الورقة الرئيسة
مستقبل جودة التعليم من خلال التعليم الأهلي
كاتب الورقة: د. محمد الملحم
المعقبون: د. زياد الحقيل ، د. ناصر الملحم
وتدير الحوار د. صالحة آل شويل
حتى 2020 يشــكل قطـاع التعليـم الأهلي بالمملكـة حصـة 10% مـن إجمالـي نشـاط التعليـم النظامـي (وزارة التعليم، 2022) وبحسب إحصائية نشرتها مكة نيوز فإنه بعد جائحـة كورونـا انخفضـت هذه النسبة بسبب تسـرب نسبة لا تقل عن 35% من طلاب المدارس الأهلية إلـى المـدارس الحكوميـة مما كبـد قطـاع التعليـم الأهلي خسـائر بلغـت قيمتهـا حوالـي 4.2 مليـار ريـال. وتقـدر إجمالـي مشاركة التعليـم الأهلي في هذا المجال بأكثـر مـن 30 مليـار ريـال وهو ما ينعكس كتوفير لخزينة الدولة (صحيفة مكة نيوز الإلكترونية ، 2021). وفيما يلي حقائق متنوعة حول التعليم الأهلي:
- عام 2017 أنفق المواطنون 7640 مليون ريال أي أكثر من 5 مليار ريال على الرسوم الدراسية التي يدفعونها لأبنائهم في التعليم الأهلي ولا يشمل ذلك النقل المدرسي والذي وصل إلى قرابة 2 مليار ريال (الهيئة العامة للإحصاء، 2022).
- الزيادة السكانية التي تتخطى 3% سنويا تؤدي بدورها إلى زيادة سنوية كبيرة في عدد من هم في سن التعليم العام ومع الاتجاه نحو الخصخصة فإن هناك إقبالا من رؤوس الأموال على الاستثمار في مجال التعليم حيث العائد مضمون ونسبة المخاطر في هذا المجال تكاد تكون صفرا (الخضاري، 1441).
- الإحصائيات الأخيرة تؤكد أن 29%من مباني مدارس الأهلية صممت لتكون مدارس، بينما 71% من هذه المدارس غير مناسبة للعمل التربوي في معظم الأحيان (الخضاري، 1441).
- بمقارنة التعليم الأهلي أمام الحكومي (دون النظر للأجنبي) فإنه وبحسب الإحصائية الوطنية لعام 2017 حقق نسبة 11% من مجموع التعليمين وعلى مستوى كل مرحلة يمثل طلاب المدارس الثانوية الأهلية 13% والمتوسطة 6% والابتدائية 9% ورياض الأطفال 54% والحضانة 69% (النسب محسوبة لكل مرحلة مستقلة : نسبة التعليم الأهلي بها إلى مجموع التعليمين الأهلي والحكومي) (الهيئة العامة للإحصاء، 2022). وهذه القيم تدل على أن للمرحلة الثانوية الأهلية جاذبية خاصة وأن كلا من رياض الأطفال والحضانة تشكو النقص الحاد في أعداد تلك الحكومية مقابل الأهلية.
وعلى الرغم أن التعليم الأهلي يواجه تحديات وصعوبات ويناشد الوزارة باستمرار للاستماع إلى مطالبه لتسهيل عمله كما أن هناك مراقبون يطالبون أيضا بأهمية وضع استراتيجيات طويلة الأمد لتنمية هذا القطاع (صحيفة عكاظ، 2021) إلا أن غالبية هذه الجوانب كمية في المقام الأول وتنظر إلى الجانب المادي سواء في ما يخص نموذج الأعمال للتعليم الأهلي Business Model وضمان حيويته وبالتالي ضمان العطاء على المستوى الفردي لكل مؤسسة أهلية أو في مجال الاهتمام بالقطاع عموما للحفاظ على قيمته الوطنية في دعم الاقتصاد الوطني ، وتظل هذه النظرة أيضا نظرة كمية لا تهتم كثيرا بالجانب النوعي لذلك فهي غالبا تحوم حول التشريعات والنظم التي تسهل عمل التعليم الأهلي.
أوضح أولا أن هذه الورقة لا تناقش هذه الجوانب الكمية، وإنما تحاول أن تطرح أهمية التعليم الأهلي في “تجويد” التعليم وممارساته في بلدنا ، فمن المعروف عالميا أن المدرسة الأهلية أو المدرسة الخاصة Private School هي رمز للجودة النوعية والتميز عن المدرسة الحكومية حتى في الدول المتقدمة تعليميا فعندما تقول إنك خريج مدرسة أهلية فهو يعني أنك غالبا متميز دراسيا. لكنما المعادلة نفسها لا تنطبق على مدارسنا الأهلية بالضرورة، فمع وجود مدارس أهلية غاية في الجودة والتميز بل هي تنافس مدارس عالمية في مخرجاتها إلا أنها لا تمثل غالبية المدارس الاهلية ولا حتى “أكثرها” بل هي تظل أقلية معدودة معروفة بالأسماء في كل مدينة من المدن الكبيرة وفي المدن الصغيرة فقد تكون مدرسة واحدة أو اثنتين أو ثلاث. هذا الواقع يطرح تساؤلا: إذن لماذا يستمر التعليم الأهلي عموما في الوجود طالما أنه لا يقدم جودة تعليمية عالية؟ والجواب له عدة تفرعات أولها أن هناك فئة من أولياء الأمور يحب أن يؤسس ابنه في مدرسة ابتدائية توفر له “الرعاية” فقط حتى يكبر قليلا ويتعود على جو المدرسة الحكومية والذي قد يكون صعبا عليه في بداية حياته صغيرا فيتحمل نفقات ثلاث أو ست سنوات ثم ينقله إلى مدرسة أخرى حكومية او إلى المتوسطة الحكومية، وثانيها أن هناك فئة تضع أولادها في المدرسة الأهلية لقلة المدارس الحكومية الموثوق فيها في الحي أو الأحياء المجاورة وصعوبة توصيله أبناءه لمدارس حكومية جيدة بعيدة أو حتى عدم قبولها لهم بحكم النظام في توزيع الأحياء، وحيث يكثر التنمر وسوء معاملة المعلمين في المدارس الحكومية القريبة منه فإنه يلجأ إلى المدرسة الأهلية، وثالثها فئة تأخذ أولادها للمدرسة الأهلية اعتقادا أنها الأفضل لأولادهم لضمان درجات عالية على الدوام وهو ما تفهمه جيدا تلك المدارس الأهلية وتقدمه على طبق من الذهب لهذه الفئة من أولياء الأمور “أو الزبائن في الواقع”، وتكثر هذه الظاهرة في المرحلة الثانوية على وجه الخصوص لأسباب معروفة. وفي الماضي كان هناك سبب رابع وهو توفر تدريس اللغة الانجليزية والحاسب منذ صفوف مبكرة ولكن تراجع تأثيره مؤخرا بعد تدريس الإنجليزية في المدرسة الحكومية وكذلك انتشار جهاز الحاسب لقلة ثمنه ووفرة الخبراء بتطبيقاته الشائعة.
بعيدا عن هذا التشخيص الذي ليس هو هدف الورقة بقدر وضع مقدمة مهمة لشرح الواقع فإن المسألة المطروحة تتناول جوانب مهمة في الجودة التعليمية قدمها التعليم الأهلي في بلدنا وتتساءل لماذا لا يستمر العطاء أو كيف يستمر وينتشر عبر المؤسسة التعليمية الحكومية كلها؟
أولى هذه الجوانب هي المشاركة التاريخية المهمة للمدرسة الأهلية في تدريس اللغة الانجليزية ثم الحاسب الآلي مبكرا في الصفوف الابتدائية حيث أثمرت هذه التجربة عن اقتناع الوزارة بتطبيق نفس التجربة (وإن كان بعد سنوات طوال!)
وثانيها ما قدمه نوع معين من المدارس الأهلية وهي تلك المتميزة تعيليميا (على قلتها) من عينات منافسة من الطلاب المتفوقين نتيجة رعايتها لهم واهتمامها بمعلميها، خاصة في مجال”التدريب على رأس العمل” ، الأمر الذي انعكس على المؤسسة التعليمية الأكبر فراحت تهتم بالجانب التدريبي للمعلمين وتشجع الممارسات الجيدة كما أن المدارس الحكومية النشطة أصبحت تستفيد من جاراتها الأهلية وتتعلم منها وتنافسها مما انعكس على حيية تلك المدارس الحكومية الجيدة (على قلتها أيضا).
وثالثها، البيئة المدرسية الجميلة والمريحة التي قدمته تلك المدارس الأهلية مما ساهم في تشجيع المؤسسة الحكومية على تطوير نماذج مبانيها.
رابعها: الاهتمام المبكر برياض الأطفال وتقديم مناهج متميزة ورائدة عالميا مثل منهج منتسوري.
وهناك مظاهر أخرى متنوعة للجودة التعليمية لدى التعليم الأهلي “المتميز” لاشك أنها جديرة بتحقيق قيمة مضافة لجودة التعليم في المملكة وليس هدف هذه الورقة الإحاطة بها شموليا وإنما إعطاء لمحات لما قدمه التعليم الأهلي وما يمكن أن يقدمه مستقبلا لصالح “جودة” التعليم العام لدينا، ومن هذا المنطلق تبرز الأسئلة التالية كملخص لما تستهدفه هذه الورقة:
- إلى أي مدى يمكن للتعليم الأهلي أن يؤثر على التعليم الحكومي (على مستوى المدرسة) من خلال “نشاط منظم” تتبناه وتشرف عليه الوزارة؟
- بالنسبة للفئة الشائعة من المدارس الأهلية المنتشرة في أغلب مدن المملكة والتي لا تزيد عن المدرسة الحكومية سوى في بيئتها الآمنة فقط وبعض الجوانب الشكلية الأخرى، فإلى أي مدى يمكن للجهات التعليمية (سواء الوزارة أو هيئة التقويم) أن تقدم مشروعا تنمويا لتحسين “جودة” التعليم الأهلي تقود فيه برنامجا تحويليا transformative ينقل هذه المدارس من واقعها الحالي “العادي” إلى مستوى يماثل أو يقارب المدارس الأهلية المتميزة أكاديميا لتضمن هذه الجهات الرسمية لأولياء الأمور أن استثماراتهم المالية في أبنائهم وضعت في مكانها الصحيح كما تضمن هي أيضا أن ذلك يمثل بالنسبة لها عمقا “نوعيا” باعتبار أن هذه المدارس تمثلها في نهاية الأمر.
- كيف يمكن للوزارة أن تشجع جودة التعليم الأهلي من خلال شروط نوعية فيمن يشرفون على هذه المدارس ليتمكن التربويون من الاستثمار فيها وتقليل حجم الاستثمار التجاري البحت.
ويمكن طرح أسئلة موازية لهذه وتوصيات على نمطها لأجل الخروج برؤية حول مستقبل جودة التعليم العام في بلدنا من مدخل المدرسة الأهلية، ومع أنه لن يكون الحل الشامل (ولا يوجد حل شامل للقضية التعليمية بل هي عدة مداخل) ولكنه مدخل مهم ومؤثر لو أحسن استثماره حسبما ترى هذه الورقة، مع الشكر للجميع.
مراجع
الخضاري، محمد بن مترك (1441) التعليم الأهلي في المملكة العربية السعودية: ورقة عمل مقدمة ضمن مقرر دكتوراه (التعليم العام النظرية والتطبيق)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، https://www.academia.edu/41681394
الهيئة العامة للإحصاء، 2022، https://www.stats.gov.sa/ar/903
صحيفة عكاظ، 2021، https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2082914
صحيفة مكة نيوز الإلكترونية ، 2021، https://makkahnewspaper.com/article/1547551
وزارة التعليم، 2022 وزارة التعليم | مؤشرات التعليم (moe.gov.sa)