الورقة الرئيسة: الاثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتمكين المرأة
₋ د.عبدالسلام الوايل: كاتب الورقة
₋ د. خالد الرديعان: معقب على الورقة
₋ د. مجيدة الناجم: معقب على الورقة
₋ د. مها العيدان: مدير الحوار
مقدمة
يعد تمكين المرأة أحد متطلبات التنمية كما تؤكد على ذلك أدبيات التنمية وخطط النمو الاقتصادي ومكافحة الفقر. وكثيرا ما يقترن مفهوم تمكين المرأة بأهداف تتعدى المرأة كفئة اجتماعية وتعم المجتمع ككل. مثلاً، يقرر البنك الدولي أن تمكين المرأة أحد أساسيات مكافحة الفقر كما أنه أيضا أحد عناصر التنمية، فتمكين النساء لا يقتصر على تحسين أحوالهن كفئة اجتماعية فقط بل ينعكس على المجتمع ككل (Kabeer, 2005)[i]. وتمكين المرأة يؤدي إلى مساواتها بالرجل في الفرص وهو الأمر الذي ترى فيه الأمم المتحدة أنه” حق أساسي من حقوق الإنسان، {وأيضاً} أمر ضروري لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة. وعلاوة على ذلك، فقد ثبت أن تمكين المرأة يحفز الإنتاجية والنمو الاقتصادي” (موقع الأمم المتحدة). وستحاول هذه الورقة وضع عناوين رئيسية لآثار تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا في المجتمعات العربية.
الثقافة العربية وتمكين المرأة
من المعروف ان الثقافة العربية، أو ثقافات الشعوب العربية، تصنف بشكل عام أنها محافظة وأن بنية العائلة في هذه المجتمعات بنية بطركية تقوم على سلطة الأب (الرجل). ويتضمن ذلك توزيع أدوار وتقسيمات للعمل توجه الرجل لأعمال مدفوعة الأجر وذات مقابل مالي مقابل أعمال غير مدفوعة الأجر للمرأة، كرعاية المنزل وساكنيه. وتبرز المقاييس العالمية الترجمة الواقعية لهذا التنظيم الثقافي. فالدولة العربية الأولى في تقرير الفجوة الجندرية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي هي الأمارات، والتي تحتل المرتبة 120 من بين دول التقرير الـ153. كما تحل ست دول عربية في آخر عشرة دول في هذه القائمة. وفيما تسجل الدول العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، تقدما في بعد مشاركة المرأة في التعليم، فإنه لايزال امام المجتمعات العربية الكثير من عمله في أبعاد أخرى للفجوة الجندرية. فالدول العربية تحتل مراتب متأخرة في أبعاد أخرى كبعد “المشاركة”، (أي الفرق في معدل المشاركة في القوى العاملة بين النساء والرجال)، وبعد “التقدم”، (أي نسبة النساء إلى الرجال في المناصب القيادية)، وكذلك فجوة الأجور. كما تبين إحصاءات منظمة العمل الدولية أن البطالة تصيب النساء أكثر من الرجال في المجتمعات العربية بشكل يفوق ما هو حادث في معظم الثقافات، كما تبينه بيانات البطالة إبان آزمة الرهن العقاري قبل حوالي 13 عاما.
بيد أن الثقافة العربية، كما غيرها من الثقافات، تتعرض لتغيرات متسارعة في عصر عولمة الأفكار والقيم والتواصل. ومن الملاحظ تأثير ذلك على مفهوم تمكين المرأة، على الأقل لدى النساء وكل من التشريعات والنظم والمؤسسات التي تحاول اللحاق بركب بقية الأمم في جسر الفجوة بين الجنسين في فرص العمل والقيادة والتعليم وسواها. ويمكن طرح، كفرضية عجلى، وجود تباين في سرعة تغير الثقافات العربية في هذا الاطار لصالح وتيرة أسرع في التغير لدى ثقافات المجتمعات العربية ذات الدخل المرتفع، أي دول الخليج، من سواها من المجتمعات العربية الأخرى فيما يخص المرأة وتمكينها. ويمكن لبعض الدراسات في المجال الاقتصادي، والتي سيتم عرضها أدناه أن تعطي مشروعية لفرضية كهذه.
التمكين الاقتصادي
المعايير الاقتصادية تغيرت كثيراً في العقود الأخيرة وعمت تغيراتها تقسيم عمل من هذا النوع معتبرة إياه من عوائق التنمية والنمو الاقتصادي وأحد ملامح حالة الفقر. كما أن الوعي الحقوقي للمرأة أو بأوضاع المرأة تنامى أيضا. لذا، حدث تغير تنظيمي عميق مختلف مجتمعات العالم نحو تمكين المرأة شمل السياسات والنظم الاقتصادية والاجتماعية والمعايير الثقافية كنتائج متوقعة لتوالي الدعوات ونشاط الحركات الاجتماعية وتزايد وعي الأفراد بقضايا المساواة وتمكين المرأة. وينقل كلا من شملاوي والحيط (2018) عن Aqoor (2015) أن منهاج عمل بكين حدد ستة ستة أهداف استراتيجية للتمكين الاقتصادي للمرأة هي: “تعزيز حقوق المرأة الاقتصادية واستقلالها الاقتصادي بما في ذلك حصولها على فرص العمل الملائمة والسيطرة على الموارد الاقتصادية، وتسهيل سبل وصول المرأة على قدم المساواة إلى الموارد والعمالة والأسواق والتجارة، بالإضافة إلى توفير الخدمات التجارية والتدريب وسبل الوصول للأسواق والمعلومات والتكنولوجيا، واخيرا القضاء على التفرقة الوظيفية وجميع أشكال التمييز في العمل وتعزيزالموائمة بين مسؤوليات العمل والأسرة للنساء والرجال”.
ويعتبر اليوم كل من مفهوم “تمكين المرأة” اقتصادياً و السياسات التي تروم الوصول لهذا النوع من التمكين أمراً شائعاً، خاصة في المجتمعات ذات البنى البطركية. ومن جملة ذلك، ما تشهده المملكة من جهود دؤوبة لتمكين المرأة على طول العقد الماضي، وتسارع ديناميكية التمكين بشكل هائل في الخمس سنوات الأخيرة من هذا العقد. وترصد الدراسات اثار اقتصادية عديدة لتمكين المرأة. فقد أجرت كل من شملاوي والحيط (2018) دراسة لتقدير أثر تمكين المرأة على مشاركتها في القوى العاملة على خمس عشرة دولة عربية مدرجة في التقرير العالمي للفجوة الجندرية. ووجدت الدراسة أن تمكين المرأة كان ذو تأثير دال احصائيا على نسبة مشاركتها في القوى العاملة في المجتمعات العربية ذات الدخل المرتفع (السعودية والكويت وقطر والبحرين وعمان). لكن أثره غير دال احصائيا في المجتمعات ذات الدخل المتوسط والمنخفض (تونس ولبنان والأردن والجزائر[ii] ومصر والمغرب وسوريا وموريتانيا واليمن[iii]). بمعنى أنه يلزم أن يكون الوضع الاقتصادي للبلد أصلا عالي ليتبين تأثير تمكين المرأة على مشاركتها في سوق العمل. وقد تُعزى هذه الفوارق إلى حقيقة أن البلدان العربية مرتفعة الدخل تتسم بُنى أسواق العمل فيها بوجود عاملين أجانب وأن انتشار مفاهيم التمكين ترجم إلى فتح هذه المجتمعات فرص عمل أكثر لنسائها بدلا من الأجانب. وفي كل الأحوال ما تقوله الدراسة أن تأثير مفهوم التمكين على سوق العمل يتضح بشكل أكبر في الدول الخليجية من بقية الدول العربية. ويؤمل أن يساهم التمكين الاقتصادي للمرأة باسنادها لمواجهة غوائل الفقر والحاجة من ناحية والمساهمة في تنمية مجتمعها من ناحية أخرى، فالنساء عادة يشكلن نصف عدد السكان وبجعلهن مشاركات في الإنتاج الاقتصادي فإن ذلك سيعود بالنفع على كافة المجتمع واقتصاده. وتبين دراسة للمسلم (2021)[iv] أن التمكين الاقتصادي للمرأة في البيئات الفقيرة يساهم في تشارك النساء والرجال في دفع غائلة الفقر عن الأسر ويحولها لأسر صانعة للدخل الذي تنفق منه بدل أن تكون أسر معتمدة على مفهوم الاحسان.
الأثار الاجتماعية لتمكين المرأة
يعد هذا المحور محل جدل كبير بين المختصين. فالبعض يطرح المكاسب الاجتماعية لتمكين المرأة، من قبل التحول إلى الإنتاج بدل الاعتماد على الذكور في الدخل والحصول على المال ومكافحة الفقر وإشغال الوقت وتحول المرأة لشخص منتج بدل من البطالة وعدم القيام بأي عمل، حتى داخل المنزل ومشاركة المرأة بالتنمية وزيادة رأس المال البشري للمجتمع ككل بتحويل النساء لقدرات خلاقة ومبدعة ومنتجة وأن هذا يعود كله بالنفع على المجتمع. فيما يطرح آخرين مخاوف من الاثار السلبية لتغير أدوار المرأة وتحولها من لعب الأدوار المعهودة من رعاية البيت والابناء إلى أدوار الإنتاج الاقتصادي والترقي المهني وأن ذلك سيرافقه تفكك أسري وانخفاض التكافل العائلي وزيادة الفردية بشكل يهدد التماسك الاجتماعي ككل. لكن يلاحظ أن تمكين المرأة اقتصاديا ترافق معه زيادة في الوعي بطرح قضايا اجتماعية للمرأة كالعضل والعنف الأسري واستيلاء ذكور العائلة على الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإرث والراتب والحقوق في الترفيه. ويبين السيف (1997) أن حصول المرأة على التعليم ثم خروجها للعمل، وترافق هذه التغيرات مع الانتقال من نمط الاسرة الممتدة إلى الاسرة النووية، نتج عنه تغير في مركز المرأة (الزوجة/الأم/ ثم البنت) داخل النسق الأسري، فقد أصبحت عاملة ولها دخل ولديها خادمة تساعدها في الأعمال المنزلية وربما سائق أيضا وبهذا تغيرت أدوارها داخل النسق الأسري (مهنة ولعب أدوار مختلفة كمشاركة أكبر في الرأي والتوجيه والقرارات وأدوار أقل في اعمال المنزل) وتدريجيا نتج عن هذه التغيرات تحولات في مكانة المرأة داخل النسق الأسري أيضا، فأصبحت تحتل مكانة أعلى وتشارك بشكل أوضح في قرارات الأسرة وشؤنها.
خاتمة
تمكين المرأة ظاهرة عالمية تخترق الثقافات الإنسانية اليوم بدرجات متفاوتة. ورغم الجهود الكثيفة التي تبذلها الحكومات العربية لتغيير التشريعات والنظم من أجل تمكين المرأة إلا أن هذه الجهود أتت أصلا لمعالجة فجوات كبيرة تتسم بها المجتمعات العربية، كما تبين التقارير الدولية التي تم استعراض بعضها أعلاه. ولذلك فإنه على النسق الثقافي وضع الواقع العربي لما يخص تمكين المرأة بصورة مقارنة مع بقية الدول والمجموعات الإقليمية. لذلك، على الثقافة والمجتمع تفهم الحاجة الملحة لتساوي المجتمعات العربية مع المعدلات المقبولة عالمياً في هذا الشأن.
[i] نقلا عن (شملاوي والحيط، 2018).
[ii] دول الدخول المتوسطة
[iii] دول الدخول المنخفضة
[iv] غير منشورة