تقرير رقم (99) فبراير 2023 : التضخم والسياسة المالية

للاطلاع على التقرير وتحميله إضغط هنا

فبراير – 2023

 

  • تمهيد:

يعرض هذا التقرير لقضية مهمة تمَّ طرحها للحوار في ملتقى أسبار خلال شهر فبراير 2023م، وناقشها نُخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البنَّاءة ومقترحاتهم الهادفة؛ حيث تناولت: التضخم والسياسة المالية، وأعد ورقتها الرئيسة د. إحسان بن علي بوحليقة، وعقب عليها د. حسين بن إبراهيم أبو ساق، وأدار الحوار حولها اللواء فاضل القرني.

 

المحتويات

  • تمهيد
  • الملخص التنفيذي.
  • الورقة الرئيسة
  • التعقيبات:
  • المداخلات حول القضية
  • التعريف بالتضخم والمفاهيم ذات الصلة.
  • العوامل المسببة للتضخم في الواقع المعاصر.
  • آثار التضخم وانعكاساته المجتمعية.
  • علاقة النمو في استخدام التطبيقات المالية بالتضخم.
  • توظيف الذكاء الاصطناعي فيما يخص النمو الاقتصادي والتضخم.
  • مدى جدوى رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم.
  • الحلول المقترحة للتصدي لظاهرة التضخم.
  • التوصيات
  • المصادر والمراجع
  • المشاركون

 

  • الملخص التنفيذي.

تناولت هذه القضية التضخم والسياسة المالية. وعرض د. إحسان بن علي بوحليقة في الورقة الرئيسة بعض جوانب التعامل مع التضخم محلياً، وتأثيراته الاقتصادية. ولم تنشغل الورقة بالتمعن بما يحدث في الاقتصاد الأمريكي لكبح التضخم، إلا بقدرٍ محدد يتصل بما أفرزه رفع سعر الفائدة على الدولار، وبالتالي رفع البنك المركزي السعودي لسعر الفائدة على الريال، في رفوعات متتابعة. وطرحت الورقة تساؤلين مفادهما: إلى أي مدى ينبغي تضييق السياسة النقدية؟

إلى أي مدى ينبغي رفع سعر الفائدة مكافحةً للتضخم؟ وإن كان الهدف من التضييق هو الحد من التضخم محلياً (الذي هو من بين الأقل في مجموعة العشرين، فقد وصل معدله في نهاية الربع الثالث من هذا العام إلى 10.5% كمتوسط لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 7.7% كمتوسط لمجموعة السبع الكبار، في حين لم يتجاوز في المملكة 3.1 %)، فما هو معدل التضخم المستهدف المُراد الوصول إليه ليتوقف سعر الفائدة عن الارتفاع؟

بينما أكَّد د. حسين بن إبراهيم أبو ساق في تعقيبه على أن الارتفاع المستمر لمعدلات التضخم من أهم المخاطر التي تحيط بمستقبل أي اقتصاد، لا سيما في حال كان الارتفاع مصحوبًا بنمو اقتصادي أبطئ وهو ما يمكن أن يفضي إلى العديد من الانعكاسات السلبية على الحكومات والشركات والأفراد. كما تهدّد موجة التضخم التي يشهدها العالم اليوم مستقبل الاقتصاد العالمي والتي تأتي متزامنة مع توقعات سلبية لأداء معظم الاقتصادات حول العالم بما قد يؤدي بدوره إلى ركود عالمي في عام 2023م ودخول الاقتصاد العالمي إلى ما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بحالة الركود التضخمي وهي الحالة التي يشهد فيها الاقتصاد نموًا ضعيفًا ومعدلات بطالة مرتفعة مصحوبة باتجاهات صاعدة أيضًا لمستويات الأسعار. وأشاد المعقب بالجهود التي قامت بها الحكومة السعودية ممثلة بالسياسات المالية والنقدية للتقليل من الآثار المتوقعة لمعدلات التضخم وأسعار الفائدة عالمياً على الاقتصاد السعودي، حيث أوضح وزير المالية أن المملكة من أوائل الدول التي توقعت حدوث أزمة في الأسعار عالمياً وعلى ضوئه اتخذت العديد من الإجراءات والسياسات الاستباقية للتقليل من أثار هذه الأزمة داخلياً مثل وضع سقف أعلى لأسعار الوقود.

وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:

  • التعريف بالتضخم والمفاهيم ذات الصلة.
  • العوامل المسببة للتضخم في الواقع المعاصر.
  • آثار التضخم وانعكاساته المجتمعية.
  • علاقة النمو في استخدام التطبيقات المالية بالتضخم.
  • توظيف الذكاء الاصطناعي فيما يخص النمو الاقتصادي والتضخم.
  • مدى جدوى رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم.
  • الحلول المقترحة للتصدي لظاهرة التضخم.

ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول القضية ما يلي:

  • توطين الصناعات والواعدة بصفة خاصة وتنويع الصادرات ورفع نسبة المحتوي المحلي للقطاعات غير النفطية.
  • تنويع الصادرات واستبدال الواردات بالمنتجات الوطنية بما يقلل الاعتماد على الواردات المرتفعة الأسعار من بلدانها.
  • تخفيض الضرائب والرسوم التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد ولا تشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي.
  • تطبيق أدوات السياسة النقدية من قبل البنك المركزي للتعامل مع التضخم في حالة حدوثه حسب ما يقتضيه الموقف أو الوضع.
  • تطبيق السياسات المالية من الجهات المختصة للتعامل مع التضخم في حالة حدوثه حسب ما يتطلبه الموقف.

 

  • الورقة الرئيسة: د. إحسان بن علي بوحليقة

    1.مقدمة

    تتناول هذه الورقة بعض جوانب التعامل مع التضخم محلياً، وتأثيراته الاقتصادية. ولم تنشغل الورقة بالتمعن بما يحدث في الاقتصاد الأمريكي لكبح التضخم، إلا بقدرٍ محدد يتصل بما أفرزه رفع سعر الفائدة على الدولار، وبالتالي رفع البنك المركزي السعودي لسعر الفائدة على الريال، في رفوعات متتابعة.

    2. التضخم عالمياً

    ساد العالم تحدي التضخم خلال العام المنصرم (2022)، ويبدو أن حدته بدأت في الانكسار، وفقاً لآخر الإحصاءات عن معدله في الولايات المتحدة، حيث تراجع إلى 6.5 بالمائة في ديسمبر 2022، وهذه أقل قراءة منذ ما يقرب من عام. وفي جزئية ذات دلالة، تهاوى مؤشر سعر الطاقة من 41.6 بالمائة في يونيو 2022 إلى 7.3 بالمائة في ديسمبر 2022.

وفيما يتعلق بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد تراجع التضخم إلى 10.3 بالمائة في نوفمبر 2022، وسجل 25 اقتصاداً من الاقتصادات الــ 38 المنضوية في المنظمة تراجعاً في مؤشر الأسعار، كما تراجع مؤشر سعر الطاقة إلى نحو 24 بالمائة، وهذه أدنى قراءة للمؤشر منذ سبتمبر 2021. وذات الصورة عن انحسار التضخم سُجِلّت في مجموعة السبع الكبار، فتراجع المؤشر إلى 7.8 بالمائة.  وكذلك في مجموعة العشرين -التي المملكة ضمن أعضائها- تراجع التضخم على أساس سنوي-إلى 9 بالمائة في نوفمبر 2022 من 9.5 بالمائة في أكتوبر.

في المملكة، التضخم من بين الأدنى مقارنة ببقية الاقتصادات الرئيسة، ارتفع مؤشر سعر المستهلك من 1.2 بالمائة في ديسمبر 2021 إلى 3.3 بالمائة في ديسمبر 2022، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء.  والملاحظة هنا أن مؤشر التضخم تصاعد خلال العام 2022 على الرغم أن البنك المركزي السعودي رفع سعر الفائدة (الريبو) على الريال السعودي خلال العام؛ إلى 1.25 بالمائة في مارس 2022، ثم إلى 1.75 بالمائة في مايو، ثم إلى 2.25 بالمائة في يونيو، ثم إلى 3.00 بالمائة في يوليو، ثم إلى 3.75 في سبتمبر، ثم إلى 4.50 في نوفمبر، ثم إلى 5.00 بالمائة في منتصف ديسمبر 2022. وتصاعد التضخم رغم زيادة سعر الفائدة ظاهرة تستحق التمعن والتحليل.

وفيما يتصل بالسلوك المتوقع للتضخم هذا العام (2023)، فيشير تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي إلى أن معدل التضخم سينخفض إجمالاً في العالم، وإن كان من الصعوبة تحديد قيمة لانخفاضه نظراً للتفاوت بين الدول، ولاسيما فيما يتصل بأسعار الطاقة والغذاء. وكما هو معروف فتراجع مؤشر الأسعار هو دلالة على تراجع الطلب. وبالفعل يتوقع البنك الدولي أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي تراجعاً كبيراً من 2.9 بالمائة في العام 2022 إلى 1.7 بالمائة في العام 2023.  وهكذا يكون العالم قد دفع غالياً لضبط التضخم؛ تراجع النمو فالاقتصاد العالمي على وشك الدخول في ركود، وتكلفة رأس المال ارتفعت مما يحد حٌكماً من وتيرة الاستثمار، وهذا يؤثر على الطلب إجمالاً بما في ذلك الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي على وتيرة خلق الوظائف.

  1. كبح الغلاء واستقرار الأسعار

قبل نحو خمسة أشهر طالب مجلس الشورى وزارة التجارة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، تطوير أدواتٍ رقابية واجرائية لرصد أسعار السلع، دعماً لاستقرار السلع التموينية والأساسية، من خلال توسيع نطاق للمنتجات التي يراقبها نظام الرصد الإلكتروني لتشمل الجميع وتفعيل آليات الرصد الفوري لها. وفي ذات السياق، ودعا المجلس إلى إجراء دراسة لمقارنة أسعار المواد التموينية الأساسية في السوق المحلية بمثيلاتها الأخرى، وكذلك تطوير آليات عملها الإجرائية والتقنية لتضمين مخالفة «عدم تسليم المنتج» ضمن المخالفات التجارية، وتفعيلها ضمن بلاغات المستهلكين في تطبيق «بلاغ تجاري» وتوعية التاجر والمستهلك بذلك.

على رغم أهمية الرقابة الفاعلة، إلا أن المشكلة لا تحل بمجرد تحرير مخالفات! ومن جانبٍ آخر فإن المضاهاة بين وفرة السلع وسعرها، باعتبار أن الاطمئنان إلى وفرة السلعة لتلبية الطلب أهم من استقرار سعرها، هي مضاهاة لا تصح البتة؛ إذ أنها مضاهاةٍ تتمحور حول إعطاء أولوية لعدم انقطاع السلع عن السوق، وهذا لا شك أنه هاجس لمن يقوم على تنفيذ السياسة التموينية لأي بلد، فقد شاهدنا -إبان جائحة كوفيد- بأن غدت أرفف المتاجر في بعض الدول خاليةً من البضائع نتيجة لعدم توفرها بسبب تراجع وتائر الانتاج أو الاستيراد.  وباليد الأخرى، فإن استقرار أسعار السلع أساسي لضبط التضخم عند معدلٍ منخفض ومستقر لا يَحدّ نمو الاقتصاد ولا يقلص خلق الوظائف، فذلك مطلب لا فكاك منه لتحقيق أهداف السياسة النقدية، وتحقيق أهداف السياسة النقدية أساس للثقة بالعملة المحلية وللتعامل التجاري والاستثماري مع الاقتصادات الأخرى.

إذاً، فاستقرار الأسعار أساس لا يمكن تجاوزه ولا يستقيم أن يُضحى بهِ من أجل “الوفرة”. فضلاً، عن أن المضاهاة ليست ثنائيةً مقتصرةً على الوفرة والسعر، بل هي ثلاثية بين “الوفرة” و”السعر” وعنصر ثالث هو “القدرة” على دفع السعر المعروضةُ بهِ السلعة (affordability)، بسبب أن العناصر الثلاثة مترابطة: الوفرة والسعر والقدرة، وبالأخص للسلع الضرورية كالأغذية والأشربة والأدوية على سبيل المثال لا الحصر، بمعنى أن المطلوب توفيرها للمستهلكين كافة بأسعار مستقرة في قدرتهم دفعها، وإلا ستضطر الحكومة دفع إعانات لشرائح واسعة من السكان، حتى في حال توفر السلع دون أن تكون أسعارها مستقرة أو أنها ترتفع بحيث تصبح خارج قدرة شرائح متعاظمة من المستهلكين.

وبالتأكيد فإن وفرة السلع في الأسواق أمر أساس، فإن لم تتوفر – وهذا ما يحدث عادة عند تهتك سلاسل الامداد- فإن الأسعار ترتفع بطبيعة الحال.

لكن العبرة ليست فقط بتوفر السلع في السوق، فقد تكون متوفرة لكن ليس لدى شرائح من المستهلكين القدرة على شرائها! وهكذا، فإن المرتكز الأساس للسياسة التموينية توفير السلع الضرورية بأسعار في المتناول، والحفاظ على استقرار الأسعار. إذ لا فائدة أن تكون السلع متاحة، تملأ ارفف المتاجر لكن ليس بوسع المستهلكين شراؤها، أو أن تكون أسعارها ترتفع من أسبوع إلى آخر. وبالقطع، فالحديث هنا عن السلع الضرورية. أما السلع الكمالية فسياقها مختلف، إذ أن يستطيع المستهلك شراء السلع فلا بأس، اللهم إلا على البائع الذي ستتراجع مبيعاته، ومن ثم أرباحه، وليتفادى ذلك سيسعى التاجر لتجيير الزيادة إلى المستهلك بما يمكنه من الحفاظ على أرباحهِ.

  1. التضخم محلياً

فيما يتصل بالتضخم محلياً، فقد ارتفع هذا العام مؤشر أسعار المستهلك حتى وصل في أكتوبر إلى 3% مقارنة بمستواه في أكتوبر 2021، متراجعاً عُشرّ من واحد بالمائة مقارنة بشهر سبتمبر 2022، ولا يزال منخفضاً مقارنةً بدول مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) . وعلى الرغم من انخفاض معدل التضخم محلياً مقارنة بالكثير من الدول، فمن المتوقع أن يكون هذا العام عند مستوى 2.6 بالمائة، فيما تشير التوقعات الرسمية إلى تراجعه في العام 2023 إلى 2.1 بالمائة، إلا أن الحرص على كبحهِ عند أدنى مستوى أمر يتفق على أهميته الجميع دونما استثناء، وذلك حفاظاً على جذوة النمو الاقتصادي عند أعلى نقطة ممكنة بما يساهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.

وفي سبيل كبح التضخم، فقد قامت الحكومة بتعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية من خلال الدعم الإضافي لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية بالإضافة إلى تخصيص دعم لزيادة المخزونات الاستراتيجية للسلع الأساسية والتأكد من توفرها وذلك لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية، فضلا عن مبادرتها تثبيت أسعار المشتقات النفطية.

ولأخذ زاوية أخرى فإن ضبط التضخم ضبطاً هيكلياً يبقى أمراً ليس باليد، باعتبار أنه ظاهرة لها عوامل خارجة عن معطيات الاقتصاد المحلي. ومع ذلك لا مفر من السعي لضبطه عبر حلول “اقتصادية” كآليات السوق وليس فقط عبر دعمٍ قد لا يكون مستداماً، أو فقط عبر إحكام الرقابة وإجراءاتها.

وعلى صلة بالحلول الاقتصادية للتعامل مع التضخم، نعاود طرح السؤال: هل الأهم الوفرة، أم استقرار السعر، أم القدرة على الدفع؟ لعل السؤال غير منطقي للتداخل بين العناصر الثلاثة مما يتعذر معه الاكتفاء بأحدها.  ولأغراض النقاش، وإن كان ولابد من تفضيل فهو يتجه بالقطع لاستقرار سعر السلع، فالاستقرار هو مرتكز السياسة النقدية، التي تُقيَّم فعاليتها بقدرتها على ضبط المعروض من سيولة للحفاظ على القوة الشرائية للعملة التي تشترى بها السلع والخدمات، حتى تتحرك تلك القوة بتؤدة، فلا تصعد صعوداً طائشاً يؤثر على التجارة الخارجية ولا تهبط هبوطاً رأسياً يجعل قدرة المستهلكين على شراء -حتى الضروريات- محدودة بما لا تنفع معه الوفرة.

  1. تأثير التضخم

لمعرفة العلة من وجود الأشياء علينا أن نعود للجذور، وكذلك فيما يخص التضخم، مما يبرر سؤالاً: لماذا يُقاس معدل التضخم شهرياً، وتتابعه الحكومات والشركات والأفراد على قدمٍ وساق؟

يعمل التضخم كضريبة على ما بيدك من نقود؛ فمعدلات التضخم المرتفعة والمتقلبة تؤثر على الطلب على النقود. وباعتبار أن ذلك يؤثر على الطلب على السلع والخدمات والأجور، فيتفاوت ضبط التضخم من دولةٍ لأخرى معتمداً على: الهيكل التنافسي للاقتصاد، ومستوى التدخل الحكومي، وكفاءة السوق، والعوامل المالية.

وهكذا، فلا يمكن تحقيق الاستقرار من خلال تطوير الإجراءات وإيقاع العقوبات، وعلى الرغم من أن مطلب مجلس الشورى الموقر بجعل الرقابة على أسعار السلع أكثر كفاءة هو مطلب مبرر، لكنه غير كافٍ.  ففيما عدا السلع الخاضعة للسياسة التموينية، وهي السلع الأساسية، التي تراقب الحكومة المخزون المحلي منها وتعمل لاستقرار أسعارها، لتعزيز “قدرة” جميع المستهلكين على شرائها، فإن الاجراء الأكثر فاعلية إجمالاً هو إشعال المنافسة وتمكينها وتحفيزها، فما نلاحظه اجمالاً في اسواقنا أنها مقسمة بين عدد ليس كبير من التجار.  وأقصد بالأسواق هنا، سوق كل سلعة أو خدمة، سواء أكانت سوق لحوم أو سوق سيارات أو سوق أقمشة، فالعدد المحدود من التجار يحافظ على بقاء السعر عالياً.  وبوسعك تطبيق ذات المفهوم على أية سلعة من اختيارك، وستصل إلى اجابة تجد فيها أن ثمة نقص في المنافسة. وعليه، فالحفاظ على استقرار الاسعار وتعزيز الوفرة والحفاظ على قدرة المستهلكين تتحقق جميعاً بالانفتاح على المنافسة، بإزالة عوائق دخول السوق والخروج منه، وضبط السوق بحيث لا يكتسب كبار التجار ميزة تمكنهم من تحييد صغار التجار بدفعهم للخروج من السوق محملين بخسائرهم.  وإن كان أحد يريد مثال حي على المنافسة المشتعلة فليتابع محلات بيع القهوة؛ كل يوم محل جديد يدخل وآخر يخرج، وستجد القهوة بكل الأسعار فتنتقي ما يناسبك.  أما الحلول الاجرائية فمفيدة لكنها غير كافية لضبط السوق، والدليل أن بعض الدول المجاورة لديها “شرطة تموين” ومع ذلك تعاني من شح السلع وتسلط تجار السوق السوداء.

وكخطوة متقدمة -ولا أقول إنها كافية- فلا مناص من مواصلة اتخاذ اجراءات متوثبة وحثيثة لجعل اسواق السلع والخدمات في المملكة اسواق متصاعدة المنافسة. وليس لهذا التوجه أساس تعاطفي مع صغار المستهلكين، بل تعاطفه الاساس هو حفز الاقتصاد على النمو استهلاكاً واستثماراً وتجارةً، فالأسواق الكفؤة هي الاسواق التي تسوسها المنافسة وليس الاجراءات البيروقراطية، فالنظرية الاقتصادية تقول: أن اضطرار الباعة للتنافس فيما بينهم لاستقطاب الزبائن، يؤدي إلى خفض السعر ورفع الجودة، ويؤدي كذلك إلى سعي الباعة لتمييز منتجاتهم عبر توفير خيارات أوسع وتطوير منتجاتهم طوال الوقت. ما تقوله النظرية سلوك أكدته الأبحاث الميدانية مراراً وتكراراً.

  1. تأثير سعر الفائدة

إجمالاً، يدفع رفع سعر الفائدة معدل التضخم إلى التراجع، نتيجة لتراجع الطلب، وحيث انه يكبح الطلب فهو حُكماً يكبح النمو الاقتصادي، وهنا نصل إلى “خط أحمر” (أي النمو الاقتصادي) لا ينبغي كبحه بل على النقيض ينبغي دفعه لمزيد من النمو؛ إذ أن كل ما نراه حولنا من جهود ومبادرات تهدف لتحقيق ازدهار -أي نمو- اقتصادي. إذن، ما العمل للتوفيق بين أسعار فائدةٍ تتصاعد، ويبدو أنها ستستمر على مدى السنة القادمة (2023)، وإن بوتيرةٍ أقل، وقد تحد من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبين معطيات السياسة النقدية المرتبطة بسعر الفائدة على الدولار، العملة التي يرتبط بها الريال السعودي، وهو سعر فائدة يرتفع ويبدو أنه سيستمر في الارتفاع في العام القادم، إذا ما قسنا على توجهات سعر الفائدة على الدولار مستقبلاً.

الخيارات محدودة بالفعل، لكن لابد من اجتراح سياسة تُوَفق بين الحفاظ على القوة الشرائية للريال السعودي (أي كبح التضخم) وبين حفز النمو.  ولعل الخيار الأنسب، والذي يصطاد عصفورين بحجر هو خيار حفز المنافسة، فبذلك تحافظ على القوة الشرائية للعملة المحلية من خلال الارتقاء بالتنافس بين التجار في الأسواق على تفاوتها، مما يضطرهم للتدافع لاجتذاب الزبون من خلال السعر والجودة وخدمات ما بعد البيع، مما سيضع أسواقنا في واقع جديد أكثر نضجاً مما هي عليه الآن، وعلى كل حال فنضج الأسواق ضروري لرفع كفاءة أي اقتصاد.

ومن حيث الجوهر، فإن التدافع التنافسي بين التجار لاجتذاب الزبون سيعني لا محالة انخفاض السعر، وبالتأكيد لن يحدث هذا الأمر إن كانت السوق تخضع لاحتكار أو احتكار القلة أو لمنافسة مُهادنة “ساكنة” لا منافسة حادة تضطر كل من الباعة ليقاتل ليحقق المكاسب باستقلالية عن المنافسين.

  1. سعر الفائدة والنمو الاقتصادي

السؤال هو: كيف نحارب التضخم دون التأثير على النمو الاقتصادي؟ والاجابة التي نعايشها الآن هي رفع سعر الفائدة، وهي إجابة بحاجة إلى تمعن وتأمل بحثاً عن مخرجٍ يحافظ على النمو وفي ذات الوقت يحافظ على القوة الشرائية للريال السعودي. ما ذهبنا إليه في السرد أعلاه أن الإجابة تختزنها عبارة “إشعال المنافسة”. والقضية هنا ليست محاربة التجار بل إخراجهم من منطقة الراحة والدعة إلى منطقة الدفاع عن مكاسبهم للسعي دون كلل لاستقطاب المشتري. إذن، الإجابة يأتي بها -للحد البعيد- نضج السوق وكفاءته، حيث أن المنافسة المحتدمة تحد من ارتفاع السعر على المستهلك. لكن هذا يُغطي شقاً واحداً فقط، الذي يتصل بالحفاظ على القوة الشرائية، فماذا عن الشق الثاني وهو الحفاظ على النمو؟

تقوم علاقة المنافسة بالنمو الاقتصادي على حرية اختيار المستهلك من أين يشتري بضاعته؛ فإن كان له أن يختار من بين منافسين فإن ذلك في مصلحتهِ ومصلحة الاقتصاد ككل. والسبب أن التنافس بين التجار لاستقطاب الزبائن يرتقي بالإنتاجية. والإنتاجية هي أساس الازدهار الاقتصادي لا جدال؛ إذ أن التحسن في الإنتاجية يعني أن الاقتصاد يولد قيمة أكبر بما لديه من مدخلات عاماً بعد عام ومقارنة بالاقتصادات الأخرى. وعليه، فإن النمو الاقتصادي يعتمد على الإنتاجية، والإنتاجية هي الأساس في تفاوت مستوى دخل الفرد بين الدول، تبعاً لتفاوت مهارة اليد العاملة والتطور التقني وطرق الإنتاج والأساليب الإدارية والخبرة والابداع.

مما تقدم نحن بحاجة لتحسين المنافسة في الأسواق وللارتقاء بالإنتاجية. فهل هذان كافيان لمجابهة التضخم بما قد يغني عن تضييق السياسة المالية؟ لا، فتضييق السياسة المالية أثره سريع فيما تحسين المنافسة وتطوير الإنتاجية تتطلبان مسارات إصلاحية طويلة المدى.

  1. الخاتمة

لغرض النقاش أطرح سؤالين: إلى أي مدى ينبغي تضييق السياسة النقدية، أي إلى أي مدى ينبغي رفع سعر الفائدة مكافحةً للتضخم؟ وإن كان الهدف من التضييق هو الحد من التضخم محلياً (الذي هو من بين الأقل في مجموعة العشرين، فقد وصل معدله في نهاية الربع الثالث من هذا العام إلى 10.5% كمتوسط لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 7.7% كمتوسط لمجموعة السبع الكبار، في حين لم يتجاوز في المملكة 3.1 %)، فما هو معدل التضخم المستهدف المُرادّ الوصول إليه ليتوقف سعر الفائدة عن الارتفاع؟ وأتبعهما بسؤال ثالث لعله هو المرتكز للسياسة النقدية: ما نطاق معدل التضخم المقبول الذي لن يستدعي تدخلاً من البنك المركزي؟ لا أملك إجابة بل أملك المزيد من الأسئلة: ما السقف الذي سيتوقف عنده معدل اتفاقات إعادة الشراء (الريبو: سعر الفائدة الذي يُقرض البنك المركزي المال للبنوك التجارية لمدى قصير)، فمعدله حالياً (5 بالمائة) أعلى من معدل التضخم (2.9 بالمائة شهر نوفمبر 2022 وفق البيانات الرسمية). هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات محددة، ولا سيما السؤال الثالث، فهذه الإجابات تمثل مفاصل السياسة النقدية، إذ أن السياسة النقدية ليست كماً غير محدد الأبعاد والملامح بل هي كمٌ محددٌ تتخذ بناءً عليه قرارات محددة.

ولماذا تناول “الريبو” تحديداً؟ لأن رفعهُ يؤثر على المستهلكين بطريقين: (1) يفضل المستهلك ادخار أمواله في البنك للحصول على عوائد مما يحد من السيولة، ويتراجع الطلب، ومعه تتراجع أسعار السلع.  (2) يتجنب المستهلك الاقتراض بسبب التكلفة المرتفعة، مما يحد من السيولة لديهم، ويأجلوا قرارات شراء الأصول مثل البيوت والبضائع المعمرة مثل السيارات، مما يحد من الطلب، ومعه تتراجع أسعار السلع.

 

  • التعقيبات:
  • التعقيب: د. حسين بن إبراهيم أبو ساق
  • مقدمة (الركود التضخمي)

يعدّ الارتفاع المستمر لمعدلات التضخم من أهم المخاطر التي تحيط بمستقبل أي اقتصاد، لاسيما في حال كان الارتفاع مصحوبًا بنمو اقتصادي أبطئ وهو ما يمكن أن يفضي إلى العديد من الانعكاسات السلبية على الحكومات والشركات والأفراد.  تهدّد موجة التضخم التي يشهدها العالم اليوم مستقبل الاقتصاد العالمي والتي تأتي متزامنة مع توقعات سلبية لأداء معظم الاقتصادات حول العالم قد تؤدي إلى ركود عالمي في عام 2023م ودخول الاقتصاد العالمي إلى ما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بحالة الركود التضخمي وهي الحالة التي يشهد فيها الاقتصاد نموًا ضعيفًا ومعدلات بطالة مرتفعة مصحوبة باتجاهات صاعدة أيضًا لمستويات الأسعار.  أوضح تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر من العام 2022م بعنوان “التصدي لأزمة تكلفة المعيشة” أن الاقتصاد العالمي سوف يشهد حالة من التباطؤ تفوق المتوقع من قبل الاقتصاديين، ويعزى هذا التباطؤ إلى الارتفاع المستمر لمعدلات التضخم عالمياً لتصل إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ عقود. توقع التقرير أن معدلات التضخم المرتفعة والتي تغذيها الاضطرابات الجيوسياسية وظروف الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا وسياسات الحكومة الصينية لاحتواء المرض سوف ترفع من تكلفة المعيشة عالميًا بشكل غير مسبوق.  وتنبأ التقرير أن الاقتصاد العالمي سوف يدخل مرحلة من التباطؤ عبر تراجع معدلات النمو الاقتصادي من 6% في عام 2021م إلى 3.2% في عام 2022م ثم إلى 2.7% في عام 2023م، وهو معدل النمو الأضعف منذ عام 2001م وذلك إذا ما استثنينا الأزمة المالية العالمية وجائحة كورونا. وأكد التقرير أن معدلات التضخم عالمياً ستقفز من 4.7% في 2021م إلى 8.8% في 2022م قبل أن تهبط إلى 6.5% في 2023م.  من جهة أخرى أكد تقرير المخاطر العالمية 2023م الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي توقعات صندوق النقد الدولي، حيث تصدر الارتفاع في تكلفة المعيشة أهم المخاطر العالمية خلال العامين المقبلين، حيث تواجه الحكومات تحد كبير للحفاظ على التوازن بين حماية مواطنيها من أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة وخطورة الدخول في منطقة الانكماش الاقتصادي. قد يكون من المفيد البحث في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الارتفاعات غير المسبوقة في معدلات التضخم خلال عام 2022م وطريقة تعامل البنوك المركزية لكبح جماح معدلات التضخم وأهم الآثار الاقتصادية لهذه السياسات النقدية على الاقتصاد العالمي والاقتصاد المحلي.

  • التضخم وأسعار الفائدة عالمياً

بشكل عام، هنالك نوعان أساسيان للتضخم:

  • تضخم ناتج عن زيادة في الطلب “Demand-Pull Inflation”: ناتج عن الارتفاع في الطلب على السلع والخدمات بمعدل يفوق الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، يحدث عادة في مرحلة النمو الاقتصادي وتكون له آثار محدودة ومقبولة نوعاً ما.
  • تضخم ناتج عن ارتفاع في التكلفة “Cost-Push Inflation”: ناتج عن الارتفاع في تكلفة عناصر الإنتاج، يحدث عادة في مرحلة التباطء الاقتصادي وتكون آثاره أكثر حدة.

أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن زيادة سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في شهر مارس 2022م وهي الزيادة الأولى منذ ما يقارب عامين وذلك بعد سلسلة تخفيضات قام بها البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية حتى وصلت إلى الصفر في محاولة للتخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا، كما أوضح البنك الفيدرالي أنه سوف يستمر في رفع معدلات الفائدة لاحتواء الارتفاعات الكبيرة في معدلات التضخم التي وصلت في أعلى مستوياتها إلى ما يقارب 9% على أساس سنوي وهو الأعلى خلال الأربعين عاماً الماضية والتزامه الكامل بخفض هذه النسبة إلى المعدل المستهدف قرابة 2%.  من المهم جداً معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وخلال فترة زمنية قصيرة والتي يمكن تلخصيها على النحو التالي:

  • اختلال سلاسل الإمداد: تأثرت سلاسل الإمداد العالمية بشكل حاد بظروف الجائحة خصوصاً أثناء فترة الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها معظم دول العالم، مما أدى إلى اختلال غير مسبوق لسلاسل الإمداد والقدرة الاستيعابية لهذه السلاسل خلال المدى القصير. إلا أنه مع تعافي الاقتصادات العالمية بعد فترة الجائحة وانتعاش مستويات الطلب على السلع والذي تزامن مع حالة من عدم الجاهزية لسلاسل الإمداد لتلبية هذا الطلب، فقد أدى هذا إلى فرض ضغوط كبيرة على سلاسل الإمداد لعبت دورًا هامًا في ارتفاع التكاليف اللوجستية عالمياً خصوصاً تكاليف النقل.
  • انخفاض نسبة المشاركة في القوى العاملة بعد جائحة كورونا: لازالت معدلات المشاركة في سوق العمل أقل من مستوياتها قبل الجائحة خصوصاً في الدول المتقدمة والدول التي طبقت إجراءات صارمة لمواجهة الجائحة مما سبب ارتفاعات في الأجور بسبب نقص العرض وارتفاع الطلب.
  • الحزم التحفيزية خلال وبعد جائحة كورونا: كانت للحزم التحفيزية التي قدمتها الحكومات لشعوبها دوراً كبيراً في رفع معدلات التضخم بعد جائحة كورونا، حيث ارتفع مستوى الطلب الكلي على السلع إلى مستويات أعلى من المتوقع نتيجة لمعدلات الإنفاق العالية بعد الجائحة والذي أدى بدوره إلى فرض المزيد من الضغوط تضخمية على أسعار السلع.
  • الحرب الروسية الأوكرانية: أثّرت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل كبير على أسعار الطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد عالمياً. حيث أدت العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي إلى انخفاض المعروض من الغاز والنفط الروسي مما أثر على أسعار الطاقة عالميًا. كما أدت الحرب إلى هبوط كبير في المعروض من السلع الغذائية الأساسية كالقمح وذلك نظرًا للحصة التي تشكلها صادرات روسيا وأوكرانيا في عدد من السلع الغذائية الأساسية كالقمح واعتماد مناطق واسعة من العالم على صادرات البلدين من تلك السلع.

من الجدير بالذكر أن موجة التضخم ازدادت وتيرتها خلال عام 2022م تتضمن تضخمًا ناتجًا عن ارتفاع مستويات الطلب “Demand” نتيجة للحزم التحفيزية، بالإضافة إلى تضخم ناتج عن ارتفاع التكلفة “Cost-Push Inflation” نتيجة للأسباب الأخرى مثل اختلال سلاسل الإمداد.

 

  • استجابة البنوك المركزية لكبح جماح معدلات التضخم

كانت استجابة البنوك المركزية لكبح جماح معدلات التضخم متفاوتة سواء من ناحية الحدّة والدرجة في تشديد السياسات النقدية ورفع نسبة الفائدة أو من ناحية السرعة في إقرار وتفعيل تلك السياسات. فعلى سبيل المثال، تعرّض البنك الفيدرالي الأمريكي للكثير من النقد من قبل الاقتصاديين والمستثمرين نتيجة لتأخره في التدخل لاحتواء معدلات التضخم في البداية وتأكيده على أن موجة التضخم هي موجة قصيرة المدى وسوف تزول بسرعة، تعهّد البنك الفيدرالي لاحقًا بالقيام بسلسلة من الارتفاعات في معدل الفائدة حتى يتم السيطرة على التضخم ضمن المستويات المقبولة والمستهدفة وذلك بعد أن أدرك صنّاع السياسة النقدية الأمريكية أن أزمة التضخم قد تستمر لفترة أطول من المتوقع. وعلى غرار الفيدرالي الأمريكي، قام عدد من البنوك المركزية الأخرى حول العالم بتشديد مماثل للسياسات النقدية.

ورفع أسعار الفائدة بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي، بنك كندا وبنك إنجلترا لكبح جماح التضخم من جهة وللمحافظة على مصداقية وفاعلية أدوات السياسات النقدية التي تعتمد عليها هذه البنوك المركزية للمحافظة على استقرار الأسعار.

  • التضخم وأسعار الفائدة في المملكة

لتحليل الأثر المتوقع لارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة العالمية على اقتصاد المملكة، قد يكون من المفيد تسليط الضوء على واقع الاقتصاد السعودي خلال عام 2022م وأيضاً على القنوات المحتملة لتأثير مثل هذه الارتفاعات العالمية على الاقتصاد السعودي مع أخذ ارتباط السياسة النقدية في المملكة بالسياسة النقدية الأمريكية (نظرًا للربط في سعر الصرف بين الريال السعودي والدولار أمريكي) بالحسبان

أوضحت مشاورات المادة الرابعة لعام 2022م لصندوق النقد الدولي مع المملكة العربية السعودية أن الاقتصاد السعودي حقق نمواً قوياً خلال عام 2021م وصل إلى 4% تقريبًا بعد حالة الركود خلال جائحة كورونا، وذلك جراء الحزم التحفيزية المقدمة من الحكومة والبدء في جني ثمار تطبيق بعض برامج رؤية المملكة 2030. أسهم ارتفاع أسعار النفط أيضًا في تحسين مركز المالية العامة وانخفاض معدلات البطالة.  كما توقع الصندوق أن تبلغ معدلات التضخم 2.8% في عام 2022م (متوسط التضخم السنوي المنشور من قبل الهيئة العامة للإحصاء للعام 2022م بلغ 2.5%) وهي معدلات مقبولة جداً في ظل معدل النمو المرتفع والذي يعتبر الأعلى بين دول العشرين.  وبالنظر إلى المستقبل فإن النمو المتوقع لاقتصاد المملكة في عام 2023م يقارب 3.7% ومعدل تضخم يصل إلى 2.2%. وبالنظر إلى توقعات الصندوق لمعدلات النمو والتضخم خلال عامي 2022م و2023م، نستطيع استنتاج أن اقتصاد المملكة استطاع تفادي حالة الركود التضخمي التي تعاني منها كثير من الاقتصادات العالمية خصوصاً المتقدمة خلال 2022م و2023م. بالنسبة لأسعار الفائدة في المملكة وبحكم ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي فقد قام البنك المركزي السعودي بمجاراة الفيدرالي الأمريكي ورفع أسعار الفائدة المحلية عبر رفع (اتفاقية إعادة الشراء “الريبو” واتفاقية إعادة الشراء المعاكس “الريبو العكسي”) بنفس وتيرة رفع الفيدرالي الأمريكي للمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي.

  • الآثار المتوقعة لرفع أسعار الفائدة على الاقتصاد السعودي

تعتمد الآثار المتوقعة لرفع أسعار الفائدة على الاقتصاد السعودي بشكل عام على جوانب عدة أهمها الدافع خلف رفع أسعار الفائدة مثل التضخم أو النمو القوي، وفي حالة الاقتصاد السعودي وكما أسلفنا فإنه يقوم بمجاراة الفيدرالي الأمريكي ولهذا يمكن التغاضي عن هذا الجانب.  (بينما الجانب الآخر المهم لتحديد الأثر الاقتصادي لرفع أسعار الفائدة هو في طبيعة المرحلة من الدورة الاقتصادية للاقتصاد السعودي التي تم عندها رفع سعر الفائدة، مع الأخذ بالاعتبار ليس بالضرورة أن يكون الاقتصاد السعودي والأمريكي يمرون بنفس المرحلة الاقتصادية سواء نمواً أو انكماشاً.

من الجيد أن رفع نسب الفائدة التي قام بها البنك المركزي السعودي خلال عام 2022م وهو العام الذي حقق فيه الاقتصاد السعودي أعلى معدلات النمو عالمياً متفوقاً على اقتصادات كبيرة كالهند والصين مما يخفف من الاثار السلبية (تباطئ النمو) لمعدلات الفائدة المرتفعة نسبياً على مستوى الاقتصاد الكلي.

أما على مستوى القطاعات، فقياس الآثار المتوقعة لأسعار الفائدة قد يكون متابين بشكل كبير حسب نوع القطاع وإن كان في الغالب له آثار سلبية، فعلى سبيل المثال قد يكون قطاع البنوك من أكبر المستفيدين من رفع أسعار الفائدة وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإقراض. عكس القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض من البنوك (Zero sum game).

ختاماً يجب الإشادة بالجهود التي قامت بها الحكومة ممثلة بالسياسات المالية والنقدية للتقليل من الآثار المتوقعة لمعدلات التضخم وأسعار الفائدة عالمياً على الاقتصاد السعودي، حيث أوضح وزير المالية أن المملكة من أوائل الدول التي توقعت حدوث أزمة في الأسعار عالمياً وعلى ضوءه اتخذت العديد من الإجراءات والسياسات الاستباقية للتقليل من أثار هذه الازمة داخلياً مثل وضع سقف أعلى لأسعار الوقود.

  • المداخلات حول القضية
  • التعريف بالتضخم والمفاهيم ذات الصلة.

‎ يشير التضخم إلى الارتفاع في تكلفة السلع والخدمات خلال فترة ‎زمنية معينة. كما أن التضخم يمكن تعريفه على أنه التخفيض غير التمايز للوحدة النقدية فيما يتعلق بجميع السلع والخدمات في الاقتصاد على أساس مستمر أو مستدام (1).

أما ‎اتفاقية إعادة الشراء، والمعروفة أيضًا باسم اتفاقية «الريبو»، أو اتفاقية البيع وإعادة الشراء، فهي شكل من أشكال الاقتراض قصير الأجل خاصة في الأوراق المالية الحكومية. يبيع الوكيل الضمان الأساسي للمستثمرين ويشتريه منهم مرة أخرى بعد فترة وجيزة، في اليوم التالي عادة، بسعر أعلى قليل.

بينما السياسة المالية في الاقتصاد والعلوم السياسية، هي استخدام تحصيل الإيرادات الحكومية (الضرائب أو الاقتطاعات الضريبية) والمصروفات (الإنفاق) للتأثير على اقتصاد بلد ما.

والسياسة المالية هي إحدى حزم السياسات الاقتصادية الكلية التي تستخدمها الدولة لإحداث التغير المطلوب في الاقتصاد وتجنب الآثار غير المرغوبة (2).

أما ‎السياسة النقدية هي السياسة التي تعتمدها السلطة المالية في دولة ما للتحكم إمّا بمعدل الربح الذي يُدفع للاقتراض قصير المدى (الاقتراض بين البنوك لتحقيق حاجاتها قصيرة المدى) أو بمعروض المال، وتكون عادة محاولة لتقليل التضخم أو معدل الفائدة، لضمان استقرار الأسعار والثقة العامّة بقيمة العملة الوطنية واستقرارها.

وتعتبر السياسة النقدية والمالية بأدواتها من أهم الوسائل التي تعني بمعالجة التضخم الذي تعاني منه دول العالم اقتصادياً (3). وتتصف الدول المتقدمة بمرونة هيكلها الانتاجي وجهازها المصرفي القوي واتساع أسواقها النقدية والمالية (4).  وتعتمد الدول على السياسات المالية والنقدية لتنفيذ توجهاتها الاقتصادية نظراً لما تؤديه هذه السياسات من فاعلية في التحكم بالمتغيرات الاقتصادية المؤثرة في حالتي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي داخل الدولة (5).

  • العوامل المسببة للتضخم في الواقع المعاصر.

المتابع للوضع الاقتصادي العالمي بشكل عام يمكنه وصف هذا العصر بعصر التضخم المتواصل، فقد أصبح التضخم صفة عامة تطبع غالبية اقتصاديات دول العالم المتقدمة والمتأخرة (6).

وترتبط أسباب التضخم كظاهرة بجميع الجوانب والأنشطة الاقتصادية وتختلف أسبابه من أسواق اقتصادية لأخري وإن تشابهت الأعراض في ارتفاع الاسعار فمثلًا في المملكة غالبا ما يكون السبب الرئيس في التضخم مستوردًا لأننا دولة مستوردة لأغلب سلعها ناهيك عن الأحداث الطارئة مثل جائحة كرونا وما سببته من أزمة في سلاسل الإمداد وارتفاع اسعار النقل والحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من أسباب ضمن هيكلية الاقتصاد السعودي.

وتذهب بعض الآراء إلى أن مفهوم السوق الحر يتباين من مجتمع لآخر وهو ما يؤثر على وجود التضخم وازدياده، ومع أن عوامل العرض والطلب كثيرا ما تكون هي المتحكم الأول في عمليات الإنتاج والأسعار.  إلا أن القطاع الخاص الذي يستورد أو الذي يقوم بعمليات التصنيع يتطلع للاستقرار في التنظيمات التي تصدرها عدد من الوزارات مثل المالية والتجارة والاستثمار، وهو ما يتيح وجود بيئة استثمارية جاذبة.

في امريكا منذ فترة والفيدرالي يرفع كل عدة أشهر الفائدة 25 نقطة أو 50 نقطة والبيانات الامريكية تظهر انخفاضا في التضخم وتسجيل أقل معدل نمو سنوي للتضخم في نحو عام، ولا شك أن انخفاض التضخم أتاح فرصا أفضل للقوة الشرائية. وأسهم في انتعاش مستوى ثقة المستهلك أكثر مما كان متوقعا في ديسمبر الماضي بل أن نتائج عدد من الشركات الاخيرة اظهرت نتائج أفضل من قبل.

وفي المقابل في مجتمعنا لا يشعر الناس بان هذا التضخم يتراجع سوى في بعض الادوات العقارية وأحد أهم الاسباب هو ارتفاع نسبة الفائدة مما يجعل الكثيرين يتراجعون عن شراء المنتجات العقارية المختلفة مما اظهر ركودا في هذا المجال.

نحن نحتاج أن نعرف الاسباب الفعلية التي جعلت هذا التضخم ينمو ويزداد وهل القطاع الخاص هو السبب فعلا ام أن لدى الخاص من الاشكالات والاسباب التي تجعله يضطر لرفع الأسعار؟  القطاع الخاص مثلا رفع مؤخرا بعض اسعار المنتجات فور صدور قرار رفع سعر وقود الديزل حيث رفعها بنسب متفاوتة تتجاوز نسبة الرفع المتعلقة بالديزل.

وفي سياق متصل، فثمة أسباب عديدة أدت إلى ارتفاع قياسي بأسعار الغذاء وغيرها، لعل من أبرزها ما يلي:

  • فرض رسوم جمركية وهو ما تم مطلع العام السابق اضافه إلى رسوم القيمة المضافة 15%.
  • اضطرابات سلسلة الإمداد الغذائي العالمية مع الجائحة والحروب ومنع بعض الدول تصدير بعض المنتجات الأساسية.
  • ارتفاع تكلفة الشحن البحري كان جنونيا مع جائحه كرونا ولازال تأثيره بشكل واخر على الأسعار كبير.
  • قامت كثير من الدول بتخزين احتياطات غذائية بسبب المخاوف المتعلقة بالوباء اثناء الجائحة والان مع حرب أوكرانيا.
  • اضطراب السياسة العالمية وظهور تشكيل عالمي لتغير موازين القوى.
  • استمرار حرب أوكرانيا أرهق بل ربما يوقف أهم مصدرين للغذاء في العالم وهذا سبب ارتباك دولي.

كل ذلك أدى إلى تضخم الأسعار بشكل كبير ونحن جزء من كل.  كما أن كل المشاريع الزراعية أصبحت تعاني من ارتفاع أسعار الفائدة فإما دعم من الدول، وإما استمرار الإنتاج بأسعار عالية، وإما التوقف حتى تعود الجدوى الاقتصادية إلى نصاب معقول.

  • آثار التضخم وانعكاساته المجتمعية.

قد ينجم عن التضخم نتائج خطيرة أحياناً ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية. فمن النتائج الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر على تطور الاقتصاد الوطني وتشويه بنيته يتجلى أحياناً في انخفاض معدل النمو الحقيقي للاقتصاد رغم الزيادة الاسمية القيمية في حجم الاستثمار.  ذلك أن زيادة تكلفة الاستثمار نتيجة ارتفاع الأسعار قد تدفع بالمستثمرين إلى العزوف عن الاستثمارات الكبيرة والتوجه نحو الاستثمارات الهامشية ذات التكلفة القليلة والربحية العالية مثل أعمال المضاربة وغيرها من الأعمال غير المنتجة وما ينجم عن ذلك من عثرات في عملية التنمية وتقدم المجتمع وتعميق حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

ومن النتائج الاقتصادية للتضخم انخفاض قيمة العملة الوطنية بحيث يفقد النقد وظيفته كمقياس للقيمة وحافظ للثروة ومحفز للادخار، مما يؤثر ذلك سلبياً على عملية الاستثمار، ومن ثمّ التوسع في عملية الإنتاج الاجتماعي. فضلاً عن أن انخفاض قيمة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية يؤدي إلى تشويه العلاقات الاقتصادية والنقدية مع العالم الخارجي، ويترك بصماته السيئة على ميزان المدفوعات، وازدياد معدل الاعتماد على الديون الخارجية، وتعميق علاقات التبعية إلى السوق العالمية، والوقوع تحت سيطرة الاحتكارات الأجنبية.

وتعتبر ظاهرة التضخم في كثير من الدول وخاصة النامية من المظاهر الاقتصادية التي تعوق النشاط الاقتصادي (7).

كما نجد في العديد من الحالات أن النتائج الاجتماعية تكون أكثر خطورة من النتائج الاقتصادية للتضخم وما يتبع ذلك من مخاطر تفشي الفساد المالي والاداري والجرائم مما يؤثر على الاستقرار السياسي.

ومن النتائج الاجتماعية الخلل الذي يصيب البنية الاجتماعية نتيجة إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفئات الغنية في المجتمع بفعل آلية التضخم، إضافة إلى انخفاض المستوى الاستهلاكي لدى فئات الدخل المحدود الذين يشكلون غالبية السكان، وما يرافق ذلك من انخفاض في معدلات الطلب على السلع الاستهلاكية حتّى يصبح فيها الركود الاقتصادي مهدداً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

  • علاقة النمو في استخدام التطبيقات المالية بالتضخم.

هناك ارتباط وثيق بين النمو في استخدام التطبيقات المالية (fintech) واستقرار معدلات التضخم وتقلبات اسعار الصرف الحقيقية.  فاستخدام التطبيقات المالية تعد بمثابة أحد أبرز الأدوات المالية المستحدثة والمصنفة باعتبارها تطورات مالية هيكلية لها القدرة على تعزيز فاعلية السياسة النقدية وخفض مخاطر عدم التأكد ضمن النظام النقدي، ويعود ذلك للأسباب التالية:

  • هي من جهة تحسن من قدر البنك المركزي في تحقيق كفاءة استخدام أدوات السياسة النقدية، مثل القدرة علي التنبؤ الدقيق لحجم المعروض النقدي من خلال السيطرة علي مقدار الائتمان الممنوح وتدفق المدفوعات المالية والتحويلات عبر الحدود وذلك من خلال تعزيز قدرته علي الوصول إلي تقديرات أكثر دقة لنسب الاحتياطي وسعر الخصم وسعر الفائدة التي يلتزم بها الجهاز المصرفي.
  • ومن جهة اخري، تمكن تلك التطبيقات البنك المركزي من تحقيق الكفاءة في استهداف التضخم المعزز للاستقرار الاقتصادي على المدى القصير والطويل.
  • وإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن استخدام التطبيقات المالية يعزز من الشمول المالي التي توفر المرونة الكافية للاستجابة للصدمات المالية المؤقتة وتحسين المعرفة المالية بين المستهلكين والتغلب على مشكلة تباين المعلومات المالية والتي تؤثر على أداء الأسواق المالية. ومن ثم فإن الشمول المالي، الناتج عن نمو استخدام التطبيقات المالية، يعزز من وصول المستهلكين إلى الخدمات المصرفية، وهو ما يرتبط إيجابياً بتحسين قدرة البنوك على امتصاص السيولة المحلية ويوفر بيئة توجه المستهلكين نحو قرارات الشراء الرشيدة خلال فترات ارتفاعات الأسعار ومن ثم الحد من الاتجاهات التضخمية.
  • توظيف الذكاء الاصطناعي فيما يخص النمو الاقتصادي والتضخم.

تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي أحد مظاهر التطورات التقنية الحديثة وهي تعتمد على استثمار الكثير من البيانات والمعلومات الضخمة وتوظيفها لتقدم العديد من الآراء والافكار التي تعد نتاج كل المدخلات من المعلومات التي يصعب مراجعتها والاطلاع عليها.

والتصور أن الاقتصاديين من أكثر الذين سيفيدون من هذه التقنيات حين يتم توظيفها على نحو جيد وسليم.. بل سيسهم في تقديم توقعات لمستقبل الكثير من البرامج الاقتصادية قد تبدو مدهشة وربما يصعب الحصول على مثلها إذ سيختزل كما هائلا من المعلومات ويقدم في ضوئها اراء وافكارا وبرامج قد تكون أفضل بكثير مما تقدمه عدد من بيوت الخبرة التي تعتمد على رؤية فرد تجاه احداث أو موضوعات مستقبلية.

وللذكاء الاصطناعي الكثير من التطبيقات التي من شانها رفع كفاءه الاقتصاد ومستوى النمو فعلى سبيل المثال:

  • رفع الإنتاجية مثل الروبوتات وغيرها والتي بدورها سوف تنعكس على باقي مكونات الاقتصاد (رفع الإنتاجية يعني رفع الأجور إلى حد ما، على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي يدعم الإنتاجية ولا يؤثر على الطلب والعرض على الوظائف).
  • القدرة التنبئية للذكاء الاصطناعي بالتغيرات في مراحل بالدورات الاقتصادية بالاعتماد على البينات الكبيرة والمفتوحة مما يساعد على رفع دقة التنبؤات بالمتغيرات الاقتصادية مما يساهم في التقليل من الاثار السلبية مثل ارتفاع الأسعار.
  • تستخدم التكنولوجيا بشكل عام مثل الفينتيك (fintech) والتي تستخدم بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي للتقليل من التكاليف والذي بدوره يوثر على الأسعار.
  • مدى جدوى رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم.

في الواقع هناك جدل كبير في موضوع جدوى رفع أسعار الفائدة لمعالجة معدلات التضخم المرتفعة ومنشأ هذا الجدل هو أن التضخم لا ينشأ دائماً عن زيادة الطلب وسخونة الاقتصاد وإنما قد يكون نتيجة ما اعترى جانب العرض من تعثر في سلاسل الإمداد ونقص في المواد الخام أو موارد الطاقة وهناك أيضاً حالة الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار والتي يتوجب عليها رفع أسعار الفائدة لمجرد رفعها على الدولار في الوقت الذي لا تعاني فيه هذه الدول من معدلات تضخم عالية كما هو الحال في بلادنا وهنا نجد أننا أمام ثلاث حالات:

  • الحالة الأولى في الدول ذات معدلات النمو الاقتصادي المرتفع ومعدلات البطالة المتدنية نسبياً، أي الحالة التي يعمل بها الاقتصاد بطاقة عالية مع توفر سيولة كبيرة تنعكس في شكل إنفاق مرتفع من قبل المؤسسات والأفراد، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار، وهذا ما حدث في كل من أمريكا وبريطانيا وكندا، ودول أخرى، حتى قبل نشوب حرب أوكرانيا. وترجع الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار وتفشي التضخم في هذه الحالة إلى كل من السياسة النقدية التي أبقت على أسعار فائدة متدنية لفترة طويلة، واتباعها بما يعرف بالتيسير الكمي الذي تشتري من خلاله البنوك المركزية سندات الحكومة لكي تضخ في مقابلها أموالاً وسيولة كبيرة في الأسواق.  ومن ناحية أخرى، ولمساعدة الأنشطة الاقتصادية التي تضررت من جراء جائحة كورونا، فقد تبنت السياسات المالية برامج إنفاق على درجة كبيرة من السخاء، الأمر الذي زاد من حجم السيولة المتوفرة في الأسواق، وزاد من قوة الطلب على المنتجات والخدمات، ما انعكس في تفاقم ظاهرة التضخم. وهذه الحالة تمثل في الواقع المبرر الرئيسي لرفع سعر الفائدة في معالجة التضخم والتخفيف من سخونة الاقتصاد.
  • الحالة الثانية هي الحالة التي يكون فيها التضخم ليس ناتجاً عن قوة الطلب وسخونة الاقتصاد، بقدر ما يكون ناتجاً في أغلب الأحيان عن عوامل تتعلق بوجود اختناقات في جانب العرض من الاقتصاد، كتعثر في سلاسل الإمداد، أو نقص في توفر بعض عناصر الإنتاج، أو بسبب صعوبات لوجستية تحد من وصول المواد الغذائية الرئيسية، أو لأسباب سياسية تؤثر في مدى توفر موارد الطاقة بالشكل المطلوب. كل هذه العوامل والاسباب من شأنها خلق حالة نقص عرض وتوفر المواد والمنتجات الأمر الذي ينعكس في شكل ارتفاع أسعارها، وبالتالي تزايد مستويات التضخم، وهذه الحالة لا يعالجها رفع سعر الفائدة.
  • الحالة الثالثة هي تخص دول المنطقة والتي ترتفع فيها أسعار الفائدة من دون أن تعاني هذه الدول بالضرورة من تضخم كبير، لا هو ناتج عن قوة الطلب وسخونة الاقتصاد، ولا هو ناتج عن اختناقات في جانب العرض من اقتصادات هذه الدول. وإن رفع سعر الفائدة في دول المنطقة ليس إذاً بسبب التضخم بقدر ما هو راجع إلى ارتباط عملات أغلبية هذه الدول بالدولار الأمريكي، الأمر الذي يحتم رفع الفائدة في هذه الدول كلما ارتفعت أسعار الفائدة على الدولار، وذلك للتأكد من استقرار أسعار الصرف وضمان استقرار نشاط الاستثمار وحركة رؤوس الأموال.
  • الحلول المقترحة للتصدي لظاهرة التضخم.

بالنظر إلى أن التضخم مشكلة اقتصادية تصيب اقتصاديات البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء ولكن بنسب متفاوتة، تسعى مختلف دول العالم إلى معالجته وكبح جماحه (8).

وهناك أداة مثيرة للجدل يمكن للحكومة استخدامها لكبح جماح التضخم والحد من ارتفاع الأسعار الذي نشهده حالياً وهي فرض تحديد الأسعار وقد يجادل البعض بأن هذه الأداة تتنافى مع حرية الأسواق ولكنها أداة فعالة جرى تطبيقها بفاعلية في عدد من الدول منذ الحرب العالمية الثانية، وتحديد الأسعار هذا يكون في القطاعات التي تفتقر للمنافسة وبالتالي تقوم بالتحكم في الأسعار ورفعها ويمكن للحكومة تحديد سقف أعلى للسعر في هذه القطاعات وفي مجال السلع الأساسية كالطاقة وغيرها ولكن هذا الاجراء يتطلب امكانيات كبيرة من الحكومة يتمثل في توظيف عدد كبير من المراقبين في مختلف أرجاء البلاد لضمان تنفيذ الالتزام بالأسعار المحددة.

الأمر الآخر الذي يسهم في معالجة التضخم هو تحسين سلاسل الامداد لتلبية أي زيادة في الطلب على أي سلعة وبالتالي تحسين العرض وتفادي زيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه. ولاشك أن جائحة كورونا ساهمت في ابطاء بل وتعطيل سلاسل الامداد وهذا بدوره خلق مزيداً من التضخم نتيجة زيادة الطلب وقلة المعروض من السلع.

كذلك فثمة أمر ثالث قد يساهم في الحد من التضخم هو زيادة الانتاج وتشجيع قيام المزيد من الصناعات التي توفر السلع التي يزداد الطلب عليها وذلك لخلق نوع من التوازن بين العرض والطلب وبالتالي السيطرة على ارتفاعات الأسعار وهذا الأمر بالطبع يحتاج إلى استراتيجيات وطنية طويلة المدى.

وتذهب بعض وجهات النظر إلى أن تدخل الدولة لا يعاب. وإذا كان مما لا شك فيه أنه يفضل أن يتصرف السوق وينظم نفسه؛ لكن لابد من الاعتراف أن جميع الاسواق منفردة ومجتمعة تحتوي “تشوهات” قد تمنع من الركون للرأسمالية المتوحشة… والعقار في بلادنا مثال متميز.  ولعل الوقت الحالي هو وقت النظر بجدية شديدة في التعاونيات وخصوصا لسوق التجزئة.. تعاونيات بصياغة حديثة جدا تتوافق مع تقنيات اليوم.

 

  • التوصيات
  • توطين الصناعات والواعدة بصفة خاصة وتنويع الصادرات ورفع نسبة المحتوي المحلي للقطاعات غير النفطية.
  • تنويع الصادرات واستبدال الواردات بالمنتجات الوطنية بما يقلل الاعتماد على الواردات المرتفعة الأسعار من بلدانها.
  • تخفيض الضرائب والرسوم التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد ولا تشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي.
  • تطبيق أدوات السياسة النقدية من قبل البنك المركزي للتعامل مع التضخم في حالة حدوثه حسب ما يقتضيه الموقف أو الوضع.
  • تطبيق السياسات المالية من الجهات المختصة للتعامل مع التضخم في حالة حدوثه حسب ما يتطلبه الموقف.
  • تصحيح وهيكلة الاقتصاد الوطني بما يتوافق مع التحول الذي تشهد المملكة من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي ذو تنافسية عالية.
  • العمل على تدوير الريال السعودي في الداخل بكل السبل وذلك قبل خروجه من المملكة.
  • ايجاد برامج وتنظيمات أو تفعيل التنظيمات التي تهدف لتخفيف آثار التضخم مثل الجمعيات التعاونية وبطاقة العون الفردي.
  • العمل على تقديم المصلحة العامة في المشاريع الاقتصادية الاستثمارية ذات البعد الاستراتيجي.
  • دراسة الارتفاع في مستوى المعيشة ورفع الرواتب بما يتناسب مع الغلاء أو صرف بدل غلاء معيشة كما فعلت المملكة في سنوات الماضية.
  • النظر في إعداد مؤشرات ذات علاقة عن الإقليم والدول الأكثر تبادل تجاري مع المملكة ترفق بالإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية الوطنية المعلنة من الجهات ذات العلاقة.

  • المصادر والمراجع
  • جيمس ك. جالبريث.  التضخم بين التحليل السيئ والاستجابة الأسوأ، ترجمة: عبدالله بن إبراهيم الرخيص، 5 يناير 2023م، متاح على الرابط الالكتروني:

https://www. hks. harvard. edu/centers/cid/about-cid/people/GDC

  • رشيد، حمريط، وعطية، حليمة. معالجة ظاهرة التضخم الركودي في الاقتصاد العراقي اعتمادا على السياسة المالية خلال الفترة 2004 – 2014. مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، مج 11، 2018، 144-157.
  • العيادي، أحمد صبحي أحمد. السياسة النقدية والمالية في الإسلام ودورها في معالجة التضخم. مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، مج 18، ع 54، 2003، 281-340.
  • سلمان، مي صالح عيد عيال. أثر السياسة المالية والسياسة النقدية على الناتج المحلي الإجمالي والتضخم، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة مؤتة، الكرك، 2012.
  • عواد، منال محمد عواد. أثر السياسة المالية على معدلات التضخم الاقتصادي في فلسطين، خلال الفترة 2017 – 1996. مجلة اقتصاديات المال والأعمال، مج 6، ع 2، 2022، 354 – 385.
  • محمد، محمد العربي البدوي. دور السياسة النقدية والمالية في علاج التضخم في السودان، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أم درمان الإسلامية، أم درمان، 1990م.
  • محمدين، أنور حميدة جابر وآخرون. أثر السياسة النقدية والمالية على معدل التضخم في السودان. مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية، مج 17، ع 2،، 2016، 145 – 156.
  • الفارسي، أيوب محمد يونس. دور السياسة النقدية والمالية في مكافحة التضخم في ليبيا، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بنغازي، بنغازي، 2010م.

  • المشاركون.
  • الورقة الرئيسة: د. إحسان بن علي بوحليقة
  • التعقيب: د. حسين بن إبراهيم أبو ساق
  • إدارة الحوار: اللواء فاضل القرني
  • المشاركون بالحوار والمناقشة:
  • د. محمد العامر
  • د. عبد العزيز الحرقان
  • د. مساعد المحيا
  • أ. بسمة التويجري
  • د. خالد المنصور
  • معالي الفريق عبدالإله الصالح
  • أ. إبراهيم ناظر
  • د. ماهر الشويعر
  • أ. عبدالرحمن باسلم
  • د. محمد المقصودي
  • د. خالد الرديعان
  • د. حميد الشايجي
  • أ. عاصم العيسى