تقرير رقم (108)
نظام المعاملات المدنية السعودي جوهر القوانين السعودية الحديثة
(17/7/ 2023 م)
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يوليو 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: نظام المعاملات المدنية السعودي، وأعد ورقتها الرئيسة د. محمد المقصودي، وعقب عليها كلاً من أ. إبراهيم المحيميد، د. نجلاء الحقيل، وأدار الحوار حولها د. موضي الزهراني.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي.
- الورقة الرئيسة: د. محمد المقصودي
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: أ. أحمد بن إبراهيم المحيميد
- التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل
- إدارة الحوار: د. موضي الزهراني
- المداخلات حول القضية
- مرحلة ما قبل صدور نظام المعاملات المدنية.
- مضمون وأهمية نظام المعاملات المدنية.
- الآثار المترتبة على تطبيق نظام المعاملات المدنية.
- متطلبات إنفاذ نظام المعاملات المدنية.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي.
يتناول هذا التقرير نظام المعاملات المدنية السعودي كنموذج للقوانين السعودية الحديثة. وأشار د. محمد المقصودي في الورقة الرئيسة إلى أنه وكما أعلن ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان فقد صدر المرسوم الملكي رقم (م/ 191) وتاريخ 29/11/ 1444هـ بإقرار نظام المعاملات المدنية بعد استكمال الإجراءات النظامية لدراسته في مجلس الشورى، وفقاً لما يقضي به نظامه وهو ثالث مشروعات منظومة التشريعات المتخصصة صدوراً التي جرى الإعلان عنها بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1442هـ الموافق 8 فبراير 2021م، وهي نظام الأحوال الشخصية ونظام الاثبات وبقي منها مشروع نظام العقوبات. وقد اشتمل النظام على 721 مادة شملت مجمل التعاملات المدنية المتصورة بين الناس، ويشتمل نظام المعاملات المدنية على أحكام تحدد جميع ما يتعلق بالعقود مثل: أركان العقد، وحجيته، وآثاره بين المتعاقدين والأحكام المتعلقة ببطلانه وفسخه وأحكام الفعل الضار وقواعد التعويض عنه، وتطرقت نصوصه النظامية كذلك إلى جميع صور الملكية وأحكامها وكذلك تقرير مبادئ التعويض عن الضرر المادي والمعنوي، وهو يمثل نقلة كبرى منتظرة ضمن منظومة التشريعات المتخصصة وقد روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وأتى منسجماً مع التزامات المملكة الدولية في ضوء الاتفاقيات التي صدقت عليها، بما يحقق مواكبة مستجدات الحياة المعاصرة.
بينما أكَّد أ. إبراهيم المحيميد في التعقيب الأول على أنه ضمـــن مبـــادرات تطويـــر البيئة التشـــريعية فـــي المملكـــة العربية الســـعودية، صدر نظـــام المعاملات المدنيـــة ضمن مجموعة من الأنظمة المستهدف أن تســـهم فـــي زيـــادة التنبـــؤ بالأحكام القضائية، ورفـــع مســـتوى الشـــفافية، إلى جانـــب تعزيز اســـتقرار الأحكام القضائيـــة، وزيادة الثقـــة في البيئة الاستثمارية فـــي المملكة. ويعد النظام حاكمـــا علـــى جميع المعاملات المدنية، ما لـــم يوجد نظام خـــاص ينظم معاملات خاصـــة فالعبـــرة بالنص الخاص.
في حين ذكرت د. نجلاء الحقيل في التعقيب الثاني أنه ومنذ انطلاق رؤية 2030، ونحن نرى قفزات تاريخية يشهد لها العالم أجمع في الحياة داخل المملكة، كما انعكست هذه القفزات أيضاً على مركز المملكة دولياً، وهذا أمر نفتخر به كمواطنين سعوديين يهمنا أمر هذا الوطن ويهمنا ازدهاره واستقراره. من ضمن مستهدفات الرؤية منذ انطلاقها، جذب الاستثمار الأجنبي ورفع الناتج المحلي من ناحية، ورفع جودة الحياة للمواطنين والمقيمين من ناحية أخرى. ومن أهم الاركان التي تحقق هذا الهدف، هو تطوير الأنظمة الموجودة آنذاك، واستحداث أنظمة جديدة للمواضيع التي لا يوجد بها أنظمة، وتقنين الأنظمة التي كانت تعتمد بشكل كبير على أحكام الشريعة الإسلامية والآراء الفقهية. وفي هذا الإطار كان صدور نظام المعاملات المدنية.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
- مرحلة ما قبل صدور نظام المعاملات المدنية.
- مضمون وأهمية نظام المعاملات المدنية.
- الآثار المترتبة على تطبيق نظام المعاملات المدنية.
- متطلبات إنفاذ نظام المعاملات المدنية.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
- رفع الثقافة القانونية لكافة فئات المجتمع.
- متابعة عقود الجهات الخدمية والتأكد من وضوح مضامينها بما يتوافق مع نظام المعاملات المدنية.
- توجيه مراكز البحوث لعمل دراسات تضمن تفعيل مستهدفات النظام وتحقق الأهداف المخطط لها من سّن وإصدار نظام المعاملات المدنية.
- حثّ الجامعات على تحديث خططها الدراسية لتتوافق مع الأنظمة العدليّة الجديدة وتخصيص مقررات لتلك الأنظمة.
- أهمية مشاركة الجامعات من خلال التخصصات الشرعية والقانونية في اختيار موضوعات الرسائل الجامعية المتخصصة في شرح موضوعات النظام ومواده.
- أهمية تأصيل مبادئ للتعويض المادي والمعنوي وتقديره واحتسابه والبحث والتدريب في مجاله.
- عقد برامج تدريبة وورش عمل وندوات تنظمها الكليات المتخصصة بالجامعات ومراكز التدريب المتخصصة ومجلس القضاء الأعلى تستهدف القضاة والمحامين والمستشارين الشرعيين والقانونيين تتناول النظام ومواده ولوائحه وما يستجد حوله من قضايا وموضوعات على ضوء واقع المجتمع السعودي وعلاقته الدولية الاقتصادية.
- الورقة الرئيسة: د. محمد المقصودي
حرص القيادة السعودية على تحديث الأنظمة وتدوينها في مواد واضحة:
يأتي حرص قيادة بلادنا بحقوق المواطنين ومن يقيم بها وعلى رأسهم الرجل الإصلاحي الكبير الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله – وولي العهد القانوني الرصين محمد بن سلمان – وفقه الله – استكمالا لوتيرة التطور التدريجي لبلدنا عبر العصور والمدروس بعناية وعمق وبما يتوافق مع طبيعة ومرتكزات وثوابت الدين الإسلامي العظيم وطبيعة ومسارات المجتمع، ولعل سرعة البت في إصدار ما يسمى بقانون الشعوب في كافة الأنظمة العالمية والذي يعد المرجع الأساس لتنظيم العلاقة بين الأفراد في تعاملاتهم المدنية في حالات المنازعة والخلاف بين الأفراد، يؤكد على نشر ثقافة حقوق الإنسان وحرص القيادة والشعب على تجسيد العدل كأساس للحكم. وكما أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان عن صدور المرسوم الملكي رقم (م/ 191) وتاريخ 29/ 11/ 1444هـ على نظام المعاملات المدنية بعد استكمال الإجراءات النظامية لدراسته في مجلس الشورى، وفقاً لما يقضي به نظامه وهو ثالث مشروعات منظومة التشريعات المتخصصة صدوراً التي جرى الإعلان عنها بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1442هـ الموافق 8 فبراير 2021م وهي نظام الاحوال الشخصية ونظام الاثبات وبقي منها مشروع نظام العقوبات.
وقد اشتمل النظام على 721 مادة شملت مجمل التعاملات المدنية المتصورة بين الناس ويشتمل نظام المعاملات المدنية على أحكام تحدد جميع ما يتعلق بالعقود مثل: أركان العقد، وحجيته، وآثاره بين المتعاقدين والأحكام المتعلقة ببطلانه وفسخه وأحكام الفعل الضار وقواعد التعويض عنه، وتطرقت نصوصه النظامية كذلك إلى جميع صور الملكية وأحكامها وكذلك تقرير مبادئ التعويض عن الضرر المادي والمعنوي، وهو بحق يمثل نقلة كبرى منتظرة ضمن منظومة التشريعات المتخصصة. وقد روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وأتى منسجماً مع التزامات المملكة الدولية في ضوء الاتفاقيات التي صدقت عليها، بما يحقق مواكبة مستجدات الحياة المعاصرة.
أهداف النظام ودورة في تعزيز التنمية والعدالة الناجزة:
من أهداف النظام تحقيق مبادئ كبرى تتمثل في حماية الملكية واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات، وآثارها ووضوح المراكز القانونية؛ مما ينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال ويزيد من جاذبيتها، ويسهم أيضاً في تنظيم الحركة الاقتصادية واستقرار الحقوق المالية، وفي تسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية وزيادة القدرة على التنبؤ بالأحكام في مجال المعاملات المدنية والحد من التباين في الاجتهاد القضائي وصولاً إلى العدالة الناجزة والإسهام كذلك في الحد من المنازعات، كما أن له أهمية بالغة في تنظيم حياة الناس ومعاملاتهم، وما يقدمه لهم من ضمانات بالحد من تشعب الاجتهادات والآراء الفقهية، الأمر الذي قد يستغله أصحاب الهوى من القضاة للحكم بما يوافق هواهم، كما أنه يعد ضمانا للقاضي نفسه حتى لا يتهم بالزيغ والهوى.
فترتيب إجراءات الدعاوى المدنية في شكل نصوص واضحة وصريحة بداية من تحريك الدعوى وحتى صدور الحكم القطعي البات كل ذلك من شأنه كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم لعلمهم المسبق بالإجراءات الواجب اتباعها عند صدور مظلمة ضدهم أو حكم يرونه متعسفا.
هل كان هناك فراغ تشريعي في المملكة قبل صدور النظام ومدى توافر مبدأ الشرعية القانونية:
يجب أن نشير هنا إلى أنه قبل صدور هذا النظام كان العمل القضائي في بلادنا يسير بشكل منتظم ودقيق وفق الأحكام الفقهية التي أتقنها الفقهاء المسلمين في كتبهم المتفرقة والذي كان القضاة الأفاضل في المحاكم المدنية السعودية يبذلون الجهد الكبير في استخلاص الأحكام العادلة منها، ولذلك أتمنى من المحللين القانونيين ألا يصادروا على المطلوب ويصورون للمتلقي أن هناك فراغ تشريعي قبل ذلك النظام وهو كما ذكرنا جاء مكملاً لمنظومة مبدأ الشرعية والعلم السابق بالنصوص قبل تطبيقها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، أن الاهتمام بوضع حقوق الإنسان وتطبيق مبدأ الشرعية المدنية والجزائية في بلادنا من قبل المهتمين في الحكومة ومن رجال القانون والفقهاء أمر جاد ومستمر بهدف الوصول لوضوح القوانين والإجراءات وتجديدها في كافة المجالات القانونية والتي هي هاجس كافة أفراد المجتمع، حيث أن الهدف الجوهري من وضوح القوانين ووضعها في نصوص واضحة ومدونات هو صيانة وحماية جملة الحقوق التي تعترف بها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية للإنسان من حيث كونه إنساناً. فمنذ أن أقر الأفراد بسلطة إقامة قضاء خاص وحرم المجني عليه من حقه في الانتقام الفردي أخذت الدولة على عاتقها الالتزام بإقامة العدالة في المجتمع وحسن توزيعها على المواطنين، وهو التزام ليس للدولة الوفاء به إذا لم تعمل على إعطاء الحقوق المقررة قانونا للأفراد له الفاعلية والنفاذ عملا وليس بمجرد صياغة القوانين دون تطبيق على أرض الواقع.
إن مبدأ الشرعية القانونية أصبح دولياً بالنص عليه في كافة الاتفاقيات الدولية وقبلها في شريعتنا الإسلامية:
لأنها ملزمة لكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولتطبيق مبدأ الشرعية في المجال المدني والتجاري ومجال التجريم والعقاب ونتائجه في المملكة فإن الأمر يقتضي لإكمال العمل الإجرائي والموضوعي المبدع المتجدد أن يتم التفكير والعمل لإصدار قانون عقوبات موضوعي يوافق واقعنا وذلك لكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم وذلك عند المسبق بما هو مباح من الأفعال وما هو محظور عليهم وبذلك يمارسون حقوقهم وحرياتهم دون خوف أو رهبة كما أن المبدأ يحقق المصلحة العامة لأنه يؤدي إلى وحدة الأحكام الجنائية وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، كما أنه يعد ضمانة للمجرمين إذ يمنع تعسف القاضي من إنزال عقوبة أشد من العقوبة المقررة وقت ارتكاب الجريمة وهو ما سيتم في القريب كما أشار لذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – وذلك بإصدار قانون العقوبات المرتقب.
مستهدفات تطبيق قانون المعاملات المدنية السعودي المستقبلية:
من المتصور أن يحقق تطبيق النظام نقلة نوعية في تاريخ القضاء السعودي، حيث سيسهل على القضاة عملية الرجوع إلى الأحكام، بعد أن كانت متفرقة في كتب الفقه المختلفة، وهذا بدوره سوف يقضي على ظاهرة فوضى الآراء الاجتهادية الفقهية المختلفة، مما يؤدي إلى ضمان عدم صدور أحكام مختلفة من محكمة واحدة في قضايا متشابهة.
إضافة إلى ذلك سوف يسهم تطبيق النظام في تخفيف الجهد على المحكمة العليا في توحيد وضبط المبادئ القضائية فيكون الحاكم هنا هو نص النظام، مما لا يضطر أعضاء المحكمة العليا للاجتماع بين الوقت والآخر لتقرير مبدأ قضائي ملزم للقضاة كما هو قائم في فترة ما قبل تطبيق النظام. ومن مستهدفات النظام مسايرة الأسس الاجتماعية والاقتصادية المتطورة، في حدود اتجاهات الدولة، وفي نطاق المبادئ الإسلامية، التي لا تقل انطلاقا وتطورا عن غيرها في سبيل تحقيق العدل والخير العام والتنمية الاجتماعية للبلاد وأهلها بما يتوافق مع أحدث المسارات والتطبيقات العالمية.
ويلاحظ أن المنظم قد أستهدف أن يكون النظام متلبسا بروح الشريعة الإسلامية، ومقاصدها الكلية، حيث أعمل المشرع المبادئ الكلية والمفاهيم العامة التي جاءت بها الشريعة مثل مبدأ رفع المشقة والحرج عن المتعاملين، ورفع الضرر، والتيسير على الناس، وحمل تصرفاتهم على الصحة ما وجد إلى ذلك سبيلا، والمتتبع لنصوص القانون يلمس ذلك بكل وضوح وهو ما يتوافق مع نص المادة الثامنة والاربعون من النظام الأساسي للحكم والتي تنص على أن (تُطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يُصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة).
جاء النظام بطريقة تواكب مكانة المملكة العربية السعودية الاستراتيجية بحيث:
يَشمَلُ كَافَّة التعاملات، باستثناء التعاملات ذات الطبيعة الخاصة كالتعاملات التجارية والإدارية، لذا، فإنَّ نظام المعاملات المدنية هو التشريع المعياري الأساسي والمايسترو الذي سيُشكّلُ القواعد النظامية العامة في المملكة العربية السعودية.
وقد كان المنظم في المملكة في هذا السياق بين خيارَيْن؛ أحدُهُمَا مدرسة القانون المدني[1]“وهي التي تَعْتَمِدُ على النصّ النظري، وبين مدرسة القانون المجمع[2] التي تَعتَمِدُ على التطبيق القضائي؛ وقد اختارت المملكة مدرسة القانون المدني لأنها الأكثر انتشاراً والأقرب للعدالة الناجزة، والأقدر على تجاوز التناقضات التطبيقية للقانون، حيث نجد أن من مبادئ تطبيق القانون المدني أنه يتمُّ إسقاط القواعد النظرية الجاهزة على الوقائع العملية؛ الأمر الذي يَضمَنُ هامشاً من توقع التطبيق القضائي، أما في القانون المُجمَّع فيتم إسقاط الاجتهاد القضائي التطبيقي المستقرّ وبعض القواعد التفصيلية المتناثرة على الوقائع العملية، وهو ما قد يُسبّب غموضاً في البيئة التشريعية الأساسية، وقد يذهب بعيداً في سلطة التقدير القضائي بما يصعب، تَوَقُعِ مَدَاهُ أو تحديد مُنتَهَاهُ.
الأحكام والمسارات المالية الأساسية في القانون المدني:
تؤكد القوانين المقارنة حول العالم وقبلها في الشريعة الإسلامية أن أهم الأحكام الجوهرية التي يُنَظِمُها التقنين المدني، هي نظريَّتي العقد والالتزام وفق التفصيل التالي:
- الحقوق؛ من حيث طبيعتها، وقيامِهَا، وثُبُوتِهَا، والتنازل عنها وانقضائها، سواءً أكانت حقوقاً أصليةً؛ كالملكية، أم تبعية أي التي تَتبَعُ عين عقارٍ؛ كالرهن.
- العقد؛ من حيث الإيجاب والقبول، والإبرام، والآثار، والالتزامات.
- المسؤولية المدنية؛ عبر تحديد أركانها في الخطأ والضرر والعلاقة السببية وتحديد كيفية قيام المسؤولية ونفيها.
وفي المجمل، فإن هذه الأحكام التشريعية الجوهرية هي في الواقع قواعد قانونية عامة، يتلوها قواعد تفصيلية لكل العقود والتصرفات ذات الطبيعة الخاصة كالعقود التجارية ومدد التقادم في الدعاوى والتعويض عن الضرر المادي والمعنوي وتطبيق مبادئ الظروف القاهرة (الطارئة) وغيرها في تفصيلات النظام.
المعاملات المدنية وعلاقته بالقواعد التجارية المعيارية:
من المتفق عليه لدى فقهاء القانون أن القانون التجاري ينتَمِي إلى فئة القانون الخاص، فعلى الرغم من كونه قانوناً ذو طبيعة خاصة، وأنَّه بالأساس أعرافٌ تَحَوَّلَتْ إلى نصوص قانونية مُلزِمَةٍ، وأن الأعراف التجارية ما تزالُ مَصدَراً من مَصَادِر تنظيم التعاملات التجارية، إلا أن هذه التعاملات كانت بحاجة إلى قواعد عامةٍ واضحةٍ يتمُّ الرجوع إليها في حالة الفراغ التشريعي التجاري وانتفاء أو صعوبة إثبات العرف التجاري، وهنا نَجِدُ أن نظام المعاملات المدنية قد صَدَرَ بتنظيمٍ صريحٍ لأحكام العقد وكيفية إبرامه، وهي قواعد تنطبق على العقود التجارية بما لا يُخَالِفُ النصوص التجارية الصريحة، ولا يَتَنَافى مع الطبيعة التجارية. كذلك نجد أن نظام المعاملات المدنية قد نَظَّمَ بعضاً من العقود المُسَمَّاة وثيقة الارتباط بالبيئة التجارية كعقد، الشركة، والقرض والمضاربة والمقاولة والوكالة وغيرها من العقود التي يشهدها الواقع العملي، بحيث لا يوجد عقد أو تعامل حياتي لم يتم شموله في النظام.
الخاتمة
ليثق الجميع محليا وحول العالم أن ما يحدث في بلادنا من قفزات نوعية في مجال الإجراءات العدلية وحقوق الإنسان وما يحفظ مقدرات المجتمع والأجيال القادمة منبعها داخلي بحت هدفه سيادة الحق والقانون للجميع ولا مكان لدولة بحجم بلدنا العظيم أن يكون تطورها في أي مجال كان ردة فعل لما يحدث من انتقاد غير منصف ومسيس من بعض الكتاب الغربيين المعاصرين والمنظمات الحقوقية، وعلى من أراد الحق منهم وهم كثر كما نرى في بعض المؤتمرات العالمية – الفهم الدقيق للمستجدات الواقعة في المملكة والعلم وجوهر وأهداف ومنطلقات فقه الواقع الإسلامي في التجريم والعقاب وصلاحيته لكل زمان ومكان، وكذلك التمعن في اختلاف الفلسفات الفكرية حول مبدأ الشرعية بمفهومه الحياتي الواسع وعبر مختلف الثقافات، أما من انطلق منهم من توجهات سياسية وتحكم فليس مجالنا الاهتمام بهم فالعلم والحق وتطور مجتمعنا هو هدفنا ومقصدنا الذي ندين الله به في الدنيا والآخرة.
- التعقيبات:
- التعقيب الأول: أ. إبراهيم المحيميد
مقدمة
ضمـــن مبـــادرات تطويـــر البيئة التشـــريعية فـــي المملكـــة العربية الســـعودية، صدر نظـــام المعاملات المدنيـــة الذي يعد أحـــد أربعة أنظمة أعلن عنها صاحب الســـمو الملكـــي الأمير محمد بن ســـلمان بن عبد العزيـــز ولي العهد رئيـــس مجلس الوزراء حفظـــه اللـــه-، وهـــذه الأنظمة ستســـهم فـــي زيـــادة التنبـــؤ بالأحكام القضائية، ورفـــع مســـتوى الشـــفافية، إلى جانـــب تعزيز اســـتقرار الأحكام القضائيـــة، وزيادة الثقـــة في البيئة الاستثمارية فـــي المملكة.
ونظـــام المعاملات المدنيـــة هـــو مجموعة مـــن القواعد والأحكام العامـــة التي تهـــدف إلى تنظيـــم أحكام العقود والمعاملات المالية بين الأفراد، ويعد النظام حاكمـــا علـــى جميع المعاملات المدنية، ما لـــم يوجد نظام خـــاص ينظم معاملات خاصـــة فالعبـــرة بالنص الخاص. مثـــل: الأحكام المتعلقـــة بعقـــد العمـــل بيـــن العامـــل ورب العمـــل ينظمها نظـــام العمـــل، فـــإن لم يــــوجد حكم خـــاص لواقعة فـــي نظام العمـــل؛ فيرجع فـــي الوصـــول إلى حكـــم هـــذه الواقعة إلى نظـــام المعاملات المدنية.
موضوعات النظام:
- مصادر الالتزام وأحكامه
- أحكام العقود المسماة
- الحقوق العينية
أهداف النظام:
- تعزيز استقرار التعاملات، وتقليل أسباب إبطال العقود أو فسخها.
- حماية الملكية الفردية، فحماية الملكية تسهم في زيادة النشاط الاقتصادي.
- توسيع الحرية التعاقدية، فالأصل في العقود والشروط الصحة والجواز، وهذا ينسجم مع التطور المتسارع الذي تشهده المملكة والذي يتطلب مرونة في إنشاء العقود.
أبرز المضامين:
- تنظيم أحكام العقود والتعاملات المالية في الحياة اليومية العامة مثل: تنظيم عقود البيع والإيجار والمشاركات والمقاولات وغيرها.
- وضع أحكام للتعويض عن الضرر في حال وجود فعل من شخص سبب ضررا بالغير مثل: الإضرار بالممتلكات أو الإضرار بالنفس، وبيان القواعد التي تحدد مقدار التعويض الذي يستحقه المتضرر.
- وضع القواعد والأحكام التي تضمن للدائنين استيفاء حقوقهم من المدينين وتوازن بين مصالح الدائنين ومصالح المدينين
- تنظيم أحكام الملكية، وبيان القيود التي ترد على الملكية مثل: تقييد حق الجار بألا يستعمل حقه استعمالا يضر جاره.
الملامح العامة للنظام
أولا: الالتزام مصادره، وأحكامه:
ضبط أحكام المصادر التي ينشأ عنها التزام شخص تجاه غيره في خمسة مصادر:
- العقد
- الإرادة المنفردة
- الفعل الضار
- الاثراء بلا سبب
- النظام
- نظرية العقد (أركانه، وأنواعه، وآثاره، وحالات فسخ العقد، وانفساخه)
- أحكام الاثراء بلا سبب: (الحالات التي يلزم فيها التعويض عند الانتفاع بحقوق الغير).
- التعويض عن الضرر: (الإضرار بالممتلكات أو الإضرار بالنفس، قواعد تقدير مقدار التعويض الذي يستحقه المتضرر).
- بيان آثار الالتزام (من حيث وجوب تنفيذه عينا أو التعويض في حال عدم إمكانية التنفيذ العيني).
- القواعد والأحكام (التي تضمن للدائنين استيفاء حقوقهم من المدينين وتوازن بين مصالح الدائنين ومصالح المدينين).
ثانيا: العقود المسماة:
- أحكام العقود الناقلة للملكية:
- عقد البيع
- عقد الهبة
- عقد القرض
- عقد الصلح
- أحكام العقود الواردة على المنفعة (عقد الإجارة، وعقد الإعارة)
- أحكام العقود الواردة على العمل: (عقد المقاولة، عقد الوكالة، عقد الإيداع، عقد الحراسة)
- أحكام عقود المشاركات: (عقد الشركة، عقد المضاربة، عقد المشاركة في الناتج)
ثالثا: الحقوق العينية:
- أحكام حق الملكية، من حيث نطاقها وقيودها.
- أحكام الملكية الشائعة وقسمتها.
- أسباب كسب الملكية.
- حق الانتفاع وأحكامه.
- حقوق الارتفاق وأحكامها.
قواعد قانونية رسخها نظام المعاملات المدنية
- الأصل في العقود الصحة.
- لا تعسف في استعمال الحق.
- موازنة المصالح في الظروف الطارئة.
- أحكام رفض الوفاء بالالتزامات.
- التعويض عن الضرر المعنوي.
- مبدأ التقادم المسقط للدعوى.
- تنظيم أحكام حق الارتفاق.
ضمانات عدلية لاستقرار التعاملات المالية:
يأتي نظام المعاملات المدنية كترجمةٍ عملية للجهود التي يقودها ويشرف عليها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- في استحداث وإصلاح لأنظمة التي تحفظ الحقوق، وترسّخ مبادئ العدالة والشفافية، وتحقق التنمية الشاملة، وتعزز من مكانة المملكة كبيئة جاذبة للاستثمار.
- تنظيم أحكام العقود والتعاملات المالية في الحياة اليومية العامة، مثل: تنظيم عقود البيع والإيجار والمشاركات والمقاولات وغيرها.
- أحكام التعويـــض عـــن الضـــرر فـــي حال وجـــود فعـــل مـــن شـــخص ســـبب ضـــررا بالغيـــر، مثـــل: الإضرار بالممتلـــكات أو الإضرار بالنفـــس، ومقـــدار التعويـــض الـــذي يســـتحقه المتضـــرر.
- وضـــع القواعـــد والأحكام التـــي تضمن للدائنيـــن اســـتيفاء حقوقهـــم مـــن المدينيـــن وتـــوازن بين مصالـــح الدائنين ومصالـــح المدينيـــن.
- تنظيم أحكام الملكية، وبيان القيود التي ترد على الملكية مثل: تقييد حق الجار بالا يستعمل حقه استعمالًا يضر بجاره.
استقرار حقوقي لاستثمار فاعل:
يأتي نظام المعاملات المدنية كثالث التشريعات المتخصصة صدورًا، والتي أعلن عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله- في إطار إشراف سموه المباشر على تطوير وإصلاح المنظومة التشريعية.
- مرجعية قانونية للمعاملات المدنية كافة.
- دعم بيئة الاستثمار في المملكة
- تهيئة بيئة استثمارية جاذبة.
- استقرار الأحكام القضائية.
- رفع نسبة التنبؤ بالأحكام.
- تعزيز الثقة في قطاع الأعمال.
- ضبط العلاقة بين المتعاقدين.
- استيعاب العقود والتعاملات كافة.
مضامين جديدة للنظام:
قبل | بعد |
لا يوجـــد نـــص نظامـــي يضبـــط مســـألة تصحيح العقـــود المســـائل المتصلة بها. | توســـع نظام المعامـــلات المدنية في تصحيـــح العقـــد انطلاقا مـــن أن الأصل في العقـــود الصحة |
لا يوجـــد حـــدود واضحـــة ونـــص تشــــريعي لقاعـــدة التعســـف فـــي اســـتعمال الحـــق يكـــون حاكمـــا علـــى الوقائع التـــي تتطلب تطبيـــق القاعدة. | قرر نظـــام المعاملات المدنية قاعدة منـــع التعســـف فـــي اســـتعمال الحـــق وبين الحالات التي تتضمن تعســـفا في اســـتعمال الحق، كتعمد الإضرار بالغير، أو أن تكون الغاية من اســـتعمال الحق غير مشـــروعة.
|
عـــدم وجـــود نـــص نظامـــي يبيـــن ضوابـــط وشـــروط الحالات التي تطبق فيها نظرية الظـــروف الطارئة. | نظـــم نظـــام المعاملات المدنيـــة بوضـــوح نظرية الظـــروف الطارئة وبين ضوابـــط الحالات التـــي تطبـــق فيهـــا النظريـــة، والظـــروف الاستثنائية. |
لا توجـــد معالجـــة واضحـــة فـــي الواقـــع العملي للحالات التـــي يرفض فيها الدائن الوفاء، ممـــا أدى إلى تفاوت المعالجات. | نظـــم الأحكام المترتبـــة علـــى رفـــض الدائـــن للوفـــاء، فجاء النظـــام بإجراءات محـــددة لمعالجة الأمر، مثـــل: أن يعذر المديـــن الدائـــن بقبـــول الوفـــاء وفـــق الإجراءات النظاميـــة للإعذار، ويترتب علـــى الإعذار أن تبعـــة الهـــالك محـــل الوفـــاء تنتقـــل إلى الدائـــن ويكـــون للمديـــن الحـــق فـــي إيـــداع الديـــن لدى الجهـــة المختصـــة. |
عـــدم وضـــوح أحكام التنـــازل عـــن العقـــد وشـــروطه والآثار المترتبـــة عليـــه. | نـــص نظـــام المعاملات المدنيـــة على أحكام التنـــازل عـــن العقـــد، فهـــذا التعامـــل صـــار لـــه أهميتـــه فـــي ظـــل اتســـاع النشـــاط التجـــاري وحاجـــة كثير مـــن المتعاملين إلى التنـــازل عن العقد ليحـــل محلـــه المتنـــازل إليه فـــي جميع الحقـــوق والالتزامات التـــي تضمنهـــا العقـــد المتنـــازل عنـــه. |
تـــردد النظـــر فـــي التعويـــض عن الكســـب الفائـــت، والاختلاف فـــي اســـتحقاقه، فحســـم النظـــام هـــذا التـــردد واختـــار جواز التعويـــض عنـــه. | جعـــل نظـــام المعاملات المدنيـــة الحـــق فـــي التعويض عن الضرر شاملا للتعويض عن الكسب الفائت، فإذا كان المتضـــرر ينتظر كســـبا محققـــا أو أرباحا محققـــة ثـــم أضـــر بـــه آخـــر حتـــى فوت عليه هذا الكســـب المحقـــق فللمتضرر الحـــق فـــي المطالبـــة بالتعويـــض عـــن الكســـب الفائت، ويمكـــن للمحكمة أن تعوضـــه بقـــدر مـــا فاته من كســـب. |
عـــدم وجـــود نـــص نظامـــي يبيـــن أحكام الأخذ بالتعويـــض عـــن الضـــرر المعنوي أو قصـــر الحـــق فـــي التعويـــض علـــى الضـــرر المـــادي فقـــط. | أثبت نظـــام المعاملات المدنية الحق فـــي التعويـــض عـــن الضـــرر المعنـــوي، فإذا أصاب شـــخص أذى نفــــسي أو ضرر فـــي ســـمعته بســـبب اعتـــداء أو فعـــل مـــن شـــخص آخـــر، فللمتضـــرر الحق في التعويـــض، والنظام في هذا يتماشـــى مـــع التجـــارب الحديثة في هذا الشـــأن |
- التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل
منذ انطلاق رؤية ٢٠٣٠، ونحن نرى قفزات تاريخية يشهد لها العالم أجمع في الحياة داخل المملكة، كما انعكست هذه القفزات أيضاً على مركز المملكة دوليا، وهذا أمر نفتخر به كمواطنين سعوديين يهمنا أمر هذا الوطن ويهمنا ازدهاره واستقراره.
من ضمن مستهدفات الرؤية منذ انطلاقها، جذب الاستثمار الأجنبي ورفع الناتج المحلي من ناحية، ورفع جودة الحياة للمواطنين والمقيمين من ناحية أخرى. ومن أهم الأركان التي تحقق هذا الهدف، هو تطوير الأنظمة الموجودة آنذاك، واستحداث أنظمة جديدة للمواضيع التي لا يوجد بها أنظمة، وتقنين الأنظمة التي كانت تعتمد بشكل كبير على أحكام الشريعة الإسلامية والآراء الفقهية.
لذلك، أعلن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان عن تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقق التنمية الشاملة. وشمل هذا اعلان تطوير البيئة التشريعية، الاعلان عن العمل على إصدار أربع أنظمة أساسية وهي:
- مشروع نظام الأحوال الشخصية
- مشروع نظام الإثبات
- مشروع نظام المعاملات المدنية
- مشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية.
صدر الان من هذه الأنظمة ثلاث أنظمة، وهي نظام الأحوال الشخصية، ونظام الإثبات ونظام المعاملات المدنية. في حين أنه لازال العمل قائما على مشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية.
ويسلط هذا التعقيب الضوء على نظام المعاملات المدنية من ناحية أثر هذا النظام على التقاضي، وسيتم مناقشة موضوعان. الموضوع الأول هو موضوع تباين الأحكام والتقنين، والموضوع الثاني هو التعويض عن الضرر المعنوي.
تباين الأحكام والتقنين
أشار كاتب الورقة الرئيسة إلى أنه سابقا قبل صدور النظام لم يكن هنا فراغ تشريعي، ولكن لم يكن هناك تقنين الأحكام ذات العلاقة بالمعاملات المدنية. وقد أجاد باستحضار هذه النقطة، ولتوضيح ما يقصده الكاتب سوف أناقش سبب عدم وجود تقنين، وأهمية التقنين.
المملكة نصت في نظامها الأساسي، بأن القرآن الكريم هو دستور المملكة. وهذا يعني، أن يجب أن لا يتعارض أي نظام أو قانون أو لائحة أو اتفاقية مع أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا انعكس على القضاء السعودي، والذي يحكم بما قاله الله، وقاله رسوله عليه الصلاة والسلام. وبالتالي، أي تقنين للقواعد القانونية، يجب أن تكون متوافقة مع أحكام الشريعة.
من ناحية تاريخية، فقد كان هناك تخوف من تقنين أحكام المعاملات المدنية، نظرا لأن فقه المعاملات يعتمد على آراء الفقهاء الشرعيين، من حيث أحكام البيع والشراء والايجار والشفعة.. الخ من الأحكام ذات العلاقة بالمعاملات المدنية.
ونتيجة لتعدد الآراء حول بعض المواضيع ذات العلاقة بالمعاملات المدنية، مثل مدى جواز بيع العقار على الخارطة. فهناك آراء مختلفة، واستقر رأي الاغلبية على جواز ذلك، وسمي بعقد استصناع، وله مجموعة من الشروط لصحة هذا العقد. ولكن قد يأخذ البعض برأي فقهي آخر غير رأي الأغلبية. ومن هنا تبرز لدينا مشكلة تباين الأحكام القضائية.
وبسبب التخوف من إصدار قوانين وتشريعات عبر تاريخ الدول الإسلامية، فكان هناك ما يسمى بمجلة الأحكام العدلية. هذه المجلة صدرت أثناء وجود الدولة العثمانية، وكان السبب لإصدارها هو الرغبة في الإثبات للمشرعين الغربيين وواضعي الأنظمة الوضعية في الغرب، عن إمكانية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في نصوص شبيهة بالقوانين الوضعية. وكانت عدد من الدول العربية اعتبرت مجلة الأحكام العدلية مصدرا لها، ولكن تغير هذا الأمر مؤخرا في كثير من الدول، نظرا لتطور الحياة وتغير ظروفها.
مشروع مدونة الأحكام القضائية السعودية:
في المملكة كان هناك تخوفا من التقنين أيضاً، وكان هذا الأمر منعكسا على جودة الأحكام وعلى تحقيق العدالة الناجزة بين المتقاضي وعلى تطويل مدة التقاضي بسبب عدم وجود نصوص نظامية واضحة تنظم مسائل مختلفة مثل “نظرية الحق، ونظرية العقد.. الخ من حقوق المعاملات المدنية”. لذلك، تم اعداد ما يعرف بـ (مشروع مدونة الأحكام القضائية) وهي تشمل أنواع مختلفة من القضايا، من ضمنها قضايا المعاملات مدنية. وهذا المدونة كان مأمولا منها أن تكون مرجعا للأحكام والمبادئ القضائية للقضاة عند إصدار أحكامهم القضائية. ولكن، كان هناك مشكلة جوهرية في المدونة، ألا وهي أنها غير ملزمة. حيث أن السوابق القضائية ليست مصدراً قانونياً ملزماً للقضاة في السعودية، وإنما هي مصدراً يتم الاستئناس به من قبل القضاة والمحامين عند الترافع، ولا يمكن إجبار القاضي بالالتزام بما ورد في مدونة الأحكام.
لذلك، اتضح بعد الدراسة أنها مدونة الأحكام القضائية لا تفي باحتياجات المجتمع وتطلعاته، ولذا وجهت القيادة الرشيدة إلى ضرورة إعداد مشروعات تلك الأنظمة الأربعة، والتي من ضمنها نظام المعاملات المدنية، مع الأخذ فيها بأحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة، بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية. كما يتم مراعاة أثناء كتابة الأنظمة، التزامات المملكة فيما يخص المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها.
وبسبب عدم وجود هذه تقنين لهذه التشريعات، أدى ذلك إلى التباين في الأحكام وعدم الوضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدى لطول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية. علاوة على ما سببه ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم. وهذا انعكس سلبا على جذب الاستثمار، حيث أن المستثمر، لديه رأس مال، يسعى إلى زيادته مرات عدة، وعدم وجود قواعد قانونية واضحة يلتزم بها الجميع، المستثمر والعاملين في السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، يعني أن معدل النزاعات القانونية سترتفع، والتي سوف تؤثر أيضاً على التنبؤ بالأحكام القضائية. وهذا يعني خلق بيئة طاردة للاستثمار. في حين أن وجود نظام خاص بالمعاملات المدنية يمنح الشخص امتياز لم يكن موجودا قبل النظام وهو معرفة حقوقه والتزاماته القانونية في تعامل مدني يدخل به، وهذه الحقوق والالتزامات لا يمكن مناقشة جوازها من عدمه طالما أن النظام والقانون نص عليه. حيث أن القانون في أساسه متوافق مع أحكام الشريعة، والنتيجة التي ستكون في حالة وجود نزاع قانوني على بنود العقد المبرم بين الأطراف، سيكون كل طرف لديه توقع بالنتيجة التي ستكون في حالة تم تصعيد النزاع للقضاء. وبالتالي، هذا يعني، أن الحلول البديلة للتقاضي مثل الوساطة سوف تلقى رواجا مع تقنين الأنظمة. حيث أن اللجوء إلى الحلول البديلة للتقاضي ستكون أقل ضررا على الأطراف من التقاضي في المحكمة في بعض الحالات التي يمكن تقريب وجهات نظر المتنازعين. خصوصا من الناحية المادية، حيث أن اللجوء إلى الوساطة مثلا حيث توفير تكلفة المحامين الذين سيترافعون عن الأطراف المتنازعة، وتوفير الوقت وتقليل قيمة التعويض في حالة كان الاتفاق يشمل ذلك. وهذا يعني أيضاً تقليل عدد القضايا التي تصل للقضاء، وهذا أيضاً سينعكس على التركيز على قضايا لم يتم الصلح بها، والسرعة في البت في القضايا نظرا لأن عدد لا بأس به من النزاعات تم حلها من خلال الوساطة مثلا ولم تصل للمحكمة.
الضرر المعنوي والضرر المادي:
من خلال قراء هذا النظام، هناك تقنين واضح لمواضيع متعددة كانت محل اختلاف فقهي والذي يؤدي إلى تباين الأحكام القضائية. ولعلي هنا سأركز على أحد الموضوعات التي كانت موضوع نقاش مستمر واختلاف في التوجه في الأوساط القانونية والشرعية، ألا وهو التعويض عن الضرر المعنوي. هذا الموضوع يعد من الموضوعات التي تناولها القانونيين والقضاة في أبحاث وأوراق علمية، حول مدى أحقية المتضرر عن الضرر المعنوي. والتي يرى الكثير أفضلية عدم التوجه إلى التعويض عن الضرر المعنوي، نظرا لعدم القدرة على تقديره، بالرغم من أنه يمكن أن يتم تقديره وفقا لمعايير قانونية.
وبالتالي، تكمن الاختلاف والإشكالية في تحديد التعويض المقدّر للضرر المعنوي في المملكة العربية السعودية والتي تتبع لأحكام الشريعة الإسلامية. وتمت مناقشة مسألة التعويض عن الضرر المعنوي في مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، المنعقد خلال شهر 9 -2000م. وبعد مناقشات من كبار الفقهاء قُرر ما يلي: ” … خامسا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لَحِق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.”
بالطبع، لابد من إيضاح أن العلماء الشرعيين والفقهاء انقسموا حول حكم التعويض المعنوي الذي يلحق المتضرر إلى قسمين، فمنهم من أجاز بحكم التعويض والفريق الآخر لم يجزه، ولكلٍ أدلته. ولكن نرى في السنوات الاخيرة توجه القضاء التجاري والإداري إلى الأخذ بالتعويض عن الضرر المعنوي وان كان على نطاق ضيق. في حين أن القضايا ذات العلاقة بالمعاملات المدنية، على حد معرفتي، لا يوجد قضايا منشورة تم الحكم بها عن الضرر المعنوي. وهذا أمر يؤثر على البيئة القانونية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية، حيث أن احيانا التعويض عن الضرر المادي قليل عند النظر إلى الأضرار المعنوية التي قد تصيب أحد أطراف المعنوية.
مثلا، عقد بيع منزل سكني، شخص أخذ قرض عقاري ليتم اقتطاع مبلغ من راتبه مدة طويلة من الزمن من أجل أن يوفر لعائلته مأوى يليق بهم. بعد فترة من قليلة الزمن، يكتشف من اشترى المنزل للسكن، أن المنزل لم يتم بناءه بشكل جيد، مما أدى إلى تسربات والتماس كهربائي، وربما سقوط جدار سور.. الخ من المشكلات التي نسمع عنها ونراها في بعض القضايا المنشورة. هنا سيحكم القضاء عن الضرر المادي، وهو تكلفة اصلاح الاضرار المادية، ولكن ماذا عن معاناة هذا الشخص اثناء اقامته في هذا المنزل الذي يعتبر منزل العمر؟ فهناك أيضاً معاناة نفسية قد تنعكس على استقرار الاسرة والابناء اجتماعيا ودراسيا.. الخ. سابقا، لم يكن مثل هذا النوع من الأضرار يؤخذ بعين الاعتبار، الان بعد صدور النظام، سيكون هناك تقييم للضرر المعنوي. من وجهة نظري، وجود تعويض عن الضرر المعنوي في المثال السابق، لا ينعكس فقط على الناحية الاقتصادية، وانما أيضاً على جودة الحياة. حيث أن بائع المسكن سوف يحرص على تقديم منتجات سكنية بجودة جيدة، وذلك لتجنب الخسارة التي قد تطرأ على البائع، حيث أن حالة التعويض عن الضرر المادي، قد لا تكون مكلفة عليه بدرجة عالية، وإنما لو كان هناك تعويض عن الضرر المادي والمعنوي، فهذا يعني أن تكلفة التعويض عالية، مما قد تؤدي إلى خسارة بائنة للبائع.
تبقى القضية الأهم في موضوع التعويض عن الضرر المعنوي، هناك طرق مختلفة للتعويض عن الضرر المعنوي في القضاء الأمريكي بحكم أنه يعتبر من المحاكم المتقدمة في مسألة التعويض ولديها خبرة طويلة في ذلك. كذلك، التعويض في المحاكم البريطانية وبعض المحاكم حول العالم والتي لديها تجربة جيدة في مسألة تقييم وتقدير الضرر المعنوي. ولكن اعتقد، انه لا يجب الخوض في هذه المسألة الآن، ولابد من الانتظار إلى حين إصدار اللائحة التنفيذية، والتوجه القضائي في مسألة تقدير الضرر المعنوي، ليتم مناقشتها بشكل أوسع واقتراح ما يناسب في حال الحاجة لذلك.
ختاما، يعتبر نظام المعاملات المدنية ثالث الأنظمة الأساسية التي يعتمد عليها تطوير البيئة التشريعية، والتي أولت القيادة الرشيدة اهتماما بالغا بها. وقد تم الإشارة في الورقة الرئيسة والتعقيب عليها إلى أهم أجزاء النظام، وتم إلقاء الضوء على الجوانب الايجابية في النظام. في حين أن هذا التعقيب جاء بشكل مركز ليلقي الضوء على أهمية نظام المعاملات المدنية على التقاضي. حيث أن التقنين هنا جاء متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية أولا ومن ثم قوانين المملكة والاتفاقيات الدولية. هذا النظام سيقود إلى تطور نوعية الأحكام القضائية ويرفع نسبة التنبؤ بالأحكام القضائية في حال نشوء منازعات في التعاملات المدنية. أما النقطة الثانية التي ركز التعقيب عليها هي مسألة التعويض عن الضرر المعنوي، حيث أنه قبل صدور النظام لم تكن المحاكم العامة التي تنظر في قضايا المعاملات المدنية تميل إلى الحكم بالتعويض عن الضرر المعنوي. في حين أن النظام الجديد، نص صراحة إلى موضوع الضرر المعنوي، والذي سيكون له أثر ايجابي بإذن الله على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وجودة الحياة.
- المداخلات حول القضية
- مرحلة ما قبل صدور نظام المعاملات المدنية.
تمثل مرحلة المخاض أو مرحلة ما قبل صدور النظام مرحلة مهمة يجب إلقاء الضوء عليها، فكم من اللجان عقدت، وكم من المخاطبات كتبت، وكم من الأنظمة ذات العلاقة بحثت. حقيقة دروس تربوية كثيرة ومهمة تستحق التأمل وكم هو مفيد أن يُلتفت إليها في تربية النشء وتوعية المجتمعات التي تربت على التعامل مع المنتج النهائي في كل شيء، دون التأمل في كيفية خروج هذا المنتج والتعقيدات والجهود والوقت المبذول لإخراجه، وهذا ينطبق على كل منتج بشري، ولكنه في هذا النظام القانوني يظهر بجلاء، حيث صنعه قانونيون جبلوا على الاستماتة في التدقيق والتمحيص، والبحث عن القصور في كل مادة، وجملة، وكلمة، وحرف، إما بغرض المعالجة والتصويب أو الاستفادة والاستغلال. ولهذا تجد معدي النظام يلغون ويصوبون مواد قديمة وردت في أنظمة سابقة كنظام المرافعات الشرعية، ونظام المحاماة، ونظام التنفيذ، وغيرها، كل هذا التعقيد المؤسساتي يتطلب لفت الأنظار إليه لعله يكون جرعة وقائية للمتلقي تحميه من التأثيرات السلبية للشائعات والرسائل السلبية التي تثار حول هذا النظام، وحتى غيره.
ومن يقرأ مواد هذا النظام يدرك حجم الجهد المبذول وطبيعة الوقت الذي استغرقه كي يصدر على هذا النحو الدقيق ليسهم كما أشار سمو ولي العهد في تنظيم الحركة الاقتصادية واستقرار الحقوق المالية، وفي تسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية لا سيما وقد روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها ولينسجم مع التزامات المملكة الدولية في ضوء الاتفاقيات التي صدقت عليها.
- مضمون وأهمية نظام المعاملات المدنية.
جاء صدور نظام المعاملات المدنية انعكاساً لمتابعة مستمرة ومباشرة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تستهدف تطوير البيئة التشريعية بما يكفل رفع كفاءة الأنظمة وحماية الحقوق وتعزيز الشفافية ورفع كفاءة المرفق العدلي، وذلك وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين.
ونظام المعاملات المدنية من أشد الأنظمة قرباً لحياة الجميع وهو جزء من تطوير البيئة التشريعية بما يصب بالمجمل لصالح حفظ الحقوق ولتهيئة الوطن لنقلة نوعية في هذا الجانب وزيادة الثقة والاطمئنان للجميع وبالأخص كبار المستثمرين الأجانب من حيث وضوح الأنظمة المدنية وتفادي المفاجآت في صدور الأحكام والحد من تباين الأحكام القضائية.
وكونها أنظمة تمس الجميع وكتابتها يتطلب جهدا كبيرا ليكون، أولاً سهل الفهم، وسهل القراءة من قبل غير المختص لأن المخاطب عامة المجتمع في أمور تمس حقوقهم وواجباتهم وكذلك التحقق بأن النص يراعي حقوق جميع المشمولين ويكون النص الواحد سهل التفسير لتفادي تعدد التفسيرات ويراعي المعاهدات الدولية التي وافقت عليها الدولة ويتكامل مع كافة الأنظمة التشريعية المحلية وقبل هذا كله النصوص الشرعية القرآن والأحاديث قطعية الثبوت.
وتبرز أهمية نظام المعاملات المدنية كونه يعني بضمان وتحقيق العدالة وحماية الحقوق مما يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي والتنمية بجميع جوانبها. كما أن النظام يعمل على حل مشكلتين أساسيتين كانتا تواجه جذب الاستثمار الاجنبي للسعودية برأي المستثمرون الأجانب:
- غموض القوانين السعودية وأن تفسيرها يتعلق بأشخاص لأنها غير مكتوبة.
- تعدد الجهات التي تفسير الأنظمة (القوانين) مثل وزارة العدل وديوان المظالم واللجان القضائية في الجهات الحكومية وتنظيمه لجميع الأمور الحياتية المدنية.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام قد عالج ونصّ بوضوح على عدة أحكام لم تكن واضحة في العمل القضائي، رغم وضوحها فقهاً في كتبنا العظيمة، ومن ذلك إقرار التعويض، المعنوي وعن فوات الربح، فالشريعة لا تقبل الظلم، ومن ذلك (مثلاً) أن مطل الغني ظلم، والظلم المولد للضرر يوجب التعويض، ولا يتصور أن مماطلاً في أداء دينه والتزاماته للغير وهو مليء أي صاحب قدرة على الوفاء، ومع ذلك لا يفِ ويُماطل ولا يعوِض. وكذا الأضرار المعنوية والنفسية، التي أقرها النظام بوضوح، وهي حق شرعي. وإقرار المبدأ هنا في غاية الأهمية، وسيبقى حتماً مسائل، منها (مثلاً) آليات تقدير التعويض، وهل يقاس التعويض ويُحسب بناءً على عناصره؟ هل يترك جزءاً منه للتعويض التقديري الجزافي لتقدير القاضي والخبراء، وهناك العديد من الأحكام القضائية والسوابق الغنية المُثرية في هذا المجال، الأمر الذي سيفتح المجال لمزيد من البحث والفقه تعزيزاً للواقع القضائي، كل هذا يؤكد أهمية إقرارات النظام ومبادئه، وأهمية الاستمرار في البحث والتطوير في شتى مجالات الفقه والقضاء، فالقضاء العادل أحد أركان الملك والدولة.
- الآثار المترتبة على تطبيق نظام المعاملات المدنية.
يعد صدور نظام المعاملات المدنية ضمن مجموعة الأنظمة والتشريعات الجديدة، هي خطوة إصلاحية عظمى، تعد معلماً أساسياً من معالم هذا العهد الزاهر، وجاءت تحقيقاً لمحاولات ودعوات متتالية منذ إنشاء المملكة العربية السعودية. فالدعوة للتقنين، ومشاريع الكتابة القانونية للأحكام الشرعية في فروعها المدنية وغيرها، كانت تتجدد مرة بعد أخرى، ولكن كان للإرادة السياسية الحازمة الفضل في حسم هذا الموضوع وتنفيذه على الصورة التي نراها اليوم. فمن الضروري حقيقة، وضع أهمية هذه الخطوة ومركزيتها ضمن الإطار التاريخي لمحاولات ودعوات التقنين، وهذا التناول سيكون أقوى في الرد على دعاوى البعض، التي تضم هذه الخطوات الإصلاحية الكبرى كمجرد ردات فعل وقتية، أو استجابة لضغوط خارجية.
إن من أهداف نظام المعاملات المدنية الحد من التباين في الاجتهاد القضائي، وهذا من أسمى الأهداف، بل هو مطلب شرعي، أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في البخاري، حيث يقول عليه السلام: لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بيْن اثنينِ وهو غَضْبانُ. وقد استعصى انفاذ هذا الأمر في الوقت الراهن بسبب ظهور المؤسسة القضائية ومطالبة القاضي بأداء عمله بغض النظر عن حالته النفسية، ولهذا كان قلة من القضاة يتعسف في أحكامه، وهو ما أشارت إليه الورقة الرئيسة، وربما زاد في حكم من يعترض عليه من المحكومين بالسجن سنة وثلاث وخمس، والشواهد كثيرة، أو ربما تتحكم السياقات الزمانية والحالة الذهنية للقاضي في تباين الأحكام فيتساهل قاض ويغالي آخر في حكمهما في قضيتين متشابهتين. ولهذا فمسألة التقنين هنا تحمي القاضي في المقام الأول وكذلك تحمي أطراف النزاع من الاجتهادات الشخصية، وهذا الجانب مهم جداً وهو يدخل فيما أشارت إليه الورقة الرئيسة والتعقيب عليها، من عدم وجود فراغ تشريعي قبل النظام، لكن كانت اجتهادات وربما ارتجالات أحياناً، لها مساوئ كثيرة ذكرتها د. الحقيل في التعقيب الثاني.
وهناك بعض القضاة من قد لا تعجبهم مسألة التقنين حيث يرونها تقييداً لهم واستنقاصا من حقهم في الاجتهاد وإعمال العقل، وهذا الأمر يحدث في كل الحالات المشابهة، فحين أنشئت النيابة العامة، هيئة التحقيق والادعاء العام، واسند إليها مهمة التحقيق مع المتهمين ما كانت تلك الخطوة التنظيمية تعجب ضباط الشرطة المتمرسين، ونفس الحال جرى حين تم تنظيم عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث عد بعض المتحمسين تلك التعديلات النظامية شكلا من تعطيل الحسبة. وكان الزمن كفيلا بإظهار إيجابيات تلك التنظيمات، وهو “الزمن” كذلك سيكون كفيلا بإبراز الآثار الإيجابية لهذا النظام في الداخل والخارج.
من ناحية أخرى فإن النظام جاء منطلقاً من أسس تتمثل في حماية الملكية، واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات وآثارها، ووضوح المراكز القانونية؛ مما ينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال ويزيد من جاذبيتها، ويسهم أيضاً في تنظيم الحركة الاقتصادية واستقرار الحقوق المالية، وفي تسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية وزيادة القدرة على التنبؤ بالأحكام في مجال المعاملات المدنية والوصول إلى العدالة الناجزة، والإسهام كذلك في الحد من المنازعات.
ومن المهم التأكيد على أن نظام المعاملات المدنية هو في الواقع توثيق وتوحيد اختيار يحقق شفافية ويزيد من القدرة على توقع الأحكام. وهي بالتأكيد ليست أحكام وضعية كما حاول أن يروج بعض المغرضين.
كذلك فإن أي تطوير استراتيجي أو تنفيذي وكما هو متعارف عليه عند خبراء وصناع السياسات الاستراتيجية، يتطلب كفاءة العناصر التشريعية، سواء بإحداث أو تحسين، وهو ما نراه واقعيا، سيما في الجانب التشريعي والقضائي، بيد أن الجانب الفني (التقني) والإداري كان محل اهتمام، وحقق تقدما منشودا، حيث حققت وزارة العدل المركز الأول في التحول الرقمي، الأمر الذي يسر آليات التقاضي للمواطن والمقيم، وحتما سييسر للمستثمر ويعطيه المبرر المقنن للاستثمار في البيئة السعودية، ذات الضمانات القضائية التالية، بفضل القفزات التشريعية الجديدة.
- متطلبات إنفاذ نظام المعاملات المدنية.
في الوضع الحالي هناك نوع من القصور في آليات التنفيذ على أرض الواقع برغم صدور أحكام التنفيذ من محاكم التنفيذ وهذا من واقع التجربة والأعداد التي تمتلأ بها صالة محكمة التنفيذ في الرياض. حاليا على سبيل المثال توقيف الخدمات يمكن الالتفاف عليه أما السجن فقد ألغي فيما يخص الحقول المالية. والمأمول أن يتضمن نظام المعاملات المدنية آليات جديدة من شأنها ضمان تحقق العادلة الناجزة بالفعل.
ومن المهم أن يتصدى نظام المعاملات المدنية لأحد أهم أسباب الفساد المالي والإداري والمتمثل في غياب الأنظمة القانونية المرجعية. ونظام التعاقد بشتى صوره من مسببات الخلافات الكبرى بين الشركات والأفراد، ولهذا تجد الخلافات أقل في عقود القطاعات الحكومية لوجود مرجع قانوني. بينما يواجه القطاع الصحي الخاص مثلاً مسببات للاختلافات لعدم اكتمال العلاقات التعاقدية الدقيقة سواء في المنشآت أو الإدارة.
ويعد من أبرز أوجه العدالة الناجزة هو تفعيل بعض العقود لتكون سندات تنفيذية مثل عقود الايجار بجانب السندات والشيكات حيث لا يتطلب الأمر رفع دعوى قضائية بل يتجه المتضرر إلى محكمة التنفيذ مباشرة.
ومن ناحية أخرى، ونحن في هذه المرحلة الانتقالية والنوعية في تاريخ القضاء السعودي، من رقابة على جودة الأحكام وصواب الاجتهادات، وسلامة الإجراءات وصدور نظام المعاملات المدنية، يتساءل البعض: هل سيتم تداول العبارة الشهيرة: “القانون لا يحمي المغفلين”، كما كان سابقًا حتى أصبحت وكأنها قاعدة يتناقلها الكثيرون على أنها «قانونية» بل ويستندون إليها إذا تعرضوا لمشكلة أو وقعوا في خطأ وظنوا أنه لا يوجد مخرج قانوني له.
إذ كيف يمكن للقانون الذي كفل الحفاظ على الكثير من مقومات ومقدرات الإنسان بشكل عام، والإنسان المسلم بشكل خاص، أن يتجاهل حماية المغفل لمجرد أنه غفل؟!. ثم ألا يوجد هناك فرق قانونيًا بين المغفلين والمخدوعين؟! هذه الفئة المخدوعة ليست مغفلة بل هي ضحية، ويجب أن تعامل كضحية. ومن المفروض أن تلك القوانين تحمي المخدوع، الذي قد يكون خُدع واستغل في غفلة من أمره، سواء ماديًا أو معنويًا بغير وجه حق وهو أولى بالحماية.
فهذا القانون لم يوضع إلا لحماية الأفراد الضحايا الذين تم نعتهم بالمغفلين. أولئك الذين غفلت أنفسهم البريئة عن تفاصيل تم استغلالها من قبل أشخاص خبثاء؛ ليحتالوا عليهم! فلا زال كثير من أفراد المجتمع عن طيبة وجهل يتساهلون في فهم الكفالة، والتوصية والوساطة وقبول الهدية واعتبارها أمورًا عادية ومبادئ وقيم اجتماعية لا حرج فيها. والاعتقاد أن العيب هو في عدم ممارستها.
وما نراه في أروقة المحاكم من وقائع لكثير من الضحايا الذين فقدوا أموالهم في قضايا نصب واحتيال أو سجنوا لكفالتهم لشخص مقرب، فضلًا عن تورط البعض دون قصد في قضايا جنائية كغسل أموال والتستر وغيرها، إلا دليل واضح على كثرة المخدوعين الذين كان خطأهم الوحيد، هو الثقة الكاملة بزوج أو صديق أو قريب، أو الفزعة وعدم التردد في المساعدة!!
ولعل قضايا المخدوعين تعتبر من أهم المسائل التي تستحق العناية والاهتمام والمراجعة لواقعها؛ سعيًا للوصول إلى أفضل حالات التطبيق بما يحقق مصلحة العدل ويحفظ الحقوق في المملكة. فهي فئة يجب أن تنال الدعم الكامل من المجتمع والجهات الرسمية، لا أن تترك كعبرة سلبية تزيد من عدد المحتالين والمُخادعين في المجتمع؛ نتيجة طول إجراءات التقاضي وتأخر التنفيذ الذي يصل لسنوات طويلة. بل نريد من القانون إنصافهم ليصبحوا عبرة إيجابية لكل من تسول له نفسه بأن يتعدى على حقوق أحد بحجة أنه استخدم القانون بشكله الظاهر.
نعلم أن المقصود من تلك المقولة، أن على الجميع معرفة القوانين التي تنظم حياتهم ومجتمعاتهم ومعرفة حقوقهم وواجباتهم، إعمالًا للقاعدة القانونية لا يعذر أحدًا بجهله القانون، لكن أليس من الصعب أن يكون لدى الشخص خلفية كافية في كل الأمور القانونية؟ أم هي دعوة لأن يسير كل شخص منا ومعه محامٍ؛ ليتأكد أن أموره سليمة، وجميع حقوقه محفوظة؟ وهذا الأمر بالطبع صعب تطبيقه خاصة مع أتعاب المحامين الباهظة!
ولكن تبقى المسألة الأهم ما يتعلق بالتعويض عن الضرر المعنوي، التي تم الإشارة إليها في التعقيب الثاني، والتي رغم أهميتها إلا أنها ستفتح بابا جديداً للاجتهاد، ولهذا فمن المهم وضع أطر واضحة المعالم تجعل من الصعب التعسف في المبالغة أو البخس في التعويض عن الضرر المعنوي، والتساهل في ضبط هذا الأمر ربما يتسبب في إعادتنا إلى المربع الأول مرحلة ما قبل صدور النظام “مرحلة الاجتهاد في إصدار الأحكام”.
وفي سياق متصل، فإن ما يأمله المستشارون العدليون الآن أن يتقدم الفقهاء لشرح النظام موظفين الأحكام القضائية في تفسيره وشرحه وأسلوب تعامل القضاء معه.. وهذا يتطلب علانية وتوثيق الأحكام وبتطلب قبل ذلك تسبيب الأحكام من القضاة في إطار نصوصه والقواعد العامة وأحكام الشريعة الإسلامية حسب مدارسها الفقهية العظيمة.. وسيكون هذا الشرح أكثر مصداقية لو كان من مؤسسة أهلية أو شبه أهلية مثل جامعة الإمام أو مركز فيها يتخصص في متابعة النظام والأحكام القضائية في إطاره والأنظمة الأخرى.
ومازالت منظومة القضاء عندنا تحتاج تطوير ومتابعة من جهة محايدة لمتابعة تطبيق القوانين والأحكام. فقد نجد مثلاً نفس درجة دائرة القضاء تصدر أحكام مختلفة حسب رأي القضاة بعضهم يتجاهل الأنظمة ومازال يطبق الاجتهاد ضاربا بعرض الحائط قرارات وأنظمة الدولة. كما أن لدينا هيئة تقويم التعليم والتدريب كجهة محايده تتابع التعليم والتدريب ولعل من الضروري إيجاد هيئة محايده عن وزارة العدل تتابع تطبيق النظام. فعلى الرغم من أن هناك ادارة متميزة في وزارة العدل وهي “التفتيش القضائي” إلا أنها قد تكون نواة كونها ليست مستقلة بما يكفي؛ ففي الأنظمة العدلية المتطورة هناك هيئات مستقلة عدلية ترشح وتقيم القضاة وتقرر بالتوصية السياسات العامة للمهنة وتراجع الأنظمة ذات العلاقة بالأمور العدلية.
كما أن صدور واعتماد نظام المعاملات المدنية وغيره من التشريعات ذات الصلة، يتطلب استجابة عاجلة من كليات الشريعة والحقوق وأقسام الأنظمة في الجامعات السعودية، سواء على مستوى تحديث الخطط الدراسية، أو على مستوى تطوير البحث القانوني والدراسات التأصيلية والمقارنة لهذه القوانين؛ نظراً للاحتياج الكبير لهذه الخطوات داخل كليات وأقسام القانون والأنظمة.
ولعل هذه الاستجابة المطلوبة والعاجلة تكون فرصة لمراجعة شاملة لعدد من القضايا ذات العلاقة بالتعليم الشرعي في الجامعات، وفك الارتباط بين أعداد الأئمة والخطباء من ناحية، ورجال القانون (قضاة ومحامين ونواب ادعاء) من ناحية أخرى.
ولعل من المناسب الاهتمام بعقد ورش عمل وندوات علمية تنظمها الأقسام العلمية المعنية في الجامعات تتناول محاوره ومواده وبعض ما قد يجد من قضايا وموضوعات جديرة بأن تضاف لهذا النظام في ضوء المتغيرات الاقتصادية والدولية. كما يمكن حث الدارسين في الأقسام العلمية المعنية بإجراء دراسات ميدانية على فئات الخبراء والمتخصصين من القضاة والمحامين والأكاديميين ودراسات ميدانية أخرى على الجمهور عامة ممن يهتمون بالموضوعات التي يتناولها لرصد مدى وضوحها ورأيهم في مدى قدرة المعنيين من القضاة والمحامين في تحقيق مناط كل مادة وانزالها على الواقع دون تباين أو اختلاف.
ومن الأهمية أيضاً أن تعقد برامج تدريبية حول نظام المعاملات المدنية تنتهي بشهادة تثبت أن القاضي والمحامي والمستشار القانوني اجتاز هذا البرنامج بنجاح لأهمية المعرفة المتعمقة له من المتخصصين بتطبيقه وتفسيره وتطبيقاته ولوائحه التنفيذية، والخلفيات الفقهية والقانونية له، لأن نظام كهذا شامل وحساس أخذ حقه من الدراسة والتمحيص لا مجال فيه للاجتهادات والرجوع إلى الماضي من قِبل هذه الفئة لمساسه بمعيشة الأفراد وتعاملاتهم المدنية والتجارية. وأيضاً من المهم مراجعة علاقته بنظام التنفيذ الذي صدر قبل هذا النظام والتصور أنه قد يكون هناك فجوات بين النظامين تفقد قوته لأهمية التنفيذ.
- التوصيات
- رفع الثقافة القانونية لكافة فئات المجتمع.
- متابعة عقود الجهات الخدمية والتأكد من وضوح مضامينها بما يتوافق مع نظام المعاملات المدنية.
- توجيه مراكز البحوث لعمل دراسات تضمن تفعيل مستهدفات النظام وتحقق الأهداف المخطط لها من سّن وإصدار نظام المعاملات المدنية.
- حثّ الجامعات على تحديث خططها الدراسية لتتوافق مع الأنظمة العدليّة الجديدة وتخصيص مقررات لتلك الأنظمة.
- أهمية مشاركة الجامعات من خلال التخصصات الشرعية والقانونية في اختيار موضوعات الرسائل الجامعية المتخصصة في شرح موضوعات النظام ومواده.
- أهمية تأصيل مبادئ للتعويض المادي والمعنوي وتقديره واحتسابه والبحث والتدريب في مجاله.
- عقد برامج تدريبة وورش عمل وندوات تنظمها الكليات المتخصصة بالجامعات ومراكز التدريب المتخصصة ومجلس القضاء الأعلى تستهدف القضاة والمحامين والمستشارين الشرعيين والقانونيين تتناول النظام ومواده ولوائحه وما يستجد حوله من قضايا وموضوعات على ضوء واقع المجتمع السعودي وعلاقته الدولية الاقتصادية.
- المصادر والمراجع
- نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ.
- الملامح العامة لنظام المعاملات المدنية: وزارة العدل: الإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي، متاح على الموقع الإلكتروني: moj.gov.sa
- وكالة الأنباء السعودية: سمو ولي العهد: نظام المعاملات المدنية يُمثِّل نقلة كبرى ضمن منظومة الـتشريعات المتخصصة والإصلاح القضائي، 25/11/1444هـ، متاح على الرابط الإلكتروني: https://www.spa.gov.sa/00aa703857z
- عبدالله بن معيض المالكي. نظام المعاملات المدنية الجديد. 22 يونيو 2023، متاح على الرابط الإلكتروني: https://www.okaz.com.sa/articles/people-voice/2136736
- محمد بن أحمد السيد الهاشم. نظام المعاملات المدنية في المملكة.. الأبعاد المالية لِعَصرِ ما بَعدِ التشريع،20 يونيو 2023، متاح على الموقع الإلكتروني: https://maaal.com/2023/06
- عبدالعزيز العجلان. النقلة النوعية في نظام المعاملات المدنية السعودي، 22 يونيو2023، متاح على الموقع الإلكتروني: https://www.al-jazirah.com/2023/20230622/ec12.htm
- عبدالله مشرف المالكي. نظام المعاملات المدنية. 20يونيو2023، متاح على الموقع الإلكتروني: https://makkahnewspaper.com/article/1591847
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: د. محمد المقصودي
- التعقيب الأول: أ. إبراهيم المحيميد
- التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل
- إدارة الحوار: د. موضي الزهراني
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- أ. فهد الأحمري .
- أ. عاصم العيسى .
- د. عبدالإله الصالح .
- د. عبدالعزيز الحرقان .
- م. إبراهيم بن محمد ناظر .
- د. محمد الثقفي.
- د. زياد الحقيل .
- د. عبدالعزيز العثمان .
- م. عبدالله الرخيص .
- أ. فايزة العجروش .
- د. فهد الغفيلي .
- د. صالحة آل شويل .
- أ. أحمد العساف .
- د. إبراهيم الصحن .
- د. فيصل المبارك .
- د. خالد المنصور .
- معالي د. حسام عبدالوهاب زمان .
- د. خالد بن دهيش .
- د. مساعد المحيا .
- أ. محمد المعجل .