تقرير رقم (110) الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية في المملكة ثورة المستقبل لصحة أفضل

 تقرير رقم (110)

الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية في المملكة ثورة المستقبل لصحة أفضل

(14/8/ 2023 م)

 

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر أغسطس 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية في المملكة، وأعد ورقتها الرئيسة د. أماني البريكان، وعقب عليها كلاً من أ.د. سلوى الهزاع، د. فهد اليحيى، د. سعد الحزامي، وأدار الحوار حولها د. عبير برهمين.

 

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. أماني البريكان
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ.د. سلوى الهزاع (ضيفة الملتقى)[1]
  • التعقيب الثاني: د. فهد اليحيى
  • التعقيب الثالث: د. سعد الحزامي (ضيف الملتقى)[2]
  • إدارة الحوار: د. عبير برهمين
  • المداخلات حول القضية
  • الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية: فرص وتحديات.
  • الاتصال الطبي عن بعد والذكاء الاصطناعي في التشخيص الصحي: فروقات جوهرية.
  • مخاوف مستقبلية بشأن استخدامات الذكاء الاصطناعي المتوقعة في المجال الصحي.
  • استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون

 

  • الملخص التنفيذي.

يتناول هذا التقرير قضية الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية في المملكة. وأشارت د. أماني البريكان في الورقة الرئيسة إلى أن الجمع بين التقنيات الصاعدة مثل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية يعد أحد أكثر الموضوعات إثارة اليوم. ففي ظل تطور الأنظمة الصحية العالمية، ومع تسارع وتزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية وتسابق المنظمات البحثية والصحية في تبني تقنية الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المريض والمساعدة في معالجة بعض المشكلات الملحة التي تواجه الرعاية الصحية اليوم، ومن أجل الحصول على فهم أعمق لتأثير هذه التقنيات الصاعدة على المرضى والمتخصصين في الرعاية الصحية والمجتمع بشكل أوسع، وضمان استمرار تطوير خدمات الرعاية الصحية في المملكة وتركيز الجهود في هذا القطاع ليواجه التحديات المتعلقة بالخدمات الصحية من خلال رفع جودتها وكفاءتها، ركزت الورقة على المحاور التالية: الوضع الراهن للرعاية الصحية، وطرق استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، والتأثير المستقبلي المحتمل، والتحديات في التنفيذ وتبني التقنيات الصاعدة في مجال الرعاية الصحية.

بينما أكَّدت أ.د. سلوى الهزاع في التعقيب الأول على أن المملكة تحرص على تحقيق حكومة ذكية كما تستثمر باستمرار في بنيتها التحتية، كما تنتشر الشبكات الرقمية 5G ويتم بناء 6500 برج جديد للمساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030 باستخدام البيانات الضخمة؛ فلقد تم إنشاء هيئة الحكومة الرقمية وإنشاء تفاعلات رقمية وخدمات إلكترونية بين المواطنين والحكومة وقطاع الأعمال. ولخلق نظام بيئي للتحول الرقمي لا بد من استثمارات رأس المال الاستثماري وسهولة أداء الأعمال، والاستعداد لاعتماد التحول الرقمي، والاستعداد لتبني الابتكار والتطوير والقدرات الرقمية للقوى العاملة، والاستعداد لمخاطر تنظيم مشاريع للأفكار المبتكرة واستقطاب الاستثمار الأجنبي والشركات العالمية وتعزيز المعرفة الرقمية والتكنولوجية.

في حين ذكر د. فهد اليحيى في التعقيب الثاني أنه مع هذه الفتوحات في عالم الذكاء الاصطناعي انقسم إلى متفائلين بغد أرحب ومتشائمين من غد تضيع فيه الخصوصية وتتحكم فيه الآلة ويفقد الناس وظائفهم! وبات من التساؤلات البارزة في هذا الإطار: كيف سيؤثر الذكاء النفسي على الطب النفسي والعلاج النفسي؟ والواقع أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة. فعلى الرغم من أن الأبحاث بدأت في هذا الجانب في 2015! لكن الطريق لا يزال طويلا في التنبؤ في نتائجه وأثره فحسب. ولكن هناك توقع بالتوسع في استخدامه.

وأوضح د. سعد الحزامي في التعقيب الثالث أن الثورة المعلوماتية والتحول الرقمي الاستثنائي الذي تمر بهما المملكة تعتبر سابقة استثنائية لا نكاد نرى لها مثيلاً. وأبرز نتائج هذا التقدم، هو الوفرة في البيانات، والتي تعتبر وقوداً أساسياً لغالبية التقنيات الناشئة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي. لكن ذلك التقدم التقني يتطلب تقدماً موازياً له على المستوى التشريعي والتنظيمي.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية: فرص وتحديات.
  • الاتصال الطبي عن بعد والذكاء الاصطناعي في التشخيص الصحي: فروقات جوهرية.
  • مخاوف مستقبلية بشأن استخدامات الذكاء الاصطناعي المتوقعة في المجال الصحي.
  • استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • التوصيات
  • إصدار لائحة تنفيذية قانونية لتنظيم استخدام الذكاء الصناعي في المملكة في كافة المجالات بما فيها المجال الصحي.
  • إشراك أصحاب المصلحة من مقدمي الرعاية الصحية كل في تخصصه لضمان فعالية أدوات الذكاء الاصطناعي ومناسباتها في النواحي الطبية المختلفة.
  • بناء منصة حكومية للدراسات السريرية على مستوى المملكة.
  • تعزيز وتشجيع إنتاجية القطاعات المستهدفة للذكاء الاصطناعي في مجال الصحة في السعودية، وتنمية القدرات البشرية والشركات الناشئة في هذا المجال.
  • حوكمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة برؤية محورها صحة الإنسان دون المساس بالثوابت الدينية.
  • التعريف اللائق بأبرز المبادرات والمشاريع الحكومية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة.

 

  • الورقة الرئيسة: د. أماني البريكان

مقدمة

يعد الجمع بين التقنيات الصاعدة مثل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية أحد أكثر الموضوعات إثارة اليوم. يعرف الذكاء الاصطناعي على أنه قدرة الآلات على محاكاة الذكاء البشري وأداء المهام التي عادة تتطلبً الإدراك البشري. أن دمج الذكاء الاصطناعي مع الرعاية الصحية لديه القدرة على تغيير طريقة تقديم الرعاية الصحية وإدارتها ليكون نظاماً صحياً شاملاً وفعالاً ومتكاملاً، حيث يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل كميات كبيرة من البيانات، وتحديد الأنماط، وحتى إجراء تنبؤات لنتائج المرضى المستقبلية.

وفي ظل تطور الأنظمة الصحية العالمية، ومع تسارع وتزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية وتسابق المنظمات البحثية والصحية في تبني تقنية الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المريض والمساعدة في معالجة بعض المشكلات الملحة التي تواجه الرعاية الصحية اليوم، ومن أجل الحصول على فهم أعمق لتأثير هذه التقنيات الصاعدة على المرضى والمتخصصين في الرعاية الصحية والمجتمع بشكل أوسع، وضمان استمرار تطوير خدمات الرعاية الصحية في المملكة وتركيز الجهود في هذا القطاع ليواجه التحديات المتعلقة بالخدمات الصحية من خلال رفع جودتها وكفاءتها، يمكننا مناقشة المحاور التالية: مقتطفات من الوضع الراهن للرعاية الصحية؛ ونظرة فاحصة على طرق استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية؛ والتأثير المستقبلي المحتمل؛ والتحديات في التنفيذ وتبني التقنيات الصاعدة في مجال الرعاية الصحية.

  • مقتطفات من الوضع الراهن للرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي في المملكة

تتضمن خطة رؤية 2030، التي أطلقتها الحكومة السعودية في عام 2016، استراتيجية شاملة لتحويل نظام الرعاية الصحية. تهدف الخطة إلى إنشاء نظام رعاية صحية أكثر تركيزًا على المريض. كما تؤكد على أهمية الرعاية الصحية الوقائية، والتثقيف الصحي، وخفض تكاليف الرعاية الصحية. يتضمن البرنامج عدة أهداف، مثل زيادة عدد مقدمي الرعاية الصحية، وتعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية، وتطبيق تقنيات الرعاية الصحية الجديدة. كما تهدف إلى جعل المملكة واحدة من أكثر البلدان كفاءة في مجال الرعاية الصحية.

يعد الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية جزء مهم من الرؤية 2030. تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) لهذا الغرض، وكيانات أخرى بما في ذلك المركز الوطني للقيادة والتحكم في الرعاية الصحية (NHCCC). ووفقًا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 الصادر عن جامعة ستانفورد فإن المملكة العربية السعودية تتمتع بثاني أكبر قدر من المعرفة والوعي بفوائد الذكاء الاصطناعي من بين الدول. وفقاً لنتائج هذا المؤشر الحديث، فقد حلت المملكة العربية السعودية مرتبة متقدمة بين الدول الأعلى “كفاءة “في القطاع الصحي، لتشغل المركز الثاني مباشرة بعد سنغافورة، مسجلة 44.17 نقطة، ومتفوقة على المتوسط الإجمالي للمؤشر في مجموعة الـ16 دولة، بفارق 17 نقطة حيث تمثل هذه النقاط معدلات إنفاق الدول على قطاع الرعاية الصحية مقابل المردود المتحقق في قطاع الصحة.

وكجزء من استراتيجية رؤية 2030، عُقدت القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي في سبتمبر 2020 تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. تضمنت القمة 30 جلسة حضرها 60 متحدثًا من بينهم وزراء وقادة كيانات عالمية وأكاديميون ومستثمرون ورجال أعمال من 20 دولة. خلال هذه القمة العالمية للذكاء الاصطناعي لعام 2020، وقعت المملكة اتفاقيات استراتيجية مع IBM وAlibaba وHuawei وشركات أخرى لتطوير إطار عالمي يدعم التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أعلنت SDAIA عن شراكة مع البنك الدولي لتقوية الاقتصادات المحلية في البلدان النامية. وتوالت بعدها العديد من اللقاءات والمؤتمرات أهمها قمة الرياض العالمية للتقنيات الحيوية الطبية في الرياض سبتمبر 2021. وقد استضافت المملكة العربية السعودية القمة باعتبارها إحدى الفعاليات المصاحبة لرئاستها لمجموعة العشرين. كما عُقدت قمة الرياض العالمية للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية في الرياض مارس 2022. اجتمع كبار علماء الذكاء الاصطناعي والمديرون التنفيذيون وقادة الأعمال من جميع أنحاء العالم لمناقشة أحدث أبحاث وتقنيات الذكاء الاصطناعي ولاستكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتعلم العميق في مجال الرعاية الصحية. كما أنشأت أرامكو Prosperity7 Ventures، وهو صندوق استثماري عالمي للاستثمار في تقنيات الناشئة. ويستثمر الصندوق عالميًا في التقنيات الصاعدة ونماذج الأعمال التحويلية التي ستحقق الرخاء والتأثير الإيجابي على نطاق واسع. في أغسطس 2022، استثمرت Prosperity7 Ventures  في Insilico Medicine، وهي شركة رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأدوية.

ويكشف تقرير مؤشر الصحة المستقبلية الخاص بالمملكة جهود قادة قطاع الرعاية الصحية، حيث يقيس مؤشر الصحة المستقبلية الملامح المهمة لنظم الرعاية الصحية، والتي من شأنها رسم صورة واقعية عن الصحة المستقبلية، ودمج التقنيات في سلسلة خدمات الرعاية الصحية. ويساعد هذا القياس في تطوير البنية التحتية وأنظمة الرعاية الصحية، والابتعاد عن طرق القياس المعتمدة على الحجم في قطاع الرعاية الصحية. تجدر الإشارة إلى ما تشهده المملكة من التطور الكبير في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات ومعدات المنظمات الطبية والذي سيساعد بشكل كبير في التنفيذ الشامل لأنظمة المعلومات الطبية. ووفقا لتقرير مؤشر الصحة المستقبلية 2022 في بالمملكة، تم تسليط الضوء على ثلاث أولويات لقادة قطاع الرعاية الصحية في سعيهم لتعزيز الوصول إلى خدمات الرعاية والارتقاء بنتائج علاج المرضى، وهي: توسيع خدمات الرعاية الصحية من خلال التقنيات الصحية الرقمية، وتعزيز الكفاءة من خلال الابتكار والشراكات الاستراتيجية والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية للارتقاء بخدمات الرعاية الصحية. وتشمل المجالات الرئيسية للاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بنتائج الرعاية الصحية، ودمج الإجراءات التشخيصية، ودعم عملية اتخاذ القرارات السريرية. ومن المتوقع أن تصل نسبة الجهات المستثمرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي في إطار تحسين الكفاءة التشغيلية إلى 29% خلال السنوات الثلاث القادمة، في زيادة تتجاوز الضعف بعدما بلغت 13% العام الجاري.

كما توالت جملة من القرارات والتشريعات التي اتخذتها المملكة لتعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية، ووضع السعودية في مصاف الدول المؤثرة والرائدة في تقديم خدمات رقمية وتقنية متقدمة. آخر هذه القرارات إعلان إنشاء مركز دولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، الذي يسعى إلى تعزيز الممارسات السليمة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، ودعم مبادرات تنمية البحث والتطوير والابتكار على المستوى الوطني والدولي، وضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي في خدمة الأهداف التنموية والإنسانية.

  • الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية

من وجهه نظر طبية، غالبًا ما يتم تصنيف أدوات الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية وفقًا لمجموعات المستخدمين أصحاب المصلحة، وتشمل:1) المرضى والمواطنون، و2) الأطباء ومقدمو الرعاية، و3) القيادات ومديرو الرعاية الصحية، و4) عامة المهنيين الصحيين وصانعو السياسات. يمكن أيضاً أن يعتمد تصنيف أدوات الذكاء الاصطناعي الطبية الحيوية على الإعداد الذي تستخدم فيه الأدوات: 1) الإعدادات السريرية (المستشفيات، مراكز الرعاية الأولية، مراكز رعاية الطوارئ)، 2) المعالجة السريرية وإدارة الإعدادات (معمل، صيدلية، إلخ)، و3) الإعدادات الإدارية.

أما من وجهه نظر تقنية، فيمكن تصنيف أدوات الذكاء الاصطناعي وفقًا لنوع النموذج المستخدم إلى ثلاثة أصناف:

  • النمذجة التشخيصية أو التصنيفية للبيانات في الوقت الراهن “detection“، حيث يتم إنشاء الصور الطبية باستخدام معدات مختلفة، مثل الموجات فوق الصوتية والأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي والفحص المجهري والتصوير الومضاني، حيث يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل التلقائي للصور الطبية لغرض تشخيص وكشف الأمراض المختلفة بدقة وسرعة عالية.
  • النمذجة التنبؤية المستقبلية ”prediction“ حيث تستخدم النمذجة التنبؤية التنقيب عن البيانات والتعلم الآلي والإحصاءات لتحديد الأنماط في البيانات والتعرف على فرصة حدوث نتائج معينة. أحد حالات استخدام النمذجة التنبؤية الشائعة في الرعاية الصحية هي دعم القرار السريري ومساعدة الأطباء على اتخاذ قرارات أفضل بشأن رعاية المرضى. ويساعد استخدام النمذجة التنبؤية الأطباء وموظفي الدعم والإدارات المالية على تلقي تنبيهات حول النتائج والمخاطر المحتملة حتى يكونوا مستعدين بشكل أفضل للمستقبل.
  • تنبؤات مستقبلية بغرض الوقاية أو ما يعرف بالنمذجة الوقائية “prevention”، حيث تساعد النماذج التنبؤية الوقائية في تحديد المرضى المعرضين لخطر الإصابة بحالات معينة ثم التوصية بخطط العلاج والتنبؤ بنتائجها. يمكن أن تساعد هذه الأدوات الأطباء في تعيين المرضى الذين قد يكونون معرضين لخطر التفاعلات الدوائية الضارة. كما يمكن استخدامها أيضاً في رعاية الصحة العقلية، حيث يمكن أن تستخدم النمذجة التنبؤية جنبًا إلى جنب مع السجلات الصحية الإلكترونية واستبيان قياسي حول الاكتئاب لتحديد المرضى المعرضين لخطر محاولة الانتحار بنسب أكبر وبالتالي يمكن أن تسهم في منع أحداث إيذاء النفس أو الانتحار. ومن أجل تحقيق التوظيف لهذه التقنيات بشكل أمثل، ومن أجل تحقيق الاستدامة في دمج التقنيات في خدمات الرعاية الصحية يجب أن نفهم أولا مراحل تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي للصحة لتعزيز الوصول إلى خدمات الرعاية والارتقاء بنتائج علاج المرضى.

 

  • مراحل تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي للصحة.
شكل ١: مراحل تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي للصحة

يتم تطوير وتنفيذ الذكاء الاصطناعي للصحة خلال خمس مراحل رئيسية. هذه الخطوات المختلفة في المراحل الخمس يتم مشاركة معالمها بين مجموعات من أصحاب المصلحة جنبًا إلى جنب وتشمل: خبراء المعرفة (على سبيل المثال، الخبراء السريريين من ممارسين صحيين وعلماء البيانات وخبراء تكنولوجيا والمعلومات) وصناع القرار (على سبيل المثال، أعضاء مجلس إدارة المستشفى، مدراء المراكز البحثية) والمستخدمين (على سبيل المثال، الأطباء والممرضين والمرضى وذويهم). تتطور مراحل نضج نموذج الذكاء الاصطناعي مع التقدم في المراحل من المفهوم إلى التنفيذ حيث يجب معالجة كل خطوة بنجاح قبل الانتقال إلى المرحلة التالية. يعد تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي السريرية عملية تكرارية قد تحتاج إلى تغذية راجعة (جزئية) قبل تحقيق التنفيذ الناجح. وبالتالي فإنه يمكن تعديل النموذج أو إعادة تدريبه (أي العودة إلى المرحلة الأولى) متى ما دعت الحاجة لذلك. يوضح (الشكل ١) مراحل تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي للصحة في خطواته الخمسة وهي كالتالي:

  • المرحلة :0الاكتشاف وتحديد المشكلة الطبية

تعد هذه المرحلة مرحلة حساسة جدا حيث يتم فيها الاستعدادات لتطوير نموذج الذكاء الاصطناعي. وتكمن الأهمية في كونها تضع الملامح الرئيسة للمراحل التي تليها من حيث تحديد المشكلة الطبية وإشراك أصحاب المصلحة بالإضافة إلى جمع البيانات المناسبة للمشكلة تحت الدراسة. وتشمل الخطوات التالية:

  • تحديد المشكلة السريرية وإشراك أصحاب المصلحة

يجب أن تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي على تحسين الرعاية ومعالجة المشكلات الصحية ذات الصلة. لا ينبغي فقط تطويرها للتنبؤ بالأمراض، ولكن يجب أيضاً أن تنتج مخرجات مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر باتخاذ قرارات طبية تساعد المريض في وضع خطة علاجية مناسبة. إن تشكيل فريق متعدد التخصصات يعد أمرًا أساسيًا. يجب أن يتألف الفريق الأساسي من خبراء المعرفة وصناع القرار وحتى المستخدمين سواء من الممارسين الصحيين أو المرضى.

  • البحث عن النماذج المتاحة وتقييمها

خلال السنوات القليلة الماضية تضاعف عدد الدراسات الصحية والتي أسهمت في العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي، لذا فمن المفترض إجراء دراسة مرجعية والبحث عن النماذج المتاحة عن المشكلة إكلينيكية تحت الدراسة وتقييمها وإيجاد نقاط النقص والخلل من أجل تطويرها أو استخدامها متى ما ثبتت فاعليتها.

  • تحديد وجمع البيانات ذات الصلة

في هذه المرحلة المهمة يتم تحديد وجمع البيانات ذات الصلة. ولابد من توفر شروط معينة في هذه البيانات، أهمها: توفر مجموعات بيانات كافية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. يجب أن تكون مجموعات البيانات هذه ذات جودة وكمية كافيتين لتحقيق أداء نموذجي على غرار الدراسات التقليدية، يجب أن يتم جمع البيانات المتعلقة بنتائج الدراسة (مخرجات النموذج) وكذلك بيانات المتغيرات المحتملة (مدخلات النموذج) مع مراعاة التحيز المحتمل، على عكس التحيز في الدراسات التقليدية (على سبيل المثال، التحيز في الاختيار)، يمكن أيضاً تصنيف التحيز في نماذج الذكاء الاصطناعي تحت التحيز الحسابي والاجتماعي الذي يمكن أن ينشأ من عوامل مثل الجنس أو العرق أو أخطاء القياس، مما يؤدي إلى نتائج دون المستوى المرغوب. ولضمان جودة البيانات وللتخفيف من مخاطر التحيز لا بد من معالجة البيانات بشكل أولي للتأكد من جاهزيتها للمرحلة القادمة.

  • المرحلة الأولى: الانطلاق في تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي

قبل الحصول على الموافقة على خطة العمل لتطوير النموذج، تحدث في هذه المرحلة خمس خطوات مهمة تتمثل في: التحقق من اللوائح المعمول بها، والتعامل مع الخصوصية، التحضير الأولي للبيانات ومعالجتها، وبناء النموذج والتحقق من صحته، ومن ثم تقييم أداء النموذج والتحقق من النتائج. تتم هذه المرحلة من قبل خبراء المعرفة من علماء البيانات وخبراء تكنولوجيا والمعلومات بالتعاون مع الخبراء من ممارسين صحيين حيث يتم التالي:

  • التحقق من اللوائح المعمول بها

على الرغم من أهمية لوائح الأجهزة الطبية في التنفيذ الفعال وتوسيع نطاق النماذج المطورة حديثًا (المرحلة الرابعة)، يجب أن يكون المطورون على دراية بها في وقت مبكر لضمان الحصول على الموافقة القانونية الأساسية لاعتماد الحلول لاحقا. تُعد نماذج الذكاء الاصطناعي بمثابة “برنامج كجهاز طبي” (SaMD)، عندما يُقصد بها تشخيص المشكلات الصحية أو معالجتها أو الوقاية منها (على سبيل المثال، برنامج دعم القرار الذي يمكنه تشخيص مرضى السرطان). يجب فحص هذه الأجهزة لتجنب العواقب السلبية غير المقصودة وفقا للأطر التنظيمية لاستخدام الجهاز بشكل عام. فكلما زادت المخاطر، زادت متطلبات الحصول على الموافقة القانونية.

  • التعامل مع الخصوصية

فيما يتعلق بالخصوصية، يجب توخي الحذر عند التعامل مع بيانات المريض (خاصة عند مشاركة البيانات بين المؤسسات لدمج مجموعات البيانات). لذلك يجب أن تؤخذ في الاعتبار استراتيجية تحديد هوية البيانات القائمة على المخاطر لأغراض قانون التأمين الصحي وقابلية النقل والمساءلة وفق الممارسات الدولية لحماية البيانات.

  • التحضير الأولي للبيانات ومعالجتها

البيانات الأولية المستخرجة مباشرة من أنظمة معلومات المستشفى عرضة لأخطاء القياس / الاستشعار، لا سيما بيانات المراقبة مما يزيد من خطر التحيز. يجب إعداد وفهم هذه البيانات ومعالجتها مسبقًا قبل تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي ولا بد من إشراك خبراء المعرفة ليس فقط من علماء البيانات وخبراء تكنولوجيا والمعلومات ولكن أيضاً من قبل الممارسين الطبيين، بحسب احتياج المشكلة تحت الدراسة. يتكون إعداد البيانات من خطوات مثل ضم البيانات من ملفات منفصلة، وتصفية البيانات غير الدقيقة وحساب المتغيرات الإضافية، ومعالجة البيانات التحليلية.

  • بناء النموذج والتحقق من صحته

لمعالجة المشكلة السريرية، يمكن استخدام نماذج مختلفة للذكاء الاصطناعي، وبناء على نوع ودقة البيانات المستخدمة يمكن تحديد نوع التعلم الأنسب (على سبيل المثال: التعلم الخاضع للإشراف أو التعلم غير الخاضع للإشراف أو التعلم المعزز) والغرض منه (مثل التصنيف والانحدار). كما يمكن الاختيار والتمييز بين النماذج الإحصائية التقليدية مثل الانحدار اللوجستي ونماذج الذكاء الاصطناعي مثل الشبكات العصبية أو التعلم العميق. عند اختيار نموذج، توجد مقايضات بين درجة تعقيد النموذج، والتكلفة، ودقتها بناء على نوع المشكلة والبيانات وحجمها.

  • تقييم أداء النموذج والتحقق من النتائج

يمكن أن يؤدي التنفيذ السريري لنماذج الذكاء الاصطناعي غير الدقيقة أو التي تمت دراستها بشكل سيء إلى مخاطر مختلفة على المدى القريب أو البعيد. لذا يعد تقييم أداء النموذج مرحلة أساسية قبل الانتقال للدراسات السريرية. وتجدر الإشارة إلى تعدد مقاييس الأداء مثل الدقة، والحساسية، والنوعية، والقيمة التنبؤية الإيجابية، والتنبؤ السلبي. يجب تقييم القيمة والمعايرة، كما يمكن أن يساعد دليل بارك و”Han50“ في تقييم أداء النموذج. لتحديد ما إذا كانت نماذج الذكاء الاصطناعي موثوقة، يتم التحقق من صحتها عادةً على ما يسمى مجموعة بيانات الاختبار (أي التحقق الداخلي). يمكن استخدام عدة طرق للتحقق الداخلي؛. على سبيل المثال، عن طريق تقسيم مجموعة البيانات الإجمالية بشكل عشوائي إلى مجموعات فرعية (مجموعة بيانات التدريب والتحقق من الصحة والاختبار) إما مرة واحدة أو عدة مرات (وهو ما يُعرف في الأدبيات باسم التحقق المتقاطع k-fold) من أجل تقييم أداء النموذج في مجموعة بيانات الاختبار. ومن ثم يجب الإبلاغ عن نتائج الدراسة بشفافية ودون تحيز لبعض النتائج مما قد يكون له بالغ الأثر على حياة المرضى أو البيئة أو المجتمع ككل والذي سيؤثر بدوره على المرحلة القادمة.

  • المرحلة الثانية: تقييم أداء وموثوقية الذكاء الاصطناعي

تعد هذه المرحلة ضرورية للحصول على الموافقة على خطة المشروع والموارد وتعيينها قبل البدء في التجارب السريرية. وتنتج عنها الوثيقة الرئيسية المهمة للمراجعين الخارجيين (وكالات التمويل، والهيئات التنظيمية، ولجان أخلاقيات البحث، ومحرري المجلات، والمراجعين الأقران، ومجالس المراجعة المؤسسية، وعامة الجمهور بشكل متزايد) لفهم وتفسير الأساس المنطقي والمنهجية والاعتبارات الأخلاقية للتجربة. بالإضافة إلى ذلك، توفر بروتوكولات التجارب نقطة مرجعية مشتركة لدعم فريق البحث في إجراء دراسة عالية الجودة. وتشمل على ثلاث خطوات هي:

  • التحقق من صحة النموذج أو المفهوم خارجيًا

على عكس الأجهزة الطبية، مثل أجهزة التنفس الصناعي، لا تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي بناءً على مجموعة عالمية من القواعد المبرمجة مسبقًا، ولكنها بدلاً من ذلك توفر تنبؤات خاصة بالمريض. قد تعمل بشكل مثالي في مكان واحد وبشكل سيء في أماكن أخرى. بعد تطوير النموذج، يجب أن تخضع نماذج الذكاء الاصطناعي للمصادقة لتحديد قابليتها للتعميم بشكل أوسع والتي قد تكون مستحيلة في مرحلة التنفيذ نظرًا لأن “المعلومات الخاصة بالممارسة غالبًا ما تكون تنبؤية بدرجة عالية” وبالتالي يجب تدريب النماذج وفقًا للموقع الجغرافي كلما أمكن ذلك حيث المتغيرات والنتائج قد تحتاج إلى التحقق من صحتها وفي حالة أظهرت نتائج التحقق وجود تناقضات في النتائج السابقة، فقد يحتاج أصحاب المصلحة للرجوع إلى المرحلة السابقة والتعديل أو إعادة التدريب حسب طبيعة النتائج.

  • محاكاة النتائج بأثر رجعي

من أجل التحقق من أمان النماذج لدراسة سريرية للمرحلة القادمة، يجب تحديد المخاطر المحتملة من خلال محاكاة وإنشاء تنبؤات النموذج مستقبليًا بهدف تقليل الفجوة في الاختبارات السريرية والتقليل من المخاطر خصوصا عندما يتعلق الموضوع بصحة المريض مع مراعاة المتغيرات التي سيتم استخدامها أثناء التدريب النموذجي ووضع علامات عليها مع ضمان توازن البيانات فيما يتعلق بالسمات الرئيسية مثل الجنس، والعمر، والمستوى الاقتصاد والاجتماعي، والعرق، وكذلك الموقع الجغرافي.

  • محاكاة النتائج والاستعداد لدراسة سريرية

حتى الآن، 2٪ فقط من دراسات الذكاء الاصطناعي تصل لمرحلة الدراسة سريريًا رغم أنها خطوة مهمة لتحديد الفائدة الإكلينيكية وقابلية الاستخدام. خلال السنوات الماضية، كان هناك اعتراف متزايد بأن التدخلات التي تنطوي على الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى الخضوع لتقييم صارم ومستقبلي لإثبات تأثيرها على النتائج الصحية. يعد SPIRIT-AI المحدث (عناصر البروتوكول القياسية: توصيات للتجارب التداخلية – الذكاء الاصطناعي) دليلًا جديدًا لإعداد التقارير لبروتوكولات التجارب السريرية التي تقيم التدخلات باستخدام أحد مكونات الذكاء الاصطناعي. تم تطويره بالتوازي مع البيان المصاحب لتقارير التجارب: CONSORT-AI (المعايير الموحدة للإبلاغ عن التجارب – الذكاء الاصطناعي). تم تطوير كلا التوجيهين من أجل تقديم وصفا واضحا لآلية استخدام الذكاء الاصطناعي بما في ذلك التعليمات والمهارات المطلوبة للاستخدام، والإعداد الذي سيتم فيه دمج تدخل الذكاء الاصطناعي، والاعتبارات الخاصة بمعالجة بيانات الإدخال والإخراج، والتفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، وتحليل حالات الخطأ. يساعد SPIRIT-AI في تعزيز الشفافية والاكتمال لبروتوكولات التجارب السريرية لتدخلات الذكاء الاصطناعي. كما يساعد استخدامه في فهم وتفسير وتقييم التصميم وخطر التحيز للتجربة السريرية المخطط لها.

  • المرحلة الثالثة: اختبار الذكاء الاصطناعي سريريًا

يتم في هذه المرحلة قبول واعتماد النتائج النهائية قبل الانتقال للمرحلة الأخيرة مرحلة التنفيذ. ويعد بروتوكول التجارب السريرية نقطة لدعم فريق البحث في إجراء دراسة عالية الجودة من قبل المستخدمين المباشرين من الأطباء والممرضين أو المرضى وذويهم على حد سواء.

– تصميم وإجراء دراسة سريرية

وفقًا لدراسة أجرتها كلية MIT للإدارة، فإن معدل النجاح السريري، الذي تم تعريفه على أنه نسبة التجارب التي أدت إلى الموافقة على الدواء / العلاج قيد التحقيق، يقدر حاليًا بـ 14٪. أهم العوامل الرئيسية المسؤولة عن فشل المنتج في المرحلة السريرية تشمل عدم كفاية تصميم الدراسة، وعدم كفاية / عدم اكتمال عدد المرضى تحت الدراسة، وارتفاع معدل انسحاب المرضى المشاركين، وعدم تطابق لبيانات المرضى أثناء إجراء الدراسة. ومن هذا المنطلق، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحسين الكفاءات التشغيلية في البحث السريري. حيث يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في تصميم الدراسة مما يساعد في زيادة فرص النجاح بتخطيط أكثر دقة. كما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد مواقع التجارب السريرية من خلال رسم خرائط حرارية لأماكن سكن وتواجد المرضى واستهداف المواقع الأكثر ملاءمة مما يساعد على تسريع عملية اختيار عينات المرضى تحت الدراسة ويقلل من المشكلات الانسحاب، أما في حالات التجارب اللامركزية أو الافتراضية والعلاج الرقمي فإن تجارب السريرية الرقمية تساعد على تحسين الالتزام بالأدوية ومراقبة المريض عن بُعد، كما يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للتحليل الآلي للسجلات الطبية الإلكترونية وقواعد البيانات الخاصة بأهلية التجارب السريرية.

  • المرحلة الرابعة: تنفيذ وإدارة الذكاء الاصطناعي

هذه المرحلة مهمة لصناع القرار من أعضاء مجلس إدارة المستشفى ومدراء المراكز البحثية بعد أن يتم قبول النتائج السريرية وتتم في أربع خطوات كالتالي:

  • الحصول على الموافقة القانونية

تلعب الجوانب التنظيمية (كما هو موضح في المرحلة الأولى) وحوكمة البيانات والنموذج دورًا مهمًا في التنفيذ السريري ويجب معالجتها بشكل مناسب. قبل أن يكون التطبيق السريري على نطاق واسع ممكنًا، يجب تقديم نماذج الذكاء الاصطناعي إلى هيئة الغذاء والدواء، وتحتاج الهيئة إلى الحصول على علامة المطابقة الأوروبية (CE) من الشركات المعتمدة من أجل الانتقال لمرحلة التنفيذ.

  • تنفيذ النموذج بأمان

من خلال تقارير التجارب السريرية يتم تحديد وتوضيح عوامل قبول التكنولوجيا مثل الفائدة وسهولة الاستخدام لتحسين احتمالية التنفيذ الناجح والقبول من قبل المستخدم النهائي سواء من قبل الممارسين الصحيين أو المرضى وذويهم. وتعد هذه المرحلة حساسة في قبول الاستخدام بالتالي يجب أن تكون جهود التنفيذ مصحوبة بتواصل واضح وموحد لمعلومات نموذج الذكاء الاصطناعي تجاه المستخدمين النهائيين لتعزيز الشفافية والثقة، على سبيل المثال من خلال توفير “نموذج الذكاء الاصطناعي للمستخدم”. يجب تثقيف الممرضات والمرضى حول كيفية استخدام النماذج بشكل صحيح دون تعريض العلاقة بين الطبيب والمريض للخطر.

  • اعتماد النموذج وحوكمة البيانات

بعد التنفيذ، يجب على المستشفيات تنفيذ نظام إدارة جودة ومراقبة أداء نموذج الذكاء الاصطناعي من أجل الاعتماد النهائي خلال فترة حياة النموذج بأكملها، مما يتيح تحديد أداء النموذج في الوقت المناسب، والرد عند الضرورة (على سبيل المثال، إعادة التدريب أو الضبط أو التحول إلى نموذج بديل). من ناحية أخرى، تغطي حوكمة البيانات عناصر مثل أمان وجود البيانات والمساءلة والوصول الشامل للبيانات حيث يجب تخزين الأصول المقابلة مثل الوثائق والنتائج لمدة 15 عامًا على غرار التجارب السريرية.

  • استخدام النموذج بعد الاعتماد

تعد هذه المرحلة النهائية حيث يتم بعدها إغلاق المشروع. لكن هناك حاجة إلى الإجابة على العديد من الأسئلة مثل: كيف نعرف ما إذا كانت التنبؤات تظل موثوقة مع مرور الوقت؟ من المسؤول في حالة فشل نموذج الذكاء الاصطناعي؟ يحتاج الأطباء دائمًا إلى تحديد مقدار الوزن الذي يعطونه لمخرجات نماذج الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات السريرية من أجل استخدام هذه التقنيات بأمان. الأهم من ذلك أنه يجب أن يدرك الجميع أنه يمكن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي بطرق متحيزة عندما لا تشبه بيانات المريض الحالية بيانات التدريب بسبب تغيير نماذج الرعاية / تغيير نوع قياس البيانات. وبالتالي تجدر الإشارة بأن التحليلات التنبؤية يمكن على سبيل المثال أن تتنبأ بالعلاج الأكثر ملاءمة لمريض معين حسب دقة الخوارزمية. لكن الأمر متروك للطبيب لمراجعة تلك التنبؤات وإقرار ما أن كان سيتصرف وفقًا لها أم يقوم بإجراء أي تعديل فلا ينبغي للأطباء تحويل المسؤولية إلى الخوارزميات فقط بدون أي تدخل بشري وبالتالي يجب لكل طبيب أن يعرف متى يجب أن يتدخل.

  • التوصيات لتبني التقنيات الصاعدة في مجال الرعاية الصحية.

المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي يمكن تصنيفها على مستويات متعددة تشمل البيانات والتكنولوجيا والعمليات والأشخاص. تجدر الإشارة إلى أن أكبر التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية ليست تقنية بطبيعتها فقط، وإنما تعتمد على الأشخاص والإجراءات. مما يؤثر بشكل مباشر على سرعة التكيف والتنفيذ في مجال الرعاية الصحية في العالم الحقيقي، حيث يواجه اعتماد الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية بعض التحديات الفريدة التي يجب التغلب عليها قبل أن يصبح التطبيق أمرًا ممكنا. ويمكن تصنيف أهم التحديات حسب الآتي:

١- اللوائح والسياسات

٢- خصوصية البيانات

٣- مخاوف أخلاقية

  • الإضرار بالمريض بسبب أخطاء الذكاء الاصطناعي
  • إساءة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الطبية
  • خطر التحيز في الذكاء الاصطناعي الطبي واستمرار عدم المساواة

٣- مخاطر الأمن السيبراني

٤- التوافقية وقضايا التشغيل البيني

٥- التكلفة العالية

٦- الثقة وتقبل الأنظمة من قبل أصحاب المصلحة

٧- الثغرات في المساءلة والمسؤوليات في إدارة الذكاء الاصطناعي

ويمكن تقديم مجموعة من التوصيات للتصدي لهذه التحديات والمخاوف ومعالجتها حسب كل مرحلة من مراحل تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي للصحة كالاتي:

١- توصيات مرحلة تحديد المشكلة الطبية

تطبيقات الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على التغيير، ليس فقط لعمليات العلاج والتشخيص ولكن أيضاً تغيير أنماط حياة المرضى. تعمل تقنية الذكاء الاصطناعي على إحداث تحول في الرعاية الصحية، وتحدث ثورة في طريقة تشخيص الأمراض وعلاجها والوقاية منها. فلا شك في أن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على تحسين نتائج المرضى وتقليل تكاليف الرعاية الصحية. يجب أن يعمل مقدمو الرعاية الصحية على احتضان الفرص التي توفرها تقنية الذكاء الاصطناعي والتكيف معها لضمان حصول المرضى على أفضل رعاية ممكنة من خلال:

١- إشراك أصحاب المصلحة

قد يقاوم بعض المختصين في الرعاية الصحية استخدام الذكاء الاصطناعي بسبب مخاوف بشأن فقدان الوظيفة وانعدام الثقة في التكنولوجيا مما يستدعي تصميم وتنفيذ مبادرات لتمكين المختصين في الرعاية الصحية ومشاركتهم لبناء الثقة وضمان القبول والاستدامة. إن إشراك الأطباء في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي ضروري جدا ليس فقط لضمان القبول من قبل ممارسي الرعاية الصحية وإنما من أجل التوعية ورفع الثقافة بأهمية تكييف مثل هذه الأنظمة وتحديد أدوار الأطباء والممارسين الصحيين للتأكد من أن أدوات الذكاء الاصطناعي تقدم قيمة وأنها مناسبة تماما للقضايا الطبية تحت الدراسة. من المهم إشراك كافة الأطراف من الأفراد ومقدمي الرعاية / العائلات والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والصناعات ذات الصلة من أجل ضمان تقليل الأخطاء الناجمة من الذكاء الاصطناعي بسبب عدم الفهم الصحيح للبيانات وطبيعتها ودورها في الصحة بشكل عام.

٢- تحديد الأولويات والتحديات الصحية

يتم التخطيط الاستراتيجي للاحتياجات الصحية في المستقبل من خلال مركز التميز الذكاء الاصطناعي في الصحة بتعاون مشترك مع سدايا يتم تحديد التحديات وفقا للأولويات. ومن خلال مجلس الذكاء الاصطناعي في الصحة وعضوية الجهات ذات العلاقة بالمملكة مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وجون هوبتكنز أرامكو الطبي، والشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني والداخلية والدفاع، يتم توحيد الجهود وحوكمة المشاريع والمبادرات وأهمها سرطان الثدي والسكري.

في الواقع، تتطلب الرعاية الصحية تكاملًا قويًا للبيانات الطبية الحيوية من مصادر مختلفة مثل السجلات الصحية الإلكترونية / الطبية، وعلم الوراثة، والمعلومات الخاصة بالصيدليات، وسجلات التأمين من أجل تحسين التشخيص والعلاج من خلال نهج شخصي. يمكن أن يكون تحليل البيانات الضخمة من الأنظمة الطبية مفيدًا أيضاً في تطوير استراتيجيات جديدة للرعاية الصحية وخلق المتطلبات الأساسية للتغييرات الأساسية في مجال الطب الشخصي في المستقبل القريب. كما يمكن تصنيف الأولويات حسب التقنيات المستخدمة ما بين التشخيص والتنبؤ والوقاية كأحد المجالات الأولية للتحقيق بنهج جماعي وإعادة النظر في مجموعة من أهداف الوقاية / الرفاهية الوطنية لإنشاء آلية لقياس ورصد استثمارات الوقاية والصحة العامة، مع مراعاة التقسيم الجغرافي للمملكة مما قد يساعد في التقليل من خطر التحيز الطبي وعدم المساواة.

٣- تحديد فرص التعاون مع الصناعات الأخرى

إن الدور المتزايد للتكنولوجيا في الرعاية الصحية سيجعل التعاون أمرًا حيويًا حيث تعمل القطاعات معًا لإحراز تقدم في مجالات مثل التقنيات الطبية والعمليات الجراحية المحسّنة بالذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات بدعم من البنية التحتية المناسبة، مثل G5. هناك حاجة إلى نهج تعاوني يحدد فرص التعاون في مجال الصحة بين مقدمي الرعاية الصحية من القطاعين العام والخاص لتحقيق نتائج صحية أفضل وضمان الاستدامة بما في ذلك شركات التأمين والمستشفيات الخاصة والشركات التقنية.

من جهة أخرى، فإن التعاون مع الصناعات الأخرى سيصبح مطلبًا أساسيًا لكي تصبح الرعاية الصحية شاملة ومتكاملة. سيكون التعاون مع القطاع المصرفي مهمًا أيضاً لسوق مدفوعات الرعاية الصحية المتنامي، كما هو الحال في القطاع التجزئة، حيث لديهم فرص متزايدة لدعم نماذج الذكاء الصناعي والتشجيع على تبني وتقبل الأنظمة وتطبيقاتها مثل التغذية واللياقة البدنية والصحة النفسية بشكل أفضل.

٤- الاستثمار في بناء قواعد البيانات عالية الجودة

يجب تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام كميات كبيرة من البيانات عالية الجودة، مما قد يمثل تحديًا في مجال الرعاية الصحية. لذا يعد الوصول إلى البيانات عالية الجودة أمرًا أساسيًا لتمكين التعلم الآلي الفعال واتخاذ القرارات بالذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية.

زيادة الوصول إلى المعلومات للممارسين الصحيين والخدمات الصحية الدقيقة في الوقت الفعلي مطلب أساسي لتحسين الشفافية والنتائج صحية حتى يتمكن المستهلكون من اتخاذ قرارات عالية الجودة. هذه البيانات تحتاج أن تتسم بحقوق استخدام تتعدى الأبحاث العلمية لتشمل فرص استخدامها لأغراض تجارية مما يسرع من إمكانية تطوير النماذج بشكل تجاري. حيث يجب أن تتعاون الحكومات مع صناعات البرمجيات الصحية لتحديد معايير تبادل المعلومات وإمكانية التشغيل البيني للنظام من خلال الاستفادة من مجموعات البيانات القوية والقابلة للتشغيل المتبادل.

٢- توصيات مرحلة تطوير النموذج

خلال مرحلة تطوير النموذج، يوصى بإشراك ليس فقط علماء البيانات والباحثين في الطب الحيوي في فرق التطوير، ولكن أيضاً علماء الاجتماع وعلماء الأخلاق الطبية الحيوية والصحة العامة الخبراء والمرضى والمواطنين. يجب أن تكون المجموعة الأخيرة متنوعة قدر الإمكان لضمان أخذ التنوع الكافي للخلفيات والتجارب والاحتياجات في الاعتبار خلال دورة حياة إنتاج الذكاء الاصطناعي ولضمان أن الأدوات التي تم إنشاؤها مؤسسة على البحث المجتمعي. في السنوات الأخيرة، ازداد الوعي بالتحيز الخوارزمي وبدأ الباحثون في التحقيق في تدابير التخفيف لمعالجة مخاطر التحيز في الذكاء الاصطناعي الطبي. معظم مخاطر التحيز تحدث أثناء مرحلة تطوير النموذج حيث يجب على مطوري الذكاء الاصطناعي صناعة البرمجيات الصحية وفق معايير ثابتة ومحددة، بالتعاون مع الخبراء السريريين والمتخصصين في الرعاية الصحية. ولعل أهم توصيات المرحلة الآتي:

١- وضع إطار وطني سعودي تنظيمي يتوافق مع اللوائح المعمول بها عالميا

حوكمة الذكاء الاصطناعي أوسع بكثير من حوكمة البيانات. حيث يفرض إطار حوكمة الذكاء الاصطناعي الأولويات التنظيمية من خلال القواعد والعمليات والمتطلبات الموحدة التي تحدد كيفية تصميم الذكاء الاصطناعي وتطويره ونشره مما يساعد في بناء الثقة مع ضمان خصوصية البيانات.

لتعزيز تفعيل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يجب تصميم السياسات واللوائح لضمان توفير أنظمة رعاية أمنة، وبأسعار معقولة، وذات جودة عالية. بادئ ذي بدء، يجب تحديد الأساليب والإجراءات الموحدة للتقييم الشامل والموافقة التنظيمية لحلول الذكاء الاصطناعي، لا سيما فيما يتعلق بتعميمها على مجموعات سكانية جديدة وحساسيتها للضوضاء. يجب توسيع اللوائح والأطر القانونية لمعالجة ليس فقط الخصوصية ولكن أيضاً المساءلة، ولحماية المواطنين من انتهاكات البيانات وإعادة توظيف البيانات لتحسين الأمان في الأنظمة السحابية القائمة وحماية خوارزميات الذكاء الاصطناعي من الهجمات الإلكترونية. هذه المبادئ الأساسية التي يجب إتباعها تعرف بـ “Blueprint“، وهي تحتوي على مجموعة من خمسة مبادئ وممارسات مرتبطة للمساعدة في توجيه تصميم واستخدام ونشر الذكاء الاصطناعي والأنظمة الآلية الأخرى، قدمتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام 2019، واعتمدتها حتى الآن 46 دولة. تشمل على مبادئ: (1) السلامة والفعالية، (2) حماية التمييز الخوارزمي، (3) خصوصية البيانات، (4) الإشعار والتفسير، (5) البدائل البشرية، الاعتبارات والاحتياطات. ضمان الذكاء الاصطناعي هو التنفيذ العملي لهذه المبادئ في الإعدادات المطبقة مع تدقيق داخلي وخارجي مناسب لتوفير الثقة.

٢- بناء منصة البيانات الصحية الضخمة

في الواقع، ينشئ كل مريض عددًا لا يحصى من البيانات، مثل المعلومات حول التشخيص والعلاج والأدوية والصور ونتائج المختبر والوثائق المالية مما قد يرفع من خطر خصوصية البيانات ومخاطر الأمن السيبراني. مشكلة أخرى شائعة في التعلم الآلي تحدث عندما يتم تحويل التوزيع الإحصائي للبيانات المستخدمة في الممارسة السريرية، ولو بشكل طفيف، من التوزيع الأصلي لمجموعة البيانات المستخدمة لتدريب خوارزمية الذكاء الاصطناعي. قد يكون هذا التحول بسبب الاختلافات في المجموعات السكانية، أو بروتوكولات الاستحواذ بين المستشفيات، أو استخدام الآلات من مختلف الشركات المصنعة، مما قد يزيد من خطأ التشخيص من 5.5٪ إلى 46٪.

في هذا الصدد، يمكن لمنصة البيانات الضخمة تحسين وظائف أنظمة الصحة الإلكترونية وأمانها وتحليلها وأدائها تحت مظلة حكومية تضمن الإشراف عليها وحمايتها وتكفل لكافة الأطراف حقوقهم الشخصية والأدبية. كما يمكن أن تسهل دمجها وحفظها وفقًا للمعايير العالمية. وتسهل مشاركتها مع الأطراف المعنية بكل سهولة لتحسين التبادل الرقمي وتقديم وقاية أكثر تخصيصًا ورعاية عالية الجودة مع مراعاة متطلبات معيار ISO 13940: 2015.

٣- معالجة المخاوف الأخلاقية

تعد السجلات الصحية الإلكترونية والأجهزة الطبية المتصلة بالإنترنت أدوات رئيسية في تحويل النظام الصحي. لكن كل جزء من المعلومات والجهاز المتصل يمثل بوابة محتملة لمجرمي الإنترنت. نظرًا لأنه يتم مشاركة قدر أكبر من المعلومات الصحية الشخصية بين المؤسسات، ستصبح خصوصية البيانات والأمان والموافقات أمرًا بالغ الأهمية.

في عصر الصحة الرقمي، ستكون إدارة بيانات المرضى من خلال قدرات الأمن السيبراني القوية والمتطورة أمرًا بالغ الأهمية لبناء ثقة المريض وإدارة المخاطر، مع التشديد على تطبيق الأطر التنظيمية منذ المراحل الأولية للنماذج لضمان معالجة مخاوف الخصوصية والأمان بشكل مناسب. كما يجب على المنظمين ومقدمي الرعاية الصحية اتباع نهج استباقي لضمان مراعاة الاعتبارات الأخلاقية وخصوصية المريض عند دمج الذكاء الاصطناعي وتوفير فرص لتحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية وضمان اعتمادها في المرحل التنفيذ لاحقا.

٤- التصدي المبكر لأخطاء خوارزميات الذكاء الاصطناعي

يمكن أن تحدث أخطاء في خوارزميات الذكاء الاصطناعي بسبب البيانات المتحيزة أو الأنظمة والنماذج المستخدمة، مما قد يؤدي إلى تشخيصات وعلاجات غير صحيحة. مصدر آخر محتمل للتحيز في الذكاء الاصطناعي الطبي هو التحيز في تصنيف البيانات أثناء التقييم السريري بين الجنسين. إذا تأثرت تسميات البيانات في السجلات الصحية بمثل هذه التفاوتات في الرعاية الصحية، كما هو الحال في البيئات التي تم فيها تشخيص مجموعات معينة بشكل خاطئ ومنهجي بسبب وصمة العار أو الصور النمطية، فمن المحتمل أن تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي إدامة هذا التباين.

في السنوات الأخيرة، ازداد الوعي بالتحيز الخوارزمي وبدأ الباحثون في التحقيق في تدابير التخفيف لمعالجة مخاطر التحيز في الذكاء الاصطناعي الطبي. كما أن ضمان عمل مشاريع الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع يعتمد على امتلاك الأدوات المناسبة لبناء نماذج موثوقة شفافة وواضحة باستخدام النماذج ”White-box“ كمطلب أساسي للتعامل مع الكميات الهائلة من البيانات المحمية والعمل معها للمساعدة في إدارة ومتابعة العمليات، والحوكمة الشاملة مما سيسهم في زيادة دقة نماذج الذكاء الاصطناعي ويضفي عليها طابع الشفافية.

٣- توصيات مرحلة التقييم والتحقق

على الرغم من إمكانات الذكاء الاصطناعي، تعد تقنية الذكاء الاصطناعي باهظة الثمن حيث تحتاج إلى دراسات مستفيضة تتطلب وقتًا ومـوارد بشرية ومالية، وقد لا تكون في متناول جميع مراكز الأبحاث، مما قد يؤدي إلى عدم استيفاء هذه المرحلة. ولعل أهم توصيات هذه المرحلة الآتي:

١- تمويل برامج تسريع الابتكار

يمكن لتحليل البيانات على نطاق واسع مع اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، كما يمكن للتحليلات التنبؤية، أن تدعم اتخاذ القرارات والإجراءات السريرية بالإضافة إلى تحديد أولويات المهام لإبلاغ السياسات والقرارات التنظيمية بشأن الصحة العامة، وتشكيل الاستثمار في البرامج، والحملات الوقائية، وتقليل التكاليف الصحية.

يمكن دعم ذلك من خلال تمويل برنامج تسريع الابتكار للبرامج التجريبية مما سيسهم في ظهور واعتماد تقنيات جديدة في مجال الصحة، مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي، والاكتشاف المبكر والفحص والتشخيص والوصفات الطبية لخطط العلاج الشخصية، وتحقيق رعاية متصلة ونقل الرعاية خارج المستشفى لجعل تقديم الخدمات الصحية أكثر راحة في المنزل.

٢- تحديد آليات / مصادر التمويل البديلة

تعد أسواق التأمين الصحي والتأمين على الحياة مثالاً على الأماكن التي يمكن فيها تطبيق آليات التمويل البديلة، وتحقيق الدخل من الحوافز للتدخل المبكر والسلوكيات الصحية.

يمكن أن يؤدي التقارب بين أسواق التأمين الصحي، مع التماسك في الأطر التنظيمية، إلى تسريع إنشاء منتجات جديدة للمستهلكين للوقاية وتغيير السلوك، وكذلك دعم الصحة الاستباقية وإدارة الأمراض المزمنة. من خلال هذا، هناك فرص لتوفير شفافية أفضل وقيمة أفضل مقابل المال للمستهلك، ودعم أفضل للاستدامة والقدرة على تحمل تكاليف مرحلة التقييم والتحقق عبر النظام الصحي العام والخاص.

٣- التعاون مع الشركات التقنية

من أجل التحقق من قابلية تعميم خوارزمية الذكاء الاصطناعي المعينة خارج البيئة الخاضعة للرقابة التي تم إنشاؤها فيها لابد أن تخضع النماذج إلى تقييمات خارجية من قبل مقيمين خارجيين. يشير التحقق الخارجي إلى استخدام مجموعات بيانات خارجية منفصلة تمامًا لتقييم أدوات الذكاء الاصطناعي. في السيناريو المثالي، تأتي هذه البيانات من مواقع سريرية ومواقع جغرافية مختلفة.

إن مستقبل الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يعتمد بالدرجة الأولى على التعاون بين شركات التكنولوجيا ومقدمي الرعاية الصحية وواضعي السياسات لضمان تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وعادل، والترويج للتقييمات الخارجية من قبل مقيمين خارجيين والتخفيف من خطر التحيز في الذكاء الاصطناعي الطبي وضمان فاعليتها وقابلية تعميمها خارج البيئة الخاضعة للرقابة التي تم إنشاؤها فيها.

٤- توصيات مرحلة الدراسات السريرية

التجارب السريرية هي جزء من البحث السريري وفي قلب كل التطورات الطبية. تبحث التجارب السريرية في طرق جديدة للوقاية من المرض أو اكتشافه أو علاجه. خلال دورة حياة إنتاج الذكاء الاصطناعي تعد مرحلة الدراسات السريرية مرحلة حساسة للتأكد من أن الأدوات التي تم إنشاؤها آمنة وفعالة ومؤسسة على البحث المجتمعي.

١- بناء منصة حكومية للدراسات السريرية

من الضروري أن تشمل التجارب السريرية أشخاصًا لديهم تجارب وظروف معيشية متنوعة، بالإضافة إلى خصائص مثل العرق والعمر والجنس، بحيث تستفيد جميع المجتمعات من التقدم العلمي مع ضمان عدم التحيز والمساواة.

يجب تعزيز المناهج اللامركزية الموحدة للدراسات السريرية لاسيما تلك المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال منصة حكومية تحتوي على قاعدة بيانات للدراسات البحثية السريرية التي تجرى في مراكز الدراسات السريرية لربط الأشخاص الذين يحاولون العثور على دراسات بحثية لاحتياجاتهم الصحية لتلقي أحدث علاج. من جانب آخر، تمكن الباحثين للوصول لأكبر شريحة من المتطوعين للمشاركة في دراساتهم مع ضمان تسجيل وتنوع مستخدمين التقنيات في مختلف مناطق المملكة والاستفادة من قوة البيانات الضخمة من المراكز السريرية دون الحاجة إلى عمليات نقل بيانات غير آمنة من خلال التسجيل الآمن والمجاني. من جانب آخر ستسهم المنصة في تسهيل تطوع الجمهور والمشاركة في دراسات الأبحاث السريرية التي تساهم في تحسين الصحة في المستقبل.

٢- دعم وتمويل الدراسات السريرية

قد تحد التكلفة العالية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتنفيذ من الوصول إلى حلول الرعاية الصحية المتقدمة. حيث يعتمد نموذج التمويل الحالي لرعاية الصحة على تقسيم المسؤوليات والاتفاقيات بين الاختصاصات، أي أنه نموذج تمويل قائم على المدخلات، يكافح من أجل معالجة الوقاية والأمراض المزمنة على نطاق أوسع.

من خلال التمويل المستند إلى النتائج، يمكن أن يتم دعم وتمويل الدراسات السريرية والانتقال من الكمية إلى القيمة، وتمكين نماذج الرعاية الجديدة والاستفادة من التقنيات الرقمية، والقضاء على تحويل التكاليف ودعم حملات الوقاية بشكل أفضل، مع مناقشة مناسبة حول دور المدفوعات لتحقيق جودة حياة أفضل.

٥- توصيات مرحلة التنفيذ

التحدي الأكبر الذي يواجه الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية بعد التنفيذ ليس ما إذا كانت التقنيات قادرة بما يكفي لتكون مفيدة، بل ضمان اعتمادها في الممارسة السريرية بشكل يومي على أرض الواقع. على الرغم من إمكانات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، إلا أنه يعاني من قيود كبيرة، خاصة نقص الموارد المؤسسية والتدريب غير الكافي للعاملين في مجال الرعاية الصحية. ولكي يتم اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، يجب أن تتم الموافقة على أنظمة الذكاء الاصطناعي من قبل المنظمين، وأن تكون مدمجة مع أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية، وأن تكون موحدة بدرجة كافية بحيث تعمل المنتجات أو الأجهزة الطبية المماثلة بطريقة مماثلة وبنفس نوع وسرعة البيانات وفق مقاييس معيارية موحدة أو ما يعرف بـ ”standardization”، ويتم تعليمها للأطباء، كما تحتاج الدعم من قبل المؤسسات العامة والخاصة ويتم تحديثها مع مرور الوقت في هذا المجال بشكل آلي. ويمكن سرد مجمل أهم التوصيات على النحو التالي:

١- موافقة الجهات الرقابية

يتطلب تطبيق الذكاء الاصطناعي الامتثال للعديد من اللوائح الصادرة عن السلطات الصحية المختلفة، الأمر الذي قد يستغرق وقتًا طويلاً وآلية معقدة. حيث تختلف اللوائح والتشريعات من دولة إلى أخرى، بما في ذلك سياسات سداد التأمين ومتطلبات الترخيص وقوانين الخصوصية. مجال الذكاء الاصطناعي في الصحة سريع التطور مما يتطلب إطارًا قانونيًا وتنظيميًا محددًا لضمان تقديم الرعاية بشكل آمن وفعال.

هناك العديد من السبل المتاحة لزيادة شفافية تقنيات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، مما يتيح للكيانات التنظيمية أن تلعب دورًا مهمًا للإدارة والإشراف من خلال إلزام الباحثين بتوثيق جميع المعلومات الأساسية للنموذج وتقديم شرح أدوات الذكاء الاصطناعي والنظر في إمكانية التتبع لكافة المراحل كشرط مسبق للحصول على التراخيص. هناك أيضاً حاجة لتطوير أدوات التتبع لمراقبة استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي بمجرد نشرها من خلال تقارير دورية، مثل تسجيل الأخطاء المحتملة وتدهور الأداء. كما أنه من المهم أن يقوم مطورو الذكاء الاصطناعي بإشراك المستخدمين النهائيين السريريين من بداية عملية التطوير من أجل تحديد أفضل نهج شرح لكل تطبيق، وتوفير فهم أوضح للبيانات ولضمان أن التفسيرات المختارة مفيدة ومقبولة جيدًا في الممارسة السريرية.

٢- وضع دليل إرشادي لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي

يمكن أن يؤدي الاستخدام غير المنظم للذكاء الاصطناعي إلى إخضاع حقوق ومصالح المرضى والمجتمعات للمصالح التجارية لشركات التكنولوجيا، أو لمصالح الحكومات في المراقبة والرقابة الاجتماعية. أحد أهم أسباب الثغرات هي المساءلة والمسؤوليات في إدارة الذكاء الاصطناعي. حيث يثير تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية تساؤلات حول من هو المسؤول إذا ارتكب النظام خطأً أو تسبب في ضرر للمريض.

من أجل التصدي لأهم أسباب الثغرات في المساءلة والمسؤوليات في إدارة الذكاء الاصطناعي، يجب وضع دليل إرشادي للتشغيل البيني للبيانات، قابل لإعادة الاستخدام ومخصص لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، والذي توضح فيه آلية تطبيق الاستراتيجيات العالمية للتعامل مع الخصوصية على قاعدة بيانات مع مراعات التوافق بين أنظمة معلومات المستشفيات المختلفة. كما يشمل أيضاً على الأدوار والمسؤوليات المختلفة لكل طرف في عملية تطوير وتنفيذ نماذج الذكاء الاصطناعي.

٣- التوعية ورفع الثقافة

على الرغم من التطورات المستمرة في الذكاء الاصطناعي الطبي، لا يزال الأفراد والخبراء ينظرون إلى الخوارزميات الحالية على أنها تقنيات معقدة وغامضة يصعب فهمها والثقة بها واعتمادها بشكل كامل.

تجدر الإشارة لأهمية التوعية وتعزيز الثقافة لتوضيح التأثير المستقبلي المحتمل من تكييف التقنيات الصاعدة لضمان استخدام، دعم وضمان استدامتها. يمكن أن يؤدي استخدام الواقع المعزز والمساعدين الافتراضيين والحوسبة المعرفية إلى تغيير طريقة تقديم الرعاية الصحية وإدارتها. يمكن أن تحقق هذه التغييرات نتائج أفضل للمرضى، وتحسن جودة الرعاية الصحية، وتخلق عمليات أكثر كفاءة في صناعة الرعاية الصحية. يجب أن يتم توعية الممارسين الصحيين بأن تقنية الذكاء الاصطناعي لن تحل محل الأطباء ولن تؤدي إلى أتمتة الرعاية بشكل كامل حيث تكمل أدوات الذكاء الاصطناعي الخبرة البشرية بدلاً من استبدالها. من جهة أخرى، لمعالجة قضية الخصوصية من قبل المستخدمين، هناك حاجة لزيادة الوعي ومحو الأمية بشأن مخاطر الخصوصية والأمن، وكذلك بشأن إقرار الموافقات والوصول من قبل المستخدم لحمايتهم من إساءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة.

٤- وضع خطة استراتيجية للقوى العاملة

تعد الموارد البشرية عاملاً هامًا لضمان الثقة وتقبل الأنظمة من قبل أصحاب المصلحة ومعالجة الفجوات المحتملة في الموارد، والعقليات وطرق العمل التعاونية.

سيؤدي وضع خطة استراتيجية للقوى العاملة إلى تحسين نماذج التوظيف لضمان امتلاك مؤسسات الرعاية الصحية المهارات المناسبة في المكان والوقت المناسب لتلبية الطلب. ستحتاج هذه الخطط أيضاً إلى النظر في أهمية العوامل التمكينية الرئيسية مثل القيادة والثقافة والحوكمة والتخطيط المتكامل لاستكمال تحديات القوى العاملة الأكثر واقعية وتحقيق التوازن في القوى العاملة في المجال بين المهنيين الصحيين والأخصائيين التقنيين.

٥- الخبرة البشرية والتدريب

من أجل تقليل الخطأ البشري وضمان الثقة وتقبل الأنظمة من قبل أصحاب المصلحة، ستتطلب القوى العاملة الصحية في المستقبل رفع المهارات في استخدام التقنيات الجديدة، ومعالجة الفجوات المحتملة في الموارد. يجب تطوير برامج التعليم ومحو الأمية حول الذكاء الاصطناعي الطبي وتعميمها لزيادة معرفة ومهارات المستخدمين النهائيين للذكاء الاصطناعي في المستقبل. هناك حاجة لتدريب المتخصصين في الرعاية الصحية على كيفية الاستفادة الكاملة من أدوات الذكاء الاصطناعي لكي تسهم بشكل فعال في تعريف معنى الرعاية الصحية الحديثة، من خلال تصميم برامج مخصصة بتقنيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتنفيذها كأدوات مساعدة.

٦- تحديثات الذكاء الاصطناعي المنتظمة

هناك عدة طرق لتقليل الخطأ البشري أو الاستخدام غير الصحيح لحلول الذكاء الاصطناعي الطبية المستقبلية. يجب أن تكون حلول الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية ديناميكية، أي يجب أن تكون مدمجة بآليات لمواصلة التعلم من السيناريوهات والأخطاء الجديدة عند اكتشافها في الممارسة العملية. ومع ذلك، فإن هذا الجانب الأخير لا يزال يتطلب درجة معينة من التحكم البشري واليقظة لتحديد المشاكل عند ظهورها.

هناك حاجة لمشاركة المستخدمين النهائيين مثل المتخصصين في الرعاية الصحية أو المتخصصين أو الفنيين أو المرضى عن كثب، بحيث يظل الأطباء جزءا من سير عمل معالجة البيانات للكشف عن الأخطاء المحتملة والتغييرات السياقية والإبلاغ عنها حتى بعد الانتهاء من مرحلة التنفيذ، وبالتالي تقليل الضرر الذي يلحق بالمرضى. هناك حاجة أيضاً إلى تطوير البنية التحتية والتطورات التقنية لتمكين تحديثات الذكاء الاصطناعي المنتظمة.

الخاتمة

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًّا في الرعاية الصحية حيث يحدث تكامل التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية ورؤية الكمبيوتر ثورة في صناعة الرعاية الصحية، من خلال توفير مجموعة من الحلول التي أحدثت ثورة لصحة أفضل، من تحديد الأمراض بدقة أكبر إلى تطوير خطط العلاج الشخصية. كما يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي تحسين تجربة المريض والمساعدة في معالجة بعض المشكلات الملحة التي تواجه الرعاية الصحية اليوم.

إن دمج الذكاء الاصطناعي مع الرعاية الصحية لديه القدرة على تغيير طريقة تقديم الرعاية وإدارتها. وعلى الرغم من تحديات التنفيذ، فإن الفوائد واضحة ولا يمكن إنكارها. للمضي قدمًا، يجب أن نعمل معًا للتغلب على المشكلات المحتملة التي أثيرت والتأكد من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مناسب دون الإضرار بمصالح المريض.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: أ.د. سلوى الهزاع

الذكاء الاصطناعي: هو برنامج قادر على الإحساس وتوقع الأسباب، والعمل، والتبني.

التعلم الآلي: تتحسن أداء الخوارزميات كلما عُرّضت بمرور الوقت لمزيد من البيانات.

التعلم العميق: مجموعة فرعية من التعلم الآلي متعدد الطبقات العصبية، وتعلم الشبكات من كميات ضخمة من البيانات.

يدمج الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من البيانات الضخمة، وبدون تحليلات البيانات الضخمة تكون الشركات عمياء وصماء، والبيانات الضخمة هي نفط القرن الحادي والعشرين، والتحليلات هي مُحرك الاحتراق، ويختار البرنامج ويتعلم تلقائيًا من أنماط وميزات مختلفة مُضمَّنة داخل البيانات، والغرض من الذكاء الاصطناعي تعزيز الذكاء البشري بفضل مجموعات البيانات المعقدة، ويقوم بمهام فكرية كصناعة القرار والإدراك وحل المشاكل وأسرع من التواصل البشري. فالمعرفة قوة، سواء كانت ذكاء الإنسان الطبيعي أو الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي كحل لديه إمكانات كبيرة لتغيير العمليات التجارية في جميع أنحاء العالم، كما أن التحول الرقمي ضرورة مطلقة، والمملكة العربية السعودية تعمل على تغذية الاقتصاد والمجتمع؛ والمعيشة من خلال الذكاء الاصطناعي.

تحرص الدولة على تحقيق حكومة ذكية وتستثمر المملكة باستمرار في بنيتها التحتية، كما تنتشر الشبكات الرقمية 5G ويتم بناء 6500 برج جديد للمساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030 باستخدام البيانات الضخمة؛ فلقد تم إنشاء هيئة الحكومة الرقمية وإنشاء تفاعلات رقمية وخدمات إلكترونية بين المواطنين والحكومة وقطاع الأعمال.

ولخلق نظام بيئي للتحول الرقمي لا بد من استثمارات رأس المال الاستثماري وسهولة أداء الأعمال، والاستعداد لاعتماد التحول الرقمي، والاستعداد لتبني الابتكار والتطوير والقدرات الرقمية للقوى العاملة، والاستعداد لمخاطر تنظيم مشاريع للأفكار المبتكرة واستقطاب الاستثمار الأجنبي والشركات العالمية وتعزيز المعرفة الرقمية والتكنولوجية.

الكلمة الرنانة الجديدة في طب العيون هي الذكاء الاصطناعي، وتعمل على تحويل النظام الصحي التقليدي إلى رقمي، فالتحول الرقمي ضرورة صحية مطلقة و”وقود الاقتصاد”، ووجود الذكاء الاصطناعي هو تمكين للذكاء البشري الطبيعي، ويجعل الذكاء الاصطناعي الأنشطة الصحية اليومية أبسط بكثير.

ونستعرض هنا (الفاحص الذكي) البرنامج الرقمي الوحيد في المملكة والمشغل في سبعة مراكز سكري لوزارة الصحة في جميع أنحاء المملكة وثلاث جمعيات خيرية في الرياض والقصيم والمدينة المنورة كخدمة مجتمعية لمرضى السكري.

التحليل الآلي لصور شبكية العين “الفاحص الذكي” سيحيل الصحة الرقمية إلى نظام صحي مبتكر وفعَّال ومستدام ومتاح لجميع مرضى السكري في المملكة السعودية، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي لإنقاذ مرضى سكري العين من العمى باستخدام الذكاء الاصطناعي.

مرض سكري العين هو السبب الرئيس للعمى، ويمكن الوقاية منه بالتشخيص المبكر، ويؤدي الارتفاع في نسبة الجلوكوز في الدم (مرض السكري) إلى تلف الأوعية الدموية الرقيقة في العين، مما يؤدي إلى فقدان البصر وهو السبب الرئيس لفقدان البصر (35٪ من جميع حالات العمى الجديدة بالمملكة). ويتم الكشف عنه أثناء فحص العين من خلال استشاري وخبير ممارس للعناية بالعيون، وتكمن الأعراض بنزيف وتغيرات أخرى في الأوعية الدموية، بالعين والرشح في مركز البصر، وتلف للأنسجة العصبية في الشبكية. وعلاج سكري العين ناجح للغاية (95٪ فرصة للاحتفاظ بالرؤية) ويكون العلاج إما بالليزر أو الحقنة في الجسم الزجاجي أو الجراحة. ومن المتوقع أن ينمو سوق الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية على حساب زيادة عدد السكان ونمط الحياة. ومن المتوقع أن يؤثر متوسط ارتفاع العمر على التركيبة السكانية في المملكة العربية السعودية. مما يؤدي إلى زيادة عدد المسنين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية أكبر.

“الفاحص الذكي” هو أول نظام تقني لتحليل صور شبكية العين آلياً في السعودية، ومعترف به محلياً وإقليمياً لخدمة مرضى سكري العين المتقدم، وهو نظام فريد من نوعه، حيث يُستخدم للتحقق من صحة خوارزمية آلية وتم تخصيصها لسكان المنطقة في سبعة مراكز سكري بوزارة الصحة في جميع أنحاء المملكة.

وقد لوحظ أن الفحص التقليدي المتكرر لمرضى سكري العين، يُسبِّب إرهاقاً للاستشاري، وبالتالي يؤدي إلى انخفاض دقة التشخيص وجودة العناية بالمريض بشكل ملحوظ ومستمر.

أما فوائد استخدام “الذكاء الاصطناعي “هو الاستفادة من أنظمة التعرف على الصور الآلية وزيادة الكفاءة والإنتاجية والاستفادة من وقت ومهارات الاستشاري بحكمة ودقة لتقوية خبراتهم الجراحية، ويقلل من الموارد البشرية غير الضرورية للمؤسسة، وبالتالي يوفر الرعاية بطريقة يسهل الوصول إليها بأسعار منخفضة، ويسعى إلى راحة المريض ومقدمي الخدمة.

إن إدخال “الفاحص الذكي” في مسارات فحص مرض السكري سيساعد في تعزيز الاستفادة من الوقت والمهارات المهنية والاحترافية “للاستشاري، حيث يقوم بالتركيز على العلاج وليس التشخيص، مما يثري خبراته الجراحية ويزيد من كفاءة وإنتاجية الموارد البشرية من خلال تقليل وترشيد استخدامها، فيما هو ضروري للمؤسسة، بالإضافة إلى توفير الرعاية الصحية بطريقة أكثر سهولة وأوسع إتاحة للجميع وبأسعار اقتصادية.

يعاني حوالي 537 مليون شخص في العالم من مرض السكري، وهو أحد المشاكل الصحية الأسرع نموًا والتي تشكل تهديدًا كبيرًا للصحة والاقتصاد على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. وحسب إحصاءات “منظمة الصحة العالمية” (WHO) تأتي السعودية في المرتبة الأعلى في معدل انتشار مرض داء السكري بين دول الخليج، ومن بين البلدان الخمس الأولى على مستوى العالم. ويعتبر مرض السكري “الوباء الصامت” بوجود أكثر من أربعة ملايين مريض سكري بالغ في السعودية و73  مليون مريض سكري في الشرق الأوسط.

وتوصي الإرشادات الدولية بإجراء فحوصات دورية وسنوية لعيون مرضى داء السكري، إلا أن المملكة العربية السعودية لا تزال تفتقر إلى استراتيجية وطنية لفحص عيون مرضى السكري.

بسبب ندرة استشاري العيون والشبكية. ولذا يتم فحص ٢٤٪ فقط من مرضى داء السكري ومتابعتهم لمرض سكري العين، مما يجعله السبب الرئيسي لفقدان البصر في السعودية، ويمثل عبئاً هائلاً على الاقتصاد الصحي لعلاج المراحل المتقدمة ومضاعفات داء السكري وسكري العين، التي يمكن الوقاية منها بالفحص المبكر باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي.

ومن خلال الفحوصات الدورية لمرضى سكري العين، أثبت “الفاحص الذكي” الفعالية الفائقة ودقة التشخيص تفوق الدقة المعتادة لكبار “استشاري العيون والشبكية”، مما يؤدي إلى تحسين مستوى رعاية مرضى داء السكري، بجودة عالية ونتائج دقيقة وبتكلفة منخفضة.

تتوافق نتائج “الفاحص الذكي” مع:

  • “قانون نقل التأمين الصحي والمساءلة” (HIPPA) بتوفير أمان وخصوصية عالية في برمجيات التعامل ومع البيانات.
  • الدمج مع أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية (EMR) وأنظمة أرشفة الصور والاتصالات (PACS)للتشغيل الآمن.
  • ترخيص وتصديق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
  • تصديق نظام الصحة الوطنية بالمملكة المتحدة.
  • علامة المطابقة الأوروبية في الاتحاد الأوروبي (EU CE marking) كجهاز طبي آلي بالكامل.
  • ترخيص وزارة الصحة الكندية.
  • ترخيص الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية.
  • تنظيم كامل من قبل ” الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي” من خلال “المكتب الوطني لإدارة البيانات”.

 الميزات الفريدة ” للفاحص الذكي”:

  • يقدم “الفاحص الذكي” في غضون دقائق قليلة جداً تقريراً فورياً ومترجماً إلى اللغة العربية سهل القراءة وقابلاً للتنفيذ، لمرضى داء السكري من خلال سحابة آمنة محكمة محلياً، لتحديد مستوى مرض سكري العين مطابقاً لأعلى المقاييس السريرية المعترف بها دولياً من “المجلس العالمي لطب العيون”.
  • لقد أثبت “الفاحص الذكي” السرعة والأمان والدقة والاتساق مع سهولة الاستخدام وبأقل قدر من التدريب. ويعمل بنظام آلي بالكامل ولا يتطلب وجود “استشاري العيون أو الشبكية” سواء عن بُعد أو في موقع الفحص، مما يسمح بتشخيص دقيق لمرضى داء السكري، الذين من المحتمل أن يتطور لديهم مرض سكري العين، ويتم تشخيصهم إما بعودتهم لتصوير شبكية العين، أو إحالتهم إلى “استشاري العيون والشبكية” ليتم علاجهم وبشكل فوري.
  • “الفاحص الذكي” يسمح لأخصائي الرعاية الصحية، مثل: الطبيب العام، وأخصائي السكري، وأخصائي البصريات، والممرضات والفنيين – وبدون الحاجة إلى وجود أو زيارة “استشاري العيون والشبكية”- بتشخيص مرضى سكري العين بسرعة ودقة عالية أثناء قيامهم بفحصهم الدوري لداء السكري.
  • سيعمل “الفاحص الذكي” على رفع مستوى الصحة الرقمية في السنوات الخمس المقبلة، إلى نظام صحي مبتكر وفعَّال ومستدام ومتاح لجميع المرضى، في المملكة العربية السعودية، تناغماً مع جزء من “رؤية المملكة ٢٠٣٠” الطموحة والواعدة.
  • التعقيب الثاني: د. فهد اليحيى

مع هذه الفتوحات في عالم الذكاء الاصطناعي انقسم إلى متفائلين بغد أرحب ومتشائمين من غد تضيع فيه الخصوصية وتتحكم فيه الآلة ويفقد الناس وظائفهم! كيف سيؤثر الذكاء النفسي على الطب النفسي والعلاج النفسي؟ لا أحد يعرف على وجه الدقة. على الرغم من أن الأبحاث بدأت في هذا الجانب في 2015! لكن الطريق لا يزال طويلا في التنبؤ في نتائجه وأثره فحسب. ولكن هناك توقع بالتوسع في استخدامه. عندما نتحدث عن الصحة النفسية نتحدث عن قسمين: التشخيص والعلاج. والعلاج بدوره ينقسم إلى فرعين العلاج الدوائي والعلاج النفسي.

يتفق كثيرون على أن الذكاء الصناعي سيكون أكثر دقة في تشخيص الاضطرابات النفسية إذا كانت الأسئلة أكثر دقة والخوارزميات أوسع شمولا.
الوقاية في الاضطرابات النفسية تتمثل في التشخيص المبكر والتدخل العلاجي السريع. وسيفيد الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بظهور المرض المرضي وبالتالي سرعة التشخيص ومن ثم العلاج.

من جانب آخر تعتبر الوظائف النفسية الوظائف العليا للدماغ. ومن عجب أن الطب النفسي نشأ في رحم طب الأعصاب وفي الماضي ساد وصف “طبيب أمرض نفسية وعصبية” ثم استقل بذاته ولكنه عاد منذ ثلاثة عقود أو أكثر إلى مظلة العلوم العصبية حيث أدى التطور في تقنيات البحث الكيميائي والإشعاعي إلى تأكيد العلاقة بين كيمياء المخ وأجزائه من جهة والوظائف النفسية والاضطرابات النفسية.

أعطي مثالا سريعا منذ عقود تبين بالدراسة الإشعاعية زيادة نشاط منطقة محددة في الدماغ عن الطبيعي لدى المصابين باضطراب الوسواس القهري! كان هذا مدهشا للغاية ولكن ما زاد الدهشة هو نتائج العلاج!
قسموا المصابين بالاضطراب إلى قسمين تلقى قسم العلاج الدوائي في حين تلقى الآخر العلاج النفسي السلوكي. وبالكشف الإشعاعي على المتشافين وجد الباحثون أن ذلك الجزء من المخ عاد إلى نشاطه الطبيعي، قدرة الذكاء الاصطناعي على جمع المعلومات مهما كانت صغيرة وتحليلها وكذلك تحليل الصور الإشعاعية بكل جزئياتها مهما صغر حجما سيقدم نتائج مذهلة في تبيان مدى استعداد الشخص لنشوء الاضطراب النفسي والعمل على عدم حدوثه! هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الطبيب النفسي؟ قد يحل محل الطبيب النفسي إلى حد ما ولكنه سيجد صعوبة كبرى للحلول محل المعالج النفسي! كلام غامض! حسن لنوضح؛ الطب النفسي يعني مرضا (اضطرابا) وعلاج. والعلاج في الطب النفسي دوائي بالدرجة الأولى! ولذا أزعم أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا على التشخيص ووصف الدواء المناسب! ماذا عن المتابعة؟ إذا ظهرت أعراض جانبية أو احتاج المريض لإضافة دواء أخر.

لا أدرى كيف سيحل الذكاء الصناعي هذه المعضلة. في الطب النفسي المقابلة النفسية أساسية ويجب أن يتحلى الطبيب بعدد من الصفات والمهارات لبناء علاقة مهنية علاجية مع المراجع لبناء الثقة والتعاون. وهذه ليست بمقدور الذكاء الاصطناعي. لكن من ناحية أخرى ربما يجد المراجع (أفضلها على مريض) أن التحدث إلى المعالج الذكي الاصطناعي أكثر سهولة خصوصا في الحديث عن الأمور الدقيقة والتي يظن أنها محرجة!
نأتي للعلاج النفسي الذي ينقسم على جناحين عريضين: العلاج الدينامي الذي يتوسل النظريات التحليلية النفسية والعلاج السلوكي المعرفي الذي يعتمد على نظريات التعلم. ربما ينجح الذكاء الصناعي في إلى حد ما. لكن في النوع الأول الذي يعتمد على التداعي الحر وتأويل الكلام والنبش في الذاكرة وتفسير الأحلام فالأمر من الصعوبة بمكان!

التعقيب الثالث: د. سعد الحزامي

أن الثورة المعلوماتية والتحول الرقمي الاستثنائي التي تمر بهما مملكتنا الحبيبة تعتبر سابقة استثنائية لا نكاد نرى لها مثيلاً. وأبرز نتائج هذا التقدم، هو الوفرة في البيانات، والتي تعتبر وقوداً أساسياً لغالبية التقنيات الناشئة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.

ولأن ذلك التقدم التقني يتطلب تقدماً موازياً له على المستوى التشريعي والتنظيمي، أشارت الورقة الرئيسة إلى التشريعات والقرارات الداعمة للاستعمال الأخلاقي والإنساني لتلك التقنيات. ولا شك أن تلك التشريعات تعد مطلب أساسي لا غنىً عنه، لكنه في الوقت ذاته يتطلب وقتاً إضافياً حتى يصل لمرحلة النضج التي وصلنا له على مستوى تبني التقنيات.

التصنيف المشار إليه بالورقة الرئيسة في قسم الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية مفصل ورائع حقيقةً. لكني التصور أن المنطلق دائماً يجب أن يكون من حالة الاستخدام (Use-case) وفائدتها. وهذا لا يتعارض مع مع التصنيف المذكور، لكننا سنجد في أحيان كثيرة أن حالة الاستخدام تتقاطع مع عدة تصنيفات في ذات الوقت. فنجد التشخيص والتنبؤ والوقاية في نفس حالة الاستخدام في بعض الأحيان، ونجد كذلك حالات استخدام يستفيد منها المريض والإداري والطبيب. لذلك، فيما أعتقد، أن هذه التصنيفات تبرز قيمتها بعد اكتشاف وتحديد القيمة الحقيقة لحالة الاستخدام، ولا أرى ما يرجى من بذل الباحث أو المطور وقتاً في تصنيف تطبيقه قبل البدء فيه.

بالنسبة لمراحل تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، فهي متسلسلة بشكل منطقي وعملي للغاية، إلا أن لدي بعض التحفظات حيث أنها تأخذ بعين الاعتبار النماذج التي تتطلب دراسات سريرية، ونماذج الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية ليست محصورة بذلك فقط. هناك عدة تطبيقات ونماذج تلامس تحسين الرعاية الصحية دون أن يكون لها حاجة لوجود دراسة سريرية. على سبيل المثال، النماذج التي تعنى بتحسين بعض الإجراءات الإدارية في منشآت الرعاية الصحية والتي تؤدي بدورها إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية. أو النماذج التنبؤية لأعداد المرضى أو الزوار لعيادات معينة، أو التنبؤ بدقة حضور المواعيد. كل هذه الأمثلة وغيرها الكثير لا تتطلب وجود دراسة سريرية ولها أثر ملموس على خدمات الرعاية الصحية.

كما أجد أن مرحلة الإنهاء تحتوي على بعض الخطوات التي قد تعيق إطلاق النموذج بعد كل الجهد المبذول في المراحل السابقة لها، وبالتالي، أجد أن الحصول على موافقة قانونية مبدئية ومشروطة بنتائج معينة والتأكد من الحوكمة الصائبة لبيانات النموذج يجب أن تكون في المرحلة الأولى لا الأخيرة. ولا يلغي ذلك وجودها في المرحلة الأخيرة بالتفصيل الذي تفضلت به كاتبة الورقة الرئيسة. لأن الاستثمار في هذه النماذج مرتفع الثمن غالباً، وبالتالي سيحد وقوع حالات ترفض فيها النماذج بعد كل الاستثمارات المبذولة بها إلى الحد من تضخيم الابتكار وانتاجه. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك – كما هو مذكور ضمنياً في خطوة اعتماد النموذج وحوكمة البيانات- تاريخ صلاحية للنموذج، معتمداً على طبيعته وطبيعة البيانات التي يعتمد عليها. وأن لا تكون صلاحيته مطلقة.

فيما يتعلق بالتوصيات، أجد أنه لو تم تطبيقها بحذافيرها فإننا بصدد تجربة استثنائية لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي. لكن الواقع بعض الأحيان يسلبنا من عدة عوامل، مهمة ومحورية في أحيان كثيرة. لطالما آمنت، واعتقدت، بشكل لا أشك فيه، أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلم الآلة، وجميع أفرع علوم البيانات، يجب أن لا تكون تخصصات تقنية، وإنما يجب أن يتم تبنيها واستيعابها من قبل المختصين في مجال التطبيق ذاته. ممارس في الصحة العامة بمعرفة متوسطة بأساسيات تعلم الآلة، قادر على استخراج فوائد من البيانات أثمن بكثير من خبير تقني لا يدرك خفايا مجال التطبيق. لا شك أن الخبير سينتج نموذجاً أكثر دقة، لكنه لن ينظر للبيانات كما ينظر لها الممارس. لذلك، يجب علينا أن أردنا أن نخلق تطبيقات متصلة بواقع المجال، أن لا نبتعد كثيراً عن ممارسي المجال.

أشارت كاتبة الورقة الرئيسة كذلك إلى ضرورة الاستثمار في قواعد البيانات ووجود منصة للبيانات الصحية الضخمة. وحقيقةً أتفق جداً مع هذا الطرح، إن وجود حوكمة وتشريعات واضحة بالإضافة إلى إتاحة الوصول للبيانات، يعتبران أساساً لا غنىً عنه لضمان استمرار وتعزيز الابتكار في هذا المجال.

إن الجوانب الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، تعتبر أمر رئيسي يجب أن يكون حاضراً في الأذهان والبرمجيات والتشريعات. وللأسف، أن التطبيقات التجارية والتقدم المهول الحاصل اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي، يبهرنا أحياناً إلى حدٍ نكاد نغفل معه عن التجاوزات التي قد تحصل من هذه النماذج. وهذا الأمر خطير جداً، لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي وصلت إلى مرحلة معينة يصعب علينا أن ندرك ما الذي يحصل بداخلها. وأصبحت كما يطلق عليها صناديق سوداء، وستصبح أكثر تعقيداً مع مرور الوقت. فإن لم نجعل تلك الجوانب ركناً أساسياً في التشريع والتنظيم والتطبيق، سنواجه عواقب لا نرغب بها.

أجد أن كل واحدة من التوصيات الواردة بالورقة الرئيسة قابلة لأن تتحول إلى مبادرة تتبناها الجهات الحكومية والبرامج الداعمة للتحول سواءً على مستوى القطاع الصحي أو حتى على المستوى الوطني.

 

  • المداخلات حول القضية
  • استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.

إن موضوع الربط بين الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية، بحر متلاطم من الفرص والتحديات والتطورات والتغيرات. وهو كذلك فرص لتحقيق تفوق وسبق علمي وتقني في جزئياته المختلفة.  وعلى سبيل المثال لا الحصر يدرك المتخصصين حجم الخسائر والأضرار من استخدام عقاقير قد تكون مناسبة للمرض المحدد ولكنها غير مناسبة للمرضى لأسباب عدة قد تصل موت المريض.  وفي هذا الجانب وبربط ملف المريض ومعلوماته العائلية وخريطته الجينية يصبح من الممكن تطوير نظام إلكتروني يقلل من هذا الضرر بشكل كبير ويسوق على مستوى العالم كمنتج سعودي.

والذكاء الاصطناعي من أكثر التقنيات تغيرًا واضطرابًا في وقتنا الحاضر، واستطاع إحداث ثورة في الصناعات وجعلنا نعيد النظر في الطريقة التي يجب أن نؤدي بها أعمالنا؛ كونه بقدم لنا المساعدة في تحقيق النتيجة التي نريدها بأكثر الطرق فعالية وكفاءة. لكن ثمة تساؤلات تطرح نفسها في هذا الإطار منها:

  • ما هو المتوقع من استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي وبالأخص في مجال الهندسة الجينية؟
  • إلى أي مدى نستطيع تقنين تلك الاستخدامات بين الاستعمالات المخيفة والفوائد العظيمة؟
  • هل باستطاعة الهندسة الجينية كهندسة علمية، أن يكون لها دور في تحسِّين حياتنا، وإزالة عنا عناء الإصابة بالأمراض شأنها شأن بقية العلوم الصحية؟
  • هل سيأتي اليوم الذي سنصبح فيه قادرين على تعديل جيناتنا البشرية للحماية من الأورام اللعينة والسرطانات القاتلة وأمراض القلب، أو الحماية من التشوهات الخلقية والأمراض المزمنة أو الوراثية، أو مساعدة من يعاني من إعاقات حركية أو خلقية، هل سيستطيع علماء هندسة الجينات البشرية التحكم بكل هذا وأكثر؟!
  • لو أصبح التحرير الجيني مسموح به في العيادات والمستشفيات؟ هل سنجد طوابير من الناس تقف رغبة في تحسين نسلهم؟

أيضاً واتصالاً بالواقع السعودي، ثمة تساؤل مفاده: إلى أي مدى يمكن بناء نموذج تشخيصي (Detection ) يساعد في الكشف السريع عن الأعراض المفاجأة للجلطات والسكتات القلبية والدماغية حيث أنها تكون عادة مسبوقة بأعراض اختلال في عدد ضربات القلب والتنفس وذلك لتقليل عدد الإعاقات والوفيات بسبب الجلطات والسكتات ومالها وما عليها من تكلفة مادية ومعنوية على المنظومتين الصحية والاجتماعية ولعل شركة أبل لها السبق في ذلك من خلال الساعة الذكية في التنبؤ ببعض الأعراض وإنقاذ حياة الكثير من المستخدمين وماله من أثر إيجابي على تجربة المستفيد والثقة في المنتج المقدم. أيضاً من الطموحات ابتكار نموذج تشخيصي (Detection) للأطباء ومقدمي الرعاية الصحية لمراقبة تطبيق الدليل الطبي وقياس الأثر بعد تطبيقه لضمان تقليل الأخطاء الطبية نتيجة التشخيص الخاطئ أو الإجراء الغير مناسب ويكون ربطه مباشرة بالنظام الصحي في المراكز الطبية والمستشفيات وكذلك يعطي تنبيهات للمستخدم بوجود خلل في الإجراء.

والمؤكد أن التحديات كثيرة والاحتياج عالي ويتم العمل حالياً على أتمتتة الدليل الطبي(clinical practuice guideline/pathway) وربطه بالملف الإلكتروني لتسهيل وتسريع التشخيص على مزودي الخدمة الصحية (طبيب/ممرض). وحالياً ثمة مشكلة تتعلق بإيجاد حلول تقنية مستدامة في النظام لربط الدليل الطبي بالنظام حيث يمكنه من خلال المعطيات التنبؤ بتشخيص المريض عن طريق عرض عدد من الأعراض إن توفرت مباشرة يتم فتح الدليل المناسب كاملاً للطبيب المعالج وعرض إجراءات التشخيص تباعاً في النظام بحيث لو لم يتم الطبيب أي خطوة في التشخيص يرسل له النظام تنبيه بذلك. والتصور أن نجاح تطبيق مبادرة الدليل الطبي الذكي إن جاز التعبير قد يسهم في التقليل من نسبة الأخطاء الطبية وتقل معها الوفيات ويزيد العمر الافتراضي للمواطن والمقيم.

ومع أن قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بانتشار الأمراض الوبائية المختلفة أو رسم السيناريوهات سيمكن العالم من تخطي أزمات صحية عديدة مثل أزمة كوفيد؛ إلا أنه ثمة شكوك في مدى مشاركة المعلومات التنبؤية لأن الشركات تتنافس في مجال المعرفة؛ فمن يعرف أكثر يسيطر أكثر. كما أن من التحديات الواضحة، أن كثير من الشركات المطورة لا ترغب في تبسيط مفهوم الذكاء الاصطناعي لأصحاب العلاقة للإبقاء على قصب السبق في التطوير ولذا نجد أن التشريعات غالبا تكون منقوصة.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك جهوداً تبذل في المملكة العربية السعودية لا يعلم عنها كثير من الناس؛ فالعالم يتابع حالياً الحراك الجاري في المملكة في مجالات كثيرة ومنها كرة القدم، وسعيها لتكون ضمن أفضل البلدان في هذا المجال، ولكن كثيرون لا يعلمون أن المملكة تتبوأ المرتبة الثانية في مجال الوعي والمعرفة بأهمية الذكاء الاصطناعي، وكذلك بكفاءة القطاع الصحي، وهذا التفوق يظهر أنه لم يمنح ما يستحق من التسويق.

  • استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.

يلاحظ أنه ثمة خلط بين الاتصال الطبي عن بعد والذكاء الاصطناعي والتعلم العميق. فالفحص التقليدي عن بعد باستعمال الفرز البشري عن بعد يتسم بأنه:

  • مرتفع التكلفة.
  • يصاحبه تأخير يصل إلى أيام وأسابيع للحصول على نتيجة الفحص.

أما الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي من مميزاته:

  • الفحص الفوري.
  • نشر الحل الآلي لعديد من الأنظمة الصحية.

والتفريق بين الاتصال الطبي والتشخيص بالذكاء الاصطناعي مهم لا شك وقد يكون على المستوى التوظيفي العملي واضح؛ فالأول اتصال معلوماتي والثاني فيه مستوى أعمق من المعالجة المعلوماتية بما فيها مستويات مرتفعة من توظيف كميات ضخمة من المعلومات بشكل ذكي تراكمي الذكاء. ولكن الفهم العميق للذكاء الاصطناعي لغير المختصين من الشرعيين والفقهاء والمفكرين والفلاسفة يشكل أولوية تكاد تساوي توظيف الذكاء الاصطناعي. وبقول آخر فإن كتاباً يكون بأسلوب سلس يؤلفه المختصون عن الذكاء الاصطناعي موجه لغير المختصين سوف يخدم المجتمع والمسؤول والمواطن، وسوف يرسخ مفردات عربية لمعاني ومصطلحات في هذه الصناعة، إن صب هذه التقنية في مفردات عربية يساعد على فهمها وتطويرها.

مع الوضع في الاعتبار كذلك أن الطب الاتصالي مستويات مختلفة بعضها يحتاج تواجد الأطباء على أجهزة (Robot) عن بعد، وبعضها يمكن الفحص وأخذ عينات والإطلاع عليها وتحليلها الكترونيا ومخبريا بعد فترة، وكلنا الحالتين تتطلب وقت أطول وتكاليف أكثر. ومن ثم فالفحص الذكي هو الحل الأمثل لفحص أعداد كبيرة في وقت قياسي وتصريف حالاتهم والتدخل حسب احتياج الحالة. فلو افترضنا أن الحالات الحرجة لن تتجاوز 20% ونكون بذلك وفرنا 80% من تكاليف المستشفيات والاخصائيين القليل عددهم أصلا والذي من المستحيل لهم أن يغطوا تلك الأعداد. فالفائدة والعائد على المرضى وعلى القطاع الصحي كبير جداً؛ لأنه في حالة عدم وجود الفحص الذكي سيكون هنالك عدد كبير من المرضى الذين لن يصلهم الدور بالفحص وسيفقدوا البصر بما يترتب على ذلك من مشاكل عدة.

إن كثير من روايات الخيال العلمي في حقبة الستينات والسبعينات أصبحت الآن واقعا ملموسا. ومع التسارع التقني ليس مستغربا أن نجد بعض التطبيقات الصحية التي بإمكانها التنبؤ بتشخيص مرض معين عن طريق قراءة بعض المؤشرات.

ولعل الطب النفسي قد يكون من أسرع المجالات استفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي ستزيد من فرص المساعدة في تجنب تفاقم المشاكل النفسية وتحسين فرص التعافي. لأنه نستطيع من خلال الذكاء الاصطناعي مراقبة نمط الحياة اليومي لأي فرد، ومن ثم تحليل هذه البيانات؛ لاكتشاف أي تغيرات تشير إلى احتمالية وجود مشكلة صحية نفسية لديه، مثل: ساعات النوم، ومستوى النشاط البدني ونمط التغذية. وأيضاً، لأن تحليل اللغة الطبيعية وتحليل النصوص من ضمن وسائل الذكاء الاصطناعي غير التقليدية قد تساعد في الكشف عن أي تغيرات في نمط الكلام أو استخدام الكلمات التي قد تشير إلى وجود حالة نفسية غير مستقرة حتى لو كانت عن طريق تتبع مشاركاته على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.  وبهذا يتم توجيه الفرد للحصول على الرعاية والدعم المناسبين في وقت مبكر.

وفي سياق متصل، من المهم التفريق بين جهود الاتمتة المعلوماتية والرقمية للحصول على تنظيم فعال للمعلومات والحصول على إجابات ومعلومات سريعة أو استخدامها لإعطاء ردود مناسبة تتسق وطبيعة ما يطلب منها وبين الذكاء الاصطناعي ومعطياته؛ حيث هو بيئة بحوث المستقبل في المجالات الطبية وغيرها؛ فالذكاء الاصطناعي يقوم بالبحث في كم هائل من المعلومات الضخمة والتجارب والخبرات المثيرة لتقديم وصناعة وتوليد محتوى يفوق ما يقدمه المتخصصون. وهذا هو التحدي الفعلي لمدى قدرة التطبيقات ذات الاهتمامات الطبية وبخاصة في مجال العيون مثلا للحصول على آراء وأفكار جديرة بالاهتمام.

  • استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.

مما لا شك فيه أنه ثمة مخاوف مستقبلية بشأن بعض الاستخدامات المتوقعة للذكاء الاصطناعي في المجال الصحي؛ والتي بقدر ما هي خطيرة إلا أن العالم في محاكاته الحالية يتجه لهذا الاتجاه، وأكثر ما نخشاه أن ينحدر البشر خلف التيارات اللا أخلاقية والتسارع الرهيب في استخدامات الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك فيما يخص هندسة الجينات البشرية يبرز عدد من المخاوف التي تبينها التساؤلات التالية:

  • هل سيأتي يوم يتم فيه تعديل جذري على جينات الإنسان لإطالة عمره وجعله أكثر قوة وإكسابه قوة خارقة كـ (سوبر مان، الرجل العنكبوت)؟
  • بما أننا لم نختَرْ لون عيوننا، أو قدرتنا على الإبصار، هل سيأتي يوم نستطيع أن نختار أن تكون لدينا قدرة خارقة في الإبصار كـ (زرقاء اليمامة وإن اختلف المؤرخين عن كونها حقيقة أو خيال)، أو أن تكون لدينا الصلاحية على تغيير لون أعيننا وبصمة العين بمساعدة تلك البرمجيات. وهذ الأمر بلا شك سيعرض كثير في المراكز الحساسة في الدولة وأجهزة المخابرات والحسابات البنكية لمشاكل وثغرات كبيرة؟
  • هل ستقوم الهندسة الجينية بمساعدة الذكاء الاصطناعي على زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وليس المقصود هنا الفروقات المادية؛ بل القدرات العقلية ونسب الذكاء والشكل الخارجي؛ لأن لديهم الخيار والقدرة على اختيار ما يرونه “مثالي” من شكل ومضمون في نسلهم الجديد؟

كما أنه حاليا يوجد نوع من العلاج الجيني والذي يعني ببساطة أن وصف الدواء يتوقف على نوع جيناتك فما هو مناسب لـبعض الناس قد لا يناسب آخرون. ورغم أن استخدام العلاج الجيني مازال محدودا إلا أن النتائج جيدة جدا. يبقى الحديث عن التكلفة وما إذا كانت ستعمل على زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ومن ناحية أخرى فقد أثارت الصيدليات الذكية مخاوف الكثير من خريجي الصيدلة لأنها تعتبر مهددة لمستقبلهم الوظيفي. علما أنه في المقابل يجب أن يكون تركيز الصيادلة أكبر على الابتكار في مجال صناعة الدواء بدل أن يقتصر دورهم على العمل في الصيدليات.

وعلى الرغم مما تقدم من مخاوف، إلا أنه وعلى الجانب الآخر فثمة من يرى أن المجتمعات الإنسانية، تعيد إنتاج محتواها، وفي حالات كثيرة دون وعي كامل بما فعلته سابقا، أو بما تفعله حاضراً. ففي الوقت الذي تتغير فيه الأحوال وتحدث التطورات التقنية جيلا بعد جيل، وبشكل كبير وعميق تنشغل كثير من المجتمعات اليوم، بمخاطر الذكاء الاصطناعي. وعندما نقرأ كثيرا من أطروحاتهم قد نجدها محض إعادة إنتاج لما كتبه آباؤهم في التسعينات الميلادية الماضية حين طفرة ظهور الفضائيات، تماماً. وهو أيضاً نسخة محدّثة لما كتبه أجدادهم حين (نطق الحديد) وظهر التلفزيون وقبله الإذاعة. لغة المخاطر هذه لا تحل مشكلات التغيرات وإن ظن بعض المجتمعات ذلك، لكن الذي سيحصل أن تذهب المجتمعات الأقل وَلوَلةً، بمعظم خيرات مستجدات الأمور، وتبقى المجتمعات الأخرى، تُعمِّق في وعي أبنائها أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وتشير بعض وجهات النظر إلى أن التخصصات الصحية بالذات لا يكفي فيها الدراسة المعرفية البحتة ولكن يجب ويتحتم تعرض الطبيب بالذات لفترة (تدريب) في المستشفيات تحت مسميات عديدة (المقررات الاكلينيكية السريرية، الطبيب المقيم، الزمالة الطبية ….. الخ). وكما فشلت فكرة تشخيص الأمراض من مجرد سماع صوت المريض عبر الهاتف هل بالفعل يمكن أن يتقدم الطب والذكاء الاصطناعي في المستقبل لتحييد وتقليل التدخل البشري في المنظومة الصحية. فقديما في الرواية القصيرة (الليالي البيضاء) للأديب الروسي دوستفيسكي كتب بشي من السخرية من أن الاطباء عندما يعالجون المريض (أكثر من اللازم) فهم قد يضروه ولهذا قال بعدها (فهؤلاء الأطباء. حفظنا الله منهم). فإذا كان الكثير من العلاج الطبي أكثر من اللازم قد يكون مضر فمن باب أولى أن العلاج الطبي (أقل من اللازم) من خلال تقليل التدخل البشري قد يكون مضر.

بينما ترى آراء أخرى أنه ينبغي أن نفهم حدود وامكانات الذكاء الاصطناعي؛ فقد لا يمكن من خلال الصوت تشخيص المرض ولكن ممكن أن نفهم الأعراض كما يسردها المريض على الطبيب. كما يمكننا أن نفهم وضع المريض النفسي ونتحقق من مدى ومستوى رضا المريض على سبيل المثال من خلال نبره الصوت وحدته.

ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن يؤثر تشخيص الأمراض من خلال الذكاء الاصطناعي على التطور الحضري للمدن. فقد يسهم ذلك في تقليل زيارة المستشفيات وهذا له تبعات ربما تكون غير منظورة، مثل مساحة المواقف للمركبات والتي قد يعاد استخدامها بشكل أخر، بجانب تخفيف الازدحام المروري بسبب انخفاض نسبة مراجعة المستشفيات مع تطور هذه التقنيات، وانشغال الأطباء بالتطور المعرفي حيث يكَن لهم وقت كافي لاستغلاله بشكل أكبر، بالإضافة لكثير من التغيرات المحيطة.

  • استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.

يبدو أن المستقبل في الرعاية الصحية للذكاء الاصطناعي ابتداء من الدراسات والبحوث والتجارب السريرية وامتداداً إلى السجلات الطبية والصيدلة وانتهاء بالتدخل العلاجي والجراحي والرعاية التمريضية. كما أن تجربة كوفيد 19وما حل بالعالم فجأة كفيلة باستغلال الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة وتوقعات الأوبئة وانتشارها واستجابة النظام الصحي لها والتوصل إلى نماذج تنبؤية لانتشار الأمراض وتطورها. يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في التخطيط للاحتياجات المستقبلية وتوجيه السياسات الصحية والاستجابة للأوبئة والأزمات الصحية واتخاذ التدابير المناسبة للسيطرة على الجوائح الصحية وتقليل انتشارها بل وربما إمكانية التنبؤ بها.

ووفقاً لنتائج مسح ماكينزي العالمي للروبوتات الصناعية والاستثمار في الذكاء الاصطناعي لعام 2022، فإن الأنظمة الآلية من المتوقع أن تمثل 25% من الإنفاق الرأسمالي للدول على مدى السنوات الـ 5 المقبلة، وربما يكون للاستثمار الصحي في الذكاء الاصطناعي حصة كبيرة من هذا السوق الكبيرة نظراً لأهمية كبيرة الذكاء الاصطناعي ولصناعة الروبوتات في زيادة جودة الخدمات والكفاءة ووقت التشغيل (كفاءة التشغيل والتكلفة). وحسب الاحصاءات أن قيمة سوق الروبوتات الصناعية العالمية والاستثمار في الذكاء الاصطناعي بلغت نحو 48.5 مليار دولار 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 142.8 مليار دولار تقريباً العام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يزيد قليلاً عن 11.4% بين عامي 2023 و2032. ويمكن على سبيل المثال استعراض أحد استخدامات الذكاء الاصطناعي ولكن في التشغيل operation  في القطاع الصحي وأهميتها وهي الصيدليات الذكية. بأحدث التقنيات، ووفق أعلى المعايير العالمية التي حققت تجربه جدًا ممتازة في تحسين تجربة المريض والرضاء / العميل (والتي تعتبر من أهم المستهدفات في رؤية 2030 وترتبط بمستهدف جودة الحياة) وأيضاً سلامة ومأمونية الدواء ودقة وسرعة صرفه، وكفاءة في التشغيل والتكلفة.

الملفت في تجربة الصيدليات الذكية أو استخدامات الذكاء الاصطناعي في صرف الدواء أنها أعطت مؤشرات ممتازة فيما يتعلق بما يعاب على استخدام التقنية أو الذكاء الاصطناعي حول الغاء وجود العنصر البشري (كالوظيفة)؛ حيث أتاح استخدم الذكاء الاصطناعي في صرف الدواء الفرصة كاملة أمام الصيادلة للقيام بدورهم الحيوي الأساسي، وهو تقديم الدعم اللازم للمرضى من خلال التوعية والتوجيه بالاستخدامات الآمنة للدواء والتعريف بفاعليته وأهمية الالتزام بالجرعات والمواعيد التي حددها الطبيب المختص في وصفته الطبية للمريض بخلاف انشغال وقته في إعداد وتجهيز الدواء. ويؤشر هذا إلى أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الصحي سوف يكون في ازدياد متنامي.

ويجب عدم الاكتفاء بالبيانات الطبية الحيوية عند تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي خصوصاً في مرحلتي تطوير النموذج والدراسات السريرية، فالمتغيرات البيئية والاجتماعية والجينية يجب تناولها في البيانات المستخدمة لتدريب وتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي والتي قد تؤدي لنتائج أفضل في تلك المراحل، فمعلومات الشريط الجيني للمريض ومعلومات الفوارق العرقية “disparities”  تعتبر جزء لا يتجزأ من بيانات المريض، مما يحتم إقحام  متخصصي المعلومات الحيوية “Bioinformatic” وعلم الجينات “genetics”  بخطوة تسبق مشاركة الأطباء والتقنيين في تصميم نماذج الذكاء الاصطناعي.

ولذلك فإن انشاء مشروع يستثمر في جمع البيانات الجينية والعرقية بما يتوافق مع الحكومة والتشريعات وتوفيرها لمزودي الخدمة الصحية ولغيرهم من المهتمين سيفيد بشكل كبير في تطبيق النماذج الطبية خصوصا مع تقدم التقنيات التي تسرع جمع البيانات ومعالجتها. ولعلنا نستفيد من تجربة أمريكا في مشروع الجين البشري الذي استغرق سنوات من العمل وانتهى بنجاح في عهد الرئيس كلينتون في عام 2003.

ولعل من الضروري التوسع في استخدام نظم الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالصحة النفسية بعد التأكد من مدى فاعليتها وإمكانية الاستفادة من تطبيقاتها والتأكيد على سرية البيانات. كما أن من حق المستفيدين أو المستخدمين أن يكونوا على دراية بأن تواصلهم وتفاعلاتهم مع نظام اصطناعي يحاكي خصائص بشرية وتمكينهم من قبول أو رفض التفاعل مع هذا النظام. وتبرز كذلك ضرورة وجود تقييم شفاف لنظم الذكاء الاصطناعي الموجودة حاليا أو المقترحة ومدى ملاءمتها.

ومن زاوية أخرى، وبما أن الذكاء الاصطناعي مرتبط بالرصد الاحصائي؛ فمن الجيد وجود القدرة للوصول للإحصائيات الطبية من قبل المختصين في الإحصاء وكذلك الذكاء الاصطناعي في حال ربط أعراض أو أمراض معينة بفئة اجتماعية أو جنس أو عمر فإنه من السهل تحفيز المختصين بالتقنية الحيوية لدراسة الجينات المؤثرة؛ فلذلك يجب وجود نظام يسمح بتداول الملفات الطبية للجهات الاحصائية مع ضبط قانون المحافظة على الخصوصية.

أيضاً فإن أخلاقيات المهن الطبية شأنها شأن التشريعات والأنظمة تحتاج من المختصين في المجال أن يعملوا يدا بيد مع المختصين بتقنية الذكاء الاصطناعي في مراحل التطوير كلها لضمان تكامل تتضافر الجهود كل في مجاله ليكون المنتج متكامل.

وبالمجمل فمما لاشك فيه أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي أخذت مكانها بجدارة والمتوقع أن تنمو بشكل كبير خلال الفترة القادمة. والمتوقع أن يتم تبني كثير من الحلول المتاحة لدينا في القطاع الحكومي والتجاري إما لأغراض تقليل التكلفة أو سهولة الوصول للمستفيد أو تسريع الاجراء. والمأمول أن يرافق ذلك أيضاً تشجيع وتمكين للحلول المحلية وعدم الاستعجال في تبني حلول غير ملائمة للواقع السعودي.

  • التوصيات
  • إصدار لائحة تنفيذية قانونية لتنظيم استخدام الذكاء الصناعي في المملكة في كافة المجالات بما فيها المجال الصحي.
  • إشراك أصحاب المصلحة من مقدمي الرعاية الصحية كل في تخصصه لضمان فعالية أدوات الذكاء الاصطناعي ومناسباتها في النواحي الطبية المختلفة.
  • بناء منصة حكومية للدراسات السريرية على مستوى المملكة.
  • تعزيز وتشجيع إنتاجية القطاعات المستهدفة للذكاء الاصطناعي في مجال الصحة في السعودية، وتنمية القدرات البشرية والشركات الناشئة في هذا المجال.
  • حوكمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة برؤية محورها صحة الإنسان دون المساس بالثوابت الدينية.
  • التعريف اللائق بأبرز المبادرات والمشاريع الحكومية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة.
  • أن تضاف إلى الكليات الصحية بشكل عام في مرحلة البكالوريوس مقررات عميقة ومحددة تتضمن أهم ما توصل له الذكاء الاصطناعي وخدمته للصحة من مشروعات ومبادرات مع استشراف للمستقبل في هذا المجال.
  • توجيه البحث العلمي في مراكز الأبحاث في الجامعات وخارجها وتحفيز الباحثين حسب خطة مرسومة ونسب محددة يُلتزَم بها في خطة هذه المراكز ليكون هذا المجال من أولويات البحث العلمي لديها، وهذا الدور بالنسبة للجامعات من مسؤوليات وكالة البحث والابتكار في وزارة التعليم تحت إشراف مباشر ومتابعة دقيقة من هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار.
  • ‏ توعية المستخدم والمريض عن أهمية استعمال الذكاء الاصطناعي في الفحص.
  • السعي الحثيث من الجهات ذات العلاقة لاستقطاب الممولين للكراسي البحثية في الجامعات السعودية في مجال الصحة والذكاء الاصطناعي مع الحرص على التنوع في التخصصات الفرعية لذلك؛ تحقيقا للتكامل بين هذه الكراسي بما يخدم رؤية 2030.

 

  • المصادر والمراجع
  • معجم البيانات الذكاء الاصطناعي، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي بالتعاون مع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، 2022.
  • الشركة السعودية لتقنية المعلومات (سايت) (2023): الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي التوليدي، قطاع البحث والتطوير والابتكار.
  • تقرير الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، هارفارد بزنس ريفيو العربية (٢٠٢٣): كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الرعاية الصحية في المملكة؟
  • Aljerian, N., Arafat, M., Aldhubib, A., Almohaimeed, I., Alsultan, A., Alhosaini, A., Aloqayli, A., AlRabiah, B., AlBanyan, S., Bin Ashry, L., AlGhassab, R., Alzahrani, R., Alhenaki, G., Alnazzawi, E., IAlMughaiseeb, A., & Alanazi, A. (2022). Artificial intelligence in health care and its application in Saudi Arabia. International Journal of Innovative Research in Medical Science, 7(11), 666–670.
  • Dabdoub, F., Colangelo, M., & Aljumah, M. (2022). Artificial intelligence in healthcare and biotechnology: a review of the Saudi experience. Journal of Artificial Intelligence and Cloud Computing, 107, 2-6.
  • Senbekov, M., Saliev, T., Bukeyeva, Z., Almabayeva, A., Zhanaliyeva, M., Aitenova, N.,. .. & Fakhradiyev, I. (2020). The recent progress and applications of digital technologies in healthcare: a review. International Journal of Telemedicine and Applications, 2020.
  • Saeed, A., Saeed, A. B., & AlAhmri, F. A. (2023). Saudi Arabia health systems: challenging and future transformations with artificial intelligence. Cureus, 15(4).
  • Van De Sande, D., Van Genderen, M. E., Smit, J. M., Huiskens, J., Visser, J. J., Veen, R. E.,. .. & van Bommel, J. (2022). Developing, implementing and governing artificial intelligence in medicine: a step-by-step approach to prevent an artificial intelligence winter. BMJ Health & Care Informatics, 29(1).
  • Chowdhury S, Mok D, Leenen L. )2021). Transformation of health care and the new model of care in Saudi Arabia: Kingdom’s Vision 2030. Journal of Medicine and Life. ;14:347–354.
  • Alahmari N, Alswedani S, Alzahrani A, Katib I, Albeshri A, Mehmood R. (2022).  A data-driven AI approach and tool to co-create healthcare services with a case study on cancer disease in Saudi Arabia. Sustainability. ;14:3313.
  • Jiang F, Jiang Y, Zhi H, et al. )2017). Artificial intelligence in healthcare: past, present and future. Stroke and Vascular Neurology.;2:230–243.
  • Saini, S., & Saxena, N. (2023). A survey of threats to research literature dependent medical AI solutions. ACM Computing Surveys.
  • Naik, N., Hameed, B. M., Shetty, D. K., Swain, D., Shah, M., Paul, R.,. .. & Somani, B. K. (2022). Legal and ethical consideration in artificial intelligence in healthcare: who takes responsibility?. Frontiers in Surgery, 9, 266.
  • Lekadir, K., Quaglio, G., Garmendia, A. T., & Gallin, C. (2022). Artificial Intelligence in Healthcare-Applications, Risks, and Ethical and Societal Impacts. European Parliament.
  • Rasheed, K., Qayyum, A., Ghaly, M., Al-Fuqaha, A., Razi, A., & Qadir, J. (2022). Explainable, trustworthy, and ethical machine learning for healthcare: A survey. Computers in Biology and Medicin

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. أماني البريكان
  • التعقيب الأول: أ.د. سلوى الهزاع
  • التعقيب الثاني: د. فهد اليحيى
  • التعقيب الثالث: د. سعد الحزامي
  • إدارة الحوار: د. عبير برهمين
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • أ. علاء براده
  • الفريق عبدالاله عثمان الصالح
  • د. أحمد حامد الغامدي
  • د. عبدالله الرخيص
  • أ.د خالد الثبيتي
  • د. فهد الأحمري
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. وفاء طيبة
  • د. سكينة الشيخ
  • أ. فايزة العجروش
  • د. علي الوهيبي
  • أ. احمد ابراهيم المحيمي
  • د. خالد المنصور
  • د. فهد عبدالعزيز الغفيلي
  • د. زياد الحقيل
  • د. حمد البريثن
  • د. مساعد المحيا
  • د. فيصل المبارك
  • د. زياد الدريس
  • أ.د. نوال الثنيان
  • د. عبدالعزيز العثمان
  • د. عبدالله ناصر الحمود

 

[1] – بروفسور إكلينيكي محاضر متميز وكبير الاستشاريين في طب وجراحة العيون.

[2] – الرئيس التنفيذي للبيانات والذكاء الاصطناعي في وزارة الصحة.

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa