“مابعد التحول: انماط المنشآت تجاه تمكين المرأه”
الأحد 2 / 6 / 1439
الموافق 18 / 2 / 2017
الورقة الرئيسة
د. ريم بنت احمد الفريان
المقدمة
رؤية 2030 هي رؤية طموحة تعتزم خلق سعودية جديده ذات اقتصاد مزدهر ، ومواطن طموح ومجتمع حيوي .
وتعتبر المرأة محط رعاية وتقدير واهتمام ملحوظ في جوانب الرؤية السديدة ، وكجزء من هذا المجتمع بحثت في ما تشتمله هذه الرؤية عن نصف المجتمع وهي المرأة لأجد أن تمكين المرأة قد ورد في محور الاقتصاد المزدهر بلفظ المرأه تحديدا مرة واحدة فقط.
وجاء فيه زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل بمؤشر واضح ومحدد وهو “رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%” لا سيما وأن نسبة البطالة بين الإناث هي أعلى من نظيرتها بين الذكور.
وقد توالت البشائر في القرارات والأوامر السامية الحكيمة المباركة لتمكين السيدات في القطاع الحكومي وتعيينات عديدة لسيدات في مجالس إدارات تمثل قطاعات مهمه في الوطن.
ومع هذه التطورات المتسارعة، كان لا بد من الوقوف على حقيقة تطبيق تمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في سوق العمل من خلال واقع منشآت سوق العمل ، وهنا سعيت من خلال دراسة بحثية قمت بها تجاوبا مع ماتمليه الرؤية ، وأتى البحث بالنتائج الاتيه :
طبيعة البحث والأسلوب المتبع لتحقيقه:
اتبع البحث نمط الدراسة الموضوعية الاستقصائية من خلال تقصي ومتابعة ثلاث منشآت تنوعت بين القطاع الحكومي والخاص والغير ربحي ، تم إجراء المقابلات مع كل من (قائد المنظمة / الموظفات / مدراء المشاريع) والاطلاع على الوثائق الخاصة بالمنشاة (محاضر / ملفات / وثائق تعود للموارد البشرية / بالإضافة لما تم نشره من أخبار في الصحف) ، كذلك المتابعة ورصد حقيقة التمكين من خلال حضور الاجتماعات والفعاليات المقامة.
نتاج البحث:
تشير البيانات الى انماط للعاملين في المنشآت تجاه تمكين المرأه متمثل بـ:
• الداعم الحقيقي لتمكين المرأة .
• المدعي لدعم تمكين المرأة
• المناهض جهرا لتمكين المرأة
• غير المبالي بتمكين المرأة
ويتضح من خلال كل فئة التالي:
1) فئة الداعم الحقيقي لتمكين المرأة :
-يصرح بأهمية تمكين المرأة وضرورة دعمها .
-يسعى جاهدا لتوظيف الكفاءات من الإناث .
-يحرص على إعتبار مشاركة الإناث في المشاريع ذو أهمية وإضافة نوعية لجودة المشروع .
-يبذل جهدا في زيادة عدد العقود التجارية المبرمة مع شركات ومؤسسات مملوكة او مدارة من قبل إناث .
2) فئة المدعي لدعم تمكين المرآة :
-تتظاهر هذه الفئة من خلال التصريح بأهمية تمكين المرأة بأنها تدعم المرأة ولكن واقع حالها مغاير تماما لما تصرح به حيث أنها:
-ليس لديها خطة أو نية لتوظيف الإناث في المنشأة.
– تتراوح المناصب القيادية الموكلة ل إناث بين الندرة والانعدام .
– الإناث ذوات المناصب القيادية في المنشأة تندرج في نوعين “المزهرية ” وهي تحوز مسمى وظيفي فقط دون أي دور في المنشأة، “المنسية حد الاضطهاد ” وهي غير ممكنه من المشاركة في المشاريع الكبرى ولا إحداث أي تغيير يذكر على الرغم من كونها تمتلك الكفاءة والقدرة على ذلك.
– يميل هذا النوع إلى عدم إبرام عقود مع شركات ومؤسسات مملوكة إلا عند الحاجة الملحة أو توافق العقد مع منافع ومكاسب لا تحققها عقود أخرى .
– تتعمد أيضا هذه الفئة إشغال الإناث من الموظفين بعداوات ونزاعات مختلقة مع اقرانهم من الموظفين أو فيما بينهم او في اعمال غير هامه.
3) فئة المناهض جهرا لتمكين المرآة :
-لا تخفي هذه الفئة وقوفها في وجه تمكين المرأة وتصرح علنا بعدم أهمية التمكين للمرأة .
– تتعمد تعطيل أو الحد من مشاريع تمكين المرأة وخلق المعوقات لذلك.
4)فئة غير المبالي لتمكين المرأة :
-لا تعلن هذه الفئة قبولها أو رفضها لتمكين المرأة .
-تعتمد على رأي الغالبية في تكوين نظرتها للموضوع حيث ان التمكين خارج إطار اهتماماتها .
– لا تسعى هذه الفئة لدعم تمكين المرأة ولا تسعى في ذات الوقت لتعطيله .
– تميل هذه الفئة لتطبيق القرارات المتعلقة بالمرأة كونها قرار رسمي .
التوصيات :
وبعد إعداد الدراسة اتضح الحاجة للتوصيات التالية:
1- ان يتم إعداد دراسة موسعة تعتمد الأسلوب الإحصائي ووفق المناطق الجغرافيه.
2- إطلاق حملات وورشات عمل للتوعية ونشر ثقافة تمكين المرأة في كافة القطاعات .
3- دعم المنشآت الممكنة للمرآة وإبراز دورها في المجتمع .
4- العمل لإيصال الوعي بأهمية المرأة في المجتمع للأجيال الجديدة من خلال التعليم .
5- ان تكون المرأه هي المحور الاساسي للتمكين .
تعقيب:
م.خالد العثمان
ورقة د. ريم الفريان المعتبرة أجملت بناء على دراستها ما هو معلوم بالضرورة عن تصنيف مواقف شرائح المجتمع المختلفة من قضية تمكين المرأة حتى ولو يكن هذا التصنيف محل إقرار وقبول في المشهد العام الذي يتبنى مواقف مثالية في غالب الأحيان . في رأيي قضية تمكين المرأة هي إحدى القضايا التي يوظفها البعض للمزايدة والتباهي دون قناعة حقيقية تتمثل ممارسة فعلية على أرض الواقع . تمنيت لو أن دراسة د. ريم قدمت بعض الأرقام عن نسب التمثيل لكل شريحة من الشرائح الأربع التي حددتها حتى نعي مقدار التباين بين التبني الحقيقي لهذه القضية ، والتبني القائم على المصلحة الشكلية ، والرفض الساطع والمواقف المحايدة منها . وإن كان التخمين مقبولا في مثل هذه الدراسات فإنني أميل إلى أن الغالبية هي تلك الشريحة التي تنادي بالتمكين بشكل مظهري بحث وتلك الرافضة له رفضا ساطعا . شاهدي على ذلك هو النتائج على أرض الواقع لمشاهد التمكين في كل الحالات التي تسنح فيها فرص جلية لتحقيق التمكين فإذا بها تمر مرور الكرام دون أن يتحقق هذا التمكين الذي ينادي به الكثيرون في حالة من النفاق الاجتماعي المريع . سأستشهد في طرحي بقضية قيادة المرأة للسيارة ، وهي القضية التي شهدت جدلا مجتمعيا طويلا بين الرفض والحياد والقبول والمطالبة حتى أتى القرار الحكومي الرسمي السيادي ليحسم هذا الجدل ويحيله أمرا واقعا مفروضا على الجميع . مثل هذه القضايا الجدلية لن يحسمها الخيار الديموقراطي المجتمعي لأن المجتمع ببساطة تسيطر عليه مفاهيم هي أبعد ما تكون عن الديموقراطية الحقيقة . لذلك ، فإنني مقتنع بأن القضايا الجدلية ، ومنها قضية تمكين المرأة ، لن يحسمها النقاش المجتمعي الموضوعي الغائب ، بل القرار السيادي الحكومي الحاسم ، ولو على سبيل التطبيق المرحلي الذي يؤسس لمرحلة من التغيير القسري لتمكين المجتمع من تجاوز مخاوف التغيير والتجديد خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة . في هذا المسار أرى أن تمكين المرأة يتطلب تدخلا حكوميا يفسح له المجال بقوة القرار في مستويات عديدة ، بعضها بدأنا نرا في تعيين قيادات نسائية في بعض الأجهوة الحكومية ، وبعضها ما زلنا ننتظره عبر فرض كوتا نسائية في المؤسسات التي تشهد ممارسات انتخابية عجزت المرأة فيها حتى الآن من تحقيقي اختراق حقيقي ، ومنها على سبيل المثال مجالس إدارات الغرف التجارية والهيئات المهنية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص . إن فرض كوتا نسائية يمثل استمرارا للنهج الذي اختطه الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله عندما أعلن قراره التاريخي بتعيين 20% من أعضاء مجلس الشورى من النساء ، وهو القرار الذي يجب أن يكون نبراسا لممارسة تمكين المرأة من المشاركة في مختلف مستويات العمل في المؤسسات المختلفة . فرض الكوتا النسائية أمر سبقتنا إليه دول عديدة عاشت مراحل التغيير المؤدي إلى التمكين القسري الذي يعيد الحقوق إلى نصابها ، ومنها دول مجاورة مثل الأردن ومصر ولبنان والعراق وغيرها . الكوتا وسيلة لتمكين المرأة من تجاوز العقبات المجتمعية المقاومة للتغيير حتى تنال فرصتها الكاملة لإثبات قدرتها على المساهمة الفاعلة جنبا إلى جنب مع الرجل في إدارة التنمية ومؤسسات المجتمع . وهي بالضرورة وسيلة مؤقتة قد تنتفي الحاجة لها بعد فترة من الزمن بعدما يتحقق التوازن المطلوب وتترسخ القناعة المجتمعية بقدرة المرأة على أداء الدور المنوط بها والذي تنادي وتطالب بفرصة حقيقية لإثبات قدرتها على أدائه بكل اقتدار . فهل إلى تحقيق ذلك من سبيل ؟
تعقيب:
د.نوف بنت عبدالعزيز الغامدي
حقيقة من التساؤلات المهمة التي تطرح علي في كل مرة أقف فيها كـ متحدثه أو في إجتماع خارج هذا الوطن: ” ما الذي تغير في المرأة السعودية بعد هذه التغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية؟! ماذا يحدث لديكم؟! نسمع الكثير من الأخبار ولكن هل هذا فعلاً يحدث؟! كيف غير قرار القيادة واقع المرأة لديكم؟! كيف تستطيع المرأة أن تنجح في مجتمعكم؟! ”
والحقيقة أن هذه الإستفسارات هي نتيجة عدم وضوح تغيرات المجتمع المتسارعة مؤخراً بالنسبة لهم، وقد يكون السبب الرئيسي هو القصور الإعلامي وعدم وجود قنوات تواصل مؤسسي لإيصال صورة المجتمع السعودي الحقيقية!
خلال رحلتي الأخيرة لـ واشنطن للمشاركة في مؤتمر القانون بالسعودية والشرق الأوسط مع جامعة جورج تاون ، شاركت بورقة عمل عن رؤية المملكة في مجال الرياضة والترفيه والضيافة وناقشت خلالها دور المرأة ضمن رؤية 2030 والتغيرات التي حدثت لصالحها.
وكانت البداية مع فتاة تعمل مع مايكرسوفت قابلتها على الطائرة من جدة إلى واشنطن بعد رحلة عمل لها في السعودية لـ مدة 3 أيام، وما لفت نظري أن الفتاة ارتدت الحجاب بشكل مبالغ فيه وما أن أقلعت الطائرة حتى تخلت عنه وهي توضح لي أنها مسلمة من أصول هندية لكنها غير محجبة مع العلم أنها درست في الأكاديمية بواشنطن وهذه أول زيارة لها للسعودية وكانت مرتبكة خلال إقامتها فهي لا تعرف ما هو حدود المسموح لها هنا، وسألتني عن الحياة اليومية وعن إنجازات المرأة والصعوبات التي تواجهها من واقع تجربتي؟! والحقيقة أنها تفاجأت أنني كنت أتحدث عن الواقع بصورة مختلفه عن توقعاتها وكيف أننا نعيش حياة طبيعية ونمارس أعمالنا والحياة لا تخلو من بعض المنغصات ولكنها أمور طبيعية تختلف من دولة لأخرى، فـ سألتني: هل هذا واقع حقيقي أم لـ طبقة معينة؟! بالطبع وضحت لها أن المرأة السعودية أنجزت الكثير والكثير وكانت شريكة للرجل ولها دور كبير ومؤثر في هذا المجتمع قبل أن تقود السيارة! وأن هناك الكثير من الرجال يدعمون المرأة وشركاء في نجاحاتها، وقد دعوتها لعشاء الإستقبال الذي حضره عدد كبير من السفارة السعودية والملحقية وقيادات من جامعة جورج تاون وأبدت إعجابها بما رأته من السعوديات على المستوى الثقافي والعلمي وتمثيلهن للوطن بصورة متألقة.
حقيقة هذا الوطن عمل كثيراً بالشراكة مع أبناءه على تغيير إرث من العادات البالية والحواجز المجتمعية وخلال العام الماضي عمل بصورة جادة ونوعية على تمكين المرأة إجتماعياً واقتصادياً بالإضافة الى التمكين السياسي والديبلوماسي.
ذكرت في كلمتي بجامعة جورج تاون ان السعودية ليست دولة رائعه بلا أخطاء فقد نرتكب بعض الأخطاء هنا أو هناك ولكن طريق النجاح والتغيير دائماً تحت الإنشاء، والدولة والمجتمع والمرأة يعملون سوياً لتغيير هذا المجتمع وواقع المرأة إلى الأفضل لأننا نستحق الأفضل وليس لأن هناك من يجبرنا بمواقفه على هذا التغيير والحقيقة أننا نعود لوسطيتنا كما ذكر الأمير محمد بن سلمان وهذا ما كنّا عليه.
ذكرت في مقال سابق لي طالبت فيه بإنشاء “هيئة عامة لشؤون المرأة” أن العديد من البيانات أظهرت أن خُمس القوى العاملة من السعوديين العاملين في المملكة هم من النساء، وَ تمثل هذه البيانات مفاجأة للكثيرين ممن يزعمون بأنّ المرأة السعودية لا تزال ذات مساهمة محدودة في اقتصاد المملكة، إنّ البطالة بين النساء السعوديات تصل إلى 33 بالمئة، وَ هي واحدة من أدنى النسب في العالم العربي، وَ ربما في العالم بأكمله، إلا أن هذه البيانات تعني أن المرأة السعودية لا يزال بوسعها أن تدخل الكثير من القطاعات وَ تستفيد من الطفرة الاقتصادية غير النفطية التي تنتظرها المملكة، والحقيقة ان المتابع للمتغيرات يلاحظ جيداً أنّ الدولة عند إعداد خططها التنموية تركز على تنمية الوعي بحقوق المرأه داخل المجتمع السعودي وَ تغيير النظره التقليدية لدورها، وتهدف الهيئةً إلى تمكين المرأة السعودية على كل المستويات وَ تساهم في تأسيس البنية التحتيه لـ تمكينها وَ تعزيز القرارات وَ التشريعات المتعلقه بها خلال مرحلة التحول لمواكبة المتغيرات بشكل موازي وَ التنسيق مع كل الجهات لإدماج المرأة في المجتمع فهذا المقترح ليسّ جندرياً بل يهدف لإصلاح الخلل في تصنيف المرأة.
إذا كانت المرأة نصف المجتمع، فماذا يحتاج هذا النصف لكي ينجح؟!
هل وجود رجل عظيم في حياة المرأة هو ضرورة، لدفعها نحو التقدم وتطوير الذات وبناء مستقبل وظيفي في جميع مجالات الحياة؟ كما ذكرت د/ ريم كـ داعم؟
أم أن الرجل يقف عائقاً أمام نجاحها، حين تتخطاه وتسبقه خطوات واسعة في مجال عملها ومهنتها؟! على حد رأي د/ ريم كـ مناهض؟! او مدعي أو غير مبالي؟!
في كل الأحوال باتت المرأة تعرف أن دورها في هذا المجتمع لم يعد ثانوياً، بل هو دور مكمل وأساسي، لكنها تعرف أيضاً أنها كي تنجح في القيام بهذا الدور فهي تحتاج إلى أدوات وإمكانات، منها ما هو في متناول يدها، ومنها ما يتعين عليها أن تناضل وتجتهد للحصول عليه.
الواقع أن المرأة تصطدم بما يسمى بـ «السقف الزجاجي» في كل مجالات الحياة، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، المهنية والأسرية، وهي نظرية غربية في علم الإدارة الحديثة، برزت في الثمانينيات، وتتمحور حول الحاجز المانع لتقلد المرأة المناصب المرموقة، القيادية، السيادية، وغيرها، باعتبارها امرأة رغم كفاءتها، أو تفوقها على الرجل في المجال ذاته، إلا أن اعتلاءها يصطدم بسقف وهمي شفاف غير معلن، أطلقوا عليه «السقف الزجاجي» بالطبع «زجاجي»، فأي سقف يوضع للمرأة لن يكون إلا غير مرئي، لإيهامها بعدم وجوده، فإصرار النساء على تحدي الممنوع يفوق الرجال بكثير، ذلك بأن الرجل ممنوحاته واسعة واستحقها لمجرد أنه رجل، أما المرأة فعليها «واجب» إثبات كفاءتها مادامت تتنفس!
من وجهة نظري، أن المرأة لا تتأثر بالعاطفة في قراراتها، والسقف الزجاجي ليسّ إلا “حجة واهية”، يتم الدفع بها لإقصاء دورها، فالمرأة السعودية كسرت “السقف الزجاجي”، الذي يحد من فرصها وأصبحت شريك مهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 ومستقبل هذا الوطن وشريك في صناعة التغيير وبدعم من شريكها الرجل.