ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الإنتقائية والمساهمة في إيرادات الموازنة العامة

“ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الإنتقائية والمساهمة في إيرادات الموازنة العامة”

الأحد 16 / 2 / 1439

الموافق 5 / 11 / 2017

 

الورقة الرئيسة د. ناصر القعود

تتطرق الورقة إلى تعريف هاتين الضريبتين ،وخلفية عن مراحل فرضها في إطار مجلس التعاون، ودول المجلس التي شرعت في تطبيقها ، ثم تتناول
بعض جوانب ضريبة القيمة المُضافة ليكون ذلك مدخلا ومحفزا لمناقشة الموضوع من الزميلات والزملاء الكرام.
وسأبدأ بالضريبة الانتقائية .

ضريبة السلع الانتقائية :
تُفرض الضريبة الانتقائية على السلع المضرة للصحة العامة أو البيئة كما تفرض على بعض السلع الكمالية وتفرض بنِسَب متفاوتة. والسلع الخاضعة لهذه الضريبة في المملكة وفي بقية دول مجلس التعاون ( طبقت في الوقت الحاضر في المملكة والإمارات فقط ) هي:
⁃ المشروبات الغازية بنسبة ٥٠ في المائة
⁃ مشروبات الطاقةبنسبة ١٠٠ في المائة
⁃ التبغ ومشتقاته بنسبة ١٠٠ في المائة
وقد اعتمد مجلس التعاون الخليجي الاتفاقية الخليجيةالموحدة للضريبة الانتقائية في نوفمبر ٢٠١٦ .
وبعد مصادقة المملكة عليها صدر نظام ضريبة السلع الانتقالية ، وصدرت لائحته التنفيذية في يناير ٢٠١٧.
وآلية تحصيل هذه الضريبة تتمثل في الآتي :
١- بالنسبة للمنتج المحلي ، يقدم اقراراً ضريبيًا كل شهرين عن البضاعة المطروحة للاستهلاك من تاريخ الانتاج و سداد الضريبة المستحقة على ذلك خلال ١٥ يوماً من تقديم الإقرار .
٢- بالنسبة للمستورد ، يقوم بسدادالضريبة على السلع الانتقائية لكل بيان جمركي في مصلحة الجمارك ، وفي نهاية كل شهرين تقوم هيئة الزكاة والدخل بمراجعة احتساب الضريبة للبيانات الجمركية عن الفترة ومطالبة المستورد بالفروقات إن وجدت .

ضريبة القيمة المُضافة :
هي ضريبة غير مباشرة ( أي ليست على الدخل مباشرة ) تفرض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها أو بيعها من قبل المنشآت (هناك استثناءات ستأتي لاحقا ).
تفرض ضريبة القيمة المُضافة في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمداد ، إبتداءً من الانتاج ومرورًا بالتوزيع وحتى مرحلة البيع النهائي للسلعة أو الخدمة .
يدفع المستهلك تكلفة ضريبة القيمة المُضافة على السلع والخدمات التي يشتريها للمنشآت وبدورها تقوم المنشآت بدفعها للحكومة وتسترد ضريبة القيمة المُضافة التي دفعتها على مدخلات الانتاج .
ومن الجدير بالذكر أن ضريبة القيمة المُضافة ظلت تدرس في مجلس التعاون أكثر من عشر سنوات وحظيت بمناقشات ودراسات وورش عمل بالتعاون مع البنك الدولي إلى أن اعتمد مجلس التعاون الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة الموحدة في يونيو ٢٠١٦ وتضمنت الاتفاق على النسبة ٥ في المائة وعلى الأطر وآليات التنفيذ والسلع والخدمات والقطاعات المستثناة من فرض الضريبة
وأعطت المادة ٢٩ من الاتفاقية مرونة للدول الأعضاء بأن تعفي أوتخضع للضريبة بنسبة صفر القطاعات التالية:
⁃ قطاع التعليم
⁃ القطاع الصحي
⁃ القطاع العقاري
⁃ قطاع النقل المحلي
⁃ قطاع النفط والغاز
⁃ وسمحت لها باستثناء بعض الجهات( الحكومية ، والخيرية والنفع العام …)
⁃ وقد صادقت المملكة على الاتفاقية الموحدة في فبراير ٢٠١٧، وأصدرت نظام ضريبة القيمة المُضافة واللائحةالتنظيم​ية له وقررت تطبيقها إبتداءً من الأول من يناير ٢٠١٨ .
⁃ واستثنى النظام السلع والخدمات التالية :
١-الأدوية والاجهزة الطبية المحددة والمعتمدة من وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء.
٢-بعض الخدمات المالية مثل الحسابات الجارية والايداع والتوفير والفائدة على القروض وبطاقات الائتمان والرهن والتمويل التأجيري .
٣-إيجارات العقارات السكنية.
٤-الخدمات الحكوميةمثل تجديد جوازات السفر ورخصة القيادة .
٥-توريدات استثمارات الذهب والفضة والبلاتين على أن لايقل نقاؤها عن٩٩في المائة وقابلة للتداول في سوق السبائك العالمية.
٦- النقل الدولي .
٧- الصادرات إلى خارج دول مجلس التعاون الخليجي .
– والمنشآت الملزمة بالتسجيل لأغراض هذه الضريبة تلك المنشآت التي تكون ايراداتها ٣٧٥ ألف ريال أو أكثر . وقد ألزمت الهيئة المنشآت المؤهلة التي تزيد ايراداتها عن مليون ريال بالتسجيل في موعد لايتجاوز ٢٠ ديسمبر ٢٠١٧ بينما منحت المنشآت الصغيرة التي تتراوح ايراداتها مابين ٣٧٥ ألف و مليون ريال مهلة حتى ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨ .
⁃ والاجراءات اللازمة لتطبيق هذه الضريبة دقيقة وطويلة ولذلك لم تطبق حتى الآن وابتداءً من يناير القادم إِلَّا في المملكة والإمارات نظرا لاستعدادهما المبكر لتطبيقها خلافاً لبقية دول المجلس .
وهذه الضريبة هي أوسع الضرائب انتشارًا حيث تطبق ضريبة القيمة المُضافة في ١٦٠ دولة، وتختلف نسبة الضريبة من دولة إلى أخرى مابين ٥ في المائة إلى ٢٢ في المائة . وتعد هذه الضريبة مصدرا رئيسا للإيرادات الضريبية التي تساهم في ايرادات الموازنة العامة ؛ حيث تشكل على المستوى العالمي حوالي ربع الإيرادات الضريبية الكلية وما يقارب ٥ في المائة من الناتج المحلي الاجمالي ؛ وذلك لشمولها معظم السلع والخدمات .

ولضريبة القيمة المُضافة ايجابيات وسلبيات .
فهي تنوع مصادر الإيرادات الحكومية وتقلص العجز في الموازنة العامة وفي حال الدول النفطية تقلل من الاعتماد على ايرادات النفط ، يضاف إلى ذلك أنها قد تساعد على ترشيد الاستهلاك ، وأنها ليست متحيزة ضد الادخار والاستثمار .وتشجع على التصدير .
ومن سلبياتها أنه يتحملها المستهلك وتفرض بنِسَب متساوية على الجميع دون أخذ مستوى الدخل في الاعتبار ،وترفع أسعار السلع والخدمات مما قد يؤدي إلى زيادة في معدل التضخم،وقد تؤدي إلى تراجع في مستوى الإنفاق العائلي ما لم يعوّض بزيادة في الإنفاق الحكومي المحلي.

تعقيب
أ.محمد فهد العمران

بالنسبة لضريبة السلع الإنتقائية (الضارة) فلا يختلف أحد على أهميتها للمجتمع السعودي ليس من المنظور الإقتصادي فقط بل من المنظور الإجتماعي و الصحي حيث أنها ستسهم بشكل كبير في رفع مستوى الوعي بالسلع الضارة و ستعمل حتماً على تقليل إستهلاك هذه السلع الضارة من خلال زيادة إيرادات الدولة بآلية تسمح للدولة بالتدخل المباشر بشكل يتماشى كثيراً مع مفهوم النظرية الكينزية الشهيرة (تماماً كما فعلت الدولة سابقاً مع صندوق الموارد البشرية الذي يتم تمويله من فرض رسوم على العمالة الأجنبية).

الآن من المنظور الإقتصادي، من المتوقع أن تدر ضريبة السلع الإنتقائية (الضارة) إيرادات مباشرة للدولة ستتراوح ما بين 10-15 مليار ريال سنوياً، لكن المهم هنا أن تطبيق هذه الضريبة و الذي بدأ العمل بها في أبريل 2017م سيحقق وفورات كبيرة جداً للدولة (و تحديداً في موازنات وزارة الصحة) أو حتى الأفراد أنفسهم في المستقبل البعيد من خلال تقليل إحتمالات أصابتهم بالأمراض المرتبطة بالسلع الضارة و هي وفورات بمبالغ ضخمة يصعب قياسها بلا شك لكنها مهمة جداً من المنظور الصحي و الإجتماعي.

أما ما يتعلق بتطبيقها فهي سهلة و مرنة بالمقارنة مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة، حيث أن تطبيق ضريبة السلع الإنتقائية (الضارة) سيركز فقط على الإقرارات الضريبية و الفواتير التي تصدر من المصنع الداخلي و المستورد، و هي عملية تمت بسهولة و لم تواجه أي عقبات منذ بدء تطبيقها و حتى الآن.

بالنسبة لضريبة القيمة المضافة، فهي ضريبة أكثر تعقيداً و أكثر أهمية (على الأقل بالنسبة للدولة) حيث أن الإيرادات المتوقعة للدولة ستترواح ما بين 25-35 مليار ريال سنوياُ فيما سيسهم تطبيق هذه الضريبة في ترشيد و تقنين الإنفاق (خصوصا الإستهلاكي منه) و بشكل كبير مع إرتفاع أسعار غالبية السلع و الخدمات بنسبة 5% و هذا بدوره سيؤدي إلى إرتفاع التضخم (تكاليف المعيشة) بنسبة لن تقل عن 4% إعتباراً من يناير 2018م و هذا ما ذكره الدكتور ناصر في ورقته ضمن السلبيات المرافقة لتطبيق الضريبة.

على الرغم من أن هذه الضريبة سيتحملها المستهلك النهائي، إلا أن تطبيقها سيشمل جميع الكيانات من شركات و مؤسسات و أفراد على شكل سلسلة كما أوضح ذلك أيضاً الدكتور ناصر في ورقته. فمثلاُ سيتضمن الإقرار الضريبي لصاحب العقار التجاري مبلغ إضافي بنسبة 5% على قيمة الإيجارات التجارية يدفعها مباشرة للدولة، بعد ذلك سيتضمن الإقرار الضريبي للمستأجر التجاري طلب إسترداد 5% التي دفعها لصاحب العقار مع سداد مبلغ إضافي بنسبة 5% على أسعاره من بيع السلع و الخدمات، و هكذا دواليك مع تاجر التجزئة حتى تصل للمستهلك النهائي الذي سيتحمل دفع 5% من قيمة السلع و الخدمات دون أي حق لإسترداد أي مبلغ.

يجب الإشارة إلى أن هناك بعض المشاكل التي ستواجه تطبيق ضريبة القيمة المضافة، منها مثلاً عدم وضوح آلية التطبيق بين المحاسبين في كيانات القطاع الخاص من شركات و مؤسسات فردية و أفراد و لدى العاملين في الهيئة العامة للزكاة و الدخل، و عدم وضوح من سيتوجب عليه التسجيل في ظل إعتقاد الأفراد أنهم سيكونون معفيين من التسجيل، و عدم وضوح كيفية تعبئة الإقرارات الضريبية و سدادها بحكم أنها تجربة جديدة لأول مرة.

في الختام أتفق تماماً مع ذكره الدكتور ناصر في سرده للإيجابيات و السلبيات المتعلقة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، و هنا يجب ملاحظة تلميح معالي وزير المالية مؤخراً لوسائل الإعلام عن إحتمال تبني الدولة لسياسة مالية توسعية في الموازنة العامة لعام 2018م ستعتمد على زيادة جيدة في الإنفاق الحكومي و هي في رأيي الشخصي إشارة إلى رغبة الدولة في تخفيف الأثار السلبية المتوقعة لإرتفاع التضخم و هو بلا شك تصرف حكيم آخذين في الإعتبار أن أثر إرتفاع التضخم سيكون مؤقت حيث من المتوقع أن يتوقف هذا الإرتفاع إعتبارا من بداية 2019م بإذن الله تعالى.

تعقيب
أ.جمال ملائكة

أود أن أطرح هنا ما يتعلق بأهمية الضريبة المضافة و الجدل الذي نسمعه بخصوصها. كما أشار الدكتور ناصر تقريبآ تطبق كل دول العالم الضريبة المضافة بنسبٍ مختلفة و تعتبر نسبة ال ٥٪‏ (وشخصيا اري زيادتها في “الوقت المناسب”) من أدني النسب و هي ضرورية جدا لموازنة الدول و تنويع مصادر الدخل للموازنة خاصة في بلد يعتمد اعتماداً شبه كلي علي النفط و بالتالي ففرض الضرائب بكافة انواعها وليس فقط المضافة أمرٌ حيوي لأسباب واضحة. و لكن هناك شروط أيضآ “حيوية” لتطبيق الضريبة المضافة و غيرها من الضرائب:
١- أن يتم دعم ذوي الدخل المحدود و يتم احتساب ذلك بإحترافية شديدة.
٢- أن يتم الإستمرار بمحاربة الفساد بكافة أشكاله.
٣- أن يتم تقديم الخدمات بأعلي معايير الكفاءة التشغيلية و الادارية (كون دخل الضريبة يُوجه لهذه الخدمات و من حق الناس أن تجد الخدمة لقاء ما سددته من ضرائب). و هنا نلفت الانتباه انه لا بد من حسن اختيار المؤهلين و الشرفاء لادارة منشآت الخدمات العامة.
٤- لا ارى من بأس ان تُطبق المضافة على الجميع لأن ذوي الدخل المحدود يتم دعمهم.
٥- طالما يسدد الشعب ضرائب للدولة فمن حق الشعب المراقبة و المساءلة والحساب.
و لا بد من الوصول إلى “آلية” لذلك والعالم ملئ بهذه الأليات.
و بالنسبة للضريبة الإنتقائية فهي ضرورية جدا جدا لحماية الصحة العامة و أيضآ توجيه بعض مداخيل هذه الضريبة للخدمات الصحية التي تتسبب بها تناول المنتجات الضارة. و المفترض ان تكون هذه الضريبة عالية جدا للحد من الأضرار إلى أدني حدٍ ممكن.
أما بالنسبة لما سيحدث من تضخم فهو أمرٌ واقعي علي الشعب التأقلم معه بإعادة حسابات مصروفاته و يقوم بالتقليل مما ليس منه ضرورة او حتي وقف الصرف علي بعض البنود غير الضرورية فالشعب السعودي مثله مثل أي شعب في العالم عليه التأقلم مع الظروف الاقتصادية المتغيرة خاصة أن الدعم سيكون موجهآ لذوي الحاجة، و الله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *