تقرير رقم (123)
المناطق الاقتصادية الخاصة
(15/1/ 2024 م)
تمهيد:
يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يناير 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: المناطق الاقتصادية الخاصة، وأعد ورقتها الرئيسة أ. لاحم الناصر، وعقب عليها كلاً من أ. أحمد المحيميد، د. نجلاء الحقيل وأدار الحوار حولها د. عبدالإله الصالح.
المحتويات
ʘ تمهيد
ʘ فهرس المحتويات
ʘ الملخص التنفيذي
ʘ الورقة الرئيسة: أ. لاحم الناصر
ʘ التعقيبات:
• التعقيب الأول: أ. أحمد المحيميد
• التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل
ʘ إدارة الحوار: د. عبدالإله الصالح
ʘ المداخلات حول القضية
• القوانين في المناطق الاقتصادية الخاصة وأهدافها الأساسية.
• التحديات التي تواجه المناطق الاقتصادية الخاصة.
• تجربة المناطق الاقتصادية في كوريا الجنوبية كنموذج.
• آليات الإفادة من المناطق الاقتصادية الخاصة في المملكة.
ʘ التوصيات
ʘ المصادر والمراجع
ʘ المشاركون
ʘ الملخص التنفيذي.
يتناول هذا التقرير قضية المناطق الاقتصادية الخاصة، وأشار أ. لاحم الناصر في الورقة الرئيسة إلى أن المناطق الاقتصادية الخاصة تعتبر أحد اهم الأدوات التي تستخدمها الدول لجذب الاستثمارات الخارجية وتوطين الصناعات المتقدمة وعلى وجه الخصوص التكنولوجيا وتلجأ الدول في الغالب لإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة عندما يكون الاقتصاد الأساسي يعاني من البيروقراطية وكثرة التشريعات المقيدة وارتفاع نسبة الضرائب مما يعيق تدفق الاستثمارات الخارجية التي تحتاجها هذه الدول. وقد احتلت المناطق الاقتصادية الخاصة حيزا مهما في رؤية المملكة 2030 حيث تعتبر إحدى أبرز مبادرات الإستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تهدف إلى توسيع الآفاق الاستثمارية، عبر جذب استثمارات نوعية، تنقل التقنية، وتطوّر القطاعات الإستراتيجية. وتحتوي المملكة على خمس مناطق اقتصادية خاصة هي: المنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية، والمنطقة الاقتصادية الخاصة برأس الخير، والمنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة في الرياض، والمنطقة الاقتصادية الخاصة بجازان، بجانب المنطقة الاقتصادية الخاصة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية رابغ.
وذكر أ. أحمد المحيميد في التعقيب الأول أنه يتبين من الأنظمة واللوائح الخاصة بالمدن والمناطق الاقتصادية الخاصة مدى اهتمام وحرص الدولة على دعمها وتطويرها وحمايتها وتوفير بيئة استثمارية عالمية بمواصفات جودة سعودية لتصبح المملكة العربية السعودية أحد أبرز البيئات الاستثمارية في العالم والأكثر أماناً ودعماً. والمؤكد أن البيئة الاستثمارية المدعومة من مدن القيادة الحكيمة وبمنظومة متكاملة من الأنظمة واللوائح ومعايير التشغيل العالمية والتفعيل القوي للحماية الوقائية والحوكمة الفعالة والرقابة المشددة وتطبيق النظام كفيل بالحد أو التقليل من أي مخاطر قانونية واقعة أو محتملة.
في حين تطرقت د. نجلاء الحقيل في التعقيب الثاني إلى مجموعة من المخاطر الاستراتيجية المرتبطة بالتشريعات والسياسات العامة ذات العلاقة بموضوع المدن الاقتصادية الخاصة؛ بالإشارة إلى أن المدن الاقتصادية هي مدن “عالية المخاطر وعالية الربح”، فضلاً عن ضعف التخطيط الاستراتيجي؛ ففي كثير من الحالات، يتم تخطي عملية التخطيط الاستراتيجي أو عدم اعطاءها الاهمية التي تستحقها. ويتم اتخاذ العديد من القرارات على أساس التنازل عن كثير من سياسات الدولة الاقتصادية والسياسية والتشريعية والاجتماعية، دون النظر إلى الاحتياجات الحقيقية للقطاع الخاص. يضاف إلى ذلك ضعف السياسات وازدواجية التشريعيات وضعف تطبيق القانون.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
• القوانين في المناطق الاقتصادية الخاصة وأهدافها الأساسية.
• التحديات التي تواجه المناطق الاقتصادية الخاصة.
• تجربة المناطق الاقتصادية في كوريا الجنوبية كنموذج.
• آليات الإفادة من المناطق الاقتصادية الخاصة في المملكة.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:
1- تشكيل لجنة خاصة لإجراء دراسة تحليلية لتجارب المدن الاقتصادية وتقديم توصيات ملموسة لتحسين الأداء وتجاوز التحديات.
2- إنشاء هيئة إحصائية مستقلة لرصد وتقييم أداء المناطق الاقتصادية بشكل دوري وموضوعي.
3- تعزيز التعاون الاستراتيجي مع مناطق اقتصادية ناجحة على مستوى وطني ودولي.
4- العمل على إصدار نظام قانوني محكم ينظم حقوق والتزامات المناطق الاقتصادية الخاصة لتحقيق الشفافية والإدارة الفعّالة.
5- تعزيز التشريعات لتحفيز الاستثمارات وتسهيل الإجراءات في المناطق الاقتصادية الخاصة.
ʘ الورقة الرئيسة: أ. لاحم الناصر
تعتبر المناطق الاقتصادية الخاصة أحد اهم الأدوات التي تستخدمها الدول لجذب الاستثمارات الخارجية وتوطين الصناعات المتقدمة وعلى وجه الخصوص التكنولوجيا وتلجأ الدول في الغالب لإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة عندما يكون الاقتصاد الأساسي يعاني من البيروقراطية وكثرة التشريعات المقيدة وارتفاع نسبة الضرائب مما يعيق تدفق الاستثمارات الخارجية التي تحتاجها هذه الدول. وقد شهد عدد المناطق الاقتصادية الخاصة في العالم ارتفاعًا كبيرًا إذ قفز من 800 منطقة في منتصف التسعينيات إلى أكثر من 4000 منطقة حاليًا، وقد عملت هذه المناطق على توليد أكثر من 70 مليون وظيفة.
المناطق الاقتصادية الخاصة (SEZs)
تعرف المناطق الاقتصادية الخاصة بأنها مناطق جغرافية داخل دولة معينة تتمتع بنظام اقتصادي وتنظيمي مختلف عن النظام العام للدولة. تُمنح هذه المناطق عادةً امتيازات اقتصادية معينة، مثل الإعفاءات الضريبية، والحد الأدنى من اللوائح الحكومية، والحوافز الاستثمارية، وذلك بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي.
وقد أنشأت العديد من الدول مناطق اقتصادية خاصة، وفيما يلي أهم المناطق الاقتصادية حول العالم:
المنطقة الاقتصادية الخاصة في الصين: تضم الصين العديد من المناطق الاقتصادية الخاصة اهمها شنتشن وتقع هذه المنطقة في جنوب الصين، وتعد من أكبر المناطق الاقتصادية الخاصة في العالم. تتمتع المنطقة بالعديد من الامتيازات الاقتصادية، مما جعلها مركزًا رئيسيًا للتصنيع والتجارة والاستثمار كذلك المناطق الخاصة في قوانغتشو وشنغهاي.
المناطق الاقتصادية الخاصة في دبي، حيث تضم دبي أكثر من 30 منطقة حرة تستهدف العديد من القطاعات الاقتصادية مثل المنطقة الحرة بجبل علي والمنطقة الحرة بمطار دبي ومركز دبي للسلع وغيرها.
المنطقة الاقتصادية الخاصة في سنغافورة
المنطقة الاقتصادية الخاصة كاوشيونغ، في تايوان.
المنطقة الاقتصادية الخاصة بوسان في كوريا الجنوبية
المنطقة الاقتصادية الخاصة دلهي في الهند
المنطقة الاقتصادية الخاصة ريو دي جانيرو في البرازيل
المنطقة الاقتصادية الخاصة بوينس آيرس في الأرجنتين
تلعب المناطق الاقتصادية الخاصة دورًا مهمًا في الاقتصاد العالمي، فهي تساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن تستمر أهمية المناطق الاقتصادية الخاصة في النمو في السنوات القادمة.
المناطق الاقتصادية الخاصة في رؤية 2030
لقد احتلت المناطق الاقتصادية الخاصة حيزا مهما في رؤية المملكة 2030 حيث تعتبر إحدى أبرز مبادرات الإستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تهدف إلى توسيع الآفاق الاستثمارية، عبر جذب استثمارات نوعية، تنقل التقنية، وتطوّر القطاعات الإستراتيجية ويهدف مشروع المناطق الاقتصادية الخاصة إلى أربعة اهداف مهمة هي:
1- تنمية القطاع غير النفطي والمحتوى المحلي بالاستثمار في قطاعات جديدة وبحوافز تنافسية.
2- انشاء بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين تسهم في توفير الفرص الاستثمارية وتحقق التنوع الاقتصادي ونقل التقنية.
3- تمكين قطاعات سلاسل الامداد واحتضان القطاعات الناشئة وتأمين البيئة النموذجية لنموها.
4- ترسيخ مكانة المملكة عالميا في قطاع الاعمال لتصبح مركزا لوجستيا وسوقا أساسيا لإعادة التصدير.
وتحتوي المملكة على خمس مناطق اقتصادية خاصة هي:
· المنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية.
· المنطقة الاقتصادية الخاصة برأس الخير.
· المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة في الرياض.
· المنطقة الاقتصادية الخاصة بجازان.
· المنطقة الاقتصادية الخاصة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية رابغ.
وفي سبيل التشغيل الأمثل لهذه المناطق الخاصة لتحقيق أهدافها قامت المملكة بإنشاء هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة لتكون المظلة التنظيمية للمدن والمناطق الاقتصادية الخاصة في المملكة العربية السعودية.
وفي هذه الورقة لسنا في سبيل الحديث عن أهميتها وأثرها الاقتصادي وانما سيكون الحديث عن المخاطر التي يمكن أن تحدث نتيجة وجود هذه المناطق والمدن الاقتصادية الخاصة وكيف يمكن تلافيها وهنا سيكون الحديث فقط عن المخاطر القانونية المصاحبة لوجود مثل هذه الكيانات وقد أصدرت المملكة عددا من الأنظمة واللوائح التي تنظم عمل هذا المناطق وهي:
1- تنظيم هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة ويختص بنظام هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة وهي الجهة المعنية بالإشراف على المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة.
2- اللائحة التنفيذية لهيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة.
3- اللائحة العقارية والبلدية للمدن والمناطق الاقتصادية الخاصة.
4- لائحة الموانئ والجمارك لهيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة.
كما أن هناك عدد من مشاريع الأنظمة في طور استكمال إجراءات المصادقة عليها حيث تم عرضها لاستطلاع مرئيات العموم وهي:
1- الملكية الفكرية في المناطق الاقتصادية الخاصة
2- لائحة الضرائب والجمارك في المناطق الاقتصادية الخاصة
3- لائحة العمل في المناطق الاقتصادية الخاصة
4- لائحة الشركات في المناطق الاقتصادية الخاصة
وهنا نرى العديد من الأنظمة الموازية للأنظمة السارية في المملكة العربية في الاقتصاد الأساسي كما تحوي هذه الأنظمة كذلك انشاء كيانات موازية للكيانات النظامية الموجودة في الاقتصاد الأساسي وتختص بالعمل فقط داخل المناطق والمدن الاقتصادية الخاصة كما أنه انتزعت بعض الاختصاصات من الوزارات والهيئات الحكومية لتمنح للهيئة المشرفة على هذه المناطق مثل انشاء مكتب للإشراف على تطبيق أنظمة العمل الخاصة بهذه المناطق وكذلك التسجيل العقاري والضريبة والجمارك وغيرها وتم ذلك إما كليا أو جزئيا، ولعل الهدف من ذلك هو تسهيل الإجراءات داخل هذه المناطق وضمان سرعة التنفيذ، لكن ذلك لا يسلم من بعض المخاطر القانونية التي يجب أن يتم اخذها في الاعتبار ومحاولة تغطيتها واداراتها بشكل يضمن تفاديها ومن أهمها :
أولا: ضمان سيادة الدولة على هذه المناطق سيادة كاملة غير منقوصة عبر النص على ذلك في جميع الأنظمة المنظمة ومنها سيادة القانون المحلي والأنظمة والتشريعات المنظمة لهذه الأماكن والنص على ذلك في جميع الاتفاقيات والعقود المستخدمة داخل هذه المناطق والنص كذلك على الولاية القضائية للمحاكم السعودية المختصة والقضاء والتحكيم السعودي حصرا وعدم قبول أي نص يمنح ذلك للمحاكم خارج المملكة.
ثانيا: التأكد من عدم وجود أي تعارض بين هذه الأنظمة والقوانين والاعفاءات والحوافز المقدمة مع أنظمة منظمة التجارة العالمية أو أي اتفاقيات موقعة من قبل المملكة العربية السعودية حيث أن هذا ممكن أن يؤدي إلى عقوبات دولية سواء على الشركات أو المنتجات المنتجة داخل هذه المناطق.
ثالثا: وجود حوكمة قوية وفعالة للمناطق والمدن الاقتصادية الخاصة تضمن الرقابة والتنظيم الكفؤ لأعمالها حيث ذكرت دراسة لماكينزي أن المناطق الاقتصادية الخاصة التي تُدار بشكل خاطئ تنطوي على تأثيرات سلبية كبيرة في طياتها. على سبيل المثال، من شأن الغياب النسبي للتنظيم والرقابة أن يوفر فرصًا للنشاطات غير المشروعة، مثل الاتجار بالسلع المزورة وغسيل الأموال والاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة. ففي دراسة حديثة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تبين أن وجود مناطق التجارة الحرة (وهي مجموعة فرعية من المناطق الاقتصادية الخاصة) وعددها وحجمها له علاقة بحجم المنتجات المزورة والمقرصنة، ووجدت الدراسة أيضَا أنه في المتوسط، ترتبط كل منطقة تجارة حرة إضافية بزيادة قدرها 5.9 في المئة في قيمة الصادرات المشبوهة حيث رأت الدراسة أهمية المشاركة الوثيقة لهيئات الجمارك في عملية صنع القرار، فهذا يمّكنها من تحقيق الاتصال بين الحكومات والمستثمرين وحل المشكلات وضمان الالتزام بالقواعد والقوانين الأساسية.يجب أن تضمن هيئات الجمارك قدرتها على تقديم مساهمة قيمة من خلال مشاركتها في صنع القرار وهي مزودة بالمعرفة والبيانات التي تساعد على تبسيط عملية إنشاء مناطق اقتصادية خاصة ناجحة .
رابعا: أن لا تصبح هذه المدن والمناطق الخاصة ملاذات ضريبة دولية أو محلية كوسيلة للتهرب من الواجبات الوطنية كتوطين الوظائف وتمهير الموظف السعودي.
خامسا : من المهم جدا المحاولة قدر الإمكان من تقليل الكيانات الموازية وتوحيد الجهات المشرفة على تنفيذ الأنظمة داخل المملكة فيتم قدر الإمكان ايكال الاشراف على تنفيذ أنظمة هذه المناطق الخاصة إلى الوزارات والهيئات المعنية وذلك حتى نضمن تدفق البيانات الصحيحة للجهة المعنية واطلاعها الكامل على ما يجري داخل هذه المدن كما اننا سنضمن وجود كادر لديه الخبرة والكفاءة لتطبيق ذلك وحل المشكلات بحكم الخبرة المتراكمة لديه، كما نضمن عدم وجود تعارض بين الأنظمة المحلية المطبقة في الاقتصاد الأساسي وبين الأنظمة في هذه المناطق .
وختاما المأمول أن تكون المناطق الخاصة هي مرحلية وليست دائمة بحيث تصبح جسر عبور نحو تحول الاقتصاد بالكامل إلى مرحلة من النضج والتحرر والديناميكية بحيث لا نحتاج إلى مثل هذه المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة.
ʘ التعقيبات:
• التعقيب الأول: أ. أحمد المحيميد
بعد الاطلاع على الأنظمة واللوائح الخاصة بالمدن والمناطق الاقتصادية الخاصة يتبين مدى اهتمام وحرص الدولة على دعمها وتطويرها وحمايتها وتوفير بيئة استثمارية عالمية بمواصفات جودة سعودية لتصبح المملكة العربية السعودية أحد أبرز البيئات الاستثمارية في العالم والأكثر أمانا ودعما بظل حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهد الأمين حيث أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في 13 ابريل 2023 م عن إطلاق 4 مناطق اقتصادية خاصة في المملكة العربية السعودية لتعزز هذه الخطوة مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية رائدة، حيث أكّد سمو ولي العهد أن المناطق الاقتصادية الخاصة ستفتح آفاقا جديدة للتنمية، معتمدة على المزايا التنافسية لكل منطقة لدعم القطاعات الحيوية والواعدة، ومنها اللوجستية والصناعية والتقنية وغيرها من القطاعات ذات الأولوية للمملكة. وتتميز المناطق الاقتصادية الخاصة الجديدة بمواقع استراتيجية في الرياض وجازان ورأس الخير ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية شمال مدينة جدة كما أوضح سمو ولي العهد أن المناطق الاقتصادية الخاصة تتمتع بنظم تشريعية ولوائح خاصة للنشاطات الاقتصادية من شأنها أن تجعل هذه المناطق من الأكثر تنافسية في العالم لاستقطاب أهم الاستثمارات النوعية، وتتيح فرصا هائلة لتنمية الاقتصاد المحلي، واستحداث الوظائف، ونقل التقنية، وتوطين الصناعات، كما ستفتح مجالات واسعة لتنمية مجتمع الأعمال السعودي، حيث تتكامل المناطق الاقتصادية الخاصة مع الاقتصاد الأساس، وتوفر أرضية خصبة لتحقيق مستهدفات الاستراتيجيات القطاعية التي تخدم رؤية السعودية 2023، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله – مما سيتيح للشركات السعودية الاستفادة من القيمة التي تضيفها المناطق الاقتصادية الخاصة على جميع مستويات سلاسل الإمداد، وفي مختلف القطاعات. وأشار سمو ولي العهد إلى أن المناطق الاقتصادية الخاصة تشكل منصات لوجستية وصناعية متكاملة، تتمحور حول المستثمر، لتوفير تجربة استثمارية استثنائية، وترسخ مكانة المملكة كبوابة عبور لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وحلقة وصل بين أسواق الشرق والغرب، مؤكداً بأن إطلاق هذه المناطق يواصل مبادرات تحويل المملكة إلى وجهة عالمية للاستثمار، ومركز حيوي يدعم سلاسل الإمداد العالمية، لا سيما بعد إطلاق المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة، التي تقع ضمن مطار الملك سلمان الدولي في الرياض، فضلاً عن عددٍ من المبادرات الاستراتيجية.
أولا: هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة:
هي المظلة التنظيمية للمدن والمناطق الاقتصادية الخاصة في المملكة العربية السعودية حيث تضع هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة، بصفتها المظلة التنظيمية، إطار العمل التنظيمي للمناطق الاقتصادية الخاصة لتسهيل أعمال الجهات المشرفة المعنية ليتمكنوا من بناء المناطق الاقتصادية الخاصة وتشغيلها.
وتبادر بالتعاون مع الهيئات والجهات الحكومية المختلفة لتتمكن من مواءمة المناطق الاقتصادية الخاصة مع الاقتصاد الأساس. تم توسيع نطاق اختصاص الهيئة في عام 2019 ليشمل الإشراف على المناطق الاقتصادية الخاصة وتهيئة البيئة التنظيمية المناسبة لجذب الأعمال. إننا بصدد تأسيس المناطق الاقتصادية الخاصة للاستفادة من إمكانات المملكة العربية السعودية بوصفها مركزاً عالميا للأعمال، حيث ستضطلع
هذه المناطق بدور رئيسي في تحقيق أهداف مسيرة التنمية الاقتصادية ضمن رؤية المملكة 2030.
الأهداف الرئيسية لإطلاق المناطق الاقتصادية الخاصة الأربع تتمثل في تعزيز القدرة التنافسية للمملكة، وتطوير القدرات الوطنية، وتشجيع النهضة الصناعية، والمساهمة في نمو الاقتصاد السعودي كمركز رائد للأعمال، ودعم تأسيس الشركات الناشئة المحلية وتسريع نموها.
كما تهدف لوائح هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة ECZAإلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير بيئة استثمارية مثالية في المملكة العربية السعودية. تعتبر ECZA جزءًا رئيسيًا من رؤية المملكة 2030 م.
ثانيا: معلومات المدن الاقتصادية الأربع:
1- المنطقة الاقتصادية الخاصة بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية شمال مدينة جدة المزدهرة على البحر الأحمر وعلى أحد الممرات التجارية الرئيسة في العالم، حيث تسعى مدينة الملك عبدالله الاقتصادية لإعادة رسم خارطة طرق التجارة الإقليمية. ومن مزايا المنطقة الخاصة أنها تبني على القدرات التنافسية التي يوفرها أحدث ميناء تجاري متكامل الخدمات في المملكة، والذي منحه البنك الدولي عام 2022 لقب “أكثر الموانئ كفاءة على مستوى العالم”. كما تعمل مدينة الملك عبدالله على تعزيز مكانة المملكة كوجهة رئيسية لقطاعات التصنيع المتقدمة. وتمتد طموحات مدينة الملك عبدالله الاقتصادية لتشمل مجال التقنية الطبية، حيث توفر فرصة مهمة لتصنيع المنتجات محليا بدلاً عن استيرادها، ومن ثم الوصول إلى أسواق إقليمية متنامية.
2- المنطقة الاقتصادية الخاصة بجازان فتقع بجوار مناجم التعدين والموارد المعدنية، وعلى مقربة من ثالث أكبر ميناء بحري في السعودية لتشكّل موقعا جاذبا للصناعات التعدينية والثقيلة. كما أن موقع جازان الجغرافي الذي يشرف على طرق التجارة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب يتيح فرصة للشركات التي تتطلع للتوسع في القارة الأفريقية. كما تتميز منطقة الجنوب الغربي في جازان بأراضيها الخصبة والمناسبة لإنتاج الغذاء والتي توفر إمكانيات كبيرة لتصنيع المنتجات الغذائية ومعالجتها وتوزيعها لتلبية الطلب الإقليمي المتزايد ومواجهة تحديات الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة.
3- المنطقة الاقتصادية الخاصة برأس الخير فتقع بالقرب من المنطقة الشرقية التي تمثل المركز الصناعي للمملكة على مقربة من طرق إنتاج النفط والغاز في الخليج العربي. وتقدم المنطقة الاقتصادية الخاصة برأس الخير للشركات الدولية والإقليمية بنية تحتية عالمية المستوى وسوقًا مهمًا للصناعات البحرية بما يتيح لهذه الشركات تأسيس وبدء مزاولة أعمالها بشكل فوري. كما يوفر أحدث ميناء صناعي في المملكة منفذاً فريداً للأسواق الإقليمية والعالمية الرئيسية، فيما توفر روابط السكك الحديدية المباشرة لمناجم المملكة قدرة عالية على الوصول إلى المواد الخام بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، تمنح المنطقة الفرصة للمستثمرين ليكونوا جزءاً من مجموعة ديناميكية وعالمية، وقيادة الابتكارات في مجالات التزود بالوقود وبناء السفن. كما أن تواجد كبرى الشركات العالمية يسمح للموردين من المستويين 2 و3 بالانضمام إلى المجموعة البحرية الرائدة في المنطقة.
4- المنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية فتمثل تجسيداً مباشراً لسياسة “الحوسبة السحابية أولاً” في المملكة. وتؤكد هذه المنطقة التزام السعودية بالمضي في طريق الابتكار الرقمي وتعزيز قطاع التكنولوجيا سريع النمو حيث ترتكز وتتبنى المنطقة نموذج أعمال قائم على الابتكار يسمح للمستثمرين بإنشاء مراكز بيانات مادية وبنية تحتية للحوسبة السحابية في مواقع متعددة داخل المملكة، الأمر الذي يرسخ مكانة المنطقة السحابية كمنصة إقليمية رائدة بارزة للشركات العاملة في إنترنت الأشياء، وتقنية البلوكتشين، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وابتكارات.
ثالثا: أبرز حوافز الاستثمار في المملكة العربية السعودية:
1- إنشاء مدن ومناطق اقتصادية تحكمها قوانين وتشريعات خاصة.
2- تقديم إعفاءات جمركية كبيرة للمستثمرين.
3- تسهيلات في البنية التحتية والتملك وإصدار التراخيص.
4- تيسير استقدام العمالة.
5- تمكين الطاقة وتوفيرها بما يخدم مناخ التصنيع.
6- تمويل التأمين للصادرات والائتمان.
7- تقديم الإعفاءات الضريبية.
8- تحفيز النظام البيئي للمستثمرين عبر تحديث وتخصيص الأنظمة وتملك الشركات.
9- تقديم حوافز مالية وتنظيمية ومشاركة الدولة في المشاريع.
رابعا: المناطق الاقتصادية الخاصة الأربع، التي تنظم أعمالها هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة، تمثل مرحلة أولى من برنامج طويل المدى يستهدف جذب الشركات الدولية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز نمو القطاعات النوعية المستقبلية، من خلال إيجاد بنية تحتية عالمية المستوى لدعم المستثمرين المحليين والدوليين، وتوفير فرص استثمارية مميزة تدعمها منظومة متكاملة ومتطورة من اللوائح والأنظمة.
وختاما تجدر الإشارة الي أن البيئة الاستثمارية المدعومة من مدن القيادة الحكيمة وبمنظومة متكاملة من الأنظمة واللوائح ومعايير التشغيل العالمية والتفعيل القوي للحماية الوقائية والحوكمة الفعالة والرقابة المشددة وتطبيق النظام كفيل بالحد أو التقليل من أي مخاطر قانونية واقعة أو محتملة.
• التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل
أوجز كاتب الورقة الرئيسة مفهوم المدن الاقتصادية الخاصة، وأهميتها في تحقيق نمو اقتصادي. كما تحدث عن التحديات التي تواجه هذه المدن من الناحية التشريعية. تكمن الاشكالية والتحدي الحقيقي في أن هذه المناطق الاقتصادية تكون داخلة ضمن حدود الدولة، ولكنها تخضع لتشريعات وأنظمة مختلفة عن بقية مناطق الدولة. وهذا الاختلاف على الرغم من أن له ايجابيات أوردها كاتب الورقة الرئيسة، إلا أن لها سلبيات عديدة إذا لم يتم وضع تشريعات وسياسات محوكمة لضبط هذه المدن الاقتصادية.
لعل في هذا التعقيب، اضيف مجموعة من المخاطر الاستراتيجية المرتبطة بالتشريعات والسياسات العامة ذات العلاقة بموضوع المدن الاقتصادية الخاصة. من ضمن المخاطر التي لابد من مراعاتها أثناء إقامة هذه المدن وسن تشريعات خاصة فيها الآتي:
١/ المدن الاقتصادية هي مدن “عالية المخاطر وعالية الربح”
استخدمت العديد من البلدان النامية المناطق الاقتصادية الخاصة كأداة سياسية لتعزيز التصنيع والتحول الاقتصادي. أشار تقرير التنمية في العالم 2020 إلى إمكانية استخدام المناطق الاقتصادية الخاصة كوسيلة لتسهيل المشاركة في القيمة الاقتصادية عالمياً. كما تعتبر المناطق الاقتصادية الخاصة أداة للسياسة الصناعية، فمن المفترض أن تعمل المناطق الاقتصادية الخاصة على تكميل قوى السوق من خلال المساعدة في التغلب على إخفاقات السوق العادي. وباعتبارها أداة “عالية المخاطر وعالية الربح”، فإن النتائج العالمية للمناطق الاقتصادية الخاصة في البلدان النامية متفاوتة تمامًا. لذلك، يعد النهج الخاص بالمنطقة ضروريًا وممكنًا، وتحتاج الحكومة المضيفة أيضًا إلى تحديد نوع المنطقة الأكثر ملاءمة. يوجد عادة نوعان من المناطق على الرغم من الأسماء العديدة التي يطلق عليها: المناطق الاقتصادية الخاصة والمجمعات الصناعية. غالبًا ما تشتمل المناطق الاقتصادية الخاصة على نظام قانوني وتنظيمي “خاص”، وقد يكون مناسبًا في حالة ارتباط القيود الرئيسية بقضايا قانونية وتنظيمية تؤثر على بيئة الأعمال إلى جانب قيود أخرى، مثل الأراضي والبنية التحتية. وفي حالات أخرى، يكون البديل البسيط للمنطقة الاقتصادية الخاصة هو إنشاء منطقة صناعية، والتي لا تتطلب نظامًا قانونيًا وتنظيميًا خاصًا. في مثل هذه الحالات، قد تكون المنطقة الصناعية أكثر ملاءمة لأنها تنطوي على عمليات أقل تعقيدًا وخطورة. ولذلك، واعتمادًا على الأهداف والقيود التنموية المحددة، يمكن النظر في المناطق الاقتصادية الخاصة جنبًا إلى جنب مع الخيارات الممكنة الأخرى.
يكمن السؤال الآن، متى تظهر الحاجة الحقيقية لإنشاء مناطق اقتصادية خاصة أو يتم الاكتفاء بإنشاء مناطق صناعية فقط؟ يعتمد قرار الحاجة إلى إنشاء منطقة اقتصادية أو منطقة اقتصادية على تحديد الهدف من المناطق الاقتصادية الخاصة والتي غالبا ما تهدف إلى معالجة خلل في سوق الأراضي، ونقص البنية التحتية الصناعية (مثل الطاقة والمياه والغاز والاتصالات ومعالجة النفايات) اللازمة للتجمعات الصناعية، وتسبب ضعف البيئة التنظيمية والتجارية إلى فشل التنسيق داخل قطاعات الدولة أو بين قطاعات الدولة والقطاع الخاص. وبالتالي، لا تكون هناك حاجة إلى انشاء المناطق الاقتصادية الخاصة إلا عندما تكون جميع “الإخفاقات في البنية التحتية” موجودة في نفس الوقت، وإلا فقد تكون المنطقة الصناعية كافية. أما في حالة كانت التشريعات والبيئة التنظيمية وبيئة الأعمال هي العائق الرئيسي أمام الاستثمار، فهنا لابد من النظر هل يمكن تعديل الأنظمة المحلية لترقى للمستوى الذي يهدف إليه المستثمرين، فإن كان الوضع كذلك، فهنا الغرض من المناطق الاقتصادية الخاصة قد لا يكون هو المستهدف.
ومن نافلة القول، من ضمن أهم التحديات التي تواجه المناطق الاقتصادية في العديد من المناطق، هو توفير البنى التحتية الأساسية بشكل صحيح، وهذا ما تخفق به بعض البلدان. تظهر دراسة أجراها البنك الدولي (Farole 2011) لستة مناطق اقتصادية أفريقية (غانا، وكينيا، وليسوتو، ونيجيريا، والسنغال، وتنزانيا) أن فترات التوقف عن العمل في المناطق (مقاسة بالساعات) بسبب نقص الطاقة لا تزال مرتفعة جدًا بالمقاييس العالمية. في معظم المناطق الأفريقية على الرغم من بعض الانخفاض مقارنة بالمناطق الخارجية – في المتوسط، يبلغ الانخفاض في معدلات التوقف عن العمل حوالي 54 في المائة في المناطق الأفريقية مقابل 92 في المائة في المناطق غير الأفريقية. وأيضًا، في العديد من البلدان، لا يرقى برنامج تشغيل المناطق الاقتصادية الخاصة إلى مستوى العمل المطلوب بسبب ضعف التنسيق داخل الحكومة. وفي مثل هذه الحالات، تكون المناطق الاقتصادية الخاصة غير قادرة على خدمة غرضها الحقيقي. وفي بعض البلدان، تقرر الحكومات إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة لمعالجة قضايا سياسية أخرى، مثل التنمية الإقليمية، بغض النظر عن موقع المنطقة وإمكانية الوصول إلى الأسواق. فلابد من تحديد الهدف الرئيسي من إنشاء المدن الاقتصادية.
٢/ ضعف التخطيط الاستراتيجي:
تظهر التجارب الدولية أن برامج المناطق الفعالة (مثل تلك الموجودة في الصين وماليزيا وموريشيوس وجمهورية كوريا) تشكل جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية التنمية الوطنية أو الإقليمية أو البلدية الشاملة، وتعتمد على الطلب القوي من قطاعات الأعمال. بالنسبة للمناطق العامة، تحتاج الحكومات إلى تحديد دور وأهداف مبادرات المنطقة بوضوح في أجندة التنمية الاقتصادية الشاملة وإجراء تخطيط شامل يتضمن جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في هذه العملية. تساعد مثل هذه العملية على بناء تجانس في الآراء داخل قطاعات الدولة وفي جميع أنحاء البلاد أو المنطقة من قبل المستثمرين والافراد وبالتالي الحصول على دعم واسع النطاق. ولإرساء برامج المنطقة على أساس متين قائم على السوق، يجب إشراك القطاع الخاص منذ وقت مبكر لفهم احتياجاته وقيوده المحددة واختبار النهج الواقعي الذي يناسب نوع المنطقة الاقتصادية المراد انشاءها. إذا كانت مبادرة المنطقة مبررة، فيجب تحديد المواقع الأولية والقطاعات والمستثمرين المحتملين؛ يجب إجراء بعض تحليلات التكاليف والفوائد؛ ويلزم وضع خطة تنفيذ مدروسة.
ومع ذلك، في كثير من الحالات، يتم تخطي عملية التخطيط الاستراتيجي أو عدم اعطاءها الاهمية التي تستحقها. ويتم اتخاذ العديد من القرارات على أساس التنازل عن كثير من سياسات الدولة الاقتصادية والسياسية والتشريعية والاجتماعية، دون النظر إلى الاحتياجات الحقيقية للقطاع الخاص. بعض المناطق لها دوافع سياسية حتى بدون دراسة جدوى مناسبة، وبعضها تم إنشاؤه بشكل أساسي لغرض المساواة، وليس بالضرورة بما يتماشى مع استراتيجية التنمية الاقتصادية لبلد ما أو المنطقة. ونظرًا لطبيعة المناطق الاقتصادية الخاصة، فقد لا تكون أداة تنمية مناسبة في منطقة طرفية ونائية. خلاصة القول، أن المناطق الاقتصادية الخاصة التي يقودها العرض دون الطلب والمصممة دون طلب من قطاع الأعمال معرضة للإخفاق بشكل كبير.
٣/ ضعف السياسات وازدواجية التشريعيات وضعف تطبيق القانون
من أساسيات نجاح المناطق الاقتصادية الخاصة، وجود إطار قانوني وتنظيمي يمكن التنبؤ به وشفاف ومبسط (يبتعد عن الازدواجية والتناقض في طياته). يعتبر ذلك أمرًا ضروريًا لتوفير الحماية واليقين للمطورين والمستثمرين، ولضمان وضوح أدوار ومسؤوليات مختلف الجهات والأطراف المعنية. ويساعد هذا الإطار التشريعي أيضًا على ضمان جذب الاستثمارات المناسبة وتنفيذها وفقًا للمعايير المناسبة لها. كما أنه سيساعد على تجنب أو تقليل المخاطر التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل التدخل والمضاربة على الأراضي، أو استغلال هذه المناطق كملجأ لغسل الأموال وارتكاب الجرائم الاقتصادية المختلفة وغيرها من المخاطر التي يمكن أن تحدث بسبب المشكلات التشريعية. بالإضافة إلى ذلك، تعد القدرة التنفيذية للمطورين والمشغلين الحكوميين أو الخاصين أيضًا من بين المحددات الرئيسية لنجاح المنطقة الاقتصادية. ويوفر الالتزام الحكومي القوي وطويل الأمد ضمانة إضافية لنجاح المناطق من خلال ضمان استمرارية السياسات وتوفير السلع والخدمات العامة المختلفة بشكل مناسب، وهذا يعني توفير أنظمة خاصة لقطاع الامدادات والعقود والمناقصات، بحيث يتم حوكمة مختلف تفاصيل الأعمال ذات العلاقة بعمل المنطقة الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، يعد التنسيق الوثيق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية والوضوح بشأن أدوارها أمرًا مهمًا للغاية للتنفيذ السلس للبرامج المختلفة.
مثلا، الصين وماليزيا وجمهورية كوريا وسنغافورة وغيرها من البلدان أو الاقتصادات التي لديها برامج ناجحة للمناطق الاقتصادية الخاصة أو مراكز الأعمال، حيث أن القوانين واللوائح ذات الصلة معمول بها بالفعل أو تم وضعها ضمن إطار محوكم عندما تم إطلاق البرامج. وفي عمليات التنفيذ، قدمت مستويات مختلفة في الحكومات دعمًا قويًا وطويل الأمد في جهد منسق. في حين أن الدول التي لم تنجح في بناء المدن الاقتصادية، فكان السبب الأساسي هو عدم وجود تشريعات مناسبة للهدف الذي تم انشاء المدن الاقتصادية من أجلها، أو أنه لا يوجد إطار تشريعي يحكم المنطقة الاقتصادية. وهذا يؤدي إلى خلق الكثير من الارتباك وردع المستثمرين المحتملين من الاستثمار في المنطقة الاقتصادية. ونظرا لان المناطق الاقتصادية عالية المخاطر، فلابد كخطوة أولى، تمكين المناطق الصناعية التي يقودها القطاع الخاص من خلال وضع تشريعات مناسبة، والتأكد فعلا أن انشاء منطقة اقتصادية ضروري وسيساهم في النمو الاقتصادي.
ونظرًا لطبيعة مشاريع المناطق الاقتصادية الخاصة، فإنها غالبًا ما تحتاج إلى حيازة الأراضي وإعادة توطين النازحين، مما يجعلهم عرضة بشدة للمخاطر البيئية والاجتماعية. لذلك، لا غنى عن برامج ومشاريع المناطق الاقتصادية الخاصة لتحديد وتقييم هذه المخاطر بشكل صحيح أثناء دراسة الجدوى ووضع تدابير تخفيف سليمة. والفشل في القيام بذلك قد يؤدي إلى نجاح أو فشل مثل هذه المشاريع، كما كان الحال في بعض بلدان أفريقيا وجنوب آسيا، على سبيل المثال.
هناك مخاطر كثيرة تتزامن وإنشاء المناطق الاقتصادية وتحتاج إلى سياسات وتشريعات لضبطها. مثلا، يجب عند اختيار موقع المنطقة إشراك أقل عدد ممكن من الأشخاص والشركات النازحين لتقليل المخاطر الاجتماعية. كما ينبغي إجراء عملية تشاور شاملة مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وخاصة المجتمعات المحلية التي ستتأثر بالمشروع وتعويض النازحين بشكل مناسب وإعادة توطينهم. وكممارسة جيدة، ينبغي تدريب الأشخاص المتضررين الذين قد يفقدون وسائل معيشتهم بسبب المشروع أو إعادة تأهيلهم وتوظيفهم داخل المنطقة، طالما أنهم لا يزالون في سن العمل. ويمكن القيام بذلك بشكل مشترك بين الحكومة ومطور المنطقة أو مشغلها. وينبغي للمناطق أيضًا أن تتبنى معايير عالية فيما يتعلق بتعويض العمال وحمايتهم. كذلك، ينبغي للمنطقة إنشاء نظام بيئي لتوفير الخدمات والبنية التحتية، مثل مراكز الرعاية النهارية ورياض الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، قد تستضيف بعض المناطق قطاعات شديدة التلوث، مثل المنسوجات والجلود والبتروكيماويات، وقد تؤدي إلى أضرار جسيمة على البيئة الطبيعية والمعيشية. ولتجنب مثل هذه المخاطر أو التقليل منها، يجب أن تكون المناطق صديقة للبيئة ومستدامة بيئيًا.
ʘ المداخلات حول القضية
· القوانين في المناطق الاقتصادية الخاصة وأهدافها الأساسية.
تختلف القوانين في المناطق الاقتصادية باختلاف الدول؛ وفي السعودية، تتبع المناطق الاقتصادية قوانين خاصة بها تهدف إلى تحفيز الاستثمار وتعزيز النشاط الاقتصادي. ويمكن الإشارة في هذا الصدد على سبيل المثال إلى ما يلي:
1. التشريعات البيئية: وجود لوائح بيئية تهدف إلى حماية البيئة وتشجيع الممارسات الصديقة للبيئة.
2. قوانين الجمارك والتجارة: توفير تسهيلات جمركية وتسهيلات تجارية لتشجيع الاستيراد والتصدير.
3. القوانين العمالية: وجود لوائح تنظم حقوق العمال والشروط العمل لضمان مستويات عالية من الرفاهية.
4. حماية الملكية الفكرية: توفير حماية قوية لحقوق الملكية الفكرية لتشجيع الابتكار والبحث والتطوير.
5. التسهيلات الإدارية: تبسيط الإجراءات الإدارية لتسهيل إنشاء الشركات وتشغيلها.
6. قوانين الجريمة والأمان: ضمان الأمان ووجود إطار قانوني للحد من الجريمة وحماية الاستثمار.
وثمة عدد من الانظمة في المملكة ذات العلاقة بالمناطق الاقتصادية الخاصة، والتي تحمي الوطني بجانب ما ورد الإشارة إليه بالورقة الرئيسية والتعقيب عليها، ومن أبرزها:
1. القانون الموحد لمكافحة الاغراق.
2. لائحة تفضيل المحتوى المحلي والمنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية والشركات المدرجة في السوق المالية في الاعمال والمشتريات.
3. نظام المنافسة وتنظيم المركز الوطني للتنافسية.
4. نظام الاحصاءات العامة.
5. نظام حماية وتشجيع الصناعات الوطنية.
6. نظام صندوق التنمية الصناعي السعودي.
7. تنظيم الهيئة السعودية للمدن الصناعية.
· التحديات التي تواجه المناطق الاقتصادية الخاصة.
لا يمكن تجاهل بعض التحديات المرتبطة بالمناطق الاقتصادية الخاصة وما ينتج من قوانين وأنظمة ولوائح لإدارتها، ولعل من أهمها:
– أن تكون ممرا لغسيل الأموال.
– أن تكون نافذة تسويقية للمنتجات الأقل جودة.
– أن تكون نافذة لتسويق منتجات مقلدة.
– أن تكون معبرا (مركز) للمنظمات غير القانونية بغطاء قانوني.
– في حالة عدم وجود نصوص صريحة وواضحة ومشددة على سيادة الدولة المطلقة للمنطقة، قد تصبح هذه المنطقة بعد عدة سنوات خاصة من مستثمرين من دول (غير محبة لنا) تكون مصدر اضطرابات وقلق للدولة.
– ربما – بما أن الاصل في هذي المناطق انها اقتصادية – ربما يمر من خلالها ممارسات اجتماعية غير مرغوب فيها في الدولة.
ومن جانب آخر تذهب بعض وجهات النظر إلى أن التحدي الاكبر امام المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة هي عدم تسليط الاعلام عليها ودورها في الاقتصاد الوطني؛ رغم الحاجة لتبادل الآراء والافكار لدعم مثل هذا التوجه الوطني وزيادة الثقافة الاقتصادية والقانونية.
وفي سياق ذي صلة، يبدو أن الإمارات وتركيا وسنغافورة استخدمت المناطق الاقتصادية الخاصة لتنويع الاقتصاد وتحسين البيئة الاستثمارية، وقد نجحت في ذلك، والمملكة لديها القدرة على تحقيق نجاحات أكبر في استقطاب أهم الاستثمارات النوعية، وإتاحة فرصاً هائلة لتنمية الاقتصاد المحلي، واستحداث الوظائف، ونقل التقنية، وتوطين الصناعات. لكن من المهم التساؤل في هذا الإطار: هل ستسمح المملكة العربية السعودية للأجانب بملكية كاملة، بنسبة مائة في المائة، للشركات في المناطق الاقتصادية؟ وهل سيكون لذلك أثر على السياسات والتوجهات المستقبلية بشكل عام؟ أيضاً وبالنظر إلى أن منطقة الشرق الأوسط تعيش نزاعات واضطرابات مستمرة والنظام العالمي غير مستقر مع غياب الأمن، والآثار المتفاقمة للظواهر المناخية القاسية وحالة عدم اليقين الاقتصادي، ومخاطر الصحة، فهل هناك سياسات لحماية اقتصادات تلك المدن من الصدمات والحفاظ على الاستقرار؟
ومادامت المناطق الاقتصادية الخاصة تُمنح عادةً امتيازات اقتصادية معينة، مثل الإعفاءات الضريبية، والحد الأدنى من اللوائح الحكومية، والحوافز الاستثمارية، وذلك بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي. فما تأثير ارتفاع نسبة الدين العام في المملكة والتي تزيد عن 34٪ من الناتج المحلي وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء على تحقيق فرص جذب الاستثمارات؟ أيضاً وإذا كانت هذه المدن الاقتصادية الخاصة أحد اهم الأدوات التي تستخدمها الدول لجذب الاستثمارات الخارجية وتوطين الصناعات المتقدمة وعلى وجه الخصوص التكنولوجيا، فلماذا نتطلع أن تكون المناطق الخاصة هي مرحلية وليست دائمة بحيث تصبح جسر عبور نحو تحول الاقتصاد بالكامل إلى مرحلة من النضج والتحرر والديناميكية لاسيما وان العالم اليوم لايزال يتوسع في انشاء هذه المدن؟
وفيما يخص الجوانب القانونية المتعلقة بهذه المناطق الاقتصادية الخاصة، من المهم التساؤل حول مدى وجود ضمانات قوية تحول دون وجود أي توقف أو تعثر من قبل الشركات والتي قد تحجز الأراضي لفترة دون استثمارها. فبرغم الاختلاف، لكن يمكن الإشارة إلى بعض المدن الاقتصادية التي انشئت قبل سنوات ثم تعثر بعضها مثل مدينة حائل الاقتصادية التي كانت ستستثمر فيها شركة المال الكويتية لكنها تعثرت، والتخوف أن يتكرر المشهد نفسه.
· تجربة المناطق الاقتصادية في كوريا الجنوبية كنموذج.
ان كوريا الجنوبية تُعتبر واحدة من الدول التي نجحت في تحقيق تطور اقتصادي ملحوظ، ولديها عدة مناطق اقتصادية خاصة، ومن أبرزها:
1. منطقة سيول: العاصمة سيول تشكل مركزًا اقتصاديًا حيويًا، مع تواجد العديد من الشركات الكبيرة والمؤسسات المالية والتقنية.
2. منطقة بوسان: تعتبر بوسان ميناءًا هامًا ومركزًا للتجارة البحرية والصناعات البحرية، ويتمتع ميناء بوسان بأهمية كبيرة كمركز للشحن والتصدير.
3. منطقة تيجون: تعد مركزًا للتكنولوجيا والبحث العلمي، حيث توجد العديد من المؤسسات والشركات التكنولوجية الكبيرة.
4. منطقة إنتشون: يعتبر ميناء إنتشون مركزًا هامًا للتجارة الدولية وتسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي.
5. منطقة كيونغي: وتشتهر بالصناعات التقليدية والزراعة، وتساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي بين المناطق الحضرية والريفية.
كما يُلاحظ أن هذه المناطق تشكل محاولة لتحقيق توازن في التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل في مختلف القطاعات في كوريا الجنوبية.
وفي جميع الأحوال فالمملكة تمر بحراك وابتكار في آليات القوة والدعم بشتى المجالات، وهو لا شك حراك نجني ثمرة تميزه، مع الاستفادة من التجارب الدولية الأخرى.
· آليات الإفادة من المناطق الاقتصادية الخاصة في المملكة.
يمكن اعتبار أن المدن الاقتصادية أحد الميزات التنافسية التي تتسم بها كل مدينة في ضوء ما تتفرد به من طبيعة جغرافية وخيرات كامنة. ليس من منظور اقتصادي فحسب بل ثقافي اجتماعي سياحي ويتم وضع خطط استراتيجية تضمن هذا التوجه ولا مانع بالجمع بين أكثر من صفة أو ميزة تنافسية. كما لا يمنع من ترسيخ هذه الهوية اعلاميا وفكريًا، وتسخير الجهود والدعم لبناء وتأسيس هذه المدن وفق أحدث التقنيات والإمكانات، وتوفير “دوره الحياة الاقتصادية” المتكاملة في هذه المدن بداية من الفكرة وحتى المنتج متكامل مع ممكناته من العقول والحاضنات.
ومن باب التفكير خارج الصندوق والنظر إلى المناطق الاقتصادية الخاصة من النواحي الاستراتيجية فمن المهم التساؤل : ماهي الفائدة النهائية من هذه المناطق ولماذا نجعلها مختلفة عن بقية مناطق الدولة المعنية ولماذا لا يمكن تطبيق القوانين المطبقة فيها على كافة مناطق تلك الدولة ما دامت أهدافها متطابقة مع اهداف تلك الدولة أما المخاطر القانونية والمخاطر الاستراتيجية فقد أثبتت التجارب السعودية والعالمية أن لا تخوف منها إلا فيما يتعلق بتأثيرها السلبي على اهتمام المستثمرين وكي تنجح هذه المناطق فلابد من (تحرير) هذه المناطق من القيود القانونية والبيروقراطية الحكومية في كافة دول العالم والتركيز على الخدمات التي يحتاجها المستثمرين مثل الأرض المناسبة والموقع المناسب والخدمات اللوجستية وتوفير الوقود والطاقة بأنواعها واهم من هذا كله هو (تخصص) كل منطقة في قطاع معين أو قطاعين من مبدأ (التجمعات الصناعية Clusters) بحيث تستطيع الشركات والمصانع تبادل الخدمات والمنتجات مع جيرانهم من الشركات والمصانع للوصول إلى المنتجات والخدمات النهائية بأقل التكاليف وأقصر وقت. ولا ننسى (برنامج التجمعات الصناعية) السابق الذي بدأ في تطبيق هذا المبدأ قبل تغيير مجال عمله.
وعليه فلابد من النظر إلى مناخ الاستثمار الاقتصادي في الدولة المعنية وطريقة التعامل معه في الدولة ككل وعدم استثناء أجزاء معينة من الدولة تلك.
وبالرجوع للتحديات التي تواجه المدن الاقتصادية، لاسيما القانونية منها؛ فيمكن معالجتها بوضع معايير صارمة لاختيار من يتم منحة الامتياز أو حق الانتفاع أو عقد التطوير وكذلك وجود آلية للمتابعة والمراقبة مع وجود شروط مفصلة في العقود توضح الحالات التي يجوز فيها الغاء العقد وسحب الاراضي أو تراخيص والنص على الشروط الجزائية التي تضمن حسن سير العمل.
لكن في المقابل فثمة وجهات نظر ترى بأن فشل المشاريع وعدم تنفيذ الاستثمارات هي أمور طبيعية طالما انها في حدود مقبولة واسبابها واضحة وليست إهمالاً هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المعايير الصارمة قد تؤدي لهروب المستثمرين إلى مناطق اقتصادية ليس فيها معايير صارمة وهذا ما يحيلنا إلى المخاطر القانونية والبيروقراطية المرتبطة بذلك.
وإجمالاً ومع التأكيد على جدوى المناطق الاقتصادية الخاصة في المملكة وخارجها – وما الارتفاع المهول في عددها على مستوى العالم إلا دليل على ذلك – إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن التوفيق بين أنظمة هذه المناطق والأنظمة الداخلية في المملكة حتى لا يصبح الاستثمار في الداخل غير جاذب بسبب القيود والضرائب والسعودة وغيرها، وكيف نمنع المنافسة غير العادلة بين الجهتين؟
ولا شك أن السر يكمن في التفاصيل التنظيمية المرتبطة بهذه المناطق الخاصة والتي يمكن أن تكون مصدر للتوظيف والاستثمار وتشغيل البنية التحتية من قبل المطور الذي لا يستبعد أن يعمل بشكل تجاري. كما أن المنافسة بين المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة سوف تكون دافع لتحرك المدن والمناطق الأخرى لتكون أكثر مرونة وتعمل على إيجاد مميزات أكثر.
وثمة تصور لدى البعض بأن الأنظمة والقوانين لدينا وفي دول العالم – وبدرجةٍ كبيرة – تحاول منع المخاطر ولا تحاول جذب وتنمية الاستثمارات إلا قليلاً، مع افتراض سوء النية لدى من ينطبق عليه النظام أو القانون. وما نحتاجه هو كتابة القوانين الصديقة للمستثمر ولمستخدم هذا النظام والنظر لمصلحة الاقتصاد مع عدم التركيز على الرسوم والتكاليف الحكومية، مع الوضع في الاعتبار أن هناك أمور لا نقاش فيها مثل التوظيف والبيئة.
والحقيقة أن الدولة السعودية منذ نشأتها وهي تدير أمورها على المدى البعيد من خلال الانظمة واللوائح.. والتصور أن الانظمة والتنظيمات يجب أن تكون محل مراجعة مستمرة؛ باعتبار أن موضوع المناطق الاقتصادية لازال في مرحلة انشاء البنية التشريعية التحتية.
وفي سياق متصل يجب الوضع في الاعتبار أن التنظيم محاولة للمساهمة لتعزيز البيئة الاقتصادية والاستثمارية، وهو أحد أهم أهداف الدولة وفقها الله، والتحدي الذي يطرحه التنظيم، أن البيئة الاقتصادية والاستثمارية للدولة عموماً يجب أن تكون محفزة، مُستقطِبة للاستثمارات، مُعالِجة للعوائق، على مستولى العموم، وهو الأصل وهو الاستثمار العام الشامل للجميع ولشتى المجالات، وعلى ذلك فيجدر التأمل بألّا تكون المناطق الاقتصادية الخاصة مُنافسة للاستثمار العام. وعلى ذلك فإن كانت تجربة المناطق الاقتصادية الخاصة بمزاياها وحوافزها هي الأنسب للاستثمار وتحقيق العوائد، فالأنسب تعميم ذلك.
كما يجب دراسة أثر المناطق الاقتصادية الخاصة على السوق المحلي، وهل هي مُكمل للاقتصاد العام؟ أو منافس له وذو تأثير سلبي بسبب تلك المنافسة وتلك الحوافز التي أعطيت للمناطق الخاصة دون بقية مناطق المملكة، وجميعها محل استثمار وتجارة.
أيضاً من الأهمية بمكان دائماً العمل على حماية المُتعاملين مع النشاطات الاقتصادية، ولأجل ذلك فإعطاء المزايا لا يعني منح القوة للمستثمرين هناك حتى لا يكونوا فوق النظام، ويرتبط بذلك وجوب حماية المستثمرين ومديونياتهم وحقوقهم تجاه المستثمرين هناك متى تولدت، ومن تجربة الاستثمار، فقد أسسَ بعض المستثمرين شركات في المملكة ثم عندما أخفقوا بعقودهم والتزاماتهم، وتولدت مديونيات عليهم، غادروا! دون أن يكون للمتعاملين معهم وحقوقهم حماية، وهو أمر جدير بأخذ الاحتياطات له.
والأهم من تنظيم المناطق الخاصة، هو تعزيز وتفعيل جميع الأدوات اللازمة لتنشيط وتقوية أي استثمار في عموم المملكة، ومن ذلك:
1- تفعيل وتعزيز أدوات التصدير وتسهيل إجراءاته، ومعالجة معوقاته، لتمكينه ودعمه، بتسهيل الإجراءات وتمكينه، ودعم تمويله.
2- دراسة ومراجعة الوضع الحالي للمصانع والشركات والاستثمارات المحلية، وتأثرها بالعوامل المختلفة، ومن ذلك: الضرائب، وتوفير العمالة ورسومها، وأنظمتها، والمواد الخام، والاستثمارات التكميلية، وغير ذلك، لتكون البيئة والمناخ الاستثماري المحلي العام على الدوام مُحفِز وناجح.
ويجب معالجة المخاطر المرتبطة بالمناطق الاقتصادية الخاصة وبالأخص للحماية من أن تكون هذه المناطق وسيلة للجريمة أو التهرب من الأنظمة، أو للغش، أو للبضائع المُقلدة والرديئة، أو التهرب الضريبي، أو لغسيل الأموال، مع العمل على التركيز على المنافع، على أن يكون ما يُراد لهذه المناطق من محفزات، عند القناعة بها، هي محفزات لعموم الاقتصادي الوطني، ويمكن التدرج والبدء بمنطقة مع دعمها بشتى الأنظمة والمحفزات، ثم التعميم التدريجي على المناطق الاقتصادية الخاصة، بل ولعموم الوطن.
وما سبق يُحتم باستمرار مراجعة الأنظمة والإجراءات المتعلقة بتحفيز وحماية الاقتصاد والتجار والمستثمرين، لتكون الأنظمة رافدة مُعززة لا مُعوقة أو طاردة.
ويُحتم باستمرار أيضاً مُشاركة القطاع الخاص والمستثمرين والتجار وأصحاب السوق مع المسؤولين، في بوتقة وشراكة تفاعلية قريبة جداً لتكميل بعضهما، ولسماع جميع الرؤى والملحوظات من أصحاب الشأن، فهم الأقرب للسوق ومعرفة احتياجاته ومعوقاته، ليكون جميع الدولة منطقة اقتصادية قوية مفتوحة.
ʘ التوصيات
1- تشكيل لجنة خاصة لإجراء دراسة تحليلية لتجارب المدن الاقتصادية وتقديم توصيات ملموسة لتحسين الأداء وتجاوز التحديات.
2- إنشاء هيئة إحصائية مستقلة لرصد وتقييم أداء المناطق الاقتصادية بشكل دوري وموضوعي.
3- تعزيز التعاون الاستراتيجي مع مناطق اقتصادية ناجحة على مستوى وطني ودولي.
4- العمل على إصدار نظام قانوني محكم ينظم حقوق والتزامات المناطق الاقتصادية الخاصة لتحقيق الشفافية والإدارة الفعّالة.
5- تعزيز التشريعات لتحفيز الاستثمارات وتسهيل الإجراءات في المناطق الاقتصادية الخاصة.
6- إنشاء آلية دورية لمراجعة وتحديث السياسات لمواكبة التطورات الاقتصادية وتحفيز الابتكار.
7- تحفيز الشركات للمساهمة في التنمية المحلية من خلال تقديم حوافز وتسهيلات.
8- تعزيز الشفافية وتوفير بيئة تنافسية عادلة للشركات في المناطق الاقتصادية.
9- توضيح وتعزيز سيادة الدولة في المناطق الاقتصادية الخاصة بشكل صريح ودقيق.
10- إجراء دراسات دورية لتحديث القوانين وتكاملها مع التطورات الاقتصادية.
11- مراجعة وتحسين الأنظمة لتحفيز وحماية الاقتصاد والمستثمرين.
12- تأسيس هيئة رقابية لمجلس الهيئة لمراقبة الحوكمة وتأثير المحفزات على المناطق الاقتصادية.
13- إصدار نظام لأحكام المناطق الاقتصادية الخاصة بمراعاة المخاطر المحتملة واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.
14- تعزيز الأدوات اللازمة لتنشيط وتقوية الاستثمارات على مستوى الدولة.
15- تفعيل وتعزيز أدوات التصدير وتسهيل الإجراءات لدعم وتمكين الاستثمارات.
16- مراجعة مستمرة للبيئة الاستثمارية المحلية وتحسينها بشكل دوري.
17- تحفيز التعاون مع القطاع الخاص لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية.
18- ايجاد آليات وممكنات لتعظيم دور مؤسسات التعليم العالي والبنوك ومؤسسات المجتمع المدني مشتركين وفرادا في تحقيق منظومة المدينة العصرية كالشراكة في تأسيس حاضنات أعمال ومناطق تنموية الخ.
ʘ المصادر والمراجع
1- جرجس، عايدة حنا. (2020). المناطق الاقتصادية الخاصة وقدرتها على جذب الاستثمارات. مجلة المال والتجارة، ع 614، 16 – 23 .
2- الحايس، عبدالوهاب جودة عبدالوهاب، وعبدالحليم، أسماء محمود عبدالغفار. (2022). المناطق الاقتصادية الخاصة كمدخل للتنمية المستدامة في المجتمع المحلي. المجلة العربية للآداب والدراسات الانسانية، ع24، 1 – 30.
3- الحايس، عبدالوهاب جودة عبدالوهاب، وعبدالحليم، أسماء محمود عبدالغفار. (2022). المناطق الاقتصادية الخاصة: المفهوم والتجارب. مجلة علوم الإنسان والمجتمع، مج 11، ع 2، 37 – 67.
4- الحايس، عبدالوهاب جودة عبدالوهاب، وعبدالحليم، أسماء محمود عبدالغفار. (2022). المناطق الاقتصادية الخاصة كمحرك إبداعي في ظل اقتصاد المعرفة. مجلة علوم الإنسان والمجتمع، مج 11، ع 4، 68 – 37.
5- صحراوي، إيمان، وحرفوش، سهام. (2020). أهمية المناطق الحدودية الاقتصادية الخاصة في تشجيع الاستثمارات والتجارة بين الدول المتجاورة. مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، مج 9، ع 5، 234 – 254 .
6- عوض الله، زينب. (2021). دور المناطق الاقتصادية الخاصة في تحقيق التنمية الاقتصادية الإقليمية: فرص وتحديات: التجربة الصينية. مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، مج 8، ملحق، 183 – 236 .
7- مداني، جميلة. (2022). استراتيجية توطين المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الصناعية في الدول الناشئة. مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا، مج18، ع 28، 55 – 74 .
8- مصطفى، إيمان محمد عبداللطيف. (2007). المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة في تنمية الاقتصاد المصري مع الإشارة إلى التجربة الصينية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الزقازيق، مصر.
9- ناشد، سوزي عدلي. (2019). جذب الاستثمار من خلال المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة. مجلة كلية الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، ع1، 2090 – 2212 .
ʘ المشاركون.
• الورقة الرئيسة: أ. لاحم الناصر
• التعقيب الأول: أ. أحمد المحيميد
• التعقيب الثاني: د. نجلاء الحقيل
• إدارة الحوار: د. عبدالإله الصالح
• المشاركون بالحوار والمناقشة:
– د. أماني البريكان
– م. أسامة كردي
– د. مساعد اليحيا
– د. خالد المنصور
– د. صالحة آل شويل
– د. رياض نجم
– د. فيصل المبارك
– م. محمد المعجل
– أ. عاصم العيسى