الورقة الرئيسة: استراتيجية المملكة العربية السعودية في مواجهة التغير المناخي ومساهمتها على مستوى الدول العشرين
كاتب الورقة الرئيسي:
د. عبدالله العرفج
المعقبان:
د. ابراهيم القنبيط؛ د. محمد العامر
مديرالحوار.
اللواء فاضل القرني
توطئة
يعتبر التغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية أحد التحديات الرئيسية التي تواجهنا في القرن الحادي والعشرين. بسبب تراكم الغازات الدفيئة المنبعثة في الغلاف الجوي (Greenhouse Gases)، من المتوقع أن تزداد وتيرة وكثافة التغيرات المناخية في أشكال متعددة كالزيادة في متوسط درجة الحرارة، وغزارة الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف [1]. تشكل هذه الظواهر مخاطر وجودية على صحة الإنسان، وجودة الحياة، وسبل العيش، والأمن الغذائي، وإمدادات المياه، والأمن والنمو الاقتصادي [1]. و لهذا السبب، أصبحت الحكومات وقادة الدول أكثر قلقًا بشأن هذه القضية وقدموا تعهدات وخططًا مختلفة لمكافحة تغير المناخ. ومن المشجع ملاحظة الالتزام والاهتمام المتزايد للحد من تغير المناخ إلا أن حجم التحدي والحاجة الملحة للعمل تعني أن القرارات التاريخية والاستثمارات والتنسيق بين قادة العالم بات أمرا حتميا. عندما يتعلق الأمر بالقرارات التاريخية والجريئة، فقد حددت المملكة العربية السعودية في ظل رؤية قيادتها الحكيمة المعيار من خلال مبادرة السعودية الخضراء والتي تساهم في دعم العمل لمكافحة تغير المناخ [2]. كما عُرضت سابقا مبادرة اقتصاد الكربون الدائري خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي استضافتها المملكة العام الماضي لتعزز رؤية صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالتزام السعودية بالحلول المجدية التي لا تخفض انبعاثات الكربون فحسب، بل تضمن أيضًا استقرار أسواق الطاقة العالمية.
سأناقش في هذه الورقة موضوع تغير المناخ من خلال بيان مصادره وآثاره والجهود الرسمية لمعالجته. بعد ذلك، سأناقش استراتيجية المملكة للتخفيف من هذه الآثار وكيفية التكيف معها وألقي الضوء على ما يميزها عن بقية اقتصادات العالم الرئيسية. أختم الورقة بذكر بعض القرارت والتغييرات اللممكنة لتحقيق أهداف هذه الاستراتيجية.
ماهو التغير المناخي وماهي أسبابه؟
يعرف المناخ بأنه متوسط حالات الطقس على المدى الطويل لعدة مؤشرات مثل درجة الحرارة، وهطول الأمطار، والرطوبة [3]. لذلك يتعلق تغير المناخ بالتغيرات طويلة المدى التي تحدث على مثل هذه العوامل. ويشير تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية تحديدًا إلى التغيرات التي لوحظت في مناخ الأرض منذ أوائل القرن العشرين [3]. هذه التغييرات الأخيرة مدفوعة بزيادة في متوسط درجة حرارة سطح الأرض والذي يعرف بالاحتباس الحراري. يُعزى هذا الاحتباس الحراري بشكل أساسي إلى إطلاق الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عن طريق الأنشطة البشرية، ولا سيما حرق الوقود الأحفوري [3]. وهناك أدلة علمية واضحة على التوافق بين التزايد الملحوظ في تركيز ثاني أكسيد الكربون (وهوأهم الغازات الدفيئة) في الغلاف الجوي والزيادة المقاسة في متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض [4].
تؤكد تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) على الحاجة إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، أعلى من مستويات ما قبل عصر الصناعة، بحلول عام 2100 من خلال التخفيض السريع لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون حتى تصل إلى الصفر الصافي بحلول منتصف القرن وذلك لتجنب أسوأ تبعات تغير المناخ[1]. هذا يعني أنه حتى القليل من الارتفاع في متوسط درجة الحرارة خلال العقود القادمة قد يتسبب في عدم تحقيق هذا الهدف نظراً لأن متوسط درجة حرارة سطح الكوكب قد زاد بمقدار 1.18 درجة مئوية منذ أواخر القرن التاسع عشر اعتبارًا من عام 2020 [3].
يناقش القسم التالي المخاطر المرتبطة بارتفاع درجة حرارة سطح الأرض والمؤدي إلى تغير المناخ وأسباب تصاعد المخاوف والجهود المبذولة للتخفيف من ذلك.
ما مدى خطورة التغير المناخي وسبب الاهتمام به؟
يمثل تغير المناخ تهديدًا كبيرًا لتطور الحضارة البشرية وازدهارها ويعتبر الفشل في الحد من الاحتباس الحراري مؤديا إلى تغييرات طويلة المدى في النظام المناخي مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، والحرارة العالية، والجفاف في بعض المناطق، وهطول الأمطار الغزيرة مع الأعاصير والعواصف في مناطق أخرى [1]. ومن أكثر الآثار المرتقبة هو ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر العالمي نتيجة ذوبان الجليد الأرضي والتمدد الحراري للمحيطات نتيجة لارتفاع درجة حرارتها [3]. يعتمد مقدار ومعدل هذا الارتفاع على مسارات الانبعاثات المستقبلية [1]. وهنا تبرز أهمية العمل على تخفيف وتيرة ارتفاع معدل الاحتباس الحراري لإتاحة مزيد من الوقت للتكيف مع ارتفاع مستوى سطح البحر في المناطق الساحلية. بالنسبة للمناطق ذات المناخ الحار، مثل منطقة الخليج العربي، فمن المتوقع أن تزداد حدة موجات الجفاف والحرارة مع تفاقم تغير المناخ [3]. ستستمر حرارة فصول الصيف في الارتفاع بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وفقدان رطوبة التربة، وزيادة الرطوبة. وفقًا لوكالة ناسا فإن الظواهر المتطرفة والنادرة ستصبح أكثر تواترًا وشدة. يشمل هذا الأعاصير القوية المتكررة، موجات المد والجزر العالية، والفيضانات. من المتوقع أيضًا أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة درجة حرارة المحيطات، وحموضتها بسبب امتصاص المحيطات لثاني أكسيد الكربون، وانخفاض مستويات الأكسجين فيها [3،4]. وبالتالي، ينذر تغير المناخ بخسائر في التنوع البيولوجي البحري، ومصايد الأسماك، والنظم البيئية، ووظائفها وخدماتها للبشر [1].
لجميع الأسباب السابق ذكرها، تتزايد الجدية في معالجة تغير المناخ إضافة إلى أن الدراسات الحديثة تُظهر مدى عدم كفاية الإجراءات والسياسات العالمية الحالية في معالجة هذه القضية المعقدة على الرغم من التقدم المحرز خاصة بعد اتفاقية باريس 2015 حيث أن نافذة الحد من تغير المناخ إلى 1.5 درجة مئوية تتضائل بسرعة [5]. يتطلب مثل هذا التحدي غير المسبوق استراتيجيات غير تقليدية لتحقيق الهدف المزدوج المتمثل في مكافحة تغير المناخ بقوة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي بشكل فعال. يسرد القسم التالي ما تفعله حكومات العالم لمكافحة تغير المناخ وتعهداتها بمستقبل خال من الكربون.
ماذا فعلت الحكومات لمواجهة هذا التحدي وماهي أبرز الخطط المستقبلية بهذا الصدد؟
تصاعد اهتمام حكومات العالم لمكافحة تغير المناخ من خلال زيادة اكتشافات ذوبان الأنهار الجليدية، ومتوسط درجة حرارة الأرض، والظواهر المتطرفة. كما تم تعزيز هذا الاهتمام من خلال الضغط من الجماعات البيئية ودعاة الطاقة المتجددة خاصة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). بدأت الجهود المبذولة للتوصل إلى إجماع عالمي من أجل “الاعتراف بأن التغير في مناخ الأرض وآثاره الضارة هي مصدر قلق مشترك للبشرية” باتفاقية ريو دي جانيرو الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCC) [6]. مع انضمام 197 طرفًا إليها، بما في ذلك المملكة في عام 1994، كانت هذه المعاهدة الدولية خطوة رئيسية أولى نحو بناء الوعي الجماعي بأزمة المناخ الوشيكة. تبع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1997 بروتوكول كيوتو والذي نص صراحة على حدوث تغير مناخي من صنع الإنسان من خلال الغازات الدفيئة. كما قدمت المعاهدة لأول مرة التزامات من خلال توقيع الدول على أهداف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة مع مساهمات محددة من الدول المتقدمة. وتبعتها عدة اتفاقيات ومؤتمرات للأطراف بشأن تغير المناخ، ومع ذلك، فإن ما تفتقر إليه كل هذه الاتفاقيات هو آلية للتوزيع العادل لأهداف خفض الانبعاثات وتدابير فعالة للمساءلة تؤدي إلى مساهمات ملزمة للدول.
كانت اتفاقية باريس 2015 والتي نتجت عن معاهدة مؤتمر الأطراف (21 COP) علامة تاريخية في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. كانت الاتفاقية عبارة عن معاهدة دولية فريدة ملزمة بهدف واضح يتمثل في الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية، ومتابعة الجهود من أجل 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية [6]. تتطلب الاتفاقية من كل دولة موقعة تقديم مساهمة وطنية محددة (NDC) توضح الجدول الزمني لخفض الانبعاثات المخطط لها بما يتفق مع هدف المعاهدة المتمثل في في الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية. اعتبارًا من مارس 2021، أصبح ال 191 عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أطرافًا في اتفاقية باريس التي تعمل على دورة مدتها 5 سنوات من العمل المناخي الطموح الذي ستقوم به الدول الموقعة [6]. على الرغم من التقدم الهائل الذي أحرزته اتفاقية باريس في تمهيد الطريق للعمل العالمي، إلا أن غالبية الدول المشاركة لم تتمكن من الوفاء بتعهداتها والتي تبين أيضًا أنها غير كافية لإبقاء متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من 2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة [5]. مع مرور الوقت ولتجنب أسوأ نتائج التغيرات المناخية، وبينما تتدافع البلدان لتحسين اقتصاداتها مع تحقيق أهدافها البيئية، فإن الحاجة ملحة إلى خارطة طريق ذات رؤية للتنمية المستدامة في عالم مقيد بخفض الكربون. لا تأتي الحلول الملهمة إلا من موقع القيادة الطموحة المستعدة لكسر الوضع الراهن. تتمثل رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في أن توسع المملكة العربية السعودية وجودها وحضورها العالمي إلى ما وراء المجالات الجيوسياسية وعالم الطاقة ليشمل المشهد المتطور للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. في القسم التالي، أسرد العديد من المبادرات السعودية لإعداد عالمنا للمناخ المتغير.
ما الذي يميز استراتيجية المملكة ورؤيتها في مجابهة هذا التحدي؟
لكي تنجح استراتيجية تغير المناخ، يجب أن تتكون من مهمتين. الأولى هي التخفيف من آثار تغير المناخ (Mitigation) عن طريق خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وإزالة الكربون من الغلاف الجوي، واحتجاز الكربون وتخزينه. تقدم استراتيجية المملكة العربية السعودية لاقتصاد الكربون الدائري التي أقرها قادة مجموعة العشرين نظامًا واقعيًا وفعالًا للتخفيف. تقدم المبادرة حلا وسطا مهما أمام الأهداف المتنافسة للتخفيف من تغير المناخ وجدواها من خلال الاستفادة من البنية التحتية الحالية للطاقة وتعديلها لتشمل التقاط الكربون وإعادة استخدامه وتدويره. يعتبر اقتصاد الكربون الدائري مفهومًا براجماتيا بإمكانه أن يوفر اتجاهًا لمستقبل مستدام يتجنب الحلول التقنية باهظة التكلفة التي تدعو إليها الأطراف الأخرى مثل تقرير “Net Zero بحلول عام 2050” الصادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) والذي يروج لـ “تحول سريع بعيدًا عن الوقود الأحفوري” [10]. يستند الانتقاد الأخير لتقرير وكالة الطاقة الدولية من قبل صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان (وزير الطاقة السعودي) إلى العواقب الوخيمة المحتملة على أسواق الطاقة العالمية في حالة تحقق سيناريوهات وكالة الطاقة الدولية والتي تدعي الحقوق الحصرية لهدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. يعد مزيج الطاقة المتنوع الذي يعيد تدوير الكربون أكثر اتساقًا مع التطور الطبيعي للبنية التحتية للطاقة التي تمت ملاحظتها عبر القرون. سيكون التخلص المبكر والسابق لأوانه من الوقود الأحفوري وسيطرة مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الموصى به من قبل وكالة الطاقة الدولية أكثر تكلفة، كما أنه سيعيق تنمية الاقتصادات الناشئة.
تظهر الأبحاث الحديثة أيضًا أن مصادر الوقود الأحفوري تتباين في أثرها البيئي وشدة انبعاثاتها من الكربون. تعد انبعاثات الغازات الدفيئة من انتاج ومعالجة ونقل وتكرير النفط الخام السعودي من بين أدنى المعدلات في جميع أنحاء العالم [8،9]. وهذا يعني أنه في مستقبل اقتصاد تدوير الكربون ، ستشمل محفظة الطاقة المتنوعة ما تبقى من براميل البترول الأقل تكلفة وشدة غازات الدفيئة. وتسمح التكلفة المنخفضة والهوامش العالية لهذه الأنواع من النفط الخام بالاستثمار في التقاط الكربون وتخزينه في عمليات المنبع والمصب، وبالتالي إنتاج منتجات بترولية قريبة من الصفر الكربوني لقطاعات البتروكيماويات والنقل. إن رؤية اقتصاد تدوير الكربون تعني تعزيز الريادة السعودية العالمية في مجال الطاقة ، وهو أمر ترى مجموعات المصالح الخاصة أنه مبرر كافٍ لرفض الحلول الأكثر واقعية وفعالية من حيث التكلفة من أجل ترسيخ الهيمنة التكنولوجية في العالم الجديد الخالي من الكربون. إن الهدف هو تقليل الكربون لإبطاء الاحتباس الحراري وتغيير السردية إلى شيطنة الوقود الأحفوري لن يؤدي إلا إلى زيادة الخلافات وتأخير العمل. تم الاعتراف بهذه الحقيقة من قبل قادة العالم خلال قمة مجموعة العشرين من خلال تأييد الاستراتيجية التي تتبناها المملكة العربية السعودية ، وهو الأمر الذي من الواضح أنه أزعج العديد من الجهات الفاعلة ومراكز الفكر الغربية.
علاوة على ذلك ، ، أخذت المملكة العربية السعودية زمام القيادة في التعهد بخفض انبعاثات الكربون بأكثر من 4٪ من المساهمة العالمية على الرغم من أنها حققت 1.86٪ فقط من الانبعاثات العالمية في عام 2019 من خلال مبادرة الشرق الأوسط الخضراء [2،10]. وهذا يعني أن مساهمة المملكة العربية السعودية في الحد من انبعاثات الكربون ستزيد عن ضعف حصتها الحالية من الانبعاثات العالمية. كما ستعطي المبادرة الأولوية للاستثمار في الطاقة المتجددة بهدف زيادة حصتها في محفظة الطاقة من 0.3٪ إلى 50٪. وهذا يؤكد إدراك صانعي القرار في المملكة لحجم التحدي المتمثل في إزالة الكربون الذي سيتطلب التآزر بين مصادر الطاقة المتجددة ومصادر الطاقة التقليدية لزيادة الموثوقية (Reliability) والقدرة على تحمل التكاليف. هذا شيء للأسف غالبًا ما تتجاهله سياسات وتقارير المناخ العالمية الأخرى مثل وكالة الطاقة الدولية التي تحث على الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100 ٪. ، تستند الاستراتيجية السعودية بشكل عام في التخفيف من آثار تغير المناخ إلى تنويع محفظة الطاقة من خلال اعتماد مصادر الطاقة المتجددة وكذلك إلى تقنيات احتجاز الكربون.
تستهدف المبادرة الخضراء أيضًا اتقاط الكربون من خلال العمليات الطبيعية عن طريق زراعة الأشجار. مع وجود 10 مليارات شجرة ستُزرع في جميع أنحاء المملكة في العقود القادمة، لن يكون هذا المشروع بمثابة مكمن ضخم لاحتجاز الكربون فحسب ، بل سيكون أيضًا استثمارًا كبيرًا للتكيف مع تغير المناخ (Adaptation) وهو الجزء الثاني من أي استراتيجية مناخية فعالة. ستساعد النباتات المزروعة في تبريد البيئة من خلال توفير الظل وكذلك من خلال التبخير (Evapotranspiration)[11]. ولهذا فإن الاستثمار في مثل هذه المزروعات الواسعة الانتشار أمر بالغ الأهمية لتخفيف آثار تغير المناخ والتكيف مع ظروف الاحتباس الحراري. تولي الرؤية المناخية السعودية اهتمامًا خاصًا للحفاظ على البيئة حيث يعد فقدان التنوع البيولوجي في البر والبحر أحد الآثار المتسارعة لتغير المناخ كما تم ذكره أعلاه، فإنه يشكل مخاطر كبيرة على قابلية المناطق للعيش الانساني. ستأخذ المبادرة الخضراء العمل الحالي بشأن المناطق المحمية إلى مستوى آخر من خلال رفع النسبة المئوية للمناطق المحمية إلى أكثر من 30٪ من إجمالي مساحة البلاد [2]. إن استراتيجية المناخ السعودية ستضعها كرائدة في مجالي التخفيف (Mitigation) والتكيف (Adaptation) والمحافظة (Conservation) مع خطط قابلة للتنفيذ وأهداف مدروسة تعزز التحول نحو اقتصاد مستدام وفقًا لرؤية المملكة 2030.
ما هي الخطوات التي يوصى بها لتمكين استراتيجية المملكة للتغير المناخي؟
يتطلب تحقيق تعهد مبادرة المملكة الخضراء بخفض كبير لانبعاثات الكربون يشكل أكثر من 4٪ من المساهمة العالمية اهتمامًا خاصًا ليس فقط لجانب إنتاج الطاقة وإمداداتها (supply) كمصادر الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وما إلى ذلك ولكن أيضًا إلى جانب الطلب على الطاقة (Demand). تشمل بعض عوامل التمكين لخفض البصمة الكربونية لاستهلاك الطاقة السعودي ما يلي:
- إجراءات أكثر صرامة لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعين السكني والتجاري. على وجه الخصوص ، تقديم حلول لتحسين كفاءة أنظمة التهوية وتكييف الهواء والعزل الحراري حيث ستصبح موجات الحرارة والعواصف الرملية أكثر شدة وتكرارًا في منطقتنا.
- الاستثمارات في البنية التحتية للنقل العام منخفض الكربون مثل الحافلات الكهربائية والقطارات عالية السرعة. هذه الاستثمارات ستكون مجدية فقط إذا صاحبها تخطيط المدن الذي يزيد الكثافة ويحد من الامتداد الأفقي (Urban sprawl) ويقصر مسافات الرحلات. يجب أن يكون ذلك مصحوبًا أيضا بتمكين النقل النشط مثل المشي وركوب الدراجات في المهام اليومية بالإضافة إلى الأغراض الترفيهية. يحتضن مشروع LINE الذي أعلنه الأمير محمد بن سلمان في نيوم هذه الرؤية لمدينة ذات قدرة تنقل محسّنة خالية من الكربون ولتحقيق استراتيجية المناخ السعودي ، يجب على جميع المدن السعودية الكبرى أن تحذو حذوها.
- مع تزايد عدم المتغيرات وعدم الوضوح بشأن الظروف المناخية المستقبلية ، والعرض والطلب على الطاقة ، والتغيرات الاجتماعية، فإن الحاجة ملحة إلى نماذج وبيانات تنبؤية (Predictive models) أفضل لإبلاغ عملية صنع القرار. لهذا السبب أوصي بإنشاء مركز سعودي لأبحاث تغير المناخ والذكاء الاصطناعي تحت مظلة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA). سيقدم المركز مدخلات مهمة للعديد من أصحاب القرار في القطاعين الحكومي والخاص بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
- التنبؤ بالعرض والطلب على الطاقة: مع زيادة الضبابية في حالة الطقس بسبب تغير المناخ ، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تقديم تنبؤات أكثر دقة مكانية في وقت وجيز
- تقليل الانبعاثات من البنية التحتية للطاقة: عن طريق استخدام تعليم الآلة لكشف تسربات الميثان (أحد غازات الدفيئة القوية) ومنع تسربه
- نمذجة الطلب على وسائل النقل: يمكن أن تساعد خوارزميات تعليم الآلة وجمع البيانات الضخمة في اتخاذ قرارات البنية التحتية من خلال نمذجة استخدام النقل الحالي والتنبؤ بالطلب المستقبلي
- إزالة ثاني أكسيد الكربون وعزله: يعد احتجاز ثاني أكسيد الكربون أحد ركائز إطار اقتصاد تدوير الكربون. يمكن أن يساعد المركز في تطوير أبحاث بغرض تحديد المواقع الواعدة لحبس الكربون وكذلك مراقبة هذه المواقع لمنع التسربات.
هذه بعض المبادرات التمكينية اللازمة لكي تحقق استراتيجية المناخ في المملكة أهدافها ولتكتسب ميزة تنافسية في العصر الجديد للاقتصاد العالمي الخالي من الكربون. التغييرات التي ستحدث في العقود المقبلة بسبب أزمة المناخ قد تكون مدمرة ولها عواقب جيوسياسية ومالية كبيرة. ستكون الدول ذات المستويات العالية من الاستعداد التكنولوجي والسياسي والاقتصادي أكثر جاهزية لاتخاذ قرارات قوية لحماية مصالحها. إذا استمرت استراتيجية المناخ في المملكة في التحول إلى سياسات قابلة للتنفيذ ومشاريع نوعية مثل تلك التي تمت مناقشتها هنا، فأنا على ثقة من أن المملكة العربية السعودية ستكون هي الرائدة عالميًا في مكافحة تغير المناخ في العقود المقبلة بإذن الله.
المراجع:
- The Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC). Special Report: Global Warming of 1.5 ºC https://www.ipcc.ch/sr15/chapter/spm/
- Saudi Green Initiative https://saudigreeninitiative.org/
- NASA Global Climate Change https://climate.nasa.gov
- S. Department of Commerce. National Oceanic and Atmospheric Administration https://www.noaa.gov/
- Peters, G., Andrew, R., Canadell, J. et al. Key indicators to track current progress and future ambition of the Paris Agreement. Nature Clim Change 7, 118–122 (2017). https://doi.org/10.1038/nclimate3202
- United Nations. Climate Change https://unfccc.int/
- International Energy Agency, Net Zero by 2050 A Roadmap for the Global Energy Sector. Flagship report — May 2021 https://www.iea.org/reports/net-zero-by-2050
- Masnadi, Mohammad S., Hassan M. El-Houjeiri, Dominik Schunack, Yunpo Li, Jacob G. Englander, Alhassan Badahdah, Jean-Christophe Monfort et al. “Global carbon intensity of crude oil production.” Science 361, no. 6405 (2018): 851-853. https://science.sciencemag.org/content/361/6405/851
- Jing, Liang, Hassan M. El-Houjeiri, Jean-Christophe Monfort, Adam R. Brandt, Mohammad S. Masnadi, Deborah Gordon, and Joule A. Bergerson. “Carbon intensity of global crude oil refining and mitigation potential.” Nature Climate Change 10, no. 6 (2020): 526-532. https://www.nature.com/articles/s41558-020-0775-3
- International Energy Agency, Global CO2 emissions in 2019 https://www.iea.org/articles/global-co2-emissions-in-2019
- S. Environmental Protection Agency, Using Trees and Vegetation to Reduce Heat Islands https://www.epa.gov/