حياة الإنسان الصحية والنفسية؛ كونه يمضي فيها أغلب وقته ويحتمى بها من البيئة الطبيعية ويتعامل من خلالها مع البيئة الإنسانية المحيطة لأداء الاعمال وتبادل المصالح.

من هذا المنطلق وجب علينا أن نوضح أولًا مفهوم البيئة العمرانية وما مدى الارتباط بينهما.

البيئة العمرانية هي: “المساحة الإنسانية التي يعيش فيها الناس ويعملون ويمارسون الحياة على أساس يومي”.

وقد وسعت أبحاث الصحة العامة في السنوات الأخيرة، مفهوم (البيئة العمرانية) ليشمل الوصول إلى الغذاء الصحي، والحدائق المجتمعية، والصحة النفسية، والقابلية للمشي، والقابلية لاستخدام الدراجات.

شكل (1)

وعندما كانت المباني والمنشآت تشكل الجانب الأكبر للصورة المرئية وللمجال البصري، سيكون حديثنا في المقام الأول عن المشهد العمراني شكلًا ومضمونًا وسلوكًا، ونسلط الضوء على أهميـة التوافـق البصـري فـي البيئـة العمرانية من خلال التصدي لمظاهر التشوه البصري التي تشوهها، وعلـى مفـاهيم التوافـق البصـري والنـواحي الجماليـة ؛ لإبراز أهمية تنظيم البيئة العمرانية – ليسهل من خلالها الحكم على شكل المباني أو المنشآت ومدى التزامها بمعايير جمال الصورة البشرية وتفاعلها مع البيئة والمحيط ، مع التطرق لأهم مظاهر التشوه البصري وتحديد أسبابها وأساليب وطرق علاجها والأبحاث المستقبلية الممكن إجرائها في هذا المجال؛ وصولًا لمعرفة من هم المسؤولين عن ذلك التشوه البصري؟ هل هو بسبب تقصير من البلديات أم الإنسان نفسه؟ وما صلة التخطيط العمراني في ذلك؟ ومن ثم نحاول تحديد المسؤوليات المحدّدة المنوطة بجميع السكان من مواطنين ومقيمين وبعمل البلديات وتجاه العمارة والعمران لتحقيق الهدف المنشود.

ولأن التشوه البصري وظهور صور بصرية، غير متزنة في البيئة العمرانية السعودية بات مشاهدًا وملموسًا من القيادة الرشيدة ومن فئات المجتمع المختلفة، بل ومن استطلاعات صحفية أيضًا، بينت انزعاج الناس من سلبيات البيئة المرئية، وحرصهم على تنظيمها وتنسيقها؛ أصبحت معالجة التشوه البصري في المدن على رأس أولويات منظومة العمل البلدي بما يعكس صورة لائقة عن المملكة وشعبها، فضلاً عن تعزيز الوعي والسلوك الحضاري بأهمية المحافظة على البيئة وحماية المرافق العامة.

وكان علينا نحن أيضًا أن نبحث لأنفسنا عن دور نساهم به لعلاج هذه الظاهرة وأن نقف على مسافة واحدة بين المسؤول والمواطن بعيدًا عن التهويل والتبسيط. وأن نؤكد على أن معالجة الجوانب البصرية والجمالية في أي مدينة يعمـل علـى تحقيـق (بيئـة نظيفـة وخاليـة مـن التلـوث، مـردود اقتصـادي أفضـل، راحـة نفسـية، ونشـاط سـياحي)، بالإضافة إلى جانب بصري وجمالي يميزها عن غيرها.

ونهدف من خلال طرح هذه القضية استقصاء ظاهرة التشوه البصري في المدن السعودية بشكل عام وفي مدينة الرياض بشكل خاص. وأن نتوصل لتحليل العوامل التي أدت لتواجده كظاهرة مشوهة للعاصمة، ووضع الحلول والمقترحات الهادفة لتحسين الصورة الجمالية والبصرية ومعالجتها بما يتلاءم مع طبيعة المنطقة والمكان، وبما ينسجم مع الثقافة العامـة للمجتمـع السعودي وبما يساهم في التسويق لها اقتصاديًا وجماليًا وسياحيًا.

 

 

بين الجمال والتشوة

ربمـا تكـون الجدليـة الأساسـية عنـد مناقشـة موضوع الجمال.. هل الجمـال مطلـق أو نسـبي؟ حيث إن قواعـد الإحسـاس بالجمـال قـد تتغيـر مـن مجتمـع لآخر.. أو من فترة لأخرى داخل نفس المجتمع.

لكن مما لا شك فيه أن اشتراطات الراحة البصرية لا تتغير، وأن الجمال مطلوب في كافة صور الحياة؛ سواء في رؤية المباني والمساكن والمنشآت الجميلة والميادين الواسعة المزينة بالمجسمات والنوافير، أو في ظل وجود تخطيط عمراني جميل للمدن، يظهر في أحياء سكنية نموذجية ونشر المسطحات الخضراء والمحافظة على جمال الطبيعة في أي شكل؛ سواء أشجار أو جبال أو غير ذلك.

وأنه إذا غاب الجمال في البيئة المحيطة بنا وحل محله صور أو مناظر غير مريحة للبصر وغير متسقة مع محيطها يعتبر هذا تشوه بصري، وهو نتيجة مرتبطة لحد كبير بعدة عوامل سنذكرها لاحقًا.

لذا من المهم أن نؤكد هنا على أن جودة حياتنا وتحسين المشهد الحضري للمدينة التي نسكنها، في الحقيقة مرتبط ارتباط كبير بأن يكون العمران المحيط بنا مريح بصريا ً خـلال كـل الفتـرات الزمنيـة. مع أهمية وجوب الفصـل بـين كـون العمـران “مـريح” وكونـه “جميـل”؛ حيـث يجــب أن نــراه علــى أنه “مــريح” للعــين ولا يتســبب فــي إجهادهــا بينمــا قد تتغيــر رؤيتنــا لجمالــه حسبما تتغير رؤية المجتمع “النسبية” للجمال من فترة زمنية لأخرى.

ونظرًا لكون قضية التشوه البصري تعتبر قضية جمالية، رغم أن الإنسان ينزع إلى الجمال بطبيعته الفطرية، لكن بسبب اختلاف الذوق العام واختلاف مقاييس الجمال من شخص إلى آخر- فما تراه جميل يراه الآخر غير ذلك -؛ كان من المستحيل الوصول إلى اتفاق عام موحد يكون فاصل في هذه القضية إلا بعد تحديد للعناصر الواجب العمل عليها للرفع من مستويات تحسين التشوه البصري التي تعاني من المدن السعودية.

ويتضح ذلك من خلال ما أوصت به وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في مبادرتها لمعالجة التشوه البصري لتحسين المشهد الحضري للمدن السعودية، بضرورة معالجة (17) مظهرًا مسبباً للتشوهات البصرية يتم التعامل معها وعلاجها، ووضع معايير لتقييم المدن السعودية ويكون لها خط أساس للتشوه البصري (شكل2).

 

   

      شكل (2)

كما دعت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان المواطنين والمقيمين إلى التعاون معها لتحقيق أهداف المبادرة من خلال الإبلاغ عن المخالفين والمتسببين بالتشوهات البصرية عبر رقم البلاغات 940، أو عبر تطبيقات الأمانات الخاصة كتطبيق “صوّر وأرسل” للأجهزة الذكية – أمانة 940 – ( شكل 3)، والذي يقدم خدمة جديدة لسكان العاصمة للإبلاغ عن المخالفات المتعلقة بالخدمات البلدية في كافة أحياء وشوارع وطرقات مدينة الرياض بطريقة صوّر وأرسل، حيث تمت إضافة تصوير مقطع فيديو وتسجيل صوتي وخاصية المحادثة المباشرة عن طريق واتساب ، إضافةً إلى التصوير وإرفاقها للبلاغ ويمكن للمُبلغ تسجيل البلاغ صوتيًا وإرساله مباشرةً إلى المركز والتعامل معه من قبل كوادر مؤهلة. وعبر تطبيق “راصد” الذي وفر منصة موحدة للتواصل الفاعل حول عمليات رصد ومعالجة التشوهات البصرية والاستحداثات (التعديات) على الأراضي الحكومية نحو حياة مزدهرة خالية من التشوهات والمخالفات.

(شكل 3)

وقبل أن نتطرق لوضع هذه الظاهرة على أرض الواقع، نوضح أولًا أن التشوه البصري في أي مدينة يصبح ظاهرة عندما يتم التوسع العشوائي (العشوائية في الترتيب والتخطيط والتنسيق والتنظيم) فيها دون النظر للكيفية والتقييم والدراسات المسبقة. الأمر الذي يعكس معاناة المدينة وسكانها من إهمال وتدن في المعايير وقصور في الخدمات الأساسية.. وتأثير ذلك على أهداف التطوير وتحسين المشهد الحضري والتنمية العمرانية.

لماذا نطلق عليه تشوه بصري؟

لأنه هو: كل تشوه يؤذي نظر الإنسان ويسبب له الإزعاج ويفقد الحس الجمالي للبيئة التي يعيش بها.. ويمكن وصفه باختفاء الصورة الجمالية للبيئة المحيطة. وعرفـه الـبعض بأنـه “الإحسـاس بـالنفور فور رؤية مناظر أو مظاهر غير جمالية أو منفرة في عناصر البيئة المعمارية مـن كتـل بنائيـة أو فراغــات أو طــرق تتعــارض مــع كــل مــن البيئــة الطبيعــة والمناخيــة أو القــيم الدينيــة والخلقيــة”.

ويمثل التشوه أو التلوث البصري كل ما يشاهد من أعمال إنشائية من صـنع الإنسـان أو من سلوكيات فردية مشوهة للطابع العام، تؤذي الناظر عند مشاهدتها ومع تكرارها ومرور الوقت على وجودها تفقد المشـاهد الإحسـاس بالقيم الجمالية والصور الراقية للمنشآت؛ فوجودها يشكل مادة ملوثة غير طبيعية تتنافر مع مـا حولها من عناصر أخرى.

إذن نستطيع أن نختصر مفهوم التشوه البصري في: تلك المظاهر التي تشوه جماليات المدن مثل: (الكتابات المشوّهة للجدران، الدهانات الشاذة عن محيطها، تمديدات التكييف الخارجية، أطباق الأقمار الصناعية الصدئة، الملصقات الإعلانية، واجهات المباني وتناظر الألوان، تكسيات الألومنيوم)، التي تحدث الخلل والتباين في التنسيق والتنظيم والجودة والمعايير، سواء في الطرقات والشوارع أو البنى التحتية والمباني السكنية والمرافق الخدمية، والمسببة لتغير الصفات البصرية الجمالية والمثالية للحياة الحضرية. وهذا ما يؤثر بدوره على الحالة النفسية للإنسان وهويته الحضارية.

ورغم أن التشوه البصري يُعد من أصغر الملوثات البيئية، لكن له تأثير مباشر في:

  • تشكيل الحالة السيكولوجية، والمزاج النفسي العام للأفراد والجماعات على حد سواء؛ فالشخص الذي يخرج من بيته صباحا قاصدًا عمله، عندما تُصدم عينيه بتلك المشاهد المشوهة في الطريق، يوقعه ذلك في جو من التوتر، ويؤثر تأثيرًا مباشرًا على نشاطه من جهة، وعلى علاقته بالآخرين.
  • صعوبة قياسه وتقييمه بشكل دقيق؛ لأنه يتطلب ثقافة عالية ووعيًا بيئيًا وعينًا مدربة على الرصد. فتشخيص مواطن التشوه لا تبدو بتلك البساطة كما قد يتبادر إلى الذهن؛ كونه يأتي بدرجات متفاوتة، بدءًا بأبسط ما تنفر منه العين السويّة ولا يرتاح له الإنسان بفطرته، ويسبب تشوهًا للصورة البصرية أثناء المرور في أي طريق في النسيج العمراني، مرورًا بمنظر مخلفات أنقاض البناء أو رؤية شخبطات جدارية، إلى التدخلات (العشوائية في معظمها) في كل بناء، إلى مظاهر التنافر بين كل متجاورين في كل شيء، ولكل تصوره في هذا المجال، وصولًا إلى صورة المدينة العامة في سياقها الطبيعي والجغرافي.

لذلك تعاملت وزار الشؤون البلدية والقروية والإسكان مع ملف التشوه البصري من خلال استراتيجية تعمل على سلسلة من الركائز ترمي إلى:

  • تعزيز الجاذبية البصرية للمدن ومن أبرزها وضع ضوابط للتصميم العمراني “الكود العمراني” وفرض مجموعة من الأنظمة واللوائح لتفعيل تلك الضوابط.
  • العمل على تعديل ثقافة وسلوك المواطن والأعمال التشغيلية بما يتماشى مع تحسين المشهد الحضاري العام.
  • دور رخص البناء في حماية البيئة من التشوه البصري الحاصل في البيئة العمرانية؛ من حيث تحديد حجم المبنى، ويأتي دور الرقابة على المؤسسات المصنفة للحد من التشوه البصري، وتقييم تنفيذها حسب المواصفات المطلوبة.

صور التشوه البصري

يأخذ التشوه البصري عدة صور في البيئة العمرانية، فهناك:

  • التشوه البصري الساكن: ويتمثل هذا النمط، فيما نراه فوق أسطح المباني، من مخلفات وقمامة وما يغطي الواجهات من إعلانات صارخة وتشوهات معمارية وفنية وأعمال إنشائية غير منتهية وتهدم.
  • التشوه البصري المتحرك: ويتمثل في كل ما هو متحرك ومتصف بانعدام الذائقة البصرية الجميلة، مثل: فوضى الإعلانات ووسائل النقل المتهالكة.
  • التشوه البصري المؤقت: ويتمثل في كل تشوه يتغير زمانًا أو مكانًا، ويمكن ملاحظة ذلك في أي منطقة يسكنها عمالة مؤقتة لحين الانتهاء من بناء مشروع ما، أو في المناطق التي تتم فيها عمليات إصلاح وترميم الطرق.
  • التشوه البصري المستورد: وهو ما وفد إلينا من ملامح وتشكيلات وطبقت من خلال تصرفات وسلوكيات دخيلة على بيئتنا وعلى طباعنا وعلى ظروفنا.
  • التشوه البصري المتعايش معه: وهو التلوث الذي نقاومه في البداية ثمّ يقهرنا؛ لنتعود عليه ونعتاده ونتعايش معه حتّى نتعجب من غيابه.

وتكمن خطورة النوع الأخير (القبول والتعايش مع التشوه البصري)، في ارتباطه بالدرجة الأولى بفقد الإحساس بالجمال وانهيار الاعتبارات الجمالية والرضا والقبول بالصور القبيحة وانتشارها، لتصبح عرفًا بصريًا وقانونًا موجودًا. في حين تكمن أهمية الجهود المبذولة والمبادرات الهادفة للتصدي لمظاهر التشوه البصري والحد منه بارتباطها بمظاهر الصحة النفسية المطلوب توفيرها في البيئة العمرانية، التي من أهمها: إعادة الشعور بالانتماء الذي يعتبر أهم عوامل ارتباط الإنسان بالمكان والبيئة من حوله.

ووجدت من المناسب جدًا في هذه النقطة اقتباس هذه الفقرة من مقال د. مشاري النعيم لماذا تربطنا أو تبعدنا الأمكنة؟

“أحياناً تعلق في ذهننا رائحة تميز مكان ما، ولا نستطيع أن ننسى المكان بسبب رائحته المميزة، وأحياناً أخرى تتشكل صورة المكان في مجموعة من الناس حتى أننا لا نتصور المكان دون وجودهم، ورغم أن المكان يبقى والرائحة والناس يذهبون إلا أن تلك المشاهد والمشاعر المؤقتة تعلق في الذهن وتصنع حالة من الرغبة في معاودة التجربة. وحتى لو لم تتكرر التجربة بحذافيرها لكن هناك ما يدعو إلى تحفيز الذاكرة نحو مكان ما لأنه يمثل تجربة مكانية مرغوبة. على أن هناك ما يمكن أن ندعوه خفوت التجربة أو تراجع الانبهار، وهذا في حد ذاته يمثل نوعاً آخر من التجربة المكانية التي تعبر عن “السأم المكاني”، فعندما يفقد المكان ما يدعونا إلى زيارته يتحول إلى “لا شيء” في ذاكرتنا.”

والتشوه البصري من أهم العوامل التي تفقد رغبة أي إنسان للعودة لهذا المكان ليس فقط لأنه يتحول إلى “لا شيء” في ذاكرته، بل قد يتعداه ليتحول إلى ” شيء سيئ ” ولا ينبغي تكرار زيارته. ولأن الناس سبب مهم من أسباب أي تشوه يحدث في بيئتهم؛ اثني على رأي د. النعيم، الذي ذكره خلال مقابلة له في برنامج “في الصورة” “أن الناس هم من يصنعون ثقافة المكان وليس العكس والمكان هو الحياة وليست الشوارع أو المباني وإنما الناس”. لذلك نرى أنه متى ما كانت هناك علاقة تفاعلية وتوافقية بين الإنسان وبيئته يكون هناك إنتماء وحب واهتمام وعطاء للمكان الذي يسكنه. ونقصد بالعلاقة التوافقية، هي: تلك العملية الديناميكية التي أنتجت علاقةً أكثر تآلفًا وتكيفًا للفرد مع بيئته بعد أن استهدف تغيير سلوكه وضبط تصرفاته؛ للحفاظ عليها من التشوه وجعلها نظيفة وجميلة. الأمر الذي يضمن له حياة نفسية مُتوازنة. ومن خلال معرفة الأساس النفسي (السيكولوجي) لعلاقة الإنسان بالبيئة نستطيع أن نكتشف دوره الكبير في خلق ثقافة المكان إما بتشويه بيئته أو المحافظة عليها. لكن هل هناك أسباب أخرى غير الإنسان لها دور في إنتشار هذه الظاهرة؟ وهذا ما سنتعرض له فيما يلي بشيء من التفصيل.

أسباب التشوه البصري

قد تتعدد أشكال ومظاهر التشوه البصري وتختلف أسباب ظهورها فتظهر في بعض الأحيان، بسبب عدم توافر الإمكانات المادية أو عدم توافر الوعي العام بوسائل وأساليب المحافظة على البيئة. بينما تظهر في أماكن أخرى نتيجة التطور السريع وعدم الوعي بأهمية توفير بيئة متناسقة وصحية نفسيُا.

وبشكل عام ترجع أسباب التشوه البصري عادة إلى: الإهمال وسوء الاستخدام ورداءة التخطيط وهبوط المستوى الفني للتصاميم المعمارية وسوء تنفيذها والتهاون في صيانتها، إلى جانب دور السلوكيات الاجتماعية الخاطئة وتردي مستوى الذوق العام.

لكن لو بحثنا بشكل أكثر تفصيلًا لوجدنا أن أسباب التشوه البصري، تنحصر في الآتي:

  • أسباب اقتصادية: حيث يلعب الاقتصاد دورًا مهما في بروز أو اختفاء التشوه البصري للمدن؛ فنرى دائمًا أن البلدان ذات الاقتصاد الضعيف والإمكانات المادية المتواضعة تتزايد في مدنها ظاهرة التشوه البصري للبيئة نتيجة لتلك الظروف، إضافة إلى تردي الوعي الاجتماعي والثقافي لدى سكانها بعكس البلدان المتقدمة ذات الاقتصاد القوي نرى اختفاء أي من مظاهر التلوث البصري في مدنها لوجود قوانين وضوابط ملتزم بها من قبل سكان ذوي وعي اجتماعي وثقافي عال اضافة إلى ارتفاع مستوى الذوق العام لديهم.

والنقلة النوعية التي يشهدها الاقتصاد السعودي التي كان من نتائجها، النمو الحضري السريع، (وهو جملة من التغييرات والتبدلات التي تتعرض لها أنماط وأشكال الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وتزايد هذه الأنشطة يؤدي إلى نمو وتوسع حضري مستمر). ولأن مفهوم النمو الحضري لا يقتصر على مجرد زيادة السكان إنما قد يكون نموًا سرطانيًا بأطراف وجوانب المدينة. لذا كانت زيادة أعداد السكان وتزايد الهجرة القروية إلى المدن الكبرى وبالأخص مدينة الرياض للعمل أدى إلى تكدس السكان وزيادة العمالة الوافدة. الأمر الذي ساعد على ظهور كثير من مناظر التشوه البصري المحلية والمستوردة. كذلك نجد أثر استثمار رؤوس الأموال الأجنبية بالسعودية بصورة واضحة على اتجاه العمارة في السعودية خاصة في مدينتي الرياض وجدة، الذي ساعد على نقل العمارة وانتشارها أحيانًا بشكل غير مدروس وغير مخطط له، دون تنظيم يتسق ويتلاءم مع المباني المجاورة.

كما أن الحالة الاقتصادية لمالك العقار لها دور لا يستهان به؛ فبروز فارق تقنيات ومواد البناء بين مبنى وآخر يؤدي إلى نشاز واضح في التناغم التصميمي لها وخصوصًا المواد المستخدمة في تغطية واجهات المباني كالحجر والزجاج والألمنيوم. ولا يخفى على أحد دور التكلفة المادية الكبير في ذلك؛ فهي تحدد مواد التشطيب النهائية والتي بدورها تحدد الشكل العام لأي مبنى. فالمالك قد يقف حائلًا دون اعتماد مواد تشطيب معينة تضفي على المبنى شكلا جميلًا ويفضل مواد أخرى أقل تكلفة وجمالًا لكنها قد تشوه المبنى وتظهره بشكل غير مريح للعين (هنا تتضح أهمية دور المعماري المصمم في اقناع المالك باعتماد مواد تحقق للمبنى جمال ورقي تصميم وجودة تنفيذ). وعلى النقيض من ذلك، نجد أن ما يقوم به بعض ذوي الدخول المرتفعة من اختيار أشكال ومواد مبهرة عند تنفيذ منازلهم بغرض التباهي.  لكن غير مريحة للنظر وتتعارض مع الطابع العام سواء للمبنى أو للمنطقة، ويؤدي لانعكاسات مسيئة للطابع العام للمدينة مما يسهم في فقدان جمال وتناسق المجال البصري لها.

ومن الجميل هنا أن نشيد بمبادرة أساليب البناء الحديث التي إنطلقت كجزء من منظومة الإسكان، والتي يشرف عليها (برنامج الاسكان وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية وبدعم من خطة تحفيز القطاع الخاص)؛ لتضع الركائز الأساسية لدعم عملية التحول من البناء التقليدي إلى البناء الحدیث، (تشمل أساليب البناء الحديث (MMC) الأساليب الجديدة والمحسنة لأداء عملية البناء). وسيؤدي استخدام هذه الأساليب إلى تحقيق نواتج عالية الجودة وأوقات بناء أسرع، مع تقليل التكلفة الكلية للمشروع). وبلا شك سيكون لها الأثر البالغ لتنفيذ المباني السكنية وفق تطلعات الوطن والمواطن، وتساعد على تمكين المواطن من إيجاد مسكن يلبي التطلعات في وقت قياسي ذو جودة عالية وتكلفة تنافسية. بالإضافة إلى الاستثمار في التقنيات المتطورة والمساهمة بشكل رئيسي في مواكبة التطور الصناعي وتأكيد ريادة المملكة في هذا المجال.

  • أسباب اجتماعية: حيث يساهم قصور الثقافة نتيجة لقلة الوعي لدى الأفراد وإهمالهم للاعتبارات الجمالية لمدنهم، في رؤية تصرفات لا مسؤولة وسلوكيات اجتماعية واقتصـادية خاطئـة.
  • مستجدات العصر، والمتمثلة في: الزيادة السكانية وزيادة العمالة الوافدة والمعدل العالي لارتفاع الأسعار العالمية والمحلية ومدى انعكاسها بصورة مباشرة على تلوث المدينة السعودية بصريًا.
  • اختلاف الذوق العام لشكل المسكن الخاص، لاسيما إذا ما استخدمت الألوان الداكنة النشاز في طلائه أو تصميم المنزل بشكل غريب حين تنظر إليه تخاله من بيئة أخرى أو كأنه أحد البيوت التي نشاهدها في أفلام الكرتون.
  • مخالفة واجهات المبنى للواجهات التي تم اعتمادها من قبل البلدية، بسبب رغبة المالك بتنفيذ واجهة مخالفة تماما لما تم اعتماده من منظور قدمه المعماري المصمم مع المشروع للبلدية لاعتماده سواء في الشكل أو الألوان دون دراسة مما يشوه المبنى ويؤثر على ما حوله من مبان.
  • القوانين والتشريعات المنظمة للبناء والتعمير، التي تتحمل الدور الأكبر في زيادة مظاهر التشوه البصري؛ باعتبارها ذات أثر فعال على سلوكيات الأفراد؛ فهي توجه حركتهم داخل مساكنهم وخارجها سواء بالسلب أو الإيجاب، وتترك آثارًا واضحة على البيئة العمرانية.

ولا شك أنَّ هناك أسباب أخرى مؤثرة، ومنها: تضارب الاختصاصات، (ويبدو مما نراه ونشاهده في معظم مدننا اليوم أن كل منها نظرًا لمرجعيته الحكومية، يعمل وفق نظامه الخاص، بمعزل تام عن الجهات الأخرى، وهو ما يساهم بالضرورة في تشويه المدن بصريًا)، ومن جهة أخرى عدم الإيمان والاقتناع الكافي من قبل بعض المخططين العمرانيين والقائمين على التخطيط العمراني بأهمية التوافق البصري في البيئة العمرانية. هذا عدا عدم اهتمامهم الكافي بما يعرف ب «تأثيث الشوارع والطرقات»، – هو مصطلح ورد في التصميم الحضري -، وهو يعني ببساطة التعامل مع الطرقات والأرصفة باعتبارها أمكنة ومساحات تستضيف بشرًا؛ ويتوجب فرشها بالأثاث من مقاعد ثابتة وسلال مهملات أنيقة ونظيفة في كل مكان وأنماط أرصفة تحترم المشاة، وغير ذلك من إكسسوارات المدن، كأعمدة الإنارة والمجسمات الجمالية ونوافير المياه. ومن ثم قدرتهم على إقناع صاحب القرار بضرورة الإنفاق على تطويرها والحد من مظاهر التشوه البصري فيها؛ لما تشكله من رأس مال مستدام ورافدًا اقتصادياً للدولة.

الرياض بين إكراهات التوسع العمراني والتشوه البصري

للوهلة الأولى سيلاحظ المتأمل في البيئة العمرانية للرياض، تداخل الأنماط العمرانية، ويمكن ملاحظة حصيلة ملامح التشكيل الخارجي السائد في المدينة، مباني مختلفة ومتباينة في الذوق والشكل الخارجي وفي الأطوال؛ حيث نجد (منطقة حديثة مكتظة بالأبراج العالية المبنية على الطراز الحديث فيما تقابلها منطقة مكتظة بمنازل سكنية قديمة لا يجمعهم طراز معماري واحد أو هوية واحدة). كما نجد المباني الواقعة على الطرق الرئيسية في الأحياء القديمة قد تحول بعضها إلى الاستخدام التجاري بعد ترميمها، وأجزاء منها بدأت تأخذ في البنيان الرأسي شيئًا فشيئًا بشكل لا يتناسب مع المنطقة المحيطة بها. كما أن وجود المنطقة الصناعية داخل حرم المدينة يشكل خطرًا بيئيًا متمثل في التلوث الهوائي والسمعي والبصري.

أما المناطق الطرفية الحديثة بدأ التوسع فيها بشكل غير منظم ، ويفتقد لكثير الخدمات الضرورية للسكان من شبكات مياه وصرف صحي وطرق مسفلتة وغيرها من الخدمات الضرورية؛ بسبب توسع وامتداد عمراني – غير مدروس جيدًا – أصبح ذو أشكال غير منظمة ويتميز بانتشار ظاهرة البناء الفوضوي ، والتي تعتبر من أهم مظاهر التشوه البصري، بسبب ظهور ما يسمى بمناطق السكن الفوضوي الخاص – هي مساكن نشأت وتطورت كنتيجة حتمية لزيادة السكان في ظل غياب رقابة السلطات المعنية – ،وسيتم التطرق لها بشكل أوضح لاحقًا ؛ لذلك تفتقر معظم أحياؤها لجماليات التصميم النموذجية المطلوبة لأنسنة الأحياء السكنية. ويبدو أن هذه الظاهرة لا تزال في حالة إنتشار رغم جهود الدولة في مواجهتها طالما مادام الطلب على السكن مازال قائمًا وبشكل كبير وهناك ارتفاع جنوني مستمر في أسعار العقارات وأسعار البناء، والناس بطبيعة الحال تبحث عن المناطق الأقل سعرًا وعن الخدمات الأقل تكلفة.

وهناك كثير من الأمثلة لا يتسع لها المجال تؤكد غياب هوية عمرانية للرياض، وأننا إن لم نتعامل معها بإدراك وشمولية من منطلق تأثيرها على البيئة المرئية وانسجامها العام في الطرق وبين المباني ستزداد مشكلة التشوه البصري في المدينة.

وغياب الهوية العمرانية لا ينطبق على مدينة الرياض فقط، وإنما هناك غياب جماعي لطابع عمراني في جميع مدن وقرى المملكة – باستثناء بعض قرى الجنوب -، حيث نلاحظ أن مدننا وقرانا عبارة عن نسخ متشابهة وقوالب متكررة في تخطيطها الحضري ونمطها العمراني دون أن نجد أي أثر بارز للهوية العمرانية التاريخية والتراثية والجغرافية والاجتماعية التي تميز هذه المنطقة عن تلك!

ومما لا شك فيه، أن غياب الهوية العمرانية في البناء لمناطق المملكة وبالأخص الرياض والمدن الكبرى، يؤدي إلى فقدان الإحساس بالوحدة وبالقيم المشتركة بين المباني، ولا يدعم قدرة المشاهد على إدراك تذوق متعة ومميزات التوافق البصري في البيئة العمرانية لها. في حين أن التنوع والتميز المطلوب للهوية السعودية سيمنحها الفرصة لإبراز الهوية المحلية لكل منطقة وتعزيزها وتطويرها واستثمارها اقتصاديًا، ويعزز من صورة المملكة بين دول العالم ويمنع طمس هويتها العمرانية وألا تصبح مدننا وقرانا قوالب مكررة لبيئة عمرانية غريبة على بيئتها المحلية. وفي المقابل نجد مدن عربية شقيقة، مثل: مدينة الدار البيضاء ومسقط لديها التزام كامل بالشكل المعماري والفني والجمالي، وبعض المدن الإيطالية والفرنسية واليونانية؛ الأمر الذي أعطاهم جمال معماري مميز يجذب إليها ملايين السياح من مختلف دول العالم سنويًا.

لذلك نؤكد على أن تعزيز الهوية الوطنية في المدن السعودية يعتبر مظهرًا من أهم المظاهر البيئية المستوجبة لمزيد من العناية والاهتمام، ويشمل العديد من المظاهر والممارسات لخصها د. وليد الزامل في مقاله “اليوم الوطني وبناء هوية المدن السعودية” فيما يلي:

  • “أولا: مشاركة المجتمع المحلي في التخطيط، وبشكل يعبر عن احتياجات كافة الفئات الاجتماعية ضمن إطار المصلحة العامة، ومن الأهمية ألا تكون هذه المشاركة في إطار رمزي؛ بل تعكس شراكة حقيقية تسهم في استدامة المدن والارتقاء بالبيئة العمرانية وصولا إلى خلق ثقافة الانتماء للمكان.
  • ثانيا: تحسين الصورة الذهنية للمدينة بعيدا عن الإطار المظهري؛ بل الجوهري، بمعنى التأكيد على حوكمة القطاعات الخدمية وقياس مؤشرات أداءها في خدمة المواطن وخصوصا في مجال الصحة، والإسكان، والنقل الحضري.
  • ثالثا: أن تترجم المدن السعودية التنوع الاجتماعي والثقافي المادي والمعنوي من خلال العمران وصيانة التراث والحفاظ على الموروث الثقافي والفني، ويشمل ذلك تأهيل أواسط المدن التقليدية، والحفاظ على المناطق والمواقع التاريخية.
  • رابعا: أن يعكس التخطيط العمراني للمدن السعودية الهوية الوطنية من خلال التأكيد على جملة المبادئ والقيم الاجتماعية التي يتمتع بها المجتمع والتي ترتبط بالإرث السعودي كقيم العدالة، والحفاظ على العلاقات الأسرية، وحق الجار، والكرم وحسن الضيافة”.

وهو ما حدا بالقيادة الرشيدة لإبراز الرياض بهوية خاصة بها من خلال “العمارة السلمانية”؛ لإعطاء العاصمة هوية مستمدة من جذور التاريخ والبيئة والإنسان، وهذا التوجه سيشمل أيضًا بقية المناطق؛ فاليوم هناك عمل رائع يجري التخطيط له من خلال تطبيق كود عمراني يبرز تنوع الجغرافيا والتاريخ والتراث والبيئة الاجتماعية لكل منطقة من مناطق المملكة المختلفة، يعمل على تحقيق التميز في الهوية العمرانية التاريخية لها وينعكس بشكل مشرف على حاضرها ومستقبلها.

وبالعودة للرياض، نقول نعم لا يختلف اثنان على النهضة الحضارية والنقلة النوعية لمحافظتها، وما تشهده من تطور ونمو متسارع يواكبها حراك ثقافي ملفت. وأن اهتمام القيادة الرشيدة بجودة الحياة فيها تركز على إنشاء برامج وخطط تنموية تساعد على الحد من تدهور المحيط الحضري داخل التجمعات السكنية، والتشديد على رصد مخالفات التشوه البصري لأنماط البناء السكني والتجاري المؤثرة في المشهد الحضري للمدينة، والتي كانت من أهم أسبابها: الحركة العمرانية العشوائية وغير المخططة من قبل البلديات والمشرفين على تسيير المدينة داخل محيطها العمراني.

فحسب تحليل لواقع الاحياء السكنية ذكره د. وليد الزامل في مقاله “حي سكني أم حارة كل مين إيده إله” أنه وجد “أنها غير مبنية تمامًا على دراسات الاحتياج السكاني ، ولا تعكس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للفئات المستهدفة أو حتى طبيعة الأرض وعلاقتها بالسياق العمراني، معظم هذه الأحياء السكنية تم تخطيطها وفقًا لنظام التخطيط الشبكي ؛ كونه الأسرع استجابة للتحولات السريعة التي تمر بها المملكة” والذي بسببه يخترق الحي من عدة مداخل تفتح مباشرة على الشوارع التجارية ، وتتوزع المحلات على جانبي الطريق بلا مساحات لمواقف السيارات . لكن تسارع وتيرة البناء والتطوير نتج عنه أحياء سكنية غير مكتملة تمامًا في الخدمات، أو مواقف السيارات، أو التشجير، أو أرصفة المشاة أو حتى سفلتة الشوارع. كما ذكر أن الإشكالية ليست هنا وإنما في تكرار هذا النمط على نطاق واسع يكاد يتجاوز 90% من أحياء مدينة الرياض ومدن أخرى.، وقصور السياسات العامة وعدم قدرتها على التحكم في ظاهرة التشوه البصري وضعف قدرات هياكل الإدارة التي تُعنى بالتخطيط والمراقبة والتي تشرف بدرورها على تطبيق التراتيب العمرانية والحد من الخروقات في مجال استعمال الأراضي واستغلال الفضاءات العمومية واحترام الملكية العامة للدولة ، وتردي المستوى الثقافي وغياب الوعي الجماهيري لأهمية العناصر الجمالية والبصرية والتهاون في عدم تطبيق الأنظمة والقوانين والتشريعات ذات العلاقة.

ولأن قضيتنا الأساسية هي التشوه البصري، سنحاول فيما يلي أن نرصد – حسب مشاهداتي من خلال جولات ميدانية لمدة تزيد عن الشهرين – لأبرز مظاهر التشوه البصري الظاهرة من الواقع المعاش في مدينة الرياض:

  • تشوهات بصرية ناتجة عن التباين بين الجديد والقديم، والجميل والقبيح في أشكال المباني الواقعة في نفس المكان، وبروز فارق تقنيات ومواد بناء بين منشأة وأخرى ـ ما أدى إلى نشاز واضح في التناغم التصميمي لها. الأمر الذي قد يفقد المباني الجميلة المجاورة لها لجمالها، ويخفي خصائصها المعمارية المميزة، وهذا ما يحدث بالضبط عندما نشاهد مبنى جميل بني على طراز أوروبي غربي حديث بجانب مبنى جميل آخر لكن مبني على طراز شرقي عربي إسلامي؛ حيث سيطغى جمال أحدهما على الآخر.
  • التباين في ارتفاع المباني التجارية على الطرق الرئيسة وفي المناطق التجارية، حيث أظهرت دراسة بعنوان: مخالفات التشوه البصري في مدينة الرياض وتباينها المكاني للدكتور سلطان الزهراني، أن ذلك يظهر جليًا في وسط الرياض وبين طريق الملك فهد وشارع العليا. هذا بالإضافة إلى البناء العشوائي على أسطحها – حيث يتم بناء الأدوار المتعددة بناء على رغبة مالك العقار وليس بناء على ما أعتمد في رخصة البناء – وهما يحتلان نسبة كبيرة من التشوه البصري في مدينة الرياض خاصة في قطاعي الوسط والشمال.
  • عدم انسجام المباني التراثية القديمة بعد ترميمها مع المباني السكنية المجاورة في نفس الحي المبنية بشكل عشوائي وفوضوي ملئ بالتشوهات البصرية، كما هو الحال في المناطق المحيطة بالدرعية، وطريف، والبجيري، والمربع. وهو ما حدا بضرورة التدخلات الحازمة لتطوير هذه المناطق بالكامل بعد أن تأثرت العديد من المباني الأثرية والتاريخية بتلك الظاهرة وتراكمت عليها الاستخدامات والإضافات والتغييرات التي تسئ وتدهور التاريخ المميز لها.
  • غياب أنظمة التخطيط والتنظيم التي تحد من العشوائية، وسوء التصرف، ومن أمثلة ذلك:
  • قصور بعض التشريعات المنظمة للبناء والتعمير وعدم إعطاء المجال الأوسـع لمواد البناء أو ضعف تطبيقها بما يؤدي لغياب الجماليات في التصميمات الحديثة للواجهات، كمظهر غير جمالي مؤذٍ للبصر.
  • وجود قوانين وأنظمة تسمح بالمخالفات أو بتسويتها مقابل دفع غرامة مالية.
  • اختفاء الحس الفني لدى بعض متخذي القرارات والجهات المحلية بأهمية التوافق البصري في البيئة العمرانية وسماحهم بالعديد من الاستثناءات في مجال الإنشاء والتعمير المسببة للتشوه البصري.

والأمل معقود على الدليل الإرشادي لتصميم البيئة العمرانية، الذي أصدرته وزارة الشؤون البلدية والقروية الذي يهدف إلى توحيد المنهجية والمعايير المتبعة في تنفيذ المشاريع البلدية بين الأمانات والبلديات، والإسهام في تطوير مشاريع البنية التحتية ومسايرتها التطور العصري؛ للارتقاء بالبيئة العمرانية والإسهام في تطوير مرافقها وجوانبها المختلفة، والحفاظ على النسيج العمراني والتناسق العصري اللائق بمدن المملكة ومناطقها، من خلال تحقيق معايير التصميم العمراني الحديثة، ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع، ورسم الصورة المطلوبة التي ينبغي أن تكون عليها الطرق الحضرية والمسطحات الخضراء في مدن المملكة، وتطبيق الأسس الإقليمية والمحلية المنبثقة من المعايير العالمية في التصميم العمراني، وذلك بإشراف فريق عمل متخصص من الوزارة. كما يهدف الدليل إلى النهوض بمستوى جودة البيئة العمرانية وتحسين المشهد الحضاري في المدن السعودية، وإنشاء طرق وشوارع على مستوى عالمي آمن ومتكامل، والتخلص من سلبيات الشوارع القديمة التي تشوه المكان وتقلل من فاعليته، ووضع المعايير والأسس اللازمة لتطويرها والنهوض بها، القضاء على السلبيات التي تؤثر سلبا على المظهر الحضاري في البيئة العمرانية والبنية التحتية، وتوفير الأنظمة والتشريعات العصرية للمشاريع البلدية وسهولة تطبيقها وتنفيذها، وضع الأسس والمعايير العلمية الدقيقة لضمان وسهولة التخطيط الحضري المتميز بوصفه مطلبًا للتنمية المستدامة، والإسهام في تطبيق الأنظمة بحق المخالفين بالشكل الرادع والمناسب.

  • البناء العشوائي والفوضوي في مناطق السكن الخاص – حدث ولا حرج- حتى في بعض الأحياء الراقية؛ فالكل يبني على هواه؛ حيث نجد التباين في ارتفاعات المساكن، فقد نجد فيلا أو مسكنًا منخفض الارتفاع بجواره برج سكني. أو عدم التناسق في نوع التصميم أو في الألوان الخارجية للمباني المتجاورة، فقد يكون لكل فيلا تصميم ولون مختلف تمامًا عن الآخر، حتى لو كانوا ضمن مجمع واحد. والتي نجدها ظاهرة تؤثر سلبًا على التنمية العمرانية بشكل أو بآخر.
  • لكن رغم ذلك ما زالت الجهود متواصلة وقائمة لتفادي الظاهرة والحد من انتشارها عن طريق مركز “إتمام” – مركز خدمات المطورين العقاريين والذي بدأت رحلة إنشائه إنفاذاً لمقتضى الأمر السامي الكريم رقم (7262) والصادر بتاريخ 8 / 2 / 1437هـ أحد ، كأهم المبادرات الهادفة إلى تيسير سبل انطلاق القطاع العقاري بالمملكة وخلق بيئة جاذبة لزيادة حجم استثمارات هذا القطاع من داخل وخارج المملكة – ، ومهمته دراسة مراحل عمليات التطوير العقاري وما يحكمها من أنظمة ولوائح، والتعاون المباشر مع كافة الهيئات والجهات ذات العلاقة، للعمل على تطوير الأنظمة وتيسير الإجراءات بما يسهل أعمال المطور العقاري ويدفع بعمليات تطوير المشروعات السكنية.
  • عمل بعض الإضافات والتغييرات الخارجية على المباني السكنية، التي تشوه من شكل المباني والبيئة العمرانية للحي، وقد يكون هذا بسبب القصور في تحقيق الاحتياجات والمتطلبات المعيشية داخل الوحدات السكنية والذي أدى لقيام بعض السكان بإجراء إضافات وتعديلات على العناصر والفراغات الخارجيـة لمساكنهم وتعـديل واجهاتها سواء بالتغيير في موضع الشرفات أو إغلاق البلكونات، باجتهـادات فرديـة، وبمـواد مختلفة غير مدروسة، مما أدى إلى تشويه الطابع المعماري الأصلي لواجهات الوحدات السـكنية والمنشآت العمرانية.
  • الاستيلاء على الممتلكات العامة، مثل: 1- الاستيلاء على الشارع الواقع بين مسكنين مملوكة لشخص واحد، وتحويلها لمواقف شخصية لسياراتهم. 2- التعدي على أي مسطح أخضر أو أرض فارغة مقابلة لمنزلهم وتحويل هذه المرافق العامة إلى ديوانيات بعد نصب خيام للاحتفالات الخاصة بهم، أو وضع مساكن متنقلة للعاملين لديهم وبعضها يحولها إلى زرائب لتربية الماشية في بعض الأحياء الشعبية كالنسيم والنظيم. 3- استغلال بعض السكان لجزء من الرصيف الملاصق – إن وجد – لمنزله لصالح مصلحته الشخصية بشكل أو آخر، ومنها: تركيب المظلات أو وضع براده ماء أو ثلاجة لحفظ الطعام لإطعام المحتاجين أو لجوء سائقه الشخصي لنشر ملابسه بشكل غير لائق وغير حضاري أمام المارة.
  • عشوائية التخطيط في المجمعات التجارية، التي أنشئت في نفس المكان في طريق واحد لا يفصل بينها سوى عدة أمتار، مثل مجمعي (حياة مول وصحاري مول) في طريق الملك عبد العزيز بينما توجد مناطق شاسعة في الرياض في حاجة لمثل هذه الأسواق.
  • وهنا نتساءل أين مخططونا العمرانيون عند إصدار التراخيص واعتماد الموافقات؟!
  • تناسي ظروفنا المناخية وطرق التعامل معها، عند بناء الحدائق العامة وحدائق الأطفال؛ فلماذا لم يتم التفكير في أن تخدم هذه الحدائق الجميلة مستخدميها صيفًا وشتاءً ًبتغطية جزء منها بحواجز شفافة مكيفة سهلة الاستخدام، بحيث يسهل منها الرؤية وتحقق الفائدة من إنشائها طوال العام وخاصة في فصل الصيف الذي يمتد لأشهر طويلة وتشكل مصدر حماية لألعاب الأطفال ومحتويات الحديقة بدلا من تركها مكشوفة في الشمس تتلف دون أدنى اهتمام بعد أن كلف إنشاؤها ملايين الريالات دون الأخذ في الحسبان أضرار المناخ الجسام.

ولعل من المهم توضيح الحاجة الماسة إلى قاعدة بيانات شاملة عن الحدائق؛ ليمكن في ضوء ذلك وضع الخطط التنموية المناسبة لتطوير خدماتها والاهتمام بها من قبل الجهات المسؤولة عن الحدائق (برفع كفاءة الفنيين الزراعيين في الأمانات والبلديات بما يتماشى مع المهام المطلوبة منهم، وملائمة الأنواع والأصناف النباتية المراد زراعتها للظروف المحلية قبل زراعتها- ويقصد بها النباتات التي تقاوم حالات الجفاف وتتلاءم مع بيئتنا الصحراوية مما يقلل من التكلفة المالية الضرورية لصيانتها والعناية بها -) من جهة. ومن جهة أخرى، زيادة الوعي البيئي على مستوى التجمعات السكانية بأهمية الاهتمام بالحدائق والمنتزهات والمحافظة عليها.

  • الصبات الخرسانية، والتي بات مشاهدتها أمرًا مألوفًا لنا أثناء تجوالنا في أغلب شوارع الرياض الرئيسية وحتى داخل شوارع بعض الأحياء. الأمر الذي جعل الصورة البصرية الراسخة في أذهان الكثيرين للرياض يا للأسف مرتبطة بوجودها؛ فهي توضع في كل مكان إما لتنظيم حركة السير أو لحماية بعض المباني الحكومية والدبلوماسية أو بعض المرافق العامة كأبراج الكهرباء. كما نجدها أيضًا عند مداخل المجمعات السكنية والمراكز التجارية. ويكمن السؤال هنا، ألا توجد وسيلة أفضل منها لتحقيق الغرض؟؛ فشكلها ليس جميل وثقيلة الوزن ويحتاج نقلها لرافعات وسيارات مخصصة، مما قد يسبب التأخر في إبعادها بعد إنتهاء مهمتها.
  • الحفريات والمشاريع الإنشائية التي ما إن ينتهي مشروع حتى يبدأ مشروع آخر، والتي في غالب الوقت تتم من قبل بعض الجهات المنفذة دون الأخذ بعين الاعتبار سالكي هذه الطرق – فهي دائماً خارج حساباتهم-. وهنا يحق لنا أن نتساءل ألا توجد مراقبة لأعمال هذه الشركات من قبل الجهات المسؤولة لتنفيذها في زمن محدد وخارج أوقات الذروة لسالكي الطرق؟ وهل هناك قواعد وشروط تلزم الشركات المنفذة لأعمال البنية التحتية باحترام حقوق سالكي الطرق؟ ولمن نشتكي عند تعرضنا لضرر مادي أو حتى معنوي من جراء هذه الحفريات؟ وعلى من تقع المسؤولية؟
  • تدخل الإنسان في الطبيعة بطريقة غير مدروسة ومحسوبة جيدًا، حيث نرى عدم حرص بعض عمال البلدية أو الكهرباء الذين بُلغوا بضرورة عمل بعض الحفريات اللازمة في منطقة ما في المحافظة على الأشجار المزروعة التي لا تشكل أي عائق أمامهم ويتم قطعها أو إزالتها بالكامل لإنهاء الحفريات ولم يحفروا حولها..!؛ لذا فالتصور أن أي عمل لا يتم تنسيقه دون إحداث ضرر في البيئة الطبيعة لا خلاف على أنه من أهم مظاهر التشوه البصري في أي مدينة.
  • أبراج الضغط العالي التي تعد أشهر معالم التشوه البصري غير المرغوب فيها في طريق الأمير محمد بن سلمان وغيره من الطرق الرئيسية. فرغم مرور السنين وتطور قطاع الكهرباء الذي شهد نموًا كبيرًا ومتسارعًا لم يواكبه جهد في استبدال خطوط الضغط العالي – تشكل هذه الأسلاك المكشوفة خطرًا كبيرًا ومصدر قلق وخوف دائمين من ملامسة تيار الضغط لأسطح المنازل المنطقة المحيطة – وتحويلها إلى خطوط أرضية. ومن خلال مشاهداتنا يلاحظ إهمال صيانتها – حيث نمت على بعضها الأعشاب، وعدم وجود رقابة صارمة عليها حيث نشاهد بعض الكبائن الخاصة بها مفتوحة!
  • الشوارع الداخلية لبعض المناطق والحواري الشعبية في العاصمة في حالة رثة وبها من العشوائية والتعدي والتشوه ما بها، لا توحي أبدًا أنها ضمن نطاق عمراني معتمد، المفترض فيه تنمية العاصمة بشكل متزن ومتساوٍ.
  • عشوائية المحال وتناسخ وتشابه نشاطها التجاري، المنتشرة ليس في الحي ذاته، ولا في الشارع ذاته، بل حتى في المبنى الواحد!! ويجعل من الرياض مدينة تعج بالعديد من المظاهر التي تنفر منها العين، خاصة إذا تعلق الأمر بأنشطة تمثّل تشويهًا للبيئة البصرية، ومنها: كل ما يرتبط بالسيارة من خدمات مختلفة (ورش صيانة، غيار الزيوت، قطع الغيار، زينة السيارات وتظليلها وغسيلها)، أو ما يرتبط بالسباكة والكهرباء، وغيرها من الأنشطة التي تتميز باحتكار كبير لعمالة وافدة مختلفة الجنسيات، تجبرنا على رؤية العديد من مظاهر التشوه البصري المستورد الذي أشرنا إليه سابقًا.
  • أمـاكن عـرض السـلع والمظـلات والأكشاك غير المنظمة خاصة تلك التي تتواجد عند الحدائق والمساجد الكبيرة أو الأسواق الشعبية؛ كونها من أكثـر العناصـر مسـاهمة فـي التشـويه البصـري.
  • الوضع التعيس لبعض الأسواق الشعبية مثل (العويس، البطحاء، حجاب وغيرها)، فالمتسوقون لا يستطيعون المرور والتحرك بسهولة بسبب تكدس الباعة المتجولين وتزاحم العارضين الذين يبيعون الملابس وبعض المأكولات المطبوخة والخضار والفواكه الطازجة على الأرصفة أمام المحال التجارية وعلى الطرقات بعيدًا عن أعين الرقابة. الأمر الذي يؤكد احتياجها إلى مزيد من التنظيم والرقابة الصارمة من قِبل البلدية؛ لأنها تعكس صورة غير مشرفة لأسواقنا.
  • سوق الخضار التقليدي في كل منطقة في العاصمة، الذي نرى فيه عددًا من الممارسات الخاطئة، ومنها وجود كميات كبيرة من الخضار والفواكه التالفة في أسواق الخضار، والمرمية بطرق غير حضارية أو لا تزال في حالتها السليمة وتم التخلص منها في سلة النفايات بطريقة غير مناسبة، مما يسبب روائح كريهة ويؤدي إلى تجمع الحشرات والذباب يؤذي مرتادي السوق. فمن مهام إدارة السوق عدم السماح بمثل هذه المخلفات داخل السوق، ووجوب نقلها أولاً بأول إلى خارج السوق لأن الوضع يتعلق بصحة المواطن وحالات متكررة لإهدار النعمة. وعملاً بمبدأ حفظ النعمة وتكريمها عن الامتهان، نثمن اقتراح المجلس البلدي لمدينة الرياض مبادرة لتخصيص حاويات للخضار والفاكهة، لتحقيق الاستفادة القصوى من فوائض الخضار والفاكهة، وتقليل نسبة الهدر منها بعد التحقق من إمكانية إعادة استثمار هذه النعم المهدرة، بما يضمن إفادة المستحقين وتوزيعها لهم بطريقة مناسبة تحفظ النعمة وتحد من نسبة الإهدار منها وتحافظ على الحد من المناظر المؤذية للعين وتحافظ على البيئة في آن واحد لكن هل بالفعل تم تنفيذ هذا الاقتراح؟
  • لذا من أهم الأولويات: تعديل وضع هذه الأسواق ومراقبتها المستمرة بشكل يأخذ في الاعتبار مصالح كل من الباعة والمشترين والمتسوقين على حد سواء مع الالتزام بالذائقة البصرية لبيئته المرئية، باعتباره جزءًا من نسيج المدينة التقليدية؛ ليتكامل مع النمو الحضاري للمدينة ذاتها ومع عمليات الحد من مظاهر التشوه البصري.
  • سوء التعامل مع النفايات وما يندرج تحتها من تشوه بصري وضرر صحي، ومن أهم أمثلتها:
  • صناديق القمامة بأشكالها التي تبعث على الاشمئزاز وأماكنها الخاطئة وعدم تنظيفها بشكل دوري من قبل الجهات المختصة.
  • عدم التزام سكان بعض الأحياء بوضع أكياس نفاياتهم في المكان المخصص لها؛ مما يعرضها للبعثرة من قبل القطط السائبة.
  • قيام بعض السكان بوضع بقايا الطعام في أي أرض فارغة لإطعام الطيور والقطط بغية الأجر. ولا يخفى الأثر السلبي لذلك والذي يتعدى التشوه البصري للضرر الصحي لسكان المناطق المجاورة.
  • مباني العظم غير المكتملة في الشوارع الرئيسية، من المفترض إيجاد آلية موحدة لعلاج عدم استمرارها بهذا الشكل، والتي من أهمها: آلية ميسرة للتمويل؛ فالسبب الرئيسي في معظم تلك المشاريع شح السيولة. وقد يكون من المناسب تصنيف آلية العلاج حسب ملكيتها كما يلي:
  • مشروع شخصي، يجب حصر المباني المتوقفة والاجتماع بملاكها لمعرفة أسباب التوقف، وإعطائهم عدة خيارات، منها: الإكمال مع بعض التسهيلات المالية، أو ضم المبنى للصناديق العقارية أو البيع إذا كانت المشكلة مالية، والإسراع في حل الأمور المتعلقة بالملكية إذا كانت المشكلة قانونية.
  • مشاريع تابعة للقطاع الخاص، حيث أن معظم أسباب التوقف تكون مادية؛ لذلك من أهم الحلول ما يلي:
  • إيجاد آلية للتمويل من خلال تسريع الرهن العقاري لهم بنسبة فوائد بنكية منخفضة وميسرة إذا كان المشروع ذو صفة تنموية.
  • إعطاء المستثمر فرصة، وإن تعثر بعدها يتم بيع المبنى في مزاد علني ليتم شراؤه من قبل مستثمر آخر قادر على إكماله خلال فترة محددة مسبقًا من قبل الأمانة
  • عدم السماح للمستثمر بتسليم المبنى للمشتري إلا بعد الانتهاء من البناء والتشطيب حسب التصميم المعتمد في رخصة البناء مع وجود بند للصيانة المستمرة.
  • مشاريع تابعة للقطاع الحكومي، من المهم تشكيل لجنة لدراسة سبب تعثرها والبحث عن حلول لاستكمالها وتذليل الصعاب والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وقد يكون الحل: إما استكمال بناءها من حساب صندوق خاص بمكافحة التشوه البصري، على أن يتم متابعتها وتقييم أدائها وضمان صيانتها. أو تغطيتها بسواتر جميلة؛ كحل مؤقت لحين استكمالها.
  • إهمال جانب الصيانة والمتابعة المستمرة لإصلاح أي خلل لبعض المباني والشوارع والمنشآت العمرانية من قبل الجهات المسؤولة قد يطرأ نتيجة التغيرات المناخية أو بفعل الاستخدام البشري؛ حيث نجدها بعد فترة من الاستخدام قد طالتها روح الإهمال وكثرت بها التصدعات والتشققات الداخلية والخارجية وتصبح مناظرها الخارجية من أكثر المناظر المؤذية للعين. وعليه يصبح من المتعذر صيانتها وتحتاج لميزانيات كبيرة لإعادة ترميمها من جديد.
  • استمرار عدد من المباني المتهالكة أو المهجورة أو المتنازع عليها التي أكل عليها الدهر وشرب في عدد من الشوارع الرئيسية في الرياض (نستطيع تسميتها بالمباني المريضة أو الممرضة)؛ لما لمظهرها الخارجي من سوء منظر واستفزاز سيئ للذوق العام، وتشويه أكيد لمحيطها)، حيث تركت بقصد أو بدونه، من دون صيانة أو ترميم أو نقل ملكية، من دون أن يكلف أصحابها أنفسهم توجيه نظرة اهتمام ورعاية لها لتظهر بشكل مشرف؛ ربما يعود ذلك لاختلاف المخزون الثقافي والتعليمي والحس الوطني لملاك هذه المباني أو النزاع حول ملكيتها وهنا ينبغي أن نحمل البلدية السبب في تأخر تنفيذ الإزالات لهذه المباني وتطبيق الجزاءات الفورية ، وأن نوجه للقائمين على إدارة المدينة تساؤل جاد عن أسباب عدم معالجة هذه المواقع المهجورة؛ ولماذا بقيت على هذا الحال لفترات زمنية طويلة دون تحسين أو تطوير أو حتى إزالة، حتى أصبحت من أهم مظاهر التشوه البصري التي تستوجب المعالجة السريعة ؛ خاصة بعد أن أصبحت هذه المباني المهملة مأوى للعمالة المخالفة أو مرتعًا للحيوانات السائبة أو دورات مياه – أعزكم الله -؛ بعد أن حولها بعض الأشخاص إلى مكان لقضاء حاجتهم فيها..! ومن أمثلة المباني المهجورة: مبنى حلواني إخوان في شارع الستين بالملز، ومبنى كعكي في شارع الوشم.

ومن الأشكال الأخرى للفوضى المعمارية الحاصلة في الرياض والمسببة للتشوه البصري في المدينة، تراكم مخلفات البناء في الشوارع وفي الأراضي الفارغة وعلى أسطح البيوت، وكذلك تحويل الشارع من سكني لتجاري أو استغلال الأرض المخصصة لمواقف السيارات لبناء توسعة جديدة. هذا بالإضافة إلى استخدام اللوحات التجارية والدعايات الشخصية بشكل غير ملائم، وما إلى ذلك من صور وأشكال التحول في البيئة العمرانية للمدينة ككل بشكل غير منسق ويشوه الشكل العام للرياض. مما كان له الأثر في تشوه المدينة بصريا وافتقادها للطابع الجمالي.

ولنتفق هنا، على أن بعض الجماليات تتعلق بالحس أكثر من تعلقها بمهنة، ولا يختلـف المهنـدس عن غيره على أثر وجودها في المكان. وهذا ينطبق إلى حد كبير لرأينا حول افتقار الرياض لنوافير المياه، والميادين الواسعة والنوافير والمجسمات الجميلة وأعمدة الإنارة الأنيقة، التي تعتبر من أهم العناصر الجمالية والبصرية ومتى ما توافرت ظهر الطـابع الجمـالي والبصري للمكان.

وعند محاولتنا للبحث عن الأسباب الحقيقية والآليات التي تحكمت في تشكيل البيئة العمرانية لمدينة الرياض وتنمیتھا – وهو أمر لا یمكننا تلافيه – لإيجاد الحلول اللازمة -، والتحولات والتغييرات الكبيرة التي طالت المناطق السكنية الحضرية الحديثة والأحياء الشعبية ومعظم مناطق العاصمة – ونشوء ظاهرة التشوه البصري – التي كان من المفروض أن تكون مراقبة باعتبارها تدخل ضمن الوسائط التنظيمية للعمران.  يتبادر للذهني سؤالين، وهما:

  • ھل كانت هناك دراسات مستقبلية، تنبأ بها المهندسون والمخططون المعماريون – تنبؤات تعتمد على عوامل كثيرة لا تعرف الثبات (اقتصادية، سياسية، اجتماعية..) – واستعدوا لهذه القفزة الحضارية التي تعيشها الرياض، والتغير الحتمي المصاحب لها وما ينتج عنها من آثار وتغيرات، بل واختلالات في المجتمع نفسه، وتداعيات هذا في بيئتها العمرانية؟
  • هل للمهندس الحق في الاعتراض على أي تغيير يضاف على المبنى أو المشروع الذي صممه أیًا كان حجمه أو نوعه، بعد تسليمه أو على الأقل أخذ رأيه – كنوع من أنواع حقوق الملكية -؟ أم ينتهي دوره وحقه بانتهاء مهمته بعد تصميم المبنى، ثم تسليمه لصاحبه. وفي هذه الحالة يكون معفي تمامًا من قضية حدوث أي تغییر فـي ذلك المشروع أو تحويل لوظيفة المبنى الذي قام بتصميمه (كتحويله من منزل خاص إلى مدرسة أو عيادة طبية ..!) أو تغيير الواجهة الخارجية له بشكل يخالف التصميم المعتمد مسبقًا.. !

قد يكون بات واضحاً الآن الهدف من التساؤلات السابقة، أن علينا أن نكون مدركين لأهمية العوامل التالية:

  • أولًا: أهمية أن تدعم الاستراتيجية التنموية الشاملة لمدينة الرياض قرارات مدروسة وحكيمة لتواكب مسار تنفيذها وصولا إلى تحقيق مفهوم المدينة الحديثة، القادرة على تحقيق مفهوم التنمية المستدامة، تقوم على أساس العقلانية والدقة وتقدم المصالح العامة على الخاصة (وفي الواقع المصلحة العامة عنصر متغير باختلاف الزمان والمكان؛ فمصلحة الرياض اليوم اختلفت عن مصلحتها نهاية السبعينات). وتكون قائمة على أسس ومبادئ سليمة ومحققة للأهداف المرجوة (أن تكون الرياض من أكبر 10 اقتصاديات مدن في العالم، ومركز جذب وعامل ترغيب نحو نمو اقتصادي وصناعي وسياحي حقيقي على مستوى العالم، بإنشاء 6 مناطق اقتصادية خاصة، ومراكز مالية تستضيف الشركات العالمية.. وهذا غيض من فيض). ومطابقة للواقع المعاش (فالرياض مدينة تكبر كل ليلة ونمو السكان فيها تضاعف عدة مرات على مدار السنين الماضية وتحتاج لتخطيط عمراني وطني وإقليمي وعمراني وبيئي يبنى على مستويات هرمية واضحة يستهدف التوفيق بين المصالح المتضاربة في تصور عام للمدينة من حيث حجمها وطبيعة نموها وعدد سكانها ونوعية أنشطتها ؛ فالرياض تحتاج بشكل خاص لرفع مستوى السلامة المرورية والمحافظة على أمن الطريق وإيجاد كافة الحلول الممكنة لتقليل ازدحام الطرقوانسيابية الحركة المرورية على شبكة طرقها)، ومسايرة للعصر والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) كما رأينا حظيت العاصمة مؤخرًا باهتمام وزخم إعلامي على مستوى مختلف وسائل الإعلام العالمية وتصدرت كل تفاصيله نتيجة بلورة توظيف الرياضة والترفيه في الرياض لخلق آفاق متنوعة في مفاهيم ومصادر الدخل والفرص الاستثمارية، والتقاء الثقافات العالمية بما يلتقي مع مستهدفات رؤية المملكة)، مع توفير كل الإمكانيات المادية والبشرية لتحقيقها وذلك وفق برنامج مخطط له ومحسوبًا لنتائجه وتوقعاته خلال زمن محدد.
  • ثانيًا: أنه في ظل هذا الواقع، يرتقب أن يواجه مهندسي المملكة في السنوات المقبلة تحد كبير سببه النمو المرتقب لسكان السعودية بصفة عامة وللرياض بصفة خاصة وللمستقبل المنتظر لها كعاصمة كبرى، حيث من المقدر أن يرتفع عدد سكانها إلى 15 مليون نسمة. وأن يزورها 50% من إجمالي السياح المتوقع قدومهم للسعودية حسب مستهدفات القطاع السياحي في المملكة والبالغ عددهم 100 مليون زائر في 2030.
  • ثالثًا: لازلت الرياض تحتاج لأنسنة شوارعها، من خلال تحقيق ما يلي: التشجير الواعي للشارع، وتحديد بدايته ونهايته، وتنوع المباني المنسجم على جانبيه، واستخدام بعض العناصر الخاصة والمميزة من أثاث وغيره، والتتابع الفراغي الممتع، وسهولة ومرونة الحركة خلاله، والكثافة المنضبطة عليه والاستخدام المتنوع وطول وزاوية إنحدار الشارع ومناسيبه، ومدى توفير خدمات مواقف السيارات والمواصلات العامة، والتنوع في الشوارع بما يراعي مضامينها من معطيات وحضارة موروثة.

وهذا لا ينفي جهود أمانة الرياض، التي أعلنها إبراهيم بن حمد الدعيلج – مدير عام العلاقات العامة والإعلام والمتحدث الرسمي للأمانة: “إنها تولي أنسنة شوارع المدينة أهمية قصوى، ضمن مشروعاتها التطويرية لشبكة الشوارع والطرق فيها؛ لتحقيق العديد من الأهداف منها تحقيق التوازن في أداء عناصر القطاع العرضي للطريق «أرصفة الطريق على الجانبين ممر المشاة» لوظيفتها بحسب التدرج الهرمي الوظيفي لشبكة الطرق، من حيث إتاحة الحركة المباشرة على المحاور الرئيسية وتحقيق الوصولية لأهداف الرحلات المختلفة لباقي شوارع الشبكة، مع التركيز في مشاريع تطوير الشوارع داخل الأحياء السكنية على تعريض الأرصفة وتشجيرها وتنسيق المواقع لخلق بيئة آمنة للمشاة، لتشجعهم على ممارسة رياضة المشي والتخلي عن السيارة الخاصة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على صحتهم وتحقيق التواصل الاجتماعي بين السكان”.

بين المسؤولية والحرية

بداية لنتفق على أن اليد غير المسؤولة هي التي تعبث بكل النواحي الجمالية في “ديرتنا”، وتفسد كل الجهود المبذولة.. بدءًا من العبث بالذوق العام ك ‘الشخبطة والكتابة على الجدران’ ولصق الإعلانات الشخصية، واستغلال الأرصفة، والتهاون في التخلص من النفايات وصولًا إلى العبث بالصورة الجمالية للبيئة العمرانية للمدينة سواء من أبنية أو سوء تنفيذ المشاريع وسوء تخطيط الشوارع والأحياء على المستوى العالي مرورًا بالأبنية القديمة والمتهالكة (التي نشدد هنا على ضرورة ترميمها؛ لخلق حالة من التجانس والتناغم بين نوعية الأبنية في المدينة).

وأن من الأساسيات التي نحكم بها على أي عمل معماري يظهر ويبين التوافق البصري والقيم الجمالية للبيئة العمرانية المرئية البصرية – وهو بلا شك أمر مطلوب، بل واجب يجب السعي لتحقيقه –، أن يكون للمبنى عند مشاهدته آداب تراعى بصريًا من المجتمع والجهات المسئولة. وهذا لا يتحقق إلا بمعرفة أن حرية التصرف في الملكية الشخصية أمر مشروع لكن العيش في مجتمع متجاور تفرض الالتزام بالحد الأدنى من الذائقة البصرية وإن كان في الملك الخاص.

لكن في ضوء غياب الضوابط للذوق العام، التي تتعلق بأدبيات استخدام شرفات وبلكونات المباني (حين يتم استغلالها كمخازن منزلية أو مكان لنشر الملابس بدلًا من تزيينها ببعض النباتات والزهور الجميلة) أو إغلاقها بأنواع مختلفة من السواتر الرديئة الصنع. الأمر الذي يؤدي لتشويه الطابع المعماري الأصلي لواجهات هذه المساكن وعدم تناسقها مع المباني المجاورة؛ تبرز أهمية القضاء على مثل هذه المظاهر خاصة إذا كانت تقع في مباني مطلة على شوارع رئيسية ومهمة قريبة من مرافق حكومية ومهمة ودبلوماسية كوزارتي الخارجية والداخلية وغيرها من الوزارات والجهات المهمة، التي من المحتمل أن يزورها ضيوف أجانب؛ وإلا فإن دائرة التشوه البصري للرياض ستتسع إلى أقصى مدي.

ومما سبق نستطيع أن نلخص أن حرية التصرف في الملكية الشخصية ينبغي أن تتوافق مع الحد الأدنى من الذائقة البصرية، وأن للإنسان مسؤولية كبيرة في إندثار المظاهر التي تشوه بيئته؛ فتشبثه بمزاجه الشخصي فيما يبني على حساب الذوق العام والمصلحة العامة، وجهله بقوانين وأنظمة البناء والتصميم المعماري وكذلك عدم اكتراثه بالقوانين التي تردع التعدي على الأملاك والساحات العامة، وأن قيامه بمثل تلك الأعمال المشار إليها أعلاه يسهم في تفاقم المشكلة، ويسهم في تعميق صورة التشوه البصري. في حين كان من المفترض أن يمثل نفس هذا الإنسان قوة الجمال في هذا الجانب. وقوة هذا الجمال، لن تتحقق إلا بالابتعاد عن الأنانية وطغيان المصلحة الفردية والسيطرة غير المرنة، والاتجاه نحو الإجماع واحترام النظام والجوار والذائقة البصرية، واتباع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم [إن الله جميل يحب الجمال] و [إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه].

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لتدريس علم النفس البيئي ضمن المناهج التعليمية، والذي أصبح ضروري لعلاج العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به.

كذلك لا نخلي مسؤولية اليد غير المسؤولة في المنشآت الخدمية، التي تقوم بالعمل وتترك مخلفاتها كأحد مسببات التشوه البصري في العاصمة، حيث نؤكد أهمية أن يكون هناك رقابة صارمة على موظفيها من الجهة التي سلمتهم المشروع. وقد يكون أحد الحلول، أن يتم انذارهم بإزالة المخلفات أو ستترتب عليهم غرامات مالية وتحسب عليها نقاط؛ تؤدي إلى عدم التعاقد معهم في مشاريع أخرى وربما تؤدي إلى إخراجهم من السوق.

هذا كان فيما يتعلق بالأفراد والمنشآت الخدمية، غير أن المؤسسات الحكومية (خصوصًا الأمانات والبلديات) لها دور كبير مباشر في التغلب على التشوه البصري. لكن علينا أولًا معرفة من المسؤول الأول؟

من المسؤول؟!

من المسؤول عن التشوه البصري الذي أصبح ظاهرًا بشكل كبير في كافة شوارع وطرق وأحياء الرياض؟

رغم أن حكومتنا الرشيدة قد عنيت بقطاع البلديات الذي يعتبر من القطاعات الهامة، ويحتل مكانًا بارزًا في حياة المواطن ويعد أقرب أجهزة الخدمات له، وأكثرها احتكاكًا به وفي معاملاته اليومية واحتياجاته المحلية؛ بسبب طبيعته الحيوية وعلاقته المباشرة وغير المباشرة مع المواطنين، وما يقدمه من خدمات لتغطي كافة المدن والقرى لتشمل كل مواطن من أجل راحته وسلامته ورفاهيته. وقامت بتطوير البلديات حيث أصدرت نظامًا متقدمًا ينص على أن للبلدية شخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري، ومدت في صلاحيتها واختصاصها وأوكلت إليها جميع الأعمال المتعلقة بتنظيم مناطقها وإصلاحها وتجميلها والمحافظة على الصحة والراحة والسلامة العامة فيها وحفظ المرافق وحمايتها. إلا أن السؤال الذي لازال يحتاج لإجابة شافية من المسؤول عن معاناة المواطن والمقيم والزائر من هذا التشوه البصري؟

ومن المسؤول عن ضعف الرقابة والمتابعة المستمرة؟

وحتى نستطيع الحصول على الإجابة المطلوبة، سنعطي مثال يجعلنا نفكر سويًا ونسأل أنفسنا من سيكون المسؤول عن أي تشوه حاصل في أي عنصر عمراني مركب، ولنفترض أنه – جسر أو نفق أو طريق عام -، من دون أدنى شك سنجیب سريعًا، أن البلدية هي المسؤولة عنه أمام القانون والمجتمع؛ كونها المكلفة بصيانته والحرص على سلامة مستخدميه.. إلا أن الحقيقة غیر ذلك، فمسؤولية ھذا العنصر، يشترك فیها ثلاثة أطراف ھم: المالك (الدولة)، والمشغل (البلدية)، والمستعمل (المواطن والمقيم). وصحيح أن الدولة تكون مسؤوليتها، في إصدار القوانين والتشريعات المنظمة لذلك مع التأكيد هنا على أهمية الحرص على مراجعة الأنظمة والتشريعات باستمرار وتعديلها حسب المستجدات وعدم التهاون في تطبيقها دون أي استثناءات. فيما تكمن مسؤولية البلدية، في التصرف الكامل والسيطرة على ھذا العنصر إما بتھیئته وتنظيمه أو تحویل مساره أو إغلاقه. ببنما تكون مسؤولية المواطن، في المحافظة عليه بحسن الاستعمال لا غیر – وهنا تتفاوت المسؤولية بین أفراد المجتمع نفسه -؛ لاختلاف وعیھم وحسهم المسؤول.

إذن في ھذه الحالة وبسبب تشتت المسؤولية إزاء هذا العنصر وقد تتداخل في شأن مصالح لأطراف مختلفة؛ تختفي هنا قیمة الانتماء – حسب طبيعة البشر وسمة الغرائز الدائمة الوجود مع الإنسان أن یھتم عموم الناس بما يملكون أكثر مما لا يملكون -، التي تدفع الإنسان للاهتمام بهذا العنصر أمام القانون والمجتمع.

ومن ناحية أخرى، تشتت مسئولية الصيانة بين الممثلین إزاء العنصر الواحد، یُصعب التعامل معه واقعيًا؛ لأن الغریزة ستلعب دورھا في ھذه الحالة أيضًا لأسباب متعددة. ولمزيد من التوضيح، سنورد هنا أسئلة أخرى لعل نجد لها إجابة وافية!

من هو المسؤول في حال المباني العامة المتهالكة التي تهاونوا عن متابعة صيانتها وإصلاحها خاصة أن معظمها مستأجر؟ هل هي الجهة المؤجرة أم المستأجرة؟ ولماذا لا تقوم كل جهة بدورها؟

في هذه الحالة، سنلاحظ ما يلي:

أن الدولة بصفتها المالك للعنصر، ستعتبر أن المسئولية بكاملها ملقاة على عاتق البلدية، التي قد تعجز في كثیر من الأحيان عن القیام بأداء التزاماتها تجاه المستعملين، في حين قد تعتبر البلدية نفسها غیر ملزمة بتحمل أي مسئولية تجاه المجتمع ما دام المسیطر علیھا من الناحية القانونية موجود (الدولة). هذا عدا أن الواقع الفعلي للبلدية لا يجعلها تملك القدرة على المراقبة الفعالة یومیًا لأعيان البيئة العمرانية خاصة ما يقع تحت طائلة ملكية المواطن. أما المواطن (المستعمل) يتصور أن عدم الاھتمام بھذا العنصر – بما أنه لا یدخل في ملكيته – هو أمر عادي، وقد لا یُعاقب علیه من قبل القانون ولا یُؤاخذ عليه من قبل المجتمع.

هنا.. وبغض النظر عن المؤجر أو المستأجر ومسؤوليتهما في مثل صيانة هذه المباني، تبرز أهمية توحيد مسؤولية الإشراف على أعمال البنية التحتية والخدمات العامة والمباني الحكومية المستأجرة في المدينة.

والتصور أن المسؤولية حتى وإن كانت مشتركة إلا أنه يقع الجزء الأكبر على عاتق البلدية المناط بها توفير سبل الراحة للمواطن.. وهذه المسؤولية تحتم على البلديات الالتفات إلى متطلبات واحتياجات المواطن من خلال وضع خارطة عمل هادفة، وممكنات تسرع من تلبيتها وإطلاق مبادرات مستمرة يستطيع المواطن أن يتفاعل معها بشكل إيجابي.

لكن حسب ما جاء في مقال للدكتور وليد الزامل نشر في صحيفة مكة، بعنوان “المدينة بين الصورة الجمالية والصبات الخرسانية”، “أن الإدارات البلدية في المدن تواجه العديد من التحديات، منها:

  • أولا: تعاني بعض الإدارات البلدية من نقص المعلومات، وتضارب المصالح، والتعقيد الإداري، وارتباط العديد من المسؤوليات بجهات أخرى.
  • ثانيا: عدم وجود سياسات واضحة لإدارة الموارد في المدينة بحيث تتكامل مع الإطار الإقليمي والرؤية الوطنية، وهو ما يؤدي إلى استنزاف الموارد المتاحة في شكل قد يتعارض مع مفاهيم الاستدامة.
  • ثالثا: تركز معظم الخطط والاستراتيجيات المحلية للمدن على صياغة تصور عام للنمو العمراني وحجم ونوع استعمالات الأراضي المتاحة في المستقبل، دون وجود سياسات بعيدة المدى لإدارة الموارد تحقق عوائد اقتصادية للمدينة.
  • رابعا: ضعف الرقابة والمشاركة المجتمعية وغياب التغذية الراجعة واقتصارها على أنظمة الإبلاغ الالكترونية عن المخلفات أو الحفر أو التشوهات البصرية.
  • خامسا: المركزية في اتخاذ القرار وصعوبة التواصل مع الجهات ذات العلاقة وعدم وجود وكالات محلية للمرافق العامة على مستوى المدن مما يصعب من عملية تنفيذ المشاريع التنموية أو الخدمية.”

خلاصة

على الرغم من القفزات النوعية التي قامت بها المملكة من خلال المنظومات الحكومية المعنية لتسريع تطوير المناطق والمدن والمحافظات وتعزيز الدور الاقتصادي والاجتماعي للمدن لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. حيث عملت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان ضمن برامجها الخلاقة مع منظمة الأمم المتحدة للمدن والتجمعات السكانية (موئل) على تطوير مؤشر ازدهار المدن السعودية لسبع عشرة مدينة سعودية، إلا أنه لازالت هناك تحديات تنموية واقتصادية مرتبطة بالتطوير الحضري في مناطقنا ومدننا تتطلب مزيد من الجهد والتركيز ؛ يحتم علينا البحث وتشخيص مواقع الخلل والبحث عن معايير أو مؤشرات حضرية تمكننا من الرفع من مستوى التنمية وجودة الحياة، والقضاء على أي مظهر من مظاهر التشوه البصري داخل المدن السعودية وبالأخص العاصمة الرياض.

وعلينا الاعتراف أولًا بمشكلة التشوه البصري كظاهرة مؤرقة تحد من أي جهود لتحسين المشهد الحضري، وحصر تلك المظاهر والعيوب ومعرفة الأسباب التي أدت لكل هذا التردي الخدمي، ثم العزم والإصرار على التغيير الجذري الذي بإمكانه مواكبة تطلعات القيادة الرشيدة وحاجة المجتمع حسب معايير عصرية عالمية، مع تفادي الأمور التي يمكن أن تكون عائقًا في المستقبل، والاستفادة من الكفاءات الوطنية، والخبرات العالمية، ودمج الأصالة والمعاصرة.

والتأكيد على أن أي مشكلة إذا لم تُحل من جذورها فستعود وتستمر، وجذور مشكلة التشوه البصري البيئي ترتكز على محور أو مصدر واحد، هو الإنسان: إما أن يكون فرد (شخص عادي أو شخص مسؤول) أو مجموعة أفراد.

الحل بالنسبة للأفراد والجماعات، يكون باستمرارية تثقيفهم بمفهوم المحافظة على البيئة التي يعيشون فيها بإبقائها نظيفة وجميلة ومريحة بصريًا طوال الوقت، مع التركيز على دور الأسرة الكبير في تعليم الأبناء وتثقيفهم بهذا الجانب.

ولكل مسؤول يعمل في مجال البناء والتعمير، أن يعتبر حماية البيئة من مظاهر التشوه البصري من أهم الانشغالات التي يجب أن يعني بها، وعلى مسؤولي قطاع البلديات البحث عن أفضل الممارسات العالمية لبيئة العمل، وتطوير الموظفين؛ بهدف الوصول إلى الإجراء الأمثل من أجل توفير الوقت والجهد، والحرص على حث الموظفين على تقديم الأفكار والابتكارات التي تركز على البعد التطويري لحل مشكلة التشوه البصري، والابتعاد عن الروتين الذي يعقد الإجراءات ويعطل المعالجات السريعة لها، في حين أن المملكة تشهد تطوراً كبيراً في أتمتة الإجراءات من خلال التحول للتطبيقات الإلكترونية. وأن يكون للمخطط التوجيهي دور فعال في بسط رقابته على التوسع العمراني، يضمن حماية جمالية للأحياء والشوارع؛ فالتهيئة العمرانية وإن كانت تعتبر مطلبًا اقتصاديًا، اجتماعيًا وسياسيًا، وأساسًا حضاريًا لأية دولة، إلا أنها تشكل تهديدًا على سلامة البيئة البصرية وجودة الحياة في الأنشطة العمرانية.

كما نؤكد في هذا السياق، على أن معالجة التشوه البصري والحد منه، لن تنجح إلا بترتيب سلم الأولويات في التنمية العمرانية لأي مدينة سعودية وبالأخص العاصمة، وتضافر الجهود سواء في الشوارع الرئيسية، في الأراضي البيضاء والأحياء الصغيرة قبل الكبيرة، ومن خلال المبادرات والشراكات الفاعلة بين الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية بالمحافظة جنبًا إلى جنب. وتحسين جودة حياة سكان الأحياء الفقيرة والعشوائية ومعرفة الأسباب الجذرية للطابع غير النظامي فيها. مع عدم إغفال الدور الرئيسي للبلدية والمتابعة المدروسة لتنفيذه، مع وضع مؤشرات الأداء وقياس مدى فاعليتها. بالإضافة إلى الدور الفاعل لأفراد المجتمع في علاج التشوه البصري ونشر الوعي الثقافي بأهمية تحسين المشهد الحضري وجودة الحياة في المدينة. ومشاركة طاقم كبير من الفنانين التشكيليين والنحاتين والمعماريين والشعراء والكتاب في مشاريع تخطيط المدينة، وذلك من خلال وضع الجداريّات والمنحوتات في الساحات والحدائق، بالإضافة إلى المزاوجة بين البناء الجميل والمريح بصريًا والتشجير المدروس. والاهتمام بمداخل كل مدينة وبالأخص المدن التي يقصدها معظم السياح كالرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، بالقضاء على ما يمكن تسميته بالخلل في تنظيم وتوزيع الأنشطة التجارية. فمن غير المناسب أن نرى أحد مداخل تلك المدن تستقبل سياحها بمحلات مثل: ورش وتصليح السيارات، أو نجد عند مدخل آخر سوق للحراج أو بسطات عشوائية يظهر بها الباعة الجائلون بشكل يرثى لهم.

ولكون الأمر مهم جداً ولا يتحمل اجتهادات متضاربة واقتراحات عشوائية؛ فإننا نوصي بتفعيل دراسة البيئة المرئية على ثلاث مستويات:

  • أولاً: المستوى الوطني، وذلك بإصدار نظام شامل عن التشوه البصري والبيئة المرئية وكيفية التعامل معهما والمحافظة عليهما.
  • ثانياً: تفعيل النظام بالبحث العلمي والدراسة الميدانية، من خلال مراكز الأبحاث العلمية والجامعات والوزارات ذات العلاقة.
  • ثالثاً: السعي – الجدي والمتقن – لتطبيق النظام والدراسات والأبحاث المتميزة عمليًا، من خلال الهيئة العليا لتطوير الرياض وأمانة الرياض، وذلك لا يكون إلا بتشكيل جهاز مختص وصندوق مالي مخصص لإزالة أي مظهر من مظاهر التشوه البصري.

ونظرًا للأهمية العلمية والعملية التي يكتسيها الموضوع، نؤكد على أن المدخل السليم لعلاج هذه الظاهرة يجب أن يرقى إلى مستوى المشكلة وحجمها، ومواجهتها والتحكم فيها يجب أن يسير في مراحله الأولى وفق محوريي أساسين:

  • علاج وقائي استراتيجي غير مباشر.
  • علاج مباشر على أرض الواقع.

فأما بالنسبة للمحور الأول: يجب أن يعتمد هذا العلاج الوقائي على تفادي المشكلة قبل حدوثها بتهيئة المدن وساكنيها مسبقًا لاستيعاب أن ظاهرة التشوه البصري من المواضيع الهامة التي تعكس أهميتها أبعادًا مختلفة على المجتمع وانتشارها بشكل فوضوي وغير متحكم فيه يعني فقدان المدينة لطابعها العام. وذلك وفق برنامج ذات طابع استشرافي تستوعب الزيادات السكانية المتوقعة، ويرتكز على تخطيط عمراني يواءم بين ثقافة المجتمع واحتياجاته، وبين الموارد الاقتصادية، والبيئية. وخطط تنموية ذات نظرة موضوعية واحترازية للمستقبل؛ تعمل على إيجاد حلول تحسن من جودة حياة السكان وتتواكب مع عاملي المكان والزمان، وتتضمن إدراج تدريس علم النفس البيئي ضمن المناهج الدراسية في مختلف المراحل.

أما المحور الثاني: العلاج المباشر على أرض الواقع يتمثل في التعامل مع المشكلة كما هي، وإنقاذ الوضع القائم من مزيد من التردي عن طريق الارتقاء بهذه المناطق التي تعاني من التشوه البصري من خلال تفعيل القوانين وتطبيقها دون استثناءات والرقابة الصارمة والمستمرة ومعاقبة المخالفين ومكافأة الملتزمين. مع العمل على زيادة وعي أفراد المجتمع بمشكلة التشوه البصري ومدى ارتباطها بشخصية المجتمع ونمط معيشة الإنسان وأهمية مساعدته للقضاء على هذه الظاهرة.

وفي هذا الصدد يمكن اقتراح إنشاء جمعية لمكافحة التشوه البصري، لإتاحة المجال للمتخصصين والمهتمين والمتطوعين بالانخراط في مجالات شيقة وجميلة لها مردود إيجابي في الحد منه والارتفاع بالذائقة البصرية في المملكة.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ. د. فيصل المبارك
  • قبل الدخول في هذا الموضوع الشيق الصعب والذي يتسبب في خسائر مادية ومعنوية يمكن تجنب نسبة كبيرة منها، من المناسب أن نستشهد بالمصادر العالمية والدراسات المتخصصة حيال تعريف جودة الحياة العمرانية وليس البيئة العمرانية (ناهيك عن التشوه البصري) فقط:
    • تعريف البيئة العمرانية بشكل شمولي (يتجاوز الشكلي المنحصر في التشوه البصري) والذي يفترض أن يستفيد من تعريف “الاستدامة” والذي يشمل الحوكمة والكفاءة الاقتصادية والمحافظة على البيئة.
    • الاستشهاد بمؤشرات عالمية لتصنيف المدن حيث استشهد تقرير معد لوزارة الشؤن البلدية (مكنزي 2015) بمؤشرين الأول (ميرسر) صنف الرياض 163 وجدة 166، مقارنة بمدينة دبي 74، بينما صنف مؤشر imb الرياض 82 و دبي 32 وأبو ظبي 49؛ ومن جانب آخر صنف تقرير ( Best Cities Org) الرياض 55، ودبي الخامسة عالميا، والدوحة 12).
  • ببساطة يتبادر للذهن (منطقيا وعلميا!) أن التشوه البصري، محصلة ثغرات أو عوامل سلبية في مسار التنمية العمرانية سابقا نتج عنها هذا التشوه البصري، وهو مبحث يحتاج للإجابة عليه أبحاث متخصصة وربما رسائل دكتوراه.
  • وبالتالي يظل السؤال المحوري: ما هو التغير في مسار التنمية العمراني الأسبق الذي أنتج التشوه البصري وهل هناك حراك شمولي على أرض الواقع مؤصل في دراسات علمية مستقلة وناقدة؟
  • باختصار ومن منظور متخصص ومجرب، أحمل (الحوكمة العمرانية المركزية التكنوقراطية) الدور الأكبر في المنتج العمراني “غير المستدام” للمدن السعودية والمتمثل في التناثر العمراني، والتشوه البصري، تدني البنى التحتية، وعدم اكتمال الخدمات والمرافق والهدر البيئي وعدم تناسق استعمالات الأراض مع شبكة الطرق، وغياب هرمية الطرق….).
  • وهذا (أي الحوكمة العمرانية) هي المسؤول الأول عن التشوه البصري! طبعا الإجابة غير المتخصصة لاشك ستشير بأصابع الاتهام (للأجهزة البلدية).
  • ويظل السؤال: كيف نوفق بين حرص القيادة الرشيدة على تنظيم وتنسيق البيئة حتى وضعت (التشوه البصري) على رأس أولويات منظومة العمل البلدي.. واستمرار العمل بنفس المنظومة (الحوكمة العمرانية المركزية التكنوقراطية) التي أنتجت البيئة موضوع انتقاد الورقة؟ هذا هو مفتاح الحل أو الاتجاه الصحي للحل!! نحن نبحث عن إجابة شافية وليس مانشتات صحفية وتصريحات مسؤولون إما لا يعرفون عمق الموضوع أو يتجنبون الإجابة بطرح المواضيع المعقدة في دورات لا تنتهي من الدارسات والإستراتيجيات التي لا يستفيد منها إلا المكاتب الاستشارية التي تكتفي بالتنظير وتتركنا أمام تحديات التنفيذ!
  • تضمنت الورقة الرئيسة شكلاً توضيحيا لمنظومة الإنسان والبيئة المحيطة، لم يتم البناء عليه، كما أدرجت الورقة تعريفا للبيئة العمرانية، وأشار التعريف إلى أنه يشمل الممارسات المعيشية life style مثل الغذاء الصحي (والمكونات المكانية- مثل الحدائق والبيئة المشجعة للمشي والأنشطة الرياضية الأخرى مثل الدراجات، وغير ذلك).
  • وفقت كاتبة الورقة الرئيسة في تحديد (المباني والمنشآت) كمكون رئيس للصورة المرئية، إلا أن التشوه البصري (كما يوضح الشكل 1) أشمل من المنشآت (فجزء كبير من التشوه لدينا يشمل تشويه البيئة الطبيعية وذلك بإطلاق أيدي ملاك الأراضي في مسح الأراضي لتطويرها بشكل شبكي بشع، ودفن الأودية، ورمي المخلفات في تجاهل البيئة المحيطة وليس التكامل معها كما تنادي به مواثيق التخطيط العمراني المستدام.
  • المظهر المعماري الجميل حلم الجميع: ما تعريفه؟ وكيف نصل إلى آلية لرفع مستوى التصميم للمباني وما هي الفراغات الجميلة بينها وما هو تعريف “الفراغ المريح” (وقياس التشوه)؟ ومن يقوم بدور (فرضه) على مساحات شاسعة يقطنها الملايين؟ رغم جاذبية هذا “الحلم” إلا أن هناك عوائق:
    • مؤسسية (غياب أو ضعف التشريعات) وهذا هو (محور) المشكلة، لذلك أثرت السؤال المحوري أعلاه: ما هو الجديد أو التغير في الحوكمة العمرانية الحالية الذي تسبب في التشوه البصري؟
    • ضعف الإمكانات البشرية البلدية (أو الهيئات) التي يمكن أن تتفرغ للتدخل في تصميم المنشآت (وهل هذا دورها)؟
    • الذوق العام- تدخل الملاك وفرض أمزجتهم على المصمم (على افتراض تميزه).
    • التكلفة المرتبطة بالتصميم الجيد والتنفيذ مرتفع الجودة، فإمكانات نسبة كبيرة بالكاد تستطيع العثور على مسكن، يأوي أسرته، ويحقق شيئا – مهما كان بمواد رخيصة- من المكانة الاجتماعية (بالزخارف والتكسيات المكلفة نسبيا مقابل توفيره في التعامل مع مكتب أعلى سعرا (مثلا ممكن يصرف 50,000 على الرخام مقابل 5,000 ريال على تصميم متدني الجودة) ويسترخص في جودة السباكة والكهرباء، بينما يدفع الأضعاف في أطقم حمامات أو أرضيات رخام مكلفة.
    • تدني مستوى المكاتب المعمارية، وهذا مبحث معقد آخر، يرتبط بمستوى الجامعات التي تمنح الدرجات المهنية المعمارية، ويرتبط بترخيص المكاتب ومتابعة أعمالها وتقييمها بشكل دوري.
  • طرحت الورقة نقطة محورية (ذكية) وهو (ما هو دور المواطن والسكان لعلاج ظاهرة التشوه البصري؟). ولكن لم توضح كيفية هذه المشاركة. فهذا الدور سيظل تحديا وغير مجدي وسيواجه صعوبات جمة ضمن الحوكمة العمرانية الحالية، والتي تعاني من الترهل والبطء والجمود الإبداعي … والدليل الاستعانة بصندوق الاستثمارات العامة لتجاوز البيروقراطية التقليدية.. ولكن الصندوق (لم ولن يقوم مقام الإدارة الحضرية) مهما حرصت القيادة الرشيدة فهو مؤسسة تمويل واستثمارات وسيتعامل مع 1% من البيئات العمرانية ويتمحور دوره حول ضخ موارد ضخمة لإنتاج مشاريع مليارية محدودة نحتاج سنوات لندرك جدواها الاقتصادية على أرض الواقع! فالمشاركة الحقيقة الفعالة تتطلب العودة للامركزية (مجالس بلدية يساهم أعيان في توجيه التنمية بفعالية بناء على أولويات يحددها المجتمع المحلي وليس جهود تطوعية سرعان ما تتحطم أمام الآلة البيروقراطية المركزية).
  • نعم أوصت وزارة الشؤون البلدية والإسكان وكذلك عشرات إن لم تكن المئات من التقارير والدراسات بمعالجة التشوه البصري – بينما هي المسؤول الأول عن تدنيه! ولكن التنفيذ هو المحك! لاشك هناك خلط كبير بين المسببات (الجوهرية) و (النتائج – السيارات التالفة، الباعة المتجولون)، لا تنم عن فهم صحيح لعظم مسؤولية الجهات البلدية وحصرها في أمور (شكلية ساذجة).
  • لا يفهم المقصود ببرنامج (الإسكان وتطوير الصناعة المشار له بالورقة الرئيسة) الذي يدعم التحول من البناء التقليدي (ربما المقصود الدارج والمتسبب في جزء كبير من التشوه البصري؟).. وتحقيق نواتج عالية الجودة وبناء أسرع، أيضا ما هي آلية التنفيذ؟
–         خلال عملي بالأمانة طرحت عددا من المحاولات التي لم توفق لأسباب يصعب شرحها بالقدر المقنع هنا، وأكتفي بذكرها:

1- محاولة تقييم مستوى المكاتب بشكل مهني (بالتصويت من قبل لجنة تشمل أكاديميين وأعضاء جمعية العمران) إلى خمس فئات بحيث يتوفر لدى الملاك الثقة بأن هناك تناسب بين تكلفة المكتب والمستوى النهائي، لأن غير المتخصص لا يستطيع التمييز بين المكاتب، فينخدع بالأساليب المكياجية من مناظير خادعة، كما أن محدودية (الوعي) و (الأفق الثقافي) عند نسبة كبيرة من عملاء المكاتب تعيق تقدير التصميم المتميز، والبعض الآخر يسترخص الجودة في مشاريع إستثمارية يهمه تحقيق أعظم نسبة ارباح في اسرع وقت.

2- تأسيس إدارة للتصميم العمراني والتي تضع الأسس للوصول إلى تطوير عمراني (تنفيذي وليس مجرد أدلة وكودات لا تنفذ) بشكل تدريجي يخلو من التشوه البصري شاملا المباني والمرافق العامة والشوارع والأرصفة واللوح على المحلات التجارية…

3- تشكيل لجنة فحص وتقييم ورفع المستوى المعماري للمشاريع على الشوارع الأربعين وما فوق، وذلك إعترافاً بمحدودية الإمكانات الفنية لضبط ما دزن ذلك في ظل “الحوكمة المركزية التكنوقراطية.”

 

  • تضمنت الورقة دعوة الوزارة لتعاون المواطنين والمقيمين (للتطوع) للمساهمة في مواجهة هذا (المرض العضال)، ووفرت (منصة).. وهذه كلها تجنبت تفعيل الإدارة الحضرية بمشاركة مؤسسية تحت مظلة الدولة المركزية (وليس إقحامها بمستوى “ميكرومانجمنت”)، من خلال المجالس البلدية، كما تنص عليه الأعراف العالمية والمعمول به في المدن المتقدمة في التصنيف الذي استعرضناه.
  • أكدت الورقة على مخرجات التخطيط والتصميم العمراني تحت (الحوكمة العمرانية المركزية التكنوقراطية) بأنها تتسم (بالعشوائية) في الترتيب والتخطيط والتنسيق والتخطيط… وهذه العبارة (العشوائية) تقييم لا أتفق معه رغم أنها وضحت جزء كبير من التقصير الذي (لم توفق الجهات المعنية) بإيضاحه للجهات العليا فوق مستوى الوزارة! فمدننا ليست عشوائية (على الأقل من التعريف العلمي!) ولكنها تعاني من التناثر العمراني وتفتقد الكفاءة الاقتصادية بسبب الدعم المركزي للعديد من الجهات ذات الأولويات المختلفة، فتسببت في هدر بيئي لا يقدر بثمن وأنتجت بيئات غير صحية بسبب التلوث وكثرة نسبة المسفلتات الرديئة التنفيذ.
  • وتبنت الوزارة (إستراتيجية) مكونة من (سلسلة) من المبادرات…”الكود العمراني” (الذي أصبح البلسم الشافي والعصى السحرية وهي في نهاية المطاف طبقة تشريعية تتطلب تعديلات جوهرية في الحوكمة ليتم تنشيطها والدليل إيقاف العمل بها تارة والتنازل عن أجزاء تارة أخرى، وزيادة التعقيدات البيروقراطية وهرب المكاتب من السوق!).. ثقافة وسلوك المواطن.. وتفعيل رخص البناء.
  • ربطت الورقة بذكاء بين التشوه البصري والاقتصاد، لذلك نتوقع أن تكون مدننا ضمن التصنيف (20) أفضل دولة، والفرق بين تصنيفنا اقتصاديا وعمرانيا، يشير إلى مشكلة جوهرية، التشوه هو الفرع وليس الأصل، بل أحد ملامحها!
  • اتفقت الورقة مع تعريف أحد أهم أكاديمي التصميم العمراني في القرن العشرين وهو (كيفن لنش) الذي عرف الفراغ الجميل والمدينة الجميلة بأنهما اللتان يرغب الناس العودة إليها (لماذا يتقاطر المواطنون في كل نهاية أسبوع وإجازة إلى دبي أو البحرين؟)
  • من المؤسف أن يختزل مفهوم الاستدامة وتخصصات التصميم العمراني المؤسسة في أعظم الجامعات في نسخة رخيصة “منزوعة الدسم” أطلق عليها (أنسنة المدن) وارتضت بالقشور (ممرات مشاة الإنترلوك وبناء الحدائق بعد تخطيط الأحياء بشبكية مشوهة) بدلا من علاج صلب الموضوع!
  • تضمنت الورقة توصيات تداخلت مع ملاحظاتي اعلاه واتفقت معها بصورة أو أخرى لاسيما ما يتعلق بالمشاركة والشفافية وتعظيم وتعزيز الحوكمة، وهي (أي الحوكمة المستمدة من نظرية “مثلث الاستدامة”) المحور الأساس والضروري لتفعيل جميع المبادرات الفرعية المذكورة خلال الورقة، وبدونها ستظل الجهات وعلى رأسها وزارة الشؤون البلدية والقروية تدور في حلقة مفرغة من الدراسات والكودات الشكلية.

وخلاصة النهاية- التشوه البصري مؤشر إخفاق في الحوكمة العمرانية ، وهي -أي الحوكمة- متطلب أساس لإصلاح مدننا، والارتقاء بها لتكون مستدامة: 1- وظيفية اقتصاديا، ذات مرتكزات اقتصادية حقيقية وليس عالة على اقتصاد نفط ناضب، و 2- حماية البيئة والانطلاق منها، كما حصل منذ 45 سنة في حي السفارات، حيث تم بناء المرافق التحتية أولا وخططت الشوارع بهرمية واحترام للمشاة ووفرت ممرات المشاة آمنة وتم تطبيق ضوابط تصميم عمراني – مما منع زحف التشوه البصري تحت الحوكمة التكنوقراطية المركزية إلى داخل الحي! فحي السفارات يتمتع بإدارة حضرية مستقلة- فلماذا لا تقسم مدينة الرياض كما أوصى به المخطط الإستراتيجي ليسهل إدارتها من أجهزة بلدية لصيقة بشؤن السكان وتقليص الدورة البيروقراطية التي تعاني منها جميع الأجهزة البلدية؟ (لماذا نعيد اختراع العجلة؟)

 

  • التعقيب الثاني: أ. علاء الدين براده

استعرضت الورقة الرئيسة الدور المناط بالجميع للمساهمة في معالجة ظاهرة التشوه البصري. وقد انتهجت الكاتبة التسلسل المنطقي في تحليل العوامل، وتحديد العناصر الواجب العمل عليها لمعالجة التشوه.

كما تم الإشارة للجهود المبذولة من قبل الجهات الحكومية في هذا الصدد، لكنني هنا أجد من المهم إبداء بعض التفاصيل التي أجدها ضرورية عندما نتحدث عن مدينة الرياض والعلاقة بين التوسع العمراني والتشوه البصري. فقد سمعنا مؤخرا على لسان سمو أمين مدينة الرياض عن المخطط الجديد الذي سيعلن عنه للمدينة. وتبرز أهمية هذا المخطط في أنه يأخذ معالم الرياض والطموحات المستقبلية للمدينة بعين الاعتبار مع المتغيرات المتسارعة والتي أشارت الكاتبة إلى كثير منها كسبب جوهري في تشكل ظاهرة التشوه البصري بشكل أو بآخر. المخطط القادم يحدد شكل النمو في السنوات القادمة، وفي أبرز ملامحه أن التمدد الأفقي لن يكون سمة سائدة. الكثافة السكانية في المناطق تختلف ولكن النمط العمراني سيكون أحد أدوات الحل في المستقبل وليس هو العائق كما أشارت الورقة.

يجب أن ندرك أيضا أن هناك جهود تسير على قدم وساق إذا ما تحدثنا عن سياسة عامة لتفعيل المجال العام. مؤشرات الأداء يتم مراقبتها بشكل دقيق ولكن أيضا لا نغفل أن أهم عامل في هذا الصدد هو الجانب السلوكي، وبالتالي فإن برامج التغيير وإدارة هذه العملية هي ما يمكن أن تسهم في نجاح المرحلة المقبلة.

إذا ما نظرنا للأسباب التي أشارت لها الكاتبة فهي تندرج ضمن المحاور التي تأخذها الجهات الحكومية بعين الاعتبار كسلسلة القيم والأكواد العمرانية ومن ثم الالتزام والتطوير. ومن بينها أيضا المشاركة المجتمعية التي أشارت لها الكاتبة بشكل تفصيلي.

قبل أشهر كنت قد اطلعت على تجربة في مدينة ساو باولو في أمريكا الجنوبية حيث نفذت المدينة قانونا خاصا في عام 2007 بمسمى قانون المدينة النظيفة وهو ينظم التعديلات على اللوحات الإعلانية وحظي بتأييد ما يفوق 70 بالمائة من الشعب.

في تجربة لمدينة نيش في صربيا تم طرح استفتاء على السكان،  شارك فيه الأفراد من كلا الجنسين، من مختلف المهن وجميع الفئات العمرية بمجموع 50 شخصا. حيث عرض على المشاركين صور لأهم معالم المدينة بعد التعديل من اللافتات الإعلانية وكانت المفاجئة أن نسبة كبيرة من المشاركين بالاستفتاء توقعوا أن الصور من دولة أوروبية أخرى.

على المستوى المحلي فالمشاهد يظهر له بوضوح حجم الجهود الدقيقة على كافة الأصعدة، حتى أحدث التقنيات والابتكارات لم تعد غائبة عن المشهد وهي ضمن تخطيط استراتيجي واضح المعالم يربط بين الاستغلال الأمثل للمسارات ومكونات المشهد الحضري. هذا المشهد الحضري الذي نتحدث عنه هو في أبسط صوره ما يتشكل من خلال (الممرات والمسارات – المساحات العامة – البنية التحتية – المظهر المعماري – الواجهات العامة – الواجهات الخاصة – المجال العام). هذا إذا أردنا أن نختصر المسألة في أبسط صورها للقارئ في شمولية الجهود المتناغمة مع الرؤية.

عندما نفكر بمسألة التشوه البصري باعتبارها اعتلال يصيب المكان حتى يتحول إلى داء عضال يستعصي معه العلاج، فعندها لا يمكن أبدا أن نتعجب من أن تكون أبسط أعراض هذا الداء هي فقدان هوية المكان التي اكتسبها عبر سنوات طويلة. الإشكالية التي لا يلتفت لها البعض هي أن كثير من الآثار الغير مباشرة تتشكل كنتائج لهذا التشوه، ومنها على سبيل المثال الإرهاق البصري وتشتت الانتباه الذي يدفع إلى عواقب وخيمة.

 

  • المداخلات حول القضية
  • مفهوم التشوه البصري.

إن أحد اشكاليات وجود التشوه البصري هو أن مفهومه من حيث التطبيق تتباين فيه وجهات النظر، الأمر الذي يجعلنا نفكر بأهمية الارتباط بالبيئة المحلية في تحديد الجماليات أكثر من ربطها بذائقة غير محلية قد تكون في حقيقتها أحادية في التفكير والممارسة.

ويعرف التشوه البصري بأنه “كل تغيير سلبي حدث في عناصر البيئة والذي أخل بتوازنها من فقدان الإحساس بالجمال وانعدام القيم الجمالية حيث قبول الصور القبيحة وانتشارها حتى اعتادت عليها العين وأصبح الأمر في خطورة متزايدة”(2).

ويشير التشوه البصري كذلك إلى “المنظر الذي يتسبب في الإحساس بعدم الارتياح النفسي عندما تقع عليه عين الإنسان. ويمكن وصفه بأنه اختفاء الصورة الجمالية للبيئة المحيطة”(3). ويمكن وصف التشوه البصري أيضاً بأنه “اختفاء الصورة الجمالية للبيئة المحيطة من أبنية وفراغات وغيرها”(4).

ومع التطور المضطرد للمدن والتجمعات السكانية بداخلها، وارتفاع الكثافة السكانية تزايدت مظاهر التشوه البصري التي يجب معالجتها والعمل على الحد منها (5). كما أن النمو العشوائي للأحياء السكنية والامتداد العمراني غير المخطط يخلق تعبير حي عشوائي على التجمعات السكنية التي حول المدن في غيبة عن القانون والتشريعات المنظمة للعمران (6). ويعتبر التلوث البصري من أخطر أنواع التلوث البيئي الذي يصعب قياسه كما تقاس بقية الملوثات بأجهزة تكنولوجية دقيقة (7).

  • لماذا يحدث التشوه البصري في المدن السعودية؟
  • النزعة الاستهلاكية الطاغية وشراء السلع وصعوبة التخلص من القديم بطرق صحيحة. كثرة شراء السلع رديئة الصناعة ظاهرة ملموسة ما يتطلب تغييرها بعد عدة سنوات؛ كالأثاث والآلات والمطابخ ومحتوياتها. ويتم التخلص من القديم بطرق غير صحيحة وغالباً أمام حاويات البلدية التي تتباطأ في ازالتها.
  • يترتب على النقطة السابقة الهدر الغذائي والتخلص منه في حاويات القمامة التي يتم تفريغها يومياً من قبل البلدية.
  • لجوء الافراد للقيام بالعمل بأنفسهم كصيانة منازلهم من خلال عمالة غير ماهرة؛ فبدلاً من ايكال المهمة لشركات متخصصة تزيل بقايا العمل يلجأ البعض إلى جهوده الفردية للقيام بالصيانة والاصلاحات الامر الذي يترتب عليه توفر بقايا ومواد بناء يصعب التخلص منها ومن ثم يلقى بها في الاراضي الفضاء وسط المدن.
  • التشوه البصري نراه وبكل وضوح عند ابواب المساجد واماكن وضع الاحذية؛ حيث يميل غالبية المصلين إلى اهمال الدروج والدواليب المخصصة لحفظ الاحذية ومن ثم رمي احذيتهم حيثما اتفق مما يعيق الدخول للمساجد خاصة من قبل كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. الامر ينطوي على مفارقة حادة؛ اذ يفترض بالصلاة أن تكون دافعاً لإتيان السلوك الصحيح والقويم والاتيكيت كذلك، لكن ما نلاحظه هو العكس. القضية برمتها هي الفجوة الكبيرة بين التدين والسلوك الاجتماعي أو العبادة والمعاملات.
  • يربط البعض بين نظافة الحي والتشوه البصري، حيث تتصل برأيهم عادة بالمستوى الاقتصادي لسكان الحي واكتمال خدماته؛ ففي الأحياء التي يقطنها منخفضو الدخل ينتشر التشوه البصري بصورة مريعة مع التذكير أن البلديات تقدم خدماتها لجميع الأحياء دون تمييز وتقوم بذلك مساء من خلال عمالها وسياراتها التي تزيل مخلفات المنازل.

في المقابل تتحفظ وجهات نظر أخرى على العلاقة الايجابية بين مستوى دخل سكان الحي والنظافة والتشوه، بالنظر إلى أنه وإذا كانت الاجهزة البلدية تقدم خدماتها بدون تمييز فلماذا يوجد ذلك الاختلاف؟ ربما هناك أكثر من عامل خلف هذا التفاوت – على افتراض صحته من الجانب السلوكي وليس تقصير البلديات في تلك المناطق – وربما يمكن إدراج عامل آخر في تفاوت التشوه البصري في الأحياء “الفقيرة” ويتمثل في تواجد فئات العمالة المؤقتة وكثيرة التنقل، وبطبيعة الحال هذه الفئة تفتقد الثقافة مقارنة بمستوى الأحياء الاكثر دخلا، وفوق ذلك كما نعرف جميعا أن نسبة لا باس بها قد تضمر الاساءة والاستهتار والاتلاف! وبالتالي فرضية عدم التمييز بين الخدمات البلدية والامنية وغيرها بحاجة إلى مراجعة وليس الاطلاق! وهذا التفاوت سمة عالمية.

  • كذلك فإن التشوه البصري له علاقة مباشرة بالتذوق الفني والجمالي الذي يعد جزءً من الثقافة الاجتماعية. بيئتنا صحراوية وتربينا على التقشف والاكتفاء بالضروري في حياتنا. كما أن تعليمنا ظل ولعقود لا يشجع على النزعة الفنية والحس الجمالي اتساقاً مع فضيلة “الزهد” التي تستمد قوتها من الدين (زخرفة المساجد من الداخل كمثال ليست محبذة فهي تشغل المصلي عن أداء صلاته). ترتب على ذلك نشوء جيل غير معني كثيراً بالجمال كقيمة. الأم ايضاً قد لا تأنق اطفالها وقد تخفي جزء من جمالهم كالشعر خوفاً من العين والحسد ونظرات الآخرين. ومن ثم يمكن أن نعزو بعض التشوه البصري إلى الثقافة المحلية.
  • العلاقة بين التشوه البصري والتخطيط العمراني.

فيما يخص العلاقة بين التشوه البصري والتخطيط العمراني، تذهب بعض وجهات النظر إلى أن التشوه البصري يمكن أن يحدث عندما يكون المخطط العمراني للمدينة غير منسجم مع حاجات المجتمع. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتسبب المخطط العمراني السيئ في تراكم المركبات المحيطة بالشوارع الرئيسية، مما يؤدي إلى تلوث الهواء وزيادة ازدحام المرور. يمكن أن يتسبب ذلك في تشوه بصري للمدينة، حيث يصبح منظر المدينة غير جذاب للمشاهدة ويؤثر على جودة الحياة للسكان في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي المخطط العمراني السيئ إلى التشوه البصري بسبب البنية التحتية للمدينة. على سبيل المثال، إذا لم تتم مراعاة الأماكن العامة والمتنزهات والمساحات الخضراء في المخطط العمراني، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل حياة السكان المتاحة وزيادة تراكم النفايات والتلوث، مما يسبب تشوه بصري للمدينة.

بالتالي، فإن تحسين المخطط العمراني للمدينة يفضي إلى تحسين الجودة المعيشية للسكان وتقليل التشوه البصري في المدينة. وهذا يعني توفير الإمكانيات الضرورية للحياة كالمناطق الخضراء والمتنزهات والأماكن العامة والحد من التلوث، كما يعني إدارة احتياجات المجتمع حسب التحديات التي يواجهونها بشأن النقل والإسكان والخدمات المدنية والأخرى.

ومن ناحية أخرى فإن قضية التشوه البصري للفضاء العام تعتبر قضية جمالية، وبسبب اختلاف الذوق العام واختلاف مقاييس الجمال من شخص إلى آخر، سيكون من الصعب الوصول إلى اتفاق عام موحد وفاصل في هذه القضية إلا بعد تحديد للعناصر الواجب العمل عليها للرفع من مستويات الجمال في البيئة المنظورة وعدم تركها للمزاج الخاص، وهذا يعود في المقام الأول لاقتناع المخططين العمرانيين أولًا بذلك، وإعطائهم الثقة والدعم اللامحدود لوضع الأسس والمعايير التي ترتقي بالذائقة البصرية. ومن ثم قدرتهم على اقناع صاحب القرار بذلك. وما نراه حاليًا شيء مشرف حقيقة، حتى وإن جاء متأخرًا؛ فهناك جهود متواصلة تبذلها القيادة الحكيمة لتطوير وتنمية مناطق المملكة بشكل عام، والرياض على وجه الخصوص، لجعلها بيئة مريحة وجميلة بصريًا، وجاذبة للاستثمار، وحاضنة لريادة الأعمال، بما يعكس الصورة الحقيقية للنهضة الحضارية التي تشهدها المملكة.

  • وسائل معالجة مظاهر التشوه البصري.

إن التصدي لأي مظهر من مظاهر التشوه البصري مرتبط بالأداء المؤسسي والحوكمة اللذان هما وجهان لعملة واحدة.

ويعتمد على تحقيق التناغم بين مؤسسات الدولة، فيما يتعلق بسرعة إنجاز المُعاملات، وتطبيق القوانين، والابتعاد عن البيروقراطية المُعطّلة للأعمال والمشروعات، فضلًا عن اعتماد أفضل المعايير المؤسساتية في الإدارة والجودة، والابتعاد عن أي أداء ارتجالي، أو أداء يهتم بتحسين الوضع الخارجي فقط أو أداء علاجي وليس وقائي. وكذلك حسن اختيار المؤسسات التي تمتلك مُمكنات الإدارة الرشيدة (في مقدمتها وضوح الأهداف والآليات المعينة على تحقيقها)، التي تحرص على الإتقان والكفاءة في العمل؛ فكلاهما يسهمان في تجويد العمل عبر منظومة إدارية رشيدة تطبق القانون وتلتزم بالمعايير الدولية والمحلية المستندة على الشفافية والإدارة المحترفة للمؤسسات.

لكن ومن ناحية أخرى فإنه وطالما أن بعض التدخلات التي نقوم بها بهدف التنمية والتطوير لا تستند إلى رؤية واضحة وتشريعات صريحة لحماية طبوغرافية المكان كركن من أركان الاستدامة، ومن دون تقييم لمدى الجدوى والملائمة أو الضرر الذي تحدثه تدخلاتنا. وبالتالي لا تحقق أهداف التنمية المستدامة وغاياتها النبيلة، هل يمكن أن تكون الأوضاع أفضل مما هي عليه لو تركت دون تدخل؟  قد يكون الأجدى بالطبع هو: الدمج بين مساري “المحافظة” و”التطوير” من خلال استراتيجية إدارية وتنظيمية وتخطيطية فاعلة لا تحتمل مزيدًا من الإجراءات المعقدة أو تداخلًا في الصلاحيات. الأمر الذي يتطلب وجود إدارة عمرانية فاعلة وقادرة.

وفي سياق متصل، يحب معاملة الجهات الحكومية كالأفراد، والعقوبات يفترض تكون رادعه للجميع، والجهات البلدية الأجدر بالتطبيق والمتابعة. ولكن النقطة المحورية والسؤال الأهم: ما الذي يزيد تفاعل البلديات بشكل مؤسسي وليس شخصي مثل إنتظار رئيس أو امين يتمتع بكاريزما تمكنه من الانجاز في ظل الحوكمة المركزية الحالية؟ فاللامركزية والإستقلال النسبي للبلديات هي الإتجاه الصحيح! ألا نشاهد أن التشوه اقل بكثير في الأحياء ذات الإستقلال النسبي مثل حي السفارات والجبيل وينبع والمدن العسكرية، وقريبا كل تطوير (ملياري) سيخضع لإدارة حضرية شبه مستقلة، ترتبط بالتمويل شبه الذاتي، ويرتبط انجاز المسؤول الأعلى فيها بمرتبات تفوق أضعاف أمثالهم في البلديات التقليدية حيث المسؤوليات أكثر أضعاف!؟

ويلاحظ أنه لابد من الدفع نحو رفع الوعي للمجتمع الذي يتناسب مع رؤية وطن اتخذت من البعد الحضاري والتاريخي والثقافي ركيزة لها. ولابد أن يعي المجتمع أننا لا نتغير حتى يأتينا السائح ليرانا ولكن يأتي ليرانا على طبيعتنا التي نعتز بها وهويتنا التي نتغنى بها. إن الأصل أن يعيش الزائر أو السائح التجربة حتى يستمتع ومثلما ننبهر عندما نذهب خارج الوطن بطرق العيش أو الحياة لأي مجتمع فمن يأتي لنا يبحث عن كيف بنيت هذه الحضارة على مر العصور والأزمان.. وخارج المدن وبالاتجاه نحو الأرياف والقرى التي تعاني مبانيها وقلاعها وحصونها من ألمين: ألم الهجرة وألم الهدم الغير مبرر، نلاحظ أن أصحابها يهدمون المباني القديمة ليس لهدف الإستفادة من المكان أو ضيق المكان ولكن لعدم الوعي بأهميتها، علماً أن هناك دعم لإعادة تأهيل المباني والمنازل القديمة والقرى التراثية وفتحها أمام الزوار، ولذلك فالوعي عامل مهم بالنظر لما تشكله المدن العتيقة في دورة السياحة في أي بلد.

ومن جهة أخرى مما لاشك فيه أن تقادم المناطق يجب أن يكون مكسبا لأن تلك المناطق تحتوي تاريخا عريقا لحقب زمنية تعتبر متحفا رائعا لمراحل عمرية عطرتها ذكريات وشخصيات تعد توثيقا هاما على شكل مباني وازقة وسكك! وبالتأكيد من المهم أن يتم (ترميمها) وتغيير الاستعمالات لتتوائم مع المستجدات. ولعل اكتساب وسط جدة التاريخية لاعتراف اليونسكو أحد أهم التجارب التي يجب أن نحرص على تطبيقها في مختلف مراكز المدن.

وبالإمكان انخراط المجتمع في التوعية بالتذوق الفراغي – إن صح التعبير – وذلك بإقامة فعاليات يساهم فيه الموهوبون في تجميل المدينة، وابتكار كل السبل للتغلب عموما على سلبيات التنمية العمرانية (المتسارعة بالذات!).. مثل هذه المبادرات تحتاج أمناء يفكرون خارج الصندوق ويتمتعون بكاريزما خصوصا اذا تحقق معها صلاحيات واسعة كمرونة إعداد الميزانية وتمويلها من خلال الضرائب الموجهة المعدلة بالدراسات المثبتة لجدواها للمجتمع، ورسوم الأراضي تحت توجيهات ورقابة الدولة المركزية، وبيع سندات تمكن من علاج أزمات آنية مثلا المرورية والتي تكلف المدينة أضعاف مضاعفة إذا اجلت لحين دعم وزارة المالية!.. صلاحيات تتجاوز المعادلة المتاحة من قبل والقيود المالية المتاحة في منظومة الإدارة الحالية المركزية… لاشك هناك نخبة لدينا يتمتعون بمواهب قيادية تم اختيارهم من خلال مسار يستند إلى التزكية وبعد متابعة مسيرتهم المهنية والاجتماعية! ولكن هذا يجعل الخيارات محدودة جدا، فمن يتمتعون بهذه الصفات ندرة تجتذبهم فرص أعمال توفر لهم أضعاف المردود المالي والمعنوي وصلاحيات اتخاذ قرار مقارنة بالقيود ومحدودية الصلاحيات التي توجد بمنظومة الإدارة الحضرية المركزية.

  • نماذج للشراكات المجتمعية والأعمال التطوعية لتحسين التشوه البصري.

ثمة العديد من الأمثلة على الشراكات المجتمعية والأعمال التطوعية في المجالات الخاصة بتحسين التشوه البصري في الأحياء الحضرية ومن نماذجها ما يلي:

  • برنامج Clean and Green في مدينة لاهور بباكستان: يعتبر هذا البرنامج ابتكارا جديدًا في نوعية التعاون المجتمعي في مدينة لاهور. ويشمل البرنامج التطوعي كافة أعضاء الأسرة والتجار المحليين حيث يتم إنشاء فرق تطوعية من الأفراد المحليين لجمع النفايات وتنظيف الشوارع والمناطق العامة لتحسين جمالية المدينة وجعلها مكانًا أفضل للعيش. ويستخدم البرنامج الأساليب التعاونية لتعزيز الشراكة بين الأفراد والحكومة والأعمال في المناطق المحلية.
  • العمل التطوعي في مدينة تورنتو بكندا: توفر العديد من المدن الكندية تجارب فريدة للعمل التطوعي والتصميم العمراني المحلي لتحسين المناطق المحلية وإزالة التشوه البصري. في مدينة تورونتو، يقدم المتطوعون خدماتهم في مختلف مجالات الحياة العامة، بما في ذلك الإسكان، ورعاية الأطفال، والمناطق الخضراء، وصيانة المباني، وتصميم الشارع. ويعمل التطوعيون بشكل وثيق مع المؤسسات المحلية والشركات والحكومات لتحقيق أهدافهم وبناء المجتمع المحلي.
  • المبادرات الجماعية في مدينة نيويورك: تعتبر منظمة “معالجة التشوه البصري لنيويورك” و “تحسين حياة المجتمع” مثالاً على كيفية تعزيز التوجه المجتمعي نحو تحسين البيئة العامة في أحياء نيويورك. وتستخدم هذه المبادرات الجماعية للمنتجعات الحضرية مثل الحدائق والشوارع والمناطق الخضراء في الأحياء لتحسين جودة المنازل وتحسين أساليب حياة السكان. كما يتم إطلاق حملات توعوية لجمع النفايات وإزالة التشوه البصري وإحداث تغييرات على الصعيد التصميمي للأحياء المحلية.
  • Project Sunshine Toronto: وهو برنامج تطوعي يهدف إلى دعم الأطفال بمستشفيات تورونتو، وتشمل المهام القيام بالأنشطة الفنية والحرفية والألعاب والرياضات مع الأطفال المرضى.
  • Habitat for Humanity Toronto: وهي منظمة تطوعية تهدف إلى توفير المساكن للأسر ذات الدخل المنخفض في تورونتو. يمكن للمتطوعين المساهمة في هذا النشاط من خلال بناء المنازل وتحضير الأراضي.
  • Toronto Environmental Alliance: وهي منظمة تطوعية تركز على محو تأثير البيئة على الحياة في تورونتو وتسعى لتوفير بيئة صحية للسكان المحلي.
  • NYC Parks Stewardship Program: يوفر هذا البرنامج الفرص التطوعية للمشاركة في خدمة الحدائق والمتنزهات والغابات في مدينة نيويورك. ويركز البرنامج على تنظيف وتحسين المناطق الحضرية وتوفير الغطاء النباتي في المدينة.
  • New York Cares : يقوم البرنامج بتوفير فرص تطوعية للمساعدة في تحسين المشهد الحضري في مدينة نيويورك. ويشمل البرنامج العديد من الفرص، بما في ذلك تنظيف المناطق العامة والتوعية بالمجتمعات حول القضايا البيئية وحماية الأحياء السكنية.

أيضاً بالإضافة لما تقدم من تجارب حول العالم لمعالجة التشوه البصري، هناك محاولات مبكرة لمعالجة السلوك الاجتماعي عن طريق الفن مثلما حدث في تيرانا في البانيا؛ أي أن المعالجة متبادلة في هذه الحالة فليس التوجه لمعالجة التشوه البصري عن طريق اصلاح السلوك بل استخدام الفن على مستوى المشهد البصري المديني لإصلاح السلوك.

  • التوصيات
  • تبني اللامركزية لتمكين الجهات المحلية من بناء قدراتها مع مرور الزمن وليس الاعتماد على المركز (الوزارة في كل قرار محلي) لأن جزء كبير من عدم تنفيذ عشرات الأدلة واللوائح يكمن في المركزية.
  • ترتيب كافة الحلول المطروحة وتصنيفها كحلول طارئة وحلول مُستدامة وحلول داعمة وبديلة، وتصنيف تلك الحلول لتوائم الوقت والمكان. مع الابتكار في كيفية دمج بعضها ببعض (فعندما تتوافق حزمة من الحلول مع واقعية وكفاءة التنفيذ وبالتزامن مع إتقان لعبة الوقت، يمكننا أن نحتوي أي مشكلات عاجلة)، مع عدم إغفال الحلول الاستشرافية والاستباقية للحد من أية مظاهر قد تلوح في الأفق القريب أو البعيد وتشوه صورة الرياض البصرية.
  • إجراء دراسات وبحوث متخصصة وتطبيقية في مجال التشوه البصري وصحة البيئة والتوازن البيئي وما ينجم عنها من مشكلات بيئية، تأخذ في الاعتبار العوامل التالية:
    • ضرورة وضع أهمية الدراسات البصرية والدراسات السكانية في التخطيط المستقبلي، تقوم بدراسة وتتبع تغيرات السكان وعمل توقعات لحركتهم وزيادتهم وتوزيعهم ودراسة العوامل التي تؤثر على هذا النمو، وأثرها المباشر على التشوه البصري للبيئة العمرانية.
    • أهمية تخطيط المستقبل السكاني بمزيد من الإحاطة والتعمق في البيئات المختلفة (دراسة وقائع المدن دراسة ديموغرافية) عند وضع خطط وبرامج التنمية العمرانية؛ لأهمية الربط بين قضايا السكان وظاهرة التشوه البصري التي تعتمد في مكافحتها على تنمية الأساس البشري وتثقيفهم للوصول للمعالجة المنشودة.
  • الشفافية في إعداد التقارير الوطنية الرصينة لظاهرة التشوه البصري دون تهويل أو تبسيط لتوفير المعلومات والبيانات الدقيقة بشكل مستمر؛ لتساعد في التشخيص الدقيق للحالة لتسهيل التدخل المباشر لمواقع الخلل وإيجاد أفضل الحلول لمعالجتها بسهولة ويسر؛ كونها تعد خزينًا معرفيًا مهمًا ترفد المختصين بحماية البيئة البصرية، والمخططين على المستوى الوطني بالبيانات الكافية التي يحتاجونها عند وضع السياسات والآليات الخاصة بمكافحة أي مظاهر تشوه كل مُحافظة ومنطقة بهدف الحفاظ على مشهد حضاري جميل للمدن السعودية.
  • تفعيل مشاركة العنصر البشري، سواء المواطنين أو المقيمين أو الزائرين، في خطط ومسار عمليات مكافحة التشوه البصري بما يقلل من نسبة المقاومة ؛فالمشاركة ذات نفع حقيقي في إدارة مكافحة التشوه البصري، بسبب الفهم المسبق والوعي بأهمية هذا الموضوع وآثاره على مستوى الفرد والمجتمع، ما يشكل الأساس الحقيقي لإدارة المقاومة إذا ما تحتم التغيير، بل وأكثر من ذلك، في حال ارتفاع الوعي سوف يبادر السكان أنفسهم بحلول وآليات التغيير قبل قرار الوزارة ذاتها، وقد يقدمون البدائل التي تُحافظ على حقوق المدينة وحقوق السكان دون ضرر ولا ضرار، خاصة وأن الكثير منهم يرون أن معالجة هذه الظاهرة فرصة لهم لخدمة مصالحهم الشخصية وتحسين جودة حياتهم.
  • ضرورة العمل على تنظيم مبادرات اجتماعية وبيئية بين مؤسسات البيئة والصحة والمجتمع المدني تعمل على:
    • حث كل حي على إطلاق مبادرة تهتم بدور السكان في القضاء على التشوه البصري، وتهدف لتوعية وتثقيف وتدريب أفراد المجتمع على أهمية النظافة وترسيخ مفهوم التكافل الاجتماعي والمسؤولية المجتمعية وجعلهما أسلوب حياة للمحافظة على المرافق العامة وكل مظاهر وتحضر الأحياء. مع عدم إغفال النقطة السابقة (أهمية مشاركة سكان الحي – مواطنين ومقيمين – المسؤولين الأفكار والتحديات التي تسهم في تحسين المشهد الحضري للمدن السعودية).
    • تفعيل الأعمال التطوعية والتحسيسية لأفراد المجتمع وتدريب وتأهيل قاطني المدن والقرى تدريبا حديثًا في مجال صحة البيئة وحمايتها من التشوه البصري.
    • وضع خطة متكاملة يتم بموجبها إشراك القطاع الخاص بأنواعه في طرح مشاريع ومبادرات ومسابقات تساهم في إضفاء اللمسات الجمالية وتحويل التشوه البصري إلى مناظر ومناشط حيوية جاذبة تشع نورًا وجمالًا.
    • إيجاد هيئات متخصصة تعنى بقضايا التشوه البصري ومساندة الجهود مع البلديات والهيئات المحلية لتحسين المشهد الحضري للمدينة.
  • تعظيم وتعزيز الحوكمة، وإعادة صياغة دور الرقابة الداخلية (التدقيق الداخلي للمؤسسات)، وتعزيز دور الدوائر وأقسام الشؤون القانونية، لأن التجاوزات لا تحصل إلا عندما تتراخى أجهزة المتابعة والصيانة والحماية المؤسسية سواء للمؤسسة أو العاملين عليها، وذلك من خلال ما يلي:
    • تجديد وتطوير الأنظمة واللوائح ورفع مستوى المعايير وتوحيدها؛ في الجهات المعنية مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان والأمانات التابعة لها.
    • رفع معايير الشركات المقاولة التي تنفذ المشاريع مع تقييم أعمالها بصفة مستمرة، وأن تكون هناك طريقة لمعالجة مخلفات البناء مثل إنشاء شركات لتدوير المخلفات في كل منطقة.
    • وضع حوافز مادية ومعنوية حسب تقييم أعمال الشركات والمستخدمين للخدمات.
  • اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية من خلال التخطيط العمراني الفعال للحاضر والمستقبل.
    • على المخطط العمراني ضرورة تتبع تيارات الانعكاسات السلبية للهجرة القروية للمدن الكبرى، من أجل التوقع واتخاذ قرارات استباقية توجه التعمير (تعمير استباقي)، خاصة في الأماكن التي تشكل أنوية لمدن مستقبلية كمدينة الرياض ونيوم.
    • تنفيذ مشاريع عمرانية في الخطط المستقبلية تتلاءم وتوصيات معالجة التغير المناخي لتتماشى مع أهداف التنمية البيئية المستدامة لرؤية المملكة 2030.
    • مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في التخطيط التنموي الاستراتيجي، وكذلك مشاركة الفئات المختلفة من المجتمع (كبار السن، الشباب، النساء، ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم)؛ لتكوين بيئة إنسانية محببة للناس تعمل بمنظومة متقنة شعارها المسؤولية والأدب والتوعية واحترام الرأي.
    • العمل على التنوع في اختيار ممثلي المجتمع المدني، وإشراك أكبر قدر ممكن منهم في التخطيط التنموي، وتعزيز مهارات المشاركين بمنحهم المعلومات المساهمة في تطوير العملية التخطيطية، وتفعيل سبل التواصل غير المباشر مع باقي فئات المجتمع. وهكذا ترتفع قيمة الذوق العام عند المتخصصين والمنظمين والناس على حد سواء؛ فمشاركة الناس ستظهر إيجابيًا على التنمية العمرانية بعكس عندما تصاغ انفراديًا من المتخصصين والمنظمين بعيداً عن مشاركة المجتمع.
    • تطوير دور العلاقات العامة للجان الأحياء في توسيع عمليات المشاركة المجتمعية لتشمل كل المجتمع؛ فجذب الناس ودفعهم في خضم عملية التنمية العمرانية المعقدة لم يأت من فراغ، بل تم التوصل إليه، فالقوة والإجبار لا تولد إلا عناداً، وعدم تقدير واهتمام، ولكن بالمشاركة والتوعية ستتلاشى التعديات المسببة للتشوه البصري.
    • الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية وتجارب المدن الناجحة في التعامل مع التلوث البصري للقضاء على المشكلة تمامًا، مع ملاحظة ضرورة مراعاة هذه التجارب عند توطينها على المستوى المحلي اختلاف الظروف المكانية والزمانية وأهمية توافقها مع ثقافة المجتمع في المنطقة أو الإقليم.
  • الاقتناع بدراسة البيئة المرئية كمعطى حضاري إلزامي، حيث يجب أن يكون هناك قناعة مؤكدة من قبل المسؤولين والمجتمع على أن دراسة وتحسين وتطوير وصيانة البيئة المرئية والمحافظة على مقوماتها وإبراز مميزاتها – أمر واجب، بل الزامي لعملية التحضر العمراني- والقناعة أيضاً بأنها المرآة التي تنعكس عليها أحاسيس ومشاعر وقيم وذوق وآداب المجتمع، من خلال ما يلي:
    • رفع القيم الجمالية للبيئة المرئية لدى الجميع، في (المدارس والجامعات ودور العبادة والنوادي الرياضية وأماكن العمل)؛ للحفاظ على أصول عناصر التشكيل البصري والتجانس البيئي الذي يثري من البيئة العمرانية ويرتقي بها وبخاصة في جوانبها الفنية والجمالية.
    • الاهتمام بدور المرأة في القرارات الحضرية والمجتمعية.
    • تدريس علم النفس البيئي ضمن المناهج التعليمية، الذي أصبح ضروري لعلاج العلاقة بين الإنسان والبيئة.
    • الاهتمام بالمبادرات والمسابقات التخطيطية والمعمارية والفنية التي تتناول جانب التشوه البصري.
    • تأهيل وتدريب الكوادر والفنيين والمختصين في مجال ترميم وصيانة المباني الحضارية، وعقد الندوات والمؤتمرات وتنظيم حملات التوعية الجماهيرية.
    • تشكيل لجان عليا للتخطيط العمراني والعمارة والفنون الجميلة في كل مدينة. وأخرى لعيادة المباني، ومهمتها: تشخيص الداء ووصف الدواء والتوعية بكيفية الحفاظ على صحة المبان.
    • رفع المستوى الفني للمعماريين المسؤولين عن إجازة التصاميم المعمارية وخصوصاً تصاميم الواجهات وألوانها ومواد تشطيبها ودعم قسم فسوحات البناء بكفاءات معمارية متميزة علميًا وعمليًا.
    • الاهتمام بشكل جدي أكثر وأكبر بكيفية التخلص من النفايات مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات حسب واقع مدينة بحجم الرياض الذي يبين الاحتياج الكبير لإنشاء مؤسسات أكثر لتخلص آمن للنفايات وإعادة تدويرها للاستفادة منها.
    • استخدام اللوحات الإعلانية بشكل فاعل كوسيلة للاتصال مع المجتمع وفي نفس الوقت الحفاظ على التوافق البصري والانسجام في البيئة المعمارية.
  • المصادر والمراجع
  • تم الإفادة من المصادر التالية:
    • أمير حسين عبدالله محمد (2019). النمو السكاني أثره على التنمية العمرانية لمدينة الأبيض السودان، جامعة أم درمان الإسلامية، مجلة التخطيط العمراني والمجالي، المجلد الأول، ع 2.
    • شريف أبو السعادات، أميرة سليمان، أمنية أبو زيد (2022). دور المصمم المصري في تطوير المناطق العشوائية واستحداث مفردات تصميمية للمناطق الخدمية كأحد أهم محاور التنمية المستدامة، مجلة التراث والتصميم، مج 2، ع 8.
    • فواز عابد باخطمه (د.ت). أهمية ادراج الدراسات البصرية للبيئة المرئية ضمن استراتيجيات وسياسات التنمية العمرانية لمكة المكرمة، رئاسة الطيران المدني، الشؤون الهندسية، قسم تصميم المطارات، متاح على الرابط الإلكتروني:

https://www.kau.edu.sa/Files/137/Researches/55928_26241.htm

 

  • سمان، هزار محمد حسين، والحرازي، شيرين بنت معتوق. (2021). أعمال تصويرية متفاعلة لمتغيرات الحرارة للحد من التشوه البصري. مجلة الفنون والأدب وعلوم الإنسانيات والاجتماع، ع 71، 187- 201 .
  • الزهراني، سلطان سالم محمد. (2021). مخالفات التشوه البصري في مدينة الرياض وتباينها المكاني: دراسة في جغرافية البيئة. مجلة مركز البحوث الجغرافية والكارتوجرافية، ع 32، 64 – 125 .
  • عطية، ماجد كمال محمد. (2015). معالجة التشوه البصري على محاور الحركة في البيئة الجبلية، مجلة البحوث الحضرية، مج 18، 38-58.
  • الكم، عبدالفتاح أحمد علي. (2009). تطوير وتحسين العناصر البصرية والجمالية في المنطقة المركزية لمدينة طولكرم، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة النجاح الوطنية، نابلس.
  • مدني، ريم زاهر عباس. (2015). أثر التلوث البصري في تشويه جمال المدن، كلية العمارة والتخطيط، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، السودان.
  • علي، سعدة معتوق. (2012). التلوث البصري البيئي وتأثيره على المظهر العام والصورة الجمالية للمدينة، المجلة الليبية وتكنولوجيا البيئة، مج 3، ع 2، 1-8.

 

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: أ. فائزة العجروش
  • التعقيب الأول: أ. د. فيصل المبارك
  • التعقيب الثاني: أ. علاء الدين براده
  • إدارة الحوار: د. مشاري النعيم
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. خالد الرديعان
  • معالي د. عبدالإله الصالح
  • أ. فهد الاحمري
  • د. عبدالعزيز العثمان
  • د. زياد الدريس
  • د. خالد المنصور
  • د. مساعد المحيا
  • د. حميد الشايجي
  • د. خالد آل دغيم
  • اللواء فاضل القرني
  • د. فوزية البكر
  • د. وفاء طيبة
  • أ. احمد المحيميد
  • د. حمد البريثن
  • أ. مها عقيل