( صندوق الاستثمارات العامة .. دوره في التنمية وتطوير سياساته )
الأحد 16 / 2 / 1439
الموافق 5 / 11 / 2017
الورقة الرئيسة:
د.احسان بوحليقه
اصبح لدينا صندوقاً سيادياً نشطاً ، يجوب العالم بحثاً عن فرص مواتية ، بعد أن كان منزوياً في الداخل لعقود ، حتى كنا نظن أن ملكيتنا السيادية تقتصر على ما تديره مؤسسة النقد العربي السعودي من أموال ، مستثمر جُلها في سندات الخزانة الأمريكية.
لكن ..
أولاً ما الذي يسعى صندوق الاستثمارات العامة لتحقيقه عبر استراتيجيته الجديدة المُبادرة ؟
إبتداءً ، على الصندوق أن يولد 285 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة وبناء حتى العام 2020 ، وان يرفع مساهمته في المحتوى المحلي من 32 مليار إلى 50 مليار في العام 2020 ، وان يستقطب استثمارات غير حكومية مجملها 630 مليار ريال حتى ذلك العام.
يعمل صندوق الاستثمارات العامة لإنجاز برنامج من بين 12 برنامج لتحقيق رؤية 2030 ، وعليه النهوض بأعباء لتحقيق جوانب من الرؤية السعودية للمستقبل ، ويؤطر عمل الصندوق من الناحية الاستراتيجية توجيهات واضحة من خادم الحرمين الشريفين : “سوف نعمل على بناء إقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل ، وتنمو من خلاله المدخرات.” ، كما ذكر سمو ولي العهد : “بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة ، وسنسعى إلى أن تكون محركاً لاقتصادنا وموردا إضافياً لبلادنا.”
فما هو برنامج صندوق الاستثمارات العامة ؟ ، وكيف سيحقق تطلعات القيادة بما في ذلك تنويع موارد الخزانة العامة ؟ ، ولابد هنا من الأخذ بالاعتبار أن مرتكزات الرؤية 2030 ثلاثة ، أحدها “القوة الاستثمارية الرائدة”. ويهدف البرنامج – وفقاً لصندوق الاستثمارات العامة – بلورة الغايات الوطنية في حقول الاستثمار داخلياً وخارجياً وتنويع مصادر البناء والانماء ، وتعزيز دور الصندوق كمحرك لتنويع اقتصاد المملكة ، وتطوير قطاعات استراتيجية محددة ، وان يصبح الصندوق أكبر الصناديق السيادية في العالم ، ويؤسس شراكات اقتصادية تعمق دور المملكة اقليمياً وعالمياً.
لكن ما الذي سيفعله البرنامج لتحقيق هذه الغايات الوطنية حرجة الأهمية ؟ ، كما هو معروف ز فتحقيق الرؤية السعودية 2030 يقوم على 12 برنامج ، لتنفيذ 96 هدفاً استراتيجياً ، نصيب صندوق الاستثمارات العامة منها أربعة أهداف، وهي:
1. تعظيم أصول الصندوق إلى 1.5 ترليون ريال في العام 2020 ، بعائد على الاستثمار 4% – 5%.
2. إطلاق قطاعات اقتصادية جديدة ، وعلى الصندوق استثمار 20 بالمائة من إجمالي الأصول التي يديرها في هذه القطاعات ، وان تصل مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 مليار ريال .
3. بناء شراكات اقتصادية استراتيجية ، بالعمل على الاستثمار خارجيا (25 بالمائة) من الأصول بحلول العام 2020 ، وأن تسهم هذه الشراكات في جذب استثمارات أجنبية نوعية لا تقل عن 20 مليار ريال في العام 2020.
4. توطين التقنيات والمعرفة من خلال: القطاعات الجديدة التي يطلقها ، والشراكات الاستراتيجية التي يكونها ، وتحفيز البحث والتطوير عبر الشركات السعودية التي يساهم الصندوق فيها.
ويسعى الصندوق لتوليد 11 وظيفة عالية المهارة ، واستثمار 210 مليار ريال حتى العام 2020 ، في القطاعات الجديدة والشراكات الاستراتيجية والبحث والتطوير.
أمام الصندوق قائمة طويلة من الأهداف لتحقيقها في الداخل ، واموال لاستثمارها استثماراً نوعياً في الخارج.
لكن الأمر ليس ميكانيكياً ، فقدرة الصندوق على تحقيق أهدافه تعتمد على جملة أمور منها ، مناخ الاستثمار وامتلاك الاقتصاد السعة لاستيعاب استثمارات في أنشطة اقتصادية جديدة.
فهل سيتمكن الصندوق من تحقيق تلك الأهداف ، إذا ما أخذنا انها في القطاعات والأنشطة الغائبة إجمالاً عن هيكلة الاقتصاد السعودي ؟ وإن كان سيحققها – ونتمنى جميعاً ذلك لما سيجلبه من منافع – فما هي الاشتراطات ؟
تعقيب
د.نوف الغامدي
بداية أشيد بورقة الدكتور إحسان بوحليقة التي وضحت بشكل كبير الدور الذي يقوم به صندوق الإستثمارات العامة من خلال أهداف الرؤية التي تتعلق بصندوق الاستثمارات العامة، ونلاحظ بشكل كبير أن السعودية غيرت زاوية النظر إلى الاستثمار، فأصبح التركيز الآن على عنصر الكفاءة، وأصبح المعنى التجاري للاستثمار يرافق جوانبه التنموية، بالتالي فـ القضية ليست موارد مالية بل سياسات اقتصادية وتدابير عامة كما ان عمليات الهيكلة والسياسات المالية الرشيدة يمكن أن تصنع التقدم والتنمية، فالصندوق تأسس منذ 1971، إلا أنه لم يكن له أثر يذكر في الاقتصاد السعودي وبرامج الاستثمار الخارجي إلا بعد انتقاله من وزارة المالية إلى مجلس الاقتصاد والتنمية، وهو ما أدى إلى تغير جذري في دور الصندوق كلاعب أساس في الاستثمار المحلي وبرامج الاستثمار الخارجي.
تركز الدولة على برنامجين أساسيين هما:
“صندوق الاستثمارات العامة و”الخصخصة”، ضمن رؤيتها حتى عام 2030.وتهدف رؤية المملكة، إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، بما يعمق من اثر ودور المملكة إقليميا وعالميا. إن قياس التقدم في تحقيق أهداف البرنامج يتحقق من خلال مبادرات محددة منها:
تعظيم أصول الصندوق، إطلاق قطاعات جديدة، بناء شراكات اقتصادية استراتيجية، الاستثمار الأجنبي المباشر التراكمي فـ الأصول في الأسواق العالمية 5% – 25%، ايضاً توطين التقنيات والبحث والتطوير من خلال توطين التقنيات بـ 11 ألف وظيفة تتطلب كفاءة عالية والاستثمار التراكمي 210 مليارات ريال.
ومن الواضح ان صندوق الاستثمارات العامة قرر اتخاذ مسار جديد في الاستثمار غير التقليدي، هو الاقتصاد التشاركي، من خلال مبادرات الاستثمارات العالمية الاستراتيجية مثل مبادرة صندوق رؤية سوفت بنك 100 مليار دولار كـ أكبر صندوق عالمي في قطاع التكنولوجيا، ومبادرة صندوق البنية التحتية بـ 40 مليار دولار، وأكبر صندوق عالمي في قطاع البنية التحتية، ومبادرة الاستثمار في شركة أوبر، ومبادرة برنامج الاستثمار في الملكية الخاصة الفرنسية، وايضاً مبادرة شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار المساهمة العامة المحدودة، ومبادرة صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة (RDIF)، بالإضافة إلى مبادرات محفظة المشاريع الكبرى: منها مشروع البحر الأحمر، ومشروع القدية، ومشروع نيوم.
أما مبادرات الاستثمارات في المشاريع العقارية ومشاريع تطوير البنية التحتية السعودية، كـ تطوير تجربة الحج والعمرة ورفع الطاقة الاستيعابية للفندقة والإسكان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تطوير منطقة عسير، ومدينة مطار الملك خالد الدولي في الرياض، ومدينة مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، أيضاً تعظيم قيمة أراضي الصندوق وإنشاء نماذج حضرية جديدة في المدن الرئيسة، وتطوير الأحياء السكنية.
كما ان مبادرات الاستثمار الهادفة إلى تطوير وتنمية القطاعات السعودية لها دور كبير في تطوير الإستثمارات، كـ تأسيس الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير، والشركة السعودية للصناعات العسكرية، والشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة، ومبادرة الصندوق في تنمية التحول الصناعي، وإنشاء صندوق الصناديق، وشركة للاستثمار في الترفيه، وشركة تشغيل طائرات الهليكوبتر للنقل الخاص والرحلات السياحية وأخيراً تأسيس الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري.
إنّ قياس مساهمة صندوق الاستثمارات العامة في تنمية الاقتصاد المحلي والتأثير على الناتج المحلي الإجمالي قد تكون من خلال توليد فرص العمل الجديدة بما يعادل 20 ألف وظيفة مباشرة، ومعدل التغير في ميزان المدفوعات، أيضاً من خلال الأثر المباشر في نسبة المحتوي المحلي، وحجم الاستثمار التراكمي غير الحكومي بـ 630 مليار ريال،و التأثير على معدل الاستهلاك تقريباً بـ 0.7 نقطة مئوية، والتأثير على معدل التضخم 1.4 نقطة مئوية.
ولنستطيع تحقيق التساؤل الذي طرحه دكتور إحسان في نهاية ورقته فـ لابد من إعادة إنتاج معايير الحوكمة من جديد، وإصدار ميزانية عمومية للصندوق تنشر سنويا، كما لابد من وضع تشريعات وقوانين واضحة لـ آلية دخول الإستثمار الأجنبي وهيكلة شراكته من خلال وضع أسس واضحة لـ نظام الـ BOT/ PPP ومحاولة الإعتماد على الخبرات المحلية من المستشاريين كـ العاملين في وزارة المالية سابقاً او حتى الحاليين، كما ان بعض سماسرة الاستثمار ينشطون تجاه مصالحهم حتى ولو أدى ذلك لمحاولة تسويق معلومات خاطئة عن مناخ الاستثمار في السعودية، وهذا يعني ضرورة أن تنشط الجهات المعنية وتكثف العمل الإعلامي التوعوي بشأن حقيقة ما يكتنف بيئة الاستثمار في السعودية وشرح الاجراءات والمحفزات التي ساعدت على تطوير وزيادة سعة الاستثمار الأجنبي لدينا محليا وخارجيا وذلك لقطع الطريق أمام المتعاملين مع الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب في الخارج مع وسطاء وسماسرة غير أمناء ولا موضع ثقة.
تعقيب
د.مشاري النعيم
ربما أبدأ من التساؤل الذي أثاره الدكتور إحسان في آخر عبارة من ورقته حول ماهي الاشتراطات التي يمكن أن تجعل الصندوق السيادي يحقق أهدافه التي وضعها لنفسه ؟ والذي يبدو لي أن هذه الاشتراطات غير واضحة لأن ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة في الوقت الراهن هو المشاركة في تحقيق برامج الرؤية الـ 12 بينما كان يفترض أن يكون التركيز على بناء قاعدة اقتصادية واضحة وأن يكون التركيز على توفير جميع الظروف لتحقيقيها.
وسوف أتحدث عن توجه واحد يمكن أن نفهم من خلاله أن “صندوق الاستثمارات العامة” يجب أن يعمل ضمن بيئة تكاملية يفترض أن تحث عليها الرؤية، فمثلا إذا ما افترضنا أن المملكة ترغب في الاستثمار في التصنيع والصناعات العسكرية بشكل خاص، يفترض أن يصاحب هذا الاستثمار تحول عميق على مستوى مؤسسات التعليم والجامعات على وجه الخصوص كي تكون مصدرا للبحث العلمي والكوادر البشرية التي تدعم هذه الصناعة وتسهل نقل المعارف والتقنيات لها وتجعلها تعتمد بشكل كامل على أيد وطنية.
كوريا الجنوبية على سبيل المثل عملت في نهاية القرن الماضي من أجل احداث تحول معرفي تقني في المجتمع الكوري واستثمرت كل مواردها كي تبني قاعدة صناعية قائمة على البحث العلمي المحلي ووجهت مؤسسات التعليم إلى تبني رؤية مركزة وعميقة صنعت التحول الاقتصادي الذي تعيشه كوريا في الوقت الراهن.
التشتت في خطط صندوق الاستثمارات يمكن أن يبدد الاحتياط السيادي دون أن يصنع التحول المطلوب على المستوى المحلي. فالسؤال المهم هو:
هل نريد أن يكون لدينا ثروة أو أن نستطيع بناء اقتصاد ومواطن يصنع الثروة ؟
يركز الدكتور احسان في ورقته على ثلاث مسائل مهمة يفترض أن يحققها الصندوق أولها رفع مشاركة الصندوق في العائد المحلي إلى 50 مليار ريال والثاني جلب استثمارات غير حكومية تصل إلى 630 مليار وتوفير وظائف تصل إلى 285 ألف. والحقيقة أن هذه الاهداف لا تعني ابدا وجود “هوية اقتصادية” محددة نسعى لها، فبرامج الرؤية واسعة ولا تقود إلى “هوية اقتصادية” محددة وأعتقد أن تحقيق هذه الهوية يجب أن يقودها صندوق الاستثمارات العامة لما له من تأثير. وكما ذكرت الأمر يتطلب تحول كامل في ثقافة المؤسسات التعليمية وبناء تشريعات جديدة. ولا بد أن أذكر هنا أن الظروف مهيأة بشكل كبير في الوقت الراهن لإحداث مثل هذا التحول خصوصا مع توجه الدولة الواضح لضرب الفساد المالي والاداري وتجفيف منابعه الأمر الذي سيساهم في صناعة قيم جديدة على مستوى العمل والإنتاج.
في اعتقادي أن التحول الاقتصادي لا يمكن أن يكون مجرد افكار ولا يمكن أن يتوقف عن الاستثمارات الكبيرة التي لا يكون للمواطن دور فيها، وأقصد هنا أن صندوق الاستثمارات العامة يجب أن يكون هو المحرك للتحول الاقتصادي للمواطن السعودي من خلال اجباره أن ينخرط في برامجه ومشاريعه (أي مشاريع الصندوق) الوطنية وأن يدفعه لتطوير قدراته ويحثه على التنافس والابداع. ويجب أن أن أنوه أنني في هذا التعقيب لم أتناول الاستثمار في مشاريع حيوية في الخارج لأن قناعتي تتركز على أن احداث الفرق يبدأ من يناء الداخل، وأرى أن اهتمام صندوق الاستثمارات العامة يجب أن يحدث نقلة نوعية على مستوى الاقتصاد الوطني يكون أساسها إعادة بناء قدرات المواطن السعودي.