الورقة الرئيسة لقضية: سوق العمل المهارات أم الشهادات
أ. إبراهيم ناظر
لا يمكن التقليل من أهمية الشهادات الجامعية وما يسهم فيه اصحاب الشهادات من تقدم لمجتمعاتهم في شتى المجالات ولكن لا يمكن ايضًا التقليل من أهمية المهارات والخبرات في سوق العمل ولابد من الاعتراف بأن هناك خللاً نتج عن تفضيل اصحاب الشهادات في اغلب مجالات العمل لاسباب تراكمية كثيرة منها ان عدد حملة الشهادات كان في السابق قليل ويعتبر من حصل على شهادة علمية انه تحصل على تعليم متقدم يؤهله للقيام بالعمل بشكل افضل من غيره، ومع تطور هذا المفهوم ترسخت قناعة عند الغالبية ان الشهادة هي الضمانة الاولى للحصول على وظيفة ولكن لم يتوقع الكثيرين أن الاثر الذي تسببت به هذه القناعة من عزوف الغالبية العظمى من اصحاب المهارات للعمل في مجالهم انما فضلوا مزاحمة الجميع في الحصول على الشهادة الجامعية «الضامنة» للوظيفة فمن دونها لن يتم النظر على سيرتهم الذاتية وإعطائهم فرصة الحصول على مقابلة وظيفية.
يقول عالم الاجتماع الفرنسي «غوستاف لو بون» إن هناك مفهوم خاطئ انتشرعند الغالبية يقوم على اساس ان التعليم بمراحله الاساسية من الابتدائية وحتى الحصول على الشهادات العليا يعني بالضرورة حصول الجميع على فرص متساوية، انما واقع الحال هو اننا ظلمنا الحرفيين واصحاب المهارات او التعليم المهني من تطبيق مهاراتهم بشكل يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع وبهذا لم نحقق المساواة انما بخلق خلل كبير بين الاحتياجات الفعلية للسوق وبين التنوع البشري في الامكانيات والمجالات بحسب كلامه.
إن الحديث عن التعليم والحاجة لتطويره هو الحديث الذي لا يختلف عليه اثنان ولكن ما يجب الانتباه له هو الحاجة لاعادة النظر في النظام التعليمي بالكامل وليس مجرد تطوير التعليم بناء على المنظومة التعليمية الحالية التي ساهمت عالميًا بخلق هذا الخلل وظلمت سوق العمل واصحاب الاعمال الذين بدل ان يتوفر لهم قوي عاملة ذات مهارات تتناسب مع احتياجاتهم وفرت لهم فائض من اصحاب الشهادات لا تتوفر فيهم متطلبات سوق العمل مما أحدث الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم.
ثورة المهارات
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع الحيوي والهام والذي يتعلق بفهم مستقبل التوظيف في العالم وكيفية التعامل مع المتغيرات في معايير التوظيف تماشيا مع فلسفة الخروج من النمطية في قبول الشباب لدى الشركات عند التقديم على الوظائف واعتماد آليات جديده في البحث غير النمطي عن الموظف المناسب وذلك بناءا على المعارف والمهارات المكتسبة بدلاً من الشهادات وأن أفضل أساليب التعيين أو التوطيف يجب أن تعتمد على تقييم عملي مبني على المهارة بغض النظرعن الشهادة التي حصل عليها وكيفية حصوله عليها وذلك بتحديد قدرة المتقدم على تطبيق العلوم والمهارات المعارفيه التي تلقاها بالجامعة أو من غيرها بدون الإعتماد فقط على الشهادات الجامعية في تقييم الفرد والتركيز على تعزيز القدرات العملية في تطوير العاملين في المؤسسات الحكومية والشركات كما يجب أن يصنف الأفراد اجتماعيا (المكانة الإجتماعية) ليس اعتمادآ على الشهادات التي يحملونها بل على قدرتهم علي العمل والإنتاجية والإبداع والإبتكار وهذا ما أكدت عليه وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية ضمن أهدافها في برنامج التحول الوطني 2030 ((رفع المستوى المهاري للسعوديين بما يتلائم مع احتياجات سوق العمل ، رفع كفاءة رأس المال البشري)) ومن خلال مبادراتها:
– تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لموائمة سوق العمل المستقبلية.
– تنمية مهارات الشباب وحسن االستفادة منها.
– إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين الدوليين والمحليين على حد سواء وتعزيز
ثقتهم باقتصادنا.
- رفع مستوى الوعي بأهمية االمهارات اللازمة لسوق العمل والحث على
اكتسابها.
- رفع مستوى الشراكة الإستراتيجية بين الوزارة والجهات الحكومية والقطاع الخاص.
وكذلك وزارة التعليم ضمن أهدافها في برنامج التحول الوطني 2030
((تعزيز القيم والمهارات الأساسية للطلبة)) ومن خلال مبادراتها:
– تطوير مصفوفة متكاملة للمهارات الشخصية المتوائمة مع المهارات.
لذا فإن مستقبل التعليم في المملكة العربية السعودية يحتاج إلي إعادة هيكلة وإصلاح جذري لتنفيذ تلك المبادرات و ثورة فكرية في الثقافة والمفاهيم الإجتماعية وأن يرتقي مستوى التفكير لشباب المستقبل إلي أن مسئولية التعلم والتأهيل و اكتساب المعرفة مسؤولية شخصيه ومسئولية الشخص نفسه بالدرجة الأولي والتعليم والتعلم عملية مستمرة في عصرنا الحاضرلا تتوقف إذ يتوجب على الفرد إستثمار توفر المعلومة والتدريب عبر الوسائل والأدوات االتعليمية التكنولوجية التفاعلية التي توفر الوقت والجهد والمتعدده الأدوات والمتاحه لتطوير نفسه والإرتقاء بمستواه الفكري والمعرفي في ظل التسارع الكبير في توليد المعرفة والثورة الرقمية وعليه تطبيق ذلك في الحياة العملية من منطلق تعزيز أهمية المهارات وليس التقليل من أهمية الشهادات العلمية أو الدراسة في الجامعات.
إضافة الى ذلك لابد من تغيير فلسفة التعليم وتقييم الطلبة علي أساس قياس المهارات للتحول من التلقين الى الإبداع الفكري والتسريع في الوصول الى الغايات المرجوه وفق معايير جودة عالية والتأكيد على أهمية الذكاء العاطفي واعتماد علوم التوظيف الحديثة على الذكاء العاطفي (EQ) عوضاً عن الذكاء العقلي (IQ).
كما إن الجامعات يجب أن تكون صرحا علميا يسعى الى تقديم المعرفه للشباب بتدريبهم علي إكتساب المهارات والمعرفة وربط المؤهلات المهنية مع التعليم الجامعي ضمن منهج تعليمي واحد والتحول من مفهوم الدرجات والشهادات إلي مفهوم المعرفة والتعليم العملي عن طريق التجارب والتطبيق العملي.
تعريف مصطلح المهارة
ممكن تعريف المهارة على أنها مجموعة من المعارف والخبرات والقدرات الشخصية التي يجب توفرها عند شخص ما لكي يتمكن من إنجاز عمل معين، ومن أبرز تلك المهارات التي يمكن أن تتوفر في الشخص (البحث والتقصي عن المعلومة، التخطيط، والإحصاء والتحليل، بناء العلاقات مع الآخرين، الاتصاف بالقيادية، والإلمام بمهارات الحاسوب، والإدارة).
– المهارة هي التمكن من انجاز مهمة بكيفية محددة وبدقة متناهية، وسرعة
في التنفيذ.
– وتعني القدرة على أداء عمل بحذق وبراعة.
– أداء مهمة ما أو نشاط معين بصورة مقنعة وبالأساليب والإجراءات الملائمة وبطريقة صحيحة.
– التمكن من إنجاز مهمة معينة بكيفية محددة، وبدقة متناهية وسرعة في التنفيذ.
– الألفاظ ذات الصلة بمفهوم المهارة (الحذق ـ الإتقان ـ الإحكام ـ الإحسان ـ
الإبداع ـ البراعة ـ الخبرة ـ التفوق ـ الإجادة )
يطلقُ لفظُ المهارة في اللغةِ العربيةِ ويرادُ به الماهِر، وهو الحاذِق، كما ورد
في الحديث الشَّريف قولُ الرَّسول عليه الصلاة والسلام ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ))
من جهةٍ أخرى، فإنَّ المهارةَ ليست مقتصرةً على العمل المؤدَّى بشكلٍ مهني فقط، بل إنَّها تشمل أيضًا الكفاءةَ التي يمتلكها أيُّ شخصٍ في أيِّ مجال، سواء كانت كفاءةً عقلية، أو بدنية، أو اجتماعية، فعلى سبيل المثال نجدُ أنَّ بعضَ الأشخاص يتميَّزُ عن غيرِه بمهاراتِ القيادة، والآخر بمهاراتِ التفكير، وثالثٌ بمهاراتِ العلاقات الحسنة مع الآخرين وغير ذلك في التمايز بين القدرات والملكات بين الأشخاص.
فجوة المهارات
قدرت دراسة لجامعة “يل” أن 65% من الأطفال الملتحقين بالتعليم الابتدائي حالياً سيشغلون لدى انتهاء تعليمهم (سواء المرحلة الثانوية أو الجامعية) وظائف يقومون من خلالها بأعمال “غير موجودة” حالياً ولمعرفة حجم هذه النسبة، يكفي الإشارة إلى أن 15% فقط من العاملين حالياً يشغلون وظائف لم تكن موجودة لدى دخولهم المرحلة الابتدائية، بما يؤشر على تغير كبير للغاية في الاقتصاد أولاً، ولطبيعة الوظائف ثانياً، ويعطي انطباعاً بتغير ما هو مطلوب من العاملين مستقبلاً.
وتُشير الدراسة إلى أن 93% من الأمريكيين الذين يحظون بشهادة جامعية أكدوا على أهمية برامج التدريب المهني التي تلقوها، بينما تصل النسبة إلى 79% فحسب لهؤلاء الذين يرون أهمية كبيرة للدراسة الجامعية التي حصلوا عليها.
ويلاحظ زيادة أهمية التدريبات المهنية مقارنة في ظل نمو الوظائف الحرة ((freelancer، إذ تلقى 70% من هؤلاء الذين يعملون بشكل حر لدورات تدريبية خلال الستة الأشهر الأخيرة، مقابل نسبة لا تتعدى 50% خلال الفترة نفسها لهؤلاء الذين يعملون في وظائف دائمة.
عمالقة “بلا شهادات“
وعلى سبيل المثال أعلنت شركات مثل “آبل” و”جوجل” و”آي.بي.إم” وغيرها في الأشهر الماضية أن العمل لديها في مناصب تقنية وإدارية لم يعد يتطلب بالضرورة الحصول على شهادة جامعية ليكونوا من بين قائمة شملت أكبر 15 شركة في أمريكا غيرت سياساتها التوظيفية مؤخراً نحو الاهتمام بالمهارات على حساب الشهادات.
بل ووصل الأمر بشركة كبيرة “برايس ووتر هاوس كوبر” إلى الاعتماد على خريجي المدارس الثانوية في مجال المحاسبة والتحليل المالي وتقييم المخاطر، شريطة حصولهم على الدورات التدريبية الملائمة أو إثبات كفاءتهم، وذلك بعد أن كانت تلك الوظائف حصراً على خريجي كليات التجارة وإدارة الأعمال لعقود، سواء في الشركات الكبيرة أو حتى الصغيرة.
ووفقاً لتقديرات المكتب الفيدرالي الأمريكي لإحصاءات الوظائف فإن سبعة ملايين وظيفة لا تجد من يشغلها في الولايات المتحدة، في ديسمبر الماضي، وذلك بسبب معاناة البلاد مما يعرّفه المكتب بـ”فجوة المهارات” ويقصد بها الفرق بين المهارات التي يتمتع بها العمال والموظفون في مواجهة المهارات التي يحتاجها سوق العمل
* مهارات المستقبل
“ووفقاً لموقع “لينكد إن” فإن هناك 5 مهارات “ناعمة” (أو شخصية) هي الأكثر أهمية في عام 2019 للحصول على الوظائف: إدارة الوقت، والاعتمادية، التعاون والتنسيق، الإقناع، الروح الخلاقة، ويعطي الموقع دورات مجانية في تلك المجالات لضمان تأهيل العمالة لسوق العمل”.
في المقابل يضيف الموقع بأن هناك “5 مهارات عملية ستكون الأكثر طلباً في 2019 وتشمل: “كلاود كومبيتينج” (شبكات وقياس رد فعل العميل)، والذكاء الاصطناعي، التحليل المنطقي (ويشمل حل المشكلات واتخاذ القرار واستراتيجيات العمل)، إدارة الجمهور (وتشمل التحفيز وحل الصراعات في العمل) والتصميم والجرافيك”.
وتُشير دراسة للموقع إلى “أن أولويات سوق العمل ستتغير بشكل متسارع وغير مسبوق خلال العقد المقبل، حيث قد تظهر وظائف جديدة تتطلب مهارات جديدة لتحتل القمة بشكل مفاجئ، بما يجعل المهارات أكثر أهمية من الشهادات بشكل متزايد”.
“ولكن في الوقت نفسه لا شك أن ذلك يضع ضغوطاً متفاقمة على العاملين، الذين عليهم باستمرار تبني مبدأ التعلم والتعليم المستمر، وليس فقط الارتكان على مجموعة من المهارات التي يجيدونها ولكن تطويرها وتعلم مهارات جديدة تبقيهم في خضم المنافسة باستمرار”
ولا يشكل ذلك أزمة فقط للعاملين وفقاً لـ”لينكد إن” ولكن أيضاً لأصحاب العمل الذين قد لا يجدون ما يحتاجون من مهارات متاحة في السوق خلال السنوات القادمة في ظل تطور الاقتصاد بسرعة تفوق التعليم وبرامج التدريب، ليبقى الحل الأكثر نجاعة في تطور الأخيرة بسرعة وتمتعها بمرونة و”تبصر” باحتياجات سوق العمل المستقبلية”
كشف بيان لموقع “أب وورك” (upwork) المتخصص في العمل الحر على شبكة الإنترنت، أن أعلى 20 وظيفة مطلوبة على الموقع، مثل كتابة المحتوى وتصميم البرامج وأعمال الجرافيك والترجمة، لا تتطلب بالأساس شهادة محددة بل تقوم على مهارات، يجب على من يحصل على العمل أن يمتلكها.
ويقول براد سميث رئيس شركة مايكروسوفت: “نحن بحاجة لطرق توظيف جديدة أو سنكون مرغمين على ترك المزيد والمزيد من الناس بدون عمل”.
ولا يمكننا المراهنة على قدرة المبادرات القليلة للتوظيف وفقاً للمهارات على تدريب هذه الأعداد الكبيرة من الأشخاص وتغيير صورة التوظيف التقليدي، ولكن أظهرت طريقة التوظيف حسب المهارات نتائج مبكرة ومشجعة في صناعة التكنولوجيا لتكون قدوة تحتذي بها بقية الصناعات.
حازت فكرة التوظيف حسب المهارات على الكثير من الاهتمام، وبدأت المنظمات غير الربحية والمدارس والمنشآت الحكومية والشركات بتبني طريقة التوظيف هذه وتدعم شركة مايكروسوفت هذه الطريقة بمبادرتها حيث أعلنت عن منحة تزيد عن خمسة وعشرين مليون دولار لدعم أصحاب المهارات عن طريق برنامج لتعزيز فرصة التوظيف وفقاً للمهارات والتدريب والتعليم، وقادت مؤسسة ماركل -والتي بدأت في كولورادو العام الماضي- هذه المبادرة، وستقوم منحة مايكروسوفت بالتوسع هناك ومن ثم الانتشار لبقية الولايات الأخرى.
* نقل عن موقع أرقم السعودي http://bit.ly/2MDlL6G
المستشار/ إبراهيم بن محمد ناظر
مركز تمايه للإستشارات
21/09/2020
مصادر للإطلاع
-
- المهارات قبل الشهادات ؟ نعم حتي لا تجد نفسك عاطلاً رغم أنفك
- موقع أرقام http://bit.ly/2MDlL6G
- المؤتمر الدولي لتقويم التعليم (CEE2018 ) تحت رعاية خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز (بعنوان الإطار العام لمهارات المستقبل)
- منتدي الرياض الإقتصادي 2019 نحو تنمية إقتصادية مستدامة ( دراسة وظائف المستقبل)
- مدونات البنك الدولي 1/8/2018
- مركز دان للدراسات والأبحاث الإستراتيجية
- شبكة جامعة بابل (التعليم الإكتروني)