للاطلاع على التقرير وتحميله اضغط هنا
يونيو 2023
تقرير رقم (106)
أثر التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية وتكامل الثقافات
(19/6/ 2023 م)
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يونيو 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: أثر التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية وتكامل الثقافات، وأعد ورقتها الرئيسة أ. علاء براده، وعقب عليها كلاً من د. منصور المطيري، د. فوزية أبو خالد، د. عفاف الأنسي وأدار الحوار حولها أ. خالد آل دغيم.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي.
- الورقة الرئيسة: أ. علاء براده
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. منصور المطيري
- التعقيب الثاني: د. فوزية أبو خالد
- التعقيب الثالث: د. عفاف الأنسي
- إدارة الحوار: أ. خالد آل دغيم
- المداخلات حول القضية
- التعريف بالتنوع الثقافي وما يقترن به من إيجابيات.
- المخاوف المرتبطة بالتنوع الثقافي.
- واقع التنوع الثقافي في المملكة العربية السعودية وجهودها للإفادة منه.
- الثقافة والهوية في ضوء تجربة أهل الزبير كنموذج مجتمعي سعودي.
- آليات الإفادة من التنوع الثقافي في تعزيز التنمية والتكامل.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي.
تناولت هذه القضية أثر التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية وتكامل الثقافات، وأشار أ. علاء براده في الورقة الرئيسة إلى أنه مع تسارع التقنية بشكل لافت خلال العقود الأخيرة يستطيع المراقب ملاحظة أثر ذلك الواضح على القطاع الثقافي. كما تفتح العولمة ووسائل التواصل الحديثة المجال للاحتكاك بين الثقافات، وهذا الاحتكاك يشكل فرصة للاستكشاف المتبادل لما هو مشترك بين هذه الثقافات. حينما يتم استكشاف هذه الخصائص المشتركة، فإن ذلك يساهم في زيادة التفاهم والتقارب الثقافي وتخفيف الخلافات بين مختلف الثقافات؛ لكن في السياق ذاته تعتبر النزاعات الثقافية والعنصرية من أكثر الظواهر المؤثرة على التنمية المجتمعية وتكامل الثقافات. وتتسبب هذه النزاعات في تدمير العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتحد من قدرتهم على تطوير المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار.
بينما أكَّد د. منصور المطيري في التعقيب الأول على أن التنوع الثقافي أحد محركات الحضارات وأحد مدمراتها. وذلك بحسب المسار الذي يسلكه الفعل البشري. وفي عالمنا المعاصر انفتح باب التواصل على مصراعيه، والحرب الثقافية في نفس الوقت على أشدها. ولقد أتيحت أدوات التبادل والتأثير بشكل غير مسبوق. وسيكون التأثير لأهل لثقافة الحية الواعية.
في حين ذكرت د. فوزية أبو خالد في التعقيب الثاني أن تناول تأثير التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية في المجتمع السعودي يقع في صلب سؤال التحولات الجارية اليوم على أرض المملكة. فمجتمعنا السعودي اليوم يعيش عدداً من أشكال التنوع من التنوع العمري بين الأجيال بما يخلق تنوعاً ثقافياً بين حكمة أصحاب الخبرة وبين تطلع وشغف الشباب إلى تنوع الفكر والتنوع الثقافي القائم، وذلك الذي سينتج عن الانفتاح “الحضوري” الواسع وليس فقط الافتراضي الذي يجعل المملكة اليوم واحدة من أكثر البلاد العربية استعداداً لاستقبال الوافدين زائرين مستثمرين فضوليين مريدين، علماء فنانين محترفين وهواة من مختلف قارات العالم وبلدانه، بما قد تحمله معها تلك الوفود في إقامتها القصيرة أو الطويلة من تنوعات ثقافية لا محالة.
وأوضحت د. عفاف الأنسي في التعقيب الثالث أن مصطلح التكامل الثقافي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمصطلح التنوع الثقافي، لأنه غالبًا ما يكون استجابة أو نتيجة للتنوع الثقافي ووجود ثقافات متنوعة داخل المجتمع. ويمكن النظر إلى التكامل الثقافي على أنه طريقة لإدارة التنوع الثقافي والتنقل فيه في المجتمع. حيث يعزز التفاعل والتفاهم والاحترام المتبادل بين المجموعات الثقافية المختلفة، كما يعزز الشعور بالهوية المشتركة والتعايش، ويسمح للأفراد من ثقافات مختلفة بالتعلم من بعضهم البعض وتبادل الأفكار والتعاون.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- التعريف بالتنوع الثقافي وما يقترن به من إيجابيات.
- المخاوف المرتبطة بالتنوع الثقافي.
- واقع التنوع الثقافي في المملكة العربية السعودية وجهودها للإفادة منه.
- الثقافة والهوية في ضوء تجربة أهل الزبير كنموذج مجتمعي سعودي.
- آليات الإفادة من التنوع الثقافي في تعزيز التنمية والتكامل.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- الموازنة بين الانفتاح على الثقافات العالمية والحفاظ على الهوية الثقافية المحلية واحترامها والحفاظ على التراث والتقاليد.
- احترام مختلف العادات والتقاليد الثقافية. والتي لا تُشكل تهديداً للهوية الثقافية المحلية وتجنب فرض القيم أو الأعراف الثقافية على الآخرين.
- تشجيع الحوار والتفاهم بين الثقافات وتوفير الفرص للشباب للتعرف على الثقافات الأخرى من خلال الفعاليات الثقافية والأنشطة المجتمعية.
- التأكيد على التعليم والتوعية وإعطاء الأولوية للتعليم في مبادرات بناء الوعي حول موضوع التنوع الثقافي، وتشجيع التعرف على الثقافات المختلفة.
- التأكيد على دور الأسرة في تعليم التعاطف والاحترام للثقافات المختلفة منذ سن مبكرة لتعزيز تفهم الآخر والتعايش معه.
- تشجيع التجارب الثقافية التي ساهمت في التقدم الإنساني.
- الورقة الرئيسة: أ. علاء براده
تمهيد
مع تسارع التقنية بشكل لافت خلال العقود الأخيرة يستطيع المراقب ملاحظة أثر ذلك الواضح على القطاع الثقافي. يكفي أن تتوقف لعدة ساعات في أحد مطارات المدن الكبرى لتلاحظ هذا المزيج العجيب من الثقافات والأعراق المختلفة في مزيج عجيب يعمل على إذابة الكثير من الحواجز. ورغم أن هذا التواصل الناتج عن التنوع الثقافي في حقيقة الأمر تأتي معه سلبيات غير محمودة نابعة من انسلاخ بعض الفئات من هويتهم الأصيلة مع أول تيار عابر، فينجرفون معه، إلا أن النتائج الإيجابية والمحاسن التي يعيش الجميع أثرها اليوم لهذا التنوع الثقافي تستحق أن نعمل جميعاً على تعزيزها، لا سيما في جوانب تلامس حياة جميع أفراد المجتمع كالتنمية المجتمعية.
في دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، يتجلى التنوع الثقافي والعرقي بشكل لافت في أهم المدن الإماراتية، وهو ما يعكس الروح الوحدوية للمجتمع، حيث يتعايش الأشخاص من مختلف الثقافات والخلفيات العرقية بسلام واحترام. وتعتبر هذه الخصوصية من المزايا التي تميّز دولة الإمارات وهو الأمر الذي ظهر بوضوح مع العمل الدؤوب في سبيل النهضة التنموية للبلاد مع بداية الألفية الجديدة. يمثل هذا التنوع الثقافي نموذجاً للتعايش السلمي بين المجتمعات المتعددة، كما أنه يوفر فرصة لتبادل الثقافات والعادات والتقاليد والمعارف من خلال التعلم والتفاعل المتبادل. وبالإضافة إلى ذلك، يساعد التنوع الثقافي في تعزيز التطور الاقتصادي والاجتماعي، حيث تؤدي المهارات الجديدة والمنهجيات والتقنيات إلى توفر فرص عمل جديدة وتحسين الخدمات المتاحة للأفراد. هذا التنوع الثقافي بالنسبة لدولة مثل الإمارات العربية المتحدة يمثل شخصية الدولة على المستوى العالمي، ويشير إلى روح التعاون بين جميع أفراد المجتمع.
كما يعتبر التنوع الثقافي في الإمارات موردًا قيمًا في التنمية المجتمعية، حيث قدم الأشخاص الذين استقروا في الدولة خبرات متنوعة وثقافات مختلفة الأفكار والمعارف والتقنيات والأساليب الجديدة إلى الدولة. وبالتالي فإن المهارات الجديدة والمنهجيات يتم تبادلها وأخذها في الاعتبار لغرض النمو والتعافي الاقتصادي والاجتماعي، وهي تُشجّع التعلم الدائم والتطوير المستمر للأفراد والمؤسسات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الثقافات المتنوعة في الإمارات العربية المتحدة تساعد على تشجيع الابتكار وتوسيع نطاق الإبداع، وتساعد على تحسين التفاعل الاجتماعي، حيث يمكن للمواطنين المشاركة في الحياة الاجتماعية التي تضم شتى الثقافات والعادات مما يعزز الهوية الوطنية والوحدة بين جميع المواطنين.
وفي دولة مثل سنغافورة التي تضم ملايين الأشخاص من جنسيات وثقافات مختلفة، فإن الحكومة تعزز هذا التعدد الثقافي من خلال التأكيد على التعايش المتبادل والاحترام الثقافي، وكذلك التشجيع على التعلم والتحدث بلغات مختلفة. وتأتي تلك السياسات بثمارها في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، حيث تعتبر سنغافورة واحدة من أفضل دول البلاد التي يمكن فيها العيش والعمل في العالم.
أما تجربة نيوزيلندا مع التنوع الثقافي تظهر بشكل جلي مع تزايد عدد المهاجرين إلى البلاد لغرض العمل أو الدراسة. وفي البداية، كانت نيوزيلندا تعتبر بلدًا بيضاء البشرة وثقافة واحدة، ولكن مع الزيادة في عدد الهجرة، اختلف الوضع. وبدأت الحكومة النيوزيلاندية بتطوير البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز التفاعلات الثقافية والحوار البنَّاء بين الجاليات المختلفة. وتعزى الأسباب لتغيير المشهد الثقافي في البلاد إلى برامج الهجرة والتحركات اللوجستية التي تهدف إلى تسهيل الوصول للوافدين الجدد ودمجهم بشكل كامل. ومع تطور الوضع، بدأت نيوزيلندا في إصدار العديد من السياسات والبرامج لتشجيع التنوع الثقافي وتسهيل التفاعل بالنسبة لمختلف الشرائح في المجتمع.
الدور الأسري والتعليمي في الترويج للتكامل الثقافي
يتطلب دعم التنوع الثقافي والتكامل بين المجتمعات مشاركة الآباء والأمهات والمجتمع التعليمي بأكمله. ويلعب الدور الأسري والتعليمي دوراً حاسماً في ترويج التكامل الثقافي في المجتمع، حيث يستطيعون تشكيل ثقافة تمتد إلى المجتمعات المختلفة في نطاق معين. وتُجسِّد الأسرة التحدي في تحقيق التكامل الثقافي، حيث يمكن أن يشهد الفرد تمييزاً ضد إحدى الجاليات داخل الأسرة على سبيل المثال، كما يمكن أن يقع الفرد ضحية ما نراه من تعصب ممقوت ضد ثقافة معينة. ومن هذا المنطلق، يجب على الأسر توفير بيئة يتم فيها تشجيع التكامل الثقافي وتعزيز الاحترام للثقافات المختلفة.
في المقابل فإنَّ تمكين الأسرة من اطلاع أولادها على الثقافات المختلفة هو الخطوة الأولى لتحقيق التكامل الثقافي. يمكن للأسر تقديم الدعم المناسب لأولادهم بدعم من الجهات الرسمية للمساعدة في زيادة الوعي بالتنوع الثقافي وقبول الاختلاف. ومن الناحية التعليمية، يتم تقديم معلومات شاملة لطلاب المدارس حول التنوع الثقافي. كما يُستخدم المقرر الدراسي لتوفير معلومات حول التقاليد والثقافات المختلفة، وتعزيز الحوار والتفاعل بين الطلاب.
ومن الناحية التعليمية، يتم تقديم معلومات شاملة لطلاب المدارس حول التنوع الثقافي. كما يُستخدم المقرر الدراسي لتوفير معلومات حول التقاليد والثقافات المختلفة، وتعزيز الحوار والتفاعل بين الطلاب. وعلاوة على ذلك، يمكن تضمين حملات توعوية تركز على الثقافة والتعايش السلمي المعلن في المدارس من قِبَل الجهات الناشطة في مجال التعليم. وبالتالي، يمكن تحقيق مجتمع أكثر تفاعلي واحترامًا تجاه الثقافات المختلفة والقيم التي نتبناها كأفراد في المجتمع.
تحسين الاتصال والتفاعل بين الثقافات المختلفة من خلال الأنشطة والفعاليات الثقافية المشتركة
تُعد الأنشطة والفعاليات الثقافية المشتركة وسيلة لتحقيق الاتصال والتفاعل بين الثقافات المختلفة وتطوير التفاعل الحضاري، حيث تساهم في التقريب بين الشعوب وتحقيق السلام العالمي. ولذلك، تتمثل الأنشطة والفعاليات الثقافية المشتركة في تفضيلات متنوعة تجمع بين السياحة الثقافية والتبادل الثقافي، مثل الرحلات الثقافية والفعاليات الرياضية والحفلات الموسيقية ومهرجانات الأعياد والتظاهرات الفنية والتقليدية سبيلاً لتحقيق هذه الغاية في تحسين الاتصاف.
وعندما تتم مثل هذه الفعاليات بطريقة صحيحة ويتم تنظيمها بشكل جيد، فإنها تساهم في توسيع اتساع المعرفة بالثقافات المختلفة وتُعزز الاحترام والتفاهم بينها. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه الأنشطة والفعاليات فرصة جميلة للتعارف والتواصل بين شباب الدول المختلفة، وتقديم فرصة للتعلم المتبادل والتشارك في العمل الجماعي والتفاعل بين الشباب المختلف، مما يساهم في تحسين الفجوة بين الأجيال وتغذية حوار الأجيال المختلفة وتعزيز التعاون بينها. ومن بين الأنشطة الثقافية المثمرة في تحسين الاتصال والتفاعل بين الثقافات المختلفة هي الأنشطة التي تستمد أصولها من التراث والتقاليد الجماعية للمجتمع، بشكل عام، فإن تحسين الاتصال والتفاعل بين الثقافات المختلفة هو أمر حاسم، ويساهم في تعزيز الاحترام المتبادل وترسيخ مواطن التقاء الثقافات في جميع أنحاء العالم. ولذلك، يجب أن نركز على التنسيق بين الثقافات وتنظيم الأنشطة والفعاليات الثقافية المشتركة لتحقيق هذا الهدف النبيل.
يمكن أيضاً تنظيم زيارات ثقافية، والتي يمكن أن تشمل زيارة المتاحف والمواقع الأثرية وغير ذلك، وهذا يوفر فرصة للأفراد للتعرف على ثقافات الآخرين. ونظرًا لأنّ التقنية أصبحت عنصرًا أساسيًا في حياتنا، يمكن استخدامها لتعزيز التواصل بين الثقافات المختلفة، من خلال الاجتماعات عبر الإنترنت واستخدام وسائل الاتصال الرقميّة، وهذا يفتح آفاقًا جديدة لتحسين الاتصال والتفاعل بين الأشخاص من عدة ثقافات مختلفة. وينبغي الإشارة إلى أن الأنشطة الثقافية المشتركة المنظمة بشكل صحيح وبطريقة فعّالة يمكن أن تساهم في تطوير الفرص الاجتماعية والاقتصادية، كما أنّها تعزز فهم الثقافات المختلفة، بالإضافة إلى تحسين الاتصال بين المجتمعات ذات الخلفيات الثقافية المختلفة.
إحدى الأمثلة الواقعية على تحسين التواصل والتفاعل بين الثقافات في المملكة العربية السعودية هو مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. يعد هذا المركز منصة مهمة للحوار المجتمعي والثقافي، حيث يهدف إلى تعزيز الفهم بين الثقافات ودعم التعاون بين الشعوب. ويتمتع المركز بأهمية كبيرة في تحقيق التواصل بين الثقافات، حيث يقيم العديد من الفعاليات والندوات والمؤتمرات التي تهدف إلى تعزيز الفهم والتعاون الثقافي. ويشارك في هذه الفعاليات والمؤتمرات مختلف الثقافات والأديان، مما يساهم في تعزيز الحوار والتفاهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن المركز يسعى إلى تعزيز دور المجتمع المحلي في تطوير وتحسين المجتمعات المحلية. ويعتمد ذلك من خلال تنظيم الفعاليات والندوات والبرامج التدريبية التي تعمل على تعزيز المواطنة الفاعلة وتحسين العلاقات المجتمعية. بصفته مركزًا للحوار الوطني، فإن المركز يحمل أيضاً رسالة مهمة في الدعوة إلى السلم والاستقرار في المملكة. ويركّز المركز على الحوار الذي يدعو إلى الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين جميع المواطنين والمقيمين.
استكشاف الخصائص المشتركة في الثقافات المختلفة والاستفادة منها لتعزيز التفاهم والتقارب الثقافي
تفتح العولمة ووسائل التواصل الحديثة المجال للاحتكاك بين الثقافات، وهذا الاحتكاك يشكل فرصة للاستكشاف المتبادل لما هو مشترك بين هذه الثقافات. حينما يتم استكشاف هذه الخصائص المشتركة، فإن ذلك يساهم في زيادة التفاهم والتقارب الثقافي وتخفيف الخلافات بين مختلف الثقافات.
إن تبادل الأفكار والممارسات الثقافية يؤدي إلى تعزيز قوة العلاقات الدولية وتعميق الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة. فالتعاون الثقافي يشكل قوة دافعة للتقارب بين الشعوب والترويج للتسامح والسلام في العالم. ويمكن الوصول إلى بعض الخصائص المشتركة بين الثقافات، من خلال دراسة الأساطير، والفنون، والموسيقى، والأزياء، والأطعمة، والنظم الاجتماعية. يمكن أن يحتوي التحليل العميق لهذه العناصر على معلومات هامة عن تنوع وحدّة الحضارات. نظراً لأن كل ثقافة فريدة من نوعها، فإن تفهم هذه الخصائص المشتركة المتاحة في الأسس والقيم والمبادئ الثقافية المختلفة يسمح بإنتاج خيارات أفضل للتفاعل بين الثقافات. وتعد هذه الخصائص المشتركة نقطة الانطلاق لتطوير مشاريع مشتركة يمكن أن تساعد على تعزيز التفاهم والتصالح بين الثقافات.
يمكن تقسيم الخصائص المشتركة بين الثقافات إلى عدة مجالات، مثل الأخلاق والأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية ومفهوم الجمال والفن وغيرها. فمثلاً، يمكن للأخلاق والأعراف المشتركة بين الثقافات، مثل الترحيب بالضيوف واحترام كبار السن والتكافل بين الأسر، أن تلعب دوراً مهماً في تعزيز التفاهم والتقارب الثقافي. ويمكن أن يؤدي مفهوم الجمال المشترك بين الثقافات إلى الاحترام المتبادل والتقدير بين الثقافات ويساهم في تعزيز التفاهم والتقارب الثقافي. وعلاوة على ذلك، فإن الفن والموسيقى والأدب المشترك بين الثقافات، يمكن أن تكون وسائل لإيصال رسائل مشتركة وللتعبير عن التشابه والتعاطف والاحترام المتبادل بين الثقافات. ويمكن استخدام هذه الخصائص المشتركة بين الثقافات لتحقيق أهداف مشتركة وإنشاء مشاريع مشتركة يمكن أن تساعد على تعزيز التفاهم والتصالح بين الثقافات وتعزيز الوعي الثقافي والتعاون الدولي.
توصيف النزاعات الثقافية والعنصرية وتأثيرها على التنمية المجتمعية وتكامل الثقافات
تعتبر النزاعات الثقافية والعنصرية من أكثر الظواهر المؤثرة على التنمية المجتمعية وتكامل الثقافات. وتتسبب هذه النزاعات في تدمير العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتحد من قدرتهم على تطوير المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار.
وتتجلى آثار النزاعات الثقافية والعنصرية على التنمية المجتمعية في عدة أشكال، ومن أبرزها:
- تقليل الفرص الاقتصادية: ففي المجتمعات التي تعاني من النزاعات الثقافية والعنصرية، يصبح من الصعب للأفراد الحصول على فرص العمل أو الاستثمار لأنهم يتعرضون للتمييز والاستبعاد.
- تدمير العلاقات الاجتماعية: يؤدي تدهور العلاقات الاجتماعية إلى تدهور العديد من المؤسسات المجتمعية مثل المدارس والمستشفيات والحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية والشركات الصغيرة والمتوسطة.
- تزايد حالات الفقر والتشرد: يعاني الأفراد في ظل النزاعات الثقافية والعنصرية من انعدام الأمن الغذائي والسكني وغيرهما من الخدمات الحيوية الأساسية؛ مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والتشرد. وبالتالي تؤدي هذه النزاعات إلى إعاقة تكامل الثقافات وعملية التنمية في المجتمعات المتصارعة. ففي مثل هذه الحالات لا يتمكن الأفراد المتضررون من هذه النزاعات من التفاعل والاندماج الاجتماعي مع الأفراد الآخرين من مختلف الثقافات والأعراق، وهذا يؤدي إلى توطيد الانقسامات الثقافية والعنصرية.
يعد التعايش السلمي بين الثقافات والحوار الفعال والنزاهة الثقافية من أهم العوامل التي تسهم في تطوير وتحسين العلاقات الاجتماعية والتنمية المجتمعية. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف العمل على تشجيع الحوار. إذا نظرنا إلى النزاعات الثقافية والعنصرية، فسنجد أنها تصدم وتزيد من حدة الانقسامات الاجتماعية.
تمثّل هذه النزاعات فرصة لتعلم الأسلوب الأقوى في التفاهم والتعايش السلمي بين الناس، فضلًا عن ذلك، تخلق النزاعات الثقافية مستويات من المعاناة والانعزال الاجتماعي للأفراد المنتمين للثقافات المظلومة، وهذا يؤثر على حياتهم ويؤثر على الأجيال القادمة، ويزيد المعاناة في النسيج الاجتماعي للمجتمع.
تحديد التحديات والصعوبات التي تواجه الجهود المبذولة لتعزيز التنوع الثقافي وتكامل الثقافات، وتقديم مقترحات للتغلب عليها
يعاني البشر في العديد من المجتمعات من قلة التعرف على ثقافات أخرى بشكل مباشر، مما يسهم في الانعزالية وتعميق الفجوات الثقافية. لذلك من المهم التغلب على هذا التحدي عن طريق:
- تنظيم المناسبات الثقافية المختلفة، والمشاركة في فعاليات كرنفالات ومهرجانات ثقافية متنوعة.
- تشجيع التعلّم عن بعد من خلال منصات الإنترنت التعليمية التي توفر معلومات عن الثقافات المختلفة وتتيح الفرصة للتواصل مع الآخرين.
على الطرف الآخر فإن هناك فريقاً محبطاً ويشكك في جدوى هذا التنوع الثقافي، حيث يُنظر لهذا التنوع كشكل من أشكال الاستعمار وهنا تكمن أهمية التشجيع على كسر الأنماط الثقافية العادية والقيام بتبادل الثقافات والمناشط المختلفة.
تعتبر الصعوبات في توفير الموارد أحد أهم التحديات التي تعرقل جهود التنوع الثقافي في المجتمعات بما في ذلك الموارد المالية والبنية التحتية. ولذلك فإننا بدأنا نلحظ الاهتمام بتفعيل صناديق الاستثمار في المناطق المختلفة وتوفير الموارد اللازمة للأهداف والمساعي الخاصة بتعزيز التنوع الثقافي.
هناك تحدٍّ تقني يواجه الأشخاص في تواصلهم مع بعضهم بعضاً وإنشاء صلات للتفاهم المتبادل. والبحث عن الموثوقية هنا يوفر فرصاً للتفاعل والتواصل مع الآخرين وتهدف إلى تحقيق التواصل والتفاهم بين الثقافات المختلفة.
نحن إذاً بحاجة إلى اتباع نهج يعتمد على المشاركة المتبادلة والحوار الصريح وقبول التحديات، ويمكن للجهود الرامية لتعزيز التنوع الثقافي والتكامل الثقافي أن تحقق نجاحًا كبيرًا إذا تم انتهاج هذه الممارسات.
أمثلة عملية عن تحقيق التنمية المجتمعية عن طريق تطوير مهارات الاتصال الثقافي واللغوي بين المجتمعات المختلفة
يعتبر تطوير مهارات الاتصال الثقافي واللغوي بين المجتمعات المختلفة من الطرق الفعالة لتحقيق التنمية المجتمعية، إذ يساعد هذا النوع من التعلم على تعزيز التفاهم والتعاون بين المجتمعات المختلفة وتقليل المصادمات. وفيما يلي نستعرض بعض الأمثلة العملية لتحقيق التنمية المجتمعية من خلال تطوير مهارات الاتصال الثقافي واللغوي.
تحرص المملكة العربية السعودية على الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها ودعم تعليمها، إذ تعتبر اللغة العربية أحد أهم ركائز التراث الثقافي والديني للشعب السعودي. كما تعتبر اللغة العربية وسيلة التواصل بين أفراد المجتمع وباب التعبير عن الهوية الوطنية والثقافية، ويسعى النظام السعودي دومًا إلى تشجيع الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز استخدامها في جميع المجالات. وبالإضافة إلى ذلك، تستهدف المملكة من خلال دعم تعلم اللغة العربية تعزيز التنوع الثقافي والتفاعل الإيجابي بين الأجيال المختلفة في المجتمع السعودي.
إن تطوير مهارات الاتصال الثقافي واللغوي بين المجتمعات المختلفة يمكن أن يكون مُحرّكاً فاعلاً في تحقيق التنمية المجتمعية، وذلك بزيادة التفاهم والتعاون بين الثقافات المختلفة والحد من المصادمات بينها. ويمكّن من تطوير التبادل التجاري، وبذلك يمكن القول بأن تطوير مهارات الاتصال الثقافي واللغوي يعتبر مفتاحًا لتحقيق التنمية المجتمعية المستدامة، حيث توفر الأساس اللازم لتفاعل المجتمعات المختلفة والتعاون بينها لتحقيق التطور والازدهار.
تكامل الثقافات كمصدر للابتكار والإبداع
يعد تكامل الثقافات مصدرًا هامًا للابتكار والإبداع في عالم اليوم. في عصر العولمة، أصبح التواصل بين الشعوب والثقافات أمرًا ضروريًا للنجاح والازدهار. فقد أدى انتشار التقنية وتحسين وسائل الاتصال إلى تقليص المسافات الجغرافية وتعزيز التفاعلات الثقافية. وتساعد التجارب الثقافية المتنوعة على إثراء الإبداع والابتكار. فعلى سبيل المثال، يمكن للتواصل المتنوع مع الثقافات المختلفة أن يعمل على إثراء الخبرات الشخصية وتوسيع المدارك. ومع ذلك، تعاني مجتمعات معينة من عزلة ثقافية قد تعيق التطور والإبداع.
تكامل الثقافات هو عملية تدعم التفاعل والتبادل الثقافي بين الأفراد والمجتمعات المختلفة. ويمكن أن يتضمن هذا التبادل عدة جوانب مثل التاريخ والفن والموسيقى والأدب والعادات والتقاليد والطعام واللغات والعلوم والتقنية.
يمكن أن يساعد الابتكار والإبداع على التعاون بين الأفراد المتفاوتين في الخبرات والمعرفة والثقافة للوصول إلى حلول إبداعية ترضي تلك المجتمعات. علاوة على ذلك، تتيح التقنيات الحديثة منصة إبداعية للتفاعل الثقافي.
وتتوافر العديد من الأمثلة على تكامل الثقافات كمصدر للابتكار والإبداع، حيث تتركز على دعم التصميم والتطوير والابتكار بين أفراد قادمين من ثقافات مختلفة تماماً. وقد قدم البرنامج الفضائي الدولي العديد من هذه الأمثلة، حيث يحضر رواد الفضاء بمعية طواقم من أماكن مختلفة في العالم؛ وذلك لتحقيق مهمات تفتح على الابتكار وتعمل على توسيع النطاق الثقافي. وقد لاحظنا انعكاس ذلك بشكل واضح قبل أسابيع قليلة؛ حيث شكلت مشاركة الطاقم السعودي المكوّن من رائدي الفضاء “على القرني” و”ريانة برناوي” تعزيزاً للجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في مجال البحث والتطوير، ويعود الأثر الإيجابي لهذا الخبر إلى تعزيز الثقة في قدرة العلماء والباحثين السعوديين. كما أن التنوع الثقافي في مثل هذه الرحلات التي تسمح بمزيج ثقافي بين أرقى العقول هو أمر يؤثر بلا شك بشكل إيجابي على التنمية في البلاد بكافة مستوياتها.
وفي ضوء ما تقدم يمكن التوصية بما يلي:
- التعليم والابتكار: يوفر التنوع الثقافي المزيد من الفرص لتعلم اللغات والثقافات الجديدة، ويساعد على توسيع منظور الأفراد وتحفيز الإبداع والابتكار. وتمثل المجموعات المختلفة ثروة علمية وثقافية مهمة ويستفيد منها الطلاب والأكاديميون.
- السياحة الثقافية: تشجع على التعرف على ثقافات وتقاليد مختلفة في أماكن مختلفة حول العالم، وبالتالي تحسين التنوع الثقافي وتطويره.
- تعزيز التفاهم بين الأجيال المختلفة وتبادل الخبرات.
- توفير الدعم للأحياء المتعددة الثقافات لتطوير الرفاهية وتشجيع التفاعل الثقافي.
- الترويج بدرجة أعلي للبرامج العلمية التي تسهم فيها المملكة العربية السعودية بشكل لافت بالتعاون مع المجتمع الدولي كبرامج الفضاء وبرامج التقنيات المتقدمة، مما يعكس الاهتمام بروح الابتكار، ويحفز على مزيد من الإبداع في هذا السياق.
- إطلاق سياسة موحدة للهوية الثقافية التي تسهل مهمة الأفراد والمواطنين، لا سيما الجيل الجديد حال الاحتكاك بأطياف وأعراق أخرى على الحوار، وهو ما يحد من الانسلاخ من الهوية الثقافية. على أن تكون بأسلوب جاذب وسهل التعامل لهذه الفئة.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: د. منصور المطيري
- التنوع الثقافي يفرض التعرض لمصطلح الثقافة، وهو من المصطلحات التي رفض استعماله بعض المفكرين وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا مثل آدم كوبر في كتابه (الثقافة: التفسير الأنثربولوجي) حيث وصفه بأنه ” مصطلح غامض غير محدد.. وأنه لا يدل على واقع ملموس، بل يدل على تجريد مبهم “. وهو يقصد بذلك أن استخدام هذا المصطلح يمكن أن يمرَّر من خلاله مواقف ليست صحيحة. فيمكن أن يكون الموقف له علاقة بالقانون فيُرفض قانونياً، ولكنه يمر ثقافياً، ويمكن أن يكون عقائدياً فيُرفض عقائدياً، لكنه يمر ثقافياً. وهذا يعني في نظره أن نتحدث بشكل مباشر عن القانون أو العقيدة، أو المعرفة أو التقنية أو العادات، أو حتى عن الأيديولوجيات لأن الحديث المباشر عن هذه الأشياء يوضح المقصد، ويقضي على الغموض. ومع أن أكثر العلماء يخالفونه؛ إلا أن ما ذكره نقطة تستحق البحث وصحيحة في نظري. والذي أراه تمشياً مع شيوع استعمال هذا المصطلح أن الثقافة في تعريفها الحقيقي عند غالبية المتخصصين لا تنحصر في الفنون والآثار وما شاكلها. بل هي تتناول أشياء تتعلق بجوهر الثقافة الذي هو الاعتقاد وبهوامشها الكثيرة. ولذلك فالحديث عن الثقافة بشكل عام لا يغني أبداً حين رسم السياسة أو تقديم المقترح عن تحديد العناصر الثقافية المقصودة.
- مصطلح التنوع الثقافي في نظري وصف لواقع وحالة ساكنة، وهي وجود ثقافات بشرية مختلفة ومتنوعة محلياً وعالمياً، هو وصف محايد لاختلافات العالم الثقافية. التنوع الثقافي يصاحبه بالضرورة حالات متحركة توصف بمصطلحات قريبة منه مثل الاحتكاك والتواصل الثقافي، الحوار الثقافي، الصراع الثقافي، الهيمنة الثقافية، وتُوصف أحياناً بالاستعمار الثقافي، وقد توصف بالإبادة الثقافية.
- وعلى هذا فالتنوع الثقافي لا يكون بالضرورة هو المؤثر والمنتج للفعل الثقافي، وإنما المنتج والمؤثر هو النشاط البشري والجهد الإنساني الذي يظهر في شكل حوار أو استعمار وهيمنة، أو حتى إبادة ثقافية. ولذلك لا يجب أن نقع في الفخ برسم حالة مثالية لا وجود لها وهي حالة التكامل. (ولا يزالون مختلفين). والبشر قد يستفيدون أو قد يخسرون لا محالة من كل أشكال الفعل الثقافي (إذا صح التعبير)، فقد يستفيدون من الحوار، وقد يستفيدون من الغزو الثقافي، ومن الاستعمار الثقافي، وحتى من الإبادة الثقافية مثل القضاء على عادة سيئة وضارة كوأد البنات مثلاً أو أكل لحوم البشر، أو أي عادة سيئة تنقرض بسبب هيمنة عناصر ثقافية أخرى.
- التعايش بين الناس المختلفين في ثقافاتهم إحدى الضرورات للنمو والاستقرار، وهذا التعايش لن يتم إلا بوجود العدل بمفهومه الشامل أولاً، ثم الحوار والتواصل، ويظن البعض أنه يتم بالدمج أو الاندماج غير الطوعي، وفي نظري أن هذا من الأحلام الوردية، الاندماج يُفسَّر دائماً بأنه عدوان واحتلال فيخلق بذلك بؤرة توتر مستمرة.
- اتفق مع ما ورد بالورقة الرئيسة حول أهمية تعزيز الهوية لدى الشباب خصوصاً، وعند المجتمع عموماً فهي أهم أدوات الفلترة لما يُقبل وما يُرفض في حوار الثقافات.
- تميل الثقافة الليبرالية الغربية إلى فرض هيمنتها عبر أدوات عدة، منها ربط التنوع الثقافي بالنسبية الثقافية، بحيث يؤدي هذا الربط في النهاية إلى حرية الفعل والقول والفكر، ثم يتحول أي قول أو فعل أو فكر إلى حق لا يجب رفضه فيختلط الحق بالباطل، فهناك مثلاً حقوق الأقليات (نقبله)، (وهناك حقوق الشواذ) لا نقبله، وفي هذا المناخ تستطيع أي طائفة عرقية أو ثقافية أو متحللة من الأخلاق (الشواذ مثلاً) أن تنال مبتغاها من خلال توظيف الإعلام وصناعة القانون وغير ذلك. وهذا ما يجعل الثقافات المحلية في أنحاء العالم في توتر مستمر مع الثقافة الغربية التي تنزع إلى الهيمنة الثقافية بسبب قوة أدواتها التي تستعملها.
- ختاماً التنوع الثقافي أحد محركات الحضارات وأحد مدمراتها. وذلك بحسب المسار الذي يسلكه الفعل البشري. وفي عالمنا المعاصر انفتح باب التواصل على مصراعيه، والحرب الثقافية في نفس الوقت على أشدها. ولقد أتيحت أدوات التبادل والتأثير بشكل غير مسبوق. وسيكون التأثير لأهل الثقافة الحية الواعية. وللتمثيل: نحن مقبلون في السعودية على دخول عالم الصناعة السينمائية؛ فإذا دخلناها بنفس الفلسفة التي تبنتها هوليوود فسنكون مروجين للثقافة الأمريكية لا أكثر، وإذا دخلناها بثقافتنا الإسلامية الأصيلة فسيكون تأثيرنا هائلاً.
- التعقيب الثاني: د. فوزية أبو خالد
إن عنوان الورقة الرئيسة الواسع في مسعاه الهادف يجعل تناول موضوعه قابلاً لاختلاف محاور التناول له، والبحث فيه باختلاف الباحثين أنى بلغ عددهم أو تعددت مشاربهم ومناهجهم ولذلك أجتهد هنا لأطرح بعض المحاور التي أرى أنها قد تشكل محاور أساسية لمثل هذا العنوان وتتمثل في المحاور التالية:
- المحور الأول يتمثل في تناول التنوع الثقافي على صعيده العالمي كسؤال إشكالي تواجهه المجتمعات منذ فجر العمران البشري وتزداد وتيرة مواجهته في المجتمعات المعاصرة وبين دولها في ظل التطور السريع للمستجدات التقنية من ناحية، وفي ظل تعاظم صراعات الاستقطاب للهيمنة الأحادية على العالم من ناحية ثانية. وهذا ما يصعب مهمة النقاش لموضوع الورقة الرئيسة، بما نأمل أن يغير ويوسع مسار القضية من الدوران في فلك تناول أثر التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية كسلعة سياحية يمكن أن يجري تبادلها بين المجتمعات بثقافاتها المختلفة سعياً نحو هدف حالم بـ “تكامل ثقافي” عالمي بمجرد توظيف القليل أو الكثير من الأنشطة التعليمية والترفيهية في المجال الثقافي من المتاحف للسينما والوفود السياحية المتبادلة إلى تناوله بجرأة لا تتجنب التساؤل عن طبيعته الإشكالية، بما قد يُمكِّننا هنا من تفكيك بعض مركباته لقراءة مكوناتها الأولية وبيئاتها الحاضنة المتمثلة في طبيعة الأنظمة السياسية والاقتصادية وطبيعة العلاقة فيما بينها وبين الآخر الذي يمثل لكل منها المختلف الثقافي. مع سؤال لازم لهذا المحور وهو سؤال اختلال ميزان العدل الدولي بين دول الهيمنة ولو بافتراض حصرها على أغلبية الدول المالكة لحق الفيتو بالأمم المتحدة، بما يجعل على سبيل المثال لا الحصر أي موقف ثقافي يُعبِّر ولو بالرأي عن اختلاف مع موجة التمجيد العارم ” للمثلية ” التي يقودها اليسار الليبرالي الغربي المتطرف مثاراً لإعادة خلق مكارثية جديدة ليس فقط داخل تلك المجتمعات؛ ولكن أيضاً في علاقاتها الدولية بل وفي أروقة الأمم المتحدة وما يجري داخل أروقتها من محاولات تجيير مواثيق الأمم المتحدة الحقوقية في العالم لصالح ذلك الاتجاه الغربي الأحادي والذي هو بطبيعته ضد التنوع الثقافي المنشود في الورقة الرئيسة. وباختصار آمل الا يكون مخلاً فإن سؤال التنوع الثقافي بعدل وبحرية ليست حصرية على الغرب تجاه دول المجتمع العالمي غير الغربي ومجتمعنا منه هو سؤال يصعب تجاهله لكل مجتمع مثل مجتمعنا يريد أن يجعل التوع الثقافي العالمي عاملاً إيجابياً في التنمية المجتمعية الوطنية.
- المحور الثاني الذي أرى أنه يمكن أن يكون محوراً للبحث تحت هذا العنوان “أثر التنوع الثقافي في التنمية المجتمعية…” ومن المهم التركيز هنا على محور التنوع الثقافي داخل المجتمع السعودي نفسه، وهذا هو يهمنا جميعاً بالدرجة الأولى. فأرض المجتمع السعودي تملك سابقة حضرية وحضارية في نفس الوقت لواحدة من أوائل تجارب التنوع الثقافي في العالم، وهي تجربة سابقة على التجربة التكوينية للمجتمع الأمريكي بتعدد أعراق المهاجرين إلى تلك القارة الجديدة وإنْ غلب عليهم العنصر الآري وقتها إبان الاستيلاء عليها من الهنود الحمر سكانها الأصليين وتطورات تعدديتها اللاحقة إلى اليوم، بل إن تجربة التعدد الثقافي التي أشير إليها على أرضنا تجربة سابقة على بعض التجارب التي أشارت لها استشهادات الورقة الرئيسة، كسنغافورة ونيوزيلاند والإمارات. وهذه التجربة السباقة لدينا تتمثل في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة. فالتاريخ الاجتماعي لهاتين المدينتين العريقتين وتطوراته يشكل واحداً، ليس في رأيي وحدي، من أقدم وأعرق مواقع وبوتقات جدل التنوع الثقافي السلمي بشده وجذبه، سواء في تمخضه عن التعدد العرقي أو فيما تمخض عنه من تعدد ثقافي متجاور حيناً ومتصالح غالباً ومنتجاً لتعددية متعايشة ومتآلفة ولنسيج اجتماعي وحدوي وتعددي في ذات الوقت.
- ولا أعتقد أن وحدتنا الوطنية اليومية والتي يعتبر تحققها إنجازاً تاريخياً في المنطقة العربية ككل وليس على أرض الجزيرة العربية ومنطقة الخليج وحسب إلا استلهاماً استكمالياً مجدداً لنسيج تلك المدينتين أعاد إنتاج الاختلاف المناطقي والتعدد القبلي والمذهبي والثقافي بالمعنى المعرفي والسياسي الاجتماعي للكلمة في كيان دولة المملكة العربية السعودية. وأظن أنه قد تظافر في إنتاج هذا الكيان الموحد عدة عوامل داخلية وخارجية؛ ولكن من أبرزها على مستوى وطني السلطة السياسية والعسكرية المستتبة، الدخل الريعي العالي للنفط وعدالة فرص التعليم لكل المناطق ولكل الفئات ما أمكن وأكثر.
ولهذا فإن تناول تأثير التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية على المجتمع السعودي يقع في صلب سؤال التحولات الجارية اليوم على أرض وطننا الحبيب. فهذا الوطن وقد نجح في تحقيق الوحدة السياسية مع الحفاظ بنجاح كبير على التنوع الاجتماعي والثقافي في مراحل متعددة من الشدة والرخاء من معركة السبلة إلى مراحل التعاقد النفطي مع شركات أجنبية عملاقة ومن مواجهات الأوبك إلى الحروب العربية العاشر من رمضان، حرب الخليج الأولى والثانية، وقبلها مواجهة احتلال الحرم المكي الشريف وتحرشات إيران ومحاولاتها لتصدير نظامها الطائفي، وبعدها مواجهات التفجيرات الإرهابية في الداخل وتداعياته بعد 11 سبتمبر، فإن لكل مرحلة من تطورات التاريخ الاجتماعي والسياسي تحدياتها وأسئلتها المتعالقة مع السؤال الثقافي عامة وسؤال التنوع الثقافي على وجه التحديد. فمجتمعنا السعودي اليوم يعيش عدداً من أشكال التنوع من التنوع العمري بين الأجيال بما يخلق تنوعاً ثقافياً بين حكمة أصحاب الخبرة وبين تطلع وشغف الشباب إلى تنوع الفكر والتنوع الثقافي القائم، وذلك الذي سينتج عن الانفتاح “الحضوري” الواسع وليس فقط الافتراضي الذي يجعل المملكة اليوم واحدة من أكثر البلاد العربية استعداداً لاستقبال الوافدين زائرين مستثمرين فضوليين مريدين، علماء فنانين محترفين وهواة من مختلف قارات العالم وبلدانه، بما قد تحمله معها تلك الوفود في إقامتها القصيرة أو الطويلة من تنوعات ثقافية لا محالة، وعلينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة الذكية ليكون لدينا تصور عن كيفية التعامل مع هذا التنوع الثقافي ذي النوع الجديد علينا وعن كيفية التعايش التبادلي السلمي معه مع حفاظ الأجيال وخاصة الصغيرة على الهوية الوطنية ثابتة وعلى الهوية الثقافية متجددة وعريقة في نفس الوقت. هذا عدا عن الأسئلة المتعلقة بتحديات التعامل مع تأثير التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية في المجال الإلكتروني المفتوح المصراعين.
- المحور الثالث الذي أرى من الأهمية التحاور فيه عند الحديث عن تأثير التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية هو سؤال تقبل التعدد في حب الوطن وفي عشق الثقافة بأنواعها. فنحن تحت راية الوحدة الوطنية والدولة السيادية المستقلة يد واحدة ببصمات متعددة ونزيهة في التعبير عن لحمتنا وتنوعنا الثقافي. فبدون قبول أن التنوع الثقافي يعني قبول تعدد مشاربنا الفكرية وميولنا الأدبية وشغفنا المعرفي يكون الحديث عن التنوع الثقافي حديثاً إعلامياً استهلاكياً لا يأخذ تكوينات المجتمع ولا تنوعه الثقافي مأخذاً مسؤولاً قولاً وفعلاً. وهذا يتطلب العمل على تحقيق التصالح الوطني المستدام وتآخي كل القوى الاجتماعية بتنوعها الثقافي، كما أنه يعني العناية عناية جادة بمسألة حرية التعبير بضماناتها القانونية والتي تجعل من التنوع الثقافي روافد آمنة ومنتجة ومتآلفة من روافد وينابيع الوحدة السياسية والتنمية المجتمعية المستدامة.
- التعقيب الثالث: د. عفاف الأنسي
يرتبط مصطلح التكامل الثقافي ارتباطًا وثيقًا بمصطلح التنوع الثقافي، لأنه غالبًا ما يكون استجابة أو نتيجة للتنوع الثقافي ووجود ثقافات متنوعة داخل المجتمع. حيث يشير التنوع الثقافي إلى وجود ثقافات أو أعراق أو مجموعات اجتماعية متعددة متميزة داخل مجتمع معين، ويرتبط به عدد من المفاهيم مثل التعددية الثقافية وهي التعايش والاعتراف بالثقافات المتنوعة داخل المجتمع، وتعزيز الحقوق والفرص المتساوية لجميع المجموعات الثقافية، والنسبية الثقافية وهي فهم وتقييم الممارسات والمعتقدات الثقافية في سياقها الثقافي، دون الحكم عليها بناءً على المعايير الثقافية للفرد، والشمول وهي المشاركة النشطة للأفراد من خلفيات ثقافية متنوعة في جميع جوانب المجتمع، مما يضمن تكافؤ الفرص واحترام الجميع.
ويمكن النظر إلى التكامل الثقافي على أنه طريقة لإدارة التنوع الثقافي والتنقل فيه في المجتمع. حيث يعزز التفاعل والتفاهم والاحترام المتبادل بين المجموعات الثقافية المختلفة، كما يعزز الشعور بالهوية المشتركة والتعايش، ويسمح للأفراد من ثقافات مختلفة بالتعلم من بعضهم بعضاً وتبادل الأفكار والتعاون.
ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن التكامل الثقافي لا ينبغي أن يكون مساوياً للاستيعاب الثقافي والذي ينطوي على تسييد ثقافة ومحو هويات الثقافات الأخرى. والتثاقف المرتبط بالتغير الثقافي واكتساب الفرد أو الجماعة خصائص ثقافة أخرى، فالتكامل الثقافي يؤكد على التعايش والإثراء المتبادل للثقافات مع حفاظ المجتمعات على ميزاتها الثقافية الفريدة، والمساهمة في مجتمع أكثر شمولية وتناغمًا.
تاريخياً حمل مصطلح التنوع الثقافي مضامين سلبية لارتباطه بعمليات مختلفة مثل الاستعمار والتهجير والغزو، ولكنه لم يكن منحصراً في هذا الجانب فقط، بل ظهر التنوع الثقافي أيضاً من خلال التجارة والهجرات والاتفاقيات بين الحضارات والتزاوج، وخير مثال تاريخي على ذلك طريق الحرير، الذي كان موجودًا من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الرابع عشر الميلادي، والذي سهَّل التبادل التجاري والثقافي بين الحضارات المختلفة، بما في ذلك الحضارات العربية والإسلامية والصينية والهندية والفارسية والرومانية على طول طريق الحرير.
وعلى الرغم مما ذكر من المضامين السلبية التي قد يحملها التنوع الثقافي فقد عُزِي له الفضل في التطور في العلوم والفن والأدب والهندسة المعمارية عبر التاريخ، فعلى سبيل المثال حضارة الدولة الإسلامية وتمددها في العالم من خلال الفتوحات نتج عنه تطور في العلوم والفلسفة والفنون، والأمر ذاته للحضارات القديمة مثل الدولة الرومانية والدولة الفارسية والحضارات الصينية، حيث تم دمج الثقافات المتنوعة من خلال الغزو والتجارة وأدت هذه التفاعلات إلى تبادل الأفكار والتقنيات والممارسات الثقافية.
وفي العصر الحديث كما ورد في الورقة الرئيسة فإن هناك ثورة في العالم في الاتصال والتواصل بين الثقافات المختلفة، فقد تطورت عملية التبادل الثقافي، بشكل كبير وكان الدور المحوري المؤثر في هذا التطور هو العولمة والتقدم في تكنولوجيا الاتصال والترابط. فقد أحدث الإنترنت والتقنيات الرقمية ومنصات الوسائط الاجتماعية ثورة في طريقة تفاعل الثقافات، فقد أعطت صورة جديدة لتبادل الخبرة الثقافية وهي الفورية أو اللحظية، مما سمح للأفراد في جميع أنحاء العالم بالتواصل وتبادل خبراتهم الثقافية على الفور، كما أدت التسهيلات العالمية للتنقل والسفر سواء للعمل أو الدراسة أو السياحة إلى زيادة الفرص للأفراد لتجربة ثقافات مختلفة بشكل مباشر والتعلم من المجتمعات المحلية، وإعادة هذه التجارب إلى مجتمعاتهم الأصلية، أيضاً لعبت التجارة الدولية دورًا مهمًا في التبادل الثقافي. فعندما تعبر السلع والخدمات الحدود، فإنها تجلب معها تقاليدها مثل الطهي وتقديم الطعام والملبس وأساليب تقديم الخدمات مثل الفندقة وخدمات التوصيل وسيارات الأجرة.. وغيرها من الخدمات.
وعودة على عنوان الورقة الرئيسة أثر التنوع الثقافي على التنمية الاجتماعية وتكامل الثقافات، فكما ذكرت سابقاً قد يكون التكامل التفافي هو إحدى نتائج التنوع الثقافي، لكن ما فائدة العملية التي يمكن أن نجنيها من التنوع الثقافي وحصول التكامل الثقافي وما المحاذير التي قد تأتي مع هذه المنافع؟
يحقق التنوع الثقافي والتكامل مزايا اقتصادية عديدة منها:
- توليد أفكار ومنتجات وخدمات مبتكرة. من خلال دمج الأساليب الثقافية المختلفة، يتم تعزيز ريادة الأعمال، وتعزيز الديناميكية الاقتصادية والقدرة التنافسية.
- تعزيز السياحة والصناعات الثقافية، حيث يجذب التنوع الثقافي السياح الذين يبحثون عن تجارب ثقافية ثرية ومتنوعة، مما يخلق فرص عمل في الصناعات الثقافية مثل الفنون والحرف اليدوية والمهرجانات التراثية. وخير مثال على ذلك كما جاء بالورقة الرئيسة السياسة الثقافية في سنغافورة التي أقرت التعددية الثقافية والتعايش الحيوي بين مختلف المجموعات العرقية، فقد ساهم كلٌّ منها في ممارساته الثقافية المتميزة. وقد دعمت الحكومة للمناسبات والمهرجانات والمبادرات متعددة الثقافات القائمة على التقاليد الثقافية المتنوعة والذي نتج عنه تعزيز السياحة والصناعات الثقافية.
- المشاركة بشكل أفضل في التجارة وتبادل المنفعة الاقتصادية العالمية؛ حيث يسهل تفهم الرؤى الثقافية المختلفة الكفاءة والتواصل والتفاوض مع الشركاء الدوليين، وتعزيز التعاون الاقتصادي وفتح الأبواب أمام الفرص الجديدة.
وعلى الجانب الاجتماعي قد يساهم التنوع الثقافي والتكامل الثقافي في:
- تعزيز التفاهم الاجتماعي والتعاطف واحترام الآخرين. فهو يساعد على تحطيم الصور النمطية والأحكام المسبقة، وتعزيز الانسجام الاجتماعي والحد من التمييز.
- خلق مجتمعات مترابطة سواء في العمل أو الدراسة أو الجيرة والعمل المجتمعي وغيرها.. حيث يجمع الأفراد من خلفيات مختلفة معًا، ويشجع التعاون والمشاركة المجتمعية، مما يقوي الروابط الاجتماعية ويشجع الدعم المتبادل بين المجموعات المتنوعة.
- تحسين السياسات والأنظمة المجتمعية مثل أنظمة الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية؛ حيث إن التكامل الثقافي يثري تقديم الخدمات الاجتماعية من خلال الاستفادة من ووجهات النظر المتنوعة والتنبه للاحتياجات المختلفة، مما يؤدي إلى خدمات أكثر شمولاً وإنصافًا.
وعلى الجانب الفكري والعلمي قد يساهم في تطوير المعرفة من خلال:
- الابتكار في المعرفة، فعندما تتفاعل الثقافات وتتبادل المعرفة، تظهر أفكار ووجهات نظر جديدة. يؤدي هذا التلقيح المتبادل للأفكار إلى النمو الفكري، ويوسع حدود المعرفة.
- تجميع المواهب المتنوعة، حيث يجمع التنوع الثقافي الأفراد ذوي المهارات والمواهب ووجهات النظر المتنوعة. وهذا ينمي الابتكار ويساهم في حل المشكلات والإبداع من خلال الاستفادة من مجموعة من الخبرات ووجهات النظر.
- التميز الأكاديمي، حيث تزود المؤسسات التعليمية التي تتبنى التنوع الثقافي الطلاب بمنظور عالمي، وتُهيئهم لعالم مترابط. فالتعرض لثقافات متنوعة يثري بيئات التعلم، ويعزز التفكير النقدي، ويشجع الحوار بين الثقافات.
ومن الأمثلة الملوسة على تطور المعرفة من خلال التنوع الثقافي، وادي السيليكون، في الولايات المتحدة، حيث جذبت المنطقة الأفراد الموهوبين من جميع أنحاء العالم، مما خلَّف بوتقة انصهرت فيها الثقافات والأفكار. وبالتالي عززت الابتكار وريادة الأعمال والنمو الاقتصادي، مما دفع وادي السيليكون ليصبح مركزًا عالميًا للتقدم التكنولوجي.
ومحلياً شهدت المملكة العربية السعودية تحولات اجتماعية وثقافية كبيرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الجهود المبذولة لتعزيز الانفتاح الثقافي والحفاظ على التراث، فقد شرعت المملكة في مبادرات مختلفة تهدف إلى تعزيز التعبير الفني الثقافي المتنوع، وتعزيز مجتمع أكثر شمولاً من خلال المهرجانات الثقافية التي استضافتها المملكة، والتي جذبت المواهب المحلية والدولية على حدٍّ سواء، مما ساهم في خلق مشهد ثقافي أكثر حيوية.
ولم يقف الانفتاح الثقافي على الجانب الفني فقط، فقد عززت ذلك من خلال التركيز على خطط السياحة المحلية لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، كذلك شجعت الانفتاح والتنوع في التبادل التجاري وأيضاً التنوع العلمي من خلال استقطاب الخبرات من كافة أقطار العالم وتشجيع مشاركة الباحثين السعوديين في التعاون البحثي مع أقرانهم بمختلف أنحاء العالم.
المحاذير التي يجب التنبه لها في وجود التنوع الثقافي.
- تهديد الثقافات المحلية وفقدانها هويتها المميزة واندثار الممارسات والقيم الثقافية الفريدة.
- تبني أو استعارة عناصر من ثقافة دون فهم ما تعنيه، قد يكون هذا التبني مخالفاً للمعتقدات أو القيم الثقافية المحلية مثل الممارسات الثقافية أو الرموز.. إلخ.
- الاستيلاء الثقافي، الذي ينطوي على تبني عناصر من ثقافة وممارستها بشكل غير لائق أو بدون إذن أو نسبها للثقافة المتبينة دون احترام حقوق الملكية الفكرية والملكية الثقافية.
- يمكن أن يؤدي التنوع الثقافي في بعض الأحيان إلى صراعات ثقافية تنشأ بسبب سوء الفهم أو التحيزات أو التضارب بين الأعراف الثقافية.
- يمكن أن تشكل الاختلافات اللغوية حواجز بين المجموعات الثقافية المتنوعة وتشكل تحديات أمام التواصل الفعال والتكامل.
- يمكن أن يؤدي التنوع الثقافي إلى التجزئة الاجتماعية، وهذا يحدث عندما تشكل المجموعات الثقافية المختلفة مجتمعات منفصلة لها تفاعل محدود مع بعضها البعض. وهذا يعيق التماسك الاجتماعي.
وختاماً يمكن التوصية بما يلي:
- الموازنة بين الانفتاح على الثقافات العالمية والحفاظ على الهوية الثقافية المحلية واحترامها والحفاظ على التراث والتقاليد.
- احترام مختلف العادات والتقاليد الثقافية. والتي لا تُشكِّل تهديداً للهوية الثقافية المحلية وتجنب فرض القيم أو الأعراف الثقافية على الآخرين.
- تشجيع الحوار والتفاهم بين الثقافات وتوفير الفرص للشباب، للتعرف على الثقافات الأخرى من خلال الفعاليات الثقافية والأنشطة المجتمعية.
- التأكيد على التعليم والتوعية وإعطاء الأولوية للتعليم في مبادرات بناء الوعي حول موضوع التنوع الثقافي، وتشجيع التعرف على الثقافات المختلفة.
- التأكيد على دور الأسرة في تعليم التعاطف والاحترام للثقافات المختلفة منذ سن مبكرة لتعزيز تفهم الآخر والتعايش معه.
- مكافحة التمييز والتحيز واتخاذ موقف حازم ضد التمييز والتحيز على أساس الخلفية العرقية أو الثقافية.
- المداخلات حول القضية
- التعريف بالتنوع الثقافي وما يقترن به من إيجابيات.
تعد الثقافة إحدى عناصر الهوية الوطنية لأي دولة، ولأن الهوية الوطنية تتميز بالتفرد والخصوصية في كثير من عناصرها، فالثقافة الوطنية تطلب الخصوصية والتميز، وهي إحدى مقومات الأمن الوطني في أي دولة، وتتطلب الغرس والتعزيز، وفي ذات الوقت تتطلب الحماية من المهددات الثقافية لقيم المجتمع. والثقافة في مفهومها وفي عناصرها كانت تتميز بالاستاتيكية والاستقرار النسبي، غير أنه يمكن رصد مظاهر التغير الثقافي بشكل واضح، لا سيما مع بزوغ العولمة بداية القرن الحالي، بل صنَّف البعض أنواع العولمة بالعولمة الثقافية. والثقافة وإن لم تكن من الأهداف التنموية العالمية الستة عشر بشكل مباشر، غير أن اليونسكو تراها مكوناً رئيساً في تحقيق الأهداف الأممية المستدامة، سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى في الجانب البيئي.
ويشير التنوع الثقافي إلى “تعدد الأشكال التي تُعبِّر بها الجماعات والمجتمعات عن ثقافاتها، وهو يعكس الاختلافات الناتجة عن الخيارات الفردية. فالتنوع الثقافي يمثل فكرة التعايش بين أكثر من مظهر ثقافي داخل نفس الوسط المجتمعي، وعندما يكون لدى المجتمعات وجود لتغييرات ثقافية متنوعة، فإنما ذلك ينعكس في ظهور ديناميكية مجتمعية مختلفة بين تلك الكيانات الثقافية”.
يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّه أَتْقَاكُمْ أن اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (القرآن الكريم، الحجرات: ١٣)
ومن أقوال الزعيم الهندي مهاتما غاندي: “لا أريد لداري أن تحيط به الأسوار من كل جانب، وأن تُسَدَّ نوافذه، أريد ثقافة البلاد كلها أن تهبَّ على داري بحرية تامة، لكني أرفض أن تقتلعني إحداها من الأرض”؛ كان غاندي يعبر بكلمات موجزة عن أهمية التعددية الثقافية في المجتمع الهندي بشكل خاص، وبرمزية أوسع للمجتمع الدولي.
وهناك أمثلة عدة على التنوع الثقافي والاندماج والتمازج الثقافي الذي وصل له العالم المعاصر، بالرغم من اختلاف الأجناس والأعراق والمذاهب والأيديولوجيات، وكما يرى سياييرا فإن من أبرز الأمثلة على تطبيق هذا المبدأ عالمياً يتضح في فوز باراك أوباما بانتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2009، وهو الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية كأول شخص مختلط العرق يتقلد هذا المنصب في بلد ما زالت التفرقة العنصرية والعبودية إحدى مكونات ثقافته وذكرياته، وهذا يدل بشكل مهم على انتصار التنوع الثقافي والتعددية الثقافية في السياسة الدولية لأكبر دولة في العالم. ثم تكاثرت هذه النماذج عبر فوز رئيس الحكومة البريطانية (الهندي الأصل) ريشي سوناك مؤخراً، والذي يعد أول سياسي من أصل آسيوي يقود بريطانيا، ثم تلاه وبعد أشهر قليلة انتخاب حاكم لحكومة إسكتلندا من أصول باكستانية هو حمزة يوسف. وقد سبق ذلك أمثلة أخرى مثل تولي منصب عمدة مدينة لندن لأشخاص من أصول آسيوية أو من ديانات ومرجعيات ثقافية مختلفة، كما هو حاصل الآن حيث يتولى منصب عمدة لندن صادق خان (الباكستاني الأصل).
والتنوع الثقافي يمكن أن يحقق تكاملاً حقيقياً للثقافات ويؤدي إلى التنمية المجتمعية في العديد من الطرق. بشكل عام، يمكن أن يحافظ التنوع الثقافي على الهوية الثقافية للجاليات والمجتمعات، مما يسمح للأفراد بالشعور بالانتماء والتقبل المتبادل. كما يُعزِّز التنوع الثقافي الفهم المتبادل والتسامح، ويمكن أن يعزز الابتكار والإبداع، ويسهم في توسيع المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية، ويساعد على الانفتاح الثقافي لا الانغلاق والانكفاء الذي قد يدفع للتطرف.
وعلى المستوى الاجتماعي، يمكن للتنوع الثقافي أن يؤدي إلى زيادة التعاون والتفاعل بين الجاليات، ويسمح بنشر الممارسات الجيدة والتقاليد الثقافية المقبولة التي تعزِّز التماسك الاجتماعي مع الوافدين. كما يمكن للتنوع الثقافي أن يساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية ونشر ثقافة الاحترام والتسامح والتعاون.
كما يجب الإشارة إلى أن التنوع الثقافي يعتبر مصدرًا للإثراء الثقافي والفكري، ويساعد على تطوير طرق التفكير والتفاعل الإنساني. وبالتالي، فإن التنوع الثقافي يؤدي إلى تعزيز التنمية المجتمعية في جميع المجالات، بدءًا من التنمية الاجتماعية والثقافية والفكرية إلى التنمية الاقتصادية والعلمية.
كما أن البيئة التي يزدهر فيها التنوع الثقافي تكون بيئة ولَّادة وخلَّاقة للفكر والإبداع والابتكار في شتى المجالات النظرية والعملية… فازدهار العلوم في العصر العباسي كان في بيئة متنوعة ثقافياً، وفي العصر الأندلسي كانت أيضاً أكثر تنوعاً وأغزر عطاءً. فالأمة المتنوعة ثقافياً والمنفتحة حوارياً أشبه ما تكون بالحديقة الغناء متنوعة الازهار والثمار يسكنها أسراب من النحل فتنتج أطيب وأشهى أنواع العسل.
ومن أهم إيجابيات التنوع الثقافي هو تقبل كافة أنماط الحياة الإنسانية وجميع أطياف المجتمع بكل اختلافاتها في المجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى. وهو ما يحفز على الاستفادة من ثقافات المجتمعات الأخرى؛ لكن من المهم أن يكون ذلك دون المساس بمبادئنا وثوابتنا، ودون استعمار أو تغول ثقافي لاغٍ لشخصية المجتمع وتحديدًا مجتمعنا السعودي.
وهناك عدة مقاييس تُستخدم لدراسة تأثير التنوع الثقافي والعرقي على الابتكار، وتختلف هذه المقاييس حسب المجال الذي يُدرس، وتتضمن بعضها مؤشرات كمية وأخرى نوعية. ومن بين المقاييس الشائعة التي تُستخدم لدراسة التأثير الإيجابي للتنوع الثقافي على الابتكار هي مؤشرات الإبداع والتنوع الثقافي العالمي التي تستخدمها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، إضافة إلى المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية التي تستخدمها المنظمات والجهات الحكومية والأكاديمية. وقد أظهرت بعض الدراسات أن الأفراد الذين يعملون في بيئات تتميز بالتنوع الثقافي يتمتعون بعلاقات تعاونية أفضل ويكونون أكثر مرونة وتكيّفًا للتغيير، وهذا يمكن أن يساعد في تعزيز الابتكار والإنتاجية.
- المخاوف المرتبطة بالتنوع الثقافي.
ثمة بعض المخاوف المرتبطة بالتنوع الثقافي وتبدو واضحة في الوقت الراهن في جوانب عدة، في مقدمتها تخوف الكثيرين حالياً وفي ظل تنامي وسائل التواصل الاجتماعي اللامحدود، من دورها في نشر بعض الأفكار المضادة للثوابت الدينية أو الأعراف الاجتماعية مثل قضايا الشذوذ الجنسي التي يروج لها الغرب على كل صعيد بما يهدد بناء الأسرة والتي هي البنية الأساسية للمجتمعات الإنسانية. كذلك خلق الاضطرابات السياسية والاقتصادية في مناطق تكافح لتنمو وتخرج من بوتقة الدول النامية؛ لكن يطاردها الفقر والتطرف والحروب والمصالح المتشابكة لدول المنطقة.
كما أنه ثمة تساؤل يتعلق بالتنوع الثقافي وتشجيع أفراد المجتمع من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة الأسرة والمدرسة على المشاركة في الأنشطة الثقافية المختلفة ومنها الفعاليات والأعياد، فالرأي الفقهي يذهب إلى عدم جواز المشاركة في الأعياد الدينية وهي الأشهر خاصة احتفالات أعياد الميلاد النصرانية، وأعياد الحب التي تحتفل بالقس النصراني سانت فالنتين، وكذلك الاحتفالات الدينية المحلية، كالاحتفال بالمولد وعاشوراء وغيرها.
والسؤال كيف يمكن الجمع بين التنوع الثقافي والموقف الفقهي، وهل من المناسب أن نكون انتقائيين فنأخذ ما يناسبنا استناداً لمرجعيتنا الإسلامية، أو نعمل بمبدأ الانفتاح الكامل وبلا ضوابط وبلا مرجعية كما هو الحال مع الحالة الدراسية الإماراتية التي تطرقت لها الورقة الرئيسة كنموذج للتنوع الثقافي؟ وهل ما يحدث في الإمارات وبعض البلدان العربية والإسلامية يمكن أن يُسمَّى تغول ثقافة الآخر على الثقافة المحلية، وهذا التغول ربما يقود إلى انبهار الأجيال الجديدة بهذه الثقافات، ثم الانصهار بها والنتيجة الحتمية ستكون اندثار الثقافة المحلية، والشواهد كثيرة.
كذلك ثمة مخاوف تتعلق بما يسعى إليه الغرب من الهيمنة على الثقافات الأخرى، والتصور أن الغرب ينطلق من النظرية الداروينية التي تؤمن بأن الصراع، وليس التكامل هو الأساس، وأن البقاء للأقوى. ولهذا فلن يتحقق عدل في مسألة التنوع الثقافي طالما أن الغرب يرتكز في أيديولوجياته على نظريات كالداروينية والميكافيلية وغيرها من النظريات المتوحشة، التي تعطي للقوي الحق في التهام الضعيف، ولهذا فحين نتحدث عن التنوع الثقافي والتكامل الثقافي، من المهم أن نقرأ المشهد كاملاً وأن نضع في الحسبان أن التنوع الثقافي في العين الغربية يعني قبول كل منتجاتهم الثقافية، مقابل انتقاء مَا يناسب مِنْ منتجات ثقافية تخص العوالم غير الغربية. وكما يذهب ميشيل فوكو في نقده للعقل الغربي، بأنّ هذا العقل ليس بريئاً إلى الحدّ الذي يوهمنا به، وإنما هو متورط في ممارسات القوة والهيمنة والتسلُّط.
ويلاحظ أن درجة التنوع الثقافي والعرقي في المجتمع يمكن أن تؤثر على تأثير التنوع على الابتكار. فعلى سبيل المثال، إذا كان التنوع الثقافي والعرقي قليلًا في المجتمع مثل السعودية، فقد لا يكون هناك فرص كافية للتعرف على ثقافات وأفكار مختلفة، مما قد يؤثر على المرونة والابتكار.
وعادة ما يتم الحديث عن الانصهار الثقافي وهذا ما عملت عليه الحكومة الأمريكية باستقطاب الثقافات المختلفة، ثم إذابتها في الثقافة الأمريكية في ما سُمّيَ بقدر الصهر (melting pot) مما يعني أن الثقافات الأخرى تنصهر وتذوب في ثقافة البلد المضيف ولا تبقى على حالها. ولكن واقع الحال اليوم يشير إلى عدم نجاح هذه التجربة. وهناك نقطتان مهمتان يجب الإشارة إليهما:
- أولاً: المهاجر عندما يهاجر إلى بلدٍ آخر مختلف في ثقافته فهو يحمل في حقيبته -بالإضافة إلى أغراضه الشخصية- ثقافته بما تحوى من معتقدات وعادات وتقاليد، والإشكالية أن بعض مكونات ثقافته قد تصطدم مع ثقافة المجتمع المضيف أو تخالف قوانينه، وهنا قد يقع هذا المهاجر في إشكاليات مع القانون؛ لأنه قد يمارس سلوكاً مسموحاً في ثقافته؛ لكنه مخالف لثقافة البلد المضيف بل ومخالف لنظام البلد (كشرب الخمر أو الاختلاء غير المشروع، أو لعب القمار… وغيرها). فهنا يفاجئ هذا المهاجر من المساءلة القانونية مع أن سلوكه هذا مسموح في بلده، ويشير كل من ثورستون سللين وفيراكوتي إلى ذلك عندما تناولا صراع الثقافات، ويضرب مثلاً على ذلك مشاكل العمال الإيطاليين في سويسرا.
- ثانياً: معاناة الجيل الثاني من المهاجرين وخصوصاً المسلمين إلى المجتمعات الغربية. حيث يعيشون في حالة من الصراع الثقافي بين ثقافتين مختلفتين: ثقافة البيت وثقافة الشارع. فداخل البيت تُمارَس على الأولاد الثقافة الأم، ثقافة البلد الأصلي في الالتزام الديني وحرمة بعض الممارسات كشرب الخمور والعلاقات خارج إطار الزوجية، أو قبل الزواج وأكل المحرمات وغيرها من الممارسات التي لا تتوافق مع ثقافتهم الأم. بينما عندما يخرجون إلى مجتمع الأصدقاء أو المدرسة أو الشارع تواجههم ثقافة أخرى: ثقافة المجتمع المضيف بكل ما فيها من تنوع واختلاف عن ثقافة المنزل، فيعيش هذا الشاب/ الشابة في صراع بين ثقافتين إن خالف إحداها واجهته متاعب وصعوبات ونبذ. إن حالة الصراع هذه قد تؤدي إلى انحرافات سلوكية لدى بعض أبناء المهاجرين، وهذا ما أشارت إليه بعض الدراسات.
- واقع التنوع الثقافي في المملكة العربية السعودية وجهودها للإفادة منه.
تتكون المملكة العربية السعودية من ثلاث عشرة منطقة إدارية تشترك في الدين واللغة، ولكل منطقة إدارية ما يميزها عن غيرها؛ مثل: اللهجة والعادات والتقاليد، والشعب السعودي لديه الكثير من القيم الاجتماعية التي منبعها القيم الإسلامية؛ مثل: الكرم والضيافة والشجاعة والعزيمة والمحافظة على العلاقات الأسرية، وتأثرت كثير من القيم والعادات والأعراف السعودية بالدين الإسلامي؛ كونه جغرافيًّا انطلق من أرض الجزيرة العربية التي هي الأراضي السعودية اليوم؛ من مكة، من الحجاز، كذلك فإن الثقافة السعودية في كافة مناطقها الثلاث عشرة تأثرت بالموروث الثقافي العربي والقيم والعادات العربية؛ بسبب موقعها الجغرافي في وسط العالم وقوافل التجارة والاختلاط مع شعوب العالم الذين يذهبون ويأتون إليها، وكذلك رحلتا الشتاء والصيف اللتين ذُكِرَتَا منذ قديم الزمان في أراضي الجزيرة العربية، يضاف إلى ذلك ما للحج والعمرة من أثر في تقبل التنوع الثقافي، بسبب الاختلاط بالحجاج والمعتمرين، ما انعكس على ثقافة أهل البلد وسكانها. ويبرز حديثاً ما للجانب الاقتصادي في التأثير على الثقافة، حيث تعد مدينة جدة من أبرز الموانئ على ساحل البحر الأحمر وهي بوابة اقتصادية وثقافية ودينية للسعودية، وهذا بالتالي ينتج عنه اختلاط عدة ثقافات مع بعضها بعضاً وبنفس الوقت سيكون له أثره في الثقافة العامة لسكان المدينة والمناطق المجاورة لها بشكل عام. وفي شرق المملكة توجد المنطقة الشرقية التي تتميز ومعروفة بالبترول. فمنذ اكتشاف البترول في المملكة عام 1933م توافد الكثير من العاملين في حقول النفط من جنسيات ومعتقدات ولغات مختلفة، وقد نتج عنه تغير في ثقافة وسلوكيات وعادات أهل المنطقة، حتى اللغة تأثرت فأصبح شائعاً استخدام كلمات مثل “ليت” ويقصد بها الإضاءة والتي مصدرها من اللغة الإنجليزية Light وكذلك كلمة “هوز”Hose والتي تعني بالعربية خرطوم، وغيرها الكثير من الكلمات.
وفي سياق متصل للسعودية العديد من المبادرات التي تصب في حفظ التراث ودعم التنوع الثقافي وتوثيق التراث غير المادي، حيث تعد فكرة مشروع حصر التراث من المشاريع الرائدة، ومنذ أن وقّعت المملكة العربية السعودية اتفاقية صون التراث غير المادي عام 2003م فقد عملت على تفعيل بنود المعاهدة من خلال المؤسسات الوطنية، ومن المشاريع التي تمت في هذا المجال مشروع كامل وشامل يقوم على حصر وتوثيق التراث الثقافي غير المادي في كافة مناطق السعودية، تقوم عليه الجمعية السعودية للمحافظة على التراث من منطلق دورها كممثل للمجتمع.
أيضاً هناك تنوع ثقافي كبير في السعودية على مستوى اللغة، فمع أن الجميع يتحدثون اللغة العربية، إلا أننا رغم ذلك نلاحظ أن لكل منطقة جغرافية أو قبيلة أو شريحة مجتمعية ما يميزها إما كَلَهْجَة أو كمفردات، حتى إن بعض الكلمات والمصطلحات لا يستطيع أن يفهمها بشكلها الصحيح إلا أهالي المنطقة، وقد تُفهم بشكل مختلف لو قيلت في منطقة جغرافية أخرى في السعودية. مثلاً، كلمة “اقدع” فهي تُستخدم في نجد بمعنى “كل” أي تفضل وكل، لكنها لا تدل على الأكل بشكل مطلق، لكنها محددة بأكل التمر. فعندما يقول أحد أهالي نجد لشخص آخر اقدع، فهو يعني تفضل وكل من التمر. بينما نفس الكلمة وبنفس الأحرف وأسلوب النطق لها معنى مختلف جداً في منطقة جازان، فعندما يقول شخص لآخر اقدع فهو يعني اذهب أو ارجع، وهي دقيقة جداً فهي لا تعني الذهاب والرجوع في أي وقت، بل هي خاصة بوقت النهار فقط وخصوصاً الصبح. فلو قال أحدهم مثلاً أن فلاناً قدع، فهو يقصد أن فلاناً رجع أو عاد في الصباح. ومن الأمثلة أيضاً تلك الكلمات العامية المرادفة لمعنى انظر والتي تختلف باختلاف المنطقة، فهناك من يقول “طالع” وآخر يقول “طانع” وثالث يقول “عانه” ورابع يقول “عين” وكلها تدل على نفس الشيء. والاختلاف اللغوي يصل أحياناً إلى بين أهالي المنطقة الواحدة، فنرى اختلافات بسيطة أحياناً في منطقة ما في أسلوب تشكيل الكلمة أو المد، مثل تلك الاختلافات بين لهجة سكان الخرج وسكان المزاحمية رغم أنهما في منطقة الرياض، كما تختلف لهجة أهالي الزلفي عن بريدة، ولهجة أهالي صامطة عن بيش في منطقة جازان.
كما تختلف هذه العادات والتقاليد بين شرائح المجتمع السعودي، ورغم ذلك فإن الكل يتقبل هذا الاختلاف ويتفهمه، فعادات الزواج في جنوب السعودية تختلف عن عادات الزواج في شمالها، وأسلوب الاحتفال في غرب السعودية يختلف عن شرقها، حتى إن الاختلافات تحصل في الوقت الذي يبدأ فيه الاحتفال بالزواج، فهناك من يبدؤون مراسم الاحتفال بالزواج منذ العصر، وهناك من يبدؤون قرب منتصف الليل.
ومن الجهود التي قدمتها السعودية مؤخراً فيما يتعلق بالتنوع الثقافي الموافقة على انضمام المملكة إلى اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي لعام 2005م، وتتضمن الاتفاقية عدة أهداف (أم القرى، 2023):
- حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي.
- تهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها تفاعلاً حراً تُثري من خلاله بعضها بعضاً.
- تشجيع الحوار بين الثقافات لضمان قيام مبادلات ثقافية أوسع نطاقاً وأكثر توازناً في العالم دعماً للاحترام بين الثقافات وإشاعة لثقافة السلام.
- تعزيز التواصل الثقافي بهدف تنمية التفاعل بين الثقافات بروح من الحرص على مد الجسور بين الشعوب.
- تشجيع احترام تنوع أشكال التعبير الثقافي وزيادة الوعي بقيمته على المستوى المحلي والوطني والدولي.
- تجديد التأكيد على أهمية الصلة بين الثقافة والتنمية بالنسبة لجميع البلدان، وبالأخص للبلدان النامية، ومساندة الأنشطة المُضَّلع بها على الصعيدين الوطني والدولي لضمان الاعتراف بالقيمة الحقيقية لهذه الصلة.
- الاعتراف بالطبيعة المتميزة للأنشطة والسلع والخدمات الثقافية بوصفها حاملة للهويات والقيم والدلالات.
- تجديد التأكيد على حق الدول السيادي في مواصلة واعتماد وتنفيذ السياسات والتدابير التي تراها ملائمة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي على أراضيها.
- توطيد التعاون والتضامن الدوليين بروح من الشراكة، ولا سيما من أجل النهوض بقدرات البلدان النامية على حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي.
وقد جاءت مشاركة المملكة العربية السعودية ضمن دول العالم في اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، الذي يصادف 21 مايو من كل عام، بهدف تشجيع الحوار بين جميع الحضارات والثقافات على أسس الاحترام والتفاهم المتبادل، وذلك بهدف تعزيز مناخات التلاقي والانفتاح على الثقافات الإنسانية ببعديها المعاصر والتراثي.
وتتخذ المملكة من التنوع الثقافي سبلاً لغرس قيم المحبة، وتعزيز ثقافة التعايش السلمي والاعتدال والتسامح، حيث تقيم المملكة علاقات ثقافية مع عدد كبير من دول العالم، كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، وتُعد من أبرز الدول الداعمة لمشروعات حفظ التراث العالمي وحماية الآثار والتعريف بالثقافات والتواصل بين الحضارات.
وتبذل المملكة -ممثلة في وزارة الثقافة- جهوداً لخدمة الثقافة والتنمية المستدامة بما يخدم مستهدفات رؤية المملكة 2030، والتي تؤمن بقوة الثقافة والتراث الثقافي والحفاظ عليه، منفذة المبادرات الطموحة لتنمية القطاع الثقافي السعودي بكل أبعاده الإنسانية والحضارية، حيث وضعت الرؤية الطموحة تطور الثقافة جزءاً أساسياً لأهدافها التنموية.
واستطاعت المملكة منذ تأسيس وزارة الثقافة عام 2018م، المحافظة على التراث الغني والتقاليد العريقة والمتنوعة التي تنتمي لـ 13 منطقة، حيث ترتكز توجهات الثقافة في المملكة على أربعة مبادئ أساسية هي القيادة، والدعم، والرعاية، والتطوير لـ 16 قطاعاً ثقافياً وهي اللغة والترجمة، الموسيقى، المتاحف، التراث، المكتبات، المسرح والفنون الأدائية، التراث الطبيعي، المهرجانات والفعاليات الثقافية، فنون العمارة والتصميم، الأفلام، الأدب، الفنون البصرية، فنون الطهي، الأزياء، المواقع الثقافية والتراثية، الكتب والنشر، إلى جانب إطلاق 27 مبادرة ثقافية تعد هي فقط البداية، وأبرزها مجمع الملك سلمان للغة العربية وبرنامج الابتعاث الثقافي وبرنامج ترجم وأكاديميات للفنون وتوثيق التراث الشفهي وغير المادي وغيرها.
وتسعى المملكة لأن تخدم هذه التوجهات الثقافية ثلاثة أهداف رئيسة هي: الثقافة كنمط حياة، والثقافة من أجل النمو الاقتصادي، والثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية. بحيث تكون مساهمة مع شركائها من دول العالم المختلفة في التنمية الدولية المستدامة، وفي سبيل الترويج للثقافة السعودية عالمياً، والمعتدة بتاريخها وإرثها وتقاليدها العريقة، إلى جانب تكريس الجهود لجعل الثقافة عاملاً هاماً للتعايش والحوار والسلام، وبناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.
ويُعد التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب؛ بل أيضاً كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، وميزةً ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، في حين يساهم القبول بالتنوّع الثقافي والإقرار به في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات، وفي بلوغ تبادل الاحترام والتفاهم.
يذكر أن اليوم العالمي للتنوع الثقافي يتيح فرصةَ تعميق مفهوم الشعوب لقيم التنوع الثقافي، ودعم الأهداف الأربعة لاتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي اعتمدتها اليونسكو؛ لغرض دعم النظم المستدامة لحوكمة الثقافة، وتحقيق تبادل متوازن من السلع والخدمات الثقافية، ودمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
- الثقافة والهوية في ضوء تجربة أهل الزبير كنموذج مجتمعي سعودي.
من المهم التأكيد أن لكل مكان شخصية؛ لكن للإنسان بصمة واضحة قد تُغيِّر من شخصية المكان وهويته. ومن الضروري في هذا السياق الاستفادة من تجربة أهل الزبير الاجتماعية. والاستشهاد بنموذج مجتمعي سعودي (المهاجرين النجديين) الذين أجبرتهم ظروف الحياة في مرحلة معينة إلى مغادرة بلادهم إلى مدينة الزبير بالعراق.
لأنه عندما نتحدث عن الزبير، فإننا نتحدث عن كيان سعودي أقامه المهاجرون النجديون على أرض العراق قبل أربعة قرون، مثلهم – مثل العقيلات الذين استقروا بمصر وفلسطين والشام.. لكن الفرق بينهم، أن العقيلات لم يكونوا مجتمع ذي حدود اجتماعية تحافظ عليها من الاندماج مع الثقافات المستضيفة.
وعندما نتحدث عن العوائل الزبيرية، الذين هم بالأصل عوائل نجدية قررت الاستقرار بالزبير لأسباب اقتصادية بحتة في فترة القحط، نجد أنهم جعلوا من الزبير {نجد مصغرة}.
لأنه عندما نزحت الحمائل النجدية إلى تلك الأرض التي تقع طرف الصحراء (مدينة الزبير)، ظلت متمسكة بعاداتها وتقاليدها النجدية، وأبت الانصهار في المجتمعات الأخرى. وأنشأوا إمارة خاصة بهم بطراز معماري نجدي تمامًا جعل من الزبير مدينة نجدية قبل أن تكون عراقية. وهناك أسسوا لأنفسهم نظامهم الاجتماعي الخاص، حافظوا فيه على تقاليدهم تلك التي نشأوا عليها في موطنهم الأصلي – هي ذات القيم والتقاليد التي حملوها معهم من قراهم في نجد، وتوارثوها أباً عن جد-، حتى إن بعض العادات والتقاليد انقرضت في نجد ولكنها بقيت في الزبير..!
وكان تمسك أهل الزبير بعاداتهم وتقاليدهم النجدية قويًا رغم المغريات الكثيرة من حولهم، ووقفت هذه العوائل النجدية وقفة تصميم وإرادة أمام هذه المغريات.. وحافظوا فيها على خصوصيتهم من لهجة وأسلوب في المعيشة ومن طراز نجدي في البناء وفي الملبس والمأكل.
كانت عاداتهم نفس عادات أهل نجد، إلا أنهم سبقوا أهل نجد بالتعليم وتأثرت لهجتهم باللهجة العراقية مع بعض المفردات النجدية القديمة. وكان تعصبهم في مسألة الزواج والتمييز في النسب جليًا رغم بعدهم عن نجد لسنوات طويلة. كما يغلب عليهم الاقتصاد بالصرف وليس البخل كما يُتّهمون لأنهم عاشوا الفقرين – فقر نجد وفقر العراق – وتعبوا في كسب الرزق.
وفي نفس السياق الاجتماعي لم ينقطع «أهل الزبير» عن أقاربهم وقراهم التي جاءوا منها، حيث إنَّ ما اشتهر عنهم هو (حبهم لوطنهم الأم) وتواصل ولائهم لحكام السعودية أسرة آل سعود الرشيدة.
صحيح كان يفصل مدينة الزبير عما حولها سور يكتنف هذا المجتمع النجدي بكل جزئياته؛ لكن في نفس الوقت أظهر قاطنوه قدرتهم على التفاعل (الحذر) الذي من شأنه ألا يؤثر على ثوابتهم، الدينية والاجتماعية، التي نشأوا عليها وحملوها معهم مهاجرين إلى موطنهم الجديد. ومدوا أذرعًا للتواصل والعمل وبناء علاقات عامة مع أهل المنطقة، ومن ثم، مع أهل مناطق العراق عامة تميزت بالنجاح الكفاءة والسيرة الطيبة؛ لذا كانت علاقتهم مع الآخرين جيدة جدًا، فهم لا يعانون من التخندق الطائفي؛ لكن لا يفضلون الخوض في الشؤون الطائفية والمذهبية، ويمتازون بالعقلية التجارية وبالانفتاح والمودة والتسامح.
ومن أجل ديمومة المحافظة على كل ذلك الطابع المتميز لأهل الزبير، فضلت عوائلها العزلة في تلك البقعة الصحراوية، وأبوا أبناء نجد وشيوخها بأن يسكن معهم أجنبي غيرهم. وظلوا على هذا المنوال من جهة عدم سماحهم لأن يسكن معهم في بلدهم غيرهم.
حتى هذا التاريخ – العقد الرابع من القرن العشرين الميلادي عند اكتشاف البترول في أراضيها -، حيث توافدت من أنحاء العراق العمالة والموظفون العاملون في هذا الحقل وغيره من الأعمال الأخرى.
وحتى نربط جميع ما سبق ذكره عن أهل الزبير بموضوعنا الأساسي، وهو أثر التنوع الثقافي على التنمية المجتمعية، من المهم أن نوضح أنه كان لتلك العوائل النجدية مساهمة واضحة في تنمية المكان الذي قطنته (منطقة الزبير) وساعدت في نهضته على مدى سنين طويلة. حيث أسس النجديون فيها إمارتهم المستقلة المختلفة عن بقية المناطق العراقية، وأطلقوا على أجزائها ومعالمها أسماء منسوبة إلى عائلاتهم مثل «الراشدية» و«السلمانية» و«الزهيرية» و«الخميسية». وعلى المنوال نفسه بنوا بيوتاً وجوامع أطلقوا عليها أسماءهم مثل بيت المنديل وبيت البسام وبيت الذكير وجامع النجادة ومسجد الزهيرية، ومسجد الصبيح، وجامع الإبراهيم، ومسجد الدليجان، وغيرها. ولا زالت بيوت مدينة الزبير القديمة ومناطقها في محافظة البصرة العراقية، تُحفظ بأسماء من شيدوها وسكنوها عبر مئات السنين مثلما تحفظ الدروب القديمة خطى من ساروا عليها.
والجدير ذكره، في السياق نفسه، أنه بعد اتساع بلدة الزبير وكثرة سكانها من مهاجري بلاد نجد أصبح لها كيان تجاري يُذكر، وعلى مر السنين أصبح لهم علاقة تجارية مع كثير من البلاد، فسيَّروا القوافل التجارية إلى أنحاء العراق وبلاد الشام وتركيا والبلاد الأوروبية وكذلك نجد، وسيَّروا السفن التجارية إلى بلدان الخليج وبلاد الهند وبلاد البحار الأخرى كعدن وسواحل إفريقيا والصين وأميركا، وأقاموا لهم في كثير من البلدان البيوت التجارية، كما أصبحوا هم وكلاء لتجارها وشركاتها، كما أصبحت بلدة الزبير محط القوافل التجارية والبريدية ومكاتب الرسوم الجمركية.
كما أن النجديين في الزبير كانوا سباقين إلى تنظيم شؤون بلدتهم إداريًا وخدمياً من خلال انتخاب مجلس بلدي سنة 1922، ما يدل على وعيهم المبكر بهذا الموضوع الحضاري.
حقيقًة أن النجديين في الزبير، بعد أن بنوا أنفسهم وعمَّروا بلدتهم، اتجهوا إلى المساهمة في تنمية ونهضة العراق وبعض البلدان الخليجية من خلال تأسيس دور العلم فيها. ومن جهة أخرى خاض نجديو الزبير غمار العمل السياسي والصحفي، فبرزت منهم أسماء في التاريخ السياسي للدولة العراقية.
وبعد عودة «أهل الزبير» إلى ربوع المملكة العربية السعودية في زمن الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله-، حيث ساهموا (ذكوراً وإناثاً) في نهضة وتطوير وطنهم العزيز. وكان توقيت عودتهم للسعودية مهماً جداً وعاد عليهم بالنفع الكثير؛ حيث شغلوا مناصب حكومية ومراكز علمية واقتصادية مهمة مستفيدين مما حصلوا عليه من تعليم راقٍ في المدارس والجامعات العراقية.
وظهر نتاج تجربتهم الغنية في سكن وتعمير منطقة الزبير، بالانعكاس الإيجابي على مجتمعنا السعودي. فقد حققت هجرتهم العكسية إلى أراضي أجدادهم نجاحات كبيرة لهم في مجالات الاقتصاد والتعليم. وكان (الزبارى) في المنطقة الشرقية يبتعثون بناتهم للخارج لإكمال تعليمهم الجامعي، في وقت كانت لا تزال نسبة كبيرة من فتيات السعودية تواجه رغبة أهاليهم في منعهم من التعليم.
ورغم اندماج الأسر الزبيرية سريعًا في مجتمعهم الجديد، لكن استمرت رغبتهم في السكن متجاورين – تجدهم مثلاً في الرياض قديمًا كانوا يسكنون الأعشى والبطيحة، فيما تركزوا لاحقًا في شرق الرياض في أحياء معينة (الخليج والروضة وبغلف) -، واستمر حرصهم الشديد على عدم التخلي عن صفات جميلة تُميِّز مجتمعهم، من أهمها:
- احتواء المشكلات العائلية والفردية وحلها في وقت قصير ومناسب ومرض للأطراف.
- السيطرة على شباب العائلة من الجنوح الفكري أو السلوكي واحتضانهم الدائم عبر التجمعات (الديوانيات) المكثفة.
- الحرص على إيجاد التجمعات العائلية التي ترفع من ثقافة الشباب والحث على إكمال تعليمهم ومكافأة المتفوقين منهم.
- تعاضد التجار منهم مع أقرباءهم الذي بدأوا التجارة ومؤازرتهم وتمكينهم في السوق.
- الوقوف الجماعي مع المحتاج والقضاء على الفقر بينهم من خلال تفقد أحوالهم (وبالأخص الأيتام والارامل وأصحاب الإعاقات منهم) ودعمهم ورفع فاقتهم.
ويمكن الاستفادة من تجربة أهل الزبير الاجتماعية؛ حيث عُرِف عن ثقافة العراق أنها واحدة من أقدم الثقافات في العالم تاريخيًا، والعراق كبلد هو مكان كان يُطلق عليهِ قديمًا بلد الحضارات وموطن نشأة الحضارات القديمة، والتي تركت أثرها الواضح على حضارات العالم (في اختراع الكتابة المسمارية، وتخطيط المدن، وتطور علم القانون في العالم القديم) ثقافيًا. كما أن للعراق تراثاً غنياً جداً تمثل بكثرة الشعراء، والرسامين، والنحاتين فيه، ومن بينهم من يعتبر الأفضل في العالم العربي، وبعضهم الأفضل على المستوى العالمي. وعلى اعتبار أن التنوع الثقافي يمثل صفة مشتركة للتراث الإنساني المؤثر بشكل عام على التنمية المجتمعية. لذلك نجد أن العوائل النجدية تركت بصمة لا تنسى في الزبير، ووضعوا بعد عودتهم لموطنهم الأصلي بصمة خاصة تميزهم عن غيرهم رغم التغييرات الجوهرية التي طرأت على الحياة المعاصرة، وحلول عصر العولمة الذي نعيش تفاصيله وتطوراته يومًا بعد يوم.
إن تناول مسارات الحالة الاجتماعية للمكون الوطني من أهل الزبير يمثل حالة دراسية مهمة في إثبات دور التنوع الثقافي في تطوير المجتمعات وإحداث النقلات الفكرية والنوعية لتطوير المجتمع، بجانب دورهم في نقل التنظيم الداخلي المتقن للحفاظ على الأمن والأمان والاستقرار الفكري والاجتماعي لأبنائهم وعائلاتهم من خلال ترتيب أواصر القرب والتكاتف والتعاون بينهم، مما يسهم في تأمين المجتمع والحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية.
- آليات الإفادة من التنوع الثقافي في تعزيز التنمية والتكامل.
يمكن أن يؤثر التنوع الثقافي في المجتمع بشكل إيجابي على نمو وظهور الابتكار. كما أن التنوع الثقافي في المجتمع يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تحديات وصعوبات في التواصل وفهم الآخر، وهذا يتطلب تطوير مهارات الاتصال والتفاهم الثقافي لتحقيق الاستفادة الكاملة من التنوع الثقافي وتعزيز الابتكار في المجتمع.
لا نستطيع -شئنا أم أبينا- إيقاف التواصل مع الشعوب والثقافات خاصة في ظل تطور وسائل الاتصال، ولعل هذا ما يحيلنا إلى أهمية الوعي الفردي والاجتماعي والإيمان بقيمة هذا الوعي على المستويين الفردي والجماعي بتوفير التدريب الأسري والمؤسسي لتنمية القدرة على التمييز بين الصحيح والخطأ مع التأكيد العائلي والمدرسي والمجتمعي على أهمية الاعتزاز، ثم الحماية للمكونات الدينية والثقافية المحلية وإعادة الاعتزاز باللغة العربية وبالممارسات التقليدية المحلية.
وتبقى مسألة تقبل التعدد في حب الوطن، مسألة مفصلية تستحق أن تبحث بشكل مستقل، ولعل هذه المسألة هي التحدي الحقيقي الذي يستعصي على أفهام كثير من محبي الوطن ممن لا يقبلون بمن يشاركهم المواطنة إلا حين يحب الوطن ويضحي له بنفس أدواتهم وطرائقهم.
ويلاحظ أن المدارس العالمية في نظر البعض لها دور مباشر وغير مباشر في مساعدة الطلبة على تقبل الثقافات واحترامها وتقدم مساحة كافية في حرية الاختيار وبناء الشخصية الناقدة، كما أن للمعلمين في هذه المدارس طرقهم الخاصة بهم في مواجهة التحديات الثقافية من خلال إقحامهم بشكل ملمـوس فـي أهـداف الدرس أو استخدام التعليمات بطريقة مباشرة، وقد يكون لتنوع الأنشطة التي تقام في المدارس العالمية لتشمل الأنـشطة المنهجيـة واللامنهجيـة والوزارية دور مهم في إثراء المحتوى الثقافي وتنوعه، مع تركيزها على الاهتمامات العالمية.
كما أنه ثمة دور مهم للمنح الدراسية الجامعية لغير الناطقين باللغة العربية التي كانت تتوسع بها الجامعات السعودية خصوصًا جامعة أم القرى والجامعة الإسلامية وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام محمد بن سعود وغيرها.
وفي سياق متصل فإن الصعود المتواصل للسعودية بسياساتها الخارجية في شتى الحقول يحتاج إلى خلق صورة ذهنية جديدة حول العالم، ولعل مزيداً من التلاقح الثقافي والانفتاح على ثقافات وأديان وحضارات العالم يجعلنا نحن السعوديين أكثر انفتاحاً قبل أن نطلب ذلك من العالم.
وفي سياق متصل، ومع عظمة منجز الوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية ومع جمالية التنوع الثقافي وما يرتبط به من انعكاسات إيجابية؛ لا زال المجتمع على عدة مستويات يعيش حساسيات غير صحية تجاه هذا التنوع على سبيل المثال (“قبيلي” “خضيري”/ “زبيري” ” قصيمي” “حجازي” “جنوبي”، ملتزم، ليبرالي إلخ..)
وإذا كان سؤال التنوع الثقافي وأي تعددية قد تترتب عليه تجعله سؤالاً إشكالياً وهو كذلك بطبعه فإن تجارب مواجهته تتراوح من الصراع للتعايش للتجاور أو الإقصاء إلى الحوار والحلول السلمية.
ولهذا فإن سؤال التنوع الثقافي والتعددية هو سؤال اللحظة وخاصة في هذه المرحلة الحاسمة من التحولات الجذرية التي يمر بها مجتمعنا والذي يبدو واضحاً أنه يتجه نحو تغيير وحل أو حلحلت الكثير من القضايا التي جرى السكوت عنها طويلاً أو تأجيل مواجهاتها لعدة عقود سابقة. ولعله بات من الضروري الآن دراسة تشريعات الدولة ككل واقتراح التعديلات التي تمنع التفرقة وتزيد اللحمة.
كما أن من النقاط الجديرة بالاهتمام، مسألة الجاليات العريضة وخاصة تلك المهمشة على أهميتها في قضية التنوع الثقافي والتي تعيش داخل المجتمع السعودي؛ ولكن معظمها للأسف يعيش متجاوراً مع النسيج الاجتماعي جيرة لا تخلو أحياناً من وحشة الغربة لقلة أرضية التفاعل بينها وبين المجتمع الوطني ولشدة النأي عنها.
ويمكن أن تتولى وزارة الثقافة بالتنسيق مع سفارات تلك الجاليات تنظيم أسبوع ثقافي سنوي لكل جالية في أحد المواقع الأثرية؛ كقوة ناعمة للمملكة تظهر احترامها وتقديرها لهذه الجاليات. مع أهمية الاهتمام بالجوانب التالية والترتيب الجيد لها:
- أن تقوم تلك الجاليات بإبراز كل ما تتميز به مجتمعاتهم ثقافيًا وتراثيًا – مأكولاتهم ولباسهم وتقاليدهم وفنونهم -، بالإضافة إلى عرض ما يميزهم من مقتنيات وخلافه.
- العمل على أن لا يكون الهدف من هذا الأسبوع مادياً بحتاً، وأن يرتقي إلى فضاءات التنوع الثقافي اندماجًا مع مجتمعنا المحلي؛ لإعطاء صورة حقيقية عن التمازج الثقافي فيما بين هؤلاء الجاليات ومجتمعنا بشكل طبيعي بمشاركة كافة فئاتهم بعيدًا عن الفئات الثرية منهم كرجال الأعمال وغيرهم.
- أن يرتبط موعد إقامة هذا الأسبوع مع اليوم الوطني لبلادهم لإعطائه زخمًا إعلاميًا أقوى وتفاعلًا أكبر من قبلهم.
- أن تقوم وزارة الإعلام بتغطية تلك الأسابيع بشكل وافٍ لإبراز واقع هذه الحاليات في مجتمعنا، ودورهم المهم في واقعنا اليومي؛ لتحقيق الهدف المرجو بدمجهم مع المجتمع السعودي بصورة أفضل بعيدًا عن الرئيس والمرؤوس، والكفيل والعامل.
وبما ينعكس عليهم إيجابًا، ويعطي صورة جميلة لبلدانهم عن حياتهم الكريمة وتعايشهم الطيب في أنحاء بلادنا.
ولعل التساؤل حول كيفية تطوير وحماية هذا التنوع الثقافي في المملكة وجعله يسهم في تطوير مجتمعاتنا، يجعلنا نوجه الأنظار نحو أهمية برمجة مناهج وبرامج اجتماعية تهتم بتعليم قيم التعايش وتحد من العنصرية والتمييز ضد الآخرين الذين يختلفون عنهم في الثقافة أو اللون أو الدين أو القبيلة.
إن التغيرات التي يمر بها مجتمعنا اليوم تجعل من سؤال التنوع الثقافي السؤال الملح والعامل الحاسم، والذي يجب أن نوليه كثير من الاهتمام والجهد لتعزيز الوحدة والانتماء الوطني. ولتحقيق هذا، علينا أن نعترف بالتعددية الثقافية، ونحترمها، ونتعامل معها بطريقة إيجابية ومنفتحة. وفي الوقت نفسه، يجب أن نسعى لخلق جو من الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة، وتعزيز القيم المشتركة والمحترمة بينها.
إن التنوع الثقافي، رغم ميزاته العديدة في تعزيز التسامح والاحترام للآخر، يحمل بعض الصعوبات والتحديات التي قد تؤثر على الهوية الثقافية للمجتمع، خاصة مع غياب التوازن بين تقبل الثقافات المتنوعة والحفاظ على استقرار الهوية الثقافية المحلية. وبالنسبة للانتقائية في قبول العادات والتقاليد الثقافية الأخرى يجب أن نقتصر على ما يتوافق مع مبادئ وقيم مجتمعنا دون السماح بتغول أي ثقافة أخرى على الثقافة الأم. ويبدو التحدي أكبر بالنسبة للأجيال الجديدة التي قد تكون أكثر عرضة للتأثر بالثقافات الأجنبية، وخاصة عندما تبدو هذه الثقافات أكثر جاذبية. ويجب هنا تفعيل دور المؤسسات التعليمية والأسرة في التوعية حول أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية المحلية وتعزيز الثقة بالنفس والاعتزاز بالثقافة الأم. فالهيمنة الثقافية الغربية هي تحدٍّ حقيقي يجب مواجهته. وإذا كانت الثقافة تعتبر سلعة بالفعل، فيجب أن نعمل على تعزيز قيمة سلعتنا الثقافية وعدم السماح لثقافات أخرى بالتغلب عليها. وفي المجمل نحن بحاجة إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على هويتنا الثقافية والقبول بالتنوع الثقافي.
والمؤكد أن تطوير وحماية وتوظيف التنوع الثقافي بشكل عادل وقيم يتطلب جهداً مشتركاً من الأفراد والمؤسسات والمجتمعات والحكومات. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها السعي لتحقيق هذه الأهداف: أولاً، العمل على تعزيز التعليم والتدريب الثقافي. يجب أن نعلم الأجيال الجديدة على أهمية التنوع الثقافي والقيمة الكبيرة التي يضيفها لمجتمعاتنا. يمكن ذلك من خلال دمج التنوع في المناهج الدراسية وتنظيم فعاليات وورش عمل توعية. جنباً إلى جنب مع التشجيع على الحوار بين الثقافات المختلفة. من خلال التواصل والحوار، يمكننا فهم الثقافات المختلفة بشكل أعمق، وكسر الصور النمطية، والعمل نحو بناء التفاهم المتبادل. كما يبرز دور التشريعات في حماية الأقليات وحماية حقوق الإنسان للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية. أما الاعتراف بحق التنوع دون التعارض مع الهوية والانتماء الوطني، فيكون ممكناً من خلال تعزيز مفهوم الوطنية المشتركة التي تحتضن أشكال التنوع المختلفة بدلاً من رفضها.
والواقع أنه لدينا في المملكة الإمكانات والقدرات للاستفادة من التنوع الثقافي الذي لمسناه في السنوات الأخيرة بعد إطلاق رؤية ٢٠٣٠، على أن يتجاوز نطاق العمل في القطاعات الخاصة وذلك من خلال تطوير آلية المشاركات الثقافية بما يساهم في التوعية والتغطية الثقافية لمختلف الفئات، مما يحقق التكامل الثقافي ذو الأثر الإيجابي على التنمية المجتمعية لدينا.
ولا ننسى سابقاً- كيف كان أثر استضافة بعض الدول العربية أو الغربية في مهرجان الجنادرية واطلاع مختلف الطبقات على ثقافات تلك الدول حتى وإن كانت المشاركة (وقتية)! وكذلك دور مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الهام في تعزيز فهم الثقافات (لكن نحتاج لتكثيف الدور وأن يمتد لمختلف الطبقات وخاصة الشباب).
وحيث إن المسئولية تتجاوز طاقة وإمكانات الأسرة لوحدها “لا بد من الدور الفاعل للمؤسسات التعليمية وخاصة للمراحل التعليمية ما قبل الجامعة” لأننا بحاجة لتغيير ومعالجة النظرة النمطية السلبية عن الكفاءات الأجنبية بأنها مصدر خطر يهدد مستقبل الكفاءات الشابة السعودية!
ويجدر التأكيد هنا على أهمية مسئولية وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من حيث عقد الشراكات مع القطاعات الخاصة لإطلاق مبادرات تهدف للاستفادة من الخبرات الأجنبية من حيث تأهيل الكفاءات الشابة بطريقة تساهم في إزالة الحواجز الإدارية والاجتماعية، وتساهم كذلك في نشر الثقافات المختلفة وتصحيح المفهوم الخاطئ عن وجود الأجنبي بيننا مما يعيق التكامل الثقافي.
ولا نغفل دور وزارتي الثقافة والسياحة في نشر مختلف الثقافات سواء محلياً أو خارجياً مع ضرورة أن يتجاوز ذلك التنوع حدود النطاق الترفيهي والغنائي لما هو أعمق من خلال تدشين مبادرات أو شراكات مستمرة يطلق عليها (سفراء التكامل الثقافي) مع الحفاظ على هويتنا الإسلامية والعربية.
ومن ناحية أخرى وبالنظر إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس في جميع أنحاء العالم. وعندما نتحدث عن نقل الثقافة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً هاماً في إيضاح السمات الثقافية للمجتمعات المختلفة. وتبادل المستخدمين لمثل هذه الفيديوهات يعكس تقبلهم ورغبتهم في المشاركة والتعلم عن الثقافات الأخرى. بالنسبة لمدى مصداقية المعلومات التي يتم تعلمها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هذا محل نقاش. بالطبع، أي شخص يمكنه نشر معلومات عبر هذه المنصات وقد تُشكِّك بعض الأحيان في دقة أو صحة المعلومات. بالمقابل، يمكن للناس أيضاً التحقق من المصادر الأخرى والقيام بهم بتقييم وتحليل معلوماتهم على أساس الواقع والتجربة. الإنترنت هو مجرد واحدة من العديد من الأدوات التي نستطيع من خلالها تعلم وتجربة الثقافات المختلفة، لذلك يجب ألا تأخذ أكبر من حجمها وتبقى فقط في هذا الإطار بوصفها إحدى الأدوات الإعلامية.
وبخصوص المخاوف من انتشار الأفكار المضادة للثوابت الدينية والأعراف الاجتماعية، من الضروري التذكير بأن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ليست بالضرورة السبب؛ فهي مجرد أدوات لنقل المعلومات. القضية الحقيقية تكمن في ما نختار للنشر. ويمكننا أن نستخدم هذه الوسائل كفرصة لتعزيز ونشر قيمنا الأخلاقية والثقافية والدينية، بدلاً من السماح للأفكار الغربية والثقافات الأخرى بالطغيان من خلال بناء الوعي الفردي والمجتمعي، ومن ناحية أخرى فبالفعل، المشكلات الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يتخبط فيها الكثيرون من الدول النامية لها تأثيرات سلبية. ومع ذلك، من خلال بناء الوعي والتعليم، يمكننا تمكين الأفراد والجماعات من لعب دور أكبر في التأثير على المستقبل الاقتصادي والسياسي لبلادهم.
- التوصيات
- الموازنة بين الانفتاح على الثقافات العالمية والحفاظ على الهوية الثقافية المحلية واحترامها والحفاظ على التراث والتقاليد.
- احترام مختلف العادات والتقاليد الثقافية. والتي لا تشكل تهديد للهوية الثقافية المحلية وتجنب فرض القيم أو الأعراف الثقافية على الآخرين.
- تشجيع الحوار والتفاهم بين الثقافات وتوفير الفرص للشباب للتعرف على الثقافات الأخرى من خلال الفعاليات الثقافية والأنشطة المجتمعية.
- التأكيد على التعليم والتوعية وإعطاء الأولوية للتعليم في مبادرات بناء الوعي حول موضوع التنوع الثقافي، وتشجيع التعرف على الثقافات المختلفة.
- التأكيد على دور الأسرة في تعليم التعاطف والاحترام للثقافات المختلفة منذ سن مبكرة لتعزيز تفهم الآخر والتعايش معه.
- مكافحة التمييز والتحيز واتخاذ موقف حازم منهما يستند إلى الخلفية العرقية أو الثقافية.
- إطلاق سياسة موحدة للهوية الثقافية التي تسهل مهمة الأفراد والمواطنين، لا سيما الجيل الجديد حال الاحتكاك بأطياف وأعراق أخرى على الحوار، وهو ما يحد من الانسلاخ من الهوية الثقافية. على أن تكون بأسلوب جاذب وسهل التعامل لهذه الفئة.
- خلق منتدى مجتمعي للأشخاص لمشاركة خبراتهم الثقافية.
- تأطير سياسة ترحيبية تشمل كل ثقافة.
- استضافة الأيام الثقافية أو المهرجانات الثقافية في المدارس والجامعات.
- تعزيز الفهم الأعمق للثقافات الأخرى عن طريق تعليم الأفراد كيفية التفكير النقدي بشأن وسائل الإعلام والرموز الثقافية والتصورات الاجتماعية.
- أن يكون التبادل الثقافي معتمداً ما بين الدول وخاصة ذات العلاقات القوية والمشتركة في التبادل الاقتصادي والعلمي حتى لا تكون المبادرة مقتصرة على دولة دون الأخرى، وأن يكون التبادل الثقافي متكاملاً وفاعلاً في أثره التنموي.
- تنظيم أسبوع ثقافي سنوي لكل جالية في أحد المواقع الأثرية المناسبة كقوة ناعمة للمملكة تظهر احترامها وتقديرها لهذه الجاليات.
- التأكيد على تعزيز أهمية القيم الإسلامية للمجتمع المنصوص عليها في القرآن والسنة.
المصادر والمراجع
- سامعي، سهى. (2021). التنوع الثقافي في الجامعات السعودية: وجهة نظر القيادات الأكاديمية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل – العلوم الإنسانية والإدارية، مج 22، ع 1، 69-76.
- بوحبيلة، رابح. (2021). التنوع الثقافي ودوره في إحداث التنمية المستدامة وتقييمه. مجلة العلوم الإنسانية، مج 32، ع 1، 585-594.
- بوقنور، إسماعيل، وزدام، يوسف. (2021). إدارة التنوع الثقافي وتجلياتها في السياسة العامة. مجلة آفاق للبحوث والدراسات، مج 4، ع 2، 514-532.
- الدريدي، جلال. (2022). التنوع الثقافي ونزاعات الكوني. عالم الفكر، ع 185، 203-234.
- مشوح، لبانة. (2021). التنوع الثقافي: غنى والتزام. المعرفة، س 60، ع 691، 5-6.
- هرهار، عبدالله والإدريسي، محمد. (2021). التنوع الثقافي: قضايا وإشكالات، مجلة المستقبل العربي، مج 43، ع 503، 168-175.
- بصافة، أمينة، ومعتوق، فتيحة. (2021). التنوع الثقافي والثقافة الفرعية في الميديا الجديدة: دراسة اثنوغرافية لعينة من المجموعات الافتراضية في الفيسبوك. مجلة أنسنة للبحوث والدراسات، مج 12 , ع 2 65، 82.
- زيات، فيصل. (2020). التحولات الهوياتية والتنوع الثقافي: نحو تأسيس هوية عربية كونية ناهضة. أوراق فلسفية، ع 62، 79-94.
- الريحان، وفاء. (2020). مناهج التنوع الثقافي: الاستيعاب الثقافي نموذجا. آفاق سياسية، ع 59، 28-37.
- اليوم العالمي للإبداع والابتكار | الأمم المتحدة. (un.org)
- أهمية التواصل بين الثقافات | التعريف والأمثلة والمهارات (barrazacarlos.com)
- UAE: A country where cultures meet – News | Khaleej Times
- https://www.khaleejtimes.com/uae/uae-a-country-where-cultures-meet
- Homepage | Ministry for Culture and Heritage (mch.govt.nz)
- https://sites.google.com/a/shps.org.sa/sh/.
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: أ. علاء براده
- التعقيب الأول: د. منصور المطيري
- التعقيب الثاني: د. فوزية أبو خالد
- التعقيب الثالث: د. عفاف الأنسي
- إدارة الحوار: أ. خالد آل دغيم
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- د. فوزية البكر
- د. منصور المطيري
- أ. فهد الأحمري
- د. عبدالرحمن العريني
- د. فهد الغفيلي
- أ.د. محمد المقصودي
- د. عفاف الأنسي
- د. عبدالإله الصالح
- أ. خالد آل دغيم
- د. أماني البريكان
- د. حمد البريثن
- أ. فائزة العجروش
- د. عبدالعزيز الحرقان
- د. عبدالإله الصالح
- د. فوزية أبو خالد
- د. حسين الحكمي
- د. موضي الزهراني
- أ. سليمان العقيلي
- د. محمد الثقفي
- د. خالد المنصور
- د. حميد الشايجي
- د. زياد إدريس
- أ. محمد المعجل
- د. نادية الشهراني