تقرير رقم (113)الهجرة غير النظامية للسعودية واقعها، ومخاطرها، وآليات التعامل معها

تقرير رقم (113)

الهجرة غير النظامية للسعودية: واقعها، ومخاطرها، وآليات التعامل معها (25/9/ 2023م)

لتحميل التقرير اضغط هنا

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر سبتمبر 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات الذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة، ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولتْ هذه النخبة قضية: الهجرة غير النظامية للسعودية: واقعها ومخاطرها وآليات التعامل معها، وأعد ورقتها الرئيسة د. عبدالرحمن بن عبد العزيز الهدلق، وعقب عليها كلٌّ من: د. فهد الغفيلي، أ.د. صدقة بن يحيى فاضل، وأدار الحوار حولها د. هناء المسلط.

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهدلق.
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. فهد بن عبدالعزيز الغفيلي.
  • التعقيب الثاني: أ.د. صدقة بن يحيى فاضل .
  • إدارة الحوار: د. هناء بنت عبدالعزيز المسلط.
  • المداخلات حول القضية.
  • العوامل المسببة للهجرة غير النظامية، والتحديات المرتبطة بمواجهتها.
  • التداعيات المترتبة على الهجرة غير النظامية.
  • مواجهة الهجرة غير النظامية على المستوى الدولي، والإشكالات الحقوقية ذات الصلة.
  • جهود المملكة العربية السعودية لمكافحة الهجرة غير النظامية.
  • آليات مقترحة للمواجهة المستقبلية للهجرة غير  النظامية، والحد من مخاطرها على المملكة.
  • التوصيات.
  • المصادر والمراجع.
  • المشاركون.

 

  • الملخص التنفيذي.

يتناول هذا التقرير قضية الهجرة غير النظامية للسعودية: واقعها، ومخاطرها، وآليات التعامل معها، وأشار د. عبد الرحمن الهدلق في الورقة الرئيسية إلى أن ‏ظاهرة الهجرة غير النظامية ظاهرة عالمية لا تقتصر على المملكة العربية السعودية؛ بل هي منتشرة في معظم أنحاء العالم، وأضاف: على الرغم من أهمية هذه القضية، ووضوح مخاطرها؛ فإن البعض من غير المتخصصين، والمفكرين قد لا يدركون ذلك مشيرًا الى الاهتمام العالمي بها اهتمامًا قد يضاهي اهتمامه بقضيتي: الإرهاب، وتهريب المخدرات.

وقد احتوت الورقة على عدة محاور، وتضمنت دوافع الهجرة غير النظامية وأسبابها، وواقع هؤلاء المهاجرين غير النظاميين ومخاطرهم، يستوي في ذلك (المتسللون، والمقيمون المخالفون). كما تطرق كاتب الورقة إلى التدابير، والجهود الجبارة التي اتخذتها الحكومة السعودية؛ وذلك لمكافحة هذه الظاهرة منوهًا بأنها تهدف إلى الحد من التأثير السلبي للمخاطر والمهددات الرباعية، (الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية) التي قد تشكلها العمالة، أو الأفراد المخالفون.‏

‏وللحد من الآثار السلبية للمهاجرين غير النظامين شدد الكاتب على ضرورة القضاء على أية معوقات تحد من فاعلية تلك الجهود الحكومية، ومنها: إيقاف التعاطف، والتعامل مع العمالة المخالفة.

وقد ختم الكاتب ورقته بالحديث عن التوقعات المستقبلية لهذه الظاهرة؛ إذ يرى  أنها ستتزايد على الأمدين: القصير، والمتوسط، وقد اقترح عددًا من التوصيات بشأنها، من أهمها: عمل الدراسات العلمية اللازمة، ودعم الأجهزة الأمنية بآخر التقنيات الحديثة، وتطوير المناطق الحدودية.

بينما أكَّد د. فهد الغفيلي– في التعقيب الأول- أن من أبرز أسباب الهجرة غير النظامية إلى المملكة العربية السعودية البحث عن فرص عمل أفضل، وأكثر أمانًا؛ حيث يجد هؤلاء المتسللون في المملكة مكانًا تتوافر فيه فرص اقتصادية؛ وذلك بسبب حاجة البلد الدائمة إلى العمالة الأجنبية في كثير من القطاعات الاقتصادية، هذا وبالإضافة إلى فرصة العمل، والمهاجر غير النظامي يجد ما يبحث عنه من الأمن والاستقرار؛ فهو يفر من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهه في بلاده؛ حتى يجد في المملكة العربية السعودية المال والأمن والاستقرار، وعلى الرغم من التحديات التي تواجه السلطات السعودية المعنية بمكافحة الهجرة غير النظامية إلا أن المملكة ما تزال صارمة تجاه هذه الظاهرة، وكذلك الحال في معالجتها الآثار السلبية المترتبة عليها.

في حين ذكر أ.د. صدقة فاضل في التعقيب الثاني أن هناك عدة خيارات، ووسائل للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية، وأنه لا يجب الأخذ بوسيلة واحدة دون غيرها، ولكن الأهم أن توقف أولًا هذه الهجرة؛ حتي لا تتواصل، وللمملكة أن توقف بكل الوسائل الممكنة هذه الهجرة غير النظامية؛ فمن حق المملكة أن تمارس سيادتها على أرضها؛ وذلك بما يكفل لها حماية أمنها، واستقرارها، وراحة شعبها.

ويمكن في هذا السياق النظر في تشكيل لجنة وطنية عليا من الجهات الحكومية المعنية؛ حتى تقوم- ضمن ما تقوم به- بحصر المهاجرين غير النظاميين، وتجميع كل المعلومات الأساسية عنهم؛ ومن ثم التفاهم مع بلدانهم الأصلية بشأن وضعهم ومستقبلهم؛ بحيث يتم ترحيل من لا حاجة للبلاد بهم، وربما إعطاء إقامة عمل نظامية لمن تثبت حاجة البلاد له، وما إلى ذلك.

وقد تضمنت المداخلات حول القضية المحاور الآتية:

  • العوامل المسببة للهجرة غير النظامية، والتحديات المرتبطة بمواجهتها.
  • التداعيات المترتبة على الهجرة غير النظامية.
  • مواجهة الهجرة غير النظامية؛ وذلك على المستوى الدولي، والإشكالات الحقوقية ذات الصلة.
  • جهود المملكة العربية السعودية لمكافحة الهجرة غير     النظامية.
  • آليات مقترحة للمواجهة المستقبلية للهجرة غير  النظامية، والحد من مخاطرها على المملكة.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية تتمثل فيما يأتي:

1- تشكيل لجنة وطنية؛ وذلك من جميع الجهات الرسمية ذات العلاقة، وتكون برئاسة وزارة الداخلية لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية؛ وذلك من جميع جوانبها مع عمل استراتيجية وطنية تتماشى مع التغيرات المحلية والدولية، وتطوراتها التقنية والحقوقية والادارية.

الجهات: (وزارة الداخلية).

2- العمل على وضع برامج توعوية احترافية، وغير تقليدية لقطع دابر التعاطف والتعاون مع هؤلاء المخالفين؛ وذلك مع التركيز على تعزيز قيم المواطنة لدى العاملين في المنافذ الحدودية، وسكان تلك المناطق.

الجهات: (وزارة الداخلية، وزارة الاعلام، وزارة الشؤون الإسلامية، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني).

3- اهمية عمل البحوث والدراسات العلمية الشاملة؛ وذلك بالتعاون مع مراكز الفكر، والجامعات السعودية؛ وذلك بهدف تفكيك، وتحليل، ومعرفة أسباب هذه الظاهرة، وكيفية مواجهتها، والقضاء عليها.

الجهات: (وزارة الداخلية، وزارة الموارد البشرية، مراكز الفكر والجامعات).

4- ضرورة قيام الجهات المختصة بتكثيف المتابعة، والتوسع في الأعمال الرقابية؛ وذلك باستخدام أحدث التقنيات، والبرمجيات في عالم الذكاء الاصطناعي، المتوافرة في عدد من الدول المتقدمة، ومنها: الكاميرات الذكية، وبرامج الحدود الذكية ومشاريعها؛ وذلك مع التركيز على المناطق الحدودية.

الجهات: (وزارة الداخلية، شركات التقنية).

 

  • الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهدلق

المقدمة

تُعد ظاهرةُ الهجرة ظاهرة تاريخية، اجتماعية، عالمية، متجددة، وهي حق مشروع لكل شخص؛ وذلك نظرًا لبعدها الإنساني، ومفهوم الهجرة ليس مفهومًا حديثًا؛ بل هو قديمٌ قِدَمَ الأزل؛ إذ عرفتها البشرية منذ زمن طويل؛ وذلك قبل ظهور الدول بمفهومها الحديث؛ حيث كان البشر أفرادًا وجماعاتٍ يهاجرون من مكان إلى مكان بحثًا عن الرزق والكلأ والماء، والاستقرار، أو هربًا من الكوارث الطبيعية، والعوامل البيئية، أو الغزوات العدوانية، والاضطهادات العرقية والدينية وغيرها.

ومع تزايد أعداد السكان، وانتشارهم في أرجاء الأرض، وما نتج من ذلك من تكوينهم مجتمعات بشرية متنوعة ومختلفة مع الحاجة للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فرضت الهجرة نفسها على الكثير من الأفراد والجماعات؛ وذلك من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية؛ حتى تعيش أسرهم معيشة تعينهم على مواجهة الاحتياجات الإنسانية، والظروف الحياتية التي يحتاج إليها كل إنسان طبيعي، وما زال هذا هو حال الإنسان إلى أن أصبح موضوع الهجرة متجددًا؛ وذلك بعد نشأة الدولة المدنية القطرية الحديثة ذات السيادة التي أصبحت ذات حدود واضحة المعالم؛ فأخذت تقوم بضبط حدودها وتحركاتها السكانية (دخولاً وخروجاً)، وقد حدث هذا ضمن قوانين محلية، وأنظمة دولية مراعية في ذلك الأبعاد القانونية للصكوك والمواثيق الدولية، ولا شك أن هذه الضوابط أثرت في مفهوم حرية الهجرة المعاصر وقيدته؛ وذلك حماية لسيادة الدولة وأمنها ومصالحها، وهو ما أحدث مفاهيم جديدة بشأن الهجرة، من أهمها: ما يسمى بالهجرة غير النظامية، ولعل من المهم بمكان، وقبل الولوج في صلب الموضوع توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالهجرة المستخدمة في هذه الورقة.

* المصطلحات والمفاهيم:

يعد مصطلح الهجرة وتعريفاته الفرعية ذات العلاقة به من المصطلحات الاجتماعية التي يدور حولها اختلاف في التعريف والمفهوم، ويُعزى ذلك إلى خلفية الباحث الفكرية، ونشأته، والظروف الزمانية والمكانية المحيطة به؛ وذلك ونظرًا لتداخل تلك التعريفات الفرعية، ودفعًا لأي التباس أو غموض سأضطر إلى تعريف تلك المصطلحات تعريفًا إجرائيًّا؛ وذلك على النحو الآتي:

– الهجرة: مفهوم شامل وواسع يُقصد به الانتقال من مكان إلى آخر ؛ وذلك سواء أكان داخل الدولة، أم خارجها، وسواء أكان مؤقتًا، أم دائمًا، وسواء أكان بطريقة نظامية، أم غير نظامية، وسواء أكانت هجرة قسرية، أم طوعية… إلخ.

– الهجرة النظامية: وتسمى بالهجرة الآمنة، وتعني انتقال شخص من مكان إقامته المعتاد إلى مكان إقامة جديد؛ وذلك بما يتماشى مع الأنظمة والقوانين واللوائح التي تحكم آلية الخروج من بلد المنشأ والعبور، والدخول إلى دولة المقصد.

– الهجرة غير النظامية: وتسمى بالهجرة غير القانونية، أو الهجرة غير الشرعية، أو الهجرة السرية، ويقصد بها الهجرة المخالفة لأنظمة دولة المنشأ (الدولة المصدرة للمهاجرين)، أو دولة العبور، أو دولة المقصد المستقبِلة للمهاجرين، ومن وجهة نظر دولة المقصد (الدولة المستقبلة)؛ فإنها تتضمن الدخول أو الإقامة أو العمل بصورة غير قانونية في البلاد. أما من وجهة نظر الدولة المرسِلة (دولة المنشأ)؛ فهي تنطوي على مخالفة اللوائح والقوانين في حالات، مثل: عبور الشخص الحدود الدولية دون جواز سفر صالح، أو دون وثائق سفر، أو غير مستوفٍ للشروط الإدارية لمغادرة البلاد. وفي المملكة العربية السعودية تُعد الهجرةُ غيرَ نظاميةٍ إذا خالفت الأنظمة السعودية المعمول بها، مثل: نظام الإقامة، ونظام العمل، ونظام أمن الحدود، وهي مخالفات قد يستوجب بعضها عقوبة التوقيف، والسجن، ودفع الغرامات.

– النزوح: هو انتقال الفرد، أو مجموعة من الأفراد من مكان إلى آخر داخل حدود الدولة، ويُعد نزوحًا إذا كان ذلك الانتقال قسريًّا ورغمًا عن إرادته؛ وذلك بسبب مؤثر خارجي مهدد للحياة، مثل: المجاعات أو الحروب أو الفيضانات أو الحرائق الكبرى، أو أية كوارث طبيعية أو انتهاكات إنسانية؛ وإنما وقع هذا طمعًا في الخلاص، والهروب من تلك الظروف القاهرة؛ وذلك مثل ما حدث للسوريين واليمنيين والبرماويين.

– اللجوء: انتقال الفرد أو مجموعة من الأفراد من دولتهم إلى دولة أخرى؛ وذلك خوفًا من الاضطهاد، أو خشية الخطر على حياته؛ بسبب العنصر، أو الدين ،أو عضوية جماعة اجتماعية أو سياسية، أو خوفًا من العمليات الحربية، أو الاعتداء الخارجي، أو الاضطرابات الداخلية المسلحة والعشوائية؛ بحيث لا يستطيع العودة إلى وطنه بسبب تلك الظروف التي تهدد حياته، ويتشابه اللجوء مع النزوح؛ من حيث إنه هجرة قسرية إجبارية إلا أنه يختلف عنه من حيث المكان المقصود؛ حيث يكون اللاجئ خارج حدود دولته؛ وذلك مثل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أو السوريين في تركيا ولبنان، أو  السودانيين في تشاد.

– المتسللون: هم الأفراد الذين يعبرون الحدود باتجاه السعودية دون وثائق رسمية تسمح لهم بالعبور، وعادة يتم القبض عليهم في حال التسلل، أو فيما بعد.

– دولة المنشأ: هي دولة المصدر، أو المنبع التي يهاجر  مواطنوها؛ سواء أكانت هجرتهم بطريقة شرعية أم غير شرعية إلى دولة أخرى، مثل: اليمن التي يخرج منها المهاجرون اليمنيون مباشرة للسعودية؛ وذلك سواء أكان الخروج بطريقة نظامية، أم غير نظامية.

– دولة العبور: هي الدولة التي يعبر من خلالها المهاجر  أثناء رحلته من دولة المنشأ إلى دولة المقصد، وقد تطول أو تقصر مدة إقامة المهاجر في دولة العبور، وقد تكون هذه الإقامة- أيضًا- بطريقة غير نظامية، مثل: الجمهورية اليمنية التي يعبر من خلالها الكثير من الأفارقة إلى دولة المقصد السعودية.

– دولة المقصد: هي الدولة (المستقبلة) التي يقصدها المهاجرون؛ سواء أكانت هجرتهم شرعية، أم غير شرعية، مثل: المملكة العربية السعودية التي يقصدها الكثير من اليمنيين، والأفارقة، وغيرهم.

ويلاحظ- هنا- أن بعض الدول يمكن اعتبارها دولَ منشأٍ وعبورٍ ومقصدٍ، مثل: أغلب الدول العربية في شمال إفريقيا، ومنها على سبيل المثال: تونس؛ حيث يعتبرها بعض المهاجرين الأفارقة دولةَ مقصدٍ يهاجرون إليها، وآخرون يعتبرونها دولةَ عبورٍ؛ وذلك ليعبروا من خلالها إلى دول أوروبية، وهي في الوقت نفسه دولةُ منشأٍ؛ حيث يهاجر منها التونسيون إلى الشمال قاصدين الدول الأوروبية. وكذلك يمكن اعتبارُ اليمنِ دولةً جامعةً لهذه التسميات الثلاث؛ حيث تُعد دولةَ مقصدٍ لفئة محدودة من الأفارقة، ودولةَ منشأٍ يهاجر منها اليمنيون، ودولةَ عبورٍ للغالبية العظمى من الأفارقة العابرين إليها؛ وذلك بهدف الوصول إلى المملكة العربية السعودية.

* أهمية القضية:

‏      قد لا يشعر الكثير من العامة، أو حتى بعض النخب الفكرية بأهمية الموضوع إلا أن غالبية المتخصصين الأمنيين والاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين المتابعين للموضوع يشعرون بهذه الأهمية، وأهمية موضوع الهجرة؛ وبخاصة “الهجرة غير النظامية” يحيلنا لموضوع مكافحة الإرهاب؛ حيث إن قضية مكافحة الإرهاب لم تَلْقَ اهتمامًا دوليًّا في بداياتها، وبخاصة من الدول الغربية، لكن عندما وصل الإرهاب إلى أراضيهم أصبح ضمن قائمة اهتماماتهم، وصارت له الأولوية في برامجهم وأجنداتهم؛ وذلك لما له من أثر سلبي في مصالح تلك الدول، وأمنها الوطني؛ ومن ثم انتقل هذا الاهتمام؛ بل فُرِضَ على بقية دول العالم.

وهذا هو الحال بالنسبة للهجرة غير النظامية؛ حيث بدأ الاهتمام بها- مؤخرًا- من الدول الغربية؛ وذلك عندما بدأت هذه الظاهرة في التوسع والتأثير في مصالح تلك الدول؛ مما أدى إلى الاهتمام بها دوليًّا، واعتبارها من القضايا التي تستحق الاهتمام والمتابعة والمعالجة، ومما يؤكد أهمية هذه القضية وجود عدد من المؤشرات؛ منها:

1- أنها قضية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وأمنية واقتصادية تؤثر في الأمن الوطني بمفهومه الشامل.

2- الاهتمام الإعلامي الواسع- مؤخرًا- بظاهرة “الهجرة غير النظامية“؛ حيث يتم تناولها إعلاميًّا؛ وذلك بشكلٍ يومِيٍّ في وسائل الإعلام الغربية والعربية المختلفة؛ بوصفها قضية إعلامية مهمة يجدر الاهتمام بها ومعالجتها ومكافحتها؛ وذلك لما لها من أضرار على المصالح الغربية وأعمالها، وأمنها القومي.

3- تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين، وانتقالهم من دول الأطراف (الفقيرة والمهمشة) إلى دول المركز (الغنية والقوية)، والدليل على ذلك كثرة حوادث الوفيات (الذين وصلت أعدادهم إلى أرقام بالآلاف)؛ وذلك بين المهاجرين عبر ما يسمى بــ (قوارب الموت)، أو الموت خلال الانتقال عبر الصحراء، والمسالك البرية، وقد تم اتهامُ عددٍ من الدول الغربية (دول المركز) بعدم الاكتراث كثيرًا بذلك، كما اتهمت تلك الدول بافتقادها لإستراتيجيات فعالة؛ وذلك للتعامل مع هؤلاء المهاجرين غير النظاميين الذين تصل أعدادهم إلى عشرات الملايين سنويًّا.

4- ارتفاع أعداد التشريعات الدولية والإقليمية والمحلية، وتعدد المعاهدات والاتفاقات الثنائية بين العديد من الدول في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، وكذلك تزايد عدد المؤتمرات والفعاليات المتعلقة بالهجرة غير النظامية على المستويين: الدولي والإقليمي؛ حيث دعت إيطاليا إلى مؤتمر دولي- مؤخرا- في شهر أغسطس 2023م، وقد حضره كثير من رؤساء الدول، والوزراء المعنيون بهذه الظاهرة، وكان من ضمن الحاضرين وزير الداخلية السعودي، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف.

5- تنامي المخصصات المالية؛ وذلك لدعم المشاريع والبرامج الخاصة بمكافحة الهجرة غير النظامية، وبخاصة في دول المنشأ والعبور.

6- تحول قضية الهجرة غير النظامية من قضية إنسانية فقط إلى قضية ذات طابع سياسي مهم؛ فهي تحظي بالأولوية على أجندات المرشحين السياسيين، وبرامجهم الانتخابية في الكثير من الدول؛ وذلك سواء أكان على مستوى الانتخابات الرئاسية، أم البرلمانية؛ بل أن هذا الموضوع أثر بشكل مباشر في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الدول، وأحدث نوعًا من الخلافات بين بعض الدول؛ وذلك بسبب الاتهامات المتبادلة بينها بشأن التقصير في مكافحة الهجرة غير النظامية، مثلما حدث- مؤخرًا- بين فرنسا وإيطاليا، كما أحدثت القضية خلافات سياسية داخل بعض الدول أدت إلى سقوط حكومات، مثلما حدث- مؤخرًا- من تَفَكُّكٍ للائتلاف الحاكم في هولندا، هذا إضافة إلى تزايد المساءلات البرلمانية للمسؤولين الكبار عن هذه القضية.

7- تزايد اهتمام المنظمات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية بهذه الظاهرة؛ حيث تضاعفت أعداد البيانات والمنشورات والبحوث الصادرة عنها، كما ارتفعت أعداد المجلات العلمية، وازداد النشر فيها، هذا إضافة إلى صدور مجلات متخصصة في مجال الهجرة والمهاجرين.

* أسباب ظاهرة الهجرة غير النظامية، ودوافعها:

الراصد لواقع الهجرة غير النظامية عليه أن يكون مطلعًا على واقع الهجرة النظامية؛ إذ يجد- من خلال المقاربات حول مواضيع الهجرة- أن هناك تقاربًا في الدوافع والأسباب لكليهما؛ بل يجد تشابهًا كبيرًا في النظريات المفسرة لهما، وعلى الرغم من هذا التشابه إلا أنه لا يوجد إجماع على نظرية واحدة؛ وذلك لتفسير ظاهرة الهجرة النظامية، وغير النظامية؛ بل هناك تعدد في المدارس، والمداخل، والاتجاهات النظرية؛ وذلك عائد إلى معتقد الشخص المُنظر، وخلفيته الأكاديمية، وتخصصه العلمي.

فنجد المنظرين الاجتماعيين في مدرسة “سوسيولوجيا الهجرات” يركزون على النظرية البنائية الوظيفية؛ وذلك بمختلف تحليلاتها، ونماذجها التي تتلخص في أن الخلل في النسق الاجتماعي من أهم العوامل التي تدفع بالبعض للهجرة غير النظامية، وأصحاب هذه المدرسة متأثرون- في ذلك- بعوامل الطرد والجذب المادي، وغير  المادي؛ وذلك على الرغم من أنهم يعتبرون الهجرة غير النظامية سلوكًا مخالفًا للقواعد الاجتماعية داخل المجتمع.

أما بالنسبة للمدرسة ذات المدخل الثقافي؛ فهي تعتبر أن الثقافات المجتمعية الخاصة بكل مجتمع تؤدي دورًا مهمًّا في دفع الفرد للميل للهجرة، من عدمها.

كما أن المدرسة النفسية اعتمدت- بشكل كبير- على التفسير السيكولوجي الذي يركز- بشكل كبير- على نظريات العالم (إبراهام ماسلو)، ودراساته، وأبحاثه المتعلقة باحتياجات الإنسان؛ فهذه الاحتياجات هي التي تدفعه لاتخاذ قراره بالهجرة من عدمها، وهي- في ذلك- مثلها مثل الاحتياجات الفسيولوجية التي تمثل جزءًا منها: الحاجة للطعام (الهروب  من الفقر)، أو الاحتياجات المتعلقة بالأمان والسلامة الجسدية بمختلف أنواعها، مثل: حاجته للأمن (الهروب من الحروب والعنف)، أو حاجة المهاجر إلى التقدير، وتحقيق الذات؛ وذلك للحصول على مكانة اجتماعية بسبب ما يحققه من إنجازات يتطلع لها، تدفع بالآخرين إلى تقديره واحترامه داخل مجتمعه.

وأخيراً المدرسة ذات الاتجاه الاقتصادي التي تركز على دور العوامل الاقتصادية في اتخاذ قرار الهجرة، ومنها (المدرسة النيوماركسية) التي تركز في تحليلها وتفسيرها على ما يمكن أن يحصل عليه المهاجر من دخل في موطنه الأصلي، والدخل الذي يتوقع أن يحصل عليه في دولة المقصد، وتتعدد الاتجاهات داخل المدرسة الاقتصادية؛ إذ نجد نظرية (التبعية الاقتصادية) التي تقسم دول العالم إلى دول مركز (غنية وثرية)، ودول أطراف (فقيرة ومتخلفة)؛ فتحكم هذه الدول علاقة ارتباط (تابع ومتبوع)؛ حيث تتبع دول الأطراف دول المركز، وهذا ما يشجع أفراد دول الأطراف، ويدفع بهم للهجرة- ولو بطرق غير نظامية- إلى دول المركز ؛ وذلك لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، ورفع مستواهم المعيشي والحياتي.

وتأسيساً على هذه النظريات وتحليلاتها وتفسيراتها تبرز أهم الأسباب والدوافع للهجرات النظامية، وغير النظامية التي تتأثر بخلفية المهاجر ،وظروفه الاجتماعية والاقتصادية؛ فكلما واجهت المهاجر صعوبات: في معيشته، وأمنه، وعدم قدرته على الهجرة؛ وذلك لأسباب مادية، أو سياسية، أو اقتصادية… إلخ اتجه إلى وسائل غير نظامية، وأدوات غير شرعية للهجرة؛ وذلك من أجل تحقيق أهدافه الذاتية، وأحلامه، وتطلعاته لتوفير معيشة أفضل، وحياة كريمة له ولأسرته بعيدًا عن حياة الفقر، وعدم الأمان.

وبمراجعة العديد من الأدبيات والدراسات المنشورة بشأن الهجرة النظامية، وغير النظامية يتضح أن الكثير من الأسباب متداخلة مع بعضها البعض؛ فالعامل الاجتماعي يتداخل- أحيانًا- مع العامل الاقتصادي، أو النفسي… إلخ، وعليه سأحاول أن أفصل هذه الأسباب عن بعضها البعض؛ وذلك على الرغم من تداخلها، وتعددها، ومدى اختلافها فيما بينها؛ من حيث درجات الأهمية؛ وذلك على النحو الآتي:

1- الأسباب ذات البُعد الاقتصادي:

ذكرت الجانب الاقتصادي في مقدمة الأسباب؛ وذلك لأهميته، وأولويته لدى المخالفين غير النظاميين حسب ما تشير إليه الدراسات؛ لكونه الدافع الرئيس للهجرة، وبخاصة الهجرة غير النظامية، وأؤكد أن غياب التنمية الاقتصادية الفعالة يؤدي- في النهاية- إلى المزيد من الفقر المدقع والبطالة، كما تؤدي إلى تراجع في القدرات الشرائية لتلك المجتمعات، هذا إضافة إلى أنها تحدث نوعًا من التدني في مستوى الخدمات التعليمية والصحية.

وعلاوة على ذلك تؤدي التغيرات المناخية والبيئية المتزايدة من (جفاف وتصحر وحرائق)، وكذلك الكوارث الكونية من (الزلازل والأعاصير والفيضانات)، والمصائب الدنيوية من (الحروب والنزاعات الداخلية والاضطهادات) التي نشاهدها على وسائل الإعلام بشكل يومي، كل ذلك يؤدي دورًا كبيرًا في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمادية لسكان بعض الدول النامية والفقيرة؛ فتزداد حالتهم سوءًا، ويفقدون أدنى معاني الحياة الكريمة التي يتطلعون لها؛ مما يضطر بعضهم إلى أن يغامر بحياته، ويجازف بمستقبله؛ فيهاجر بطرق نظامية وغير نظامية للدول الغنية (دول المركز)؛ وذلك ليحقق بعضًا من آماله وأحلامه وتطلعاته، ويوفر لنفسه وأسرته نوعًا من الحياة المعيشية الآمنة الكريمة المستقرة.

وهذا ما اتفقت عليه معظم الدراسات والتقارير الدولية ؛ حيث أصبحت مقولة العالم الفرنسي (الفريد سافي) المشهورة: “إما أن ترحل الثروات إلى حيث يوجد البشر، وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات“، وهي مقولة اقتصادية شائعة، ويبدو  لي أن هذه العبارة تم تحويرها؛ لتصبح: “حيث توجد الثروة توجد الهجرة“؛ فغدت مقولة رائجة في أدبيات الهجرة، ومتفقة مع نتائج بعض التقارير الدولية؛ بل إنها تتفق مع نتائج بعض الدراسات المحلية؛ وذلك في بعدها الاقتصادي؛ فهذا ما حاء في كلٍّ من:  (دراسة منطقة عسير، ودراسة منطقة جازان)؛ وذلك بشأن المتسللين من الأفارقة واليمنيين للسعودية؛ حيث أكدتا أن السبب الرئيس للهجرة غير النظامية- دون منافس- هو البعد الاقتصادي (بنسبة100% من عينة دراسة منطقة عسير)، كما أن الغالبية العظمى (بنسبة تتجاوز 90% من عينة دراسة منطقة جازان) من المتسللين عاطلون عن العمل، وكما- هو  معروف- أن لهذه البطالة بعدها وأثرها الاقتصادي.

 2- الأسباب ذات البُعد الاجتماعي:

من المعروف أن الإنسان بطبيعته البشرية كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بمن حوله؛ وذلك من رفاق، وأقارب، أو بما يحيط به من ظروف، وعلاقات، ومشاكل اجتماعية ونفسية، أو عادات وقيم اجتماعية؛ ولهذا نرى أن معظم الأسباب ذات البعد الاجتماعي تنطلق من العبارة المذكورة أعلاه.؛ فالمشاكل الاجتماعية، مثل: الاضطهاد العنصري، أو الصراع القبلي، أو العنف المجتمعي، أو الحرمان المادي قد تكون دافعًا للبعض للهجرة- ولو بطريقة غير نظامية- هروبًا من ذلك الواقع الكئيب.

ويساعد على ذلك، ويدعمه العصابات الإجرامية، والشبكات السرية المتخصصة في تهريب المهاجرين غير النظاميين؛ حيث تؤدي دورًا مهمًّا في انتشار هذه الظاهرة، وهي- في الغالب- تتكون من شبكات محلية، أو متعددة الجنسيات؛ إذ تعمل على استغلال الظروف الصعبة لهذه النوعية من فئات المجتمع؛ وذلك سواء أكان في دول المنشأ، أم من زملائهم المتعاونين معهم في دول العبور، والهدف من ذلك قد يكون ماديًّا بالدرجة الأولى لجني مبالغ مالية كبيرة جدًّا، هذا إضافة إلى الممارسات غير الإنسانية مع بعضهم البعض؛ وذلك من خلال الاتجار بهم؛ بوصفهم رقيقًا في أعمال: الدعارة، والجنس، والتسول، والعمل القسري، وغير ذلك من الأعمال المجرمة دوليًّا.

كما تقوم هذه الشبكات الإجرامية- أحيانًا- بأعمال ذات طبيعة وأهداف سياسية؛ وذلك بهدف الإضرار بدول المقصد من خلال استغلال تلك الفئات الاجتماعية المحتاجة؛ من أجل تهريب المخدرات، أو إرسال المجرمين لممارسة أعمال السرقات والتحايل المالي؛ بل أحيانا تتعاون هذه الشبكات مع الإرهابيين، وتقوم بتهريب أفرادهم للقيام بأعمال التخريب، أو التسول لجمع الأموال التي تدعم الأنشطة الإرهابية.

وعلى الرغم من أن أعداد المهاجرين غير النظاميين من جهة العوامل ذات البُعد الاجتماعي المذكورة أعلاه- خاصة في الحالة السعودية- غير  بارزة، أو مهمة إلا أن التقارير الدولية والدراسات المحلية تشير إلى عامل مهم ذي بُعْدٍ اجتماعي يتمثل فيما يسمى بـــ “تأثير الأقران والأصدقاء والأقارب” في دول المقصد؛ إذ هم الذين يقومون بالتشجيع والمساعدة للمهاجرين غير النظاميين في تحقيق أهدافهم؛ ومما يشجع هؤلاء المهاجرين على السفر والهجرة رؤيتهم للنجاحات الاجتماعية التي حققها بعض الأصدقاء والأقارب المتسللين؛ وذلك من جهة ازدهار أحوالهم الاقتصادية، وأحوال أسرهم المادية في دولة المنشأ، وتحسن معيشتهم الحياتية؛ فهذه النجاحات الاجتماعية للأصدقاء والأقارب عوامل مغرية تدفعهم- بلا مراء أو جدال- إلى الهجرة؛ حتى يتخلصوا من حالات الفقر والحاجة، والعوز الاجتماعي؛ وحتى ينتقلوا لحالة العيش الكريم المستقر.، هذا إضافة إلى أن ذلك قد يكون عاملاً مهمًّا في تحقيق ذات المهاجر، ونيله المزيد من التقدير ، والاحترام المجتمعي؛ وذلك بوصفه بُعْدًا نفسيًّاـ ــــــــــــ اجتماعيًّا.

وتشير بعض التقارير الدولية المتخصصة في مجال الهجرة إلى عامل تأثير الأصدقاء والأقارب، وتتفق دراسة (منطقة عسير) مع هذا الطرح؛ حيث أشارت دراستهم إلى أن (نسبة 29,2%) من أفراد عينة المتسللين لديهم أقارب وأصدقاء داخل المملكة العربية السعودية؛ إذ قاموا بتحفيزهم على القيام بالهجرة، والتسلل إلى المملكة.

3- الأسباب ذات البُعد الديني:

تُعَدُّ العواملُ الدينيةُ من العوامل المحفزة على الهجرة غير النظامية، وبخاصة في حالة الاضطهاد الديني الذي يمارس في بعض دول المنشأ، وهذا الذي يدفع البعض للهجرة؛ وذلك حماية لدينه، وتحقيقًا للحكم الشرعي الذي يوجب الهجرة من بلاد الكفر والشرك إلى بلاد الإسلام- بضوابط شرعية- وهذا ما يدفع البعض للهجرة، ولو بطريقة غير شرعية، وعلى الرغم من أن الإسلام يشجع على هذا النوع من الهجرة ذات البُعد الديني المتعلقة بحماية دين المسلم إلا أنها تعد حالات محدودة لا يمكن اعتبارها دافعًا للهجرة غير النظامية تجاه السعودية.

ومما يؤسف له أن الكثير من التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تزعم أنها تنظيمات إسلامية لها الكثير من المنشورات والأدبيات التي تستغل المفهوم الإيجابي للهجرة في الإسلام، ولكن المتابع لأدبيات هذه التنظيمات التكفيرية تجاه الهجرة يكتشف- فورًا- أنها تقصد بأفضلية الهجرة هجرتهم؛ أي: الهجرة إلى مواقع تلك التنظيمات التي تسيطر  عليها؛  سواء أكان ذلك في العراق، أم سوريا، أم نيجيريا، وغيرها، وأن القصد الحقيقي من وراء هذه الدعوات التحفيزية المشبوهة للهجرة لمناطق الصراع، أو ما   يسمونه أحيانًا بـــ ـ”دولة الخلافة“؛ وذلك بهدف تجنيد هؤلاء المهاجرين في هذه التنظيمات المتطرفة.

وأخيرًا يبقى أهم عامل من العوامل الدينية الجاذبة والمتسببة في الهجرة غير النظامية للسعودية، وهو متعلق بخصوصية المملكة؛ وذلك بحكم وجود أقدس البقاع فيها (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وما يولده هذا الشأن المقدس من رغبة بعض المسلمين في الحج والعمرة؛ ومن ثم الاستقرار والسكن فيها؛ وذلك لما فيه من الأجر والثواب، ولو كان ذلك مخالفًا للأنظمة السعودية؛ ولهذا نجد أن السلطات الأمنية تبذل الكثير من الجهود في مكافحة تخلف بعض الحجاج والمعتمرين بعد أدائهم شعيرتي الحج والعمرة، وبقائهم بصفة مخالفة للأنظمة؛ بوصفهم مهاجرين غير نظاميين.

وقد كانت ظاهرة التخلف في السابق واسعة قد تصل إلى أكثر من (150) ألف حاج متخلف سنويًّا، يمثل غالبيتهم دولتي: مصر ونيجيريا، وبعض الدول الآسيوية، مثل: إندونيسيا وبنجلاديش إلا أن هذه الظاهرة بدأت تخف- مؤخرًا- بصورة تدريجية؛ وذلك بسبب المتابعة الدقيقة، وتشديد الأنظمة، وتطبيقها بصرامة؛ وذلك من قبل الجهات المختصة؛ حتى انخفضت أعداد المتخلفين إلى عدة آلاف؛ وذلك مقارنة بأرقام المتخلفين الضخمة في السنوات الماضية، وعلى الرغم من أن الجهود السعودية مستمرة في ضبط عملية أداء شعائر الحج والعمرة بصورة شرعية ونظامية إلا أننا نجد من يحاول التسلل للسعودية بدافع أداء الحج والعمرة بصورة غير نظامية؛ حيث ذكرت دراسة منطقة عسير أن (نسبة 10,4%) من عينة المتسللين كان تسلله بهدف أداء شعيرتي: الحج والعمرة، هذا إضافة إلى هدف آخر ذي أولوية، وهو متعلق بالبُعد الاقتصادي المتمثل في تحسين أوضاع المتسلل المعيشية، أو كما جاء في المثل الشعبي: “حج وقضاء حاجة“؛ فلا شك أن هناك عواملَ أخرى حول الأسباب المحفزة والمؤدية للهجرة غير النظامية إلا أنها ليست ذات أهمية وتأثير  في الحالة السعودية.

 

* واقع الهجرة غير النظامية في السعودية:

الحقيقة أن ظاهرة الهجرة غير النظامية ظاهرة عالمية؛ فهي لا تقتصر على المملكة العربية السعودية؛ بل نجدها منتشرة في معظم الدول، والقارات؛ فعلى سبيل المثال، وليس الحصر نجد أن الهجرات غير النظامية موجودة فيما بين المكسيك وأمريكا، وبين دول شمال إفريقيا (مصر وليبيا وتونس والمغرب)؛ بوصفها دولَ منشأٍ، أو عبور إلى أوروبا، وكذلك الحال في الهجرة من إندونيسيا، وبعض دول جنوب آسيا إلى ماليزيا…إلخ.

وتذكر بعض التقارير الدولية الصادرة عن منظمات الهجرة أن أعداد المهاجرين في تزايد سنوي؛ حتى تجاوزت هذه الأعداد- مؤخرًا- (280) مليون مهاجر دولي، ويُقدر أن ما يقارب الثلث من هؤلاء المهاجرين هم مهاجرون غير نظاميين، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة السلبية إلا أنها في تزايد مستمر ؛ وذلك وفقًا للإحصاءات الدولية؛ بل تعاني منها الكثير من الدول على المستويين: الدولي والإقليمي.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية؛ فقد كانت بدايات هذه الهجرات منذ عقود عدة؛ وذلك تزامنًا مع ظهور البترول، وتحسن الأوضاع الاقتصادية، وتطور الخطط التنموية إلا أن هذا الموضوع لم يكن موضوعًا مقلقًا للسلطات السعودية في حينه، ولكن مع التنمية الواسعة التي شهدتها المملكة واحتياجها للمزيد من الأيدي العاملة المهاجرة؛ وذلك لتحقيق أهداف التنمية الوطنية شهدت الهجرة للمملكة قفرات كبيرة في أعداد المهاجرين الدوليين؛ حتى وصلت أعدادهم في عام 2022م إلى ما يقارب (13,4) مليون نسمة؛ وذلك بنسبة (41,6%) من إجمالي عدد السكان.

وعلى الرغم من أن غالبيتهم يعيشون بصورة نظامية إلا أن هناك أعدادًا كبيرة منهم، قد أصبحت تعيش بصورة غير نظامية، وتحولوا إلى مهاجرين غير نظاميين، وتزايدت أعدادهم بصورة كبيرة؛ حتى وصلت إلى عدة ملايين، وهو ما يزيد من مخاطرهم وتأثيراتهم السلبية في المجتمع والدولة، وعلى الرغم من جدية القضية وخطورتها لا نجد دراسات جادة ومعمقة منشورة، أو متداولة للتعرف على طبيعة هؤلاء المهاجرين غير النظاميين، وخلفياتهم، وخصائصهم، وبخاصة هؤلاء الذين يعيشون بيننا في السعودية؛ وذلك للتعرف إلى أحوالهم، وخلفياتهم، وأهدافهم، ودوافعهم، ومخاطر تزايد أعدادهم،

وهذا ما عدا دراستين في منطقتي: عسير وجازان، قد كانتا عبارة عن بحثين منشورين في مجلتين علميتين خارج المملكة؛ فالدراسة الأولى جاءت بعنوان “المهاجرون ومسالك الهجرة غير المشروعة من القرن الإفريقي واليمن“؛ وذلك لعضوين من أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، وقد استخدم الباحثان استبانة للدراسة من خلال المقابلة الشخصية على عينة عشوائية من المتسللين المقبوض عليهم؛ وذلك في محافظة الدائر الحدودية بمنطقة جازان في شهر رجب لعام 1438هـ وكان عددهم (400) متسلل، منهم (259) متسللاً يمنيًّا، وهناك (141) متسللاً من الجنسيات الإفريقية، وسأستخدم عبارة “دراسة جازان” عند الإشارة إليها.

أما الدراسة الثانية؛ فقد كانت بعنوان “الهجرة غير النظامية، ومساراتها إلى المملكة العربية السعودية من دول القرن الإفريقي: دراسة حالة على منطقة عسير“، وقام بها فريق عمل من أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك خالد بمنطقة عسير، وقد طبق فريق العمل استبانة على عينة من المتسللين من دول القرن الإفريقي الموقوفين في إدارة الوافدين بمدينة أبها، وبلغ عددهم (510) متسللين إفريقيين، وسأشير إليها بعبارة “دراسة عسير” عند استخدامها، علمًا بأن كلتا الدراستين ركزتا- في معظمهما، وبصورة واسعة وكبيرة- على موضوع الطرق التي يسلكها المهاجرون غير النظاميين في هجرتهم للمملكة، ويمكننا تناول التفاصيل بشأن ذلك الأمر فيما يأتي:

أولاً- الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمتسللين:

كما هو معروف لدى معظم الباحثين أن معرفة هذه الخصائص ستسهم في التعرف إلى أفضل العوامل المرتبطة بالظاهرة، أو القضية محل الدراسة؛ ومن ثم فهمها، ومعرفة الخلل، والتنبؤ بشأنها مستقبلاً ، واتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة للتعامل معها ومكافحتها، ووضع البرامج الكفيلة بالتغلب عليها.

وبالرغم من محدودية، وقصر الاستبانات المستخدمة في الدراستين إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض الخصائص المفيدة في فهم هذه الظاهرة؛ فقد أشارت دراسة جازان إلى أن غالبية المتسللين (يمنيين وأفارقة) هم من الفئة العمرية التي تقع ما بين 19إلى 35سنة؛ حيث بلغت نسبتهم نحو (75%)، أما فئة الأطفال (أقل من 18 سنة)؛ فقد بلغت نسبتهم (14%)، وهي نسبة ليست بالضئيلة، ولا يمكن الاستهانة بها، أما بالنسبة لحالتهم التعليمية؛ فإن (36%) منهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، وإذا ضُمَّ إليهم من يعرفون القراءة والكتابة، ويحملون الشهادة الابتدائية؛ فإن مجموعهم يقارب (95%)، والغالبية منهم من العزاب؛ حيث يشكلون ما نسبته (68,5%)، وغالبية العينة من العاطلين عن العمل وتصل نسبتهم إلى ما يقارب (90%).

أما دراسة عسير؛ فقد ركزت في جزء منها على الجانب الأمني من الظاهرة، وبينت أن المتسللين إلى منطقة عسير- في بعض الحالات- لا يتم القبض عليهم إلا في مراحل تالية، وذكرت أن (83,92%) تم القبض عليهم في أقل من سنة، أما البقية؛ فقد مكثوا سنة أو أكثر قبل القبض عليهم، وهذا يبين مدى جدية الجهات الأمنية في متابعة المخالفين، وكذلك يوضح مدى تساهل بعض المواطنين في تشغيل هؤلاء المتسللين، والتعامل معهم دون التأكد من حالتهم النظامية، كما تشير الدراسة إلى أن أكثر من ثلثي حجم العينة تسلّلُوا مرة واحدة، وأن ما يقارب الثلث المتبقي تسلَّلُوا مرتين، أو أكثر بنسبة (28,2%).

ثانيًا – مسالك المتسللين، وطرقهم:

لا شك أن معرفة الطرق التي يسلكها المتسللون- في طريق هجرتهم- أمر مهم بالنسبة للجهات الرسمية في دول المنشأ، أو العبور، أو المقصد؛ كي تتمكن من مكافحتها، ومعرفة الجهات التي تقف خلف تهريبهم؛ فمن خلال دراسات عدة، وبيانات رسمية تناولت هذا الموضوع اتضح أن أهم منبعين لهؤلاء المهاجرين هما دولتا: إثيوبيا واليمن، وتُعد اليمن هي النقطة النهائية الرئيسية لالتقاء المتسللين؛ وذلك في طريقهم للعبور للسعودية؛ حيث يعبر- من خلالها- ما يقارب (98,5%) من المتسللين.

ودون الدخول في التفاصيل الفرعية لهذه الطرق والمعابر التي تستخدم في اليمن، أو الدول الإفريقية إلا إنه من المناسب الإشارة إلى أن المتسللين يتجنبون المعابر البحرية المباشرة للسعودية، ويسلكون- في الغالب- طرقًا صحراوية قاحلة في إفريقيا، وطرقًا جبلية شديدة الوعورة في اليمن؛ وبناء عليه فسأكتفي بذكر المسارات الرئيسة التي يسلكها المتسللون للمملكة باتجاه منطقة عسير؛ وذلك وفقًا لما ورد في دراسة عسير؛ حيث أوضحت الدراسة- من خلال المقابلات الشخصية للعينة- أن أهم الطرق التي يعبرونها كانت على النحو الآتي:

المسار الأول – (إثيوبيا-الصومال-اليمن-السعودية)؛ وذلك بنسبة    (8,1%).

المسار الثاني – (إثيوبيا-جيبوتي-اليمن-السعودية)؛ وذلك بنسبة (51,6%).

المسار الثالث – (الصومال-اليمن-السعودية)؛ وذلك بنسبة (31,2%).

المسار الرابع – (الصومال-جيبوتي-اليمن-السعودية)؛ وذلك بنسبة (7,6%)

المسار الخامس –  (جيبوتي-السعودية) (عسير)؛ وذلك بنسبة (1,5%)، وهو أقلها..

 

ثالثًا – أعداد المهاجرين غير النظاميين، وطبيعة مخالفاتهم:

كما ذكرت- سابقًا- أن أعداد المهاجرين النظاميين، وغير النظاميين في تزايد وارتفاع، والمملكة ليست استثناءً من ذلك نظرًا لخططها التنموية الجبارة سابقًا وحاليًّا إلا أن أعداد المهاجرين غير النظاميين كبيرة؛ فقد لفتت نظر المسؤولين، وغيرهم من أصحاب الاهتمام في السعودية؛ وذلك نظرًا لخطورة الموضوع على الأمن الوطني، ومن هذه الجهات الرسمية التي تنبه للموضوع مجلس الشورى الذي توقف مليًّا عند تقارير أشارت إلى أن أعداد المهاجرين غير النظاميين بلغت نحو خمسة ملايين مقيم، أو مهاجر  غير نظامي، وهو ما دفع بالمجلس لمناقشة هذه القضية، ومدى خطورة هؤلاء المهاجرين غير النظاميين؛ حيث طالب المجلس بسن نظام لمكافحة الهجرة غير النظامية التي يسميها البعض “بالهجرة الاستيطانية“.

وقد تمت مناقشته في حينه، واقترح المجلس تشكيل لجنة في وزارة الداخلية؛ وذلك لمعالجة الوضع، والنظر في ترحيل الخمسة ملايين مخالف؛ وعلى أثر هذه النقاشات والمطالبات قامت الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الداخلية، وبالتنسيق مع (19) جهة حكومية بتنظيم حملة ميدانية كبرى، وقد أطلقت عليها اسم “وطن بلا مخالف“، وكانت بدايتها في 26-2-1439هـ الموافق 15-11-2017م.

وبدأت البيانات الرسمية، والإحصاءات الأسبوعية عن نتائج هذه الحملة تتوالى؛ حتى نتج منها (وفقًا للبيان الصحفي الرسمي من وزارة الداخلية الذي تم نشره في 24-6-2021م) ضبط (5,651,619) مخالفًا للأنظمة السعودية، منهم (4,323,083) مخالفًا لنظام الإقامة، و(803,186) مخالفًا لنظام العمل، و(525,350) مخالفًا لنظام أمن الحدود.

وبلغ عدد المتسللين الذين تم ضبطهم خلال عبورهم الحدود إلى داخل السعودية (116,930) متسللاً؛ وذلك كما هو موضح في الجدول رقم (1)، وغالبيتهم يحملون الجنسية الإثيوبية؛ وذلك بنسبة (54%)، يليهم اليمنيون؛ وذلك بنسبة (43%)، و(3%) يمثلون جنسيات مختلفة، كما تم ضبط (9550) شخصًا لمحاولتهم التسلل إلى خارج المملكة، وقد تم إيقاع العقوبات الفورية الصادرة عن جهات الاختصاص على المستحقين؛ وذلك من: السجن، والغرامات، والترحيل.

جدول (1) يلخص أعداد المهاجرين غير النظاميين خلال الفترة من 15-11-2017 إلى 22-6-2021

نوع المخالفة النظامية المتسللون المتورطون
المجموع الإقامة العمل الحدود للداخل للخارج 8241
4,323,083 803,186 525,350 116,930 9550
الإجمالي 5,651,619 126,480

 

وعلى الرغم من هذه الجهود الطيبة والحملات المستمرة التي تم بذلها، وعلى الرغم مما تم- خلالها- من ترحيل الملايين إلا أن القضية ما زالت تعد قضية مؤرقة، وما زالت البيانات الرسمية تفصح عن أعداد كبيرة يتم ضبطها؛ وذلك بشكل أسبوعي؛ فـــمعدلها يقارب (14000) مخالف، وهذا مؤشر إلى وجود مشكلة، ولو كان بشكل أقل من السابق، وهو ما يؤكده الجدول رقم (2) الذي أعددته استنادًا إلى بيانات وزارة الداخلية التي تحتوي على معلومات حديثة؛ وذلك خلال (28) يومًا من شهر محرم للعام الحالي (1445ه).

جدول حديث (2) يلخص أعداد المهاجرين غير النظاميين خلال الفترة من 20-7 إلى 16-8 للعام 2023م.

التاريخ

بالأسبوع

نوع المخالفة النظامية المتسللون المتورطون في النقل والإيواء والتستر
الإقامة العمل الحدود للداخل للخارج
2-8/1 7725 2156 3427 572 58 9
9-15/1 7894 2206 3839 933 44 8
16-22/1 8398 2143 3703 895 38 7
23-29/1 8539 2453 4253 829 60 3
المجموع 32547 8958 15222 3229 200 27
الإجمالي 56727 3429 27

 

وبمراجعة الجدولين (2,1)، والمقارنة بينهما؛ وذلك مع الأخذ في الحسبان المتوسطات الأسبوعية للأعداد التي يتم ضبطها في الجدولين نجد أن الحملات بين عامي: 2017م و2021م كانت أكثر فاعلية في عملية ضبط المخالفين لأنظمة الإقامة، وأنظمة العمل، أما بالنسبة لمخالفي أمن الحدود، والمتسللين في حملة شهر أغسطس 2023م؛ فقد كانت أكثر فاعلية من الحملات السابقة بين الأعوام المذكورة، وربما يعود ذلك إلى أن تناقص عمليات ضبط المخالفين لأمن الحدود في السابق كان سببه أحداث جائحة (كورونا) في الأعوام التي غطتها الحملة الأولى المذكورة في الجدول (1)؛ حيث حَدَّتْ من تنقلات المخالفين، والشيء نفسه حدث في الماضي؛ حيث تناقصت أعداد المهاجرين غير النظاميين (المتسللين) أيام بدايات “عاصفة الحزم“؛ ولهذا فإن الإحصاءات وأعداد المهاجرين غير النظاميين تتفاوت بين فترة وأخرى؛ وذلك وفقًا لظروف الإقليم، أو المنطقة؛ فتزيد عندما تكون هناك مشاكل في دول المنشأ، مثل: الكوارث الكونية والحروب، وتخف حِدَّتُها عندما يكون هناك تضييق في إجراءات السفر (كورونا)، أو وجود حروب حدودية قد تشكل خطرًا على حياة المتسللين؛ وذلك مثلما كان يحدث في بدايات حملة (عاصفة الحزم) على الحدود السعودية اليمنية.

* مخاطر المهاجرين غير النظاميين على الأمن الوطني:

قد لا يدرك البعض من غير المتخصصين والمسؤولين الرسميين، وبعض المنظمات الدولية المدنية المختصة خطورة موضوع القضية إلا أن المختصين يدركون تلك الخطورة المتعاظمة يومًا بعد يوم، وإلا لما رأينا الاهتمام الدولي الكبير بالموضوع، والتعامل الإعلامي الدولي والإقليمي والمحلي الذي يتناول موضوع القضية بشكل شبه يومي.

وعلى الرغم من أهمية الموضوع وآثاره الخطيرة، وضرورة تكاتف جهود الأسرة الدولية، ومنظماتها الحقوقية والإنسانية إلا أن المتابع للأدبيات المتعلقة بموضوع الهجرة غير النظامية يلمس خلافًا واضحًا في الرؤية حول كيفية التعامل مع هذا الموضوع الخطير؛ فالمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية ترى أن المخاطر التي يجب التركيز عليها هي المخاطر التي تواجه المهاجر غير النظامي؛ وذلك من جهة حماية حياته، ومن جهة ضمان حقوقه، بينما الجهات الرسمية (أجهزة الدول) تعتقد غير ذلك، وترى أن هؤلاء مخالفون للأنظمة المحلية، ويشكلون خطرًا على الأمن الوطني، ويجب إنفاذ القانون والأنظمة بحقهم؛ وذلك مع الأخذ في الحسبان حقوقهم الإنسانية والمدنية.

ويعد الأمن الوطني بمفهومه الشامل من أهم ركائز  الدولة واستمرارها واستدامة تنميتها واستقرارها وصون مجتمعها؛ ولذا تقوم الدول بحماية كيانها ومجتمعها من جميع المهددات الداخلية والخارجية، والراصد لما حدث في مجتمعنا- وذلك خلال العقد الماضي، وما قبله- يرى أن بعض المهاجرين غير النظاميين يشكلون تهديدًا على الأمن الوطني بأبعاده السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين آثارًا سلبية، وعواقب خطيرة جدًّا في الدولة، والمجتمع السعودي، وعلى الرغم من تعدد هذه المهددات والمخاطر وتداخلها مع بعضها البعض سأقوم بالحديث عما له علاقة بالمملكة من خلال تصنيف هذه المخاطر  التي تنطوي تحت كل عنوان مما سبق ذكره؛ وذلك ضمن أربعة محاور  تبرز على النحو الآتي:

أولاً – المخاطر والآثار الأمنية:

يعد الأمن الفعال من أهم عوامل استقرار الدولة والمجتمع إلا أن هناك عوامل قد تؤثر في فاعليته بشكل سلبي، وقد يكون للمهاجرين غير النظاميين دور في ذلك، ومن العوامل المؤثرة في أمن الوطن والمجتمع مشاركة بعض المهاجرين غير النظاميين في بعض العمليات الإرهابية، وهذا ثابت لدى الأجهزة الأمنية؛ حيث شاركت عناصر مهاجرة من المخالفين في عدد من القضايا الإرهابية في جدة والرياض، وكان يقودها أفراد يحملون الجنسيات الإفريقية والعربية، وما زال معظمهم يقبعون في السجن؛ وذلك بسبب مشاركتهم في هذه العمليات، كما أن بعض القضايا كانت مرتبطة بتمويل الإرهاب؛ حيث قامت عناصر مهاجرة بالتسلل للمملكة؛ وذلك بهدف جمع تبرعات للجماعات الإرهابية.

ومن العوامل التي تؤثر في الأمن، وتشكل خطرًا على المجتمع قيام بعض المهاجرين غير النظاميين بالمشاركة في الأعمال الإجرامية، مثل: سرقة السيارات، أو الكيابل، أو المنازل… إلخ؛ وذلك بوصفهم أفرادًا في تنظيمات عصابية، أو بوصفهم أعضاءً في هذه التنظيمات، ويشهد على ذلك برنامج “تم القبض” الأمني الذي يُعلن فيه على مَنْ تم القبض عليهم، والحقيقة أن هؤلاء المهاجرين غير النظاميين قد أجهدوا رجال الأمن وأتعبوهم؛ وذلك بارتكابهم للجرائم، وهروبهم الدائم، هذا إضافة إلى إشغالهم للأجهزة الأمنية بعيدًا عن قضايا كبيرة؛ تُعَدُّ أكثرَ أهمية من مطاردة المهاجرين غير النظاميين، ومتابعة ضبطهم؛ بوصفهم مخالفين للأنظمة، وهذا مما قد يؤثر في أداء رجال الأمن، وبخاصة أن أعداد المخالفين يقدر  بمئات الآلاف، إن لم يكن بالملايين.

ثانيًا – المخاطر والآثار السياسية والدبلوماسية:

قد لا يدرك البعض أن هناك أفرادًا من ضمن هؤلاء المهاجرين غير النظاميين تم تجنيدهم، ويعملون لصالح دول قامت بإرسالهم للعمل جواسيس لها؛ وذلك لنقل المعلومات السرية، أو الخاصة لأعداء المملكة، وهناك عدة حالات تم الكشف عنها؛ حيث كان بعضهم يتواصل مع أعداء المملكة، ويرسل المعلومات لمن جنده حول مدى إصابة الصواريخ المعادية لأهدافها في المملكة.

ومن مخاطرهم السياسية إثارة الاضطرابات والعنف، وتحريك المظاهرات في الداخل (مظاهرات الإثيوبيين في منفوحة)، وفي الخارج حركوا أنصارهم وأقاربهم للقيام بمظاهرات أمام السفارة السعودية في إثيوبيا؛ وذلك بعد التقارير الزائفة التي أصدرتها منظمتا: (امنستي انترناشونال) و(هيومن رايتس وتش) مؤخرًا، وقد كانت هذه المظاهرات تهدف إلى شيطنة المملكة؛ وذلك عبر اتهامها بالمعاملة السيئة للمهاجرين غير النظاميين.

ورأينا حالات توترت فيها العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وبعض الدول الشقيقة والصديقة؛ وذلك بسبب الهجمات الإعلامية ضد السعودية، وسبق أن شاهدنا بعض الاحتجاجات الشعبية المحدودة، وهي التي تهدف إلى المناهضة للمملكة؛ وذلك أمام سفاراتها في الخارج؛ إذ يجعلون حجتهم لذلك اعتقال السعودية للمهاجرين المخالفين للأنظمة من أبناء تلك الدول.

ثالثًا – المخاطر والآثار الاجتماعية:

ومن الأثار والمخاطر الاجتماعية المهددة للمجتمع السعودي ممارسة العديد من هؤلاء المهاجرين غير النظاميين أعمالاً تهدف إلى إفساد المجتمع، وتغيير قيمه؛ وذلك عبر ارتكاب السرقات، ونشر الدعارة، وانتهاك المحرمات، أو ممارسة التسول لجمع الأموال التي لا تذهب للمحتاجين الفعليين؛ بل في الغالب تذهب للمتطرفين، أو لقضاء الشهوات، أو شراء المخدرات وتسويقها، فهناك عالم خاص، أو (أوكار) يعيش فيها بعض هؤلاء المخالفين، وهناك عالم آخر يمارسون فيه كل المحرمات، ويحاولون إفساد شباب المجتمع من خلالها؛ وذلك مثل: تصنيع الخمور، وبيعها لأفراد المجتمع، أو ترويج المخدرات لتدمير المجتمع السعودي، وإفساد مستقبل شبابه.

رابعًا – المخاطر والآثار الاقتصادية:

معظم العمالة الوافدة؛ سواء أكانت نظامية، أم غير  نظامية توافدت على السعودية من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية، سواء أكانت بطرق شرعية، أم غير شرعية، والغالب أن العمالة غير النظامية هي من تمارس الأعمال الاقتصادية والمالية غير الشرعية المضرة بالاقتصاد؛ وذلك بسبب فقدانهم للأوراق النظامية، وهو ما كان له أثر سلبي على الاقتصاد السعودي؛ لأن هذه الأعمال التي تمارسها العمالة المخالفة تشكل عالمًا من “الاقتصاد الخفي” الذي لا يعلم تفاصيله الكثير من الناس.، لكنه- بوجه عام- يشكل تهديدًا خطيرًا على الاقتصاد السعودي.

وعلى بالرغم من الجهود السعودية التي تقوم بها الحكومة السعودية إلا أن بعض هذه المخاطر المؤثرة سلباً في الاقتصاد السعودي – والتي تقوم بمعظمها العمالة المخالفة – لا تزال موجودة، ومن هذه المخاطر ما يأتي:

1- زيادة العبء على مراكز تقديم الخدمات، والمرافق الأساسية والعامة في السعودية، والمساهمة في إنهاك البنية التحتية.

2- الكثير منهم يقومون بتحويل أموالهم بطرق سرية خارج إطار الدائرة النظامية، هذا إضافة إلى ممارسة بعضهم عمليات التحايل المالي، وغسيل الأموال، والتسول..

3-  استغلالهم للموارد المدعومة حكوميًّا.

4- التلاعب في الأسعار والغش، والتزوير للماركات الدولية؛ وذلك من خلال أوكار وشقق حولوها لمصانع صغيرة، تقوم  بالعمل فيها العمالة المهاجرة غير النظامية.

5-  تقوم العمالة السائبة المخالفة؛ وذلك بالتواطؤ مع بعضها البعض لاحتكار بعض الأعمال، والأنشطة التجارية (أنشطة سوق الخضار، وأعمال السباكة والكهرباء… إلخ)، وخلق منافسة غير شريفة؛ وذلك من خلال تحكمهم في الأسعار بسبب تدني أجورهم وكلفتهم الوظيفية، وهو ما ضيق على المواطنين المبتدئين في عالم التجارة، وأخرجهم من سوق العمل.

6- عدم إسهامهم في الاقتصاد السعودي، ونمو  القطاع الخاص؛ إذ تجد هؤلاء المهاجرين المخالفين يسكنون في مجموعات (عشرة في شقة مكونة من غرفة وصالة مع دورة مياه واحدة)، وبالنسبة للأكل يعيشون على الحد الأدنى من الكفاف؛ وذلك بهدف توفير المال بأكبر قدر ممكن، وبأسرع وقت.،

ما تم الإشارة إليه- أعلاه- ما هو إلا غيض من فيض؛ فإذا نظرت إلى مخاطرهم وجدتها- بلا شك- متعددة، وإذا تتبعت تهديداتهم اكتشفت- بلا مراء- أنها  متنوعة؛ بل ربما هي أكبر مما ذكرته، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا قدمت الحكومة السعودية من جهود لمواجهة هذه المخاطر ، والمهددات للأمن الوطني السعودي؟

* الجهود السعودية، والتدابير الأمنية لمواجهة خطر الهجرة غير النظامية:

لا ريب أن الممارسات والمخاطر المهددة للأمن الوطني السعودي لا تغيب عن الجهات المختصة المتعددة؛ وذلك كلٌ في مجال تخصصه، ولا تزال تقوم بجهود جبارة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية؛ وذلك لإدراك الجهات المختصة المتعددة مدى خطورة هذه الظاهرة على الأمن الوطني، ومن هذه الجهود والتدابير ما يأتي:

1- العناية بالحدود السعودية، وتشديد الرقابة عليها؛ وذلك من خلال بناء السياجات الضخمة، والمزودة بالكاميرات، وأجهزة الإنذار، وهو ما ساعد على تناقص أعداد المتسللين للمملكة، وبخاصة السياج الذي تم بناؤه على الحدود السعودية العراقية، وقد أوقف عمليات التسلل بصورة شبه كاملة.

2-  سن الأنظمة المتعددة والمناسبة لمكافحة هذه الظاهرة نظام الإقامة، ونظام العمل، ونظام أمن الحدود؛ وذلك مع تحديثها بصورة مستمرة متى ما تطلب الأمر تلك الأنظمة التي تحد من هذه الهجرة غير النظامية.

3- القيام بحملات ضخمة على المستوى الوطني؛ وذلك لضبط المهاجرين غير النظاميين، وقد تمثلت في حملات “وطن بلا مخالف” التي تشارك فيها أكثر من (19) جهة رسمية؛ وذلك مع مراعاة الجوانب الإنسانية لهؤلاء المخالفين، ومنحهم فترات زمنية لتصحيح أوضاعهم،. وما زالت هذه الحملات مستمرة، وما زلنا نشاهد البيانات الإحصائية الأسبوعية التي تنشر علنًا عن الأعداد التي يتم ضبطها والتي يبلغ متوسطها ما يقارب (14000) ألف مخالف أسبوعيًّا.

4-  نشر الوعي بين المواطنين، والمهاجرين الدوليين، وبعدة لغات على كافة مواقع الشبكة العنكبوتية، ووسائل الاتصال الاجتماعي؛ وذلك بهدف تعريفهم بالمخالفات والعقوبات المغلظة التي تطبق بشأنها.

5-  توقيع المملكة على عدد من الصكوك الدولية المتعلقة بالهجرة، هذا إضافة إلى التوقيع على معاهدات واتفاقيات ثنائية؛ وذلك للحد من هذه الطاهرة مع التنسيق مع السفارات الأجنبية داخل المملكة، والتواصل معها- بشكل دائم- لمعالجة قضايا العمالة المخالفة للأنظمة.

6- استخدام أفضل قواعد البيانات (معلومات، بصمات، صور… إلخ)؛ وذلك للحد من هذه الظاهرة، وبخاصة التشديد فيما يتعلق بالمتخلفين في مواسم الحج والعمرة.

7-  تكثيف المتابعات الأمنية اليومية للمهاجرين غير النظاميين، وبخاصة ممن يرتكبون الجرائم، وينشرون الفساد والدعارة والمخدرات، ويقومون بأعمال التسول.

8-  تشديد الرقابة المالية؛ وذلك من خلال البنوك والبنك المركزي السعودي؛ لمكافحة عمليات التحويلات المالية غير النظامية، أو العمليات التي يشوبها تحايل مالي، أو غسيل للأموال.

9- قيام اللجان في عدد من الجهات المختصة بحملات تفتيشية؛ وذلك لضبط عمليات الغش والتزوير التجاري، والتستر على العمالة المخالفة.

10- توفير عدد من أرقام الهواتف، والمنصات على الشبكة العنكبوتية، ووسائل الاتصال الاجتماعي، والتطبيقات الحكومية؛ وذلك ليتمكن الجميع من الإبلاغ عن أي مهاجر غير نظامي، أو أي مخالف للأنظمة؛ وذلك سواء أكان مواطنًا أو وافدًا.

* مستقبل الهجرة غير النظامية: 

من الواضح أن هناك جهودًا جبارة تبذل من أجل مكافحة هذه الظاهرة، وأن لهذه الجهود ثمارًا مشاهدة وبيِّنة؛ وذلك من خلال ترحيل الملايين، ولكن يبدو أن القضية لم تحل نهائيًّا؛ فكل أسبوع نرى بيانات لضبط الآلاف منهم، وفيما أعتقد، ومن خلال اطلاعي على أدبيات الهجرة أن هذه الإشكالية ستبقى على المدى القصير والمتوسط؛ لأنها مرتبطة بشكل رئيس بالاقتصادات العالمية والمحلية بالدرجة الأولى، ثم بالكوارث الكونية، وتزايد العنف والحروب بالدرجة الثانية، و تبدو أنها في حالة تزايد على المستويين: العالمي والإقليمي.

أما عن علاقة الاقتصاد بالهجرة (النظامية وغير    النظامية)؛ فهي علاقة طردية؛ فكلما ساء الاقتصاد المحلي لأية دولة، وانتشرت البطالة، وضعف الإنتاج فيها؛ فإنها تصبح (دولة طاردة) لمواطنييها الشباب الذين يبحثون عن فرص عمل؛ حني يعيشوا عيشة كريمة، وإن اضطروا- في سبيل تحقيق ذلك- للهجرة بطرق غير  نظامية، وكلما تحسن اقتصاد الدولة، وتوسعت مشاريعها التنموية، وأصبحت في حاجة لعمالة؛ وذلك لتنفيذ هذه المشاريع زادت الهجرة إليها وأصبحت (دولاً جاذبة).

والسيناريو المتوقع أن يشهده العالم، ومنطقتنا الإقليمية هو التزايد في الهجرة؛ وذلك على المديين: القصير والمتوسط، وهذا ما تتوقعه المنظمات الدولية المختصة بالهجرة، وهو ما يحدث منذ سنوات عدة؛ حيث تتزايد أعداد المهاجرين- بشكل سنوي- حتى وصلت- مؤخرًا- إلى (280) مليون مهاجر، بمن فيهم المهاجرون غير النظاميين.

وللحد من أعداد المهاجرين غير النظاميين يجب القضاء على أية معوقات تحد من فاعلية الجهود الرسمية السعودية، منها: ضرورة تكثيف البرامج الدعائية والتوعوية المناسبة لحث الجميع من المواطنين والجاليات الوافدة بالتعاون مع الجهات المختصة، وقطع التعامل مع المخالفين، والابتعاد عن العواطف الجياشة التي تمنعهم من الإبلاغ عن هؤلاء المخالفين؛ وذلك بحجة أنهم مساكين ومحتاجون.

إلى جانب هذا يجب على الجهات المختصة التشديد في أعمالها الرقابية، واستخدام أحدث التقنيات؛ وذلك بما فيها برمجيات “الذكاء الاصطناعي“؛ حيث توجد الآن برامج يمكنها التنبؤ بمستقبل، واتجاهات الهجرة، كما يمكن استخدام (التقنية الذكية) في عمليات الضبط على الحدود، وبخاصة الكاميرات الذكية التي تعمل عن بعد؛ وذلك للتعرف إلى بصمة الوجه، كما يجب استيراد أحدث التقنيات الموجودة في أسواق الدول الأوروبية التي تسمى بتقنيات مشاريع “الحدود الذكية“.

كما أرى أن تقوم الجهات المختصة بعمل دراسات معمقة؛ وذلك على جميع الجاليات التي لها علاقة بهذه الإشكاليات؛ حتى يتم فهم طبيعتهم، وآليات تفكيرهم، وطريقة معيشتهم وتحركاتهم، وكذلك من المهم والمفيد عمل دراسات شاملة على من يتم ضبطهم لفهم المشكلة بكل أبعادها وتفاصيلها، وكيفية التغلب عليها؛ وذلك نظرًا لخطورة الموضوع، وأهميته، وآثاره السلبية على الأمن الوطني؛ فقد يكون من الأفضل، ومن المناسب وضع “إستراتيجية وطنية” شاملة؛ وذلك لمكافحة الهجرة غير النظامية تكون شبيهة بإستراتيجية مكافحة الإرهاب.

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول – د. فهد بن عبدالعزيز الغفيلي.

تضمنت الورقة الرئيسة مجموعة من الأبعاد المتعلقة بالهجرة غير النظامية، وتطرقت إلى أهم مسبباتها التي يمكن أن تتركز في مجموعة من العوامل، منها: الظروف الاقتصادية الصعبة، والنزاعات المسلحة، والاضطهاد السياسي، والفقر، وعدم توافر الفرص التعليمية في البلدان المصدرة للهجرات غير الشرعية، ولو نظرنا إلى مسببات الهجرة غير النظامية إلى المملكة العربية السعودية فسنجد أن المملكة ليست بدعًا من البلدان؛ بل تتشارك- تقريبًا- في نفس المسببات؛ حيث هناك عديد من الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى الهجرة غير النظامية إلى المملكة العربية السعودية.

* أبرز أسباب الهجرة غير النظامية إلى المملكة العربية السعودية:

من هذه الأسباب البحث عن فرص عمل أفضل، وأكثر أمانًا؛ حيث يجد هؤلاء المتسللون في المملكة العربية السعودية مكانَا تتوافر فيه فرص اقتصادية؛ وذلك بسبب حاجة البلد الدائمة إلى العمالة الأجنبية في كثير من القطاعات الاقتصادية، هذا فبالإضافة إلى فرصة العمل يجد المهاجر غير النظامي ما يبحث عنه من الأمن والاستقرار؛ فهو يفر من التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تواجهه في بلاده؛ وذلك ليجد في المملكة العربية السعودية المال والأمن والاستقرار.

وما يميز المملكة عن كثير من الدول التي يقصدها المهاجرون غير النظاميين أن معدلات التمييز العرقي، أو القمع السياسي منخفضة جدًّا، وبخاصة أن هذا العامل يمكن أن يكون أحد أهم عوامل الطرد (Push Factors) التي تجبر المهاجر على أن يترك بلده، وأن يعرض نفسه للخطر ؛ وذلك بسبب ما يعانيه من تمييز عرقي، أو  قمع سياسي في بلاده.

وربما انفردت المملكة العربية السعودية عن غيرها من البلدان؛ وذلك في مكانتها الدينية، ووجود الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وهذا يجعلها الخيار الأمثل لكثير من المهاجرين غير الشرعيين من المسلمين؛ فبقدوم المهاجر إلى المملكة يمكنه زيارة تلك الأماكن المقدسة؛ بل يمكنه حتى العيش فيهما، وتحقيق ما يمكن عده حلم حياة، أو ما يمكن عده حلمًا مقدسًا بالنسبة لبعض المهاجرين؛ إذ يتمثل هذا الحلم في أن يموت هناك، ويدفن في تلك البقاع الطاهرة، وعلى الرغم من أن هذا العامل الديني هو أقلها إلا أنه يمثل عامل جذب (Pull Factor) لا يستهان به، وهو أحد العوامل التفضيلية التي تجعل المملكة العربية السعودي الخيار الأنسب لكثير من المهاجرين غير النظاميين من المسلمين.

* تحديات الهجرة غير النظامية:

الهجرة غير النظامية تشكل تحديًا لسيادة الدولة، ولأمنها الوطني؛ وذلك سواء أكان بالنسبة للمملكة العربية السعودية، أم لغيرها من الدول المستهدفة بالهجرة غير الشرعية، وهو ما تطرقت إليه الورقة الرئيسة؛ وذلك بدءًا بمهمة تأمين الحدود بشكل فعال، وما يترتب عليها من تكاليف مالية باهظة، وبخاصة في حالة بلد بحجم المملكة العربية السعودية؛ حيث المساحات الشاسعة، والتضاريس المختلفة؛ وذلك لأن المملكة العربية السعودية قد أنفقت أكثر من (40) مليار ريال سعودي؛ وذلك لتأمين حدودها الممتدة لآلاف الكيلومترات، هذا بالإضافة إلى أموالٍ تُنْفَقُ للحمايةِ والتشغيلِ والتدريبِ (تفاصيل).

وإن كانت السلطات المختصة تمكنت من تأمين الحدود الشمالية؛ وذلك على الرغم من صعوبة التضاريس هناك إلا أن مهمة ضبط الحدود الجنوبية محفوفة بالكثير من التحديات، ويتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للمملكة العربية السعودية في تعقب المتسللين؛ حيث إنه من الصعب جدًّا ملاحقة هؤلاء الأشخاص، ومعاقبتهم بسبب انخراطهم في المجتمع، ووجود من يتستر عليهم.

وكثرة هؤلاء المقيمين غير الشرعيين تؤدي إلى زيادة الضغط على الموارد والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن والمقيم؛ ومن هنا تتولد الصعوبات مع الهجرة غير الشرعية في تلبية احتياجات المهاجرين غير النظاميين والمواطنين والمقيمين بصورة نظامية؛ وذلك على حد سواء فيما يتعلق بالسكن، والتعليم، والصحة، والتوظيف.

وهذه الصعوبات ربما تقود إلى تفشي ظواهر سلبية داخل المجتمع لم تكن معروفة من قبل؛ إذ يصبح من أبرزها ظاهرة التسول، والمتاجرة بالبشر؛ بوصفهم عمالة غير نظامية، أو توظيف بعض المتسللات في أوكار دعارة سرية، وما ينتج عن ذلك من أمراض؛ وذلك بسبب غياب أبجديات السلامة في تلك البؤر.

والأخطر- من ذلك- ظهور أنواع جديدة من الجرائم، وبخاصة الجريمة المنظمة، مثل: تهريب المخدرات، وعمليات السطو المسلح، وغسيل الأموال وتهريبها، وكذلك ظهور البؤر الاستيطانية المخالفة وسط المدن. كل هذه كانت تحدث في مناطق تمت السيطرة على بعضها، وإعادة تأهيله، وبعضها الآخر ما يزال يحتاج إلى كثير من الجهد، وتنسيق الجهود لمواجهته.

* الانتقادات الدولية لمكافحة الهجرة غير النظامية:

وعلى الرغم مما أوردته- هنا- من بعض المعاناة التي تعانيها السلطات السعودية بسبب الهجرة غير الشرعية إلا أن سعي المملكة العربية السعودية لا ينقطع لحماية أراضيها، وشعبها، ومقدراتها من أولئك المخالفين؛ وذلك ما أشار إليه كاتب الورقة الرئيسة أثناء مناقشته ؛ بل ما توسع فيه، وهو ما يقابل بانتقادات؛ وذلك من قبل بعض المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، وآخرها تقريرهيومن رايت ووتش” بتاريخ 21/8/2023م الذي يتهم فيه سلطات الحدود السعودية بقتل مئات المتسللين الإثيوبيين على الحدود السعودية اليمينة.

ذلك حيث ترى تلك المنظمات أن لهؤلاء المتسللين حق الحياة والأمن؛ وذلك بحجة أن المهاجرين غير النظاميين أُجْبِرُوا على الهرب من بيئات غير  آمنة، وغير مناسبة للعيش، ثم تعرضوا لمخاطر عديدة أثناء رحلتهم؛ وذلك سواء أكانت المخاطر في البر، أم في البحر، أم في قطع مسافات طويلة مشيًا في الصحراء، كما يتم استغلالهم، وتعذيبهم على أيدي المهربين، والمتاجرين بالبشر؛ ولهذا فلا يحق للمملكة، ولا لغيرها من الدول- بحسب ما تراه تلك المنظمات الحقوقية الدولية- إبعاد هؤلاء المهاجرين؛ بل يجب منحهم حقوقهم في العيش الكريم، وتوفير الأمن لهم، وحمايتهم من تلك المخاطر التي تهدد حياتهم.

بل وتطالب تلك المنظمات الدولية بمنح هؤلاء المهاجرين غير النظاميين حق اللجوء، والحماية الدولية؛ وذلك بحجة أن الكثير من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين لهم أسباب مشروعة للبحث عن اللجوء، مثل: الهروب من الحروب، أو الاضطهاد؛ ولهذا فبموجب القانون الدولي يجب على الدول أن توفر حق اللجوء، والحماية الدولية للأشخاص الذين يستحقون ذلك، والتعامل معهم وفقًا للمعايير الدولية.

وبناء على هذه المعايير؛ فالمملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان مطالبة- بالإضافة إلى منح حق اللجوء- بتوفير بقية الحقوق الأساسية، ومن هذه الحقوق: حرية التعبير، وحرية التجمع، والرعاية الصحية، والتعليم الأساسي؛ وذلك يرجع إلى أن هذه المنظمات الحقوقية الدولية، وجماعات الضغط المختلفة تستغل تلك المواد القانونية لابتزاز المملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول، بحسب ما تقتضيه المصالح السياسية، والعلاقات الدولية مع الجهات التي ترعى تلك المنظمات؛ فالمطالبة  بأن تكفل المملكة حماية هذه الحقوق واحترامها؛ وذلك بغض النظر عن وضع هؤلاء المتسللين النظامي، وبغض النظر عن الأنظمة المحلية، هذه المطالبة فيها ما فيها من الإجحاف.

* خاتمة، وتوصيات:

على الرغم من كل تلك التحديات التي أشرت إلى شيء منها باختصار، ومنها الضغوطات الدولية، والصعوبات التي تواجه السلطات السعودية المعنية في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وكذلك معالجة الآثار السلبية المترتبة على الهجرة غير الشرعية إلا أن المملكة العربية السعودية ما تزال صارمة تجاه هذه الظاهرة، وتُعَدُّ الهجرة غير الشرعية جريمة، وتخضع لعقوبات نظامية؛ حيث تتخذ السلطات السعودية إجراءات حازمة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ومحاولات التسلل عبر الحدود، ويتم توقيف المتسللين، ومن ثم ترحيلهم، وفوق هذا؛ فمن الممكن بحسب الأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية أن يواجه المتسللون عقوبات تتضمن السجن، والغرامات قبل ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

ومع هذا الاهتمام السعودي؛ فإنه ما تزال هناك جهودٌ من المهم بذلها على صعيدين: أحدهما- يخص المملكة العربية السعودية، وغيرها من البلدان المستهدفة، والثاني- يتعلق بالبلدان الأصلية للمهاجرين؛ حيث يتم معالجة عوامل الطرد التي تدفع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إلى ترك بلدانهم، وتعريض أنفسهم وأسرهم للخطر، ويمكن أن تأتي التوصيات على النحو الآتي:

أولاً – أهمية العمل على مراجعة التشريعات، والأنظمة، والإجراءات التي تحد من تلك الهجرات، ومن ذلك تغليظ العقوبات على مخالفي أنظمة الهجرة، وكذلك محاسبة المهربين والمتسترين؛ وذلك مع تعزيز كفاءة عمل جهاز حرس الحدود من حيث الكوادر، والمعدات المستخدمة.

ثانيًا – زيادة التنسيق والتعاون الدولي، وبخاصة مع دول الجوار، وتحديدًا: اليمن، والصومال، وجيبوتي، وغيرها، وكذلك دول المصدر ، وبخاصة أثيوبيا، واليمن، وكذلك بقية الدول المستهدفة؛ وذلك سواء أكان في أوربا، أم الولايات المتحدة، أم شمال أفريقيا، وغيرها؛ بحيث تشمل تبادل المعلومات، والخبرات، والتجارب؛ وذلك فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، وشبكات الاتجار بالبشر.

ثالثًا – مساعدة البلدان المصدرة للهجرة غير الشرعية، والعمل على تنميتها اقتصاديًّا واجتماعياً، ويشمل ذلك تعزيز الأمن، ونبذ العنصرية، والتعصب، والعنف، وزيادة فرص العمل، والاستثمار في مجالات: البنى التحتية، والاقتصادية، والتعليمية، والسكنية، والصحية، وغيرها.

رابعًا – مكافحة الفساد في البدان المصدرة للهجرة غير  الشرعية؛ وذلك بطرائق تكفل توظيف الاستثمارات، بما يخدم تلك البلدان، ويكافح الظلم الاجتماعي، ويعزز المساواة، والعدالة الاجتماعية.

 

  • التعقيب الثاني- أ.د. صدقة بن يحيى فاضل.  

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت أوروبا- بصفة عامة- تتبوأ مكانًا سامقًا بعد أمريكا وكندا في العالم الممتلئ بالتطور والقوة والنفوذ والحيوية؛ وذلك بعد أن ساد في هذه الدول “الاستقرار السياسي” الصلب الذي يقوم على “أسس” سليمة، تتمثل في رضا الأغلبية من شعوبها التي أصبحت ثاني أهم المراكز الحضارية والصناعية والتقنية والثقافية العصرية في العالم وأكبرها، وأصبح معظم سكانها يتمتعون بمستوى معيشيٍّ عَالٍ ورَاقٍ.

وساهم جمال طبيعتها، وطيب مناخها في جعلها كما الحديقة الكبرى الغناء؛ وذلك في وسط عالم مضطرب في معظمه، وقد باتت أحد أبرز قبلات السياحة، ومحط أنظار أغلب شعوب الأرض؛ بل أصبحت منطقة هجرة جاذبة جدًّا، ولو لم توجد “الحدود“، والموانع المعيقة للهجرات السلبية لهاجر جزء كبير من سكان أفريقيا وآسيا بخاصة إلى تلك القارة الجميلة التي توصف زُورًا وبهتانًا بأنها “العجوز“، بينما هي دائمة الصبا، ناضرة الجمال، متجددة الشباب. وأولئك الذين كانوا سيهاجرون إليها ستكون هجرتهم- من غير شك- دون العودة إلى بلدانهم الأصلية؛ حيث البؤس، والتخلف، وإحكام حلقة “الفقر – الجهل – المرض” حول رقاب معظمهم.

لو سُهِّلَتْ هذه الهجرة، أو تجوهلت، ولم توقف لتكثف أعداد المهاجرين بلا حد، ولتدهور مستوى المعيشة الأوروبي- وخاصة الغربي- وربما نزلت بعض تلك الدول إلى مرتبة الدرجة الثالثة! الأمر الذي يبرر لأوروبا، ولأية دولة في مثل هذه الظروف أن تعمل كل ما بوسعها؛ وذلك كما يحدث بالفعل، وبطبيعة الحال لـ “حماية” نفسها ضد الهجرات السلبية التي قد تتعرض لها؛ وذلك نتيجة لتمتعها بمزايا أرقى كثيرًا من البلاد والأمصار التي تحيط بها.

****

والمملكة تعتبر من حيث المستوى المعيشي- بصفة عامة- من البلاد المتميزة، ومن ذوات الهجرة الجاذبة، أو هي من البلاد التي تُحْسَبُ ملاذًا فردوسيًّا لبعض المعدمين المحيطين ببلادنا؛ وذلك بفضل ما حباها الله به من نعم واستقرار؛ إذ أصبحت- منذ خمسة عقود- هدفًا لهجرة استيطانية مكثفة، وغير مشروعة، مصدرها بعض بلاد أفريقيا، وآسيا، وعناصرها بشر  جاءوا من أسفل السلم الاجتماعي في بلدانهم؛ وذلك لدرجة أنه مهما كان مستوى عيشهم بالمملكة متدنيًا؛ فإنه ربما يظل أفضل من مستواهم المعيشي في مساقط رؤوسهم.

ولم تجن المملكة من هجومهم الضاري هذا عليها سوى الأذى والضرر؛ فمعظم أقسام الشرطة لدينا تنوء بمشاكل وقضايا مصدر أغلبها هؤلاء، تلك المشاكل التي تبدأ بالمخالفات والتزوير، وتنتهي بالترويع والقتل؛ وذلك مرورًا بترويج المخدرات، والدعارة، والسرقة، والشعوذة، ونشر الأوبئة… إلخ، ولا أتحدث- هنا- عن “الأجانب” بصفة عامة، وإنما عن فئات معروفة من شذاذ الآفاق، وبالطبع هناك مقيمون نظاميون كثر قد أفادوا بلادنا، واستفادوا منها، وبعضهم أصبح بإمكانه طلب الجنسية؛ وذلك بعد صدور نظام الجنسية السعودية الجديد الذي يتيح للمتميزين (إيجابًا) فرصة التجنس، أما الذين يملؤون شوارعنا، وأزقتنا قذارة وجريمة ورعبًا؛ فلا أهلاً بهم، ولا سهلاً لهم.

وكم يسرني؛ بوصفي مواطنًا أن تتواصل حملات مداهمة أوكار المهاجرين غير الشرعيين لبلادنا؛ وذلك من حين لآخر، وأن يتم ترحيل من يوصفون بـــ “المتخلفين“، وبخاصة أولئك الذين تطالعنا الصحف المحلية بأوضاع يقومون بها، وأفعال يمارسونها يندى لها الجبين، يلوثون بها أجواءنا ومجتمعنا، وما زالت تتكشف شيئًا فشيئًا جراء هذه المداهمات التي تُشْكَرُ وزارةُ الداخلية على شَنِّها؛ وذلك حماية للوطن والمواطنين؛ فكم أتمنى؛ بوصفي مواطنًا غيورًا ألا يبقى في البلاد من أجانب سوى العدد من النظاميين الذي تحتاج إليه البلاد بالفعل، ويمثل الحد الأدنى المطلوب، أما ما عدا ذلك؛ فرحيله أفضل لنا، وربما له أيضًا.

فإن جزءا كبيرا من هذه “الهجرة” عبارة عن توافد أعداد كبيرة- نسبيًّا- إلى المملكة؛ وذلك بطرق غير مشروعة، وأعذار شتى غير مشفوعة، ليس بغرض الزيارة، أو سياحة دينية، أو عمل نظامي؛ بل بهدف الاستيطان الدائم، والإقامة المتواصلة، وهي هجرة سلبية؛ لأنها تتم بالمخالفة (تمامًا) لكل قوانيننا ونظمنا، وكذلك بالمخالفة للقوانين الدولية أيضًا.

وقد نجح جزء كبير من هؤلاء في البقاء لعقود، وتوالدوا، وتكاثروا بشكل يثير الذعر والاستغراب؛ فإنهم بمثابة “شعب” دخيل يحاول أن يفرض نفسه في هذه البلاد، ليس عبر الغزو والاحتلال؛ بل عبر التسلل، وكسر القوانين، والتخفي وراء أقنعة الذرائع الواهية، وقد تجد المملكة نفسها، في المدى الطويل مضطرة- ربما تحت ضغوط دولية- لقبول هؤلاء في الطيف السعودي المتميز؛ وذلك علمًا بأن بقاء هذه الفئة- على أية صورة كانت- له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية سلبية؛ بل بالغة الخطورة؛ وذلك مما لا يخفى عن المعنيين، وهذه الأخطار البالغة يمكن تلخيصها فيما يأتي:

1- أخطار اقتصادية: تتمثل في استهلاكهم العشوائي للبنية التحتية، ومضايقة السعوديين في سوق العمل، وفى الاماكن العامة، كما تتمثل فيما يقومون به من تحويلات مالية مشبوهة لبلادهم.

2- أخطار اجتماعية: وتتمثل فيما يقوم به معظم أو بعض هؤلاء؛ وذلك من كل أنواع الجرائم، وما يمارسونه من سلوكيات وعادات سلبية.

3- أخطار أمنية: تتجسد- أكثر ما تتجسد- في الجرائم التي يرتكبها أغلب هؤلاء، كما تتمثل فى إشغال الجهات الأمنية؛ وذلك بما يسببونه من مشاكل وإزعاجات أمنية، نحن في غنى عنها.

4- أخطار سياسية: تتمثل فيما قد يسببه هؤلاء مستقبلاً من إشكاليات سياسية؛ إذ تأتى من دولهم الأصلية، أو من المجتمع الدولي، ومنظماته التي قد تضغط على المملكة؛ وذلك لتجنيس هؤلاء، وتقديم الرعاية التي تقدمها الدولة لمواطنيها لهم أيضًا، وغير ذلك من أخطار لا تخفى على المراقبين.

****

لذا يجب أن تكون هناك حملات مستمرة ومتواصلة؛ وذلك لتصفية البلاد من هذه الفئة المخالفة، وبخاصة في ظل التزايد (الهائل) لأعدادهم بين ظهرانينا، وهذه الحملات لن تنجح (تمامًا) إلا بتعاون المواطنين مع وزارة الداخلية التي تقوم بتوفير الأمن الشامل لبلادنا، وتتولى صيانة هذا الأمن الذي يعتبر- بعد رضا المولى تعالى والعافية- أثمن ما لدى الإنسان من نعم؛ فهو كالماء والهواء؛ فبدون الأمن لن تكون هناك حياة طبيعية، وقبل ذلك لابد من وضع خطة ونظام يهدف لتصفية البلاد من كل المقيمين غير الشرعيين فيها بشكل سلس، وإنساني.

إن وزارة الداخلية تحمينا- بعد الله تعالى- من شرور المخالفات والجنايات والجرائم والحرائق والكوارث والإرهاب والدسائس والمؤامرات، وأبسط  واجباتنا؛ بوصفنا مواطنين أن نتعاون معها، ونشد من أزرها، وبخاصة في مجال مكافحة هذه الظاهرة، وغيرها؛ فلابد- هنا- من تحية إجلال وإكبار لكل العاملين بهذه الوزارة، ويأتي- على رأسهم- صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، وزير  الداخلية؛ وذلك على ما يبذلونه من جهد لحماية الامن والاستقرار.

****

 * إنها “هجرة استيطانية” غير مشروعة للمملكة:

إن هدف هذه المناقشة هو معالجة مشكلة مجتمعية خطيرة وملحة، ألا وهي مشكلة (الهجرة الاستيطانية) غير المشروعة إلى بلادنا، وهي مشكلة تختلف عن موضوع “العمالة الوافدة” إلى المملكة، وإن كان هناك شيءٌ من التداخل بين الموضوعين؛ وذلك باعتبار أن جزءًا من غير النظاميين يمارس عملًا؛ لذا فإن هذه المشكلة يجب التعامل معها؛ بما يتفق وطبيعتها المختلفة عن مشكلة العمالة الوافدة.

فالمقصود بهذه الظاهرة هو توافد أعداد كبيرة- نسبيًّا- بطرق وأعذار شتى غير مشروعة إلى المملكة؛ وذلك ليس بغرض الزيارة، أو السياحة الدينية، أو العمل النظامي؛ بل بهدف الاستيطان الدائم، والإقامة المتواصلة، وهي غير مشروعة؛ لأنها تتم بمخالفة واضحة لكثير من قوانيننا ونظمنا، وأيضًا بالمخالفة لكثير من القوانين الدولية.

****

وهذه المشكلة يصل عمرها إلى ما يقارب الخمسة عقود كما أشرنا؛ إذ بدأت منذ أن مَنَّ اللهُ تعالى على هذه البلاد بالثروة النفطية، وما زالت تتراكم وتتفاقم، ويتفاقم خطرها منذ ذلك الحين . أما عدد من ينطبق عليهم هذا الوصف الآن؛ فغير معروف على وجه الدقة؛ وذلك لعدم توثيق هذه الإقامة، ويقدر البعض أعدادهم بحوالي 3-4 مليون نسمة، ينتشرون في مدن: مكة المكرمة، وجدة، والمدينة المنورة، والطائف، والرياض، والدمام، ومناطق عسير وجازان، وغيرها؛ بل هناك أحياء كاملة في هذه المدن تعج بأعداد كبيرة من هؤلاء.

وعلى الرغم ما نقترحه- هنا- من اجراءات؛ وذلك لمكافحة هذه الظاهرة؛ فإننا يجب أن نترك للجهات الحكومية المختصة؛ إذ هي من تملك أمر تحديد الكيفية التي يجب التعامل بها مع هذه الظاهرة؛ وذلك بما يحقق مصلحة هذه البلاد أولاً وقبل أي شيء آخر؛ فالمهم- عندنا- المسارعة في التعامل مع هذه الظاهرة، وعدم تركها لتتفاقم أكثر، كما نعتقد أن أهم الجهات التي يجب- منطقيًّا- التنسيق فيما بينها، هي: وزارة الداخلية، وزارة الخارجية، وزارة العمل، وغيرها.

علمًا بأن لوزارة الخارجية دورًا مهمًّا في التفاهم مع البلدان التي يتبعها هؤلاء (بعض الدول الأفريقية والآسيوية المعروفة) بما يضمن المصالح العامة المعنية هنا، وأيضًا مصلحة هؤلاء المهاجرين؛ فكما ذكرنا فإن لهذه الظاهرة أخطارًا اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية فادحة على بلادنا؛ وذلك إن لم يتم وقفها وتصفيتها، ويكفي أن نذكر أن أغلب المخالفات والجرائم التي ترتكب في مدننــا وقرانا تأتى من هؤلاء؛ وذلك بسبب وضعهــم المعيشي الحالي العام.

****

إن هناك عدة خيارات ووسائل للتعامل مع هذه الظاهرة، ولا يجب الأخذ بوسيلة واحدة دون غيرها، ولكن الأهم- أولاً- أن نوقف هذه الهجرة، ولا تتواصل ؛ وذلك بكل الوسائل الممكنة؛ فمن حق بلادنا أن تمارس سيادتها على أرضها؛ وذلك بما يكفل حماية أمنها، واستقرارها، وراحة شعبها، وأرى ضرورة تشكيل لجنة وطنية عليا من الجهات الحكومية المعنية؛ فتقوم- ضمن ما تقوم به- بعمل حصر  لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين، وبتجميع كل المعلومات الأساسية عنهم، ثم التفاهم مع بلدانهم الأصلية بشأن وضعهم ومستقبلهم؛ بحيث يتم ترحيل من لا حاجة لبلادنا فيه، وربما إعطاء إقامة عمل نظامية لمن تثبت حاجة البلاد له، وما إلى ذلك.

* المداخلات حول القضية: 

– العوامل المسببة للهجرة غير النظامية والتحديات المرتبطة بمواجهتها:

تشكل الهجرة غير الشرعية الهاجس والعبء الكبير على الدول، ومنها: المملكة العربية السعودية؛ حيث تكون هذه الهجرة عابرة للقارات؛ فليس الأمر فقط تجاوز حدود من دولة المقر للدولة المجاورة، وإنما تكون هجرة غير شرعية عابرة للقارات، وهي قد تكون بشكل فردي، أو بشكل جماعي؛ وذلك بهدف الإقامة الدائمة، أو المؤقتة.

وقضية الهجرة غير النظامية ليست مشكلة محلية خاصة بالمملكة العربية السعودية؛ بل هي مشكلة قائمة في كل دول العالم؛ إذ تئن من تبعاتها حتى الدول العظمى؛ فلن تستطيع أية دولة أن تحل هذه المشكلة تمامًا، ولكن يمكن الحد منها، ومن خطر تبعاتها؛ بحيث لا تخل باستتباب الأمن في أية دولة، وهذا ما يتوجب العمل عليه، وضع المملكة الجغرافي، ووجود الحرمين الشريفين بها يجعلها مطمع الهجرات لجميع دول العالم الإسلامي، وهي في الوقت نفسه تشكل تحديًا كبيرًا؛ لأن بعض المنتفعين قد يعملون على تسيس الإجراءات المتبعة؛ وذلك للحد من الهجرات غير النظامية، وجعلها تبدو انتهاكًا صارخًا بحق الإنسانية والمسلمين.

وتُعد الهجرة من الموضوعات البحثية المتشعبة؛ وذلك بفعل تداخل عناصرها ومتغيراتها، ولا شك أن موضوع الهجرة مرتبط بعوامل عديدة، من أهمها: العوامل الاقتصادية التي تؤدي دورًا كبيرًا في زيادة عدد المهاجرين؛ حيث إن من أهم العوامل التي قد تدفع إلى الهجرة المشروعة- عمومًا- والهجرة غير المشروعة- خصوصًا- هي: البحث عن الاحتياجات.

وغالبية البشر- اليوم- مهاجرون؛ وذلك سواء أكانت هذه الهجرة داخليًّا من البوادي والقرى إلى المدن، أم من المدن إلى المدن الأخرى، هذا فيما يتعلق بالهجرة الداخلية، كما أن هذا ما يتضح جليًّا خلال سنوات خطط التنمية التسعة السابقة في المملكة، ولا تزال؛ بل يمكن للهجرة  ذات العوامل الدافعة إلى الداخل أن تكون هي ذاتها دافعا للهجرة الخارجية- موضوع القضية- وهذا ما حدا بخبراء التنمية للأمم المتحدة الاتفاق على العمل الجماعي؛ وذلك لتحقيق الأهداف الــ (١٦) التي يمكنها إحداث الإشباع المطلوب لجميع دول العالم.

بيد أن صعوبة الهجرة عبر الدول بطريقة نظامية، والتفكير في البحث عن إشباع الاحتياجات في الدول الأخرى الأكثر غنى وتنمية، يجعل الفرد يخاطر ؛ بل قد يغامر بحياته؛ وذلك من خلال الأساليب العديدة للهجرة غير القانونية، وربما يتحقق للمهاجر حلمه؛ وذلك حال وصوله إلى ما يريد، لكنه سيشكل عبئًا أكيدًا على الدولة الأخرى،

وبالنسبة للجانب التوعوي بظاهرة الهجرة غير النظامية؛ فهناك بعض القصور من قبل الجهات المعنية في إيصال الرسالة إلى المتلقي بشكل عام؛ فما بالك بالمتلقي المباشر. ويشمل القصور صناعة المحتوى الإعلامي، هذا بالإضافة إلى قياس الأثر، مع أن هذه الظاهرة يمكن السيطرة عليها بشكل مباشر ؛ وذلك من خلال الجدية في المتابعة والرقابة والمحاسبة، وسن الأنظمة التي تكفل ذلك.

ومن العوامل المسببة للهجرة غير النظامية إلى داخل المملكة ما تتسم به بعض المناطق الحدودية من وعورة تسهل عمليات التسلل، وكمثال فإن مناطق الحدود بين اليمن والمملكة تتسم بوجود سلاسل جبلية وعرة تسهل عمليات التسلل، وتزيد من صعوبة عمليات مطاردة المتسللين إلى أرض الوطن، ويُعَدُّ التسللُ عبر الحدود الجنوبية مع اليمن “قنبلة موقوتة“؛ لاسيما وأن الحدود الجنوبية بين المملكة واليمن من أكثر المناطق تعقيدًا؛ وذلك من حيث تضاريسها وجغرافيتها؛ فهي حدود متداخلة،

وبعد تزايد عمليات تسلل المهاجرين غير النظامين، والمهربين والإرهابيين ‏قررت الحكومة السعودية في عام2003م- وذلك (وفقًا للمصادر المفتوحة)- بناء سياج أسمنتي بارتفاع ثلاثة أمتار ، مع تزويده بأجهزة رصد، وبعد إكمال (75) كيلومترًا ‏من السياج الذي يفترض أن يكون طوله أكثر من (1700) كيلومتر تم التوقف عن إكماله في عام2004م؛ وذلك بسبب اعتراض الحكومة اليمنية بحجة أن بناء السياج مخالف لعدد من مواد “معاهدة جدة” بشأن ترسيم الحدود بين السعودية واليمن الموقعة رسميًّا بين الطرفين.

ومن زار الحدود السعودية-اليمنية يعرف سهولة بناء مثل هذا الجدار، أو السياج على الحدود المنبسطة غير الجبلية المقابلة للربع الخالي، ولكن حسب المشاهدات سيكون صعبًا جدًّا بناء مثل هذا السياج في المناطق الجبلية؛ وذلك لوعورتها الشديدة، وارتفاعاتها الشاهقة؛ ومن هنا تصبح ملاحقة المخالفين بما فيها من مخاطر، وصعوبات بالغة جدًّا أشدُّ وطأةً وأكبر خطورة من أي بناء.

وإضافة إلى هذه الصعوبات؛ ‏فإن الحكومة اليمنية من عهد النظام السابق وحتى الآن غير متعاونة في مراقبة الحدود، وايقاف المهاجرين غير الشرعيين والمهربين؛ بل ربما في زمن العهد الحوثي الحالي قد يشجعون على تسهيل عمليات التسلل للمملكة؛ ولهذا يشتكي ضباط حرس الحدود السعودي ‏من الغياب شبه الكامل لقوات حرس الحدود اليمنية؛ وذلك ما يتطلب معه من حرس الحدود السعودي مضاعفة جهودهم.

و إلى جانب ذلك؛ فإن القرى متداخلة مع بعضها البعض ‏في الشريط الحدودي، وجباله الوعرة؛ وذلك مما يسهل مهمة إطلاق النار على حرس الحدود السعودي، أو أي مقاول يحاول بناء أي سياج؛ وذلك من طرف عناصر مجهولة تعيش في الجانب الآخر من الحدود اليمنية، وبعدها يختفون بين الجبال والكهوف، ولا تقوم القوات اليمنية الأمنية بأية مطاردة لهم.

وثمة دور مهم لمشايخ القبائل على الحدود الذين حاولت الحكومة السعودية التفاهم معهم، ودعمهم للمشاركة في حل هذه الإشكالية إلا أن بعضهم تعاون، والبعض الآخر يتلاعب، وهمه- في ذلك- جمع أكبر قدر من الأموال، والاستفادة من هذه الظاهرة ماديًّا.

والمؤكد أن موضوع الحدود السعودية اليمنية موضوع معقد ومتشعب ومتشابك، وذو أبعاد طبوغرافية ‏وسياسية وأمنية وقبلية؛ ولهذا يجب التفكير في حلول إبداعية من خارج الصندوق لوقف هذا التسلل الذي يشكل خطرًا على الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية، وأراضيها ومصالحها، وفي سياق ذي صلة؛ فقد تم بالفعل بناء سياج على الحدود السعودية-العراقية بطول (900) كيلومتر، وكانت فكرة بناء السياج مطروحة عام 2006م أثناء الصراعات الطائفية في العراق، ولكن لم يتم تنفيذها إلا في عام 2014م؛ وذلك عندما تصاعد الإرهاب في العراق بشكل مخيف، واستيلاء “داعش” الإرهابية ‏على مناطق واسعة، وإقامتها ما يسمى بــــ “دولة الخلافة“، وكان الهدف الرئيس من بناء السياج بين المملكة والعراق هو منع دخول الإرهابيين، وتسللهم إلى الأراضي السعودية؛ لأن ذلك كان من أهم اهداف تلك الجماعة الإرهابية، هذا إضافة لمنع عمليات التهريب، والهجرة غير النظامية.

والسياج- في حقيقة الأمر- كان فعالًا جدًّا؛ ‏حيث إنه مدعوم بأبراج مراقبة، وأسلاك شائكة، وردميات ترابية؛ ذلك مع وجود كاميرات حرارية، ورادارات على طول السور، أو السياج . كما يوجد لقوات حرس الحدود عددٌ كبيرٌ من المراكز الحدودية؛ وذلك كل عدة كيلومترات، وكذلك يوجد مراكز استجابة سريعة وطارئة لأية حركة مشبوهة بالقرب من السياج.

وكان السياج ناجحًا في منع عمليات التسلل، والتهريب؛ وذلك لتوفر التقنية، ولوجود الإمكانيات المادية، ولوقوعه على أرض منبسطة؛ وذلك مما سهل عملية بنائه، وقد حاولت “داعش” الإرهابية اختراقه، والتسلل لداخل المملكة في عام 2015م؛ وذلك للقيام بعمليات ارهابية، لكن- ولله تعالى الحمد- تم اعتراضهم من قبل حرس الحدود، وانتهت العملية بتحييدهم، ولعل التحدي الأكبر في الحد من الهجرة غير النظامية هو عدم توفر حلول نموذجية لهذه الظاهرة، وهذا تواجهه دول غنية وكبرى؛ وذلك مع قدراتها المتعددة التي توظفها لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

* التداعيات المترتبة على الهجرة غير النظامية:

لأن الهجرة غير النظامية- شأنها شأن التجارة- تخلق رابحين وخاسرين؛ فقد تكون لها تأثيرات اقتصادية إيجابية وسلبية؛ فمن التأثيرات السلبية للمهاجرين غير النظاميين؛ أنهم يشكلون مصدرًا رئيسيًّا من مصادر اليد العاملة الرخيصة، وهذا- في حد ذاته- سبب مشكلة أساسية في سوق العمل، وأوجد خللًا؛ وذلك باعتبارهم منافسًا قويًّا للأيدي العاملة المحلية؛ إذ ينتج- عن طريق هؤلاء- انتشار العمالة العشوائية غير  الضرورية التي تكون ذات إنتاجية منخفضة، وتظهر- بوجودها- سوق ظل موازية للعمالة المتسللة التي تقبل بأجور أقل، وبشروط قاسية من أجل العمل، وتقبلهم القيام بالأعمال الشاقة التي يرفضها السعوديون.

ويندرج كذلك ضمن التداعيات المترتبة على الهجرة غير النظامية انخراط العمالة المخالفة، وبخاصة العاملات المنزليات والسائقون الذين يهربون من منازل كفلائهم؛ وذلك في تشكيلات عصابية تقوم بتهريب العاملات من المنازل، والإتجار بهن، وربما توظيفهن في مجالات دنيئة، مثل: الدعارة وغيرها، وهو نوع من الإتجار بالبشر ، يعاقب عليه النظام، وقد تم- مؤخرًا- اتخاذ إجراءات نظامية تتضمن بعض العقوبات، ومنها: الترحيل بشأن سيدات يضاهي عددهن السبعة الاف (٧٠٠٠) عاملة مخالفة.

كذلك ترتبط الهجرة غير النظامية بالتسول الذي يشكل أكبر مكوناته العمالة المهاجرة غير النظامية؛ وذلك من خلال استغلال الاطفال والنساء في هذه الهجرة المخالفة للقانون، ولهذا الأمر ما له من مخاطر أمنية متعلقة بجمع الأموال لدعم الارهاب، كما له مساوئ إعلامية من جهة أن ذلك يسيء لسمعة المملكة إعلاميا؛ وذلك على الصعيدين: الاقليمي والدولي.

ويرتبط بقضية الهجرة غير النظامية للسعودية الدخول إلى المملكة نظاميًّا، ثم البقاء في المملكة بشكل غير نظامي؛ وذلك من جانب رعايا الدول الإسلامية؛ حيث أن حكومة المملكة تُمَكِّنُ أيَّ مسلمٍ في أَيِّةِ بقعةٍ من بقاع العالم من الدخول للمملكة؛ وذلك لأداء مناسك الحج والعمرة، ولكن بعد  الانتهاء من المناسك يقيم الكثيرون منهم في كلٍّ من: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة؛ فتزوجوا وتكاثروا وأصبحوا (متخلفين)؛ مما نتج عنه أن تَكَوَّنَتْ من بعضهم عصابات سرقة، وقتل، وخطف أطفال؛ فقاموا بتشويههم، وبتر بعض أعضائهم، كما أعدو بعضهم للتسول، وبخاصة حول الحرميين الشريفين، وفي بعض المدن المهمة في السعودية، مثل: جدة، والرياض.

كما زاد انتشارهم في باقي مدن المملكة، وأغلب هؤلاء من دول إفريقية، وقد حدثت بينهم جرائم قتل، وتم حفظ القضايا ضد مجهول؛ لأن الشخص المقتول منهم مجهول الهوية؛ وذلك ما يجعل المظهر الأمني العام للمملكة سيئًا؛ وذلك في نظر الدول الأخرى، ناهيك عن عدم انخراطهم في المجتمع؛ إذ إن أولادهم لا يدخلون المدارس، ولا تقدم لهم الخدمات إلا بوجود مستندات حكومية، وهم يفرون من هذا؛ وذلك كونهم مخالفين للنظام.

وتتمثل إحدى اشكاليات الهجرة غير المشروعة في (الاستيطان) ببلد المهجر؛ وذلك بشكل غير مشروع؛ حيث تصبح المشكلة أعمق لدى الجيل الثاني المتمثل في (أبناء المهاجرين) الذين إما أتوا معهم صغارًا، أو وُلِدُوا في بلد المهجر، وعاشوا فيه؛ إذ تجد هؤلاء سيعانون كثيرًا؛ وذلك لعدة اسباب، منها:

1- صراع الثقافات: سيعانون من الصراع بين الثقافة الأصلية (ثقافة البلد الأصلي)، وثقافة البلد المضيف.؛ ففي البيت تمارس ثقافة معينة، وفي الشارع هناك ثقافة أخرى؛ مما يجعلهم في صراع مع والديهم، ومع أقرانهم في: الشارع، أو المدرسة، أو المجتمع ككل، وهذا يقود إلى صعوبة الاندماج.

2- كما يواجهون إشكالية القبول في المؤسسات التعليمية، والاستفادة من الخدمات الصحية المجانية، أو من خلال التأمين.

3- صعوبة العمل بشكل نظامي في القطاعات المحترمة التي تكفل حق العامل، والراتب المجزي.

ولدينا في المملكة مثالان على ذلك: البرماويون، وفئة البدون التي بدأت تتنامى، وما ينتج من عدم دمجهم السليم، وتسوية أوضاعهم من مشاكل أمنية واجتماعية؛ لذا لزم تسوية أوضاع هؤلاء بطرق تحفظ الأمن، وتحافظ على إنسانيتهم، ولعل التعديلات التي أُجْرِيتْ- مؤخرًا- على بعض الأنظمة ستسهل من معاناة هذه الفئة، ولو بشكل محدود، وبخاصة أن موضوعهم يلقى اهتمامًا عامًّا من الدولة، وكذلك من منظمات حقوق الإنسان خاصة، ومنها: الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة.

والمتوقع أن أعداد المهاجرين النظاميين ستتزايد في ضوء ما تشهده المملكة من نهضة تنموية؛ وذلك في ظل رؤية ٢٠٣٠م، وفي العادة أن هؤلاء المهاجرين النظاميين- بمرور الوقت- قد يتحولون إلى مهاجرين غير نظاميين، ويسلكون مسالك شائنة تضر بالوطن؛ فمما يدعو للقلق أن هؤلاء يسكنون في أحياء مثل “الغيتو” في عزلة بعيدًا عن مجتمعاتنا المدنية، وعاداتنا وتقاليدنا السعودية، كما أن لهم عالمهم الخاص بهم؛ فقد يتجرؤون مستقبلاً في ارتكاب أعمال مخلة بالأمن؛ وذلك كما حدث في “مظاهرات منفوحة” التي قام بها أثيوبيون مطلوبون للعدالة، وتأثر بها وشارك فيها ابناء جاليات أخرى، ونتج عنها مقتل أكثر من شخص، ومع الاطمئنان إلى أن الأجهزة الأمنية بالمملكة تتابع الموضوع عن كثب، ولها علاقة طيبة مع قيادات الجاليات التي تتعاون معها باستمرار، ولكن الحذر واجب، وعمل الدراسات والبحوث العلمية على الجاليات، والمخالفين منهم مطلب سيساعد صاحب القرار في الحد من هذه الظاهرة السيئة والخطيرة.

ومن ناحية أخرى تشكل قضية المهاجرين غير النظاميين تحديًا من جهة ملف حقوق الإنسان؛ وذلك لكون بعض المهاجرين غير النظاميين قد يُمارس ضدهم بعضٌ من حالات انتهاك حقوق البشر؛ حيث يمكن- بعيدًا عن الأنظار- أن يتعرضوا للاستغلال العمالي، والإتجار بالبشر، والتمييز، وسوء المعاملة.، كما أنهم- كذلك- قد يواجهون صعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل: الصحة، والأمن؛ وذلك لتهربهم من الجهات الرسمية التي تخدمهم، وتحميهم،. ولكن قد يعود تهربهم لعدم توفر  مستندات شخصية نظامية؛ وبالتالي قد تسجل هذه الحالات ضد البلد في ملف حقوق الإنسان، بينما هم المتسببون في الانتهاكات ضد ذواتهم.

وعلى ذلك فإن التعامل مع الهجرة غير النظامية يتطلب تعاونًا دوليًّا قويًّا، وحلولًا شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب الأمنية والاقتصادية وحقوق الإنسان، ويجب أن تسعى الدول إلى تحقيق توازن بين حماية حقوق المهاجرين والمصالح الوطنية والمجتمعية في تنظيم الهجرة، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

 

– مواجهة الهجرة غير النظامية؛ وذلك على المستوى الدولي، والإشكالات الحقوقية ذات الصلة:

يعتبر بروتكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو لعام 2000م الذي جرى إعداده في مدينة (باليرمو) الإيطالية، وهو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود؛ فَيُعتبر أول آلية دولية؛ وذلك لتوحيد سياسات الدول لمكافحة هذا النشاط الإجرامي، مع الأخذ بخصوصية كل دولة في جميع المجالات.

وقد تقدم بهذا المشروع كلٌّ من: النمسا وإيطاليا، وشارك في المفاوضات المتعلقة بصياغة نصوصه (120) دولة ومجموعة من ممثلي المجتمع المدني، وقد تَكَوَّنَ بروتكول (باليرمو) الإيطالية من (25) مادة مقسمة إلى أربعة أقسام: يتعلق القسم الأول- بالأحكام العامة، والقسم الثاني- يتناول تهريب المهاجرين عبر البحر، والقسم الثالث- يتحدث عن المنع، والتعاون، والتدابير الأخرى، أما القسم الرابع والأخير- فقد خُصِّصَ للأحكام الختامية، هذا إضافة إلى الديباجة التي أكدت حاجة المجتمع الدولي إلى تبني نهج شامل؛ من أجل مكافحة ظاهرة تهريب المهاجرين، وكذا ضرورة التعاون، وتبادل المعلومات؛ وذلك فضلاً عن عدم إغفال اتخاذ تدابير اقتصادية واجتماعية على الصعيدين: الوطني والدولي.

وقد كان من ضمن التدابير المقررة؛ وذلك لمكافحة جريمة تهريب المهاجرين في بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين:

1- تدابير مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر.

2- تبادل المعلومات.

3- تدابير أمن الحدود، ووثائق السفر.

4- التدريب، والتعاون التقني.

5- نشر الوعي.

6- إقامة البرامج الإنمائية، وأعتقد أن البرامج الإنمائية لكل دولة أمر مهم جدًّا؛ وذلك للحد من هذه الظاهرة.

والحقيقة أن البحث عن حلول بشأن قضية الهجرة غير النظامية، وما تتضمنه من آليات للتعامل مع الظاهرة أثار الكثير من المشاكل التي أثرت- بشكل مباشر- في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الدول، وأحدثتْ نوعًا من التوترات والخلافات بينها؛ وذلك بسبب الاختلاف بشأن خيارات الحلول الناجعة المتمثلة في (الأنسنة أو الأمننة) تجاه مكافحة الهجرة غير النظامية.

ومن أمثلة تلك الخلافات ما حدث- مؤخرًا- بين كلٍّ من: فرنسا وإيطاليا،. وكذلك الخلافات الداخلية خلال شهر أغسطس 2023م؛ وذلك في هولندا مما أدى إلى تفكك الائتلاف الحاكم هناك، وكذلك الحال قيما نشهده- اليوم- من صراع في أمريكا بين الجمهوريين المعروفين بالمحافظة، والذين يمثلون اليمين والديموقراطيين الذين يؤمنون بالمبادئ الليبرالية، وهم الذين يُزْعَمُ أنهم يمثلون اليسار المدعومين من المؤسسات المدنية، ومنظمات حقوق الانسان.

وحقيقة الأمر أن منبع هذه الخلافات يعود لموضوع الاختلاف في وجهات النظر بين تلك الاطراف المتعددة؛ وذلك حول خيارات تبني منهج (الأنسنة) (حقوق الإنسان)، أو منهج (الأمننة) (الحل الأمني)؛ فالاتجاهات اليمينية المتطرفة ترى الحل الأمني هو الحل المناسب؛ بل تزيد على ذلك ببث سمومها؛ وذلك لتأجيج الكراهية للمهاجرين- بشكل عام- والمهاجرين غير النظاميين- بشكل خاص- وتدعو إلى استخدام القوة والعنف غير المبرر تجاههم؛ وذلك بعيدًا عن مراعاة حقوق الانسان، أما الاتجاهات الليبرالية واليسارية والمنظمات الحقوقية؛ فترى عكس ذلك، وبعضها تتطرف في الدعوة لاعتبار الهجرة غير الشرعية هجرة شرعية سرية مبررة؛ ذلك أن المهاجرين ضحايا ظروف اقتصادية وبيئية، ليس لهم ذنب فيها؛ ولذا يرون أن الهجرة السرية حق تضمنه لهم الأنظمة الدولية، وكلا الطرفين يستندان على الأنظمة الدولية، وبعض موادها، وفقراتها في تبرير مواقفهم،

والسؤال المطروح لمن تكون الأولوية؟ هل هي لحقوق الإنسان، وحريته في التنقل، والهجرة غير النظامية، أو الحق للدولة في فرض سيادتها المطلقة على أراضيها وشعبها، وسن تشريعاتها وقوانينها الخاصة بها؛ وذلك بشأن الهجرة، وغيرها؟ ولعل الأهم أن يكون هناك توازن وموائمة بين الطرحين؛ بمعنى آخر: “لا إفراط ولا تفريط“؛ إذ يمكن- على هذا- استخدام الحل الأمني بحِكمة ووفقًا للأنظمة؛ وذلك مع مراعاة حقوق الإنسان التي لا تخل بسيادة الدولة، مثل: حفظ كرامة المخالف، وتحقيق العدالة له في التقاضي …الخ.

ولكن ما يدعو للقلق أن هناك اتجاهات فكرية دولية تقف خلفها قوى سياسية ومنظمات حقوقية دولية ومؤسسات فكرية؛ بل تقف وراءها دول قوية؛ بحيث يشكلون قوة ضاغطة على المستوى الدولي؛ إذ تفرض قِيَمَها ومبادِئَهَا، ومنها تقديم حق الإنسان على حق الدول وسيادتها؛ وفي ذلك استغلال لعلوها السياسي، ولأذرعتها الإعلامية، ولأدواتها الاقتصادية، وكما هو معروف أن: “المغلوبَ يُقَلِّد الغالب“، والغالب هو من يكتب التاريخ، وهو من لديه القدرة على فرض توجهاته وأفكاره ومبادئه على الآخرين؛ متوقعًا منهم الاستجابة لتلك الافكار، وهذه الدعوات، وفي حال عدم الاستجابة للواقع الدولي؛ وذلك بشأن حقوق الإنسان؛ مما قد يجعل من تلك الدول غير المستجيبة دولًا “منبوذة“، وقد يتم مقاطعتها ومحاصرتها اقتصاديًّا، وإذا كانت ضعيفة؛ فتضطر للاستجابة.

وذلك قريبٌ مما يحدث اليوم من ضغوط دولية على الآخرين؛ وذلك من خلال فرض أفكار تحت مسمى “الحقوق” التي يحاول البعض فرضها على المجتمعات والدول الأخرى، (ومنها العربية)، مثل: حقوق الشواذ، والحق في الحياة؛ أي: الغاء عقوبة الاعدام، وقد يأتي غدًا فرض حقوق المهاجرين غير النظاميين؛ بما يخالف أنظمة الدول الأخرى، وينتهك سيادتها.

– جهود المملكة العربية السعودية، لمكافحة الهجرة غير  النظامية:

أقرت المملكة عقوبات واضحة ومحددة في الأنظمة ذات العلاقة؛ وذلك بمخالفي نظام العمل، ومخالفي نظام الإقامة، ومخالفي نظام أمن الحدود، وهذه العقوبات تطبق بشكل واضح، وتُتَخذ إجراءات جادة بشأن المخالف، ومنها مثلاً: العقوبة التالية: “أن كل من يقوم من الأفراد بنقل، أو تشغيل أيٍّ من مخالفي نظامي: الإقامة والعمل، أو التستر عليهم، أو إيوائهم، أو تقديم أية وسيلة من وسائل المساعدة لهم تُطبق بحقه غرامة مالية تصل إلى (100,000) ريال، والسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر مع الترحيل إن كان وافدًا“.

        ومع هذا فقد تكون هناك ضرورة لتغليظ العقوبات، وبخاصة في بعض الحالات؛ فمثلاً: المتسلل بعد ضبطه، واتخاذ بعض الاجراءات بشأنه، يتم تبصيمه وترحيله، ونجد (وفقًا لإحدى الدراسات المحلية) أن (٢٧٪) من هؤلاء المرحلين لليمن الشقيق يتسللون للمملكة مرة أخرى، وخلال أسابيع؛ ولهذا يجب أن يتم تغليظ العقوبة بشأن هؤلاء؛ حتى لا يعودوا- مرة أخرى- لمثل هذه الجريمة المتمثلة في التسلل.

والحقيقة أن الأجهزة الأمنية والعدلية تقوم- كل أسبوع-  باتخاذ إجراءات بشأن المخالفين للأنظمة، وتصدر بيانًا بذلك؛ فمثلاً من تاريخ 29/2-5/3/1445هـ تم اتخاذ إجراءات بشأن (٤٣٧٦٣) مخالفًا، منهم (٣٦٣٨٥) رجلاً، و(٧٣٧٨) امرأة.، وستطبق الأنظمة المناسبة بشأن كل مخالف ومخالفة؛ وذلك كما ذُكِرَ في البيان الصحفي الذي نشرته وزارة الداخلية.

 

ويُلاحظ من البيانات- أعلاه- أن عددَ مَنْ تم ضبطهم خلال اسبوع تجاوز (١٥٠٠٠) مخالف، وهذا العدد يقارب المتوسط الأسبوعي لمن يتم ضبطهم، وهو متوسط يقل أو يزيد عن معدل عمليات الضبط الأسبوعي؛ وذلك منذ عدة سنوات ؛أي: بمتوسط يتجاوز الألفي مخالف- يوميًّا- وهو- لا شك- عدد كبير ، يشير إلى ضخامة المشكلة، ويعكس مدى جهود الأجهزة الأمنية؛ وذلك للحد منها، من خلال الملاحقات الأمنية الضبطية للمخالفين والمخالفات.

وارتباطًا بجهود المملكة على الصعيد الدولي؛ وحيث إن جيبوتي تعتبر دولة عبور، وممر مهم للمهاجرين غير النظاميين؛ وذلك نظرًا لإشرافها على (مضيق باب المندب)، واستقرارها وقربها من الحدود اليمنية السعودية؛ ولهذا نجد أن نسبة كبيرة من الأثيوبيين الذين يشكلون أكثر من (٩٨٪) من المهاجرين الأفارقة يمرون عبر جيبوتي، والعلاقات السعودية بجيبوتي جيدة؛ ومن ثم فقد حرصت المملكة على التعاون مع جيبوتي؛ وذلك بشأن الهجرة غير الشرعية؛ لذلك قامت جيبوتي بحملات ضد المهاجرين الأثيوبيين والمهربين نتج عنها اعتقال الآلاف؛ مما حَدَّ من أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين عبر جيبوتي بنسبة تتراوح بين (١٠- ١٥٪).

كما قامت حكومة المملكة ‏باتخاذ عدد من التدابير المتعلقة بمواجهة إشكالية الهجرة غير النظامية، ومكافحة عمليات تهريب المخدرات، وغير ذلك مما يهدد حدود المملكة وأمنها الوطني، ومن الإجراءات التي اتخذتها المملكة قيامها بتعديل الأنظمة؛ حتى تتواكب مع الواقع العالمي واتجاهاته الحديثة، ومنها: احترام حقوق العمالة الوافدة، كما قامت بتصحيح أوضاع الملايين من المخالفين؛ وذلك من خلال حملاتها التوعوية، وتحمل مئات الملايين من الريالات في سبيل ذلك.

وتجدر الإشارة- كذلك- إلى أن الحكومة السعودية تعمل باستمرار على تعزيز حقوق العمالة؛ حيث قامت الحكومة بسن عدد من التشريعات التي تضمن حقوق العمالة، وتساعد في تيسير حياتهم، كما ضمنت ذلك في أنظمتها الجديدة؛ حتى ظن بعض المواطنين، وأصحاب الأعمال أن الدولة تقف في صف العمالة؛ وذلك ضد مصالح المواطن.

كما سبق للحكومة السعودية أن منحت الملايين من العمالة غير النظامية عدة فرص؛ حتى يقوموا بتصحيح أوضاعهم؛ بحيث تكون نظامية بدون أية عقوبات؛ بل أدخلت تعديلات في أنظمتها؛ حتى تسمح لهم بالانتقال؛ وذلك لممارسة أعمال جديدة مناسبة لهم، دون إذن الكفيل، ما لم يكن للكفيل حقوق لديه.

تلك اعداد لا بأس بها صححت أوضاعها، ولكن- للأسف- تبقي نسبة منهم لم تصحح أوضاعها؛ ومن ثم فإنها تستحق العقوبات النظامية؛ حتى لا تعود مرة أخرى لإحداث المشكلات، والآن صارت الشركات تستقدم عمالتها؛ وذلك بطرق نظامية، ولهذه الشركات شروطها وضوابطها في اختيار عمالتها، هذا إضافة إلى أنها تسمح بانتقال من تحتاجهم إليها من أماكن أخرى؛ وذلك ما دامت لديهم اوراق نظامية رسمية.

وثمة جهود إعلامية تبذلها الجهات الأمنية في المملكة؛ وذلك للتوعية بظاهرة الهجرة غير النظامية من خلال حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي التي يتابعها مئات الآلاف؛ بل قد تصل للملايين، وتتمثل هذه الجهود في نشرات توعوية، وتحذيرية، وبيانات صحفية بعدة لغات، مثل: العربية والأوردية، وغيرهما، ولكن ثمة تساؤلات مهمة في هذا الإطار، يمكننا إيرادها على النحو الآتي:

1- هل تصل هذه الاعلانات، أو التحذيرات لجمهورها المستهدف؟

2- ما مدى أثر هذه الحملات التوعوية؟

3-  هل تم مراجعة محتوى هذه الحملات التوعوية، وتقييم أدائها؛ وذلك من جهات إعلامية متخصصة؟

4- هل تم قياس أثر هذه الحملات؛ وذلك بطرق علمية؛ حتى نعرف مدى فاعليتها؟

ومن زاوية أخرى يجب تكثيف المواد الإعلامية التي تستهدف التنويه عن جهود المملكة العربية السعودية المتعلقة بحرصها على حماية حقوق أولئك المهاجرين؛ حتى وإن كانوا مخالفين لنظام الحدود، والإقامة؛ وذلك انطلاقًا مما تتكئ عليه المملكة من دستور قويم، قد كفل لأولئك المهاجرين غير الشرعيين حقوقهم؛ وذلك وفق بعدين مهمين للغاية:

البعد الأول – هو حقوق المهاجرين غير الشرعيين في القانون الدولي؛ فالمملكة لاعبٌ حَيَوِيٌّ على الصعيد الدولي، وهي جزءٌ من منظومة الأمم المتحدة، وتعمل وفق إطارها النظامي؛ وذلك مما يجعلها ملتزمة بما يقرره المجتمع الدولي في منتدياته، وعبر منظماته، وإن كانت بعض هذه المنظمات لها أجندات معادية، وغير منصفة، ولكن المملكة العربية السعودية لا تألو جهدًا في تطبيق مبادئ القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان؛ بل تلتزم بها مثلها مثل: أية دولة تعاني من هذه المعضلة المؤرقة على المستويات: الأمنية والاقتصادية والاجتماعي؛ فتعتبر وثائق حقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي الإنساني، والصليب الأحمر عام ١٩٩٦م هي المصدر الأهم الذي يوضح الحقوق، ويصنفها قيما يأتي:

1- حق كفالة الحياة.

2- حق كفالة السلامة الجسدية.

3- كفالة الحق في حرية المعتقدات، والتفكير، والوجدان، وحق العمل، كما في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

4- كفالة الحق في الأمن، والأمان.

5- كفالة الحق في المغادرة، واللجوء السياسي.

6- كفالة حق الأموال، والممتلكات.

7- كفالة الحق في تلقي المساعدات الإنسانية.

البعد الثاني – حقوق المهاجرين غير الشرعيين في الشريعة الإسلامية: ومن هذا المنطلق يجد المنصف أن شريعة الإسلام، وبما استمدته من أحكام سطرها القرآن الكريم، والسنة المطهرة يجد قصب السبق لهذه الشريعة الغراء التي لا يأتيها الباطل؛ فقد سبقت كل التشريعات، والقوانين الدولية؛ وذلك حينما أقرت حفظ الضروريات، والمقاصد الخمس المتمثلة في: (الدين، النفس، العقل، المال، النسل أو العرض)؛ فعندما سرى هذا المفهوم في واقع الحياة الإسلامية أخرج للإنسانية خير أمة، وصاغ أروع حضارة عرفتها الإنسانية التي حافظت على القيم، والفضائل العليا، ومكارم الأخلاق، كما حمت حقوق الإنسان، وقدمت العدل والمساواة؛ وذلك لكل بني البشر دون النظر لعِرْقٍ أو لونٍ أو جاهٍ؛ بل رفعت مستوى هذه الحقوق لمستوى الحرمات التي يَأْثَمُ منتهكُهَا دنيويًّا وأخرويًّا، وهذا ما تمثلت به المملكة العربية السعودية، وتفاخر به أمام العالم؛ وذلك من جهة كونها البلدَ الوحيدَ التي دستورُهَا القرآنُ الكريمُ، والسنةُ المطهرةُ، وهذا ما أَقَرَّهُ النظامُ الأساسيُّ للحُكْمِ في السعودية.

والمملكة العربية السعودية- في تعاملها- مع المهاجرين غير الشرعيين تتعامل وفق نصوص إلهية، قد أطرت تلك الحقوق، وكفلت حمايتها قبل إقرارها من منظمات حقوق الإنسان،. وكل ما ورد في مواثيق الأمم المتحدة- في هذا الشأن- موجود في شريعتنا الغراء، وهذا ما يعزز التعامل الحضاري والإنساني؛ وذلك من قبل حكومة المملكة في معالجة ملف المهاجرين غير الشرعيين.

وبالنظر للأبعاد الخطيرة المرتبطة بالهجرة غير النظامية على كافة المستويات؛ فقد دعت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي؛ وذلك في مؤتمر التنمية والهجرة المنعقد بالعاصمة الإيطالية (روما) هذا العام 2023م، للاضطلاع بدوره في التكاتف والتعاون؛ وذلك لمعالجة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للهجرة غير النظامية، ومواجهة التحديات المتعلقة بمكافحة جرائم الاستغلال والتهريب، والتصدي لشبكات الجريمة المنظمة التي أثبتت أنها تحديات دولية عابرة للحدود، تتطلب قدرًا كبيرًا من التعاون الدولي للتغلب عليها؛ فالواقع أن عددًا كبيرًا من دول العالم المتقدمة، والغنية تعاني من هذه الظاهرة، ومن أبرزها: دول اوروبا، والمملكة من ضمنها، وأن الأمم المتحدة مهتمة بالموضوع ذاته من خلال إحدى المنظمات الدولية المعنية؛ بل إن قضية الهجرة غير المشروعة أحد الدوافع الدولية؛ وذلك لتصميم العمل الجماعي، واعتماده لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

* آليات مقترحة للمواجهة المستقبلية للهجرة غير النظامية، والحد من مخاطرها على المملكة:

تبرز الحاجة إلى وجود نظام متكامل لمكافحة هذه الهجرة، وعدم الاكتفاء بنظام الإقامة وغيره؛ وذلك لكون هذه الهجرة ذات أبعاد مختلفة، كما أن من آليات المواجهة إنشاء لجنة وطنية معنية بالهجرة غير النظامية، تضم جميع الجهات المعنية بذلك، وفق أولويات، منها: الأمر الداخلي؛ وذلك من خلال توعية المواطنين بالخطر  الأمني الذي قد يصل بعد سنوات إلى خطر ديموغرافي، كما يجب الالتزام بالقوانين والأنظمة المشرعة في مكافحة الهجرة غير الشرعية؛ وذلك بعدم استخدام التوظيف أو التستر على المخالفين.

وثمة حاجة إلى دراسة التسلل الذي تم خلال (١٥) عامًا، وهذه الدراسة التحليلية يجب أن تشمل الجنسيات، والأعمار، والجنس، ومسار هجرتهم هؤلاء المخالفين من دولهم إلى دولة المقصد (المملكة)، كما يجب معرفة الأسباب، والوسائل، والشخصيات التي سهلت لهم ذلك؛ بل إنه من الأهمية بمكان العمل على ألا يوجد لجنسيات ما أماكن تكتل؛ وذلك حتى لو كانوا قَيْدَ إكمالِ الإجراءات النظامية.

كما أنه من المهم جدًّا تطوير حرس الحدود: وَعْيًا، وإدارةً، وتقنيةً، وكذلك من المهم التنبيه على القرى الحدودية بالبعد عن التعاطف، والتعاون مع المتسللين؛ فإنه- بنظر البعض- ثمة أهمية لوضع نظام خاص؛ وذلك لاحتواء أعداد محددة حسب متطلبات سوق العمل، وتدريبهم من قِبَل الجهات المستفيدة، ومراقبتهم بيسر  عن طريق أوراق نظامية خاصة، وأجور أقل؛ وذلك مثل: نظام البدون واللاجئين على سبيل المثال، ويمكن تصنيف التدابير الواجب اتخاذها للحد من الهجرة غير النظامية؛ وذلك وفق مراحل التسلل: (قبل التسلل، أثناء التسلل، بعد التسلل) على النحو الآتي:

 1- قبل التسلل: 

– أهمية التثقيف، والتوعية بهذه المشكلة؛ وذلك بشكل واسع داخل المملكة، وخارجها.

– العمل على مواجهة الهجرة غير النظامية، والحد من الإتجار بالبشر؛ وذلك من خلال اتفاقيات مع الدول ذات العلاقة، خصوصًا (الصومال، إثيوبيا، اليمن)، وبالتأكيد التعاون مع الدول ذات العلاقة؛ وذلك سواء كانت دول المنشأ، أو دول العبور؛ فهو- في غاية الأهمية- خاصة أن (٩٨.٥٪) من المخالفين نقطة تَجَمُّعِهِمْ، وانطلاقهم تكون من اليمن.

– النظر في فتح فرص للهجرة محدودة ومقننة؛ وذلك للمتميزين علميًّا ومهنيًّا؛ فضلاً عن سن القوانين الرادعة والصارمة؛ وذلك لمواجهة هذه الفئة، والتصدي لها.

 

         2- أثناء التسلل: 

هناك جهود عظيمة تقوم بها المملكة؛ وذلك لمتابعة الحدود البرية؛ سواء أكانت الجنوبية أم الشمالية، وكذلك الحال في الحدود البحرية؛ سواءً أكانت الشرقية أم الغربية، ويمكن بالإضافة إلى ذلك أن يؤدي الذكاء الاصطناعي دوره في مواجهة عمليات التسلل، وتحديدا من خلال توظيف التقنيات الحديثة في متابعة ومراقبة الحدود؛ وذلك من خلال استخدام كاميرات المراقبة الحرارية، كما يمكن- أيضًا- الاستفادة من التقنية نفسها في متابعة خط سير هذه الفئة، وتتبع سيرها؛ لأن هذا التسلل يتم- في الغالب- من خلال تشكيل خارجي، وليس هو أمرًا فرديًّا.

        3- بعد التسلل: 

تفكيك بؤر تجمع المهاجرين غير النظاميين، والحد منها؛ فالمهمة تحتاج- هنا- إلى تواصل بين هيئات حكومية وجهات أهلية متنوعة؛ وذلك للحد من هذه الظاهرة، ولا شك أن جهود المملكة واضحة، وخصوصًا ما تم خلال السنوات الماضية في تفكيك بؤر تجمع هذه الفئات داخل المملكة، وهو ما قد تسبب في تشتيت المتسللين، والقبض عليهم، أو نزوحهم لمناطق أخرى.

ملاحقة المتسللين والمتعاونين معهم، سواء أكانوا من السعوديين أم من غيرهم، وتطبيق العقوبات المناسبة؛ وذلك للحد من هذه المشكلة، واعتبار التسلل جريمة يعاقب عليها القانون..

إجراء الدراسات الإحصائية لمعرفة أبعاد التسلل لكل من تم القبض عليهم، كما أنه ثمة ضرورة لتشجيع الباحثين بإجراء المزيد من الدراسات والأبحاث، وربط الإحصائيات والدراسات بحجم الجرائم المختلفة، ومدى انتشاره داخل المملكة؛ حيث باتت هذه المشكلة تؤرق المناطق المتاخمة للحدود اليمنية، وبخاصة في نجران، وجازان، وظهران الجنوب؛ وذلك بسبب كثرة أعداد جنسيات المتسللين، وتنوعهم؛ وذلك من خلال ما يمارسونه من جرائم متعددة.

ربط الإحصائيات والدراسات بإحصائيات ودراسات الجرائم المختلفة داخل المملكة، مثل: تهم تهريب المخدرات، والسرقة.

إشراك الباحثين والمبتكرين؛ وذلك لإيجاد حلول ابتكارية للحد من هذه المشكلة.

توفير هذه الاحصائيات المهمة للباحثين؛ وذلك لدراستها، وتحليلها، وعمل البحوث العلمية بحسب حاجة القطاعات ذات العلاقة.

الحد من توظيف المهاجرين غير النظاميين، ومعاقبة المخالفين في نظام العمل.

تسهيل إجراءات خروج المهاجرين غير النظاميين في حال رغبتهم، وتسليم أنفسهم طوعًا،  كما تم خلال الحملات التي شهدتها المملكة سابقًا.

وضع ألية للتبليغ عن المخالفين، والمتورطين، وبؤر التجمعات غير النظامية داخل المحافظات؛ وذلك من خلال خط ساخن لمساعدة الجهات الرقابية.

نشر الإحصائيات والعقوبات المتعلقة بالمهاجرين غير النظاميين؛ وذلك بغرض التوعية، والحد من هذه المشكلة.

يضاف إلى ما تقدم الحاجة إلى:

1- المراجعة المستمرة لأنظمة العمل وسياساته، والوافدين، وتعزيز حقوق العمالة، وتحسين العلاقة التعاقدية؛ لأن ذلك يساعد في توفير البيئة المناسبة، ويقلل من التستر.

2- حرص المملكة على تطوير البنية النظامية، والمؤسساتية للمنظومة الوطنية لحقوق الإنسان، وتطويرها باستمرار.

3- تجريم كل من قام بعملية التهريب، أو تسهيل التهريب، أو تمكين غير النظاميين من العمل في المملكة، أو البقاء فيها بطريقة غير نظامية.

4- ضرورة التعاون مع الدول الأطراف- إلى أقصى حد ممكن- في منع تهريب المهاجرين، هذا إضافة إلى أهمية تبادل المعلومات ذات صلة؛ وذلك بأمور، مثل: نقاط الانطلاق والمقصد، ووسائل إخفاء الأشخاص المخالفين، وأساليب نقلهم.

ولابد من التفكير خارج الصندوق، وعدم الاكتفاء بالحلول التقليدية؛ وذلك مثل: السماح بالهجرة الموسمية، وإعطاء رخص لهم في بلادهم، وتخصيصهم لمناطق محددة، وإعطاءهم الفرصة للتسجيل في كل منطقة، وحتى نعظم من قيمة المنفعة الاقتصادية للهجرة ينبغي فرز حالات المهاجرين غير النظاميين، وتصنيفها؛ فإن وجدنا منهم من هو متميز، ويمتلك الخبرة والمهارة في مجالات معينة، ولديه انتماء للسعودية نحاول مساعدته؛ وذلك بإضفاء الصفة الشرعية لإقامته، ودمجه- بشكل مدروس- في أسواق العمل؛ فعملية الدمج هذه ضرورية جِدًّا لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية من المهاجرين، ويجب تأكيد أن التعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية أو اللجوء والنزوح لا يمكن لحكومة واحدة، أو منظمة دولية، أو أحد أصحاب المصلحة أن يواجه التحديات بمفرده؛ لذلك يجب أن ينطلق علاج هذه المشكلة في محورين، هما:

أولًا – أدوات التحرك بشأن معالجة الأسباب الجذرية للأزمة التي يجب أن تقوم على:

1- محاربة الأسباب المؤدية إليها؛ وذلك بدل الاقتصار على معالجة النتائج، ومطالبة المجتمع الدولي، والضمير العالمي للتصدي للشبكات الإجرامية التي تتاجر في البشر.

2- مؤازرة كافة المبادرات السياسية التي تصب في تسوية الأوضاع، وإنهاء الصراعات التي تشهدها دول المنطقة العربية، وبالأخص المجاورة لنا.

ثانيًا أدوات التحرك المتعلقة بالتعامل مع نتائج الهجرة وآثار ها، والنزوح، منها:

1- تشجيع الحوار الإقليمي، ومراجعة الإطار القانوني المنظم؛ وذلك في إطار جامعة الدول العربية، وحوكمة الهجرة على المستويات العالمية، والإقليمية.

2- تبادل الخبرات الدولية الناجحة في معالجة قضايا الهجرة، وتبادل الخبرات التشريعية في وضع القوانين الوطنية المنظمة للتعامل مع الهجرة، واللجوء، والنزوح، وأبعادها، وتأثيراتها: الاقتصادية والاجتماعية على الدول المستضيفة، ومناقشة السبل المثلى؛ وذلك من أجل الهجرة الآمنة، والمنظمة، والنظامية.

3- زيادة الأبحاث والدراسات التي تهتم بتشخيص أهم المشكلات التي نواجهها كدولة مستقبلة للمهاجرين كأفراد.، والبحث عن مخارج قابلة للتنفيذ تجعل من تلك الهجرة ظاهرة مربحة للطرفين.

4- الأخذ بكافة الوسائل والسبل التي تمكننا من مواصلة حملات مداهمة أوكار المهاجرين غير الشرعيين إلى المملكة من حين لآخر، وأن يتم ترحيل من يوصفون بـ”المتخلفين“، وألا يبقى في البلاد من أجانب سوى العدد الذي تحتاج إليه البلاد بالفعل، ويمثل الحد الأدنى المطلوب، وتأكيد أن هذه الحملات لن تنجح إلا بتعاون المواطنين مع وزارة الداخلية، وبالذات في موضوع العمالة المنزلية الهاربة، وأهمية تغليظ العقوبات الخاصة بالمتسترين منهم.

وقد يكون من الحلول المبتكرة للهجرة غير الشرعية إيجاد منطقة حرة على الحدود، واستثمارها أمنيًّا واقتصاديًّا، وتقديم التسهيلات للمستقرين فيها، مثل: الإعفاء الضريبي، وتشجيع الحرفيين وتدريبهم، وتوفير البنية التحتية الملائمة؛ وذلك مع وجود معززات للحياة الكريمة، ومميزات استثنائية للمتعاونين من المقيمين في هذه المناطق؛ بحيث يشكلون جزءًا من الحزام الأمني للدولة المستهدفة بالهجرة غير الشرعية.

كذلك لابد من عقوبات رادعة للمخالفين؛ وذلك بحرمانهم من المميزات، ومنع التعامل معهم في المشاريع لمدة محددة، بحسب المخالفة. وهذا الحل يستوجب وجود اتفاقيات دولية فاعلة وفعالة، وفي حال تبنت المملكة هذا الحل ستسهم في استقرار الحدود، وإنعاشها اقتصاديًّا، ودعم المحتوى المحلي أيضًا.

وفي سياق متصل لعل الحصول على الإقامة النظامية للوافدين، وإتمام إجراءات التحقق الأمني خففت من حدة هذه الظاهرة السلبية، والمثال: في مواسم الحج؛ حيث كان عدد الحجاج في المشاعر أضعاف المخطط، كما أن الإجراءات اللاحقة (القانونية والأمنية) لبعض الجنسيات المستوطنة التي نعرفها ستحد من حجم هذه الظاهرة، وهي قدرات تتميز بها المملكة عن غيرها من الكثير من دول العالم، كما يجب الاهتمام بتعزيز القيم الوطنية للعاملين في المنافذ، والمناطق الحدودية؛ وذلك من خلال برامج خاصة تستهدفهم، وترفع من وعيهم، وكذلك إقامة دورات تدريبية للعاملين- هناك- للرفع من إمكانياتهم، وقدراتهم، وتوعيتهم بالمخاطر والمهددات التي تستهدف الوطن ومصالحه، وبخاصة أننا نتحدث عن مناطق تتعدد فيها القرى الحدودية، والقرابات القبلية، وتتداخل فيها المصالح المشتركة؛ وذلك مما يستوجب مضاعفة الجهود؛ لتعزيز القيم الوطنية حماية للوطن.

* التوصيات:

1- تشكيل لجنة وطنية من جميع الجهات الرسمية ذات العلاقة، تكون برئاسة وزارة الداخلية؛ وذلك لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية، من جميع جوانبها مع عمل استراتيجية وطنية تتماشى مع التغيرات المحلية والدولية، وتطوراتها التقنية والحقوقية والادارية.

الجهات: (وزارة الداخلية).

2- العمل على وضع برامج توعوية احترافية، وغير تقليدية لقطع دابر التعاطف والتعاون مع هؤلاء المخالفين مع التركيز على تعزيز قيم المواطنة لدى العاملين في المنافذ الحدودية، وسكان تلك المناطق.

الجهات: (وزارة الداخلية، وزارة الاعلام، وزارة الشؤون الإسلامية، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني).

3- أهمية عمل البحوث والدراسات العلمية الشاملة؛ وذلك بالتعاون مع مراكز الفكر، والجامعات السعودية بهدف تفكيك وتحليل ومعرفة أسباب هذه الظاهرة، وكيفية مواجهتها، والقضاء عليها.

الجهات: (وزارة الداخلية، وزارة الموارد البشرية، مراكز الفكر والجامعات).

4- ضرورة قيام الجهات المختصة؛ وذلك بتكثيف المتابعة، والتوسع في الأعمال الرقابية؛ وذلك باستخدام أحدث التقنيات والبرمجيات في عالم الذكاء الاصطناعي المتوافرة في عدد من الدول المتقدمة، منها: الكاميرات الذكية، وبرامج ومشاريع الحدود الذكية، مع التركيز في ذلك على المناطق الحدودية.

الجهات: (وزارة الداخلية، شركات التقنية).

 

* المصادر والمراجع:

  1. أبو زيد، محمد (2019م). الهجرة غير الشرعية وآثارها على الأمن القومي الليبي. رسالة ماجستير، قسم العلوم السياسية، جامعة الشرق الأوسط، الأردن.
  2. أبو ظهير، حمود مبارك سعيد وآخرون (2022م). الهجرة غير النظامية ومساراتها إلى المملكة العربية السعودية من دول القرن الإفريقي: دراسة حالة على منطقة عسير. مجلة كلية الآداب بقنا، ع 54، 15 – 42.
  3. الإسكوا (2022م). تقرير حالة الهجرة الدولية لعام 2021: بناء مستقبل أفضل للمهاجرين واللاجئين في المنطقة العربية.
  4. بورزق، أحمد، حجاج مليكة (2018م). أسباب الهجرة غير الشرعية وآثارها. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، مج 1،، عدد 9.
  5. بوغراف، حنان. (2022م). دراسة سوسيوتحليلية لأهم السلوكيات الإجرامية ذات العلاقة بالهجرة غير النظامية. مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، مج 15، ع 1، 1450 – 1465.
  6. التحالف العالمي للهجرة (2022م). تقرير تسليط الضوء على الهجرة العالمية.
  7. حسين، أحمد سعد محمد. (2017م). الاتجاهات الحديثة حول الهجرة غير النظامية في القانون الدولي العام. مجلة حقوق حلوان للدراسات القانونية والاقتصادية، ع 37، 813 – 954.
  8. حمود، وآخرون (2022م). الهجرة غير النظامية ومساراتها إلى المملكة العربية السعودية من دول القرن الإفريقي: دراسة حالة على منطقة عسير. مجلة كلية الآداب، قنا، مصر، ع 54.
  9. الظفيري، محمد مطلق جسار، والمطير، عامر بن ناصر. (2021م). المهاجرون ومسالك الهجرة غير المشروعة من القرن الإفريقي واليمن إلى المملكة العربية السعودية. المجلة العربية للدراسات الجغرافية، مج 4، ع 9.
  10. عبود، أنس صلاح. (2023م). آليات مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. مجلة الجامعة العراقية، ع 58، ج 2، 619-638.
  11. العشري، عبدالله (2018م). تأثير الهجرة غير الشرعية على الأمن القومي. مجلة الآداب والدراسات. عدد (3).
  12. المنظمة الدولية للهجرة (2021م). تقرير الهجرة في العالم لعام 2020.
  13. وزارة الداخلية (1445هـ): البيان الصحفي للحملة الميدانية المشتركة لمتابعة وضبط مخالفي أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود من 29/2/1445هـ إلى 5/3/1445هـ.

 

  • المشاركون:.
  • الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهدلق
  • التعقيب الأول: د. فهد بن عبدالعزيز الغفيلي
  • التعقيب الثاني: أ.د. صدقة بن يحيى فاضل
  • إدارة الحوار: د. هناء بنت عبدالعزيز المسلط
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. فايزة الحربي
  • اللواء فاضل القرني
  • د. أماني البريكان
  • د. خالد المنصور
  • د. محمد الثقفي
  • معالي الفريق د. عبدالإله الصالح
  • د. موضي الزهراني
  • د. زياد الحقيل
  • أ. أحمد المحيميد
  • أ. فهد الأحمري
  • أ. فائزة العجروش
  • د. نادية الشهراني
  • د. حمد البريثن
  • د. معلوي الشهراني
  • د. عادل العيد
  • د. عبير برهمين
  • د. مها المنيف
  • د. عبدالرحمن العريني
  • د. عبدالعزيز العثمان
  • أ. محمد المعجل
  • د. رياض الشهري
  • د. حميد الشايجي