الورقة الرئيسة: حل النزاعات التجارية المحلية والدولية وانعكاسها على الاقتصاد السعودي
كاتب الورقة: أ. عاصم العيسى
المعقبان:
د. حامد ميره
أ. علي بن علي،
يدير الحوار د. عبدالإله الصالح
إن التلازم على الدوام مُقترن بين الحركة الاقتصادية والتجارية، وما ينشأ عنها من نزاعات واختلافات، فحيث هناك تجارة وبيع وتمويل وتعامل تجاري مهما كان شكله، كان الاختلاف، وبتأمل جلسات المحاكم، نجد أن أقرب الناس لبعضهم يتخاصمون، فتجد الخصومة بين الأخوة بسبب التركة، وبين الشركاء بسبب شراكاتهم، وكذا الأزواج، الأمر الذي يُحتم عبر الزمان أهمية التقاضي وابتكار جميع الوسائل في سبيل حل الخلافات والنزاعات بأيسر وأسرع الإنجاز، وما يُساهم في الحد من تلك الخلافات، كإتقان صياغة العقود وفهم الالتزامات والتوثيق، ونحو ذلك.
لقد تعقدتْ التعاملات، وساهمت في ذلك التجارة العالمية وتشعب الوسائل الالكترونية والتعامل عن بعد، بل التَفنُن في ابتكار تعاملات لم تكن مُتخيلة، فها هي العُملات الرقمية، والصكوك، والمُضاربات، والاحتيالات الرقمية، والتعامل بالمارجن، وليس بعيد أن يُباع النفط بالسالب، وغيرها الكثير من التعقيدات المُستحدثة.
يضبطُ الناسَ دينٌ وخلقٌ ونظام، عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)، رواه الترمذي وقال حديث حسن، ويحكي تاريخنا قصصاً مضرب الأمثال في المثالية في الإيثار والصدق والتعاون وعدم الاحتكار والميسرة حين العُسرة مع المدينين، مما فرضَ لزاماً على المجتمعات أن تكون خيّرة، قليلة النزاعات، فإن ضَعُفَ ما سبق كان لزاماً تفعيل النظام وسن التشريعات وتفعيل القضاء النافذ، وإيقاع العقوبات، وهو تحدٍ كبير على الدول المعاصرة، ومنها المملكة في مسيرتها التنموية المُتسارعة لتحقيق رؤية القيادة، رؤية 2030، في سبيل تحقيق (مجتمع حيوي، اقتصاد مُزدهر، وطن طموح).
تنشر وزارة العدل مؤشراتها الإحصائية وتُحدّثها باستمرار، ومن ذلك مؤشر عدد القضايا التجارية، ويُلاحظ أنه يتضاعف.
لقد كان لزاماً لجهود المملكة أن تتزامن مع حاجة التجار، وتشعب القضايا، وتفنن المُتلاعبين، في سبيل تحقيق بيئة اقتصادية مُزدهرة مُستقرة، ومن ذلك:
- الزيادة الملحوظة في توظيف وتدريب العدد الأكبر من القُضاة، وتشكيل الدوائر التجارية المتنوعة في المحاكم التجارية والعامة.
- تحقيق القضاء المُتخصص، بإنشاء الدوائر القضائية المُتخصصة، كما في دوائر المُساهمات العقارية، ودوائر الإفلاس، والقضاء المُتخصص لكلٍ من المنازعات المصرفية، والتمويلية، والأوراق المالية، والتأمينية، والضريبية، والجمركية، وغير ذلك، مما ولَّد خبرات مُتراكمة في التسويات المُتخصصة المُعقّدة العادلة.
- تفعيل الوسائل البديلة للقضاء، ومن ذلك التحكيم والتوفيق والمُصالحة، وسن الأنظمة لذلك، وإنشاء دور ومراكز التحكيم والتصالح.
- إلزام نظام المحاكم التجارية باللجوء للصلح والوساطة أولاً قبل القضاء، في العديد من الحالات، مثل منازعات الشركاء في شركات المضاربة، وغيرها.
- الانضمام للاتفاقيات الدولية المعنية بالتسويات والوساطة، ومنها اتفاقية الأمم المُتحدة لعام 2019م (اتفاقية سنغافورة بشأن الوساطة).
- تفعيل جميع درجات التقاضي، في سبيل تحقيق مُراجعات قضائية عادلة.
- الاستفادة القصوى من الوسائط الالكترونية، للتقاضي والتنفيذ والتوثيق، والمملكة تُحقق أعلى المُمارسات في الاستفادة من التقنية، حيث عقدت وزارة العدل أكثر من مليون ومائتي ألف جلسة مرئية عن بعد منذ شهر مارس 2020م حتى شهر مايو 2021م، وحتى باتَ التاجرُ وهو في سفره يستطيع أن يحضر الجلسات والترافع، ويُصدر الوكالات، ويبيع العقارات، ويصوت على الجمعيات، في مُتلازمة راقية لتسهيل جميع ما يحتاجه التاجر من إجراءات وعمليات لتجارته كانت أو لقضائه.
- اختصار الإجراءات وتسهيلها، ومن ذلك تفعيل التقديم الالكتروني للشكاوى والدعاوى والمخاطبات، والربط الالكتروني بين المحاكم والذي اختصر الأيام، وإطلاق خدمة التبليغ الالكتروني، وتقليص إجراءات التنفيذ الالكتروني، وتفعيل التحويلات المالية الالكترونية بين المتقاضين، وتدشين منصة تراضي، ومنصة نافذ، وناجز، وغيرها.
- تُوجت وزارة التجارة بجائزة التميز الحكومي العربي كأفضل وزارة عربية من بين أكثر من (5000) مشاركة حكومية عربية، مع استمرار المملكة في حصد الارتقاء في المؤشرات الدولية.
- انخفاض مدة التقاضي للقضايا، وقد ساهم التطوير الإداري لإجراءات وسير القضايا مُساهمة فاعلة في ذلك، ومن ذلك إقرار تبادل المُذكرات بين المُتخاصمين إلكترونياً بين الجلسات، وإلزام التجار المُتخاصمين بتقديم جميع ما لديهم من بيّنات ومذكرات دفعة واحدة أمام القضاء، بحسب ما نصت عليه المادة (20) من نظام المحاكم التجارية، وإلزام القضاء من الانتهاء من نظر القضايا التجارية بالسرعة المُمكنة، بحيث لا يتجاوز زمن القضية أمام المحكمة الابتدائية عن ستة أشهر، بحسب المادة (38) من لائحة ذات النظام، وهو ما تسعى الوزارة فعلياً لتحقيقه قدر الإمكان.
ومرفق بيان القضايا التجارية المُقيدة خلال سنة 1441هـ والمنتهية حتى الوقت الحالي بحسب الفترات (موقع وزارة العدل):
ويستمر التحدي:
أولاً: تحدي العلاقة بين التجارة والقضاء:
تفاعل قضاءُ التنفيذ في إيجاد نظام تنفيذ صارم، يمنح القوة التنفيذية للأحكام القضائية والأوراق التجارية، يعكس ذلك إحصائية عدد قضايا التنفيذ ومبالغ التنفيذ المُنفذة خلال عام (1441هـ) مثلاً، حيث بلغت (609.277) طلباً، وبمبلغ إجمالي قدره (135.403.409.176) ريالاً، والمُلاحظ أن غالبية التنفيذ كان للسندات لأمر، بما نسبته (64,7%) من جميع طلبات التنفيذ الواردة عام 1441هـ، ولا يخفى أن السند لأمر هي الأداة الائتمانية التي يحصل عليها التجار والبنوك والجهات التمويلية، عادةً لضمان ما قد ينشأ في الذمة من مديونيات، الأمر الذي أدى إلى زيادة المُنفذ ضدهم، وإن ترتب سجن التاجر أو إيقاف حساباته وأعماله، في سبيل حماية التاجر الدائن والجهة التمويلية، الأمر الذي ولَّدَ إشكاليات في الجانب الآخر للتجار، في كثرة عدد حالات الإفلاس والسُجناء والتعثر، مما ولَدَّ تحدياً مُستمراً في إيجاد التوازن في العلاقة بين الدائن والمدين، بحيث تُضمَن حقوق الدائنين، دون تعسف وإضرار بالتجار المدينين، الأمر الذي يواكبه القضاء والتشريعات باستمرار، ومن ذلك سن التشريعات البديلة للسجن، في سبيل إيجاد التوازن لجميع البيئة الاقتصادية، وفي ظني أن هذا التحدي سيستمر، في الصراع بين القوى التجارية في السوق، بين دائن ومدين، وبائع ومشتري، ومالك للمشروع ومقاول، وبخاصة مع وجود الجشع، والإقراض غير المسؤول، ونحو ذلك من تحديات في الأصل هي تجارية، بخلافات بين التجار أنفسهم، كلٌ يريد جانبه، وإن على حساب الآخر، ويريد في ذات الوقت تدخل الدولة في حماية أحادية لجانبه.
ثانياً: تحدي العلاقة بين التجارة والتشريعات:
ويظهر ذلك جلياً أيضاً في مُستجدات التخصيص وسن الضرائب، والتوازن المنشود دوماً بين رفاهية المواطن، وتخفيف الأعباء عن التجار، والعمالة، وبين العوائد المنظورة من الضرائب في سبيل تنويع الدخل ورفاهية الخدمات في الجانب الآخر، وهو ما نلمسه دوماً في سعي الجهات التشريعية للتطوير والتحسين.
ومن التوصيات:
- تفعيل التعويض وإقرار مبادئه، ومُساءلة مُتسببي الإضرار بالآخرين، حيث مطلُ الغني ظلم، يستوجب مُساءلة من تعمد تأخير الوفاء بالتزاماته للآخرين.
- إقرار تعويضات تكاليف التقاضي والترافع، بحيث يتحملها الخاسر.
- دراسة أسباب حالات الإفلاس والتعثر، وأسباب النزاعات التجارية وأنواعها.
- دعم البحوث التشريعية والقضائية عن البيئة الاقتصادية وعلاقتها فيهما.
- مُساءلة أصحاب الدعاوى الكيدية وغير المُحقة.
- المُراجعة الدورية للعقود، لتكون مُتوازنة عادلة تحمي جميع أطرافها، وبالأخص العقود شائعة الاستخدام، مثل: عقود التمويل والإقراض، وعقود الإيجار المنتهي بالتمليك، والتأمين، وغيرها.