الورقة الرئيسة: القوة الحادة Sharp Power وأهمية ادراكها والتعامل معها
كاتب الرئيسة: د. سعود كاتب
المعقبان: د. زياد الدريس، د. عبدالله العساف
ويدير الحوار د. سعيد الغامدي
مصطلح القوة الحادة تم استخدامه لأول مرة من قبل Christopher Walker و Jessica Ludwig عام 2017، في إشارة إلى “قيام دولة دكتاتورية باستخدام القوة الناعمة بهدف التأثير والتحكم في النظام السياسي والمعلوماتي لدولة أخرى”. وكان القصد من ذلك تحديدا توغل الصين في العديد من دول العالم عبر استثمارات ناعمة تجاوزت قيمتها إجمالي ما أنفقته مجتمعة حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان على برامج دبلوماسيتها العامة. والقوة الحادة وفقا لهذا المفهوم تمثل تهديدا لطبيعة وخصائص مصطلح القوة الناعمة.
الملفت هو أن هذا التعريف للقوة الحادة لا يتردد في القول بأنه يعتمد على “من قام بالفعل” بدلا من اعتماده على “كيفية القيام بالفعل“، ففي حال قيام دولة مثل الصين أو روسيا مثلا بممارسة أنشطة دبلوماسية عامة مماثلة تماما لتلك التي تقوم بها دول غربية، فإن هذه الأنشطة يتم وسمها بأنها أنشطة خبيثة ومعادية، لمجرد أن من قام بها هو دول محددة توصف بأنها “دكتاتورية”.
هذا التعريف رد عليه جوزيف ناي عام 2018 بمقال له بعنوان “كيف تهدد القوة الحادة القوة الناعمة”، وصف فيه القوة الحادة بأنها “أحد أشكال القوة الصلبة التي تقوم على الاستخدام الخادع للمعلومات، لأهداف عدائية”. وهو بذلك يرى أن الفرق بين القوة الناعمة والقوة الحادة يندرج في “كيف” و”لماذا“: فإذا استخدمت القوة بهذا الشكل ولتحقيق هذا الهدف، فإنها تعتبر قوة حادة. ووفقا لذلك فإن استخدام الصين لقوة ناعمة مثل “معهد كونفوشيوس” لا يعتبر قوة حادة لمجرد كونه مدعوم من قبل الحكومة الصينية. ولكنه يصبح كذلك عندما يسعى لانتهاك الحريات الأكاديمية.
وترى Xin Liu بأنه إذا كانت القوة الذكية هي المزيج المناسب للإرغام بالقوة الصلبة، والجاذبية والاقناع بالقوة الناعمة، فإن القوة الحادة يمكن النظر إليها على أنها المزيج غير المناسب لكليهما، وهي بذلك لا تعتبر قوة ناعمة ولا قوة صلبة، بل هي مزيج غير ناجح لكليهما، أو بعبارة أخرى هي “قوة غير ذكية”. بمعنى أخر فإن Xin ترى أن العبرة هي في “كيف” وليس “من” أو “لماذا“.
وبالنظر إلى هذه الآراء المختلفة حول القوة الحادة، أرى بأن ربطها بـ “من” قام بالفعل هو أمر غير مناسب لكونه يفتقد للموضوعية ويندرج ضمن لعبة التصنيفات ذات الأهداف السياسية، من قبيل “دول خير” و”دول شر”، و”معنا” أو “ضدنا”. وهي تفتح المجال للتشكيك والحكم الشخصي غير الموضوعي، الذي يجرد القوة الناعمة من تأثيرها وأهميتها. فعلى أي أساس مثلا يمكن اعتبار أنشطة المجلس الثقافي البريطاني قوة ناعمة مشروعة، في حين تعتبر أنشطة معهد كونفوشيوس الصيني قوة حادة غير أخلاقية؟ ووفق أي منطق يتم تسمية استضافة دول معينة للفعاليات الدولية الرياضية أو الثقافية عمليات “غسيل سمعة”، في حين تتم تسمية الاجتياح الغربي لهويات الشعوب وانتهاك أدق خصوصياتها الثقافية “قوة ناعمة” لمجرد أن من قام بها هي دول غربية؟
معيار “كيف” و”لماذا” من ناحية أخرى، يمكن أن يقدم لنا مؤشرات لمدى أخلاقية الممارسات. فإذا تضمنت الكيفية التي تنفذ بها الأنشطة على أمور غير أخلاقية، مثل التفرقة العنصرية أو انتهاك الحريات فهي قوة حادة، وإذا كانت تلك الممارسات تهدف إلى تحقيق نتيجة غير أخلاقية مثل الإضرار بالغير ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا، فهي قوة حادة. فبالنسبة لي، فإن أي ممارسات ناعمة يتم تنفيذها بوسائل غير أخلاقية، أو تهدف إلى تحقيق نتائج غير أخلاقية، فإنها تعتبر قوة حادة.
ويرى جوزيف ناي في كتابه الصادر عام 2020 بعنوان “هل الأخلاق مهمة؟” والذي يناقش فيه المواقف الأخلاقية لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1945، بأن أي تقييم منطقي للممارسات الأخلاقية ينبغي أن يتضمن على ثلاثة أبعاد هي:
–القصد من الفعل
– الوسائل المستخدمة
– والنتائج المترتبة عليه.
ووفقا لذلك فإننا لو نظرنا إلى أكاديمية التغيير القطرية على سبيل المثال، سنجد أنها تستخدم كافة أشكال القوة الناعمة لاستقطاب الشباب من دول محددة مستهدفة، وذلك لتدريبهم على إشعال الثورات في دولهم وإسقاط أنظمة الحكم بها. هذه الثورات نتج عنها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ودمار تام لدول وخسائر اقتصادية يصعب حصرها.
بناء على كل ما سبق، فإن القوة الحادة في رأيي ليست قوة صلبة كما يرى جوزيف ناي، وليست قوة غير ذكية كما ترى Xin، وليست مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الذي يمارسها كما يرى Walker، بل هي قوة ناعمة غير أخلاقية في وسائلها وفي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وفي النتائج المتربة عليها، وذلك بغض النظر عن طبيعة الدول التي تقوم بها.
ختاما، فإن المطلوب على المستوى الأكاديمي هو مزيد من الاهتمام بقضايا الدبلوماسية العامة ومصطلحاتها، ونقاش ذلك في المحافل والمجلات العلمية، وذلك حتى لا تترسخ مفاهيم منحازة يمكن أن تكون مسيئة لدول محددة وتخدم مصالح دول أخرى.
وعلى المستوى المهني فإن نفس هذا الفهم والإدراك والتعامل مطلوب أيضا من قبل أقسام ووكالات الدبلوماسية العامة ومراكز التفكير على المستوى العربي، فترسخ مصطلح مثل “الدبلوماسية الحادة” بشكله الحالي يتيح استخدامه وتوظيفه بشكل منحاز كما تم ذكره، ومثال ذلك حملة الانتقادات التي تم توجيهها لاستضافة المملكة لبعض الفعاليات الرياضية الدولية من باب القوة الناعمة، ووصف تلك الاستضافة بأنها عمليات “غسيل سمعة” ينبغي رفضها دوليا.