الورقة الرئيسة: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتخصيص في المملكة
كاتب الورقة : د. ناصر القعود
المعقبون:
₋ أ. أحمد علي الشهري
₋ م. أسامة محمد الكردي
₋ م.سالم راشد المري
مدير الحوار
₋ د. عبدالله صالح الحمود
تمهيد
زاد الاهتمام بموضوع التخصيص و الشراكة بين القطاع العام و الخاص من قبل العديد من الدول ؛لما تتطلبه مشاريع البنية الأساسية والتوسع في الخدمات من استثمارات كبيرة ، في ضوء العدد المتزايد من السكان ، وعدم قدرة الميزانيات الحكومية على توفير التمويل اللازم لذلك . يضاف إلى ذلك حرص الدول على تنمية دور القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي ، والاستفادة من قدراته على توفير المنتج بجودة أعلى و بتكلفة أقل .
وقد أولت المملكة العربية السعودية موضوع التخصيص اهتماما مبكرا ، حيث بدأ الاهتمام به في التسعينيات الميلادية ؛ فقد حدد قرار مجلس الوزراء في عام ١٤١٨ أهداف التخصيص في المملكة وأكد على زيادة دور القطاع الخاص من خلاله . وفِي عام ١٤٢٣ صدرت استراتيجية التخصيص ، وأعدت قائمة بعدد من القطاعات المؤهلة للتخصيص.
- ومع التحسن في أسعار النفط بدءاً من عام ٢٠٠٣م ، تباطأ الاهتمام بالتخصيص إلى أن صدرت رؤية المملكة ٢٠٣٠ ، فقد أتى برنامج التخصيص واحدا من برامج تحقيق الرؤية الاثني عشر ، وصدرت وثيقة البرنامج، ووافق مجلس الوزراء في عام ١٤٣٨ على إنشاء ” المركز الوطني للتخصيص ” وتنظيمه ، بغرض تمكين وحوكمة عمليات التخصيص ، وصدر عن المركز عدد من الوثائق ومنها ” دليل مشاريع التخصيص ” الذي ينظم كافة مراحل مشاريع برنامج التخصيص ، والمبادرات المتعلقة بالأنشطة المراد تخصيصها. كما أنشئ مركز الابتكار للتخصيص.
- سبق مناقشة موضوع التخصيص والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في هذا الملتقى من جوانب متعددة .
- وقضية هذا الاسبوع ، حسب مقترح لجنة القضايا ، ستركز على ” الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتخصيص في المملكة ” وهو ما ستتناوله هذه الورقة.
الآثار الاقتصادية و الاجتماعية للتخصيص
يصعب تناول الآثار الاقتصادية و الاجتماعية للتخصيص دون تحديد الأنشطة أو القطاعات المخصصة ؛ فالآثار و النتائج تختلف من قطاع إلى قطاع و من نشاط إلى نشاط، فتخصيص القطاعات الانتاجية غير تخصيص قطاع الخدمات ، وخدمات التعليم والصحة غير الخدمات البلدية أو خدمات الموانئ ، على سبيل المثال . وبدون ذلك يبقى تناول آثار التخصيص مجملاً يبرز الملامح و السمات العامة المشتركة .
الآثار الاقتصادية للتخصيص
تتعدد الآثار الاقتصادية المترتبة على تخصيص الأنشطة و القطاعات الاقتصادية ، ويعبر عنها كأهداف لعمليات التخصيص يرجى تحقيقها . ومن الآثار الاقتصادية للتخصيص مايلي:
١- في إطار التخصيص يمكن انتاج الخدمة أو السلعة بكفاءة مما يعني انتاجها بتكلفة أقل و بجودة أعلى مع سرعة و قدرة على الاستجابة للطلب المتزايد نتيجة نمو السكان والتقدم في التنمية الشاملة .
٢- تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي والتعجيل بتطوير البنية الأساسية والانتاجية .
٣- جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية و توسيع قاعدة الملكية للمستثمرين من الأفراد والمؤسسات و توظيف مدخراتهم .
٤- تولي القطاع الخاص للأنشطة المخصصة ، مع توفر المنافسة والشفافية ، يزيد من توظيف و كفاءة الأيدي الوطنية العاملة في هذه الأنشطة نتيجة تزايد الطلب عليها مع تحسن الخدمة و جودتها.
٥- المساهمة في الاصلاح الاقتصادي و لاسيما المتعلق منه بالموازنة العامة للدولة وتحقيق توازنها ؛ فالتخصيص يحد من الانفاق الحكومي على القطاعات التي يكون من الأجدى تخصيصها، و يمكن الدولة من التركيز على وظائفها الأساسية والسيادية ، ويمكنها كذلك من التركيز على الجانب التشريعي والتنظيمي والرقابة بشكل أكبر على الأنشطة المخصصة. يضاف إلى ذلك حصول الحكومة على إيرادات مباشرة من التخصيص و إيرادات ضريبية بعد التخصيص .
ويمكن في هذا السياق مقارنة ذلك بما ورد في وصف برنامج التخصيص بأنه يهدف إلى ” تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات ، و إتاحة الأصول الحكومية أمامه ، مما يحسن من جودة الخدمات المقدمة بشكل عام ، ويسهم في تقليل تكاليفها ، ويعزز من تركيز الحكومة على الدور التشريعي والتنظيمي المنوط بها ، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحسين ميزان المدفوعات ”
وذكرت وثيقة البرنامج أنه بحلول عام ٢٠٢٠ يستهدف تحقيق مايلي :
١-المساهمة في الناتج المحلي الاجمالي ب ١٣-١٤ مليار ريال.
٢- اجمالي العوائد الحكومية من مبيعات الأصول ٣٥-٤٠ مليار ريال.
٣- صافي وفورات الحكومة من النفقات الرأسمالية و التشغيلية من التخصيص والشراكة مع القطاع الخاص تبلغ ٣٠-٣٥ مليار ريال .
٤-استحداث وظائف جديدة في الأنشطة المخصصة مابين ١٠،٠٠٠-١٢،٠٠٠ وظيفة.
الآثار الاجتماعية
عندما يثار موضوع التخصيص يثار مدى تأثيره على توفر الخدمة أو السلعة و جودتها ، وتكلفة الحصول عليها وأسعارها ، ومدى تمكن مختلف فئات المجتمع من الحصول عليها بأسعار منافسة ومناسبة . كما يثار مدى تأثيره على العاملين في هذا النشاط عند انتقاله من ملاك الحكومة إلى القطاع الخاص ؛ هل سيقل عددهم أو تتناقص أجورهم و مزاياهم أو يزيد عددهم وتتحسن انتاجيتهم ومن ثم تتزايد أجورهم ومزاياهم .
وكلا هذين الأثرين محل خلاف واجتهاد ؛ فهناك من يرى أن قيام القطاع الخاص الأكثر كفاءة بهذا النشاط يحسن جودة المنتج و يتيحه بأسعار أقل ، وأن استجابته أسرع في التواكب مع زيادة الطلب وبالتالي زيادة التوظيف للأيدي الوطنية العاملة .
و هناك من هو أكثر تشاؤماً ويخشى أن يكون تأثير التخصيص سلبيا تجاه العمالة و أجورها و مزاياها وأن بعض الفئات قليلة الدخل قد لا تتمكن من الحصول على الخدمات المخصصة في حال ارتفع سعرها ، كما يشير إلى ذلك بعض الاستطلاعات منها ما قام به المركز الوطني للتخصيص ومنها استطلاع قامت به دراسة أكاديمية عن تخصيص بعض أنشطة الخطوط الجوية السعودية .
و لايمكن الحكم بالجزم على أي اتجاه تتخذه هذه الآثار دون دراسة كل نشاط على حده . وهذا الخلاف يتطلب أن تقوم الحكومة عند دراسة الأنشطة المحتمل تخصيصها ، و بهدف تفادي أي آثار سلبية ، بتحديد مبادئ توجيهية تضمن أن ينتج عن التخصيص ” منفعة حقيقية في تخفيض التكلفة و حسن الأداء و تشغيل المواطنين “.
وبتصفح وثيقة برنامج التخصيص و “دليل مشاريع التخصيص ” الصادر عن المركز الوطني للتخصيص ، يتضح الاهتمام والتأكيد على أن تكون عمليات التخصيص إيجابية للأيدي الوطنية العاملة وللاقتصاد الوطني وتساهم في توفير الخدمات بأسعار منافسة ومناسبة .