الورقة الرئيسة: السينما: صناعة المستقبل والقوة الناعمة
₋ أ. أيمن جمال: كاتب الورقة
₋ د. فهد اليحيا: معقب على الورقة
₋ أ. هناء العمير: معقب على الورقة
₋ اللواء فاضل القرني : مدير الحوار
لازال البعض ينظر للأفلام على أنها رفاهية وفن مجرد!… وأنها هواية لا بأس أن ندعمها إعلامياً أو بالكثير نقوم ببعض المسابقات للهواة ونختار عدداً من الفائزين ونكرمهم بمكافأة مادية لإنتاج وتصوير أفلامهم ومن ثم نحتفل معهم بعرض الفيلم وكأن عرض الفيلم هو النتيجة النهائية!
وهذا هو الوضع الحالي في السعودية.. فالجهات الداعمة للأفلام حالياً تدعمها كجزء من المسؤولية الاجتماعية كما تقوم به جهات مثل إثراء أرامكو أو جزء مسابقات كما تقوم به وزارة الثقافة. فكرة أن الأفلام صناعة اقتصادية وقوة ناعمة عالمية، هي فكرة تسويقية نستخدمها إعلامياً لكن على أرض الواقع حتى الان هي نظرية لم تطبق.
وإذا استوعبت مقولة Orson Welles الكاتب والمخرج الامريكي الراحل: الكاتب يحتاج لقلم والرسام يحتاج لفرشاة… لكن صانع الفيلم يحتاج لجيش!.
فعلاً قليلون الذين يعرفون كم عدد الموظفين الذين يعملوا لإنتاج فيلم واحد وعدد الأنشطة التي تدخل في إنتاج فيلم واحد!. فمثلاً فيلم بلال عمل عليه 327 موظف!، وفي بعض الافلام في هوليود يصل الموظفين الذين يعملون في فيلم واحد من أفلام مارفل لأكثر من 3000 شخص وفيلم واحد يحرك أكثر من 85 نشاط اقتصادي تقريباً فالنجار يشتغل لبناء موقع التصوير ومتخصصي المكياج للممثلين ومتعهدي التغذية لإطعام فريق العمل ومواقع عقارية يتم تأجيرها ومعدات سلامة ورجال أمن وشركات التأمين ومصممين الملابس وفريق الخياطة والديكور الداخلي وغيرها كثير من الانشطة الغير مباشرة ناهيك طبعاً عن الانشطة المباشرة من مصورين وممثلين ومدراء إضاءة وأستوديوهات صوت ومؤثرات بصرية وغيرها الكثير.
كما في العنوان فان اسمها صناعة الأفلام والقائمين عليها يسمونهم صناع الأفلام. ومن هذا المنطلق سأطرح عليكم بعض الحقائق والأرقام لهذه الصناعة وأثرها.
– صناعة الأفلام والدراما في الولايات المتحدة تخلق أكثر من 2.5 مليون وظيفة في السنة وتدفع أكثر من 180 بليون دولار رواتب ومميزات.
– صناعة الأفلام في الولايات المتحدة تدعم أعمال غير مباشرة سنوياً لأكثر من 280 ألف شركة بمبلغ يقارب 50 بليون دولار
– في كندا صناعة الافلام توفر 179 ألف وظيفة دائمة سنوياً.
– كما أن كندا تجذب 5.6 بليون دولار استثمارات أجنبية.
– استراليا (عدد سكانها 25 مليون) وحققت عائداً من صناعة الافلام عام 2018 يوازي 22.5 بليون دولار بخلق 85 ألف وظيفة دائمة.
أما إذا أردنا ان نتحدث عن أثر صناعة الأفلام على السياحة والدخل القومي للدول فإليكم بعض الأرقام:
– سلسلة أفلام هاري بوتر زادت نسبة السياحة لمواقع تصوير الفيلم بنسبة 50% وفي بعض المواقع مثل القصر زادت السياحة بنسبة 200%.
– فيلم الانميشن Frozen زاد السياحة للنرويج 37%
– فيلم Braveheart زاد السياحة لأسكوتلندا بنسبة 300%
– فيلم Troy زاد السياحة في تركيا بنسبة 73%
– بسبب سلسلة افلام lord of the ring زادت السياحة لنيوزيلاندا بنسبة 70%
والأمثلة كثيرة جداً في هذا الصدد.
وهنا نطرح السؤال؟ ما سبب تأخر الإنتاجات العربية عن هذه الأدوات لتنشيط سياحتها ودخلها؟
أعتقد اننا بحاجة ماسة لمعرفة قواعد هذه الصناعة وأن نعرف أن هيكلة تمويل هذه الصناعة ومساهمة عدة قطاعات في تطويرها وترويجها دولياً يجعل من الأهمية رسم ووضع نموذج جذب وإعطاء حوافز ومحفزات لصناع الأفلام لنكون جزء من خياراتنا في السعودية وأن نعي أن هذه الحوافز التي ستمنح لصناع الأفلام ستعود على الاقتصاد بعوائد مباشرة وغير مباشرة بشكل كبير جداً سواء في تشغيل العديد من الوظائف داخلياً أو تحريك قطاع السياحة الذي سيحرك معه كثير من الأنشطة الأخرى.
يجب أن نعي أن كل قوة اقتصادية في العالم تعتمد اليوم على قوة الاقتصاد الإبداعي والابتكاري وصناعة الأفلام والدراما محرك رئيسي لهذا الاقتصاد وكلها تبدأ بقصة …
حتى مالياً ومحاسبياً للمستثمرين، الفيلم 80-90٪ من مصاريفه تسجل كأصول (Assets) وليس مصاريف (Expenses) فمثله مثل العقار يدر عليك دخل سنوي صحيح يقل الدخل بعد أول 3-5 سنوات لكن يستمر الدخل فمثلاً فيلم مثل فيلم الرسالة للرائع مصطفى العقاد رحمة الله عليه بالإضافة إلى أثره المستمر لأكثر من 40 سنة واستمرار عرضه على كثير من القنوات والمنصات إلا أن ورثته لايزالون يجنون دخلاً سنوي (Licensees) من عرض الفيلم على القنوات وبيعه على المنصات وكل هذا لان الفيلم أصل وليس مصروف لأنه ملكية فكرية!
لذا يجب أن نتعامل مع الأفلام والمحتوى الإبداعي على أنه ملكية فكرية (أصول) لو أحسنّا تطويرها واستثمارها ستدر على الاقتصاد دخل جديد وستجذب كثير من الاستثمارات الخارجية لمواقعنا واستثماراتنا السياحية.
أستطيع أن اجزم أن لدينا كثير من القصص والمواقع التي تعتبر ملكية فكرية عامة يجب استثمارها وانتاجها لتصبح ملكية فكرية خاصة تعود بالنفع على اقتصادنا بشكل مباشر.
اذاً ماهي أبرز التحديات؟ والحلول المقترحة:
أبرز التحديات:
1- البيروقراطيات وتعدد الأجهزة الحكومية المسؤولة عن انتاج عمل سينمائي: وزارة الإعلام، وزارة الثقافة، وزارة السياحة، وزارة الداخلية وزارة التجارة واحياناً الجمارك يكون لها دور!
الحل ببساطه: One Stop Shop ويكون اونلاين لاستكمال كافة أوراق العمل وموافقاته دون الحاجة لمراجعة عدة جهات.
2- لا يوجد تعليمات واضحة وصريحة للخطوط الحمراء في النصوص والأعمال السعودية: وبالتالي صانع الافلام يقع تحت رحمة اللجنة المكونة لعمله وخلفيتهم الثقافية والاجتماعية للموافقة على عمله!
الحل ببساطة: قائمة chick list يوقع عليها المنتج قبل العمل فيها اشتراطات الرقابة وبالتالي تكون مؤشر عام لإجازة العمل حتى لو بنسبة 80% ويبقى مساحة لمشاهدة العمل النهائي واجازته لكن هناك خطوط عريضة واضحة من البداية لما هو غير مسموح وليس الخضوع لهوى لجنة المراقبة كما هو الحاصل حالياً.
3- الهيكل التمويلي لهذه الصناعة يجب تطويره ودعمه مع القطاع الخاص والبنوك: وهذا ملف طويل يحتاج ورشة عمل خاصة به، لكن هناك حل سريع وبسيط ومطبق في كل الدول التي تدعم هذه الصناعة وهو إعادة الضرائب للأعمال المحلية وبالتالي الاقتراح المأمول اعادة نسبة 25% التي تقتطعها وزارة الاعلام ممثلة في GCAM الي المنتج السعودي للفيلم السعودي فقط، وهذا سيزيد أرباح الفيلم السعودي وجاذبية الاستثمار فيه من قبل القطاع الخاص.
بالإضافة إلى توجيه القطاعات الخاصة الكبرى والشركات الاستراتيجية كسابك والخطوط السعودية وغيرها والتي عندها ميزانيات للمسؤولية الاجتماعية أن تدعم صناعة الفيلم السعودي كاستراتيجية لدعم صناعة القوى الناعمة إقليمياً وعالمياً بدل من صرف ميزانيات أحياناً تكون ضخمة في رعايات محلية أثرها في كثير من الأحيان لا يتجاوز المدينة التي يقوم فيها الحدث او الاحتفال.
فكثير من الشركات الأمريكية نرى وجودها بقوة في الأعمال الأمريكية Branded Entertainment كجزء من تصدير الثقافة والتجارة الأمريكية ك lifestyle. علماً بان نيوزيلاندا وكندا وبعض الولايات الأمريكية والدول الأوروبية تعيد لي كصانع أفلام سعودي بين 30-40 % من ميزانية فيلمي إذا صورت وانتجت فيلمي على أراضيها.
4- أهم تحديات هذه الصناعة وقطاع التوزيع: لذا نحتاج ذراع توزيع للأفلام السعودية يكون شبه حكومي (يحتاج يكون شراكة بين القطاع الحكومي والخاص) لدعم توزيع الفيلم السعودي اقليمياً وعالمياً لأن التوزيع يحتاج دعم خاصة في مراحل التأسيس والانتشار.
صانع أفلام
أيمن طارق جمال