قضية الاسبوع: الابعاد الجيوبوليتيكية للوضع الراهن في جنوب البحر الأحمر

الورقة الرئيسة لقضية الأسبوع

الابعاد الجيوبوليتيكية للوضع الراهن في جنوب البحر الأحمر

كاتب الورقة: د. خالد محمد باطرفي

تعقيب: أ. سليمان العقيلي

تعقيب: د تركي القبلان

 

يُعدّ جنوب البحر الأحمر منطقة ذات أهمية جيوبوليتيكية إقليمية ودولية كبيرة، نظراً لموقعه الاستراتيجي على مفترق طرق تجاري رئيسي يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، عبر مضيق المندب وقناة السويس. كما تحيط بالمضيق ممرات مائية دولية  هامة في خليج عدن وبحر العرب وسواحل القرن الافريقي وشرق افريقيا.

وسنويا تمر ما يقارب 21 ألف سفينة، حاملة ما يقارب 30% من تجارة النفط والغاز الطبيعي و 12% من حجم التجارة العالمية،

كما يُعدّ مضيق باب المندب، الواقع في جنوب البحر الأحمر، بوابة عبور رئيسية للتجارة العالمية، مما يجعله عرضة للقرصنة والتهديدات الأمنية.

وتُشكل الأنشطة العسكرية في المنطقة، مثل التدريبات العسكرية والوجود العسكري الأجنبي، المتمثل في اساطيل عسكرية وقواعد بحرية وجوية لقوى عالمية عظمى غربية وشرقية متنافسة ومتحالفة، خاصة في جيبوتي والصومال، تحديًا لأمن الملاحة الدولية.

وأدّت الاشتباكات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن إلى تصاعد التوترات بين الدول الإقليمية، مثل السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة واسرائيل في اوقات وظروف مختلفة.

كما ادت الى تعزيز التدخل الدولي في المنطقة، مع زيادة وجود القوات البحرية الدولية في البحر الأحمر والبحار التي يصب فيها.

وساهمت هذه الاشتباكات في زعزعة استقرار المنطقة وجعلتها أكثر عرضة للصراعات الإقليمية والدولية.

ومن ناحية أخرى، ضاعفت التهديدات الملاحية تكلفة التأمين على النقل البحري وبالتالي رفعت أسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية على سكان البلدان المشاطئة، بما في ذلك اليمن.

وهكذا فقد تأثرت عمليات الشحن من شرق آسيا إلى ميناء ايلات، ولكنها لم تحاصرها في ظل توافر الشحن البري والجوي والبحري عبر موانئها على البحر الأبيض المتوسط.

ومن المرجح أن تستمر الأزمة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن في المدى القريب، مع استمرار الصراعات الإقليمية والدولية في المنطقة.

ومن الممكن أن تتفاقم الأزمة وتؤدي إلى صراع إقليمي واسع النطاق، خاصة مع تصاعد التوترات بين حلفاء إيران والمجتمع الدولي على خلفية الحرب في غزة، ودخول اساطيل اجنبية على الخط، بما ذلك التابعة للولايات المتحدة ودول اوروبية والصين وروسيا والهند.

ولذا فمن المهم تكثيف الجهود الدولية لتسوية الأزمات التي تعيشهاالمنطقة سلميًا، من خلال الحوار والتفاوض بين الدول الإقليمية والدولية. وتقود السعودية هذا التوجه بعد اتفاقها مع ايران بضمانة الصين، وإرسائها لهدنة في الحرب اليمنية وقيامها مع عمان بدور نشط في الوساطة بين أطراف النزاع.

ويواجه جنوب البحر الأحمر حالياً عدّة تحديات، منها:

* الصراعات الإقليمية: تشهد المنطقة صراعات إقليمية، مثل الحرب في اليمن، والصراع على النفوذ بين السعودية وإيران، مما يُؤثّر على الاستقرار والأمن في المنطقة.

* تدخل بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، في شؤون المنطقة، مما يُؤثّر على التوازنات الإقليمية.

* التهديدات الارهابية من قبل جماعات ومليشيات مسلحة (مدعومة من قوى إقليمية ودولية) مثل الحوثي والقاعدة وداعش وحزب الله، مما يُؤثّر على أمن الملاحة البحرية والتجارة الدولية.

* تأثير التغيرات المناخية على المنطقة بشكل كبير، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يُهدّد المناطق الساحلية والتنوع البيولوجي.

* المخاطر البيئيّة حيث تشكل الضربات الصاروخية والجوية على ناقلات النفط خطرا داهما على البيئة البحرية والثروة السمكية نتيجة اغراق السفن وتسرب المواد النفطية والكيماوية قد تمتد لعقود قادمة.

وتتلخص انعكاسات الوضع الراهن على البعد الجيوبوليتيكي الإقليمي فيما يلي:

* التنافس على النفوذ: تسعى بعض الدول الإقليمية الرئيسية، مثل السعودية وإيران والامارات وتركيا واسرائيل ومصر، إلى توسيع نفوذها في المنطقة، مما قد يُؤدّي إلى صراعات إقليمية.

* التوترات الأمنية: تُؤدّي الصراعات الإقليمية والتدخلات الخارجية إلى توترات أمنية في المنطقة، مما يُهدّد الاستقرار والأمن الإقليمي.

* أزمة اللاجئين: تُؤدّي الصراعات الإقليمية إلى نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين، مما يُؤثّر على الدول المجاورة.

* المخاطر البيئية: تخلق الصراعات وتلوث البيئة، وخاصة البحرية، مناخا قاتلا للحياة الطبيعية والاقتصادية والتجارية، خاصة في مجالات صيد الاسماك والنقل البحري والتبادل التجاري عبر الممرات المائية يؤثر سلبيا على مصالح السكان في المناطق الساحلية ومصالحهم المعيشية مما قد يدفعهم الى الثورة والهجرة الجماعية والقرصنة والتطرف.

اما انعكاسات الوضع الراهن على البعد الجيوبوليتيكي الدولي فيمكن رصد أهمها في التأثيرات التالية:

* يُؤثّر الوضع الأمني في جنوب البحر الأحمر على أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، مما يُهدّد التجارة الدولية.

* تسعى بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى توسيع نفوذها في المنطقة، مما يُؤدّي إلى صراع على النفوذ بين هذه الدول، ومع القوى الاقليمية والجماعات المسلحة المحلية والعابرة للحدود.

* يُؤثّر الوضع في جنوب البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي، خاصةً على تجارة منتجات الطاقة التي اضطربت اسواقها نتيجة لصراعات دولية ابرزها حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية على منتجات النفط والغاز الروسية والايرانية.

 

النتائج المحتملة:

التدخل الدولي: قد يجد المجتمع الدولي نفسه مضطرا للتدخل لضمان أمن ممرات الشحن وتهدئة التوترات. يمكن أن يشمل ذلك جهودا دبلوماسية أو وجودا أمنيا بحريا أو حتى تدخلا أكثر قوة حسب شدة الحالة. وقد أعلنت الصين وروسيا والهند عن ارسال سفن عسكرية لحماية ناقلاتها. فيما سبقت امريكا وبريطانيا بقيادة تحالف عسكري للجم الحوثي. ولحقت أوروبا بتحالف ثان لحماية الممرات البحرية بدون ضرب أهداف على الأرض. وفي جيبوتي والصومال تتواجد قواعد بحرية وجوية للعديد من دول الإقليم والعالم.

الجهود الدبلوماسية: تعد الجهود الدبلوماسية المتزايدة من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية حاسمة لإيجاد حل سلمي للنزاع اليمني ومعالجة الأسباب الجذرية للمنافسات الإقليمية. ويمكن أن تمهد التسوية التفاوضية الطريق للسلام والاستقرار الدائمين. ولكن هذه الجهود يعرقلها التعنت الاسرائيلي والدعم الأمريكي الاعمى له، مقابل اصرار ايران على دعم مليشياتها في اليمن بالصواريخ الباليستية والبحرية والطائرات والألغام المائية والمراكب الإنتحارية والمعلومات الاستخبارية.

التنويع الاقتصادي: يمكن للبلدان المطلة على البحر الأحمر السعي لاستكشاف خيارات لتنويع اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على إيرادات الشحن. ويشمل ذلك تطوير صناعات جديدة، والاستثمار في السياحة، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. وتقود الرياض دول المنطقة في هذا الاتجاه من خلال مشاريعها الطموحة ضمن رؤيتها التنموية الشاملة 2030.

 

التوصيات:

* حلّ الصراعات الإقليمية: يجب على الدول الإقليمية والدولية العمل على حلّ الصراعات الإقليمية في المنطقة، مثل الحرب في اليمن والغزو الاسرائيلي لغزة والحرب الأهلية في السودان والخلاف الصومالي الاثيوبي، والمصري السوداني مع اثيوبيا من خلال الوساطة والحوار.

* منع التدخلات الخارجية: يجب على الدول الإقليمية والمنظمات الدولية العمل على الحد من التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي. وتعمل الرياض من خلال العمل الجماعي لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والقمم العربية الأفريقية الإسلامية على توحيد الموقف الرافض لأي تدخلات خارجية في الشأن الأقليمي.

* مكافحة الإرهاب: يجب على المجتمع الإقليمي والاممي العمل معاً لمكافحة الإرهاب في المنطقة، من خلال تبادل المعلومات وتنسيق الجهود الأمنية. ويعتبر مركز اعتدال في الرياض انموذجا للعمل الدولي المنظم لمحاربة التطرف ونشر قيم الاعتدال والتسامح والتعايش المشترك.

* التكيف مع التغيرات المناخية: يجب على الدول الإقليمية والدولية العمل على التكيف مع التغيرات المناخية في المنطقة، من خلال اتخاذ خطوات للتخفيف من آثارها على المناطق الساحلية والتنوع البيولوجي. وتقود السعودية العديد من المبادرات الإبداعية مثل مبادرة الشرق الأوسط الاخضر والسعودية الخضراء وتدوير الكربون والهيدروجين الاخضر والتنمية المستدامة. وتوفر الدعم بالمال والخبرات للدول التي تحتاجها.

* حمايةً البيئة البحرية: على. دول المنطقة والمنظمات الاممية والدول العظمى تكثيف الجهود لدرء المخاطر والحد من تأثير الصراع العسكري على الثروة السمكية والحياة البحرية. وقد كانت هذه القضايا على رأس اجندات العمل في القمم والمؤتمرات وورش العمل التي عقدت في السعودية خلال العقد الأخير. ولا تزال الحاجة ماسة للمزيد من العمل في هذا الاتجاه.

ختاما، يُعدّ جنوب البحر الأحمر منطقة ذات أهمية جيوبوليتيكية إقليمية ودولية كبيرة، ويُؤثّر الوضع الراهن في المنطقة على الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي. ويجب على الدول الإقليمية والدولية العمل معاً لمعالجة التحديات التي تواجه المنطقة، من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي.

وقد قدمت دول المنطقة بقيادة الرياض العديد من المبادرات والمشاريع والأنشطة التي تصب في هذا الاتجاه. والحاجة ملحة لتعاون كافة دول المنطقة والعالم والمشاركة في هذه الجهود لإطفاء نيران الصراع وتكريس مفاهيم التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر والأمن الجماعي والسلام العادل والعمل المؤسسي المشترك لمحاربة الارهاب واجتثاث جذوره المتمثلة في الطائفية والتطرف الديني والتعصب الفكري والعرقي وخطاب الكراهيه وغيرها من الأوبئة الايدلوجية والنفسية.

توفر هذه الورقة إطارا لفهم الآثار الجيوسياسية للوضع في جنوب البحر الأحمر. ويمكن أن يتعمق البحث في جوانب محددة مثل:

– الدور المتطور للقوى الإقليمية والدولية في البحر الأحمر.

– تأثير الصراع على بلدان مطلة على البحر الأحمر.

– استراتيجيات التخفيف من التأثير الاقتصادي للاضطرابات التجارية.

– إمكانات التعاون الإقليمي في مجال الأمن البحري.

– دعم الدول الفقيرة وتوفير البدائل المستدامة والمنتجة للشعوب والجماعات الاكثر احتياجا وجهلا ومرضا لتفادي دوافع الثورة والصراع والتطرف والممارسات والهجرة غير الشرعية.

من خلال الاستمرار في البحث وتحليل هذه القضية المعقدة، يمكننا الحصول على فهم أفضل للتحديات والفرص المتاحة للحفاظ على السلام والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية. وتقديم مبادرات وافكار مبدعة للخروج من دائرة العنف والجهل والفقر والمرض.

 

الخاتمة:

يُعدّ جنوب البحر الأحمر منطقة ذات أهمية جيوبوليتيكية إقليمية ودولية كبيرة، ويُؤثّر الوضع الراهن في المنطقة على الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي. ويجب على الدول الإقليمية والدولية العمل معاً لمعالجة التحديات التي تواجه المنطقة، من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي.

مزيد من البحث:

توفر هذه الورقة إطارا لفهم الآثار الجيوسياسية للوضع في جنوب البحر الأحمر. ويمكن أن يتعمق البحث في جوانب محددة مثل:

الدور المتطور للقوى الإقليمية والدولية في البحر الأحمر.

تأثير الصراع على بلدان محددة مطلة على البحر الأحمر.

استراتيجيات التخفيف من التأثير الاقتصادي للاضطرابات التجارية.

المصادر والمراجع:

  • https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1
  • https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AF%D8%A8
  • http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/QrsnaBhria/sec07.doc_cvt.htm
  • https://studies.aljazeera.net/ar/article/5484
  • https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2023/12/26/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1-%D9%85%D9%85%D8%B1-%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa