قضية الأسبوع: “نظرة على سوق العمل في المملكة العربية السعودية”

الورقة الرئيسة: “نظرة على سوق العمل في المملكة العربية السعودية”

كاتب الورقة الرئيسي:

ا. خالد الشنيبر

المعقبين:

ا. ابراهيم الناظر ؛ م. سالم المري 

مديرالحوار.

 د. عبد الله الحمود

 

تشخيص البطالة في المملكة

في اي اقتصاد نجد ان اختلاف فئات العمالة وعملية الطلب على نوعية العمالة تعتمد بشكل أساسي على التركيبة الهيكلية للاقتصاد، ومن هذا المنطلق نجد حرص الدول بشكل كبير من خلال وزارة الاقتصاد فيها على تنويع الاقتصاد الداخلي حتى يكون هناك توليد للوظائف بشكل مستمر ومتنوع.

البطالة في سوق العمل بالمملكة العربية السعودية في الوقت الحالي الاقرب لوصفها وتشخيصها هو تعريف البطالة الهيكلية “Structural Unemployment”، وهو عدم التوافق بين فرص التوظيف المتاحة ومؤهلات وخبرات العمال المتعطلين الراغبين في العمل والباحثين عنه، وبتحليل وتشخيص لسوق العمل سنجد أن هناك مؤشرات عديدة تدعم ما ذكرته منها الأقلية لعدد المشتغلين السعوديين بالإضافة لاستمرار استقدام العمالة الوافدة لأن طبيعة “أغلب الوظائف” في سوق العمل هي وظائف متدنية الأجر وبدائية غير جاذبة لتوظيف السعوديين “يستحيل توطينها” ، ولا يعني ذلك انه لا يوجد فرص متواضعة للإحلال ، ولكن اذا اعتمدنا على الاحلال فقط وبتركيز عالي فهذا يعني اننا نعمل على “تدوير للوظائف وليس توليد للوظائف”، مما يحد من قدرتنا على التعامل مع الأعداد المتزايدة من الداخلين المحتملين لسوق العمل، ولذلك أرى كوجهة نظر شخصية أن وزارة الاقتصاد والتخطيط هي المسؤولة بشكل كامل عن ادارة وقيادة هذا الملف، فمسألة اعادة هيكلة سوق العمل ونوعية الوظائف فيه تعتبر مسألة لا تقل أهمية عن أي ملف آخر نعمل عليه في الوقت الحالي.

من الصعب جداً رسم سياسة شمولية لاصلاح سوق العمل بسبب المتغيرات العديدة التي تطرأ وبشكل غير مسبوق، ولكن كلما كانت الاستراتيجية تعتمد على توليد للوظائف بدلاً من التدوير ستكون المهمة أسهل، وكلما كانت الاستراتيجيات مجزئة قطاعياً ومناطقياً فستكون النتائج مُذهلة.

 

التعامل مع قضية البطالة

معادلة خلق الوظائف بسيطة ويمكن تلخيصها بالتالي “حماية المنشآت الحالية وتشجيع دخول منشآت جديدة يعني القدرة على التوسع اقتصادياً مما يعني خلق فرص عمل أكبر”، وهذا الطريق بدأت ملامحه تظهر من خلال الإعلانات المتتالية للمشاريع الحديثة التي تندرج تحت رؤية المملكة، وهذا الأمر لايكفي لاننا ما زلنا في حاجة لحماية المنشآت الحالية حتى نعزز من قدرتها على التوسع وخلق وظائف تساهم في اعادة هيكلة نوعية الوظائف في سوق العمل حتى نخرج من دوامة البطالة الهيكلية.

ما نحتاجه فعلياً بالوقت الحالي وحتى نتمكن من التعامل مع قضية البطالة في المملكة بالشكل الأنسب هو ولادة منشآت جديدة بمختلف أحجامها وَدعم استمرار المنشآت الحالية، فالسوق بشكل عام وعلى الصعيد العالمي يشهد خروج لمنشآت بعدد غير مسبوق بسبب تداعيات أزمة فيروس الكورونا مقارنة بدخول خجول لمنشآت جديدة، وكوجهة نظر شخصية أرى ان التحدي الأكبر في الوقت الحالي هو رفع اعداد منشآت القطاع الخاص بمعدلات اعلى من السابق، وحماية المنشآت الحالية لتقليص معدلات خروجها من السوق وذلك لفترة محددة حتى تتعافى من أثر صدمة أزمة فيروس الكورونا، وبمقارنة عدد الداخلين المحتملين لسوق العمل بشكل سنوي نجد ان هناك ما يقارب ٢٥٠-٣٠٠ ألف مستجد محتمل لدخول سوق العمل، وهذا العدد يحتاج لولادة منشآت إضافية حتى يتم استيعاب توظيفهم.

قد يتسائل البعض عن الرابط بين البطالة الهيكلية وَأهمية حماية المنشآت الحالية وتعزيز من قدرتها على التوسع، والإجابة هنا ممكن تلخيصها بأن توسع المنشآت الحالية يعني قدرتها على توليد فرص وظيفية بمستوى أعلى من الفرص الحالية حتى ولو كانت بعدد أقل، والأثر الأهم هنا هو اعادة هيكلة الوظائف في الاقتصاد من خلال توليد الوظائف التي تتناسب مع مؤهلات وخبرات وقدرات ورغبة المتعطلين والباحثين عن العمل السعوديين حتى نقلل من ما يُعرف بالبطالة الهيكلية.

 

تطوير سوق العمل وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة

المرحلة القادمة ينبغي أن يكون فيها اهتمام وتثقيف وتحفيز أكبر لأصحاب الأعمال في القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال وجود تصنيف للمنشآت وفقاً لتطوير ممارسات الموارد البشرية فيها سيدفع القطاع الخاص الى دعم نجاح العديد من توجهات وأهداف وزارة الموارد البشرية، وسيجعل للوزارة ذراعا قويا يساعدها في النهوض بسوق العمل، مما يعني تقليل الفجوة بين الوزارة والقطاع الخاص في لغة التخاطب، فمسألة تصنيف المنشآت وفقاً لنسبة السعودة فيها كما هو حاصل في برنامج نطاقات لا يكفي لتطوير سوق العمل في المملكة.

وجهة نظري الشخصية أن الحاجة أكبر خصوصاً في الفترة القادمة؛ لوجود تصنيف لمنشآت القطاع الخاص وفقاً لتطوير ممارسات الموارد البشرية فيها، فبالإضافة للقيمة المُضافة التي ستجنيها تلك المنشآت من هذا التصنيف من المهم أن يتم ربط هذا التصنيف بحوافز فعلية لتلك المنشآت، وتكون نتائج هذا التصنيف على موقع إلكتروني تابع للوزارة ويتم تحديثه بشكل ربع / نصف سنوي؛ مما يتيح تنافسا أكبر بين منشآت القطاع الخاص لتطوير بيئة العمل لديها وتطبيق أكبر قدر ممكن من ممارسات الموارد البشرية والتي سيكون لها انعكاس كبير على سوق العمل في المملكة إجمالاً، وعلى تحقيق العديد من مستهدفات رؤية المملكة.

 

قياس نجاح الإصلاحات في سوق العمل “متانة سوق العمل

حتى نتمكن من التعرف على سوق العمل بشكل أكبر في المملكة فهذا يعني اننا في حاجة للإفصاح عن مؤشرات عديدة ومتابعتها بشكل دقيق، ومتانة سوق العمل لا تعني فقط الاعتماد فقط على مؤشر واحد “مؤشر البطالة”، ومن المستحيل قياس متانة سوق العمل بهذا المؤشر الوحيد أبداً بدون وجود لمؤشرات مهمة وأساسية، والأهم من ذلك وجود مرونة في تغيير التوجهات وفقًا لتلك المؤشرات وتغير مسارها عن المستهدفات المرتبطة في المؤشرات الاساسية الاقتصادية والمُعلنة في وثيقة رؤية المملكة، وتلك المؤشرات من المهم أن نجد تقسيم لها مناطقياً حتى يمكن تشخيصها ومعالجة الخلل فيها “إن وجد”.

لو كان بيدي من الأمر شيئاً مع التقدم والتحول التقني الكبير في المملكة لربطت تلك المؤشرات في منصة عامة يتم تحديث بياناتها بشكل مباشر من المنصات الرسمية المعنية بكل ما يخص سوق العمل، ويكون الإشراف عليها من خلال لجنة استشارية مكونة من اعضاء مستقلين ومختصين في “الموارد البشرية، الاقتصاد، المالية”، ومن خلال تلك المنصة سيكون المجال متاحاً للعموم لمشاركة آرائهم ومقترحاتهم بشكل مباشر للجنة التي بدورها ترفع بالتوصيات للجهات الحكومية المعنية بسوق العمل.

 

هناك العديد من المؤشرات المهمة لقياس متانة سوق العمل، وبشكل مختصر من المؤشرات المقترح تواجدها في تلك المنصة:

  • المؤشرات المتعلقة بالإنتاجية.

مثل “الغياب والعمل الاضافي والتقييم العام”.

  • المؤشرات المتعلقة بالديموجرافية.

مثل “عدد الموظفين ومتوسط الأجور والتنوع بين الجنسين والأعمار”.

  • المؤشرات المتعلقة بالهيكل التنظيمي.

مثل “معدل الموظفين بدوام كامل، بدوام مرن، المستوى الهرمي، معدل الدوران، معدل الاستقرار والاستدامة”.

  • المؤشرات المتعلقة بالتوظيف.

مثل “متوسط تكلفة التوظيف، معدل قبول العروض الوظيفية، معدل رضا المتقدمين، معدل اجتياز فترة التجربة”.

  • المؤشرات المتعلقة بالتدريب والتطوير.

مثل “عدد الدورات التدريبية، نسبة العاملين المُدربين، متوسط مدة التدريب، معدل الرضا عن التدريب، متوسط تكاليف التدريب”.

اهم الإصلاحات في سوق العمل

بالرغم من الاصلاحات العديدة الجارية في سوق العمل “نتفق أو لم نتفق عليها”، فلا تزال هناك الحاجة للمزيد من الاصلاحات الجذرية بالإضافة لمراجعة البعض من الاصلاحات التي لم نلمس أثرها كما هو متوقع أو كانت نتائجها عكسية.

 

ابتداءاً من التعليم، ينبغي ان لا نكابر بمخرجات التعليم مقارنة بالإنفاق الحكومي المتزايد على قطاع التعليم، فمستوى المخرجات مازال أقل من مستوى مخرجات الدول التي نستقدم منها “بمقارنة الانفاق الحكومي على قطاع التعليم”، ومع استمرار ارتفاع اعداد الداخلين المحتملين لسوق العمل فينبغي ان نشهد تغير جذري وكبير في استراتيجية التعليم وخاصة التعليم المهني والتقني، والحمل هنا ليس بالسهل على وزارة التعليم ولكن التأخر فيه سيزيد بشكل كبير من التكلفة الاقتصادية وخاصة تكلفة اعادة هيكلة سوق العمل والانفاق الحكومي على القطاع.

من خلال قراءة لرؤية المملكة والمؤشرات المستهدفة، نجد بكل وضوح أن المملكة تعمل على تحسين بيئة العمل ومناخ الأعمال بهدف جذب ثقة المستثمرين الأجانب لضخ استثمارات داخلية، وبنفس الوقت نجد هناك عمل كبير لتحسين ترتيب المملكة في الكثير من المؤشرات التنافسية الدولية وخاصة في مجالي الأعمال وحقوق الإنسان، ولا يعني ذلك أن هناك ضغوطات خارجية على المملكة لتغيير سياستها بالإجبار، فالمملكة ذات سيادة وقوة إقتصادية وتعمل على عدة تدابير إصلاحية مُعلنة لتحقيق مستهدفات رؤيتها ٢٠٣٠.

فيما يخص قطاع الأعمال وبيئة العمل في المملكة، نجد أن سوق العمل يمر بعدة تحديات وتقلبات، فتارة نجد مرونة في تطبيق بعض التوجهات وتارة نجد بعض القرارات القاسية في تطبيقها ولكن تعتبر الخيار الأنسب من ضمن الخيارات المتاحة وفقاً للظروف المصاحبة، وبشكل مبسط يمكن وصف سوق العمل بأنه سوق “هش” يحتاج لحزمة كبيرة من الإصلاحات، وهذا ما نراه من خلال التغيرات الكبيرة التي تم تطبيقها على السوق منذ بضع سنوات ماضية لنقله نوعياً حتى يدعم تحقيق المستهدفات المتعلقة فيه.

ما نراه اليوم في سوق العمل ليس بالجديد أو المفاجئ، وكل ما يتم الاعلان عنه بالوقت الحالي سبق وتم توضيحه في وثيقة التحول الوطني منذ الاعلان عنها قبل عدة سنوات، ونجد ان الهدف الرئيس من كل تلك الإصلاحات هو نقل سوق العمل نوعياً من سوق أدمن على العمالة الوافدة والتي لا تمتلك أي خبرات حقيقية في تخصصاتها أو تمتلك مؤهلات مزورة إلى سوق عمل يتميز بوجود تراكم معرفي من خلاله يمكن نقل الخبرات بشكل أكثر مرونة للأيدي العاملة السعودية، والسنوات الماضية أثبتت أننا استقدمنا عمالة وافدة بشكل عشوائي بلا خبرات في تخصصات حساسة مثل التخصصات الهندسية والصحية وأدى ذلك إلى وقوع أخطاء كارثية، وبنفس الوقت كان هناك استقدام عشوائي لعمالة غير ماهرة في تخصصات مختلفة مما أدى إلى ولادة تستر وتكتل في أنشطة ليس من السهل توطينها، وبسبب ذلك ظلمنا أنفسنا في التركيز على التطور التكنولوجي واستخدام الأتمتة.

احد اهم المبادرات التي اطلقتها وزارة الموارد البشرية هي مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية”، ومن اطلاع على سوق العمل أرى ان هذا التوجه هو أهم إصلاح ينبغي تطبيقه على سوق العمل في المملكة وهو حماية للاقتصاد المحلي، فسوق العمل يحتاج لقواعد تنظيم لحركة انتقال العمالة الوافدة وذلك بشكل أكثر مرونة من الوضع الحالي، ففي الفترة الماضية كان الإعتماد فقط على قرار مجلس الوزراء رقم “826” في عام 1395هـ والمعدل بقرار رقم 759 في عام 1397هـ والذي يختص في قواعد تنظيم حركة إنتقال الأيدي العاملة، وبدون تواجد لتلك المرونة سيبقى سوق العمل في المملكة كمركزاً لتدريب الغير من الوافدين الذي يتم استقدامهم بشكل عشوائي ، وأصبحت تلك العشوائية حاجزًا كبيراً في جذب توظيف الكوادر المحلية حتى بالرغم من تقليل الفجوة بين تكاليف توظيف الكوادر المحلية وتوظيف الوافدين من خلال رفع التكاليف ، وأدى ذلك لتمركز معدلات البطالة بشكل كبير في فئة المستجدين لدخول سوق العمل من الثروة البشرية المحلية ، و أدى ذلك لصعوبة في تطوير سوق العمل وزيادة معدلات التراكم المعرفي فيه مما قلل من الاحتكاك النوعي والذي يساهم في رفع الخبرات والمهارات للمشتغلين السعوديين.

السيناريو المتوقع الذي سيشهده سوق العمل بعد تطبيق المبادرة سيبدأ بصدام كبير بين المتسترين والمُتستر عليهم، وسنرى وقتها ارتفاعاً للحوالات الخارجية وبشكل غير مسبوق ، وسنشهد إغلاقا للعديد من الأنشطة الفوضوية التي تعمل بشكل غير نظامي ، وما أتمناه من وزارة الموارد البشرية بأن لا تستعجل وتستهدف توطين تلك الانشطة بالشكل الكامل حتى لا يتكرر خطأ توطين قطاع الاتصالات والجوالات ، وخلال فترة قصيرة من تطبيق المبادرة سنجد ارتفاع واضح في معدل أجور العمالة الوافدة مما يؤدي لإرتفاع تكاليف توظيفهم ، وهذا الأمر اعتبره “ايجابياً” كونه سيكون عاملاً مهماً في تعزيز وتفضيل توظيف الكوادر المحلية خاصة ذوي المهارات المنخفضة ، وبذلك سيتم بشكل غير مباشر التركيز على تطويرهم وتدريبهم تدريجياً من خلال التراكم المعرفي الذي سيجنونه من الاحتكاك مع الكفاءات بغض النظر عن جنسيتها ، وأرى أن هذا التوجه هو المدخل الرئيسي لتعديل تركيبة سوق العمل عند مقارنة أعداد المشتغلين وفقاً للجنسيات والذي من خلاله يتضح أن الأقلية في سوق العمل هي للعمالة المحلية.

 

العلاقة بين المشتغلين السعوديين والمشتغلين الغير سعوديين في سوق العمل

أغلب القرارات المؤثرة على سوق العمل في الخمس سنوات السابقة كانت تستهدف تقليل الفجوة بين تكلفة توظيف السعوديين والغير سعوديين، وبشكل واضح من خلال إحصائيات ونشرات سوق العمل تبين لنا بأن العلاقة بين توظيف السعودي والغير سعودي هي علاقة طردية بحتة وليست عكسية، وتركيبة الوظائف في الاقتصاد السعودي تختلف جذرياً عن باقي أسواق العمل في العالم أجمع، ولا يمكن استنساخ التجارب الدولية بشكل كامل على سوق العمل في المملكة وننتظر من ذلك نفس النتائج التي تحققت في أسواق الدول التي تم استنساخ التجارب فيها، ولذلك من المهم الحذر عند التعامل مع هذا الملف “مدة وَ آلية”، وعدم الإعتماد فقط على أساس الأجر لأن المسألة هي تشوهات في سوق العمل وتحتاج لترميم وترقية.

أستغرب بأن البعض يشكك في العلاقة بين سياسة العرض والطلب وتأثيرها على الأجور في القطاع الخاص بالرغم من أن تلك العلاقة هي أوضح علاقة ممكن استنتاجها في سوق العمل، وبإختصار هي المعيار الوحيد المؤثر على أجور القطاع الخاص بالوقت الحالي، وهذا المعيار قد نجد بسببه تشوهات وحالات نادرة في سوق العمل، فعلى سبيل المثال وصل أجر وظيفة “معقبين العلاقات الحكومية” في العام الذي تم تطبيق فيه مهلة “تصحيح العمالة” لأرقام أعلى من وظائف المهندسين في التخصصات النادرة وأعلى من متوسط الأجور في سوق العمل بشكل كبير، والسبب في ذلك كثرة الطلب على الوظيفة والتي لا يمكن شغلها إلا من خلال كوادر سعودية بالإضافة لقلة “المتخصصين والمميزين فعلياً” في هذا المجال، وهناك أمثلة أخرى كثيرة على ذلك.

 

تعامل وزارة الموارد البشرية مع أطراف سوق العمل

القطاع الخاص هو قطاع ربحي وليس قطاع رعاية اجتماعية، ولا يعني ذلك أن القطاع الخاص ليس له أي دور في ارتفاع أو انخفاض معدلات البطالة، ولا يعني ذلك أن للقطاع الخاص الحق في فصل وتسريح العاملين فيه بشكل عشوائي، ولكن ما نحتاجه حتى يكون لدينا سوق عمل صحي هو وجود ضوابط واضحة ومنصفة بين طرفي سوق العمل، وتطبيق صحيح لأصل العلاقة العمالية بين العامل وصاحب العمل بدون أي حماية مفرطة لطرف على الآخر.

 

تغيير السياسات في سوق العمل لمواكبة المتغيرات يعتبر أمراً صحياً، ولكن من المهم أن يكون التغيير الحاصل حامياً لجميع الأطراف “العامل وَ صاحب العمل” وليس بشكل مفرط لطرف على الآخر، ولتوضيح ذلك بمثال بسيط نجد أن الحماية المفرطة للعامل من التسريح “الحماية الشديدة” تتسبب بزيادة تكلفة توظيف العمالة مما يؤدي ذلك إلى إرتفاع في معدلات البطالة، وبناءاً على ذلك نجد أننا تسببنا في ضياع فرص توسع أصحاب العمل، وخسارة ولادة فرص وظيفية في السوق يتم من خلالها التوظيف الجديد للداخلين المحتملين لسوق العمل.

قوانين العمل غير المرنة والتي ترفع من كلفة الاستغناء عن الموظفين أو تمنح الموظفين حماية ومميزات مفرطة تجعل أصحاب العمل يترددون في التوسع بالتوظيف، وبدلاً من أن تتحول تلك القوانين لحماية العامل نجد أنها سبباً رئيسيًا في ارتفاع معدلات البطالة، وأيضاً تعتبر سبباً لتسريب الوظائف لخارج المملكة وتؤدي إلى إغلاق لمنشآت كانت قادرة على الاستمرار ومن الممكن خلالها خلق وظائف للسعوديين مستقبلاً، وهذا الأمر نتعايشه بالوقت الحالي في سوق العمل.

هناك العديد من مواد نظام العمل الحالية فيها حماية مفرطة لطرف على الآخر، ومثل تلك المواد بمقارنتها مع اسواق العمل سواء كانت المجاورة “الخليج” أو اقتصادات الدول الكبرى سنجد أننا نمنح فيها العامل حماية اضافية لها اثر سلبي على الانتاجية، ومثال على ذلك الاجازات المرضية وبعض المواد المتعلقة في غياب العامل عن العمل بدون عذر، والأدهى من ذلك بأن الفترة الحالية تشهد مناقشات بخصوص تعديلات اضافية على نظام العمل تشمل على حماية ومميزات اضافية للعامل بحجة استهداف توظيف عدد اكبر من المتعطلين، منها على سبيل المثال مقترح تخفيض ساعات العمل بشكل مفاجئ من ٤٨ ساعة إلى ٤٠ ساعة اسبوعياً في جميع الأنشطة، وكوجهة نظر شخصية أرى أن نتائج تلك التعديلات ستكون صادمة للسوق وبعكس ماهو مستهدف له، وللإحاطة ما ذكرته أعلاه هو تشخيص لسوق عمل نجد فيه الأقلية للعمالة المحلية، وقابل للتغيير مع تغيير تركيبة الجنسيات فيه.

بالوقت الحالي تم تطبيق نظام العمل المرن، وهذا التوجه من التوجهات المميزة التي عملت عليها وزارة الموارد البشرية، وكمختص في الموارد البشرية أرى أن أثر هذا البرنامج سيكون مميزاً في السنوات القادمة، ولكن من المهم أن يتم تدارك أي تغييرات جديدة تشمل حماية أو مميزات مفرطة للعامل على صاحب العمل حتى لا نتحول لسوق يطغى عليه العمل المرن بنسب تتجاوز العمل الكامل مما يتسبب ذلك في خلق قضايا اقتصادية واسعة، فتكلفة التوظيف هنا ستكون عالية ولن يعي أمرها إلا اصحاب العمل او المختصين في سوق العمل.

 

استغرب من بعض المطالبات بالحماية والمميزات المفرطة للعامل في القطاع الخاص بحجة الأمان الوظيفي، فاليوم نجد أن الأمان الوظيفي أصبح هاجساً اختلف في تعريفه العديد من أطراف سوق العمل، والأغلب ربطه بطريقة خاطئة أشبه بالمطالبة بعلاقة لا نهاية لها بين العامل وصاحب العمل، وهذا الربط خاطئ وغير صحي أبداً لسوق عمل عانى لسنوات طويلة من تشوهات ونعمل اليوم على معالجة تلك التشوهات المتراكمة فيه.

ولذلك من المهم ان يكون هناك توازن في قرارات الوزارة على سوق العمل حتى لا يكون هناك حماية مفرطة لطرف على الآخر.

 

برنامج نطاقات

برنامج نطاقات تم تصميمه كمقياس لمعدلات السعودة “التوطين” في منشآت القطاع الخاص واعتباره المحرك الأساسي لتطبيق “السعودة”، أي ان البرنامج يعتمد بشكل كامل على الجانب الكمي متجاهلاً الجانب النوعي في توظيف الأيدي العاملة المحلية.

البرنامج يميل إلى عملية تقسيمية فقط لا غير دون تحقيق الفائدة المرجوة من تعريف السعودة الحقيقي وهو “تطوير الأيدي العاملة المحلية لتحل بدلاً من الأيدي العاملة الأجنبية”، وبمعنى آخر تم استخدام البرنامج كأداة للدفع بالتوظيف بأكبر قدر ممكن فقط لا غير وكمتطلب لإنهاء الإجراءات حتى تبقى المنشآت في المناطق الآمنة.

 

مراحل تطوير نطاقات

انطلق برنامج نطاقات في عام ٢٠١١م كبداية لتحفيز توطين الوظائف، ومر البرنامج على عدة مراحل أولها وضح حد أدنى للأجر لاحتساب السعودي في برنامج نطاقات وذلك في عام ٢٠١٣م، وبعدها بعام تم اطلاق النسخة الثانية من البرنامج، وفي عام ٢٠١٦م تم زيادة تصنيف الأنشطة وأحجام المنشآت، وبعدها بعام تم تعديل نسب التوطين، وفي عام ٢٠٢٠م تم رفع الحد الأدنى للأجر للاحتساب في برنامج نطاقات ليصبح ٤٠٠٠ ريال، وفي عام ٢٠٢١م تم اطلاق برنامج نطاقات المطور.

 

نطاقات الموزون

قبل عدة سنوات أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن قرار تطبيق برنامج “نطاقات الموزون” على منشآت القطاع الخاص، والذي من خلاله عملت الوزارة بالاهتمام في الجانب النوعي في عمليات التوظيف بالإضافة إلى الجانب الكمي من خلال تطبيق خمسة معايير رئيسية في البرنامج وهي:

١- نسبة السعوديين من القوى العاملة بالمنشأة.

٢- نسبة النساء السعوديات في القوى العاملة بالمنشأة.

٣- متوسط أجور السعوديين بالمنشأة.

٤- متوسط الاستدامة الوظيفية للسعوديين.

٥- نسبة السعوديين في المناصب القيادية الأعلى أجراً في المنشأة.

 

ونلاحظ من خلال هذا التوجه أن البرنامج سيكون مفتاحا اساسياً في تحقيق العديد من أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠، وبشكل أفضل من وضعه الحالي الذي يعتمد على الجانب الكمي، ولكن للأسف لم يتم تطبيق هذا البرنامج حتى الآن.

 

تحليل شخصي لبرنامج نطاقات الموزون

الموارد البشرية ثقافة تأخرنا “كسوق عمل” في إعطائها أهمية للمشاركة في قرارات الأعمال، وكثير من المنشآت ما زالت تتجاهل أهمية دور قسم الموارد البشرية في نجاح وتطور المنشآت ومدى انعكاس ذلك على سوق العمل، وخلال السنوات الماضية كان التعامل مع قسم الموارد البشرية كقسم مسؤول عن عمليات روتينية كإنهاء اجراءات خاصة بالموظفين فقط لا أكثر، وكانت النظرة للقسم نظرة سلبية كونه قسماً غير ربحي داخل المنشأة، وهذه النظرة خاطئة وخطيرة؛ لأن العديد من الممارسات والدراسات أثبتت أن قسم الموارد البشرية هو القلب النابض للمنشأة وله دور رئيسي في زيادة الأرباح وتخفيض التكاليف.

لو قامت الوزارة بتطبيق برنامج “نطاقات الموزون” في ذاك الوقت لكان الوضع مغايراً بشكل كبير عن الوضع الحالي، ولكن السبب الرئيسي لعدم تطبيق ذلك من وجهة نظري أن الإحصائيات كان من الصعب الحصول عليها في ذاك الوقت إلكترونياً، ولو رجعنا للعديد من الدراسات المختصة في تحليل الموارد البشرية فسنجد أن هناك ممارسات عديدة لها تأثير في عملية نجاح التوظيف واستقرار الموظفين بالقطاع الخاص، ووجود تلك الممارسات بربطها مع الأوزان في برنامج نطاقات سيشكل نقلة نوعية كبيرة في سوق العمل والعاملين فيه، وأهم تلك الممارسات:

·       الهيكل التنظيمي للمنشأة. ·       الوصف الوظيفي.
·       دليل تصنيف الكفاءات. ·       سلم درجات وظيفية مرتبط بالأجور.
·       برامج لتدريب حديثي التخرج. ·       برامج التدرج الوظيفي.
·       برامج تدريب القادة. ·       التقييم السنوي للموظفين.
·       سياسات العمل الداخلية. ·       التقييم السنوي للتدريب.
·       استخدام التقنية. ·       نماذج أعمال الموارد البشرية الداخلية.
·       تفعيل مؤشرات أداء الموارد البشرية. ·       سياسة الاحلال الوظيفي.
·       سياسة الصحة والسلامة المهنية. ·       مبادرات توظيف العنصر النسائي والمعاقين.

ربط تلك الممارسات في أوزان برنامج نطاقات سيشكل نقلة نوعية في سوق العمل، وسيتحول بشكل كبير لسوق جاذب للأيدي العاملة المحلية بالإضافة للكفاءات العالمية كما هو مستهدف في وثيقة التحول الوطني ووثيقة رؤية المملكة.

 

برنامج نطاقات المطور

أعلنت وزارة الموارد البشرية عن إطلاق برنامج نطاقات المطور، وبحسب ما تم الاعلان عنه يقدم البرنامج ثلاثة مزايا رئيسية، الأولى “خطة توطين واضحة الرؤى وشفافة لمدة ثلاثة سنوات قادمة بهدف زيادة الاستقرار التنظيمي لدى منشآت القطاع الخاص”، الثانية “العلاقة الطردية بين عدد العاملين ونسب التوطين المطلوبة لكل منشأة من خلال معادلة خطية ترتبط بشكل متناسب مع عدد العاملين لدى المنشأة”، والثالثة “تبسيط تصميم البرنامج من خلال دمج تصنيفات الأنشطة لتكون ٣٢ نشاط بدلاً من ٨٥ نشاط”.

 

تطبيق نطاقات المطور والأثر على المنشآت بعد جائحة فيروس كورونا

هيكلة وتركيبة منشآت القطاع الخاص في فترة ما قبل فيروس كورونا لا يمكنها استيعاب الداخلين المحتملين لسوق العمل من السعوديين، ولا حتى المتعطلين إذا كان الاستهداف وظائف ذات أجور متوسطة، فالقاعدة الوظيفية محدودة وتسيطر عليها الوظائف الدنيا بشكل كبير، ولذلك من المهم أن نرى تحركًا سريعًا من الجهات المعنية لإعادة النظر في التشريعات والتنظيمات الحالية، وبرامج التحفيز والدعم للقطاع الخاص، فالظروف الحالية تستدعي أن نرجع خطوة في التعامل مع قضية البطالة؛ لتكون البداية من إستراتيجية تتركّز في تقوية المنشآت الحالية، ودعمها قدر الإمكان، بالإضافة لإستراتيجية لزيادة عدد المنشآت بمعدلاتٍ أكبر على المدى القريب، خاصة الصغيرة والمتوسطة.

مازالت اقتصادات العالم تعاني من تبعات أزمة فيروس الكورونا، وهذا الأمر متوقع ولن يمر بالسهولة التي يتخيلها البعض، وستمتد آثاره لفترات ليست بالقصيرة، ومع كل متغيرات اقتصادية نجد الحاجة لإعادة النظر في العديد من الملفات التي تخص القوى العاملة والبطالة والتي تعتبر من أهم المؤشرات الإقتصادية، وما لمسناه من الأزمة الحالية يستدعي اتخاذ العديد من القرارات حتى ولو كانت مؤلمة ولكن بحذر شديد حتى لا نزيد من الطين بله.

تطبيق برنامج نطاقات المطور هو بالأحرى مجرد رفع لمعدلات التوطين، والتأثير السلبي الأكبر على سوق العمل هو توجه الوزارة لدمج الأنشطة واستخدام معادلات إحصائية غير منطقية في كيفية احتساب أساس معدلات التوطين.

 

الأهداف المُعلنة عن برنامج نطاقات المطور

بالرجوع للأهداف المعلنة عن تطبيق نطاقات المطور، نجد ان الوزارة حددت أهداف من تطبيق هذا البرنامج، وسأضيف لذلك تصوري الشخصي عن الأثر المتوقع لكل هدف:-

 

  • يدعم البرنامج مبادرات التحول الاستراتيجي لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

وجود مؤشرات أداء هو أحد ركائز الوزارة في تحولها الاستراتيجي، ولذلك سنجد تحديثات بشكل دوري على برنامج نطاقات تماشياً مع توجهات الوزارة.

  • توفير وظائف جاذبة للباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات.

ما قامت عليه الوزارة هو دمج الانشطة ورفع معدلات التوطين، اي ان التوجه مازال كمياً وليس نوعياً، ولذلك لا أرى اي رابط بين استهداف توفير فرص جاذبة للباحثين عن العمل وتطبيق هذا البرنامج، وبتحليل أكبر للمستهدفات سنجد ان عملية دمج الانشطة قد اضرت في نوعية الوظائف، فعلى سبيل المثال نجد ان معدلات التوطين المطلوبة للبقاء في المناطق الآمنة خلال الثلاث سنوات لأنشطة “المغاسل والحلاقة الرجالية” أعلى من معدلات التوطين المطلوبة في الانشطة التالية:

– البنية التحتية للاتصالات.

– التشغيل والصيانة للاتصالات.

– التموين والإعاشة.

– الصالات والمراكز الرياضية.

– الصناعات البتروكيماوية.

– الكهرباء والغاز والمياه.

– المناجم والمحاجر.

– أنشطة البريد.

– مراكز ذوي الإعاقة.

– الإنتاج الزراعي والحيواني.

 

  • زيادة مساهمة السعوديين والسعوديات في منشآت القطاع الخاص.

رفع معدلات التوطين في البرنامج بالتأكيد سيعزز من الجانب الكمي لأنه يعتمد عليه بشكل كامل، وما اخشاه من الرفع الغير مدروس لمعدلات التوطين ومع التحول التقني الكبير الذي بدأ ادراكه عالمياً وتطبيقه على قطاع الاعمال هو التوجه لتصدير الوظائف خارجياً في كثير من المهن.

  • تقديم خطة توطين واضحة تستمر لمدة ثلاث سنوات.

نجد أن الوزارة ستتجه لرفع معدلات التوطين بشكل سنوي وبشكل مُعلن مسبقاً “خارطة طريق” حتى تتجهز المنشآت لذلك بدلاً من المفاجآت الغير متوقعة “بالرغم من تحفظي على بعض النسب المعدلة”.

  • رفع جودة تحسين العلاقة الطردية بين عدد العاملين ونسبة التوطين المطلوبة.

ما تم إعلانه من آلية ليست لها أي علاقة في تحقيق هذا الهدف.

  • معالجة نسب التوطين القائمة على حجم وكم المنشآت.

ما تم إعلانه من آلية ليست لها أي علاقة في تحقيق هذا الهدف، وسنرى تخوف من التوسع للعديد من المنشآت وغياب لتواجد منشآت بأحجام كبيرة وعملاقة.

  • تحسين بيئة العمل وجعلها جاذبة للقوى العاملة الوطنية.

لا يوجد اي رابط بين رفع معدلات التوطين “كمياً” وبين تحسين بيئة العمل وجعلها جاذبة للقوى العاملة الوطنية، حيث لا يوجد اي مستهدف له تأثير في تحسين بيئة العمل لمنشآت القطاع الخاص من تطبيق هذا البرنامج.

  • توفير ٣٤٠ ألف وظيفة بنهاية عام ٢٠٢٤م

كوجهة نظر شخصية أرى ان الوزارة لم تراعي التطور التقني والتكنولوجي في هذا الجانب، فهي تعتمد في هذا البرنامج على الإحلال والذي يقابله بنفس المسار خروج لمنشآت من السوق أو تقليص لأعمالها بالتحول التقني، وهذا المستهدف قد يتحقق فقط في حالة وجود ولادة لمنشآت حديثة في السوق.

تحليل شخصي لبرنامج نطاقات المطور

كوجهة نظر شخصية أرى أن الوزارة لم تستفد من فرص كبيرة في “برنامج نطاقات” للتحكم في الكثير من المؤشرات المهمة في سوق العمل، وجعله سوقاً تنافسياً بدلاً من حصر تقييم النطاقات في البرنامج على الجانب الكمي بشكل أساسي ومستدام، وأرى أن أهم المعايير الرئيسية للاستفادة من هذا البرنامج بالشكل المأمول هو ربطه مع ثلاثة عوامل رئيسية “معدلات التوطين، الأجور، ممارسات الموارد البشرية داخل المنشأة”، وسأتطرق لكل عامل منهم بشكل مختصر.

فيما يخص عامل معدلات التوطين، فأنا اتفق بشكل تام مع توجه الوزارة في رسم خارطة طريق لسنوات قادمة حتى تتجهز المنشآت لذلك، وكقراءة شخصية من المهم أن يتم توسيع الانشطة الرئيسية حتى نكون أكثر انصافاً بدلاً من عملية الدمج، ومن المهم الأخذ بالاعتبار أن لنجاح توجه الوزارة “كمياً” يحتاج ذلك لولادة منشآت حديثة مع المحافظة على المنشآت الحالية، ولذلك الحذر مهم قبل أي تطبيق أو اعتماد لمعدلات توطين قد تكلف الكثير مستقبلاً.

أما بالنسبة لعامل الأجور، فمن المهم ربط البرنامج مع أجور العاملين في المنشآت، فالوافد الذي يتقاضى أجرا مرتفعا ينبغي أن يكون احتسابه بوزن أكبر، وبنفس الأمر للعامل السعودي الذي يتقاضى أجرا مرتفعا ينبغي أن يكون احتسابه بوزن أكبر في البرنامج حتى نصل لتحفيز توظيف الأيدي العاملة السعودية بالوظائف المتوسطة والعليا.

العامل الثالث الذي أرى أهمية كبيرة لوجوده هو ربط البرنامج مع ممارسات الموارد البشرية التي يتم تطبيقها داخل المنشآت، وهذا الأمر سيدفع القطاع الخاص الى التخاطب بلغة واحدة مع الوزارة مما يساهم ذلك في دعم نجاح العديد من توجهات وأهداف الوزارة المستقبلية، وسيساهم بشكل كبير في تطوير سوق العمل من خلال تطبيق ممارسات تستهدف “الثروة البشرية.

وكوجهة نظر شخصية أرى ان هناك اختلاف جذري للأثر من هذا البرنامج مقارنة بالأهداف المعلن عنها وذلك على النحو التالي:

  • دمج الأنشطة يعتبر خطأ جذري في برنامج نطاقات المطور، وذلك لسببين رئيسين:

١- الانشطة تختلف في طبيعتها وهيكلة وظائفها ومن الصعب ان تجد تشابه في ذلك.

٢- التسارع والتطور التكنولوجي في العديد من الانشطة سيؤدي لاختفاء العديد من الوظائف.

  • لا يوجد أي تطور أو اختلاف عن النسخ السابقة سوى برفع نسب التوطين.

 

التوظيف الوهمي

كوجهة نظر شخصية اعتقد ان المسمى الفعلي لهذه الظاهرة هو التوظيف الغير منتج، فهناك علاقة عملية بين الطرفين من خلال عقد عمل، ولذلك لا يمكن وصفها بالتوظيف الوهمي، وفي هذا الجانب من المهم تشخيص تلك الظاهرة والوقوف على أسباب نشوءها وإيجاد الحلول لها، فلو كانت هناك مرونة ومنطقية في بعض القرارات التي يتم تطبيقها على سوق العمل فلن نجد تواجد لمثل تلك الظاهرة، ولذلك الأساس هنا هو معالجة الخلل ابتداءاً من التشريعات التي يتم تطبيقها على سوق العمل.

 

تفضيل العمل بالقطاع الحكومي على القطاع الخاص

من الأسباب الرئيسية لعزوف العديد من الأيدي العاملة المحلية عن العمل في القطاع الخاص وتفضيل العمل في القطاع الحكومي هو الأمان الوظيفي، فالعديد من الباحثين عن العمل يرون في الوظيفة الحكومية أماناً وظيفياً عالياً واستقراراً أكثر مقارنة بالقطاع الخاص؛ مما دفع العديد منهم لانتظار الوظيفة الحكومية حتى لو وصلت المسألة للبقاء على قائمة العاطلين عن العمل لسنوات، وبغض النظر عن المزايا التي تُعرض عليهم من أغلب منشآت القطاع الخاص، وأنا على يقين بأن وجود اهتمام أكبر في تطوير ثقافة الموارد البشرية في سوق العمل من خلال منشآت القطاع الخاص سيكون دافعا قويا لتغيير هذه النظرة السلبية، فالقطاع الحكومي لوحده لا يمكنه استيعاب جميع الداخلين في سوق العمل، وبنفس الوقت افتقارنا لوجود بيئة عمل جذابة في منشآت القطاع الخاص ومطالبة الموظفين بجهد وإنتاجية عالية في ظل الافتقار لبيئة عمل مناسبة يعتبر سببا رئيسيا لارتفاع معدلات الدوران الوظيفي والتخبطات الحاصلة في الوقت الراهن؛ مما أدى ذلك لانتشار “عرف” ضعف الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، ويمكن تلخيص ذلك بأن بيئة العمل في القطاع الخاص ما زالت تحتاج إلى جهد كبير لنقلها إلى مرحلة جاذبة لاستقطاب الأيدي العاملة المحلية.

 

توطين المهن

توطين المهن يعني أننا نعمل على التركيز على المهن التي مسارها الوظيفي مميز ولها مستقبل وظيفي واضح، وهذا التوجه يعتبر أنسب من غيره من التوجهات العامة العشوائية، وهو الأساس للخروج من دوامة دفع المتعطلين في الوظائف التكميلية والهامشية التي يكون معدل الدوران الوظيفي فيها عالياً، وكوجهة نظر شخصية أرى أن العمل عليه يحتاج لإختيار الوقت المناسب لتطبيقه حتى نلمس آثاره.

ما أخشاه في الوقت الحالي هو التسرع في تطبيق القرارات لمحاولة مواجهة واقع ارتفاع معدلات البطالة، وهذا التسرع سببه الرئيسي المركزية البحتة والتأخير الغير مبرر في تطبيق الإصلاحات على سوق العمل في فترة ما قبل أزمة فيروس الكورونا، فالوقت اليوم ليس بالأمس حينما كانت لدينا منشآت قادرة على مواجهة التحديات تلو الأخرى، أما اليوم فالوضع مغاير بتاتاً والتحديات أصبحت أكثر من السابق، وتأثير تطبيق أي قرار لن يكون بنفس مدى تأثير تطبيقه في السابق.

 

في هذا الوقت الصعب على سوق العمل والقطاع الخاص، لا أتمنى ان تكون محصلة قراراتنا هو ارتفاع أعداد المكاتب التي قامت المنشآت السعودية بإنشائها خارج المملكة لتشغيل العديد من إداراتها، ومن خلالها سربنا وظائفنا وَ وفرنا فرص عمل حقيقية للغير بدلاً من توفيرها للداخل، وبسببها ارتفعت الحوالات لخارج المملكة.

 

التوصيات لتطوير سوق العمل

  • تفعيل دور لجان التوطين في إمارات المناطق الإدارية وفك المركزية عنها.
  • الاعتماد على التقسيم الجغرافي في تحديد قرارات التوطين بسبب التوسع الجغرافي الكبير للمملكة، واختلاف التقاليد الاجتماعية من منطقة لأخرى، فعلى سبيل المثال بالإمكان تأنيث وظائف الاستقبال في الفنادق بمدينة الدمام ولكن من الصعب تطبيق نفس القرار في وادي الدواسر.
  • تطبيق نطاقات الموزون بعد احداث تعديلات عليه كما تم تفصيله أعلاه.
  • استحداث وكالة لسوق العمل في وزارة الاقتصاد والتخطيط.
  • اشتراط وجود خبرات عملية سابقة في ادارات الموارد البشرية بالقطاع الخاص في اي عملية توظيف للقيادات في الوكالات المعنية بسوق العمل في وزارة الموارد البشرية.
  • إنشاء شهادة مهنية احترافية سعودية للموارد البشرية.
  • وجود هيئة مستقلة لتخصص الموارد البشرية شبيهة بهيئة المقاولين والمحاسبين.
  • وجود لجنة مختصة في سوق العمل في جميع الغرف التجارية في المملكة.
  • رفع معدلات التوطين في نشاط القطاع الصناعي تماشياً مع فترة الإعفاء عن سداد المقابل المالي للعمالة الوافدة في نفس النشاط التي اقرتها الدولة لهم.
  • تطوير نشرات سوق العمل الدورية بإضافة مؤشرات إضافية خاصة في الاستبقاء والدوران الوظيفي وربطها بالمناطق.
  • إلغاء مايعرف بعقد العمل مفتوح المدة، وتعميم عقود العمل محددة المدة.
  • اعادة النظر في دمج الانشطة في برنامج نطاقات المطور.
  • الاهتمام في زيادة معاهد التدريب للقطاع الصناعي.
  • تغيير هيكلة معارض التوظيف لتشمل برامج تدريبية وندوات مكثفة، وتكون تحت إشراف وزارة الموارد البشرية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *