ملتقى أسبار: التقرير الشهري رقم (41) لشهر أغسطس 2018

أغسطس 2018 م

ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر أغسطس 2018 م العديد من الموضوعات المهمة، والتي تم طرحها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية:

القضية الأولى:

الورقة الرئيسة: اللائحة السعودية لمواقع التراث العالمي: التنمية والحفاظ على الثقافة

  • ·الكاتب: د. مشاري النعيم
  • ·المعقبان:

د. زياد الدريس

د . إحسان بو حليقة

  • ·إدارة الحوار : د. فوزية البكر

القضية الثانية:

الورقة الرئيسة: واقع وفرص قطاع التعدين في المملكة

  • ·الكاتب: ضيف ملتقى أسبار: المستشار إبراهيم ناظر
  • ·المعقبان:

أ. محمد الدندني

م. حسام البحيري

  • ·إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة

القضية الثالثة:

الورقة الرئيسة: المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية

  • ·الكاتبه : د. عبير برهمين
  • ·المعقبان:

م. محمد الشهري

م. سالم المري

  • ·إدارة الحوار: د. عبدالله صالح الحمود

القضية الرابعة:

الورقة الرئيسة: نيوم: وجهة المستقبل

الكاتب : د. إحسان بوحليقة

  • ·المعقبان:

م. أسامة كردي

أ. محمد الدندني

  • ·­­­­­­­­­­­­­­إدارة الحوار: أ. عبدالله الضويحي

القضية الأولى:

الورقة الرئيسة: اللائحة السعودية لمواقع التُّراث العالمي: التنمية والحفاظ على الثقافة

  • الكاتب: د. مشاري النعيم.
  • المعقبان:

د. زياد الدريس.

د. إحسان بو حليقة.

  • إدارة الحوار: د. فوزية البكر.

مقدمة:

تعدُّ المملكة العربية السعودية من أغنى المناطق بالمواقع الأثرية العريقة والتاريخية، والتي تدلُّ على الأصالة والقدم لهذه المنطقة، فتروي بين ثناياها قصصًا وأحداثًا لشعوب عريقة على مرِّ العصور المختلفة، وتمتد من العصور الحجرية القديمة إلى العصور التاريخية الإسلامية، ففيها القصور والحصون، والمنشآت العمرانية الجميلة، والمقتنيات الأثرية العريقة، واللوحات والنقوش المميزة. وليس من شك أن روحًا جديدةً تدبُّ في جسد حسبناه قد مات، وهو تراث فائق الأهمية، فضلًا عن أن انفتاح الحكومة واهتمامها، مدفوعة بمستهدفات الرؤية 2030 سيحدث تغييرًا إيجابيًّا حقيقيًّا، وسيجعلنا نحتفي بتراثنا بعد هجرانٍ دام طويلًا.لذا كانت قضية “اللائحة السعودية لمواقع التراث العالمي: التنمية والحفاظ على الثقافة” من القضايا المهمّة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمها د.مشاري النعيم، وتمَّ التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (كليات وأقسام الآثار والتاريخ ودورها في تسجيل الآثار، تخصصات أكاديمية في علم الآثار، الجانب الاقتصادي في الاهتمام بالآثار، تسجيل الأماكن الإسلامية، إنشاء “مكنز” للتراث السعودي، توفير بنية تحتية لتحقيق استدامة للمواقع الأثرية، مشاكل تهدِّد بقاء تسجيل جدة التاريخية، هيئة السياحة ودورها تجاه التراث الوطني، المملكة تحتاج إلى مندوب نشط في اليونسكو، نموذج من آثار المملكة، المتاحف الخاصة في المملكة، جدوى وأهمية تسجيل المواقع الأثرية، البنية التحتية وميزانيات المتاحف العالمية الكبرى، خطوات إجرائية يحتاجها قطاع الآثار في المملكة، الآثار الإسلامية بين الإهمال والاندثار، الاستفادة من التجارب الخارجية، تبعية المواقع الأثرية ومسؤولية تطويرها، ما يحتاجه تسجيل المواقع الأثرية، أسباب التأخُّر في تسجيل المواقع الأثرية، عدم جاهزية المجتمع ثقافيًّا). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة، وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبها دكتور/ مشاري النعيم، وعقَّب عليها الدكتور/ زياد الدريس، والدكتور/ إحسان بوحليقة.

كتب د. مشاري النعيم في ورقته الرئيسة عن (اللائحة السعودية لمواقع التراث العالمي: التنمية والحفاظ على الثقافة): بدأ التفكير في تسجيل بعض المواقع المهمة على لائحة التراث العالمي في المملكة مؤخرًا بعد انضمام قطاع الآثار للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، فقد كان هناك تردُّد حول البدء في هذه الخطوة المهمة، والتي أخرت تسجيل العديد من المواقع الأثرية والمعمارية، وأسهم هذا التأخير في تدهورها وتراجع قيمتها وأصالتها. ولعلَّ الزخم الكبير الذي توليه الدولة للتراث ولتسجيل مواقع التراث على اللائحة العالمية، وربطها برؤية 2030- يؤكد أن المملكة مُصرِّة على اللحاق بالركب، وتجسير الهوّة التي حدثت في السابق، وتقديم تراث المملكة بصورة مغايرة.

لقد تمَّ تسجيل موقع مدائن صالح في العلا في منطقة المدينة المنورة كأول موقع تراث عالمي في المملكة عام 2008م، رغم أن اليونسكو بدأت في تسجيل المواقع على اللائحة العالمية عام 1972م، وسبقتنا العديد من الدول المجاورة إلى هذه اللائحة المهمة، لكن- بفضل من الله- استطاعت المملكة خلال العقد الأخير تسجيل خمسة مواقع على اللائحة العالمية، وسبقت الكثير من الدول، ولكن دون شك، هذا التسجيل له تبعات تنظيمية كبيرة يجب أخذها في الاعتبار. لقد بلغ اليوم عدد المواقع المسجلة حوالي 1096 موقعًا على مستوى العالم، مُصنَّفة إلى ثلاث فئات:

– مواقع تراث ثقافي.

– مواقع تراث طبيعي.

– مواقع مختلطة (ثقافي طبيعي).

وتقوم لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو بالاجتماع كلَّ عام، حيث يُعرض عليها المواقع التي ترغب الدول في تسجيلها حسب التصنيفات الثلاثة المذكورة. تجتمع لجنة التراث الممثلة من 21 دولة يتمُّ انتخابُها كلَّ عام ضمن الاجتماع العام، وهي التي يحقُّ لها التصويت فقط، وبيدها قرار ضمّ الموقع إلى اللائحة أو تأجيله، أو حتى عدم تسجيله. يُعقد اجتماع لجنة التراث العالمي كلَّ عام، وآخر اجتماع عُقِد في البحرين في يونيو 2018م، وهو الاجتماع 42، وتمَّ فيه تسجيل واحة الأحساء كموقع تراث ثقافي عالمي.

من الناحية التقنية، يوجد مؤسَّستان فنيتان يُوكل لهما تقييم الملفات المقدمة للترشيح حسب الفئة:

– المجلس الدولي للمعالم والآثار ICOMOS (أُسِّس عام 1965م)، وموقعه في باريس. ويوجد لجان وطنية للمجلس في دول العالم، من ضمنها المملكة العربية السعودية، وهو مجلس فني وعلمي ليس له صفة حكومية، ويعتبر مؤسَّسة مستقلة تستعين بها لجنة التراث العالمي لتقييم الملفات المُرشَّحة كتراث ثقافي، ويشتمل على 28 لجنة علمية في كافة نواحي التراث العمراني المادي. غالبا ما تكون قرارات الأيكوموس مُؤثِّرة جدًّا على قرار الدول المُشكّلة للجنة التراث العالمي، وتكون آلية عمل الأيكوموس من خلال استعانة مركز التراث العمراني في اليونسكو بمقيمين مستقلين من أعضاء الأيكوموس (عضو واحد خبير) يزور الموقع، ثم يكتب تقريره الفني، وعادة ما تقوم الأيكوموس بإرسال التقرير المُعَدّ من الدولة ومن الخبير، بالإضافة إلى الخبير المكتبي الذي يراجع الملف دون أن يزور الموقع، إلى ثلاثة خبراء محكّمين، وبعدها يتمُّ الوصول إلى قرار التوصية الذي يكون إما:

– توصية بالتسجيل Inscribe.

– توصية بإعادة التقديم بعد عام دون إعادة التقييم Referral.

– توصية بإعادة تقديم الملف مع إعادة التقييم Deferral.

– توصية بعدم التسجيل Non-inscribe.

أما الجهة المسؤولة عن تقييم التراث الطبيعي فهي:

– الاتِّحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة ومواردها (تأسَّس في 5 أكتوبر 1948م) ويقوم بنفس الإجراءات التي تقوم بها الأيكوموس في عملية التسجيل.

يتم تسجيل أي موقع على لائحة التراث العالمي إذا حقَّق واحدًا أو أكثر من المعايير الستة الخاصة للقيمة العالمية المتفردة (Outstanding Universal Value (OUV وهي كالتالي:

1- أن يُمثِّل قطعةً فريدةً للإبداع الإنساني.

2- أن يُمثِّل تبادلًا ثقافيًّا عالميًّا على فترة طويلة من الزمن، أو في منطقة ثقافية من العالم في مجال التطوُّر المعماري، أو التقني، أو الفن، أو تخطيط المدن، أو تصميم المشاهد البصرية.

3- أن يكون شاهدًا لحضارة وثقافة حية أو مندثرة.

4- أن يكون مثالًا فريدًا لأحد المباني أو العمارة أو المشاهد البصرية، بحيث يقدِّم مرحلة أو مراحل مهمة في التاريخ الإنساني.

5- أن يكون مثالًا فريدًا للمستوطنات البشرية واستخدامات الأرض أو البحر، بحيث يُمثِّل ثقافة أو ثقافات، أو تفاعلًا إنسانيًّا مع البيئة، خصوصًا عندما تصبح مُهدَّدة نتيجة لتأثير تغيرات حتمية.

6- أن يكون مرتبطًا- بشكل مباشر أو بشكل ملموس- بثقافة، أو فكرة حية، أو معتقد، أو بفنٍّ، أو عمل ذي فرادة عالمية. (وهذا المعيار تفضِّل اللجنة أن تستخدمه في وجود أحد المعايير السابقة).

وهناك أربعة معايير خاصة بالتراث الطبيعي، هي:

1- يجب أن يحتوي على ظواهر طبيعية منقطعة النظير، أو يضمُّ مناطق ذات جمال طبيعي استثنائي وأهمية جمالية فائقة.

2- أن يُقدِّم أمثلة فريدةً لمختلف مراحل تاريخ الأرض، بما في ذلك سجل الحياة على الأرض، والعمليات الجيولوجية الهامة الجارية والمؤثرة في تطوُّر التشكيلات الأرضية، أو المعالم الجيومورفولوجية أو الفيزيوغرافية المهمة.

3- أن يُقدِّم أمثلةً فريدةً للعمليات البيئية والبيولوجية الجارية والمهمة في تطوُّر النظم الأرضية، ونُظم المياه العذبة، والنظم البيئية الساحلية والبحرية، والمجتمعات النباتية والحيوانية.

4- أن يشتمل على أهمِّ المواطن الطبيعية وأكثرها دلالةً لحفظ التنوُّع البيولوجي في عين الموقع، بما في ذلك المواطن التي تحتوي على فصائل مهددة ذات قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم، أو المحافظة على الثروات.

وبالطبع تحتاج جميع المواقع إلى وجود الأصالة Authenticity والترابط Integrity، ودونهما لا يُقبل الملف من الأساس، وعادة ما يتمُّ تحديد مناطق تسجيل Core Area، ومناطق حماية Peripheral Area؛ وبهذا فإنَّ تسجيل أي موقع على لائحة التراث العالمي هي عملية معقدة، وتأخذ سنواتٍ من الإعداد، حيث إنه يجب عمل نظام إداري متكامل للموقع يُقدَّم مع ملف التسجيل، ويتمُّ مراجعته بعد التسجيل، والتأكد من سلامة الإجراءات، وقد يؤدي إهمال الموقع إلى وضعه على لائحة الخطر، وسحبه بعد ذلك من قائمة التسجيل.

الفوائد التي يجنيها الموقع من التسجيل كبيرةٌ جدًّا، تبدأ بحماية التراث الثقافي والطبيعي للموقع، ومراقبته على مستوى عالمي، مع إبرازه إعلاميًّا على نطاق واسع، ولفت الانتباه له، سواءً تراثه المادي المسجل، أو التراث غير المادي الذي عادة له مسارات أخرى في التسجيل. الصفة العالمية للموقع تجعل منه مركزًا مُهمًّا للتنمية، وتجذب له أنظار العالم، ويصبح محطة جذب سياحي كبيرة، وهذا كله يعتمد بالطبع على الحراك التنموي الذي يتمُّ في الموقع، والجهد الذي يُبذل في إدارته واستثماره. ومن الميزات المهمة التي يُقدِّمها التسجيل على اللائحة العالمية: التوازن بين التنمية والحفاظ على الأصالة، وهذا التوازن أصلًا كان مثارَ جدل طويل بين اليونسكو ومنظمة السياحة العالمية. وقد عُقد مؤتمران عالميان خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة: أحدهما في كمبوديا، والآخر في سلطنة عمان؛ من أجل وضع معايير للسياحة الثقافية التي تعتمد بشكل كبير على المواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي.

         في المملكة العربية السعودية تمَّ تسجيل 5 مواقع على لائحة التراث العالمي حتى الآن، هي:

1. مدائن صالح 1429هـ/2008م.

2. حي الطريف في الدرعية 1431هـ/2010م.

3. جدة التاريخية 1435هـ/2014م.

4. جبة والشويمس في حائل (رسومات صخرية) 1436هـ/2015م.

5. واحة الأحساء 1439هـ/2018م.

وقد تقدَّمت المملكة بلائحة تمهيدية للتسجيل، مكونة من 10 مواقع بعد موافقة المقام السامي عليها، هي:

1. واحة الأحساء (تم تسجيلها).

2. قرية رجال ألمع في عسير (الاجتماع القادم).

3. قرية ذي عين في الباحة.

4. دومة الجندل في الجوف.

5. قرية الفاو في وادي الدواسر.

6. طريق الحج المصري.

7. طريق الحج الشامي.

8. درب زبيدة.

9. بئر حما.

10. سكة حديد الحجاز في المدينة المنورة.

ويتمُّ إعداد الملفات في وحدة التراث العالمي في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمشاركة مركز التراث العمراني، وعادة ما يقوم الفريق بطلب عمل تقرير مبدئي للموقع من قِبل فريق الأيكوموس Upstream Report، يكون بمثابة خارطة طريق للعمل الذي قد يمتد لسنوات. ومن أهم التحديات التي تواجه مواقع التراث العالمي في المملكة، هي:

– تطوير النظم الإدارية للمواقع: وقد خطت الدولة مؤخرًا خطوات كبيرة في هذا المجال، من خلال تأسيس هيئة العلا، وبوابة الدرعية، وإدارة جدة التاريخية، لكن يظل هناك حاجة إلى إعادة النظر في إدارة هذه المواقع، والتعامل معها كثروة وطنية.

– بناء الخبرات الوطنية المتخصصة في كل موقع، سواء في مجالات الحماية أو التنمية أو التوثيق أو الاستثمار أو التواصل مع الجمهور. بناء الموارد البشرية يفترض أن يكون أحد أهم النتائج الإيجابية التي يتيحها تسجيل المواقع على لائحة التراث العالمي.

– الوعي الاجتماعي، بحيث يعي الناس قيمة هذه المواقع، ويعملون على المحافظة عليها.

– مشاركة رجال الأعمال في تنمية المواقع.

– توفير الموازنات اللازمة للتطوير.

– البحث العلمي، ومشاركة المؤسسات التعليمية في دراسة هذه المواقع، والتعريف بها.

وكان تعقيب د. زياد الدريس: أشار د. مشاري النعيم في ورقته إلى البداية المتأخرة لدخولنا لائحة التراث العالمي، حيث بقينا منذ العام ١٩٧٢ بداية تسجيل التراث حتى العام ٢٠٠٨ بداية تسجيلنا لتراثنا، بقينا ٣٦ عامًا نراوح بين الدخول وعدمه؛ وذلك لأسباب سياسية حينًا، ودينية أحيانًا. وقد تحدثت عن هذا الأمر كثيرًا خلال سنوات عملي مندوبًا دائمًا للمملكة لدى اليونسكو.

أودُّ أن أشير إلى أن دولًا عديدة استطاعت أن تكوِّن رصيدًا جيدًا لها من مواقعها في لائحة التراث العالمي؛ بسبب بدئها المبكر في التسجيل. إلا أننا في غضون عشرة أعوام فقط من دخولنا اللائحة الدولية استطعنا أن نُسجِّل خمسة مواقع، بمعدل موقع واحد كل سنتين، وهو رقم ممتاز إذا ما علمنا أن إجراءات تقديم الموقع ثم فحصه وتقييمه قبل تسجيله تستغرق في الحد الأدنى سنتين، وقد تطول إلى أربع أو ست سنوات. ولا أظنُّ دولة أخرى استطاعت خلال العشرين سنة الماضية أن تُسجِّل هذا الرقم في هذا الزمن كما فعلت السعودية؛ بل إننا اقتربنا كثيرًا من حصيلة الدول العربية التي بدأت قبلنا بسنين.

بقيت لدينا إشكاليتان لابد من تكثيف الجهود عليهما، وقد أشار إليهما د. مشاري في ختام ورقته:

الأولى: توعية الناس بما يعنيه تسجيل مدنهم أو معالمهم البارزة في لائحة التراث العالمي، حيث سيزيد هذا من تفاعل السكان الأصليين وحماسهم، وبالتالي مشاركتهم في رعاية وصون الموقع.

الثانية: تجهيز خط إنتاج مستديم من الكوادر السعودية القادرة على إعداد الملفات للتسجيل وفق المواصفات والمتطلبات الدولية، حتى نتجنب رفض التسجيل أو إطالة أمده بالأخذ والرد حول التفاصيل الفنية.

وختامًا؛ أؤكد على أننا يجب ألا ننشغل كليًّا بإنجاز التسجيل عن إنجازات ما بعد التسجيل، فتسجيل المواقع في لائحة التراث العالمي ليس غاية كما يظنُّ البعض، بل هو وسيلة لتفعيل الاهتمام بالموقع التراثي وصونه ورعايته، وإشهاره محليًّا ودوليًّا، وتكثيف الدراسات والأبحاث الأثرية والثقافية حول تاريخ الموقع وعلاقة الإنسان به.

كما عقَّب د. إحسان بو حليقة: ليس من شكٍّ أننا تأخَّرنا كثيرًا، وأنَّ اهتمامنا المتأخر بالتُّراث – وهو لا شك ثروة وطنية هائلة- لا يكفيه مجرد الإقرار به، بل لابد من مضاعفة الجهود لتسريع عجلة التسجيل لدى اليونسكو من جهة، والعمل على إتاحة هذه المواقع للبشرية، واتخاذ ما يلزم لتنميتها منهجيًّا من خلال خطط تنفيذية ومشاريع. وفي ظني، سنبقى في مجال الاحتفاء وتذكير الذات بأنَّ حضارات مهمة “مَرَّت من هنا”، إن لم ننفذ توجُّهًا انفتاحيًّا باتجاه فك الحجر عن هذه المواقع، وتسهيل الوصول لها؛ فهي بذلك تكون جزءًا من حياتنا، وبذلك نضفي حيويةً واتصالًا على تلك الأمكنة، ثم إن ذلك يبقيها تحت أنظار الناس، ويحميها من طمع الطامعين الذين لا يهتمون بشيء إلا ما يدخل في جيوبهم من مكاسب. وهذا سيأخذنا إلى بناء منظومة وطنية متكاملة، ليصبح تراثنا ضمن الوجهات العالمية، وهذا سيتطلب جهودًا أكاديميةً وتنظيميةً ومعماريةً وحضريةً واجتماعية- اقتصاديةً.

من خلال معايشتي لتسجيل واحة الأحساء، فالتسجيل أحدث فارقًا بكل تأكيد. وليس أقل ذلك، شعور يسري في السكان بأن ما ورثوه عن آبائهم أكثر من مجرد لهجة ولباس وبعض حطام الدنيا؛ بل طريقة حياة، وتراكمات متعددة في كيفية ممارسة الحياة، وما أضافوا لها، وما الأهمية التي صنعوها بكدهم وعرقهم وحرصهم على الموارد، وحذقهم في تنميتها. والفوائد التي يمكن أن تُجنى من التسجيل للأحساء أو لسواها- متعددة بالفعل، ليس أقلها الحد من التجاوز والعبث. ومن أمثلة العبث: أتذكّر أني زرتُ الأحساء مع مجموعة من الزملاء الأعزاء الذين قدموا من خارجها في جولة تعريفية، وعندما وصلنا للقارة وجدت أقبح منظر عند سفح الجبل. وجدت “صبة إسمنتية”! ليحولوا “أبو هول الأحساء” إلى متنزه! وفي مشهد مؤلم آخر، شاهدت “قلع النخيل” في أم النخيل، أما المجازر الحقيقية فكانت في إزالة “فرجان” الأحساء القديمة، والتي كانت الأجمل والأبهى، والأكثر اكتمالًا معماريًّا وتخطيطيًّا بين حواضر الخليج العربي دونما استثناء، باعتبار أن الأحساء لم يكن تنافسه حاضرة في عدد السكان إلا البصرة.

ليس من شك أنَّ روحًا جديدة تدبُّ في جسد حسبناه قد مات، وهو تراثنا الفائق الأهمية، وانفتاح الحكومة واهتمامها، مدفوعة بمستهدفات الرؤية 2030 ستحدث تغييرًا إيجابيًّا حقيقيًّا. وستجعلنا نحتفي بتراثنا بعد هجرانٍ دام طويلًا.

المداخلات:

كليات وأقسام الآثار والتاريخ ودورها في تسجيل الآثار:

أشار د. حمزة بيت المال إلى أنه لم يلاحظ فيما جاء في الورقة الرئيسة، وما جرى حولها من تعقيبات، ذِكر أيِّ دور لكليات وأقسام التاريخ والآثار في عمليات التسجيل. وأتساءل: أليس هذا من اختصاصها؟ وماذا كانت تعمل؟ حسب علمي، فإن معظم أقسام التاريخ عندنا بها شعب عن الآثار، وأعتقدُ أن لهذه الاقسام دورًا كبيرًا، أو يجب أن يكون لها حضورٌ في هذا الأمر. من جانبها، تساءلت أيضًا د. فوزية البكر عن هذا الدور، وأضافت: نحن نعرف أن الكثير من الضغوط الدينية والثقافية أثرَّت بل وحدَّت كثيرًا من نشاطات هذه الأقسام خلال السنوات الأربعين الماضية، لكن مع التغيرات الحالية وكجزء من خطة التحول الوطنية، أتوقع أن تعدّ هذه الأقسام نفسها لدور مختلف في بيئة محلية وعالمية مختلفة.

ويعتقد د. مشاري النعيم فيما يتعلق بكليات الآثار وأقسام التاريخ، أنه مازال هناك انفصام بين الجامعة والمشاريع الوطنية الكبرى، وحتى الصغرى، والسبب غير معروف. كما أرى أن هناك إشكاليةً كبيرة في ضعف البحث العلمي والتوثيق المنهجي لمواقع التراث بشكل عام، والحقيقة أنني لا أرى أن الجامعات السعودية لها إسهام واضح في هذا المجال؛ فالأسبوع القادم- كمثال- تُعقد ندوة الدراسات العربية في لندن، والباحثون السعوديون هم أقل المشاركين رغم أن هذه الندوة لها ٥٠ عامًا، فهي تُعقد كلَّ عام. علَّقت د. فوزية البكر بأن جامعة الملك سعود كان لها دور أساسي في اكتشاف قرية الفاو. بينما يرى د. مشاري النعيم أن ذلك حدث منذ ٣٠ عامًا أو أكثر.

أضافت د. فوزية البكر أنه يُلاحظ أن الإهمال الذي أصاب دراسات التراث في المؤسسات العلمية كان طبيعيًّا؛ للتوجُّه المتوجس للمؤسسات الدينية التي يدير أفرادها معظم مؤسسات الدولة، والذي انعكس على ضعف التشجيع لدراسات التراث أو لأقسام الآثار، بل إن جامعة الملك سعود كان لديها مُتحف تاريخي لم يكن مسموحًا بزيارته للعامة خشية عليه؛ لذا فإن الجهود في اكتشاف قرية الفاو كان قبل ثلاثين عامًا؛ أي قبل فترة الصحوة، وبعدها توارت الدراسات التراثية، واختفي تدريجيًّا الاهتمام بها. وأضاف د. مشاري النعيم أن جيل الآثاريين الروّاد بدأ ينقرض، فلم يخرج جيل جديد بنفس الإيمان ونفس الحماس، ويُفترض أن تسجيل المواقع يُحرِّك المياه الراكدة.

تخصصات أكاديمية في علم الآثار:

ذكر م. حسام بحيري أن المملكة لديها مخزونٌ أثريٌّ ضخم لما يُستغل، إلا أنه يوجد لدينا نقصٌ كبير في الكوادر المتخصصة في هذا العلم، حتى الدول التي لها باع طويل في علم الآثار، مثل مصر، مازالت تتعاون مع منظمات وجامعات دولية لتتمكن من استخدام الخبرات والتقنيات الحديثة الموجودة لدى الغرب في استكشاف المواقع. علم الآثار مهم جدًّا لارتباطه بتراث الشعوب، وجَعْل الماضي حاضرًا ملموسًا تستطيع أن تتعايش معه.

أضافت د. فوزية البكر أن علم الآثار لا يرتبط فقط بتاريخ وتراث الشعوب؛ وإنما بالمعرفة الإنسانية عامة. وقد أشار د. مشاري النعيم إلى أن قطاع الآثار لم يشهد حراكًا ملموسًا لتسجيل المواقع الأثرية في اللائحة العالمية للتراث إلا بعد انضمام قطاع الآثار إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار ضمن رؤية ٢٠٣٠، فهل يعني هذا أن التجمُّع في كيانات موحدة شبه حكومية قد يكون حلًّا للبيروقراطية الإدارية، وطريقًا أسهل للتخلص من ضغوطات الثقافة المحلية؟

         ويعتقد م. حسام بحيري أنه من الأهمية أن نبدأ في التخصص في علم الآثار، من خلال إطلاق البرامج المشتركة والبعثات العلمية. فهناك عددٌ كبير من الجامعات الأجنبية لديها كوادر وخبرات يمكن الاستفادة منها، وجامعات، مثل هارفارد وبيركلي في كاليفورنيا وشيكاغو، لديها خبرات تمتد إلى أكثر من ٦٠ عامًا في علم الآثار. وجامعات أوكسفورد وكامبريدج في بريطانيا، وجامعة برلين في ألمانيا، والسوربون في فرنسا، لديها خبرات تمتد لأكثر من قرن.

فالمجال مفتوح للتعاون معها لاستكشاف الآثار في المملكة، والكثير من هذه المعاهد تتمنى العمل في المملكة؛ لأنها تعتبر منطقة غير مستغلة أثريًّا. الاستكشافات الأثرية تعطي دائمًا انطباعات إيجابية عن ثقافات الشعوب، وبعثاتنا الدراسية لابد أن تشمل التخصص في علم الآثار وتخصصاته المختلفة، فأهميتها لا تقل عن دراسة الطب أو الهندسة أو التقنية.

          أضاف د. زياد الدريس أن التسجيل للآثار في اللائحة العالمية لم يبدأ إلا في عام ٢٠٠٨؛ أي بعد انضمام قطاع الآثار إلى هيئة السياحة، لكن قبل ولادة الرؤية ٢٠٣٠. لكن الرؤية أولت اهتمامًا كبيرًا بالآثار، إذ جعلت أحد أهم أهدافها: رفع المواقع المسجلة في اللائحة الدولية إلى ١٠ مواقع.

وقد أكَّد هذا التوجه والاهتمام الزيارة التي قام بها سمو ولي العهد إلى منظمة اليونسكو في عام ٢٠١٥، حيث اجتمع سموه مع رئيسة المنظمة، وطلب ولي العهد من السيدة بوكوفا أن تولي اليونسكو اهتمامًا خاصًا برغبة المملكة في تفعيل وجودها في المنظمة، والتعاون معنا في مسار زيادة المواقع السعودية في اللائحة الدولية.

أضافت أيضًا د. فوزية البكر أن جامعة الملك سعود نشطة في التعاون مع الكثير من الجهات والجامعات لاستكشاف الآثار. فعلى سبيل المثال لا الحصر: تمكن التعاون السعودي الفرنسي، وبقيادة دكتور عبد الرحمن الأنصاري، من اكتشاف مناطق أثرية مهمة.

أكد ذلك د. زياد الدريس، فالجامعات وأساتذة الآثار ليسوا بعيدين عن أجواء العناية بالآثار والتراث، فهم يشاركون في البعثات الاستكشافية للتنقيب، ثم يشاركون أحيانًا عبر استشارات هيئة التراث في إعداد الملفات قبل تقديمها لليونسكو.

الجانب الاقتصادي في الاهتمام بالآثار:

أشار د. إحسان بوحليقة إلى أنه يبرز دائمًا الجانب الاقتصادي، ليس طمعًا في مكاسب بالضرورة، بل ما يمكن لاستدامة رعاية الآثار والتراث؛ بسبب توفر الأموال اللازمة من جهة، وبسبب الحفاظ على ملامح الحياة لتلك المواقع، بجعلها متاحة للزوار والسيّاح.

تجربة حية نعايشها في الأحساء بعد ترميم مسجد جواثا، والإعلان عن ذلك، والتعريف بأهمية المسجد التاريخية، والقفزة الثانية بافتتاح متنزه جواثا، ولم يمانع الأهالي دفع رسم دخول للمتنزه.

تسجيل الأماكن الإسلامية:

يرى د. رياض نجم أن المملكة تحتوي على المواقع التي ظهر فيها الإسلام كدين وأسلوب حياة ورسالة سماوية، موجّه للناس كافة. فهل نسعى لتسجيل المواقع الأثرية لما قبل الإسلام وللعصر الحديث، ونترك تسجيل المواقع التي صنعت التاريخ بعد أن ظهر الإسلام؟ لذا أرى أن تطوير مواقع التاريخ الإسلامي، وتسهيل زيارتها من الأمور المهمة التي تكتسب أولوية. لكن لا أدري إن كان تسجيلها كجزء من التراث العالمي فيه مضيعة للمال والوقت، بل إن الأمر عكس ذلك؛ لأن هذه المواقع تهمُّ المسلمين داخل المملكة وخارجها على حد سواء.

وأتوقع أن المحاذير التي ذكرها الدكتور زياد الدريس من تسجيل المواقع الإسلامية كانت خلال فترة التحفُّظ المفرط التي كنا نعيشها من موضوع زيارة الآثار، والخشية من تقديسها. وأظنُّ أننا تجاوزنا هذه المرحلة الآن، وأصبح الاهتمام بالآثار وتشجيع زيارتها أحد أهداف رؤية ٢٠٣٠؛ لذا فإنه من الممكن استثناء زيارة تلك المواقع لغير المسلمين، مثل ما هو معمول به للحرمين في مكة والمدينة. وحول السياق ذاته، تساءل د. حمزة بيت المال: لماذا لا تُسجَّل بعض الأماكن المتعلقة بالإسلام، مثل: غار حراء، وجبل أحد؟

أجاب د. زياد الدريس بأنه سبق أن وردنا في المندوبية الدائمة تساؤل من جهات عليا عن تسجيل المواقع الدينية، في مكة المكرمة والمدينة المنورة تحديدًا، وقد أجبنا حينها بأن هذا سيعني أمرين:

– عدم المساس، من هدم أو تعديل أي موقع مُسجَّل في اللائحة.

– تسجيل أي موقع يعني القبول بتحويله إلى مزار سياحي مفتوح لكل مَنْ أراد زيارته من دون تخصيص أو تحفظ. وبناء على ذلك، رأت الجهات المعنية صرف النظر عن ذلك. وأنا أرى أن مكانة مكة والمدينة أكبر من المكانة التي تمنحها اللائحة الدولية للمواقع المسجلة فيها، والرعاية التي تلقاها المدينتان المقدستان من السلطات السعودية أكبر من أي رعاية دولية أخرى.

وأكد أ. محمد الدندني أن الإرث الإسلامي لدينا هو الأهم، فبلادنا مهبط الوحي، وبها الحرمان؛ لذا يجب أن يكون هناك مُتحفٌ خاص، والعمل على جلب الآثار والمخطوطات المنتشرة في العالم مهما كلفت من أثمان.

حتى الآثار التي أزيلت في مكة والمدينة من الممكن إعادة محاكاة الأصل وإعادة بنائها. حتى السيرة ممكن أن تُحاكى ضمن المُتحف المذكور بأدوات سمعية وتصويرية، على سبيل المثال لا الحصر: هجرة الرسول- عليه الصلاة والسلام- ومعاركه في الدفاع عن العقيدة، ولا يمنع من توثيق المعارك من بعده، والتي وقعت خارج حدود المملكة حاليًّا، فنحن نخاطب بدين عالمي للمسلمين وغيرهم.

من جانبه، يرى م. خالد العثمان أن تسجيل مواقع التراث والتاريخ الإسلامي ضمن قائمة التراث العالمي ليس شرطًا ولا هدفًا في حد ذاته، خاصة أننا متفقون فيما يبدو على أن التسجيل في هذه القائمة هو أداة وليس وسيلة، وخطوة وليس هدفًا؛ إذًا فالمطلوب في الحقيقة هو تفعيل وتنفيذ برنامج خادم الحرمين للتراث، الذي يضمُّ تطوير مواقع التراث والتاريخ الإسلام، بدلًا من إضاعة الوقت والجهد والمال في تسجيل هذه المواقع كتراث عالمي، ناهيك عن إقناع المسؤولين بجدارة ذلك. وربما يكون تطوير هذه المواقع وإبرازها إلى حيز الوجود والتشغيل أمام العالم دافعًا بعد ذلك لتغيير قناعات أصحاب القرار لتبني تسجيلها في قائمة التراث العالمي.

وأضيف: إننا في مكتبنا قمنا بالعمل على دراسة وتخطيط اثنين من مشاريع تطوير مواقع التاريخ الإسلامي، والمتعلق خصوصا بالغزوات، وهما موقع غزوة أُحد وموقع غزوة الخندق في المدينة المنورة. وبالرغم من الجهود المبذولة في المشروعين والخبرات التي حُشدت لهما، والعمل الجبار الذي انتهينا إليه، والذي وصل حد الاعتماد والإشادة من العديد من المستويات المهنية والأكاديمية محليًّا وعالميًّا، إلا أن كلا المشروعين انتهيَا إلى الأدراج؛ لعدم توفُّر ميزانية لتنفيذهما، وعدم بلوغهما الموقع الملائم في سلم الأولويات، حتى محاولات دفعهما إلى منظومة الخصخصة والتطوير بالشراكة مع القطاع اصطدمت بأهواء وقناعات ذاتية لدى مَن هم في مراكز اتخاذ القرار وتحديد الأولويات.

إحدى العقبات التي واجهت هذين المشروعين أيضًا، تنازع الاختصاص والصلاحيات بين هيئة تطوير المدينة المنورة التي أشرفت على الدراسات، لكنها لم تملك السلطة الكافية والتمويل اللازم للتنفيذ، بينما هيئة السياحة غابت عن المشهد وهي القادرة على دفعه بحكم مسؤوليتها عن برنامج تطوير مواقع الغزوات. ولا أدري إن كان غيابًا أم تغييبًا لأسباب أجهلها، لكن في النتيجة انتهى مشروعان واعدان إلى الأدراج، ليكررا معاناة التهميش التي تطال كل مواقع التراث والتاريخ العالمي والإسلامي، سواء أكانت مسجلة أم غير مسجلة.

هيئة تطوير المدينة المنورة بدأت من سنة إحداث أعمال تحسين مؤقتة في موقع غزوة أحد، في تكرار للحلول الترقيعية التي شهدها هذا الموقع منذ سنوات طويلة جدًّا. وحتى هذه الحلول خلت من أية مبادرات لتطوير وتقديم محتوى معرفي وسردي ومتحفي لزوَّار الموقع القادمين من شتى بقاع الأرض. لاحظنا خلال الدراسة الميدانية أن بعض المرشدين الأفراد في الموقع لا يملك التأهيل الكافي لسرد أحداث الغزوة ومعلوماتها الجمة. ناهيك عن غياب أية وسائل للعرض؛ بل إن بعض أولئك المرشدين ربما يتعمد تشويه أحداث المعركة ومواقف بعض الصحابة لأجندات خفية موجهة، هذا بالطبع نتيجة غياب التوثيق والمأسسة والتجهيزات التقنية.

إنشاء “مكنز” للتراث السعودي:

ذهب د. خالد الرديعان إلى أنه حدث تحوُّل اجتماعي إيجابي مهمٌّ فيما يخصُّ النظرة للتراث والآثار عمومًا، بحكم أن هذا التراث قد يكون مصدر رزق مناسبًا لبعض الشرائح الاجتماعية، خاصة الآثار المادية. وهناك اهتمامٌ واسع ومتنامٍ بالآثار والتراث، سواء عند الأفراد أو الجهات الرسمية.

من نتائج ذلك- مثلًا- توجُّه إدارة الملك عبد العزيز لإنشاء “مكنز” سعودي (مكنز وليس مُتحفًا) يعكس ثقافة المملكة العربية السعودية، وهو مشروع لا يزال في طور التخطيط له لإنجازه في السنوات القادمة. وقد تواصل معي الدكتور فهد السماري ومع غيري من الاجتماعيين بهذا الخصوص، لتلمّس الطرق الأنسب لتحقيق هذا المشروع الوطني الكبير؛ وذلك لأهميته الوطنية والعالمية والسياحية كذلك. ومن جانبي، أشير إلى وجود عدد كبير من المتاحف الخاصة التي يقوم عليها أفراد هواة ومن عشاق التراث، وبالتالي يمكن الإفادة من هذه المتاحف، ولاسيما أنها تنتشر في جميع مناطق المملكة، ويغيب عن بعض أصحابها الخبرة الكافية في حفظ بعض القطع وطرق صيانتها. لو تم إنشاء مكنز يستفيد من كل هذا الشتات وجمعه في مبنى واحد بشروط الحفظ والمناخ المناسب، فإننا بذلك نقدم خدمة وطنية كبيرة.

وجود هذا المكنز الوطني له آثاره على الجانبين الاجتماعي والنفسي، فهو أحد عوامل بلورة الهوية الوطنية وتعميقها عند الأجيال، وتذكيرهم أن هذا البلد ليس نفطًا فقط، ولكنه أيضا يكتنز تاريخًا ثريًّا ومتنوعًا، يهمُّ ليس السعوديين فقط ولكن عموم البشرية. كيف لا، وهذا البلد يُعدُّ مهدَ البشرية حسب النصوص الدينية والتاريخية والشواهد الأثرية؟ فمستوطنة الشويحطية في منطقة الجوف، التي كشف عن أهميتها الدكتور عبد الرحمن الانصاري قَدّر أنها استُوطنت قبلَ مليون سنة من خلال بعض “اللقى” والشواهد المادية.

وأخيرًا، فإنَّ الحفاظ على التراث والثقافة ليس ترفًا بهدف رؤية مخلفات الأقدمين وما تركوه لنا، ولكنه أيضًا عملٌ وطنيٌّ وسياسيٌّ واجتماعيٌّ، يُعزِّز من موقع وطننا كدولة فاعلة في العالم ومؤثرة فيه، وسيُعزِّز كذلك من نظرة الآخرين لنا؛ كأمة لها تاريخ ضارب في الجذور. نحن لسنا شعوبًا طارئة على المنطقة، ولكننا أصحاب حضارات يلزم إبرازها، وبقوة، حتى يدرك الآخرون من نحن، وأين نتجه.

وفي رأي د. زياد الدريس، فإنه يجب أن ننتهز هذه اللحظة التاريخية السانحة الآن للعناية بتراثنا الإنساني والإسلامي والوطني، ويجب أن تتوزع جهودنا على هذه الدوائر الثلاث جميعها.

وأضاف د. إحسان بوحليقة: أتفق مع د. خالد في أن الآثار والتراث ليسا كمًّا نخبويًّا، فتطوير البقع الحاضنة للتراث أمرٌ حيوي؛ لما له من تبعات اجتماعية في الأساس، واقتصادية بالتبعية.

توفير بنية تحتية لتحقيق استدامة للمواقع الأثرية:

فيما يتعلق بالمواقع الأربعة التي سبق تسجيلها قبل واحة الأحساء وخاصة جدة التاريخية، يرى م. خالد العثمان أنها تمثل بالنسبة للكثيرين من المهتمين حالة من الفشل، وتواجه خطر سحب تسجيلها في قائمة التراث العالمي إذا استمر ما تعانيه من إهمال واجتراء، ليس أقله تكرار الحرائق المفتعلة فيها.

من جانبها، أكدت د. فوزية البكر أن هذه مشكلة حقيقية لعدم وجود بنية تحتية كافية للعناية بالمواقع الأثرية، وبما يُوفِّر لها الاستدامة. لذلك، فإن فكرة الوعي العام بأهمية المعالم التراثية، والحفاظ عليها، وإخراجها من بوتقة التفسير الثقافي المغلوط الذي كان يرى أن العناية بهذه الآثار يُهدِّد المشاعر الدينية- هو الآن الأكثر أهمية؛ لأن زيادة التنمية الثقافية والوعي العام بأهمية صون المعالم التراثية هو ما سيُشجّع صانع القرار للعناية بإيجاد البنية التحتية والكوادر المناسبة لمثل هذه المبادرات الوطنية.

مشاكل تُهدِّد بقاء تسجيل جدة التاريخية:

أشار م. خالد العثمان إلى أن جدة التاريخية بشكل خاص تعاني كثيرًا، نتيجة موقف الملكيات الخاصة التي تتطلب؛ إما نزع ملكيات وهو لما يحصل بعد، أو سيطرة مؤسسية ودعم تمويلي لترميم وتطوير الممتلكات، وهو أيضا ما لم يتوفر. في النتيجة، فإن المُلَّاك ليست لديهم القدرة على معالجة أوضاع ممتلكاتهم، وكذلك لا يستطيعون بيعها، ومعظمهم يقوم بتأجيرها لأعمال تجارية بسيطة أو مستودعات أو سكن عمال، والمشهد هناك لم يتحسن كثيرًا من تسجيلها في اليونسكو، بل شهدت أيضًا بعض الحرائق المفتعلة التي يتعمد أصحابها ذلك، حتى يمكنهم بعدها هدمها وإقامة مبانٍ تجارية حديثة مكانها.

كذلك فإن أحد أكبر مشاكل جدة التاريخية تنازع الاختصاصات، وضعف الصلاحيات، وغياب الكفاءات. جدة التاريخية ضاعت بين تنافس هيئة السياحة والآثار وأمانة جدة، في ظل غياب حدود واضحة للاختصاص والمسؤولية، علاوة على أن منسوبي الجهتين العاملين في المنطقة لا يملكون لا الموارد المالية اللازمة، ولا الصلاحيات الفاعلة، ولا هم أنفسهم مؤهلون التأهيل الكافي للتعامل مع منطقة بهذه الأهمية.

النموذج الذي أرجو أن يُحتذى في جدة التاريخية وغيرها من مواقع التراث العالمي هو نموذج هيئة إنقاذ فاس. هذه الهيئة التي أسسها وأدارها باقتدار د. عبد اللطيف الحجامي، نجحت في تحقيق مهمة عظيمة في الحفاظ على مدينة فاس المغربية التاريخية وإحيائها. المطلوب هو وحدة القرار، وتحديد سلطة الصلاحيات، والعمل بنموذج تنموي استثماري، لكن محكوم بحدود الثقافة والتراث والقيمة الأثرية والاجتماعية.

بينما يرى م. محمد الشهري أن من المشاكل الرئيسة التي تعاني منها جدة التاريخية وغيرها من المدن أنها لم تكن يومًا من الأولويات لدى متخذي القرارات في مركز القرار، ولم تتوفر لها الاعتمادات المالية الضرورية.

لدينا من الكفاءات والخبرات الكافية لإدارة مثل هذه الملفات الصعبة التي تعاني منها المدن الرئيسة، ومشروع تطوير الدرعية مثال واضح للحفاظ على المناطق التاريخية.

إلا أن م. خالد العثمان ذكر أن الدرعية حظيت بإشراف هيئة تطوير الرياض عليها، فحصلت على أداء مهني متقدم، وميزانية مؤثرة، وسلطة مركزية. ومع ذلك فالمشروع متأخر كثيرًا، وليس هناك بعدُ برنامجٌ تشغيلي واضح، لا للمرافق التي أنشأتها الهيئة، ولا للأملاك الخاصة في المنطقة. مع ذلك، فهي تتفوق بكثير على واقع جدة التاريخية.

أضاف م. محمد الشهري أن المشاريع التطويرية الكبيرة والاستراتيجية يجب التعامل معها بأساليب غير تقليدية كسائر المشاريع الأخرى، فالفوائد أو العوائد منها على المستوى الوطني وليس فقط على المحلي، إضافة إلى أنها تعكس جوانب تاريخية واجتماعية واقتصادية؛ لذلك أرجو أن تقوم هيئات تطوير المناطق بدورها الحقيقي في دعم مثل هذه المشاريع الوطنية، وإعطائها الاهتمام والدعم المطلوب.

هيئة السياحة ودورها تجاه التراث الوطني:

يرى د. مشاري النعيم أن هيئة السياحة لا تنافس أحدًا، بل هي تكمل الجهات الأخرى وتعمل كمستشار لها، لكن أمانة جدة بعيدة جدًّا عن همّ التراث، وأمينها السابق لا يعترف أصلًا بالتراث، ولم تكن من همومه جدة التاريخية. في الهيئة حاولنا أن نعمل بمنهجية، لكن الأمانة ومَن ينتسب إليها، إضافة إلى بعض الملاك، بينهم تنافس كبير على الظهور في الصورة.

أضاف م. خالد العثمان: في رأيي، فإن هيئة السياحة والتراث يجب أن ينتهي دورها عند التسجيل، وتبتعد عن الدور التنفيذي، لكنها تضطر للتدخل بلا سلطات كافية؛ نتيجة ضعف أو عدم رغبة أو قناعة الجهات التتفيذية كأمانة جدة.

بينما يرى د.عبد الله بن صالح الحمود أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لم تقم بدور كبير، وما هو مأمول منها تجاه تراثنا الوطني، فالملاحظ أن المتاحف الأثرية المملوكة للأهالي لم تقدم الهيئة أيَّ دعم مالي لأصحابها؛ مساندة ودعمًا لهذا التراث القيّم، ولجعله أنموذجًا لثقافة قديمة تفتخر بها الأجيال.

        لوحظ أيضًا أنَّ ما قامت الهيئة- وعلى مدى عشرات السنوات من انضمام التراث الوطني إليها- يعدُّ نسبيًّا نشاطًا محدودًا للغاية أمام تعدُّد المواقع الأثرية التي تمتلكها بلادنا المتنامية الأطراف.

المملكة تحتاج إلى مندوب نشط في اليونسكو:

ذهب أ. عبد الله الضويحي إلى أن المملكة عضو في اليونسكو منذ 1946، واليونسكو بدأت تسجيل مواقع التراث العالمي 1972، والمملكة سجلت أول موقع لها عام 2008، أي بعد 62 عامًا من انضمامها، و36 عامًا من بدء اليونسكو تسجيل المواقع. وقد أشار د.مشاري في ورقته إلى أن الاهتمام بتسجيل المواقع بدأ بعد انضمام الآثار إلى هيئة السياحة. وإذا عرفنا أن هيئة السياحة أُنشئت عام 2000، وأن الآثار كانت وكالة في وزارة المعارف ونُقلت إليها عام 2003، وبالتالي يبرز تساؤل: هل المشكلة فقط في عدم وجود هيئة للسياحة والآثار، أو في عدم انضمام الآثار لهيئة السياحة، أو في وزارة المعارف نفسها كجهة مسؤولة عن الآثار في ذلك الوقت؟

أعتقدُ أن هناك سببًا آخر لم تتم الإشارة إليه، وتحاشاه د.زياد الدريس. وفي ظني، فإن عدم وجود مندوب نشط للمملكة في اليونسكو يؤمن بدوره سببٌ رئيس في ذلك. لم نكن نشعر بوجودنا في اليونسكو، وهذه حقيقة إلا بعد تواجد د.زياد هناك. وهذا لا يعني أنني أنكر دور الهيئة، ولكن يجب أيضًا أن ندرك أن وجود ممثل يعي دوره، ومطلع على نشاط اليونسكو، ومهتم بالحضور السعودي هناك- يسهم في تبصير الهيئة، وفتح الباب أمامها للقيام بهذه المسؤولية، ومن ثَمَّ متابعتها وحشد الأصوات لقبول هذه المواقع وتسجيلها.

نموذج من آثار المملكة:

أورد أ. محمد الدندني خبرًا نشرته صحيفة الحياة بتاريخ 21 يوليو 2018، بعنوان: (فريق سعودي – إيطالي يكتشف قنوات مائية في دومة الجندل، تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد).

وذكر الخبر أن الفريق عثرَ على بقايا معمارية ترجع إلى الفترة النبطية والرومانية (بين القرنين الأول ق.م والرابع الميلادي) في قلعة مارد بمحافظة دومة الجندل في منطقة الجوف شمال المملكة.

المتاحف الخاصة في المملكة:

أيضًا؛ أورد د. عبد الله بن صالح الحمود فيديو حول مُتحف محافظة بلجرشي. وذكر أن مثل هذا الكنز الأثري لابد أن تمضي الجهود بالعناية به، فضلًا عن دعم متعدد الأوجه لصاحبه، ليكن ذلك حافزًا لكل مواطن للاهتمام بالمورثات الوطنية.

يرى د. خالد الرديعان أنه يوجد عدد كبير من المتاحف الخاصة، وبعضها تضمُّ مقتنيات نادرة جدًّا؛ ولذلك يُفترض الالتفات لهذه المتاحف، وجعل ما تحويه تحت سقف واحد، وتدريب كوادر على صيانة الآثار والمحافظة عليها. لدى أسرتنا في حائل مُتحف مماثل يضمُّ أشياء كثيرة؛ كالأسلحة، والملابس، والأواني المنزلية، وأدوات الزراعة.

أضافت د. فوزية البكر: إنَّ مثل هذه المتاحف الخاصة توجد في كثير من المناطق والقرى، بما يُمثِّل رصيدًا وطنيًّا تم الحفاظ عليه من الضياع بجهود فردية، ربما تحتاج إلى بعض المأسسة للتنسيق بينها، والاستفادة من ثرواتها التي قد يُبدِّدها بعض الورثة، مثلًا في حالة الوفاة، وهو ما يُمثِّل خسارة وطنية يصعب تعويضها.

وأشار د. مشاري النعيم إلى أنه يوجد برنامج دعم كامل للمتاحف الخاصة، والهيئة قامت بتنظيمها وترخيصها، كما أنها عملت مع وزارة البلديات لمنح قطعة أرض لكل متحف، إلا أن د. خالد الرديعان ذكر أنه بالرغم من أهمية هذا الخبر، لكن يظل البعض جاهلًا في طريقة الصيانة، وتهيئة المبنى، ودرجة حرارته لحفظ بعض المقتنيات. وأذكرُ أنني دخلت مُتحفًا خاصًّا عند أحد الأصدقاء، فوجدت عنده أسلحةً قديمةً يعلوها الصدأ؛ بسبب عدم العناية بها من الرطوبة، والجو الحار، والتأكسد. بينما يرى د. مشاري النعيم أن الهيئة تحاول تقديم الدعم والاستشارة الفنية لأصحاب المتاحف الخاصة، وعملت لهم عدة ملتقيات، وأنصحُ الجميع بالدخول على موقع الهيئة، فالجهود كبيرة لكن الإمكانات ضئيلة جدًّا. في هذا السياق، تساءلت د. فوزية البكر: هل يعرف أصحاب المتاحف عن هذا الدعم؟ وكيف تكون الإمكانات ضئيلة جدًّا؟ أجاب د. مشاري النعيم بأن ميزانية الهيئة لا تتجاوز مليار ريال، ومشروع خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري ٥ مليارات ريال، وهو لا يكفي لقارة، مثل المملكة. المشاريع الكبيرة لم تُقرّ إلا مؤخرًا بعد سنوات طويلة من المطالبات.

جدوى وأهمية تسجيل المواقع الأثرية:

حول الجدوى من تسجيل المواقع الأثرية، تساءل م. خالد العثمان: ماذا يعني تسجيل بعض المواقع؟ وما جدوى ذلك؟ وما المطلوب القيام به بعد تسجيل الموقع؟ وأرى أن التسجيل خطوةً مهمة، لكن إن لم تتلها خطوات فلا معنى لها، ولا تستحق المجهود والوقت والمال المبذول فيها.

أضاف د. مشاري النعيم أن تسجيل مواقع التراث العالمي في المملكة غيَّر كذلك من صورة المملكة عالميًّا، فمن دولة كان يُنظر لها أنها تحاربُ الثقافة إلى واحدة من الدول الصاعدة بقوة للمساهمة في الحفاظ على الثقافة الإنسانية. أما البُعد الاقتصادي فستظهر نتائجه مع التأشيرة السياحية، لكن لابد من تضامن المجتمع المحلي للمواقع المسجلة من أفراد، ورجال أعمال، ومؤسسات حكومية.

وأكدت د. فوزية البكر أن مواقع التراث، على أهميتها في حد ذاتها كقيمة تاريخية وتراثية إنسانية، يجب الحفاظ عليها كجزء من تاريخ البشرية، إلا أنها أيضًا- وكما ذكر د مشاري- تسهم في تحسين صورتنا التي تم تشويهها من قِبل الاٍرهاب طوال عقود، وسنحتاج مثلها للخروج من هذا النفق.

وأشار د. زياد الدريس إلى أنه يؤكد مرة أخرى أننا يجب ألا ننشغل كليًّا بإنجاز التسجيل عن إنجازات ما بعد التسجيل، فتسجيل المواقع في لائحة التراث العالمي ليس غاية كما يظنُّ البعض؛ بل هو وسيلة لتفعيل الاهتمام بالموقع التراثي وصونه ورعايته، وإشهاره محليًّا ودوليًّا، وتكثيف الدراسات والأبحاث الأثرية والثقافية حول تاريخ الموقع وعلاقة الإنسان به.

من جانبه، ذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه يجب ألا نُقلل من أهمية التسجيل، فهو الأساس الذي يقوم عليه البناء، لكنَّ البناء هو القيمة الحقيقية وليس الأساس في ذاته، فقيمة الأساس بما يُبنى عليه من بنيان.

البنية التحتية وميزانيات المتاحف العالمية الكبرى

ذكر د. مشاري النعيم: شاركتُ في دورة في الولايات المتحدة، كان ضمنها زيارة كواليس متحف المتروبوليتان في نيويورك، ولقد هالني مستوى التخزين والتصنيف وشبكة العلاقات في البحث العلمي، كما قمتُ بزيارة مؤسسة سميثسونيان في واشنطن، وهي مؤسسة وقفية عملاقة ربما تكون الأولى في المتاحف والبحوث والتدريب المتعلق بها. فالبنية التحتية للتراث ضعيفة جدًّا لدينا. ننفق الأموال ولا نستطيع بناء عمل مستدام، فميزانية متحف المتروبوليتنان حولي ٤٠٠ مليون دولار؛ أي أكثر من ميزانية هيئة السياحة. كما أن واشنطن بها ١٧ متحفًا عملاقًا تديرهم مؤسسة سميثسونيان، أحدها متحف التاريخ الطبيعي، وهو يوازي المتروبوليتنان.

يرى م. خالد العثمان أن الاستعانة بمثل هذه المؤسسات الدولية العريقة ربما يكون أحد المخارج من هذه المعضلة. هذا هو المنحى الذي اتجه إليه تطوير منطقة مدائن صالح بتعاون هيئة تطوير العلا مع اللوفر والمنظومة الفرنسية.

بينما ترى د. فوزية البكر أن المقارنة قد تكون غير عادلة، فهناك الإرث الثقافي والعلمي لدولة كالولايات المتحدة التي تعدُّ عَصب اقتصاد العالم، إضافة إلى أن هذا المتحف مُوجّه لخدمة أكثر من ٣٥٠ مليون نسمة، أي أضعاف أضعاف أعداد سكان المملكة. اتفق معها د. مشاري النعيم في أن المقارنة فعلًا غير عادلة؛ لأن البنية التحتية التأسيسية مكتملة في المتروبوليتان؛ ولهذا يُفترض أن الميزانية أقلُّ، بينما نحن ليس لدينا بنية، ونحتاج بناء كوادر.وأضاف أن المسؤول عن إدارة مواقع التراث العالمي في أمريكا مؤسسة تابعة لوزارة الداخلية National Park Service، وهي مؤسسة على المستوى الفدرالي وليس على مستوى الولاية؛ أما عندنا فوزارة الداخلية دورها حماية الحدود الوطنية، وإدارة المتنزهات الوطنية فقط.

خطوات إجرائية يحتاجها قطاع الآثار في المملكة:

أشارت د. الجازي الشبيكي إلى أن رفع الوعي الاجتماعي حول أهمية العناية بالمواقع الأثرية في المملكة بحاجة إلى آليات إقناع ملائمة مدروسة، مرتكزة على بيانات علمية توضح الأسباب المجتمعية لعدم اهتمام الناس بهذا الجانب، ومدى تأثير القناعات الدينية عليهم، مع أنه تبين في الآونة الأخيرة أن القرارات السياسية تستطيع التأثير على القناعات الدينية غير المستندة على أدلة تحريم قطعية. ولا شك أن للدعم المجتمعي القوي أثره الفاعل في المحافظة على تلك المواقع الأثرية، وتنمية الاهتمام بها. وأرى أن تقوم الجامعات على الأقل بتولي هذا الجانب الاجتماعي، وإعطائه الاهتمام المطلوب، من خلال تنظيم مبادرات، واستحداث برامج تدريبية مركزة تؤهل لأجيال تعي وتدرك أهمية المحافظة على تراث الوطن، وامتداد تاريخه الثقافي وأصالته. اتفقت معها د. فوزية البكر في أن رفع الوعي الاجتماعي بأهمية المواقع التراثية سيساعد في دعم المحافظة عليها، وسيسهل طلب الدعم المالي والإداري.

ويعتقد أ. محمد الدندني أنه من المهم أن تُفعَّل بعثات التنقيب مع جهات ذات خبرة للتنقيب عن المزيد من الآثار، وخاصة في المواقع المعروفة. وكذلك استقراء التاريخ، وتحديد أماكن تجمعات بشرية لاحتمال وجود آثار تدلُّ عَلى تجمُّع بشري ولو حضارة منغلقة، ويُسجَّل كل اكتشاف محليًّا، ويُطوَّر ليُصبح مزارًا سياحيًّا حتى وإن لم يصل لدرجة تسجيله عالميًّا.

بالإضافة إلى الاهتمام بترقية أقسام الآثار وتحويلها إلى كليات مستقلة، وتزويدها بمراكز أبحاث تكون داعمة لنشاط الاستكشاف للجهة المناط بها، إن كانت هيئة السياحة أو غيرها.

من جانبها، ترى د. عبير برهمين أن البنية التحتية الداعمة لمشاريع الحفاظ على المواقع الأثرية تَعني قائمة طويلة من المحترفين نحتاج إلى بنائهم ودعمهم، أذكر- على سبيل المثال لا الحصر- ضرورة أن يكون لدينا: خبراء في التاريخ الإنساني وتعاقب الحضارات، مُنقّبون متخصصون، مُوثِّقون للحدود الجغرافية الطبيعية، مختصون بأعمال الجرافيك والكمبيوتر لإعادة تصميم ما اندثر، أو إعادة تصوير هولوجرافي أو رباعي الأبعاد للموقع في ذلك العصر، كما نحتاج إلى متاحف متخصصة على أرقى مستوى، وإلى متخصصين للحفاظ على هذه الآثار من العوامل الطبيعية التي قد تؤدي إلى تلفها، وعمال مهرة في أعمال الترميم اللازمة، بحيث لا تخلُّ بالمكون الأساسي، وإلى مصورين مهرة لتصوير المواقع وتسويقها، بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى زرع ثقافة الاعتزاز بهذه الأماكن ومعرفة قيمتها والحفاظ عليها، وسنّ قوانين صارمة تمنع من العبث بها وإتلافها، وإلا سنجد عبارات (ذكريات فلان بخط ولا أردأ، ورسمة قلب مخترق بسهم بأيدي المخربين العابثين من الصبية).

الآثار الإسلامية بين الإهمال والاندثار:

أشارت د. عبير برهمين إلى أن المملكة رغم أنها تزخر بكثير من المواقع الأثرية في عصر الإسلام وما قبل الإسلام، إلا أن الكثير منها أُهمِل واندثر، بل وطالت البعض يد العبث أو التغيير بدعوى التطوير. والخطاب الديني المتشدد والقائم على فهم قاصر للدين سابقًا، للأسف، اختطف وطمس الكثير منها بشكل مباشر وغير مباشر بدعوى أن بعض الجهلة من الناس سيتبرك بها. ولطالما كان باب سدّ الذرائع أكبر باب يمكن أن يبتلع ليس تراث وطن ودينه وثقافته ومدخراته؛ بل أكثر من ذلك بكثير. إلا أنني أعتقد أنه مازال هناك بقية من آثار ومواقع تراثية عديدة متصلة بديننا وتراثنا الإسلامي العالمي، أي ما يُوثق أكثر من ١٤٠٠ سنة في مكة والمدينة، وهناك ما هو قبل ذلك بكثير، مثل الأخدود في نجران مثلًا. وأتفقُ مع الزملاء في أن تسجيل هذه المواقع ليس غاية، بل وسيلة للحماية حتى لا نجد أحدًا يفتي أنها شركٌ أكبر، لا سمح الله، ويعمل على هدمها وطمسها في القادم من السنين. وأتفقُ مع أن الحفاظ على هذه المواقع يتطلب جهدًا وعملًا متواصلًا وميزانيات ضخمة، إلا أنها ستؤتي ثمارها اقتصاديًّا على المدى البعيد.

الاستفادة من التجارب الخارجية:

ذكرت د. فوزية البكر أننا نحتاج تلمُّس تجارب الدول التي سبقتنا في مجال تسجيل المواقع الأثرية للتعلُّم منها. أيضًا، أتساءل: هل هناك تواصل علمي ومهني، مثلًا: بين هيئة السياحة وغيرها من المؤسسات العالمية ذات العلاقة، للاستفادة من تجاربها في هذا المجال؟

من جانبه، أشار د. مشاري النعيم إلى أنه يوجد حوالي ٣٠ بعثة دولية للتنقيب في مواقع الآثار في المملكة، وهناك اتفاقية مع مؤسسة سميثسونيان لتدريب السعوديين في مجال المتاحف. وأذكرُ أنني زرتُ منطقة كابادوكيا ومدينة زفرون في تركيا، وتأثير التسجيل عليهما كان كبيرًا جدًّا، فقد تم إعادة تأهيل المباني كفنادق صغيرة ومراكز حرفية ومطاعم ومقاهي ومحلات بيع متنوعة، ودبَّت الحياة في المناطق السكنية، وتعمل الأسرة بأكملها في مبناها بعد تحويله إلى نشاطات تجارية ملائمة للمكان. فالقاعدة التنموية في مواقع التراث تعتمد على الأسرة، وعلى مبدأ من القاعدة إلى القمة، وهو ما يعني إعادة تأهيل المجتمع ككل ليكون هو مَنْ يقوم بالنشاطات المتنوعة.

أضاف م. خالد العثمان أنه بخلاف الزيارات الشخصية، من الضروري تبني جهد مؤسسي لتوثيق تلك التجارب أو بعضها على الأقل، والتعلُّم منها ومن أخطائها. كما أن الحراك المجتمعي نقطة مهمة جدًّا. علق د. مشاري النعيم بأنه كانت ضمن زيارة استطلاع رسمية تمَّ توثيقها في تقرير منشور في الهيئة: مقابلة المسؤولين، والتسهيلات التي قُدِّمت للناس وللمستثمرين، كذلك فإن القضية التشريعية والتمويل كانا أساسيين في نجاح هذه المواقع.

وفي تصوُّر د. فوزية البكر، فإن هذا حافزٌ قويٌّ لإعادة تنمية الكثير من المناطق النائية التي تحفل بمواقع أثرية لما يُسلط عليها الضوء بعدُ، فتحيا هذه المدن ويقلّ الضغط على المدن الكبيرة كما هي الحال الآن. إلا أن م. خالد العثمان ذكر أنه من أجل ذلك، ليس متفائلًا بشكل كبير بمشروع تطوير الدرعية التاريخية؛ لأن المشروع حتى الآن منفصل عن البنية المجتمعية والملاك الأصليين للعقارات التي لم تطلها يدُ الترميم والتأهيل في المنطقة. أنا أتابعُ المشروع، ورأيت كيف أن مجمل أعمال التطوير طالت الأماكن التي تقع ضمن الملكيات العامة، دون أي تنظيم أو تحفيز أو تنسيق مع أصحاب الملكيات الخاصة التي ما زال معظمها مهدمًا وراء جدران ساترة. التفاعل المجتمعي غائب عن هذا المشروع، وفي النتيجة أخشى أن يكون مجرد مُتحف، وليس بيئة متجددة حية متفاعلة كما يجب أن تكون. علَّق على ذلك د. مشاري النعيم: نحن رفضنا فكرة نزع ملكية جدة التاريخية؛ لأن تفريغها من الناس سيقضي على ما تبقى من روحها. لذا يجب أن نعي أن ثقافة المجتمع السعودي مازالت تتكل على الحكومة، هذه الاتكالية قتلت روح المبادرة لدى كثير من الناس.

وتعتقد د. فوزية البكر أن هذا يتطلب الكثير من الوعي العام المجتمعي لإدراك أهمية هذه المواقع للتاريخ وللبلد وللحضارة الإنسانية كافة، وعلى صانع القرار توعية الشارع والملاك بذلك. أضاف د. مشاري النعيم بأن الثقافة والتراث بحاجة إلى ثقافة جديدة، والخروج من ثوب الاعتماد على الحكومة في التمويل والتطوير لن يصنع تنمية للتراث. كما أن رجال الأعمال لدينا يسعون وراء المكاسب السريعة، بينما الاستثمار في التراث طويل الأمد.

تبعية المواقع الأثرية ومسؤولية تطويرها:

فيما يتعلق بتبعية المواقع الأثرية ومسؤولية تطويرها، يرى د. رياض نجم أن تُوكل هذه المهمة لوزارة الثقافة؛ لأنها أقرب إلى اختصاصها، وبعد تطويرها تقوم هيئة السياحة بالترويج لها كمعلم سياحي. هذا- بالطبع- يتطلب إجراءات إدارية ومالية، وألا يكون للبلديات علاقة بالمواقع الأثرية إلا بعد تطويرها.

بينما د. مشاري النعيم لا يعتقد أن وزارة الثقافة بوضعها الحالي تستطيع تطوير المواقع المسجلة، وكما ذكرتُ، أن في الولايات المتحدة هناك مؤسسة فدرالية مسؤولة عن المواقع. الموضوع يتطلب كوادر معمارية وهندسية متخصصة. كما أنه يتطلب وجود علماء آثار محليين أو على دراية كبيرة بالمكان وأهله، وتاريخه، وبيئته، والعوامل الاقتصادية التي تميزه. وهو ما اتفقت معه فيه د. فوزية البكر، من حيث ضرورة توفير كوادر مؤهلة في الحقل ذاته: (كوادر معمارية، وعلماء آثار محليين وعالميين، وإدارة مرنة)، وكذلك سكّان محليون يعوَن البيئة وأهمية التاريخ والآثار، مع إدراك الجوانب التاريخية والثقافية والاقتصادية لمثل هذه الاستثمارات الطويلة المدى.

ما يحتاجه تسجيل المواقع الأثرية:

أشار د. مشاري النعيم إلى أن أهم ما يحتاجه تسجيل المواقع الأثرية هو:

– الكوادر المتخصصة.

– التشريع المرن المُحفّز للاستثمار.

– وعي رجال الأعمال بالاستثمار الثقافي الطويل الأمد.

– بناء قاعدة مجتمعية تعمل في تنمية التراث، بحيث تكون التنمية Bottom up.

– تشجيع التوثيق والبحث العلمي، وتعزيز الأرشيف الوطني للتراث.

– ربط الحرف التقليدية بمواقع التراث، وإنشاء صناعة نوعية ذات هوية وطنية مستمدة من الحرف اليدوية.

أسباب التأخُّر في تسجيل المواقع الأثرية:

تساءل د. مساعد الحيا: لماذا تأخَّر كثيرًا تسجيل ما لدينا من تراث؟ وأرجو ألا يُربط هذا بأي فتوى دينية، أو موقف شرعي أو اجتماعي، فهذه الجوانب لم تحلْ إطلاقًا دون الاهتمام بعدد من المناطق الأثرية.

مثلًا، أنا زرتُ العلا قبل ثلاثين سنة، وكانت فقط كثبانًا من الرمال بجانبها المباني التاريخية، والتطوير الحقيقي الذي شهدته كان خلال هذه السنوات الثلاثين الماضية. نحن لدينا كنوز تاريخية، وتأخير تسجيلها يعني أن هناك تقاطع مصالح لجهات أو شخصيات، أو أن هناك مشكلات بيروقراطية حالت دون ذلك.

ما أتوقعه أن التسجيل للمواقع الأثرية يعني أن هذه المواقع تُصبح جزءًا من المواقع التي تشرف عليها اليونسكو، وبالتالي سيُصبح من المتعذر على الدولة أو الجهة الحكومية أن تغير طبيعة الموقع أو تتدخل في مكوناته، وهذا يجعل من الصعب أن نسعى لتسجيل كثير من المواقع بسبب ذلك. فهل يعني ذلك أن التسجيل ذاته لا يهمُّ بقدر ما يهمُّ العناية بتلك المواقع؟

من واقع جولاتي السياحية في بعض المناطق في المملكة، لدينا مواقع تاريخية كثيرة تمَّ وضعُ سياج يحيط بها، ويمنع دخول آخرين إليها، لكن لم يكن هناك بشأنها أي عمل. وإن كان وضع السياج صحيحًا؛ لأنه يحفظها من العبث، لكن لابد من العمل على إبراز ما تمتاز به، لتكون مكانًا يجلب السياح.

هناك مواقع أثرية يقال إنها تحوي كنوزًا من الثروات والذهب، وكثيرون لو أتيح لهم الدخول لها لعبثوا بها، وقد سمعتُ عن حالات عديدة لبعض المواقع تمَّ فيها الاعتداء، ووجدوا فيها قطعًا أثرية وذهبًا وفضة. فهل تسجيلها يتطلب وجود حراسة دائمة؟ وهل يُعدُّ ذلك أحد أسباب تأخُّر تسجيلها؟

أخيرًا، أضيفُ أنني قمت بزيارة العلا قبل سنتين، وتجولتُ في المدائن، وفي العام الماضي زرتُها فوجدتُها مغلقة، وقيل إنها لن تفتح إلا بعد عام، ولا أعرفُ بعد تسجيلها، لماذا الإغلاق كل هذا الوقت؟ مع أن من أهم شروط اليونسكو هو ترك هذه الآثار طبيعية، بل إن من شروط اليونسكو عدم التدخل فيها؛ ولذا الطرق بينها كانت ترابية وغير مسفلتة.

علق د. زياد الدريس أنه فيما يتعلق بالتساؤل الخاص بالسبب الحقيقي للتأخُّر في تسجيل تراثنا في اللائحة العالمية، أتصوّرُ- في الحقيقة- أنها أسبابٌ، وليست سببًا واحدًا، منها:

– التحرُّج الديني من الاهتمام بالآثار كان سببًا، وقد بلغ ذروته في شأن موقع مدائن صالح، باعتبار بعض الأحاديث المأثورة التي وردت بشأن النهي عن زيارتها. وأتذكرُ حين أعلنتُ في عام ٢٠٠٨ من كندا عن موافقة الهيئة الدولية على تسجيل مدائن صالح، كيف جاءتني اتصالات وإيميلات ورسائل (لم يكن تويتر فاعلًا حينذاك) تعاتبني على ذلك، وأنه مخالفة شرعية سأبوء بإثمها! وقد تحلحلت هذه الإشكالية حين قام الأمير سلطان بن سلمان بإقناع الشيخين عبد الله بن منيع وعبد الله المطلق بزيارة الموقع، وتبيان أن النهي الوارد في الأحاديث لا ينطبق على الموقع الذي تم تسجيله.

– وهناك السبب السياسي، فقد كان له دور، وما زال في بعض المواقع ذات الحساسية الخاصة.

– والسبب الثالث والأكبر هو البطء البيروقراطي طوال ٣٦ سنة، وتُسأل عنه وزارة المعارف (حينذاك) وليس هيئة السياحة. إذ كانت المعارف تضمُّ القطاعين المسؤولين عن التسجيل، وهما: وكالة الآثار، واللجنة الوطنية لليونسكو. ورغم هذا التجاور بين القطاعين في وزارة واحدة، إلا أنه لم يتم أي تحرك حيال تسجيل الآثار، حتى نشأت هيئة السياحة والآثار عام ٢٠٠٠، ثم بدأت في العام ٢٠٠٦ بالتعاون مع المندوبية الدائمة لدى اليونسكو في تحريك ملف التسجيل، وأقمنا أول معرض في اليونسكو عن الآثار السعودية عام ٢٠٠٧، وفي العام ٢٠٠٨ نجحنا في دخول المملكة لائحة التراث العالمي عبر تسجيل مدائن صالح.

عدم جاهزية المجتمع ثقافيًّا:

ذكر د. إحسان بوحليقة أن الواقع يقول إن علينا فعل الكثير لنصل لنقطة الصفر. هذا ليس من باب الإحباط أو تصعيب السهل، بل أزعم أنه من باب التعامل لتحقيق نتائج وليس للاستطراد العاطفي. قضية الاهتمام بما مضى تحتاج منَّا إلى إعادة تكوين ذهني كذلك.

مازلتُ أتذكّرُ كيف كنَّا ونحن صغار نستغربُ وأهلونا يستغربون أكثر، اهتمام الخواجات بكل ما هو قديم، وكيف كانوا يدفعون مبالغ عالية مقابل الحصول على مصاغات وحلي أثناء تجولهم في أسواق وأزقة الهفوف في عطلة نهاية الأسبوع. كان خالي لوالدي صائغًا، وكان يتعامل بالفضة، فكان الخواجات يأتونه بمصاغات قديمة يشترونها من الأسواق؛ للتأكد من أنها فضة، ثم لإصلاحها وتنظيفها. كان يستغرب مِن حرصهم واهتمامهم بقطع صغيرة من الحلي، مثل الخواتم أو الجوامع (الجامعة هي حاوية صغيرة توضع بها تعويذة لمنع السحر). وكذلك الأمر بالنسبة للفخاريات، بل وحتى المقتنيات القديمة، مثل أجهزة الراديو القديمة.

وأضيفُ: إن أفضل من وثق الواحة حديثًا كان فيدال. لننظر إلى كمية الخراب التي وقعت على الواحة من أيام فيدال حتى الآن. وهكذا، أقول: إن الميزة الكبرى لهذا الجهد المحدث بالاهتمام بالآثار والتراث، هو منع التجاوز ونشر ثقافة مهادنة.

وذكر د. مساعد المحيا أن ثقافة الناس اليوم لا تحبُّ الآثار وتفاصيلها. وأذكرُ أنني أذهب إلى بريطانيا مثلًا، وأدخل المتحف البريطاني، صالات ضخمة وآثار كبيرة وتاريخية مقسمة جغرافيًّا، ثم أنظرُ فنادرًا ما أرى سعوديًا جاء وأسرته ليطلع على تلك الآثار، في حين يغصُّ بكثير من الأجانب. وفي الوقت نفسه، لو نظرت للأسواق والمطاعم والشوارع العربية والهايد بارك تجد الجميع هناك.

حتى المتاحف في المناطق العربية لا تجد أن للسعوديين هوى بها، تمامًا كما المكتبات، فقط بعض النخبويين والمهتمين هم الذين يبحثون عنها ويزورونها. لذا أظنُّ الأمر سلوكًا اجتماعيًّا، حيث جعلتنا الطفرة لا نهتم إلا بالترفيه والبوفيهات والمطاعم.

لذا لا أتوقع أن يتغير سلوك الأفراد بالاهتمام بالمتاحف وزيارتها والاحتفاء بها إلا حين يحدث تغير ثقافي تترشد فيه حياتنا الثقافية، وذلك- لعمري- بعيد اليوم، مادامت حياة الناس تمنحها الملاءة المالية القدرة على الحصول على أنماط الحياة الترفيهية..

في حين يرى د. خالد الرديعان أن عدم حبّ الآثار والأشياء القديمة يرتبط بالأذواق الفنية. إننا ربما لا نعطي أهمية كافية في تعليمنا للتربية الفنية، وضرورة تنمية الحس الجمالي عند التلاميذ منذ نعومة أظفارهم. يرتبط ذلك أيضًا بحبّ البيئة والمحافظة عليها. لذلك أقترحُ إعادة النظر في مادة التربية الفنية في التعليم العام، وتحديد مضمونها، على أن يكون هدف تقدير قيمة الآثار من ضمن الأهداف.

أضاف د. مساعد المحيا: نحن الكبار نَحِنُّ لآثارنا القديمة وبيوتاتنا؛ لأننا عشنا فيها وأحببناها، أما أبناؤنا فلا المادة الفنية ولا التعليم قادر على ذلك. وبالمناسبة أظنُّ أن الجيل القادم من أبناء الغربيين لن يكونوا بحجم احتفاء آبائهم بالمتاحف ومحتوياتها. الغربيون منهم أمة نخبوية متعلقة بالتاريخ ويحبون معرفة تفاصيله، وأذكر أني زرتُ قصر الحمراء، دخلته حين افتُتح صباحًا وأنهيته قبيل العصر، وكنت كلما دخلتُ غرفةً وجدت رجلًا أو امرأة يمسك بكتاب ويقرأ ما يتعلق بهذه الغرفة أو المكان، وأرحل وهو يقرأ ثم يشاهد. هؤلاء أزعم أنهم من المتخصصين، فزياراتهم علمية ومركزة، أما نحن فقليلون هم الذين يقرؤون كتبًا عن المكان لتكون زيارتهم أكثرعمقًا.

طبقتُ هذا عدة مرات أثناء زيارتي للمدينة، حيث اقتنيتُ مجموعة من الكتب التي تحدثت بتفاصيل مهمة عن المسجد النبوي، وعن المشاهد والغزوات، ووجدتُ في هذا علمًا ومتعة كبيرة. لذا فالمتاحف والآثار تحتاج معلومات تُكتب عنها بلغة عربية وميسرة، لعل ذلك يسهم في تحفيز الناس لزيارتها.

          أضاف د. خالد الرديعان أنه من أجل ذلك، يُفترض إصدار أطلس مصور لجميع آثار المملكة، وكتابته بلغة بسيطة، تضمُّ معلومات تاريخية عن الأمكنة، بحيث يكون هذا الأطلس في متناول الجميع، وربما بعدة لغات؛ بهدف الترويج لآثار المملكة.

التوصيات:

– ضرورة تطوير النُّظم الإدارية وتقليل البيروقراطية؛ للعناية بالمواقع الأثرية في المملكة.

– تطوير الكفاءات الوطنية في هذا المجال.

– الدعوة لمشاركة رجال الأعمال في العناية بهذه المواقع.

– تطوير الموارد المالية للمؤسسات العلمية لتطوير أبحاثها لهذه المواقع.

– رفع الوعي عند الأفراد بما يعنيه تسجيل المواقع الأثرية عالميًّا، وما يفرضه ذلك من الاهتمام بهذه المواقع، والمحافظة عليها من العبث.

– الإفادة القصوى من المتاحف الخاصة، وشراء القطع النادرة منها، ووضعها في متاحف وطنية، بحيث يكون لكل منطقة مُتحف خاص بها.

– عمل دورات للمهتمين وأصحاب المتاحف الخاصة حول طرق صيانة الآثار والحفاظ عليها، وطرق عرضها.

– البدء في التخصص في علم الآثار، من خلال إطلاق البرامج المشتركة والبعثات العلمية.

– الاهتمام بتطوير مواقع التاريخ الإسلامي وتسهيل زيارتها، وإكسابها أولوية في عملية التسجيل. كما يجب أن يكون لها مُتحف خاصّ، والعمل على جلب الآثار والمخطوطات المنتشرة في العالم، مع محاكاة الأصل أو إعادة بناء الآثار التي أزيلت في مكة والمدينة.

– القضاء على المشاكل التي تُهدِّد بقاء المواقع التي تمَّ تسجيلها؛ من خلال الاهتمام بوحدة القرار، وتحديد سلطة الصلاحيات، والعمل بنموذج تنموي استثماري محكوم بحدود الثقافة والتراث، والقيمة الأثرية والاجتماعية.

– أهمية وجود مندوب نشط للمملكة في اليونسكو يعي دوره، مطلع على نشاط اليونسكو، ومهتم بالحضور السعودي هناك، ويسهم في تبصير الهيئة وفتح الباب أمامها للقيام بهذه المسؤولية؛ ومن ثَمَّ متابعتها، وحشد الأصوات لقبول هذه المواقع وتسجيلها.

الملخص التنفيذي:

القضية: (اللائحة السعودية لمواقع التراث العالمي: التنمية والحفاظ على الثقافة).

تعدُّ المملكة العربية السعودية من أغنى المناطق بالمواقع الأثرية العريقة والتاريخية، والتي تدلُّ على الأصالة والقدم لهذه المنطقة، فتروي بين ثناياها قصصًا وأحداثًا لشعوب عريقة على مرِّ العصور المختلفة، وتمتد من العصور الحجرية القديمة إلى العصور التاريخية الإسلامية، ففيها القصور والحصون، والمنشآت العمرانية الجميلة، والمقتنيات الأثرية العريقة، واللوحات والنقوش المميزة. وليس من شكٍّ أن روحًا جديدة تدبُّ في جسد حسبناه قد مات، وهو تراث فائق الأهمية، فضلًا عن أن انفتاح الحكومة واهتمامها مدفوعة بمستهدفات الرؤية 2030 سيحدث- ولا شك- تغييرًا إيجابيًّا حقيقيًّا، وسيجعلنا نحتفي بتراثنا بعد هجرانٍ دام طويلًا.

أوضحت الورقة الرئيسة مفهوم وأهمية وتاريخ تسجيل المواقع الأثرية، ودلالاتها التنموية لحفظ التراث، وأن تسجيل أي موقع على لائحة التراث العالمي هي عملية معقدة وتأخذ سنوات من الإعداد، حيث إنه يجب عمل نظام إداري متكامل للموقع يُقدَّم مع ملف التسجيل، ويتم مراجعته بعد التسجيل والتأكد من سلامة الإجراءات، وقد يؤدي إهمال الموقع إلى وضعه على لائحة الخطر وسحبه بعد ذلك من قائمة التسجيل. كما أنَّ الفوائد التي يجنيها الموقع من التسجيل كبيرة جدًّا؛ تبدأ بحماية التراث الثقافي والطبيعي للموقع ومراقبته على مستوى عالمي، مع إبرازه إعلاميًّا على نطاق واسع، ولفت الانتباه له، سواء تراثه المادي المسجل أو التراث غير المادي الذي عادة له مسارات أخرى في التسجيل.

وتوصلت الورقة إلى أن من أهم التحديات التي تواجه مواقع التراث العالمي في المملكة: أهمية تطوير النُّظم الإدارية للمواقع، وبناء الخبرات الوطنية المتخصصة في كل موقع، بالإضافة إلى أهمية الوعي الاجتماعي بقيمة هذه المواقع.

وذهبت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة إلى أننا لا شك تأخَّرنا كثيرًا، وأن اهتمامنا المتأخر بالتراث لا يكفيه مجرد الإقرار به، بل لابد من مضاعفة الجهود لتسريع عجلة التسجيل لدى اليونسكو من جهة، والعمل على إتاحة هذه المواقع للبشرية، واتخاذ ما يلزم لتنميتها منهجيًّا من خلال خطط تنفيذية ومشاريع من جهة أخرى.

كما ركَّزت التعقيبات في التأكيد على عدم الانشغال بإنجاز التسجيل عن إنجازات ما بعد التسجيل، فتسجيل المواقع في لائحة التراث العالمي ليس غاية كما يظنُّ البعض، بل هو وسيلة لتفعيل الاهتمام بالموقع التراثي وصونه ورعايته، وإشهاره محليًّا ودوليًّا، وتكثيف الدراسات والأبحاث الأثرية والثقافية حول تاريخ الموقع وعلاقة الإنسان به.

وأشارت المداخلات التي جرت على هذه الورقة إلى أنه يُلاحظ أن الإهمال الذي أصاب دراسات التراث في المؤسسات العلمية كان طبيعيًّا للتوجُّه المتوجس للمؤسسات الدينية التي يدير أفرادها معظم مؤسسات الدولة، والذي انعكس على ضعف التشجيع لدراسات التراث أو لأقسام الآثار.

وذهب المناقشون إلى أن الحفاظ على التراث والثقافة ليس ترفًا بهدف رؤية مخلفات الأقدمين وما تركوه لنا، ولكنه أيضًا عملٌ وطنيٌّ وسياسيٌّ واجتماعيٌّ يُعزِّز من موقع وطننا كدولة فاعلة في العالم ومؤثرة فيه، وسيُعزِّز كذلك من نظرة الآخرين لنا كأمة لها تاريخ ضارب في الجذور.

بالإضافة إلى أن تسجيل مواقع التراث العالمي في المملكة غيَّر من صورة المملكة عالميًّا، فمن دولة كان يُنظر لها أنها تحارب الثقافة إلى واحدة من الدول الصاعدة بقوة للمساهمة في الحفاظ على الثقافة الإنسانية. أمَّا البُعد الاقتصادي فستظهر نتائجه مع التأشيرة السياحية.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: تطوير النُّظم الإدارية، وتقليل البيروقراطية للعناية بالمواقع الأثرية في المملكة. تطوير الكفاءات الوطنية في هذا المجال. رفع الوعي عند الأفراد بما يعنيه تسجيل المواقع الأثرية عالميًّا، وما يفرضه ذلك من الاهتمام بهذه المواقع والمحافظة عليها من العبث. الإفادة القصوى من المتاحف الخاصة، وشراء القطع النادرة منها، ووضعها في متاحف وطنية، بحيث يكون لكل منطقة مُتحف خاص بها. الاهتمام بتطوير مواقع التاريخ الإسلامي وتسهيل زيارتها، وإكسابها أولوية في عملية التسجيل. القضاء على المشاكل التي تُهدِّد بقاء المواقع التي تمَّ تسجيلها، من خلال الاهتمام بوحدة القرار، وتحديد سلطة الصلاحيات، والعمل بنموذج تنموي استثماري محكوم بحدود الثقافة والتراث والقيمة الأثرية والاجتماعية. أهمية وجود مندوب نشط للمملكة في اليونسكو يعي دوره، ومطلع على نشاط اليونسكو، ومهتم بالحضور السعودي هناك، ويسهم في تبصير الهيئة، وفتح الباب أمامها للقيام بهذه المسؤولية، ومن ثَمَّ متابعتها، وحشد الأصوات لقبول هذه المواقع وتسجيلها.


القضية الثانية:

الورقة الرئيسة: واقع وفرص قطاع التعدين في المملكة

  • الكاتب: ضيف ملتقى أسبار: المستشار إبراهيم ناظر

مدير عام مركز تماية للاستشارات التعدينية والخدمات المساندة والدراسات البيئية والإدارية والمالية (لغير الأوراق المالية) – عضو لجنتي التعدين والمكاتب الاستشارية بغرفة الرياض.

  • المعقبان:

أ. محمد الدندني.

م. حسام البحيري.

  • إدارة الحوار: أ. جمال ملائكة.

مقدمة:

يحظى قطاع التعدين كغيره من القطاعات الصناعية السعودية بدعم الدولة واهتمام كبير به، وهو واقع فعلي في إيجاد فرص صناعية كبيرة ومتقدمة، حيث يُشكِّل الركيزة الثالثة للصناعات السعودية في تحسين دخل المواطن، وتوفير الفرص الوظيفية للشباب السعودي، وتحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق، وتشكيل مدن جديدة على طراز حديث يواكب المدن الصناعية العالمية. فالانفتاح في المجالات التعدينية وما يرافقه من بنى تحتية وأساسية لهذه المجالات الصناعية يفتح المجال أمام المزيد من الفرص الوظيفية للشباب السعودي، ويؤدي إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، ويزيد الناتج المحلي، ويرفع من مستوى الدخل القومي دون الاعتماد على العنصر الأجنبي. كما أنه سيسهم بصورة مباشرة في تحسين المستوى المعيشي للأفراد، ويحقق أهداف رؤية المملكة 2030 في الاستفادة القصوى من الثروات الوطنية بما يضمن استقرار الاقتصاد السعودي، والبحث عن مصادر بديلة عن النفط. لذا كانت قضية “واقع وفرص قطاع التعدين في المملكة” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمها المستشار إبراهيم محمد ناظر، وتمَّ التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (مقدمة تاريخية عن نشاط قطاع التعدين بالمملكة، الوضع الحالي لوكالة الوزارة للثروة المعدنية، هيئة للمساحة الجيولوجية وهيئة للمساحة العامة، نظام الاستثمار التعديني، معوقات نشاط التعدين بالمملكة، الصناعات التحويلية، تساؤلات حول المشروعات التعدينية في المملكة، مساهمة قطاع التعدين، استراتيجية التعدين الحديثة بالمملكة، تصنيع الألومنيوم بالمملكة، إنشاء مجلس أعلى للمعادن، الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين، عقبات تواجه القطاع الخاص للاستثمار في قطاع التعدين، شركة “أرامكو ” نموذج للاستثمار في قطاع التعدين، استخراج وتصنيع المعادن والأحجار الكريمة، رؤى لتطوير قطاع التعدين، المسؤول عن إصدار رخص التعدين، تكوين هيئة لأشباه الموصلات). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبهاالمستشار إبراهيم محمد ناظر، وعقّب عليها الأستاذ محمد الدندني، والمهندس/ حسام بحيري.

كتب المستشار إبراهيم ناظر في ورقته الرئيسة عن (واقع وفرص قطاع التعدين في المملكة):

أهم التحديات التي تواجه البيئة الاستثمارية للتعدين:

بداية يجب التحدُّث عن الوضع الراهن لقطاع التعدين، والتحديات التي يعاني منها هذا النشاط، وهي كثيرة، ولن أزيد عما قاله ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله.

لدينا 6% من احتياط اليورانيوم في العالم، وذهب، وفضة، ونُحاس، وفوسفات، لم يُستغل منها سوى 3%- 5% وبطريقة غير صحيحة. ورغم ما تزخر به المملكة من ثروة معدنية متنوعة، بتقديرات أولية حوالي خمسة تريليونات ريال، وما يمكن أن يسهم به القطاع في التنمية؛ من حيث توفير فرص التوظيف، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي كمصدر من مصادر الدخل الوطني، فإنه لا يزال مساهمته ضعيفة جدًّا، لا تتعدي 2.2% في GDP؛ لأسباب عديدة أهمها:

– عدم مواكبة نظام التعدين المُطبَّق حاليًّا للتطورات الاقتصادية المحلية والعالمية:

تعدُّ هذه القضية من أبرز القضايا الأساسية التي تواجه البيئة الاستثمارية للتعدين؛ نظرًا لأنَّ نظام التعدين المُطبَّق حاليًّا، والذي تمَّ إقراره عام 1425هـ (ولوائحه التنفيذية) لا يواكب التحولات الاقتصادية المحلية والعالمية، وكذلك عدم التقيد في تنفيذ نصوص بعض أحكامه، وعدم ملاءمته لتوجهات الرؤية 2030. وقد صدرت قريبًا مسودة مشروع نظام الاستثمار التعديني المعدل، وهو تحت الدراسة، ونأمل أن يتفادى أوجه القصور في النظام الحالي.

– عدم توفر البنية التحتية والخدمات المساندة:

يعدُّ عدم توافر التجهيزات الأساسية والخدمات المساندة (النقل، والحفر، والمعامل) في معظم مناطق التعدين الواعدة عائقًا رئيسًا أمام استغلال الخامات المتاحة فيها، ويعدُّ أحد معوقات الاستثمار التعديني في المملكة، خاصة مع وجود المشاريع التعدينية الواعدة في مناطق نائية وبعيدة عن العمران، تفتقر إلى جميع متطلبات التنمية الاقتصادية، من تجهيزات الطرق، والكهرباء، والماء، ومرافق أساسية.

– ضعف دور القطاع الخاص:

لا تزال مشاركة القطاع الخاص في مجال استغلال الخامات الفلزية دون التطلعات، وتقتصر على استغلال الخامات اللافلزية، مثل: مواد البناء، والطوب، وأحجار الزينة، ومواد الإسمنت، والرمل، والجص، والحجر الجيري، والبازلت، والرمل الزجاجي.

ويُعزى هذا الوضع إلى أسباب عديدة؛ منها: تكلفة الاستثمار العالية لمشاريع التعدين، وتعدُّد جهات إكمال الإجراءات الخاصة بإصدار التراخيص، وتعدُّد اللوائح والإجراءات، ونقص أعداد القوى العاملة الماهرة في مجال التعدين. كما لا يوجد تشجيع للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال للاستثمار في سلسلة القيمة المضافة في صناعات التعدين، وبالذات التحويلية.

– محدودية مصادر التمويل المحلية للمشاريع التعدينية:

يعدُّ التمويل من العوامل الأساسية لدعم الاستثمارات التعدينية، ولا تزال مصادر التمويل المحلية من القطاع الخاص (بنوك) والقطاع الحكومي (صناديق التنمية) غير مستعدة لدعم الاستثمارات التعدينية بالشكل المناسب؛ لمحدودية معايير الإقراض، وعدم تمرُّسها في هذا المجال.

– عدم توفُّر الأراضي للاستثمار لأغراض التعدين:

نظرًا لارتباط نشاط التعدين بمواقع تواجد خامات المعادن؛ فإن تطوُّر هذا النشاط يتطلب توفر إجراءات محددة تمكِّن الشركات من استثمار الأراضي لأغراض التعدين، ووضع قواعد واضحة تُحدِّد حقوق كلٍّ من المستثمر والمالك وواجباتهما، مع الأخذ في الحسبان أن جميع الخامات المعدنية هي ملك للدولة.

– التعديات على الأراضي المحجوزة للأنشطة التعدينية:

هناك العديد من حالات التعديات والتملك على الأراضي المخصصة للاستثمار التعديني مستمرة، وكذلك عدم وجود سجل أراضي يبين ملكيات الجهات الحكومية، مثل: الزراعة، والبلديات، وغيرها حتى يتم استثناؤها من التعدين.

– تدخل إمارات المناطق:

إن ما تقوم به بعض الإمارات من إيقاف المجمعات المحجوزة للتعدين، وإلغاء الرخص الموجودة بها رغم الاستثمارات الكبيرة التي صُرفت عليها، وكثرة الشكاوى الكيدية التي تتجاوب معها الإمارات- يعدُّ من التحديات الرئيسة التي تواجهها بيئة الاستثمار.

– ندرة الكوادر الفنية:

ندرة الكوادر الفنية المؤهلة في مجال التعدين؛ مما يصعب تحقيق نسبة السعودة المطلوبة.

– اعتراضات اللجان الحكومية على منح الرخص:

كثيرًا ما تعترض اللجان الحكومية- التي تُشكَّل لمنح التراخيص على الموافقة- على منح الرخص على الرواسب المعدنية دون أي مبرر.

– عدم توفير المعلومات والفرص الاستثمارية:

عدم توفُّر قاعدة معلومات عن الأحزمة والرواسب المعدنية بشكل تفصيلي، والفرص الاستثمارية المتاحة للمستثمرين.

– عدم تأسيس مراكز للتميز والابتكار:

عدم تأسيس مراكز التميز والابتكار لدعم المشروعات التعدينية في الابتكار والتمكين المؤسسي، وتوفير البنية الأساسية في ابتكار منتجات صناعية جديدة تعتمد على الخامات المعدنية.

– طول مدة إصدار رخص التعدين:

طول مدة الإجراءات في إصدار رخص التعدين، حيث تأخذ عدة سنوات، وتحتاج إلى تشكيل لجان حكومية من سبع جهات، واجتماع اللجنة يأخذ مدة طويلة، ونفس الإجراءات عند تجديد الرخص.

السياسات والإجراءات المقترحة لتحسين البيئة الاستثمارية لقطاع التعدين:-

لابد أن يؤدي القطاع الخاص دورًا حيويًّا في تنمية قطاع الثروة المعدنية، وهذا ما أكدت عليه الرؤية 2030، أن يصبح قطاع التعدين الركيزة الثالثة للصناعة، وزيادة المساهمة في الناتج الإجمالي المحلي، وتوليد وزيادة توطين الوظائف، والمؤمل عليه هو الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات المعدنية التي طال انتظارها، وقد صدرت هذا العام، ويُرجى منها أن تُحقِّق قفزةً نوعيةً في النشاط التعديني والصناعات الأساسية والتحويلة التي تقوم على هذا القطاع، وأن تُقدِّم الحلول لكثير من المعوقات التي تواجه المستثمرين في قطاع التعدين. وتحمل الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات المعدنية بين طياتها 42 مبادرة ترتكز على تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاع التعدين، وتطوير نظام التعدين، وزيادة المحتوى المحلي من الصناعات التعدينية، وتنمية المناطق النائية والأقل نموًا، وتسهيل الأنظمة واللوائح والإجراءات، وتسريع إصدار الرُّخص لجذب المستثمرين في القطاع الخاص من خلال عدة مبادرات وآليات، ولكن حتى تاريخه لم تُوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ، ولا يزال إصدار رخص التعدين متوقفًا منذ ثلاث سنوات في انتظار تنفيذ الاستراتيجية، وصدور نظام التعدين المعدل.

إذًا لابد من تهيئة بيئة استثمارية مواتية ومحفزة لدخول مستثمرين وشركات جديدة، واعتماد حلول فعَّالة لتشجيع الاستثمارات الخاصة في نشاطات التعدين، وإزالة المعوقات التي سبق ذكرها من خلال تطبيق الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات المعدنية، وفتح المجال بصورة كاملة أمام استثمارات القطاع الخاص الوطني والأجنبي، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم عن طريق الصناديق الحكومية، والتسهيلات الائتمانية اللازمة لمساندة القطاع الخاص في هذا القطاع، وأهم السياسات المطلوبة باختصار، هي:

أولا: تكثيف الاستكشاف والتوسُّع في أعمال استغلال الثروة المعدنية، وذلك من خلال:

– الاستمرار في إجراء عمليات المسح الجيولوجي، وإعداد الخرائط بمختلف مقاساتها، وتنفيذ الأبحاث الجيولوجية والجيوكيميائية والجيوفيزيائية والهيدرولوجية في أراضي المملكة البرية والبحرية.

– استخدام أفضل الوسائل في أعمال المسح الجيولوجي، والتنقيب عن المصادر المعدنية للمناطق والأحزمة المتمعدنة، ومصادر المياه لأغراض التعدين، وتحديد المناطق ذات النتائج الإيجابية باستخدام أحدث التقنيات.

– إيجاد قاعدة معلومات تفصيلية عن الأحزمة والرواسب المعدنية، وتقدير كمية الخام المتوفرة، والجدوى الاقتصادية المتاحة للمستثمرين، وكذلك قواعد معلومات عن الفرص الاستثمارات التعدينية.

ثانيًا: إعادة تنظيم هيكلة قطاع التعدين، وتوفير فرص عمل مباشر وغير مباشر للمواطنين، وذلك من خلال:

– تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل بين القطاع التعديني والقطاعات الأخرى ذات العلاقة، مثل: المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، والجامعات السعودية لتحديث مناهج التعليم والتدريب، وتطويرها بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.

– إيجاد معاهد وكليات، واستحداث برامج تدريبية لتدريب الكفاءات المطلوبة (الفنيين) في صناعة التعدين.

– معالجة أوضاع المؤسسات والشركات الكبيرة والصغيرة التي تضمُّ معظم العمالة الوافدة، لكي تصبح أكثر ملاءمة لتوظيف القوى العاملة الوطنية.

– تسهيل الإجراءات، وتحسين الأنظمة، وتطوير الآليات المتبعة في إصدار التراخيص التعدينية ومتابعتها.

– استقطاب الخبرات الأجنبية المتخصصة في المجالات ذات العلاقة لدعم وتطوير الكوادر الفنية السعودية.

– القيام بالدراسات الفنية والاقتصادية، وإعداد الخرائط الجيولوجية عن فرص الاستثمار التعديني في مناطق المملكة، وتحليل العرض والطلب على المعادن المتوفرة في المملكة، ومتابعة تطوُّر مسار أسعارها.

ثالثًا: توفير بنية أساسية تساند قطاع التعدين في المناطق النائية، وذلك من خلال:

– التواصل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة والقطاع الخاص لتسريع توفير الخدمات الأساسية لدعم الأنشطة التعدينية، مثل: السكك الحديدية، والطرق البرية، ومحطات الكهرباء والماء، والمؤسسات التمويلية لدعم المشاريع التعدينية في المناطق النائية أو القريبة من التجمعات السكانية الصغيرة.

– حث وتشجيع المستثمرين في قطاع التعدين والقطاع الخاص على الاستثمار في توفير البنية الأساسية اللازمة للمشاريع التعدينية الواعدة، المؤمل إقامتها في المناطق النائية، أو القريبة من التجمعات السكانية الصغيرة.

– توفير القروض الميسرة لإقامة البنية الأساسية.

رابعًا: المساهمة في تطوير المناطق النائية، وذلك من خلال:

– نشر المعلومات عن الرواسب المعدنية المتاحة في المناطق النائية أو القريبة من التجمعات السكانية الصغيرة، والإعلان عنها والتشجيع على استغلالها.

– أن يُحدِّد حامل الرخصة السياسات والمعايير التي سيتم تنفيذها لتحقيق تنمية المناطق النائية أو القريبة من التجمعات السكنية الصغيرة التي تقع الرخصة بها، مع خطة العمل التجاري.

خامسًا: زيادة العوائد المالية من قطاع التعدين، وذلك من خلال:

– تشجيع واستقطاب المستثمرين المحليين والأجانب للاستثمار في قطاع التعدين، واستغلال الخامات المعدنية المحلية.

– تحسين الكفاءة الاستثمارية للمشاريع التعدينية القائمة، والسعي إلى إيجاد فرص استثمارية جديدة.

– تشجيع الاستثمار في سلسلة القيمة المضافة للخامات المعدنية، وبالذات المنشآت الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال.

– العمل على إلغاء كافة الحواجز الخاصة بالرسوم أو غيرها، التي تُقيّد بيع المعادن أو المنتجات المصنعة السعودية في الأسواق الأجنبية، وذلك بالتعاون مع المنتجين الآخرين في العالم، عن طريق منظمة التجارة العالمية.

– دعم زيادة المحتوى المحلي، وإيجاد شركات مع شركات عالمية.

وكان تعقيب أ. محمد الدندني: طرق الكاتب المستشار إبراهيم محمد ناظر وضع التعدين حاليًّا، وما يحتاج من تطوير للأنظمة لخلق بيئة استثمارية، كي يتحقق المراد من جعل التعدين مصدر دخل وطني، بوصفه مصدرًا ثالثًا بعد البترول والسياحة. ولعليِّ أضع مقدمة تحسبًا لمن هو بعيد عن هذا الموضوع.

         من المعروف أن هيئة الثروة المعدنية بهيئتها الحاليّة قديمة، وقد أُسِّست في عهد الملك فيصل- رحمة الله عليه- وتُعتبر الجهة التنفيذية لوكالة الثروة المعدنية ضمن وزارة البترول والثروة المعدنية. جرى تغيير الاسم إلى هيئة المساحة الجيولوجية عام 1999م، وحملت المهمات نفسها. بدأ المسح الجيولوجي مبكرًا جدًّا، وبالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية والبعثة الفرنسية، وربما بعثات أخرى؛ درست مناطق التعدين بكثافة ولسنين طويلة، ولديها معلومات فنية عن الدرع العربي، وهو مصطلح جيولوجي يشمل كلَّ الصخور النارية والمتحولة في موازاة البحر الأحمر، ويقابله التركيب نفسه في مصر والسودان، ويُسمَّى الدرع النوبي، فلدى الهيئة الآن 5500 موقع معدني.

وثمة رسائل ماجستير ودكتوراه وأبحاث كثيرة تمت على مدى سنين طويلة، وقد حرصت حينها جامعة الملك عبد العزيز على إنشاء قسم هندسة التعدين في أوائل الثمانينيّات، وكذلك ضمت إليها معهد الجيولوجيا التطبيقية في جدة تحت مُسمَّى كلية علوم الأرض. كان هذا المعهد حينها تحت إشراف كلية البترول في الظهران وكذلك وزارة البترول، وأعتقدُ أن هيئة عالمية كُلِّفت بالإشراف الأكاديمي، ربما كانت اليونسكو أو غيرها. والهدف كان تغذية هيئة الثروة المعدنية بالمهندسين والجيولوجيين، فضلا عن ذلك فإن هيئة الثروة المعدنية كانت ومازالت تبتعث حملة البكالوريوس للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه.

ما أضعف الهيئة لسنين طويلة هو أنها أُديرت بعقلية الإدارة الحكومية وبيروقراطيتها؛ مما أضعف همم العاملين بها، فهي تتبع نظام الخدمة المدنية. فَلو أديرت منذ التأسيس بنموذج أرامكو كشركة فلربما كانت الحال أفضل. أيضًا لم تكن جهة ربحية، أقلها أنها مقننة ومراقبة لصناعة التعدين، والتي لم تصل الحد التجاري. ما أعتقده أن التعدين لم يكن أولوية للدولة كمصدر دخل، ولربما تُرك للمستقبل الذي أصبح حاضرًا الآن.

وفيما يتعلق بحاضر ومستقبل هذه الصناعة؛ فإن التعدين يأخذ الآن عناية خاصة من وزارة الطاقة والتعدين والصناعة، وذلك مواكبة لرؤية وتوجيهات القيادة. فالعمل جارٍ الآن على تغيير التركيبة الإدارية لهيئة المساحة، وقد عُيِّن لها رئيس تنفيذي، وما أعتقده سيكون التحول كشركة حكومية بمهامها المعروفة من الاستكشاف، وتحديد المواقع، وتجهيز البيئة الاستثمارية بالتعاون مع وكالة الوزارة للتعدين، وجهات أخرى كمدينة الملك عبد العزيز للأبحاث، ممثلة في هيئة الطاقة الذرية وربما غيرها، كلٌّ في تخصصه واحتياجاته.

– أما ما يخصُّ العقبات فسأتناولها في النقاط التالية:

١. تدخل بعض الجهات الحكومية في تعطيل الرُّخص: أعتقد أنه سينتهي، وستكون وكالة الوزارة هي الجهة الوحيدة لإصدار الرخص، وقد علمتُ أن هدفهم ألا يتعدى وقت الإجراءات شهرًا واحدًا، وربما هذا للمعادن اللافلزية. أما الاستثمار للمعادن الفلزية فأرى أنه يحتاج صدور قانون التعدين؛ لوجود عامل أجنبي، ومن ثم يحدد الوقت لإصدار الرخصة. ربما يكون هناك تسهيل بإصدار رخصة مبدئية إلى أن تتم موافاة الشروط، حينها تصدر الرخصة النهائية.

كما أن عدم توفُّر الأراضي لا يُشكّل عقبة؛ لأنه إن كان هناك موقع يملكه شخص ما فهو يملك سطح الأرض، أما ما تحت الأرض فهو ملك الدولة، والحلول سهلة لفتحها للاستثمار.

٢. عدم وجود الخدمات المساندة من حفر ومعامل وكل ما تحتاجه هذه الصناعة: أرى أن هناك ضعفًا لعدم وجود العمل، ولكن هذا الأمر ليس بالصعب ولا يشكل عقبة، فلدينا الخبرات التي تخدم أرامكو، فالفكرة واحدة أقلها إنشاء وإدارة هذا النوع من الشركات الخدمية. ومن الحلول السريعة لذلك أن يقوم القطاع الخاص بشراكات فعلية وليس وكلاء مع شركات أجنبية في هذا الجانب، وذلك أفضل من أن تكون هناك شركة أجنبية ١٠٠٪ على أن يكون لها وكيل فقط، هذا النموذج يجب أن يُمنع في كل المجالات؛ لما له من آثار سلبية على عملية التنمية وتوطين العمل.

٣. عدم جاهزية القطاع الخاص للاستثمار واردة لأسباب واضحة، أهمها: أن التعدين ليس في أجندة التجار والمستثمرين؛ لعدم المعرفة، ولطول فترة العائد على الاستثمار حتى لو كان ناجحًا. وأرى أنه من الأفضل تكوين شراكات كبيرة من كبار المستثمرين لتقليل المخاطر، وبناء قرار الاستثمار على دراسات فنية وتجارب محكمة. أما البنوك التجارية وصناديق الدولة؛ كصندوق أو بنك التنمية الصناعي فهذا قرارهم، إما أن يستفيدوا من الفرص المتاحة أو لا.

٤. ندرة الكوادر الفنية، كما ذكرت سابقًا من وجود فرع لهندسة التعدين في جامعة الملك عبد العزيز، فالذي حدث مع الوقت أنه لم يكن هذا المجال محل استقطاب للشباب لندرة فرص العمل، فمعظم الجيولوجيين اتجهوا للعمل في مجال البترول لسبب واضح. لدينا نقص في مهندسي التعدين والفنيين أكثر من الجيولوجيين، فهذه ليست عقبة في طريق التعدين من باب أنها ستُعطل العمل، ولكنها ستؤثر على الحرمان من إيجاد فرص لتوظيف لشبابنا وفتياتنا.

ولكن من الممكن الإسراع في إعداد المختصين عن طريق الابتعاث، وبناء مراكز تدريب لحملة الكفاءة والثانوية لتخريج فنيين، وهم بأهمية المهندسين والجيولوجيين. لا بأس في التعاون مع مؤسسة التعليم الفني، فلديها تخصصات الآن، مثل: الكهرباء، وميكانيكا المولدات، وغيرها… ولكني أميل إلى إنشاء مركز تدريب تُشرف عليه هيئة المساحة؛ لمعرفتها بالاحتياجات المطلوبة، ولوجود الكوادر التي ممكن أن تُفرَّغ للتدريس والتدريب.

٥. تجهيز المناطق بالطرق وسكة الحديد وما تحتاج المناطق من خدمات: وهذا لا يمكن عمله لعدم جدواه في فترة التقييم والاستكشاف؛ لأن عملية التعدين هي ثلاث مراحل: تنفيذ برنامج الاستكشاف، وهذا ملزم للمستثمر، وفيه شراكة مع الدولة، حيث تتحمل جزءًا من التكلفة؛ وبرنامج الإنتاج إذا أثبت برنامج الاستكشاف الجدوى التجارية؛ وبرنامج التطوير، أي البحث عن أحزمة معدنية وترسبات تُضاف للاحتياطي المكتشف. وتبنى طرق دائمة وسكة حديد في حال قرار الإنتاج، يعتمد في البداية على طرق ممهدة ومحطات كهرباء تكفي مرحلة الاستكشاف، وهذه ضمن ميزانية الاستكشاف.

– بيئة الاستثمار عمومًا، والحوكمة والوضع القانوني:

المعروف في هذه الصناعة كما هي صناعة البترول أنه قبل دعوة أي مستثمر محلي أو أجنبي يجب تجهيز الآتي:

أولًا: غرفة معلومات عن كل موقع معروض للاستثمار، تحوي كل ما هو متعارف عليه، وأهمها: مقدار الاحتياطي المتوقع، وما هي الطرق التي أوصلت لهذا المقدار. ويُستحسن أن يكون المقدار موثّقا بشهادة من شركات مختصة بتقييم الاحتياطيات.

ثانيًا: تجهيز اتفاقية الشراكة مع المستثمر، وهي تُسمَّى في صناعة النفط Exploration and Producing Sharing Agreement ( EPSA)، ولا تختلف في المضمون عن التعدين، فهي تُحدِّد العلاقات المالية والفنية والإدارية بين الطرفين، حسب البرامج التي ذكرتها سابقًا: (اكتشاف، إنتاج، تطوير).

– المحتوى المحلي والصناعات التحويلية:

مما لا شك فيه أن الركيزة الأساسية في الأخذ بالتعدين كمصدر ثالث للدخل، هي زيادة المحتوى المحلي، والاستفادة من كل المراحل في هذه الصناعة، من حيث توطينها، وزيادة الدخل من كل مرحلة.

وأرى أن تُحدد الاتفاقيات التعامل مع المنتج فيما يخص حصة المستثمر، هل يتم بيعها في السوق العالمي، أو يحقُّ للدولة شراؤها لتصنيعها محليًّا لزيادة القيمة المُضافة، أو حتى لتصديرها لكسب أسواق تدعم منتجات أخرى، أو لتوثيق العلاقات التجارية، ومن ثَمَّ توثيق علاقات اقتصادية وسياسية.

هناك عوامل أخرى يجب ألا تغيب عن صُنًّاع القرار، وهي تطوير المجمعات السكانية التي ستنشأ حول المناجم، وما تحتاجه من مدارس ومستشفيات تخدم العاملين من سعوديين وغير سعوديين.

كما عقَّب م. حسام بحيري: قطاع التعدين في المملكة قطاع لم يُستغل بالشكل المطلوب على الرغم من وجود ثروات معدنية كثيرة جدًّا، ولكن القطاع مازال يعاني من عدم التنظيم وقيود بيروقراطية كبيرة، ويتفق عدد من الخبراء في مجال التعدين أنه يجب إجراء المزيد من التغييرات التنظيمية لنتمكن من الاستفادة الكاملة من احتياطات المملكة التعدينية التي لم تُستغل بالشكل المطلوب، وقد ذكر المستشار إبراهيم ناظر الأسباب والمشاكل التفصيلية التي يعاني منها قطاع التعدين، والتي لابد من معالجتها إذا أردنا الاستفادة منه كمصدر ثالث لاقتصاد المملكة بعد قطاعات النفط والبتروكيماويات حسب رؤية 2030.

ماذا يعني لنا قطاع التعدين اقتصاديًّا؟

تمَّ التعرُّف على أكثر من 40 نوعًا من الرواسب المعدنية حتى الآن في المملكة، وهناك ما لا يقل عن 15 نوعًا من المعادن الصناعية من الممكن استخلاصها تجاريًّا، مثل: الحجر الجيري، والفلسبار، والسيليكا، والجبس، والرخام، والدولوميت، بالإضافة إلى أنه يوجد لدى المملكة أكبر احتياطيات في العالم من الفوسفات والتانتالوم الفلزي، ويوجد لدينا احتياطيات كبيرة من الذهب، والبوكسيت، والنحاس، والزنك، والألومنيوم، والرصاص، والفضة، والقصدير، والحديد.

استغلال الثروات المعدنية بالشكل المطلوب يحتاج إلى تدفُّق استثمارات مالية ووظائف. حاليًّا قطاع التعدين يوظِّف أكثر من 250 ألف فرد، وهناك خطة تستهدف زيادة التوظيف إلى أكثر من 400 ألف فرد بحلول 2030. وبالنسبة للاستثمارات المطلوبة، بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في قطاع التعدين حوالي 185 مليار ريال، من خلال منح 1700 رخصة استكشاف، تغطي مساحة 73000 كيلومتر مربع حسب أرقام وزارة البترول والثروة المعدنية، مستثمر منها ما لا يقلُّ عن 93 مليار ريال في مصانع الخامات الصناعية ومشاريع التعدين الجديدة. هذه الأرقام تعني أن قطاع التعدين مُقبلٌ على نمو كبير جدًّا في السنوات القادمة، خصوصًا إذا استمرت الدولة في الاستثمار، وفي تطوير البنية الأساسية في قطاعي النقل والطاقة منخفضة التكاليف، ولا ننسى أهمية الاستثمار في توفير التكنولوجيا والخبرات والمهارات المطلوبة لمساندة قطاع التعدين.

هناك أيضًا قطاعات ذات صلة بالتعدين؛ لماذا نكتفي أو نتوقف على تصدير المواد الخام فقط، في حين نستطيع الاستثمار في معالجة أو صناعات الخامات المستخرجة؟ فالاستثمار في الصناعات التحويلية مهمٌّ جدًّا؛ لأنه سيصنع قطاعًا اقتصاديًّا متكاملًا. وللأسف، لا توجد دراسات وافية عن مستقبل الصناعات التحويلية الناتجة عن قطاع التعدين. أيضًا لا ننسى أن هناك تاثيرًا سلبيًّا لقطاع التعدين، وهي الأضرار التي ممكن أن تلحق بالبيئة المحلية، ولا يمكن تجاهل أهمية تقنيات حماية البيئة، ولابد من توفُّر الخبرات والتكنولوجيا التي تختصُّ بحماية البيئة إذا أردنا التوسُّع في هذا المجال.

قطاع التعدين له تأثير استراتيجي في اقتصاد الدولة، ويُشكِّل أهمية كبيرة للأجيال القادمة؛ لأنه سيُحدِّد الصناعات والخبرات والبنية الأساسية المطلوب توفيرها. وهناك عدد من الصناعات والخبرات المتاحة لإتقانها مستقبليًّا لمساندة قطاع التعدين، مثل: (خبرات التنقيب عن المعادن، تقنيات معالجة التعدين، صناعات معدات التعدين، الصناعات التكميلية، الخدمات الهندسية والاستشارية المختصة، الخدمات اللوجستية، البرامج والقدرات التكنولوجية المساندة، التعليم والتدريب في القطاع المعدني، الأمن والسلامة البيئية، مجالات التعاون في الأبحاث التعليمية التي تختصُّ بالقطاع التعديني).

ولكي نتمكن من إتقان القطاع التعديني والاستفادة منه أسوة بقطاع النفط والبتروكيماويات، لابد من أن نتغلب على العقبات الموجودة، وأهمها: توفير التمويل، وتدريب وتعليم الطاقات البشرية الوطنية المطلوبة؛ لأننا سنحتاج إلى توظيف مئات الآلاف من الأفراد، وعلى المدى الطويل سيكون عدد العمالة المطلوب تلبيتها في قطاع التعدين المتكامل أكثر من عدد الموظفين في قطاعات حكومية رئيسة، مثل القطاع العسكري؛ لذلك لا نستطيع تجاهل الأهمية الاستراتيجية لقطاع التعدين، والأثر الإيجابي على اقتصادنا وبنيتنا البشرية.

المداخلات:

مقدمة تاريخية عن نشاط قطاع التعدين بالمملكة:

فيما يتعلق بتاريخ نشاط التعدين بالمملكة، ذكر المستشار إبراهيم ناظر أن التنقيب عن المعادن في المملكة العربية السعودية بدأ في عام 1931م، عندما طلب المغفور له- بإذن الله- الملك عبد العزيز من الجيولوجي الأمريكي ك. س. توتيشل البحث عن الزيت والمعادن في المملكة، وجاءت أعمال توتيشل مؤكدةً لوجود الزيت في المنطقة الشرقية والذهب في منطقة الحجاز. وفي عام 1933م تم إنشاء مكتب المناجم والأشغال العامة تحت مظلة وزارة المالية، وذلك للإشراف على أعمال التعدين في المملكة. وفي عام 1935م تم توقيع اتفاقية بين الحكومة وشركات بريطانية – أمريكية، وهي نقابة التعدين العربية السعودية (SAMS)، وذلك لتشغيل المناجم القديمة في مهد الذهب. وفي محاولة لجذب الشركات الأجنبية للاستثمار في المملكة، أنشأت الحكومة مكتب المناجم ليقوم بأعمال الربط بين وزارة المالية ونقابة التعدين العربية السعودية (SAMS) وبعض الشركات العالمية الأخرى التي تملك امتيازات التعدين في المملكة. وفي عام 1987م أعيدت هيكلة المديرية العامة للثروة المعدنية للنهوض بقطاع التعدين، وإيجاد قاعدة عريضة من الكفاءات السعودية التي تكون قادرة على إدارة وتنظيم القطاع التعديني بالمملكة، وتقوم بالأعمال الفنية والإدارية المختلفة.

في عام 1994م صدرت موافقة مجلس الوزراء على تعديل مسمى المديرية العامة للثروة المعدنية إلى ” وكالة الوزارة للثروة المعدنية “، وهي لا تزال بهذا الاسم، ولكن تحت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية.

الوضع الحالي لوكالة الوزارة للثروة المعدنية:

أشار المستشار إبراهيم ناظر إلى أنه تم إعادة هيكلة ما كان يُطلق عليه وزارة البترول والثروة المعدنية، وأصبحت منظومة تضمُّ (وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، والهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، وصندوق التنمية الصناعي السعودي، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، وأخيرًا البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية)، وكل هذه الجهات والهيئات يرأس مجالسها الوزير خالد الفالح، وحسب برنامج التحوُّل تم وضع ستة مسارات لهذه المنظومة، وكل مسار يحوي عددًا من المبادرات بلغت في مجموعها 113 مبادرة، أعلن الوزير عنها، وأطلقها قبل عام ولكن تم تأجيلها، والمسارات الستة هي:

– المسار الأول: دعم ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

– الثاني: تطوير الصناعات الاستراتيجية.

– الثالث: تحقيق الاستدامة البيئية.

– الرابع: الاستغلال الأمثل للثروة المعدنية (42 مبادرة).

– الخامس: تطوير المحتوى المحلي.

– السادس: البرنامج الوطني للطاقة المتجددة.

وحول ما ذكره أ. محمد الدندني من أن هناك التباسًا بين مهمات وكالة الوزارة للثروة المعدنية وهيئة المساحة الجيولوجية. أوضح المستشار إبراهيم ناظر أن الاستراتيجية الشاملة للتعدين، من مبادراتها وآلياتها تشجيع وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، لنقل التقنية وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو من أهم الأسس للرؤية. كذلك، وفي رأيي الشخصي، أن هذا أمر مفيد بشرط أن تقوم هذه الشركات الأجنبية بجلب التقنية المتقدمة ورؤوس الأموال الكبيرة، وسوف تُفرض عليها الضرائب، وفي الأخير الاقتصاد الوطني مستفيد.

بالرغم من اتفاق أ. محمد الدندني مع هذا الطرح، إلا أنه تساءل: كيف نجعل الاستثمار المحلي ناجحًا؟ وكيف نحمي المحتوى المحلي؟ ما هي الآليات المطلوبة؟ ومن هو الذي سيحمي المحتوى المحلي؟ أي المتابعة والتقييم والقدرة على التدخل لتصحيح خطأ ما.

في رأيي؛ فإن المحتوى المحلي لا يُترك للجهات المنفذة لرؤية 2030، بل يتم إنشاء هيئة ملكية أو وزارة تشرف عليه، وتكون مقررة ومتابعة ولها صلاحيات مطلقة، وتكون هذه الهيئة سيادية على القطاعين العام والخاص. الآن كل الشركات الكبرى لديها برامج للمحتوى المحلي، ونعرف أنها ليست ناجحة النجاح المطلوب؛ والسبب أن هناك تعارضًا في المصلحة؛ لذا فإن وجود هيئة رصينة تملك كفاءات عالية في كل التخصصات مهم كي تكون عين ولي الأمر وصاحب القرار الأعلى على كافة الأنشطة. حتمًا من الظلم تحميل وزارة العمل بعض عوامل المحتوى المحلي، وهو السعودة، فهي ليست الجهة المعنية. وزارة العمل عليها تنظيم السوق العمالي بكل ما يحتاج، سعوديًّا كان أو أجنبيًّا.

ولا أدري، لماذا نحن نحبُّ أن نبدأ من الصفر؟ فالتجارب العالمية كثيرة، وأغلبها ناجح في سياسات المحتوى المحلي. لمَ لا نقرأ ونستفيد منها؟ وأضيف أن المحتوى المحلي كمؤسسة مستقلة في كل الدول، ولأهميتها فهي منشأة مهمة حتى في الدول المتقدمة الصناعية، فهي عين الدولة على القطاعين العام والخاص.

من جانبه، ذهب المستشار إبراهيم ناظر إلى أنه في النظام الجديد وحتى القديم (ولكنها غير مقننة بشكل واضح ) من متطلبات منح الرخصة أن يقدِّم المستثمر خطة عن التشغيل، والاستغلال التجاري الأمثل للخام، والتدريب، والسعودة؛ وخطة أخرى عن كيفية تنمية المنطقة الموجود بها الخام (عادة منطقة نائية، أو قليلة النمو). وإذا أراد توفير الخدمات، مثل الكهرباء والماء، فله حق تزويد الآخرين الانتفاع بدخلها. والخطط تُراجع وتُعدل حتى تقبلها الوزارة بشروطها، وتطوير المحتوى المحلي من المتطلبات الأساسية لدى الوزارة.

إضافة إلى ذلك؛ من ضمن آليات تنفيذ مبادرات الرؤية: وجود مركز إنجاز والتدخل السريع لمتابعة تنفيذ المبادرات، وهو بمثابة نظام رقابي آخر من خارج الوزارة.

هيئة للمساحة الجيولوجية وهيئة للمساحة العامة:

أوضح المستشار إبراهيم ناظر أنَّ هناك هيئة للمساحة الجيولوجية وهيئة للمساحة العامة. فهيئة المساحة الجيولوجية السعودية مسؤولة عن كافة الأعمال المتخصصة في علوم الأرض، بدءًا من أعمال المسح الجيولوجي والتنقيب عن المعادن، وإعداد وتنفيذ الخرائط والدراسات الجيولوجية، وتنمية الموارد المعدنية بكافة أنواعها.. وصولًا إلى إتاحة الفرص الاستثمارية في مجال التعدين، وهو ما يتوافق مع تلك الأعمال التي تقوم بها الهيئات العالمية للمسح الجيولوجي، كما أن الهيئة تقوم- حسب نظامها – بإجراء الدراسات الهيدروجيولوجية، ورصد دراسة الزلازل والبراكين، ومراقبة المخاطر الجيولوجية الأخرى، وجيولوجيا المياه، والجيولوجيا البيئية، والجيولوجيا الهندسية، وتوفير الخدمات المعلوماتية المتعددة، خصوصًا تلك المتعلقة بتزويد الجهات الحكومية والخاصة في المملكة بالتقارير والخرائط والمعلومات الفنية عن الثروات المعدنية، والتراكيب الجيولوجية المتواجدة في كافة أراضي المملكة.

الهيئة العامة للمساحة: الغرض الرئيس للهيئة العامة للمساحة،هو القيام بالأعمال المساحية الجيوديسية والطبوغرافية والبحرية, وإنتاج الخرائط ذات مقياس الرسم (واحد إلى خمسة وعشرين ألفًا) فأصغر, وبناء نظم المعلومات الجغرافية المتعلقة بأعمال الهيئة وتطويرها.

نظام الاستثمار التعديني:

أشار المستشار إبراهيم إلى خبر صدور مسودة نظام الاستثمار التعديني المعدل، والذي يجري حاليًّا أخذ المرئيات عليه من المختصين والمستثمرين في قطاع التعدين، والذي كان- في رأيي- العائق الأول الذي يواجه البيئة الاستثمارية للتعدين، وحتى بعد صدور الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين قبل عدة أشهر، والتي لم تُفعَّل انتظارًا لصدور النظام التعديني. وقد اجتمعنا كلجنة تعدين ومختصين ومستثمرين في قطاع التعدين بمجلس الغرف السعودية لوضع مرئياتنا والتعديلات المطلوبة على مسودة النظام قبل أسبوعين، ليتم إرسالها عن طريق المجلس لوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية.

كما أتصور أن موافقة مجلس الوزراء على الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات المعدنية التي طال انتظارها- سيحقق قفزة نوعية في النشاط التعديني والصناعات الأساسية والتحويلية التي تقوم على هذا القطاع، وسوف تُقدِّم الحلول لكثير من المعوقات التي تواجه المستثمرين في قطاع التعدين، وتحمل الاستراتيجية بين طياتها 42 مبادرة ترتكز على تحفيز الاستثمارين المحلي والأجنبي في قطاع التعدين، وتنمية المناطق النائية والأقل نموًا، وزيادة الصناعات المحلية في الثروات المعدنية، وتسهيل الأنظمة واللوائح والإجراءات، وتسريع إصدار الرُّخص لجذب المستثمرين في القطاع الخاص، من خلال عدة مبادرات وآليات، أهمها:

1) إنشاء صندوق للكشف والتنقيب عن المعادن.

2) تطوير نظام التعدين ولوائحه.

3) إنشاء قاعدة بيانات جيولوجية تفصيلية عن الأحزمة والرواسب المعدنية وإتاحة المعلومات للمستثمرين.

4) توفير البنية التحتية للمشاريع التعدينية، مثل: إنشاء الطرق، وتوفير الكهرباء والمياه، بالمشاركة مع القطاع الخاص.

5) تطوير أعمال الخدمات المساندة للتعدين؛ بإنشاء شركات في مجال الحفر والنقل والمعامل.

6) تشجيع الاستثمار في سلسلة القيمة المضافة في صناعة التعدين (الخامات المعدنية)، خاصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (SMEs) وريادة الأعمال.

7) إيجاد منصة إلكترونية لتسهيل وإتمام إجراءات إصدار الرخص التعدينية، وتطوير آليات متابعتها.

8) تأسيس مراكز التميز لدعم المشروعات التعدينية، وتوفير البنية الأساسية لها، من معامل ومختبرات؛ لابتكار منتجات صناعية جديدة تعتمد على الخامات المعدنية والتمكين المؤسسي.

9) بناء مراكز لإنتاج الذهب في المنطقتين الشمالية والوسطي.

علق أ. محمد الدندني بأن وكالة الوزارة للثروة المعدنية ليست جهة فنية الآن، وحتى من قبل. الأكيد أن العمل الفني وتقييم مواقع التعدين هي مسؤولية المساحة الجيولوجية السعودية بمفردها، أو مع شركات أجنبية. وأعتقد أنه حتى الآن لما تتضح الرؤية بعدُ حول مَن سيُمثل الدولة في التوقيع مع المستثمر الأجنبي؛ ربما المساحة الجيولوجية، أو وكالة الوزارة للثروة المعدنية. من ناحية المسح الفعلي، فقد بدأ فعلًا بعهد الفيصل- رحمة الله عليه. المهم قرب صدور قانون التعدين من مجلس الوزراء، وهذا ما سيوضح الطريق محليًّا وعالميًّا.

وأضيف إن شركة معادن تنتج الفوسفات والألومنيوم من ثنيات طريف وحزم الجلاميد، ويُنقل في القطار إلى رأس الخير شمال الجبيل. وهناك معامل التكرير، من أحماض، وألومنيوم، وأسمدة.

أما الحجر الجيري وحجر دومة الجندل فهما معروفان، ويقعان تحت المعادن اللافلزية، ولا أعتقد أنها مستغلة الآن الاستغلال التجاري.

وفيما يتعلق بنفط الحوطة، فقد اكتشف منذ أواسط التسعينيات، وهي عدة حقول أكبرها الحوطة، وهو نفط خفيف جدًّا Super light. الاحتياطي قُدِّر حينها بحوالي ٩٠٠ مليون برميل، وأعتقد أن الإنتاج بين ١٠٠ ألف إلى ١٥٠ ألف برميل يوميًّا.

معوقات نشاط التعدين بالمملكة:

أشار م. أسامة كردي أن معوقات الاستثمار في قطاع التعدين كثيرة جدًّا، وأكثر مما ذكرته ورقة العمل الرئيسة، والأخطر من ذلك أنه لا توجد حاليًّا أي محاولات لإزالة المعوقات، وتسهيل الدخول إلى القطاع.

ويرى د. خالد الرديعان أن مشكلات قطاع التعدين متعددة؛ منها: التمويل الكافي، وضخ أموال كبيرة في هذا القطاع لكي ينجح. وأقترحُ لتوفير التمويل أن يتم إنشاء شركة مساهمة وطنية يشارك فيها المواطنون؛ بحيث يتوفر رأس مال كبير يُمكّن هذه الشركة من التنقيب والعمل، واستخراج الخامات المقترحة. بوجود مثل هذه الشركة، فإن العمل سيخرج عن دائرة البيروقراطية الحكومية، وستكون شركة ربحية تُدار بعقلية اقتصادية.

يبقى مع ذلك أن هناك عقبات قد تواجهها الشركة؛ كالمواقع المرشحة للتنقيب، والبنية التحتية اللازمة للإنتاج، وملكية الأرض، وهذه العقبات يتم معالجتها بقرار سياسي سريع؛ وذلك لضمان نجاح الشركة.

من جانبه، يعتقد المستشار إبراهيم ناظر أن من أهم المعوقات في النشاط التعديني هو عملية الاستكشاف، فهي مكلفة، وقد يصرف المستثمر عشرات الملايين ثم لا يجد الخام بكميات تجارية. وفي المملكة لا يوجد صندوق حكومي وبنك خاص يوافق على تمويل الاستكشاف. وفي مقارنة حول ما يُصرف على الكشف؛ فالدول المتقدمة في استخراج وصناعة التعدين تصرف 110-130 دولارًا على الكيلومتر المربع، وفي المملكة من 26-30 دولارًا، وهذا من أهم معوقات النشاط التعديني. لذلك من ضمن مبادرات الاستراتيجية إنشاء صندوق للتنقيب عن المعادن للمساهمة في تحفيز المستثمرين، وقد يقول قائل: إن هيئة المساحة الجيولوجية لديها قاعدة معلومات عن المعادن بالمملكة، والجواب: أن قاعدة المعلومات التي لديها هي معلومات عامة عن منطقة regional وغير تفصيلية، مثل: مدى وجود النحاس في المدينة، وما هي كميته؟ وهل هو قابل للاستثمار الاقتصادي أم لا؟ بعكس بعض الدول مثل أستراليا، تعطيك معلومات مفصلة ومدى الجدوى الاقتصادية.

عقب أ. محمد الدندني بأنه يُفهم من هذا أن الدولة سترفع مساهمتها في الاستكشاف لتشجيع المستثمر. من جانبه، ذكر المستشار إبراهيم ناظر أن الدولة حاليًّا لا تساهم بريال واحد في الاستكشاف، وهناك حوالي ٥٤٠ رخصة استكشاف للمعادن (احتكار) وإهمال شديد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وسبق أن وضحت في منتدى الرياض الاقتصادي أن شركة معادن أو عشر شركات في حجم معادن لن تصنع الازدهار في نشاط التعدين ما لم يكن لدينا آلاف SMEs في نشاط التعدين.

كما أن معادن كشركة عملاقة عندما تجد بعض المعادن المصاحبة للمعدن الذي تبحث عنه، وبكميات بسيطة، لا تهتم به. وعند سؤالهم عن ذلك في بعض اللقاءات، ذكروا أنهم يقدمون تقريرًا للوكالة حسب النظام، وأن المشكلة لدى الوكالة التي لا تأرشف هذه التقارير، ولا تعرضها على المؤسسات الصغيرة لتستفيد من المواد الخام.

ويرى د. حميد المزروع أن صناعة التعدين تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة لا يستطيع القطاع الخاص تحملها وحده، خاصة مع ضعف البنية التحتية؛ ولذلك تحتاج الشركات المحلية والدولية لدعم الدولة، وما توفره من مظلة مالية، مثل دعم صندوق الاستثمارات العامة والبنوك المحلية. القطاع واعد جدًّا، ويحتاج إلى عقد شراكات بدعم الحكومة للسيطرة على موارد الدولة، وتوطين التقنيات المرتبطة باستخراج وتصنيع جميع أنواع المعادن، خاصة الثمنية منها أو النادرة. (الألومنيوم، والذهب، والنحاس، والأسمدة) أبرز ما تنتجه شركة التعدين السعودية وفقًا لقوائمها المالية المنشورة في عام ٢٠١٨. اتفق معه أ. جمال ملائكة، وذكر أن ذلك ربما يكون في البداية، وبسبب كثافة رأس المال، والمخاطرة العالية تكون الدولة لها حصة كبيرة، ثم بعد حين تطرحها للعموم والقطاع الخاص.

بينما يرى م. أسامة كردي أن هذا الطرح يعني أننا نستصغر قطاعنا الخاص، ولا نثق في إمكانياته، ألم نسمع عن الشركات الخاصة السعودية العابرة للحدود، والمستثمرة في قطاعات البتروكيماويات، وغيرها كثير؟

أضاف المستشار إبراهيم ناظر أن صناعة التعدين بالدرجة الأولى هي صناعة استخراجية (excavation industry) وفقًا للترميز الصناعي الدولي للأنشطة الاقتصادية (ISIC4)، وكذلك الدليل السعودي للأنشطة الاقتصادية وزارة التجارة والاستثمار، وهي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، خاصة المعادن النفيسة، مثل الذهب والفضة والبلاتين والمعادن الفلزية بصفة عامة، وكذلك تقنيات متقدمة، والدرع العربي الذي تبلغ مساحته أكثر من ٦٣٠٠٠٠ كم٢ غنيٌّ بالذهب والفضة والنحاس والزنك والرصاص والعناصر النادرة، وأغلب استثمارات القطاع الخاص هي في مجال استغلال الخامات اللافلزية، مثل: مواد البناء، والطوب، وأحجار الزينة، ومواد الإسمنت، والرمل، والجص، والحجر الجيري، والبازلت، والرمل الزجاجي.

ويعزى هذا- كما ذكرتُ في الورقة- إلى عدة أسباب، منها: تكلفة الاستثمار العالية لمشاريع التعدين (في الفلزات)، وتعدُّد جهات إكمال الإجراءات الخاصة بإصدار التراخيص، وتعدُّد اللوائح والإجراءات، ونقص أعداد الفنيين المهرة.

ويعتقد أ. محمد الدندني أنه إلى أن تتمكن الصناعة عندنا وتزدهر، فلابد أن يكون للدولة دور في الاستكشاف. من جانبه، أكد المستشار إبراهيم ناظر أن الدولة ستنشئ صندوقًا للاستكشاف (التنقيب) يعطي تسهيلات للمستثمرين الذين ينقبون عن المعادن، مثل صندوق التنمية الصناعي، أو تعدين له ثلاثة مسارات مهمة، أولها: الاستطلاع والاستكشاف (up stream)، ثم mid stream، ثم down stream (الصناعات التحويلية ) المتعددة.

وذهب د. حميد المرزوع إلى أن هناك مفاوضات بين صندوق الاستثمارات وشركات أمريكية لاكتشاف وإنتاج المعادن المشعة، وهي متركزة في المناطق الشمالية بكميات تجارية حسب ما أشارت إليه تقارير الوزارة. ويرى أ. محمد الدندني أن الصينيين هم من يقوم بهذا العمل الآن.

الصناعات التحويلية:

يرى أ. جمال ملائكة أن الصناعات التحويلية المنبثقة من صناعة المعادن أكثر تعقيدًا، من عدة جوانب، عن صناعة التعدين نفسها، ولنتذكر فشل الصناعات التحويلية التي تعتمد على صناعة البتروكيماويات؛ لأسباب عديدة: تقنية، وتسويقية، إلخ. فكيف ننجح في هذه الصناعة التحويلية؟

علق م. حسام بحيري بأن الصناعات التحويلية تشتمل على عمليات المعالجة والتصنيع للمواد المستخرجة. فالتقنيات متوفرة تنقصنا الخبرات اللازمة، وإذا أردنا الدخول في الصناعات التحويلية فسنعتمد في المرحلة الأولية على الشراكات الأجنبية لاكتساب الخبرات.

بينما يرى أ. جمال ملائكة أن المملكة لم تستطع استقطاب الخبرات الأجنبية في صناعة البتروكيماويات التحويلية بصفة عامة، وأخشى أن نفشل أيضًا في تحويلية المعادن.

ويعتقد م. أسامة كردي أن الصناعات التحويلية من الصناعات البتروكيماوية فشلت بدرجةً كبيرة؛ بسبب أسلوب سابك وما شابهها من الشركات في بيع البتروكيماويات بالأسعار العالمية داخل المملكة؛ مما جعل المُصنّعين المحليين للمنتجات التحويلية يجدون صعوبات كبيرة في منافسة المنتجات المستوردة، ومن باب أولى تصدير المنتجات التحويلية إلى الخارج لرفع القيمة المُضافة للبتروكيماويات. الوضع أصعب بالنسبة للمنتجات التعدينية الأساسية، حيث يسمح نظام شركة معادن بالاستثمار في كافة مراحل الإنتاج، وأصبح الطريق مغلقًا في وجه القطاع الخاص.

وأكد م. حسام بحيري أن الصناعات التحويلية الناتجة عن التعدين أقل تعقيدًا من صناعة البتروكيماويات، والخبرات الموجودة متوفرة بكثرة عالميًّا. إلا أن أ. جمال ملائكة يرى المشكلة أكثر تعقيدًا من شراء التقنية وجلب شركاء أجانب.

من جانبه، ذكر م. حسام بحيري أن هناك الكثير من الشركات الأجنبية تختص بالصناعات التحويلية مستعدة للدخول في السوق السعودي؛ كالشركات الأسترالية، والصينية بالتحديد. الصين لها تجربة كبيرة في التعدين؛ لأنها اتجهت للقارة الإفريقية منذ أكثر من ١٥ سنة، وزادت استثماراتها لأكثر من ٢٥ ضعفًا في خلال ١٠ سنوات، وتكاد تسيطر على عدد كبير من المواد المهمة المنتجة في إفريقيا، خاصة ما يُطلق عليه المعادن الثمينة، مثل: الذهب، والفضة، واليورانيوم، والنحاس.

الشركات الغربية كانت دائمًا مترددة في الدخول للقارة الإفريقية؛ نظرًا للمشاكل الجيوسياسية المستمرة، اليوم الصين أصبحت المنتج الرئيس لعدد كبير من المعادن المستخرجة من إفريقيا، وستكون أفضل شريك أجنبي نتعامل معه؛ لأنه يوجد لديها الخبرات والتمويل.

اتفق معه أ. محمد الدندني في الاتجاه للصين في هذه الصناعة، حيث إن لها القدرة ماليًّا وفنيًّا، ولا تقل أبدًا عن أستراليا أو أمريكا في هذا الشأن. وربما أنهم أكثر تفهمًا في مجال الصناعة التحويلية. ولا يخفى صراع الغرب مع الصين في استكشاف اليورانيوم والذي تحتاجه الصين، بعكس سيطرتها على العناصر النادرة rare earth elements، والتي تدخل في صناعات استراتيجية؛ كالطائرات الحربية المتقدمة، والصواريخ الباليستية. حيث تستحوذ الصين على ما يقرب ٨٠٪ من هذه العناصر.

وهو ما أكده أيضًا م. حسام بحيري، وذكر أن أفضل شريك لنا في قطاع التعدين هو الصين؛ لأن خبراتها وقدراتها أصبحت أفضل من عدد كبير من الشركات الغربية التي كانت تحتكر التقنية لزمن طويل. لنا مشاركات كبيرة متعددة مع شركات غربية في قطاعي البتروكيماويات والنفط، ومن الأفضل استراتيجيًا تقليل الاعتماد على مشاركات الغرب في قطاع التعدين لعمل توازن. أي مشكلة سياسية سنواجهها مع أي دولة غربية سنجد معظم الدول الغربية تقف صفًّا مع حليفها الغربي ضدنا. شراكاتنا الخارجية لابد أن تكون متوازنة، ويُفضَّل عدم الاعتماد على التعاون مع مجموعة دول معينة؛ لأن التقنيات والخبرات التعدينية متوفرة اليوم عالميًّا.

تساؤلات حول المشروعات التعدينية في المملكة:

في مداخلته، تساءل د. خالد الرديعان عن فوسفات الشمال وكمياته، ونسبة الدخل المتحصل منه للدخل الوطني عمومًا، وجدوى إنتاج هذه المادة، والصعوبات التي تواجه عملية إنتاجه، طالما أن منطقة حزم الجلاميد (طريف) بعيدة جدًّا عن البحر. ما قرأته في الموضوع أن المادة يتم شحنها من حزم الجلاميد إلى المنطقة الشرقية للتصدير، في حين أنه يوجد ميناء أقرب من ذلك للمنطقة، وهو ميناء حقل على خليج العقبة، فلماذا لا يتم الشحن من هناك لقرب المسافة نسبيًّا؟

كذلك فإنني أعلم أن هناك كميات من الحجر الجيري في منطقة الجوف (جبال قيال غرب سكاكا)، فهل هناك نية لاستخراج هذه المادة؟ وهل هي مجدية تجاريًّا؟ وما العقبات التي تواجه استخراجها، طالما أن سلسلة الجبال المذكورة أرض حكومية؟

أخيرًا، أسألُ عن اكتشافات النفط التي أُعلن عنها في منطقة الحوطة (جنوب الرياض) قبل عدة سنوات، وما إذا كانت كميات النفط تجارية؟ وهل بدأ استغلالها؟ وهل هناك خطة لذلك؟ وما العقبات إن وجدت؟

أجاب المستشار إبراهيم ناظر بأن من أهم المشاريع التعدينية هي مدينة وعد الشمال، وتقع شمال شرق مدينة طريف، ويوجد بها خام الفوسفات، ويوجد في حزم الجلاميد، وقد سعدتُ بزيارتها ضمن وفد من مجلس الغرف السعودية. ويهدف إنشاؤها إلى استغلال خام الفوسفات، والذي يتواجد بكميات كبيرة، ولكن درجة نقائه ليست عالية جدًّا، وكذلك تطوير مدينة تعدينية متكاملة، بحيث يعطي تطويرها بُعدًا تنمويًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا للمنطقة، وخاصة فيما يتعلق بتوفير فرص العمل، وبلغت مجموع الاستثمارات حوالي 65 بليون ريال، وهي من المشاريع الرائدة في مجال تحفيز الصناعات التعدينية، ويوجد في المنطقة المعادن الأرضية النادرة، مثل اليورانيوم والثوريوم، وهي من المعادن الاستراتيجية، وقد تم التعاقد مع بداية العام مع شركة صينية لاستخراج تلك المعادن حسب ما ذكر وزير الطاقة. ولا يفوتني أن أنوّه بالمشروعات التعدينية في منطقة رأس الخير التي تضمُّ مشروعات تصل تكلفتها 130 مليار ريال، ويُتوقع أن تسهم في الاقتصاد بحوالي 35 مليار ريال. وفيما يلي أعرض للوضع الراهن لقطاع التعدين (المصدر: وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية – وكالة الوزارة للثروة المعدنية):

– مساحة الرخص 106,000 كم2.

– عدد حاملي الرخص 857.

– الخام المستقل 465 مليون طن.

– المجمعات التعدينية المحجوزة 36 مجمعًا (66.000) كم2.

– مساهمة القطاع في GDP 64 بليون ريال.

– إيرادات الرخص، أرباح الرخص 6.6 بليون 30 بليون ريال.

– حجم الاستثمار في التعدين   250 بليون ريال.

– أهم الخامات المستعملة والمنتجة: (ذهب     224,000 OZ – فضة        150,000 OZ – مركزات النحاس والزنك 115,000 T – صخور الفوسفات 14 MT – مواد بناء 340 MT – إنتاج إسمنت       60 MT – خام المغنيزايت KT 100 – خام البوكسيت (الألومنيوم) MT 3.8 – حوائط جبسية M M 2 12 ).

– تقييم الخامات الرئيسة المتوفرة في المملكة:

1- خام الحديد380 مليون طن.

2- خام الألومنيوم300 مليون طن.

3- خام النحاس والزنك 1 مليون طن.

4- خام الذهب 19 مليون وقية.

5- خام الفوسفات 2 مليون طن.

مساهمة قطاع التعدين:

أشار المستشار إبراهيم ناظر إلى يتفق تمامًا مع ما ذكره المهندس حسام بحيري في تعقيبه فيما يتعلق من أن قطاع التعدين لا يزال غير مستغل بطريقة مثلى وصحيحة، ولكن حسب آخر أرقام وكالة وزارة الثروة المعدنية، فإن مساهمة قطاع التعدين في GDP هي 64 بليون ريال سنويًّا، ومن المتوقع أن تقفز إلى 97 مليار ريال مع عام 2020، وعدد الوظائف حاليًّا 65 ألف وظيفة، ومتوقع أن تصل 90 ألف وظيفة مع عام 2020، أمَّا مقدار الاستثمارات فتُقدَّر بــ250 بليون ريال.

وحول تساؤل أ. محمد الدندني عن نسبة السعوديين وطبيعة أعمالهم، ذكر م. حسام بحيري أنه لا توجد لديه أي أرقام، ولكن لا يُتوقع أن تكون نسبتهم كبيرة. مستقبليًّا القطاع يستطيع أن يستوعب عمالة محلية كبيرة في حالة رسم استراتيجية معقولة.

لازلنا نحتاج إلى القدرات والخبرات المطلوبة، ولابد أن نُركِّز على التعليم والتدريب، والمشاركة مع خبرات أجنبية.

استراتيجية التعدين الحديثة بالمملكة:

ذكر د. حميد المزروع خبرًا ورد في صحيفة الشرق الأوسط* حول استراتيجية التعدين الحديثة بالمملكة. علق المستشار إبراهيم ناظر بالخطاب الصادر من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية إلى الأمين العام لغرفة الرياض، والذي يفيد بأن الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات المعدنية لم يتم الانتهاء من إخراجها بالشكل النهائي.

وأضاف المستشار إبراهيم: قُمنا في لجنة التعدين الفرعية ضمن لجنة الطاقة والصناعة والتعدين بوضع خطوط عريضة لاستراتيجية قطاع التعدين، وكيفية تنمية القطاع الخاص، وعرضناها على الوزارة، لكن الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات التعدينية لا تزال غير معلنة، ما عدا ما تمَّ تسريبه من تصريحات المسؤولين بالوزارة.

أضاف أيضًا أ. محمد الدندني: إن ما رُشِّح من معلومات يوحي بخطة تدعم المحتوى المحلي والقطاع الخاص. المهم هو ليس كمية المواقع، ولكن واقعية الأرقام.

تصنيع الألومنيوم بالمملكة:

ذكر د. حميد المزروع أن شركة الكوا الأمريكية دخلت بنسبة ٢٥٪ مع شركة التعدين السعودية لتصنيع الألومنيوم، وقد بدأ الإنتاج التجاري في عام ٢٠١٧ كمنتج نهائي.

ويرى أ. محمد الدندني أنه كان من الأفضل اشتراط دخول المستثمر في الاستكشاف وإنتاج الخام كي يدخل في منتج نهائي أو تحويلي.

أضاف المستشار إبراهيم ناظر أن المملكة عن طريق مصاهر الألومنيوم في رأس الخير تسعي لتكون عاشر دولة في العالم مصدرة للألومنيوم، فخام البوكسيت موجود بكميات ضخمة في البعيثة، وكانت تُسمَّى الزبيرة.

إنشاء مجلس أعلى للمعادن:

في تصوُّر أ. جمال ملائكة، فإن الآلية المناسبة لجعل كل هذه الأمور والحيثيات المتشعبة تحت تنسيق واحد ومباشر- هي إنشاء مجلس أعلى للمعادن (مثل البترول)، ويتفرع منه هيئة تنظيمية تأخذ كلَّ الأدوار التي تتشعب في وزارات، وهيئات،… إلخ ، ومن ثَمَّ إنشاء إدارات مستقلة لكل عملية تحت إدارة واحدة.

يرى المستشار إبراهيم ناظر أنه في ظلِّ غياب التشريعات المنظمة والخطط الاستراتيجية والسياسات الموجهة، تصبح العشوائية والمحسوبية والمحاباة والمصالح الشخصية هي النظام؛ وبالتالي عدم المحاسبة. وفي رأيي الشخصي، فإن هذا ما كان سائدًا، وعلى سبيل المثال: كان من أهداف الخطة التاسعة أن يسهم قطاع التعدين بنسبة ٨٪ في GDP مع نهاية الخطة، وانتهت الخطة وبعدها خطة، ولم  تتعد المساهمة ٢٪. الأمر الثاني: حكم نشاط التعدين، فهو يحتاج لعدة جهات للموافقة على منح الترخيص التعديني، سواءً أكان محجرًا أو منجمًا؛ فهذا أدَّى إلى إضعاف صلاحية وكالة الوزارة للثروة المعدنية، وتحكُّم إمارات المناطق، لدرجة أنها توقف رخصًا للمستثمرين بعد حصولهم عليها، وتكبدهم خسائر فادحة؛ وكدليل: نحن نستورد البازلت من الأردن، وكل سلسلة جبال السروات بازلت من الجنوب للشمال.

أما فيما يتعلق بوجود هيئة حكومية تنظيمية أو مجلس أعلى، أرى أنها فكرة جيدة، ولكن الأهم هو التشريع بموجب مرسوم ملكي، ثم الاستراتيجية لخلق بيئة جاذبة للاستثمار. في اعتقادي، هذا سيتحقق مع النظام الجديد وتنفيذ الاستراتيجية، بغض النظر عن مُسمَّى الجهة التي ستُوكل لها الصلاحية في التنفيذ.

الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين:

ذكر أ. جمال ملائكة أنه يُفهم من المداخلات أن الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات المعدنية تم إقرارها؛ وبالتالي يتبقى فقط:

١- التشريع.

٢- الهيئات التنظيمية: مجلس أعلى (أو أي مُسمَّى آخر)/هيئة/شركات.

علَّق المستشار إبراهيم ناظر بأن الاستراتجية تم إقرارها بالفعل، ووافق عليها مجلس الوزراء، وصدرت منذ عدة أشهر، ولكنها لم تُنشر ولم تُنفذ حتى يتم تعديل نظام التعدين للاستثمار وصدوره، وهو الآن مسودة للمراجعة. وحسب علمي حاليًّا، فسوف تُعطى الصلاحية كاملة لوكالة الثروة المعدنية، ولن تحتاج موافقة الجهات الأخرى ذات العلاقة، مثل إمارات المناطق، فمسودة النظام تنصُّ بأن تُشعَر الجهات، وإذا لم ترد خلال شهر تُعتبر موافقة، وتمنح الوكالة الترخيص للمستثمر إذا استوفي الشروط والمتطلبات التي نصَّ عليها النظام.

في السياق ذاته، تساءل أ. جمال ملائكة: هل هذا يُعالج مشكلة الترخيص؟ أجاب المستشار إبراهيم ناظر بأن هذا مؤكد، ولأنَّ أهم آليات الاستثمار في التعدين هي الرُّخص بكل أنواعها: (الاستطلاع والاستكشاف، وترخيص التعدين، وتراخيص المناجم الصغيرة، وتراخيص المحاجر والكسارات ومواد البناء، وغيرها حسب النظام). وسرعة منحها من خلال منصة إلكترونية يحمي الاستثمارات من تغوُّل الجهات الحكومية الأخرى. والاستراتيجية تعالج تحفيز الاستثمار في سلسلة القيمة المضافة للخامات المعدنية، من حيث توفير البنية التحتية والنواحي اللوجستية، وتوفير الخدمات المساندة، وتنمية المناطق النائية التي يوجد بها الاستثمار، وإقامة مراكز التميز لإنتاج منتجات معدنية ذات ميزات جديدة مطلوبة محليًّا وعالميًّا.

عقبات تواجه القطاع الخاص للاستثمار في قطاع التعدين:

ذهب أ. محمد الدندني إلى أن أهم العقبات التي تواجه القطاع الخاص للدخول والاستثمار في قطاع التعدين تتمثل في نقطتين: الأولى إدارية، وهي بُطء الإجراءات في الحصول على الرخص. وبما أن التعدين وُضع مصدرًا ثالثًا للدخل، فأعتقد أن هذه النقطة في طريقها للحل؛ بسبب أنه لا يمكن أن يكون العمل على استغلال هذه الثروات بالقوانين القديمة؛ لذا يجب ألا نضعها عقبة على الأقل في الوقت الحالي قبل أن نرى قريبًا قانون وإجراءات التعدين.

النقطة الثانية: وهي التكلفة العالية، ولنكن واقعيين، ولا نقارن تمكُّن الشركات العالمية ماديًّا وفنيًّا بالقطاع الخاص؛ لذا إن أراد القطاع الخاص الدخول فعليه بالتجمعات في شركات مساهمة تستطيع المنافسة.

أردد وبكثرة مشاركة القطاع الخاص، أو أنظمة الشركات المساهمة، والتي من التجربة فشلت في صناعة قديمة، وهي صناعة البترول. لا أتكلم هنا عن الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج فهذا مجال آخر، ولكن مجال الخدمات. وكان ذلك لأسباب عديدة، منها أننا لم نُوفَّق في إنشاء واستمرار شركات خدمية منافسة في هذا المجال؛ لذا علينا تلافي ما حصل في مجال النفط الخدمي قبل أن يدخل القطاع الخاص مجال التعدين، كاستثمار في المناجم أو الخدمات المساندة. الدولة لديها أهداف معينة وليست مترفة في الوقت نفسه، فأمامها تحديات، وهي: التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل للمواطنين من خلال تعدُّد مصادر الدخل.

من خلال المناقشة، وبشفافية عالية مع وزارة التجارة والاستثمار، على القطاع الخاص أن يكون بحجم التحديات، ويحدد ماذا يريد من إجراءات لضمان نجاح الشركات المساهمة، وما هو نموذج الاستثمار المناسب الذي يَضمن النجاح والاستمرار.

وفيما يتعلق بالخدمات المساندة فهي تحتاج استثمارات، وتحتاج خبرات، وإن كانت ليست بحجم الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج، ولكنها مجال ممكن أن يركز عليه القطاع الخاص والاستفادة منه. لا أودُّ أن يُفهم أنني ضد دخول القطاع الخاص في مجال الاستثمار في التعدين، ولكن هناك أمور قبل المال مطلوب توفرها حتى نتلافى أخطاءً شبه مؤكدة، ستقع إذا استمر الأمر بنفس العقلية والأنظمة الحاليّة، وهنا أقصد نظام الشركات وعقلية كثير من البيوتات المالية.

شركة “أرامكو ” نموذج للاستثمار في قطاع التعدين:

لاحظت د. فوزية البكر أن هناك تكرارًا في الحديث عن مشكلة الإدارة المحلية والبيروقراطية، إضافة إلى عدم قدرة القطاع الخاص لوحده على تحريك قطاع التعدين الذي لا يقلُّ حجمًا ولا أهمية عن قطاع البترول. وأتساءل: لماذا لا يُستخدم نموذج شركة أرامكو مثلًا، تحت إشراف الدولة من خلال هيئة مستقلة عن بيروقراطية القطاع الحكومي؟

اتفق أ. جمال ملائكة مع هذا الاقتراح، فهو يتواءم مع اقتراحي بتشكيل مجلس أعلى للمعادن، وتحته هيئة مستقلة تتناول كلَّ ما ذكره المستشار إبراهيم ناظر والزملاء المناقشون، ثم إنشاء شركة قابضة مثل سابك، وقد تكون معادن نفسها.

استخراج وتصنيع المعادن والأحجار الكريمة:

أشار المستشار إبراهيم ناظر إلى أنَّ هناك أوجه تشابه بسيط بين استخراج وتصنيع المعادن، يتداخل مع استخراج وتصنيع البترول، من حيث أن كلًّا منهما صناعة استخراجية وموارد ناضبة، مع الفارق الكبير في التكوين والمكونات الجيولوجية لكل منهما، وفي التقنيات والتصنيف الاقتصادي، والصناعات الأساسية والتحويلية التي تُقام على كل منهما؛ فالبترول والغاز ثروة هيدروكربونية بخلاف الثروة المعدنية من المعادن الفلزية واللافلزية، ولكن النجاح في الاستغلال الأمثل والاستثمار الأفضل لكليهما هو نجاح إداري أولًا وأخيرًا.

ويرى د. حميد المزروع أن ما ينطبق على طُرق استخراج وتصنيع المعادن يتداخل مع استخراج وتصنيع الأحجار الكريمة والشبة كريمة. أضاف المستشار إبراهيم ناظر أن تصنيع الأحجار الكريمة يقع تحت صناعة التعدين وجزء منها.

في هذا السياق، ذكر د. خالد الرديعان أنه انتشر قبل فترة مقطع عن شارع الشانزليزيه، وأنه مرصوف بحجر جرانيت استُورد من منطقة نجران السعودية. ما صحة ذلك؟ وهل للحجر المذكور كميات تجارية قابلة للتصدير؟ من جانبه، أكد المستشار إبراهيم ناظر أن هذا الخبر صحيح، وأضاف: إن نجران تحتوي جبالها على أفضل أنواع الجرانيت من حيث ندرة الألوان، وفيها الأسود وما يُسمَّى نجران براون. ويُذكر أن رجل الأعمال والمستشار في الديوان علي المسلم – رحمة الله عليه- كان يملك أفضل محاجر الجرانيت في نجران، وهو الذي صدَّر الجرانيت لفرنسا، وهناك قولان: الأول: أنه دخل في منافسة، والثاني: أنه هدية من الحكومة السعودية، وتم تصديره عن طريقه.

أضاف أ. محمد الدندني أن هناك منجمًا أيضًا في منطقة نجران يُسمَّى المصانع، وهو منجم حُفر في أوائل الثمانينيّات، الموقع نحاس وزنك ومصاحبه فضة وذهب، يُسمَّى علميًّا massive sulphide deposit. لا أدري إن كان العمل مستمرًا أو توقف، فقد زرناه يوم كنا طلبة، وكان الحفر للتقييم، ولم يتم الإنتاج حينها.

رؤى لتطوير قطاع التعدين:

في اعتقاد المستشار إبراهيم ناظر، أن قطاع التعدين يعاني من مشاكل عديدة، وإذا أردنا تطوير القطاع والاستفادة منه فلابد من تخطي المشاكل الإدارية والتشريعية. وكذلك من الافضل أن تكون الحكومة جهة مشرّعة، ولكن أعمال التنقيب والمعالجة والتصنيع التحويلي لابد أن تكون مسؤولية القطاع الخاص.

المشكلة الرئيسة هو أن عددًا قليلًا جدًّا من منشآت القطاع الخاص الوطني تستطيع الخوض في مجال التعدين؛ لأن رأس المال المطلوب كبيرٌ جدًّا، ومستوى المخاطرة عالٍ. الدولة ستستفيد ماليًّا من خلال إصدار التصاريح والمشاركة في الأرباح، والعمليات اللوجستية، والضرائب، بدون الحاجة إلى استحداث أجهزة بيروقراطية مكلفة ذات نطاق عمل محدود جدًّا.

ويرى أ. محمد الدندني أن منتجات التعدين تقع تحت commodities material ماعدا اليورانيوم وبعض عناصر الـ rare earth elements. فهي ليست كالبترول؛ كونه مصدرًا للطاقة الأهم، وسيبقى الأهم لعقود. لذا حصره في شركة حكومية واحدة ربما يحرم هذه الصناعة من التنافسية، وكذلك مرونة تجارية يتيحها القطاع الخاص محليًّا أو أجنبيًّا.

وأعتقد أن ما سيحدث هو اختيار جهة حكومية على شكل هيئة أو شركة، تدخل بشراكات مع المستثمرين المحليين أو الأجانب. هذا النموذج معمول به في مجال البترول في الدول غير القادرة على الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج، على سبيل المثال لا الحصر: (مصر، وعمان، وسوريا، وتونس، وكثير من دول أمريكا اللاتينية، وفي دول وسط آسيا وشرقها). وفي تصوُّري، فإن شركة معادن نموذج لتكون هذه الهيئة، ولكن لوجود نسبة من أسهمها لدى القطاع الخاص فهذا يمنعها، أو تكون إحدى المؤسسات الحكومية الحاليّة كهيئة المساحة، أو استحداث جهة جديدة.

 المسؤول عن إصدار رخص التعدين

تساءل د. رياض نجم: مَن صاحب السلطة العليا في إصدار تراخيص الشركات التي تنقب عن المعادن أو تستخرجها؟ أليست رخص التعدين صادرة حسب نظام صادر بقرار من مجلس الوزراء أو بمرسوم ملكي؟ وهل إيقافات إمارات المناطق لهذه التراخيص لا تزال موجودة ولمدد طويلة؟

أتوقع أن هذا أحد العوائق الرئيسة التي تجعل الشركات الأجنبية تحجم عن الاستثمار في مجال التعدين في المملكة.

علق المستشار إبراهيم ناظر بأن التراخيص تصدرها الوزارة بموجب نظام التعدين، ولكن في حالات كثيرة نتيجة شكاوى كيدية، أو ادعاء أن الأرض مملوكة لأجداده، أو لأي سبب آخر تقوم الإمارة بمنع المستثمر وإيقاف ترخيصه. والحالات كثيرة، وقد أوقفت إمارة الرياض عشرات المحاجر في منطقة نساح غرب الرياض، وبطريقة تعسفية، وهي من المواضيع التي نحاول المساعدة في حلها عن طريق اللجنة بغرفة الرياض. لكن النظام الجديد يعطي جميع الجهات مدة شهر للاعتراض قبل صدور الرخصة، وإذا لم ترد الجهة تعتبر موافقة وتصدر الرخصة، ولا أعتقد أن هذا سيحل المشكلة، بالذات مع إمارات المناطق؛ لأن الإمارة تستخدم سلطتها التنفيذية، وتوقف صاحب الرخصة من العمل، ولكن نأمل أن تتفهم الإمارات أن ذلك يؤدي إلى تخوُّف المسثمرين وإحجامهم.

تكوين هيئة لأشباه الموصلات:

أشار د. حامد الشراري إلى أن مواد (معادن) أشباه الموصلات التي تمثل عَصب الصناعات التقنية الحديثة المتقدمة (الكمبيوتر، والهواتف، والأجهزة الذكية…إلخ)، وتمثل صناعتها ١٦٪ من الاقتصاد العالمي، وفِي نمو مستمر- لم تحظ بنقاش كافٍ، بقدر أهميتها العالمية، وتعاملنا اليومي مع الصناعات المعتمدة عليها. فمثلًا: وادي السيلكون سُمِّي بذلك لأهمية عنصر السيلكون الذي يُستخرج من الرمال، ويعتبر ثاني عنصر متوفر بعد الأكسجين، وهو من أهم العناصر التي تدخل في الصناعات التقنية الحديثة. لذا قد يكون مناسبًا أن تُكوَّن هيئة أو شركة متخصصة لـ ( أشباه الموصلات).

التوصيات:

– توقُّف الحكومة عن منافسة القطاع الخاص، خاصة في مراحل الصناعات التحويلية، مع تشجيع القطاع الخاص للدخول في صناعة المعادن الفلزية واللافلزية.

– أن تتكفل الحكومة بتكاليف دراسات الجدوى (الأولية) لهذه المشاريع.

– زيادة الصادرات من المنتجات المعدنية، وإحلال الخامات المحلية محل الخامات المعدنية المستوردة، فلا يزال استيراد المملكة من المعادن والمنتجات المعدنية يصل إلى عشرات المليارات، رغم ما تزخر به المملكة من ثروة معدنية ضخمة ومتنوعة.

– تشجيع جامعة البترول والمعادن على تأسيس أقسام ومعاهد متخصصة موجهة لقطاع صناعة التعدين بجميع مراحله: (الاكتشاف، الاستخراج، التصنيع، التحويل، أخرى). علمًا أن نظام الجامعات الجديد سيسمح للجامعات بتأسيس شركات متخصصة، أو عقد شراكات وتقديم استشارات في مجالات التخصص.

– تأسيس بنك متخصص لتمويل مشاريع التعدين في المملكة برأس مال يناسب احتياجات القطاع.

– تشجيع القطاع الخاص فقط للاستثمار في التعدين غير كاف للاستثمار في هذا القطاع؛ لذا يجب أن تقوم وزارة الطاقة والثروة المعدنية بإعداد نماذج تجارية business model مبنية على دراسات مسحية لفرص الاستثمار في قطاع التعدين، بحيث يطمئن المستثمر على الجدوى الاقتصادية والعائد على استثماره، على أن تُتاح هذه الفرص للمستثمر السعودي أولًا، ثم للتحالفات المختلطة والأجنبية.

– إدماج الإدارات التشريعية والتنظيمية المختلفة تحت هيئة مستقلة، تكون لها الصلاحيات الكاملة في إدارة نشاط التعدين.

– منع ملكية الأراضي على أسس قبلية، بحيث تكون الأرض ملك للدولة.

– التركيز على التدريب والتعليم لإعداد الكوادر الوطنية المطلوبة في قطاع التعدين.

– تكثيف الندوات التوعوية عن صناعة التعدين، وكل الفرص المتاحة بشكل مباشر وغير مباشر؛ من خلال الإعلام، أو الغرف التجارية… إلخ.

– تكوين هيئة أو شركة متخصصة لأشباه الموصلات.

الملخص التنفيذي:

القضية: (واقع وفرص قطاع التعدين في المملكة).

يحظى قطاع التعدين بدعم الدولة واهتمام كبير به، وهو واقع فعلي في إيجاد فرص صناعية كبيرة ومتقدمة، حيث إن الانفتاح في المجالات التعدينية وما يرافقه من بنى تحتية وأساسية لهذه المجالات الصناعية- يفتح المجال أمام المزيد من الفرص الوظيفية للشباب السعودي، ويؤدي إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، ويزيد الناتج المحلي، ويرفع من مستوى الدخل القومي دون الاعتماد على العنصر الأجنبي. كما أنه سيسهم بصورة مباشرة في تحسين المستوى المعيشي للأفراد، ويحقق أهداف رؤية المملكة 2030 في الاستفادة القصوى من الثروات الوطنية، بما يضمن استقرار الاقتصاد السعودي، والبحث عن مصادر بديلة عن النفط.

تناولت الورقة الرئيسة الوضع الراهن لقطاع التعدين في المملكة، والتحديات التي يعاني منها، وما يمكن أن يسهم به القطاع في التنمية؛ من حيث توفير فرص التوظيف، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي كمصدر من مصادر الدخل الوطني، وأسباب مساهمته الضعيفة في الاقتصاد الوطني، والتي أهمها: عدم مواكبة نظام التعدين المطبق حاليًّا للتطوُّرات الاقتصادية المحلية والعالمية.

وفيما يتعلق بحاضر ومستقبل هذه الصناعة؛ ذهبت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة إلى أن التعدين يأخذ الآن عناية خاصة من وزارة الطاقة والتعدين والصناعة، وذلك مواكبة لرؤية وتوجيهات القيادة. فالعمل جارٍ الآن على تغيير التركيبة الإدارية لهيئة المساحة، وقد عُيِّن لها رئيس تنفيذي.

وأكدت التعقيبات على أنه بالرغم من وجود ثروات معدنية كثيرة جدًّا، ولكن القطاع مازال يعاني من عدم التنظيم وقيود بيروقراطية كبيرة. ويتفق عدد من الخبراء في مجال التعدين أنه يجب إجراء المزيد من التغييرات التنظيمية، لتتمكن المملكة من الاستفادة الكاملة من احتياطاتها التعدينية التي لم تُستغل بالشكل المطلوب، باعتبارها مصدرًا ثالثًا لاقتصاد المملكة بعد قطاعات النفط والبتروكيماويات حسب رؤية 2030.

وأشارت المداخلات التي جرت على هذه الورقة إلى أن قطاع التعدين لا يزال غير مستغل بطريقة مُثلى وصحيحة، فحسب آخر أرقام وكالة وزارة الثروة المعدنية، فإن مساهمة قطاع التعدين في GDP هي 64 بليون ريال سنويًّا، ومن المتوقع أن تقفز إلى 97 مليار ريال مع عام 2020، وعدد الوظائف حاليًّا 65 ألف وظيفة، ومتوقع أن تصل 90 ألف وظيفة مع عام 2020، أمَّا مقدار الاستثمارات فتُقدَّر بــ250 بليون ريال.

وذهب المناقشون إلى أن من معوقات الاستثمار في قطاع التعدين، أنه لا توجد حاليًّا أي محاولات لإزالة المعوقات وتسهيل الدخول إلى القطاع، وعدم وجود التمويل الكافي وضخ أموال كبيرة في هذا القطاع لكي ينجح، وكذلك عملية الاستكشاف التي تعدُّ مكلفة جدًّا.

وأضاف المناقشون أن صناعة التعدين بالدرجة الأولى هي صناعة استخراجية وفقًا للترميز الصناعي الدولي للأنشطة الاقتصادية (ISIC4)، وكذلك الدليل السعودي للأنشطة الاقتصادية وزارة التجارة والاستثمار، وهي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، خاصة المعادن النفيسة، مثل: الذهب، والفضة، والبلاتين، والمعادن الفلزية بصفة عامة، وكذلك تقنيات متقدمة.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: توقُّف الحكومة عن منافسة القطاع الخاص، خاصة في مراحل الصناعات التحويلية، مع تشجيع القطاع الخاص للدخول في صناعة المعادن الفلزية واللافلزية. زيادة الصادرات من المنتجات المعدنية، وإحلال الخامات المحلية محل الخامات المعدنية المستوردة. تشجيع جامعة البترول والمعادن على تأسيس أقسام ومعاهد متخصصة موجَّهة لقطاع صناعة التعدين بجميع مراحله. تأسيس بنك متخصص لتمويل مشاريع التعدين في المملكة برأس مال يناسب احتياجات القطاع. إدماج الإدارات التشريعية والتنظيمية المختلفة تحت هيئة مستقلة، تكون لها الصلاحيات الكاملة في إدارة نشاط التعدين. منع ملكية الأراضي على أسس قبلية، بحيث تكون الأرض ملك للدولة. التركيز على التدريب والتعليم لإعداد الكوادر الوطنية المطلوبة في قطاع التعدين.


القضية الثالثة:

الورقة الرئيسة: المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية

  • الكاتبة: د. عبير برهمين.
  • المعقبان:

م. محمد الشهري.

م. سالم المري.

  • إدارة الحوار: د. عبد الله صالح الحمود.

مقدمة:

رغم تعدُّد واختلاف الكتابات التي تناولت المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية، وفق المنظور الفكري والزاوية التي تم من خلالها تناول هذا الأمر، لكن هناك نقاط مشتركة يجمع عليها جلُّ مفكري التنمية المحلية، وهي أن الهدف الرئيس للمجالس البلدية هو تطوير المجتمعات المحلية، وفي هذا الإطار لا يمكن إغفال الجهود الذاتية المتجسدة والمتمثلة في المشاركة الشعبية إلى جانب الجهود الحكومية من أجل تحقيق التنمية المحلية. كما أن القاعدة الأساسية لنجاح هذه المجالس في التنمية المحلية تكون بالمشاركة، فنجاح تجربة أي دولة في النمو يرجع إلى اعتمادها على مواردها المحلية، وأثمن هذه الموارد هو العنصر البشري، وإذا ما تجاهلت الدولة هذا العنصر وركزت على عناصر أخرى، فإنها ستخلق عبئًا مستمرًا على التنمية، وهو وجود عنصر بشري يزداد عددًا ويقل كفاءة دون أن يقدر على تقديم جهد متزايد لخدمة التنمية. لذا كانت قضية “المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمتها د. عبير برهمين، وتم التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (أمين المنطقة ورئاسة المجلس البلدي، تعديلات وإضافات لنظام المجالس البلدية الحالي، قراءة في تاريخ تأسيس المجالس البلدية بالمملكة، أسباب عدم وضوح نظام المجالس البلدية لدى البعض، دور المجالس البلدية ومدى فعاليتها، صلاحيات المجلس، تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين، الحملات الانتخابية وإعلان برامج الناخبين، دورات تثقيفية للمرشحين، بعض إشكاليات المجالس البلدية، شهادات ومتطلبات علمية للمرشحين، ماذا نريد من المجلس البلدي؟ آراء بعض مسؤولي المجالس البلدية). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبتها الدكتورة/ عبير برهمين، وعقَّب عليها المهندس/ محمد الشهري، والمهندس/ سالم المري.

كتبت د. عبير برهمين في ورقتها الرئيسة عن (المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية): تأسست المجالس البلدية السعودية عام 1395 هجرية، وهي مجالس ذات استقلال مادي وإداري، يرتبط تنظيميًّا بوزارة الشؤون البلدية والقروية. ويتكون كل مجلس من عدد من الأعضاء لا يزيد عن 30 عضوًا وفقًا لفئات البلديات. يتم انتخاب ثلثي الأعضاء وتعيين الثلث الأخير. وحدَّد النظام مدة عمل المجلس بأربع سنوات، يجوز بقرار من مجلس الوزراء تمديد العمل بها إلى مدة لا تتجاوز السنتين. يمارس المجلس البلدي سلطة التقرير والمراقبة وفق أنظمة ولوائح، في حدود واختصاص البلدية المكاني. تعتبر الدورة الثالثة (الحالية) دورة استثنائية؛ كونها شهدت بموجب النظام مشاركة المرأة السعودية لأول مرة في المجالس البلدية كناخبة ومترشحة.

يتلخص دور المجلس البلدي في التالي:

1- إقرار الخطط والبرامج البلدية، مثل: تنفيذ المشروعات البلدية المعتمدة في الميزانية، تنفيذ مشروعات التشغيل والصيانة، تنفيذ المشروعات التطويرية والاستثمارية، تنفيذ برامج الخدمات البلدية ومشروعاتها.

2- إقرار مشروع ميزانية البلدية.

3- إقرار الحساب الختامي للبلدية بعد دراسته وفقًا للوائح.

4- يدرس المجلس الموضوعات التالية، ويبدي رأيه فيها قبل رفعها للجهات المختصة: مشروع المخططات الهيكلية والتنظيمية والسكنية، نطاق الخدمات البلدية، مشروعات نزع الملكية للمنفعة العامة، ضم أو فصل بلديتين أو أكثر، الرسوم والغرامات البلدية، شروط وضوابط البناء ونُظم استخدام الأراضي، الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة، إنشاء البلديات الفرعية ومكاتب الخدمات، ما يوجه الوزير بعرضه على المجالس.

5- يمارس المجلس سلطته الرقابية على البلديات عن طريق رفع التقاريرعن: أعمال البلدية، وسير المشروعات التي تُنفّذ، وتحصيل الإيرادات، وتقارير الاستثمارات البلدية، وما يرد للمجلس من مقترحات أو شكاوى، وتقارير الزيارات التي تقوم بها اللجان المختصة، ومراجعة إجراءات تقسيم الأراضي والمنح.

6- يتولى المجلس في حدود اختصاص البلدية ما يلي: اقتراح الخطط والبرامج وتحديد أولوياتها، ما يسنده الوزير للمجلس من اختصاصات، إبداء الرأي في الأنظمة واللوائح الجديدة ومشروعات التعديلات المقترحة، إبداء الرأي في المعاملات والقضايا التي تطلب فيها البلدية رأي المجلس بها.

ولعلَّ عدم إلمام المواطنين ومعرفتهم بنطاق عمل وصلاحيات المجالس البلدية يعدُّ أهم عائق للمجالس البلدية. فقلة الوعي يشترك فيه فئات المجتمع المختلفة، وربما لا أبالغ في القول: إن بعض أعضاء المجالس البلدية أنفسهم وبعض العاملين في البلديات مازالت مهام وصلاحيات المجالس البلدية غير واضحة لهم. وهو ما خلق فجوةً بين المجالس البلدية والأمانات والبلديات. علمًا بأن العمل البلدي يتحقق بتضافر وتوافق أضلاع المثلث، وهي: (البلديات والأمانات- المجالس البلدية – المجتمع). ولعل أهم التحديات تتلخص في التالي:

– عدم فهم مدى صلاحيات ومهام المجلس البلدي.

– ارتفاع سقف التوقعات من فئات المجتمع المختلفة من المجلس البلدي.

– تداخل بعض الصلاحيات بين أكثر من وزارة وجهة، وعدم وضوح حدود صلاحيات كل جهة.

– فقد الثقة من بعض فئات المجتمع في المجلس البلدي نتيجة للأداء الهزيل للدورتين السابقتين.

– محدودية الصلاحيات للمجالس البلدية، وكثرة الضوابط المنظمة.

– عدم فعالية أداء بعض أعضاء المجالس البلدية، وعدم كفاءة البعض الآخر.

– قلة وعي فئات المجتمع بثقافة الانتخاب واختيار أعضاء المجالس البلدية.

أهم المقترحات لتحسين العمل البلدي:

– نشر ثقافة الترشُّح والانتخاب للمجالس البلدية بين فئات المجتمع المختلفة.

– رفع بعض الملاحظات الخاصة بتعديل بعض الضوابط  واللوائح المنظمة لعمل المجالس البلدية.

– التوصية بتمكين المرأة من العمل البلدي بإقرار نظام الكوتا.

– تقليل التداخل في الصلاحيات بين الجهات المعنية المختلفة.

– تعزيز دور فئات المجتمع المختلفة في الأعمال البلدية.

أخيرًا؛ أضيف أن هناك عددًا من الأصوات طالبت بإلغاء نظام المجالس البلدية بالكامل لعدم جدواها كما يظنون، وإيقاف الهدر المالي المتمثل في مكافآت الأعضاء ومصاريف المجالس. وأختلفُ معهم بالقول: إن أي نظام يواجه في بداياته عددًا من العقبات والسلبيات، والتي يجب النظر إليها بعين الاعتبار، ومحاولة تصويبها وتعديلها لتحقق المأمول منها، وبما يصبُّ في الصالح العام، وهو التحدي الحقيقي الذي يتطلب تضافر جهود أفراد المجتمع المختلفة.

وكان تعقيب م. محمد الشهري: منذ أن صدر قرار مجلس الوزراء بإعادة “تفعيل” المجالس البلدية عام 1424هـ – 2003م، أي قبل 16 سنة من الآن، صدر بعدها تنظيمات ولوائح وآليات اختيار أعضاء المجالس ومزاياهم، وهي في الحقيقة واضحة وكافية في الوقت الراهن. قد يقول قائل إن 16 عامًا فترة قصيرة، ولكني أختلفُ تمامًا مع مَنْ ذهب إلى ذلك الاستنتاج، حيث إن تجربة العام الواحد في زمننا هذا يساوي تجربة سنوات عديدة في الماضي؛ نظرًا لتوفُّر المعلومات والتجارب المستفادة، وسهولة الحصول عليها.

لم تستطع المجالس البلدية في الفترة الماضية أن تكسب ثقــة المواطن ومتخذ القرار (الثقة هنا في الإنجاز، ولا تتعلق بالأمانة)، وأن تقوم “بدور تنموي” يبرهن على فعاليتها، ويحقق الفائدة المرجوة. إنَّ موضوع كسب “الثقة” محوريٌّ وجوهريٌّ لكسب الدعم، وتطوير أعمال المجالس البلدية، كما أن كسب الثقة لا يأتي إلا بالإنجازات على أرض الواقع، بحيث يستطيع أن يراها المواطن، ويستفيد منها في أمور حياته.

تطرقت د عبير برهمين في ورقتها إلى التحديات التي تواجه المجالس البلدية وكيفية تحسين أو تفعيل أدائها، وهذا هو “لبُّ القضية”. سوف أقوم بطرح بعض المحاور وما يدور حولها من أسئلة أو تساؤلات تدور في أذهان المواطنين – ونحن منهم – والتي لها تأثير على حياتهم ومتطلباتهم وحل مشاكلهم. سيتم في كل محور استعراض الوضع الراهن (الواقع) وتحليله، وأهم القضايا أو المشكلات في ذلك المحور، مع محاولة وضع تصوُّر لمعالجتها والتعامل معها؛ لتحقيق أفضل الأساليب لإدارة وتنمية المدينة السعودية (المأمول).

المحور الأول: مهام واختصاصات المجالس البلدية، وعلاقتها بالبلديات التي تعمل معها:

يبدو من مهام وصلاحيات المجالس البلدية أنها تختصُّ في عمل البلديات فقط، ولا تشمل أوجه التنمية الشاملة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يجب أن نفرق بين دور المجالس البلدية لدينا والمجالس البلدية في الدول الأخرى، وخاصة الغربية منهاCity Council، والتي تُعنى بالحكم المحلي بمفهومه الشامل.

كما يتضح من مهام المجالس البلدية أن دورها رقابي واستشاري فقط. وفي اعتقادي، أن المشكلة الرئيسة تكمن هنا، فكيف يُمارس المجلس دورًا رقابيًّا فعالًا، ومرجعه الأعلى وارتباطه الإداري والتنظيمي والمالي بوزارة البلديات، وقد يكون رئيس المجلس هو رئيس البلدية؟

تخضع العلاقة القائمة حاليا بين البلديات والمجالس البلدية لاعتبارات عديدة، فرئيس البلدية يستطيع تفعيل دور المجلس بشكل كبير، أو تقليصه إلى حد بعيد. فهل الأفضل للمدينة وسكانها أن تكون المجالس البلدية غير مرتبطة بالبلديات؟ أعتقد- ومن الناحية النظرية والعملية- أن ذلك أفضل، ولكن ما هو البديل عن البلديات في الوضع الراهن؟ هل هي الإمارات أو المحافظات؟  للأسف، أن واقع الإمارات والمحافظات غير مشجع، بل إن البلديات أكثر فعالية من معظم الإمارات والمحافظات.

المحور الثاني: علاقة المجالس البلديات بمجالس المناطق والمجالس المحلية في المحافظات:

هناك بعض الأسئلة المهمة في هذا الموضوع، وهي: هل المجلس البلدي مسؤول عن تنمية المدينة أم أنها مجالس المناطق والمحافظات؟ وهل العلاقة تكاملية أم مستقلة عن بعضها البعض؟ هل هناك تعارض أو تداخل في الاختصاصات؟ وما هي الجهة التي تفصل عند حصول تداخل أو تعارض في الاختصاصات؟

لمعرفة الإجابات عن هذه الأسئلة، يجب التعرف على مهام واختصاصات مجالس المناطق والمجالس المحلية، وهي كما يلي:

أ- تحديد احتياجات المنطقة، واقتراح إدراجها في خطة التنمية للدولة.

ب- تحديد المشاريع النافعة حسب أولويتها، واقتراح اعتمادها في ميزانية الدولة السنوية.

ج- دراسة المخططات التنظيمية لمدن وقرى المنطقة، ومتابعة تنفيذها بعد اعتمادها.

د- متابعة تنفيذ ما يخصُّ المنطقة من خطة التنمية، والموازنة، والتنسيق في ذلك.

ومن المعروف أن دور المجلس المحلي في المحافظة مكمل لدور مجلس المنطقة، وعادة معظم القرارات والتوصيات والمعلومات التي تصدر من مجلس المنطقة تأتي من خلال ما يرفعه أعضاء المجلس المحلي في المحافظة إلى مجلس المنطقة.

ويتضح من البندين (ب)، (جـ) أنها تتداخل بشكل أو بآخر مع اختصاصات المجالس البلدية. وهذا سبب رئيس في عدم تحديد المسؤولية عند التقصير؛ مما يتطلب إعادة النظر في هذه المجالس وتنظيمها بما يُحقِّق أهداف التنمية الشاملة.

المحور الثالث: علاقة المواطن بالمجالس البلدية، وماذا يطمح له المواطن (المحور الأهم):

تساؤلات عديدة عن الدور الذي تقوم به المجالس حاليًّا، وهل يُمثّل صوت المواطن أمام البلدية، أو أنه صوت البلدية أمام المواطن؟ لماذا لا يتفاعل المواطنون مع المجالس البلدية؟ وأضيف أنه يتم انتخاب ثلثي أعضاء المجلس البلدي وفق تصويت المواطنين في انتخابات يتم الإعداد لها بدعايات وبرامج انتخابية وغيرها. فهل تستمر علاقة هذا العضو المنتخب مع سكان منطقته بعد انتخابه؟ وكيف يمكن للمواطن الاستفادة من ذلك العضو في حل مشاكل الحي الذي يقطنه؟ وهل يستطيع المواطن المشاركة في قرارات وأولويات المجلس؟

في الواقع، إنَّ البلديات حاليًّا تستخدم المجالس البلدية في الكثير من الأمور التي تحتاجها البلدية “كما سبق ذكره”، وهي بشكل أو بآخر ضمن جهاز البلدية؛ لأن ميزانيتها وتجهيزاتها وبدلات أعضاء المجلس وغيرها من ميزانية البلديات.

في حال حدوث مشكلة مع أحد المواطنين حاليًّا في الحي الذي يسكنه، فليس له سوى التقدم للبلدية بشكواه، والقضية هنا تخضع بعد ذلك لعدة احتمالات، من ضمنها: تحقيق الطلب، أو إهماله وحفظه، أو التجاوب بشكل محدود، أو الاعتذار لعدم الإمكانية؛ مما يعني أن الأمر يخضع للأمزجة. وبالتالي، فإن السؤال: هل يستطيع ذلك المواطن الذي انتخب عضو المجلس البلدي أن يحصل على دعم وصوت ذلك العضو أمام البلدية؟ فلماذا يتفاعل المواطن مع المجالس البلدية ويدعمها؟ معظم الناخبين أثناء الحملة الانتخابية للأعضاء يصوتون للأعضاء الذين تربطهم بهم علاقة خاصة، أو مجاملة لهم أو ذويهم. أعيش (شخصيًّا) إحدى هذه الحالات في الحي الذي أسكن فيه، فما هي الفائدة التي تعود عليَّ من المجلس البلدي؟ ولماذا أهتمُّ به وبعمله إذا لم يمثلني أو يساعدني في حل مشكلتي؟ قد يقول قائل: إن أعضاء المجالس يقومون بهذا الدور. والرد: أين هم؟ ولماذا لا يتواصلون معنا؟ أو كيف نتواصل معهم؟

المحور الرابع: ما هو المأمول من “المجالس البلدية” في إدارة وتنمية المدن؟

إنَّ المستقبل الذي تسعى له قيادتنا الرشيدة لمملكتنا العظيمة من خلال رؤية 2030 ومبادراتها وبرامجها الطموحة- يتطلب، وبشكل عاجل وفعال- إعادة النظر في التنمية الحضرية للمدن السعودية؛ لأنها حاضنات لها، ويجب أن تكون على مستوى متطور وديناميكي، يستطيع تلبية متطلبات الرؤية والتنمية الشاملة.

كما أن الزيادة السكانية والتوسُّع العمراني الذي تعيشه المدن السعودية، يجعل من الصعوبة بمكان أن يستمر القرار مركزيًّا كما هي الحال مع وزارة البلديات. وسيأتي اليوم الذي يجب نقل صلاحيات الأجهزة المركزية إلى الأجهزة المحلية لإدارة وتوجيه دفة التنمية المحلية؛ مما يتطلب العمل على وضع الخطط والبرامج التي تهدف إلى إدارة وتوجيه الموارد الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية في المحليات، ضمن أطر زمنية محددة لتحقيق درجات عالية من الفعالية في توظيف تلك الموارد، ولكي ينعم المواطن في مدينته بجودة أفضل في الخدمات، وتحسين نوعية الحياة له. كما يجب العمل على أن يتمكن المواطن من المشاركة في رسم مستقبل المدينة التي يعيش فيها، وتحديد أولويات التنمية المكانية والسكانية فيها.

نعلم جميعًا أن تفعيل أدوار الأجهزة المحلية لإدارة التنمية ليس بالسهولة، ومتطلباته كثيرة، ولكن لابد من العمل على ذلك؛ فالوقت مناسب لذلك، وتوجُّه الدولة في تعديد مصادر الدخل، وبناء قواعد اقتصادية للتنمية غير البترول يستدعي أن يكون للمحليات موارد مالية محلية، تستطيع تمويل بعض برامجها التنموية.

كما عقَّب م. سالم المري: تعدُّ الانتخابات البلدية السعودية في 2015 التي جرت في شهر ديسمبر من عام ٢٠١٥ ثالث انتخابات بلدية في تاريخ المملكة بعد انتخابات ٢٠٠٥ و٢٠١١، وهي  الانتخابات الأولى التي تشارك فيها المرأة كناخبة ومرشحة. وقد بلغ عدد المجالس البلدية 284 مجلسًا بلديًّا في مختلف المناطق والمحافظات، وبلغ عدد الأعضاء 3159 عضوًا، منهم 2106 أعضاء منتخبين، يشكلون ثلثي أعضاء المجالس البلدية، وهناك 1053 عضوًا مُعيّنًا من قِبل وزير الشؤون القروية والبلدية.

والمجالس البلدية السعودية تجربة رائدة، حظيت بدعم الدولة ورعايتها، ومع ذلك يشوب عملها بعض القصور الناتج عن عوامل مختلفة، ليس للعديد منها علاقة مباشرة بالمجالس نفسها. ومن الأسباب المهمة لقصور أداء المجالس: عدم تعوُّد المجتمع وقواه الفاعلة على مثل هذه التجربة، وقصور الأجهزة الأخرى في الدولة وتخلُّفها عن تجربة المجالس البلدية. وليس بدقيق قولُ البعض: إن المشكلة في المجالس البلدية وأعضائها، بل إن تجربة المجالس البلدية قفزة متميزة دفعت بها الدولة وطوَّرتها. وهناك ثلاث جهات مرجعية للمجالس البلدية بحاجة للتطوير لتمكين المجالس البلدية من أداء عملها على الوجه المطلوب، وهذه الجهات هي: مجلس الشورى، وإمارات المناطق، ووزارة البلديات. فنظاما الشورى والمناطق بحاجة لمراجعة وتطوير، وكذلك بالنسبة لتعيين الأمناء ورؤساء البلديات وبعض المسؤولين في البلديات. والمطلوب رفع مستوى وفلسفة عمل الأجهزة الأخرى- مثل: مجالس المناطق، ومجلس الشورى، ووزارة البلديات- إلى مستوى المجالس البلدية، من حيث المفهوم الديمقراطي والرقابي للعمل حتى تكتمل الدورة، ويكون هناك تناغم بين الأجهزة التنفيذية والخدمية والتشريعية.

وأذكرُ أنه صادف أن كنتُ نائبًا لرئيس اللجنة التي تراجع نظام المجالس البلدية في مجلس الشورى أثناء تعديله الأخير، عندما كان الوزير صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب في وقت الملك عبد الله- رحمة الله عليه، واختلفنا في اللجنة حينها على موضوع، هل تصوِّت المرأة أم لا؟ حيث كان هناك معارضون على إشراك المرأة كناخبة، وكاد هذا الخلاف أن يُعطِّل عمل اللجنة، فجاء القرار من الملك- رحمه الله- بأن تشارك المرأة كناخبة ومرشحة. أي أنَّ قرار الدولة سبق قرار اللجنة بمراحل، ومع ذلك كان للجنة مجلس الشورى دور في إدخال العديد من التعديلات الجوهرية جدًّا على النظام، ومن ذلك رفع عدد المنتخبين من النصف إلى الثلثين، والعديد من التعديلات في صالح الاستقلالية والتمكين الرقابي.

المداخلات:

أمين المنطقة ورئاسة المجلس البلدي:

تساءل م. أسامة الكردي: عمَّ إذا كان أمين المنطقة هو رئيس المجلس البلدي أم لا، سواء بالانتخاب أو بحكم النظام؟ وما هي صلاحيات المجلس البلدي المالية؟ وما هي مقدرته على توجيه المشاريع، مخالفًا رأي أمانة المنطقة؟ علق د. حامد الشراري بأن أمين البلديات أو رئيس البلدية يكون عضوًا فقط، ولا يترأس المجلس، وهذه من ميزات النظام الجديد خلاف اللوائح السابقة، والفقرة الثانية من المادة ١٢ من النظام تبين ذلك.

وأضاف م. سالم المري أن الأمين لا يكون عضوًا، بل موظفًا آخر من كبار الموظفين في الأمانة. واستُبعد الأمين من العضوية؛ لأنه معالي، وعندما يصبح عضوًا غالبًا ما يكون هو الرئيس، وهذا قد يكون فيه تضارب مصالح، ويتعارض مع مقاصد وأهداف المجلس.

وبالنسبة للبلديات؛ فإن عضوية رئيس البلدية هي أحد أسباب إشكالات بعض المجالس البلدية، وهذه المسألة من المسائل التي طال فيها النقاش؛ لأن رئيس البلدية له نفوذ قوي، والمصالح بيده، وفي الغالب يستطيع السيطرة على غالبية أعضاء المجلس، ويطوع المجلس لصالح رأيه. وقد طال النقاش حول استبعاده من عدمه، ولكن عضويته أقرّت في النصِّ النهائي.

وذكر أ. عبد الله الضويحي أنه في التشكيل الأول عام 1426 / 2005 كان الأمين أو رئيس البلدية عضوًا ضمن النصف المعين، وكان يجوز انتخابه، وحدث ذلك في بعض المناطق كالرياض؛ في حين أن هناك مناطق لم يتم انتخابه، واستمر عضوًا في فترة المجلس، ثم تم تعديل ذلك.

وبينما يرى م. سالم المري أن أمين المنطقة لا يرأس المجلس، وليس عضوًا فيه، وليس له فيه صوت. إلا أن د. حامد الشراري لا يعتقد أن هناك ما يمنع أن يكون الأمين عضوًا في المجلس؛ كونه من المسؤولين الكبار في الأمانة حسب نص المادة.

وأضاف د. محمد الملحم أن البند الرابع من المادة الثلاثين من لائحة المجالس البلدية يمنع الأمين أو رئيس البلدية من التمتع برئاسة المجلس. وأتذكر أن المادة الأولى سابقًا نصت على أنه “يجوز” أن يكون الأمين أو رئيس البلدية رئيسًا للمجلس.

كما أن المواد من المادة الثامنة إلى الحادية عشرة تذكر أبرز صلاحياته، وكلها تقريبًا “إبداء الرأي”؛ ولذلك فهي “مهام” أكثر منها “صلاحيات”، ولعل أفضلها هي المادة الثامنة، ومع ذلك فهي ليست أكثر من حدود ما تعده الأمانة من “تقارير”، وهذه عادة محبوكة؛ لأنها تُرفع للوزارة في الأصل.

تعديلات وإضافات لنظام المجالس البلدية الحالي:

حول الإضافات والتعديلات التي تساءل د. عبد الله بن صالح الحمود عن إمكانية إضافتها للنظام الحالي، وبها ترقى المجالس البلدية، ذكر م. سالم المري أن هناك العديد من التعديلات والإضافات التي لو استُشرتُ لاقترحت النظر فيها لمَن سيقوم بمراجعة النظام، وبعضها محل جدل وخلاف، وتمت مناقشته من قبلُ، ولكن التجربة أثبتت أهمية مراجعتها، ومنها:

أولًا: إعادة صياغة المواد التي تُحدِّد صلاحيات المجلس لتكون أكثر وضوحًا، مثلًا: المواد الرابعة والخامسة والسادسة من النظام، والتي تُحدِّد صلاحيات واختصاصات المجلس، بحاجة إلى مراجعة لتكون أكثر وضوحًا وتحديدًا. فمثلا: وردت عبارة “يقرُّ المجلس”، وكان الخلاف حول كلمة يقرُّ، ماذا تعني؟ فهي ليست اعتمادًا، وهناك مجال للالتفاف عليها.

أيضًا؛ جاء في المادة الرابعة: يتولى المجلس إقرار الخطط والبرامج البلدية الآتية، وفي المادة الخامسة: يقر المجلس مشروع ميزانية البلدية…وفق الإجراءات التي تحددها اللائحة، وفي المادة السادسة: يقر المجلس الحساب الختامي للبلدية..وفق الإجراءات التي تحددها اللائحة. واللائحة تكتبها الوزارة، وهناك مَنْ يقول إن الوزارة مرجعية المجالس والبلديات، ولكن الحقيقة أن هذه أيضًا إحدى الإشكاليات التي يلزم معالجتها. فالمجالس مفروضة على البلديات، ومرجعها الحقيقي الملك الذي أمر بها، والشعب الذي انتخبها. وأخلصُ إلى أن عدم وضوح الصياغة المستخدمة في مواد الصلاحيات سهَّل للبلديات الالتفاف على قرارات المجلس، وأفقدها جزميتها وقوتها.

قراءة في تاريخ تأسيس المجالس البلدية بالمملكة:

أشار أ. عبد الله الضويحي إلى أن انتخابات المجالس البلدية ليست وليدة العصر الحديث، حيث تعود بداية المجالس البلدية في المملكة إلى ما يزيد عن تسعة عقود، عندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة 1343هـ / 1924، وأنشأ المجلس البلدي، وقال في خطابه الشهير في 22/5/1343هـ (إنني أريد من الهيئة التي ستجتمع لانتخاب الأشخاص المطلوبين أن يتحروا المصلحة العامة…. إلخ).

وفي نهاية عام 1344هـ، جرت أول انتخابات للمجلس البلدي في مكة المكرمة، ثم في المدينة المنورة، ثم جدة، ثم تبعتها بقية المناطق. وفي عام 1357هـ، صدر نظام الانتخابات العام الذي شمل المجالس البلدية والطوافة والزمازمة.

وفي مدينة الرياض، انتُخب أول مجلس بلدي، وهو الوحيد عام 1384هـ/1964، وجرى تجديده 1387هـ/1967، ثم جرت أول انتخابات في عهد الملك عبد العزيز عام 1938/ 1359هـ.

ثم صدر نظام البلديات والقرى بالمرسوم الملكي رقم 5/م في 21/2/1397هـ، الذي نصَّ في مادته التاسعة على أنه: “يتم اختيار نصف الأعضاء بالانتخاب، ويختار وزير الشؤون البلدية والقروية النصف الآخر من ذوي الكفاءة والأهلية”.

ثم صدر قرار الملك فهد بتكوين مجالس بلدية (نصفها منتخب)، وجرت أول انتخابات بعد هذا القرار في عام 2005 / 1426هـ.

وفي 4/10/1435هـ  صدر نظام المجالس البلدية الجديد، الذي شمل جملة من التحديثات التطويرية للعملية الانتخابية، من أبرزها: رفع نسبة الأعضاء المنتخبين إلى الثلثين، ومشاركة المرأة في الانتخابات كمرشحة أو ناخبة، وخفض سن الناخبين إلى 18 سنة بدلًا من 21.

أسباب عدم وضوح نظام المجالس البلدية لدى البعض:

حول تساؤل د. عبد الله بن صالح الحمود عن الأسباب التي أدت إلى عدم وضوح نظام المجالس البلدية لدى بعض أعضاء المجلس والمواطنين أنفسهم، فهل السبب قصور إعلامي، أم أن المجالس نفسها غير قادرة على إيصال رؤيتها وأهدافها للمستفيدين من خدماتها؟

ترى د. عبير برهمين أن عدم الوضوح هذا له عدة أسباب، منها: إضافة إلى القصور الإعلامي، وعدم قدرة المجالس نفسها على إيصال رؤيتها وأهدافها للمستفيدين؛ أن بعض المواد في اللوائح المنظمة لأعمال المجالس البلدية مبهمة تحتمل أكثر من تفسير، ولا شك أن ضعف ثقافة الترشُّح والانتخاب يلعب دورًا كبيرًا في عدم الفهم هذا.

وذكرت د. ريم الفريان؛ من معرفتي ببعض الأعضاء، كان لعدم وضوح الأدوار وتداخلها بين البلديات والمجلس تأثير سلبي على المنجزات، وعلى ثقة المواطن في المجلس، أيضًا؛ عدم المام المواطن بالدور الحقيقي للمجلس يجعله يعتقد أن المجلس سلطة تنفيذية، ولا أعلم ما إذا كان قد تمَّ حل هذا الموضوع في اللائحة وخطة العمل للمجالس أم لا؟ علقت د.عبير برهمين أنه في أغلب مدن العالم للمجالس البلدية سلطتها التنفيذية، وهو ما يجعل تأثيرها كبيرًا وملموسًا على أرض الواقع، وهو مغاير تمامًا لدور الإقرار والرقابة الذي نقوم به في مجالسنا البلدية؛ وهذا أحد أسباب اتساع الفجوة بين المواطن والمجلس البلدي.

دور المجالس البلدية ومدى فعاليتها:

ذهب د. خالد الرديعان إلى أنه لا يرى أن المجالس البلدية لها دور فاعل حتى يمكن الحكم على ما تقوم به. وأعزو الجهل بدور المجالس البلدية إلى ضعف تواصل المجالس مع الجمهور، وضعف الإعلام في إبراز دورها.

فهمتُ من نظام المجالس البلدية أنها مسؤولة عن التقارير الخاصة بأراضي المنح وتوزيعها وأماكنها، واقتداءً بالتجربة البريطانية ودورها في معالجة مشكلة السكن، أتمنى من المجالس البلدية أن تتولى هذا الملف مباشرة، أي ملف السكن من خلال برنامج شامل على غرار  council houses ( الإسكان البلدي)، بحيث تقوم البلديات ببناء مجمعات سكنية للمحتاجين، كلّ في دائرته؛ بمعنى أن يتولى المجلس الدفع باتجاه منع تقديم منح أراضي، وكبديل يقرون بناء مجمعات سكنية (أبراج – امتداد عمودي) في كل حي، وتقديمها للمحتاجين بعد دراسة أوضاعهم جيدًا، وتقديم السكن لمَنْ يستحق بمعايير موضوعية وشفافة. ويكون هذا البرنامج رديفًا لما تقوم به وزارة الإسكان؛ فمشكلة السكن لا تزال مستفحلة، ولم تتم معالجتها بصورة جذرية.

وتحاول وزارة الإسكان خلق معادلة، بحيث لا يتضرر ملاك العقارات، وألا تهوي أسعار العقارات، وفي الوقت نفسه تودُّ معالجة المشكلة؛ مما جعل جهودها محكومة بما يريده أصحاب المصالح، ومنهم البنوك. وأقترحُ أن تكون هناك جهة تابعة لوزارة الإسكان تقوم بدور حيوي في معالجة مشكلة عدم توفر المساكن للمحتاجين. المجالس البلدية تستطيع أن تضغط في هذا الاتجاه، بأن يكون لها قرار فاعل في مواجهة المشكلة، وإيجاد الحلول لها. وفي حالة عدم القدرة على بناء مجمعات سكنية بسبب عدم توفر أراضي، فيمكن شراء عمارات جاهزة، وتقديم السكن للمحتاجين؛ هذا سينعش سوق العقار، وسيحمي أصحاب العقارات من هبوط الأسعار.

وذكرت د. عبير برهمين أن أحد أدوار المجالس البلدية سابقًا كان مراقبة عملية إجراء القرعة لمنح الأراضي وتوزيعها، وقد توقف هذا الدور بعد إسناد الأمر إلى وزارة الإسكان حاليًا، وتوقف عملية منح الأراضي من قبل الأمانات والبلديات.

بينما يعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أن المجالس البلدية لها دور فاعل وكبير في تطوير الشأن البلدي عامة. من هنا يتضح لنا أن المجالس لم تقم بدورها حسب نظام المجالس.

صلاحيات المجلس:

يعتقد د. حامد الشراري أن نظام المجالس البلدية في سياق الأنظمة الأخرى؛ كنظام مجلس الشورى ونظام المناطق، من حيث الإقرار والاعتماد. وتذكر المواد (التاسعة، والثانية والأربعون، والثالثة والأربعون) من اللائحة إلزام البلدية تنفيذ قرارات المجلس. علق د. خالد الرديعان بأن المواد تقول: “في حدود صلاحياتها وما يتوفر لديها…”، وهذا يعني أن هناك استثناءً يمكن استخدامه لإلغاء قرار المجلس.

كما تساءل د. خالد الرديعان: في حال لم يقر المجلس الحساب الختامي للبلدية، أو وُجد في الحساب خلل أو فساد، فهل يُؤخذ برأي المجلس؟ وهل يعقد المجلس جلسات أسبوعية منتظمة، أم يجتمع الأعضاء والعضوات فقط عندما تدعو الحاجة لذلك بعد أن يتوفر موضوعات للمناقشة؟

أجابت د. عبير برهمين بأن إقرار الحساب الختامي يتمثل في مطابقة المصروفات والإيرادات، والتأكد من صحة الأرقام. أما إثبات الخلل أو الفساد فموضوع آخر. يُضاف إلى ذلك فإنه للمجلس البلدي حق الاعتراض وعدم إقرار الحساب الختامي مع إيضاح أسباب التحفظ، ويتم إعادتها بالملاحظات إلى الأمانة أو البلدية لترد خلال ١٥ يومًا من تاريخ الإحالة، وفي حالة عدم اقتناع المجلس بالتفسير يتم الرد عليها، ورفع الموضوع للوزير للبت في شأنه.

كما أن اجتماعات المجلس العمومية- والتي تضمُّ جميع الأعضاء- تُعقد بصفة دورية منتظمة ومجدولة مرة في الشهر على الأقل، ويمكن عقد اجتماعات طارئة لبحث موضوع أو مواضيع طارئة بعينها في غير المواعيد المجدولة. أما اللجان التخصصية- والتي تحوي عددًا من الأعضاء، وتقوم بعمل محدد، مثل لجنة الصحة العامة والبيئة كما في مجلسنا- فنقوم بالاجتماع كل أسبوعين لمناقشة المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية.

تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين:

ردًا على سؤال د. خالد الرديعان حول كيف يمول المرشح المنتخب حملته؟ وهل يحق له استقبال مبالغ من رجال أعمال، وجهات أخرى محلية؟

أجابت د. عبير برهمين: إن تمويل الحملات الانتخابية يكون ذاتيًّا، ولا يحق له جمع أي تبرعات؛ وإنما يُسمح بوجود راعٍ رسمي للحملة من رجال الأعمال المحليين.

الحملات الانتخابية وإعلان برامج الناخبين:

يعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أنه من المؤسف ألا يحق للمرشح عرض برنامجه في وسائل الإعلام، وهذه تعدُّ سلبية في بنود شروط وضوابط الترشُّح للانتخابات البلدية. وأمر آخر، كيف لي كناخب أن أنتخب مرشحًا دون أن أسمع أو أقرأ عنه، وعن برنامجه الانتخابي؟! في السياق نفسه، تساءل د. خالد الرديعان: على أي أساس يصوت الناس؟ لمَن أصوِّت كناخب؟ وكيف؟ وما الذي يجعلني أفضِّل هذا المرشح وأرفض غيره؟ هل أختارُ المتدين- مثلًا- حتى لو كان غير ملمّ بشؤون البلديات، وتخصصه عقيدة مثلًا؟ حتى في انتخابات الجمعيات العلمية، النظام لا يجيز للمرشح عرض برنامج الانتخابي! ولذلك يتم انتخاب أصحاب الأسماء المعروفة والمشاهير حتى وإن كانوا غير مؤهلين، وأحيانًا على أساس قبلي، وعلى أساس القرابة في انتخابات المجالس البلدية.

وذكرت د. عبير برهمين أن هذا ما حصل في الدورات الثلاث لعمر المجالس البلدية، وهو ما أدى إلى وصول الأشخاص غير المؤهلين إلى المجلس البلدي. ثقافة الترشُّح والانتخاب ضعيفة لدى الشعب على وجه العموم، ومازال الاعتماد على القبيلة وأصوات العائلة والأصدقاء والمعارف هو أساس للتصويت. كما أن بعض اللوائح المنظمة لأعمال المجالس البلدية تحتاج إلى مراجعة شاملة. أضاف د. عبد الله بن صالح الحمود أنه في الدورة التي كانت عام ٢٠٠٥، كان يُسمح بالدعاية عن البرامج الانتخابية في الصحف المحلية.

وفي إجابته عن سؤال د. خالد الرديعان عن وسيلة المـرشح كي يُعرف وتُصوّت الناس له؛ أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أنه يعتقد أن المسموح به حالياً تقنيات التواصل الاجتماعي.

واقترح أ. محمد الدندني أن تكون للمجلس صلاحية الاتصال في اللجنة أو اللجان المختصة في مجلس الشورى؛ لأنه من المفيد أن يطلع مجلس الشورى كُلّ في اختصاصه على ما يدور في مناطق المملكة. إلا أن د. حامد الشراري           ذكر أن عدد المجالس البلدية 284، ولو تحقق هذا الاقتراح فإنه قد يسبب مشكلة لمجلس الشورى وأعماله، وربما من الأولى أن يكون هناك تواصل مع مجلس المناطق، أو عقد اجتماعات معهم لمناقشة القضايا المهمة والملحة، أو ذات الأولوية.

دورات تثقيفية للمرشحين:

اقترح د. حامد الشراري أن يكون من ضمن متطلبات الترشُّح للمجالس البلدية حصول المرشّح على دورة عن المجالس البلدية وأعمالها وأنظمتها ولوائحها. وأعتقدُ أنها فرصة للباحثين وأساتذة الجامعات لعمل دراسة على أعضاء المجالس البلدية الحاليين (عددهم يتجاوز 3000)؛ لمعرفة مدى استيعابهم لنظام المجالس البلدية ولوائحه، لعلهم يخرجون بتوصيات مفيدة في تطوير المجالس البلدية.

وفي رأي أ. محمد الدندني، فإن عدم وجود نتائج ملموسة للمجالس البلدية لا يجعل أحدًا يهتم، والنظرة العامة عن المجالس أنها هيئات بلا أسنان.

بينما يتصور د. حامد الشراري أن التقييم المستمر، وإعطاء الفرصة للباحثين ودعمهم لعمل الدراسات العلمية الرصينة عن المجالس البلدية- هي جزء أصيل في التطوير وتحسين الأعمال. تجربة المملكة مع المجالس البلدية حديثة، وتحتاج وقتًا لتنضج، ونحن في الدورة الثالثة، لكن يُفترض أن يرافقها عمل لتقييم وتحسين أعمالها، ومراجعة الأنظمة واللوائح بصفة مستمرة. وقد يكون مناسبًا أن يكون هناك فريق دائم في الوزارة من الخبراء، ومن بعض أعضاء المجالس البلدية السابقين، مهمته تطوير المجالس البلدية.

بعض إشكاليات المجالس البلدية:

يتصور د. عبد العزيز الحرقان أن المجالس البلدية في حالتها الآن هي مجالس استشارية، وتمثل أهالي المنطقة في التعامل مع الجهات الحكومية ومجلس الشورى، ولكي يكون لها تأثير فعَّال يجب إعادة تنظيم صلاحيات أمراء المناطق، بحيث يشمل وضع ميزانية للمنطقة، وأن يكون لأمير المنطقة صلاحيات تنفيذية على الجهات الحكومية العاملة في منطقته.

وفي رأي م. خالد العثمان، فإن جزءًا من مشكلة المجالس البلدية هو تشكيلها عبر الانتخابات، وكما هو معلوم فإن ثقافة الانتخابات في بلادنا، والمنطقة عمومًا، لا زالت تشوبها تأثيرات عديدة، ليس من بينها الكفاءة. أنا لا أدعو بالطبع إلى إلغاء الانتخابات، لكننا بحاجة إلى شيء من التدرُّج من جهة، ومن جهة أخرى شيء من التنظيم والحوكمة التي لا تفتح الباب على مصراعيه لترشُّح أفراد لا يملكون الحدود الدنيا من التأهيل والكفاءة والقدرة على أداء دور فاعل وإيجابي في المجالس البلدية. وفي ردِّه على تعليق د. عبد العزيز الحرقان بأن الانتخابات لا تنفع بدون صلاحيات، ذكر م. خالد العثمان أنه في المقابل، كيف أمنح الصلاحيات لمَن هم لا يحققون معايير الكفاءة المطلوبة؟!

من جانبه، أشار د. حامد الشراري أن البلديات لها ميزانيات سنوية، وأعتقدُ أن هناك تخوفًا من إعطاء أعضاء المجلس الصلاحية في إدارتها؛ لأن غالب أعضاء المجالس البلدية أقل كفاءة في إدارتها وحسن تصريفها.

أضاف م. خالد العثمان؛ حضرت سابقًا بعض النقاشات لمراجعات بعض المشاريع بحضور مسؤولي الأمانة والمجلس البلدي في إحدى المدن الرئيسة، وقد صدمني جدًّا مستوى الأداء والقدرات الفنية والمعرفية لدى معظم أعضاء المجلس للحكم على مثل تلك المشاريع. وفي النتيجة تعطل المشروع بالرغم من أهميته للمنطقة، لمجرد تباين وجهات النظر حول الطراز المعماري للمشروع بين أعضاء المجلس.

شهادات ومتطلبات علمية للمرشحين:

أشار د. خالد الرديعان إلى أنه يفترض أن يكون هناك متطلبات علمية للمرشَّح للمجلس البلدي؛ كمستوى تعليمه، وتخصصه، طالما أن العمل في المجلس البلدي “فني” إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال: ماذا يفعل داعية إسلامي في مجلس بلدي، وهو لا يعرف عن الهندسة والمشاريع، والأمور المالية، وهندسة الطرق والكباري؟ اتفقت معه د. عبير برهمين في ذلك، وأضافت: كنتُ قد طرحتُ هذه التوصية في استفتاء عام لأعضاء المجالس البلدية عن اللوائح المنظمة لأعمال المجالس البلدية، وترى ضرورة رفع المؤهل العلمي المطلوب للترشح إلى درجة البكالوريوس كحد أدنى بدلا عن الثانوية العامة.

وهناك نقطة مهمة جدًّا أثرناها في إحدى الورش، وقد سألت بنفسي أمين عام المجالس البلدية بالوزارة عن” ما هي آلية تقييم أداء أعضاء المجلس البلدي؟” وكانت الإجابة أن التقييم مجمل للمجلس دون الأعضاء، وأعتقدُ أننا سنجد في كل مجلس عددًا محدودًا جدًّا يعمل بفعالية للصالح العام، والغالبية يعمل لمصلحته الشخصية والوجاهة المجتمعية، دونما أدنى إحساس بالمسؤولية. أقولها عن تجربة شخصية، وأستطيع تسمية الأشخاص الفاعلين وغير الفاعلين.

بينما أ. محمد الدندني لا يعتقد أن الشهادات معيار، فكم من أصحاب شهادات عليا لا يحسنون عملهم! كما أن وضع معايير صعب، ولا يدل على أصالة الإنسان في حبه للخدمة العامة. وأرى أن الطريقة التي ممكن أن تُظهِر قدرات المرشح هي عرض برنامجه، ومحاولة تقدير فهمه للمهمة التي سيترشح لها. كذلك يجب أن يكون لديه المقدرة على العمل الخدمي. ومع برنامجه يجب نشر سيرته الذاتية، وخبراته، بالإضافة إلى سيرته الاجتماعية.

ومع اتفاق د. عبير برهمين في أن البرنامج الانتخابي هو الفيصل، إلا أنها ترى أنه يجب ألا ننسى أن هناك شركات متخصصة تقوم بصياغة البرامج الانتخابية، وتسويقها، وغيرها؛ ولذلك ينبغى أن يكون هناك معايير للاختيار، وبعد الانضمام للمجالس يجب أن يكون هناك تقييم للأداء.

ماذا نريد من المجلس البلدي؟

ذهب د. خالد الرديعان إلى أنه يريد من المجلس البلدي مراقبة أداء الأجهزة الحكومية الأخرى، التي يرى المواطن تقاعسها عن خدمته. أن يضغط باتجاه سعودة بعض المهن التي يمكن للسعودي ممارستها. أريد من المجلس البلدي المساهمة في التخفيف من مشكلة السكن، وإيجاد حلول عملية لها. أن تكون له رؤية ودور فاعل في معالجة مشكلة البطالة. أن يراقب أداء البلديات في نظافة الأحياء، ورصف شوارعها، وإصلاح أرصفتها، وردم الحفر في الشوارع التي تسبب تلف المركبات. أن يلتفت إلى مشكلة المدارس المستأجرة داخل الأحياء، وأن يكون شريكًا لوزارة التعليم في معالجة هذه المشكلة. أن يراقب التعديات على الأراضي والأملاك العامة، ويحدُّ من هذه المشكلة حال وجودها. أن يسهم في رفع وعي المواطن بأهمية حماية المرافق العامة وممتلكات الدولة. أن يفكر أعضاؤه وعضواته في قضية الشراكة المجتمعية في أمن الأحياء، من خلال استقطاب أعضاء في المجتمع للقيام بهذه المهمة، ومساعدة الجهات الأمنية. المساهمة في حفظ البيئة وحمايتها داخل نطاق المدينة والقرية وخارجهما. وكذلك أريد أن أرى community centre في كلٍّ حي يشرف عليه المجلس البلدي للنشاطات الاجتماعية، والتوعوية، والصحية، ومناسبات السكان؛ كالحفلات ومراسم العزاء والزواج، والاجتماعات التي تخصُّ الحي. بالإضافة إلى أنني أريدُ من المجلس البلدي أن يتسم أعضاؤه وعضواته بالنزاهة والنشاط، وهم الصالح العام والعمل يدًا بيد مع المواطن والدولة.

          وأضاف د. حميد المزروع أن نجاح المجلس البلدي يعتمد على أربعة عناصر أساسية؛ هي:

١ – الصلاحيات.

٢- التمكين.

٣- التمويل.

٤- المتابعة وقياس الأداء بشكل سنوي.

آراء بعض مسؤولي المجالس البلدية:

أشار د. حامد الشراري إلى أنه قام باستقصاء آراء بعض مسؤولي المجالس البلدية، وكانت آراؤهم كالتالي:

أولًا: يرى أحد أعضاء المجلس البلدي أنه من الملاحظ في الدورات الثلاث للمجالس البلدية، أنَّ هناك ضعفًا في تحقيق الأهداف، وعدم رضا في تحقيق تطلعات واحتياجات الأهالي والمحافظات.

– بتحليل هذه الملاحظة، يتضح أمران:

١- قد يكون هناك ضعف معرفي وثقافي في الأعضاء أنفسهم، وعدم إلمامهم بالشؤون التي تتعلق بأمور البلديات من جانب اللوائح والتشريعات والأنظمة والقوانين التي تتعلق بالمشاريع، والتطوير، والتأهيل هندسيًّا وإداريًّا وماليًّا؛ لذلك من الأفضل أن يكون هناك ضوابط لقبول مرشحي الانتخابات للمجالس البلدية ( minimum requirements)، ولا يُقبل أي مُرشح لا يحمل أقلَّ من هذه المؤهلات. وبالتالي تكون دينا ميكانيكية الأعضاء متجانسة، ولغة الحوار بينهم مفهومة وهادفة.

٢- هناك تصادم وعدم انسجام (غير مرئي) بين أعضاء المجالس والأمناء رؤساء البلديات. هذه الملاحظة نتج عنها عدم قبول أو تنفيذ قرارات المجالس وتوصياتهم، أو على أقل تقدير دراستها والنظر فيها؛ لذلك من الأفضل أن يكون هناك ضوابط وصلاحيات للمجلس البلدي في عملية تعيين رؤساء البلديات، والتجديد لهم.

ثانيًا: ذهب أحد رؤساء المجالس البلدية إلى ملاحظة الآتي:

١- عدم وجود قرار ملزم للبلدية بشكل قاطع من المجلس البلدي.

٢- عدم إعطاء المجلس الأحقية في اختيار المقاولين، والمشاركة النظامية في ترسية المشاريع.

٣- عدم وضع آلية جيدة لاختيار الأعضاء، والمعتمدة على الانتخاب؛ لذلك لابد من إضافة شروط تتمثل في إلزام المتقدم بإرسال سيرته الذاتية، وكذلك عمل مقابلة شخصية، وبعد ذلك يُجاز للدخول في الترشُّح لعضوية المجالس أو لا يُجاز.

٤- مزاجية بعض رؤساء البلديات في التعامل مع المجلس؛ حيث يعتمد تنفيذ بعض المشاريع وتنفيذ قرارات المجلس وتوصياته على العلاقة بين رئيس البلدية ورئيس المجلس، أو أعضاء المجلس.

ثالثًا: ذهب أحد رؤساء المجالس البلدية إلى ملاحظة الآتي:

١- ضعف الميزانية.

٢- عدم تفعيل معظم قرارت المجالس.

٣- ضعف الصلاحيات.

٤- عدم إعطاء ورش عمل تثقيفية للأعضاء الجدد.

رابعًا: ذكر أحد أعضاء المجالس البلدية أنه يلاحظ:

١- البطء في تنفيذ قرارات المجلس من قِبل البلدية.

٢- وجود فجوة  بين أعضاء المجلس وموظفي البلدية جميعًا.

خامسًا: أحد أعضاء المجالس البلدية يرى ضرورة:

١- أن تكون من صلاحيات المجلس اختيار مشروعين واعتمادهما خلال فترته بميزانية لها حد أعلى، ومختصة في المجال الخدمي؛ منعًا للازدواجية في أعمال دورات المجالس.

٢- تبني الوزارة لدورات مكثفة خلال الشهر الأول، تُعنى بشرح آلية المجالس للأعضاء في جميع أنحاء المملكة، وأهم أعمالها كسبًا للوقت والجهد.

٣- تبني المركز الوطني للقياس عمل اختبار لكل مَنْ أراد التقدم لعضوية المجالس في السنتين الأخيرتين من كل دورة، بحيث يكون اختبارًا واحدًا أو اثنين في كل سنة.

٤- جعل الشهادة الجامعية كحد أدنى شرط قبول للمترشح.

٥- دمج المجالس المحلية مع المجالس البلدية، بحيث تكون مجلسًا واحدًا؛ منعًا للازدواجية، حيث إن كل أعمالها متقاربة.

٦- تحديد أيام دوام رسمي للمترشحين، حد أدنى يومان في الشهر، لترتيب الأعمال لكل عضو.

سادسًا، وأخيرًا: حدد أحد رؤساء المجالس البلدية ملاحظاته في الآتي:

أ- فيما يتعلق بتكوين المجلس:

١- مؤهلات عضوية المجلس من الثانوية فما فوق؛ ومن خلال التجربة لعامين ونصف، أرى أن يُغيَّر ليكون الحد الأدنى البكالوريوس على الأقل، فهي تمثل عائقًا واضح الأثر في كل جلسة وكل نقاش.

٢- شرط الخبرة العملية في أي مجال، لابد أن يكون على الأقل خمس سنوات.

٣- ألا يقل عمر العضو عن 25 سنة عند الترشُّح.

٤- ألا يُقبل ترشيح أي مرشح لمرة ثالثة، سواء متتالية أو متفرقة، مهما كان الفرق بين الفترتين الأوليين والثالثة.

ب- النواحي التنظيمية:

١- المجلس البلدي له ميزانية مستقلة؛ ولكن الملاحظ أن قرار الصرف يتضمن رئيس البلدية. كما أن مدير المالية لا يقوم بالصرف إلا في حال توقيع رئيس البلدية، وهو ما يعني عدم استقلالية المجلس بشكل تام، بل يظل رأي رئيس البلدية هو المؤثر حتى لو تضمنت اللائحة الجديدة استقلالية المجلس، رغم أن رئيس البلدية عضو مجلس بلدي معيّن.

٢- التدريب لأعضاء المجالس البلدية ضعيفٌ جدًّا، وغير مقبول، فهو لا يتناسب وطموحات وتطلعات المجالس البلدية. كما أن أعضاء المجالس البلدية، وبسبب ندرة حصولهم على دورات تأهيلية، عندهم رؤية ضبابية فيما يخصُّ صلاحياتهم وما يحق لهم مناقشته من عدمه، بل إنهم قد يناقشون صلاحيات وزارات أخرى؛ كوزارة النقل، ووزارة الزراعة والمياه.

3- التدريب المتاح لنسبة 25 % من الأعضاء خارج حدود المجلس البلدي خلال العام، أي عندما يزداد عدد الأعضاء المدربين تكون مدة دورة المجلس قد تآكلت، وعندما يكتمل التدريب تكون مدة دورة المجلس البلدي قد انتهت. فالتدريب بوضعه الحالي، قد نجزم أنه عديم الفائدة.

4- قدرات الأعضاء بوضعها الحالي متفاوتة؛ إما حسب المؤهل، أو التخصص، أو العمر، أو القدرة الاستيعابية، فمن غير المنطقي أن يكون التدريب محدد العدد خلال العام.

5- مشاركة الأعضاء في المؤتمرات والدورات تتم حاليًّا بعقد جلسة، ويقر الأعضاء من يشارك فيها، ومع اتفاقي مع هذا الإجراء، إلا أن الشيء غير الجيد هو أن رئيس المجلس لابد أن يأخذ موافقة الأمانة العامة للمجالس البلدية التي تأخذ وقتًا غير مقبول في الرد؛ وعند الرد تكون الدورة أو المؤتمر قد بدأ؛ مما يعطي انطباعًا لرؤساء المجالس البلدية أن هناك عدم جدية في دراسة طلبهم.

6- الانتدابات التي يقوم بها الأعضاء والتي تستدعيها الحاجة، تتم من خلال موافقة كل الأعضاء بعد جلسة وتوقيع رئيس المجلس؛ إلا أن رئيس المجلس وهو رئيس الوفد المنتدب لابد له من موافقة من أمين المجالس البلدية؛ مما يعني توقفه أو تأخرها وتأخر الفائدة المرجوة منها.

7- المجلس وُضعت له ميزانية، وتم تقييدها بشكل شبه يمنع الصرف منها إلا على الانتدابات إن وجدت، والدورات، أو بشروط لا تتوفر في المراكز الانتخابية في المدن الصغرى.

ج- الفترة الزمنية:

هذه الفترة مضى عليها عامان بدون ميزانية للبلديات، والتي كان من الممكن القيام من خلالها بمشاريع تحقق الفائدة من المجالس البلدية في دورتها الثالثة؛ بل إنه حتى تنزل الميزانية للعام الحالي، وترسى المشاريع نكون أكملنا أكثر من عامين ونصف بدون أي إنجاز.

التوصيات:

– أن يتم  التأكيد على اختيار الأعضاء الأكفاء، والاهتمام بالدراسات والأبحاث التي تمت في الجامعات والمراكز السعودية.

– التأكيد على المجالس البلدية في المناطق أن تشمل  مراقبتها الخدمات الموجهة لكافة فئات المجتمع، بما في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة، وكبار السن.

– على أعضاء المجالس البلدية أن يتسم عملهم بالحيوية والتحرُّك  الميداني الدائم  لمراقبة تقديم الخدمات من قِبل الجهات الحكومية وغيرها، بعيدًا عن البيروقراطية، والجمود، والتسمُّر في المكاتب، وقراءة التقارير فقط.

– يُقترح منح المزيد من الصلاحيات للمجالس البلدية، على أن يكون بعضٌ من هذه الصلاحيات تنفيذيةً، وملزمةً للأمانات والبلديات في المحافظات.

– يُقترح أن تعقد المجالس البلدية اجتماعات ربع سنوية، يحضرها سكان الأحياء التابعة لكل مجلس بلدي.

– يُفترض أن يكون للناخب حقُّ مساءلة عضو المجلس الذي لم ينفذ برنامجه الانتخابي كله أو جزءا منه؛ لتبيان أسباب عدم التنفيذ إن وجدت، والسعي إلى ما يخدم مسيرة المجلس البلدي.

– يُقترح أن يُحدّد لكل عضو مجلس بلدي يومٌ في الأسبوع لمقابلة ساكني الحي؛ لمعرفة احتياجاتهم وملاحظاتهم البلدية.

– يُقترح تفرُّغ عضو المجلس البلدي لمهام العضوية، خصوصًا مَن هو مرتبط بوظيفة رسمية، حكومية كانت أو خاصة.

– يُقترح أن يكون لدى سكان الأحياء التابعة لكل مجلس بلدي معلومات عن الخطط والمشاريع المستقبلية للأحياء.

 –  يُقترح تأسيس قنوات إعلامية تفاعلية من خلال شبكات التواصل الاجتماعية الإلكترونية؛ بهدف التواصل المباشر مع ساكني الأحياء، فضلًا عن نشر الخدمات والمنتجات التي تضطلع بها  المجالس، من خلال الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة.

– يُقترح دمج المجالس المحلية بالمجالس البلدية؛ نظرًا لتشابه المهام.

– يُقترح قيام وزارة الشؤون البلدية والقروية بعقد دورات تدريبية نوعية لأعضاء المجالس البلدية، تختصُّ بالمهام الرئيسة للأعضاء.

– السعي نحو إيجاد ضوابط وآليات تجسّر الفجوة بين أعضاء المجالس البلدية ومسؤولي الأمانات والبلديات.

– يُقترح مراجعة نظام المجالس البلدية ولوائحه، والسعي نحو تعديل ما يمكن تعديله، وإضافة ما يمكن إضافته، وبما يتفق والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية.

الملخص التنفيذي:

القضية: (المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية).

رغم تعدد واختلاف الكتابات التي تناولت المجالس البلدية ودورها في التنمية المحلية، إلا أن هناك نقاطًا مشتركة يُجمع عليها جلُّ مفكري التنمية المحلية، وهي أن الهدف الرئيس للمجالس البلدية هو تطوير المجتمعات المحلية؛ وفي هذا الإطار لا يمكن إغفال الجهود الذاتية المتمثلة في المشاركة الشعبية إلى جانب الجهود الحكومية من أجل تحقيق التنمية المحلية. كما أن القاعدة الأساسية لنجاح هذه المجالس في التنمية المحلية تكون بالمشاركة، فنجاح تجربة أي دولة في النمو يرجع إلى اعتمادها على مواردها المحلية، وأثمن هذه الموارد هو العنصر البشري.

تناولت الورقة الرئيسة دور المجالس البلدية السعودية بصورة مختصرة عبر عدة محاور عرضت: نبذة مختصرة عن تاريخ المجالس البلدية، ومهام ونطاق صلاحيات المجالس البلدية، والتحديات وسقف توقعات المواطنين، وأخيرًا بعض الاقتراحات لتحسين دور المجالس البلدية. وتوصلت إلى أن أهم التحديات التي تواجه المجالس البلدية، هي: عدم فهم مدى صلاحيات ومهام المجلس البلدي، وتداخل بعض الصلاحيات بين أكثر من وزارة وجهة، وعدم وضوح حدود صلاحيات كل جهة، بالإضافة إلى محدودية الصلاحيات للمجالس البلدية، وكثرة الضوابط المنظمة.

وذهبت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة إلى أن المجالس البلدية السعودية تجربة رائدة حظيت بدعم الدولة ورعايتها، ومع ذلك يشوب عملها بعض القصور الناتج عن عوامل مختلفة، ليس للعديد منها علاقة مباشرة بالمجالس نفسها. ومن الأسباب المهمة لقصور أداء المجالس: عدم تعوُّد المجتمع وقواه الفاعلة على مثل هذه التجربة، وقصور الأجهزة الأخرى في الدولة وتخلُّفها عن تجربة المجالس البلدية.

وأكدت التعقيبات على أن المجالس البلدية في الفترة الماضية لم تستطع أن تكسب ثقــة المواطن ومتخذ القرار من ناحية الإنجاز، وأن تقوم بدور تنموي يبرهن على فعاليتها ويحقق الفائدة المرجوة. كما أن كسب الثقة لا يأتي إلا بالإنجازات على أرض الواقع، بحيث يستطيع أن يراها المواطن، ويستفيد منها في أمور حياته.

وأشارت المداخلات التي جرت على هذه الورقة إلى أن عدم وضوح نظام المجالس البلدية لدى بعض أعضاء المجلس والمواطنين أنفسهم له عدة أسباب، منها: إضافة إلى القصور الإعلامي، وعدم قدرة المجالس نفسها على إيصال رؤيتها وأهدافها للمستفيدين؛ أن بعض المواد في اللوائح المنظمة لأعمال المجالس البلدية مبهمة تحتمل أكثر من تفسير، ولا شك أن ضعف ثقافة الترشُّح والانتخاب يلعب دورًا كبيرًا في عدم الفهم هذا.

وذهب المناقشون إلى أن المجالس البلدية لها دور فاعل وكبير في تطوير الشأن البلدي عامة، ومن هنا يتضح لنا أن المجالس لم تقم بدورها حسب نظام المجالس. كما أن من أهم إشكالياتها هو تشكيلها عبر الانتخابات، وكما هو معلوم فإن ثقافة الانتخابات في بلادنا، والمنطقة عمومًا، لا زالت تشوبها تأثيرات عديدة، ليس من بينها الكفاءة.

وأضاف المناقشون أن المجالس البلدية في حالتها الآن هي مجالس استشارية، وتمثل أهالي المنطقة في التعامل مع الجهات الحكومية ومجلس الشورى، ولكي يكون لها تأثير فعَّال، يجب إعادة تنظيم صلاحيات أمراء المناطق، بحيث يشمل وضع ميزانية للمنطقة، وأن يكون لأمير المنطقة صلاحيات تنفيذية على الجهات الحكومية العاملة في منطقته.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: أن يتم  التأكيد على اختيار الأعضاء الأكفاء، والاهتمام بالدراسات والأبحاث التي تمت في الجامعات والمراكز السعودية. التأكيد على المجالس البلدية في المناطق أن تشمل مراقبتها الخدمات الموجهة لكافة فئات المجتمع. منح المزيد من الصلاحيات للمجالس البلدية، على أن يكون بعضٌ من هذه الصلاحيات تنفيذيةً وملزمةً للأمانات والبلديات في المحافظات. أن تعقد المجالس البلدية اجتماعات ربع سنوية، يحضرها سكان الأحياء التابعة لكل مجلس بلدي. أن يكون للناخب حق مساءلة عضو المجلس الذي لم ينفذ برنامجه الانتخابي كله أو جزءًا منه. أن يكون لدى سكان الأحياء التابعة لكل مجلس بلدي معلومات عن الخطط والمشاريع المستقبلية للأحياء. وكذلك دمج المجالس المحلية بالمجالس البلدية، نظرًا لتشابه المهام. بالإضافة إلى مراجعة نظام المجالس البلدية ولوائحه، والسعي نحو تعديل ما يمكن تعديله، وإضافة ما يمكن إضافته، وبما يتفق والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية.


القضية الرابعة:

الورقة الرئيسة: نيوم: وجهة المستقبل

  • الكاتب: د. إحسان بوحليقة.
  • المعقبان:

م. أسامة كردي.

أ. محمد الدندني.

  • ­­­­­­­­­­­­­­إدارة الحوار: أ. عبد الله الضويحي.

مقدمة

يندرج مشروع نيوم ضمن رؤية المملكة 2030 من أجل تحويل السعودية إلى نموذج رائد عالميًّا في كل المجالات، عبر التركيز على جذب سلاسل القيمة في التقنية والصناعات داخل هذا المشروع. وقد ذكر الأمير محمد بن سلمان خلال الإعلان عن المشروع أنه سيتم التركيز على تسعة قطاعات استثمارية متخصصة في منطقة “نيوم” من أجل مستقبل الحضارة الإنسانية، وهي: مستقبل الترفيه، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل التنقل، ومستقبل الطاقة والمياه، إضافة إلى مستقبل المعيشة، والذي يمثل أهم ركيزة لبقية المجالات؛ من أجل تحفيز التنوُّع الاقتصادي والنمو، وتحريك الصناعة المحلية عالميًّا، وتمكين عمليات التصنيع. كما سيساهم مشروع نيوم في إيجاد وظائف جديدة، والمساهمة في الرفع من إجمالي الناتج المحلي في المملكة. وكذلك سيعمل المشروع على جذب الشراكات والاستثمارات الحكومية والاستثمارات الخاصة، إضافة إلى أن دعم المشروع سيكون من طرف صندوق الاستثمارات العامة بقيمة 500 مليار دولار، إضافة إلى مستثمرين من داخل المملكة وخارجها. لذا كانت قضية ” نيوم: وجهة  المستقبل” من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمها د. إحسان بوحليقة، وتمَّ التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (نيوم وتحدي الوقت، دور الإعلام في متابعة مشروع نيوم، القطاع الخاص والمستثمر السعودي في مشروع نيوم، موقف مصر والأردن وإسرائيل من المشروع، أفكار ومواهب جديدة لمشروع نيوم، مشروع نيوم في عيون الإعلام، القطاعات الاستثمارية لمشروع نيوم، تأثيرات محتملة لمشروع نيوم على رجال الأعمال والمستثمرين المحليين، المدن الاقتصادية وتجارب ليست ناجحة، تحديات كبرى أمام مشروع نيوم، الإنفاق والاستثمار الوطني في مشروع نيوم، نيوم مشروع صناعي أولًا، مشروع نيوم وحوافز الاستثمار الأجنبي، جسر الملك سلمان كداعم لمشروع نيوم، أفكار حول (مدينة عصر المستقبل- نيوم)، مقترحات ورؤى لمشروع نيوم). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبها الدكتور/ إحسان بوحليقة، وعقَّب عليها المهندس/ أسامة كردي، والأستاذ/ محمد الدندني.

كتب د.إحسان علي بوحليقة في ورقته الرئيسة عن (نيوم: وجهة  المستقبل):

أولًا: تحقيق الرؤية:

ظهرت على مدى نصف قرن خطط خمسية متتالية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل. أما ما جلبتهُ “رؤية السعودية 2030” فأمرٌ كانَ مفقودًا؛ فقد حددت خط نهاية (finish line) زمني لتحقيق “التنوُّع الاقتصادي”، بما يفصح عن مرتكز جوهري، هو الإدراك التام أن الخطط لا تُتحقق من تلقاء ذاتها؛ ولذا تَبِع الإعلان عن الرؤية إطلاق برامج لتحقيق الرؤية؛ أي لجعل “الرؤية السعودية 2030” حقيقة ملموسة على أرض الواقع، وذلك من خلال إنجاز مجموعة أهداف كمية قابلة للقياس.

ومن حيث أهداف الرؤية، فقد راقَ لي ما قاله وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، المُجَرب والمحنك- في نيويورك في الجلسة الافتتاحية للقمة السعودية-الأمريكية للتنفيذيين بداية هذا العام 2018، التي عُقدت قبل أسابيع قليلة ضمن الفعاليات المتزامنة مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان-: إن رؤية السعودية 2030، وما سيجلبه التحوُّل للاقتصاد السعودي يُحتمل أن يكون له أثر على المملكة يتجاوز أثر اكتشاف النفط قبل ثمانين عامًا. وأضاف: “لدى السعوديين فرصة كبيرة للنجاح.”

وراق لي كذلك ما أوضحه الوزير روس أن ما يشجعه أكثر من الخطط الكبيرة، هو نظامٌ تفصيلي للمؤشرات لقياس الإنجاز، عندما قال: “ذلك المستوى من الدقة الذي يسعون من خلاله إلى إدارة التحوُّل الهائل في وطنهم”. وبالفعل، فليس محل جدل أن العبرة بالإنجاز، وليس من شك أن هذا كان هو الهاجس منذ إطلاق وثيقة الرؤية 2030، بل حتى قبل ذلك عندما استبق إطلاقها إطلاق برنامج التحوُّل الوطني. والآن، فقد أصبح واضحًا أن منظومة برامج تحقيق الرؤية هي بمثابة “المحركات” التي تحوِّل الرؤية من “تطلُّع” إلى “حقيقة”.

ولبيان الآلية، لنأخذ- مثلًا- برنامج تحقيق التوازن المالي، وهو برنامج يستهدف تحقيق الخزانة العامة للدولة، للتوازن بين نفقات الدولة وإيراداتها بحلول العام 2020، ثم عُدِّل مداه إلى 2030. وعند التمعن في وثيقة برنامج التوازن المالي، نجد أنها وضعت هيكلية للسياسة المالية تقوم على تنويع إيرادات الخزانة العامة، وقد بدا هذا الأمر جليًّا في هيكلة إيرادات ميزانية العام المالي الحالي (2018)، لتصبح: 50 في المئة إيرادات نفطية، 30 في المئة إيرادات غير نفطية، و20 في المئة إيرادات من بيع أدوات دَين. والأمر ذو الصلة في هذا السياق، أن وزارة المالية، وهي الجهة القائمة على تنفيذ هذا البرنامج، تُعلن بوتيرة منتظمة (ربع سنوية) من خلال معايير أداء محددة، عما تحقق لإنجاز البرنامج.

وهكذا؛ فمهمٌ أن تحذو كافة برامج تحقيق الرؤية ذات النهج، بالإعلان عن نتائج الإنجاز بوتيرة ربع سنوية، ومن الملائم كذلك أن يُعلن مكتب تحقيق الرؤية عما أنجزته البرامج مجتمعةً بوتيرة ربع سنوية، بمعنى أن تصدر وثيقة مُجَمعة لما أنجزته برامج تحقيق الرؤية كافة، تضاهي المتحقق بالمخطط له؛ ليبين أين نحن من تحقيق المستهدف عند “خط النهاية” في العام 2030.

ولابد من بيان أننا لسنا في معركة تنافس ذهني لإنتاج أفضل طريقة لقياس المؤشرات، بل هي وسيلة، أما الغاية فهي أن نعرف ما الذي أنجزناه لتحقيق الرؤية، وجعلها حقيقة واقعة تغير حياتنا إلى الأفضل، وتزرع الرفاه، وتنثر الوظائف والأجور المجزية، ومعها ثلة متكاملة من الخدمات عالية المستوى في الصحة، والتعليم، وجودة الحياة.

ثانيًا: “نيوم” أرض تحقيق الحلم:

أحد مستهدفات الرؤية جذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة بوتيرة عالية، تصل إلى 140 مليار ريال سنويًّا. لكن كيف، وتدفق تلك الاستثمارات حاليًّا يعاني من وهنٍ ظاهر؟ كما نعلم، يعمل صندوق الاستثمارات العامة لتحقيق أحد برامج الرؤية؛ ولذا فقد نظم مؤتمرًا عالميًّا في نهاية العام 2017، وبرزت مشاركة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جلسة المؤتمر عقب ظهر اليوم الأول من انعقاده، حاملةً جملة مبادرات، أتناول فيما يلي جوانبً للاقتصادي منها، طلبًا للتحديد:

1. تأكيد الالتزام بتعاليم الإسلام السمحة كنهج وتوجُّه، بما يعني ذلك من انفتاح على العالم، وتقبُّل للآخر.

2. الإصرار على تنفيذ الرؤية 2030 التي أُعلِن عنها العام الماضي، وأنها خارطة الطريق التي ستُتبع.

3. توجه واضح وجريء وبلا تردد لاستخراج القوة الاستثمارية الكامنة في جوف الاقتصاد السعودي، من خلال استظهار “المزايا النسبية” التي لم تستغل ولم يُنظر لها من قبلُ؛ ودلالة على ذلك اختيار جزء عزيز من أرض المملكة العربية السعودية، لكنه ناءٍ وخالٍ تقريبًا من أي تنمية، ليكون مرتكزًا، بل رأس حربة لتحقيق تنويع الاقتصاد الوطني (نيوم).

4. استخراج قوة الاستثمار- أحد مرتكزات “الرؤية السعودية 2030”- عمليًّا عبر استقطاب كبار المستثمرين العالميين للرياض، وتوقيع التفاهمات معهم، وإعلانهم مِن على منصة مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار عن توجههم للاستثمارات في السعودية، ومنهم مَن تحدث تحديدًا عن الاستثمار في “مشروع نيوم” بدون أية مواربة، فقد ذكر السيد دميترييف في تصريحات من الرياض نقلتها وكالة الأنباء الروسية، وهو رئيس جهاز روسيا للاستثمار المباشر، عَزْم الصندوق استثمار 7 مليارات دولار في “مشروع نيوم”، وأضاف السيد دميترييف أنه يُخطِّط لجذب الشركات الروسية الرائدة العاملة في مجالات الطاقة الشمسية، والصحة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والنقل فائق السرعة، وبناء البنية التحتية للموانئ.

5. تأكيد التوجه نحو شباب الوطن، باعتباره ينبوع قوته وعنفوانه ومستودع مستقبله، وأن هدف الرؤية الذهاب للمستقبل.

6. الإعلان عن المشروع الحُلم، مشروع نيوم، باعتباره مشروعًا للحالمين، بل والمصرين على تخطي تحدي الوقت لتحقيق حلمهم.

7. بيان أن التنمية الاجتماعية وتوليد القيمة الاقتصادية لن ينحصر في مناطق معدودة من مناطق المملكة، فكما أن منطقة تبوك ستحتضن مشروع البحر الأحمر ونيوم، فبقية المناطق الأخرى ستحظى بمشروع واحد من الوزن الثقيل، على أقل تقدير.

8. الإعلان في الوقت ذاته واللحظة عن تعيين رئيس لتنفيذ مشروع نيوم، بما يبين أن فترة الحُلم قد اكتملت، وبدأت بالفعل مرحلة تنفيذ الحُلم. وأننا أمام تحدٍ لابد أن نتجاوزه، وهو تحدي الوقت، أي تنفيذ المشروع في أقل عدد ممكن من السنوات، مع الأخذ في الاعتبار أن مشروع نيوم سيأخذ سنوات.

سأكتفي بهذه النقاط الثماني لأقول: إن تنفيذ الحلم بدأ مباشرة، إذ يبدو أن شغف سمو الأمير بالمشروع قد انتقل ليس فقط للسيد ماسايوشي سون رئيس سوفت بنك، الذي تحدَّث مطولًا عن توظيف تقنيات الروبوت والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لصالح مشروع نيوم، إذ إن رئيس جهاز روسيا للاستثمار المباشر، الذي أوضح أن الاستثمارات الروسية في “مشروع نيوم” لن تنحصر في المجالات آنفة الذكر فحسب، بل ستتعداها – حسب تعبيره- لتطال قطاع الزراعة من خلال جعل “نيوم” مركزًا لتصدير المنتجات الزراعية الروسية إلى الشرق الأوسط. أقول: في هذه النقطة التفصيلية الاستطرادية، إن تعزيزًا مهمًا للأمن الغذائي للمملكة يتحقق، فقد سبق أن اتجه التفكير لشراء أراضٍ في الخارج، وجلب محاصيلها للأراضي السعودية، وها نحن أمام وضع جديد صنعه مشروع نيوم، بأن أعلن الروس جلب محاصيلهم إلى الأراضي السعودية لتصبح نقطة توزيع لها في الشرق الأوسط. تجدر الإشارة أن روسيا هي أهم منتجي القمح في العالم، بحصة 12%. وانطلاقًا من هذه النقطة التفصيلية الاستطرادية، أطلق العنان لخيالك، ما الذي يمكن أن تفعله أنت لتحقيق “مشروع نيوم”؟ لماذا السؤال؟ السؤال هو الضرورة الملحة لما نفقده حتى نتحول لاقتصاد يولد القيمة، نحن بحاجة إلى الإبداع كعنصر أساس لتحقيق نيوم.

ثالثًا: هل نستطيع؟

قبل أقل من نصف عام، سمعنا أول مرة عن مدينة “نيوم”، وسمعنا عنها مجددًا أثناء زيارة سمو ولي العهد لجمهورية مصر العربية، في سياق إنشاء مدينة رديفة على الجانب المصري، وفي ذات الامتداد الجغرافي. ولعل التحدي الكبير لتأسيس “نيوم” يكمن في الشراكات الاستراتيجية التي ستُعقد مع الشركات والصناديق الاستثمارية في الدول المتقدمة، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لسبب سوى العمق التقني، والفطنة المالية للمشاريع المستقبلية. بوسع أحد أن يذكر التحديات والمعوقات التي تواجه مشروع حالم في “نيوم”، لكن علينا أن نتذكر أن بقعةً ضخمة لحاضرةٍ ثلاثية المدن لم تكن موجودة تقريبًا عند توقيع اتفاقية العقير، وها هي حاضرة الدمام- الظهران- الخبر قائمة، ولو تحدث أحدٌ عنها في بداية الثلاثينيات لقيل إنه يحلم. لكنها غدت واقعًا الآن، فهي الحاضرة الثالثة من حيث تعداد السكان في المملكة، ونجحت في استقطاب القاطنين من كل بقع المملكة، فأصبحت “بوتقةً” لنا جميعًا، ينصهر فيها المواطنون من كل جنبات البلاد. السؤال، ودون الاستخفاف بضخامة التحدي، ما الذي يمنع من تكرار التجربة، أخذًا في الاعتبار أن التجربة الأولى مولتها إيرادات النفط منذ ثلاثينيات القرن الميلادي المنصرم، لتُمَوَلّ التجربة الثانية إيرادات غير نفطية يُقدَّر أن تصل لـ 500 مليار دولار، تأتينا من شتى بقاع الأرض، تمامًا كما موَّل – في البداية- البريطانيون ثم الأمريكان استكشاف النفط، ثم إنتاجه وتسويقه؟

العالم الآن في سياق اقتصادي آخر، يقوم على التقنية التي قلبت الموازين كلها، بما في ذلك طرق التواصل والإنتاج وهيكلة الأسواق، وجعلت من السلع رديفًا للخدمات. وعند التمعُّن، سنجد أن نجاحنا كدولة نفطية، لا يتناقض مع سعينا لأن نُصبح دولة خدمات تقنية وصناعية ولوجستية، وعوضًا عن امتلاك رافد واحدٍ للدخل يقوم على بيع سلعةٍ، يصبح لدينا كذلك رافد ثانٍ. وسيتطلب ذلك جهدًا ومخاطرةً، ولكن سيجلب الكثير من الخير والازدهار لبلادنا.

ورغم تفرُّد المشروع الحُلم، كونه يتمركز في ثلاث دول عربية، ليستفيد من موقع جغرافي ومناخي متفرد، ومن وضع تنظيمي يقوم على مبادرة القطاع الخاص الخالصة، بمعنى أنه “نيوم” ستكون أقرب ما يمكن إلى “المناطق الاقتصادية الخاصة” المنتشرة في العديد من دول العالم، لا سيما الصين والهند، إلا أن مسوغاتها تقوم على تماهٍ مع منطلقات وأهداف “الرؤية السعودية 2030″، من حيث استغلال الموقع المتميز، والاعتداد بالبعد العربي والإسلامي، وتوظيف قوة الاستثمار، فضلًا عن توجُّه حاضرة “نيوم” تسعى لتنويع الاقتصاد السعودي في قطاعات هي ضامرة حاليًّا، ولا سيما تلك التي تقوم على البحث والتطوير. وعلى الرغم من عظم التحدي، إلا أن “نيوم” ليست الأولى في سوابق أحلامنا، فقد أنجزنا مدنًا وليس مدينةً واحدة، من حاضرة الدمام إلى الجبيل الصناعية وينبع الصناعية، إلى مدينة جازان الاقتصادية، والآن نحن وجهًا لوجه مع تحدٍ جديد يقوم على الفطر البشري والإبداع وقوة الاستثمار والموقع الجغرافي المتميز، أي إعادة توظيف لمنظومة المزايا النسبية لتولد لنا “نيوم”.

رابعًا: ماذا تم حتى الآن؟

قبل أسبوعين من الآن، عقد مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية في “نيوم”. قبلها، وفي يوم الثلاثاء قبل 40 أسبوعًا، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن مشروع “نيوم”، لتشييد مدينة حُلّم، تكلفتها 500 مليار دولار، وستُقام في شمال غرب السعودية، على مساحة 26 ألفًا و500 كيلومتر مربع، وتتاخم أراضي الأردن ومصر، أي أن المنطقة مجاورة للبحر الأحمر وخليج العقبة، وبالقرب من ممرات بحرية تجارية معتمدة، وبوابة لجسر الملك سلمان المقترح الذي سيربط السعودية بمصر.

من حيث الشكل، فكما أن الإعلان عن “نيوم” كان تقليديًّا رصينًا، في مؤتمر عالمي نظمه صندوق الاستثمارات العامة في الرياض، فمن حيث الجوهر كان إعلانًا استثماريًّا مزلزلًا، بولادة “حضارة جديدة في الشمال الغربي للمملكة، تتمحور حول “التقانة” الذكية.

مدينة نيوم ستكون مملوكة بالكامل للصندوق، لتكون أول مدينة “تقانة ذكية” رأسمالية في العالم، فقد تُطرح بعد العام 2030. وعند التمعن، نجد أن المنطقة الجغرافية التي ستحتضن المشروع قريبة من قناة السويس، وفي قلب العالم؛ فأكثر من ثلثي سكان العالم بوسعهم الوصول لنيوم خلال ثماني ساعات. وتختلف طبيعة “نيوم” عن جلِّ أراضي السعودية، فشواطئ “نيوم” تمتد على مساحة تتجاوز 460 كيلومترًا من ساحل البحر الأحمر، وتقابلها العديد من الجزر. وتحتوي أيضًا على جبال تطلُّ على خليج العقبة والبحر الأحمر، تغطي قممها الثلوج شتاءً. وهذا ما يؤكده عدد من الصور الساحرة التي نُشرت في وسائل التواصل منذ الإعلان عن المشروع.

خامسًا: الختام.

لكن في بداية المطاف ونهايته هو مشروع استثماري، تمامًا كما كانت الجبيل وينبع الصناعيتان في السبعينيات، تهدف لتنويع الاقتصاد السعودي؛ بإثراء هيكله بأنشطة جديدة، تمامًا كما كانت صناعة البتروكيماويات غائبة عنه في السبعينيات، ولم يلبث الحلم الصناعي إلا أن تحقق وباقتدار بعد سنوات، فجلب وظائف وصناعات وتقنيات وصادرات ومكانة متقدمة في غضون عقودٍ قليلة. وفي الألفية الثالثة، ويبدو أن مدينة “نيوم” تنطلق لتكون مدينة تصنع “حضارة جديدة” كما قالت مجلة “فوربس” حيث عدد الروبوتات المدعمة بالذكاء الاصطناعي يفوق عدد البشر، حتى يتفرغ البشر ليقوموا بما يسعدهم ويحقق ذواتهم، وتحت مظلة الذكاء الطبيعي والاصطناعي ستحتضن “نيوم” شبكة اقتصادية تُساعية الأضلاع: الطاقة والمياه، المواصلات والتنقل، والتقنيات الحيوية، والصناعات الغذائية، والعلوم التقنية والرقمية، والتصنيع المتطور، والإعلام والإنتاج الإعلامي، والترفيه، والمعيشة بجودة حياة عالية.

هناك مَن يظنُّ أن “نيوم” أمرٌ سيحدث فجأة، بل الأقرب أننا سنعايشه ويعايشنا، أشبه ما يكون بتغيير كبير يأخذنا من سياق الدعة والريع إلى مسار التحدي والإبداع، وهذا سيعني تغيرًا جذريًّا، ليس في مشربنا ومأكلنا؛ بل لموضعنا في العالم ومساهمتنا في تقدُّمه، ليس كمزود بالطاقة، بل كمصدر للإبداع المولد للقيمة والوظائف لاقتصادنا الوطني، والجاذب للاستثمارات والمستثمرين والمبدعين والرياديين من كل أصقاع الدنيا.

وكان تعقيب م. أسامة كردي: الآن، وقد استعرض د إحسان خلفيات وحيثيات مشروع نيوم، فلعليّ أتحدّثُ عن بعض تفاصيله:

١. نيوم هو أحد المشاريع العملاقة التي يتم بواسطتها تحقيق العديد من أهداف الرؤية، ويُضاف إليه مشروع القدية الترفيهي غرب الرياض، ومشروع البحر الأحمر السياحي شمال جدة، والتطوير المعلن عنه لمشروع مركز الملك عبد الله المالي، وهناك العديد من المشاريع المشابهة من ناحية الحجم والأهمية.

٢. مشروع نيوم هو مشروع تقني من الدرجة الأولى، يركز على عدة جوانب للتقنية التي تحتاجها المملكة، وعلى هذا الأساس تم اختيار مجالات تقنية مهمة للاستثمار في المشروع، وأُعلِن عنها في المراحل الأولى للمشروع، وهي: تقنية الطائرات بدون طيار، والسيارات ذاتية القيادة، والتقنيات الزراعية المتقدمة، والطاقة المتجددة، والإنترنت الهوائي المتقدم، والتعليم الإلكتروني، والذكاء الصناعي، والحكومة الإلكترونية، ومكننة الإجراءات الإدارية، والترفيه، وغيرها.

٣. ولخدمة هذه المجالات، فقد تمَّ تحديد عدد من القطاعات المهمة للترويج للاستثمار فيها بخطط تنفذها إدارة المشروع والهيئة العامة للاستثمار، وهذه القطاعات هي: الطاقة والمياه، والنقل والمواصلات، والتقنية الحيوية، والأغذية، والإعلام، والصناعات المتقدمة، والترفيه، والعلوم الرقمية، ونوعية الحياة.

٤. وقد بدأ العمل فعلًا في تنفيذ البنية التحتية اللازمة لهذه الاستثمارات، بما في ذلك تحديد طرق ووسائل جذب الاستثمارات المطلوبة لها، مع التركيز على مبدأ أن هذا مشروع قائم في حد ذاته، ولديه كافة الصلاحيات اللازمة تجاه إدارة المشروع والمستثمرين فيه، بما في ذلك إصدار التراخيص اللازمة، وتأشيرات العمل والزيارة اللازمة.

٥. لم ألاحظ اهتمام خاص بدور استثمارات القطاع الخاص السعودي في المشروع، حيث إن كل المؤشرات تتحدث عن التركيز على الاستثمارات الأجنبية فيه.

٦. كما أشار د إحسان إلى التوسُّع الجغرافي للمشروع مع الاْردن ومصر، فأنا أرى أنه سيضيف بعدًا جديدًا لسياسة المملكة الخارجية مع الدولتين، ومع الدول المستثمرة في المشروع، بالإضافة إلى دوره التنموي المتوقع في المنطقة بشكل عام، خاصة إذا تم تنفيذ الجسر الواصل بين المملكة ومصر.

٧. وبالإضافة إلى ذلك، فقد لاحظت اهتمامًا خاصًا بمنطقة تبوك لتعظيم استفادتها وساكنيها من هذا المشروع، وإن كان موضوع ملكية أرض المشروع، وتقديرها ٢٦ ألف كيلو متر مربع تقريبًا، مازال موضوع نقاش.

 كما عقَّب أ. محمد الدندني: تكمن صعوبة الموضوع في أنه حدثٌ جديدٌ، والفارق  الجيد أن هناك خطةً وعزمًا على العمل، فحديث تعدُّد مصادر الدخل لم تخل منه كل خطط التنمية الخمسية والعشرية كما ذكر الدكتور إحسان. إذًا  لدينا خطة وأهداف، والعمل بدأ وقائم الآن، لكني لم أر خطةَ عمل لكل نشاط من الأنشطة التي ستهتم بها المدينة، وهذا عائقٌ، من حيث عدم وجود الأرقام التي تساعد على فهم التوقعات، وأنا أعتقدُ أنها موجودة، ولأسباب منطقية لمَّا تعلن إلى الآن.

ولعليِّ أتناول الموضوع من خلال المحاور التالية:

١. تشبيه إنشاء نيوم بما تمَّ من إنشاء حواضر تجارية واقتصادية وصناعية بعد اكتشاف النفط.

٢. ربط ما تمَّ إنجازه، أو بشكل أوضح ربط آلية التجارة والاقتصاد وروافدها من جامعات ومعاهد وخبرات تراكمت على مدى ثمانية عقود (حركة المجتمع بكل مقوماته) بمدينة نيوم ومقوماتها.

٣. دور مدينة نيوم السياسي والاقتصادي.

لا شك أن هذا المشروع مشروعٌ جبارٌ طموحٌ، وأن التحديات بطبيعة الأمر بحجمه، وتحتاج إرادة فوق العادة، وهي موجودة- والحمد لله- بهمّة صاحب الفكرة، سمو الأمير محمد، وكذلك سواعد أبناء الوطن، ولا نهمل مَنْ سيعمل ويساعد من الخارج.

ولعل النقطة الأولى هي مدخل للتحديات، فتشبيه مدينة نيوم  بما حدث من إنشاء مدن نتيجة اكتشاف النفط، أعتقد أنه تبسيط للأمر، فالفارق كبير من عدة نواحٍ؛ فمدينة نيوم لن تقوم على منتج واحد، وهو مادة خام اكتُشفت من قِبل شركة أمريكية، العالم بأسره في حاجة لهذه المادة الاستراتيجية؛ أي لا تنافسية في الأمر. أيضًا لم يكن لنا دورٌ في اكتشافه وإدارته ولسنين طويلة، حتى هذه المدن منها ما بُنِي نتيجة ثروة النفط الخام، وما بُني بعدها نتيجة منتجات النفط الخام؛ كالجبيل، وينبع.. إلخ، وقد قامت بها شركات أجنبية، هذه ليست مثلبة ولكن للمقارنة، فمدينة نيوم تقوم في رأيي على الفكرة والعنصر البشري في كافة تخصصاتها، ناهيك عن المنافسة العالمية، ولا أقول إقليمية، فمنتجات مدينة نيوم قائمة ولو بتركيبة مختلفة في عدة دول غربًا وشرقًا. هذا بالإضافة لتحديات إقناع المستثمرين وجلب الاستثمارات، فهذا لم يكن موجودًا في مدن النفط ومنتجاته. حتى مدن النفط- وأقصد هنا الظهران- لم نوفق بأن تكون عاصمة نفطية كما هي الحال في هيوستن وكالغاري في كندا، وأبردين في إسكتلندا، أو أوسلو في النرويج، أو عاصمة مالية للاستثمارات، أو عاصمة للأبحاث والتكنولوجيا في الاكتشاف أو الإنتاج أو الخدمات.

النقطة الثانية ربط المجتمع بكافة مكوناته قدر ما أمكن؛ ولعل من المفيد النظر حولنا وما لدينا من إمكانيات للاستفادة منها في مدينة نيوم، والعكس أيضًا. كون مدينة نيوم الجديدة تتمتع بدعم قوي ومنتجات حديثة إلى حد كبير، وستكون بعيدة كلَّ البعد عن بيروقراطية الأنظمة؛ لذا فالقرار سيكون سريعًا، وحتمًا المتابعة والإنجاز على مستوى عالٍ، فلربما تجرّ وتسحب معها عددًا ليس بالقليل من المنشآت، أكاديمية كانت أو غيرها من شركات في كافة التخصصات وهيئات حكومية. هذا بالإضافة لأفراد المجتمع من مختصين في المجالات المتاحة لدى نيوم. وعلى المسؤولين في نيوم وخارج نيوم في الجامعات والشركات أن يبنوا قاعدة معلومات تكون منطلقًا لإيجاد سبل التعاون، وجعل نيوم تبقى فيما يُراد لها، وأن تندمج مع المجتمع كي تستفيد وتُفيد. وكما ذكرت، التأثير على مَن يتعاون معها، من حيث جودة العمل والإنجاز، وكذلك الجدوى التجارية.

بالنظر في تخصصات المدينة، على سبيل المثال وليس الحصر: منتجات الطاقة والمياه والطعام، وكذلك البايوتك، فهذه تشمل عملًا بحثيًّا مهمًّا، وللجامعات ومدينة الملك عبد العزيز دور ممكن أن يُعزِّز دورها ماديًّا وعلميًّا. أسعدتنا زيارة الرئيس التنفيذي لمدينة نيوم مع فريقه لجامعة تبوك، وكانت من جدولها زيارة مركزة وعملية، حيث اطلع الفريق على المنهج الدراسي والتخصصات، وحتمًا أدلى الفريق برأيه فيما يخصُّ تخصصات معينة، نُصح في التركيز عليها؛ كإعطاء نصيب لشركات المقاولات الوطنية في المساهمة في البنية التحتية، وكذلك الشركات الخدمية، كلّ في مجاله. ومن الملاحظ أن التخصصات تحتاجها المملكة، وإيجاد تطبيقات من الطاقة البديلة إلى الماء، وإلى الطعام، هنا أيضًا لدينا برامج بحثية في أغلب الجامعات، وبالأخص جامعة كاوست، فاستخدام هذه الجامعة للأبحاث ومن ثَمَّ التطبيقات، ونقلها إلى المرحلة التجارية إلى مدينة نيوم، فحتما هذا سيكون إنجازًا رائعًا للاستفادة، ويكون هناك زيادة في القيمة المضافة في مراحل مبكرة من مسيرة نيوم.

وأعتقدُ أن برنامج مسك من تبني الطلبة المبدعين، له علاقة بإيجاد العنصر البشري الذي سيعمل ويقود هذه المدينة مستقبلًا. في هذه النقطة، ليتنا نتعلم من أخطاء الماضي، ويكون للمحتوى المحلي اهتمام، وربما وضعه كأحد أهم المقاييس لنجاح مشاريع المدينة.

كنظرة ربما فلسفية، وهي أننا لم نعش أو نستفد من الثورة الصناعية وما تلاها في حقبتها لظروف معروفة، ومن ثَمَّ لم نعش ثورة الكمبيوتر والإنترنت؛ لذا يجب أن نعيش ثورة تكنولوجيا المعرفة الرقمية، وتكنولوجيا الديجيتال ساينس، وهذا من المنتجات المخطط لها في المدينة. مما سبق الدعوة إلى التنسيق بين نيوم وكافة المنشآت حكومية وخاصة؛ لرفع القيمة المضافة، ولزيادة المعرفة والاستغلال الأمثل لكل المصادر المادية والبشرية.

النقطة الثالثة والأخيرة: لا مجال للشك فيما يمكن أن تسهم به مدينة نيوم كمصدر دخل للدولة؛ إما عن طريق الاستثمار المباشر، أو من الضرائب على هذه المشاريع، والأهم جلب استثمارات أجنبية تغني خزينة الدولة من رسوم وضرائب أيضًا. هذا غير ما ستستوعبه من أيدٍ عاملة محلية وأجنبية، يكون لدخولهم أثرٌ مهمٌّ في الاقتصاد المحلي.

ولعلَّ من الأفضل ضم مركز الملك عبد الله المالي إلى مدينة نيوم قانونيًّا، من حيث التنقل والسفر منه وإليه، هنا يمكن استغلال هذا المركز لبنوك الأوفشور العالمية، وكذلك بنوك تجارية واستثمارية، محلية وإقليمية ودولية. وبنفس الأهمية كون  مدينة نيوم تتمتع بصفة قانونية من حيث السفر إليها والإقامة، فهذا سيعطي بُعدًا عالميًّا وانفتاحًا على العالم، حيث لا يخفى أنَّ من عوائق الاستثمار هي نظام الفيزا والإقامة.

بجانب الهدف الأول، وهو تعدُّد مصادر الدخل وجلب الاستثمارات، ستكون أيضًا بوابة للمعرفة، حيث سيُرشَّح من هذه الأنشطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كمٌّ كبير من الأفكار والأبحاث إلى باقي المدن والحواضر، ولربما رأينا انفتاحًا اقتصاديًّا وتجاريًّا، بسبب تجربة مدينة نيوم. مما سبق- وبخاصة في هذه النقطة- ستشكل مدينة نيوم قوة ناعمة، حيث إنها ستشكل شركة عالمية، يملك بها ممثلون لدول فاعلة أسهمًا من خلال استثماراتهم.

المداخلات:

 نيوم وتحدي الوقت:

أشار أ. عبد الله الضويحي إلى أن الحديث عن أن مشروع نيوم في تحدٍ مع الوقت، أي أن تنفيذه في أقل عدد ممكن من السنوات، مع الأخذ في الاعتبار أنه سيأخذ سنوات، فهل يعتبر هذا تخوُّفًا من عدم القدرة على إنجازه وفق ما هو مخطط له؟ وما هي معوقات ذلك؟

من جانبه ذكر د. إحسان بوحليقة أن قضية تحدي الوقت، طرحها سمو ولي العهد منذ البداية. فنيوم ليس مشروعًا ضخمًا تقليديًّا، فحتى فكرته قيد التطوير، وكما ذكرتُ في ورقتي، فالتحدي الأهم هو أن يكون نيوم إنجازًا محوريًّا في حضارة جديدة، يتنافس فيها ذكاء الآلة مع ذكاء البشر، حيث تكون للتقنية اليد الطولى. ولذا السبب تحديدًا، نجد أن نيوم تتطلب انفتاحًا لاستقطاب المبدعين والرياديين والممولين المتحيزين في الأساس لحضارة التقنية القائمة على الإبداع innovation كقيمة أساسية، والمورد الأكثر ندرة.

دور الإعلام في متابعة مشروع نيوم:

حول دور الإعلام في متابعة مشروع نيوم، تساءل أ. عبد الله الضويحي: هل هناك قصور من الجانب الإعلامي في الحديث عن المشروع ومتابعته؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى تعود لإدارة المشروع نفسه؟ علق أ. محمد الدندني بأنه يعتقد أن إدارة المشروع لو أرادت تفعيل الإعلام لفعلت، ولكنها رغبة الإدارة، ولربما فقط التوقيت. إلا أن أ. عبد الله الضويحي يرى أن هذا لا يعفي الإعلام من البحث وتقديم المعلومة. وربما كان لدى الإعلام الأجنبي تفاصيل أكثر.

وأشار د. مساعد المحيا إلى أن غالب ما يجري اليوم من متابعات إعلامية لمثل هذا المشروع، هي في سياق الحملات الدعائية، ومثل هذا النمط من الإعلام لا يتجاوز بيئتنا المحلية.

هذا المشروع يحتاج لإعلاميين مهنيين، يعرفون طبيعة المشروع ومكوناته وأهدافه، ويعملون على نقل ذلك، بعيدًا عن الدعاية التي لا تحمل للجمهور المستهدف محتوى مفيدًا، يترتب عليه إقناع الآخرين بأهمية المشروع على المستويين الاقتصادي والربحي. ولذا تجد العديد من الجماهير ليس لديهم معرفة بمكونات هذا المشروع، بل قد تجد ذلك لدى عدد من رجال الأعمال، وهو ما يجعلهم في خوف من خوض الاستثمار فيه.

الإعلام المهني لا يعني بحال أن تقدِّم المعلومات عن المشروع بطريقة وصفية، تتحدث عن الآمال والطموحات؛ وإنما هو صورة للواقع، ولقاءات مع مَنْ يقفون على هرم المسؤولية التنفيذية فيه، وجعل الناس يعيشون وكأنهم يرونه أمامهم، ويرون ما يُنجز فيه.

ودون شك، فإن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي هو أحد أفضل الطرق لتسويق فكرة المشروع عالميًّا، من خلال مجموعة من اللغات الحية، والتي يُتوقع أن تكون مناسبة للاستثمار.

القطاع الخاص والمستثمر السعودي في مشروع نيوم:

يرى د. حميد المزروع أن القطاع الخاص السعودي حاضر في المرحلة الحالية من التأسيس، خاصة في قطاع المقاولات، حيث إن جميع الشركات سعودية. اتفق معه م. أسامة كردي، وذكر أن هذا صحيح ومُطبَّق بدرجة كبيرة، خاصة في مراحل إنشاء البنية التحتية.

بينما ذكر د. مساعد المحيا أنه يستغرب تصريحات مسؤول الصندوق الروسي، وأن استثماراتهم ستكون زراعية. نحن أوقفنا التصدير للمنتجات الزراعية بسبب استهلاك واستنزاف الماء، فكيف يعتمد الروس زراعيًّا على أرض لا أنهار ولا أمطار فيها على مدى العام؟ إلا إذا كان ما يعنيه في إطار التصنيع الغذائي، فهو ممكن في ضوء وجود اهتمام واسع في الميكنة الصناعية في المدينة. وهو ما وافقه فيه أ. محمد الدندني.

أضاف م. أسامة كردي أنه فيما يختص بالمستثمر السعودي (أو حتى المختلط)، فلابد من برنامج متكامل لتعريفهم بفرص الاستثمار في المشروع وشروطه، وعقد لقاءات لهم مع إدارة المشروع وهيئة الاستثمار، ولا يمنع من تشجيعهم على إنشاء كيانات مشتركة، وأهم من ذلك إعطاؤهم الشعور بأنهم مُرحَّب بهم في المشروع.

لديَّ شعورٌ بأن صندوق الاستثمارات العامة يرى في هذا المشروع فرصة حصرية له ضمن إطار تنويع مصادر دخل الصندوق. كما أن صناديق التنمية (الزراعي، والصناعي، والعقاري، وغيرها) يجب أن يكون لهم كذلك دورٌ في هذا الإطار.

في هذا الإطار، تساءل أ. عبد الله الضويحي: هل تنويع مصاد دخل الصندوق حكر على المستثمر الأجنبي؟ أجاب م. أسامة كردي بأن هذا هو الشعور الموجود لديه فيما يخصُّ مشروع نيوم.

أضاف أيضًا د. حميد الشايجي أنه لابد ألا ننسى أن جزءًا من مشروع نيوم يقع في الأراضي المصرية والأردنية، فقد تكون المشاريع الزراعية في الأراضي التي تتوفر فيها المياه، إلا أن أ. محمد الدندني ذكر أن هذا الأمر ممكن بالنسبة لمصر، أما الاْردن فهو أسوأ حالًا منا. كذلك ما نعرفه أن الصينيين هم المتقدمون في مجال الاستثمار في الزراعة الصحراوية.

موقف مصر والأردن وإسرائيل من المشروع:

أطلق د. خالد الرديعان بعض الأسئلة حول مشروع نيوم وموقعه الجغرافي، وهي: هل تحدَّدَ الدوران الأردني والمصري في المشروع؟ وكيف ستكون مساهمة الدولتين؟ وهل ستخضع منطقة نيوم لقوانين المملكة المعمول بها في بقية المناطق، أم قوانين الدولتين، أم أن هناك قانونًا خاصًّا بنيوم؟ كما أن موقع المشروع قريبٌ جدًّا من إسرائيل، فهل من احترازات أمنية ودفاعية في هذا الجانب؟

علق على ذلك د. إحسان بوحليقة بقوله: يبدو أن المشاريع في الدول الثلاث ستتكامل بطريقة أو بأخرى، فمصر خصصت لنيوم المصرية ألف كم٢ بمحاذاة نيوم السعودية.

وحول الدورين الأردني والمصري، في تقديري، لن يكون لهما دور. الدعوة للمستثمرين وملاك التقنيات، ولمنظومة من مقدمي الخدمات اللوجستية، والقطاعات التسعة المحددة.

وذكر أ. محمد الدندني أنه لا يعتقد أن هناك دورًا لمصر والاْردن فيما يخصُّ الاستثمارات وإدارة المدينة. الدور لوجستي فقط، حيث إن ١٠٠٠ كلم مربع تقع في مصر، وتحديدًا في سيناء، ولا دخل للجسر في المدينة، من حيث إنه سيعطي دورًا لمصر. أما القوانين فستكون مرنة؛ من حيث الإقامة، والسفر، وأمور إدارية أخرى.

أما فيما يتعلق بإسرائيل؛ فالمدينة مثلها مثل أي بقعة من المملكة من حيث حمايتها، ولَم يعد القرب والبعد ذَا أهمية في حالة الحروب، لا قدر الله.

أفكار ومواهب جديدة لمشروع نيوم:

ذهب أ. محمد الدندني إلى أننا نحتاج إلى ورش عمل مع إدارة المدينة، ومع صندوق الاستثمارات العامة للتعريف التفصيلي بالمشاريع الإنشائية للمدينة، وأيضًا بنشاط المدينة الاستثماري، ويمكن أن تكون الدعوة واللقاءات في الغرف التجارية. من هذا سيعرف الإعلاميون ما يدور من أنشطة، ومن ثَمَّ نقاشها بمقابلات ومقالات تخدم الدولة والمجتمع.

هناك طبقة من الرواد من الشباب المتعلمين، وكذلك المختصون، يجب الاهتمام بهم، وسماع ما لديهم من مشاريع تهتم بها المدينة. وأعتقد أن هذه الطبقة لها من الأهمية ما يمكن أن تكون نواة لاستقطاب مواهب أخرى، وسينتج عنها شركات مبنية على ملاك يملكون المعرفة. هنا على البنوك- وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة- الاستثمار في دعم هذه الطبقة ومشاركتها، أيضًا هذا ينطبق على القطاع الخاص، فعليه أن يسهم في دعم هذه الطبقة. لنكن واقعيين، هل لدينا شركات قائمة لها خبرة واستثمارات في مجالات المدينة في بعضها وليس الكل؟ لذا علينا دعم الرواد واحتضانهم.

سبق أن اقتُرح هنا التواصل مع الحاضنات العلمية في الدول المتقدمة، والاستثمار مبكرًا في براءات اختراع تحتاج التمويل وتكون رخيصة، وهذا ربما دور سوق المال؛ لأنه سيأتي لاحقًا في إدخال هذه الشركات الصغيرة سوق المال، ولتكن سوقًا موازية، يُتاح فيها الاستثمار محليًّا وعالميًّا. أما مَنْ سيستثمر في هذه الحواضن فهو القطاع الخاص وصندوق الاستثمارات العامة، ويكون تحت صندوق مشترك، وبالتالي لو نجح ٥٠٪ من هذه الاستثمارات تجاريًّا، فهو نجاح باهر؛ لأن الاستثمار في الأساس قليل.

ولتُخصِّص المدينة- مثلًا- نسبة معينة لما ذكرتُ، فهي استثمار ليس سريعًا، ولكن سيبني بنية تحتية بشرية، سيكون النمو بها متسارعًا مع الوقت، وستشكل قاعدةً علمية وتجارية، ستولد أفكارًا جديدة تتحول إلى مشاريع وشركات، لا تعرف كم من هذه الشركات سيتم شراؤها، والاستحواذ عليها من قِبل الصندوق أو بيوتات مالية عالمية.

مشروع نيوم في عيون الإعلام:

ذكر د. عبد الله بن صالح الحمود خبرًا أوردته سكاي نيوز عربية- أبوظبي، مضمونه: (أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة اليوم عن إطلاق مشروع “نيوم”.

ويأتي مشروع “نيوم” في إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030، بتحوُّل المملكة إلى نموذجٍ عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة، من خلال التركيز على استجلاب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية داخل المشروع.

وصرَّح ولي العهد خلال إعلانه عن المشروع أن “منطقة “نيوم” ستركِّز على تسعة قطاعات استثمارية متخصصة، تستهدف مستقبل الحضارة الإنسانية: مستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التنقل، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات، حسب وكالة الأنباء السعودية “واس”.

وسيعمل مشروع “نيوم” على جذب الاستثمارات الخاصة، والاستثمارات والشراكات الحكومية.

وسيتم دعم المشروع بأكثر من 500 مليار دولار خلال الأعوام القادمة من قبل المملكة العربية السعودية، صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين”.

وتمتاز منطقة المشروع بخصائص مهمة، أبرزها: الموقع الاستراتيجي الذي يتيح لها أن تكون نقطة التقاء تجمُّع أفضل ما في المنطقة العربية، وآسيا، وإفريقيا، وأوروبا وأمريكا.

وتقع المنطقة شمال غرب المملكة، على مساحة 26,500 كم2، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كم، ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2,500 متر.

القطاعات الاستثمارية لمشروع نيوم:

تنطلق مداخلة د. عبد الله بن صالح الحمود من خلال القطاعات الاستثمارية التي أشار إليها سمو ولي العهد عند الإعلان عن مشروع نيوم العملاق، وهي تسعة قطاعات استثمارية متخصصة، تستهدف مستقبل الحضارة الإنسانية:

١- مستقبل الطاقة والمياه.

٢- مستقبل التنقل.

٣- مستقبل التقنيات الحيوية.

 ٤- مستقبل الغذاء.

٥- مستقبل العلوم التقنية والرقمية.

٦- مستقبل التصنيع المتطور.

 ٧- مستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي.

٨- مستقبل الترفيه.

٩- مستقبل المعيشة، الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات.

وأمام هذه القطاعات المهمة التي تشكِّل منظومة اجتماعية واقتصادية، إضافة إلى الرصد المالي الكبير، بل الأكبر عالميًّا. فحينما نتحدث عن خمس مئة مليار دولار، فإن الأمر يتطلب جهودًا مضنية وبرامج متعددة الأدوار، ولا شك أن رسالة ورؤية المشروع أخذت على عاتقها شمول المشروع، نحو تنفيذه بمراحل سنوية تجعل من تنفيذه محقّقًا للتطلعات الرامية إلى تحوُّل اقتصادي نوعي، يجعل من الناتج المحلي الإجمالي في صدارة المنتجات العالمية، وهذا ما يؤكده سمو ولي العهد في هذا الجانب، من أن تطوير وبناء مشروع “نيوم” يوفِّر فرصة استثنائية للحد من تسرُّب الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر إتاحة فرصة الاستثمار داخل المملكة لكل مَنْ يستثمر أمواله في الخارج، وبالتالي تقليل التسرُّب المالي نتيجة قلة الفرص الاستثمارية الضخمة.

مضيفًا أن مشروع “نيوم” سيوفِّر فرصًا جديدة للاستثمار في قطاعات سيتم إنشاؤها من الصفر، بالإضافة إلى استفادة المستثمرين في المشروع من الموارد الطبيعية؛ كطاقة الرياح، والطاقة الشمسية.

          هنا، ومن خلال تلك العبارات التي لا شك أنها مبنية على أسس وقواعد سينطلق منها المشروع إلى آفاق أوسع وأرحب، يبقى القول: إن لمفهوم ومعرفة المواطنين بكافة أعمارهم ومستوياتهم التعليمية نحو هذا المشروع، فلابد أن يحظى كافة المواطنين بمعلومات وافية عن توجهات هذا المشروع، فالمواطن هو الركيزة الأولى والأساسية في المشاركة نحو بناء وتطوير مشروع يعدُّ عالميًّا ومحليًّا في الوقت نفسه.

وأشير هنا إلى ما تطرَّق له أ. محمد الدندني، حول الزيارة التي قام بها مسؤولو نيوم إلى جامعة تبوك. ولأنَّ تبوك هي أقرب منطقة لمشروع نيوم؛ فإنني أرى هنا مناسبة إعادة هيكلة الجامعة أكاديميًّا بما يتفق والمهن التي يتطلبها مشروع نيوم المتعدد الخدمات، فهذا يعطي استكمالًا لمسيرة مشروع نيوم، ودون الحاجة إلى إنشاء جامعة أو أكاديمية للمشروع.

وبخصوص التوازن المالي، فإنني أجزم أن منتجات مشروع نيوم ستحقّق لنا توازنًا ماليًّا يفوق بعضًا من البرامج التي صدرت مؤخرًا دعمًا للموازنة العامة؛ لذا أرى أن يعاد النظر في هذه البرامج، وذلك بعد أن تبدأ المراحل الإنتاجية الأولى لمشروع نيوم، تخفيفًا للعبء الذي قد يلحق بأفرع القطاع الخاص والأفراد على حد سواء، في ظل التوقعات التي يُعتقد معها أن مشروع نيوم سيحقق ناتجًا محليًّا إجماليًّا يغني خزانة الدولة عن إيرادات محلية متعددة الأوجه.

ووفقًا لصحيفة (المرسال الإلكتروني)، فإن هناك العديد من المكاسب الاقتصادية التي تعود بالنفع على المملكة من خلال إنشاء مشروع نيوم، فهذا المشروع ليس وليدَ اللحظة؛ وإنما تمَّ التخطيط والتدبير له لفترة زمنية، وتمَّ وضع الخطط الاستراتيجية الناجحة له، حتى يتم الإعلان عنه والبدء في تنفيذه بصورة صحيحة، ليعود بالنفع المطلوب منه، وهذا ما تطلب الكثير من الجهد من قِبل قادة المملكة، وعلى رأسهم ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله- الذي قام بالإعلان عن المشروع، ومن المكاسب المتوقعة للمشروع ما يلي:

أولًا: من المتوقع أن يكون صافي المكاسب الواردة إلى المملكة نحو 70 مليار دولار من خلال القطاعات التي سيتم تطويرها، فبدلًا من العمل على استيراد بعض السلع من الخارج، سوف يتم إنتاجها من خلال مشروع نيوم، وتشمل تلك السلع: (السيارات، ومعدات الاتصال، والآلات).

ثانيًا: سوف يقوم مشروع نيوم بتوفير الكثير من فرص العمل للمستثمرين السعوديين، لكي يقوموا باستثمار أموالهم في القطاعات التي لم تكن متوفرة في المملكة من ذي قبل، وسوف يتم ذلك تحت رعاية قادة المملكة، والقوانين الاستثمارية الموضوعة في المملكة، ومن خلال هذا المشروع سوف تعمل المملكة على علاج مشكلة تسرُّب الاستثمارات.

ثالثًا: سوف يعود هذا المشروع بالنفع الكثير على المواطنين السعوديين، حيث يمكنهم مشروع نيوم من استثمار أموالهم في ذلك المشروع بدلًا من السفر للخارج، وهذا ما يضمن للمملكة بقاء مواطنيها مع زيادة العائد الاقتصادي للدولة.

رابعًا: تمَّ الإعلان عن المبلغ الذي سوف يتم دعم مشروع نيوم به، وهو ما يقرب من 500 مليار دولار أمريكي، وهذا خلال المراحل الأولى من إنشائه خلال الفترة القادمة في المملكة، وسوف يتم دعم المشروع بالتعاون مع صندوق الاستثمارات العامة، والتعاون مع بعض المستثمرين المحليين والأجانب.

خامسًا: تم وضع مبلغ مبدئي لدعم المشروع، يصل إلى 100 مليار دولار أمريكي، وذلك من الناتج المحلي للدولة، في فترة زمنية لا تتخطى عام 2030م، وقد تمَّ الإعلان عن أن الناتج المحلي للفرد في هذه المنطقة سوف يكون الأعلى بين جميع دول العالم.

ودون أدنى شك، فإنه حال استكمال المرحلة الأولى من مشروع نيوم فإن الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع نسبيًّا وبوتيرة متلاحقة، بحكم أن المشروع يستقطب استثمارات محلية وإقليمية ودولية، وهذا يعطيه دورًا رياديًّا في المنطقة.

تأثيرات محتملة لمشروع نيوم على رجال الأعمال والمستثمرين المحليين:

تساءل د. خالد الرديعان: إلى أي حد قد يكون مشروع نيوم مؤثرًا على رجال الأعمال، ووكلاء بعض الشركات التي تستورد السلع التي سيتم إنتاجها في نيوم؟ ألا يخلق ذلك مقاومة للمشروع من بعض أصحاب المصالح والوكلاء؟

يعتقد أ. محمد الدندني أنه لن يكون هناك أي تأثير في المستقبل القريب والمتوسط، واحتمال أن يكون التأثير على المدى الطويل قليلًا، والسبب طبيعة المنتج في المدينة، حيث أنه ليس تقليديًّا كما هي الحال مع الوكلاء. أما المقاومة فلا وجود لها بسبب ما ذكرتُ، بل ربما يستفيدون، حيث إنهم بحاجة للتغيير، وتبني البزنس موديل يختلف عما هم عليه.

عمومًا في التحوُّل والرؤية، وما هو مطلوب من تعدُّد في مصادر الدخل، يجب أن يُنظر في التقليل من خروج كثير من الدخل لأسواق خارجية، وهذا يعدُّ زيادة في الدخل؛ لذا على رجال الأعمال، وبالذات وكلاء السلع، النظر في البزنس موديل الحالي، حيث لابد من تقليل خروج الريال/الدولار في مواد استهلاكية. وهذا المطلب لن يتحقق إلا بالمشاركة مع المُصنّع في إيجاد الصناعة التكميلية، كما ذكرت سابقًا.

ويرى د. عبد العزيز الحرقان أن السؤال الأهم هو في طبيعة مشاريع نيوم التي أُعلِن عن أنها ستكون مبتكرة، مثل هذه المشاريع تحتاج إلى بنية أساسية من البحوث العلمية، وعقول قادرة على الابتكار وإدارة المشروع وتنفيذه، وقنوات تمويل مختلفة لكافة جوانب  تطوُّر ونمو الابتكار، وكل هذا يتم في أرض قاحلة جغرافيًّا وتنمويًّا. دول كثيرة عجزت عن تحقيق ذلك برغم توفُّر بيئة فاعلة وبنية أساسية قوية. وفي المملكة لدينا تحدٍ كبير، يشمل وجود أنظمة ومؤسسات صُمِّمت وتطوَّرت لتخدم المشاريع التقليدية، وليست قادرة على استيعاب المشاريع المبتكرة. أبرز مثال هو تعثُّر جامعة الملك عبد الله في تحقيق أهدافها، بالرغم من الجهود والدعم.

بينما يعتقد د. عبد الله بن صالح الحمود أن الأمر هنا مختلفٌ، فالمشروع خُطِّط له أن يكون مشروع تحدٍ لكافة الأوجه والأنشطة الصناعية والاقتصادية؛ لذا لا أرى مكانًا للمقارنة مع القوانين أو حتى الإمكانات الحالية في المملكة.

وفي تصوُّر د. عبد العزيز الحرقان، فإن المدن الاقتصادية كذلك لها أنظمة مختلفة، وما قصدته من ملاحظاتي أن المشروع معقدٌ ومهمٌّ واستراتيجي ومؤثّر عالميًّا، ولكن ليس لدينا الخبرات ولا التجارب الوطنية، وتوجد معوقات لتنفيذ المشروع، مثل التنافسية الحادة لجذب العقول إلى المنطقة؛ لذلك فإنني لا أعتقد بوجود قدرات وطنية قادرة على تنفيذ المشروع، ولم يكتب لها النجاح.

أضاف إليه د. عبد الله بن صالح الحمود؛ أيضًا يختلف الأمر هنا، نحن نتحدث عن نشاط إقليمي دولي، وهنا لا أطلب التفاؤل من الغير؛ إنما أؤكد أن مشروع نيوم هو مشروع مغاير للكثير من المشاريع التي حدثت في المملكة. صحيحٌ أن المشروع ضخم، ويحمل في طياته العديد من الخطط والبرامج والوعود التي تكاد تكون خيالية؛ إنما هذا حال وقدر مشروع بهذه الكفاءة والضخامة.

المدن الاقتصادية وتجارب ليست ناجحة:

علق على ذلك أ. محمد الدندني، فما ورد في المداخلات والتساؤلات حول تجارب ليست ناجحةً، وهي المدن الاقتصادية التي لم نر منها ما يدعو للتفاؤل، وربما لقلة المعلومة عن المدينة وخططها. ذكرتُ في مداخلتي، كيف تكون المدن الاقتصادية رافدًا لمدينة نيوم والعكس، وهذا يدور حول ما ذكره المهندس سالم المري، ولو أنني لا أميل للصناعات الثقيلة، فهذا أمر ليس بالصعب، ولكن هناك طرق للتنمية تؤدي نفس الغرض، وبمخاطرة أقل، بالإضافة إلى أنني أيضًا أميل إلى القفز على الصناعات التقليدية؛ لوجود دلائل على متغيرات أساسها الطاقة، كما هو حادث الآن في صناعة السيارات. ولا نهمل العامل الزمني للحاق بهذه الصناعة، والمنافسة الشرسة بين قادتها شرقًا وغربًا.

في المجمل، ربما من الأفضل أن تتجه مدينة نيوم للصناعات الأحدث، والصناعات التكميلية التي لا تتطلب منافسة شديدة، وأيضًا ضمان السوق. ما أقصد في الصناعات التكميلية هي قطع غيار المنتجات الثقيلة، أو أجزاء من هذه المنتجات.

هذا أيضًا ينطبق على الصناعات كافة؛ الطبية، والإلكترونية كأجهزة الهواتف وغيره، والعمل بجانب هذا على البحث لتطوير هذه. ولا ننسى- وهذا في رأيي مهمٌّ جدًّا- عقد شراكات مع صناعة الأدوية والتركيز عليها، فهي صناعة مربحة، ولا تنتهي الحاجة لها.

المدن الاقتصادية أعتقد شابها ما شابها من أمور تقود إلى الفشل؛ من سوء التخطيط، والاندفاع؛ لذا فالمطلوب الشفافية والمحاسبة في كل المشاريع كي يُكتب لها النجاح.

تحديات كبرى أمام مشروع نيوم:

ذهب م. سالم المري إلى أنه من الواضح أن هناك جهودًا جبارة تُبذل في هذا المشروع. كما أنه يحمل الكثير من الآمال التي نرجو ألا تخيب، ولكن مازال من غير الواضح، كيف سيتم تحقيق الأهداف المعلنة للمشروع؟ فهل هناك من الجهات الأجنبية أو المحلية من أعلن بأنه سيستثمر ويبني مصانع في المجالات المستهدفة؟ وهل عُقدت اتفاقيات بهذا الخصوص؟ هذا غير واضح، أم أن الـ٥٠٠ مليار دولار سوف تؤسِّس بها الدولة شركات صناعية تبني المصانع وتديرها؟ أم أن هذه الأموال ستُصرف على البنية التحتية، وما أُعلِن من وسائل ترفيه، على أمل أنه سيأتي مستثمرون من الخارج ويبنون المصانع؟ هذه الأسئلة لم أجد لها أجوبة واضحة ومباشرة في الأوراق المطروحة! ولكن حسب ما فهمته من المعلومات المتوفرة استنتجت أن الاحتمال الثالث هو الأقرب.

وكما هو معروف، فإن المملكة بلدٌ صحراوي، محدود الموارد الزراعية، وفي الوقت نفسه يفتقر للتصنيع؛ ولذلك فإن الغذاء وجميع الصناعات المتقدمة المدنية والعسكرية مستوردة، وتستنزف جزءًا كبيرًا من العملة الصعبة، التي ستصبح شحيحةً مع الوقت؛ بسبب نزول أسعار البترول، وانخفاض المخزون البترولي الذي لابد أن ينضب يومًا ما. والخوف أن تصرف أموال طائلة على البنية التحتية لمدينة خيالية ثم تبقى خاوية، أو مجرد سوق حرة تعرض فيها الدول الأجنبية بضائعها. وكابوس المدن الاقتصادية وأرقامها الفلكية التي لم يتحقق منها شيء، مازال عالقًا في مخيلة المواطن الذي أصبح كثير الشكوك في الوعود الاقتصادية، وما يُعلن فيها من أرقام.

وفي اعتقادي، أنه لو تمَّ التركيز على بعض الصناعات (وخاصة الثقيلة) لسد حاجة البلد، ووقف نزف العملة الصعبة في الاستيراد، فقد يكون ذلك أسهل من ناحية التنفيذ والقياس، والـ٥٠٠ مليار دولار يمكنها التأسيس لعدد كبير من الشركات الوطنية الصناعية الكبرى التي بإمكانها توظيف وتدريب العمالة الوطنية، وتوطين التقنية، وإنتاج العديد من السلع العسكرية والمدنية التي تحتاجها البلاد، ويمكن توزيع هذه الشركات في المدن السعودية المختلفة التي يبحث أبناؤها عن الأعمال بدلًا من صرف الأموال لتأسيس مدينة جديدة.

ولذلك، فإنه من الأفضل لو أن صندوق الاستثمارات العامة يؤسِّس شركات صناعية كبرى مختلطة بين الصندوق والمستثمرين المحليين، ويفتح باب الاكتتاب العام للمواطنين في هذه الشركات، ويمكن أن تتوزع هذه الشركات في مناطق المملكة المختلفة حسب الميزات النسبية لكل منطقة، واختصاص تلك الشركات بدلًا من تجميعها في مكان واحد، ومن ثَمَّ تلافي الخطأ الاستراتيجي الذي وقعنا فيه عند تجميع الصناعات البتروكيماوية في الجبيل الصناعية، بحيث يمكن لصاروخ أو صاروخين تطلقه إحدى الدول الإقليمية المعادية أن يتسبب في كارثة، ويوقف الإنتاج. أما نيوم فيخصصها الصندوق في مجال الاستثمارات السياحية، وكسوق حرة؛ نظرًا للجمال الطبيعي للمنطقة، وبُعدها عن التلوث الصناعي.

وأضيف أن ما عنيته بالصناعات الثقيلة، الصناعات الأساسية التي يمكن البناء عليها لسد حاجة البلد في السلع الاستراتيجية التي لا يمكن الحصول عليها بسهوله؛ كالمواد اللازمة للنظم الهندسية التي تتحمل الأحمال الحرارية والميكانيكية العالية والمحركات، وهذه هي أساس النهضة الصناعية الحقيقية في أي دولة من الدول الصناعية، وعليها تُبنى صناعات فرعية كثيرة، ومعظم هذه الصناعات لم تعد سرًّا، وبالإمكان تأسيس الضروري منها لسد الحاجات الاستراتيجية للبلد، العسكرية والمدنية، وستكفيها مشتريات الدولة والقطاع العام، وما تقوم به الدولة من مساعدات وهبات للدول الصديقة لكي تؤسِّس لنفسها وتواصل تقدُّمها.

وذكر د. رياض نجم: يبدو لي أن أكبر تحديين في هذا المشروع، هما: التمويل، وبيئة العمل الجاذبة. وأرجو ألا نستسهل الاستثمار المطلوب لإنشاء هذه المدينة (٥٠٠ مليار دولار)، بالتأكيد لن يأتي هذا من الدولة فقط، لا سيما أن هناك ثلاثة مشاريع عملاقة أخرى تحتاج إلى تمويل أيضًا، فجزء من التمويل سيأتي من البنوك، لكن لن يكون كافيًا أيضًا. وأتوقع أن ما سيسهل سرعة إنجاز المشروع، ويحقق له النجاح؛ هو تدفق استثمارات أجنبية تقتنع بجدوى المشروع.

أما التحدي الرئيس الآخر فهو بيئة العمل الجاذبة، فهل مناخ وجغرافية منطقة نيوم، والأنظمة التي ستُطبق فيها جاذبة بما فيه الكفاية للجهات الأجنبية التي ترغب في عمل الأبحاث في التقنية العالية والروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتجعلها تفضل نيوم عن وادي السليكون في كاليفورنيا، أو سنغافورة، أو غيرها؟

بينما د. حمزة بيت المال يتصور أن كل ما يتمناه من مشروع عظيم مثل نيوم أن يتم الموازنة بين الاستثمارات الأجنبية والاعتماد على الكوادر المحلية. وأقترحُ بما أنه مشروع طويل الأمد أن يتم تخصيص برنامج ابتعاث، مثل ما حصل مع الأمن السيبراني.

الإنفاق والاستثمار الوطني في مشروع نيوم

أشار د. إحسان بوحليقة إلى أنه يرى أن مشروع نيوم سيأخذ عقودًا، بمعنى أن دخول الأنشطة الاقتصادية المتعددة لن يحدث، إن لم يكن هناك استجابة عالمية مؤثرة، فحتى استثماريًّا المرتكز هو ما سيأتي من استثمارات وافدة. أما استثمارات صندوق الاستثمارات العامة فستكون البذرة فقط.

من جانبه ذكر أ. محمد الدندني أن هذا يقودنا لسؤال مهم، هل من دلائل وإشارات تصل إلى حد الالتزام المعنوي، أقلها وجود وقدوم هذه الاستثمارات؟ علق د. إحسان بوحليقة بأنه أشار إلى هذا في ورقته؛ من التزام رئيس جهاز الاستثمار الروسي، بخمسين مليار دولار، على سبيل المثال. نيوم مشروع للعالم، أي لن يقوم بدون إقبال عالمي عليه.

كما أن إطلاقه في مؤتمر الاستثمار يعني أنه موجَّه للمستثمر الأجنبي القادر أن يضيف قيمة تتسق مع ما يحتاجه نيوم في الأنشطة الاقتصادية التسعة، وكذلك في البنية التحتية التقنية، وفي الصناعات المعرفية على وجه التحديد، وعند الحديث عن حضارة جديدة تقوم على تقنيات المستقبل فهذه بالقطع ستأتي من الخارج. وهكذا، فحسب التصوُّر الموضوع فجل الاستثمارات ستأتي من الخارج، ومهمتنا الأساسية جعل ذلك مجديًا؛ بتوفير المناخ والبيئة الملائمة.

إلا أن د. رياض نجم يعتقد أنه مادام أن مشروع نيوم يعتمد في نجاحه بشكل أساسي على الاستثمارات الخارجية، فمن الحكمة عدم صرف استثمارات ضخمة فيه قبل وجود التزام لهذه الاستثمارات. وأظنُّ أن جهاز الاستثمار الروسي – على سبيل المثال- هو وعد ونية بالاستثمار، وليس التزامًا بعدُ. وبالتالي من السابق لأوانه الحكم على حجم هذه الاستثمارات الأجنبية الآن. بينما يرى د. عبد الله بن صالح الحمود: مرحليًّا لابد من الإنفاق بتأسيس قاعدة أولية لمشروع بهذه الضخامة، والمتمثلة في البنى التحتية للمشروع. فكيف لنا أن نثبت للعالم أن لدينا مشروعًا مستقبليًّا دون أن نؤسس له قاعدة ينطلق منها؟!

نيوم مشروع صناعي أولًا:

ذكر د. خالد الرديعان أن كثيرًا من العامة وغير المتخصصين ليس لديهم أدنى فكرة عن مشروع نيوم، بل ويعتقد البعض أنه يشبه مشروع القدية (ترفيه فقط)؛ بسبب شح المعلومات، أو لكونها تقنية للغاية لا يدركها غير المتخصص؛ لذلك أرى ضرورة التواصل الإعلامي بهدف الإقناع وخلق الاطمئنان لدى الجمهور حول جدوى المشروع، والمتوقع منه مستقبلًا. والبعض يرى أنه مشروع انفتاح على الآخرين، وما يحمل ذلك من سلبيات عندما يربط المشروع بالترفيه. أتمنى أن يكون هناك جهاز علاقات عامة قوي يَتْبع المشروع، حتى يتواصل مع الجمهور بشكل أفضل؛ منعًا لسوء الفهم والتأويلات الخاطئة.

كما يُفترض التركيز على أن المشروع سيخلق عددًا كبيرًا من الوظائف والمهن، وأنه مشروع صناعي متقدم كذلك، فهذا يساعد في قبول الفكرة وتأييدها.

اتفق معه د. عبد الله بن صالح الحمود في أن هناك شُحًّا إعلاميًّا حول ما يُفترض أن يُنشر عن المشروع عامة. أضاف د. خالد الرديعان: إن زيارة الملك- حفظه الله- الأخيرة لمنطقة المشروع فكرة ممتازة للغاية للترويج لنيوم، لكن التغطية الإعلامية كانت أقلَّ مما يجبُ.

مشروع نيوم وحوافز الاستثمار الأجنبي:

أشار د. مساعد المحيا إلى أن أبرز ما حفَّز الشركات العالمية للاستثمار في تحويل مصانعهم إلى الصين هو ضمان وجود عمالة أرخص، وتنظيمات محفزة لهذه الشركات، مع ضمانات لحقوقها. وأظنُّ أن الشركات حتى تضخّ مبالغ مالية كبيرة في مكان جديد تحتاج لمثل ذلك، ويمكن البدء مع بعض الشركات العالمية بمنحها عروضًا مجانيةً، مع تقديم عدد من الخدمات الواسعة، ليكون حضور هذه الشركات أحد أبرز أساليب تسويق حضور ومشاركة الشركات العالمية، وهو منهج استخدمته مدينة دبي الإعلامية إبان نشأتها مع بعض المؤسسات الإعلامية.

وذكر د. عبد الله بن صالح الحمود أنه بدأ العمل بالفعل في مشروع نيوم، وذلك من خلال بحث سُبُل التعاون والاستثمار مع شبكة واسعة من المستثمرين الدوليين، كما تم البدء في تأسيس بعض ركائز البنى التحتية الرئيسة. ومع إعلان انطلاقة مشروع نيوم اليوم، فإن المفاوضات ستبدأ، والمباحثات ستنطلق مع المستثمرين المحتملين، والشركاء المستقبليين على الفور. وسيتم الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع نيوم بحلول عام 2025م. علَّق عليه د. رياض نجم بأن هذا هو الجانب الأهم في المشروع؛ المفاوضات والمباحثات التي ستبدأ مع المستثمرين والشركاء المحتملين. ربما أن أهم حوافز تُقدَّم لهؤلاء المستثمرين هي التسهيلات المالية والضريبية والتنظيمية.

جسر الملك سلمان كداعم لمشروع نيوم:

ذهب د. حامد الشراري إلى أنه لا شك أن هذا المشروع الكبير سيكون له إيجابيات كبيرة على مستقبل البلد في حالة نجاحه، والمقوم الرئيس لنجاحه هو عرَّابه الأمير محمد وإشرافه شخصيًّا عليه؛ كونه مشروع المستقبل.

كما أنني أرى أن المحرك الرئيس لهذا المشروع جسر الملك سلمان، الذي سيحقق دخلًا يُقدَّر بـ ٢٠٠ مليار سنويًّا.

بينما أ. محمد الدندني لا يعتقد أن الجسر سيكون المحرك الرئيس للمشروع، ولا يظنُّ أن قرار إنشائه من أجل نيوم، كذلك فإن ٢٠٠ مليار كثيرة جدًّا. علق د. يوسف الرشيدي بأن فكرة المدينة مبنية على التقنية الحديثة والذكاء الصناعي، وليس هناك شك من أن الاستثمار في هذا القطاع جاذب لكثير ممَّن يطمح أن يكون جزءًا من إيجاد مدينة متكاملة على هذا الطراز.

مدن العالم الكبرى لا يمكن تحويلها بالكامل، والسبب حجمها الكبير. نيوم أرض فضاء الآن، يتم بناؤها من الصفر، وستكون مصدرًا للطاقة النظيفة للمنطقة، ولعلها ستكون موردًا رئيسًا للكهرباء، وما شابه ذلك.

وذهب د. عبد الله بن صالح الحمود إلى أن المبلغ المُتوقّع كما ذكر هو 200 مليار دولار، وهو ليس أرباحًا سيتم جنيها؛ وإنما المقصود هنا إجمالي الأعمال التجارية المحققة من خدمة الجسر.

وأضاف د. عبد الله أنه بالنسبة لمسار الجسر، فإنه سيمرُّ من منطقة تبوك إلى جزيرة صنافير، ثم إلى منطقة النبق (أقرب نقطة في سيناء).، ثم يُحفر نفق إلى سيناء حتى لا يؤثر على الملاحة وخروج ودخول السفن الإسرائيلية والأردنية. كما يمرُّ من منطقة تبوك إلى جزيرة تيران، ثم إلى شرم الشيخ، وبالتالي سيكون إحدى دعائم نيوم.

في هذا السياق، تساءل أ. محمد الدندني: ما الذي يمكن أن يضيفه الجسر، لا تملك الدول المحيطة أن تضيفه إلى المدينة، من حيث أنشطة المدينة المقرر لها؟

يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن قُرب الجسر من مدينة نيوم يعني إضافة جيدة لها. والجسر عمومًا كان مخططًا له قبل نيوم. أضاف د. حامد الشراري أن الجسر يربط بين قارتين، ومدينة نيوم هي على مدخل الجسر، يبقى الجسر إحدى الدعائم لمدينة نيوم، وأعتقد أن أحد المحفزات بوجود نيوم هو هذا الربط.

أفكار حول (مدينة عصر المستقبل – نيوم):

أشار د. حامد الشراري إلى بعض الأفكار التي طرحها في أحد مقالاته حول مدينة نيوم؛ وذكر:

أولًا: مشروع “نيوم” هو نافذة رئيسة للتوسُّع في الجامعات المتخصصة، والجامعات هي القلب النابض والمحرك الرئيس في التنمية البشرية. لذا، قد يكون من المناسب البدء في التخطيط لإنشاء جامعة للتقنيات المتقدمة، شاملة لمراكز بحث وتطوير متقدمة، يكون متزامنًا مع البدء في تنفيذ مشروع “نيوم”، ويُختار لها موقع مناسب في المشروع، لتكون بيئة جاذبة لأفضل العقول العالمية.

ثانيًا: البدء في تأسيس مركز بيانات ضخم لدعم الحوسبة السحابية العالمية كأداة استثمارية، وبنية تحتية تقنية لخدمة البيئة الذكية المتطورة لمدينة “نيوم”.

ثالثًا: زيادة رأس مال “صندوق الصناديق” الحالي، والتوسُّع في دعم وتمويل المشروعات الابتكارية والواعدة.

رابعًا: تحتل المملكة المرتبة الثالثة عالميًّا في قائمة الدول الأكثر توفرًا على الموارد الطبيعية؛ لذا من المهم الشرط باستخدام هذه الموارد بشكل أساسي في مشروعات مدينة “نيوم”؛ كالمنتجات البترولية، والخامات المعدنية، ومواد أشباه الموصلات… إلخ.

خامسًا: جرت العادة أن تقدّم الجامعات العالمية المرموقة بفتح فروع لها في بعض دول العالم؛ لكن هل من الممكن فتح فرع لوادي السيلكون (تُشكل من أهم الشركات هناك)، أو نسخ الفكرة في مدينة “نيوم”؛ كونها بيئة للابتكار والإبداع في قطاعات مستقبلية وحيوية عديدة، ليكون حاضنًا لخريجي الجامعة المقترحة في النقطة الأولى، ومكان جذب للمتميزين من أبناء المنطقة والعالم؟

مقترحات ورؤى لمشروع نيوم:

ذكرت د. نوف الغامدي أنها كتبت مقالًا في هذا الصدد، ناقشت فيه بعض الأمور التي خطرت لها:

كنتُ قد اقترحت في المقال؛ إنشاء (شبكة إنترنت وطنيةNational Internet) فالتحديات الأمنية التي يفرضها الاستخدام المتزايد للإنترنت، والتخوف من اختراق الشبكات العسكرية وسرقة المعلومات الاستراتيجية، أو التحكم في الأنظمة العسكرية الإلكترونية، والهجمات الإلكترونية وعمليات التجسس- تفرض علينا اليوم “أمننة” وحوكمة الإنترنت، فمع التغيرات التقنية الهائلة اليوم، سنجد أن القوانين المحلية والتشريعات والجمارك لا تقلُّ أهمية عن السيطرة على الفضاء الإلكتروني كما هي الحال في الفضاء الحقيقي.

وَقّعت مدينة نيوم وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست” اتفاقية إنشاء مركز للتميّز العلمي، متخصص في أبحاث مشروع نيوم داخل حرم “كاوست”، هدف الاتفاق إلى توفير مركزٍ للأبحاث والتعليم، يقدِّم حلولًا تدعم مشروع نيوم، وتُسهم في دفع عجلة التنمية الوطنية في مجالات تشمل الطاقة المستدامة، وتخطيط المدن، والزراعة، وعلوم الزلازل، وتحلية المياه، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وأجهزة الاستشعار، وغيرها.

استخدام الروبوتات والأتمتة في المشروع سيشكِّل العامل الأساسي في نمو تعداد السكان في مدينة نيوم، فهي ستقلل من استخدام الأيدي العاملة العادية في الأعمال الشاقة أو الروتينية، بينما في المقابل سيزيد عدد الكفاءات والمهارات في مختلف المجالات ذات الطابع الإبداعي، وسيتم استقطابها من أجل التفرغ للابتكار على ترك الأعمال غير الإبداعية والمكررة أو الشاقة للروبوتات، وذلك سيسهم في زيادة الدخل للأفراد الذين لن يجدوا منافسة بذلك من الآلات.

“نيوم” مميزة جغرافيًّا، فهي تقع على مساحة 26.5 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقرب من مساحة “دولة بلجيكا”، وأكثر ما يميز هذه المدينة هو موقعها الاستراتيجي الذي يمكنها من أن تلعب دور حلقة الوصل بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، إذ يمكن لـ70% من سكان العالم الوصول للموقع خلال 8 ساعات كحد أقصى. إنَّ مشروعًا استراتيجيًّا كمشروع نيوم يحتاج إلى بنية تحتية صلبة تتمثل في التشييد والبناء، وبنية تحتية ناعمة تجسدها الأنظمة والقوانين، وبنية تحتية تقنية تتمثل في محاكاة المستقبل.

عند طرح مدينة نيوم للاكتتاب العام، ستكون مصدر سيولة لصندوق الاستثمارات العامة، حيث ستُطرح مدينة نيوم في الأسواق المالية بجانب شركة “أرامكو” السعودية؛ مما سيوفر سيولة كبيرة لصندوق الاستثمارات العامة، تتيح له إعادة استثمارها مرة أخرى، كما أن مشروع نيوم كقيمة استثمارية تتجاوز 1 تريليون و875 مليار ريال سعودي، مما يعد قفزة كبيرة في الناتج المحلي السعودي، وذلك يعتبر لمسة عبقرية على الفكرة الإبداعية لمشروع نيوم، حيث إنه يحقق الكثير من الأهداف الاقتصادية بمشروع واحد. ستصبح “نيوم” محور جذب لرواد الاستثمار المبتكر والجريء من العالم كله؛ مما سيساهم بشكل مباشر في ارتفاع الناتج المحلي السعودي بشكل ملحوظ.

التوصيات:

– توفير المناخ والبيئة الملائمة لنجاح الاستثمار في المشروع؛ كون غالبية نشاطه دوليًّا، من خلال تنظيمات محفّزة مع ضمانات واضحة للمستثمر.

– منح بعض الشركات العالمية عروضًا مجانية، مع تقديم عدد من الخدمات الواسعة، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي بعدد من اللغات الحية، لتسويق الفكرة عالميًّا كأحد أبرز أساليب تسويق المشروع.

– الاهتمام بالكوادر السعودية والرواد من الشباب، والاستفادة من برنامج مسك وبرامج موهبة، في تبني الطلبة المبدعين، ودمجهم في برامج ابتعاث مخصصة بما يحقّق متطلبات مدينة “نيوم” لإيجاد العنصر البشري الذي سيعمل ويقود هذه المدينة مستقبلًا.

– الاهتمام بالمحتوى المحلي كأحد أهم المقاييس لنجاح مشاريع المدينة، وكذلك دور استثمارات القطاع الخاص السعودي في المشروع، إذ تتحدث كل المؤشرات عن التركيز على الاستثمارات الأجنبية فيه.

– التركيز على التعليم ومراجعة التخصصات الجامعية، خاصة جامعة تبوك؛ لقربها من “نيوم” بما يتفق والمهن التي يتطلبها المشروع، والاستفادة من خبرات وبرامج مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبد الله “كاوست”، وتطوير المعاهد الفنية والتقنية فيما تحتاجه رؤية مدينة نيوم، وغيرها.

– إنشاء جامعة “نيوم” للتقنيات المتقدمة، شاملة مراكز بحث، بالتزامن مع البدء في تنفيذ المشروع، مع إمكانية فتح فرع لـ (وادي السيلكون) أو نسخ الفكرة في مدينة “نيوم”؛ كونها بيئة للابتكار والإبداع، ليكون حاضنًا لخريجي الجامعة المقترحة، ومكان جذب للمتميزين من أبناء المنطقة والعالم.

– وضع برنامج تعاون أو مذكرة تفاهم بين مركز الملك عبد الله المالي ومدينة نيوم، لتيسير السفر منه وإليه، بما يخدمه في التعامل والاستثمار مع بنوك الأوفشور العالمية وغيرها؛ ولما تتمتع به “نيوم” من تسهيلات السفر والإقامة، بما يعطيه أبعادًا دولية، وانفتاحًا على العالم الخارجي.

– السعي لأن تكون “نيوم” عاصمة مالية للاستثمارات والأبحاث والتقنية، سواء في مجال الاكتشاف أو الإنتاج أو الخدمات. وأن تستفيد من المدن الاقتصادية الكبرى لجذب استثمارات خارج نطاقها الصناعي والحضاري، تكون رافدًا لها في صناعات تكميلية، بجانب ما تقوم به هذه المدن من أنشطة.

– تأسيس مركز بيانات ضخم (قاعدة معلومات) لدعم الحوسبة السحابية العالمية كأداة استثمارية، وبنية تحتية تقنية لخدمة البيئة الذكية المتطورة لمدينة “نيوم”.

– تشجيع المستثمر الأجنبي؛ باستخدام الموارد الطبيعية للمملكة بشكل أساسي في مشروعات مدينة “نيوم”؛ كالمنتجات البترولية، والخامات المعدنية، ومواد أشباه الموصلات… إلخ، دعمًا للاقتصاد المحلي والناتج القومي.

– ربط مدينة نيوم (جسر الملك سلمان) بمدينة جدة، مرورًا بمدينة ينبع الصناعية، وكذلك ربطها بمدينة وعد الشمال وحزم الجلاميد بسكك حديد وطرق سريعة، لتكون منتجاتها من الفوسفات وغيره قريبة لأسواق الدول الغربية وإفريقيا؛ تقليلًا لتكلفة النقل، وتسهيلًا للحركة التجارية البينية مع مدينة نيوم.

– الاهتمام بإدماج وشراكة سكان منطقة نيوم الأصليين، والعمل معهم للحفاظ على الثقافة المحلية وتطويرها، ليكونوا عنصرًا فعّالا في استدامة التنمية، بطابع محلي ينبثق من أصالة ثقافة المجتمع، ويعطيها طابعها الخاص.

– الاستعانة بالخبراء الاجتماعيين المواطنين، لدراسة النقلة النوعية التي يمرُّ بها سكان المنطقة، والتخطيط للعمل على تكيفهم مع التحوُّل الحضري السريع الذي تشهده منطقة نيوم.

– زيادة الغطاء النباتي وتنمية الحياة الفطرية في المناطق الجبلية، والحفاظ على الأماكن الأثرية واستثمارها سياحيًّا، والحفاظ على بقايا السفينة الرابضة في البحر جنوب مدينة حقل على شاطئ خليج العقبة، وبقايا طائرة على شاطئ رأس الشيخ حميد.

– الحفاظ على البيئة وطبيعة المنطقة من التجريف الناتج من العمل الإنشائي للمدينة وخدماتها، وكذلك الشواطئ البحرية، بحيث تكون هناك مسافة كافية بينها وبين المباني ومنشآت المدينة، وأن تكون مفتوحة للعامة.

– تنظيم ورش عمل دورية مع إدارة مدينة “نيوم” وصندوق الاستثمارات العامة، يحضرها الإعلاميون والمهتمون؛ للتعريف بمشاريعها الإنشائية، ونشاطها الاستثماري، وتوظيفها بما يخدم الدولة والمجتمع.

– وضع جهاز علاقات عامة قوي يتبع المشروع، يتواصل مع الجمهور بشكل دائم، وعبر كل وسائط الاتصال؛ لتوضيح حقيقته وأهدافه على أنه صناعي متقدم، سيخلق عددًا كبيرًا من الوظائف والمهن؛ مما يساعد على تقبُّل الفكرة وتأييدها.

الملخص التنفيذي:

القضية: (نيوم: وجهة المستقبل).

يندرج مشروع نيوم ضمن رؤية المملكة 2030 من أجل تحويل السعودية إلى نموذج رائد عالميًّا في كل المجالات، عبر التركيز على جذب سلاسل القيمة في التقنية والصناعات داخل هذا المشروع، وذلك من خلال التركيز على تسعة قطاعات استثمارية متخصصة في منطقة “نيوم” من أجل مستقبل الحضارة الإنسانية، وهي: مستقبل الترفيه، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل التنقل، ومستقبل الطاقة والمياه، إضافة إلى مستقبل المعيشة، والذي يمثل أهم ركيزة لبقية المجالات؛ من أجل تحفيز التنوُّع الاقتصادي والنمو، وتحريك الصناعة المحلية عالميًّا، وتمكين عمليات التصنيع. وكذلك سيسهم مشروع نيوم في إيجاد وظائف جديدة، والمساهمة في الرفع من إجمالي الناتج المحلي في المملكة، وجذب الشراكات والاستثمارات الحكومية والاستثمارات الخاصة، إضافة إلى مستثمرين من داخل المملكة وخارجها.

أكدت الورقة الرئيسة أن ما جلبتهُ “رؤية السعودية 2030” أمرٌ كانَ مفقودًا في الخطط الخمسية السابقة، التي كانت تهدف إلى تنويع مصادر الدخل؛ فقد حددت خطّ نهاية زمني لتحقيق التنوُّع الاقتصادي، بما يفصح عن مرتكز جوهري، هو الإدراك التام أن الخطط لا تتحقق من تلقاء ذاتها؛ ولذا تَبِع الإعلان عن الرؤية إطلاق برامج لتحقيق الرؤية؛ أي لجعل “الرؤية السعودية 2030” حقيقةً ملموسة على أرض الواقع، وذلك من خلال إنجاز مجموعة من الأهداف.

وأضافت الورقة أن مشروع نيوم هو مشروع استثماري، يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي، بإثراء هيكله بأنشطة جديدة. كما أن مدينة “نيوم” تنطلق لتكون مدينة تصنع حضارة جديدة، حيث عدد الروبوتات المدعمة بالذكاء الاصطناعي يفوق عدد البشر، وتحت مظلة الذكاء الطبيعي والاصطناعي ستحتضن “نيوم” شبكة اقتصادية تُساعية الأضلاع: الطاقة والمياه، والمواصلات والتنقل، والتقنيات الحيوية، والصناعات الغذائية، والعلوم التقنية والرقمية، والتصنيع المتطور، والإعلام والإنتاج الإعلامي، والترفيه، والمعيشة بجودة حياة عالية.

وأشارت التعقيبات إلى أن نيوم هو أحد المشاريع العملاقة التي يتم بواسطتها تحقيق العديد من أهداف الرؤية، وأنه لا مجال للشك فيما يمكن أن تسهم به مدينة نيوم كمصدر دخل للدولة؛ إما عن طريق الاستثمار المباشر، أو من الضرائب على هذه المشاريع، والأهم هو جلب استثمارات أجنبية تغني خزينة الدولة من رسوم وضرائب أيضًا. هذا غير ما ستستوعبه من أيدٍ عاملة محلية وأجنبية، يكون لدخولهم أثرٌ مهمٌّ في الاقتصاد المحلي. كما أن مشروع نيوم تقنيٌّ من الدرجة الأولى، يركز على عدة جوانب للتقنية التي تحتاجها المملكة.

وذكرت التعقيبات أنه لم يلاحظ أن هناك اهتمامًا خاصًّا بدور استثمارات القطاع الخاص السعودي في المشروع، حيث إن كل المؤشرات تتحدث عن التركيز على الاستثمارات الأجنبية فيه.

وأشارت المداخلات التي جرت على هذه الورقة إلى أن مشروع نيوم سيوفِّر فرصًا جديدةً للاستثمار في قطاعات سيتم إنشاؤها من الصفر، بالإضافة إلى استفادة المستثمرين في المشروع من الموارد الطبيعية؛ كطاقة الرياح، والطاقة الشمسية.

وذهب المناقشون إلى أن أن مشروع نيوم سيأخذ عقودًا، بمعنى أن دخول الأنشطة الاقتصادية المتعددة لن يحدث إن لم يكن هناك استجابة عالمية مؤثرة، فحتى استثماريًّا المرتكز هو ما سيأتي من استثمارات وافدة، أما استثمارات صندوق الاستثمارات العامة فستكون البذرة فقط.

وحول مدى إمكانية أن المشروع سيكون مؤثرًا على رجال الأعمال، ووكلاء بعض الشركات التي تستورد السلع التي سيتم إنتاجها في نيوم، أكد المناقشون على أنه لن يكون هناك أي تأثير في المستقبل القريب والمتوسط، واحتمال أن يكون التأثير على المدى الطويل قليلًا، والسبب طبيعة المنتج في المدينة، حيث إنه ليس تقليديًّا كما هي الحال مع الوكلاء.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: توفير المناخ والبيئة الملائمة لنجاح الاستثمار في المشروع. الاهتمام بالكوادر السعودية والرواد من الشباب. الاهتمام بالمحتوى المحلي كأحد أهم المقاييس لنجاح مشاريع المدينة. السعي لأن تكون “نيوم” عاصمة مالية للاستثمارات والأبحاث والتقنية، سواء في مجال الاكتشاف، أو الإنتاج، أو الخدمات. تأسيس مركز بيانات ضخم (قاعدة معلومات) لدعم الحوسبة السحابية العالمية كأداة استثمارية. تشجيع المستثمر الأجنبي باستخدام الموارد الطبيعية للمملكة بشكل أساس في مشروعات مدينة “نيوم”. ربط مدينة نيوم (جسر الملك سلمان) بمدينة جدة، مرورًا بمدينة ينبع الصناعية، وكذلك ربطها بمدينة وعد الشمال وحزم الجلاميد بسكك حديد وطرق سريعة. زيادة الغطاء النباتي وتنمية الحياة الفطرية في المناطق الجبلية، والحفاظ على الأماكن الأثرية واستثمارها سياحيًّا. الحفاظ على البيئة وطبيعة المنطقة من التجريف، وأن تكون مفتوحة للعامة. وضع جهاز علاقات عامة قوي يتبع المشروع.


المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

  • المستشار إبراهيم ناظر (ضيف ملتقى أسبار).
  • د. إحسان أبو حليقة.
  • م. أسامة الكردي.
  • د. الجازي الشبيكي (رئيس الهيئة الإشرافية لملتقى أسبار).
  • أ. جمال ملائكة.
  • د. حامد الشراري.
  • م. حسام بحيري.
  • د. حمزة بيت المال.
  • د. حميد الشايجي.
  • د. حميد المزروع.
  • د. خالد الرديعان.
  • م. خالد العثمان.
  • د. رياض نجم.
  • د. ريم الفريان
  • د. زياد الدريس.
  • أ. عبد الله الضويحي.
  • د. عبد الله بن صالح الحمود.
  • د. عبد العزيز الحرقان.
  • د. عبير برهمين.
  • أ. فايزة الحربي.
  • د. فوزية البكر.
  • أ. محمد الدندني.
  • م. محمد الشهري.
  • د. محمد الملحم.
  • د. محمود رمضان (مُعِدّ التقرير).
  • د. مساعد المحيا.
  • د. مشاري النعيم.
  • د. نوف الغامدي (رئيس لجنة التقارير).
  • د. يوسف الرشيد.

تحميل المرفقات: التقرير الشهري 41

تحميل المرفقات

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa