تقرير رقم (103) – مايو – تأثير التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني، والمنظومة القيمية

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا

مايو – 2023


تأثير التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني، والمنظومة القيمية

 (1/5/ 2023 م)

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر مايو 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: تأثير التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني، والمنظومة القيمية، وأعد ورقتها الرئيسة د. الجازي الشبيكي، وعقب عليها كلاً من د. طلحة فدعق، أ. د. مجيدة الناجم، وأدار الحوار حولها د. هند الخليفة.

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية تأثير التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني، والمنظومة القيمية، وأشارت د. الجازي الشبيكي في الورقة الرئيسة إلى أن التقنية واستخداماتها، بما فيها قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي أضحت واقعًا يتزايد رسوخه واهتمام الناس وتعاملهم من خلاله في كل يوم أكثر من اليوم الذي قبله، لما لذلك من عوائد وفوائد لا يمكن حصرها، لذا استوجب الأمر العمل المنظّم المدروس على تنظيم العلاقة بهذه الوسائل ومواجهة سلبياتها بالوعي والتعمق في المعالجة لتحقيق الصالح العام. وقد وضعت الدولة في المملكة العربية السعودية عدد من الأنظمة واللوائح والسياسات والإجراءات الاحترازية منذ دخول الانترنت للمملكة وبداية استخدامه، من خلال العديد من الجهات التنفيذية. وفيما يخص تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أصدرت المملكة عدد من الأنظمة واللوائح لفرض الرقابة على ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. إلى جانب ذلك، يتطلب الأمر الاهتمام ببرامج التربية الإعلامية الرقمية لتنمية القدرة على الفهم والتعامل الصحيح مع تلك المستجدات.

بينما أكَّدت د. طلحة فدعق في التعقيب الأول على أن وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر جزء من المنظومة الإعلامية وبالتالي يمكن اعتبارها أحد مصادر “العنف الرمزي” حسب “بيير بورديو”؛ حيث يتم استغلال هذه الوسيلة الإعلامية وتوجيهها لتحقيق مصالح فئات معينة مهيمنه تتلاعب بعقول الناس لا سيما الشباب والنساء وصغار السن، وتعمل على نشر أيديولوجية معينة – أيا كانت تلك الأيديولوجية فكرية، عقدية، سياسية، اقتصادية.. الخ – فيصبح لدينا هنا وسيلة وهي الإعلام المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، وفئة مسيطرة ومهيمنه تتمثل في أصحاب المصالح والمنتفعين، وهناك الفئة المسيطر عليها وتمثل الفئة المستضعفة من الشباب أو الصغار أو النساء أو غيرهم من المستهدفين، وأخيراً هناك المحتوى المؤدلج والذي تسيطر عليه لغة خطاب معينة ويتمثل هذا المحتوى في “المحتوى الرقمي وأفكاره المتضمنة”.

في حين ذكرت أ.د. مجيدة الناجم في التعقيب الثاني أن هناك حاجة للتوسع في التشريعات والضوابط التي تحكم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من المحاولات القائمة إلا أن تأثيرها مازال محدود وأقل من المأمول لذا يجب أن يكون هناك مجهودات من ذوي الاختصاص سواء أشخاص أو منظمات لابتكار حلول للتقليل من الآثار السلبية المترتبة على عشوائية وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدميها. وتوجيهها بصورة تؤدي لخدمة المجتمع ومنظومة القيم الإيجابية التي هي أساس استمرار الحضارات ونموها وازدهارها.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • واقع وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية.
  • تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني.
  • تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على المنظومة القيمية.
  • التشريعات المنظمة لاستخدامات وسائل التواصل الاجتماعي.
  • آليات ضبط تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع السعودي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • دراسة اللوائح التنظيمية لأنظمة الإعلام المرئي والمسموع، للتحقق من مناسبتها وكفايتها لرقابة وضبط المحتوى الإعلامي.
  • مراقبة تنفيذ اللوائح التنظيمية، ومتابعة تطبيق العقوبات والجزاءات على المخالفات.
  • سن الأنظمة والقوانين لوضع الضوابط المنظمة لعمل المشاهير والمؤثرين.
  • الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في ضبط المؤثرات الخارجية المنتشرة عالميًا على المنصات، مثل تيك توك والانستجرام وسناب شات وغيرها، من خلال وضع السياسات وفرض الضوابط على الجهات المنتجة لها لضمان خضوع استخدامها للسياسات المحلية.
  • تفعيل دور الجامعات والمراكز البحثية في دراسة المشكلات والآثار السلبية الناتجة عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وابتكار الحلول والبدائل.

 

  • الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي

مدخل:

تبدأ حاجة الإنسان للاتصال والتواصل منذ بداية حياته، وهي من الحاجات الأساسية التي لا يستطيع أن يستغني عنها بصفته كائن اجتماعي بطبعه، يحتاج للانتماء والتقدير والحب والصداقة والقبول وتبادل المنافع والحماية والفهم والمشاركة وغيرها من العديد من الاحتياجات.

وقد كانت أغلب تلك الاحتياجات تُلبّى من خلال العلاقات العائلية والقبلية وعلاقات الجيرة والمجتمع المحلي من خلال الاتصال المباشر وشبه المباشر.

ومع التغيرات والتحولات الهائلة التي لحقت بالمجتمعات البشرية عبر العقود الزمنية المتتابعة توسّعت دائرة العلاقات وتطورت أساليب التواصل لمواكبة تلك المستجدات، إلى أن وصلت إلى المرحلة التي أصبحت الأدوات التقنية الحديثة هي اللاعب الرئيسي في إدارة التواصل البشري، خاصة بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.

إن ظهور وتنامي استخدام هذا الوسائل من قِبل ملايين البشر، أحدث ثورة في الاتصال والتفاعل وأتاح فرصًا للتعارف والمشاركات والاهتمامات والأفكار والمنتجات واكتساب المعارف والمهارات والخبرات، لكن في الوقت نفسه نتج عن التواصل من خلال تلك الوسائل العديد من الآثار السلبية التي وصلت في أحيانٍ كثيرة إلى مرحلة الخطورة.

هذه الورقة سوف تركَز على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على كل من الأمن الوطني والمنظومة القيمية للشباب على وجه الخصوص، وعدد من المقترحات لسبل تعزيز الاستثمار الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

البدايات

كان موقع (Six Degrees) من أوائل المواقع التي ظهرت بمفهوم التواصل الاجتماعي إذ تمكن من الوصول إلى ما يقارب 3 مليون مستخدم نشط في أوج قوته في تسعينيات القرن الماضي ثم ما لبث أن انهار مع بداية الألفية، من أبرز مميزاته القدرة على إنشاء صفحة خاصة بالمستخدم وإضافة عدد من الأصدقاء والتحدث ضمن شبكة الأصدقاء المضافين لكل مستخدم.

كانت البداية الفعلية لمواقع التواصل الاجتماعي أواخر التسعينيات وبداية الألفية ومن أبرزها (Friendster) و(Myspace) و(AOL)، إلا أنه يصعب التحديد يقينًا بأي موقع كان حقًا أول مواقع التواصل الاجتماعي، لأن التحديد يستوجب تعريف وحصر المقصود بمواقع التواصل الاجتماعي. إذ أنه صادف وسبق موقع (Six Degrees) منصة (Plato) من جامعة الينوي التي كانت تهدف إلى جمع كل من طلاب وطالبات الجامعة وأعضاء هيئة التدريس والإداريين وخريجي الجامعة بحيث يمكن لكل منهم إنشاء غرف محادثة مختلفة للمواضيع الدراسية في الجامعة. والعديد من المنصات المختلفة من المؤسسات التعليمية والجهات الحكومية المختلفة.

ثم توالى إنشاء العديد من مواقع التواصل الاجتماعي ومن أبرزها في الوقت الحالي (فيسبوك وواتس آب وانستقرام) التابعين لشركة ميتا الأمريكية بالإضافة إلى (يوتيوب وتويتر) التابعين لشركات أمريكية و(تيك توك) التابع لشركة (بايت دانس) الصينية والتويتر والسناب تشات والتيك توك)، إذ تم إنشاء اليوتيوب عام 2005 والفيسبوك عام 2006 وفي نفس العام انطلق موقع تويتر، وفي عام 2010 ظهر الانستقرام وفي عام 2011 تم إنشاء تطبيق سناب تشات وبعده في عام 2016 أطلقت شركة (بايت دانس) الصينية تطبيق تيك توك.

أسباب تزايد الاهتمام بتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي:

توصلت دراسات عديدة في هذا الخصوص إلى أن من ضمن أقوى الأسباب التي تجذب الناس لاستخدام تلك الوسائل ما يلي:

  • سهولة التعبير عن الآراء والتوجهات الفكرية.
  • المشاركة في المواضيع والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
  • التعارف وتكوين العلاقات وتبادل المنافع.
  • البحث عن المعلومة
  • استطلاع الرأي.
  • الاطلاع على مستجدات الأحداث والأخبار.
  • التسويق والتسوق التجاري.
  • التثقيف والتثقّف
  • نشر الوعي الديني والفكري والصحي.
  • عرض وجهات النظر السياسية والحزبية والنقابية.
  • المسابقات والألعاب الالكترونية والترفيه.
  • الإعلان والدعاية وعرض المنتجات.
  • نشر ملخصات الدراسات والأبحاث.
  • متابعة أخبار وقصص مشاهير الفن والرياضة والمؤثرين وغيرهم.

كل تلك الإيجابيات لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كان من الممكن أن يمتد استثمارها لصالح تقدّم المجتمعات البشرية من خلال أنسنة أدوات التقنية الحديثة وأجهزة الاتصالات الذكية، لكن اتضح في كثير من الأحيان استغلال استخدامها بطرق سلبية خاطئة، تعدّت ذلك إلى مرحلة الخطورة.

وقد توصل أحد الأفلام الوثائقية الغربية عام 2020م والذي تم إعداده من قبل مدراء تنفيذيين سابقين في كبرى الشركات التقنية في وادي السيلكون باسم: (The Social Dilemma) (المعضلة الاجتماعية)، إلى رصد العديد من سلبيات ومخاطر وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة واستغلالها استغلالًا غير أخلاقيًا للتأثير على شخصية الإنسان والتدخل في تنشئة الأجيال وتغيير القيم والإدراك والسلوك ونحت النسيج الاجتماعي للمجتمعات لمصلحة كُبرى الشركات المُنتِجة للمواد الاستهلاكية.

وقد اعترف أولئك المدراء بأن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في نشر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة وسرقة البيانات وتشجع بشتى الطرق على إدمان التواصل المستمر مع التكنولوجيا وتشجع على العزلة وتعمل على تعميق الاستقطابات الحزبية وتزييف التصويت والتأثير على سلوك وعواطف الناس من دون إثارة وعي المستخدم.

كما أنها وفي سبيل جني المزيد من الأموال والأرباح تّجنّد الذكاء الاصطناعي لجعل المستخدم لهذه البرامج يقضي أكبر وقت ممكن متصفحًا لها بالإضافة إلى سعيهم لتطوير خوارزميات متقدمة لرصد مشاهدات الناس وكل تنقلاتهم من خلال وسائل التواصل والتأثير فيهم من الناحية السيكولوجية واستغلال نقاط الضعف في النفس البشرية.

أبرز سلبيات ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعي:

أولًا: السلبيات والمخاطر العامّة؛

من خلال استقراء العديد من آراء المراقبين والمختصين، وُجِد أن تلك السلبيات تتمثل في الآتي:

  • العزلة الفردية بين أفراد العائلة الواحدة وقلة المشاركة في الحوارات الأسرية.
  • ضعف العلاقات الاجتماعية وضعف التواصل الحقيقي وليس الافتراضي.
  • سهولة الوصول للمعلومات الشخصية وانتهاك الخصوصية.
  • نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة.
  • التأثير السلبي على التحصيل الدراسي.
  • التعود على الحياة الخاملة وانعكاس ذلك على الصحة.
  • التشتت وعدم التركيز.
  • هدر وإضاعة الوقت.
  • شيوع ثقافة الاستهلاك والبذخ والتفاخر.

ثانيًا: المخاطر على القيم:

ويتمثّل ذلك في التأثير على السلوك والأخلاقيات من خلال مشاهدة الصور والأفلام العدوانية والعنيفة والمقاطع والأفلام الإباحية والأفكار والمعتقدات الدخيلة على قيم المجتمع، وتيسير تجارة وتعاطي المخدرات ومتابعة التطبيقات والإعلانات التي تشجع على العلاقات المحرمة.

وقد كشفت دراسة بحثية صدرت عن كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية بجامعة الملك عبدالعزيز الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على السّلم القيمي للشباب، حيث توصلت إلى أن الاهتزاز القيمي بدأ بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر وغيرها، والتي تتسم بعناصر مثيرة وجاذبة، كالفورية والتفاعلية وتعدد الوسائط والتحديث، مما أدّى إلى زيادة ساعات الاستخدام والتعرض والاعتماد عليها كمصدر وحيد للأخبار والمعلومات.

وأبانت الدراسة، أنه ونظرًا للتنوع الواسع لفئات المستخدمين، وتعدد مستوياتهم الثقافية والأخلاقية، وتبعًا لقانون التأثير والتأثّر، برزت ظواهر سلبية في سلوك الشباب السعودي، غريبة عن قيم وتقاليد المجتمع. ولا يجب أن نغفل عن ما تقوم به بعض الجهات في مواقع التواصل الاجتماعي من استهداف النشء وزرع قيم دخيلة على المجتمع من خلال الألعاب الالكترونية المختلفة.

ثالثًا: المخاطر على الأمن الوطني:

ويتمثل ذلك في عدة أوجه وأساليب، منها:

  • اختراق حسابات الأشخاص في مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام المعلومات في الاحتيال والسرقة أو في التلاعب بالآراء والتأثير في الانتخابات.
  • تعرّض الحسابات للقرصنة.
  • اختراق الأجهزة غير المحمية وتعرض البيانات للخطر والسرقة.
  • المخاطر الأمنية المتعلقة بالجماعات وتخطيطاتها الإرهابية من خلال تلك المواقع.
  • انتشار أشكال جديدة من الجرائم الجنائية مثل: الابتزاز الالكتروني والتهديد والتشهير والقرصنة المالية وجرائم الاعتداء على الأطفال والتهديدات بالقتل.
  • زرع الشقاق بين مكونات المجتمع من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية على نحو يهدد التماسك الاجتماعي والوطني.
  • نشر أفكار التطرف والعنف بكافة مجالاته والترويج لها.
  • استخدام المواقع لجمع التبرعات والتحويلات المشبوهة.
  • نشر الشائعات وتهديد الأمن القومي.
  • التأثير في زعزعة الأمن الفكري، من خلال نشر الأفكار الهدّامة والقناعات المضللةً التي تتنافى مع المعايير والقيم والأخلاق وتمهد للوقوع في أخطار الانحراف والسلوك غير السوي.

سُبل تعزيز الاستثمار الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي:

أضحت التقنية واستخداماتها، بما فيها قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي واقعًا يتزايد رسوخه واهتمام الناس وتعاملهم من خلاله في كل يوم أكثر من اليوم الذي قبله، لما لذلك من عوائد وفوائد لا يمكن حصرها، لذا استوجب الأمر العمل المنظّم المدروس على تنظيم العلاقة بهذه الوسائل ومواجهة سلبياتها بالوعي والتعمق في المعالجة لتحقيق الصالح العام.

وقد وضعت الدولة في المملكة العربية السعودية عدد من الأنظمة واللوائح والسياسات والإجراءات الاحترازية منذ دخول الانترنت للمملكة وبداية استخدامه، من خلال العديد من الجهات التنفيذية. وفيما يخص تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أصدرت المملكة عدد من الأنظمة واللوائح لفرض الرقابة على ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بحيث تكون الجهة المعنية هي هيئة الإعلام المرئي والمسموع بالإضافة إلى الرقابة الحمائية من الهيئة الوطنية للأمن السيبراني لضوابط حسابات التواصل الاجتماعي للجهات الحكومية لتمكينها من استخدام تلك الحسابات بطريقة آمنة.

إلى جانب ذلك، يتطلب الأمر الاهتمام ببرامج التربية الإعلامية الرقمية لتنمية القدرة على الفهم والتعامل الصحيح مع تلك المستجدات. كما أن المؤسسات التربوية والإعلامية عليها مسؤولية إضافة مناهج موجهه نحو تعليم أخلاقيات استخدام تلك الوسائل. وعلى منظمات المجتمع المدني العمل على دعم برامج التوعية الأسرية والإعلامية بأخلاقيات استخدام تلك الوسائل والمخاطر الناجمة عن سوء الاستخدام.

وعلى الأجهزة الحكومية مواكبة التطور التقني والتعاطي مع شبكات التواصل باهتمام وجدية. والاستمرار في تنظيم البرامج الإرشادية للشباب للآلية الصحيحة والسليمة لاستخدام مواقع التواصل.

كما أن على الجهات المعنية بشؤون الأسرة، تكثيف نشر الوعي بأهمية التماسك الأسري والحرص على فتح قنوات الحوار بشكل مستمر مع الأبناء. بالإضافة إلى ضرورة التواجد الفاعل للأجهزة الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة على شبكات التواصل الاجتماعي للردّ على الاستفسارات وإيضاح الحقائق والرد على الشائعات وتفنيد الأكاذيب والأخبار المضللة. وعلى جميع الجهات المعنية تكاتف الجهود لتفعيل المبادرة التي أطلقها سمو ولي العهد لحماية الأطفال في فضاء العالم السيبراني. ومن المهم الإشارة إلى ضرورة القيام بدراسات وأبحاث تعزز من التوعية بأضرار وسائل التواصل الاجتماعي من خلال طرق وأساليب مبتكرة تمكن من الحد من أضرارها بما يكفل المحافظة على قيم المجتمع وأمنه بشكل عام.

ختامًا في ظل تعاظم دور التقنية في حياتنا المعاصرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة من أدوات التأثير على الأفكار والآراء والتوجهات والسلوكيات، لذا فإنه من المهم والضروري بذل المزيد من الجهود المتكاملة بين القطاعات المختلفة لاستثمار مزايا هذه الوسائل لنفع وخدمة الإنسان، مع التأكيد والتنبّه المستمر والوعي من قِبل الجميع بالحرص على تفادي التأثيرات غير السوية والخطرة على قيم المجتمع وأمنه وتماسكه واستقراره.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. طلحة فدعق

تناولت كاتبة الورقة الرئيسة في ورقتها تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني والمنظومة القيمية وتطرقت للسلبيات والمخاطر العامة، أيضاً المخاطر على القيم والأمن القومي. ومن المخاطر العامة على المستوى الفردي: (التشتت الفكري، والعزلة الفردية، وعدم التركيز، وهدر الوقت..). وعلى المستوى الاجتماعي: (ضعف العلاقات الاجتماعية، وشيوع ثقافة الاستهلاك والبذخ والتفاخر..) ناهيك عن التأثير على المنظومة القيمية والأخلاقية وأيضاً الأمن القومي: (الجرائم الالكترونية، نشر أفكار التطرف، نشر الشائعات وتهديد الأمن القومي..). إن مجمل تلك التأثيرات يمكن النظر اليها كمخاطر اجتماعية ناتجة عما يمكن تسميته بـ (العنف الرمزي) في محاولة للمقاربة السيسيولوجية لمفهوم المفكر الفرنسي “بيير بورديو” عن هذا المفهوم وعلاقته بالمنظمات التربوية والتي يدخل الإعلام الرقمي ضمنها. فما هو العنف الرمزي؟ وهل يمكن أن تشكل وسائل التواصل الاجتماعي أحد وسائل هذا العنف؟ وما هي الصور التي يتجلى من خلالها؟

تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي جزء من المنظومة الإعلامية وبالتالي يمكن اعتبارها أحد مصادر “العنف الرمزي” حسب “بيير بورديو” حيث يتم هنا استغلال هذه الوسيلة الإعلامية وتوجيهها لتحقيق مصالح فئات معينة مهيمنه تتلاعب بعقول الناس لا سيما الشباب والنساء وصغار السن، وتعمل على نشر أيديولوجية معينة – أيا كانت تلك الأيديولوجية فكرية، عقدية، سياسية، اقتصادية.. الخ – فيصبح لدينا هنا وسيلة وهي الإعلام المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، وفئة مسيطرة ومهيمنة تتمثل في أصحاب المصالح والمنتفعين، وهناك الفئة المسيطر عليها وتمثل الفئة المستضعفة من الشباب أو الصغار أو النساء أو غيرهم من المستهدفين، وأخيراً هناك المحتوى المؤدلج والذي تسيطر عليه لغة خطاب معينة ويتمثل هذا المحتوى في “المحتوى الرقمي وأفكاره المتضمنة”. والنتيجة هي سيطرة أصحاب المصالح على منظومة القيم والأخلاق الموجهة لسلوك المتلقين بطريقة تهدد المجتمع ومؤسساته الأسرية والدينية والقيمية والأخلاقية.

المقصود العنف الرمزي

العنف يتمحور حول معاني تحمل طابع الشدة على الآخر ويتخذ أساليب عدة من لوم وإلحاق ضرر بالأخرين، اما العنف الرمزي فهو العنف الذي يكون على مستوى إيديولوجي، ومن وجهة نظر “بيير بورديو” يكتسب هذا العنف الرمزي نفوذه من خلال غطاء الشرعية ليصبح مظهرا عاديا في حياة الأفراد. ويتحدد العنف الرمزي في القدرة على فرض دلالات أو معاني على الشرعية، مع إخفاء علاقات القوة التي تمثل ركيزة العنف الأساسية. وحسب بورديو تعد التربية – أو النسق التربوي – متمثلا بمختلف مؤسساتها ومجالاتها مصدر لما يسمى بالعنف الرمزي سواء كان في المنزل أو المدرسة أو في وسائل الإعلام.  وبالنسبة للعنف فهو موجود ومتعدد الوسائل وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي – التي تعتبر وسيله إعلامية – كمجال خصب ينتقل من خلاله أنواع من العنف في “قوالب رمزية” مختلفة: أخبار – معلومات – صور – العاب – إعلانات – أفلام.. .الخ، ويتخفى هذا العنف خلف دلالات تخفي واقعا معينا في قالب رمزي معين.

مظاهر العنف الرمزي عبر وسائل التواصل الاجتماعي

يصدر عن وسائل الإعلام ما يمكن أن يسمى “عنف رمزي” ويتمثل في العنف النفسي والفكري والأخلاقي، فكل عمل إعلامي يشتمل على مظاهر وتصرفات ورموز وعلاقات وقيم تتنافى مع السلوك الفطري السوي يسمى عنفا. هذه المظاهر من العنف لا ينقلها الإعلام المرئي فقط وانما نجدها أيضاً في وسائل التواصل الاجتماعي عبر اللقطات والمقاطع والصور والمحتوى الرقمي الذي تنقله تلك الوسائل، وبالتالي فهي عنف رمزي يتضمن أيضاً “نوع من الخطاب” يتجلى في لغة ذلك المحتوى.  كل ذلك يتغلغل بهدوء داخل عقل المتلقي حيث تهيمن عليه تلك النماذج دون وعي، بل وتتكيف مظاهر العنف الرمزي مع البيئة الرقمية حيث يجد الأفراد مساحات من الحرية لنشر مضامين بمعاني مختلفة لهذا العنف المخفي، فنجد  في كثير من الأحيان الخروج عن المألوف لفظا وقيما وسلوكا، واحيانا في تحد صارخ للمجتمع من قبل من يطلق عليهم مسمى “مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي”، هؤلاء يمثلون نموذج لهذه الموجه فهم بكل اطيافهم وسلوكياتهم الغريبة بل والخارجة عن المألوف – في كثير من الأحيان – يشكلون جزء من منظومة ” العنف الرمزي ” وبالتالي ينبغي الحذر من شيوع مثل هذا الخطاب وتفشيه بشكل يهدد منظومة القيم والأمن الاجتماعي.

 

 

  • التعقيب الثاني: أ. د. مجيدة الناجم

مقدمة:

تناولت كاتبة الورقة الرئيسة وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على كلاً من الأمن الوطني والمنظومة القيمية؛ فقد تناولت وسائل التواصل الاجتماعي على اعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال التي سعى الإنسان منذ قديم الزمان لتطويرها بدءً من اختراع اللغات وصولاً لتسخير التكنولوجيا في تطوير آلات وتقنيات بهدف تحقيق الاتصال بين البشر وذلك بهدف تبادل المعلومات؛ واشباعاً لاحتياج فطري وهو التواصل مع البيئة المحيطة والتفاعل معها. فالعقدين الماضية شهدت تطوراً فاق التوقعات في انتشار وسائل التواصل وتوسع استخداماتها فقد أصبحت متاحة للبشرية قاطبة فمقطع يصور في بومباي يجد إعجاباً من مشاهد في كراكاس في أقصى أمريكا الجنوبية؛ فلم يعد هناك حدود أو حواجز تمنع التواصل أو تعيقه. هذا الانفتاح الكبير في التواصل له ماله وعليه ما عليه من سلبيات وإيجابيات.

تعقيباً على ما تناولته الورقة الرئيسية سيتم مناقشة الآثار المترتبة على استخدام التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني وعلى منظومة القيم.

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني:

أشارت كاتبة الورقة للتأثير السلبي على استخدام وسائل التواصل على الأمن الوطني ومظاهره المختلفة فقد شهد العالم خلال الفترة الماضية تغييرات جذرية ناتجة عن توفر التواصل والتفاعل المباشر بين أفراد المجتمع. هذا لفت انتباه الحكومات والجهات المعنية بحفظ الأمن إلى سن التشريعات كمحاولة لضبط محتواها واستخداماتها ويقلل من الآثار السلبية المترتبة على توسع انتشارها وسهولة استخدامها فاليوم على منصات التواصل لا تستطيع تحديد مع من تتحدث أو تطرح أفكارك فقد تدخل في مهاترات ونقاشات مع أشخاص غير أسوياء أو قاصرين وغير ذلك. فلا خصوصية مطلقة كما كان في السابق فرد على شخص مجهول كفيل بأن تستولي منظمات إجرامية على بياناتك ومعلوماتك الخاصة. فهناك حملات مشبوهة يتم تنظيمها على منصات التواصل تهدف لزعزعة الأمن، وتشكك الشعوب في توجهات حكوماتها بهدف إضعاف الاصطفاف حول القضايا الكبرى والمكتسبات التي لا تقبل المساومة أو العبث بها. وإن كانت مثل هذه الحسابات لا يكون لها تأثير كبير على الراشدين إلا أنه لا يمكن ضمان تأثيرها على النشء وصغار السن، وتمرير أفكار مضادة لثوابت المجتمع قد تؤثر على أمنه القومي والوطني مستقبلاً. فمما لا شك فيه أن هناك جهات ومنظمات تعمل ضد استقرار البلدان وتسعى لبث سمومها وأفكارها الشاذة والمضادة لتحقيق مكتسبات خاصة فهي تعيش على الخراب والدمار، وهنا نتحدث عن أشكال متعددة من المخاطر كالمخدرات ونشر السلاح، والأفكار المنحرفة ومحاربة الأديان، وغيرها من مهددات؛ لذا لا بد من المتابعة من قبل جهات الاختصاص وتتبع للحسابات المشبوهة ومنعها أو حجبها، وتوعية المستخدمين لآثارها وأهدافها الخفية.

تأثير وسائل التواصل على منظومة القيم:

مما لا شك فيه أن القيم هي أحد أكبر ضحايا منصات التواصل الاجتماعي فقد حدث تغييرات كبيرة في المنظومة القيمية في فترة وجيزة لا يمكن تبرير حدوثها إلا نتيجة ما ينشر على حسابات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فالمقبول أصبح غير مقبول، والعكس صحيح.

إضافة إلى أن التقدم الهائل في الذكاء الاصطناعي أتاح للجهات التسويقية تتبع سلوكيات وأفكار المستخدمين والتأثير في توجهاتهم لخدمة مصالحهم المادية بغض النظر عن السلبيات المترتبة على ذلك سواءً على سلوكياتهم أو قيمهم أو أنماط معيشتهم. فقد تناولت الورقة الرئيسية ما أشارت له أحد التقارير عما يتبعه كبراء مديري الشركات التجارية العالمية في سبيل تسخير وسائل التواصل وتوظيف المؤثرين فيها للتسويق لمنتجاتهم وتمرير قيمهم وتغيير سلوكيات الأفراد بما يخدم مصالحهم قبل أي شيء آخر، بغض النظر عما يترتب على ذلك من تدمير لقيم المجتمعات. وما نشهده اليوم من انتشار لمقاطع في كافة الوسائل تؤكد ذلك فملايين تصرف في بث يديره أشخاص تافهين يسوقون لسلبيات فيها خروج صارخ على قيم المجتمع وما هو مقبول ومتفق عليه بين كافة شرائحه، فهذه المنصات تشجع على كل ما يساعدها على تحقيق أرباح بغض النظر عما يقدم من محتوى بل أحياناً تشجع على أن يمارس مرتاديها من رواد ومستخدمين سلوكيات خاطئة حتى يستمر دعم حساباتهم ومساعدتهم على الانتشار فما يحدث على منصة (السناب شات والتيك توك) تحديداً مثال لما نتحدث عنه من توجهات وممارسات خاطئة.

والسلبيات المترتبة على ذلك أصبحت ملموسة ونشاهدها كل يوم في أي مكان عام من مناظر لا تمت لقيم المجتمع بصلة ولا تعكس هويته الوطنية وقيمه الموروثة. هذا على جانب وعلى جانب آخر ما نشهده مؤخراً من انتشار لأنماط استهلاكية غير منطقية أحد هذه الآثار؛ فالسفر الباذخ والمقتنيات باهظة الثمن والتردد المستمر على عيادات التجميل أصبحت أسلوب حياة يحاول أن يروج رواد مواقع التواصل له على أنه ممارسات طبيعية وما دون ذلك هو الاختلاف.  وهذا الانكشاف لمظاهر حياتية قد تكون زائفة أو ممولة من جهات تسويقية بهدف الإعلان والتسويق جعل فئات من الشباب وحديثي السن ينظرون لحياتهم بامتعاض وأحيانا رفض لمجتمعهم الذي ينتمون له. فالفتيات يرغبن الزواج من الرجل الثري القادر على توفير السيارة الفارهة وإهداء المجوهرات والحقائب الثمينة. وهذا تغيير في القيم المرتبطة بمفهوم الزواج على اعتباره مظهر للاستقرار الاجتماعي والنفسي وإنجاب الأبناء وتكوين الأسرة. فلم تعد هذه المتطلبات هي أساس الزواج بل الماديات هي الأساس. وهذا بالطبع له آثار سلبية بعضها مباشر والآخر غير مباشر وقد نحتاج سنوات أخرى لمواجهته.

إضافة إلى العمل والإنتاج الذي كان هو الوسيلة المشروعة للحصول على المال من جهة والقيمة الاجتماعية من جهة أخرى. فالطبيب والمهندس والمعلم ورجل الأعمال هم القدوات إلى قبل عقد من الزمن وهم وغيرهم من أصحاب المهن المختلفة هم من نعيش مراحل ارتقائهم في السلم الاجتماعي والتغيير المتسق في مستوى معيشتهم وفي قيمتهم في المجتمع بناء على تقدمهم المهني ونجاحهم العملي.

أما اليوم فكل ما يحتاجه شخص ما ليكون صاحب مال وثراء هو حساب مفتوح في أحد مواقع التواصل الاجتماعي بدون محتوى بل مواقف وسخافات وممارسات غير مقبولة حتى يجد نفسه الرقم الأول في عدد المشاهدات لتنهال عليه الإعلانات والرعايات ليتحول لأصحاب الحسابات المليونيرية في غضون شهور قليلة بدون جهد يبذل. وعلى سبيل المثال لو سألنا طفل ماذا ترغب أن تكون في المستقبل؟ يأتيك الرد المباشر بأن يمتلك حساب على وسائل التواصل ليدر عليه المال. في حين قبل عقد أو نيف كان الرد طبيب أو مهندس أو ضابط، وهذا خلل قيمي كبير في قيمة الإنتاج والعمل. فيدون غاية إنتاجية أو مهنة ذات مردود على حياة البشر يمكن أن يتحصل الشخص على الأموال وبطرق مشروعة قانوناً ولكنها غير مقبولة في ميزن العرف والمنطق السوي.

هذا كله يتطلب أن يكون هناك تحرك مجتمعي للتعاطي مع هذا التيار العاصف ومقاومة سلبياته والحد من آثاره لحماية المجتمع والحفاظ على طبيعته وتماسكه.

فهناك حاجة للتوسع في التشريعات والضوابط التي تحكم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من المحاولات القائمة إلا أن تأثيرها مازال محدود وأقل من المأمول لذا يجب أن يكون هناك مجهودات من ذوي الاختصاص سواء أشخاص أو منظمات لابتكار حلول للتقليل من الآثار السلبية المترتبة على عشوائية وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدميها. وتوجيهها بصورة تؤدي لخدمة المجتمع ومنظومة القيم الإيجابية التي هي أساس استمرار الحضارات ونموها وازدهارها.

 

  • المداخلات حول القضية
  • واقع وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية.

إن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي نقل العالم إلى آفاق غير مسبوقة، كما أعطى مستخدميها فرصاً كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا رقابة (1) كما تحقق سرعة التواصل وسهولة الحصول على المعلومة (2).

وقد تجاوز الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي الأفراد والأسر، بل حتى الحكومات أدركت أهمية هذه الوسائل التواصلية في التفاعل مع المواطنين (3)، حيث فرضت وسائل التواصل الاجتماعي سيطرتها على الجميع (4).

ويشير تقرير “نظرة شاملة حول واقع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية لعام 2022″(5). إلى أنه وعلى سبيل المثال، عند معرفة الفئة العمرية الأكثر مشاهدة لكل برنامج والحسابات الأكثر متابعة بين كافة البرامج داخل السعودية، يمكن لنا متابعة المحتوى الذي يبث من خلالهم وتوجيهه التوجيه الأمثل المناسب لعمر وفكر الشريحة العمرية الأكبر التي تتابعها لتعظيم الأثر الإيجابي منه.

 

‫وكما تشير بعض الإحصائيات المشار إليها في التقرير فإن هناك تقريبًا أكثر من29,5 مليون نسمة من مستخدمي وسائل التواصل في المملكة.

وقد جاء برنامج اليوتيوب في المركز الأول بعدد مستخدمين يقدر ب 29,5 مليون، يليه برنامج تيك توك في المركز الثاني بعدد 29 مليون شخص. فيما استحوذ الانستغرام على المركز الثالث بعدد مستخدمين يقدر ب 22,7 مليون.  ‫وهذه الأرقام دليل واضح على أهميتها الكبيرة في الحياة البشرية حيث تقدر نسبة مستخدميها ب 87% من إجمالي عدد السكان في المملكة.

ويلاحظ أن التأثير بالطبع يعتمد على طريقة توظيفنا للوسيلة، كما أن الاعتماد على الأرقام مجردة دون فحصها، لن يساعد في الوصول إلى توصيات رصينة وواقعية، نعم ليس هناك قاعدة مطلقة، قد تكون الأرقام صحيحة ولكن مضللة! وقد تكون صحيحة لكن لن تكشف لنا توجهات المستخدمين الحالية المستقبلية أو سلوكيات الشريحة الأعلى استخدامًا.

ولن تكتمل المُؤشرات العامة لتلك الأرقام المشار إليها أعلاه وغيرها مما ورد بالتقرير، إلا إذا حاولنا أن نُلم بكل أجزاء المشهد الاجتماعي، فهناك شريحة لا يستهان بها من مستخدمي وسائل التواصل من كبار السن، وهناك كذلك شريحة كبيرة من الأطفال.

وفي هذه المؤشرات تفاصيل مهمة جدًا تعزز أهمية دراسة البعد الاجتماعي والنفسي في مُواجهة الأثر السلبي لاستخدام تلك الوسائل، وتعزيز الأثر الإيجابي لها، ليكتمل الهدف المرجو من خلال تلكم المؤشرات الرقمية.

لذا ينبغي علينا أن نقرأ تلك الأرقام الواردة بعمق، ونتعامل معها بكل حيادية وعقلانية؛ طالما أنها مبنية على مصادر موثوقة. كما يجب أن تصاحبها دراسات بحثية ترصد التغيُّرات المجتمعية والقيمية والنفسية بعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور تأثيراتها بشكل ملموس على معظم أفراد المجتمع، حتى لا نفقد الثقة في لغة الأرقام التي تمثل عماد الأبحاث العلمية؛ لنأخذ منها كل الدروس الممكنة، وتُستخلص النتائج وكذلك بعض التوصيات والتوجيهات العامة، التي لعلها تكون سبب في حماية النشء من التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها من قبل أعداء الوطن للتضليل ونشر معلومات وتقارير كاذبة.  بل على العكس ستعمل على استغلال تلك الوسائل الاستغلال الأمثل لصالح كافة أفراد المجتمع، وتعظيم الأثر الايجابي المأمول لها.

ويلاحظ انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا والاقبال عليها بشدة ملفت للانتباه وذلك عند المقارنة بمجتمعات أخرى. وربما يعزو ذلك إلى أن الانفتاح الذي نمر به قد جاء دفعة واحدة ودون تدرج ومقدمات مما سبب هذا التهافت على “كل شيء” تقريباً وليس فقط وسائل التواصل الاجتماعي ولاسيما اننا نتحدث عن مجتمع كثيراً ما وُصف بأنه محافظ بل وشبه مغلق.  يضاف إلى ذلك أن غياب البدائل قد يكون سبباً آخر للتهافت على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بمعنى محدودية سبل قضاء وقت الفراغ في أنشطة مفيدة؛ كالأنشطة الرياضية والترفيهية وماله علاقة باهتمامات الشباب من الجنسين.

أمر آخر في غاية الاهمية هو أن هذه الوسائل كالتيك توك مثلاً أصبحت مدرة للدخل للبعض مما خلق هوس جماعي حول امكانية الثراء السريع بعد أن شاهدنا عدة أشخاص يحصلون على الملايين فقط بعد أن يعملون بث حي. أحدهم وقبل عدة أيام حصد ما يقارب الاربعة ملايين ريال (حالة قعيد) من التوك توك، مما دفع أحدهم لكتابة تغريدة تقول بأن هذا المبلغ يعادل راتب مهندس يستلم ٢٠ ألف ريال شهرياً مدة ١٧ سنة. هذه الثروات التي تهبط فجأة على شبان وفتيات في مقتبل العمر هي ما يدفع بالبعض للإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة المشاهير الذين أثروا فجأة، وربما البحث عن ما يمكنهم القيام به ليصبحوا مشاهير ولاسيما أن الشهرة من خلال هذه الوسائل تأتي في الغالب دون عناء يذكر.

  • تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن الوطني.

من المعلوم أن تقنيات التواصل الاجتماعي يسرت التواصل كثيرا، وفيما يتعلق بالأمن الوطني الذي يعني توفير وتنمية مقومات ومصالح الدولة وحمايتها من المهددات الداخلية والخارجية، ولمزيد من التوضيح، فإن مقومات الأمن الوطني عديده، أبرزها (السياسي، الاقتصادي، العقدي، الأمني العسكري، الاجتماعي، الثقافي والصحي، الإعلامي، البيئي، الجيوسياسي …الخ). وعند البحث عن الاستخدام أو التأثير في هذه المقومات؛ سواء من قبل العاملين في المؤسسات المعنية بالتنمية والحماية، نجد أن وسائل التواصل أثرت ايجابيا، لكنها في ذات الوقت تنطوي على تحديات جديدة تشكل انتهاكات لأي من مقومات الأمن الوطني، ومنها على سبيل المثال المقوم الثقافي والقيمي المشار إليه في عنوان القضية.

ومما لا شك فيه أن تحقيق الأمن لاسيما الفكري منه، ينعكس تلقائياً على منظومة الأمن المجتمعي بكل جوانبها (6).

ومن هنا يمكن رصد التأثير في مقوم من مقومات الأمن الوطني، سواء في الاتجاه الايجابي والحث على تعزيزه، كما هو الحال نشر القيم الوطنية الايجابية التي تعزز القوة الناعمة، أو في التأثير السلبي لوسائل التواصل على أي من مقومات الأمن الوطني؛ مثل نشر الرذيلة، والتمييز السلبي ضد الآخر.. الخ. وهذه بالفعل من الآثار السلبية لاستخدام وسائل التواصل لكنها تبرز مواطنين ايجابيين يبادرون بالرد على من يعتدي على أي من القيم الوطنية، ناهيك عن تطبيق المؤسسات الرسمية لتطبيق العقوبات، بيد أن التأثيرات غالبا ما تكون مؤثرة سلبا، قياسا على مآلات هذا الاستخدام مع الزمن!!

لكن يجب الإشارة كذلك إلى أن لوسائل التواصل تأثيراتها المتباينة، سواء في الاتجاه السلبي أو في الاتجاه الايجابي على كثير من مقومات الأمن الوطني، التي من ضمنها منظومة القيم، سواء على مستوى الدول وعلى مستوى للعالم ككل، وقد بدأت هذه التأثيرات مع بزوغ العولمة بداية القرن الحالي، ولا تزال تتوالى في متوالية هندسية.

بيد أن سر تأثيراتها المتباينة والمتسارعة يكمن في عاملين أساسيين؛ هما: المنفعة والانسجام، التي تقدمهما وسائل التواصل لمستخدميها، وفقا لما أشار إليه لنتون، وهنا يمكن أن تستخدم المنفعة في محال الخير أو فيما سواه. والملفت أننا نرى تأثيرات سلبية مقلقة تتمثل في ظهور جرائم مستجدة، لم تكن معروفة في السابق، وتتم عبر وسائل التواصل، بل ونرى تحللا قيميا واضحا نتيجتها، ونرى في ذات الوقت إنجازات كبرى بفضل هذه الوسائل لخدمة البشرية.

ومع أن وسائل التواصل الاجتماعي لها العديد من الآثار الإيجابية على الأمن الوطني؛ حيث يمكن استخدامها مثلا كأداة تحذير وفي الحملات على الإرهاب، وكأداة اتصال مؤسسية. إلا أنه مع ذلك، قد تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً إلى إعاقة الأمن الوطني.  حينما تستخدم ضمن عمليات الهندسة الاجتماعية وهجمات تطبيقات الويب والتصيد الاحتيالي. ويمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتحديد الجرائم والإبلاغ عنها بسهولة وفعالية. وبالتالي، يمكن تعزيز الأمن باستخدام الشبكات الاجتماعية كآلية للإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة والجرائم وتتبعها على نحو أفضل.

أيضاً فقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي الناس على مستوى العالم على تنظيم الثورات وأعمال الشغب، وتجنيد الإرهابيين، وتشجيع الهجمات، وتمجيد العصابات، ونشر العنف. كما تستخدم المجموعات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي لتجديد اعضاء جدد ونشر الدعاية.

ويمكن كذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار المزيفة والتضليلية جنباً إلى جنب مع كون مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات وسيلة فاعلة للاتصال والمشاركة في المعلومات.

وتوجد عدة مصادر معلومات يمكن الوصول إليها والاستفادة منها في عمليات التجنيد والمتابعة والاستخبارات مثل ملفات المستخدمين والجدول الزمني وحالة وسائل التواصل الاجتماعي وقائمة الأصدقاء وخدمات الرسائل.

إضافة لذلك، يمكن أن يؤدي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بسلبية إلى تعريض المستخدمين للمخاطر والتأثير على الأمن سلبًا من خلال نشر المعلومات الشخصية والحساسة على الإنترنت – التي يمكن استغلالها والتلاعب بها.، كما يمكن أن توفر هذه المواقع:

  • منصة للاستغلال الإلكتروني.
  • طريقة للاختراق والحصول على معلوماتك الشخصية.
  • طريقة لارتكاب جرائم احتيال.

وبالإشارة إلى جانب تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على زعزعة الأمن الفكري، فإننا نجد أنفسنا أمام أمر لابد من الاعتراف به وھو أن “شبكات التواصل الاجتماعي تمنح فرصة ذھبیة لأصحاب الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية لبث سمومھا في المجتمع ونشر أفكار ھدامة وقناعات مضللة تتنافى مع المعاییر والقیم الأخلاقیة والاجتماعیة، وتمھد الطريق للوقوع في أخطار الانحراف وارتكاب السلوك غیر السوي، وكل ذلك قد يأتي  تحت مبدأ ادعاء الانتماء للإسلام، مما یترتب عنه  تشوية صور الإسلام وتنفیر الناس منه، واستھداف الدین الإسلامي من أعدائه ومنحهم الفرصة لمحاربته والنیل من أبنائه، وكان ھذا الدافع الرئیس لإلصاق تھمة الإرھاب بالإسلام والمسلمین، واطلاق الأحكام الجائرة في حق كل مسلم ينتمي له ولكل دولة ترعاه وتحتضن الديار المقدسة كالمملكة العربية السعودية.

وحتى نرصد تأثیر ھذه المواقع على الأمن الفكري، لابد من العودة إلى الإحصائيات، التي تؤكد كل سنة ارتفاع مرتادي ھذه المواقع واستعمال ھذه الوسائل، حتى أن الامر أصبح یخیف الكثیر من الدارسين والمھتمین بالشأن القانوني والاجتماعي، فذلك تزامن مع النمو الفظیع في نسبة الجریمة بكل أنواعھا والإلكترونية بشكل عام في العالم بأكمله، وأیضا مع تنامي ظاھرة ما یسمى الیوم بالإرهاب الالكتروني وظھور جماعات مجهولة تنشط الكترونیا تستھدف الشباب الطائش والناشئة وتزج بهم في زوایا العنف الضیقة، ذلك العنف الذي تتعدد أوجھه بین نفسي وجسدي، وتحت لواء الدین عامة والإسلام بشكل خاص، والدین لیس في ذلك بشيء وبريء تمام البراءة من كل ما یلصق به من عنف وتزییف وإرهاب.

وحین نلقي الضوء على جانب آخر من حیاتنا المجتمعیة، وھو النظام العام. نجد أن “الإساءة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تسھم أیضا في زعزعة الأمن والاستقرار عن طریق ترویع وإفزاع الأفراد وإشاعة الفوضى وتقویض حالة الأمن الفكري والاستقرار، وزعزعة الطمأنینة وبث روح الكراھیة بین مختلف طبقات المجتمع، مما یسفر عن تشتیت الجهود الوطنية لحماية الشباب وانخفاض الروح المعنویة للمواطنین”، بالإضافة إلى الرغبة في “الانتقام من المجتمع وتھدید أمن وسلامة أفراده بسبب مشكلات نفسیة واجتماعیة تجلب الحقد في صدر بعض المستخدمین على المجتمع، وتجعلھم یخرجون عن قواعد الضبط الاجتماعي.

وفي واقعنا الیوم، نجد أن ھذه المعاني قاربت على الأفول، وبعدما كان “أرباب التنظيمات الضالة یركزون أنشطتھم في العوالم المادیة ویبحثون عن من یتعاطف معھم في المساجد والمدارس والأحیاء وغیرھا، كما في المناسبات والفعالیات المختلفة والرحلات الصیفیة، وبسبب صعوبة التجنید من خلال تلك الأماكن وخطورته وقلة  جدواه في نفس الوقت، بسبب رقابة الجهات الأمنية المختصة ،ومع ظھور الانترنت كأداة إعلامیة متنوعة الوسائل سھلة الاستخدام، ورخیصة التكلفة، تساعد على التخفي، وفي نفس الوقت تصل إلى المستھدفین في كل مكان.

كانت ھذه ضمن الأسباب التي دفعت وشجعت تلك التنظیمات الضالة والمضلة إلى نقل عملیاتھا إلى العالم الافتراضي، لیقینھم أن المواجھة المیدانیة خاسرة بالنسبة لھم، ولن تؤتي أكلھا كما ھو مخطط لھا، فالعالم الافتراضي يدخله الصغار والكبار والرقابة فيه ضعیفة وقد تنعدم، مما یسھل الانفراد بعقول ساذجة والتلاعب بھا كیفما یشاء ھؤلاء، وإلحاق زعزعة فكریة قد تصل بھم إلى حد كبير إلى الوصول بهم إلى أهدافهم، وخاصة في ظل فراغ الناشئة والشباب وعدم اشغالهم في وظائف تسد حاجتهم عن الاستجابة لشياطين الشر الالكتروني، وقد اثبتت الدراسات العلمية الرصينة في مجال الأمن الفكري للناشئة أن تأمين الأمن والاستقرار الفكري للناشئة والشباب يشجع حبهم لأوطانهم ومجتمعهم ويعطيهم حصانة كبرى لعدم الانغماس في الافكار المخربة عبر الارهاب الفكري الإلكتروني، فالدول ومنها المملكة يجب أن تسعي وهي كذلك في ما نراه من برامج حديثة لتأمين الأمن الفكري للشباب قبل توفير الفكر الأمني للمعالجة بعد ما تقع الجرائم الالكترونية.

وفي هذا الصدد فقد أكدت نتائج عدد من الدراسات على أهمية تفعيل دور الإعلام الأمني في متابعة الموضوعات التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوقوف بحزم أمام الأفكار العنصرية والمتطرفة منها(7).

  • تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على المنظومة القيمية.

تلعب القيم الاجتماعية دوراً مهماً في تكوين النسق الاجتماعي واستقراره، كما تتصف بالاستمرارية وبالعمومية والانتشار في الوقت ذاته (8). ويشير المتخصصون إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أحدثت تأثيرات اجتماعية ضربت جذور البناء الاجتماعي وامتدت لتصيب منظومة القيم الاجتماعية لاسيما في الأسرة (9).

ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل تمثل سلاح ذو حدين، حيث سرقت الأوقات وعزلت العائلات، ولكنها أيضاً قربت البعيد وزودتنا بكل جديد بسرعة البرق. كما يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز القيم الاجتماعية من خلال نشر الوعي حول القضايا الاجتماعية وتعزيز القضايا الاجتماعية. كما يمكن أيضاً استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لربط الأشخاص ذوي الاهتمامات والقيم المتشابهة. ويمكن أيضاً استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبناء المجتمعات وتعزيز التغيير الاجتماعي. كما يمكن كذلك استخدام الوسائط الاجتماعية للترويج للمنتجات والخدمات التي تتوافق مع القيم الاجتماعية.

وأيضاً من الناحية الإيجابية، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تساعد في تعزيز القيم الإنسانية، مثل تعزيز التعاون المثمر، وتحقيق العدالة والحرية المسؤولة واحترام حقوق الإنسان. ويمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون على سبيل المثال، مساحة لتبادل الآراء والأفكار والخبرات بين الناس من مختلف الأصول والثقافات وتعيد النظر في الصور النمطية والقوائم السلبية لبعض فئات المجتمع.

لكن من الناحية السلبية، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تزيد من الانعزالية الاجتماعية والتفرقة بين الأفراد. على سبيل المثال، يمكن للوسائل الاجتماعية أن تؤثر على الصورة التي يرسمها الفرد عن نفسه، مما يعزز التقييم السلبي والتفرقة بين الناس بسبب اختلاف صورتهم النمطية.

كذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي قد تنجم عنها آثار سلبية على القيم الاجتماعية للمجتمع؛ بأن تجعل بعض الناس لديهم توقعات غير واقعية أو صورة سلبية عن قضايا المجتمع.  فضلاً عن أن وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون لها تأثير على الشعور بالوحدة وتجعل بعض الناس يشعرون بمزيد من العزلة.

يضاف إلى ذلك ما قد تؤدي إليه وسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص المشاكل في النوم والتقلبات مزاجية وقضايا العلاقات الاجتماعية والتأثير على عادات الأكل وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي، كما يمكن أن تزيد وسائل التواصل الاجتماعي من الاكتئاب وإيذاء الذات والقلق والوحدة.

وتذهب بعض وجهات النظر إلى أن مشكلتنا مع وسائل التواصل الاجتماعي هي أننا وقبل دخول هذه الوسائل كنا نعد من المجتمعات المحافظة، وأننا نولي اعتبار كبير للقيم الدينية ولقيم الأسرة والقبيلة والمجتمع المحلي. هذه القيم أصبحت الآن على المحك ويجري تساؤل حول ما إذا كانت مفيدة أم لا رغم علم الجميع بوظيفتها الايجابية في تعزيز تماسك المجتمع. الدافع لمساءلة القيم هو نزوع البعض نحو الفردية في محاولة لتهميش المجتمع وثقافته ومن ثم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن مثل هذه المواقف.

ما تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هو “هدم قيم المحافظة” من خلال نماذج سلبية صادمة تقدم محتوى تافه بل ومشوه للمجتمع السعودي الذي عرف بمحافظته وتدينه. ولا يقف الامر عندنا وفيما بيننا كسعوديين؛ بل إن هذه النماذج فتحت شهية المتربصين والمغرضين من الدول والشعوب الاخرى للنيل من المجتمع السعودي والصيد في الماء العكر واستخدام ما يُبث في وسائل التواصل الاجتماعي للتدليل على ما يقولون ويكتبون عنا، ولاسيما اننا بلد يحتضن الحرمين الشريفين. المتربصون يوظفون البعد الإسلامي بغرض الاساءة للمملكة وتشويه سمعتها. وللإيضاح فإن بعض النماذج النسائية السعودية في وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص لم يقدمن المجتمع السعودي كما ينبغي، بل قدمن المجتمع بصور لا تعكس واقع وطبيعة المجتمع السعودي وسمته الديني وأصالته العربية. بعض ما قُدم خادش للحياء ومرفوض تماماً وكل ذلك بغرض زيادة أعداد المتابعين والحصول على المال. هذا ليس تحاملاً على المرأة السعودية التي ولجت مجال السوشيال ميديا فهناك أيضاً نماذج رجالية غاية في السوء قدموا ويقدمون محتوى سيء وغير مقبول. سيقول البعض أن هناك الكثير من النماذج الجيدة وهذا صحيح، الا أن النماذج السيئة التي تخرج عن الخط العام هي التي يكتب لها الشهرة وهي التي تطفو على السطح لتطغى في شهرتها على الجيد.

المادة أو المحتوى الذي تقدمه بعض السعوديات في وسائل التواصل الاجتماعي بحاجة إلى دراسة معمقة، فهو في الغالب يدور حول علاقة الرجل بالمرأة والزواج والطلاق مع ميل شديد لتبغيض الزواج وتكوين أسرة وذم الرجل بالقول إن الزواج قيد ويكبل المرأة وبالتالي عليها أن تعتمد على ذاتها في مواجهة الحياة من خلال العمل والكسب وكأن الرجل غير مكلف شرعاً وعرفاً بالإنفاق على أفراد أسرته. هذه الثيمة تتكرر كثيراً وبعدة طرق تقدمها فتيات جميلات يوصفن بأنهن خارجات عن المألوف سواء في طريقة لبسهن أو كمية الماكياج والمساحيق التي يضعن على وجوههن. وبسبب شهرتهن فإنه يتم استغلالهن في الاعلان التجاري عن منتجات وأنماط عيش لا تستطيع توفيرها كثير من الأسر وخاصة الأسر متوسطة الدخل.

والأمر لا يخلو من “عنف رمزي” يتمثل في استخدام المرأة للترويج لسلع ربما يصعب على الكثيرات توفيرها مما يزيد من نزعة الاستهلاك التفاخري وانعكاسه على الأسرة. كثير من الاعلانات ذكية وغير مباشرة، لكن مفعولها سلبي؛ فهي ترسخ ممارسات مستحدثة لا تتوافق مع الثقافة السائدة ونمط الاستهلاك التقليدي.

  • التشريعات المنظمة لاستخدامات وسائل التواصل الاجتماعي.

توجد العديد من الأنظمة (القوانين) المتعلقة باستخدام تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي في السعودية، ومن بينها نظام حماية البيانات الشخصية لحماية خصوصية المستخدمين والبيانات الحساسة، وأيضاً نظام الجرائم الإلكترونية الذي يحتوي على العديد من البنود التي تتعلق بتطبيقات التواصل الاجتماعي، ومنها:

  • تجريم نشر أو توزيع أو إعادة نشر أو تحميل أو إرسال أو استقبال أي محتوى يخدش الحياء العام، أو يخدش الذوق العام، أو يتضمن إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  • تجريم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة الفتنة بين المواطنين، أو لإثارة الفتنة بين الدول، أو لإثارة الفتنة بين المسلمين وغير المسلمين.

لكن من الجدير بالذكر أن منصات التواصل الاجتماعي نفسها هي منتجات لشركات أمريكية تطبق عليها قوانين أمريكية وليست سعودية وهذا يحد من السلطات القضائية عليها.

لكن يلاحظ أن هذه القوانين تنطبق على المستخدمين في المملكة، بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان تواجدهم. وليس على الشركات المشغلة أو المالكة للتطبيقات.

ويمكن لشركات التواصل الاجتماعي مشاركة بيانات المستخدمين مع الحكومة في بعض الحالات. ومع ذلك، فإن هذه الشركات تتبع سياسات صارمة لحماية خصوصية المستخدمين وتطبيق القوانين المحلية والدولية، مع مراعاة أن هذه السياسات تختلف من شركة إلى أخرى.

  •  آليات ضبط تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع السعودي.

تعكس بيانات استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة مؤشرات على ارتفاع نسبة الاستخدام بشكل ملفت للنظر، والتحليل الاجتماعي يصف عمق التأثير على منظومة القيم الدينية والاخلاقية والاجتماعية، والانعكاسات السلبية على استقرار الأسرة والمجتمع والعلاقات بين المرأة والرجل، وبين المستثمر والمستهلك، وبين الآباء والأمهات والأطفال؛ وكأن ما يحدث هو عملية مسح للذاكرة الجماعية وللهوية الثقافية والوطنية.

وبالرغم من أن التجديد ضرورة لمواكبة التقدم الحضاري، إلا أن ما يحدث هو أشبه بالتجريد لا التجديد، ومن ثم يصبح السؤال الهام: كيف يمكن مواجهة هذا التيار الكاسح؟ هل الأنظمة والقوانين القائمة حاليًا كافية؟ أين أوجه الخلل؟ وكيف يمكن تطويرها لتحقيق الأمان المطلوب؟

وفي تصور البعض فإن اللوائح المستخدمة في هيئة الإعلام المرئي والمسموع مازالت فضفاضة وغير مفعله كما يجب، ومازال التطاول والتجاوز على مرأى ومسمع الجميع، ما يدفع إلى التساؤل: ما هو اختصاص كل من وزارة الإعلام والمحاكم تجاه المتجاوزين تجاه الوطن والمجتمع بشكل عام؟

وعلى الرغم من التأكيد على أهمية الأنظمة واللوائح القانونية المتعلقة بضبط تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي؛ إلا أن القوانين والتشريعات لا تكفي لوحدها لفرض الاستخدام المثالي لمواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد استخدامها تجارياً وثقافياً وإعلامياً ورياضياً على نطاق واسع، فبجانب القوانين هنالك التوعية والحماية الوقائية والاخلاقيات والحوكمة وأيضاً ضرورة التنسيق والتكامل بين مختلف القطاعات ذات العلاقة في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلي تفعيل دور الرقابة والاشراف وتسهيل واختصار اجراءات الشكاوى والتحقيق والمحاكمة وتفعيل العقوبات النظامية.

ومن المهم أن نعترف أن لدينا مشكلة بل مشكلات مع وسائل التواصل الاجتماعي وعلينا مواجهتها. كما أن من الضروري استهداف الجيل الجديد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المفضلة لديهم بإغراقها بحملات مكثفة للمحتوى الهادف من أخلاق إسلامية معتدلة وتربوية صالحة وتعزيز القيم والعادات السعودية.

كما أن من المفترض أن يعد ما يتم عرضه على شبكات التواصل الاجتماعي من سخف واستهتار بالقيم والاخلاق وتشويه لصورة المجتمع السعودي من قبل بعض الفتيات وكذلك الشباب، صورة من صور الجرائم المعلوماتية ويتم العقاب عليها بالسجن والغرامة لأنها تجاوزت الحرية المنضبطة، ولعله حان الوقت للتشديد على تلك التصرفات والتعامل معها بحملة تشبه ما تم التعامل مع مستخدمي المخدرات منذ وقت قريب.

وفي الوقت الحالي أصبح من المهم العمل على طرح الافكار والحلول التي تعالج السلبيات التي أصبح تأثيرها واضح على الأسرة وخصوصاً على أفرادها من الشباب بنين وبنات خاصةً بعد انتشار التك توك وما يقدمه من هدم للأخلاق والقيم التي يفترض أن يتربى عليها الأطفال والشباب داخل الأسرة في مرحلة تنشئتهم وشبابهم. فمؤسسات التربية والتعليم والأسرة تبني وهذه الوسائل تهدم؛ لذلك على الأسرة دور كبير ولكن هل لديها القدرة على مواجهة هذا التيار القوى؟ علينا أن نفكر في حلول ابداعية ابتكارية غير تقليدية، فهل الحجب للتوك توك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي ذات الأثر السلبي هو الحل؟ أو هل عدم تمكين الأطفال من استخدام الهاتف النقال نهائياً؟

ومما لا شك فيه أن الآثار الإيجابية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا تعد ولا تحصى، ولكن الآثار السلبية أصبحت واضحة وطاغية. بالنسبة للأسرة تحاول محاولاتها لكن هناك فجوة كبيرة بين ما يعرفه الوالدان – في كثير من الأحيان- وما يعرفه أولادهما عن وسائل التواصل الاجتماعي وكل استخدامات الانترنت، هذه الفجوة بسبب سرعة نمو هذا المجال وتطوره بطريقة تفوق سرعة متابعة كثير من الآباء، هذه مشكلة مهمة تقف عقبة أمام التربية.

ولذا لابد أن نمكن من الأساليب التربوية وأن نزود الوالدين بما هو مهم أيضاً من المعلومات في هذا المجال، والتصور أنه لابد من تدخل الدولة لحماية الأطفال ليس بالقوانين فقط ولكن بالتوعية واتخاذ خطوات منع مناسبة قد نكون في حاجة لها لحماية الأطفال خاصة صغارهم، حيث تشير التقارير إلى أن ملايين الأطفال أقل من التاسعة من العمر يستخدمون الانترنت.

وفي ذات السياق لابد من الاعتراف أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو تيار جارف يصعب ايقافه أو الحد منه طالما توفرت للصغار هذه الأجهزة الذكية التي أصبحت ركناً من حياتهم. ولو حاول أحد الوالدين منع ابنه أو ابنته من امتلاك جهاز ذكي فإن ذلك سيعد نوعاً من “العنف الأسري” (الحرمان) طالما رأى الابن أن اقرانه وابناء اقاربه يمتلكون أجهزة ذكية. يستطيعون بهذه الأجهزة تحميل جميع التطبيقات والبرامج التي يفضلون مشاهدتها أو التعامل معها. وفيما لو حاول أحد الوالدين فحص جهاز ابنه أو ابنته بغرض التأكد ماذا يشاهدون فإن ذلك سيدخل تحت ما يسمى “انتهاك الخصوصية”.

والمؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي بلاشك لها دورًا في تحقيق الكثير من الفوائد؛ من أهمها باختصار، أنها تجعل الحياة والعلاقات سهلة، وتوفر المعلومات ببساطة. لكن على الرغم من إيجابياتها الكثيرة وفوائدها العديدة، إلا أنها كذلك أثرت وبطريقة سلبية على التواصل بين أفراد الأسرة والمجتمع؛ فمواقع التواصل الاجتماعي كشفت لنا كثير من الغموض والسطحية الذي يتضح في محتوى بعض الشخصيات، ومدى التناقض لديهم؛ سواء على مستوى الأسرة أو الأصدقاء أو المجتمع.  ومع انتشار الكثير من السخافات والسلبية المفرطة وتداولها بهذه المواقع، أصبحنا نفقد الكثيرين من الأصدقاء فيها، ونخلق فجوة كبيرة للتقارب والتعارف، فأصبحت هذه المواقع بدلًا عن كونها مواقع للتواصل أصبحت مواقعَ للتباعد!

ولأن التجديد مطلوب من الأسرة في أسلوب التربية اللازم إتباعه مع أبناءها، نجد أنه من المهم أن نذكر دومًا بدور الأسرة الهام والمتجدد في تربية الأبناء الوطنية؛ فهي اللبنة الأولى لبناء الأبناء، وتحصينهم بحب الوطن والانتماء إليه واحترامه، وغرس حبه في قلوبهم منذ الصغر، شريطة أن يكون الوالدان قدوة لهم في حب الوطن والذود عنه في حساباتهم الشخصية وحريصين على تعلم تاريخه وتعليمه لهم ولمتابعينهم، ووصف الوطن بأجمل العبارات، والمشاركة في أحزانه قبل أفراحه، والظهور بمظهر سوي لائق بالجنسية السعودية في مختلف وسائل التواصل.  وأيضاً من خلال تنبيههم بعدم الانسياق خلف بعض الحسابات المشبوهة (تدعي الوطنية) التي تسعى لتجنيدهم لصالحهم باستغلال عدد متابعيهم.

ومن جهة أخرى ولأن مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي تشكل الملامح الأساسية لشخصية الأبناء، يجب أن يكون دور الأسرة أكثر وضوحًا في جانب أساسي ومهم في حياة أبناءهم؛ لتعليمهم المهارات الحياتية والاجتماعية المختلفة وعدم تركهم لاكتسابها فقط من الأقران أو من وسائل التواصل المختلفة؛ كون الأسرة هي المدرسة الحقيقية للاهتمام بهذه المهارات وتُعتبر من أهم أولوياتها، ومطلبًا ملحًا بسبب ما نشاهده من تغيرات سريعة في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي مست كل جوانب الحياة. والتي جعلت من الفاشل دراسيًا مليونير، ومن الشخص غير المؤهل (رجلًا أو امرأة) قدوةً في تقديم النصائح والاستشارات الأسرية والنفسية، وجعلت من المهرج مشهورًا، ومن المجرب طبيبًا، وجعلت كثير من الأشخاص مقتنعين بسهولة الحصول على المال الوفير دون الحاجة لإكمال دراستهم والتحصن بالعلوم والمعارف أسوة بغيرهم من مشاهير هذه الوسائل!! وجعلت كذلك كثير من مشهورات هذه الوسائل، يفضلن الانفصال عن أزواجهن، في سبيل البقاء في حياة جديدة منعمة بالثراء الفاحش تتخللها كثير من السفريات والأضواء واللقاءات التلفزيونية.  ولن يكون ذلك إلا بتشجيع الأبناء بحب، وحثهم على التفكير قبل شراء كل ما يعلن عنه في هذه الوسائل، وعدم تصديق كل ما يقال أو ينشر فيها.  والبحث والتقصي قبل التجربة والوقوع في الخطأ.  والحرص على الاستقرار الأسري. والبحث الدائم عن أي حلول مجدية لأي تحديات تواجههم في حياتهم اليومية من شخص خبير قبل سماع نصيحة شخص غير مؤهل يختفي خلف حساب مشبوه، والتحلي بدرجة كبيرة من الفهم والوعي والإدراك عند استخدام تلك الوسائل.

كما يجب على الجهات المسؤولة التشديد بتطبيق الأنظمة والتعليمات العاجلة بعدم السماح لأي شخص بتداول ما لا يعرفه أو أن يفتي في غير تخصصه، وألا يساعد على انتشار الكثير من الإشاعات والسخافات والمغالطات، من خلال نشر معلومة أو خبر غير متيقن من صحته؛ فالبعض من المتابعين له – خصوصًا الأطفال والمراهقين وصغار العقل- يتأثرون بهذه الأخبار والمعلومات؛ الأمر الذي قد يبنى عليه كثير من الخلافات والمشكلات تصل أحياًنا لدرجة التباعد بين الأطراف والأزواج، أو تنكر وهروب الشاب أو الشابة من الأهل وهدم كثير من العلاقات الأسرية والمجتمعية.

ولا شك أن لأي تقنية جديدة مخاطرها المحتملة ولهذا من الحكمة التعامل معها بحرص. وبحكم أن وسائل التواصل الاجتماعي هي جزء من منظومة تقنية الحاسوب وما يرتبط بها من مجالات الذكاء الاصطناعي ولهذا ينبغي كذلك (الترشيد) في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تلك.

ومن المهم استثمار إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم قرية أصغر ومكنت شباب المملكة من التواصل مع العالم القريب منهم والعالم الأبعد والأشمل. واستطاع الشياب السعودي الدفاع عن المملكة في قضايا خلاف وكذلك نشر صور ايجابية عن السعودية، كذلك مكنت منصات التواصل الاجتماعي لضيوف المملكة من نقل صورة حقيقية عن المجتمع السعودي وعن مجالات السياحة فيه.  كما يجب أن نجتهد أكثر في بناء قوانين التعامل مع هذه التطبيقات بشكل يناسب طبيعتها، والتواصل مع الشركات المنتجة لهذه الأنظمة في محاولة لضبط النشاطات السلبية.

ويبقى التعويل على تحصين المجتمع وحماية (منظومة القيم فيه) بغرس العادات والتقاليد الحميدة وتعزيز منظومة القيم الإيجابية لدى أفراد المجتمع خاصة النشء، حتى لا يتسلل إليهم كل معيب وغريب؛ فتضعف مناعتهم ومقاومتهم أمام كل جديد ودخيل. بجانب العمل على تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للعاطلين عن العمل. ووجود القوانين والتشريعات الضابطة والرادعة لنشر أي محتوى، وكلها عوامل ستكون لها أثر إيجابي كبير على صانع المحتوى والمشاهد والمعلن. والمسؤولية في ذلك تكاملية، تتشارك بها كافة المؤسسات المعنية، بدايةً من الأسرة ومرورًا بالمنظومة التعليمية والإعلام والمؤسسة الدينية. ونهايةً ببقية مؤسسات التنشئة والجهات المخولة بمراقبة وضبط ما ينشر ويبث في وسائل التواصل المختلفة.

لكن يجب التنبه إلى أن الأسرة تعاني كثيراً ولم تعد أسرة اليوم قادرة على القيام بأدوارها كما ينبغي وذلك بسبب التحولات السريعة التي طالت مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في السنوات الاخيرة. لعل اوضح مثال على ذلك صراع الادوار عند الام؛ فهي زوجة وعاملة وربة بيت مما القى عليها بعبء كبير أثر على دورها التربوي والامومي واحتكاكها بالأبناء الذي تقلص إلى عدد محدود من الساعات.  المرأة اليوم تعمل في معظم المهن تقريباً وهي نقلة مهمة بقدر ما لها من ايجابيات الا انها اثرت على الدور الامومي للمرأة على وجه الخصوص. وليس الامر كذلك بل إن نسب الطلاق زادت وأيضاً حسب الاحصاءات الرسمية فمن عشر حالات زواج ثلاث منها تنتهي بالفشل، وهي نسبة مقلقة ومؤثرة على بنية الأسرة يعاني من جراءها الطرفين المرأة والرجل ويترتب عليها معاناة الابناء والأسرة عموماً. اما الرجل أو الزوج فقد القى بمسؤولية تربية الابناء على المدرسة اعتقاداً منه بأنها ستقوم بالدور نيابة عنه في حين أن دور المدرسة أصبح محدوداً للغاية في ظل القوانين والأنظمة التي تحد من عقوبة التلاميذ حتى لو كان العقاب توبيخاً؛ الأمر الذي ترتب عليه نشوء جيل ينقصه الكثير من التهذيب والمهارات الحياتية. المدرسة ليست قادرة على سد الفراغ بل وليس مطلوباً منها ذلك وبالتالي فالأسرة تعاني كثيراً وجزء كبير من وظائفها قد تحول إلى جهات اخرى.

وما نحن بحاجة اليه في اعتقاد البعض هو اعادة النظر في قوانين الأسرة ودور الوالدين وعلاقتهم بأبنائهم بغرض تعزيز ادوارهما وان لا تكون تنظيمات الاحوال الشخصية غير منسجمة مع وظيفة الأسرة. كما يلزم اعطاء المدارس صلاحيات كافية لتهذيب الجيل بعيداً عن التعسف. فمدارس اليوم عاجزة إلى حد بعيد عن القيام بالعملية التربوية وكل ما تقوم به هو تعليم وحشو عقول الناشئة بالمعلومات مع غياب شبه كامل للتربية كأسلوب حياة.

ولعل الدراسة المتكاملة بين المؤسسات الأكاديمية المختلفة، والمتعمقة بعيّناتها الممثلة على مستوى الوطن وشمولها لأغلب فئات الشباب ورصدها لأهم وأبرز نواتج تعاملاتهم مع وسائل التواصل، ستؤدي في الغالب إلى نتائج إيجابية يمكن أن تُفيد صنّاع القرار في اتخاذ الإجراءات المؤمّل مساهمتها في التخفيف من الآثار السلبية لتلك المواقع على منظومة القيم بالذات وتعزيز الإيجابية من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وتبقى وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر مغريات الحياة التي وصلت إلى حد الإفراط في استخدامها وهذا يعد من أكبر مساوئها ورغم ذلك فهي ليست سيئة بالكامل فهي أساسية في تحقيق أهداف مختلفة بدرجات متفاوتة ولهذا يقترح البعض فرض رقابة وضوابط الكترونية تقنية تساند الضوابط الأسرية والاجتماعية لمستخدمي التقنيات الحديثة كأمر في غاية الأهمية مع ابتكار مبادرات شبابية حول كيفية الاستخدام الأمثل لتلك التقنية، وتشجيع البرامج والنظم التقنية للمصممين العرب والمسلمين الذين قد يقدمونها بهوية اجتماعية ودينية واجتماعية هادفة وبمعايير تخدم القيم الإنسانية والدينية والاجتماعية، مع اعتماد دورات تدريبية للمربين حول كيفية الاستخدام الأمثل لتلك الوسائل ونشر الوعي الرقمي لها بعد اقتراح واعتماد جهة علمية تكنولوجية تقوم على مراجعة ما يمكن استخدامه من برامج ومدى توافقه مع ثقافتنا الدينية والاجتماعية.

 

  • التوصيات
  • دراسة اللوائح التنظيمية لأنظمة الإعلام المرئي والمسموع، للتحقق من مناسبتها وكفايتها لرقابة وضبط المحتوى الإعلامي.
  • مراقبة تنفيذ اللوائح التنظيمية، ومتابعة تطبيق العقوبات والجزاءات على المخالفات.
  • سن الأنظمة والقوانين لوضع الضوابط المنظمة لعمل المشاهير والمؤثرين.
  • الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في ضبط المؤثرات الخارجية المنتشرة عالميًا على المنصات، مثل تيك توك والانستجرام وسناب شات وغيرها، من خلال وضع السياسات وفرض الضوابط على الجهات المنتجة لها لضمان خضوع استخدامها للسياسات المحلية.
  • تفعيل دور الجامعات والمراكز البحثية في دراسة المشكلات والآثار السلبية الناتجة عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وابتكار الحلول والبدائل.
  • تمكين الأسرة ودعمها في مواجهة تحديات التربية في العصر الرقمي.
  • تمكين الأطفال من حماية أنفسهم من مخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت.
  • العمل الجاد والمؤسسي من قبل الوزارات والهيئات التعليمية والثقافية والإعلامية على تعزيز الهوية العربية الإسلامية والوطنية، من خلال تكثيف تقديم البرامج والمعلومات والأنشطة التي تجسد ثقافة وتاريخ الأمة العربية والإسلامية، بأسلوب مبتكر يتماشى مع ثقافة الجيل الجديد.
  • العمل على تضافر الجهود التي تعزز من التوعية بسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجب على الجهات المعنية بشؤون الأسرة نشر الوعي بأهمية التماسك الأسري والحرص على فتح قنوات الحوار مع الأبناء بشكل مستمر.
  • ضرورة التواجد الفاعل للأجهزة الحكومية وغير الحكومية على شبكات التواصل للردّ على الاستفسارات وإيضاح الحقائق والردّ على الشائعات وتفنيد الأكاذيب والأخبار الزائفة.
  • تكاتف الجهود لتفعيل المبادرة التي أطلقها ولي العهد حفظه الله لحماية الأطفال في فضاء العالم السيبراني.
  • اعتماد هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان استراتيجية لحماية المواطنين والأطفال خاصة من سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، تغطي هذه الاستراتيجية مختلف مستويات الحماية، البحث واقتراح الأنظمة والتوعية.
  • تبنّي مقترح السياسة التي قدمها ملتقى أسبار في قمة العشرين التي عقدت في المملكة بخصوص (تقوية الاتفاق بشأن حقوق الطفل: حوكمة العالم الرقمي للأطفال).
  • إنشاء منصات وتطبيقات وطنية سعودية، يمكن التحكم في محتواها وتقنين استخدامها، لتوفير بدائل للطفل والأسرة بحيث توازي جاذبية المنصات الأجنبية، مثل تيك توك وغيرها.

 

  • المصادر والمراجع
  • المختن، عبيد صالح حسن. (2020). دور وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق الأمن المجتمعي: دراسة ميدانية. الفكر الشرطي، مج 29، ع 112، 19-70.
  • العريشي، جبريل حسن، والدوسري، سلمى بنت عبدالرحمن بن محمد. (2015). أثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على القيم والأمن الفكري لديهم: دراسة ميدانية وصفية مطبقة على طلاب وطالبات الجامعات السعودية. مجلة دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية، ع 38، ج 17، 3346- 3273.
  • رقية، أهجو. (2016). وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على زعزعة الأمن الفكري. مجلة الأطروحة للعلوم الإنسانية، س 1، ع 1، 45-54.
  • العلوصي، علاء رأفت. (2019). تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن الفكري لدى طلاب الكلية الجامعية بحقل. المجلة الدولية للعلوم التربوية والنفسية، ع 33، 288-320.
  • فيوداتا VEODATA: نظرة شاملة حول واقع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية لعام 2022، الطبعة الأولى، 2023.
  • الوادعي، مسفر أحمد بن مسفر آل عاطف. (2016). وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأمن الفكري من وجهة نظر طلبة المرحلة الثانوية ومعلمي العلوم الشرعية بمنطقة عسير. مجلة التربية، ع 171، ج 3، 12-69.
  • المسعود، فوزية عبيد. (2021). دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز القيم الاجتماعية لدى طلبة كلية التربية بجامعة الكويت. المجلة التربوية، مج 36، ع 141، 11-40.
  • نوادري، فريدة. (2020). وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على القيم الاجتماعية: المجتمع الجزائري نموذجا. المجلة العلمية للتكنولوجيا وعلوم الإعاقة، مج 2، ع 2، 148 – 162.
  • البكار، عاصم محمد عبدالقادر. (2017). استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على القيم في الأسرة الأردنية: دراسة اجتماعية ميدانية. مجلة كلية الآداب، مج 77، ج 7، 161 – 217.

 

 

 

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي
  • التعقيب الأول: د. طلحة فدعق
  • التعقيب الثاني: أ. د. مجيدة الناجم
  • إدارة الحوار: د. هند الخليفة
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. خالد الرديعان
  • أ. فايزة العجروش
  • أ. فهد الأحمري
  • د. محمد الثقفي
  • أ. عبدالله الضويحي
  • د. وفاء طيبة
  • د. عبدالعزيز الحرقان
  • د. عبدالاله الصالح
  • د. صالحة الشويل
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. أحمد الغامدي
  • د. خالد المنصور
  • د. خالد الثبيتي
  • أ. لاحم الناصر
  • د. محمد المقصودي
  • أ. أحمد المحيميد
  • د. خالد بن دهيش
  • د. مها العيدان
  • د. مساعد المحيا
  • أ. هناء الفريح
  • أ. مها عقيل

 

 

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa