تقرير رقم (115)
استشراف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة الإعلام السعودي وقضايا المملكة
(30/10/ 2023م)
لجنة الشؤون الإعلامية
- تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر أكتوبر 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات الذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: استشراف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة الإعلام السعودي، وقضايا المملكة، وأعد ورقتها الرئيسة أ. رائد عبدالله الحمود، وعقب عليها كلٌّ من: فايز بن عبدالرحمن الشهري، أ. حمد بن محمد السمرين، وأدار الحوار حولها د. علي بن ضميان العنزي.
المحتويات
- تمهيد
- فهرس المحتويات
- الملخص التنفيذي.
- الورقة الرئيسة: أ. رائد عبدالله الحمود
- التعقيب الأول – أ. فايز بن عبدالرحمن الشهري
- التعقيب الثاني – أ. حمد بن محمد السمرين
- إدارة الحوار: د. علي بن ضميان العنزي
- المداخلات حول القضية
- الذكاء الاصطناعي في الواقع المعاصر، والتحديات المرتبطة بتنامي تأثيراته.
- انعكاسات تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإعلام.
- مستقبل الإعلام السعودي في ضوء تحديات الذكاء الاصطناعي.
- التوصيات
- المصادر والمراجع
- المشاركون
- الملخص التنفيذي:
يتناول هذا التقرير قضية استشراف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة الإعلام السعودي وقضايا المملكة. وأشار أ. رائد عبدالله الحمود في الورقة الرئيسة إلى أننا نعيش اليوم مرحلة انتقالية مهمة في حياتنا البشرية؛ فنحن نعاصر ثورة صناعية جديدة غيرت وستغير بشكل أكبر الكيفية التي يتم فيها إنتاج المعلومات، ونشرها، واستهلاكها. واتساقًا مع ذلك وعلى مستوى المملكة العربية السعودية يُلاحظ أن التحول الرقمي أصبح أحد القواعد الرئيسة لرؤية المملكة 2030م، وهو يؤدي دورًا مهمًّا في هذا التحول نحو الرؤية، ويتمثل هذا الاهتمام في ارتباط (66) هدفًا من أهداف الرؤية المباشرة وغير المباشرة بالبيانات والذكاء الاصطناعي من أصل (96) هدفًا، ولما للبيئة الرقمية الجديدة ومستقبلها من اعتبارات عدة؛ فقد استوجب الأمر وجود جهة مختصة تقود مسيرة هذا التحول، ومن ثَمَّ فقد صدر الأمر الملكي عام 2019م بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات، والذكاء الاصطناعي “سدايا“؛ من أجل توحيد الجهود، وإطلاق المبادرات الوطنية في البيانات، والذكاء الاصطناعي؛ حتى تكونَ أحد الركائز الداعمة لنجاح رؤية المملكة 2030م.
بينما أكَّد أ. فايز بن عبدالرحمن الشهري في التعقيب الأول أن الحديث عن استشراف دمج الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية يقودنا لِزَامًا إلى النظر في مجموعة المبادئ التي تسهم بدورها في التعامل مع معطيات الحاضر على أسس علمية رشيدة، وتستقي من الخبرات والتجارب المتراكمة والتماثلية التي سبقت بها بعض الدول، والمؤسسات الإعلامية الرائدة في توظيف تلك التقنيات، ولعل أحد أوجه الاستشراف لدمج الذكاء الاصطناعي في الإعلام السعودي هو تحليل البنيوية الرقمية للإعلام التي تنطلق منها تلك المؤسسات الصحفية السعودية في ممارساتها اليومية، والتساؤل إلى أي مدى نقيم جاهزية تلك البيئة في التعامل مع تلك الأنظمة المتطورة؛ وذلك من عدة جوانب مرتبطة بالجاهزية الرقمية، والفنية، والكوادر التشغيلية، هذا في الوقت الذي تتضافر فيه الجهود في المملكة إلى رفع مكانة البيانات، وأهميتها.
في حين ذكر أ. حمد بن محمد السمرين في التعقيب الثاني أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية ما زال في مراحله المبكرة، ويرجع انخفاض استخدام الذكاء الاصطناعي إلى أسباب؛ منها: عدم وعي القائمين بالاتصال بأهميته، وما قد يحدثه من مساهمة في جمع الخبر من مصادره، والتحقق من صحته، ثم كتابته بعد تنقيحه للجمهور المستهدف، ثم نشره في المنصات؛ بما يتناسب مع نوعها. بالإضافة إلى المخاوف المتمثلة في أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر؛ فيأخذ وظائف العاملين في الإعلام، وتأتي التكلفة المالية العالية للبنية التحتية التقنية للذكاء الاصطناعي، وكذلك عدم تدريب القائمين بالاتصال على استخدامها؛ كونها أحد أهم الأسباب في عدم انتشار استخدامه.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور الآتية:
- الذكاء الاصطناعي في الواقع المعاصر، والتحديات المرتبطة بتنامي تأثيراته.
- انعكاسات تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإعلام.
- مستقبل الإعلام السعودي في ضوء تحديات الذكاء الاصطناعي.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى (أسبار) حول القضية تتلخص فيما يأتي:
- إنشاء كيان “هيئة أو مصلحة أو وكالة” تعنى بكافة جوانب الذكاء الصناعي، وتضع مؤشرات تكفل استخدام الذكاء الاصطناعي؛ بطريقة مسؤولة، وآمنة إعلاميًّا.
- بناء أنظمة ذكاء اصطناعي وطنية، أو العمل على تكوينها؛ وذلك من خلال تكتل سياسي، مثل: مجلس التعاون الخليجي، أو جامعة الدول العربية، ويُعنى هذا التكتل بصياغة السياسات، والتشريعات لأنظمة الذكاء الاصطناعي في الدول العربية والإسلامية، وتكون فيه المملكة العربية السعودية رائدة.
- إنشاء مراكز بحث، وتطوير R&D ؛ وذلك لتسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة المتحدثين باللغة العربية، وكذلك لبناء الرقائق المتناهية الصغر، وصناعتها، والمنافسة في الصناعة ذاتها عالميًّا. وكذلك تشجيع المشاريع المشتركة بين الجامعات والشركات التقنية للبحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وآليات صناعتها.
- التعاون مع المؤسسات العالمية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي؛ بما يفيد الإعلام والاتصال، خصوصًا أن توجه الإعلام يقوم على استهداف الأفراد، وليس الجماهير.
- ابتعاث طلاب وطالبات لدراسة مجال الذكاء الاصطناعي، واستخداماته في الجامعات التي حققت قفزات نوعية فيه.
- الورقة الرئيسة: أ. رائد عبدالله الحمود
تمهيد:
نعيش اليوم مرحلة انتقالية مهمة في حياتنا البشرية؛ فنحن نعاصر ثورة صناعية جديدة غيرت وستغير بشكل أكبر الكيفية التي يتم فيها إنتاج المعلومات، ونشرها، واستهلاكها. ففي عام 2016م، وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في (دافوس) سويسرا أُطلق مسمى الثورة الصناعية الرابعة لأول مرة؛ لإبراز المرحلة التي نعيشها، وحجم التأثير المتوقع على حياتنا من التقنيات الجديدة التي ظهرت؛ بوصفها تقنيات التعديل الجيني، وتقنيات المدن الذكية، وسلسلة الكتل Blockchain، لكن لعل من أهمها: وذلك لقوتها على التأثير على قطاعات ومجالات مختلفة، هي تقنيات تعلم الآلة، والأشكال الجديدة للذكاء الاصطناعي.
ويُعَدُّ التحول الرقمي أحد القواعد الرئيسة لرؤية المملكة 2030م، وهو يؤدي دورًا مُهِمًّا في هذا التحول نحو الرؤية، ويتمثل هذا الاهتمام في ارتباط (66) هدفًا من أهداف الرؤية المباشرة وغير المباشرة بالبيانات، والذكاء الاصطناعي، وهذا من أصل (96) هدفًا، ولما للبيئة الرقمية الجديدة، ومستقبلها من اعتبارات عدة؛ فقد استوجب الأمر وجود جهة مختصة تقود مسيرة هذا التحول؛ ومن ثَمَّ فقد صدر الأمر الملكي عام 2019م بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات، والذكاء الاصطناعي “سدايا“؛ وذلك من أجل توحيد الجهود، وإطلاق المبادرات الوطنية في البيانات، والذكاء الاصطناعي؛ حتى تكونَ أحد الركائز الداعمة لنجاح رؤية المملكة 2030م (SDAIA، 2023م).
وتمثلت الخطوة الأساسية في ذلك التحول الرقمي في اعتماد الإستراتيجية الوطنية للبيانات، والذكاء الاصطناعي التي تطلعت لتجعل المملكة ضمن أفضل (15) دولة في تطوير الذكاء الاصطناعي، وتطبيقه، وتدريب أكثر من (20) ألف متخصص وخبير، واستضافتهم، وتحقيق استثمارات بأكثر من (20) مليار دولار أمريكي في هذا القطاع (Memish ZA، 2021)، ولعل أولى نواتج ذلك الاهتمام هو حصول السعودية على المركز الأول عالميًّا في مؤشر الإستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، وهو أحد مؤشرات التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن (تورتويس إنتليجينس) “Tortoise Intelligence” الذي يقيس أكثر من (60) دولة في العالم (الخمشي 2023م).
ويأتي إقرار مجلس الوزراء لإنشاء “المركز الدولي لأبحاث، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي “؛ بوصفه دلالة على أهمية البحث العلمي المستمر في هذا المجال، وأهمية النظر إلى تبعاته الأخلاقية بنظرة دقيقة (العربية.نت، 2023م)؛ حيث لا تزال هنالك تساؤلات حول الآلية التي تعمل بها تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد- بشكل كلي- على أعمال قد لا تملك الجهات التي دربت تلك الأدوات، والتطبيقات حقوقها.
كيف سيشكل الذكاء الاصطناعي واقعنا؟
يمكن النظر إلى الإنتاج الفني، وأفلام هوليود؛ بوصفها نماذجَ أوليةً لتوقعاتِ الإنسان لأشكال الذكاء الاصطناعي، وتأثيراته على المجتمعات البشرية، والصراع الدائم بين سلبياته وإيجابياته، وها هو الواقع يتشكل بأشكال، مثل: تلك التي رأيناها في الأفلام، والمسلسلات يومًا ما، ويعكس ما قاله (أوسكار وايلد) عندما قلب مقولة (أرسطو) الشهيرة بقوله: “الحياة تحاكي الفن أكثر من محاكاة الفن للحياة”.
أذكر هذه المقولة الشهيرة في هذه المشاركة؛ وذلك لسبب واحد فقط، وهو إيضاح حجم النقلة القريبة القادمة، وأن ما نمتلكه في مخزون مخيلتنا من تلك القصص، والكتابات، والأفلام عن الذكاء الاصطناعي يتحقق اليوم، ويتشكل أمامنا.
مقاربة بيئتي: الذكاء الاصطناعي، والإعلام:
فرضت البيئة الرقمية الجديدة على القطاعات المختلفة أن تتواكب مع متغيراتها. ولما للذكاء الاصطناعي من تأثيرات عدة على “المحتوى” بشكله المجرد؛ فقد جاء الإعلام ضمن قائمة أولى المجالات التي ستتأثر مباشرةً بتلك التقنيات؛ إذ قامت العديد من المؤسسات الإعلامية برسم خططها، وبناء إستراتيجياتها للتعامل مع تلك المتغيرات الطارئة، والمؤثرة على صناعة الإعلام.
وهنا يبرز أحد الأسئلة التي وُجهت لرئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط (غسان شربل)؛ وذلك عن استعداد تلك الصحيفة لمواجهة تلك المتغيرات الجديدة في البيئة الرقمية؛ فإذا به يعلق قائلاً: “أشعر بالثقة بمستقبلها، خصوصًا بعد ما اختارت الانخراط في التحوّل الرقمي؛ بمنصاتها، وأوراقها في إطار إستراتيجية التحول التي اعتمدتها المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام SRMG” (الرجل، 2023م)، وارتكزت تلك الإستراتيجية التي أطلقتها المجموعة في عام 2021م على عدة أعمدة؛ وذلك في خطتها للتحول الرقمي لجميع منصاتها الإعلامية التي تخطت (30) منصة إعلامية، وهي في هذا تبدو مؤمنةً بتحديات العالم الرقمي الجديد الذي تحدثت عنه المجموعة في نهاية شهر يونيو لهذه السنة، وقد كان هذا حين جمعت عددًا من الشخصيات البارزة في مهرجان (كان ليونز 2023م)؛ وذلك ضمن سلسلة من الجلسات الحوارية التفاعلية حول الفرص والتحديات التي يواجهها المشهد الإعلامي في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وتأثير الذكاء الاصطناعي على القطاعات الإبداعية (السيد، 2023م).
كما أن أحد أهم القضايا في عالم البيئة الرقمية هو (تحيز المحتوى)، وهو إشكالية تتمثل في أحد أهم أبعادها في الهيمنة الإعلامية الغربية على المحتوى التي جعلت من وجهة النظر الغربية أساسًا في تلك البيئة، وتكمن الخطورة- هنا- في التقنيات الجديدة؛ ذلك أن الذكاء الاصطناعي “يتعلم” من المحتوى الموجود فعلًا؛ فإن كان التحيز من ضمن المحتوى أصبح الذكاء متحيزًا بالضرورة، وتلك قضية تحدثت عنها (د. كانتا أحمد) Qanta Ahmed في المنتدى السعودي للإعلام في نسخته الثانية، قائلة: “تمتلك أجهزة الكمبيوتر شبكات عصبية تتعلم فقط من البيانات التي يتم تغذيتها بها، سترون مبالغة في الآراء التي ليست في صالحكم” (ALKHUNAIZI، 2023).
ويكمن التحدي الفعلي في مواجهة البيئة الرقمية الجديدة من جهة توافر الكوادر التي يمكنها أن تتعامل مع مجرياتها، ومتغيراتها؛ ولذلك قامت إستراتيجيات الرؤية على دعم الكوادر البشرية في مجالات الذكاء الاصطناعي التي رأينا نماذج عديدة منها، مثل: برنامج (اليفيت) Elevate الذي يستهدف تدريب (25) ألف امرأة على مدى خمسة أعوام، وبرنامج “مبرمجي ذكاء المستقبل” بالشراكة بين “سدايا” ووزارة التعليم، وهو الذي يهدف إلى تدريب (30) ألف طالب وطالبة في مرحلتي المتوسط والثانوية، ويبدأ مرحلته الأولى في شهر سبتمبر 2023م (واس، 2023م)؛ فالبيئة الجديدة ما زالت تتشكل يومًا بعد يوم، ووجود الكوادر الوطنية القادرة على التعامل مع مختلف معطياتها عنصر رئيس في رحلة التحول الرقمي القادمة.
سباق توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام:
قدرة الآلة على محاكاة “الذكاء” البشري هي أحد أهم المعايير التي يقاس من خلالها الذكاء الاصطناعي، ومنذ ظهور اختبار (تورينغ) في منتصف القرن العشرين الذي يقيس مدى قدرة الفرد على التمييز بين الآلة والبشر من خلال المحادثة، لم نر تقنية استطاعت أن تتجاوز ذلك الاختبار؛ وذلك حتى ظهور النموذج اللغوي الضخم (Biever, 2023) LLM، وأحد أشهر تطبيقاته اليوم ChatGPT من شركة OpenAi. تلك النماذج اللغوية، والأدوات التوليدية أحد أكبر النقلات النوعية في عالم الذكاء الاصطناعي؛ لإمكانية تحويرها، واستخدامها لتطبيقات عديدة، وتخصيصها لمجالات مختلفة، وهي ليست إلا نموذجًا واحدًا من النماذج الجديدة لمحاكاة ذلك “الذكاء” البشري.
ويمكن تقسيم تلك التطبيقات؛ من حيث مخرجاتها، ووظائفها إلى (3) محاور رئيسة:
المحور الأول – تطبيقات صناعة المحتوى الإعلامي:
تأتي في مقدمة التقنيات الذكية في مجال الإعلام تقنيات توليد المحتوى (GAI)؛ سواء المحتوى النصي، أو الصوتي، أو المرئي، وهي أدوات تعزز من عملية إنشاء المحتوى بشكل كبير. وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية(NLP) هي أحد النماذج المستخدمة الآن، وتعمل على أساس فهم اللغة البشرية، وإنشائها، ومعالجتها؛ إذ تقوم وكالة الأنباء Associated Press من خلال منصة الذكاء الاصطناعي Wordsmith باستخدام تلك التقنية في عدة أمور، مثل: كتابة ملخصات لأحداث وفعاليات معينة، وكتابة مقالات في مجالات لا يُوجد بها صحفيون للقيام بذلك، وكتابة التقارير المالية، وتلخيصها بلغة ميسرة، ولعل من أهم نواتج ذلك الاستخدام ما أتاحته تلك التقنية لوكالة الأنباء؛ فمنذ بداية استخدام الذكاء الاصطناعي أعلنت الوكالة أن قدرتها على تغطية بعض الجوانب الإخبارية تضاعفت إلى (10) مرات، وَعَزَتْ ذلك إلى صحافييها المتمثلين في “الروبوت” (Press، 2019).
وتُوظف شبكات الخصومة التوليدية (GANs) لتوليد أو تعديل المحتوى المرئي، مثل: بناء رسومات فنية، أو إنشاء صور مصاحبة للأخبار والمقالات، ولكن تكمن قوة هذه التقنية الفعلية عند مصاحبتها لمواد مرئية فلمية؛ إذ يمكن- من خلالها- إنشاء شخصيات افتراضية واقعية تقوم بمهام المذيع، أو المراسل، أو حتى الممثل، وقد تكون التجربة الصينية هي الأولى عالميًّا في استخدام مذيع أخبار “اصطناعي”، وهو ما قالت عنه: قناة New China إنه المذيع؛ فسيكون متواجدًا على شاشاتهم، ومواقعهم الإلكترونية (24) ساعة يوميًّا، وأنها خطوة ستخفض التكاليف- بشكل كبير- على مستوى المؤسسة بالكامل (JACKSON, 2023). كما استفادت- أيضًا- قناة OTV الهندية من التقنية نفسها التي تستخدمها بشكل رئيس؛ وذلك في تقديم مذيعة واحدة؛ حيث تقدم الأخبار بعدد من اللغات المحلية في الوقت نفسه (Online, 2023م)، كما أن هذه التقنيات أصبحت تستخدم اليوم لصناعة “صناع محتوى” على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يملكون شخصية ونمطًا، وأسلوبًا معينًا يتواصلون- من خلاله- مع الجمهور، ويتخاطبون معهم، وفي- غالب الأحيان- دون علم الجمهور أن مَنْ يتحدثون ويتكلمون معهم غير حقيقيين (Hsu, 2019).
ويُستخدم- اليوم- شكل من أشكال هذه التقنية في الإنتاج الفلمي والتلفزيوني؛ فتقنيات الـ Deepfake تتيح للمخرجين، وشركات إنتاج الأفلام “تركيب” وجه الممثل، أو الممثلة على جسم شخص آخر حقيقيًّا أ كان أم افتراضيًّا، وتقوم التقنية بتوليد تعابير الوجه المناسبة؛ وذلك حسب المشهد؛ فالعملية التي كانت تحتاج شركات مؤثرات بصرية ضخمة للقيام بها أصبح ممكنًا استخدامها من قبل فريق الفلم مباشرة، ورؤية نواتجها بشكل لحظي (Hsu J. , 2023)، وتقوم تطبيقات، مثل: Runway Gen 2 بإنتاج لقطات مرئية متكاملة، وهذا بأسلوب تصوير، وإخراج فلمي من خلال نصوص وصور ثابتة فقط، وبلا شك؛ فإن هذه المدخلات على عملية الإنتاج السينمائي غيرت وستغير- بشكل كبير- ما كان عادة يجري في مراحل الإنتاج المتعارف عليها، وهي تستخدم اليوم في أكبر الإنتاجات السينمائية، ولعل من أقرب النماذج التي رأيناها هذا العام: فيلم Indiana Jones من شركة Disney التي اعتمدوا فيها استخدام الذكاء الاصطناعي؛ وذلك للقيام بأسلوب de-aging لتصغير شكل الممثل (هاروسين فورد) داخل الفيلم (Bedingfield, 2023).
المحور الثاني – تطبيقات الكفاءة التشغيلية، والأتمتة:
تتعدد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة، ولكل منها مهام مختلفة، ووظائف تقوم بها، ومن ذلك التنوع تولدت تطبيقات تستخدم الذكاء الاصطناعي هي ذاتها لأتمتة مهام محددة؛ وذلك من خلال أوامر نصية مدخلة؛ إذ يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تقوم- مثلًا- بإدخال أمر من خلال هذا التطبيق للبحث في مكتباتها المرئية، واستخراج أي محتوى تحدده الوسيلة، ويتعلق هذا المحتوى بموضوع معين، أو يحوي صورًا معينة؛ فيقوم هذا التطبيق بإرسال أوامر تلقائيًّا إلى تطبيقات أخرى ذكية هي ذاتها، وتلك التطبيقات الأخرى تقوم بالمثل، وهكذا؛ حتى تحقق الهدف الأساسي الذي أدخله صاحب الشأن؛ فتطبيق (AutoGPT) برز عندما أعطى أحد المستخدمين أمرًا نصيًّا بسيطًا للذكاء الاصطناعي يطلب فيه القيام بأية مهمة من الممكن أن تكسبه مالًا، وخصص ميزانية قيمتها (100) دولار؛ فقام الذكاء الاصطناعي برحلة أتمتة، وتوزيع مهام، ومن خلالها قامت الآلة ببناء الهوية، والموقع الإلكتروني للمشروع، ثم حددت منتجات مناسبة يمكن أن تباع من خلال الموقع، وأخيرًا خصصت (40) دولارًا للتسويق؛ وذلك عبر منصتي الفيسبوك، والانستقرام؛ فصارت قيمة الشركة اليوم، وخلال مدة وجيزة تُحسب بالأيام (25) ألف دولار (Jacob Zinkula, 2023) .
وطورت وكالة الأنباء (رويترز) Reuters ذكاءً اصطناعيًّا أسمته Lynx Insight يقوم بشكل آلي باقتراح جمل؛ وذلك بناء على البيانات الرقمية المدخلة التي تهدف إلى مساندة الصحفي في كتابة التقارير المعتمدة على الأرقام بشكل كبير، وهنا يقوم التطبيق بتحليل البيانات الكلية، واستخراج مستخلصات يمكن أن يبني بها الصحفي مقاله (Service، 2023). كما قامت قناة Sky News بتوظيف الذكاء الاصطناعي في عرضها لزفاف الأمير (هاري) و(ميغان ماركل)؛ وذلك للتعريف بالضيوف حال وصولهم، وظهورهم على الكاميرا (Shaban, 2018)، وكذلك قامت (الواشنطن بوست) The Washington Post بتطوير (روبوتها) الخاص المسمى (هيليوغراف) Heliograf، وهو الذي قام في سنته الأولى بكتابة (850) مقالًا نشر في صحيفتها المطبوعة، والإلكترونية تلقائيًّا (WashPostPR, 2020).
المحور الثالث – تطبيقات تحليل البيانات، والجمهور:
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز- بشكل كبير- قدرة المؤسسات الإعلامية على فهم جمهورها بشكل أكثر دقة؛ فتستخدم (نتفلكس) Netflix- مثلًا- التعلم الآلي للتوصية بالعروض، والأفلام للمشاهدين؛ وذلك بناءً على سجلات المشاهدة، والتفضيلات، والسلوك، وهي أحد العناصر المهمة في نجاح الشركة من بين منافسيها؛ حيث تزعم الشركة أنها توفر مليار دولار سنويًّا؛ من خلال هذه الخوارزميات الذكية التي تبقي المستخدم؛ بوصفه مشتركًا؛ لأن خوارزميات التوصية تقدم للجمهور دومًا محتوى مناسبًا لهم؛ مما يؤجل عمليات إلغاء الاشتراك من قبل المستخدمين للمنصة (Mathur, 2023)، وتقوم صحيفة (نيويورك تايمز) New York Times باستخدام نظام ذكاء صناعي أسموه Blossom، وهو يقوم بتحليل مقالاتهم كاملة يوميًّا، ثم النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديد أية من هذه المقالات سيكون لها أداء قوي في ذلك اليوم؛ ومن ثَمَّ تقدم التوصية لفريق التحرير عن المحتوى المناسب نشره على وسائل التواصل (Castillo، 2015).
كما أن للجانب التنبؤي للذكاء الاصطناعي شأنًا مهمًّا في تحليل سلوكيات الجمهور؛ إذ تقوم الصحيفة الإلكترونية BuzzFeed باستخدام أداة ذكاء اصطناعي تبحث في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك للتنبؤ بالموضوعات الأبرز التي يمكن تغطيتها (Peters، 2023). وهذا مشابه لما تقوم به قناة BBC بأداتها الخاصة التي تحلل ما عرض من مباريات رياضية، واستخراج مقتطفات ولقطات مصغرة ممنتجة، وجاهزة للعرض؛ حيث يرى الذكاء الاصطناعي أنها ستناسب الجمهور المستهدف (DYSART, 2022م).
رؤية ختامية: ملامح المستقبل تتشكل الآن:
تستمر تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ كي تعبرَ عن أداة مهمة في مستقبل العملية الإعلامية، وتتيح قدرات ضخمة على مستويات عدة؛ إذ يمكن- من خلالها- تيسير المهام، وتقليل التكاليف في كثير من الأعمال الإجرائية، مثل: التواصل مع الجمهور والقطاعات المختلفة، وأرشفة المواد الإعلامية، وفرزها بشكل دقيق، كما أنها أدوات حتى اليوم ذات تكلفة منخفضة، تتيح للأفراد- أيضًا- المشاركة في هذه الساحة الجديدة؛ فالأفراد- في عصر وسائل التواصل الاجتماعي- أصبحوا عنصرًا مهمًّا في العملية الإعلامية؛ مما أبرز مصطلح صحافة الفرد، أو صحافة المواطن الذي أتى نتيجة النقلة النوعية الاتصالية التي سهلت على الفرد الوصول إلى الجمهور؛ فهل هذا المصطلح؛ بما يعنيه سيتضاعف حجمه؟ فكما أتت وسائل التواصل لتسد الفجوة الاتصالية بين الجمهور؛ فكذلك تأتي التقنية الجديدة التوليدية لتسد الفجوة الإنتاجية.
كما أن الكوادر الإنسانية هي الورقة الرابحة في هذا السباق الجديد؛ إذ يتحتم على المؤسسات والقطاعات العامة أن تكون مستعدة للتحديات القادمة؛ وذلك من خلال دعم منسوبيها، وتمكينهم من اكتساب المهارات، والخبرات اللازمة للتعامل مع ما سيكون قريبًا من المهارات الأساسية في البيئة الرقمية. ولعل الهيئة السعودية للبيانات، والذكاء الاصطناعي “سدايا” أحد العناصر الرئيسة في قيادة هذا التحول الوطني؛ وذلك من خلال برامجها، وشراكاتها، ودعمها للقطاعات جمعاء، وحرصها على رفع مستوى الوعي بهذه التقنيات، هذا على أن تكون لغة الآلة الجديدة لغة حاضرة في المجتمع بكل فئاته، ويتمثل ذلك الاهتمام في إصدارها دليلًا استرشاديًّا في منتصف شهر أغسطس 2023م عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، والنماذج اللغوية الكبيرة (إصدارات سدايا، 2023م).
مستقبل هذه الأدوات، وآليات استخدامها، والأنظمة التي تحكمها ما زال يتشكل اليوم، لكنها بالتأكيد تشكل نقطة تحول، وخطوة مهمة في تاريخنا البشري، وهي تستوجب منا أن نسير معها، ونتكامل مع اشتراطاتها، ولكن بكثير من الوعي، والدراسة، والتقييم؛ من أجل تعظيم العوائد الإيجابية من التقنيات عمومًا، ومن الذكاء الاصطناعي بشكل خاص، ولتقليل الانعكاسات السلبية الممكنة على الإنسان، والبيئة، والحياة.
- التعقيبات:
التعقيب الأول – أ. فايز بن عبدالرحمن الشهري
الحديث عن استشراف دمج الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية يقودنا لزامًا إلى النظر في مجموعة المبادئ التي تسهم بدورها في التعامل مع معطيات الحاضر؛ وذلك على أسس علمية رشيدة تُستقي من الخبرات والتجارب المتراكمة والتماثلية التي سبقت بها بعض الدول، والمؤسسات الإعلامية الرائدة في توظيف تلك التقنيات؛ حيث إن المعاني الضمنية للاستشراف تؤدي بالضرورة إلى النظر في الشيء البعيد، ومحاولة التعرف عليه، واتخاذ الطرق والمنهجيات، وقراءة الحاضر؛ وذلك بناء على مشاهدات شخصية تقرأ مجرى الأحداث، وتتنبأ بحدوثها إلى جانب الاسترشاد بلغة المنطق، والأرقام.
إن أحد الدوافع الرئيسية التي تقود إلى تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ودمجها في العمل الصحفي هي مدى الإمكانات الهائلة التي توفرها هذه التقنية للصحافيين، وغرف الأخبار، مثل: تسريع المهام للعاملين، وأتمتة الأخبار، والكشف عن ماهية الأخبار الزائفة، وصناعة المحتوى الصحفي؛ بأساليب رقمية متقدمة تعتمد على توافر البيانات الضخمة، هذا إلى جانب تتبع اهتمامات الجماهير، والبحث في اتجاهات استهلاك المعلومات، وتفضيلات المستخدم، وتحسين تجربته.
إن أحد أوجه الاستشراف لدمج الذكاء الاصطناعي في الإعلام السعودي هو تحليل البنيوية الرقمية للإعلام التي تنطلق منها تلك المؤسسات الصحفية السعودية في ممارساتها اليومية، والتساؤل إلى أي مدى نقيم جاهزية تلك البيئة في التعامل مع تلك الأنظمة المتطورة؛ وذلك من عدة جوانب مرتبطة بالجاهزية الرقمية والفنية، والكوادر التشغيلية، هذا وفي الوقت الذي تتضافر فيه الجهود في المملكة إلى رفع مكانة البيانات وأهميتها، مثل: تلك التي توفرها السحابة الحكومية “ديم ” التي توفر بنية تحتية رقمية آمنة للجهات كافة؛ وذلك من خلال دمج (150) مركز بيانات لجهات حكومية، إلى جانب “بنك البيانات الوطني” الذي شارك في قرابة (8) مليارات من عمليات البيانات، إلى جانب وجود منصة “استشراف” التي تُعني بتقديم رؤى مستقبلية تحليلية لصناع القرار، وهذه الرؤى مبنية على البيانات الضخمة (سدايا،2023م)؛ وذلك مما يحقق اقتصادًا قائمًا على البيانات.
وبالرغم من التقدم التقني الذي تشهده المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي، ووجود المراكز المعنية، والهيئات، مثل: الهيئة السعودية للذكاء الاصطناعي التي تعمل على قيادة الأولويات الوطنية للذكاء الاصطناعي؛ فإن قطاع الإعلام قد يعتبر من القطاعات المتأخرة في تبني الذكاء الاصطناعي؛ وذلك في الممارسات المهنية، ويرجع أحد أهم الأسباب- في هذا التبني المتأخر- إلى التعقيدات التقنية المرتبطة بمجالات النشر المعلوماتي للجماهير، والاعتبارات الأخلاقية التي قد تخلفها تلك التقنية على الصناعة الصحفية؛ حيث لا زالت تتوجس كبريات المؤسسات الإعلامية من الآثار السلبية التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي على مبادئ الصحافة، مثل: الشفافية، والمصداقية، والموضوعية، وأصالة المعلومة؛ وذلك كون الذكاء الاصطناعي يتعامل مع بيانات مبنية على مدخلات البشر الذين يحملون- بالضرورة- مواقفهم الفكرية، وانتماءاتهم الأيديولوجية، وتحيزاتهم المعرفية.
وقد سبقت- في هذا الجانب- وكالة ذي أسوشيتد برس (The Associated Press) التي تعتبر واحدة من عدد قليل من المؤسسات الإخبارية التي بدأت في وضع قواعد حول كيفية دمج الأدوات التقنية سريعة التطور، مثل: ChatGPT في عملها؛ إذ أصدرت الوكالة مؤخرًا دليلًا توجيهيًّا بشأن استخدام ذاك التطبيق من قبل صحفييها قائلة: “لا يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى، أو صور قابلة للنشر لخدمة الأخبار”(Bauder, 2023)، هذا في الوقت الذي تشجع فيه الوكالة موظفيها على أهمية التكنولوجيا، ودورها الكبير في العمل الصحفي؛ فتقول (أماندا بارت) نائبة رئيس وحدة معايير الأخبار في الوكالة: “هدفنا هو منح الناس طريقة جيدة؛ لفهم كيف يمكننا إجراء القليل من التجارب، ولكن- أيضًا- أن نحافظ على معاييرنا الصحفية”.
وبالإضافة إلى ذلك أوضحت الوكالة أنه لا ينبغي استخدام الصورة، أو الفيديو، أو المقطع الصوتي الناتج عن الذكاء الاصطناعي إلا إذا كانت المادة المعدلة- في حد ذاتها- موضوعًا للقصة الخبرية، وإلى جانب ذلك وجه رئيس تحرير انسايدر(Insider) “نيكولاس كارلسون” في مذكرة وجهها للموظفين قائلاً: “يجب أن تكتب قصتك بالكامل بواسطتك، أنت مسؤول عن الدقة، والإنصاف، والأصالة، وجودة كل كلمة في قصصك” (Carlson, 2023). وجاء في السياق ذاته في يونيو 2023م أنه قد نشر معهد رويترز Reuters لدراسة الصحافة تقريرًا عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في الصحافة، ووجد التقرير أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في الصحافة، لكنه حذر- أيضًا- من المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا، مثل: إمكانية التحيز، والمعلومات المضللة (Reuters , 2023). بالتالي فإن المؤسسات الصحفية لا زالت متخوفة من تلك الآثار التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي على المنظومة الأخلاقية الصحفية، وباشرت في إصدار مدونات سلوكية تنطلق- من خلالها- في ضبط استخدامات تلك التقنية في العمل الصحفي، والممارسات المهنية؛ وذلك تقديرًا لقيمة المعلومة ونزاهتها، وعدم تعريض الجماهير لسياقات التضليل المعلوماتي، والافتقار إلى الدقة والشفافية.
وبالرغم من الآثار السلبية التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي على المبادئ والأخلاق الصحفية إلا أن تلك الأنظمة توفر قدرًا مهمًّا لخدمة قضايا اجتماعية ووطنية مهمة؛ فعلى سبيل المثال قامت أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في إحدى المؤسسات الإعلامية الأمريكية بعملية استقصاء صحفي عبر استخدام حُزَمٍ هائلة من البيانات، والعلاقات الارتباطية التي لم يستطع المراسلون ملاحظتها؛ وذلك عن قضية فساد في إحدى شركات المقاولات الأمريكية، وفضيحة رشوتها التي وصلت لخمسة ملايين دولار (Marconi,2021)؛ فهذه العمليات الخوارزمية توفر إمكانيات تحليلية قد لا يمكن أن يوفرها العنصر البشري؛ وذلك نظرًا للتعقيدات الرقمية، وحجم البيانات الهائلة التي تتعامل معها الأنظمة الحاسوبية؛ حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي؛ لتحليل البيانات من مصادر مختلفة، مثل: السجلات المالية والحكومية؛ وذلك لتحديد الأنماط والاتجاهات التي قد تشير إلى الفساد، وهذه الأنماط والاتجاهات هي التي تمكن الصحفيين من تحديد القضايا التي تستحق إجراء التحقيق حول القضايا المشبوهة.
إلى جانب ذلك طرح (فرانسسكو ماركوني) القائد المشارك في توظيف الذكاء الاصطناعي في وكالة أسوشيتد برس، وأول رئيس للبحث والتطوير في صحيفة (وول ستريت جورنال) مثالًا لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الكشف عن قضية التلوث الذي تحدثه مصانع الغزل والنسيج، وما يسببه من نوبات الربو لسكان إحدى المدن الأمريكية؛ حيث تتصل تلك الأنظمة من خلال ارتباط التحليل الخوارزمي بشبكات التواصل الاجتماعي، ثم يحلل الذكاء الاصطناعي الآراء المرتبطة بموضوع تلوث الهواء، ثم الاتصال بمستعرات التلوث، والتقاط صور حية من خلال طائرات (الدرون)، وبعد ذلك يعطي الذكاء الاصطناعي للصحفي بنية تقريبية للمشكلة يتم من خلالها جمع معلومات أولية، ثم يأتي البحث في الأرشيف عن المصادر الأكثر صلة بالموضوع (Marconi,2021). ومن خلال هذا النموذج يمكن عزو ذلك إلى أهمية الذكاء الاصطناعي في القيام بوظيفة “مراقبة البيئة”، أو الاستطلاع التحذيري؛ حيث يُعتبر أحد أهم وظائف الإعلام التي تقوم بالإبلاغ عن المخاطر المحتملة التي تفيد الجماهير.
من جهة أخرى تمكنت مؤسسة “نيوز تريستر ” عبر الذكاء الاصطناعي من نشر قصة خبرية عن وقوع زلزال في الأكوادور؛ وذلك قبل أن تتمكن مؤسسات إخبارية أخرى من نشر الخبر بــ (18) دقيقة، كما قامت الأنظمة نفسها من تتبع نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي وُثِّقَتْ- من خلاله- عملية إطلاق نار في (سان برنادينو) من كالفورنيا، وتمكنت من نشر الخبر قبل أية مؤسسة إعلامية أخرى(Marconi,2021). بالتالي فإننا بالنظر في مثل هذه النماذج نستطيع أن ندرك – من خلالها- أهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم وظائف الصحافة، وصناعة المحتوى الصحفي، وأدواره الجوهرية في توليد القصص الإخبارية؛ بطرق قد لا يمكن للصحفيين صناعتها؛ حيث يسهم في توفير قَدْرٍ متسقٍ لخدمة القضايا، والأحداث الاجتماعية المهمة في المملكة؛ وذلك إذا توافرت الإمكانيات التشغيلية للذكاء الاصطناعي في العمليات الصحفية اليومية، هذا مع الإبقاء على مراقبة العمليات، ووضعها تحت المساءلة البشرية.
كما يكمن أحد استخدامات الذكاء الاصطناعي في إنشاء تجارب صحفية غامرة immersive journalism AI experiences، مثل: تلك المتعلقة بقضايا الطاقة، والتطوير الحضري، والسياحة البيئة في المملكة؛ حيث يُسمح للجماهير برؤية هذه القضايا، كما يتم تحفيزهم على الانخراط والمشاركة في اتخاذ المواقف التي تدعو للحفاظ على البيئة، وخدمة أهداف الاستدامة في (رؤية 2023م)، ومكتسباتها؛ وذلك من خلال تجارب تفاعلية بين الجمهور والقصص الإخبارية التي تنتجها الآلة. هذا إلى جانب الربط الرقمي بين المؤسسات الصحفية وقواعد البيانات المتاحة في المملكة؛ فيمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الاجتماعية والاقتصادية والطبية؛ وذلك لمساعدة المؤسسات الصحفية في أداء وظيفة الرقابة للكشف عن جوانب الضعف والقصور في أداء المؤسسات الحكومية، والتنقيب في الأرقام التي تكشف عن المشاكل التي تعاني منها بعض القطاعات الحكومية، مثل: القطاع السكني، والصحي، والمالي؛ فإن توافر الأرقام والبيانات من شأنه أن يساعد في بناء قصص صحفية تؤدي- بدورها- إلى أن تقوم الصحافة بتفعيل وظائفها المنوطة بها، ومساعدتها في تأدية ممارساتها المهنية المبنية على البيانات.
وشهد العام الجاري 2023م تنافس الشركات والمؤسسات الإخبارية لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام؛ ففي يوليو 2023م أعلنت Google أنها تختبر منتجًا يستخدم الذكاء الاصطناعي؛ لإنتاج قصص إخبارية تحت مسمى “Genesis”؛ حيث يمكن أن يكون له تأثير كبير على كتابة التقارير الصحفية، وصناعة المحتوى، وطريقة إنتاج الأخبار، واستهلاكها. (Chen et al., 2023)، وجنبًا إلى جنب في مايو 2023م أعلنت مؤسسة Knight Foundation عن مبادرة جديدة تحت مسمى “الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام”؛ وذلك لدعم تطوير الصحافة بالذكاء الاصطناعي، وكذلك غرف الأخبار والباحثين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين التجارب الصحفية.
وبالرغم من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، ودوره المركزي في تحسين تدفق المعلومات، وتعامله مع كميات ضخمة من البيانات بسرعة، وكفاءة تفوق قدرات البشر إلا أنه لا يزال يمتلك الذكاء الاصطناعي بشكل تام القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيال (Bauder,2023)، وبالتالي فإن الحديث عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل Chat GPT في الممارسات الصحفية قد لا يكون السبيل الأمثل لتوظيف مثل هذه الأداة في الصحافة المحلية بالرغم من قدرته الهائلة في جلب البيانات حسب الطلب.
وأحد السلبيات التي تطرأ هو أن البيانات التي يقدمها في بعض الأحيان متحيزة تجاه قضايا المملكة وسياقاتها التاريخية والثقافية ومواقفها السياسية والدينية؛ وذلك وفق مدخلات البيانات التي تمت بواسطة البشر (Human Feedback)؛ ففي دراسة حديثة أجراها خمسة باحثين بجامعة كورنيل Universality Cornell شملت تحليلًا دقيقًا لردود ChatGPT على (517) سؤالًا، وتقييم صحة واتساق، وشمولية وإيجاز هذه الاستجابات. هذا إلى جانبِ إجراءِ تحليلٍ لغويٍّ موسعٍ، ودراسة للمستخدمين للحصول على نظرة ثاقبة للجوانب اللغوية والإنسانية لإجابات ChatGPT التي كشفت نتائجها أن 52% من إجابات ChatGPT تحتوي على معلومات غير دقيقة، و77% منها تعد إجابات مطولة (Kabir et al., 2023). كما وجدت دراسة حديثة مشتركة أجريت في جامعتي ستانفورد وجامعة كاليفورنيا بيركلي في 18 يوليو من العام الجاري أن أحدث نماذج ChatGPT أصبحت أقل قدرة بكثير على تقديم إجابات دقيقة لسلسلة مماثلة من الأسئلة في غضون بضعة أشهر (Chen et al., 2023)
وبناء على ما سبق؛ فإن استشراف مستقبل دمج الذكاء الاصطناعي في الإعلام السعودي يقودنا إلى إعادة النظر في الأنظمة واللوائح الإعلامية، ومدونات السلوك والأخلاق المتعلقة بالممارسات الإعلامية؛ لاسيما أن مدونات السلوك المتعلقة بالممارسات الإعلامية الرقمية في السعودية لم تَرْتَقِ بَعْدُ إلى الحد المأمول الذي يضبط الممارسات الصحفية الرقمية، وتحقيقها للأبعاد الأخلاقية المرتبطة بضبط الدقة والشفافية والمصداقية، والتزام الصحفيين بها التزامًا تامًّا يحقق النزاهة الصحفية الكاملة في التعامل مع المعلومات، وتدفقها للأوعية الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي بعيدًا عن ممارسات نقل الأخبار، ونسخها دون عزوها إلى مصادرها الأصلية، هذا إلى جانب وجود ضعف ملحوظ في ممارسات الصحافة الرقمية في المملكة، ومعاناتها من شح صناعات المحتوى الإبداعي الذي يرتقي بمكانة الصحافة، وأدوارها الوظيفية والبنائية. وبالتالي فإن التساؤل الأهم- في هذه المرحلة- يكون عن مدى جاهزية قواعد البيانات باللغة العربية، والأرشفة الرقمية لكل مؤسسة صحفية التي لا يمكن أن يعمل الذكاء الاصطناعي إلا من خلال تلك البيانات، وضبط أمن تلك البيانات، وخصوصيتها، وتدريب فرق التحرير، والصحفيين وجاهزيتهم للتعامل مع لغات البرمجة المتقدمة، والأنظمة الرقمية التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل احترافي.
وينبغي- إلى جانب ذلك- أن يدرك رؤساء التحرير والصحفيون أن الصناعة الصحفية لم تعد تلك التي كانوا يتعاملون معها قبل دخول الذكاء الاصطناعي؛ فالمهارات والروتين اليومي قد اختلف بشكل كبير عما قبل؛ حيث إن الذكاء الاصطناعي عمل على إحداث تحول في صناعة وسائل الإعلام الإخبارية؛ وذلك من خلال إنشاء طرق جديدة لإنتاج المحتوى الإخباري، وتوزيعه واستهلاكه؛ حيث ينبغي أن تتحول المهارات الصحفية التقليدية إلى مهارات رقمية تركز على التحليل والتعامل مع البيانات، وفهم الأنماط والاتجاهات، والتحقق من الحقائق عبر أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة، وصناعات التصورات الرقمية للبيانات visualization، وتقنيات المسح البياني Data scraping، والأخلاقيات الرقمية.
يرى بعض الخبراء والإعلاميون- في الوقت الراهن- أن هناك محدودية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية، وبعض تلك المؤسسات لا تزال تتحسس طريقها إلى هذه الخطوة؛ وذلك كونها لم تصل لحد التأهيل الذي يخولها لتطبيق تلك التقنيات (المطيري،2022م). ومن وجهة نظري؛ فإن بعض الدراسات التي قامت على كشف واقع تطبيق الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية هي دراسات تقوم على منهجيات المسح الميداني التي قد لا تقدم إجابات دقيقة وواقعية؛ وذلك كونها تتعامل مع بيئة بعيدة عن ملاحظة الباحث، وإدراكه للواقع الحقيقي لعمل تلك المؤسسات، والكشف عن حقيقة جاهزيتها، وتعاملاتها مع دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في الممارسات اليومية؛ ففي دراسة مساوي (2022م) ذكر أفراد العينة أن 61.2% من المؤسسات الإعلامية السعودية جاهزة بنسبة متوسطة؛ لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الممارسات الصحفية، في الوقت الذي لم تنشر فيه إلا أعداد قليلة من القنوات، أو الصحف السعودية سياسات معلنة لتطبيق الذكاء الاصطناعي، وقد يكون بعضها لمجرد تلميع صورتها، على الرغم من عدم امتلاكها للمختبرات الرقمية المتقدمة التي تعني بالابتكارات، واستخدامات التكنولوجيا الرقمية في الممارسات الصحافية، مثل: مختبرات الجارديان، والبي بي سي، والواشنطن بوست، والنيويورك تايمز.
هذا إضافة إلى شح المشاريع التعاونية بين الجامعات ومؤسسات الإعلام في المملكة؛ وذلك في مجالات إنشاء مراكز بحثية، ومختبرات رقمية داخل أروقة القنوات والصحف؛ فعلى سبيل المثال يعمل مختبر الأخبار المحلي التابع لمعهد براون (The Brown Institute’s Local News Lab)، والمكون من فريق من المهندسين والمصممين، وعلماء البيانات بالشراكة مع الناشرين الصغار والمتوسطين في جميع أنحاء الولايات المتحدة على بناء منتجات رقمية مفتوحة المصدر، مدعومة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في دعم غرف الأخبار المحلية، والمساعدة في تسريع المهام الصحفية (LOCAL NEWS LAB,2023).
تجدر الإشارة إلى أن هذا المعهد هو نتاج تعاوني بين جامعتي كولومبيا Columbia University وجامعة ستانفورد Stanford University ؛ وذلك لدعم الابتكارات الرقمية في قطاع الإعلام، وتشجيعها، وهذا يدعو إلى طبيعة العلاقة القائمة على التعاون بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية السعودية، وأهمية الحاجة للتعاون مع الجامعات في تطوير غرف الأخبار، ولا يقتصر هذا التعاون كما هو شائع بين المؤسسات الصحفية وأقسام وكليات الإعلام في الجامعات؛ بل يتجاوز ذلك إلى التعاون مع كليات الهندسة، وإدارة الأعمال، وكليات الحاسب الآلي؛ وذلك لتطوير الابتكارات، وصناعات التكنولوجيا، وصناعات المحتوى في غرف الأخبار، وصالات التحرير الصحفية.
التعقيب الثاني – أ. حمد بن محمد السمرين
مفهوم الاتصال في عصر الذكاء الاصطناعي:
إن المرحلة التالية من التحول الرقمي هي مرحلة الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي الذي- بدوره- أحدث نقلة نوعية في مفهوم الاتصال المتعارف عليه؛ وذلك من اتصال الإنسان بالإنسان، إلى اتصال الإنسان بالآلة، واتصال الآلة بالآلة؛ فإن علماء الاتصال كانوا يعتبرون الآلة أداة اتصال، وليست قائمًا بالاتصال. وفي دراسة نشرها الباحثان Seth Lewis & Andrea Guzman ترى أن الذكاء الاصطناعي أحدث هزة لعلماء الاتصال بأنه جعل القائم بالاتصال هو الآلة، ولم تعد أداة كما في السابق، وذكر الباحثان أن الذكاء الاصطناعي في دراستهما هو من يقوم بمهام الاتصال التي كان يقوم بها البشر سابقًا، وتشمل: وكلاء المحادثة، والروبوتات الاجتماعية، وبرامج الكتابة الآلية؛ وذلك باستخدام معالج اللغات الطبيعية، وتوليد اللغات الطبيعية، وفي الإطار نفسه؛ فإن الناس تعودوا الحديث مع سيري SIRI في أبل وألكسا Alexa من أمازون.
من هنا تأتي أهمية مراجعة نظرية مارشال ماكلوهان (الحتمية التكنولوجية)، وهي تقوم على أن الوسيلة هي الرسالة، وأنه لا يمكن النظر للرسالة بالاستقلال عن الوسيلة الإعلامية، وأن مضمون الرسالة، والجمهور يؤثران على ما تقوم به الوسيلة، وطبيعة الوسيلة تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون الاتصال. (الدهيمشي وزملائه،2019م) كما هو الحال مع برنامج التيك توك TikTok ؛ حيث يقوم المستخدمون بتصفحه ذاتية الشكل للبرنامج، وبما أن أحد فروض النظرية هي أن وسائل الاتصال امتداد لحواس الإنسان؛ فإن الذكاء الاصطناعي (الروبوت)- على سبيل المثال- هو امتداد للإنسان بشكل شبه كامل؛ وذلك في شكله، وأحاسيسه، وتصرفاته، وليس فقط حواسه؛ بل يمكن حصر الفرق بين الإنسان والآلة؛ وذلك من الناحية الاتصالية في الشعور والأحاسيس.
واقع استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية:
ما زال استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية في مراحله المبكرة؛ فمن خلال رصد بعض الدراسات السابقة المنشورة تبين أن الاتجاه السائد في المؤسسات الإعلامية بالسعودية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في غرفة الأخبار غير مرضي؛ فقد ذكر الباحث (أيمن بريك) أن نسبة استخدامه في مصر والسعودية منخفضة بنسبة 34%، ومعدومة بنسبة 34%، وهو ما يشير إلى ضعف استخدامها بنحو 68%. وهذا ما أكدته دراسة محمد مساوى على (400) مبحوث من المتخصصين، والممارسين في الإعلام؛ حيث ذكر 85.7% منهم أنه ما زال تطبيق الذكاء الاصطناعي في المحتوى الإعلامي في مرحلة النمو. (مساوي، 2022م).
ويرجع انخفاض استخدام الذكاء الاصطناعي إلى أسبابٍ؛ منها: عدم وعي القائمين بالاتصال بأهميته، وما قد يحدثه من مساهمة في جمع الخبر من مصادره، والتحقق من صحته، ثم كتابته بعد تنقيحه للجمهور المستهدف، ثم نشره في المنصات؛ بما يتناسب مع نوعها. هذا بالإضافة إلى المخاوف أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر؛ فيأخذ وظائف العاملين في الإعلام. وتأتي التكلفة المالية العالية للبنية التحتية التقنية للذكاء، إلى جانب عدم تدريب القائمين بالاتصال على استخدامها، وهو أحد الأسباب في عدم انتشار استخدامه، وأوضحت دراسة محمد مساوى أن 61% يعتبرون جاهزية المؤسسات الإعلامية السعودية لاستخدام الذكاء الاصطناعي متوسطة، وبينت الدراسة أن عدم توافر الإمكانيات المادية والبشرية للتنفيذ، وارتفاع التكاليف المادية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، هذا بالإضافة إلى عدم تحمس القيادات الإعلامية الحالية للتطوير، (مساوي، 2022م) ساهم في عدم رواج استخدامه في المؤسسات الإعلامية السعودية، وقد أيدت دراسة نايف المطيري الأسباب المذكورة في الدراسة السابقة؛ حيث أدى “ضعف الكوادر المتخصصة في استخدامات الذكاء الاصطناعي، وغياب الاعتراف المؤسسي بدور التقنيات الذكية، هذا بالإضافة إلى قصور التمويل؛ وذلك من جهة عجز المؤسسات الإعلامية عن الوفاء بشروط المواكبة الذكية والعصرية لتحولات الصناعة الإعلامية”، (البدوي، 2023م) إلى عدم التحول لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي.
وفي هذا الإطار يؤكد هذا المعنى الباحث مصطفى هندي؛ وذلك في دراسته عن المخاوف من الاعتماد على التقنية، وهذا لا يعتبر من “الرهاب التكنولوجي”؛ بل يرى أن الرصد للتقنية بشكل عام ضروري، خصوصًا حسب ما يقول: إن “الهيمنة الكاملة للتكنولوجيا” قائمة في كل جوانب المعرفة والفكر؛ إذ نتج عن ذلك أنها بدلت “المجهود الذهني والإدراكي للعقل البشري بالآلة؛ فلا مناص من الوقوف طويلًا على أثر هذه العملية في الإدراك والمعرفة”. (هندي، 2022م)
ومن الملاحظ أنه مع خروج كل تقنية حديثة؛ فإنه توجد فئة من الباحثين يميلون للتشاؤم والتحذير منها، ثم مع الوقت يتم تقبلها وتبنيها، وحصل ذلك مع كل التقنيات الحديثة عندما تم اختراعها، كما حصل ذلك عند اختراع الطابعة، وهذا ما يحصل الآن مع الذكاء الاصطناعي، وفي هذا السياق تأتي النظرية الموحدة في قبول التكنولوجيا، واستخدامها (Unified Theory of Acceptance & Use of Technology)؛ لتساعد في قياس مدى وعي القائم بالاتصال، وتقبله للتقنية، وكذلك مدى استخدامها في العمل الإعلامي والاتصالي.
وبالإشارة إلى الأخطار المحتملة للذكاء الاصطناعي يرى الشاذلي أن الانحياز العنصري للتقنية هو الخطر الحقيقي، ويوضح ذلك من جهة أن “بنية الانحياز التقني تبدأ من انحيازات المنظومة العامة في المجتمع، مرورًا بالشخصية البشرية التي تنتج عن المجتمع وطبيعته، والتربية والنشأة، وصولًا إلى الانحياز إلى التقنية الذي قد يظهر على أنه محض مشكلة حسابية، أو إحصائية، لكنه في حقيقته مركب، ويمثل انعكاسًا أو لنقل محصلة لانحيازات المنظومة المجتمعية، وانحيازات الأشخاص”، ويضرب بمثال بـChatGPT التي أظهرت إجابات تنحاز لليسار الليبرالي. (2023م)
مستقبل الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي، والاتصالي:
ومن خلال القراءة عن الذكاء الاصطناعي يمكن اعتبار مستقبله يمر عبر مرحلتين: المستقبل القريب، والمستقبل البعيد. والمقصد من القريب هو إلى عام 2030م، وهو ما ذكره (جيريمــي غيلبــرت) الأستاذ المتخصــص فــي إســتراتيجية الإعلام الرقمــي بجامعــة (نــورث وســترن) من أن الذكاء الاصطناعي يساعد في جمع البيانات الضخمة التي ترد للصحفيين، وفرزها وتحليلها، كما يعين على تكييــف التجربــة الإخبارية؛ حيث يساعد على معرفة توقعات الجمهور المتغيرة بناء على سلوكه الرقمي، وكذلك يساهم الذكاء الاصطناعي في إعــادة تصــور هيــكل القصـص، ومضمــونها؛ حيث يتم استخدام أسلوب الإجابة عن الأسئلة، كما هو الحال مع ChatGPT. (إيمولودان، 2023م)
أما المستقبل البعيد، وهو ما بعد عام 2030م؛ فقد أكد (إيلون ماسك) أن الذكاء الاصطناعي حتمية، وأنه لا مفر منه، وهو أخطر من الأسلحة النووية (واه، 2023م)؛ لذلك لابد من التعامل معه، وتركيز التطوير للذكاء البشري بدل الذكاء الاصطناعي. ويتوقع أن يكون التواصل عبر الخواطر في حال تم زرع شرائح شركة (نيورالينك) في دماغ البشر في المراحل التالية لاستخدامه، والتمكن من حفظ الذاكرة، واستعادتها؛ بل ونقلها للحاسب في حال الوفاة. (إسماعيل، 2023م) ولعل السؤال يكون: هل سيتمكن الإنسان من مشاهدة ذكرياته؟ ففي إحدى حلقات مسلسل Black Mirror، كانت إحدى الشخصيات تراجع ما حدث؛ وذلك من خلال استعادة ذكرياتها عبر مشاهدتها في التلفاز.
- المداخلات حول القضية:
- الذكاء الاصطناعي في الواقع المعاصر، والتحديات المرتبطة بتنامي تأثيراته:
تمر بنا في كل حقبة زمنية مصطلحات ومفاهيم تطغى على وسائل الإعلام، وتأخذ الاهتمام في أحاديث المجالس، وتقام حولها المؤتمرات العلمية والندوات وورش العمل؛ بل تقام الدورات التدريبية حولها؛ حتى تجد الكثيرين ممن يزاحمون المتخصصين، ويفتون فيها، ويدعون الخبرة، ومن هذه المصطلحات- مثلاً- العولمة في التسعينيات الميلادية، والإعلام الجديد، وصناعة المحتوى، ومشاهير التواصل الاجتماعي، وغيرها.
وخلال خمس السنوات الماضية في عصرنا هذا طغى مفهوم الذكاء الاصطناعي؛ حتى أصبح حديث الكل؛ فعلى مر الزمن كان الذكاء الاصطناعي حاضرًا فقط في الخيال العلمي؛ فتارةً ما يُسلط الضوء على الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي على البشرية، وجوانبه الإنسانية المشرقة، وتارةً أخرى يُسلط الضوء على الجوانب السلبية المتوقعة منه، ويتم تصويره على أنه العدو الشرس للبشرية الذي يعتزم احتكار الحضارة، والسيطرة عليها.
وأصبح الذكاء الاصطناعي في عام 2018م حقيقة لا خيالًا، ولم يعد يحتل مكانًا في عالم الثقافة الشعبية فقط؛ فقد كانت سنة 2018م بمثابة النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي؛ إذ نمت هذه التكنولوجيا بشكل كبير على أرض الواقع؛ حتى أصبحت أداة رئيسية تدخل في صلب جميع القطاعات.
لقد خرج الذكاء الاصطناعي من مختبرات البحوث، كما خرج من صفحات روايات الخيال العلمي؛ حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية؛ وذلك ابتداءً من مساعدتنا في التنقل في المدن، وتجنب زحمة المرور، ووصولًا إلى استخدام مساعدين افتراضيين لمساعدتنا في أداء المهام المختلفة، واليوم أصبح استخدامنا للذكاء الاصطناعي متأصلًا في جذور الحياة من أجل الصالح العام للمجتمع.
وواقع الأمر أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى “خوارزميات بحث” في البيانات الضخمة Big Data ، ومتى عثر على ما يطابق المطلوب قدمه؛ بوصفه إجابة؛ فإن كان هذا المطابق خطأ في أصله، وكان كثيرًا؛ فإنه يُغَرِّرُ بهذا الذكاء الاصطناعي (غير الذكي)، ويأخذ به، ويقدمه كما لو كان هو الصواب.
أمام هذه الإشكالية؛ فإن الذكاء الاصطناعي- فيما يبدو- لا يزال في مرحلة مبكرة، وأراه في مرحلة Early take off التي تضمنها منحنى إس للابتكار S Innovation Curve، وهو منحنى يشرح مراحل نمو الابتكار.
كذلك فإن من يوظفون الذكاء الاصطناعي- حاليًّا- هم فئة المتبنون المبكرون Early Adopters ؛ وذلك حسب نظرية انتشار الابتكار Diffusion of Innovation ، والمنحنى الخاص بها، وربما يكون هؤلاء في آخر مرحلة التبني المبكر.
ومنذ عدة سنوات و(قوقل) تستثمر في شركات الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاتها، ولم تتوقف؛ فقد استثمرت شركة (قوقل) مؤخرًا ملياري دولار في شركة Anthropic للذكاء الاصطناعي، وقبلها استثمرت شركة (أمازون) في Anthropic بقيمة تصل إلى (4) مليارات دولار.، وهذه الاستثمارات تؤكد أن هذه الشركات العملاقة تدرك أن تطبيقات الذكاء الصناعي، وما تقدمه من خدمات إعلامية ومعلوماتية قمنة بمزيد من الضخ المالي الكبير.
وقد تكون أكبر التحديات القادمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتأثيراته المتنامية هي في الصناعة ذاتها؛ إذ إن صناعة الرقائق الدقيقة Transistor هي أحد أهم العوامل المؤثرة في هذا المجال اليوم؛ ونظرًا لتعقيداته المستمرة وصلنا لمرحلة أخلت بأحد أهم القوانين المرتبطة في مجال صناعة الرقائق المتناهية الصغر Moore’s Law التي تفترض أنه كل سنتين يمكن مضاعفة عدد الرقائق الصغيرة في شريحة سيلكون واحدة؛ ولهذا تقلص عدد الشركات التي يمكنها أن تنتج شرائح جديدة تتفوق بشكل ملحوظ على الموجود، واقتصر الموضوع اليوم على شركة واحدة، ألا وهي Nvidia؛ فهي في سباق مع ذاتها، خاصة في كروت معالجة مبنية خصيصًا للذكاء الاصطناعي.
ويكمن التحدي الفعلي في القدرة للوصول إلى هذه التقنيات؛ إذ يتمثل أحد النماذج الأولى التي بدأنا نراها في الاحتكار هو عندما طلبت السعودية (3000) كرت من نوع H100 من شركة Nvidia التي أتى بعدها حظر رسمي من الحكومة الأمريكية لشركة Nvidia بعدم البيع إلى (عدد من الدول في الشرق الأوسط) إلا بتصريح رسمي من الحكومة الأمريكية، وهو الحظر ذاته الذي طبقته الحكومة على الشركة في السنة الماضية على مبيعاتها في الصين. كما امتد المنع- أيضًا- لشركة AMD ، وهي المنافس الأول لشركة Nvidia.
فالتحديات القادمة- في هذا المجال- تتعدد، وأحد أهم جوانبها يتطلب منا النظر في إمكانية إنشاء مراكز بحث وتطوير R&D لبناء، وصناعة الرقائق المتناهية الصغر، والمنافسة في الصناعة ذاتها عالميًّا.
- انعكاسات تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإعلام:
جرى التوسع في إطلاق كلمة “ذكاء اصطناعي” بشكل مبالغ فيه؛ فكما يُقَالُ: برنامج الذكاء الاصطناعي هو القادر على التعلم، ومعالجة المعطيات المختلفة لحل مشكلة، وفهم اللغة البشرية، والتعرف على الواقع، أو البيئة المحيطة، وقدرته على التكيف وأداء عمليات لم تكن متوقعة، وأن التطبيقات التي لا تستطيع فعل ذلك لا يمكن أن تكون تطبيقات ذكاء اصطناعي؛ لذا فكثيرًا ما ينشر عن قدرات، وايجابيات، ومخاطر تطبيقات الذكاء الاصطناعي غير دقيقة.
ومن ناحية أخرى فإن معالجات الحاسبات الآلية، وأجهزة الجوال الذكية تزداد قوة وانخفاضًا في الأسعار، وأن ما يتطلب حاسبات قوية مثل “شاهين” سيتم عمله على حاسب شخصي، أو جهاز جوال.
الإعلام قطعًا سيتغير إلى حالة لا نستطيع توقعها الآن؛ ففي العصر الأموي كان جرير والفرزدق أضخم وسيلتي إعلام، ثم انقلب الحال مع ظهور المطبعة ودُور النشر، والمؤسسات الصحفية، ثم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فقط ملاحظة هذه التغيرات الكبرى والثورية في الإعلام تجعلنا نتوقع مصيرًا خارج نطاق قدرة الإنسان على تخيله.
وفي هذا الإطار يمكن تقسيم الذكاء الاصطناعي إلى قسمين: البرمجي، وهو المنتشر، والذكاء الاصطناعي الذي يحاكي الذكاء البشري؛ بمعنى: أن يفكر، ويحلل، ويكون عنده أحاسيس ومشاعر يعبر عنها، والأخير ما زال تحت التطوير؛ فمثلًا المذيع الاصطناعي يقدم الأخبار، ولكن ماذا عن التفاعل والتحليل بالطريقة البشرية! هذا الأمر تحدث عنه الباحثون من ناحية تغير شكل الاتصال من الإنسان – (الإنسان إلى الإنسان- الآلة) الذي بدوره جعل الإنسان يطمع في تفاعل واتصال مثل الذي يحدث بين البشر، وهو ما ينطوي على خطورة تغول الآلة والتقنية، وتشكيلها للمعرفة، والإدراك للبشر.
ولا شك أن الذكاء الاصطناعي ينافس وبقوة في شتى القطاعات، والإعلام، والقضاء قد ينال من هذا نصيبًا، وفي السنوات الماضية تنافست الشركات في تفعيل الذكاء الاصطناعي التنبؤي في مجال الإعلام، وتحديدًا ما يعرف بــ (الترند) إلا أننا نجد ذلك شحيحًا في اللغة العربية؛ وذلك نظرًا لصعوبة تفعيله مع تعدد اللهجات، ومع اختلاف الصياغات والتأويلات للجمل باللغة العربية، وهو الأمر الذي جعل المهمة أكثر تعقيدًا على باحثي العرب لسد هذا الاحتياج.
ولعل من أهم ما يمكن الاستثمار فيه هو تفعيل محتوى قنوات التواصل الاجتماعي، وتلخيص أبرز المعالم الاخبارية، وخاصة باستخدام منصات، مثل: تويتر، وهذا يحتاج لفهم عميق ودقيق لمفردات اللغة العربية، وعمل خوارزميات خاصة لتتلاءم معها؛ لأنه لا يمكن أن يتم تطبيق الأساليب نفسها المتبعة للغة الانجليزية؛ ومن هنا دعت الحاجة لحث الباحثين، ودعمهم لسد هذه الفجوة بالتعاون مع خبراء اللغة والإسناد والدلالات المختلفة؛ وذلك للوصول للدقة المطلوبة للتفعيل.
وتذهب بعض وجهات النظر إلى أن المؤسسات الإخبارية ستعاني منافسة شرسة من شركات، مثل: جوجل وفيسبوك التي لديها منصات لإنتاج الأفلام والمسلسلات والأغاني، والولايات المتحدة الأمريكية ستسيطر على كل مجالات الإعلام، وتحتكرها عن طريق المحتوى المحلي لكل منطقة؛ إذ ينتجه أفراد المجتمع، وتتحكم فيه شركاتها. وهذه الشركات؛ من مثل: ام بي سي، وروتانا ستختفي، وستجد لنفسها وسيلة؛ لتكون منصات محلية لشركات أمريكية- كما هو الحال- مع شركات الاتصالات وواتساب؛ فالدول الديكتاتورية التي تستخدم الإعلام؛ بوصفه وسيلة للسيطرة على الشعوب ستفقد سلاحًا مُهِمًّا، ولكن الخشية أن تلك الدول الدكتاتورية ستتجه لتستفيد من الذكاء الاصطناعي، وخاصة برامج (Deepfakes) التزييف العميق؛ وذلك لتشويه صورة خصومها إعلاميًّا؛ فيما يسمى “بالاغتيال المعنوي للشخصية”، وهذه البرامج من أخطر البرامج المؤثرة إعلاميًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا.
ومن وجهة نظر البعض فإن أية تشريعات نسعى إليها، وتتعلق بالذكاء الاصطناعي في المجالات الإعلامية لن تتجاوز كونها معايير تدخل ضمن أخلاقيات الإعلام، وهي معايير لا يستجيب لها أحد إلا فئة قليلة من الجمهور تتطلع لضبط الممارسة الإعلامية. أما العالم اليوم؛ فهو يتسابق من أجل التزييف والكذب، ويبدو أن تقنيات الذكاء الصناعي ستتيح لهؤلاء الكثير من المحتوى الذي يوظفونه لخدمة مصالحهم؛ ومن ثَمَّ فإن القادم قد يكون أخطر وأسوأ، إن لم نعمل على السيطرة عليه، والحد من آثاره عمليًّا، أو توظيفه ليقوم بإنتاج المواد التي تعين على كشف التزييف، وتعين على صناعة محتوى يقاوم أضراره.
والتصور أن مثل ذلك سيكون عملًا يسهم في خلق الكثير من الآثار الايجابية التي ستنعكس على الإعلام والإعلاميين وعلى المجتمع؛ إذ حين يحسن الإعلاميون والمؤسسات الإعلامية توظيف تقنيات هذا الذكاء الاصطناعي سيجدون أن عليهم أن يتفرغوا للإبداع الإعلامي؛ مما قد يمهد لعهد جديد من صناعة الإعلام؛ وذلك إنما يكون اتساقًا مع جديد كل المنصات الإعلامية؛ لا سيما أن الإعلامي- لاحقًا- سيجد أن ما يقدمه الذكاء الاصطناعي له من: الأفكار، والآراء، والإنتاج سيضيف له الكثير؛ حتى يحلق في سماء الإبداع، ويبقى صانعًا حقيقيًّا للمحتوى ومؤثرًا أيَّمَا تأثير.
- مستقبل الإعلام السعودي في ضوء تحديات الذكاء الاصطناعي:
ذكر رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي قبل عامين أن المملكة تستثمر في الذكاء الاصطناعي حتى عام 2030م؛ وذلك بما مقداره (20) مليار دولار؛ أي: ما يعادل (75) مليار ريال موزعة بين الاستثمار الأجنبي والاستثمار المحلي؛ فنحتاج فعلًا إلى أن نحقق الكثير من النجاحات الإعلامية التي يكون مصدرها بيانات الذكاء الاصطناعي الضخمة؛ فالعالم اليوم يستثمر في ذلك من أجل الاستحواذ على منصات البث، وادارة المحتوى في كل منصات البث المتنوعة، وكذلك صناعة خدمات أخرى، وبخاصة مع وجود منصات من دول أخرى أضحت تنافس كبريات المنصات الأخرى.
وقد كتبت “دايان كويل” أستاذة السياسات العامة في جامعة (كامبريدج) مقالًا يصف بعض الجوانب المعنية بأهمية الاستجابة السريعة لتحديات الذكاء الاصطناعي، وتهديداته عن طريق السياسات المستنيرة بالأدلة؛ وذلك لكبح جماح الاستخدام المفرط والجائر للتقنية، وترشيدها لما يخدم المصالح الوطنية والانسانية، ويساهم في تمكين الدول والشركات من استخدام هذا المورد التقني المهم؛ وذلك فيما يخدم الأهداف المشروعة، وخاصة في المجالات المهمة والمؤثرة، مثل: الإعلام.
فمثلًا مؤخرًا أضاف محرك بحث (قوقل) Google خيارًا جديدًا اسمه About this image (حول هذه الصورة)؛ حيث يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويقدم سجلًا واسعًا لكثير من الصور، وكذلك للعديد من المعلومات حولها، مثل: تاريخ تصويرها، ونشرها، وأماكن وجودها؛ بما في ذلك محتوى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومثل هذه الخاصية تبدو اليوم أكثر أهمية؛ لاسيما مع الضخ الإعلامي الكبير للصور الذي أصبحت تستخدمه وسائل إعلامية، ومنصات بث عديدة حول كثير من اللقطات القديمة، وتوظيفها في أحداث معاصرة، ومثل هذه الخدمات وغيرها نحتاجها اليوم في دعم المحتوى الإعلامي المحلي الذي نقدمه؛ حتى يصل للجمهور، ويصبح سلاحًا ماضيًا لمواجهة كثير من الحملات التي لا تزالُ تُوَجَّهُ للمملكة.
وبالنسبة للمملكة؛ فإن الإعلام السعودي إعلام حريص وحساس بالنسبة لصحة المعلومة؛ ولذلك قد يكون هذا سببًا في تريثه حتى يصل هذا النوع من الابتكار إلى مرحلة النضج maturity ؛ حتى يتمكن من استخدامه بعد ذلك باطمئنان ويقين تام، وهذا الطرح يتناول الجوانب الأساسية في العمل الإعلامي، أما استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم العاملين، وتسهيل مهماتهم، بينما يبقى المحتوى رهن أيديهم؛ فهذا أمرٌ لا نقاش فيه، وكل أداة “مساعدة” للإنسان سيستخدمها طبعًا دون تحفظ.
وبالنظر لمخاطر الذكاء الاصطناعي، والتحديات المرتبطة به اقترح البعض أن تتولي المملكة تشكيل فريق عمل بالتنسيق مع جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي لتقديم صوت موحد في التنظيمات العالمية، ومجموعات تكتلات الدول، مثل: الاتحاد الأوروبي، وغيره؛ وبذلك تكون المملكة رائدة في هذا المجال، ويعزز توجهاتها نحو التقنيات الرقمية في الفضاء العالمي. كما أن من الملائم تنظيم مؤتمر دولي بهذا الشأن، ويكون شموليًّا يتناول (إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية الاستفادة منه، وكيفية تجنب مساوئه)، ويُدعى فيه كذلك أرباب الشركات الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي.
في حين يذهب البعض الآخر إلى أن الظرف الجيوسياسي، والقيمة المتوخاة من هذا التوجه التكاملي قد لا يساعد على تحقق مشاركة فعالة للدول العربية بمنظمة تتطلب الديناميكية والتفاعل، وسرعة اتخاذ القرار، لكن دول مجلس التعاون الخليجي أقدر على تسريع وتيرة إنشاء منظمة إقليمية يمكن أن تُوحد الجهود التنظيمية، وتضيف قوةً تفاوضية للاستجابة لتحديات الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وغيره من المجالات: السيادية والتنموية والاقتصادية- كما هو الحال- في الاتحاد الأوروبي.
وانطلاقًا من القول: إن ما ينطبق على “الإعلام الاصطناعي” إن جاز التعبير ينطبق على حال الإعلام التقليدي؛ وذلك بخصوص الكذب والتدليس، وتمرير وجهات النظر المنحازة؛ فلعل الحل الأمثل فيه هو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي وطنية، أو العمل على تكوينها من خلال تكتل سياسي، مثل: مجلس التعاون الخليجي، أو جامعة الدول العربية، ومن جانب آخر ثمة أهمية؛ لأن تلتزم المؤسسات الإعلامية، وكذلك المؤسسات التعليمية، ومراكز البحوث، وغيرها من المؤسسات المدنية؛ سواء كانت في القطاع الحكومي، أو القطاع الخاص، أو القطاع الثالث غير الربحي؛ وذلك بإنشاء وحدة تقنية داخل هذه المنشآت تعتني بالذكاء الاصطناعي، وتهتم بأمره.
وأيضًا- بالنظر إلى أن الذكاء الاصطناعي- سيتم إنشاء محرك كبير لقنوات تُدَارُ بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة القنوات الخاصة، وقنوات اليوتيوب التي ستخرج لنا تطبيقات لم نكن نتوقعها إطلاقًا قبل عدة سنوات؛ فقد رأينا وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» تبث حديثًا لأول مذيع افتراضي، تم فيه دمج التسجيل الصوتي والفيديو في الوقت الحقيقي؛ وذلك مع شخصية افتراضية. كل ذلك قد حدث في تطور واضح لعمليات استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال تكنولوجيا محاكاة الإنسان للصورة الذهنية، الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في الوسط الإعلامي، وهناك تساؤلٌ آخر هو: ما مدى الجاهزية لمثل هذه الاستخدامات، وبالذات أثناء الأزمات؟.
لذلك التحدي كبير لقطاع الإعلام؛ لأنه يتوجب على المختصين المواكبة، والدخول، والتعرف على أهم التقنيات الجديدة، ووضع أسئلة البحث المتمثلة في: ماذا تحتاج غرف الأخبار؟ ماذا يحتاج الصحافي الجديد؟ ماذا يريد الإعلام من تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وذلك من أجل تطوير الأعمال الذي سيشكل أبعادًا جديدة لإعلام يتميز بالاحترافية، إنه عالم جديد؛ فيجب إنشاء أقسام تهتم بتطويره على وجه السرعة، خاصة أن المملكة- بفضل الله تعالى- ستستضيف أحداثًا عالمية يجب أن يكون إعلامنا قادرًا على إثبات علوه في تغطيتها.
ويُلاحظ- إجمالًا- أن موضوع الذكاء الصناعي- على الرغم من- بداياته المبكرة إلا أن التحولات الواسعة في طبيعة الخدمات التي تقدمها تطبيقاته، وبخاصة في الإعلام يجعلنا نحث الخطى بوتيرة أسرع؛ كي نوظفَ هذه التقنيات في ضخ كثير من المحتوى الإعلامي الذي يتناول موضوعات متنوعة، ونقوم بتوظيفه في خدمة قضايا المملكة؛ وذلك عبر وسائل الإعلام، ومنصاته التي تخاطب الجمهور المحلي، والعربي، والعالمي.
- التوصيات:
- إنشاء كيان “هيئة، أو مصلحة، أو وكالة” تُعنى بكافة جوانب الذكاء الصناعي، وتضع مؤشرات تكفل استخدام الذكاء الاصطناعي؛ وذلك بطريقة مسؤولة، وآمنة إعلاميًّا.
- بناء أنظمة ذكاء اصطناعي وطنية، أو العمل على تكوينها من خلال تكتل سياسي، مثل: مجلس التعاون الخليجي، أو جامعة الدول العربية يُعْنَى بصياغة السياسات والتشريعات لأنظمة الذكاء الاصطناعي في الدول العربية والإسلامية، وتكون فيه المملكة العربية السعودية رائدة.
- إنشاء مراكز بحث R&D لتسخير الذكاء الاصطناعي، وتطويرها لخدمة المتحدثين باللغة العربية، وكذلك لبناء الرقائق المتناهية الصغر، وصناعتها، والمنافسة في الصناعة ذاتها عالميًّا، وكذلك تشجيع المشاريع المشتركة بين الجامعات والشركات التقنية؛ وذلك للبحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وآليات صناعتها.
- التعاون مع المؤسسات العالمية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي؛ بما يفيد الإعلام والاتصال، خصوصًا أن توجه الإعلام هو استهداف الأفراد، وليس الجماهير.
- التواءم مع التقنية وتحولاتها الكبرى، وما ستحدثه من تغييرات في مجال العمل؛ حيث ستنتهي بعض الوظائف، وتنشأ أخرى.
- ابتعاث طلاب وطالبات لدراسة مجال الذكاء الاصطناعي، واستخداماته؛ وذلك في الجامعات التي حققت قفزات نوعية فيه.
- إنشاء منظمة عربية؛ وذلك أسوة بالسوق الأوروبية، تكون خاصة بأنظمة الذكاء الاصطناعي.
- تنظيم مؤتمر دولي بهذا الشأن، ويكون شموليًّا حول (إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية الاستفادة منه، وكيفية تجنب مساوئه)، ويُدعَى فيه كذلك أرباب الشركات الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي.
- تفعيل الذكاء الاصطناعي التنبؤي في مجال الإعلام، وتحديدًا ما يعرف بــــ (الترند)؛ وذلك من خلال تحليل محتوى قنوات التواصل الاجتماعي، وتلخيص أبرز المعالم الإخبارية، وخاصة باستخدام منصات، مثل: تويتر، وهذا يحتاج لفهم عميق ودقيق لمفردات اللغة، وعمل خوارزميات خاصة؛ لتتلاءم مع لغتنا.
- توظيف الذكاء الاصطناعي؛ ليقوم بإنتاج المواد التي تعين على كشف التزييف، وصناعة محتوى يقاوم أضراره؛ مما قد يسهم في خلق الكثير من الآثار الإيجابية التي ستنعكس على الإعلام، والإعلاميين، وعلى المجتمع بأسره.
- إلزام المؤسسات الإعلامية، وكذلك المؤسسات التعليمية، ومراكز البحوث، وغيرها من المؤسسات المدنية؛ سواء كانت في القطاع الحكومي، أو القطاع الخاص، أو القطاع الثالث غير الربحي؛ وذلك بإنشاء وحدة تقنية داخل هذه المنشآت تعتني بالذكاء الاصطناعي، وتهتم به، وتقوم بتدريب العاملين، وتهيئة البنية التحتية للمؤسسات الإعلامية؛ لتبني هذه التقنية.
- المصادر والمراجع
- إصدارات سدايا. (2023م). Retrieved from sdaia: https://sdaia.gov.sa/ar/MediaCenter/KnowledgeCenter/Pages/SDAIAPublications.aspx
- الخمشي, ز. (2023م). كيف حققت السعودية المركز الأول في مؤشر Ai العالمي للذكاء الاصطناعي؟. سبق.
- الرجل, م. (2023م). صحيفة الشرق الأوسط بإطلالة عصرية تقود السرب.. وتُغرد منفردة. Retrieved from الرجل: https://www.arrajol.com/content/307306/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A8%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA
- السيد, س. (2023م). المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام تختتم مشاركتها في مهرجان كان ليونز 2023م بنجاح حافل. صحيفة المناطق.
- العربية.نت. (2023م). مجلس الوزراء السعودي يقر إنشاء “المركز الدولي لأبحاث الذكاء الاصطناعي”. العربية.نت.
- مساوي، محمد.2022م. رؤية مستقبلية: دور استراتيجيات الاتصالية في صناعة المحتوى الإعلامي في ضوء تطبيق تقنيات الذکاء الاصطناعي. المجلة المصرية لبحوث الإعلام. كلية الإعلام. القاهرة.
- واس. (2023م). “سدايا” و”التعليم” تطلقان “مبرمجي ذكاء المستقبل” لطلاب وطالبات المتوسطة والثانوية.
- واس. (2023م). سدايا تصدر تقريرًا عن الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الكبيرة. الرياض.
- ALKHUNAIZI, S. (2023). Saudi Arabia should look into investing in AI to control English narrative: Saudi Media Forum panelists.
- Bedingfield, W. (2023). How Indiana Jones and the Dial of Destiny De-Aged Harrison Ford. wired.
- Biever, C. (2023). ChatGPT broke the Turing test — the race is on for new ways to assess AI. nature.
- Castillo, M. d. (2015). Nifty New York Times technology won’t cut out the need for a social media gut-check. New York Business Journal.
- DYSART, J. (2022). BBC’S AI-GENERATED NEWS: EVER MORE SOPHISTICATED. robotwritersai.
- Hsu, J. (2023). Deepfake videos create false memories – but so do fake articles. Retrieved from metroids: https://www.newscientist.com/article/2383218-deepfake-videos-create-false-memories-but-so-do-fake-articles/
- Hsu, T. (2019). These Influencers Aren’t Flesh and Blood, Yet Millions Follow Them. the new york times.
- JACKSON, F. (2023). Meet China’s AI news anchor: Virtual young woman claims to have learned the skills of ‘thousands’ of presenters – but can only answer pre-set questions with propaganda-driven responses.
- Jacob Zinkula, A. M. (2023). A guy tried using ChatGPT to turn $100 into a business making ‘as much money as possible.’ Here are the first 4 steps the AI chatbot gave him. Yahoo News.
- Mathur, V. (2023). Netflix’s use of Artificial Intelligence Algorithms. analyticssteps.
- Memish ZA, A. M. (2021). The Saudi Data & Artificial Intelligence Authority (SDAIA) Vision: Leading the Kingdom’s Journey toward Global Leadership. J Epidemiol Glob Health.
- Online, E. (2023). India welcomes its first regional AI news anchor, ‘Lisa’.
- Peters, J. (2023). BuzzFeed is using AI to write SEO-bait travel guides. theverge.
- Press, A. (2019). AP to automate men’s college basketball game previews using Automated Insights.
- (2023). سدايا ورؤية 2030. Retrieved 2023, from https://sdaia.gov.sa/ar/SDAIA/SdaiaStrategies/Pages/sdaiaAnd2030Vision.aspx
- Service, L. I. (2023). Lynx Insight Service. Retrieved from https://www.reuters.com/authors/lynx-insight-service/
- Shaban, H. (2018). Who’s that royal? Sky News will use artificial intelligence to ID guests at Prince Harry and Meghan Markle’s wedding. The Washington Post.
- (2020). The Washington Post to debut AI-powered audio updates for 2020 election results. The Washington Post.
- Reuters (2023) UK media coverage of artificial intelligence dominated by industry, and industry sources, Reuters Institute for the Study of Journalism. Available at: https://reutersinstitute.politics.ox.ac.uk/news/uk-media-coverage-artificial-intelligence-dominated-industry-and-industry-sources (Accessed: 29 August 2023).
- Mullin, B. and Grant, N. (2023) Google tests A.I. Tool that is able to write news articles, The New York Times. Available at: https://www.nytimes.com/2023/07/19/business/google-artificial-intelligence-news-articles.html (Accessed: 27 August 2023).
- LOCAL NEWS LAB (2023) About Us – local news lab – brown institute – columbia university, About Us – Local News Lab – Brown Institute – Columbia University. Available at: https://lnl.brown.columbia.edu/about-us (Accessed: 27 August 2023).
- Kabir, S. et al. (2023) Who answers it better? an in-depth analysis of chatgpt and stack overflow answers to software engineering questions, arXiv.org. Available at: https://doi.org/10.48550/arXiv.2308.02312 (Accessed: 22 August 2023).
- Chen, L., Zaharia, M. and Zou, J. (2023) How is CHATGPT’s behavior changing over time?, arXiv.org. Available at: https://arxiv.org/abs/2307.09009 (Accessed: 22 August 2023).
- Bauder, D. (2023) AP, other news organizations develop standards for use of artificial intelligence in newsrooms, AP News. Available at: https://apnews.com/article/artificial-intelligence-guidelines-ap-news-532b417395df6a9e2aed57fd63ad416a (Accessed: 29 August 2023).
- Carlson, N. (2023) My editor’s note to the newsroom on AI: Let’s think of it like a ‘bicycle of the mind’, Business Insider. Available at: https://www.businessinsider.com/how-insider-newsroom-will-use-ai-2023-4 (Accessed: 29 August 2023).
- المشاركون.
- الورقة الرئيسة: أ. رائد عبدالله الحمود
التعقيب الأول – أ. فايز بن عبدالرحمن الشهري
التعقيب الثاني – أ. حمد بن محمد السمرين
- إدارة الحوار: د. علي بن ضميان العنزي
- المشاركون بالحوار والمناقشة:
- د. مساعد المحيا
- د. عبدالرحمن الهدلق
- د. محمد الملحم
- د. عبدالعزيز بن إبراهيم الحرقان
- د. خالد المنصور
- أ. احمد ابراهيم المحيميد
- د. عبدالعزيز العثمان
- د. فهد اليحيى
- أ. سمها الغامدي
- د. عبدالله الرخيص
- د. موضي الزهراني
- د. حمزة بيت المال
- د. حميد الشايجي
- د. أماني البريكان
- د. عبدالرحمن العريني
- م. عبدالرحمن باسلم