تقرير رقم (96) لشهر يناير 2023 : فضاء الاتصال العام بين السيطرة الحكومية، وفوضى حرية الرأي والتعبير

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا

يناير – 2023


فضاء الاتصال العام بين السيطرة الحكومية، وفوضى حرية الرأي والتعبير

(1/1/ 2023 م)

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر يناير 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: فضاء الاتصال العام بين السيطرة الحكومية، وفوضى حرية الرأي والتعبير، وأعد ورقتها الرئيسة د. حمزة بيت المال، وعقب عليها كلاً من د. علي بن ضميان العنزي، د. مساعد المحيا، وأدار الحوار حولها د. سعيد العمودي.

 

المحتويات

  • تمهيد
  • فهرس المحتويات
  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة: د. حمزة بيت المال
  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. علي بن ضميان العنزي (ضيف الملتقى) *
  • التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا
  • إدارة الحوار: د. سعيد العمودي
  • المداخلات حول القضية
  • تشخيص الوضع الراهن لفضاء الاتصال العام.
  • حرية الرأي والانضباط الوطني.
  • جهود الدولة لضبط الفضاء الاتصالي.
  • آليات ضبط فوضى حرية الرأي والتعبير في الفضاء الاتصالي.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون

  

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية فضاء الاتصال العام بين السيطرة الحكومية، وفوضى حرية الرأي والتعبير. وأشار د. حمزة بيت المال في الورقة الرئيسة إلى أن المملكة تعيش حالة من التنمية المتسارعة في ظل رؤية 2030، تاركةً خلفها الكثير من التراكمات السابقة لقوى مجتمعية متعددة، التي قد لا تتفق بالضرورة مع هذه التحولات. ولقد تعددت استجابة هذه القوى لحالة التغير؛ بعضها بالسكون، والبعض الآخر نشط استغل حالة الانفتاح في تقنيات الاتصال المعاصرة لخلق تشويش وبلبلة في الرأي العام السعودي الداخلي، أما خارجياً فهناك بعض القوى تناصب المملكة العداء، تسعى لإفشال هذه التجربة، مستغلة أيضا وسائل التواصل المعاصرة بجميع تطبيقاتها المتعدد للتشويش في فضاء الاتصال العام وتشويه سمعة وصورة المملكة عالمياً. والملاحظ أنه مع سعي الحكومات للسيطرة على فضاء الاتصال العام وضبطه، ونزع حالة الفوضى منه، هناك الكثير ممن يرون أن الإفراط في سيطرة الحكومات على حركة المعلومات المجتمعية مضرة ولا تحقق أحد مبادئ حقوق الإنسان وهي حرية الرأي والتعبير. لذلك فان الأمر يعود في جله لما أحدثته تقنيات الاتصال العام المعاصرة من خلل في فضاء الاتصال العام.

بينما ذهب د. علي بن ضميان العنزي في التعقيب الأول إلى أن الحل الأمثل لمواجهة فوضي الفضاء الاتصالي هو اقتحام هذا الفضاء بكل قوة، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال العمل المؤسسي المنطلق من رؤية محددة ورسالة واضحة وأهداف قابلة للتحقيق. ولا يقتصر هذا العمل المؤسسي على جهة حكومية واحدة، بل يجب أن تكون هناك استراتيجية اتصالية موحدة تعتمد على الوضوح والشفافية والتفاعل مع فضاء الاتصال العام.

في حين ذكر د. مساعد المحيا في التعقيب الثاني أن الإعلام التقليدي يواجه منذ سنوات تحديات تتنامى يوما بعد يوم من الشبكات الاجتماعية التي أنتجت ثورة اتصالية قادت إلى الكثير من الفوضى الاتصالية وإلى تدفق واسع للمعلومات مما نتج عنه تجاذب واسع بين الإعلام التقليدي والجديد حيث وجد الجمهور في الشبكات الاجتماعية والإعلام الالكتروني فرصا كثيرة في الحصول على المعلومة والتعبير عن الآراء. ولعل مما يعزز ذلك هو أن هذه الشبكات تتدفق تحديثاتها وأنماطها ووسائلها على نحو لم تعد الوسائل الإعلامية قادرة على المنافسة معها فضلا عن التفوق عليها.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • تشخيص الوضع الراهن لفضاء الاتصال العام.
  • حرية الرأي والانضباط الوطني.
  • جهود الدولة لضبط الفضاء الاتصالي.
  • آليات ضبط فوضى حرية الرأي والتعبير في الفضاء الاتصالي.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • انشاء “وكالة وزارة” في وزارة الإعلام لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وما يبث فيها والتواصل مع الاشخاص الذين يبثون مواد إعلامية متنوعة، وتزويدهم بما يلزم من معلومات صحيحة، وتنبيههم إلى محاذير النشر غير المنضبط وعقوبته.
  • هناك حاجة إلى مساندة الدولة للمؤسسات الإعلامية والصحفية المعتبرة القائمة ذات التاريخ والحصافة لتتحول إلى اصعدة التواصل وتمارس موضوعيتها وخبرتها هناك وكسب المصداقية والحفاظ عليها.
  • تعزيز ربط المتلقي بأهمية التحقق من مصدر المعلومة أو الخبر من المواقع الرسمية ومنها الصحف الرصينة والشخصيات الموثوقة.
  • أن يكون لكل مشهور في وسائل التواصل الاجتماعي رخصة عمل تمنحها له وزارة الإعلام، بحيث تزوده الوزارة ببعض الشروط يوقع عليها، تضمن الشروط عدم الاعتداء والاساءة أو نشر الاكاذيب وترويج الشائعات.
  • هناك ايضاً شبه جهل بمفهوم “حرية الرأي” لدى نسبة عالية من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي سواء من المشاهير أو غيرهم. البعض يختفون خلف معرفات وأسماء وهمية لممارسة الاعتداء على الآخرين، وهذه المشكلة (المعرفات الوهمية) لابد من ايجاد حل جذري لها.

 

  • الورقة الرئيسة: د. حمزة بيت المال

توطئة

تعيش المملكة حالة من التنمية المتسارعة في ظل رؤية 2030، تاركةً خلفها الكثير من التراكمات السابقة لقوى مجتمعية متعددة، التي قد لا تتفق بالضرورة مع هذه التحولات. ولقد تعددت استجابة هذه القوى لحالة التغير؛ بعضها بالسكون، والبعض الآخر نشط استغل حالة الانفتاح في تقنيات الاتصال المعاصرة لخلق تشويش وبلبلة في الرأي العام السعودي الداخلي، أما خارجياً فهناك بعض القوى تناصب المملكة العداء، تسعى لإفشال هذه التجربة، مستغلة أيضا وسائل التواصل المعاصرة بجميع تطبيقاتها المتعدد للتشويش في فضاء الاتصال العام وتشويه سمعة وصورة المملكة عالمياً.

إن ما يحصل من عمليات تشويش، واستقطاب من قبل القوى المتعددة للرأي العام محلياً، وعالمياً، أصبحت ظاهرة مقلقة للكثير من الحكومات ومن جميع دول العالم دون استثناء، مما دفعها من أجل ضبط حالة الفوضى الاتصالية في فضاء الاتصال العام السعي لإعادته لوضع مستقر بحسب ما تراه حكومة كل دولة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبها.

تسعى هذه الورقة لتقديم توصيف مختصر لحالة فضاء الاتصال العام، وما أصابه من واقع لا يمكن وصفه إلا بالفوضى، مقابل حرية الرأي والتعبير، وأخيرا جهود المملكة لمواجهة حالة الفوضى هذه.

بين الفوضى والحرية

إن الملاحظ أنه مع سعي الحكومات للسيطرة على فضاء الاتصال العام وضبطه، ونزع حالة الفوضى منه، هناك الكثير ممن يرون أن الإفراط في سيطرة الحكومات على حركة المعلومات المجتمعية مضرة ولا تحقق أحد مبادئ حقوق الإنسان وهي حرية الرأي والتعبير. لذلك فان الأمر يعود في جله لما أحدثته تقنيات الاتصال العام المعاصرة من خلل في فضاء الاتصال العام.

فلقد أعاد انتشار تقنيات الاتصال المعاصرة بتطبيقاتها المتعددة إلى الواجهة جدل العلاقة بين سيطرة الحكومات على عمليات الاتصال المجتمعي العام، ومطلب حرية الرأي والتعبير. حيث أصبح واضحاً أن هذه التقنيات أسهمت بشكل فاعل في عودة حركة المعلومات الأفقية في المجتمع وخففت من سيطرة الحكومات التقليدية عليها. هذا التقدم عزز حرية النقاش المجتمعي العام وحرية إبداء الرأي في القضايا العامة.

ولقد استبشر المهتمون بتحرير فضاء الاتصال العام بهذه التقنيات من تخفيف سيطرة الحكومات وإعادة الأمر لوضعه المفروض أن يكون عليه في مجال حرية الرأي والتعبير.

إن ما أحدثته تقنيات الاتصال والإعلام المعاصرة وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها المتعددة هو إعادة تشكيل فضاء الاتصال العام لمرحلة ما قبل ظهور وسائل الإعلام، ومصطلح “فضاء الاتصال العام”، هو مصطلح نحته هبرماس عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني.

حولت هذه الوسائل المعاصرة مثل؛ وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات النشر العام المباشر، الفرد مما كان يعرف بالمتلقي السلبي التقليدي لوسائل الإعلام إلى متصل نشط وصانع محتوى وناشر في نفس الوقت دون تكلفة تذكر، مع غياب لأي ضوابط تحكم هذه الحالة، وفقدت الحكومات سيطرتها التقليدية على الحوارات المجتمعية العامة.

إن الواقع الآن يشير إلى أنه ليس الفرد فقط من أصبح نشطاً في التواصل الإعلامي العام لكن أيضاً المؤسسات العامة، والخاصة، والأحزاب، وجماعات الضغط والمعارضة، والجماعات المتطرفة، بل إن الأمر وصل لحكومات الدول ورؤسائها. كذلك الكثير من شركات تقنية المعلومات مثل جوجل، وفيس بوك وغيرها، عدا صناع المحتوى مثل المشاهير والمؤثرين، والمشاهير أصبحوا متسيدي فضاء الاتصال العام الآن.

باختصار أصبح بإمكان أي كيان حكومي أو خاص، كبير أو صغير، فردا أو جماعة، من داخل الدولة أو خارجها، الوصول ومخاطبة جماهير العامة في دول العالم مباشرة دون المرور بأية جهة مهتمة بضبط الصالح العام للفرد والمجتمع والحكومة والدولة بشكل عام.

فوضى حركة المعلومات في فضاء الاتصال العام

منذ عقود كانت حركة المعلومات العامة مجتمعياً تقوم بها ما يعرف بوسائل الإعلام العامة أو الجماهيرية. والمقصود بالاتصال والإعلام العام الجماهيري، هي تلك المؤسسات التي تستخدم تقنيات التوزيع المركزي ببنى تحتية مكلفة، للاتصال بالجماهير العامة في اتصال سمته العامة الاتصال في اتجاه خطي واحد، يتم التحكم فيه من قبل جهة حكومية إما بالتنظيم فقط كما هو الحال في معظم الدول الغربية، أو بالتنظيم المباشر، والتشغيل معاً كما هو الحال في بقية دول العالم وبصيغ متعددة. هذا النوع من الاتصال يُعرف الآن بوسائل الإعلام التقليدية؛ صحافة، وإذاعة، وتلفزيون، مقابل ما بات يطلق عليه وسائل إعلام جديدة، ووسائل التواصل اجتماعي.

لقد تمكنت وسائل تقنيات الاتصال المعاصرة من تحقيق عدة أمور أساسية منها:

  • زيادة مساحة التعبير عن الرأي لدى فئات كانت مهمشة من وسائل الإعلام العامة التقليدية.
  • فتح الفضاء العام لكل متصل بصرف النظر عن دوافعه وأغراضه دون رقيب أو حسيب.
  • التسلل بشكل تدريجي على مساحة الوسائل التقليدية والاستحواذ على حصة نصيب الأسد من مصادر تمويل الوسائل التقليدية -الإعلانات والرعاية- لدرجة تهديد حالة وجودها وإلغائها، وخير مثال على ذلك ما تشهده الصحافة الورقية من تقلص واضطرارها لترك الورق والتحول للصيغ الإلكترونية، ويبدو أن الحالة ستصل لبقية الوسائل؛ تلفزيون، وإذاعة، مع اختلاف سرعة التلاشي.

إن ضمور حضور الوسائل التقليدية أو انقراضها من فضاء الاتصال العام والذي بات يصفه البعض بنهاية أو موت الإعلام، أسهم بشكل واضح في تحرير حركات المعلومات العامة بعيدا عن سيطرة الحكومات، التي ظلت الحكومات مطمئنة لها بما فرضته من تشريعات وتنظيمات لضبطها بما يحقق أهدافها وأهداف المجتمع.

وبنظرة فاحصة لهذا الأمر فان الواقع يشير إلى أن هذه الوسائل المعاصرة بالرغم من كثر إيجابياتها والتي منها؛ تمكين الفرد للوصول إلى مصادر المعلومات أياً كانت وفي أي وقت، وإبداء الرأي والتعبير بحرية تامة، إلا أنه لا يمكن تجاهل استغلالها من قبل بعض الأفراد أو الجماعات، والشركات، إما بجهل أهمية ومسؤولية الاتصال المجتمعي العام أو بغرض تحقيق أغراض خاصة للفرد أو الكيان المتصل، مما أسهم في جعل هذه الوسائل فضاء خصباً للدعاية، ونشر الشائعات، والأخبار المزيفة والمكذوبة، والتي أثبتت العديد من الدراسات أن سرعة انتشارها يفوق سرعة انتشار الأخبار الصادقة.

إن ما أصبح يتداول الآن في وصف حالة فضاء الاتصال العام، من النخب، ومجتمعياً هو “الفوضى” وليس مستغرباً هذا المصطلح كون الحكومات فقدت السيطرة على تنظيم وإدارة وسائل الاتصال العام، وفقد المجتمع المرجعية التي يمكن الاحتكام إليها في حالة الانزلاق لما هو ضد الفرد والمجتمع وكيان الحكومة والدولة بشكل عام.

جهود الحكومات لاستعادة السيطرة على فضاء الاتصال العام

إن واقع فضاء الاتصال العام المعاصر فرض على الحكومات ضرورة التحرك للاستجابة لهذا الواقع الجديد وإعادة النظر في تموضعها، واستعادة مكانتها كسلطة في مراقبة ومتابعة هذه الوسائل بدعوى المحافظة على فضاء اتصال عام صحي بعيدا عن فوضى التأثير على الرأي العام لأغراض ضد الصالح العام.

إن سعي الحكومات الآن للسيطرة على فضاء الاتصال العام لم يقتصر فقط على إعادة صياغة تشريعات وقوانين ونظم الاتصال العام داخل الدولة لاستعادة مواجهة ما بات يعرف بفوضى هذه الوسائل، بل تعدى الأمر من الحكومات في الظروف التي لا يمكن أن تشملها القوانين المحلية، اللجوء إلى قفل فضاء اتصالها العام بإيقاف خدمات هذه الوسائل ومنعها بالحجب. وبالرغم من ذلك فان هناك من يمكنه اختراق هذا الحجب والوصول للرأي العام والتأثير عليه في القضايا العامة، أو الجرائم الإلكترونية المنظمة.

إن سعى الحكومات لتكثيف التنظيمات والقوانين ما هو في الواقع إلا عمليات قرض في جسم حرية التعبير التي أصحبت مطلباً مثالياً لا يمكن تحقيقه في أرض الواقع، وأفقدها جوهرها ومعناها. فحرية الرأي والتعبير التي طالما كانت هي المحرك الأساس لنجاح العمل الإعلامي لخدمة الصالح العام وبالأخص فيما يعرف بحرية التعبير عن الرأي، ومتابعة أداء المؤسسات العامة -كلب الحراسة- في طريقها للانحسار، بل قد يصل الأمر لاختفائها.

إن إجراءات التشدد الحكومي هذه من قبل حكومات دول العالم الثالث قد يكون مبرراً نظرا لما تمر به من سياق تنموي تحتاج فيه إلى نوع من الاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث إن كثرة طرح آراء متطرفة في الفضاء العام قد تضر بمسيرتها. لكن الملفت للنظر في هذه الإجراءات هو حكومات الدول الغربية التي ما فتئت تتهم غالبية حكومات دول العالم بالتضييق على الحريات وتُروج وتقاتل من أجل الدعوة لحرية الرأي والتعبير. غير أن الأمر تغير الآن وبدأ البعض يتهمها بازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين، حيث بات واضحاً أن الأمر مرتبط بالسياسية وليس بمعايير قانونية أو مهنية.

وفي الحقيقة إن أزمة السيطرة على فضاء الاتصال حتى من قبل حكومات الدول الغربية، أصبحت شبه مستحيلة لأن من يديره هي شركات عابرة لحدود الدول، التي لا توجد تنظيمات أو قوانين لضبط ممارساتها في صناعة وتوزيع المحتوى، عدا ما هو متعلق بكونها شركات تجارية.

جهود المملكة في مواجهة فوضى فضاء الاتصال العام

لا تختلف المملكة كثيرا في جهودها لمواجهة حالة فوضى الاتصال العامة عن بقية الدول. فالمملكة وكما سبقت الإشارة في حالة تنموية ثورية لها من الأعداء حجم ما لها من الأصدقاء أو أكثر.

إن حكومة المملكة العربية السعودية قد تنبهت مبكراً لحالة فوضى الفضاء العام وعملت على تحديث بعض التشريعات والقوانين القديمة وإصدار أخرى تلائم حالة الوضع المعاصر، ولذلك سنت العديد من التشريعات والقوانين لضبط هذا الفضاء منها:

  1. نظام الإذاعة الأساسي
  2. نظام المطبوعات والنشر
  3. نظام المؤسسات الصحفية
  4. نظام حماية حقوق المؤلف
  5. قواعد تنظيم لوحات الدعاية والإعلان
  6. نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها
  7. تنظيم هيئة الإذاعة والتلفزيون
  8. تنظيم وكالة الأنباء السعودية
  9. تنظيم الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع
  10. نظام الإعلام المرئي والمسموع
  11. نظام مكافحة جرائم المعلوماتية

هذا بالإضافة لجهود الكثير من المؤسسات العامة والخاصة التي خصصت جزءاً من جهودها الاتصالية والإعلامية لمواجهة ظاهرة الأخبار المفبركة، والكاذبة، والتي غالبيتها من خارج المملكة، لكن تظل جهود محدودة التأثير في ظل موجة كثافة النشر الموجه لها.

إن مجموع هذه التنظيمات سيكون لها الكثير من الآثار الإيجابية في عمليات الردع، والعقاب لكل من يخل بمبادئ الصالح العام، وبفضائه، غير أنه ايضاً من المعلوم أن كثرة التنظيمات ستقيد حرية الرأي والتعبير، وتحجب الكثير من الآراء التي يمكن أن تسهم في تحفيز مسيرة التنمية في ظل رؤية 2030.

الخلاصة: تم في هذه الورقة استعراض مختصر سريع لقضية معقدة تتجدد عبر العصور وهي قضية حدود حرية الرأي والتعبير في فضاء الاتصال العام مقابل الضبط والتنظيم، من قبل الحكومات لمواجهتها. وثمة أسئلة مهمة مطروحة في هذا السياق من أبرزها:

  • إلى أي مدى تستطيع الحكومات الاستمرار في السيطرة على فضاء الاتصال العام لضبط ما يدعى بفوضى وسائل التواصل الاجتماعي في ظل الخروقات التي يمكن حدوثها؟
  • هل هناك من مخرج لهذا التأزم بين حرية الرأي والتعبير والحكومات؟
  • كيف يمكن التحكم في التأثيرات الخارجية وبالأخص حملات الدعاية والاشاعات، والرسائل المفبركة والأخبار الكاذبة من خارج المملكة؟ هل الحجب هو الحل؟

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب الأول: د. علي بن ضميان العنزي

يحاول كل مهتم بالشأن العام – بصورة مباشرة أو غير مباشرة- أن يستوعب تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الإعلام الرقمي على حياتنا اليومية وما تحدثه من أثر في قناعاتنا وأفكارنا، ورؤيتنا للماضي والواقع والمستقبل. لم يتغير فقط واقعنا ولسنا نتساءل عما سيكون عليه مستقبلنا فحسب، بل تغيرت نظرتنا للماضي ولكثير من المسلمات والقناعات والأفكار. أصبحنا نعيد النظر كثيرا في ماضينا من خلال ما نتعرض له في فضاء الاتصال العام. هناك من يحاول أن يغير صفحات التاريخ ويعيد كتابتها. ولا شك أن مساحة حرية الرأي والتعبير أعطيت لكل صاحب قلم ولكل منتهج فكر، والمجال مفتوح حتى لمن يتكسب مادياً من خلال تزوير التاريخ أو نبش مقابره.

يرى جيل من صانعي المحتوى أن التاريخ والماضي لم ينل حقه من النقاش ولا من كشف الحقائق والمستور. ربما لأنه كان حكراً على مؤسسات متخصصة جلها يتبع لحكومات أو جهات تعليمية أو ثقافية. أما الآن فالتاريخ بكل ما يحمله من أسرار ومواطن فتن معروض على فضائنا العام. التاريخ بكل تفاصيله السياسية والاجتماعية والدينية. هذا وحده جدير بأن يقلق الحكومات من فوضى حرية الرأي والتعبير، ناهيكم عن كون ما كان يدور في المجالس الخاصة بكل حرية ودون قيود أصبح مطروحا في الفضاء العام وهذا يعني لا شك فوضى الحرية في عرض الآراء والأفكار. وهذا ما يعود بنا إلى جملة للرحالة السويسري يوهان لودفيك بركهارت (1817 – 1784) في أحد كتبه عن حياة البادية، واصفاً العرب بأنهم «أحرار إلى حدّ الفوضى»(1)، وهناك من يرى أن هذه الحرية تصبح خطراً إن لم تكن ضمن حدودها الإيجابية.

صدر كتاب مؤخراً في باريس بعنوان «أنقذوا الحرية» للفيلسوفة مونيك كانتو سبرير، تعبر عن قلقها إزاء المخاطر التي تهددها، فمن ناحية هناك مطالبة بكلمة حرة وإن كانت عنصرية، ومن ناحية أخرى بروز رقابة (غير رسمية) باسم التقدمية النبيلة تضع حدوداً للقول والكتابة. تقول الفيلسوفة: كل الأفكار مقبولة ما عدا أن يكون من أهدافها إسكات الآخر أو إعدام كل سجال، وها هي اليوم رهينة اتجاهين، من ناحية مطالبة بعضهم بحقهم بقول كل شيء بطريقة «متحررة» من كل التابوهات والمحرمات لتنطق بأفكار تتضمن كلاماً منتهكاً وتستخدم الحرية وسيلة للإدلاء بآراء هي على حدود خرق القانون (والأعراف) خصوصاً العنصرية والاثنية والدينية(2).

هذه الحرية في الرأي والتعبير ليست بريئة، فقد سمح فضاء الاتصال العام بالاختباء خلف معرفات وهمية وأخرى مزورة وتنتحل صفات لشخوص ومؤسسات عديدة. فقد أظهر التقرير السنوي لوسائل الإعلام الاجتماعية العربية أن ما يقارب من 70% من المتعاملين معها يستخدمون أسماء مستعارة -وهمية- في وسائل التواصل، فيما يزيف 40% تاريخ الميلاد، ويختار 35% موقعا جغرافيا خاطئا، ويغير 17.3% حالتهم الاجتماعية، ويحدد 13% جنسا مغايرا لجنسهم، ويزيف حوالي 5% معلومات أخرى(3). وهذا ما استفادت منه –على وجه الخصوص- الجماعات الإرهابية والمعارضة، فبالإضافة إلى مساحة الحرية المطلقة التي يمنحها فضاء الاتصال العام، هم يمارسون الحرية خلف ستار. وهم يمارسون بكل ضراوة النبش في الماضي وتقويض الحاضر والإرجاف من المستقبل.

أشار كاتب الورقة الرئيسة إلى تفاوت الاستجابة لما نعيشه في المملكة من حالة من التنمية المتسارعة في ظل رؤية 2030، حيث التزمت بعض القوى المجتمعية بالسكون، والبعض استغل مساحات الحرية في الرأي والتعبير التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من تقنيات الإعلام الرقمي في فتح جبهة إعلامية شرسة تحاول زرع الفتن والتشويش والبلبلة على ما تحققه الرؤية على أرض الواقع، والتشكيك بمشروعاتها المستقبلية. وخطورة هذه الجبهة وقوة تأثيرها لا يمكن تجاهله، خصوصا أن عصر المؤسسات الإعلامية التقليدية انتهى، وتم كسر احتكارها للرأي والمعلومة بشكل ساحق. لذلك فإن التصدي لها من قبل الحكومة لا يتم حصره فقط فيما ذكره كاتب الورقة الرئيسة في سن العديد من التشريعات والقوانين لضبط فضاء الاتصال، إنما بدخول الحكومة بجميع مؤسساتها في هذا الفضاء بشكل مكثف وموجه يعتمد على صناعة محتوى إعلامي يشكل حائط صد دفاعي بتوفر المعلومة الصحيحة والدقيقة والرد على جميع الشبهات. إضافة إلى أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وفي هذا الصدد فإن الحكومة عندما تحاول أن تصد الهجمة الإعلامية التي تتعرض لها من الجهات الخارجية المختلفة والمأجورين لها، وتحاول أن تواجه فوضى الحرية، فالحل الأمثل هو أن تقتحم هذا الفضاء بكل قوة، ولا يتأتى ذلك إلى من خلال العمل المؤسسي المنطلق من رؤية محددة ورسالة واضحة وأهداف قابلة للتحقيق. ولا يقتصر هذا العمل المؤسسي على جهة حكومية واحدة، بل يجب أن تكون هناك استراتيجية اتصالية موحدة تعتمد على الوضوح والشفافية والتفاعل مع فضاء الاتصال العام. فعلى سبيل المثال وكما ذكر كاتب الورقة الرئيسة فالمؤسسات أصبحت مثلها مثل الأفراد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يجب أن تتفاعل وتتداخل وتكون حاضرة في كل المناسبات حتى الاجتماعية والثقافية.

ولا نقلل بالطبع من دور التشريعات والقوانين لضبط فضاء الاتصال، فالغرب انكشف التزامه بمبدأ حرية التعبير في عدة مناسبات، آخرها في أزمة فايروس كورونا. حيث تداولت العديد من المؤسسات الإعلامية والمؤثرين والعامة حوادث ترتبط بسياسة ضبط الحرية في هذه المسألة. وهذا مقبول من أجل الصالح العام. فالحرية المطلقة قد تؤدي إلى نتائج كارثية.

وبالتأكيد لا بد من استشراف المستقبل، فقد ذكر كاتب الورقة الرئيسة أن وسائل الإعلام التقليدية بدأت بالاضمحلال بداية من الصحافة الورقية حالياً، وبوادر تأثر القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ووكالات الأنباء باكتساح وسائل الإعلام الرقمي لفضاء الاتصال العام، بل سبق لي وأن طرحت – في ندوة قدمتها بهيئة الصحفيين السعوديين إبان أزمة كورونا 1441هـ- مفهوم تلاشي وسائل الإعلام وذلك بتأثير من التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي قد يغير معالم الصورة كاملة. لا بد من إعداد دراسات استشرافية بهذا الشأن إذ سيتطلب التعامل مع فضاء الاتصال العام وفوضى الحرية خططاً مختلفة تماماً تعتمد على معطيات المستقبل.

  • التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا

منذ سنوات والإعلام التقليدي يواجه تحديات تتنامى يوما بعد يوم من الشبكات الاجتماعية التي انتجت ثورة اتصالية قادت إلى الكثير من الفوضى الاتصالية وإلى تدفق واسع للمعلومات مما نتج عنه تجاذب واسع بين الإعلام التقليدي والجديد حيث وجد الجمهور في الشبكات الاجتماعية والإعلام الالكتروني فرصا كثيرة في الحصول على المعلومة وفي فرص التعبير عن الآراء.

ولعل مما يعزز ذلك هو أن هذه الشبكات تتدفق تحديثاتها وأنماطها ووسائلها على نحو لم تعد الوسائل الإعلامية قادرة على المنافسة معها فضلا عن التفوق عليها.

هذا الحضور الواسع لهذه الشبكات أسهم في صناعة جماهيرية واسعة من المستخدمين في مختلف دول العالم وقد أظهر هذا علاقة حميمية بينهم وبين هذه التطبيقات.

ونتيجة لهذه العلاقة كان من الطبيعي أن تنشأ ثقة بكثير من المحتوى الذي تقدمه تلك الشبكات ولا سيما بعد ظهور جيل من المؤثرين أو المشاهير. والثقة هنا لا تعني المصداقية طبعا.

ولعل مما أتاح لهذه الشبكات قوة وتأثيرا هو تنوع الاجهزة والالواح الذكية مع ملاءة مالية لدى عدد من المجتمعات اضافة إلى تنوع الخدمات الاتصالية حيث تتنافس شركات الاتصال في تسويق منتجاتها لتقديم خدمات أفضل. وقد قاد هذا إلى تدفق للمعلومات والافكار والآراء دون معايير مهنية على نحو ترتب عليه ما وُصف بالفوضى الاتصالية الواسعة.

ونتيجة لذلك فإن من أهم التحديات التي ظلت تؤرق صناع الإعلام التقليدي في ضوء طبيعة وحجم هذه التطورات في أنماط تطبيقات الشبكات الاجتماعية وتنوعها وازدياد حجمها هو أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت بيئة إعلام تنافسية تتجدد على نحو سريع ومذهل جداً. وهو ما أصبح ينتج ويغذي كثيرا من الفوضى في الاتصال والمحتوى والمعلومات المقدمة.

إذ أن التطبيقات جعلت الجميع يمارس دور الإعلامي والمراسل والمصور والصحفي وأصبح الجميع ايضا جمهورا في هذه الوسائل المتجددة بما في ذلك “الواتس “أو “وجهات “نحوها حيث يتلقى الجمهور كل دقيقة وكل ثانية معلومات وافكارا وآراء لا يستطيع أن يسمح وقته كله بمطالعتها بكل ما تحمله من اشاعات وأخبار غير موثوقة وبما تقدمه من معلومات مضللة وخاطئة، بل قد يترتب على بعضها مشكلات اجتماعية واقتصادية وصحية.

هذا الواقع يطرح تساؤلات مهمة جدا حول كيفية التعاطي مع ذلك؛ إذ هناك اشكالية ترتبط بعملية ضبط فوضى الاتصال قد تنعكس سلبا على حرية التعبير في المجتمع. ففي الواقع أتاحت الشبكات الاجتماعية قدرا غير محدود للتعبير تجاوز كثيرا مما تفرضه تلك المعايير التي يراد منها ضبطه.

السؤال إذا كان المستقبل يؤذن بالمزيد من هذه التطبيقات فهل سيكون للأنظمة والمعايير التي نضعها لضبط هذه الفوضى الاتصالية فعاليتها في ضبط محتواها أم ينبغي أن يرتفع سقف هذه المعايير والانظمة لتتكيف مع التغيرات الواسعة في البيئة الاتصالية لا سيما وقد أصبحت هذه التطبيقات وتنامي استخدامها واقعاً يؤكد على أهمية وكيفية التعاطي معها بل والعمل على استثمارها، خاصة وأن الجهات الرقابية قد تجد صعوبات كبيرة في مواجهة هذا التدفق الاتصالي والفوضى التعبيرية، ومن الصعب أن تواجهها بوسائل ذات كفاءة أقل أو أضعف.

لقد كانت وسائل الإعلام هي المصدر الاول والاهم في الحصول على الاخبار والمعلومات وظلت على ذلك لسنوات عديدة جعلت كثيرا من صناعها أشبه بالحرس القديم الذي لم يستوعب الخصائص المهنية لكل وسائل وتطبيقات الشبكات الاجتماعية ولم تعمل على نحو واسع في استثمارها عدا وسائل يسيرة هي التي أدركت ذلك. لذا فقد أصبحت الفوارق في الاستحواذ على اهتمامات الجمهور واسعة جدا والبون كبير بل ويزداد يوما بعد يوم مما يؤذن في كل يوم بعهد جديد يتطلب جهودا أكبر وعملا ضخما وموضوعيا يتسق وطبيعة هذه التطبيقات وما تقدمه من محتوى متنوع ومتجدد.

والتصور أن هذه الفوضى الاتصالية لا تقلق دول الخليج أو الدول العربية فقط، وإنما يبدو أن كثيرا من الدول الغربية والشرقية يقلقها ذلك، على تباين بينها في حجم هذا القلق وفقا لطبيعة التعاطي مع وسائل ومحتوى السوشل ميديا والطرق المختلفة في التعايش معها وتوظيفها على نحو أمثل. ولعل مستوى حرية التعبير المتاحة لدى كثير منها يجعل التوجس خيفة من كثير مما ينشر لا أساس له في واقع العلاقة مع الجمهور.

دون شك كان أحد اسباب ارتقاء الشبكات الاجتماعية في مجتمعاتنا لمكانة متقدمة تتفوق فيها على وسائل الإعلام التقليدي هو أن الإعلام لم يقم بوظيفته الرقابية والنقد والتقويم وهي الوظيفة التي تقوم بها الوسائل في كثير من دول العالم وتركيزه على نمط الإعلام الدعائي.

لذا كان غياب الإعلام المحلي عبر وسائله التقليدية عن فهم احتياجات الجمهور سببا في تراجعه وممارسته لوظيفته في كسب الجمهور والاستحواذ على نسبة عالية منه وفي صناعة وعيه وتنمية قدرته الانتقائية ليتمكن من تقويم المحتوى ويختار الأفضل وهو أحد الاسباب التي ترتبت عليها هذه الفوضى الاتصالية الواسعة.

وبسبب هذا الاخفاق مضى عدد من رجال الإعلام في اتجاه نقد كثير من المؤثرين والمشاهير في الشبكات الاجتماعية والتقليل من قدراتهم وكفاءتهم وان ما يقدمونه ليس صناعة محتوى، وانهم يبثون المعلومات دون أن يهتموا بمصداقيتها، بل البعض يصفهم بأنهم سارقو المحتوى وأن هذه التطورات مجرد ظواهر وقتية لا يمكن أن تؤثر بالسلب أو أن تُقوِّض أداء المنصات الرصينة والموثوق في أدائها.

والحقيقة أن مثل هذا الطرح والتناول هو من باب اوسعتهم سبا وفازوا بالإبل فانت تستطيع أن تصف المنافسين بما شئت لكن الواقع أنك لا تجد جمهورا وبالتالي لا يسمعك أحد.

ودون شك فإن الوسائل الإعلامية التي تعد موادها بمهنية تظل أكثر موثوقية لكنها تحتاج أن تستثمر كل السمات الاتصالية في هذه التطبيقات لتوصل محتواها مع ضرورة اعادة الصياغة والتركيز والاختصار للمحتوى الذي تقدمه لتكون قادرة على المنافسة.

ونتيجة للإخفاق في استثمار منصات التواصل الاجتماعي من لدن كثير منها فإن غالب الصحف تراجعت والتلفزيون أصبح يتقهقر وقد يزداد تقهقرا.

ومن هنا فلدي قناعة بأن المستقبل سيكون اشد لا سيما حين تنتظم هذه التطبيقات وتتشارك وتستثمر الذكاء الصناعي؛ الأمر الذي سيجعلها أكثر تأثيرا واندماجا وتوسعا في احتواء الجمهور واشباع احتياجاته ورغباته.

وإذا كنا نتطلع في إطار مستقبل الإعلام أن نحد من هذه الفوضى الاتصالية فإن من المهم أن ندرك أن المستقبل سيظل حليفا والله أعلم لمختلف تطبيقات السوشل ميديا، والتي قد تمضي قدما في جعل الإعلام التقليدي يزداد تقهقرا باستثناء الإعلام المدعوم من الحكومات أو من الشركات الكبيرة والذي سيظل يتنفس الحياة مادام يجد الدعم.

إذ أن الدول وبما تستطيع انفاقه للسيطرة على جوانب من هذه الفوضى الاتصالية وبما يمكن أن تضعه من انظمة ومعايير يمكن أن تتاح لها فرصا اوسع للحد من هذه الفوضى حين تستثمرها وتوظفها على نحو يتسق وطبيعتها وخصائصها الاتصالية.

 

  • المداخلات حول القضية
  • تشخيص الوضع الراهن لفضاء الاتصال العام.

في ظل الثورة الاتصالية الجديدة التي يعيشها العالم الآن، أصبحت شبكة الإنترنت ظاهرة واسعة الانتشار، ووسيلة اتصال وإعلام مؤثرة (4). وأفرزت تكنلوجيا المعلومات والاتصالات ظاهرة جديدة تمثلت في أن سكان الأرض أصبحوا يديرون نسبة كبيرة جداً من شئون حياتهم في مختلف المجالات بما فيها المجال الإعلامي من خلال الفضاء الإلكتروني (5).

وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بدورها في نشوء مجتمعات افتراضية جديدة بقواعد مختلفة فيما يخص نشر وتداول المعلومات (6)، وسواء أكانت المادة المنشورة ذات محتوى إيجابي أو سلبي (7). وبالمجمل فإن “الفضاء الاتصالي المعلوماتي المتأسس على التدفقات غير المنقطعة للبيانات والمعلومات بات يتجلى في شكل كيانات رقمية مختلفة في هندستها وخصوصيتها”(8). وبات مصطلح الفضاء المعلومات يستخدم لوصف البيئة الافتراضية للإنترنت وبقية وسائط الاتصال الرقمية التي يكثر استخدامها في مجتمع المعلومات”(9).

وتشير الدراسات العلمية إلى أن كثير من وسائل التواصل الاجتماعي  أصبحت من أكثر الوسائل فعالية في تسهيل التواصل ونقل المعلومة بين الناس، وتقريب المسافات بين القارات المختلفة، وهي تعطي المستخدمين حرية التعبير عن الرأي كحق من حقوق الإنسان الاساسية والاستماع إلى الرأي الآخر، وبذلك تساهم في نشر الثقافة والارتقاء بالفكر الجمعي كما تتميز بسرعة انتشار المعلومة، ومشاركتها مع الآخرين، ومع ذلك فإن الجنوح للفوضى في استخدام بعضها وخروجها عن مسارها الإيجابي يمكن أن يكون له تأثير سلبي بالغ على بنية المجتمع وسلمه المجتمعي وخصوصًا فكر الناشئة والشباب ، حيث سجل الواقع في كثير من تلك التطبيقات أن الفوضى بدأت تتزايد في مكوناتها ومحتواها ، مما ينذر بالخطر؛ فالخلل فيها يتوسع يوما بعد يوم، وبقراءة متمعنة في مضامين المحتويات والحوارات والتعليقات على منصاتها يظهر الكثير من مظاهر التطرف والتخلف الفكري، والعنف اللفظي، والعنصرية والبعد عن النقد الموضوعي، وفقد القدرة على التواصل الايجابي مع الآخر، ولذلك تسعى الحكومات لضبط ايقاع بعض هذه التطبيقات لحفظ قيم وأخلاق المجتمع للحفاظ عليها في مواجهة جيش الكتروني مؤدلج وموجهه في أغلبه لخلق الفوضى وهدم قيم وتقاليد المجتمع. ويلاحظ أن الفوضى في هذه الوسائل هي فوضى معلوماتية وأخلاقية، فهناك اضطراب وعشوائية في نشر المعلومة وتشويهها، وحوارات ونقاشات قائمة على ذلك التسطيح وتتسم بالانحدار الأخلاقي، وانفلات القيم ؛ لذا انتشرت الإشاعات المسيسة والمغرضة والتي تهدف إلى تضليل الرأي العام وتشويهه، وافسدت الاخلاق الاجتماعية بعبارات نابية، كما ازدهرت خطابات الكراهية بين الشباب ولا شك أن كل ذلك لو ترك دون ضبط حكومي سوف يشكل حالة مقلقة وتتزايد خطورتها مع الانتشار الكبير والإقبال المتزايد على استخدام الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي في ظل انتشار شبكات التواصل وانتشار الهواتف الذكية بين جميع افراد المجتمع السعودي والمقيمين.

لأجل ذلك لا بد من وضع استراتيجيات وضوابط، وأدوات تربوية مختلفة، وتشريعات صارمة؛ لحماية فكر المجتمع وتخليص وسائل التواصل الاجتماعي من السلبيات التي تراكمت حولها، دون المساس الكامل بحرية التعبير وذلك بالتوسع في تفسير النص الجنائي من بعض الجهات المختصة كالنيابة العامة.

فالمطلوب هو جعل تلك الوسائل الاتصالية تتصف بالمصداقية والأمان ما أمكن وعدم تركها لنشر الشائعات، واغتيال الشخصيات، وبالتالي هدم المجتمع.

والواقع أن المزاج العام للجمهور تغير بعد ثورة المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال الانترنت، وبالتالي من الصعب “اغراء واغواء” الجمهور بمتابعة التلفزيونات المحلية أو قراءة الصحف الورقية حتى لو قُدمت لهم مجاناً.

القضية هي أن الإعلام الرسمي في معظم الدول العربية ولسنوات طويلة مارس حجب الحقائق ونهج إلى “البروباجندا” ولم يكن له مصداقية كافية، والناس كانت تقول “كلام جرايد” للتعبير عن عدم مصداقيته. الجمهور كان يقرأ الملاحق الرياضية والاعلانات والاخبار الاجتماعية والمادة الخفيفة التي لا تهم درجة الصدق فيها. ايضاً قد قيل من باب الكوميديا السوداء العربية “افتح على اذاعة لندن لنعرف ما يجري عندنا” ما يدلل على عدم موثوقية الإعلام العربي، مع وجود تفاوت نسبي بين الدول العربية في مسألة صدق ما كان يُنشر.

لذلك فإن ظهور “الإعلام النتي” في وسائل التواصل الاجتماعي قدم للجمهور نافذة واسعة للاطلاع ومعرفة ما يجري حتى وان خالط ذلك بعض الاكاذيب والاشاعات والمزايدات والمهاترات السياسية. الإعلام الجديد قدم للجمهور كل شيء الغث والسمين والصادق والكاذب ورغم ذلك عليه اقبال شديد حتى وهو يُنتقد.

الجمهور اليوم يعيش زمن السرعة ولا يريد أن ينفق وقت طويل في قراءة المقالات الطويلة والتحليلات، أو حتى الاستماع للأغاني الطويلة مثلاً كأغاني أم كلثوم ونجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ وغيرهم؛ اذ تم اختصار الاغنية حسب شروط شركات الانتاج الفني إلى اربع دقائق فقط بحيث يتم سماعها مدة اسبوعين وفي الكثير شهر ثم ينصرفون إلى غيرها لأنها أصبحت سلعة استهلاكية أكثر من كونها فن.

الاغنية لم تعد كلمة راقية كتبها شاعر فذ، ولحن جميل، وصوت طربي، ولكنها أصبحت وجه حسناء تتمايل مع شيء من الرقص المبتذل، وتصوير فيديو لضمان تسويقها فهي ستكسد بعد فترة من سماعها ليطلب الجمهور غيرها.

ويؤكد ذلك على أن المزاج العام بالفعل تغير سواء احببنا ذلك ام كرهناه؛ فنحن محكومون بالسوق الذي يطبق شروطه وقوانينه على الجميع بما في ذلك “سوق الإعلام الكبير”.

السؤال الملح هو ماذا نفعل مع هذا الإعلام الجديد وهو الذي يقود الجمهور اليوم ويشكل ذائقته وتوجهاته؟ هل نتركه يقود القافلة ويمارس حريته المزعومة، ام نمسك بالخطام ونتحكم به كما فعلت بعض الدول الشمولية كالصين وكوريا الشمالية وإيران؟

وثمة إشكالية أخرى تتعلق بكيفية ضبط عملية النشر المتسارع والمحتوى غير الموثوق، فإذا كان من الممكن تحديد خطوط عريضة للأشياء التي لا يمكن غض الطرف عنها مثل (العنصرية، التنمر، الفحش والبذاءة، سب الدين أو الوطن)، إلا أنه هناك أمور أخرى لا يمكن تحديد أطر أو خطوط عريضة لها مثل حرية الرأي وحقوق الإنسان كونها فضفاضة جدا وتختلف من بلد لآخر ومن قطر لآخر في تحديد كنهها أو حتى ما يمكن اعتباره الحد الأدنى المقبول أو الحد المرفوض. إلى ذلك هناك الأحاديث المصورة للمشاهير ممن يسدون نصائح في كل شيء بدأ من الأمور العامة وحتى الصحة والدين والمواضيع الأكثر تخصصا. وأحيانا بعض هؤلاء المشاهير يكون طبيبا مشهورا قد يورد بعض المعلومات المغلوطة علميا والتي لا يمكن أن يكتشفها إلا متخصص فقط. فكيف يمكن أن يتم ضبط محتوى مثل ذلك؟  كما أن هناك مشكلة أخرى كبيرة وهي مشكلة التزييف العميق التي يمكن أن تطال أي شخص مهما كان وضعه أو حتى منصبه، فكيف يمكن ضبط هذه المشكلة؟

 

  • حرية الرأي والانضباط الوطني.

لاشك أن مشكلة التوازن بين حرية الرأي والانضباط الوطني (أو القومي أو القطري بحسب تعبير كل دولة وبلد) هي معضلة يصعب حلها دون إحداث أثر على أحدهما، وعندما تشتد بعض المتغيرات المحيطة بهذين العنصرين تشتد أزمة الموازنة وتصعب لينتهي الأمر إلى التحيز لأحدهما دون شك.

وحرية الرأي تعبير يجوز أن نطلقه على مسألة النقد المفتوح على كل المجالات دون قيد أو استثناءات ويجوز أن يعبر عن حالة من الفوضى غير المتزنة، وفرق بين الحالتين، ومن هنا كان لزاما أن يحرر هذا المصطلح على نحو مناسب لواقع الحال ويلتزم معناه الحالة التي يمكن معها التعامل معه، أما العشوائية فلا يمكن أن يكون لها أي لون من ألوان التعامل.

كما أن التعبير الأول ويقصد به حالة النقد المفتوح لابد أن يصان بإطار قيمي ثقافي ينطلق من مبادئ وأسس فيكون النقد مفتوح موضوعاً ومغلق أسلوباً وتهذيباً، لذا يشترط له امتلاك أدوات هذا النقد والتي ليس اولها صحة وجودة اللغة وإنما روح اللغة وجمالها الذي ينقله من حالة التجريح إلى حالة التوضيح ومن حالة الاتهام إلى حالة التساؤل ومن حالة التخوين إلى حالة حسن الظن، ولهذا السبب سيكون لهذا النوع من “حرية الرأي” حدود إنسانية طبيعية تتمثل فيمن يمتلك هذه الأدوات فقط تماما كما يتاح للطبيب أن يستخدم المشرط في جسدك لأنه امتلك أدوات استخدام هذا المشرط فاستوفى الشروط والحدود وكان مؤهلا لهذه “الحرية” ، وهكذا يكون النقد لمن يمتلك أدوات النقد.

مشكلتنا في الشرق أننا مصرون على استيراد بضاعة الغرب بحالتها الراهنة دونما تكييف أو حتى تعديل على ما اعتراها من أخطاء نراها ولا يرونها. حرية الرأي والتعبير في الغرب لم تؤد إلى تخليصه من جوره وطحنه لشعوبه فأفراد تلك الشعوب وإن امتلكوا المادة إلا أنهم رهن الاعتقال في سلاسل مواردها وعبوديتها التي تسترقهم بشكل مباشر في أول سقوط لهم (أو لها) وهي ليست وسيلة تحسين بقدر ماهي وسيلة “تدجين”، الإدارة الغربية تعرف طريقها للجودة دون حاجة ماسة إلى النقد الساخط، وهي تستمع للنقد لا لأنه نقد ولكن لتقيم به وضعها الاقتصادي/السياسي في المقام الأول فنظامها القائم على الرأسمالية هو ربها الذي حقق تلك الجودة لضمان الإنتاج لا لضمان رفاهية الإنسان. ليست كل الأصوات الحرة تستمع لها تلك الحكومات وليست كل المطالب محققة، هذه الصورة النمطية هي التي أوقعت كثير من قليلي الفهم في شباكها وتعلقهم بحرية الرأي “الفوضوية” ومن ثم ركوب قطار شغب الرأي.

تصحيح المفاهيم إذن هو أول مهمة للتعامل مع موجة فوضى الرأي في وسائل الاتصال الجديدة، ويتلو ذلك تأسيس ما يمكن أن يقدم بديلا عن الأفكار القديمة ويستوعب التوقعات الجديدة وينطلق للأمام ببرادايم جديد كليا.

  • جهود الدولة لضبط الفضاء الاتصالي.

أصدرت الدولة العديد من الأنظمة واللوائح لضبط السياسات الإعلامية والفضاء الاتصالي ومن أبرزها وثيقة السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية والتي تضمنت الحض على احترام النظام ومناهضة التيارات الهدامة ودفع عجلة التنمية وخدمة سياسة المملكة القائمة على صيانة المصالح العليا للمواطنين (10).

وحددت المادة الثامنة من نظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) بتاريخ 3/9/1421هـ، والمعدل بالمرسوم الملكي رقم (م/20) بتاريخ 11/4/1433هـ، والمرسوم الملكي رقم (م/18) بتاريخ 2/2/1441هـ، أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية (11).

كما أصدرت المملكة العربية السعودية اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني والتي تهدف وفقاً لما ورد بمادتها الثانية إلى “دعم الإعلام الإلكتروني الهادف لتأصيل القيم المهنية، وتنظيم مزاولة نشاط النشر الإلكتروني في المملكة، وحماية المجتمع من الممارسات الخاطئة في النشر الإلكتروني، وبيان حقوق وواجبات العاملين في النشر الإلكتروني، وحفظ حقوق الأشخاص في إنشاء وتسجيل أي شكل من أشكال النشر الإلكتروني، وحفظ حقوق الأشخاص في إقامة الدعوى لدى الإدارة المعنية في حال الشكوى، ودعم ورعاية الوزارة للمواقع الإلكترونية والعاملين فيها؛ بتقديم تسهيلات تساعدهم على القيام بعملهم، ودعم ثقافة الحوار والتنوع، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان؛ المتمثلة في حرية التعبير المكفولة للجميع وفق أحكام النظام، ونشر ثقافة الإعلام الجديد ووسائله في المجتمع”. كما بينت اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني في مادتها الثالثة أن  أشكال النشر الإلكتروني الخاضعة لأحكام النظام تتضمن: (الصحافة الإلكترونية، وكالة الأنباء الإلكترونية، دار النشر الإلكتروني، وسائل التواصل الاجتماعي، التطبيق الإلكتروني، المنتديات، المدونات، الإعلانات الإلكترونية، البث عبر الهاتف المحمول أو وسائل إلكترونية أخرى سواء في صورة رسائل أو أخبار أو إعلانات أو  صور أو غيرها، المواقع الشخصية، المجموعات البريدية، الأرشيف الإلكتروني، بجانب أي شكل جديد من أشكال النشر الإلكتروني الأخرى” يمكن إضافته مستقبلاً(12).

وبجانب الجهود القانونية المتعلقة بإصدار وتطبيق الانظمة واللوائح في المملكة، تم ايضا انشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني والتي اشتملت مهامها على وضع السياسات وآليات الحوكمة والأطر والمعايير والضوابط والإرشادات المتعلقة بالأمن السيبراني، وتعميمها على الجهات ذات العلاقة، ومتابعة الالتزام بها، وتحديثها.

وقد أصدرت الهيئة عدداً من الضوابط والأطر والإرشادات ذات العلاقة بالأمن السيبراني على المستوى الوطني بهدف تعزيز الأمن السيبراني في المملكة حمايةً للمصالح الحيوية للدولة وأمنها الوطني والبنى التحتية الحساسة والقطاعات ذات الأولوية والخدمات والأنشطة الحكومية، بجانب إشعار الجهات المعنية بالمخاطر والتهديدات ذات العلاقة بالأمن السيبراني. (13).

  • آليات ضبط فوضى حرية الرأي والتعبير في الفضاء الاتصالي.

من المقترحات التي قد تكون ذات أثر إيجابي في ضبط فوضى حرية الرأي والتعبير في الفضاء الاتصالي في المملكة، تأسيس وكالة في وزارة الإعلام بمسمى “وكالة الوزارة لوسائل التواصل الاجتماعي” أو أي مسمى آخر، وتكون مهمتها متابعة كل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، لدحض الشائعات، وتصويب الاخطاء في النشر، وترشيد الخطاب الشعبي، ووضع انظمة واضحة حول ما ينشر لمنع التعدي، ونشر الاكاذيب، وخطابات الكراهية والعنصرية، والتفسخ الاخلاقي، والحض على الرذيلة، والالحاد، والشذوذ الجنسي، وكل ما يفتت وحدة المجتمع. تشمل الانظمة كذلك منع التعدي على الثوابت الدينية، والوطنية، والاساءة للدول الصديقة والشقيقة وكل ما يخلق ضغينة بين الشعوب العربية.

صحيح أن هناك هامش واسع من الحرية في وسائل التواصل الاجتماعي يمارسها الافراد، الا أن هذه الحرية غير منضبطة في الغالب وتتسبب أحياناً وربما دون قصد بإحراج للمملكة وقيادتها وذلك لغياب المعلومة الصحيحة والمكتملة عند من يبثون مواد إعلامية من الافراد وخاصة المعلومات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

هناك دفق إعلامي شديد في وسائل التواصل الاجتماعي وبعضه يخلق بلبلة لا لزوم لها؛ فنجد من يتحدث في الشؤون العسكرية وهو لا يعلم الكثير عن هذا الجانب وكذلك الاقتصاد والسياسة.

وبالتالي فقد يكون علاج ذلك من خلال انشاء “وكالة وزارة” في وزارة الإعلام لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وما يبث فيها والتواصل مع الاشخاص الذين يبثون مواد إعلامية متنوعة، وتزويدهم بما يلزم من معلومات صحيحة، وتنبيههم إلى محاذير النشر غير المنضبط وعقوبته.

بينما بنظر البعض فإنه إن عاجلا أو آجلا سوف يعود الناس ويحتاجون لمرجعيات مؤسسية كمصادر للمعلومات والاخبار التي يثقون فيها ليكونوا اراءهم بناء على تقاريرها وتقييمها واخبارها؛ ولذلك فقد يكون ثمة حاجة إلى توجيه اهتمام الدولة بالمؤسسات الإعلامية والصحفية المعتبرة القائمة ذات التاريخ والحصيفة لتتحول إلى اصعدة التواصل وتمارس موضوعيتها وخبرتها هناك، والعمل على كسب المصداقية والحفاظ عليها ، من منطلق أهمية مساندة وتطوير المؤسسات الصحفية والإعلامية القائمة ذات التاريخ تطويراً حقيقياً في اطار الفنون الإعلامية واصول المهنة الصحفية وتوظيفها لمنصات التواصل الاجتماعي وتكوين المحتوى الفاعل والفعال. ومن ناحية أخرى فإن المجتمع هو المجتمع سابقا ولاحقا والعنصر الاساس فيه الشخص؛ اسمه وموثوقيته وانتماءه وعلمه وحصافته وتحمله المسؤولية عما يقول ويفعل، كل ذلك يحكمه ويحكم من خلالها عليه في المجتمع في إطار الشرع والقانون، لذلك من الخطر السماح لاي شخص أن ينشر معلومات على العامة وعلى صعيد عام وتهم العامة باسم مستعار.

وفي المقابل تعارض بعض الآراء دعم المؤسسات الإعلامية التقليدية، بالنظر إلى أن أزمة المؤسسات الصحفية بدت منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما أظهرت بعض الدراسات في أمريكا الانخفاض في اعداد توزيع الصحف، ما يمكن إرجاعه لظاهرة عزوف الشباب عن القراءة، وكان أن ظهرت على إثر ذلك صحيفة يو اس أي تودي (كان يطلق عليها صحيفة التلفزيون)، والتي ركزت على المواد البصرية أكثر من النص، وأضحت هي النموذج للكثير من الصحف. لكن هذا التوجه البصري ساعد نوعا ما مؤقتاً لإنقاذ الصحف مع استمرار ظاهرة العزوف عن القراءة. وكانت الطامة الكبرى على الصحف مع ثورة الاتصالات والربط بين الكمبيوتر والاتصالات. حاولت بعض الصحف الإسراع في عمليات التزاوج في التوزيع بواسطة النت مع الإبقاء على النسخ الورقية ومنها صحيفة الجزيرة السعودية لكن ايضاً فشلت هذه حتى مع تبني نموذج التوزيع المجاني كما عملت صحيفة الجزيرة عندنا. لقد تعود المجتمع عندنا بشكل عام على المجانية في الدخول على مواقع النت، والإذاعة والتلفزيون والصحف بالمبلغ الزهيد المعروف. وقد فشلت بعض الوسائل التي حاولت تطبيق الاشتراك الالكتروني عدا “الفيديو جيم”، واشتراكات المشاهدة التلفزيونية مثل “شاهد” و”نتفليكس”. لذا فإن دعم المؤسسات الإعلامية التقليدية لن يحل الامر، فما جري على الصحف هو الان حاصل مع التلفزيون. أما فيما يخص ضبط المصداقية، وحرية التعبير والراي محليا قد يكون ممكنا وهذا ما تعمله حكومة المملكة وفقها الله لكن الامر متعلق بما يرد من الخارج كيف يمكن التعامل معه؟

ومن وجهة نظر أخرى فإن اغراق الفضاء الاتصالي بكثير من الانظمة والتشريعات قد لا يحد من الفوضى الاتصالية، فالأمر بحاجة كذلك إلى أن تعمل الجهات الاتصالية على مجموعة من الاستراتيجيات التي تتسابق في تقديم المعلومات الصحيحة ودعمها بالبيانات والارقام الدقيقة التي تدحض كل الاخبار غير الموثوقة والشائعات وأن تظل في عمل ودأب لمراقبة كل ما يستجد لتواكبه. فالحكومات قادرة على الانفاق على مثل هذه الاستراتيجيات وتطويرها ودعمها بالبيانات والمعلومات التي تمنحها الثقة.

ومن الحلول لضبط إيقاع الفوضى الالكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التركيز على التربية الإعلامية بداية من الطفولة المبكرة، وخلق إعلام حكومي مهني قوي يتسم بالمصداقية والشفافية والحرية المنضبطة في النقد والتعبير من رغبات الناشئة وتطلعاتهم، وذلك حتى لا يلجؤون إلى وسائل غير وطنية تدمر فكرهم السياسي والأخلاقي، وهي لا شك مهمة وطنية ليست سهلة ولا تعالج بالأقوال والتنظير وانما بعمل استراتيجي صادق، يقوم به فعاليات المجتمع المدني ومؤسساته الوطنية بفكر ابناء الوطن القادرين وهم كثر.

ولعل من المهم كذلك توحيد جهة الرقابة والعقاب في جهاز واحد وان لا يستمر التشتت والاضطراب كما هو حاصل الآن واقترح انشاء نيابة خاصة ومستقلة بالإعلام الجديد والتقليدي لضبط الامور بشكل جديد مع كبح جماح التوسع في استخدام النص الجنائي بالعقاب كما هو حاصل حاليًا، مما يؤدي إلى فقد ثقة الشباب والناشئة في معطيات مجتمعهم واحساسهم بقمع جوانب حقوق الإنسان لديهم مقارنة بغيرهم من المجتمعات، خصوصًا في ظل جموح ما يسمى بظاهرة الارهاب الالكتروني الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وفي سياق متصل يجب العمل على تعزيز ربط المتلقي بأهمية التحقق من مصدر المعلومة أو الخبر من المواقع الرسمية ومنها الصحف الرصينة والشخصيات الموثوقة. للأسف بعض الوكالات الدولية ذات التاريخ الطويل فقدت كثير من مصداقيتها وانجرفت نحو الإثارة لتجاري الركب وتعيد ما فقدته من بريقها مما أوجد حالة ارتباك عند المتلقي وبدأ يلتفت للمصادر الرصينة التي تحترم كلمتها والمتلقي وهذ جانب مبشر وإيجابي.

ومن منطلق أنه لا يخفى على أحد تأثير مشاهير التواصل في تشكيل وصياغة الرأي وبطرق فيها من السذاجة والبساطة الكثير في مختلف المشارب السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والسلوكية وغيرها.  هناك مشاهير أيضاً جل وليس كل ما ينشروه المعرفة والفائدة والمواقف الإنسانية والثقافية والاشادة بالفضيلة وسمو الخلق. هم القطب الايجابي لتكثيف مفاهيم الحرية والوعي الأمني والخلقي والتعاون للارتقاء الحضاري بعيداً عن المثل والغوص في التاريخ وجعل المتلقي في تناسقية ممكنة ومقبولة (محتوى) و(تقديم) والثانية في سباق شرس مع الأولى، والمشاهير اللذين لديهم الحس والشعور بالمسؤولية سيكونون مكان (الصورة أفضل من مئة كلمة). ومثال مباشر وحيوي (قضية الشبو) وكيف يحذر منها مشاهير القلة عدداً.  وربما لو يكون لهم تنظيم تحالفي إن صح التعبير مشرع (حكومياً) تعاوني تطوعي ليكونوا جبهة ناعمة هدفها الوعي والتوعية والتحفيز وتنظيف شوائب التواصل والتي لا حصر لها.

  • التوصيات
  • أول مهمة للتعامل مع موجة فوضى الرأي في وسائل الاتصال الجديدة هي تصحيح المفاهيم، ويتلو ذلك تأسيس ما يمكن أن يقدم بديلا عن الأفكار القديمة ويستوعب التوقعات الجديدة وينطلق للأمام ببرادايم جديد كليا.
  • انشاء “وكالة وزارة” في وزارة الإعلام لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وما يبث فيها والتواصل مع الاشخاص الذين يبثون مواد إعلامية متنوعة، وتزويدهم بما يلزم من معلومات صحيحة، وتنبيههم إلى محاذير النشر غير المنضبط وعقوبته.
  • هناك حاجة إلى مساندة الدولة للمؤسسات الإعلامية والصحفية المعتبرة القائمة ذات التاريخ والحصافة لتتحول إلى اصعدة التواصل وتمارس موضوعيتها وخبرتها هناك وكسب المصداقية والحفاظ عليها.
  • تفعيل ضوابط واليات حماية الاطفال من الالعاب الالكترونية ومن ذلك دور التوعية عبر الاسرة والمدرسة والمسجد ووضع معايير حمائية لاستخدام الالعاب الالكترونية.
  • تعزيز ربط المتلقي بأهمية التحقق من مصدر المعلومة أو الخبر من المواقع الرسمية ومنها الصحف الرصينة والشخصيات الموثوقة.
  • أن يكون لكل مشهور في وسائل التواصل الاجتماعي رخصة عمل تمنحها له وزارة الإعلام، بحيث تزوده الوزارة ببعض الشروط يوقع عليها، تضمن الشروط عدم الاعتداء والاساءة أو نشر الاكاذيب وترويج الشائعات.
  • هناك ايضاً شبه جهل بمفهوم “حرية الرأي” لدى نسبة عالية من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي سواء من المشاهير أو غيرهم. البعض يختفون خلف معرفات وأسماء وهمية لممارسة الاعتداء على الآخرين، وهذه المشكلة (المعرفات الوهمية) لابد من ايجاد حل جذري لها.
  • لابد من وضع استراتيجيات وضوابط، وأدوات تربوية مختلفة، وتشريعات صارمة؛ لحماية فكر المجتمع وتخليص وسائل التواصل الاجتماعي من السلبيات التي تراكمت حولها، دون المساس الكامل بحرية التعبير وذلك بالتوسع في تفسير النص الجنائي من بعض الجهات المختصة كالنيابة العامة.
  • لا بد من التربية الإعلامية بداية من الطفولة المبكرة، وخلق إعلام حكومي مهني قوي يتسم بالمصداقية والشفافية والحرية المنضبطة في النقد والتعبير عن رغبات الناشئة وتطلعاتهم، وذلك حتى لا يلجؤون إلى وسائل غير وطنية تدمر فكرهم السياسي والأخلاقي.
  • انشاء نيابة خاصة ومستقلة بالإعلام الجديد والتقليدي لضبط الامور بشكل جديد مع كبح جماح التوسع في استخدام النص الجنائي بالعقاب كما هو حاصل حاليًا، مما يؤدي إلى فقد ثقة الشباب والناشئة في معطيات مجتمعهم واحساسهم بقمع جوانب حقوق الإنسان لديهم مقارنة بغيرهم من المجتمعات، خصوصًا في ظل جموح ما يسمى بظاهرة الارهاب الالكتروني الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
  • تنظيم تحالفي مع مشاهير التواصل الاجتماعي مشرع (حكومياً) تعاوني تطوعي ليكونوا جبهة ناعمة هدفها الوعي والتوعية والتحفيز وتنظيف شوائب التواصل والتي لا حصر لها.
  • تخصيص رقم اتصال تابع لوزارة الإعلام للإبلاغ عن المخالفات النظامية أو مخالفات الذوق العام.
  • العمل على اعتماد رؤية إعلامية وطنية تعتمد على إستراتيجيات اتصالية تلتزم بها المؤسسات الحكومية والهيئات والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ويكون هدفها الأساسي إغراق الفضاء العام بالمحتوى الإيجابي البناء الذي يشمل جميع نواحي الحياة.

 

  • المصادر والمراجع
  • الظبيري، فاطمة. “أحرار إلى حد الفوضى”. القبس. https://www.alqabas.com/article/497890.
  • شاؤول، بول. “فوضى الحرية.. حرية الفوضى” صحيفة الاتحاد. 13/يوليو/ 2021م
  • كمال الدين، هالة. “مأزق حرية التعبير وفوضى الحرية”، أخبار الخليج، العدد: ١٦٣٥٤ – ٠١ يناير ٢٠٢٣م.
  • طالة، لامية. (2016). الفضاء العمومي الاتصالي: عندما تثور شبكة الانترنت. مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، ع 7، 117 – 126 .
  • الرزو، حسن مظفر، وحسن، إبراهيم عبدالموجود. (2010). الفضاء المعلوماتي. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات، مج 15، ع 1 – 177-191.
  • بوجفجوف، الزهرة. (2022). المقاربة الاثنوجرافية في المجتمعات الافتراضية: توجه بحثي معاصر في الفضاء الاتصالي الجديد. المجلة الدولية للاتصال الاجتماعي، مج 9، ع 2، 31 – 43 .
  • لبيض، عصام. (2022). وسائل التواصل الاجتماعي ما بين حرية التعبير والرقابة الجنائية. مجلة منازعات الأعمال، ع 69، 143 – 156.
  • بوقدور، مصطفى. (2015). سلطة الخطاب في الفضاء المعلوماتي: قراءة في منطق السلطة الافتراضية. مجلة تبين للدراسات الفكرية والثقافية، مج 3، ع 11، 35 – 54 .
  • المبارك، صبري الحاج. (2009). المدونات في الفضاء المعلوماتي: أفق جديد للكتابة. مجلة الدراسات الإنسانية، ع 2، 104 – 117 .
  • السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (169) بتاريخ 20/10/1402هـ.
  • نظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) بتاريخ 3/9/1421هـ، والمعدل بالمرسوم الملكي رقم (م/20) بتاريخ 11/4/1433هـ، والمرسوم الملكي رقم (م/18) بتاريخ 2/2/1441هـ.
  • اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني، وزارة الإعلام، المملكة العربية السعودية، متاح على الرابط: https://media.gov.sa/ar/document-library/49
  • الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، المملكة العربية السعودية، متاح على الموقع الإلكتروني: https://nca.gov.sa

 

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. حمزة بيت المال
  • التعقيب الأول: د. علي بن ضميان العنزي
  • التعقيب الثاني: د. مساعد المحيا
  • إدارة الحوار: د. سعيد العمودي
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. محمد الملحم
  • الفريق د. عبدالاله الصالح
  • د. فهد الحارثي
  • أ. أحمد المحيميد
  • د. خالد المنصور
  • فهد الأحمري
  • د. خالد الرديعان
  • أ.د محمد بن أحمد المقصودي
  • اللواء. فاضل القرني
  • د. عبد العزيز العثمان
  • د. عبير برهمين

* أستاذ مساعد بقسم الإعلام، ورئيس تحرير صحيفة رسالة الجامعة، جامعة الملك سعود.

 

أعضاء لجنة الشؤون الإعلامية

د. سعيد العمودي (رئيس اللجنة)

أ. منى أبو سليمان (نائب الرئيس)

د. مساعد المحيا

د. حمزة بيت المال

د. عبدالله ناصر الحمود

د. سعيد الغامدي

أ. يحيي الأمير

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa