الورقة الرئيسة: توجًه الشباب السعودي نحو المهن غير التقليدية
كاتب الورقة الرئيسة: د. الجازي الشبيكي
المعقبون:
₋ د. خالد الرديعان
₋ د. نوف الغامدي
مدير الحوار
₋ د. عادل القصادي
مما لاشك فيه أن التغير هو سمة من سمات الحياة البشرية على مرً العصور ، فهي في تغير مستمر ومتفاوت شكلاً ونوعاً وحجماً وسرعة ، سواءً في البناء أو الوظيفة الخاصة بالنظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية .
ولأنً تلك النظم مترابطة ومتداخلة ومتبادٍلة التأثير ، فإن أي تغيير في أحدٍ منها ، لابد أن يؤدي إلى سلسلة من التغييرات الفرعية في العديد من جوانب الحياة البشرية .
والمملكة العربية السعودية ، مرًت بها مراحل تغيير عديدة منذ بداية قيامها كدولة ذات إطار ومقومًات وكيان مستقل ، مروراً بالتأثير الفاعل لخططها التنموية المتتالية التي أحدثت تغييراً لم يقتصر على الجوانب المادية فقط، بل شمل الجوانب الثقافية والمجتمعية بالرغم من بطء وتيرة ذلك التغيير وخاصة في الجوانب الثقافية والاجتماعية .
وفي السنوات الأخيرة الماضية حدث تسارع كبير في جوانب التغيير الثقافي والاجتماعي في المجتمع السعودي نتج عنه تحولات في الرؤى والممارسة للعديد من مظاهر الحياة التي كانت شبه محرًمة اجتماعياً أو مُهانة مثل بعض المهن التي كان يقتصر إشغالها على غير السعودييين ترفًعاً وتأنًفاً .
ومن أهم ماساعد على ذلك طرح رؤية المملكة 2030 التي جاء في أحد محاورها وهو محور ( الاقتصاد المزدهر ) التوجًه التالي
” تعدً مهارات أبنائنا وقدراتهم من أهم مواردنا وأكثرها قيمة لدينا ، وسنسعى إلى تحقيق الاستفادة القصوى من طاقاتهم من خلال تبنًي ثقافة الجزاء من جنس العمل وإتاحة الفرص للجميع وإكسابهم المهارات اللازمة التي تمكنهم من السعي نحو تحقيق أهدافهم ……. وسنواصل تشجيع شباب الأعمال على النجاح من خلال سنً أنظمة ولوائح أفضل وتمويل أيسر ……… وسندعم الأسر المنتجة التي أتاحت لها وسائل التواصل الحديثة فرصاً تسويقية واسعة …”
إن القرارات التي اتخذتها الدولة في إطار الرؤية فيما يخص توطين المهن عبر منظومة الحزم المحفزًة لمساندة منشآت القطاع الخاص في توطين وتدريب وتأهيل السعوديين ، كان لها أيضاً دور في التيسير على الشباب من الجنسين اقتحام سوق العمل المهني سواءً بشكل حرً منفرد أو من خلال العمل في المؤسسات والشركات، ومن ضمن تلك المحفزات ، توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية مع جمعية المطاعم والمقاهي (قوت) بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال التعاون والشراكة بين القطاع العام والخاص بما يخدم قطاع المقاهي والمطاعم وخلق فرص عمل للسعوديين.
أيضاً مماساعد على الزيادة في التوجًه نحو العمل المهني ، صعوبة الظروف الاقتصادية وقلة الشواغر من الوظائف الحكومية ، إلى جانب الدخول العالية والمجزية التي شجًعت الشباب على المضي نحو العمل المهني بإقبال كبير بعد أن كانوا بأعداد محدودة وعلى استحياء.
أصبحنا الآن نرى الشباب الذي يعمل في المقاهي والمطاعم ، سواءً كان محترفاً في صنع القهوة أو مايسمًى ( الباريستا ) أو شيفاً يطبخ ألذً المأكولات أو مضيفاً أو مضيفة hostess ، وشباباً يعملون في البيع وشباباً يعملون في توصيل الطلبات أو توصيل الناس من خلال التوظًف في شركات مثل ( أوبر أو كريم ) وشباباً يقفون على ناصية الطريق في السيارات المتنقلة ( ال food truck ) ليبيعون الأطعمة الخفيفة والمشروبات ، وغيرها وغيرها من المهن العديدة والجديدة على شبابنا السعودي والتي كانوا بعيدين عنها لسنوات طويلة بسبب العادات والتقاليد والنظرة الدونية لتلك الوظائف على الرغم من أن العمل اليدوي المهني كان من صميم ثقافة المجتمع السعودي قبل التحوًل للوظائف المكتبية في عقود مابعد النفط ، حيث كانت العديد من العائلات تمتهن مهناً معينة عُرِفت بها سواءً في المجال الزراعي أو الصناعي أو التجاري، وحتى بالنسبة للمرأة ، فقد كانت في فترات ماقبل الوظائف المكتبية للرجال ، تعمل ضمن المنظومة الاقتصادية المتكاملة للأسرة وللمجتمع في الرعي والزراعة والتجارة .
تحديات أمام الشباب في مجال بعض المهن غير التقليدية
من وجهة نظري ، وعلى الرغم من إقبال شبابنا على العديد من المهن غير التقليدية وفق الأمثلة التي أشرتُ إليها أعلاه ، إلًا أن هناك بعض التحديات والعقبات التي يجب أن تُطرح على مستوى مؤسسات الدولة التنظيمية ومنظمات المجتمع المدني والمراكز والملتقيات الفكرية لوضع الحلول الملائمة لها ، منها:
- أن الجوانب التنظيمية والرؤى المستقبلية لهذه المهن يكتنفها بعض الضبابية وعدم الوضوح .
- شُحً البيانات والمعلومات والأرقام المتعلقة بالمهن غير التقليدية المشار إلى أمثلةٍ منها هُنا من حيث الحجم ، سواء الممارسين ميدانياً أو من خلال المنازل عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي.
- التوجًه السائد والمكثًف في الحديث عن وظائف المستقبل يركز على المهن ذات الأهمية التقنية العالية بلا شك مثل : البرمجة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكتشن والروبوتات وهندسة الطاقة البديلة والمتجددة وغيرها من الوظائف الهامة ، ونادراً ما نجد الإشارة لأمثلة مهن يمارسها قطاع غير قليل من الشباب مثل الباريستا أو الشيف أو المضيف أو البائع في الحديث عن وظائف المستقبل مع أنها ذات أهمية.
- على مستوى التأسيس التربوي المهني ، تتسم مناهجنا التربوية بالضعف في ترسيخ الجوانب التطبيقية التأهيلية التي تجسًد الجمع بين الجوانب النظرية والعملية في تعليم المهن المطلوبة والتأهيل لها.
من المقترحات التي أختم بها :
- من الأهمية أن يكون هناك خططًا واضحة المعالم لمستقبل المهن غير التقليدية التي توجًه لها عدد غير قليل من الشباب والشابات في مجتمعنا السعودي.
- أهمية اقتران وثيقة سياسة التعليم فيمايخص العمل المهني التي تمً إقرارها مؤخًراً بالجوانب والاجراءات التطبيقية العملية وليس فقط الاكتفاء بالجانب النظري.
- حبذا لو تمً الأخذ بالتجربة الألمانية في استحداث مسار تعليمي ثالث في المرحلة الثانوية خاص بإعداد الطلاب والطالبات مهنياً لسوق العمل بحسب ميولهم ومهاراتهم .
- الحاجة إلى نقابات أو كيانات مهنية متخصصة تهتم بشؤون المهن غير التقليدية ذات الإقبال العريض من الشباب والشابات وتساهم في كل مايعمل على تطوير المهنة ومعالجة كل صعوباتها وقضاياها.