الورقة الرئيسة :” الرياض مركز الصناعة المالية الاسلامية “
كاتب الورقة: أ. لاحم الناصر
المعقبان:
د. يوسف بن عبدالله الرشيدي
أ. فهد بن عبدالله القاسم
إدارة الحوار: أ. عبدلرحمن باسلم
مع اطلاق رؤية المملكة 2030 والتي تهدف الى اعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتنويع مصادر دخله فلاشك ان من اهم مصادر تنويع الدخل هو القطاع المالي حيث نجد ان كثير من الدول اليوم يقوم الكثير من اقتصادها على هذا القطاع مثل سنغافورة و هونج كونج وسويسرا ولكسمبورغ وبعضها يمثل القطاع المالي جزءا وازنا في اقتصادها مثل بريطانيا و امريكا ، ولاشك ان لهذه المراكز نقاط قوة جعلت منها مركز جذب لرؤوس الاموال وللمستثمرين ، وفي عالم تتصارع فيه القوى لاجذات الاموال لدعم اقتصادها و تنميته من المهم جدا ان نعرف نقاط قوتنا لتوظيفها بالشكل السليم واستغلالها للحصول على جزء من هذه الكعكة التي يتصارع العالم عليها ، بعيدا عن الايدلوجيات والقناعات التي قد توجد لدى البعض مما قد يعيق التحرك في هذا الاتجاة ، وتعتبر المالية الاسلامية هذا اليوم جزءا مهما من هذه الكعكة التي تتصارع عليها اهم المراكز المالية العالمية لاجتذابها والاستحواذ عليها من لندن الى سويسرا مرورا بسنغافورة وماليزيا وهونج كونج ودبي حيث تعتبر هذه الصناعة من اسرع الصناعات المالية نموا في العالمي حيث تراوح نموها في العشرين سنة الماضية ما بين 15% الى 20% مما فتح شهية المراكز المالية العالمية عليها حيث يبلغ حجم الاصول المدارة لهذه الصناعة حوالي 2,88 ترليون دولار بعد ان كانت لا تتجاوز 190 مليار دولار في عام 1990م ، ولكي ندرك سرعة نمو هذه الصناعة فلا بأس ان آخذكم في جولة سريعة بالارقام فقد بدأت هذه الصناعة في عام 1975 م بالبنك الاسلامي للتنمية الذي اسسته المملكة بتوجيه من الملك فيصل رحمه الله ليكون ممولا للدول الاسلامية تبعه في نفس العام تأسيس بنك دبي الاسلامي ، واليوم يبلغ عدد المصارف الاسلامية حوالي 369 مصرفا فيما يقدم حوالي 320 مصرفا تقليديا حول العالم منتجات مالية اسلامية ، وكما انطلقت المصرفية الاسلامية من الجزيرة العربية الا انها اليوم تعمل في 75 دولة حول العالم ، اما بالنسبة للصكوك فقد اصدرت اول صكوك في ماليزيا عام 2000م ولم يتجاوز حجم الاصدار حينها 336 مليون دولار في حين بلغت اصدارات الصكوك في 2019م 145,600 مليار دولار وكذلك نمت صناعة الاستثمار المتمثلة في صناديق الاستثمار بجميع انواعها وقطاع التامين التكافلي بشكل متسارع هذا فيما يخص الصناعة عالميا ولو اتجهت انظارنا لما تحققه هذه الصناعة من نمو داخل المملكة العربية السعودية لوجدناها تنمو بشكل مذهل حيث يبلغ حجم الاصول المدارة وفق احكام الشريعة الاسلامية 299 مليار دولار وهو ما يشكل 10% من حجم اصول الصناعة عالميا ، فيما بلغت حصة التمويل الاسلامي في القطاع المصرفي السعودي في عام 2019م حوالي 79% .
الرياض مركزا لصناعة المال الاسلامي
بعد هذه الجولة السريعة عن المالية الاسلامية وحجم نموها لاشك اننا ادركنا لماذا تتصارع المراكز المالية العالمية على نيل حصة منها مع خصوصية هذه الصناعة لارتباطها بالشرعية الاسلامية ، حيث نجد ان هذه المراكز تضع القوانين وتسن التشريعات لتتوافق مع المبادئ التي تحكم هذه الصناعة في سبيل جذب استثماراتها ولاشك اننا في المملكة العربية السعودية نملك الكثير من نقاط القوة التي لا تملكها هذه المراكز سواء كانت اوروبية او اسيوية او اقليمية مما يجعلنا في مركز القوة والقدرة على احتلال المركز الاول لهذه الصناعة وتتمثل نقاط قوتنا في كوننا قلب العالم الاسلامي النابض و ان الاقتصاد السعودي اقتصاد ملتزم باحكام الشريعة الاسلامية ومن نقاط القوة كذلك الموقع الجغرافي للمملكة الذي يربط اسيا بافريقيا كما تتمتع المملكة بنظام سياسي مستقر وثروة بشرية مؤهلة تأهيلا عاليا ، كما انها تملك سوقا مالية تعتبر من اكبر 10 اسواق مالية في العالم ، اضافة الى ان المملكة دولة عضو في مجموعة العشرين ، كما ان المملكة تحتل المركز الثاني عالميا من حيث الاصول المدارة وفق احكام الشريعة الاسلامية وتعتبر اول مصدر للاستثمارات المتوافقة مع احكام الشريعة الاسلامية لذا نجد ان جل التقارير الصادرة عن مراكز الابحاث المهمة ترشح المملكة لتكون من اهم مراكز صناعة المال الاسلامي حيث ذكر تقرير صادر عن مركز اكسفورد للاعمال ان المملكة مرشحة لتكون مركزا للصناعة المالية السالامية في الاعوام المقبلة ، ان جميع مكامن القوة التي تملكها الرياض لتكون مركزا لصناعة المال الاسلامي بل اهم مراكز هذه الصناعة لا يمكن ان تجعلها كذلك مالم يكن ذلك هدفا لدى صانع القرار ، لذا اذا اريد للرياض ان تكون عاصمة لصناعة المال الاسلامي ومركزا من اهم مراكزه فيجب ان يضع صانع القرار هذا الامر هدفا مهما له واولوية يسعى لتحقيقها يضمنها في اطار برنامج تطوير القطاع المالي ( احد برامج رؤية 2030) ، ومن ثم وضع استراتيجية لتحقيق هذا الهدف على ان تشمل هذه الاستراتيجية مايلي :
اولا: تطوير البيئة التشريعية لهذه الصناعة وتعزيزها بسن الانظمة والتشريعات وتعزيز الحوكمة والشفافية .
ثانيا: انشاء مراكز ابحاث تهتم بطوير وخلق ادوات هذه الصناعة في بيئة تجريبة تنتج اداوات قابلة للتطبيق .
ثالثا: فتح السوق للمؤسسات الاستثمارية الدولية ووضع برامج لاستقطابها .
رابعا: انشاء محاكم مختصة بالنزاعات المالية تحت المنظومة العدلية بعيدا عن اللجان التي تشكو من ضعف التكوين والاستقلالية وتنازع الاختصاص .
خامسا: تطوير سوق الصكوك وادوات الدين المتوافقة مع احكام الشريعة الاسلامية .
سادسا : انشاء بورصة لتداول السلع بحيث يمكن اجراء عمليات المرابحة والتورق من خلالها بعيدا عن العمليات الصورية ، وسيؤدي ذلك لارتفاع نسبة سيولة سوق السلع وسرعة تدويرها وعدالة التسعير وشفافيته.
سابعا: تطوير مؤشرات مالية اسلامية .
ثامنا: تطوير ادوات لادارة السيولة المصرفية قصيرة الاجل .
ان السعي لتكون الرياض عاصمة ومركز للصناعة المالية ليس ترفا فكريا وانما هو حاجة ملحة لاستثمار مكامن القوة فيها بما يخدم الاقتصاد الوطني ويعزز من قوته ومكانته فلا شك ان تحول الرياض مركزا لهذه لاصناعة سيمنحها الكثير من المنافع لعل اهمها قدرتها على اجتذاب اموال هذه الصناعة التي تبلغ 3 ترليون دولار والتي هي في تصاعد مستمر نتيجة النمو السريع الذي تعيشه هذه الصناعة ومع تحولها مركزا لهذه الصناعة فيمكنها اجتذاب الاستثمارات الاخلاقية حوال العالم والتي تقترب في كثير من معاييرها من الصناعة المالية الاسلامية ولا شك ان تدفق هذه السيولة على الرياض سينعكس ايجابا على جميع مناحي الاقتصاد والذي سيكون من اهم اثاره الايجابية ارتفاع نسبة نمو الناتج المحلي و خفض نسبة البطالة وزيادة دخل الفرد بالاضافة الى سرعة تطور المنظومة المالية واستقطاب الكفاءات وتوطين التكنولوجيا .