قضية الأسبوع: ‎ماذا لو استمرت كرونا عاما آخر؟

الورقة الرئيسة: ‎ماذا لو استمرت كرونا عاما آخر؟

 

₋ أ. نبيل المبارك: كاتب الورقة 

₋ د.رجاء المرزوقي: معقب على الورقة

₋ د. إحسان بو حليقة: معقب على الورقة

₋ م. عبدالإله عثمان الصالح: مدير الحوار

 

‎الاستعداد والمواجهة

قبل نحو بضعة أشهر شهد العالم أجمع جائحة كورنا، كوباء لم يشهد العالم مثله خلال المئة عام الماضية، وأعتقد انه لم يشهد له مثيل بالتاريخ من ناحية تأثير الوباء ليس على الجانب الصحي، ولكن على الشق الاقتصادي، وهو بيت القصيد للدول والشعوب. وبالتأكيد لن ينتهي الوباء الا وقد أحدث تغييرا في وجه العالم، في نواحي عديدة سلبا وايجابا. والتأثير أصبح اليوم واضح في جوانب كثيرة مثل تطور كثير من التقنيات التي لن يتراجع العالم عنها حتى بعد نهاية الوباء.

السؤال الان بالنسبة للمملكة خاصة؛ ماذا لو استمر الوباء عاما آخر؟ ما هي الاستعدادات لمواجهة الوباء طبيا، والتبعات الاقتصادية إذا ما اضطرنا لتفعيل سياسة الحجر او الحد من الحركة مثل موضوع الحد من التنقل بين المدن والدول كما هو حاصل في حالة النقل الدولي. هل ممكن ان ينغلق العالم على نفسه مجددا؟ وقد بدأت بعض الدول مثل بريطانيا واستراليا وويلز وايرلندا فعلا في حجر كامل او جزئ.

بداية يصعب تصور ان نعود لنفس الاجراءات التي اتخذت مع بداية انتشار الوباء لكل دول العالم ولكن ممكن لبعض الدول لأسباب كثيرة، اولاها ان الثمن سوف يكون باهض اقتصاديا وحتى اجتماعيا، وثانيها، اصبح لدينا تجربة وتكونت لدينا خبرة من التجربة السابقة، وبالتالي الدول سوف تتصرف بطريقة اقل حدة واكثر ذكاء بما يحقق الهدف الرئيس وهو حماية المواطنين، ولكن باقل الاضرار الاقتصادية والاجتماعية الممكنة. إلا اذا كان انتشار الوباء بشكل غير مسبوق ويفوق التوقعات. وثالثا؛ وهذا هو الامل ان يكون توفر اللقاحات واعتمادها رسميا من الجهات المختصة والسماح به مع توفر كميات كافية لكافة المواطنين. بهذه الحالة يكون هذا السناريو الاول والمتوقع بإذن الله.

لكن ماذا لو لم يتوفر لقاح فعال، او تطور الفايروس بشكل لا ينفع معه اللقاحات التي طورت منذ بداية الجائحة او ان تلك اللقاحات تنفع في مناطق ولا تنفع في اماكن أخري طبيا، لأسباب بيولوجية مثلا.

كما قلنا، الفاتورة في حالة استمرار هذا الوباء سوف تكون باهضه ومكلفة، الا في حالة كان هناك استفادة وتوظيف جيد للخبرة السابقة، حيث وصلت لدينا في المملكة تكاليف وتبعات الوباء اكثر من ٢٠٠ مليار ريال، ولكن ليس كلها مصاريف، ولكن جزء منها يعتبر استثمار مثل توسيع عدد الاسرة واستعداد المستشفيات مثلا، فقد حققت المملكة ارقاما مميزة في عدد اسرة الطواري وتوسعت مستشفيات، وتوزيع مستوى سلاسل الامداد، وتنويع مصادر الادوية، وتطوير تقنيات جديدة تساعد في الحد من انتشار الوباء، والاستمرار في إجراءات الوقاية في حدها الادنى، من تباعد وتعليم عن بعد، وهو ولله الحمد ما ساعد على ان نكون عكس العالم الذي بدء يعيش موجة ثانية بأرقام مخيفة، فيما ارقام الاصابات لدينا والمنحنى في تراجع واضح منذ اشهر وكذلك عدد الوفيات.

أعتقد ان لدينا ارضيه صلبة لان نتعامل مع الوباء في حالة استمرار ه لعام اخر لا سمح الله، بحيث انه يمكن ان تتم السيطرة على تكاليف المترتبة على التعامل مع هذا الوباء، ولكن يبقى التحدي في انتهاج سياسات اقتصادية ومالية ونقدية تساعد على الحد من تأثيرات الوباء، مثل اعادة النظر في بعض الرسوم الضرائب، ومحاولة مساعدة القطاع الخاص للاستمرار بحيث لا يتفاقم موضوع البطالة والذي وصل الى أكثر من ١٥٪؜، وهو معدل مخيف، وله تبعات كثيرة خصوصا وان شريحة كبيرة من السكان هم من فئة الشباب. وقد يكون الوقت مناسبا لإبداع حلول مالية جديدة مبتكرة يستفيد منها القطاع العام والخاص كما ذكرنا ذلك في مقال سابق يحقق أكثر من هدف اقتصادي، ويقلل من التأثير السلبي لاستمرار الجائحة. ولا اتصور انه يمكن الاستمرار في الدعم المباشر إذا ما استمرت الجائحة، مع استمرار معدلات اسعار النفط كما هي منذ مايو ٢٠٢٠م في مستوى ٤٠ دولار للبرميل. عليه لابد من ابتداع حلول وطرق جديدة ومبتكرة في الثلاث سياسات، الاقتصادية، المالية، والنقدية. ولابد من المحافظة على الاجراءات الوقائية بشكل صارم. ولابد من استمرار برامج التوعية بالمرض وخطورة انتشاره وتبعات انتشاره، وعدم التراخي لان امكانية ان نعيش مع الوباء عاما آخر واردة، ولا نتمنى ذلك.

أهم المخاطر؛

أولا؛ تفاقم الضغوط على منشآت القطاع الخاص، مما قد يؤدي الى مزيد من الإفلاسات، أو على أقل تقدير، اتخاذ قرارات الخروج الطوعي من السوق، مما يفاقم البطالة الى مستويات قد تفوق ٢٠٪؜ قبل نهاية العام. يضاف اليها تحدي طبيعي ولكن الجائحة سرعت في حدوثه، وهو اختفاء وظائف نتيجة تطور تقنيات وامكانية استمرار العمل عن بعد. وبالأساس وقبل حدوث جائحة كرونا، الجميع يعرف

ان عديد كبير من الوظائف الحالية سوف تختفي، وعلينا مواكبة التطورات واستحداث وظائف تتناسب مع طور التقنيات وضمان تهيل الشباب لتلك الوظائف.

ثانيا؛ القطاع المالي قد يجد نفسه مع ارتفاع مستوي ديون متعثرة او في طريقها الى التعثر مع استمرار اوضاع القطاع الخاص، وهي سلسلة إذا بدأت يصعب ايقافها، وقد ساهمت المبادرات مع بداية الجائحة الى اعادة هيكلة العديد من الديون للمنشآت وكذلك تأجيل استحقاق الدفعات، ولكن استمرارها أكثر من ذلك، سوف يكون له تبعات غير مرغوبة على القطاع المالي.

ثالثا؛ تراجع حاد في القدرات الشرائية للمستهلكين الافراد، مع زيادة معدلات البطالة، وزيادة التكاليف مع وجود الضريبة المضافة، وكذلك تعدد الرسوم، سوف يحد من معادلة الطلب، مع ما يقابلها من الجانب الاخر في معادلة العرض من تلاشي هامش المناورة في الاسعار، نتيجة ارتفاع الرسوم على منشآت النقاط الخاص.

رابعا؛ قد تتراجع جاذبية بيئة الاستثمار وبالذات ان رؤية المملكة وفي جزء مهم منها تسعى لجذب استثمارات نوعية للمملكة، اذا ما استمرت الظروف غير المواتية، وبعض القرارات التي بحاجة الى إعادة نظر بأسرع وقت ممكن.

بعض الحلول البديلة الممكن التفكير فيها؛

لست ممن يتحمس ويقترح حلول دون وعي وإدراك لتفاصيل الأمور، ولان تفاصيل المعلومات واليات التي تؤدي الى اتخاذ القرار، ليست متوفرة، ولكن هناك بالتأكيد خيارات كثيرة، وهناك حاجة الى ابتكار حلول، لم يسبق ان تطبيقها من قبل.

  1. الضريبة الانتقائية المباشرة على سلع محددة، او ليست اساسية، او سلع الرفاهية. مما يساعد على المحافظة على مستويات استهلاك معقولة تساعد نمو الدورة الاقتصادية بدلا من الحالة الحالية.
  2. ضريبة الدخل لذوي الدخل العالي، او ضريبة الثروات. ضريبة الارباح الرأسمالية. كلها ضرائب، قد تكون بدلا جيدا لزيادة دخل الدولة ذات تأثير سلبي أقل. وان كنت أري في الظروف الحالية ومع المعطيات الواقعية، جميع أنواع الضرائب ليست الحل الافضل لأي بيئة اقتصادية.
  3. تنشيط سوق الصكوك والسندات للقطاع الخاص والمستحقات على الحكومة، بحيث نساعد وزارة المالية على ادارة الميزانية والصرف على ابواب الميزانية، وكذلك القطاع الخاص، من خلال الحصول على النقد واستمرار الاعمال، دون رهن ذلك بدورة الدفع من وازرة المالية.
  4. صناديق التوفير او سندات التوفير بعوائد جيدة وطويلة الاجل يستطيع الجميع محليا ودوليا الاستثمار والمشاركة في ضخ سيولة جيدة.

بالتأكيد ما ذكر أعلاه هو نظره عامة لما يمكن ان يكون عليك الحال لا سمح الله استمرت جائحة كورونا لعام اخر، دون ان ينقشع او ان يوجد لقاح فاعل. وأنا متأكد ان الاجهزة الرسمية رسمت عدد من السيناريوات المحتملة، ووضعت خطط الطوارئ اللازمة. اسال الله ان يحفظ البلاد والعباد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *